للشيخ: محمد بن محمد بن خضر المقدسي.
المتوفى: سنة ثمان وثمانمائة.
حلف: الحِلْفُ والحَلِفُ: القَسَمُ لغتان، حَلَفَ أَي أَقْسَم يَحْلِفُ
حَلْفاً وحِلْفاً وحَلِفاً ومَحْلُوفاً، وهو أَحد ما جاء من المصادر على
مَفْعُولٍ مثل الـمَجْلُودِ والـمَعْقُولِ والـمَعْسُور والـمَيْسُورِ،
والواحدة حَلْفةٌ؛ قال امْرؤُ القيس:
حَلَفْتُ لَها باللّهِ حَلْفةَ فاجِرٍ:
لَنامُوا فما إنْ مِنْ حَدِيثٍ ولا صالي
ويقولون: مَحْلُوفةً باللّه ما قال ذلك، ينصبون على إضمار يَحْلِفُ
باللّه مَحْلُوفةً أَي قَسَماً، والمحلوفةُ هو القَسَمُ. الأَزهري عن
الأَحمر: حَلَفْتُ محلوفاً مصدر. ابن بُزُرج: لا ومَحْلُوفائه لا أَفْعَلُ، يريد
ومَحْلُوفِه فمَدَّها. وحَلَفَ أُحْلُوفة؛ هذه عن اللحياني. ورجل حالِفٌ
وحَلاَّفٌ وحَلاَّفةٌ: كثير الحَلِفِ. وأَحْلَفْتُ الرجُلَ وحَلَّفْتُه
واسْتَحْلفته بمعنًى واحد، ومثله أَرْهَبْتُه واسْتَرْهَبْتُه، وقد
اسْتَحْلَفَه باللّه ما فَعَلَ ذلك وحَلَّفَه وأَحْلَفَه؛ قال النمر بن
تَوْلَبٍ:
قامَتْ إليَّ فأَحْلَفْتُها
بِهَدْيٍ قَلائِدُه تَخْتَنِقْ
وفي الحديث: مَن حَلَفَ على يمين فرأَى غيرها خيراً منها؛ الحَلِفُ:
اليمين وأَصلُها العَقْدُ بالعَزْمِ والنية فخالف بين اللفظين تأْكيداً
لعَقْدِه وإعْلاماً أَنَّ لَغْو اليمينِ لا ينعقد تحته.
وفي حديث حذيفة قال له جُنْدَبٌ: تسْمَعُني أُحالِفُكَ منذ اليوم وقد
سَمِعْته من رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، فلا تَنهاني؛ أُحالِفُكَ
أُفاعِلُكَ من الحلف اليمين. والحِلْفُ، بالكسر، العَهْد يكون بين القوم.
وقد حالَفَه أَي عاهَدَه، وتحالفُوا أَي تعاهَدُوا. وفي حديث أَنس: حالَفَ
رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، بين المهاجرين والأَنصار في دارنا
مرَّتين أَي آخَى بينهم، وفي رواية: حالَفَ بين قريش والأَنصار أَي آخَى
بينهم لأَنه لا حِلْف في الإسْلام. وفي حديث آخر: لا حِلْف في الإسلام. قال
ابن الأَثير: أَصل الحِلْف الـمُعاقدةُ والـمُعاهَدَةُ على التَّعاضُدِ
والتساعُدِ والاتِّفاقِ، فما كان منه في الجاهلية على الفِتَنِ والقِتالِ
بين القبائل والغاراتِ فذلك الذي ورَدَ النَّهْيُ عنه في الإسلام بقوله،
صلى اللّه عليه وسلم: لا حِلْف في الإسلام، وما كان منه في الجاهلية على
نَصْرِ الـمَظْلُومِ وصلةِ الأَرْحامِ كحِلْفِ الـمُطَيِّبِينَ وما جَرى
مَجْراه فذلك الذي قال فيه رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم: وأَيُّمَا
حِلْفٍ كان في الجاهلية لم يَزِدْه الإسلامُ إلا شِدَّةً، يريد من
الـمُعاقدة على الخير ونُصْرةِ الحقّ، وبذلك يجتمع الحديثان، وهذا هو الحِلْفُ
الذي يَقْتَضِيه الإسلامُ والـمَمْنُوعُ منه ما خالَفَ حُكْمَ الإسلام،
وقيل: الـمُحالفة كانت قبل الفتح، وقوله لا حِلْفَ في الإسلام قاله زمن
الفتح؛ فكان ناسخاً وكان، عليه السلام، وأَبو بكر من الـمُطَيَّبينَ وكان
عمر من الأَحْلافِ، والأَحْلافُ سِتُّ قَبائِلَ: عبدُ الدَّارِ وجُمَحُ
ومَخْزُومٌ وبنو عَدِيٍّ وكعْبٌ وسَهْمٌ.
والحَلِيفُ: الـمُحالِفُ. الليث: يقال حالَف فلان فلاناً، فهو حَليفه،
وبينهما حِلْف لأَنهما تَحالَفا بالإيْمانِ أَن يكون أَمرُهما واحداً
بالوَفاء، فلما لزم ذلك عندهم في الأَحْلافِ التي في العشائر والقبائل صار
كلّ شيء لزم شيئاً فلم يُفارِقْه فهو حَلِيفُه حتى يقال: فلان حَلِيفُ
الجُودِ وفلان حَلِيفُ الإكْثارِ وفلان حلِيفُ الإقْلالِ؛ وأَنشد قول
الأَعشى:وشَرِيكَيْنِ في كثِيرٍ من الما
لِ، وكانا مُحالِفَيْ إقْلالِ
وحالَفَ فلان بَثَّه وحُزْنَه أَي لازَمَه. ابن الأَعرابي: الأَحْلافُ
في قريش خمس قبائل: عبدُ الدَّارِ وجُمَح وسَهْم ومَخْزوم وعديّ بن كعب،
سُمُّوا بذلك لـمّا أَرادَتْ بنو عبدِ مناف أَخذ ما في يَدَيْ عبدِ
الدَّار من الحجابة والرِّفادةِ واللِّواءِ والسِّقايةِ، وأَبَتْ بَنُو عبد
الدار، عَقَدَ كلّ قوم على أَمـْرِهِم حِلْفاً مؤكّداً على أَن لا يتخاذلوا،
فأَخرجت عبد مناف جَفْنة مـملوءة طيباً فوضعوها لأَحْلافهم في المسجد
عند الكعبة، وهم أَسَدٌ وزُهْرةُ وتَيْمٌ، ثم غَمَسَ القوم أَيديهم فيها
وتَعاقَدُوا ثم مسحوا الكعبة بأَيديهم توكيداً فسموا المطيَّبين، وتَعاقَدت
بنو عبد الدار وحُلفاؤها حلفاً آخر مؤكداً على أَن لا يتخاذلوا فسمو
الأَحْلافَ؛ وقال الكميت يذكرهم:
نَسَباً في الـمُطَيَّبينَ وفي الأَحْـ
ـلافِ حَلَّ الذُّؤابةَ الجُمْهُورا
قال: وروى ابن عيينة عن ابن جُرَيْجٍ عن أَبي مُلَيْكَةَ قال: كنت عند
ابن عباس فأَتاه ابن صَفْوان فقال: نِعْمَ الإمارةُ إمارةُ الأَحْلافِ
كانت لكم قال: الذي كان قبلها خير منها، كان رسول اللّه، صلى اللّه عليه
وسلم، من المطيَّبين وكان أَبو بكر من المطيبين، وكان عمر من الأَحْلافِ،
يعني إمارة عمر. وسمع ابن عباس نادِبة عمر، رضي اللّه عنه، وهي تقول: يا
سيِّدَ الأَحْلافِ فقال ابن عباس: نعم والـمُحْتَلَفِ عليهم، يعني
الـمُطيبين. قال الأَزهري: وإنما ذكرت ما اقْتَصَّه ابن الأَعرابي لأَن
القُتَيْبي ذكر الـمُطيبين والأَحْلافَ فَخَلَط فيما فسَّرَ ولم يؤدِّ القِصَّة
على وجهها، قال: وأَرجو أَن يكون ما رواه شمر عن ابن الأَعرابي صحيحاً.
وفي حديث ابن عباس: وجدنا وِلايةَ المطيَّبيّ خيراً من وِلاية
الأَحْلافيِّ، يريد أَبا بكر وعمر، يريد أَنَّ أَبا بكر كان من المطيبين وعمر من
الأَحْلاف؛ قال ابن الأَثير: وهذا أَحد ما جاء من النسب لا يُجْمَعُ لأَن
الأَحْلاف صار اسماً لهم كما صار الأَنصار اسماً للأَوْس والخَزْرج،
والأَحْلافُ الذين في شعر زهير هم: أَسَدٌ وغَطَفانُ لأَنهم تحالَفُوا على
التَّناصُرِ؛ قال ابن بري: والذي أَشار إليه من شعر زهير هو قوله:
تَدارَكْتُما الأَحْلافَ قد ثُلَّ عَرْشُها،
وُذُِبْيانَ قد زَلَّتْ بأْقْدامها النَّعْلُ
قال: وفي قوله أَيضاً:
أَلا أَبْلِغِ الأَحْلافَ عَنِّي رِسالةً
وذِبْيان: هل أَقْسَمْتُمُ كلَّ مَقْسَمِ؟
قال ابن سيده: والحَلِيفانِ أَسَدٌ وغَطَفانُ صفة لازِمةٌ لهما لُزُومَ
الاسم. ابن سيده: الحِلْفُ العَهْدُ لأَنه لا يُعْقَدُ إلا بالحَلِفِ.
والجمع أَحلاف. وقد حالَفَه مُحالَفَة وحِلافاً، وهو حِلْفُه وحَليفه؛ وقول
أَبي ذؤيب:
فَسَوْفَ تَقُولُ، إنْ هِيَ لم تَجِدْني:
أَخانَ العَهْدَ أَم أَثِيمَ الحَلِيفُ؟
الحَلِيف: الحالِفُ فيما كان بينه وبينها ليَفِيَنَّ، والجمع أَحْلافٌ
وحُلَفاء، وهو من ذلك لأَنهما تحالفا أَن يكون أَمرهما واحداً بالوفاء.
الجوهري: والأَحْلافُ أَيضاً قوم من ثَقِيفٍ لأَنَّ ثقيفاً فرقتان بنو مالك
والأَحْلافُ، ويقال لبني أَسَدٍ وطَيِّءٍ الحَلِيفان، ويقال أَيضاً
لفَزارةَ ولأَسَدٍ حَلِيفانِ لأَن خُزاعةَ لما أَجْلَتْ بني أَسد عن الحَرَم
خرجت فحالفت طيّئاً ثم حالفت بني فزارة.
ابن سيده: كل شيء مُخْتَلَف فيه، فهو مُحْلِفٌ لأَنه داعٍ إلى الحَلِفِ،
ولذلك قيل حَضارِ والوَزْنُ مُحْلِفــانِ، وذلك أَنهما نَجْمانِ
يَطْلُعانِ قبل سُهَيْل من مَطْلَعِه فيظنّ الناس بكل واحد منهما أَنه سُهيل،
فيحلف الواحد أَنه سهيل ويحلف الآخر أَنه ليس به. وناقة مُحْلِفــةٌ إذا شُكَّ
في سِمَنِها حتى يَدْعُوَ ذلك إلى الحلف. الأَزهري: ناقة مُحْلِفــةُ
السَّنام لا يُدْرى أَفي سَنامِها شحم أَم لا؛ قال الكميت:
أَطْلال مُحْلِفــةِ الرُّسُو
مِ بأَلْوَتَي بَرٍّ وفاجِرْ
أَي يَحْلِفُ اثْنان: أَحدهما على الدُّرُوسِ والآخر على أَنه ليس
بدارِسٍ فيبر أَحدهما في يمينه ويحنث الآخر، وهو الفاجر. ويقال: كُمَيْتٌ
مُحْلِفٌ إذا كان بين الأَحْوى والأَحَمّ حتى يختلف في كُمْتته، وكُمَيْتٌ
غير مُحلف إذا كان أَحْوَى خالِصَ الحُوَّة أَو أَحَمّ بَيِّنَ الحُمّةِ.
وفي الصحاح: كُمَيْتٌ مُحْلِفــةٌ وفرس مُحْلِفٌ ومُحْلِفــةٌ، وهو الكُمَيْت
الأَحَمُّ والأَحْوى لأَنهما مُتَدانِيانِ حتى يشكّ فيهما البَصِيرانِ
فيحلف هذا أَنه كُمَيْتٌ أَحْوى، ويحلف هذا أَنه كميت أَحَمُّ؛ قال ابن
كَلْحبة اليَرْبُوعي واسمه هُبَيْرةُ بن عبد مَناف وكَلْحَبةُ أُمه:
تُسائِلُني بَنُو جُشَمِ بن بَكْرٍ:
أَغَرَّاءُ العَرادةُ أَمْ بَهِيمُ؟
كَمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفــةٍ، ولكِنْ
كَلَوْنِ الصِّرْفِ عُلَّ به الأَديمُ
يعني أَنها خالصة اللون لا يُحْلَفُ عليها أَنها ليست كذلك، والصِّرْفُ:
شيء أَحْمر يُدْبَغُ به الجِلْدُ. وقال ابن الأَعرابي: معنى مُحلفــة هنا
أَنها فرس لا تُحْوِجُ صاحبَها إلى أَن يحلف أَنه رأَى مِثْلَها كرَماً،
والصحيح هو الأَول. والـــمُحْلِفُ من الغِلمان: المشكوك في احتلامه لأَن
ذلك ربما دعا إلى الحلف. الليث: أَحْلَفَ الغلامُ إذا جاوَز رِهاق
الحُلُم، قال: وقال بعضهم قد أَحْلَفَ. قال أَبو منصور: أَحْلَفَ الغُلام بهذا
المعنى خطأ، إنما يقال أَحْلَفَ الغلامُ إذا راهَقَ الحُلُم فاختلف
الناظرون إليه، فقائل يقول قد احْتَلَمَ وأَدْرَك ويحلف على ذلك، وقائل يقول
غير مُدْرِكٍ ويحلف على قوله. وكل شيء يختلف فيه الناس ولا يقِفُون منه على
أَمر صحيح، فهو مُحْلِفٌ. والعرب تقول للشيء الـمُخْتَلَفِ فيه:
مُحْلِفٌ ومُحْنِثٌ.
والحَلِيفُ: الحَديدُ من كل شيء، وفيه حَلافةٌ، وإنه لَحَلِيفُ اللسانِ
على المثل بذلك أَي حديدُ اللسان فصيحٌ. وسِنانٌ حَلِيفٌ أَي حَديد. قال
الأَزهري: أَراه جُعِلَ حليفاً لأَنه شُبِّه حِدَّةُ طرَفِه بَحِدَّةِ
أَطْرافِ الحَلْفاء. وفي حديث الحجاج أَنه قال ليزيد بن الـمُهَلَّب: ما
أَمْضى جَنانَه وأَحْلَفَ لِسانَه أَي ما أَمْضاه وأَذْرَبَه من قولهم
سِنانٌ حَلِيفٌ أَي حديد ماض.
والحَلَفُ والحَلْفاء: من نَباتِ الأَغْلاثِ، واحدتها حَلِفةٌ وحَلَفةٌ
وحَلْفاء وحَلْفاة؛ قال سيبويه: حَلْفاء واحدة وحَلْفاء للجميع لما كان
يقع للجميع ولم يكن اسماً كُسِّرَ عليه الواحد، أَرادوا أَن يكون الواحدُ
من بناء فيه علامة التأْنيث كما كان ذلك في الأَكثر الذي ليست فيه علامة
التأْنيث، ويقع مذكراً نحو التمر والبر والشعير وأَشباه ذلك، ولم
يُجاوِزُوا البناء الذي يقع للجميع حيث أَرادوا واحداً فيه علامة التأْنيث لأَنه
فيه علامة التأْنيث، فاكتفَوْا بذلك وبَيَّنُوا الواحدة بأَن وصفوها
بواحدة، ولم يَجِيئُوا بعلامة سِوى العلامة التي في الجمع لتَفْرُقَ بين هذا
وبين الاسم الذي يقع للجميع وليس فيه علامة التأْنيث نحو التمر
والبُسْر.، وأَرض حَلِفةٌ ومُحْلِفــةٌ: كثيرة الحَلْفاء. وقال أَبو حنيفة: أَرض
حَلِفةٌ تُنْبِتُ الحلفاء. الليث: الحلفاء نبات حَمْلُه قصَبُ النُّشَّابِ.
قال الأَزهري: الحلفاء نبت أَطْرافُه مُحَدَّدةٌ كأَنها أَطْرافُ سَعَفِ
النخل والخوص، ينبت في مغايِضِ الماء والنُزُوزِ، الواحدة حَلَفةٌ مثل
قَصَبةٍ وقَصْباءَ وطَرَفَةٍ وطَرْفاءَ. وقال سيبويه: الحلفاء واحد وجمع،
وكذلك طرْفاء وبُهْمَى وشُكاعى واحدة وجمع. ابن الأَعرابي: الحَلْفاء
الأَمـَةُ الصَّخَّابة. الجوهري: الحَلْفاء نبت في الماء، وقال الأَصمعي:
حَلِفة، بكسر اللام. وفي حديث بدر: أَنَّ عُتْبةَ بن رَبيعةَ بَرَزَ
لعُبيدةَ فقال: مَن أَنت؟ قال: أَنا الذي في الحَلْفاء؛ أَراد أَنا الأَسد
لأَنَّ مَأْوى الأَسَد الآجامُ ومَنابتُ الحلفاء، وهو نبت معروف، وقيل: هو
قصب لم يُدْرِكْ. والحلفاء: واحد يراد به الجمع كالقصْباء والطرْفاء، وقيل:
واحدته حَلْفاةٌ.
وحُلَيْفٌ وحَلِيفٌ: اسْمان. وذو الحُلَيْفةِ: موضعٌ؛ وقال ابن هَرْمةَ:
لمْ يُنْسَ رَكْبُك يومَ زالَ مَطِيُّهُمْ
مِنْ ذي الحُلَيْفِ، فصَبَّحُوا الـمَسْلُوقا
يجوز أَن يكون ذو الحُلَيْفِ عنده لُغةً في ذي الحُلَيْفةِ، ويجوز أَن
يكون حذف الهاء من ذي الحليفة في الشعر كما حذفها الآخر من العُذَيْبةِ في
قوله وهو كثير عَزَّةَ:
لَعَمْري، لَئِنْ أُمُّ الحكيم تَرَحَّلَتْ
وأَخْلَتْ بَخَيْماتِ العُذَيْبِ ظِلالَها
وإنما اسْمُ الماءِ العُذَيْبةُ، واللّه أَعلم.
حضر: الحُضورُ: نقيض المَغيب والغَيْبةِ؛ حَضَرَ يَحْضُرُ حُضُوراً
وحِضَارَةً؛ ويُعَدَّى فيقال: حَضَرَهوحَضِرَه
(* قوله: «فيقال حضرهوحضره
إلخ» أَي فهو من بابي نصر وعلم كما في القاموس). يَحْضُرُه، وهو شاذ،
والمصدر كالمصدر. وأَحْضَرَ الشيءَ وأَحْضَرَه إِياه، وكان ذلك بِحَضْرةِ فلان
وحِضْرَتِه وحُضْرَتِه وحَضَرِه ومَحْضَرِه، وكلَّمتُه بِحَضْرَةِ فلان
وبمَحَضْرٍ منه أَي بِمَشْهَدٍ منه، وكلمته أَيضاً بِحَضَرِ فلان،
بالتحريك، وكلهم يقول: بِحَضَرِ فلان، بالتحريك. الجوهري: حَضْرَةُ الرجل قُرْبهُ
وفِناؤّ. وفي حديث عمرو ابن سَلِمَة
(* قوله: «عمرو بن سلمة» كان يؤمّ
قومه وهو صغير، وكان أبوه فقيراً، وكان عليه ثوب خلق حتى قالوا غطوا عنا
أست قارئكم، فكسوه جبة. وكان يتلقى الوفد ويتلقف منهم القرآن فكان أكثر
قومه قرآناً، وأَمَّ بقومه في عهد، النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت له
منه سماع، وأبوهسلمة بكسر اللام، وفد على النبي، صلى الله عليه وسلم، كذا
بهامش النهاية). الجَرْمِيِّ: كنا بِحَضْرَةِ ماءٍ أَي عنده؛ ورجل
خاصِرٌ وقوم حُضَّرٌ وحُضُورٌ. وإِنه لحَسنُ الحُضْرَةِ والحِضْرَةِ إذا
حَضَرَ بخير. وفلان حَسَنُ المَحْضَرِ إِذا كان ممن يذكر الغئبَ بخير. وأَبو
زيد: هو رجل حَضِرٌ إِذا حَضَرَ بخير. ويقال: إِنه لَيَعْرِفُ مَنْ
بِحَضْرَتِهِ ومَنْ بِعَقْوَتِه.
الأَزهري: الحَضْرَةُ قُرْبُ الشيء، تقول: كنتُ بِحَضْرَةِ الدار؛
وأَنشد الليث:
فَشَلَّتْ يداه يومَ يَحْمِلُ رايَةً
إِلى نَهْشَلٍ، والقومُ حَضْرَة نَهْشَلِ
ويقال: ضربت فلاناً بِحَضُرَةِ فلان وبمَحْضَرِه. الليث: يقال حَضَرَتِ
الصلاة، وأَهل المدينة يقولون: حَضِرَتْ، وكلهم يقول تَحْضَرُ؛ وقال شمر:
يقال حَضِرَ القاضِيَ امرأَةٌ تَحْضَرُ؛ قال: وإِنما أُنْدِرَتِ التاء
لوقوع القاضي بين الفعل والمرأَة؛ قال الأَزهري: واللغة الجيدة حَضَرَتْ
تَحْضُرُ، وكلهم يقول تَحْضُرُ، بالضم؛ قال الجوهري: وأَنشدنا أَبو
ثَرْوانَ العُكْلِيُّ لجرير على لغة حَضِرَتْ:
ما مَنْ جَفانا إِذا حاجاتُنا حَضِرَتْ،
كَمَنْ لنا عندَه التَّكْريمُ واللَّطَفُ
والحَضَرُ: خلافُ البَدْوِ. والحاضِرُ: خلاف البادي. وفي الحديث: لا
يَبِعْ حاضِرٌ لِبادٍ؛ الحاضر: المقيم في المُدُنِ والقُرَى، والبادي:
المقيم بالبادية، والمنهي عنه أَن يأْتي البَدَوِيُّ البلدة ومعه قوت يبغي
التَّسارُعَ إِلى بيعه رخيصاً، فيقول له الحَضَرِيُّ: اتركه عندي لأُغالِيَ
في بيعه، فهذا الصنيع محرّم لما فيه من الإِضرار بالغير، والبيع إِذا جرى
مع المغالاة منعقد، وهذا إِذا كانت السِّلْعَةُ مما تعم الحاجة إِليها
كالأَقوات، فإِن كانت لا تعم أَو كَثُرَتِ الأَقواتُ واستغني عنها ففي
التحريم تردُّد يعوّل في أَحدهما على عموم ظاهر النهي وحَسْمِ بابِ
الضِّرارِ، وفي الثاني على معنى الضرورة. وقد جاء عن ابن عباس أَنه سئل لا يبع
حاضر لباد قال: لا يكون له سِمْساراً؛ ويقال: فلان من أَهل الحاضرة وفلان
من أَهل البادية، وفلان حَضَرِيٌّ وفلان بَدَوِيٌّ.
والحِضارَةُ: الإِقامة في الحَضَرِ؛ عن أَبي زيد. وكان الأَصمعي يقول:
الحَضارَةُ، بالفتح؛ قال القطامي:
فَمَنْ تَكُنِ الحَضَارَةُ أَعْجَبَتْه،
فأَيَّ رجالِ بادِيَةٍ تَرانَا
ورجل حَضِرٌ: لا يصلح للسفر. وهم حُضُورٌ أَي حاضِرُونَ، وهو في الأَصل
مصدر.
والحَضَرُ والحَضْرَةُ والحاضِرَةُ: خلاف البادية، وهي المُدُنُ
والقُرَى والرِّيفُ، سميت بذلك لأَن أَهلها حَضَرُوا الأَمصارَ ومَساكِنَ الديار
التي يكون لهم بها قَرارٌ، والبادية يمكن أَن يكون اشتقاقُ اسمِها من
بَدا يَبْدُو أَي بَرَزَ وظهر ولكنه اسم لزم ذلك الموضعَ خاصةً دونَ ما
سواه؛ وأَهل الحَضَرِ وأَهل البَدْوِ.
والحاضِرَةُ والحاضِرُ: الحَيُّ العظيم أَو القومُ؛ وقال ابن سيده:
الحَيُّ إِذا حَضَرُوا الدارَ التي بها مُجْتَمَعُهُمْ؛ قال:
في حاضِرٍ لَجِبٍ بالليلِ سامِرُهُ،
فيهِ الصَّواهِلُ والرَّاياتُ والعَكَرُ
فصار الحاضر اسماً جامعاً كالحاجِّ والسَّامِرِ والجامِل ونحو ذلك. قال
الجوهري: هو كما يقال حاضِرُ طَيِّءٍ، وهو جمع، كما يقال سامِرٌ
للسُّمَّار وحاجٌّ للحُجَّاج؛ قال حسان:
لنا حاضِرٌ فَعْمٌ وبادٍ، كَأَنَّهُ
قطِينُ الإِلهِ عِزَّةً وتَكَرُّما
وفي حديث أُسامة: وقد، أَحاطوا بحاضر فَعْمٍ. الأَزهري: العرب تقول
حَيٌّ حاضِرٌ، بغير هاء، إِذا كانوا نازلين على ماءٍ عِدٍّ، يقال: حاضِرُ بني
فلانٍ على ماءِ كذا وكذا، ويقال للمقيم على الماء: حاضرٌ، وجمعه
حُضُورٌ، وهو ضدّ المسافر، وكذلك يقال للمقيم: شاهدٌ وخافِضٌ. وفلان حاضِرٌ
بموضع كذا أَي مقيم به. ويقال: على الماء حاضِرٌ وهؤلاء قوم حُضَّارٌ إِذا
حَضَرُوا المياه، ومَحاضِرُ؛ قال لبيد:
فالوادِيانِ وكلُّ مَغْنًى مِنْهُمُ،
وعلى المياهِ مَحاضِرٌ وخِيامُ
قال ابن بري: هو مرفوع بالعطف على بيت قبله وهو:
أَقْوَى وعُرِّيَ واسِطٌ فَبِرامُ،
من أَهلِهِ، فَصُوائِقٌ فَخُزامُ
وبعده:
عَهْدِي بها الحَيَّ الجميعَ، وفيهمُ،
قبلَ التَّفَرُّقِ، مَيْسِرٌ ونِدامُ
وهذه كلها أَسماء مواضع. وقوله: عهدي رفع بالابتداء، والحيّ مفعول بعهدي
والجميع نعته، وفيهم قبل التفرّق ميسر: جملة ابتدائية في موضع نصب على
الحال وقد سدّت مسدّ خبر المبتدإِ الذي هو عهدي على حد قولهم: عهدي بزيد
قائماً؛ وندام: يجوز أَن يكون جمع نديم كظريف وظراف ويجوز أَن يكون جمع
ندمان كغرثان وغراث.
قال: وحَضَرَةٌ مثل كافر وكَفَرَةٍ. وفي حديث آكل الضب: أَنَّى
تَححضُرُنِي منَ اللهِ حاضِرَةٌ؛ أَراد الملائكة الذين يحضرونه. وحاضِرَةٌ: صفة
طائفة أَو جماعة. وفي حديث الصبح: فإِنها مَشْهُودَة مَحْضُورَةٌ؛ أَي
يحضرها ملائكة الليل والنهار. وحاضِرُو المِياهِ وحُضَّارُها: الكائنون
عليها قريباً منها لأَنهم يَحْضُرُونها أَبداً. والمَحْضَرُ: المَرْجِعُ إِلى
المياه. الأَزهري: المحضَر عند العرب المرجع إِلى أَعداد المياه،
والمُنْتَجَعُ: المذهبُ في طلب الكَلإِ، وكل مُنْتَجَعٍ مَبْدًى، وجمع
المَبْدَى مَبادٍ، وهو البَدْوُ؛ والبادِيَةُ أَيضاً: الذين يتباعدون عن أَعداد
المياه ذاهبين في النُّجَعِ إِلى مَساقِط الغيث ومنابت الكلإِ.
والحاضِرُون: الذين يرجعون إِلى المَحاضِرِ في القيظ وينزلون على الماء العِدِّ ولا
يفارقونه إِلى أَن يقع ربيع بالأَرض يملأُ الغُدْرانَ فينتجعونه، وقوم
ناجِعَةٌ ونواجِعُ وبادِيَةٌ وبوادٍ بمعنى واحد.
وكل من نزل على ماءٍ عِدٍّ ولم يتحوّل عنه شتاء ولا صيفاً، فهو حاضر،
سواء نزلوا في القُرَى والأَرْياف والدُّورِ المَدَرِيَّة أَو بَنَوُا
الأَخْبِيَةَ على المياه فَقَرُّوا بها ورَعَوْا ما حواليها من الكلإِ. وأَما
الأَعراب الذين هم بادية فإِنما يحضرون الماء العِدَّ شهور القيظ لحاجة
النَّعَمِ إِلى الوِرْدِ غِبّاً ورَفْهاً وافْتَلَوُا الفَلَوَاِ
المُكْلِئَةَ، فإِن وقع لهم ربيع بالأَرض شربوا منه في مَبْدَاهُمْ الذي
انْتَوَوْهُ، فإِن استأْخر القَطْرُ ارْتَوَوْا على ظهور الإِبل بِشِفاهِهِمْ
وخيلهم من أَقرب ماءٍ عِدٍّ يليهم، ورفعوا أَظْماءَهُمْ إِلى السَّبْعِ
والثِّمْنِ والعِشْرِ، فإِن كثرت فيه الأَمطار والْتَفَّ العُشْبُ
وأَخْصَبَتِ الرياضُ وأَمْرَعَتِ البلادُ جَزَأَ النَّعَمُ بالرَّطْبِ واستغنى عن
الماء، وإِذا عَطِشَ المالُ في هذه الحال وَرَدَتِ الغُدْرانَ
والتَّناهِيَ فشربتْ كَرْعاً وربما سَقَوْها من الدُّحْلانِ. وفي حديث عَمْرِو بن
سَلِمَةَ الجَرْمِيّ: كنا بحاضِرٍ يَمُرُّ بنا الناسُ؛ الحاضِرُ: القومُ
النُّزُولُ على ماء يقيمون به ولا يَرْحَلُونَ عنه. ويقال للمَناهِل:
المَحاضِر للاجتماع والحضور عليها. قال الخطابي: ربما جعلوا الحاضِرَ اسماً
للمكان المحضور. يقال: نزلنا حاضِرَ بني فلان، فهو فاعل بمعنى مفعول. وفي
الحديث: هِجْرَةُ الحاضِرِ؛ أَي المكان المحضور.
ورجل حَضِرٌ وحَضَرٌ: يَتَحَيَّنُ طعام الناس حتى يَحْضُرَهُ. الأَزهري
عن الأَصمعي: العرب تقول: اللَّبَنُ مُحْتَضَرٌ ومَحْضُورٌ فَغَطِّهِ أَي
كثير الآفة يعني يَحْتَضِرُه الجنّ والدواب وغيرها من أَهل الأَرض،
والكُنُفُ مَحْضُورَةٌ. وفي الحديث: إِن هذه الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ؛ أَي
يحضُرها الجنّ والشياطين. وقوله تعالى: وأَعوذ بك رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ؛
أَي أَن تصيبني الشياطين بسوء.
وحُضِرَ المريض واحْتُضِرَ إِذا نزل به الموتُ؛ وحَضَرَنِي الهَمُّ
واحْتَضَرَ بيِ وتَحَضَّرَنِي. وفي الحديث: أَنه، عليه الصلاة والسلام،
ذَكَرَ الأَيامَ وما في كل منها من الخير والشر ثم قال: والسَّبْتُ أَحْضَرُ
إِلا أَن له أَشْطُراً؛ أَي هو أَكثر شرّاً، وهو أَفْعَلُ من الحُضُورِ؛
ومنه قولهم: حُضِرَ فلان واحْتُضِرَ إِذا دنا موته؛ قال ابن الأَثير: وروي
بالخاءِ المعجمة، وقيل: هو تصحيف، وقوله: إِلا أَن له أَشْطُراً أَي
خيراً مع شره؛ ومنه: حَلَبَ الدهرَ الأَشْطُرَهُ أَي نال خَيْرَهُ وشَرَّه.
وفي الحديث: قُولُوا ما يَحْضُرُكُمْ
(* قوله: «قولوا ما يحضركم» الذي في
النهاية قولوا ما بحضرتكم)؛ أَي ما هو حاضر عندكم موجود ولا تتكلفوا
غيره.
والحَضِيرَةُ: موضع التمر، وأَهل الفَلْحِ
(* قوله: «وأهل الفلح» بالحاء
المهملة والجيم أَي شق الأَرض للزراعة). يُسَمُّونها الصُّوبَةَ، وتسمى
أَيضاً الجُرْنَ والجَرِينَ. والحَضِيرَةُ: جماعة القوم، وقيل:
الحَضِيرَةُ من الرجال السبعةُ أَو الثمانيةُ؛ قال أَبو ذؤيب أَو شهاب
ابنه:رِجالُ حُرُوبٍ يَسْعَرُونَ، وحَلْقَةٌ
من الدار، لا يأْتي عليها الحضائِرُ
وقيل: الحَضِيرَةُ الأَربعة والخمسة يَغْزُونَ، وقيل: هم النَّفَرُ
يُغْزَى بهم، وقيل: هم العشرة فمن دونهم؛ الأَزهري: قال أَبو عبيد في قول
سَلْمَى الجُهَنِيَّةِ تمدح رجلاً وقيل ترثيه:
يَرِدُ المِياهَ حَضِيرَةً ونَفِيضَةً،
وِرْدَ القَطاةِ إِذا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ
اختلف في اسم الجهنية هذه فقيل: هي سلمى بنت مَخْدَعَةَ الجهنية؛ قال
ابن بري: وهو الصحيح، وقال الجاحظ: هي سُعْدَى بنت الشَّمَرْدَل الجهنية.
قال أَبو عبيد: الحَضِيرَةُ ما بين سبعة رجال إِلى ثمانية، والنَّفِيضَةُ:
الجماعة وهم الذين يَنْفُضُونَ. وروى سلمة عن الفراء قال: حَضِيرَةُ
الناس ونَفِيضَتُهم الجماعَةُ. قال شمر في قوله حضيرةً ونفيضةً، قال: حضيرة
يحضرها الناس يعني المياه ونفيضة ليس عليها أَحد؛ حكي ذلك عن ابن
الأَعرابي ونصب حضيرة ونفيضة على الحال أَي خارجة من المياه؛ وروي عن الأَصمعي:
الحضيرة الذين يحضرون المياه، والنفيضة الذين يتقدمون الخيل وهم الطلائع؛
قال الأَزهري: وقول ابن الأَعرابي أَحسن. قال ابن بري: النفيضة جماعة
يبعثون ليكشفوا هل ثَمَّ عدوّ أَو خوف. والتُّبَّعُ: الظل. واسْمَأَلَّ:
قَصُرَ، وذلك عند نصف النهار؛ وقبله:
سَبَّاقُ عادِيةٍ ورأْسُ سَرِيَّةٍ،
ومُقاتِلٌ بَطَلٌ وَهادٍ مِسْلَعُ
المِسْلَعُ: الذي يشق الفلاة شقّاً، واسم المَرْثِيِّ أَسْعَدُ وهو أَخو
سلمى؛ ولهذا تقول بعد البيت:
أَجَعَلْتَ أَسْعَدَ لِلرِّماحِ دَرِيئَةً،
هَبَلَتْكَ أُمُّكَ أَيَّ جَرْدٍ تَرْقَعُ؟
الدَّرِيئَةُ: الحَلْقَةُ التي يتعلم عليها الطعن؛ والجمع الحضائر؛ قال
أَبو شهاب الهذلي:
رِجالُ حُرُوبٍ يَسْعَرُونَ، وحَلْقَةٌ
من الدار، لا تَمْضِي عليها الحضائِرُ
وقوله رجال بدل من معقل في بيت قبله وهو:
فلو أَنهمْ لم يُنْكِرُوا الحَقَّ، لم يَزَلْ
لهم مَعْقِلٌ مِنَّا عَزيزٌ وناصِرُ
يقول: لو أَنهم عرفوا لنا محافظتنا لهم وذبَّنا عنهم لكان لهم منا
مَعْقِلٌ يلجؤُون إِليه وعز ينتهضون به. والحَلْقَةُ: الجماعة. وقوله: لا تمضي
عليها الحضائر أَي لا تجوز الحضائر على هذه الحلقة لخوفهم منها. ابن
سيده: قال الفارسي حَضيرَة العسكر مقدّمتهم. والحَضِيرَةُ: ما تلقيه المرأَة
من وِلادِها. وحَضِيرةُ الناقة: ما أَلقته بعد الولادة. والحَضِيرَةُ:
انقطاع دمها. والحَضِيرُ: دمٌ غليظ يجتمع في السَّلَى. والحَضِيرُ: ما
اجتمع في الجُرْحِ من جاسِئَةِ المادَّةِ، وفي السَّلَى من السُّخْدِ ونحو
ذلك. يقال: أَلقت الشاةُ حَضِيرتَها، وهي ما تلقيه بعد الوَلَدِ من
السُّخْدِ والقَذَى. وقال أَبو عبيدة: الحَضِيرَةُ الصَّاءَةُ تَتْبَعُ
السَّلَى وهي لفافة الولد.
ويقال للرجل يصيبه اللَّمَمُ والجُنُونُ: فلان مُحْتَضَرٌ؛ ومنه قول
الراجز:
وانْهَمْ بِدَلْوَيْكَ نَهِيمَ المُحْتَضَرْ،
فقد أَتتكَ زُمَراً بعد زُمَرْ
والمُحْتَضِرُ: الذي يأْتي الحَضَرَ. ابن الأَعرابي: يقال لأُذُنِ
الفيل: الحاضِرَةُ ولعينه الحفاصة
(* قوله: «الحفاصة» كذا بالأصل بدون نقط
وكتب بهامشه بدلها العاصة). وقال: الحَضْرُ التطفيل وهو الشَّوْلَقِيُّ وهو
القِرْواشُ والواغِلُ، والحَضْرُ: الرجل الواغِلُ الرَّاشِنُ.
والحَضْرَةُ: الشِّدَّةُ. والمَحْضَرُ: السِّجِلُّ. والمُحاضَرَةُ: المجالدة، وهو
أَن يغالبك على حقك فيغلبك عليه ويذهب به. قال الليث: المُحاضَرَةُ أَن
يُحاضِرَك إِنسان بحقك فيذهب به مغالبةً أَو مكابرة. وحاضَرْتُه: جاثيته
عند السلطان، وهو كالمغالبة والمكاثرة. ورجل حَضْرٌ: ذو بيان. وتقول:
حَضَارِ بمعنى احْضُرْ، وحَضَارِ، مبنية مؤنثة مجرورة أَبداً: اسم كوكب؛ قال
ابن سيده: هو نجم يطلع قبل سُهَيْلٍ فتظن الناس به أَنه سهيل وهو أَحد
الــمُحْلِفَــيْنِ. الأَزهري: قال أَبو عمرو بن العلاء يقال طلعت حَضَارِ
والوَزْنُ، وهما كوكبان يَطْلُعانِ قبل سهيل، فإِذا طلع أَحدهما ظن أَنه سهيل
للشبه، وكذلك الوزن إِذا طلع، وهما مُحْلِفــانِ عند العرب، سميا
مُحْلِفَــيْنِ لاخْتِلافِ الناظرين لهما إِذا طلعا، فيحلف أَحدهما أَنه سهيل ويحلف
الآخر أَنه ليس بسهيل؛ وقال ثعلب: حَضَارِ نجم خَفِيٌّ في بُعْدٍ؛
وأَنشد:أَرَى نارَ لَيْلَى بالعَقِيقِ كأَنَّها
حَضَارِ، إِذا ما أَعْرَضَتْ، وفُرُودُها
الفُرُودُ: نجوم تخفى حول حَضَارِ؛ يريد أَن النار تخفى لبعدها كهذا
النجم الذي يخفى في بعد. قال سيبويه: أَما ما كان آخره راء فإن أَهل الحجاز
وبني تميم متفقون فيه، ويختار فيه بنو تميم لغة أَهل الحجاز، كما اتفقوا
في تراك الحجازية لأَنها هي اللغة الأُولى القُدْمَى، وزعم الخليل أَن
إِجْناحَ الأَلف أَخفُّ عليهم يعني الإِمالةَ ليكون العمل من وجه واحد،
فكرهوا تركَ الخِفَّةِ وعلموا أَنهم إِن كسروا الراء وصلوا إِلى ذلك وأَنهم
إِن رفعوا لم يصلوا؛ قال: وقد يجوز أَن ترفع وتنصب ما كان في آخره الراء،
قال: فمن ذلك حَضَارِ لهذا الكوكب، وسَفَارِ اسم ماء، ولكنهما مؤنثان
كماوِيَّةَ؛ وقال: فكأَنَّ تلك اسم الماءة وهذه اسم الكوكبة.
والحِضارُ من الإِبل: البيضاء، الواحد والجمع في ذلك سواء. وفي الصحاح:
الحِضارُ من الإِبل الهِجانُ؛ قال أَبو ذؤيب يصف الخمر:
فما تُشْتَرَى إِلاَّ بِرِبْحٍ، سِباؤُها
بَناتُ المَخاضِ: شُؤمُها وحِضارُها
شومها: سودها؛ يقول: هذه الخمر لا تشترى أَلا بالإِبل السود منها
والبيض؛ قال ابن بري: والشوم بلا همز جمع أَشيم وكان قياسه أَن يقال شِيمٌ
كأَبيض وبِيضٍ، وأَما أَبو عمرو الشَّيْباني فرواه شيمها على القياس وهما
بمعنًى، الواحدُ أَشْيَمُ؛ وأَما الأَصمعي فقال: لا واحد له، وقال عثمان بن
جني: يجوز أَن يجمع أَشْيَمُ على شُومٍ وقياسه شِيمٌ، كما قالوا ناقة
عائط للتي لم تَحْمِلْ ونوق عُوط وعِيط، قال: وأَما قوله إِن الواحد من
الحِضَارِ والجمعَ سواء ففيه عند النحويين شرح، وذلك أَنه قد يتفق الواحد
والجمع على وزن واحد إِلا أَنك تقدّر البناء الذي يكون للجمع غير البناء
الذي يكون للواحد، وعلى ذلك قالوا ناقة هِجانٌ ونوق هِجانٌ، فهجان الذي هو
جمع يقدّر على فِعَالٍ الذي هو جمعٌ مثل ظِرافٍ، والذي يكون من صفة المفرد
تقدره مفرداً مثل كتاب، والكسرة في أَول مفرده غير الكسرة التي في
أَوَّل جمعه، وكذلك ناقة حِضار ونوق حِضار، وكذلك الضمة في الفُلْكِ إِذا كان
المفردَ غَيْرُ الضمة التي تكون في الفلك إِذا كان جمعاً، كقوله تعالى:
في الفُلْكِ المشحون؛ هذه الضمة بإِزاء ضمة القاف في قولك القُفْل لأَنه
واحد، وأَما ضمة الفاء في قوله تعالى: والفُلْكِ التي تجري في البحر: فهي
بإِزاء ضمة الهمزة في أُسْدٍ، فهذه تقدّرها بأَنها فُعْلٌ التي تكون
جمعاً، وفي الأَوَّل تقدرها فَعْلاً التي هي للمفرد. الأَزهري: والحِضارُ من
الإِبل البيض اسم جامع كالهِجانِ؛ وقال الأُمَوِيُّ: ناقة حِضارٌ إِذا
جمعت قوّة ورِحْلَةً يعني جَوْدَةَ المشي؛ وقال شمر: لم أَسمع الحِضارَ
بهذا المعنى إِنما الحِضارُ بيض الإِبل، وأَنشد بيت أَبي ذؤيب شُومُها
وحِضارُها أَي سودها وبيضها.
والحَضْراءُ من النوق وغيرها: المُبادِرَةُ في الأَكل والشرب. وحَضارٌ:
اسم للثور الأَبيض.
والحَضْرُ: شَحْمَةٌ في العانة وفوقها. والحُضْرُ والإِحْضارُ: ارتفاع
الفرس في عَدْوِه؛ عن الثعلبية، فالحُضْرُ الاسم والإِحْضارُ المصدر.
الأَزهري: الحُضْرُ والحِضارُ من عدو الدواب والفعل الإِحْضارُ؛ ومنه حديث
وُرُودِ النار: ثم يَصْدُرُونَ عنها بأَعمالهم كلمح البرق ثم كالريح ثم
كحُضْرِ الفرس؛ ومنه الحديث أَنه أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ حُضْرَ فرسه بأَرض
المدينة؛ ومنه حديث كعبِ بن عُجْرَةَ: فانطلقتُ مُسْرِعاً أَو مُحْضِراً
فأَخذتُ بِضَبُعِهِ. وقال كراع: أَحْضَرَ الفرسُ إِحْضَاراً وحُضْراً،
وكذلك الرجل، وعندي أَن الحُضْرَ الاسم والإِحْضارَ المصدرُ. واحْتَضَرَ
الفرسُ إِذا عدا، واسْتَحْضَرْتُه: أَعْدَيْتُه؛ وفرس مِحْضِيرٌ، الذكر
والأُنثى في ذلك سواء. وفرس مِحْضِيرٌ ومِحْضارٌ، بغير هاء للأُنثى، إِذا كان
شديد الحُضْرِ، وهو العَدْوُ. قال الجوهري: ولا يقال مِحْضار، وهو من
النوادر، وهذا فرس مِحْضير وهذه فرس مِحْضِيرٌ. وحاضَرْتُهُ حِضاراً:
عَدَوْتُ معه.
وحُضَيْرُ الكتائِب: رجلٌ من سادات العرب، وقد سَمَّتْ حاضِراً
ومُحاضِراً وحُضَيْراً. والحَضْرُ: موضع. الأَزهري: الحَضْرُ مدينة بنيت قديماً
بين دِجْلَةَ والفُراتِ. والحَضْرُ: بلد بإِزاء مَسْكِنٍ. وحَضْرَمَوْتُ:
اسم بلد؛ قال الجوهري: وقبيلة أَيضاً، وهما اسمان جعلا واحداً، إِن شئت
بنيت الاسم الأَول على الفتح وأَعربت الثاني إِعراب ما لا ينصرف فقلت:
هذا حَضْرَمَوْتُ، وإِن شئت أَضفت الأَول إِلى الثاني فقلت: هذا
حَضْرُمَوْتٍ، أَعربت حضراً وخفضت موتاً، وكذلك القول في سامّ أَبْرَض
ورَامَهُرْمُز، والنسبة إِليه حَضْرَمِيُّ، والتصغير حُضَيْرُمَوْتٍ، تصغر الصدر
منهما؛ وكذلك الجمع تقول: فلان من الحَضارِمَةِ. وفي حديث مصعب بن عمير: أَنه
كان يمشي في الحَضْرَمِيِّ؛ هو النعل المنسوبة إِلى حَضْرَمَوْت المتخذة
بها.
وحَضُورٌ: جبل باليمن أَو بلد باليمن، بفتح الحاء؛ وقال غامد:
تَغَمَّدْتُ شَرّاً كان بين عَشِيرَتِي،
فَأَسْمَانِيَ القَيْلُ الحَضُورِيُّ غامِدَا
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: كُفِّنَ رسولُ الله، صلى الله عليه
وسلم، في ثوبين حَضُورِيَّيْن؛ هما منسوبان إِلى حَضُورٍ قرية باليمن. وفي
الحديث ذكر حَضِيرٍ، وهو بفتح الحاء وكسر الضاد، قاع يسيل عليه فَيْضُ
النَّقِيع، بالنون.
حكف: الأَزهري خاصّة: ابن الأَعرابي الحُكُوفُ الاسْتِرْخاء في العَمَل.
عرر: العَرُّ والعُرُّ والعُرَّةُ: الجربُ، وقيل: العَرُّ، بالفتح،
الجرب، وبالضم، قُروحٌ بأَعناق الفُصلان. يقال: عُرَّت، فهي مَعْرُورة؛ قال
الشاعر:
ولانَ جِلْدُ الأَرضِ بعد عَرِّه
أَي جَرَبِه، ويروى غَرّه، وسيأْتي ذكره؛ وقيل: العُرُّ داءٌ يأْخذ
البعير فيتمعّط عنه وَبَرُه حتى يَبْدُوَ الجلدُ ويَبْرُقَ؛ وقد عَرَّت
الإِبلُ تَعُرُّ وتَعِرُّ عَرّاً، فهي عارّة، وعُرَّتْ. واستعَرَّهم الجربُ:
فَشَا فيهم. وجمل أَعَرُّ وعارٌ أَي جَرِبٌ. والعُرُّ، بالضم: قروح مثل
القُوَباء تخرج بالإِبل متفرقة في مشافرها وقوائمها يسيل منها مثلُ الماء
الأَصفر، فتُكْوَى الصِّحاحُ لئلا تُعْدِيها المِراضُ؛ تقول منه: عُرَّت
الإِبلُ، فهي مَعْرُورة؛ فهي مَعْرُورة؛ قال النابغة:
فحَمَّلْتَنِي ذَنْبَ امْرِئٍ وتَرَكْتَه،
كذِي العُرِّ يُكْوَى غيرُه، وهو راتِعْ
قال ابن دريد: من رواه بالفتح فقد غلط لأَن الجرَب لا يُكْوى منه؛
ويقال: به عُرَّةٌ، وهو ما اعْتَراه من الجنون؛ قال امرؤ القيس:
ويَخْضِدُ في الآرِيّ حتى كأَنما
به عُرَّةٌ، أَو طائِفٌ غيرُ مُعْقِب
ورجل أَعَرُّ بيّنُ العَرَرِ والعُرُورِ: أَجْرَبُ، وقيل: العَرَرُ
والعُرُورُ الجرَبُ نفسه كالعَرِّ؛ وقول أَبي ذؤيب:
خَلِيلي الذي دَلَّى لِغَيٍّ خَلِيلَتي
جِهاراً، فكلٌّ قد أَصابَ عُرُورَها
والمِعْرارُ من النخل: التي يصيبها مثل العَرّ وهو الجرب؛ حكاه أَبو
حنيفة عن التَّوَّزِيّ؛ واستعار العَرّ والجرب جميعاً للنخل وإِنما هما في
الإِبل. قال: وحكى التَّوَّزِيُّ إِذا ابتاع الرجل نخلاً اشترط على البائع
فقال: ليس لي مِقْمارٌ ولا مِئْخارٌ ولا مِبْسارٌ ولا مِعْرارٌ ولا
مِغْبارٌ؛ فالمِقْمارُ: البيضاءُ البُسْر التي يبقى بُسْرُها لا يُرْطِبُ،
والمِئْخارُ: التي تُؤَخِّرُ إِلى الشتاء، والمِغْبارُ: التي يَعْلُوها
غُبارٌ، والمِعْرار: ما تقدم ذكره.
وفي الحديث: أَن رجلاً سأَل آخر عن منزله فأَخْبَره أَنه ينزل بين
حَيّين من العرب فقال: نَزَلْتَ بين المَعَرّة والمَجَرّة؛ المَجرّةُ التي في
السماء البياضُ المعروف، والمَعَرَّة ما وراءَها من ناحية القطب الشمالي؛
سميت مَعَرّة لكثرة النجوم فيها، أَراد بين حيين عظيمين لكثرة النجوم.
وأَصل المَعَرَّة: موضع العَرّ وهو الجرَبُ ولهذا سَمَّوا السماءَ
الجَرْباءَ لكثرة النجوم فيها، تشبيهاً بالجَرَبِ في بدن الإِنسان.
وعارَّه مُعارّة وعِراراً: قاتَلَه وآذاه. أَبو عمرو: العِرارُ
القِتالُ، يقال: عارَرْتُه إِذا قاتلته. والعَرَّةُ والمَعُرَّةُ: الشدة، وقيل:
الشدة في الحرب.
والمَعَرَّةُ: الإِثم. وفي التنزيل: فتُصِيبَكم منهم مَعَرَّة بغير
عِلْم؛ قال ثعلب: هو من الجرب، أَي يصيبكم منهم أَمر تَكْرَهُونه في
الدِّيات، وقيل: المَعَرَّة الجنايةُ أَي جِنايَتُه كجناية العَرِّ وهو الجرب؛
وأَنشد:
قُلْ لِلْفوارِس من غُزَيّة إِنهم،
عند القتال، مَعَرّةُ الأَبْطالِ
وقال محمد بن إِسحق بن يسار: المَعَرَّةُ الغُرْم؛ يقول: لولا أَن
تصيبوا منهم مؤمناً بغير عِلْم فتَغْرموا دِيَته فأَما إِثمه فإِنه لم يخْشَه
عليهم. وقال شمر: المَعَرّةُ الأَذَى. ومَعَرَّةُ الجيشِ: أَن ينزلوا
بقوم فيأْكلوا من زُروعِهم شيئاً بغير عمل؛ وهذا الذي أَراده عمر، رضي الله
عنه، بقوله: اللهم إِني أَبْرَأُ إِليك من مَعَرّةِ الجَيْش، وقيل: هو
قتال الجيش دون إِذْن الأَمير. وأَما قوله تعالى: لولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ
مؤمنات لم تَعْلَمُوهم أَن تَطَأُهم فتصيبَكم منهم مَعَرَّةٌ بغير علم؛
فالمَعَرَّةُ التي كانت تُصِيب المؤمنين أَنهم لو كَبَسُوا أَهلَ مكة
وبين ظَهْرانَيْهم قومٌ مؤمنون لم يتميزوا من الكُفّار، لم يأْمنوا أَن
يَطَأُوا المؤمنين بغير عِلْمٍ فيقتلوهم، فتلزمهم دياتهم وتلحقهم سُبّةٌ
بأَنهم قتلوا مَنْ هو على دينهم إِذ كانوا مختلطين بهم. يقول الله تعالى: لو
تميزَ المؤمنون من الكُفّار لسَلّطْناكم عليهم وعذّبناهم عذاباً
أَلِيماً؛ فهذه المَعَرّةُ التي صانَ الله المؤمنين عنها هي غُرْم الديات
ومَسَبّة الكُفار إِياهم، وأَما مَعَرّةُ الجيشِ التي تبرّأَ منها عُمر، رضي
الله عنه، فهي وطْأَتُهم مَنْ مَرُّوا به من مسلم أَو معاهَدٍ، وإِصابتُهم
إِياهم في حَرِيمِهم وأَمْوالِهم وزُروعِهم بما لم يؤذن لهم فيه.
والمَعَرّة: كوكبٌ دون المَجَرَّة. والمَعَرّةُ: تلوُّنُ الوجه مِن الغضب؛ قال
أَبو منصور: جاء أَبو العباس بهذا الحرف مشدد الراء، فإِن كان من تَمَعّرَ
وجهُه فلا تشديد فيه، وإِن كان مَفْعَلة من العَرّ فالله أَعلم.
وحِمارٌ أَعَرُّ: سَمينُ الصدر والعُنُقِ، وقيل: إِذا كان السِّمَنُ في
صدره وعُنُقِه أَكثرَ منه في سائر خلقه. وعَرَّ الظليمُ يَعِرُّ عِراراً،
وعارَّ يُعارُّ مُعارَّةً وعِراراً، وهو صوته: صاحَ؛ قال لبيد:
تحَمَّلَ أَهُلها إِلاَّ عِرَاراً
وعَزْفاً بعد أَحْياء حِلال
وزمَرَت النعامةُ زِماراً، وفي الصحاح: زَمَرَ النعامُ يَزْمِرُ
زِماراً. والتَّعارُّ: السَّهَرُ والتقلُّبُ على الفراش لَيْلاً مع كلام، وهو من
ذلك. وفي حديث سلمان الفارسي: أَنه كان إِذا تعارَّ من الليل، قال:
سبحان رَبِّ النبيِّين، ولا يكون إِلا يَقَظَةً مع كلامٍ وصوتٍ، وقيل:
تَمَطَّى وأَنَّ. قال أَبو عبيد: وكان بعض أَهل اللغة يجعله مأْخُوذاً من
عِرارِ الظليم، وهو صوته، قال: ولا أَدري أَهو من ذلك أَم لا. والعَرُّ:
الغلامُ.والعَرّةُ: الجارية. والعَرارُ والعَرارة: المُعجَّلانِ عن وقت
الفطام. والمُعْتَرُّ: الفقير، وقيل: المتعَرِّضُ للمعروف من غير أَن يَسأَل.
ومنه حديث علي، رضوان الله عليه: فإِن فيهم قانِعاً ومُعْتَرّاً. عَراه
واعْتَراه وعرّه يعُرُّه عَرّاً واعْتَرَّه واعْتَرَّ به إِذا أَتاه فطلب
معروفه؛ قال ابن أَحمر:
تَرْعَى القَطاةُ الخِمْسَ قَفُّورَها،
ثم تَعُرُّ الماءَ فِيمَنْ يَعُرُّ
أَي تأْتي الماء وترده. القَفُّور: ما يوجد في القَفْر، ولم يُسْمَع
القَفّورُ في كلام العرب إِلا في شعر ابن أَحمر. وفي التنزيل: وأَطْعِمُوا
القانِعَ والمُعْتَرَّ. وفي الحديث: فأَكَلَ وأَطْعَمَ القانعَ
والمُعْتَرَّ. قال جماعة من أَهل اللغة: القانعُ الذي يسأْل، والمُعْتَرُّ الذي
يُطِيف بك يَطْلُب ما عندك، سأَلَك أَو سَكَتَ عن السؤال.
وفي حديث حاطب بن أَبي بَلْتَعة: أَنه لما كَتَب إِلى أَهل مكة كتاباً
يُنْذِرُهم فيه بِسَيْرِ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إِليهم
أَطْلَع اللهُ رسولَه على الكتاب، فلما عُوتِبَ فيه قال: كنت رجلاً عَريراً
في أَهل مكة فأَحْبَبْت أَن أَتقربَ إِليهم ليحُفَظُوني في عَيْلاتي
عندهم؛ أَراد بقوله عَريراً أَي غَريباً مُجاوِراً لهم دَخيلاً ولم أَكن من
صَميمهم ولا لي فيهم شُبْكَةُ رَحِمٍ. والعَرِيرُ، فَعِيل بمعنى فاعل،
وأَصله من قولك عَرَرْته عَرّاً، فأَنا عارٌّ، إِذا أَتيته تطلب معروفه،
واعْتَرَرْته بمعناه.
وفي حديث عمر، رضي الله تعالى عنه: أَن أَبا بكر، رضي الله عنه، أَعطاه
سَيْفاً مُحَلًّى فنزَعَ عُمَرُ الحِلْيةَ وأَتاه بها وقال: أَتيتك بهذا
لِمَا يَعْزُرُك من أُمور الناس؛ قال ابن الأَثير: الأَصل فيه يَعُرُّك،
ففَكّ الإِدغامَ، ولا يجيء مثل هذا الاتساعِ إِلا في الشعر، وقال أَبو
عبيد: لا أَحسبه محفوظاً ولكنه عندي: لما يَعْرُوك، بالواو، أَي لما
يَنُوبُك من أَمر الناس ويلزمك من حوائجهم؛ قال أَبو منصور: لو كان من العَرّ
لقال لما يعُرُّك. وفي حديث أَبي موسى: قال له عليّ، رضي الله عنه، وقد
جاء يعود ابنَه الحَسَنَ: ما عَرَّنا بك أَيّها الشَّيْخُ؟ أَي ما جاءنا
بك. ويقال في المثل: عُرَّ فَقْرَه بفِيه لعلّه يُلْهِيه؛ يقول: دَعْه
ونَفْسَه لا تُعِنْه لعل ذلك يَشْغَلُه عما يصنع. وقال ابن الأَعرابي: معناه
خَلِّه وغَيِّه إِذا لم يُطِعْكَ في الإِرشاد فلعله يقع في هَلَكة
تُلْهيه وتشغله عنك. والمَعْرورُ أَيضاً: المقرور، وهو أَيضاً الذي لا يستقرّ.
ورجل مَعْرورٌ: أَتاه ما لا قِوَام له معه. وعُرّاً الوادي: شاطِئاه.
والعُرُّ والعُرّةُ: ذَرْقُ الطير. والعُرّةُ أَيضاً: عَذِرةُ الناس
والبعرُ والسِّرْجِينُ؛ تقول منه: أَعَرَّت الدارُ. وعَرَّ الطيرُ يَعُرُّ
عَرَّةٍ: سَلَحَ. وفي الحديث إِيَّاكم ومُشارّةَ الناس فإِنها تُظْهِرُ
العُرّةَ، وهي القذَر وعَذِرة الناس، فاستعِير للمَساوِئِ والمَثالب. وفي
حديث سعد: أَنه كان يُدْمِلْ أَرْضَه بالعُرّة فيقول: مِكْتَلُ عُرّةٍ
مكُتَلُ بُرٍّ. قال الأَصمعي: العُرّةُ عَذِرةُ الناس، ويُدْمِلُها:
يُصْلِحها، وفي رواية: أَنه كان يَحْمِل مكيالَ عُرّةٍ إِلى أَرض له بمكة.
وعَرَّ أَرْضه يَعُرُّها أَي سَمَّدَها، والتَّعْرِيرُ مثله. ومنه حديث ابن
عمر: كان لا يَعُرُّ أَرْضَه أَي لا يُزَبِّلُها بالعُرَّة. وفي حديث جعفر
بن محمد، رضي الله عنهما: كُلْ سَبْعَ تَمَراتٍ من نَخْلةٍ غيرِ
مَعْرورةٍ أَي غير مُزَبَّلة بالعُرّة، ومنه قيل: عَرَّ فلانٌ قومَه بشرٍّ إِذا
لطّخهم؛ قال أَبو عبيد: وقد يكون عرّهم بشرٍّ من العَرّ وهو الجَربُ أَي
أَعْداهم شرُّه؛ وقال الأَخطل:
ونَعْرُرْ بقوم عُرَّةً يكرهونها،
ونَحْيا جميعاً أَو نَمُوت فنُقْتَل
وفلانٌ عُرّةٌ وعارُورٌ وعارُورةٌ أَي قَذِرٌ. والعُرّةُ: الأُبْنةُ في
العَصا وجمعها عُرَرٌ.
وجَزورٌ عُراعِرٌ، بالضم، أَي سَمِينة. وعُرَّةُ السنام: الشحمةُ
العُليا، والعَرَرُ: صِغَرُ السنام، وقيل: قصرُه، وقيل: ذهابُه وهو من عيوب
الإِبل، جمل أَعرُّ وناقة عرّاء وعرّة؛ قال:
تَمَعُّكَ الأَعَرّ لاقَى العَرّاء
أَي تَمَعَّك كما يتمعك الأَعَرُّ، والأَعَرُّ يُحِبُّ التمعُّكَ لذهاب
سنامه يلتذّ بذلك؛ وقال أَبو ذؤيب:
وكانوا السَّنامَ اجتُثَّ أَمْسِ، فقومُهم
كعرّاءَ، بَعْدَ النَّيّ، راثَ رَبِيعُها
وعَرَّ إِذا نقص. وقد عَرَّ يَعَرُّ: نقص سنامُه.
وكَبْشٌ أَعَرُّ. لا أَلْية له، ونعجة عَرّاء. قال ابن السكيت:
الأَجَبُّ الذي لا سنام له من حادِثٍ، والأَعَرُّ الذي لا سنام له من
خلْقة.وفي كتاب التأْنيث والتذكير لابن السكيت: رجل عارُورةٌ إِذا كان
مشؤوماً، وجمل عارُورةٌ إِذا لم يكن له سنام، وفي هذا الباب رجل صارُورةٌ.
ويقال: لقيت منه شرّاً وعَرّاً وأَنت شرٌّ منه وأَعَرُّ، والمَعَرَّةُ: الأَمر
القبيح المكروه والأَذى، وهي مَفْعلة من العَرّ.
وعَرَّه بشرٍّ أَي ظلَمه وسبّه وأَخذ مالَه، فهو مَعْرُورٌ. وعَرَّه
بمكروه يعُرُّه عَرّاً: أَصابَه به، والاسم العُرَّة. وعَرَّه أَي ساءه؛ قال
العجاج:
ما آيبٌ سَرَّكَ إِلا سرَّني
نُصحاً، ولا عَرَّك إِلا عَرَّني
قال ابن بري: الرجز لرؤبة بن العجاج وليس للعجاج كما أَورده الجوهري؛
قاله يخاطب بلال بن أَبي بردة بدليل قوله:
أَمْسى بِلالٌ كالرَّبِيعِ المُدْجِنِ
أَمْطَرَ في أَكْنافِ غَيْمٍ مُغْيِنِ،
ورُبَّ وَجْهٍ من حراء مُنْحَنِ
وقال قيس بن زهير:
يا قَوْمَنا لا تَعُرُّونا بداهيَةٍ،
يا قومَنا، واذكُروا الآباءَ والقُدمَا
قال ابن الأَعرابي: عُرَّ فلانٌ إِذا لُقِّبَ بلقب يعُرُّه؛ وعَرَّه
يعُرُّهُ إِذا لَقَّبه بما يَشِينُه؛ وعَرَّهم يعُرُّهم: شانَهُم. وفلان
عُرّةُ أَهله أَي يَشِينُهم. وعَرَّ يعُرُّ إِذا صادَفَ نوبته في الماء
وغيره، والعُرَّى: المَعِيبةُ من النساء. ابن الأَعرابي: العَرَّةُ الخَلّةُ
القبيحة. وعُرّةُ الجربِ وعُرّةُ النساء: فَضيحَتُهنّ وسُوءُ عشْرتهنّ.
وعُرّةُ الرجال: شرُّهم. قال إِسحق: قلت لأَحمد سمعت سفيان ذكَر العُرّةَ
فقال: أَكْرَهُ بيعَه وشراءَه، فقال أَحمد: أَحْسَنَ؛ وقال ابن راهويه
كما قال، وإِن احتاج فاشتراه فهو أَهْون لأَنه يُمْنَحُ. وكلُّ شيءٍ باءَ
بشيءٍ، فهو له عَرَار؛ وأَنشدَ للأَعشى:
فقد كان لهم عَرار
وقيل: العَرارُ القَوَدُ. وعَرارِ، مثل قطام: اسم بقرة. وفي المثل:
باءَتْ عَرَارِ بِكَحْلَ، وهما بقرتان انتطحتا فماتتا جميعاً؛ باءت هذه بهذه؛
يُضْرَب هذا لكل مستويين؛ قال ابن عنقاء الفزاري فيمن أَجراهما:
باءَتْ عَرارٌ بكَحْلٍ والرِّفاق معاً،
فلا تَمَنَّوا أَمانيَّ الأَباطِيل
وفي التهذيب: وقال الآخر فيما لم يُجْرِهما:
باءَتْ عَرارِ بكَحْلَ فيما بيننا،
والحقُّ يَعْرفُه ذَوُو الأَلْباب
قال: وكَحْل وعَرارِ ثورٌ وبقرة كانا في سِبْطَينِ من بني إِسرائيل،
فعُقِر كَحْل وعُقِرت به عَرارِ فوقعت حرب بينهما حتى تَفانَوْا، فضُربا
مثلاً في التساوي.
وتزوّجَ في عَرارة نِساءٍ أَي في نساءٍ يَلِدْن الذكور، وفي شَرِيَّةِ
نساء يلدن الإِناث.
والعَرَارةُ: الشدة؛ قال الأَخطل:
إِن العَرارةَ والنُّبُوحَ لِدارِمٍ،
والمُسْتَخِفُّ أَخُوهمُ الأَثْقالا
وهذا البيت أَورده الجوهري للأَخطل وذكر عجزه:
والعِزُّ عند تكامُلِ الأَحْساب
قال ابن بري: صدر البيت للأَخطل وعجزه للطرماح، فابن بيت الأَخطل كما
أَوردناه أَولاً؛ وبيت الطرماح:
إِن العرارة والنبوح لِطَيِّءٍ،
والعز عند تكامل الأَحساب
وقبله:
يا أَيها الرجل المفاخر طيئاً،
أَعْزَبْت لُبَّك أَيَّما إِعْزاب
وفي حديث طاووس: إِذا اسْتَعَرَّ عليكم شيءٌ من الغَنم أَي نَدَّ
واسْتَعْصَى، من العَرارة وهي الشدة وسوء الخلق، والعَرَارةُ: الرِّفْعة
والسُودَدُ.
ورجل عُراعِرٌ: شريف؛ قال مهلهل:
خَلَعَ المُلوكَ، وسارَ تحت لِوائِه
شجرُ العُرا، وعُراعِرُ الأَقْوامِ
شجر العرا: الذي يبقى على الجدب، وقيل: هم سُوقة الناس. والعُراعِرُ
هنا: اسم للجمع، وقيل: هو للجنس، ويروى عَراعِر، بالفتح، جمع عُراعِر،
وعَراعِرُ القوم: ساداتُهم، مأْخوذ من عُرْعُرة الجبل، والعُراعِرُ: السيد،
والجمع عَراعِرُ، بالفتح؛ قال الكميت:
ما أَنْتَ مِنْ شَجَر العُرا،
عند الأُمورِ، ولا العَراعِرْ
وعُرْعُرة الجبل: غلظه ومعظمه وأَعلاه. وفي الحديث: كتب يحيى بن يعمر
إِلى الحجاج: إِنا نزلنا بعُرْعُرةِ الجبل والعدوُّ بحَضِيضِه؛ فعُرْعَرتُه
رأْسه، وحَضِيضُه أَسفلُه. وفي حديث عمر بن عبد العزيز أَنه قال:
أَجْمِلوا في الطَلب فلو أَن رِزْقَ أَحدِكم في عُرْعُرةِ جبلٍ أَو حَضِيض أَرض
لأَتاه قبل أَن يموت. وعُرْعُرةُ كل شيءٍ، بالضم: رأْسُه وأَعلاه.
وعَرْعَرةُ الإِنسان: جلدةُ رأْسِه. وعُرْعرةُ السنامِ: رأْسُه وأَعلاه
وغارِبُه، وكذلك عُرْعُرةُ الأَنف وعُرْعُرةُ الثورِ كذلك؛ والعراعِرُ: أَطراف
الأَسْمِنة في قول الكميت:
سَلَفي نَِزار، إِذْ تحوّ
لت المَناسمُ كالعَراعرْ
وعَرْعَرَ عينَه: فقأَها، وقيل: اقتلعها؛ عن اللحياني. وعَرْعَرَ صِمامَ
القارورة عَرْعرةً: استخرجه وحرّكه وفرّقه. قال ابن الأَعرابي:
عَرْعَرْت القارورةَ إِذا نزعت منها سِدادَها، ويقال إِذا سَدَدْتها، وسِدادُها
عُرعُرُها، وعَرَعَرَتُها وِكاؤها. وفي التهذيب: غَرْغَرَ رأْسَ القارورة،
بالغين المعجمة، والعَرْعَرةُ التحريك والزَّعْزعةُ، وقال يعني قارروةً
صفْراء من الطيب:
وصَفْراء في وَكْرَيْن عَرْعَرْتُ رأْسَها،
لأُبْلِي إِذا فارَقْتُ في صاحبِي عُذْرا
ويقال للجارية العَذْراء: عَرَّاء. والعَرْعَر: شجرٌ يقال له الساسَم،
ويقال له الشِّيزَى، ويقال: هو شجر يُعْمل به القَطِران، ويقال: هو شجر
عظيم جَبَليّ لا يزال أَخضرَ تسميه الفُرْسُ السَّرْوُ. وقال أَبو حنيفة:
للعَرْعَر ثمرٌ أَمثال النبق يبدو أَخضر ثم يَبْيَضُّ ثم يَسْوَدُّ حتى
يكون كالحُمَم ويحلُو فيؤكل، واحدته عَرْعَرةٌ، وبه سمي الرجل. والعَرَارُ:
بَهارُ البَرِّ، وهو نبت طيب الريح؛ قال ابن بري: وهو النرجس البَرِّي؛
قال الصمّة
بن عبدالله القشيري:
أَقولُ لصاحِبي والعِيسُ تَخْدِي
بنا بَيْنَ المُنِيفة فالضِّمَارِ
(* قوله: والعيس تخدي» في ياقوت: تهوي بدل تخدي):
تمَتَّعْ مِن شَمِيمِ عَرَارِ نَجْدٍ،
فما بَعْدَ العَشِيَّة مِن عَرارِ
أَلا يا حَبّذا نَفَحاتُ نَجْدٍ،
ورَيّا رَوْضه بعد القِطَار
شهورٌ يَنْقَضِينَ، وما شَعَرْنا
بأَنْصافٍ لَهُنَّ، ولا سَِرَار
واحدته عَرارة؛ قال الأَعشى:
بَيْضاء غُدْوَتها، وصَفْـ
ـراء العَشِيّة كالعَراره
معناه أَن المرأَة الناصعةَ البياض الرقيقةَ البشرة تَبْيَضّ بالغداة
ببياض الشمس، وتَصْفَرّ بالعشيّ باصفرارها. والعَرَارةُ: الحَنْوةُ التي
يَتَيَمّن بها الفُرْسُ؛ قال أَبو منصور: وأَرى أَن فرَس كَلْحَبةَ
اليَرْبوعي سميت عَرَارة بها، واسم كلحبة هُبَيرة بن عبد مناف؛ وهو القائل في
فرسه عرارة هذه:
تُسائِلُني بنو جُشَمَ بنِ بكْرٍ:
أَغَرّاءُ العَرارةُ أَمْ يَهِيمُ؟
كُمَيتٌ غيرُ مُحْلفــةٍ، ولكن
كلَوْنِ الصِّرْفِ، عُلَّ به الأَدِيمُ
ومعنى قوله: تسائلني بنو جشم بن بكر أَي على جهة الاستخبار وعندهم منها
أَخبار، وذلك أَن بني جشم أَغارت على بَلِيٍّ وأَخذوا أَموالهم، وكان
الكَلْحَبةُ نازلاً عندهم فقاتَلَ هو وابنُه حتى رَدُّوا أَموال بَلِيٍّ
عليهم وقُتِلَ ابنُه، وقوله: كميت غير محلفــة، الكميت الــمحلف هو الأَحَمُّ
والأَحْوى وهما يتشابهان في اللون حتى يَشُكّ فيهما البَصِيران، فيحلف
أَحدُهما أَنه كُمَيْتٌ أَحَمُّ، ويحلف الآخرُ أَنه كُمَيت أَحْوَى، فيقول
الكلحبة: فرسِي ليست من هذين اللونين ولكنها كلون الصِّرْف، وهو صبغ أَحمر
تصبغ به الجلود؛ قال ابن بري: وصواب إِنشاده أَغَرّاءُ العَرادةُ،
بالدال، وهو اسم فرسه، وقد ذكرت في فصل عرد، وأَنشد البيت أَيضاً، وهذا هو
الصحيح؛ وقيل: العَرَارةُ الجَرادةُ، وبها سميت الفرس؛ قال بشر:
عَرارةُ هَبْوة فيها اصْفِرارُ
ويقال: هو في عَرارة خيرٍ أَي في أَصل خير. والعَرَارةُ: سوءُ الخلق.
ويقال: رَكِبَ عُرْعُرَه إِذا ساءَ خُلُقه، كما يقال: رَكِبَ رَأْسَه؛ وقال
أَبو عمرو في قول الشاعر يذكر امرأَة:
ورَكِبَتْ صَوْمَها وعُرْعُرَها
أَي ساء خُلُقها، وقال غيره: معناه ركبت القَذِرَ من أَفْعالها. وأَراد
بعُرْعُرها عُرَّتَها، وكذلك الصوم عُرَّةُ النعام. ونخلة مِعْرارٌ أَي
محْشافٌ. الفراء: عَرَرْت بك حاجتي أَي أَنْزَلْتها. والعَرِيرُ في
الحديث: الغَرِيبُ؛ وقول الكميت:
وبَلْدة لا يَنالُ الذئْبُ أَفْرُخَها،
ولا وَحَى الوِلْدةِ الدَّاعِين عَرْعارِ
أَي ليس بها ذئب لبُعْدِها عن الناس. وعِرَار: اسم رجل، وهو عِرَار بن
عمرو بن شاس الأَسدي؛ قال فيه أَبوه:
وإِنَّ عِرَاراً إِن يكن غيرَ واضحٍ،
فإِني أُحِبُّ الجَوْنَ ذا المَنكِب العَمَمْ
وعُرَاعِر وعَرْعَرٌ والعَرَارةُ، كلها: مواضع؛ قال امرؤ القيس:
سَمَا لَكَ شَوْقٌ بعدما كان أَقْصرَا،
وحَلَّت سُلَيْمى بَطْنَ ظَبْيٍ فعَرْعَرَا
ويروى: بطن قَوٍّ؛ يخاطب نفسه يقول: سما شوقُك أَي ارتفع وذهب بك كلَّ
مذهب لِبُعْدِ مَن تُحِبُّه بعدما كان أَقصر عنك الشوق لقُرْب المُحِبّ
ودُنوِّه؛ وقال النابغة:
زيدُ بن زيد حاضِرٌ بعُراعِرٍ،
وعلى كُنَيْب مالِكُ بن حِمَار
ومنه مِلْحٌ عُراعِرِيّ. وعَرْعارِ: لُعْبة للصبيان، صِبْيانِ الأَعراب،
بني على الكسرة وهو معدول من عَرْعَرَة مثل قَرْقارٍ من قَرْقَرة.
والعَرْعَرة أَيضاً: لُعْبةٌ للصبيان؛ قال النابعة:
يَدْعُو ولِيدُهُم بها عَرْعارِ
لأَن الصبي إِذا لم يجد أَحداً رفَع صوتَه فقال: عَرْعارِ، فإِذا
سَمِعُوه خرجوا إِليه فلَعِبوا تلك اللُّعْبَةَ. قال ابن سيده: وهذا عند سيبويه
من بنات الأَربع، وهو عندي نادر، لأَن فَعالِ إِنما عدلت عن افْعل في
الثلاثي ومَكّنَ غيرُه عَرْعار في الاسمية. قالوا: سمعت عَرْعارَ الصبيان
أَي اختلاطَ أَصواتهم، وأَدخل أَبو عبيدة عليه الأَلف واللام فقال:
العَرْعارُ لُعْبةٌ للصبيان؛ وقال كراع: عَرْعارُ لعبة للصبيان فأَعْرَبه،
أَجراه مُجْرَى زينب وسُعاد.
صرف: الصَّرْفُ: رَدُّ الشيء عن وجهه، صَرَفَه يَصْرِفُه صَرْفاً
فانْصَرَفَ. وصارَفَ نفْسَه عن الشيء: صَرفَها عنه. وقوله تعالى: ثم
انْصَرَفوا؛ أَي رَجَعوا عن المكان الذي استمعُوا فيه، وقيل: انْصَرَفُوا عن العمل
بشيء مـما سمعوا. صَرَفَ اللّه قلوبَهم أَي أَضلَّهُم اللّه مُجازاةً على
فعلهم؛ وصَرفْتُ الرجل عني فانْصَرَفَ، والمُنْصَرَفُ: قد يكون مكاناً
وقد يكون مصدراً، وقوله عز وجل: سأَصرفُ عن آياتي؛ أَي أَجْعَلُ جَزاءهم
الإضْلالَ عن هداية آياتي. وقوله عز وجل: فما يَسْتَطِيعُون صَرْفاً ولا
نَصْراً أَي ما يستطيعون أَن يَصْرِفُوا عن أَنفسهم العَذابَ ولا أَن
يَنْصُروا أَنفسَهم. قال يونس: الصَّرْفُ الحِيلةُ، وصَرَفْتُ الصِّبْيان:
قَلَبْتُهم. وصَرَفَ اللّه عنك الأَذى، واسْتَصْرَفْتُ اللّه
المَكارِهَ.والصَّريفُ: اللَّبَنُ الذي يُنْصَرَفُ به عن الضَّرْعِ
حارّاً.والصَّرْفانِ: الليلُ والنهارُ.
والصَّرْفةُ: مَنْزِل من مَنازِلِ القمر نجم واحد نَيِّرٌ تِلْقاء
الزُّبْرةِ، خلْفَ خراتَي الأَسَد. يقال: إنه قلب الأَسد إذا طلع أَمام الفجر
فذلك الخَريفُ، وإِذا غابَ مع طُلُوع الفجر فذلك أَول الربيع، والعرب
تقول: الصَّرْفةُ نابُ الدَّهْرِ لأَنها تفْتَرُّ عن البرد أَو عن الحَرّ في
الحالتين؛ قال ابن كُناسةَ: سميت بذلك لانْصراف البرد وإقبال الحرّ،
وقال ابن بري: صوابه أَن يقال سميت بذلك لانْصراف الحرِّ وإقبال البرد.
والصَّرْفةُ: خرَزةٌ من الخرَز التي تُذْكر في الأُخَذِ، قال ابن سيده:
يُسْتَعْطَفُ بها الرجال يُصْرَفون بها عن مَذاهِبهم ووجوههم؛ عن اللحياني؛
قال ابن جني: وقولُ البغداديين في قولهم: ما تَأْتينا فتُحَدِّثَنا،
تَنْصِبُ الجوابَ على الصَّرْف، كلام فيه إجمال بعضه صحيح وبعضه فاسد، أَما
الصحيح فقولهم الصَّرْفُ أَن يُصْرَف الفِعْلُ الثاني عن معنى الفعل الأَول،
قال: وهذا معنى قولنا إن الفعل الثاني يخالف الأَوّل، وأَما انتصابه
بالصرف فخطأٌ لأَنه لا بدّ له من ناصب مُقْتَض له لأَن المعاني لا تنصب
الأَفعال وإنما ترفعها، قال: والمعنى الذي يرفع الفعل هو وقوع الاسم، وجاز في
الأَفعال أَن يرفعها المعنى كما جاز في الأَسماء أَن يرفعها المعنى
لمُضارعَة الفعل للاسم، وصَرْفُ الكلمة إجْراؤها بالتنوين.
وصَرَّفْنا الآياتِ أَي بيَّنْاها. وتَصْريفُ الآيات تَبْيينُها.
والصَّرْفُ: أَن تَصْرِفَ إنساناً عن وجْهٍ يريده إلى مَصْرِفٍ غير ذلك.
وصَرَّفَ الشيءَ: أَعْمله في غير وجه كأَنه يَصرِفُه عن وجه إلى وجه،
وتَصَرَّفَ هو. وتَصارِيفُ الأُمورِ: تَخالِيفُها، ومنه تَصارِيفُ الرِّياحِ
والسَّحابِ. الليث: تَصْريفُ الرِّياحِ صَرْفُها من جهة إلى جهة، وكذلك تصريفُ
السُّيُولِ والخُيولِ والأُمور والآيات، وتَصْريفُ الرياحِ: جعلُها
جَنُوباً وشَمالاً وصَباً ودَبُوراً فجعلها ضُروباً في أَجْناسِها. وصَرْفُ
الدَّهْرِ: حِدْثانُه ونَوائبُه. والصرْفُ: حِدْثان الدهر، اسم له لأَنه
يَصْرِفُ الأَشياء عن وجُوهها؛ وقول صخر الغَيّ:
عاوَدَني حُبُّها، وقد شَحِطَتْ
صَرْفُ نَواها، فإنَّني كَمِدُ
أَنَّث الصرف لتَعْلِيقه بالنَّوى، وجمعه صُروفٌ. أَبو عمرو: الصَّريف
الفضّةُ؛ وأَنشد:
بَني غُدانةَ، حَقّاً لَسْتُمُ ذَهَباً
ولا صَريفاً، ولكن أَنـْتُمُ خَزَفُ
وهذا البيتُ أَورَدَه الجوهري:
بني غُدانَةَ، ما إن أَنتُمُ ذَهَباً
ولا صَريفاً، ولكن أَنتُمُ خزَفُ
قال ابن بري: صواب إنشاده: ما إِن أَنـْتُمُ ذَهبٌ، لأَن زيادة إنْ
تُبْطِل عمل ما.
والصَّرْفُ: فَضْلُ الدًِّرهم على الدرهم والدينار على الدِّينار لأَنَّ
كلَّ واحد منهما يُصْرَفُ عن قِيمةِ صاحِبه. والصَّرْفُ: بيع الذهب
بالفضة وهو من ذلك لأَنه يُنْصَرَفُ به عن جَوْهر إلى جَوْهر. والتصْريفُ في
جميع البِياعاتِ: إنْفاق الدَّراهم.
والصَّرَّافُ والصَّيْرَفُ والصَّيْرَفيُّ: النقّادُ من المُصارفةِ وهو
التَّصَرُّفِ، والجمع صَيارِفُ وصَيارِفةٌ. والهاء للنسبة، وقد جاء في
الشعر الصَّيارِفُ؛ فأَما قول الفرزدق:
تَنْفِي يَداها الحَصى في كلِّ هاجِرَةٍ،
نَفْيَ الدَّراهِيمِ تَنْقادُ الصَّيارِيفِ
فعلى الضرورة لما احتاج إلى تمام الوزن أَشْبع الحركة ضرورةً حتى صارت
حرفاً؛ وبعكسه:
والبَكَراتِ الفُسَّجَ العطامِسا
ويقال: صَرَفْتُ الدَّراهِمَ بالدَّنانِير. وبين الدِّرهمين صَرْفٌ أَي
فَضْلٌ لجَوْدةِ فضة أَحدهما. ورجل صَيْرَفٌ: مُتَصَرِّفٌ في الأُمور؛
قال أُمَيَّة ابن أَبي عائذ الهذلي:
قد كُنْتُ خَرَّاجاً وَلُوجاً صَيْرَفاً،
لم تَلْتَحِصْني حَيْصَ بَيْصَ لَحاصِ
أَبو الهيثم: الصَّيْرفُ والصَّيْرَفيُّ المحتال المُتقلب في أُموره
المُتَصَرِّفُ في الأَُمور المُجَرّب لها؛ قال سويد بن أَبي كاهل
اليَشْكُرِيّ:
ولِساناً صَيْرَفِيّاً صارِماً،
كحُسامِ السَّيْفِ ما مَسَّ قَطَعْ
والصَّرْفُ: التَّقَلُّبُ والحِيلةُ. يقال: فلان يَصْرِف ويَتَصَرَّفُ
ويَصْطَرِفُ لعياله أَي يَكتسب لهم. وقولهم: لا يُقبل له صَرْفٌ ولا
عَدْلٌ؛ الصَّرْفُ: الحِيلة، ومنه التَّصَرُّفُ في الأَمور. يقال: إنه يتصرَّف
في الأَُمور. وصَرَّفْت الرجل في أَمْري تَصْريفاً فتَصَرَّفَ فيه
واصْطَرَفَ في طلَبِ الكسْب؛ قال العجاج:
قد يَكْسِبُ المالَ الهِدانُ الجافي،
بغَيْرِ ما عَصْفٍ ولا اصْطِرافِ
والعَدْلُ: الفِداء؛ ومنه قوله تعالى: وإن تَعْدِلْ كلَّ عَدْلٍ، وقيل:
الصَّرْفُ التَّطَوُّعُ والعَدْلُ الفَرْضُ، وقيل: الصَّرْفُ التوبةُ
والعدل الفِدْيةُ، وقيل: الصرفُ الوَزْنُ والعَدْلُ الكَيْلُ، وقيل:
الصَّرْفُ القيمةُ والعَدلُ المِثْلُ، وأَصلُه في الفِدية، يقال: لم يقبلوا منهم
صَرفاً ولا عَدلاً أَي لم يأْخذوا منهم دية ولم يقتلوا بقَتيلهم رجلاً
واحداً أَي طلبوا منهم أَكثر من ذلك؛ قال: كانت العرب تقتل الرجلين
والثلاثة بالرجل الواحد، فإذا قتلوا رجلاً برجل فذلك العدل فيهم، وإذا أَخذوا
دية فقد انصرفوا عن الدم إلى غيره فَصَرَفوا ذلك صرْفاً، فالقيمة صَرْف
لأَن الشيء يُقَوّم بغير صِفته ويُعَدَّل بما كان في صفته، قالوا: ثم جُعِل
بعدُ في كل شيء حتى صار مثلاً فيمن لم يؤخذ منه الشيء الذي يجب عليه،
وأُلزِمَ أَكثر منه. وقوله تعالى: ولم يجدوا عنها مَصْرِفاً، أَي
مَعْدِلاً؛ قال:
أَزُهَيْرُ، هلْ عن شَيْبةٍ من مَصْرِفِ؟
أَي مَعْدِل؛ وقال ابن الأَعرابي: الصرف المَيْلُ، والعَدْلُ
الاسْتِقامةُ. وقال ثعلب: الصَّرْفُ ما يُتَصَرَّفُ به والعَدْل الميل، وقيل الصرف
الزِّيادةُ والفضل وليس هذا بشيء. وفي الحديث: أَن النبي، صلى اللّه عليه
وسلم، ذكر المدينة فقال: من أَحْدثَ فيها حَدَثاً أَو آوَى مُحْدِثاً لا
يُقبل منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ؛ قال مكحول: الصَّرفُ التوبةُ والعدْلُ
الفِدية. قال أَبو عبيد: وقيل الصرف النافلة والعدل الفريضة. وقال يونس:
الصرف الحِيلة، ومنه قيل: فلان يَتَصَرَّفُ أَي يَحْتالُ. قال اللّه تعالى:
لا يَسْتَطِيعُونَ صَرفاً ولا نصْراً. وصَرفُ الحديث: تَزْيِينُه
والزيادةُ فيه. وفي حديث أَبي إدْرِيسَ الخَوْلاني أَنه قال: من طَلَبَ صَرْفَ
الحديثِ يَبْتَغِي به إقبالَ وجوهِ الناسِ إليه؛ أُخِذَ من صَرفِ
الدراهمِ؛ والصرفُ: الفضل، يقال: لهذا صرْفٌ على هذا أَي فضلُ؛ قال ابن الأَثير:
أَراد بصرْفِ الحديث ما يتكلفه الإنسان من الزيادة فيه على قدر الحاجة،
وإنما كره ذلك لما يدخله من الرِّياء والتَّصَنُّع، ولما يُخالِطُه من
الكذب والتَّزَيُّدِ، والحديثُ مرفوع من رواية أَبي هريرة عن النبي، صلى
اللّه عليه وسلم، في سنن أَبي داود. ويقال: فلان لا يُحْسنُ صرْفَ الكلام
أَي فضْلَ بعضِه على بعض، وهو من صَرْفِ الدّراهمِ، وقيل لمن يُمَيِّز:
صَيْرَفٌ وصَيْرَفيٌّ. وصَرَفَ لأَهله يَصْرِفُ واصْطَرَفَ: كَسَبَ وطَلَبَ
واخْتالَ؛ عن اللحياني.
والصَّرافُ: حِرْمةُ كلِّ ذاتِ ظِلْفٍ ومِخْلَبٍ، صَرَفَتْ تَصْرِفُ
صُرُوفاً وصِرافاً، وهي صارفٌ. وكلبةٌ صارِفٌ بيِّنة الصِّرافِ إذا اشتهت
الفحل. ابن الأَعرابي: السباعُ كلها تُجْعِلُ وتَصْرِفُ إذا اشتهت الفحل،
وقد صرَفت صِرافاً، وهي صارِفٌ، وأَكثر ما يقال ذلك كلُّه للكلْبَةِ. وقال
الليث: الصِّرافُ حِرْمةُ الشاء والكلاب والبقَرِ.
والصَّريفُ: صوت الأَنيابِ والأَبوابِ. وصَرَفَ الإنسانُ والبعيرُ نابَه
وبنابِه يَصْرِفُ صَريفاً: حَرَقَه فسمعت له صوتاً، وناقة صَروفٌ
بَيِّنَةُ الصَّرِيفِ. وصَرِيفُ الفحل: تَهَدُّرُه. وما في فمه صارفٌ أَي نابٌ.
وصَريفُ القَعْوِ: صوته. وصَريفُ البكرةِ: صوتها عند الاستقاء. وصريفُ
القلم والباب ونحوهما: صريرهما. ابن خالويه: صريفُ نابِ الناقةِ يدل على
كلالِها ونابِ البعير على قَطَمِه وغُلْمَتِه؛ وقول النابغة:
مَقْذُوفَةٍ بِدَخِيسِ النَّحْضِ بازِلُها،
له صَرِيفٌ صَريفَ القَعْوِ بالمَسَدِ
هو وَصْفٌ لها بالكَلالِ. وفي الحديث: أَنه دخل حائطاً من حَوائطِ
المدينةِ فإذا فيه جَمَلانِ يَصْرفان ويوعِدانِ فَدَنا منهما فوضعا جُرُنَهما؛
قال الأَصمعي: إذا كان الصَّرِيفُ من الفُحولةِ، فهو من النَّشاطِ، وإذا
كان من الإناث، فهو من الإعْياء. وفي حديث عليّ: لا يَرُوعُه منها
(*
قوله «لا يروعه منها» الذي في النهاية: لا يروعهم منه.) إلا صريفُ أَنيابِ
الحِدْثان. وفي الحديث: أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقلامِ أَي صوتَ جَرَيانِها
بما تكتُبه من أَقْضِيةِ اللّه ووَحْيِه، وما يَنْسَخُونه من اللوحِ
المحفوظ. وفي حديث موسى، على نبينا وعليه السلام: أَنه كان يسمع صَريف القَلم
حين كتب اللّه تعالى له التوراة؛ وقول أَبي خِراشٍ:
مُقابَلَتَيْنِ شَدَّهما طُفَيْلٌ
بِصَرّافَينِ، عَقْدُهما جَمِيلُ
عنى بالصَّرَّافَيْنِ شراكَيْنِ لهما صَرِيفٌ.
والصِّرْفُ: الخالِصُ من كل شيء. وشَرابٌ صِرْفٌ أَي بَحْتٌ لم
يُمْزَجْ، وقد صَرَفَه صُروفاً؛ قال الهذَلي:
إن يُمْسِ نَشْوانَ بِمَصْرُفَةٍ
منها بريٍّ وعلى مِرْجَلِ
وصَرَّفَه وأَصْرَفَه: كَصَرفَه؛ الأَخيرة عن ثعلب. وصَرِيفون: موضع
بالعراق؛ قال الأعشى:
وَتُجْبَى إليه السَّيْلَحُونَ، ودونَها
صَرِيفُونَ في أَنهارِها والخَوَرْنَقُ
قال: والصَّرِيفيّةُ من الخمر منسوبة إليه. والصَّريفُ: الخمر الطيبةُ؛
وقال في قول الأَعشى:
صَرِيفِيّةٌ طَيِّبٌ طَعْمُها،
لها زبدٌ بَيْنَ كُوبٍ ودَنّ
(* قوله «صريفية إلخ» قبله كما في شرح القاموس:
تعاطي الضجيع إذا أقبلت * بعيد الرقاد وعند
الوسن)
قال بعضهم: جعلها صَرِيفِيّةً لأَنها أُخِذت من الدَّنِّ ساعَتئذٍ
كاللبن الصَّريف، وقيل: نُسِبَ إلى صَريفين وهو نهر يتخلَّجُ من الفُراتِ.
والصَّريفُ: الخمر التي لم تُمْزَجْ بالماء، وكذلك كل شئ لا خِلْطَ فيه؛
وقال الباهليّ في قول المتنخل:
إنْ يُمْسِ نَشْوانَ بِمصْرُوفةٍ
قال: بمصروفة أَي بكأْس شُرِبَتْ صِرْفاً، على مِرْجَلٍ أَي على لحمٍ
طُبخ في مِرجل، وهي القِدْر. وتَصْرِيفُ الخمر: شُرْبُها صِرْفاً.
والصَّريفُ: اللبن الذي ينصرف عن الضَّرْع حارّاً إذا حُلِبَ، فإِذا سكنت
رَغْوَتُه، فهو الصَّريحُ؛ ومنه حديث الغارِ: ويَبيتانِ في رِسْلِها وصَرِيفِها؛
الصَّريفُ: اللبن ساعة يُصْرَفُ عن الضرْع؛ وفي حديث سَلمَة ابن
الأَكوع:لكن غَذاها اللبَنُ الخَريفُ:
أَلمَحْضُ والقارِصُ والصَّريفُ
وحديث عمرو بن معديكَرِبَ: أَشْرَبُ التِّبْنَ من اللبن رَثِيئةً أَو
صَريفاً. والصِّرفُ، بالكسر: شيء يُدْبَغُ به الأَديمُ، وفي الصحاح: صِبْغ
أَحمر تصبغ به شُرُكُ النِّعالِ؛ قال ابن كَلْحَبَةَ اليربوعي، واسمه
هُبَيْرَةُ بن عبد مَناف، ويقال سَلَمة بن خُرْشُبٍ الأَنـْماري، قال ابن
بري: والصحيح أَنه هُبيرة بن عبد مناف، وكلحبة اسم أُمه، فهو ابن كلحبة
أَحدُ بني عُرَيْن بن ثَعْلبة بن يَرْبُوعٍ، ويقال له الكلحبة، وهو لقب له،
فعلى هذا يقال؛ وقال الكلحبة اليربوعي:
كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفــةٍ، ولكنْ
كلَوْنِ الصِّرفِ عُلَّ به الأَدِيمُ
يعني أَنها خالصة الكُّمْتةِ كلونِ الصِّرْفِ، وفي المحكم: خالصةُ
اللونِ لا يُحلف عليها أَنها ليست كذلك. قال: والكُمَيْتُ الــمُحْلِفُ الأَحَمّ
والأَحْوَى، وهما يشتبهان حتى يَحْلِفَ إنسان أَنه كميت أَحمُّ، ويحلف
الآخر أَنه كُميت أَحْوَى. وفي حديث ابن مسعود، رضي اللّه عنه: أَتَيْتُ
رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، وهو نائم في ظلِّ الكَعبة فاسْتَيْقَظ
مُحْمارّاً وجْهُه كأَنه الصِّرْفُ؛ هو بالكسر، شجر أَحمر. ويسمى الدمُ
والشرابُ إذا لم يُمْزَجا صِرْفاً. والصِّرْفُ: الخالِصُ من كل شيء. وفي
حديث جابر، رضي اللّه عنه: تَغَيَّر وجْهُه حتى صارَ كالصِّرْف. وفي حديث
علي، كرَّم اللّه وجهه: لتَعْرُكَنَّكُمْ عَرْكَ الأَديمِ الصِّرْفِ أَي
الأَحمر. والصَّريفُ: السَّعَفُ اليابِسُ، الواحدة صَريفةٌ، حكى ذلك أَبو
حنيفة؛ وقال مرة: هو ما يَبِسَ من الشجر مثل الضَّريع، وقد تقدَّم. ابن
الأَعرابي: أَصْرف الشاعرُ شِعْرَهُ يُصْرِفُه إصرافاً إذا أَقوى فيه
وخالف بين القافِيَتَين؛ يقال: أَصْرَفَ الشاعرُ القافيةَ، قال ابن بري: ولم
يجئ أَصرف غيره؛ وأَنشد:
بغير مُصْرفة القَوافي
(* قوله «بغير مصرفة» كذا بالأصل.)
ابن بزرج: أَكْفأْتُ الشعرَ إذا رفعت قافِيةً وخفضت أُخرى أَو نصبتها،
وقال: أَصْرَفْتُ في الشعر مثل الإكفاء، ويقال: صَرَفْت فلاناً ولا يقال
أَصْرَفْته. وقوله في حديث الشُفعة: إذا صُرِّفَتِ الطُّرُقُ فلا شُفْعةَ
أَي بُيِّنَتْ مَصارِفُها وشوارِعُها كأَنه من التَّصَرُّفِ
والتَّصْريفِ.والصَّرَفانُ: ضربٌ من التمر، واحدته صَرفانَةٌ، وقال أَبو حنيفة:
الصَّرفانةُ تمرة حمراء مثل البَرْنِيّةِ إلا أَنها صُلْبةُ المَمْضَغَةِ
عَلِكةٌ، قال: وهي أَرْزَن التمر كله؛ وأَنشد ابن بري للنّجاشِيّ:
حَسِبْتُمْ قِتالَ الأَشْعَرينَ ومَذْحِجٍ
وكِنْدَةَ أَكْلَ الزُّبْدِ بالصَّرَفانِ
وقال عِمْران الكلبي:
أَكُنْتُمْ حَسِبْتُمْ ضَرْبَنا وجِلادَنا
على الحجْرِ أَكْلَ الزُّبْدِ بالصَّرَفانِ
(* قوله «الحجر» في معجم ياقوت: الحجر، بالكسر وبالفتح وبالضم، أسماء
مواضع.)
وفي حديث وفْد عبد القيس: أَتُسَمُّون هذا الصَّرفان؟ هو ضرب من أَجود
التمر وأَوْزَنه. والصرَفانُ: الرَّصاصُ القَلَعِيُّ؛ والصرَفانُ: الموتُ؛
ومنهما قول الزَّبّاء الملِكة:
ما لِلْجِمالِ مَشْيُها وئيدا؟
أَجَنْدَلاً يَحْمِلْنَ أَم حَديدا؟
أَمْ صَرَفاناً بارِداً شَديدا؟
أَم الرِّجال جُثَّماً قُعُودا؟
قال اَبو عبيد: ولم يكن يهدى لها شيء أَحَبّ إليها من التمر الصرَفان؛
وأَنشد:
ولما أَتَتْها العِيرُ قالت: أَبارِدٌ
من التمرِ أَمْ هذا حَديدٌ وجَنْدَلُ؟
والصَّرَفيُّ: ضَرْب من النَّجائب منسوبة، وقيل بالدال وهو الصحيح، وقد
تقدم.
حنث: الحِنْثُ: الخُلْفُ في اليمين.
حَنِثَ في يمينه حِنْثاً وحَنَثاً: لم يَبَرَّ فيها، وأَحْنَثه هو.
تقول: أَحْنَثْتُ الرجلَ في يمينه فَحَنِثَ إِذا لم يَبَرَّ فيها.
وفي الحديث: اليمين حِنْثٌ أَو مَنْدَمَة؛ الحِنْثُ في اليمين: نَقْضُها
والنَّكْثُ فيها، وهو من الحِنْثِ: الاثم؛ يقول: إِما أَنْ يَنْدَمَ على
ما حَلَفَ عليه، أَو يَحْنَثَ فتلزمَه الكفارةُ.
وحَنِثَ في يمينه أَي أَثِمَ.
وقال خالد بن جَنْبةَ: الحِنْثُ أَن يقول الإِنسانُ غير الحق؛ وقال ابن
شميل: على فلانٍ يَمينٌ قد حَنِثَ فيها، وعليه أَحْناثٌ كثيرة؛ وقال:
فإِنما اليمينُ حِنْثٌ أَو نَدَم. والحِنْثُ: حِنْثُ اليمين إِذا لم
تَبَرَّ. والمَحانِثُ: مواقع الحِنْث. والحِنْث: الذَّنْبُ العَظيم والإِثْمُ؛
وفي التنزيل العزيز: وكانوا يُصِرُّونَ على الحِنْثِ العظيم؛ يُصِرُّونَ
أَي يدُومُون؛ وقيل: هو الشِّرْكُ، وقد فُسِّرت به هذه الآية أَيضاً؛
قال:من يَتَشاءَمْ بالهُدَى، فالحِنْثُ شَرٌّ
أَي الشِّرْك شرّ.
وتَحَنَّثَ: تَعَبَّد واعْتَزَل الأَصنامَ، مثل تَحَنَّف. وبَلَغ
الغلامُ الحِنْثَ أَي الإِدْراك والبلوغ؛ وقيل إِذا بَلَغَ مَبْلَغاً جَرَى
عليه القَلَم بالطاعة والمعصِية؛ وفي الحديث: من ماتَ له ثلاثةٌ من الولد،
لم يَبْلُغوا الحِنْثَ، دخل من أَيِّ أَبواب الجنة شاءَ؛ أَي لم يَبْلُغوا
مبلغ الرجال، ويجري عليهم القَلَم فيُكْتَبُ عليهم الحِنْثُ والطاعةُ:
يقال: بَلَغَ الغلامُ الحِنثَ أَي المعصِيةَ والطاعةَ. والحِنْثُ:
الاثْمُ؛ وقيل: الحِنْثُ الحُلُم.
وفي الحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان، قبل أَن يُوحَى
إِليه، يأْتي حِراءً، وهو جبلٌ بمكة فيه غار، وكان يَتَحَنَّثُ فيه الليالي
أَي يَتعَبَّد. وفي رواية عائشة، رضي الله عنها: كان يَخْلُو بغارِ
حِرَاءٍ، فيَتَحَنَّثُ فيه؛ وهو التَّعَبُّدُ الليالي ذواتِ العَدد؛ قال ابن
سيده: وهذا عندي على السَّلْب، كأَنه ينفي بذلك الحِنْثَ الذي هو الاثم،
عن نفسه، كقوله تعالى: ومن الليل فتَهَجَّدْ به ناقلةً لك، أَي انْفِ
الهُجودَ عن عَيْنك؛ ونظيرُه: تَأَثَّم وتَحَوَّب أَي نفى الاثمَ والحُوبَ؛
وقد يجوز أَن تكون ثاء يَتَحَنَّثُ بدلاً من فاء يَتَحَنَّف. وفلان
يَتَحَنَّثُ من كذا أَي يَتَأَثَّم منه؛ ابن الأَعرابي: قوله يَتَحَنَّثُ أَي
يَفْعَلُ فِعْلاً يَخْرُج به من الحِنْث، وهو الاثم والحَرَجُ؛ ويقال: هو
يَتَحَنَّثُ أَي يَتَعَبَّدُ لله؛ قال: وللعرب أَفعال تُخالِفُ معانيها
أَلفاظَها، يقال: فلان يَتَنَجَّس إِذا فعل فعلاً يَخْرُج به من النجاسة،
كما يقال: فلان يَتَأَثَّم ويَتَحَرَّج إِذا فعل فِعْلاً يَخْرُجُ به من
الإثم والحَرَج. وروي عن حَكِيم بن حِزامٍ أَنه قال لرسول الله، صلى
الله عليه وسلم، أَرأَيْتَ أُمُوراً كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بها في الجاهلية من
صلَةِ رحِمٍ وصَدَقةٍ، هل لي فيها من أَجْر؟ فقال له، صلى الله عليه
وسلم: أَسْلمْتَ على ما سَلَفَ لك من خَيْر؛ أَي أَتَقَرَّب إِلى الله
بأَفعال في الجاهلية؛ يريد بقوله: كنتُ أَتَحَنَّثُ أَي أَتَعَبَّدُ وأُلقي بها
الحِنْثَ أَي الإثم عن نفسي. ويقال للشيء الذي يَخْتَلِفُ الناسُ فيه
فيحتمل وجهين: مُحْلِفٌ، ومُحْنِثٌ.
والحِنْثُ: الرجوعُ في اليمين. والحِنْثُ: المَيْلُ من باطل إِلى حقٍّ،
ومن حقّ إِلى باطل.
يقال: قد حَنِثْتُ أَي مِلْتُ إِلى هَواكَ عَليَّ، وقد حَنِثْتُ معَ
الحق على هواك؛ وفي حديث عائشة: ولا أَتَحَنَّثُ إِلى نَذْرِي أَي لا
أَكْتَسِبُ الحِنْثَ، وهو الذنب، وهذا بعكس الأَول؛ وفي الحديث: يَكْثُر فيهم
أَولادُ الحِنْثِ أَي أَولادُ الزنا، من الحِنْث المعصية، ويروى بالخاءِ
المعجمة والباء الموحدة.
عرد: عَرَدَ النابُ يَعْرُدُ عُرُوداً: خرج كلُّه واشتدّ وانتصب، وكذلك
النباتُ. وكلُّ شيءٍ مُنْتَصِبٍ شديدٍ: عَرْدٌ؛ قال العجاج:
وعُنُقاً عَرْداً ورأْساً مِرْأَساً
قال الأَصمعي: عَرْداً غليظاً. مِرْأَساً: مِصَكّاً للرؤوس. وعَرَدَتْ
أَنيابُ الجمل: غَلُظَتْ واشتدَّت. وعَرَدَ الشيءُ يَعْرُدُ عُرُوداً:
غلُظ. والعُرُدُّ والعُرُنْدُ: الشديدُ من كل شيء، نونه بدل من الدال.
الفراء: رُمْحٌ مِتَلٌّ ورمح عُرُدٌّ ووتَرٌ عُرُدٌّ، بالضم والتشديد: شديدٌ؛
وأَنشد:
والقَوْسُ فيها وَتَرٌ عُرُدُّ،
مثِلُ جِران الفِيلِ أَو أَشَدُّ
ويروى: مثل ذراع البكر؛ شَبَّه الوَتَرَ بذراع البعير في تَوَتُّرِه.
وورد هذا أَيضاً في خطبة الحجاج: والقَوْسُ فيها وتَرٌ عُرُدٌّ؛ العُرُدُّ،
بالضم والتشديد: الشديد من كل شيء. ويقال: إِنه لَقَويٌّ شديد عُرُدٌّ.
وحكى سيبويه: وَتَرٌ عُرُنْد أَي غليظ؛ ونظيره من الكلام تُرُنْجٌ.
والعَرْدُ: ذَكَر الإِنسان، وقيل: هو الذكر الصُّلْبُ الشديد، وجمعه أَعْراد،
وقيل: العَرْدُ الذكر إِذا انتشر واتْمَهَلَّ وصَلُبَ. قال الليث:
العَرْدُ الشديد من كل شيء الصُّلْبُ المنتصبُ؛ يقال: إِنه لعَرْدُ مَغْرِزِ
العُنُق؛ قال العجاج:
عَرْدَ التَّراقِي حَشْوَراً مُعَقْرَبا
وعَرَّدَ الرجلُ إِذا قَوِيَ جسمُه بعد المرض. وعَرَدَتِ الشجرةُ تعردُ
عُرُوداً ونَجَمَتْ نُجُوماً: طَلَعَتْ، وقيل: اعْوَجَّتْ. وقال أَبو
حنيفة: عَرَدَ النبتُ يَعْرُدُ عُرُوداً طَلَعَ وارتفع، وقيل: خَرَجَ عن
نَعْمَتِه وغُضُوضَتِه فاشتدَّ؛ قال ذو الرمة:
يُصَعِّدْن رُقْشاً بَيْنَ عُوجٍ كأَنها
زِجاجُ القَنا، منها نَجِيمٌ وعارِدُ
وفي النوادر: عَرَدَ الشجرُ وأَعْرَدَ إِذا غَلُظَ وكَبُرَ.
والعارِدُ: المُنْتَبِذُ؛ وأَنشد ابن بري لأَبي محمد الفَقْعَسِي:
صَوَّى لها ذا كِدْنَةٍ جُلاعِدا،
لم يَرْعَ بالأَصْيافِ إِلا فارِدا
تَرَى شُؤونَ رأْسِهِ العَوارِدَا،
مَضْبورَةً إِلى شَبَا حَدائِدَا
أَي مُنْتَبِذَةً بعضُها من بعض. قال ابن بري: وهذا الرجز أَورده
الجوهري: ترى شؤون رأْسها والصواب شؤون رأْسه لأَنه يصف فحلاً. ومعنى صَوَّى
لها أَي اختار لها فحلاً. والكِدْنَةُ: الغِلَظُ. والجُلاعِدُ: الشديدُ
الصلْبُ. وعَرَّدَ الرجل عن قِرْنِه إِذا أَحْجَمَ ونَكَلَ. والتَّعْرِيدُ:
الفِرارُ، وقيل: التَّعْرِيدُ سرعةُ الذهاب في الهزيمة؛ قال الشاعر يذكر
هزيمة أَبي نَعَامَة الحَرُورِيِّ:
لمَّا اسْتَباحُوا عَبْدَ رَبٍّ، عَرَّدَتْ
بأَبي نَعَامَةَ أُمُّ رَأْلٍ خَيْفَقُ
وعَرِّدَ الرجلُ تَعْرِيداً أَي فَرَّ. وعَرِدَ الرجلُ إِذا هَرَبَ؛ وفي
قصيد كعب:
ضَرْبٌ إِذا عَرَّدَ السُّودُ التَّنابيلُ
أَي فَرُّوا وأَعْرَضُوا، ويروى بالغين المعجمة، من التَّغْرِيدِ
التَّطْريب. وعَرَّدَ السهمُ تعريداً إِذا نَفَذَ من الرَّمِية؛ قال
ساعدة:فجَالَتْ وخَالَتْ أَنه لم يَقَعْ بها،
وقد خَلَّها قِدْحٌ صَويبٌ مُعَرِّدُ
مُعَرِّدٌ أَي نافِذٌ. وخَلَّها أَي دخل فيها. وصويبٌ: صائبٌ قاصِد.
وعَرَّدَ: تَرَك القصدَ وانهزم؛ قال لبيد:
فمَضَى وقَدَّمها، وكانت عادةً
منه إِذا هي عَرَّدَتْ إِقْدامُها
أَنَّثَ الإِقدامَ لتعلقه بها، كقوله:
مَشَيْنَ كما اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ
أَعالِيهَا مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ
وعَرَدَ الحَجَرَ يَعْرُدُهُ عَرْداً: رماه رَمْياً بعيداً.
والعَرَّادَةُ: شِبْهُ المَنْجَنِيقِ صغيرة، والجمع العَرَّاداتُ. والعَرادُ
والعَرادَةُ: حشيشٌ طيب الريح، وقيل: حَمْضٌ تأْكله الإِبل ومنابته الرمل وسهول
الرمل؛ وقال الراعي ووصف إِبله:
إِذا أَخلَفَتْ صَوْبَ الرَّبِيعِ؛ وَصَالهَا
عَرادٌ وحاذٌ أَلْبَسَا كلَّ أَحْرَعَا
(* قوله «وصالها» كذا رسم هنا بألف بين الصاد واللام وفي ح و ذ أَيضاً
بالأصل المعول عليه ولعله وصى بالياء بمعنى اتصل).
وقيل: هو من نَجِيل العَذاة، واحدته عَرادَةٌ وبه سُمِّيَ الرجل.
قال الأَزهري: رأَيتُ العَرادَةَ في البادية وهي صُلْبةُ العُود منتشرة
الأَغصان لا رائحة لها؛ قال: والذي أَراد الليث العرادة فيما أَحْسَبُ
وهي بَهارُ البَرِّ، وعَرادٌ عَرِدٌ على المبالغة. قال أَبو الهيثم: تقول
العرب قيل للضب: وِرْداً وِرْداً؛ فقال:
أَصْبَحَ قَلْبي صَرِدَا،
لا يَشْتَهِي أَن يَرِدَا،
إِلاَّ عَراداً عَرِدَا،
وصِلِّياناً بَرِدَا،
وعَنْكَثاً مُلْتَبِدَا
وإِنما أَراد عارداً وبارداً فحذف للضرورة. والعَرادةُ: شجرة صُلْبَةُ
العُود، وجمعها عَرادٌ. وعَرادٌ: نبتٌ صُلْبٌ منتصب. وعَرَّدَ النجمُ إِذا
مال للغروب بَعْدَما يُكَبِّدُ السماءَ؛ قال ذو الرمة:
وهَمَّتِ الجَوْزَاءُ بالتَّعْريدِ
ونِيقٌ مُعَرِّدٌ: مرتفع طويل؛ قال الفرزدق:
وإِني، وإِيَّاكم ومَن في حِبالِكُمْ،
كَمَنْ حَبْلُه في رأْسِ نِيقٍ مُعَرِّدِ
وقال شمر في قول الراعي:
بأَطْيَبَ مِنْ ثَوْبَيْنِ تَأْوي إِليهما
سُعادُ، إِذا نجْمُ السِّماكَيْنِ عَرَّدَا
أَي ارتفع؛ وقال أَيضاً:
فجاءَ بأَشْوَالٍ إِلى أَهلِ خُبَّةٍ
طَرُوقاً، وقد أَقْعَى سُهَيْلٌ فَعَرَّدا
قال: أَقعى ارتفع ثم لم يبرح. ويقال: عَرَّدَ فلان بحاجتنا إِذا لم
يقضها. والعَرادة: الجَرادة الأُنثى. والعَرِيدَ: البعيدة، يمانية. وما
زال ذلك عَرِيدَه أَي دَأْبَه وهِجِّيراهُ؛ عن اللحياني. وعَرادةُ: اسم
رجل؛ قال جرير:
أَتاني عن عَرادةَ قَوْلُ سَوْءٍ،
فَلا وأَبي عَرادَةُ ما أَصابا
عَرادَةُ مِن بَقِيَّةِ قومِ لوطٍ،
أَلا تَبّاً لما صَنَعوا تَبَابا
والعَرادة: اسم فرس من خيل الجاهلية؛ قال كَلْحَبَةُ واسمه هُبَيرَةُ بن
عبد مناف:
تُسائِلُني بَنُو جُشَمِ بنِ بكرٍ:
أَغَرَّاءُ العَرادةُ أَم بَهِيمُ؟
كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفَــةٍ، ولكن
كلَوْنِ الصِّرْفِ، عُلَّ به الأَدِيمُ
والعَرّادةُ، بتشديد الراء: فَرَسُ أَبي دُوادٍ. وفلان في عَرادة خَيرٍ
أَي في حال خير.
والعَرَنْدَدُ: الصُّلْبُ، وهو ملحق بسفرجل.
كمت: الكُمَيْتُ: لونٌ ليس بأَشْقَر ولا أَدْهَم؛ وكذلك الكُمَيْتُ: من
أَسماء الخمر فيها حُمرة وسواد، والمصدر الكُمْتَة. ابن سيده: الكُمْتةُ
لونٌ بين السَّوادِ والحُمْرة، يكون في الخيل والإِبل وغيرهما. وقال ابن
الأَعرابي: الكُمْتةُ كُمْتَتانِ: كُمْتةُ صُفْرةٍ، وكُمْتَة حُمْرةٍ.
وقد كَمُتَ كَمْتاً وكُمْتةً وكَماتَةً، واكْماتَّ. والكُمَيْتُ من الخيل،
يَسْتَوي فيه المذكر والمؤَنث، ولَوْنُه الكُمْتَة، وهي حُمْرة
يَدْخُلُها قُنُوءٌ؛ تقول منه: اكْمَتَّ الفرسُ اكْمِتاتاً، واكْماتَّ
اكْمِيتاتاً، مثلُه، وفرس كُمَيْتٌ، وبعير كُمَيْتٌ؛ وكذلك الأُنثى بغير هاء؛ قال
الكَلْحبةُ:
كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفــةٍ، ولكِنْ
كَلَوْنِ الصَّرْفِ، عُلَّ به الأَديمُ
يعني أَنها خالصة اللون، لا يُحْلَفُ عليها أَنها ليست كذلك. قال ثعلب:
يقول هذه الفرس بَيِّنٌ أَنها إِلى الحُمْرة لا إِلى السَّواد. قال
سيبويه: سأَلت الخليل عن كُمَيْتٍ، فقال: هو بمنزلة جُمَيلٍ، يعني الذي هو
البُلْبُلُ، وقال. إِنما هي حُمْرة يُخالِطُها سوادٌ، ولم تَخْلُصْ، وإِنما
حَقَّروها لأَنها بين السواد والحمرة ولم تَخْلُصْ لواحد منهما فيقالَ له
أَسْوَدُ أَو أَحمر، فأَرادوا بالتصغير أَنه منهما قريب، وإِنما هذا
كقولك: هو دُوَيْنُ ذاك، انتهى كلام سيبويه. قال ابن سيده: وقد يُوصَفُ به
المَواتُ؛ قال ابن مقبل:
يَظَلاَّنِ، النهارَ، برأْسِ قُفٍّ
كُمَيْتِ اللَّوْنِ، ذي فَلَكٍ رفيعِ
قال: واستعمله أَبو حنيفة في التِّين، فقال في صفة بعض التِّين: هو
أَكْبَر تِينٍ رآه الناسُ أَحْمَرُ كُمَيْتٌ، والجمع كُمْتٌ، كَسَّروه على
مُكَبَّره المُتَوَهَّم، وإِن لم يُلْفَظ به، لأَن المُلَوَّنة يَغْلِبُ
عليها هذا البِناء الأَحْمَرُ والأَشْقر؛ قال طُفَيْل:
وكُمْتاً مُدَمَّاةً، كأَنَّ مُتُونَها
جَرَى فَوْقَها، واسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ
قال أَبو عبيدة: فَرْقُ ما بين الكُمَيْتِ والأَشْقَر في الخيل
بالعُرْفِ والذَّنَبِ، فإِن كانا أَحْمَرَين، فهو أَشْقَرُ، وإِن كانا أَسودين،
فهو كُمَيْتٌ، قال: والوَرْدُ بينهما؛ والكُمَيْتُ للذكر والأُنثى سواء.
يقال مُهْرة كُمَيْتٌ؛ جاء عن العرب مُصَغَّراً، كما تَرى. قال الأَصمعي
في أَلوان الإِبل: بعير أَحمر إِذا لم يُخالِطْ حُمْرتَه شيء، فإِن
خَالَطَ حُمْرَتَه قُنوءٌ، فهو كُمَيْتٌ، وناقة كُمَيْتٌ؛ فإِن اشْتَدَّت
الكُمْتَةُ حتى يدخلَها سوادٌ، فتلك الرُّمْكَة؛ وبعير أَرْمَكُ، فإِن كان
شديدَ الحمرة يَخْلِطُ حُمْرَتَه سوادٌ ليس بخالصٍ، فتِلْكَ الكُلْفَة؛ وهو
أَكلَفُ، وناقة كَلْفاء. والعَرَب تقول: الكُمَيْتُ أَقْوَى الخيل،
وأَشَدُّها حوافِرَ؛ وقوله:
فلو تَرَى فيهنَّ سِرَ العِتْقِ،
بَيْنَ كَماتِيٍّ،وحُوٍّ بُلْقِ
جمعه على كَمْتاءَ، وإِن لم يُلْفَظْ به، بعد أَن جعله اسماً كصَحْراء.
والكُمَيْتُ: فرس المُعْجَبِ بن سُفْيان، صفةٌ غالبة. والكُمَيْتُ: من
أسماء الخمر، لما فيها من سواد وحُمْرة؛ وفي المحكم: الكُمَيْتُ الخمر
التي فيها سَواد وحُمْرة، والمصْدَر: الكُمْتَةُ؛ وقال أَبو حنيفة: هو اسم
لها كالعَلَم، يريد أَنه قد غَلَب عليها غَلَبةَ الاسمِ العَلَمِ، وإِن
كان في أَصله صفةً، وقد كُمِّتَتْ: صُيِّرتْ بالصَّنْعة كُمَيْتاً؛ قال
كثير عزة:
إِذا ما لَوَى صِنْعٌ به عَرَبِيَّةً،
كَلَوْنِ الدِّهانِ، وَرْدَةً لم تُكَمَّتِ
قال أَبو منصور: ويقال تَمْرة كُمَيْتٌ في لونها، وهي من أَصلَبِ
التُّمْرانِ لِحاءً، وأَطْيَبِها مَمْضَغَةً؛ قال الشاعر
(* قوله «قال الشاعر»
هو الاسود بن يعفر وصدره كما في التكملة: «وكنت إِذا ما قرّب الزاد
مولعاً» ومعنى لم توسف: لم تقشر.):
بكُلِّ كُمَيْتٍ جَلْدَةٍ لم تُوَسَّفِ
ابن الأَعرابي: الكَمِيتُ الطويلُ التامّ من الشهور والأَعْوام.
والكُمَيْتُ بنُ مَعْروفٍ: شاعر مَعْروف.
هيأ: الهَيْئَةُ والهِيئةُ: حالُ الشيءِ وكَيْفِيَّتُه.
ورجل هَيًّئٌ: حَسَنُ الهَيْئةِ. الليث: الهَيْئةُ للمُتَهَيِّئِ في مَلْبَسِه ونحوه. وقد هاءَ يَهَاءُ هَيْئةً، ويَهِيءُ. قال اللحياني: وليست
الأَخيرة بالوجه. والهَيِّئُ، على مثال هَيِّعٍ: الحَسَن الهَيْئَةِ من
كلِّ شيءٍ ، ورجلٌ هَيِيءٌ، على مثال هَيِيعٍ، كهَيِّئٍ، عنه أَيضاً.
وقد هَيُؤَ، بضم الياءِ، حكى ذلك ابن جني عن بعض الكوفيين، قال: ووجهه أَنه خرَج مَخْرَجَ المبالغة، فلحق بباب قولهم قَضُوَ الرَّجلُ إِذا جادَ قَضاؤُه، ورَمُوَ إِذا جاد رَمْيُه، فكما يُبْنَى فَعُلَ مـما لامه ياءٌ كذلك خرج هذا على أَصله في فَعُلَ مـما عينه ياءٌ. وعلَّتُهما جميعاً، يعني هَيُؤَ وقَضُوَ: أنَّ هذا بناءٌ لا يتصرَّف لِـمُضارَعَتِه مـما فيه من الـمُبالَغةِ لباب التَّعَجُّب ونِعْمَ وبِئْسَ. فلما لم يَتَصَرَّفْ احتملوا فيه خُروجَه في هذا الموضع مخالفاً للباب، أَلا تراهم إِنما تَحامَوْا أَن يَبْنُوا فَعُلَ مـما عينه ياءٌ مخافة انْتِقالهم من الأَثقل إِلى ما هو أَثقلُ منه، لأَنه كان يلزم أَن يقولوا: بُعْت أَبُوعُ، وهو يَبُوعُ، وأَنت أَو هي تَبُوعُ، وبُوعا، وبُوعُوا، وبُوعِي. وكذلك جاءَ فَعُلَ مـما لامه ياءٌ مـمَّا هو مُتَصَرِّفٌ أَثقلَ من الياءِ، وهذا كما صح: ما أَطْوَلَه وأَبْيَعَه.
وحكى اللحياني عن العامِرِيَّةِ: كان لِي أَخٌ هَيِيٌّ عَليٌّ أَي يتأَنث للنساءِ، هكذا حكاه هَيِيٌّ عَليٌّ، بغير همز، قال: وأُرَى ذلك، إِنما
هو لمكان عَليٍّ.
وهاءَ للأَمر يَهَاءُ ويَهِيءُ، وتَهَيَّأَ: أَخَذَ له هَيْأَتَه.
وهَيَّأَ الأَمرَ تَهْيِئةً وتَهْييئاً: أَصْلَحه فهو مُهَيَّأٌ.
وفي الحديث: أَقِيلُوا ذَوِي الهَيْئَاتِ عَثَراتِهم. قال: هم الذين لا
يُعْرَفُون بالشرِّ فَيَزِلُّ أَحدُهم
الزلَّةَ. الهَيْئَةُ: صورةُ الشيءِ وشَكْلُه وحالَتُه، يريد به ذَوِي الهَيْئَاتِ الحَسَنةِ، الذين يَلْزَمون هَيْئةً واحدة وسَمْتاً واحداً، ولا تَخْتَلِفُ حالاتُهم بالتنقل من هَيْئةٍ إِلى هَيْئةٍ.
وتقول: هِئْتُ للأَمر أَهِيءُ هَيْئةً، وتَهَيَّأْتُ تَهَيُّؤاً، بمعنى.
وقُرئَ: وقالت هِئْتُ لك، بالكسر والهمز مثل هِعْتُ، بمعنى تَهَيَّأْتُ لكَ.
والهَيْئَةُ: الشارةُ. فلان حَسَنُ الهَيْئةِ والهِيئةِ. وتَهايَؤُوا على كذا: تَمالَؤُوا. والـمُهايَأَةُ: الأَمـْرُ الـمُتَهايَأُ عليه.
والـمُهايَأَةُ: أَمرٌ يَتَهايَأُ القوم فيَتَراضَوْنَ به.
وهاءَ إِلى الأَمـْر يَهَاءُ هِيئةً: اشتاقَ.
والهَيْءُ والهِيءُ: الدُّعاءُ إِلى الطَّعامِ والشراب، وهو أَيضاً دُعاءُ
الإِبِل إِلى الشُّرب، قال الهَرَّاءُ:
وما كانَ على الجِيئِي، * ولا الهِيءِ امْتِداحِيكا
وهَيْءَ: كلمة معناها الأَسَفُ على الشيءِ يُفُوتُ،وقيل هي كلمة التعجب.
وقولهم: لو كان ذلك في الهِيءِ والجِيءِ ما نَفَعَه. الهِيءُ: الطَّعام،
والجِيءُ: الشَّرابُ، وهما اسمان من قولك جَاْجَأْتُ بالإِبل دَعَوْتُها
للشُّرْب، وهَأْهَأْتُ بها دَعَوْتُها للعَلَف.
وقولهم: يا هَيْءَ مالي: كلمة أَسَفٍ وتَلَهُّفٍ. قال الجُمَيْح بن
الطَّمَّاح الأَسدي، ويروى لنافع بن لَقِيط الأَسَدي:
يا هَيْءَ، مالي؟ مَنْ يُعَمَّرْ يُفْنِهِ * مَرُّ الزَّمانِ عليه، والتَّقْلِيبُ
ويروى: يا شَيْءَ مالي، ويا فَيْءَ مالي، وكلُّه واحد. ويروى:
وكذاك حَقّاً مَنُ يُعَمَّرْ يُبْلِه * كَرُّ الزَّمانِ عَلَيْهِ والتَّقْلِيبُ
قال ابن بري: وذكر بعض أَهل اللغة أَنَّ هَيْءَ اسم لفعل أَمر، وهو تَنَبَّهْ واسْتَيْقِظْ، بمعنى صَهْ ومَهْ في كونهما اسمين لاسْكُتْ
واكْفُفْ، ودخل حرف النداءِ عليها كما دخل على فعل الأَمر في قول الشماخ:
أَلا يا اسْقِياني قَبْلَ غارةِ سِنْجارِ
وإِنما بُنِيت على حركة بخلاف صَهْ ومَهْ لئلا يلتقي ساكنان، وخُصت بالفتحة طلباً للخفة بمنزلة أَيْنَ وكَيْفَ. وقوله ما لي: بمعنى أَيُّ شيءٍ لي، وهذا يقوله من تَغَيَّر عما كان يعهد، ثم اسْتَأْنَفَ، فأَخبر عن تغيرحاله، فقال: مَنْ يُعَمَّرْ يُبْلِه مَرُّ الزَّمانِ عليه، والتَّغَيُّرُ من حالٍ إِلى حال، واللّه أَعلم.
حوا: الحُوَّةُ: سواد إِلى الخُضْرة، وقيل: حُمْرةٌ تَضْرب إِلى
السَّواد، وقد حَوِيَ حَوىً واحْوَاوَى واحْوَوَّى، مشدّد، واحْوَوى فهو
أَحْوَى، والنسب إِليه أَحْوِيٌّ؛ قال ابن سيده: قال سيبويه إِنما ثبتت الواو في
احْوَوَيْت واحْوَاوَيْت حيث كانتا وسطاً، كما أَنَّ التضعيف وسطاً
أَقوى نحو اقْتَتل فيكون على الأَصل، وإِذا كان مثل هذا طرفاً اعتلّ، وتقول
في تصغير يَحْيَى يُحَيٌّّ، وكل اسم اجتمعت فيه ثلاث ياءَات أَولهن ياء
التصغير فإِنك تحذف منهن واحدة، فإِن لم يكن أَولهن ياء التصغير
أَثْبَتَّهُنَّ ثَلاثَتَهُنَّ، تقول في تصغير حَيَّة حُيَيَّة، وفي تصغير أَيُّوب
أُيَيِّيبٌ بأَربع ياءَات، واحْتَملَت ذلك لأَنها في وسط الاسم ولو كانت
طرفاً لم يجمع بينهن، قال ابن سيده: ومن قال احْواوَيْت فالمصدر
احْوِيَّاءٌ لأَن الياء تقلبها كما قَلَبت واوَ أيَّام، ومن قال احْوَوَيْت
فالمصدر احْوِوَاء لأَنه ليس هنالك ما يقلبها كما كان ذلك في احْوِيَّاء، ومن
قال قِتَّال قال حِوَّاء، وقالوا حَوَيْت فصَحَّت الواو بسكون الياء
بعدها. الجوهري: الحُوَّة لون يخالطه الكُمْتَة مثل صَدَإ الحديد، والحُوَّة
سُمْرة الشفة. يقال: رجل أَحْوَى وامرأَة حَوَّاءُ وقد حَوِيَتْ. ابن
سيده: شَفَة حَوَّاءُ حَمْراء تَضْرِب إلى السواد، وكثر في كلامهم حتى
سَمَّوْا كل أَسود أَحْوَى؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
كما رَكَدَتْ حَوَّاءُ، أُعْطي حُكْمَه
بها القَيْنُ، من عُودٍ تَعَلَّلَ جاذِبُهْ
يعني بالحَوَّاءِ بكَرَة صنعت من عود أََحْوَى أَي أَسود، ورَكَدَتْ:
دارت، ويكون وقفت، والقين: الصانع. التهذيب: والحُوَّةُ في الشِّفاهِ شَبيه
باللَّعَسِ واللَّمَى؛ قال ذو الرمة:
لَمْياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ،
وفي اللِّثاتِ وفي أَنيابِها شَنَبُ
وفي حديث أَبي عمرو النخعي: ولَدَتْ جَدْياً أَسْفَعَ أَحْوَى أَي أَسود
ليس بشديد السواد. واحْواوَتِ الأَرض: اخْضَرَّت. قال ابن جني: وتقديره
افْعالَت كاحْمارَتْ، والكوفيون يُصَحِّحون ويُدغمون ولا يُعِلُّون
فيقولون احْوَاوَّت الأَرض واحْوَوَّت؛ قال ابن سيده: والدليل على فساد مذهبهم
قول العرب احْوَوَى على مثال ارْعَوَى ولم يقولوا احْوَوَّ. وجَمِيمٌ
أَحْوَى: يضرب إلى السواد من شدة خُضْرته، وهو أَنعم ما يكون من النبات.
قال ابن الأَعرابي: هو مما يبالغون به. الفراء في قوله تعالى: والذي أَخْرج
المَرْععى فجعله غُثاءً أَحْوى، قال: إذا صار النبت يبيساً فهو غُثاءٌ،
والأَحْوَى الذي قد اسودَّ من القِدَمِ والعِتْقِ، وقد يكون معناه أَيضاً
أخرج المَرْعَى أَحْوى أَي أَخضر فجعله غُثاءً بعد خُضْرته فيكون مؤخراً
معناه التقديم. والأَحْوَى: الأَسود من الخُضْرة، كما قال:
مُدْهامَّتانِ. النضر: الأَحْوى من الخيل هو الأَحْمر السَّرَاة. وفي الحديث: خَيْرُ
الخَيْلِ الحُوُّ؛ جمع أَحْوَى وهو الكُمَيت الذي يعلوه سواد. والحُوَّة:
الكُمْتة. أَبو عبيدة: الأَحْوَى هو أَصْفَى من الأَحَمِّ، وهما
يَتَدانَيانِ حتى يكون الأَحْوَى مُحْلِفــاً يُحْلَفُ عليه أَنه أَحَمُّ. ويقال:
احْواوَى يَحْواوي احْوِيواءً. الجوهري: احْوَوى الفرس يَحْوَوِي
احْوِوَاءً، قال: وبعض العرب يقول حَوِيَ يَحْوَى حُوَّة؛ حكاه عن الأَصمعي في
كتاب الفرس. قال ابن بري في بعض النسخ: احْوَوَّى، بالتشديد، وهو غلط،
قال: وقد أَجمعوا على أَنه لم يجئ في كلامهم فِعْل في آخره ثلاثة أَحرف من
جنس واحد إلا حرف واحد وهو ابْيَضَضَّ؛ وأَنشدوا:
فالْزَمي الخُصَّ واخْفِضي تَبْيَضِضِّي
أَبو خيرة: الحُوُّ من النَّمْلِ نَمْلٌ حُمْرٌ يقال لها نَمْلُ سليمان.
والأَحْوى: فرس قُتَيْبَة بنِ ضِرار.
والحُوَّاء: نَبْتٌ يشبه لون الذِّئبِ، واحدته حُوَّاءَةٌ. وقال أَبو
حنيفة: الحُوَّاءَةُ بقلة لازقة بالأَرض، وهي سُهْلِيَّة ويسمو من وسطها
قضيب عليه ورق أَدق من ورق الأَصل، وفي رأْسه بُرْعُومة طويلة فيها بزرها.
والحُوَّاءة: الرجل اللازم بيته، شبّه بهذه النبتة. ابن شميل: هما
حُوَّاءانِ أَحدهما حُوَّاء الذَّعاليق وهو حُوَّاءُ البَقَر وهو من أَحْرار
البقول، والآخر حُوَّاء الكلاب وهو من الذكور ينبت في الرِّمْثِ خَشِناً؛
وقال:
كما تَبَسَّم للحُوَّاءةِ الجَمَل
وذلك لأَنه لا يقدر على قَلْعها حتى يَكْشِرَ عن أَنيابه للزوقها
بالأَرض. الجوهري: وبعير أَحْوَى إذا خالط خُضْرتَه سوادٌ وصفرة. قال: وتصغير
أَحْوَى أُحَيْوٍ في لغة من قال أُسَيْود، واختلفوا في لغة من أَدغم فقال
عيسى بن عمر أُحَيِّيٌ فصَرَف، وقال سيبويه: هذا خطأٌ، ولو جاز هذا لصرف
أَصَمُّ لأَنه أَخف من أَحْوى ولقالوا أُصَيْمٌ فصرفوا، وقال أَبو عمرو
بن العلاء فيه أحَيْوٍ؛ قال سيبويه: ولو جاز هذا لقلت في عَطَاءٍ عُطَيٌّ،
وقيل: أُحَيٌّ وهو القياس والصواب. وحُوّة الوادي: جانبه.
وحَوَّاءُ: زوج آدم، عليهما السلام، والحَوَّاء: اسم فرس علقمة بن شهاب.
وحُوْ: زجر للمعز، وقد حَوْحَى بها. والحَوُّ والحَيُّ: الحق. واللَّوُّ
واللَّيُّ: الباطل. ولا يعرف الحَوَّ منَ اللَّوِّ أَي لا يعرف الكلام
البَيِّن من الخَفِيِّ، وقيل: لا يعرف الحق من الباطل. أَبو عمرو: الحَوّة
الكلمة من الحق.
والحُوَّة: موضع ببلاد كلب؛ قال ابن الرقاع:
أَوْ ظَبْية من ظِباءِ الحُوَّةِ ابْتَقَلَتْ
مَذانِباً، فَجَرَتْ نَبْتآً وحُجْرَانا
قال ابن بري: الذي في شعر ابن الرقاع فُجِرَتْ، والحُجْران جمع حاجر مثل
حائِر وحُوران، وهو مثل الغدير يمسك الماء. والحُوَّاء، مثل المُكَّاء:
نبت يشبه لون الذئب، الواحِدة حُوّاءَةٌ؛ قال ابن بري شاهده قوله
الشاعر:وكأنَّما شَجَر الأَراك لِمَهْرَةٍ
حُوَّاءَةٌ نَبَتَتْ بِدارِ قَرارِ
وحُوَيُّ خَبْتٍ: طائر؛ وأَنشد:
حُوَيَّ خَبْتٍ أَينَ بِتَّ اللَّيلَهْ؟
بِتُّ قَرِيباً أَحْتَذِي نُعَيْلَهْ
وقال آخر:
كأنَّك في الرجال حُوَيُّ خَبْتٍ
يُزَقّي في حُوَيّاتٍ بِقَاعِ
وحَوَى الشيءَ يحوِيه حَيّاً وحَوَايَةً واحْتَواه واحْتَوى عليه:
جمَعَه وأَحرزه. واحْتَوَى على الشيء: أَلْمَأَ عليه. وفي الحديث: أَن امرأَة
قالت إنَّ ابْنِي هذا كان بَطْني لَهُ حِواءً؛ الحِوَاءُ: اسم المكان
الذي يَحْوِي الشيء أَي يجمعه ويضمه. وفي الحديث: أَن رجلاً قال يا رسول
الله هل عَلَيَّ في مالي شيءٌ إذا أَدّيْت زَكاتَه؟ قال: فأَينَ ما تَحَاوتْ
عليكَ الفُضُول؟ هي تفاعَلَت من حَوَيْت الشيء إذا جمعته؛ يقول: لا تَدَ
ع المُواساة من فضل مالك، والفُضُول جمع فَضْل المالِ عن الحوائج.،
ويروى: تَحَاوَأتْ، بالهمز، وهو شاذ مثل لَبَّأتُ بالحَجِّ.
والحَيَّة: من الهوامّ معروفة، تكون للذكر والأُنثى بلفظ واحد، وسنذكرها
في ترجمة حَيَا، وهو رأْي الفارسي؛ قال ابن سيده: وذكرتها هنا لأَن أَبا
حاتم ذهب إلى أَنها من حَوَى قال لتَحَويِّها في لِوَائِها. ورجل
حَوَّاءٌ وحاوٍ: يجمع الحَيَّات، قال: وهذا يعضد قول أَبي حاتم أَيضاً. وحَوى
الحَيَّةِ: انطواؤها؛ وأَنشد ابن بري لأبَي عنقاء الفزاري:
طَوَى نفْسَه طَيَّ الحَرير، كأَنه
حَوَى حَيَّةٍ في رَبْوَةٍ، فهْو هاجِعُ
وأَرضٌ مَحْواة: كثيرة الحَيَّاتِ. قال الأَزهري: اجتمعوا على ذلك.
والحَوِيَّةُ: كساء يُحَوَّى حَوْلَ سنامِ البعير ثم يركب. الجوهري:
الحَوِيّة كساء مَحْشُوٌّ حول سنام البعير وهي السَّويَّة. قال عمير بن وهب
الجُمَحِي يم بدر وحُنَينٍ لما نظر إلى أَصحاب النبي، صلى الله عليه
وسلم، وحَزَرَهُم وأَخْبر عنهم: رأَيت الحَوايا عليها المَنايا نَواضِحُ
يثربَ تَحْمِل الموتَ النَّاقِعَ. والحَوِيَّةُ لا تكون إلا للجِمال،
والسَّوِيَّة قد تكون لغيرها، وهي الحَوايا. ابن الأَعرابي: العرب تَقول
المَنايا على الحَوايا أَي قد تأْتي المنيةُ الشجاعَ وهو على سَرْجه. وفي حديث
صَفيَّة: كانت تُحْوِّي وراءَه بعباءة أَو كساء؛ التَّحْوِيةُ: أَن تُدير
كساءً حولَ سَنام البعير ثم تَرْكَبَه، والاسم الحَوِيّةُ. والحَوِيّةُ:
مَرْكَبٌ يُهَيَّأ للمرأَة لتركبه، وحَوَّى حَوِيَّة عَمِلَها.
والحَوِيَّةُ: اسْتدارة كل شيء. وتَحَوَّى الشيءُ: استدارَ. الأَزهري: الحَوِيُّ
استدارة كل شيء كَحَوِيِّ الحَيَّة وكَحَوِيِّ بعض النجوم إذا رأَيتها على
نَسَقٍ واحدٍ مُستديرة. ابن الأَعرابي: الحَوِيُّ المالك بعد استحقاق،
والحَوِيُّ العَلِيلُ، والدَّوِيُّ الأَحمق، مشددات كلها. الأَزهري:
والحَوِيُّ أَيضاً الحوض الصغير يُسَوِّيه الرجلُ لبعيره يسقيه فيه، وهو
المَرْكُوُّ
(* قوله «وهو المركوّ» هكذا في التهذيب والتكملة، وفي القاموس
وغيره ان المركوّ الحوض الكبير). يقال: قد احتَوَيْتُ حَوِّياً. والحَوايا:
التي تكون في القِيعانِ فهي حفائر مُلْتوية يَمْلَؤها ماءُ السماء فيقى
فيها دهراً طويلاً، لأَن طين أَسفلها عَلِكٌ صُلْبٌ يُمْسِكُ الماءَ،
واحدتها حَوِيَّة، وتسميها العرب الأَمْعاء تشبيهاً بحَوايا البطن
يَسْتَنْقِعُ فيها الماء. وقال أَبو عمرو: الحَوايا المَساطِحُ، وهو أَن يَعْمِدوا
إلى الصَّفا فيحوون له تراباً وحجارة تَحْبِسُ عليهم الماءَ، واحدتها
حَوِيَّة. قال ابن بري: الحَوايا آبار تحفر ببلاد كَلْب في أَرض صُلْبة
يُحْبس فيها ماء السيول يشربونه طُولَ سنتهم؛ عن ابن خالويه. قال ابن سيده:
والحَوِيَّة صفاة يُحاط عليها بالحجارة أَو التراب فيجتمع فيها الماء.
والحَوِيَّة والحاوِيَةُ والحاوِيَاء: ما تَحَوَّى من الأَمعاء، وهي بَناتُ
اللَّبَن، وقيل: هي الدُّوَّارة منها، والجمع حَوايا، تكون فَعَائل إن
كانت جمع حَويَّة، وفَواعل إن كانت جمع حاوِيَةٍ أَو حاوِياءَ. الفراء في
قوله تعالى: أَو الحَوايا أَو ما اخْتَلَط بعَظْم؛ هي المَباعِرُ وبناتُ
اللبن. ابن الأَعرابي: الحَوِيَّة والحاوِيَةُ واحد، وهي الدُّوَّارة التي
في بطن الشاة. ابن السكيت: الحاوِياتُ بَنات اللبن، يقال حاوِيَةٌ
وحاوِياتٌ وحاوِيَاء، ممدود. أَبو الهيثم: حاوِيَةٌ وحَوايا مثل زاوية
وزَوايا، ومنهم من يقول حَوِيَّة وحَوايا مثل الحَوِيَّة التي توضع على ظهر
البعير ويركب فوقها، ومنهم من يقول لواحدتها حاوِياءُ، وجمعها حَوايا؛ قال
جرير:
تَضْغُو الخَنانِيصُ، والغُولُ التي أَكَلَتْ
في حاوِياءَ دَرُومِ الليلِ مِجْعار
الجوهري: حَوِيَّة البطن وحاوِية البَطْنِ وحاوِياءُ البطن كله بمعنى؛
قال جرير:
كأنَّ نَقيقَ الحَبِّ في حاوِيائِه
نقِيقُ الأَفاعي، أَو نقِيقُ العَقارِبِ
وأَنشد ابن بري لعليّ، كرم الله وجهه:
أضْرِبُهم ولا أَرى مُعاويَهْ
الجاحِظَ العَينِ، العَظيمَ الحاوِيَهْ
وقال آخر:
ومِلْحُ الوَشِيقَةِ في الحاويَهْ
يعني اللبن. وجمع الحَويَّةِ حَوايا وهي الأَمعاء، وجمع الحاوِياءِ
حَوَاوٍ على فَوَاعِلَ، وكذلك جمع الحاوِية؛ قال ابن بري: حَوَاوٍ لا يجوز
عند سيبويه لأَنه يجب قلب الواو التي بعد أَلف الجمع همزة، لكون الأَلف قد
اكتنفها واوان، وعلى هذا قالوا في جمع شاوِيَة شَوَايا ولم يقولوا
شَوَاوٍ، والصحيح أَن يقال في جمع حاوِية وحاوِياءَ حَوَايا، ويكون وزنها
فَواعِلَ، ومن قال في الواحدة حَوِيَّة فوزن حَوَايا فَعائِل كصَفِيّة
وصَفايا، والله أَعلم.
الليث: الحِواءُ أَخْبِيَةٌ يُدَانَى بعضُها من بعض، تقول: هم أَهل
حِوَاءٍ واحد، والعرب تقول المُجتمَعِ بيوت الحَيِّ مُحْتَوًى ومَحْوًى
وحِوَاء، والجمع أَحْوِيَةٌ ومَحاوٍ؛ وقال:
ودَهْماء تستَوْفي الجَزُورَ كأَنَّها،
بأَفْنِيَةِ المَحوَى، حِصانٌ مُقَيَّد
ابن سيده: والحِوَاءُ والمُحَوَّى كلاهما جماعة بيوت الناس إذا تدانت،
والجمع الأَحوية، وهي من الوَبَر. وفي حديث قَيْلَة: فوَأَلْنا إلى
حِوَاءٍ ضَخْمٍ، الحِوَاءُ: بيوت مجتمعة من الناس على ماءٍ، ووَأَلْنا أَي
لَجَأْنا؛ ومنه الحديث الآخر: ويُطلَبُ في الحِواء العظيمِ الكاتِبُ فما
يُوجَدُ.
والتَّحْوِيَة: الانْقِباض؛ قال ابن سيده: هذه عبارة اللحياني، قال:
وقيل للكلبة ما تَصْنَعِينَ معَ الليلةِ المَطِيرَة؟ فقالت: أُحَوِّي نفسي
وأَجْعَلُ نفَسي عِندَ اسْتي. قال: وعندي أَنَّ التَّحَوِّيَ الانقباضُ،
والتَّحْوِيَةُ القَبْض.
والحَوِيَّةُ: طائر صغير؛ عن كراع.
وتَحَوَّى أَي تَجَمَّع واستدارَ. يقال: تَحَوَّت الحَيَّة.
والحَواةُ: الصوتُ كالخَوَاةِ، والخاء أَعلى.
وحُوَيٌّ: اسمٌ؛ أَنشد ثعلب لبعض اللصوص:
تقولُ، وقد نَكَّبْتُها عن بلادِها:
أَتَفْعَلُ هذا يا حُوَيُّ على عَمْدِ؟
وفي حديث أنَس: شفاعتي لأَهلِ الكَبائِر من أُمَّتي حتى حَكَمٍ وحاءٍ؛
هما حيان من اليمن من وراء رمْل يَبْرينَ؛ قال أَبو موسى: يجوز أن يكون حا
من الحُوَّة، وقد حُذِفت لامُه، ويجوز أَن يكون من حَوَى يَحْوي، ويجوز
أَن يكون مقصوراً لا ممدوداً. قال ابن سيده: والحاءُ حرف هجاء، قال: وحكى
صاحب العين حَيَّيْتُ حاءً، فإذا كان هذا فهو من باب عييت، قال: وهذا
عندي من صاحب العين صنعة لا عربية، قال: وإنما قضيت على الألف أنها واو
لأَن هذه الحروف وإن كانت صوتاً في موضوعاتها فقد لَحِقَتْ مَلْحَقَ
الأَسماء وصارت كمالٍ، وإبدال الأَلف من الواو عيناً أَكثر من إبدالها من الياء،
قال: هذا مذهب سيويه، وإذا كانت العين واواً كانت الهمزة ياء لأَن باب
لوَيْتُ أَكثر من باب قُوَّة، أَعني أَنه أَن تكون الكلمة من حروف مختلفة
أَوْلى من أَن تكون من حروف مثفقه، لأَن باب ضَرَب أَكثر من باب
رَدَدْتُ، قال: ولم أَقض أَنها همزة لأَن حا وهمزةً على النسق معدوم. وحكى ثعلب
عن معاذٍ الهَرَّاء أَنه سمع العرب تقول: هذه قصيدة حاوِيَّة أَي على
الحاء، ومنهم من يقول حائيّة، فهذا يقوّي أن الألف الأَخيرة همزة وَضْعَّية،
وقد قدَّمنا عدم حا وهمزةٍ على نَسَقٍ.
وحم، قال ثعلب: معناه لا يُنْصَرون، قال: والمعنى يا مَنْصور اقْصِدْ
بهذا لهم أو يا الله. قال سيبويه: حم لا ينصرف، جعلته اسماً للسورة أَو
أَضَفْتَ إليه، لأَنهم أَنزلوه بمنزلة اسم أَعجمي نحو هابيل وقابيل؛
وأنشد:وجَدْنا لكم، في آلِ حميمَ، آيةً
تأوَّلَها مِنَّا تَقِيٌّ ومُعْرِبُ
قال ابن سيده: هكذا أَنشده سيبويه، ولم يجعل هنا حا مع ميم كاسمين ضم
أَحدهما إلى صاحبه، إذ لو جعلهما كذلك لمدّ حا، فقال حاءْ ميم ليصيرَ
كحَضْرَمَوْتَ.
وحَيْوَةُ: اسم رجل، قال ابن سيده: وإنما ذكرتها ههنا لأَنه ليس في
الكلام ح ي و، وإنما هي عندي مقلوبة من ح و ي، إما مصدر حَوَيْتُ حَيَّةً
مقلوب، وإما مقلوب عن الحَيَّة التي هي الهامّة فيمن جعل الحَيّة من ح و ي،
وإنما صحت الواو لنقلها إلى العلمية، وسَهَّل لهم ذلك القلبُ، إذ لو
أَعَلُّوا بعد القلب والقلبُ علة لَتَوالَى إعلالان، وقد تكون فَيْعلة من
حَوَى يَحْوي ثم قلبت الواو ياء للكسرة فاجتمعت ثلاث ياءات، فحذفت الأَخيرة
فبقي حية، ثم أُخرجت على الأَصل فقيل حَيْوة.
يمن: اليُمْنُ: البَركةُ؛ وقد تكرر ذكره في الحديث. واليُمْنُ: خلاف
الشُّؤم، ضدّه. يقال: يُمِنَ، فهو مَيْمُونٌ، ويَمَنَهُم فهو يامِنٌ. ابن
سيده: يَمُنَ الرجلُ يُمْناً ويَمِنَ وتَيَمَّنَ به واسْتَيْمَن، وإنَّه
لمَيْمونٌ
عليهم. ويقال: فلان يُتَيَمَّنُ برأْيه أَي يُتَبَرَّك به، وجمع
المَيْمونِ مَيامِينُ. وقد يَمَنَه اللهُ يُمْناً، فهو مَيْمُونٌ، والله
الْيَامِنُ. الجوهري: يُمِن فلانٌ على قومه، فهو مَيْمُونٌ إذا صار مُبارَكاً
عليهم، ويَمَنَهُم، فهو يامِنٌ، مثل شُئِمَ وشَأَم. وتَيَمَّنْتُ به:
تَبَرَّكْتُ.
والأَيامِنُ: خِلاف الأَشائم؛ قال المُرَقِّش، ويروى لخُزَزَ بن
لَوْذَانَ.
لا يَمنَعَنَّكَ، مِنْ بُغَا
ءِ الخَيْرِ، تَعْقَادُ التَّمائم
وكَذَاك لا شَرٌّ ولا
خَيْرٌ، على أَحدٍ، بِدَائم
ولَقَدْ غَدَوْتُ، وكنتُ لا
أَغْدُو على وَاقٍ وحائم
فإذَا الأَشائِمُ كالأَيا
مِنِ، والأَيامنُ كالاشائم
وقول الكيمت:
ورَأَتْ قُضاعةُ في الأَيا
مِنِ رَأْيَ مَثْبُورٍ وثابِرْ
يعني في انتسابها إلى اليَمَن، كأَنه جمع اليَمَنَ على أَيْمُن ثم على
أَيَامِنَ مثل زَمَنٍ وأَزْمُن. ويقال: يَمِينٌ وأَيْمُن وأَيمان ويُمُن؛
قال زُهَير:
وحَقّ سلْمَى على أَركانِها اليُمُنِ
ورجل أَيْمَنُ: مَيْمُونٌ، والجمع أَيامِنُ. ويقال: قَدِمَ فلان على
أَيْمَنِ اليُمْن أَي على اليُمْن. وفي الصحاح: قدم فلان على أَيْمَن
اليَمِين أَي اليُمْن. والمَيْمنَةُ: اليُمْنِ. وقوله عز وجل: أُولئك أَصحاب
المَيْمَنةِ؛ أَي أَصحاب اليُمْن على أَنفسهم أَي كانوا مَامِينَ على
أَنفسهم غير مَشَائيم، وجمع المَيْمَنة مَيَامِنُ.
واليَمِينُ: يَمِينُ الإنسانِ وغيرِه، وتصغير اليَمِين يُمَيِّن،
بالتشديد بلا هاء. وقوله في الحديث: إِنه كان يُحِبُّ التَّيَمُّنَ في جميع
أَمره ما استطاع؛ التَّيَمُّنُ: الابتداءُ في الأَفعال باليد اليُمْنى
والرِّجْلِ اليُمْنى والجانب الأَيمن. وفي الحديث: فأَمرهم أَن
يَتَيَامَنُواعن الغَمِيم أَي يأْخذوا عنه يَمِيناً. وفي حديث عَدِيٍّ: فيَنْظُرُ
أَيْمَنَ منه فلا يَرَى إلاَّ ما قَدَّم؛ أَي عن يمينه. ابن سيده: اليَمينُ
نَقِيضُ اليسار، والجمع أَيْمانُ وأَيْمُنٌ
ويَمَائنُ. وروى سعيد بن جبير في تفسيره عن ابن عباس أَنه قال في كهيعص:
هو كافٍ هادٍ يَمِينٌ
عَزِيزٌ صادِقٌ؛ قال أَبو الهيثم: فجعَل قولَه كاف أَوَّلَ اسم الله
كافٍ، وجعَلَ الهاء أَوَّلَ اسمه هادٍ، وجعلَ الياء أَوَّل اسمه يَمِين من
قولك يَمَنَ اللهُ الإنسانَ يَمينُه يَمْناً ويُمْناً، فهو مَيْمون، قال:
واليَمِينُ واليامِنُ يكونان بمعنى واحد كالقدير والقادر؛ وأَنشد:
بَيْتُكَ في اليامِنِ بَيْتُ الأَيْمَنِ
قال: فجعَلَ اسم اليَمِين مشقّاً من اليُمْنِ، وجعل العَيْنَ عزيزاً
والصاد صادقاً، والله أَعلم. قال اليزيدي: يَمَنْتُ أَصحابي أَدخلت عليهم
اليَمِينَ، وأَنا أَيْمُنُهم يُمْناً ويُمْنةً ويُمِنْتُ عليهم وأَنا
مَيْمونٌ
عليهم، ويَمَنْتُهُم أَخَذْتُ على أَيْمانِهم، وأَنا أَيْمَنُهُمْ
يَمْناً ويَمْنةً، وكذلك شَأَمْتُهُم. وشأَمْتُهُم: أَخَذتُ على شَمائلهم،
ويَسَرْتُهم: أَخذْتُ على يَسارهم يَسْراً. والعرب تقول: أَخَذَ فلانٌ
يَميناً وأَخذ يساراً، وأَخذَ يَمْنَةً أَو يَسْرَةً. ويامَنَ فلان:
أَخذَ ذاتَ اليَمِين، وياسَرَ: أَخذَ ذاتَ الشِّمال. ابن السكيت: يامِنْ
بأَصحابك وشائِمْ بهم أَي خُذْ بهم يميناً وشمالاً، ولا يقال: تَيامَنْ بهم
ولا تَياسَرْ بهم؛ ويقال: أَشْأَمَ الرجلُ وأَيْمَنَ إذا أَراد اليَمين،
ويامَنَ وأَيْمَنَ إذا أَراد اليَمَنَ. واليَمْنةُ: خلافُ اليَسْرة.
ويقال: قَعَدَ فلان يَمْنَةً. والأَيْمَنُ والمَيْمَنَة: خلاف الأَيْسَر
والمَيْسَرة. وفي الحديث: الحَجرُ الأَسودُ يَمينُ الله في الأَرض؛ قال ابن
الأَثير: هذا كلام تمثيل وتخييل، وأَصله أَن الملك إذا صافح رجلاً قَبَّلَ
الرجلُ يده، فكأنَّ الحجر الأَسود لله بمنزلة اليمين للملك حيث يُسْتلَم
ويُلْثَم. وفي الحديث الآخر: وكِلْتا يديه يمينٌ
أَي أَن يديه، تبارك وتعالى، بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما لأَن
الشمال تنقص عن اليمين، قال: وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد
والأَيدي واليمين وغير ذلك من أَسماء الجوارح إلى الله عز وجل فإنما هو
على سبيل المجاز والاستعارة، والله منزَّه عن التشبيه والتجسيم. وفي حديث
صاحب القرآن يُعْطَى الملْكَ بِيَمِينه والخُلْدَ بشماله أَي يُجْعَلانِ
في مَلَكَتِه، فاستعار اليمين والشمال لأَن الأَخذ والقبض بهما؛ وأَما
قوله:
قَدْ جَرَتِ الطَّيرُ أَيامِنِينا،
قالتْ وكُنْتُ رجُلاً قَطِينا:
هذا لعَمْرُ اللهِ إسْرائينا
قال ابن سيده: عندي أَنه جمع يَميناً على أَيمانٍ، ثم جمع أَيْماناً على
أَيامِين، ثم أَراد وراء ذلك جمعاً آخر فلم يجد جمعاً من جموع التكسير
أَكثر من هذا، لأَن باب أَفاعل وفواعل وفعائل ونحوها نهاية الجمع، فرجع
إلى الجمع بالواو والنون كقول الآخر:
فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائداتها
لَمّا بلَغ نهاية الجمع التي هي حَدَائد فلم يجد بعد ذلك بناء من أَبنية
الجمع المكسَّر جَمَعه بالأَلف والتاء؛ وكقول الآخر:
جَذْبَ الصَّرَارِيِّينَ بالكُرور
جَمَع صارِياً على صُرَّاء، ثم جَمع صُرَّاء على صَراريّ، ثم جمعه على
صراريين، بالواو والنون، قال: وقد كان يجب لهذا الراجز أَن يقول
أَيامينينا، لأَن جمع أَفْعال كجمع إفْعال، لكن لمَّا أَزمَع أَن يقول في النصف
الثاني أَو البيت الثاني فطينا، ووزنه فعولن، أَراد أَن يبني قوله
أَيامنينا على فعولن أَيضاً ليسوي بين الضربين أَو العروضين؛ ونظير هذه التسوية
قول الشاعر:
قد رَوِيَتْ غيرَ الدُّهَيْدِهينا
قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرينا
كان حكمه أَن يقول غير الدُّهَيْدِيهينا، لأَن الأَلف في دَهْداهٍ رابعة
وحكم حرف اللين إذا ثبت في الواحد رابعاً أَن يثبت في الجمع ياء، كقولهم
سِرْداح وسَراديح وقنديل وقناديل وبُهْلُول وبَهاليل، لكن أَراد أَن
يبني بين
(* قوله «يبني بين» كذا في بعض النسخ، ولعل الأظهريسوي بين كما
سبق). دُهَيْدِهينا وبين أُبَيْكِرينا، فجعل الضَّرْبَيْنِ جميعاً أو
العَرُوضَيْن فَعُولُن، قال: وقد يجوز أَن يكون أَيامنينا جمعَ أَيامِنٍ الذي
هو جمع أَيمُنٍ فلا يكون هنالك حذف؛ وأَما قوله:
قالت، وكنتُ رجُلاً فَطِينا
فإن قالت هنا بمعنى ظنت، فعدّاه إلى مفعولين كما تعَدَّى ظن إلى
مفعولين، وذلك في لغة بني سليم؛ حكاه سيبويه عن الخطابي، ولو أَراد قالت التي
ليست في معنى الظن لرفع، وليس أَحد من العرب ينصب بقال التي في معنى ظن
إلاَّ بني سُلَيم، وهي اليُمْنَى فلا تُكَسَّرُ
(* قوله «وهي اليمنى فلا
تكسر» كذا بالأصل، فانه سقط من نسخة الأصل المعول عليها من هذه المادة نحو
الورقتين، ونسختا المحكم والتهذيب اللتان بأيدينا ليس فيهما هذه المادة
لنقصهما). قال الجوهري: وأَما قول عمر، رضي الله عنه، في حديثه حين ذكر ما
كان فيه من القَشَفِ والفقر والقِلَّة في جاهليته، وأَنه واخْتاً له خرجا
يَرْعَيانِ ناضِحاً لهما، قال: أَلْبَسَتْنا أُمُّنا نُقْبَتَها
وزَوَّدَتْنا بيُمَيْنَتَيها من الهَبِيدِ كلَّ يومٍ، فيقال: إنه أَراد
بيُمَيْنَتَيْها تصغير يُمْنَى، فأَبدل من الياء الأُولى تاء إذ كانت للتأْنيث؛
قال ابن بري: الذي في الحديث وزوَّدتنا يُمَيْنَتَيْها مخففة، وهي تصغير
يَمْنَتَيْن تثنية يَمْنَة؛ يقال: أَعطاه يَمْنَة من الطعام أَي أَعطاه
الطعام بيمينه ويده مبسوطة. ويقال: أَعطى يَمْنَةً ويَسْرَةً إذا أَعطاه
بيده مبسوطة، والأَصل في اليَمْنةِ أَن تكون مصدراً كاليَسْرَة، ثم سمي
الطعام يَمْنَةً لأَنه أُعْطِي يَمْنَةً أَي باليمين، كما سَمَّوا الحَلِفَ
يَميناً لأَنه يكون بأْخْذِ اليَمين؛ قال: ويجوز أَن يكون صَغَّر يَميناً
تَصْغِيرَ الترخيم، ثم ثنَّاه، وقيل: الصواب يَمَيِّنَيْها، تصغير يمين،
قال: وهذا معنى قول أَبي عبيد. قال: وقول الجوهري تصغير يُمْنى صوابه
أَن يقول تصغير يُمْنَنَيْن تثنية يُمْنَى، على ما ذكره من إبدال التاء من
الياء الأُولى. قال أَبو عبيد: وجه الكلام يُمَيِّنَيها، بالتشديد،
لأَنه تصغير يَمِينٍ، قال: وتصغير يَمِين يُمَيِّن بلا هاء. قال ابن سيده:
وروي وزَوَّدتنا بيُمَيْنَيْها، وقياسه يُمَيِّنَيْها لأَنه تصغير يَمِين،
لكن قال يُمَيْنَيْها على تصغير الترخيم، وإنما قال يُمَيْنَيْها ولم يقل
يديها ولا كفيها لأَنه لم يرد أَنها جمعت كفيها ثم أَعطتها بجميع
الكفين، ولكنه إنما أَراد أَنها أَعطت كل واحد كفّاً واحدة بيمينها، فهاتان
يمينان؛ قال شمر: وقال أَبو عبيد إنما هو يُمَيِّنَيْها، قال: وهكذا قال
يزيد بن هرون؛ قال شمر: والذي آختاره بعد هذا يُمَيْنَتَيْها لأَن
اليَمْنَةَ إنما هي فِعْل أَعطى يَمْنةً ويَسْرَة، قال: وسعت من لقيت في غطفانَ
يتكلمون فيقولون إذا أهْوَيْتَ بيمينك مبسوطة إلى طعام أَو غيره فأَعطيت
بها ما حَمَلَتْه مبسوطة فإنك تقول أَعطاه يَمْنَةً من الطعام، فإن أَعطاه
بها مقبوضة قلت أَعطاه قَبْضَةً من الطعام، وإن حَشَى له بيده فهي
الحَثْيَة والحَفْنَةُ، قال: وهذا هو الصحيح؛ قال أَبو منصور: والصواب عندي ما
رواه أَبو عبيد يُمَيْنَتَيْها، وهو صحيح كما روي، وهو تصغير
يَمْنَتَيْها، أَراد أَنها أَعطت كل واحد منهما بيمينها يَمْنةً، فصَغَّرَ اليَمْنَةَ ثم
ثنَّاها فقال يُمَيْنَتَيْنِ؛ قال: وهذا أَحسن الوجوه مع السماع. وأَيْمَنَ:
أَخَذَ يَميناً.ويَمَنَ به ويامَنَ ويَمَّن وتَيامَنَ: ذهب به ذاتَ
اليمين. وحكى سيبويه: يَمَنَ يَيْمِنُ أَخذ ذاتَ اليمين، قال: وسَلَّمُوا
لأَن الياء أَخف عليهم من الواو، وإن جعلتَ اليمين ظرفاً لم تجمعه؛ وقول
أَبي النَّجْم:
يَبْري لها، من أَيْمُنٍ وأَشْمُلِ،
ذو خِرَقٍ طُلْسٍ وشخصٍ مِذْأَلِ
(* قوله «يبري لها» في التكملة الرواية: تبري له، على التذكير أي
للممدوح، وبعده:
خوالج بأسعد أن أقبل
والرجز للعجاج).
يقول: يَعْرِض لها من ناحية اليمين وناحية الشمال، وذهب إلى معنى
أَيْمُنِ الإبل وأَشْمُلِها فجمع لذلك؛ وقال ثعلبة بن صُعَيْر:
فتَذَكَّرَا ثَقَلاً رَثِيداً، بعدما
أَلْقَتْ ذُكاءُ يَمِينَها في كافِر
يعني مالت بأَحد جانبيها إلى المغيب. قال أَبو منصور: اليَمينُ في كلام
العرب على وُجوه، يقال لليد اليُمْنَى يَمِينٌ. واليَمِينُ: القُوَّة
والقُدْرة؛ ومنه قول الشَّمّاخ:
رأَيتُ عَرابةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو
إلى الخَيْراتِ، مُنْقَطِعَ القَرينِ
إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ،
تَلَقَّاها عَرابَةُ باليَمينِ
أَي بالقوَّة. وفي التنزيل العزيز: لأَخَذْنا منه باليَمين؛ قال الزجاج:
أَي بالقُدْرة، وقيل: باليد اليُمْنَى. واليَمِينُ: المَنْزِلة.
الأَصمعي: هو عندنا باليَمِينِ أَي بمنزلة حسَنةٍ؛ قال: وقوله تلقَّاها عَرابة
باليمين، قيل: أَراد باليد اليُمْنى، وقيل: أَراد بالقوَّة والحق. وقوله
عز وجل: إنكم كنتم تَأْتونَنا عن اليَمين؛ قال الزجاج: هذا قول الكفار
للذين أَضَلُّوهم أَي كنتم تَخْدَعُوننا بأَقوى الأَسباب، فكنتم تأْتوننا من
قِبَلِ الدِّين فتُرُوننا أَن الدينَ والحَقَّ ما تُضِلُّوننا به
وتُزَيِّنُون لنا ضلالتنا، كأَنه أَراد تأْتوننا عن المَأْتَى السَّهْل، وقيل:
معناه كنتم تأْتوننا من قِبَلِ الشَّهْوة لأَن اليَمِينَ موضعُ الكبد،
والكبدُ مَظِنَّةُ الشهوة والإِرادةِ، أَلا ترى أَن القلب لا شيء له من ذلك
لأَنه من ناحية الشمال؟ وكذلك قيل في قوله تعالى: ثم لآتِيَنَّهم من بين
أَيديهم ومن خَلْفهم وعن أَيمانهم وعن شَمائلهم؛ قيل في قوله وعن
أَيمانهم: من قِبَلِ دينهم، وقال بعضهم: لآتينهم من بين أَيديهم أَي
لأُغْوِيَنَّهم حتى يُكذِّبوا بما تقَدَّم من أُمور الأُمم السالفة، ومن خلفهم حتى
يكذبوا بأَمر البعث، وعن أَيمانهم وعن شمائلهم لأُضلنَّهم بما يعملون
لأَمْر الكَسْب حتى يقال فيه ذلك بما كسَبَتْ يداك، وإن كانت اليدان لم
تَجْنِيا شيئاً لأَن اليدين الأَصل في التصرف، فجُعِلتا مثلاً لجميع ما عمل
بغيرهما. وأَما قوله تعالى: فَراغَ عليهم ضَرْباً باليمين؛ ففيه أَقاويل:
أَحدها بيمينه، وقيل بالقوَّة، وقيل بيمينه التي حلف حين قال: وتالله
لأَكِيدَنَّ أَصنامَكم بعدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرين.
والتَّيَمُّنُ: الموت. يقال: تَيَمَّنَ فلانٌ
تيَمُّناً إذا مات، والأَصل فيه أَنه يُوَسَّدُ يَمينَه إذا مات في
قبره؛ قال الجَعْدِيّ
(* قوله «قال الجعدي» في التكملة: قال أبو سحمة
الأعرابي):
إذا ما رأَيْتَ المَرْءَ عَلْبَى، وجِلْدَه
كضَرْحٍ قديمٍ، فالتَّيَمُّنُ أَرْوَحُ
(* قوله «وجلده» ضبطه في التكملة بالرفع والنصب).
عَلْبَى: اشْتَدَّ عِلْباؤُه وامْتَدَّ، والضِّرْحُ: الجِلدُ،
والتَّيَمُّن: أَ يُوَسَّدَ
يمِينَه في قبره. ابن سيده: التَّيَمُّن أَن يُوضعَ الرجل على جنبه
الأَيْمن في القبر؛ قال الشاعر:
إذا الشيخُ عَلْبى، ثم أَصبَحَ جِلْدُه
كرَحْضٍ غَسيلٍ، فالتَّيَمُّنُ أَرْوَحُ
(* لعل هذه رواية أخرى لبيت الجعدي الوارد في الصفحة السابقة).
وأَخذَ يَمْنةً ويَمَناً ويَسْرَةً ويَسَراً أَي ناحيةَ يمينٍ ويَسارٍ.
واليَمَنُ: ما كان عن يمين القبلة من بلاد الغَوْرِ، النَّسَبُ إليه
يَمَنِيٌّ
ويَمانٍ، على نادر النسب، وأَلفه عوض من الياء، ولا تدل على ما تدل عليه
الياء، إذ ليس حكم العَقِيب أَن يدل على ما يدل عليه عَقيبه دائباً، فإن
سميت رجلاً بيَمَنٍ ثم أَضفت إليه فعلى القياس، وكذلك جميع هذا الضرب،
وقد خصوا باليمن موضعاً وغَلَّبوه عليه، وعلى هذا ذهب اليَمَنَ، وإنما
يجوز على اعتقاد العموم، ونظيره الشأْم، ويدل على أَن اليَمن جنسيّ غير
علميّ أَنهم قالوا فيه اليَمْنة والمَيْمَنة. وأَيْمَنَ القومُ ويَمَّنُوا:
أَتَوا اليَمن؛ وقول أَبي كبير الهذلي:
تَعْوي الذئابُ من المَخافة حَوْلَه،
إهْلالَ رَكْبِ اليامِن المُتَطوِّفِ
إمّا أَن يكون على النسب، وإِما أَن يكون على الفعل؛ قال ابن سيده: ولا
أََعرف له فعلاً. ورجل أَيْمَنُ: يصنع بيُمْناه. وقال أَبو حنيفة: يَمَنَ
ويَمَّنَ جاء عن يمين.
واليَمِينُ: الحَلِفُ والقَسَمُ، أُنثى، والجمع أَيْمُنٌ وأَيْمان. وفي
الحديث: يَمِينُك على ما يُصَدِّقُك به صاحبُك أَي يجب عليك أَن تحلف له
على ما يُصَدِّقك به إذا حلفت له.
الجوهري: وأَيْمُنُ اسم وُضعَ للقسم، هكذا بضم الميم والنون وأَلفه أَلف
وصل عند أَكثر النحويين، ولم يجئ في الأَسماء أَلف وصل مفتوحة غيرها؛
قال: وقد تدخل عليه اللام لتأْكيد الابتداء تقول: لَيْمُنُ اللهِ، فتذهب
الأَلف في الوصل؛ قال نُصَيْبٌ:
فقال فريقُ القومِ لما نشَدْتُهُمْ:
نَعَمْ، وفريقٌ: لَيْمُنُ اللهِ ما نَدْري
وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير لَيْمُنُ الله قَسَمِي،
ولَيْمُنُ الله ما أُقسم به، وإذا خاطبت قلت لَيْمُنُك. وفي حديث عروة بن
الزبير أَنه قال: لَيْمُنُك لَئِنْ كنت ابْتَلَيْتَ لقد عافَيْتَ، ولئن كنت
سَلبْتَ لقد أَبقَيْتَ، وربما حذفوا منه النون قالوا: أَيْمُ الله وإيمُ
الله أَيضاً، بكسر الهمزة، وربما حذفوا منه الياء، قالوا: أَمُ اللهِ،
وربما أَبْقَوُا الميم وحدها مضمومة، قالوا: مُ اللهِ، ثم يكسرونَها
لأَنها صارت حرفاً واحداً فيشبهونها بالباء فيقولون مِ اللهِ، وربما قالوا
مُنُ الله، بضم الميم والنون، ومَنَ الله
بفتحها، ومِنِ الله بكسرهما؛ قال ابن الأَثير: أَهل الكوفة يقولون
أَيْمُن جمعُ يَمينِ القَسَمِ، والأَلف فيها أَلف وصل تفتح وتكسر، قال ابن
سيده: وقالوا أَيْمُنُ الله وأَيْمُ اللهِ وإيمُنُ اللهِ ومُ اللهِ، فحذفوا،
ومَ اللهِ أُجري مُجْرَى مِ اللهِ. قال سيبويه: وقالوا لَيْمُ الله،
واستدل بذلك على أَن أَلفها أَلف وصل. قال ابن جني: أَما أَيْمُن في القسم
ففُتِحت الهمزة منها، وهي اسم من قبل أَن هذا اسم غير متمكن، ولم يستعمل
إلا في القسَم وحده، فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه فتح تشبيهاً بالهمزة
اللاحقة بحرف التعريف، وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم لمضارعته الحرف،
وأَيضاً فقد حكى يونس إيمُ الله، بالكسر، وقد جاء فيه الكسر أَيضاً كما ترى،
ويؤَكد عندك أَيضاً حال هذا الإسم في مضارعته الحرف أَنهم قد تلاعبوا به
وأَضعفوه، فقالوا مرة: مُ الله، ومرة: مَ الله، ومرة: مِ الله، فلما
حذفوا هذا الحذف المفرط وأَصاروه من كونه على حرف إلى لفظ الحروف، قوي شبه
الحرف عليه ففتحوا همزته تشبيهاً بهمزة لام التعريف، ومما يجيزه القياس،
غير أَنه لم يرد به الاستعمال، ذكر خبر لَيْمُن من قولهم لَيْمُن الله
لأَنطلقن، فهذا مبتدأٌ محذوف الخبر، وأَصله لو خُرِّج خبره لَيْمُنُ الله ما
أُقسم به لأَنطلقن، فحذف الخبر وصار طول الكلام بجواب القسم عوضاً من
الخبر.
واسْتَيْمَنْتُ الرجلَ: استحلفته؛ عن اللحياني. وقال في حديث عروة بن
الزبير: لَيْمُنُكَ إنما هي يَمينٌ، وهي كقولهم يمين الله كانوا يحلفون
بها. قال أَبو عبيد: كانوا يحلفون باليمين، يقولون يَمِينُ
الله لا أَفعل؛ وأَنشد لامرئ القيس:
فقلتُ: يَمِينُ الله أَبْرَحُ قاعِداً،
ولو قَطَعُوا رأْسي لَدَيْكِ وأَوْصالي
أَراد: لا أَبرح، فحذف لا وهو يريده؛ ثم تُجْمَعُ اليمينُ أَيْمُناً كما
قال زهير:
فتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا ومِنْكُمْ
بمُقْسَمةٍ، تَمُورُ بها الدِّماءُ
ثم يحلفون بأيْمُنِ الله، فيقولون وأَيْمُنُ اللهِ لأَفْعَلَنَّ كذا،
وأَيْمُن الله لا أَفعلُ كذا، وأَيْمُنْك يا رَبِّ، إذا خاطب ربَّه، فعلى
هذا قال عروة لَيْمُنُكَ، قال: هذا هو الأَصل في أَيْمُن الله، ثم كثر في
كلامهم وخفَّ على أَلسنتهم حتى حذفوا النون كما حذفوا من لم يكن فقالوا:
لم يَكُ، وكذلك قالوا أَيْمُ اللهِ؛ قال الجوهري: وإلى هذا ذهب ابن كيسان
وابن درستويه فقالا: أَلف أَيْمُنٍ أَلفُ قطع، وهو جمع يمين، وإنما خففت
همزتها وطرحت في الوصل لكثرة استعمالهم لها؛ قال أَبو منصور: لقد أَحسن
أَبو عبيد في كل ما قال في هذا القول، إلا أَنه لم يفسر قوله أَيْمُنك
لمَ ضمَّت النون، قال: والعلة فيها كالعلة في قولهم لَعَمْرُك كأَنه
أُضْمِرَ فيها يَمِينٌ
ثانٍ، فقيل وأَيْمُنك، فلأَيْمُنك عظيمة، وكذلك لَعَمْرُك فلَعَمْرُك
عظيم؛ قال: قال ذلك الأَحمر والفراء. وقال أَحمد بن يحيى في قوله تعالى:
الله لا إله إلا هو؛ كأَنه قال واللهِ الذي لا إله إلا هو ليجمعنكم. وقال
غيره: العرب تقول أَيْمُ الله وهَيْمُ الله، الأَصل أَيْمُنُ الله، وقلبت
الهمزة فقيل هَيْمُ اللهِ، وربما اكْتَفَوْا بالميم وحذفوا سائر الحروف
فقالوا مُ الله ليفعلن كذا، وهي لغات كلها، والأَصل يَمِينُ الله وأَيْمُن
الله. قال الجوهري: سميت اليمين بذلك لأَنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل
امرئ منهم يَمينَه على يمين صاحبه، وإن جعلتَ اليمين ظرفاً لم تجمعه،
لأَن الظروف لا تكاد تجمع لأَنها جهات وأَقطار مختلفة الأَلفاظ، أَلا ترى
أَن قُدَّام مُخالفٌ لخَلْفَ واليَمِين مخالف للشِّمال؟ وقال بعضهم: قيل
للحَلِفِ يمينٌ
باسم يمين اليد، وكانوا يبسطون أَيمانهم إذا حلفوا وتحالفوا وتعاقدوا
وتبايعوا، ولذلك قال عمر لأَبي بكر، رضي الله عنهما: ابْسُطْ يَدَك
أُبايِعْك. قال أَبو منصور: وهذا صحيح، وإن صح أَن يميناً من أَسماء الله تعالى،
كما روى عن ابن عباس، فهو الحَلِفُ بالله؛ قال: غير أَني لم أَسمع
يميناً من أَسماء الله إلا ما رواه عطاء بن الشائب، والله أَعلم.
واليُمْنةَ واليَمْنَةُ: ضربٌ من بُرود اليمن؛ قال: واليُمْنَةَ
المُعَصَّبا. وفي الحديث: أَنه عليه الصلاة والسلام، كُفِّنَ في يُمْنة؛ هي، بضم
الياء، ضرب من برود اليمن؛ وأَنشد ابن بري لأَبي فُرْدُودة يرثي ابن
عَمَّار:
يا جَفْنَةً كإزاء الحَوْضِ قد كَفَأُوا،
ومَنْطِقاً مثلَ وَشْيِ اليُمْنَةِ الحِبَرَه
وقال ربيعة الأَسدي:
إنَّ المَودَّةَ والهَوادَةَ بيننا
خلَقٌ، كسَحْقِ اليُمْنَةِ المُنْجابِ
وفي هذه القصيدة:
إنْ يَقْتُلوكَ، فقد هَتَكْتَ بُيوتَهم
بعُتَيْبةَ بنِ الحرثِ بنِ شِهابِ
وقيل لناحية اليَمنِ يَمَنٌ لأَنها تلي يَمينَ الكعبة، كما قيل لناحية
الشأْم شأْمٌ لأَنها عن شِمال الكعبة. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم،
وهو مُقْبِلٌ من تَبُوكَ: الإيمانُ يَمانٍ والحكمة يَمانِيَة؛ وقال أَبو
عبيد: إِنما قال ذلك لأَن الإيمان بدا من مكة، لأَنها مولد النبي، صلى الله
عليه وسلم، ومبعثه ثم هاجر إلى المدينة. ويقال: إن مكة من أَرض
تِهامَةَ، وتِهامَةُ من أَرض اليَمن، ومن هذا يقال للكعبة يَمَانية، ولهذا سمي ما
وَلِيَ مكةَ من أَرض اليمن واتصل بها التَّهائمَ، فمكة على هذا التفسير
يَمَانية، فقال: الإيمانُ يَمَانٍ، على هذا؛ وفيه وجه آخر: أَن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قال هذا القول وهو يومئذ بتَبُوك، ومكّةُ والمدينةُ
بينه وبين اليَمن، فأَشار إلى ناحية اليَمن، وهو يريد مكة والمدينة أَي هو
من هذه الناحية؛ ومثلُ هذا قولُ النابغة يذُمُّ يزيد بن الصَّعِق وهو رجل
من قيس:
وكنتَ أَمِينَه لو لم تَخُنْهُ،
ولكن لا أَمانَةَ لليمَانِي
وذلك أَنه كان مما يلي اليمن؛ وقال ابن مقبل وهو رجل من قيس:
طافَ الخيالُ بنا رَكْباً يَمانِينا
فنسب نفسه إلى اليمن لأَن الخيال طَرَقَه وهو يسير ناحيتها، ولهذا قالوا
سُهَيْلٌ
اليَمانيّ لأَنه يُرى من ناحية اليمَنِ. قال أَبو عبيد: وذهب بعضهم إلى
أَنه، صلى الله عليه وسلم، عنى بهذا القول الأَنصارَ لأَنهم يَمانُونَ،
وهم نصروا الإسلام والمؤْمنين وآوَوْهُم فنَسب الإيمانَ إليهم، قال: وهو
أَحسن الوجوه؛ قال: ومما يبين ذلك حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه
قال لما وَفَدَ عليه وفْدُ اليمن: أَتاكم أَهلُ اليَمن هم أَلْيَنُ قلوباً
وأَرَقُّ أَفْئِدَة، الإيمانُ يَمانٍ والحكمةُ يَمانِيةٌ. وقولهم: رجلٌ
يمانٍ منسوب إلى اليمن، كان في الأَصل يَمَنِيّ، فزادوا أَلفاً وحذفوا
ياء النسبة، وكذلك قالوا رجل شَآمٍ، كان في الأَصل شأْمِيّ، فزادوا أَلفاً
وحذفوا ياء النسبة، وتِهامَةُ كان في الأَصل تَهَمَةَ فزادوا أَلفاً
وقالوا تَهامٍ. قال الأَزهري: وهذا قول الخليل وسيبويه. قال الجوهري:
اليَمَنُ بلادٌ للعرب، والنسبة إليها يَمَنِيٌّ
ويَمانٍ، مخففة، والأَلف عوض من ياء النسب فلا يجتمعان. قال سيبويه:
وبعضهم يقول يمانيّ، بالتشديد؛ قال أُميَّة ابن خَلَفٍ:
يَمانِيّاً يَظَلُّ يَشُدُّ كِيراً،
ويَنْفُخُ دائِماً لَهَبَ الشُّوَاظِ
وقال آخر:
ويَهْماء يَسْتافُ الدليلُ تُرابَها،
وليس بها إلا اليَمانِيُّ مُحْلِفُ
وقوم يَمانية ويَمانُون: مثل ثمانية وثمانون، وامرأَة يَمانية أَيضاً.
وأَيْمَن الرجلُ ويَمَّنَ ويامَنَ إذا أَتى اليمَنَ، وكذلك إذا أَخذ في
سيره يميناً. يقال: يامِنْ يا فلانُ بأَصحابك أَي خُذ بهم يَمْنةً، ولا تقل
تَيامَنْ بهم، والعامة تقوله. وتَيَمَّنَ: تنَسَّبَ إلى اليمن. ويامَنَ
القومُ وأَيْمنوا إذا أَتَوُا اليَمن. قال ابن الأَنباري: العامة
تَغْلَطُ في معنى تَيامَنَ فتظن أَنه أَخذ عن يمينه، وليس كذلك معناه عند العرب،
إنما يقولون تَيامَنَ إذا أَخذ ناحية اليَمن، وتَشاءَمَ إذا أَخذ ناحية
الشأْم، ويامَنَ إذا أَخذ عن يمينه، وشاءمَ إذا أَخذ عن شماله. قال
النبي، صلى الله عليه وسلم: إذا نشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثم تشاءَمَتْ فتلك
عَيْنٌغُدَيْقَةٌ؛ أَراد إذا ابتدأَتِ السحابة من ناحية البحر ثم أَخذت ناحيةَ
الشأْم. ويقال لناحية اليَمَنِ يَمِينٌ
ويَمَنٌ، وإذا نسبوا إلى اليمن قالوا يَمانٍ.
والتِّيمَنِيُّ: أَبو اليَمن
(* قوله «والتيمني أبو اليمن» هكذا بالأصل
بكسر التاء، وفي الصحاح والقاموس: والتَّيمني أفق اليمن ا هـ. أي بفتحها)
، وإذا نسَبوا إلى التِّيمَنِ قالوا تِيمَنِيٌّ. وأَيْمُنُ: إسم رجل.
وأُمُّ أَيْمَن: امرأة أَعتقها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي حاضنةُ
أَولاده فزَوَّجَها من زيد فولدت له أُسامة. وأَيْمَنُ: موضع؛ قال
المُسَيَّبُ أَو غيره:
شِرْكاً بماءِ الذَّوْبِ، تَجْمَعُه
في طَوْدِ أَيْمَنَ، من قُرَى قَسْرِ
خبر: الخَبِيرُ: من أَسماء الله عز وجل العالم بما كان وما يكون.
وخَبُرْتُ بالأَمر
(* قوله: «وخبرت بالأمر» ككرم. وقوله: وخبرت الأمر من باب
قتل كما في القاموس والمصباح). أَي علمته. وخَبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ
إِذا عرفته على حقيقته. وقوله تعالى: فاسْأَلْ بهِ خَبِيراً؛ أَي اسأَل عنه
خبيراً يَخْبُرُ.
والخَبَرُ، بالتحريك: واحد الأَخبْار. والخَبَرُ: ما أَتاك من نَبإِ عمن
تَسْتَخْبِرُ. ابن سيده: الخَبَرُ النَّبَأُ، والجمع أَخْبَارٌ،
وأَخابِير جمع الجمع. فأَما قوله تعالى: يومئذٍ تُحَدِّثُ أَخَبْارَها؛ فمعناه
يوم تزلزل تُخْبِرُ بما عُمِلَ عليها. وخَبَّرَه بكذا وأَخْبَرَه:
نَبَّأَهُ. واسْتَخْبَرَه: سأَله عن الخَبَرِ وطلب أَن يُخْبِرَهُ؛ ويقال:
تَخَبَّرْتُ الخَبَرَ واسْتَخْبَرْتُه؛ ومثله تَضَعَّفْتُ الرجل
واسْتَضْعَفْتّه، وتَخَبَّرْتُ الجواب واسْتَخْبَرْتُه. والاسْتِخْبارُ والتَّخَبُّرُ:
السؤال عن الخَبَر. وفي حديث الحديبية: أَنه بعث عَيْناً من خُزَاعَةَ
يَتَخَبَّر له خَبَرَ قريش أَي يَتَعَرَّفُ؛ يقال: تَخَبْرَ الخَبَرَ
واسْتَخْبَر إِذا سأَل عن الأَخبْارِ ليعرفها.
والخابِرُ: المُخْتَبِرُ المُجَرِّبُ ورجل خابر وخَبِير: عالم
بالخَبَرِ. والخَبِيرُ: المُخْبِرُ؛ وقال أَبو حنيفة في وصف شجر: أَخْبَرَني بذلك
الخَبِرُ، فجاء به على مثال فَعِلٍ؛ قال ابن سيده: وهذا لا يكاد يعرف
إِلاَّ أَن يكون على النسب. وأَخْبَرَهُ خُبُورَهُ: أَنْبأَهُ ما عنده.
وحكي اللحياني عن الكسائي: ما يُدْرَى له أَيْنَ خَبَرٌ وما يُدُرَى له
ما خَبَرٌ أَي ما يدرى، وأَين صلة وما صلة. والمَخْبَرُ: خلاف
المَنْظَرِ، وكذلك المَخْبَرَةُ والمَخْبُرَةُ، بضم الباء، وهو نقيض المَرْآةِ
والخِبْرُ والخُبْرُ والخِبْرَةُ والخُبْرَةُ والمَخْبَرَةُ والمَخْبُرَةُ،
كله: العِلْمُ بالشيء؛ تقول: لي به خِبْرٌ، وقد خَبَرَهُ يَخْبُره خُبْراً
وخُبْرَةً وخِبْراً واخْتَبَره وتَخَبَّرهُ؛ يقال: من أَين خَبَرْتَ هذا
الأَمر أَي من أَين علمت؟ وقولهم: لأَخْبُرَنَّ خُبْرَكَ أَي
لأَعْلَمَنَّ عِلْمَك؛ يقال: صَدَّقَ الخَبَرَ الخُبْرُ. وأَما قول أَبي الدرداء:
وجدتُ الناسَ اخْبُرْ نَقْلَه؛ فيريد أَنك إِذا خَبَرْتَهُم قليتهم،
فأَخرج الكلام على لفظ الأَمر، ومعناه الخَبَرُ. والخُبْرُ: مَخْبُرَةُ
الإِنسان. والخِبْرَةُ: الاختبارُ؛ وخَبَرْتُ الرجل أَخْبُرُه خُبْرِاً
وخُبْرَةً. والخِبْيرُ: العالم؛ قال المنذري سمعت ثعلباً يقول في قوله:
كَفَى قَوْماً بِصاحِبِهمْ خَبِيرا
فقال: هذا مقلوب إِنما ينبغي أَن يقول كفى قوماً بصاحبهم خُبْراً؛ وقال
الكسائي: يقول كفى قوم. والخَبِيرُ: الذي يَخْبُرُ الشيء بعلمه؛ وقوله
أَنشده ثعلب:
وشِفَاءُ عِيِّكِ خابِراً أَنْ تَسْأَلي
فسره فقال: معناه ما تجدين في نفسك من العيّ أَن تستخبري. ورجل
مَخْبَرانِيٌّ: ذو مَخْبَرٍ، كما قالوا مَنْظَرانِيّ أَي ذو مَنْظَرٍ. والخَبْرُ
والخِبْرُ: المَزادَةُ العظيمة، والجمع خُبُورٌ، وهي الخَبْرَاءُ أَيضاً؛
عن كراع؛ ويقال: الخِبْرُ، إِلاَّ أَنه بالفتح أَجود؛ وقال أَبو الهيثم:
الخَبْرُ، بالفتح، المزادة، وأَنكر فيه الكسر؛ ومنه قيل: ناقة خَبْرٌ
إِذا كانت غزيرة. والخَبْرُ والخِبْرُ: الناقة الغزيرة اللبن. شبهت
بالمزادة في غُزْرِها، والجمع كالجمع؛ وقد خَبَرَتْ خُبُوراً؛ عن اللحياني.
والخَبْراءُ: المجرَّبة بالغُزْرِ. والخَبِرَةُ: القاع يُنْبِتُ السِّدْرَ،
وجمعه خَبِرٌ، وهي الخَبْراءُ أَيضاً، والجمع خَبْراوَاتٌ وخَبَارٌ؛ قال
سيبويه: وخَبَارٌ كَسَّرُوها تكسير الأَسماء وَسَلَّموها على ذلك وإِن
كانت في الأَصل صفة لأَنها قد جرت مجرى الأَسماء. والخَبْراءُ: مَنْقَعُ
الماء، وخص بعضهم به منقع الماء في أُصول السِّدْرِ، وقيل: الخَبْراءُ القاع
ينبت السدر، والجمع الخَبَارَى والحَبارِي مثل الصحارَى والصحارِي
والخبراوات؛ يقال: خَبِرَ الموضعُ، بالكسر، فهو خَبِرٌ؛ وأَرض خَبِرَةٌ.
والخَبْرُ: شجر السدر والأَراك وما حولهما من العُشْبِ؛ واحدته
خَبْرَةٌ. وخَبْراءُ الخَبِرَةِ: شجرها؛ وقيل: الخَبْرُ مَنْبِتُ السِّدْرِ في
القِيعانِ. والخَبْرَاءُ: قاع مستدير يجتمع فيه الماء، وجمعه خَبَارَى
وخَبَاري. وفي ترجمة نقع: النَّقائهعُ خَبَارَى في بلاد تميم. الليث:
الخَبْراءُ شَجْراءُ في بطن روضة يبقى فيها الماء إِلى القيظ وفيها ينْبت
الخَبْرُ، وهو شجر السدر والأَراك وحواليها عُشْبٌ كثير، وتسمى الخَبِرَةَ،
والجمع الخَبِرُ. وخَبْرُ الخَبِرَةِ: شجرُها قال الشاعر:
فَجادَتْكَ أَنْواءُ الرَّبيعِ، وهَلِّلَتْ
عليكَ رِياضٌ من سَلامٍ ومن خَبْرِ
والخَبْرُ من مواقع الماء: ما خَبِرَ المَسِيلُ في الرؤوس فَتَخُوضُ
فيه. وفي الحديث: فَدَفعنا في خَبَارٍ من الأَرض؛ أَي سهلة لينة. والخَبارُ
من الأَرض: ما لانَ واسْتَرخَى وكانت فيهع جِحَرَةٌ. والخَبارُ:
الجَراثيم وجِحَرَةُ الجُرْذانِ، واحدته خَبارَةٌ. وفي المثل: من تَجَنَّبَ
الخَبَارَ أَمِنَ العِثارَ. والخَبارُ: أَرض رِخْوَةٌ تتعتع فيه الدوابُّ؛
وأَنشد:
تَتَعْتَع في الخَبارِ إِذا عَلاهُ،
ويَعْثُر في الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ
ابن الأَعرابي: والخَبارُ ما اسْتَرْخَى من الأَرض وتَحَفَّرَ؛ وقال
غيره: وهو ما تَهَوَّرَ وساخَتْ فيه القوائم. وخَبِرَتِ الأَرضُ خَبَراً:
كثر خَبارُها. والخَبْرُ: أَن تزرع على النصف أَو الثلث من هذا، وهي
المُخابَرَةُ، واشتقت من خَيْبَرَ لأَنها أَول ما أُقْطِعَتْ كذلك.
والمُخابَرَةُ: المزارعة ببعض ما يخرج من الأَرض، وهو الخِبْرُ أَيضاً،
بالكسر. وفي الحديث: كنا نُخابر ولا نرى بذلك بأْساً حتى أَخْبَرَ رافعٌ
أَن رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عنها. وفي الحديث: أَنه نهى عن
المُخابرة؛ قيل: هي المزارعة على نصيب معين كالثلث والربع وغيرهما؛ وقيل:
هو من الخَبارِ، الأَرض اللينة، وقيل: أَصل المُخابرة من خَيْبر، لأَن
النبي، صلى الله عليه وسلم، أَقرها في أَيدي أَهلها على النصف من محصولها؛
فقيل: خابَرَهُمْ أَي عاملهم في خيبر؛ وقال اللحياني: هي المزارعة فعمّ
بها. والمُخَابَرَةُ أَيضاً: المؤاكرة. والخَبِيرُ: الأَكَّارُ؛ قال:
تَجُزُّ رؤُوس الأَوْسِ من كلِّ جانِبٍ،
كَجَزِّ عَقاقِيلِ الكُرومِ خَبِيرُها
رفع خبيرها على تكرير الفعل، أَراد جَزَّه خَبِيرُها أَي أَكَّارُها.
والخَبْرُ الزَّرْعُ.
والخَبِيرُ: النبات. وفي حديث طَهْفَةَ: نَسْتَخْلِبُ الخَبِيرَ أَي
نقطع النبات والعشب ونأْكله؛ شُبّهَ بِخَبِيرَ الإِبل، وهو وبَرُها لأَنه
ينبت كما ينبت الوبر. واستخلابه: احْتِشاشُه بالمِخْلَبِ، وهو المِنْجَلُ.
والخَبِيرُ: يقع على الوبر والزرع والأَكَّار. والخَبِيرُ: الوَبَرُ؛ قال
أَبو النجم يصف حمير وحش:
حتى إذا ما طار من خَبِيرِها
والخَبِيرُ: نُسَالة الشعر، والخَبِيرَةُ: الطائفة منه؛ قال المتنخل
الهذلي:
فآبوا بالرماحِ، وهُنَّ عُوجٌ،
بِهِنَّ خَبائِرُ الشَّعَرِ السِّقَاطُ
والمَخْبُورُ: الطَّيِّب الأَدام. والخَبِيرُ: الزَّبَدُ؛ وقيل: زَبَدُ
أَفواه الإِبل؛ وأَنشد الهذلي:
تَغَذّمْنَ، في جانِبيهِ، الخَبِيـ
ـرَ لَمَّا وَهَى مُزنُهُ واسْتُبِيحَا
تغذمن من يعني الفحول أَي الزَّبَدَ وعَمَيْنَهُ.
والخُبْرُ والخُبْرَةُ: اللحم يشتريه الرجل لأَهله؛ يقال للرجل: ما
اختَبَرْتَ لأَهلك؟ والخُبْرَةُ: الشاة يشتريها القوم بأَثمان مختلفة ثم
يقتسمونها فَيُسْهِمُونَ كل واحد منهم على قدر ما نَقَدَ. وتَخَبَّرُوا
خُبْرَةً: اشْتَرَوْا شَاةً فذبحوها واقتسموها. وشاة خَبِيرَةٌ: مُقْتَسَمَةٌ؛
قال ابن سيده: أُراه على طرح الزائد. والخُبْرَةُ، بالضم: النصيب تأْخذه
من لحم أَو سمك؛ وأَنشد:
باتَ الرَّبِيعِيُّ والخامِيز خُبْرَتُه،
وطاحَ طَيُّ بني عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ
وفي حديث أَبي هريرة: حين لا آكلُ الخَبِيرَ؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاء
في رواية أَي المَأْدُومَ. والخَبير والخُبْرَةُ: الأَدام؛ وقيل: هو
الطعام من اللحم وغيره؛ ويقال: اخْبُرْ طعامك أَي دَسِّمْهُ؛ وأَتانا
بِخُبْزَةٍ ولم يأْتنا بخُبْزَةٍ. وجمل مُخْتَبِرٌ: كثير اللحم. والخُبْرَةُ:
الطعام وما قُدِّم من شيء. وحكي اللحياني أَنه سمع العرب تقول: اجتمعوا
على خُبْرَتِه، يعنون ذلك. والخُبْرَةُ: الثريدة الضخمة. وخَبَرَ الطعامَ
يَخْبُرُه خَبْراً: دَسَّمَهُ. والخابُور: نبت أَو شجر؛ قال:
أَيا شَجَرَ الخابُورِ ما لَكَ مُورِقاً؟
كأَنَّكَ لم تَجْزَعُ على ابنِ طَرِيفِ
والخابُور: نهر أَو واد بالجزيرة؛ وقيل: موضع بناحية الشام. وخَيْبَرُ:
موضع بالحجاز قرية معروفة. ويقال: عليه الدَّبَرَى
(* قوله: «عليه الدبرى
إلخ» كذا بالأَصل وشرح القاموس. وسيأتي في خ س ر يقول: بفيه البرى).
وحُمَّى خَيْبَرى.
قسم: القَسْمُ: مصدر قَسَمَ الشيءَ يَقْسِمُه قَسْماً فانْقَسَم،
والموضع مَقْسِم مثال مجلس. وقَسَّمَه: جزَّأَه، وهي القِسمةُ. والقِسْم،
بالكسر: النصيب والحَظُّ، والجمع أَقْسام، وهو القَسِيم، والجمع أَقْسِماء
وأَقاسِيمُ، الأَخيرة جمع الجمع. يقال: هذا قِسْمُك وهذا قِسْمِي.
والأَقاسِيمُ: الحُظُوظ المقسومة بين العباد، والواحدة أُقْسُومة مثل أُظفُور
(*
قوله «مقل أظفور» في التكملة: مثل أُظفورة، بزيادة هاء التأنيث).
وأَظافِير، وقيل: الأَقاسِيمُ جمع الأَقسام، والأَقسام جمع القِسْم. الجوهري:
القِسم، بالكسر، الحظ والنصيب من الخير مثل طَحَنْت طِحْناً، والطِّحْنُ
الدَّقيق. وقوله عز وجل: فالمُقَسِّماتِ أَمراً؛ هي الملائكة تُقَسِّم ما
وُكِّلت به. والمِقْسَمُ والمَقْسَم: كالقِسْم؛ التهذيب: كتب عن أَبي
الهيثم أَنه أَنشد:
فَما لكَ إِلاَّ مِقْسَمٌ ليس فائِتاً
به أَحدٌ، فاسْتَأْخِرَنْ أَو تقَدَّما
(* قوله «فاستأخرن أو تقدما» في الاساس بدله: فاعجل به أو تأخرا)
قال: القِسْم والمِقْسَم والقَسِيم نصيب الإِنسان من الشيء. يقال:
قَسَمْت الشيء بين الشركاء وأَعطيت كل شريك مِقْسَمه وقِسْمه وقَسِيمه، وسمي
مِقْسم بهذا وهو اسم رجل. وحصاة القَسْم: حصاة تلقى في إِناء ثم يصب فيها
من الماء قدر ما يَغمر الحصاة ثم يتعاطونها، وذلك إِذا كانوا في سفَر ولا
ماء معهم إِلا شيء يسير فيقسمونه هكذا. الليث: كانوا إِذا قَلَّ عليهم
الماء في الفلَوات عَمدوا إِلى قَعْب فأَلقوا حصاة في أَسفله، ثم صَبُّوا
عليه من الماء قدر ما يغمرها وقُسِمَ الماء بينهم على ذلك، وتسمى تلك
الحصاةُ المَقْلَةَ. وتَقَسَّموا الشيء واقْتَسَموه وتَقاسَموه: قَسَمُوه
بينهم. واسْتَقسَمُوا بالقِداح: قَسَمُوا الجَزُور على مِقدار حُظوظهم
منها. الزجاج في قوله تعالى: وأَن تَسْتَقْسِمُوا بالأَزلام، قال: موضع أَن
رفع، المعنى: وحُرّم عليكم الاسْتِقْسام بالأَزلام؛ والأَزْلام: سِهام
كانت لأَهل الجاهلية مكتوب على بعضها: أَمَرَني ربِّي، وعلى بعضها: نَهاني
ربي، فإِذا أَراد الرجل سفَراً أَو أَمراً ضرب تلك القِداح، فإِن خَرج
السهم الذي عليه أَمرني ربي مضى لحاجته، وإِن خرج الذي عليه نهاني ربي لم
يمض في أَمره، فأَعلم الله عز وجل أَن ذلك حَرام؛ قال الأَزهري: ومعنى قوله
عز وجل وأَن تستقسموا بالأَزلام أَي تطلبوا من جهة الأَزلام ما قُسِم
لكم من أَحد الأَمرين، ومما يبين ذلك أَنَّ الأَزلام التي كانوا يستقسمون
بها غير قداح الميسر، ما روي عن عبد الرحمن بن مالك المُدْلجِي، وهو ابن
أَخي سُراقة بن جُعْشُم، أَن أَباه أَخبره أَنه سمع سراقة يقول: جاءتنا
رُسُل كفار قريش يجعلون لنا في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأَبي بكرٍ
دية كل واحد منهما لمن قتلهما أَو أَسَرَهما، قال: فبينا أَنا جالس في
مجلس قومي بني مُدْلج أَقبل منهم رجل فقام على رؤوسنا فقال: يا سراقة، إِني
رأَيت آنفاً أَسْوِدةً بالساحل لا أُراها إِلا محمداً وأَصحابه، قال:
فعرفت أَنهم هم، فقلت: إِنهم ليسوا بهم ولكنك رأَيت فلاناً وفلاناً
انطلقوا بُغاة، قال: ثم لَبِثْت في المجلس ساعة ثم قمتُ فدخلت بيتي وأَمرت
جاريتي أَن تخرج لي فرسي وتحبِسها من وراء أَكَمَة، قال: ثم أَخذت رمحي
فخرجت به من ظهر البيت، فخفَضْت عالِيةَ الرُّمح وخَطَطْت برمحي في الأَرض
حتى أَتيت فرسي فركبتها ورفَعْتها تُقَرِّب بي حتى رأَيت أَسودتهما، فلما
دنوت منهم حيث أُسْمِعُهم الصوت عَثَرَت بي فرسي فخَرَرت عنها، أَهويت
بيدي إِلى كِنانتي فأَخرجت منها الأَزْلامَ فاستقسمت بها أَضِيرُهم أَم
لا، فخرج الذي أَكره أَن لا أَضِيرَهم، فعَصَيْت الأَزلام وركبت فرسي
فرَفَعتها تُقَرِّب بي، حتى إِذا دنوت منهم عَثَرت بي فرسي وخَرَرْت عنها،
قال: ففعلت ذلك ثلاث مرات إِلى أَن ساخت يدا فرسي في الأَرض، فلما بلغتا
الركبتين خَرَرت عنها ثم زجرتها، فنهضت فلم تَكد تَخْرج يداها، فلما استوت
قائمة إِذا لأَثرِ يَدَيها عُثان ساطع في السماء مثل الدُّخان؛ قال
معمر، أَحد رواة الحديث: قلت لأَبي عمرو بن العلاء ما العُثان؟ فسكت ساعة ثم
قال لي: هو الدخان من غيرنا، وقال: ثم ركبت فرسي حتى أَتيتهم ووقع في
نفسي حين لَقِيت ما لقيت من الحبس عنهم أَن سيظهر أَمرُ رسولِ الله، صلى
الله عليه وسلم، قال: فقلت له إِن قومك جعلوا لي الدية وأَخبرتهم بأَخبار
سفرهم وما يريد الناس منهم، وعَرَضت عليهم الزاد والمتاع فلم يَرْزَؤُوني
شيئاً ولم يسأَلوني إِلا قالوا أَخْفِ عنا، قال: فسأَلت أَن يكتب كتاب
مُوادَعة آمَنُ به، قال: فأَمرَ عامرَ بن فُهَيْرَةَ مولى أَبي بكر فكتبه
لي في رُقعة من أَديم ثم مضى؛ قال الأَزهري: فهذا الحديث يبين لك أَن
الأَزرم قِداحُ الأَمر والنهي لا قِداح المَيْسر، قال: وقد قال المؤَرّج
وجماعة من أَهل اللغة إِن الأَزلام قداح الميسر، قال: وهو وهَم. واسْتَقْسم
أَي طلب القَسْم بالأَزلام. وفي حديث الفتح: دخل البيت فرأَى إِبراهيم
وإِسمعيلَ بأَيديهما الأَزلام فقال: قاتَلَهم الله والله لقد علِموا
أَنهما لم يَسْتَقْسما بها قطُّ؛ الاسْتِقْسام: طلب القِسم الذي قُسِم له
وقُدِّر مما لم يُقَسم ولم يُقَدَّر، وهو استِفعال منه، وكانوا إِذا أَراد
أَحدهم سفَراً أَو تزويجاً أَو نحو ذلك من المَهامِّ ضرب بالأَزلام، وهي
القداح، وكان على بعضها مكتوب أَمَرَني ربِّي، وعلى الآخر نهاني ربي،
وعلى الآخر غُفْل، فإِن خرج أَمرني مَضى لشأْنه، وإِن خرج نهاني أَمسك، وإِن
خرج الغُفْل عادَ فأَجالَها وضرب بها أُخرى إِلى أَن يخرج الأَمر أَو
النهي، وقد تكرّر في الحديث. وقاسَمْتُه المال: أَخذت منه قِسْمَك وأَخذ
قِسْمه. وقَسِيمُك: الذي يُقاسِمك أَرضاً أَو داراً أَو مالاً بينك وبينه،
والجمع أَقسِماء وقُسَماء. وهذا قَسِيم هذا أَي شَطْرُه. ويقال: هذه
الأَرض قَسيمة هذه الأرض أَي عُزِلت عنها. وفي حديث علي، عليه السلام: أَنا
قَسِيم النار؛ قال القتيبي: أَراد أَن الناس فريقان: فريق معي وهم على
هُدى، وفريق عليّ وهم على ضَلال كالخوارج، فأنا قسيم النار نصف في الجنة
معي ونصف عليّ في النار. وقَسِيم: فعيل في معنى مُقاسِم مُفاعِل،
كالسَّمير والجليس والزَّميل؛ قيل: أَراد بهم الخوارج، وقيل: كل من قاتله.
وتَقاسَما المال واقتَسَماه، والاسم القِسْمة مؤَنثة. وإِنما قال تعالى:
فارزقوهم منه، بعد قوله تعالى: وإِذا حضَر القِسْمة، لأَنها في معنى الميراث
والمال فذكَّر على ذلك.
والقَسَّام: الذي يَقْسِم الدور والأَرض بين الشركاء فيها، وفي المحكم:
الذي يَقسِم الأَشياء بين الناس؛ قال لبيد:
فارْضَوْا بما قَسَمَ المَلِيكُ، فإِنما
قَسَمَ المَعِيشةَ بيننا قَسَّامُها
(* رواية المعلقة:
فاقنع بما قسم المليكُ، فإنما
قسم الخلائقَ بيننا عَلامُها)
عنى بالمليك الله عز وجل. الليث: يقال قَسَمْت الشيء بينهم قَسْماً
وقِسْمة. والقِسْمة: مصدر الاقْتِسام. وفي حديث قراءة الفاتحة: قَسَمْت
الصلاة بيني وبين عبدي نصفين؛ أَراد بالصلاة ههنا القراءة تسمية للشيء ببعضه،
وقد جاءت مفسرة في الحديث، وهذه القِسْمة في المعنى لا اللفظ لأَن نصف
الفاتحة ثناء ونصفها مَسْأَلة ودُعاء، وانتهاء الثناء عند قوله: إِياك
نعبد، وكذلك قال في إِياك نستعين: هذه الآية بيني وبين عبدي.
والقُسامة: ما يَعْزِله القاسم لنفسه من رأْس المال ليكون أَجْراً له.
وفي الحديث: إِياكم والقُسامة، بالضم؛ هي ما يأْخذه القَسَّام من رأْس
المال عن أُجرته لنفسه كما يأْخذ السماسرة رَسماً مرسُوماً لا أَجراً
معلوماً، كتواضُعهم أَن يأْخذوا من كل أَلف شيئاً معيناً، وذلك حرام؛ قال
الخطابي: ليس في هذا تحريم إِذا أَخذ القَسّام أُجرته بإِذن المقسوم لهم،
وإِنما هو فيمن وَلِيَ أَمر قوم فإِذا قسم بين أَصحابه شيئاً
أَمسك منه لنفسه نصيباً
يستأْثر به عليهم، وقد جاء في رواية أُخرى: الرجل يكون على الفِئام من
الناس فيأْخذ من حَظّ هذا وحظ هذا. وأَما القِسامةُ، بالكسر، فهي صنعة
القَسَّام كالجُزارة والجِزارة والبُشارة والبِشارة. والقُسامةُ: الصَّدقة
لأَنها تُقسم على الضعفاء. وفي الحديث عن وابِصة: مثَلُ الذي يأْكل
القُسامة كمثل جَدْيٍ بَطنُه مملوء رَضْفاً؛ قال ابن الأَثير: جاء تفسيرها في
الحديث أَنها الصدقة، قال: والأَصل الأَوَّل.
ابن سيده: وعنده قَسْمٌ يَقْسِمه أَي عَطاء، ولا يجمع، وهو من
القِسْمة. وقسَمَهم الدَّهر يَقْسِمهم فتَقَسَّموا أَي فَرَّقهم فتَفَرَّقوا،
وقَسَّمَهم فرَّقهم قِسْماً هنا وقِسماً هنا. ونَوىً قَسُومٌ: مُفَرِّقة
مُبَعَّدة؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
نَأَتْ عن بَناتِ العَمِّ وانقَلَبَتْ بها
نَوىً، يَوْم سُلاَّنِ البَتِيلِ، قَسوم
(* قوله «وانقلبت» كذا في الأصل، والذي في المحكم: وانفلتت).
أَي مُقَسِّمة للشَّمْل مُفَرِّقة له.
والتقْسِيم: التفريق؛ وقول الشاعر يذكر قِدْراً:
تُقَسِّم ما فيها، فإِنْ هِي قَسَّمَتْ
فَذاكَ، وإِن أَكْرَتْ فعن أَهلِها تُكْري
قال أَبو عمرو: قَسَّمت عَمَّت في القَسْم، وأَكْرَتْ نَقَصَتْ. ابن
الأََعرابي: القَسامةُ الهُِدنة بين العدو والمسلِمين، وجمعها قَسامات،
والقَسم الرَّأْي، وقيل: الشكُّ، وقيل: القَدَرُ؛ وأَنشد ابن بري في القَسْم
الشَّكِّ لعدي بن زيد:
ظِنّة شُبِّهتْ فأَمْكَنَها القَسْـ
ـمُ فأَعدَتْه، والخَبِيرُ خبِيرُ
وقَسَم أَمرَه قَسْماً: قَدَّره ونَظَر فيه كيف يفعل، وقيل: قَسَمَ
أَمرَه لم يدر كيف يَصنع فيه. يقال: هو يَقْسِم أَمره قَسْماً أَي يُقَدِّره
ويُدَبِّره ينظر كيف يعمل فيه؛ قال لبيد:
فَقُولا له إِن كان يَقْسِمُ أَمْرَه:
أَلَمَّا يَعِظْكَ الدَّهْرُ؟ أُمُّكَ هابِلُ
ويقال: قَسَمَ فلان أَمره إِذا مَيَّل فيه أَن يفعله أَو لا يفعله. أَبو
سعيد: يقال تركت فلاناً يَقْتَسِم أَي يفكر ويُرَوِّي بين أَمرين، وفي
موضع آخر: تركت فلاناً يَسْتَقْسِم بمعناه. ويقال: فلان جَيِّد القَسْمِ
أَي جيِّد الرأْي. ورجل مُقَسَّمٌ: مُشتَرك الخواطِر بالهُموم.
والقَسَمُ، بالتحريك: اليمين، وكذلك المُقْسَمُ، وهو المصدر مثل
المُخْرَج، والجمع أَقْسام. وقد أَقْسَم بالله واسْتَقْسَمه به وقاسَمَه: حلَف
له. وتَقاسمَ القومُ: تحالفوا. وفي التنزيل: قالوا تَقاسَمُوا بالله.
وأَقْسَمْت: حلفت، وأَصله من القَسامة. ابن عرفة في قوله تعالى: كما أَنزلنا
على المُقْتَسِمين؛ هم الذين تَقاسَمُوا وتَحالَفُوا على كَيْدِ الرسول،
صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى الذين جعلوا
القرآن عِضِينَ آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. وقاسَمَهما أَي حلَفَ لهما.
والقَسامة: الذين يحلفون على حَقِّهم ويأْخذون. وفي الحديث: نحن نازِلُون
بخَيْفِ بني كِنانة حيث تَقاسَمُوا على الكفر؛ تقاسموا: من القَسَم اليمين
أَي تحالفوا، يريد لمَّا تعاهدت قريش على مُقاطعة بني هاشم وترك مُخالطتهم.
ابن سيده: والقَسامة الجماعة يُقْسِمُون على الشيء أَو يُشهدون،
ويَمِينُ القَسامةِ منسوبة إِليهم. وفي حديثٍ: الأَيْمانُ تُقْسَمُ على أَوْلياء
الدمِ. أَبو زيد: جاءت قَسامةُ الرجلِ، سمي بالمصدر. وقَتل فلان فلاناً
بالقَسامة أَي باليمين. وجاءت قَسامة من بني فلان، وأَصله اليمين ثم
جُعِل قَوْماً. والمُقْسَمُ: القَسَمُ. والمُقْسَمُ: المَوْضِع الذي حلف
فيه. والمُقْسِم: الرجل الحالف، أَقْسَم يُقْسِمُ إِقْساماً. قال الأَزهري:
وتفسير القَسامة في الدم أَن يُقْتل رجل فلا تشهد على قتل القاتل إِياه
بينة عادلة كاملة، فيجيء أَولياء المقتول فيدّعون قِبَل رجل أَنه قتله
ويُدْلُون بِلَوْث من البينة غير كاملة، وذلك أَن يُوجد المُدَّعى عليه
مُتلَطِّخاً بدم القتيل في الحال التي وُجد فيها ولم يشهد رجل عدل أَو امرأَة
ثقة أَن فلاناً قتله، أَو يوجد القتيل في دار القاتل وقد كان بينهما
عداوة ظاهرة قبل ذلك، فإِذا قامت دلالة من هذه الدلالات سَبَق إِلى قلب من
سمعه أَن دعوى الأَولياء صحيحة فَيُستَحْلَفُ أَولياءُ
القتيل خمسين يميناً أَن فلاناً الذي ادعوا قتله انفرد بقتل صاحبهم ما
شَرَكه في دمه أَحد، فإِذا حلفوا خمسين يميناً استحقوا دية قتيلهم، فإِن
أَبَوْا أَن يحلفوا مع اللوث الذي أَدلوا به حلف المُدَّعى عليه وبَرِئ،
وإِن نكل المدّعى عليه عن اليمين خير ورثة القتيل بين قتله أَو أَخذ
الدية من مال المدّعى عليه، وهذا جميعه قول الشافعي. والقَسامةُ: اسم من
الإِقْسام، وُضِع مَوْضِع المصدر، ثم يقال للذين يُقْسِمونَ قَسَامة، وإِن
لم يكن لوث من بينة حلف المدَّعى عليه خمسين يميناً وبرئ، وقيل: يحلف
يميناً واحدة. وفي الحديث: أَنه اسْتَحْلَف خمسةَ نفَر في قسامة معهم رجل من
غيرهم فقال: رُدُّوا الأَيمان على أَجالدِهم؛ قال ابن الأَثير:
القَسامة، بالفتح، اليمين كالقسَم، وحقيقتها أَن يُقْسِم من أَولياء الدم خمسون
نفراً على استحقاقِهم دمَ صاحبِهم إِذا وجدوه قتيلاً بين قوم ولم يُعرف
قاتله، فإِن لم يكونوا خمسين أَقسم الموجودون خمسين يميناً، ولا يكون فيهم
صبي ولا امرأَة ولا مجنون ولا عبد، أَو يُقسم بها المتهمون على نفي
القتل عنهم، فإِن حلف المدعون استحقوا الدية، وإِن حلف المتهَمون لم تلزمهم
الدية، وقد أَقْسَم يُقْسِم قَسَماً وقَسامة، وقد جاءت على بِناء الغَرامة
والحَمالة لأَنها تلزم أَهل الموضع الذي يوجد فيه القتيل؛ ومنه حديث
عمر، رضي الله عنه: القَسامة توجب العَقْل أَي تُوجب الدّية لا القَوَد. وفي
حديث الحسن: القَسامةُ جاهِلِيّة أَي كان أَهل الجاهلية يَديِنُون بها
وقد قرّرها الإِسلام، وفي رواية: القَتْلُ بالقسامة جاهِليةٌ أَي أَن أَهل
الجاهلية كانوا يقتُلُون بها أَو أَن القتل بها من أَعمال الجاهلية،
كأَنه إِنكار لذلك واسْتِعْظام.
والقَسامُ: الجَمال والحُسن؛ قال بشر بن أَبي خازم:
يُسَنُّ على مَراغِمِها القَسامُ
وفلان قَسِيمُ الوَجْهِ ومُقَسَّمُ الوجهِ؛ وقال باعث ابن صُرَيْم
اليَشْكُري، ويقال هو كعب بن أَرْقَمَ اليشكري قاله في امرأَته وهو
الصحيح:ويَوْمًا تُوافِينا بَوجْهً مُقسَّمٍ،
كأَنْ ظَبْية تَعْطُو إِلى وارِق السَّلَمْ
ويَوْماً تُرِيدُ مالَنا مع مالها،
فإِنْ لم نُنِلْها لم تُنِمْنا ولم تَنَمْ
نَظَلُّ كأَنَّا في خُصومِ غَرامةٍ،
تُسَمِّعُ جِيراني التَّأَلِّيَ والقَسَمْ
فَقُلْتُ لها: إِنْ لا تَناهَي، فإِنَّني
أَخو النُّكْر حتى تَقْرَعي السِّنَّ من نَدَمْ
وهذا البيت في التهذيب أَنشده أَبو زيد:
كأَنْ ظبية تعطو إِلى ناضِرِ السَّلم
وقال: قال أَبو زيد: سمعت بعض العرب ينشده: كأَنْ ظبيةٌ؛ يريد كأَنها
ظبية فأَضمر الكناية؛ وقول الربيع بن أَبي الحُقَيْق:
بأَحْسَنَ منها، وقامَتْ تريـ
ـك وجَهاً كأَنَّ عَلَيْه قَساما
أَي حُسْناً. وفي حديث أُم معبد: قَسِيمٌ وَسِيم؛ القَسامةُ: الحسن.
ورجل مُقَسَّم الوجهِ أَي جميل كله كأَن كل موضع منه أَخذ قِسْماً من
الجمال. ويقال لحُرِّ الوجه: قَسِمة، بكسر السين، وجمعها قَسِماتٌ. ورجل
مُقَسَّمٌ وقَسِيم، والأُنثى قَسِيمة، وقد قَسُم. أَبو عبيد: القَسام والقَسامة
الحُسْن. وقال الليث: القَسِيمة المرأَة الجميلة؛ وأَما قول الشاعر
(*
قوله «الشاعر» هو عنترة):
وكأَنَّ فارةَ تاجِرٍ بِقَسِمةٍ
سَبَقَتْ عَوارِضَها إِليكَ مِن الفَمِ
فقيل: هي طلوع الفجر، وقيل: هو وقت تَغَير الأَفواه، وذلك في وقت السحر،
قال: وسمي السحر قَسِمة لأَنه يَقْسِم بين الليل والنهار، وقد قيل في
هذا البيت إِنه اليمين، وقيل: امرأَة حسَنة الوجه، وقيل: موضع، وقيل: هو
جُؤْنة العَطَّار؛ قال ابن سيده: والمعروف عن ابن الأَعرابي في جُؤْنة
العطار قَسِمة، فإِن كان ذلك فإِن الشاعر إِنما أَُشبع للضرورة، قال:
والقَسِيمة السُّوقُ؛ عن ابن الأَعرابي، ولم يُفسِّر به قول عنترة؛ قال ابن
سيده: وهو عندي مما يجوز أَن يُفسَّر به؛ وقول العجاج:
الحمدُ للهِ العَلِيّ الأَعْظَمِ،
باري السَّمواتِ بِغَيْرِ سُلَّمِ
ورَبِّ هذا الأَثَرِ المُقَسَّمِ،
مِن عَهْد إِبراهيمَ لَمَّا يُطْسَمِ
أَراد المُحَسَّن، يعني مَقام إِبراهيم، عليه السلام، كأَنه قُسِّم أَي
حُسِّن؛ وقال أَبو ميمون يصف فرساً:
كلِّ طَوِيلِ السّاقِ حُرِّ الخدّيْن،
مُقَسَّمِ الوجهِ هَرِيتِ الشِّدْقَيْن
ووَشْيٌ مُقَسَّمٌ أَي مُحَسَّنٌ. وشيء قَسامِيٌّ: منسوب إِلى القَسام،
وخفف القطامي ياء النسبة منه فأَخرجه مُخرج تِهامٍ وشآمٍ، فقال:
إِنَّ الأُبُوَّةَ والدَيْنِ تَراهُما
مُتَقابلينِ قَسامِياً وهِجانا
أَراد أُبوّة والدين. والقَسِمةُ: الحُسن. والقَسِمةُ: الوجهُ، وقيل: ما
أَقبل عليك منه، وقيل: قَسِمةُ الوجه ما خَرج من الشعر. وقيل: الأَنفُ
وناحِيتاه، وقيل: وسَطه، وقيل: أَعلى الوَجْنة، وقيل: ما بين الوَجْنتين
والأَنف، تكسر سينها وتفتح، وقيل: القَسِمة أَعالي الوجه، وقيل: القَسِمات
مَجارِي الدموع، والوجوه، واحدتها قَسِمةٌ. ويقال من هذا: رجل قَسِيم
ومُقَسَّم إِذا كان جميلاً. ابن سيده: والمُقْسَم موضع القَسَم؛ قال
زهير:فتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا ومِنْكُم
بمُقْسَمةٍ تَمُورُ بها الدِّماء
وقيل: القَسِماتُ مجاري الدموع؛ قال مُحْرِز بن مُكَعْبَرٍ الضبي:
وإِنِّي أُراخيكم على مَطِّ سَعْيِكم،
كما في بُطونِ الحامِلاتِ رِخاءُ
فَهلاَّ سَعَيْتُمْ سَعْيَ عُصْبةِ مازِنٍ،
وما لعَلائي في الخُطوب سَواءُ
كأَنَّ دَنانِيراً على قَسِماتِهِمِ،
وإِنْ كان قَدْ شَفَّ الوُجُوهَ لِقاءُ
لَهُمْ أَذْرُعٌ بادٍ نواشِزُ لَحْمِها،
وبَعضُ الرِّجالِ في الحُروب غُثاءُ
وقيل: القَسِمةُ ما بين العينين؛ روي ذلك عن ابن الأَعرابي، وبه فسر
قوله دنانيراً على قَسِماتهم؛ وقال أَيضاً: القَسِمةُ والقَسَمةُ ما فوق
الحاجب، وفتح السين لغة في ذلك كله.
أَبو الهيثم: القَسامِيُّ الذي يكون بين شيئين. والقَسامِيّ: الحَسَن،
من القسامة. والقَسامِيُّ: الذي يَطوي الثياب أَول طَيّها حتى تتكسر على
طيه؛ قال رؤبة:
طاوِينَ مَجْدُولَ الخُروقِ الأَحداب،
طَيَّ القَسامِيِّ بُرودَ العَصّاب
ورأَيت في حاشية: القَسَّامُ المِيزان، وقيل: الخَيّاطُ. وفرس قَسامِيٌّ
أَي إِذا قَرَحَ من جانب واحد وهو، من آخرَ، رَباعٍ؛ وأَنشد الجَعْدي
يصف فرساً:
أَشَقَّ قَسامِيّاً رَباعِيَ جانِبٍ،
وقارِحَ جَنْبٍ سُلَّ أَقْرَحَ أَشْقَرا
وفرس قَسامِيٌّ: منسوب إِلى قَسام فرس لبني جَعْدة؛ وفيه يقول الجعدي:
أَغَرّ قَسامِيّ كُمَيْت مُحَجَّل،
خَلا يده اليُمْنى فتَحْجِيلُه خَسا
أَي فَرْدٌ. وقال ابن خالويه: اسم الفرس قَسامة، بالهاء؛ وأَما قول
النابغة يصف ظبية:
تَسَفُّ برِيرَه، وتَرُودُ فيه
إِلي دُبُر النهارِ من القَسامِ
قيل: القَسامة شدّة الحرّ، وقيل: إِن القسام أَول وقت الهاجرة، قال
الأَزهري: ولا أَدري ما صحته، وقيل: القسام وقت ذُرور الشمس، وهي تكون حينئذ
أَحسن ما تكون وأَتمّ ما تكون مَرْآةً، وأَصل القَسام الحُسن؛ قال
الأَزهري: وهذا هو الصواب عندي؛ وقول ذي الرمة:
لا أَحْسَبُ الدَّهْرَ يُبْلي جِدّةً أَبداً،
ولا تُقَسَّم شَعْباً واحِداً شُعَبُ
يقول: إِني ظننت أَن لا تنقسم حالاتٌ كثيرة، يعني حالاتِ شبابه، حالاً
واحداً وأَمراً واحداً، يعني الكِبَر والشيب؛ قال ابن بري: يقول كنت
لغِرّتي أَحسب أَن الإِنسان لا يَهرم، وأَن الثوبَ الجديد لا يَخْلُق، وأَن
الشَّعْب الواحد الممتنع لا يَتفرَّق الشُّعَبَ المتفرِّقةَ فيتفرق بعد
اجتماع ويحصل متفرقاً في تلك الشُّعَبِ
(* قوله: وأن الشعب إلخ؛ هكذا في
الأصل).
والقَسُومِيَّات: مواضع؛ قال زهير:
ضَحَّوْا قَليلاً قَفا كُثْبانِ أَسْنِمةٍ،
ومِنْهُمُ بالقَسُومِيّاتِ مُعْتَرَكُ
(* قوله «ضحوا قليلاً إلخ» أنشده في التكملة ومعجم ياقوت:
وعرسوا ساعة في كثب اسنمة).
وقاسِمٌ وقَسِيمٌ وقُسَيْمٌ وقَسّام ومِقْسَم ومُقَسِّم: أَسماء.
والقَسْم: موضع معروف. والمُقْسِم: أَرض؛ قال الأَخطل:
مُنْقَضِبِين انْقِضابَ الخيل، سَعْيُهُم
بَين الشقيق وعَيْن المُقْسِمِ البَصِر
وأَما قول القُلاخ بن حَزْن السعدي:
القُلاخُ في بُغائي مِقْسَما،
أَقْسَمْتُ لا أَسْأَمُ حتَّى تَسْأَما
فهو اسم غلام له كان قد فرّ منه.
أصل: الأَصْلُ: أَسفل كل شيء وجمعه أُصول لا يُكَسَّر على غير ذلك، وهو
اليأْصُول. يقال: أَصل مُؤَصَّل؛ واستعمل ابن جني الأَصلية موضع
التأَصُّل فقال: الأَلف وإِن كانت في أَكثر أَحوالها بدلاً أَو زائدة فإِنها إِذا
كانت بدلاً من أَصل جرت في الأَصلية مجراه، وهذا لم تنطق به العرب إِنما
هو شيء استعملته الأَوائل في بعض كلامها. وأَصُل الشيءُ: صار ذا أَصل؛
قال أُمية الهذلي:
وما الشُّغْلُ إِلا أَنَّني مُتَهَيِّبٌ
لعِرْضِكَ، ما لم تجْعَلِ الشيءَ يَأْصُلُ
وكذلك تَأَصَّل.
ويقال: اسْتَأْصَلَتْ هذه الشجرةُ أَي ثبت أَصلها. واستأْصل افيفي ُ بني
فلان إِذا لم يَدَعْ لهم أَصْلاً. واستأْصله أَي قَلَعه من أَصله. وفي
حديث الأُضحية: أَنه نهى عن المُسْتَأْصَلة؛ هي التي أُخِذ قَرْنُها من
أَصله، وقيل هو من الأَصِيلة بمعنى الهلاك. واسْتَأْصَلَ القومَ: قَطَعَ
أَصلَهم. واستأْصل افيفي شَأْفَتَه: وهي قَرْحة تخرج بالقَدَم فتُكْوى فتذهب،
فدَعا افيفي أَن يذهب ذلك عنه
(* قوله «ان يذهب ذلك عنه» كذا بالأصل،
وعبارته في ش ا ف: فيقال في الدعاء: اذهبهم افيفي كما اذهب ذلك الداء
بالكي).وقَطْعٌ أَصِيل: مُسْتَأْصِل. وأَصَل الشيءَ: قَتَله عِلْماً فعَرَف
أَصلَه. ويقال: إِنَّ النخلَ بأَرضِنا لأَصِيلٌ أَي هو به لا يزال ولا
يَفْنى. ورجل أَصيِيل: له أَصْل. ورَأْيٌ أَصيل: له أَصل. ورجل أَصيل: ثابت
الرأْي عاقل. وقد أَصُل أَصالة، مثل ضَخُم ضَخامة، وفلان أَصِيلُ الرأْي
وقد أَصُل رأْيُه أَصالة، وإِنه لأَصِيل الرأْي والعقل. ومجد أَصِيل أَي ذو
أَصالة. ابن الكسيت: جاؤوا بأَصِيلتهم أَي بأَجمعهم. والأَصِيلُ:
العَشِيُّ، والجمع أُصُل وأُصْلان مثل بعير وبُعران وآصال وأُصائل كأَنه جمع
أَصِيلة؛ قال أَبو ذؤيب الهذلي:
لعَمْري لأَنتَ البَيْتُ أُكْرِمُ أَهْلَه،
وأَقْعُدُ في أَفيائه بالأَصائل
وقال الزجاج: آصال جمخع أُصُل، فهو على هذا جمع الجمع، ويجوز أَن يكون
أُصُل واحداً كطُنُب؛ أَنشد ثعلب:
فتَمَذَّرَتْ نفسي لذاك، ولم أَزَلْ
بَدِلاً نِهارِيَ كُلَّه حَتى الأُصُلْ
فقوله بَدِلاً نهاري كله يدل على أَن الأُصُل ههنا واحد، وتصغيره
أُصَيْلان وأُصَيْلال على البدل أَبدلوا من النون لاماً؛ ومنه قول
النابغة:وَقَفْتُ فيها أُصَيْلالاً أُسائِلُها،
عَيَّتْ جَواباً، وما بالرَّبْع من أَحَد
قال السيرافي: إِن كان أُصَيْلان تصغير أُصْلان وأُصْلان جممع أَصِيل
فتصغيره نادر، لأَنه إِنما يصغر من الجمع ما كان على بناء أَدنى العدد،
وأَبنية أَدنى العدد أَربعة: أَفعال وأَفعُل وأَفعِلة وفعْلة، وليست أُصْلان
واحدة منها فوجب أَن يحكم عليه بالشذوذ، وإِن كان أُصْلان واحداً
كرُمَّان وقُرْبان فتصغيره على بابه؛ وأَما قول دَهْبَل:
إِنِّي الذي أَعْمَل أَخْفافَ المَطِي،
حَتَّى أَناخَ عِنْدَ بابِ الحِمْيَرِي،
فَأُعْطِي الحِلْقَ أُصَيْلالَ العَشِي
قال ابن سيده: عندي أَنه من إِضافة الشيء إلى نفسه، إِذ الأَصِيل
والعَشِيُّ سواء لا فائدة في أَحدهما إِلا ما في الآخر. وآصَلْنا: دَخَلْنا في
الأَصِيل. ولقيته أُصَيْلالاً وأُصَيلاناً إِذا لقِيتَه بالعَشِيِّ،
ولَقيتُه مُؤْصِلاً. والأَصِيلُ: الهلاك؛ قال أَوس:
خافوا الأَصِيلَ وقد أَعْيَتْ ملوكُهُمُ،
وحُمِّلوا من أَذَى غُرْمٍ بأَثقال
وأَتَيْنا مُؤْصِلِين
(* قوله «وأتينا مؤصلين» كذا بالأصل) وقولهم لا
أَصْل له ولا فَصْل؛ الأَصْل: الحَسَب، والفَصْل اللسان. والأَصِيلُ: الوقت
بعد العصر إِلى المغرب.
والأَصَلة: حَيَّة قصيرة كالرِّئَة حمراء ليست بشدية الحمرة لها رجل
واحدة تقوم عليها وتُساور الإِنسان وتنفخ فلا تصيب شيئاً بنفختها إِلا
أَهلكته، وقيل: هي مثل الرحى مستديرة حمراءُ لا تَمَس شجرة ولا عوداً إِلا
سَمَّته، ليست بالشديدة الحمرة لها قائمة تَخُطُّ بها في الأَرض وتَطْحَن
طحن الرحى، وقيل: الأَصَلة حية صغيرة تكون في الرمال لونها كلون الرِّئَة
ولها رجل واحدة تقف عليها تَثِب إِلى الإِنسان ولا تصيب شيئاً إِلا هلك،
وقيل: الأَصَلة الحية العظيمة، وجمعها أَصَل؛ وفي الصحاح: الأَصَلة،
بالتحريك، جنس من الحيات وهو أَخبثها. وفي الحديث في ذكر الدجال: أَعور جعد
كأَن رأْسه أَصَلة، بفتح الهمزة والصاد؛ قال ابن الأَنباري: الأَصَلة
الأَفْعَى، وقيل: حية ضَخْمة عظيمة قصيرة الجسم تَثِب على الفارس فتقتله فشبه
رسول افيفي ،
صفيفيى افيفي عليه وسلم، رأْس الدجال بها لِعِظَمِه واستدارته، وفي
الأَصَلة مع عظمها استدارة؛ وأَنشد:
يا ربِّ إِنْ كان يَزيدُ قد أَكَل
لَحْمَ الصَّديق عَلَلاً بعد نَهَل
ودَبَّ بالشَّرِّ دبيباً ونَشَل،
فاقْدُر له أَصَلةً من الأَصَل
(* قوله «ونشل» كذا بالأصل بالشين المعجمة، ولعله بالمهملة من النسلان
المناسب للدبيب).
كَبْساءَ، كالقُرْصة أَو خُفِّ الجَمَل،
لها سَحِيفٌ وفَحِيحٌ وزَجَل
السحيف: صوت جلدها، والفَحِيح من فمها، والكبساء: العظيمة الرأْس؛ رجل
أَكبس وكُبَاس، والعرب تشبه الرأْس الصغير الكثير الحركة برأْس الحية؛ قال
طَرَفة:
خَشَاشٌ كرأْسِ الحَيّة المُتَوَقِّدِ
(* قوله «خشاش إلخ» هو عجز بيت صدره كما في الصحاح:
انا الرجل الضرب الذي تعرفونه.
والخشاش: هو الماضي من الرجال).
وأَخذ الشيء بأَصَلته وأَصيلته أَي بجميعه لم يَدَعْ منه شيئاً؛ الأَول
عن ابن الأَعرابي.
وأَصِلَ الماءُ يأْصَل أَصَلاً كأَسِن إِذا تغير طعمه وريحه من حَمْأَة
فيه. ويقال: إِني لأَجِد من ماء حُبِّكم طَعْمَ أَصَلٍ. وأَصِيلة الرجل:
جميع ماله. ويقال: أَصِل فلان يفعل كذا وكذا كقولك طَفِق وعَلِق.