هو: الشيخ، أبو علي: إسماعيل بن القاسم اللغوي.
المتوفى: سنة ست وخمسين وثلاثــمائة.
ألفه: بقرطبة، بعد سنة ثلاثين وثلاثــمائة.
قدر: القَدِيرُ والقادِرُ: من صفات الله عز وجل يكونان من القُدْرَة
ويكونان من التقدير. وقوله تعالى: إِن الله على كل شيء قدير؛ من القُدْرة، فالله
عز وجل على كل شيء قدير، والله سبحانه مُقَدِّرُ كُلِّ شيء وقاضيه. ابن
الأَثير: في أَسماء الله تعالى القادِرُ والمُقْتَدِرُ والقَدِيرُ، فالقادر اسم
فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة، والمقتدر
مُفْتَعِلٌ من اقْتَدَرَ، وهو أَبلغ.
التهذيب: الليث: القَدَرُ القَضاء المُوَفَّقُ. يقال: قَدَّرَ الإِله
كذا تقديراً، وإِذا وافق الشيءُ الشيءَ قلت: جاءه قَدَرُه. ابن سيده:
القَدْرُ والقَدَرُ القضاء والحُكْم، وهو ما يُقَدِّره الله عز وجل من القضاء
ويحكم به من الأُمور. قال الله عز وجل: إِنا أَنزلناه في ليلة القَدْرِ؛ أَي
الحُكْمِ، كما قال تعالى: فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمر حكيم؛ وأَنشد الأَخفش
لهُدْبَة بنِ خَشْرَمٍ:
أَلا يا لَقَوْمي للنوائبِ والقَدْرِ
وللأَمْرِ يأْتي المَرءَ من حيثُ لا يَدْري
وللأَرْض كم من صالح قد تَوَدَّأَتْ
عليه، فَوَارَتْهُ بلَمَّاعَةٍ قَفْرِ
فلا ذَا جَلالٍ هِبْنَهُ لجَلالِه،
ولا ذا ضَياعٍ هُنَّ يَتْرُكْنَ للفَقْرِ
تودّأَت عليه أَي استوت عليه. واللماعة: الأَرض التي يَلْمع فيها
السَّرابُ. وقوله: فلا ذا جَلال انتصب ذا بإِضمار فعل يفسره ما بعده أَي فلا
هِبْنَ ذا جَلال، وقوله: ولا ذا ضَياع منصوب بقوله يتركن. والضَّياعُ، بفتح
الضاد: الضَّيْعَةُ، والمعنى أَن المنايا لا تَغْفُلُ عن أَحد، غنيّاً
كان أَو فقيراً، جَليلَ القَدْر كان أَو وضيعاً. وقوله تعالى: ليلةُ القدر
خير من أَلف شهر؛ أَي أَلف شهر ليس فيها ليلة القدر؛ وقال الفرزدق:
وما صَبَّ رِجْلي في حديدِ مُجاشِعٍ،
مَعَ القَدْرِ، إِلا حاجَةٌ لي أُرِيدُها
والقَدَرُ: كالقَدْرِ، وجَمْعُهما جميعاً أَقْدار. وقال اللحياني:
القَدَرُ الاسم، والقَدْرُ المصدر؛ وأَنشد
كُلُّ شيء حتى أَخِيكَ مَتاعُ؛
وبِقَدْرٍ تَفَرُّقٌ واجْتِماعُ
وأَنشد في المفتوح:
قَدَرٌ أَحَلَّكَ ذا النخيلِ، وقد أَرى،
وأَبيكَ، ما لَكَ، ذُو النَّخيلِ بدارِ
قال ابن سيده: هكذا أَنشده بالفتح والوزن يقبل الحركة والسكون. وفي
الحديث ذكر ليلة القدر، وهي الليلة التي تُقَدَّر فيها الأَرزاقُ وتُقْضى.
والقَدَرِيَّةُ: قوم يَجْحَدُون القَدَرَ، مُوَلَّدةٌ. التهذيب:
والقَدَرِيَّة قوم ينسبون إِلى التكذيب بما قَدَّرَ اللهُ من الأَشياء، وقال بعض
متكلميهم: لا يلزمنا هذا اللَّقَبُ لأَنا ننفي القَدَرَ عن الله عز وجل
ومن أَثبته فهو أَولى به، قال: وهذا تمويه منهم لأَنهم يثبتون القَدَرَ
لأَنفسهم ولذلك سموا؛ وقول أَهل السنَّة إِن علم الله سبق في البشر
فَعَلِم كفْرَ مَن كَفَر منهم كما عَلِم إِيمان مَن آمن، فأَثبت علمه السابق في
الخلق وكتبه، وكلُّ ميسر لما خلق له وكتب عليه. قال أَبو منصور: وتقدير
الله الخلق تيسيره كلاًّ منهم لما علم أَنهم صائرون إِليه من السعادة
والشقاء، وذلك أَنه علم منهم قبل خلقه إِياهم، فكتب علمه الأَزليّ السابق
فيهم وقَدَّره تقديراً؛ وقَدَرَ الله عليه ذلك يَقْدُرُه ويَقْدِرُه
قَدْراً وقَدَراً، وقَدَّره عليه وله؛ وقوله:
من أَيّ يَوْمَيَّ من الموتِ أَفِرّ:
أَيَومَ لم يُقْدَرَ أَمْ يومَ قُدِرْ؟
فإِنه أَراد النون الخفيفة ثم حذفها ضرورة فبقيت الراء مفتوحة كأَنه
أَراد: يُقْدَرَنْ، وأَنكر بعضهم هذا فقال: هذه النون لا تحذف إِلا لسكون ما
بعدها ولا سكون ههنا بعدها؛ قال ابن جني: والذي أَراه أَنا في هذا وما
علمت أَن أَحداً من أَصحابنا ولا غيرهم ذكره، ويشبه أَن يكونوا لم يذكروه
للُطْفِه، هو أَنْ يكون أَصله أَيوم لم يُقْدَرْ أَم بسكون الراء للجزم،
ثم أَنها جاوَرَتِ الهمزة المفتوحة وهي ساكنة، وقد أَجرت العرب الحرف
الساكن إِذا جاور الحرف المتحرّك مجرى المتحرك، وذلك قولهم فيما حكاه سيبويه
من قول بعض العرب: الكَماةُ والمَراة، يريدون الكَمْأَةَ والمَرْأَةَ
ولكن الميم والراء لما كانتا ساكنتين، والهمزتان بعدهما مفتوحتان، صارت
الفتحتان اللتان في الهمزتين كأَنهما في الراء والميم، وصارت الميم والراء
كأَنهما مفتوحتان، وصارت الهمزتان لما قدّرت حركاتهما في غيرهما كأَنهما
ساكنتان، فصار التقدير فيهما مَرَأْةٌ وكَمَأْةٌ، ثم خففتا فأُبدلت
الهمزتان أَلفين لسكونهما وانفتاح ما قبلهما، فقالوا: مَرَاةٌ وكَماةٌ، كما
قالوا في رأْس وفأْس لما خففتا: راس وفاس، وعلى هذا حمل أَبو علي قول عبد
يَغُوثَ:
وتَضْحَكُ مِنّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ،
كَأَنْ لم تَرَا قَبْلي أَسيراً يمَانِيا
قال: جاء به على أَن تقديره مخففاً كأَن لم تَرْأَ، ثم إِن الراء
الساكنة لما جاورت الهمزة والهمزة متحرّكة صارت الحركة كأَنها في التقدير قبل
الهمزة واللفظُ بها لم تَرَأْ، ثم أَبدل الهمزة أَلفاً لسكونها وانفتاح ما
قبلها فصارت تَرا، فالأَلف على هذا التقدير بدل من الهمزة التي هي عين
الفعل، واللام محذوفة للجزم على مذهب التحقيق، وقَوْلِ من قال: رَأَى
يَرْأَى، وقد قيل: إِن قوله ترا، على الخفيف السائغ، إِلا أَنه أَثبت الأَلف
في موضع الجزم تشبيهاً بالياء في قول الآخر:
أَلم يأْتيك، والأَنباءُ تَنْمِي،
بما لاقَتْ لَبُونُ بني زِيادِ؟
ورواه بعضهم أَلم يأْتك على ظاهر الجزْم؛ وأَنشده أَبو العباس عن أَبي
عثمان عن الأَصمعي:
أَلا هلَ تاكَ والأَنباءُ تَنْمِي
وقوله تعالى: إِلا امرأَته قَدَّرْنا أَنها لمن الغابرين؛ قال الزجاج:
المعنى علمنا أَنها لمن الغابرين، وقيل: دَبَّرنا أنها لمن الغابرين أَي
الباقين في العذاب. ويقال: اسْتَقْدِرِ اللهَ خيراً، واسْتَقْدَرَ اللهَ
خَيْراً سأَله أَن يَقْدُرَ له به؛ قال:
فاسْتَقْدِرِ اللهَ خيراً وارضَيَنَّ به،
فبَيْنَما العُسْرُ إِذ دارتْ مَياسِيرُ
وفي حديث الاستخارة: اللهم إِني أَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتك أَي أَطلب منك
أَن تجعل لي عليه قُدْرَةً.
وقَدَرَ الرزقَ يَقْدِرُهُ: قَسَمه. والقَدْرُ والقُدْرَةُ
(* قوله«
والقدر والقدرة إلخ» عبارة القاموس: والقدر الغنى واليسار والقوة كالقدرة
والمقدرة مثلثة الدال والمقدار والقدارة والقدورة والقدور بضمهما والقدران
بالكسر والقدار ويكسر والاقتدار والفعل كضرب ونصر وفرح.) والمِقْدارُ:
القُوَّةُ؛ وقَدَرَ عليه يَقْدِرُ ويَقْدُرُ وقَدِرَ، بالكسر، قُدْرَةً
وقَدارَةً وقُدُورَةً وقُدُوراً وقِدْراناً وقِداراً؛ هذه عن اللحياني، وفي
التهذيب: قَدَراناً، واقْتَدَرَ وهو قادِرٌ وقَدِيرٌ وأَقْدَرَه اللهُ
عليه، والاسم من كل ذلك المَقْدَرَة والمَقْدُرَة والمَقْدِرَةُ. ويقال: ما
لي عليك مَقْدُرَة ومَقْدَرَة ومَقْدِرَة أَي قُدْرَة. وفي حديث عثمان،
رضي الله عنه: إِنَّ الذَّكاة في الحَلْقِ واللَّبَّة لمن قَدَرَ
(*
قوله« لمن قدر» أي لمن كانت الذبيحة في يده مقدر على ايقاع الذكاة بهذين
الموضعين، فاما إذا ندت البهيمة فحكمها حكم الصيد في أن مذبحه الموضع الذي
أصاب السهم او السيف، كذا بهامش النهاية.) أَي لمن أَمكنه الذبْحُ فيهما،
فأَما النَّادُّ والمُتَرَدِّي فأَيْنَ اتَّفَقَ من جسمهما؛ ومنه قولهم:
المَقْدُِرَةُ تُذْهِبُ الحَفِيظَةَ. والاقتدارُ على الشيء: القُدْرَةُ
عليه، والقُدْرَةُ مصدر قولك قَدَرَ على الشيء قُدْرَة أَي مَلَكه، فهو
قادِرٌ وقَدِيرٌ. واقْتَدَرَ الشيءَ: جعله قَدْراً. وقوله: عند مَلِيكٍ
مُقْتَدِرٍ؛ أَي قادِرٍ. والقَدْرُ: الغِنى واليَسارُ، وهو من ذلك لأَنه
كُلَّه قُوَّةٌ.
وبنو قَدْراء: المَياسيرُ. ورجل ذو قُدْرَةٍ أَي ذو يَسارٍ. ورجل ذو
مَقْدُِرَة أَي ذو يسار أَيضاً؛ وأَما من القَضاء والقَدَرِ فالمَقدَرَةُ،
بالفتح، لا غير؛ قال الهُذَليّ:
وما يَبْقَى على الأَيّامِ شَيءٌ،
فيا عَجَباً لمَقْدَرَةِ الكتابِ
وقدْرُ كل شيء ومِقْدارُه: مِقْياسُه. وقَدَرَ الشيءَ بالشيء يَقْدُرُه
قَدْراً وقَدَّرَه: قاسَه. وقادَرْتُ الرجل مُقادَرَةً إِذا قايسته وفعلت
مثل فعله. التهذيب: والتقدير على وجوه من المعاني: أَحدها التروية
والتفكير في تسوية أَمر وتهيئته، والثاني تقديره بعلامات يقطعه عليها، والثالث
أَن تَنْوِيَ أَمراً بِعَقْدِك تقول: قَدَّرْتُ أَمر كذا وكذا أَي
نويتُه وعَقَدْتُ عليه. ويقال: قَدَرْتُ لأَمْرِ كذا أَقْدِرُ له وأَقْدُرُ
قَدْراً إِذا نظرت فيه ودَبَّرْتَه وقايسته؛ ومنه قول عائشة، رضوان الله
عليها: فاقْدُرُوا قَدْرَ الجاريةِ الحديثة السِّنِّ المستهيئة للنظر أَي
قَدِّرُوا وقايسوا وانظروه وافْكِرُوا فيه. شمر: يقال قَدَرْتُ أَي هيأْت
وقَدَرْتُ أَي أَطَقْتُ وقَدَرْتُ أَي مَلَكْتُ وقَدَرْتُ أَي وَقَّتُّ؛
قال لبيد:
فَقَدَرْتُ للوِرْدِ المُغَلِّسَ غُدْوَةً،
فَوَرَدْتُ قبل تَبَيُّنِ الأَلْوانِ
وقال الأَعشى:
فاقْدُرْ بذَرْعِكَ ببنَنا،
إِن كنتَ بَوَّأْتَ القَدارَهْ
بَوَّأْتَ: هَيَّأْتَ. قال أَبو عبيدة: اقْدُر بذَرْعِك بيننا أَي
أَبْصِرْ واعْرِفْ قَدْرَك. وقوله عز وجل: ثم جئتَ على قَدَرٍ يا موسى؛ قيل في
التفسير: على مَوْعدٍ، وقيل: على قَدَرٍ من تكليمي إِياك؛ هذا عن
الزجاج. وقَدَرَ الشيءَ: دَنا له؛ قال لبيد:
قلتُ: هَجِّدْنا، فقد طال السُّرَى،
وقَدَرْنا إِنْ خَنى الليل غَفَلْ
وقَدَر القومُ أَمرهم يَقْدِرُونه قَدْراً: دَبَّروه وقَدَرْتُ عليه
الثوبَ قدراً فانْقَدَر أَي جاءَ على المِقْدار. ويقال: بين أَرضك وأَرض
فلان ليلة قادرة إِذا كانت لينة السير مثل قاصدةٍ ورافِهةٍ؛ عن يعقوب.
وقَدَرَ عليه الشيءَ يَقْدِرُه ويَقْدُره قَدْراً وقَدَراً وقَدَّرَه:
ضَيَّقه؛ عن اللحياني. وفي التنزيل العزيز: على المُوسِعِ قَدَرُه وعلى
المُقْتِرِ قَدَرُه؛ قال الفراء: قرئ قَدَرُه وقَدْرُه، قال: ولو نصب كان صواباً
على تكرر الفعل في النية، أَي ليُعْطِ المُوسِعُ قَدْرَه والمُقْتِرُ
قَدْرَه؛ وقال الأخفش: على الموسع قدره أَي طاقته؛ قال الأَزهري: وأَخبرني
المنذري عن أَبي العباس في وقوله على المُقْتِر قَدَرُه وقَدْرُه، قال:
التثقيل أَعلى اللغتين وأَكثر، ولذلك اختير؛ قال: واختار الأَخفش التسكين،
قال: وإِنما اخترنا التثقيل لأَنه اسم، وقال الكسائي: يقرأُ بالتخفيف
والتثقيل وكلٌّ صواب، وقال: قَدَرَ وهو يَقْدِر مَقْدِرة ومَقْدُرة
ومَقْدَرَة وقِدْراناً وقَدَاراً وقُدْرةً، قال: كل هذا سمعناه من العرب، قال:
ويَقْدُر لغة أُخرى لقوم يضمون الدال فيها، قال: وأَما قَدَرْتُ الشيء
فأَنا أَقْدِرُه، خفيف، فلم أَسمعه إِلا مكسوراً، قال: وقوله: وما قَدَروا
اللهَ حَقَّ قَدْرِه؛ خفيفٌ ولو ثُقِّلَ كان صواباً، وقوله: إِنَّا كلَّ
شيء خلقناه بِقَدَرٍ، مُثَقَّلٌ، وقوله: فسالتْ أَوديةٌ بقدَرها؛
مُثَقَّلٌ ولو خفف كان صواباً؛ وأَنشد بيت الفرزدق أَيضاً:
وما صَبَّ رِجْلِي في حَدِيدِ مُجاشِعٍ،
مع القَدْر، إِلا حاجةٌ لي أُرِيدُها
وقوله تعالى: فَظَنَّ أَن لن نَقْدِرَ عليه؛ يفسر بالقُدرة ويفسر
بالضِّيق، قال الفراء في قوله عز وجل: وذا النُّون إِذ ذهب مُغاضِباً فظنَّ أَن
لن نَقْدِرَ عليه؛ قال الفراء: المعنى فظن أَن لن نَقْدِرَ عليه من
العقوبة ما قَدَرْنا. وقال أَبو الهيثم: روي أَنه ذهب مغاضباً لقومه، وروي
أَنه ذهب مغاضباً لربه، فأَما من اعتقد أَن يونس، عليه السلام، ظن أَن لن
يقدر الله عليه فهو كافر لأَن من ظن ذلك غير مؤمن، ويونس، عليه السلام،
رسول لا يجوز ذلك الظن عليه. فآل المعنى: فظن أَن لن نَقْدِرَ عليه
العقوبة، قال: ويحتمل أَن يكون تفسيره: فظن أَن لن نُضَيِّقَ عليه، من قوله
تعالى: ومن قُدِرَ عليه رزقَه؛ أَي ضُيِّقَ عليه، قال: وكذلك قوله: وأَما
إِذا ما ابتلاه فَقَدَر عليه رزقه؛ معنى فَقَدَر عليه فَضَيَّقَ عليه، وقد
ضيق الله على يونس، عليه السلام، أَشدَّ تَضْيِيق ضَيَّقَه على مُعَذَّب
في الدنيا لأَنه سجنه في بطن حوت فصار مَكْظُوماً أُخِذَ في بَطْنِه
بكَظَمِهِ؛ وقال الزجاج في قوله: فظن أَن لن نُقْدِرَ عليه؛ أَي لن نُقَدِّرَ
عليه ما قَدَّرنا من كونه في بطن الحوت، قال: ونَقْدِرُ بمعنى
نُقَدِّرُ، قال: وقد جاء هذا في التفسير؛ قال الأَزهري: وهذا الذي قاله أَبو إِسحق
صحيح، والمعنى ما قَدَّرَه الله عليه من التضييق في بطن الحوت، ويجوز
أَن يكون المعنى لن نُضَيِّق عليه؛ قال: وكل ذلك شائع في اللغة، والله
أَعلم بما أَراد. فأَما أَن يكون قوله أَن لن نَقْدِرَ عليه من القدرة فلا
يجوز، لأَن من ظن هذا كفر، والظن شك والشك في قدرة الله تعالى كفر، وقد عصم
الله أَنبياءه عن مثل ما ذهب إِليه هذا المُتَأَوِّلُ، ولا يَتَأَوَّلُ
مثلَه إِلا الجاهلُ بكلام العرب ولغاتها؛ قال الأَزهري: سمعت
المُنْذِرِيَّ يقول: أَفادني ابن اليَزيديّ عن أَبي حاتم في قوله تعالى: فظن أَن لن
نقدر عليه؛ أَي لن نضيق عليه، قال: ولم يدر الأَخفش ما معنى نَقْدِر وذهب
إِلى موضع القدرة إِلى معنى فظن أَن يَفُوتَنَا ولم يعلم كلام العرب حتى
قال: إِن بعض المفسرين قال أَراد الاستفهام، أَفَظَنَّ أَن لن نَقْدِرَ
عليه، ولو علم أَن معنى نَقْدِر نُضَيِّق لم يخبط هذا الخبط، قال: ولم
يكن عالماً بكلام العرب، وكان عالماً بقياس النحو؛ قال: وقوله: من قُدِرَ
عليه رِزْقُه؛ أَي ضُيِّقَ عليه عِلْمُه، وكذلك قوله: وأَما إِذا ما
ابتلاه فَقَدَرَ عليه رِزْقَه؛ أَي ضَيَّقَ. وأَما قوله تعالى: فَقَدَرْنا
فنِعْمَ القادِرُون، فإِن الفراء قال: قرأَها عليّ، كرم الله وجهه،
فَقَدَّرْنا، وخففها عاصم، قال: ولا يبعد أَن يكون المعنى في التخفيف والتشديد
واحداً لأَن العرب تقول: قُدِّرَ عليه الموتُ وقُدِرَ عليه الموتُ، وقُدِّر
عليه وقُدِرَ، واحتج الذين خففوا فقالوا: لو كانت كذلك لقال: فنعم
المُقَدِّرون، وقد تجمع العربُ بين اللغتين. قال الله تعالى: فَمَهِّلِ
الكافرين أَمْهِلْهُم رُوَيْداً. وقَدَرَ على عياله قَدْراً: مثل قَتَرَ.
وقُدِرَ على الإِنسان رِزْقُه قَدْراً: مثل قُتِرَ؛ وقَدَّرْتُ الشيء
تَقْدِيراً وقَدَرْتُ الشيء أَقْدُرُه وأَقْدِرُه قَدْراً من التقدير. وفي الحديث
في رؤية الهلال: صوموا لرؤيته وأَفطروا لرؤيته فإِن غُمَّ عليكم
فاقْدُرُوا له، وفي حديث آخر: فإِن غم عليكم فأَكملوا لعِدَّة؛ قوله: فاقْدُرُوا
له أَي قَدِّرُوا له عَدَدَ الشهر حتى تكملوه ثلاثين يوماً، واللفظان
وإن اختلفا يرجعان إِلى معنى واحد؛ وروي عن ابن شريح أَنه فسر قوله
فاقْدُرُوا له أَي قَدِّرُوا له منازلَ القمر فإِنها تدلكم وتبين لكم أَن الشهر
تسع وعشرون أَو ثلاثون، قال: وهذا خطاب لمن خصه الله تعالى بهذا العلم؛
قال: وقوله فأَكْمِلُوا العِدَّة خطاب العامَّة التي لا تحسن تقدير
المنازل، وهذا نظير النازلة تنزل بالعالِمِ الذي أَمر بالاجتهاد فيها وأَن لا
يُقَلِّدَ العلماء أَشكال النازلة به حتى يتبين له الصوب كما بان لهم،
وأَما العامة التي لا اجتهاد لها فلها تقليد أَهل العلم؛ قال: والقول الأَول
أَصح؛ وقال الشاعر إِياس بن مالك بن عبد الله المُعَنَّى:
كِلا ثَقَلَيْنا طامعٌ بغنِيمةٍ،
وقد قَدَر الرحمنُ ما هو قادِرُ
فلم أَرَ يوماً كانَ أَكثَرَ سالِباً
ومُسْتَلَباً سِرْبالَه لا يُناكِرُ
وأَكثَرَ مِنَّا يافِعاً يَبْتَغِي العُلى،
يُضارِبُ قِرْناً دارِعاً، وهو حاسِرُ
قوله: ما هو قادرُ أَي مُقَدِّرٌ، وثَقَلُ الرجل، بالثاء: حَشَمه ومتاع
بيته، وأَراد بالثَّقَل ههنا النساء أَي نساؤنا ونساؤهم طامعات في ظهور
كل واحد من الحَيَّيْنِ على صاحبه والأَمر في ذلك جار على قدر الرحمن.
وقوله: ومُسْتَلَباً سِرْبالَه لا يُناكِرُ أَي يُسْتَلَبُ سِرْبالَه وهو لا
يُنْكِرُ ذلك لأَنه مصروع قد قتل، وانتصب سرباله بأَنه مفعول ثان
لمُسْتَلَب، وفي مُسْتَلَب ضمير مرفوع به، ومن رفع سرباله جعله مرتفعاً به ولم
يجعل فيه ضميراً. واليافع: المُتَرَعْرِعُ الداخلُ في عَصْرِ شبابه.
والدارع: اللابس الدرع. والحاسر: الذي لا درع عليه.
وتَقَدَّر له الشيءُ أَي تهيأَ. وفي حديث الاستخارة: فاقْدُرْه لي
ويَسِّرْه عليّ أَي اقض لي به وهيئه. وقَدَرْتُ الشيء أَي هيأْته.
وقَدْرُ كل شيء ومِقْداره: مَبْلَغُه. وقوله تعالى: وما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِه؛ أَي ما عظموا الله حق تعظيمه، وقال الليث: ما وَصَفوه حق
صِفَتِه، والقَدَرُ والقَدْرُ ههنا بمعنى واحد، وقَدَرُ الله وقَدْرُه
بمعنًى، وهو في الأَصل مصدر.
والمِقْدارُ: الموتُ. قال الليث: المِقْدارُ اسم القَدْر إِذا بلغ
العبدُ المِقْدارَ مات؛ وأَنشد:
لو كان خَلْفَك أَو أَمامَك هائِباً
بَشَراً سِواكَ، لَهابَك المِقْدارُ
يعني الموت. ويقال: إِنما الأَشياء مقاديرُ لكل شيء مِقْدارٌ داخل.
والمِقْدار أَيضاً: هو الهِنْداز، تقول: ينزل المطر بمِقْدار أَي بقَدَرٍ
وقَدْرٍ، وهو مبلغ الشيء. وكل شيء مُقْتَدِرٌ، فهو الوَسَطُ. ابن سيده:
والمُقْتَدِر الوسط من كل شيء. ورجل مُقْتَدِرُ الخَلْق أَي وَسَطُه ليس
بالطويل والقصير، وكذلك الوَعِلُ والظبي ونحوهما. والقَدْرُ: الوسط من الرحال
والسروج ونحوهما؛ تقول: هذا سرجٌ قَدْرٌ، يخفف ويثقل. التهذيب: سَرْجٌ
قادرٌ قاترٌ، وهو الواقي الذي لا يَعْقِرُ، وقيل: هو بين الصغير والكبير.
والقَدَرُ: قِصَرُ العُنُق، قَدِرَ قَدَراً، وهو أَقدرُ؛ والأَقْدَر:
القصير من الرجال؛ قال صَخْرُ الغَيّ يصف صائداً ويذكر وُعُولاً قد وردت
لتشرب الماء:
أَرَى الأَيامَ لا تُبْقِي كريماً،
ولا الوَحْشَ الأَوابِدَ والنَّعاما
ولا عُصْماً أَوابِدَ في صُخُورٍ،
كُسِينَ على فَراسِنِها خِداما
أُتِيحَ لها أُقَيْدِرُ ذو حَشِيفٍ،
إِذا سامتْ على المَلَقاتِ ساما
معنى أُتيح: قُدّر، والضمير في لها يعود على العُصْم. والأُقَيْدِرُ:
أَراد به الصائد. والحَشيف: الثوب الخَلَقُ. وسامت: مَرَّتْ ومضت.
والمُلَقات: جمع مَلَقَةٍ، وهي الصخرة الملساء. والأَوابد: الوحوش التي
تأَبَّدَتْ أَي توحشت. والعُصْمُ: جمع أَعْصَمَ وعَصْماء: الوَعِلُ يكون بذراعيه
بياض. والخِدَام: الخَلاخِيلُ، وأَراد الخطوطَ السُّودَ التي في يديه؛
وقال الشاعر:
رأَوْكَ أُقَيْدِرَ حِنْزَقْرَةً
وقيل: الأَقْدَر من الرجال القصير العنق. والقُدَارُ: الرَّبْعَةُ من
الناس. أَبو عمرو: الأَقْدَرُ من الخَيل الذي إِذا سار وقعت رجلاه مواقع
يديه؛ قال رجل من الأَنصار، وقال ابن بري: هو عَدِيُّ بن خَرَشَةَ
الخَطْمِيُّ:
ويَكْشِفُ نَخْوَةَ المُخْتالِ عَنِّي
جُرَازٌ، كالعَقِيقَةِ، إِن لَقِيتُ
وأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهَوَاتِ ساطٍ
كُمَيْتٌ، لا أَحَقُّ ولا شَئِيتُ
النخوة: الكبر. والمختال: ذو الخيلاء. والجراز: السيف الماضي في
الضَّرِيبة؛ شبهه بالعقيقة من البرق في لَمَعانه. والصهوات: جمع صَهْوَة، وهو
موضع اللِّبْدِ من ظهر الفرس. والشئيب: الذي يَقْصُرُ حافرا رجليه عن
حافِرَي يديه بخلاف الأَقْدَرِ. والأَحَقُّ: الذي يُطَبِّقُ حافِرا رجليه
حافِرَيْ يديه، وذكر أَبو عبيد أَن الأَحَقَّ الذي لا يَعْرَقُ، والشَّئيتُ
العَثُور، وقيل: الأَقدر الذي يُجاوِزُ حافرا رجليه مَواقعَ حافِرَيْ
يديه؛ ذكره أَبو عبيد، وقيل: الأَقْدَرُ الذي يضع رجليه حيث ينبغي.
والقِدْرُ: معروفة أُنْثَى وتصغيرها قُدَيْرٌ، بلا هاء على غير قياس.
الأَزهري: القِدْرُ مؤنثة عند جميع العرب، بلا هاء، فإِذا صغرت قلت لها
قُدَيرة وقُدَيْر، بالهاء وغير الهاء، وأَما ما حكاه ثعلب من قول العرب ما
رأَيت قِدْراً غلا أَسْرَعَ منها فإِنه ليس على تذكير القِدْرِ ولكنهم
أَرادوا ما رأَيت شيئاً غلا؛ قال: ونظيره قول الله تعالى: لا يَحِلُّ لك
النساء من بَعْدُ؛ قال: ذكر الفعل لأَن معناه معنى شيء، كأَنه قال: لا يحل
لك شيء من النساء. قال ابن سيده: فأَما قراءة من قرأَ: فناداه الملائكة،
فإِنما بناه على الواحد عندي كقول العرب ما رأَيت قِدْراً غلا أَسْرَعَ
منها، ولا كقوله تعالى: لا يحل لك النساء من بعد، لأَن قوله تعالى: فناداه
الملائكة، ليس بجحد فيكون شيء مُقَدَّر فيه كما قُدِّرَ في ما رأَيت
قِدْراً غَلا أَسْرَعَ، وفي قوله: لا يحل لك النساء، وإِنما استعمل تقدير شيء
في النفي دون الإِيجاب لأَن قولنا شيء عام لجميع المعلومات، وكذلك النفي
في مثل هذا أَعم من الإِيجاب، أَلا ترى أَن قولك: ضربت كل رجل، كذب لا
محالةً وقولك: ما ضربت رجلاً قد يجوز أَن يكون صدقاً وكذباً، فعلى هذا
ونحوه يوجد النفي أَعم من الإِيجاب، ومن النفي قوله تعالى: لن يَنالَ اللهَ
لحومُها ولا دِماؤها، إِنما أَراد لن ينالَ اللهَ شيءٌ من لحومها ولا شيء
من دمائها؛ وجَمْعُ القِدْرِ قُدورٌ، لا يُكَسَّرُ على غير ذلك.
وقَدَرَ القِدْرَ يَقْدِرُها ويَقْدُرُها قَدْراً: طَبَخَها، واقْتَدَر
أَيضاً بمعنى قَدَرَ مثل طَبَخَ واطَّبَخَ. ومَرَقٌ مَقْدُور وقَدِيرُ
أَي مطبوخ. والقَدِيرُ: ما يطبخ في القِدْرِ، والاقتدارُ: الطَّبْخُ فيها،
ويقال: أَتَقْتَدِرُون أَم تَشْتَوُون. الليث: القديرُ ما طُبِخَ من
اللحم بتَوابِلَ، فإِن لم يكن ذا تَوابِلَ فهو طبيخ. واقْتَدَرَ القومُ:
طَبَخوا في قِدْرٍ. والقُدارُ: الطَّبَّاخُ، وقيل: الجَزَّارُ، وقيل
الجَزَّار هو الذي يلي جَزْرَ الجَزُور وطَبْخَها؛ قال مُهَلْهِلٌ:
إِنَّا لنَضْرِبُ بالصَّوارِم هامَها،
ضَرْبَ القُدارِ نَقِيعةَ القُدَّامِ
القُدَّام: جمع قادم، وقيل هو المَلِكُ. وفي حديث عُمَيْر مولى آبي
اللحم: أَمرني مولاي أَن أَقْدُرَ لحماً أَي أَطْبُخَ قِدْراً من لحم.
والقُدارُ: الغلام الخفيف الروح الثَّقِفُ اللَّقِفُ. والقُدارُ: الحية،
كل ذلك بتخفيف الدال. والقُدارُ: الثعبان العظيم.
وفي الحديث: كان يَتَقَدَّرُ في مرضه أَين أَنا اليومَ؛ أَي يُقَدِّرُ
أَيامَ أَزواجه في الدَّوْرِ علهن.
والقَدَرةُ: القارورةُ الصغيرة.
وقُدارُ بن سالِفٍ: الذي يقال له أَحْمَرُ ثمود عاقر ناقة صالح، عليه
السلام؛ قال الأَزهري: وقالت العرب للجَزَّارِ قُدارٌ تشبيهاً به؛ ومنه قول
مُهَلْهِل:
ضَرْبَ القُدارِ نَقِيعةَ القُدَّامِ
اللحياني: يقال أَقمت عنده قَدْرَ أَن يفعل ذلك، قال: ولم أَسمعهم
يطرحون أَن في المواقيت إِلا حرفاً حكاه هو والأَصمعي، وهو قولهم: ما قعدت
عنده الاَّ رَيْثَ أَعْقِد شِسْعي. وقَيْدارٌ: اسم.
شوه: رجل أَشْوَهُ: قبيحُ الوجهِ. يقال: شاهَ وجْهُه يَشُوه، وقد
شوَّهَه اللهُ عز وجل، فهو مُشَوَّه؛ قال الحُطيْئة:
أَرى ثَمَّ وَجْهاً شَوَّهَ اللهُ خَلْقَه،
فقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ، وقُبِّحَ حامِلُهْ
شاهَت الوجوهُ تَشُوهُ شَوْهاً: قَبُحَت. وفي حديث النبي، صلى الله عليه
وسلم: أَنه رَمى المُشْرِكينَ يومَ حُنَيْنٍ بكفٍّ مِنْ حَصىً وقال
شاهَت الوجوه، فهَزَمَهم الله تعالى؛ أَبو عمرو: يعني قَبُحَت الوُجوهُ. ورجل
أَشْوَهُ وامرأَة شَوْهاء إذا كانت قَبيحةً، والاسم الشُّوهَة. ويقال
للخُطْبة التي لا يُصَلَّى فيها على النبي، صلى الله عليه وسلم: شَوْهاء.
وفيه: قال لابن صَيّادٍ: شَاهَ الوَجْهُ. وتَشَوَّه له أَي تنَكَّر له
وتغَوَّل. وفي الحديث: أَنه قال لصَفْوان بن المُعَطَّل حين ضرَبَ حَسَّانَ
بالسيف: أَتَشَوَّهْتَ على قومي أَنْ هَداهُم الله للإسلام أَي
أَتنَكَّرْتَ وتقَبَّحْتَ لهم، وجعلَ الأَنصارَ قومَه لنُصْرَتِهم إياه. وإنه
لَقبيح الشَّوَهِ والشُّوهةِ؛ عن اللحياني، والشَّوْهاءُ: العابِسةُ، وقيل:
المَشْؤومَةُ، والإسمُ منها الشَّوَهُ. والشَّوَهُ: مصدرُ الأَشْوَه
والشَّوْهاء، وهما القبيحا الوجهِ والخِلْقة. وكل شيء من الخَلْق لا يُوافِق
بعضُه بعضاً أَشْوَهُ ومُشَوَّه. والمُشَوَّهُ أَيضاً: القبيحُ العَقلِِ،
وقد شاهَ يَشُوهُ شَوْهاً وشُوهةً وشَوِهَ شَوَهاً فيهما. والشُّوهةُ:
البُعْدُ، وكذلك البُوهةُ. يقال: شُوهةً وبُوهةً، وهذا يقال في الذم.
والشَّوَه: سُرعةُ الإصابَةِ بالعين، وقيل: شدَّةُ الإِصابةِ بها، ورجل
أَشْوَه. وشاهَ مالَه: أَصابَه بعين؛ هذه عن اللحياني. وتَشَوَّه: رَفَع طَرْفه
إليه ليُصِيبَه بالعين. ولا تُشَوِّهْ عليَّ ولا تَشَوَّه عليّ أَي لا
تَقُل ما أَحْسَنَهُ فتُصِيبَني بالعين، وخَصَّصه الأَزهري فروى عن أَبي
المكارم: إذا سَمِعْتَني أَتكلم فلا تُشَوِّه عليّ أَي لا تَقُلْ ما
أَفْصَحَكَ فتُصِيبَني بالعين. وفلانٌ يتَشوَّهُ أَموالَ الناسِ ليُصيبَها
بالعين. الليث: الأَشْوَهُ السريعُ الإصابة بالعين، والمرأَةُ شَوْهاء. أَبو
عمرو: إن نَفْسَهُ لتَشُوهُ إلى كذا أَي تَطْمَح إِليه. ابن بُزُرْج:
يقال رجل شَيُوهٌ، وهو أَشْيَهُ الناسِ، وإِنه يَشُوهُه ويَشِيهُه أَي
يَعِينُه. اللحياني: شُهْتُ مالَ فلانٍ شَوْهاً إِذا أَصَبْته بعَيْني. ورجل
أَشْوَهُ بَيِّنُ
الشَّوَهِ وامرأَةٌ شَوْهاءُ إِذا كانت تُصِيبُ الناسَ بعَيْنها
فتَنْفُذُ عَيْنُها. والشائِِهُ: الحاسدُ، والجمع شُوَّهٌ؛ حكاه اللحياني عن
الأَصمعي. وشاهَهُ شَوْهاً: أَفزعه؛ عن اللحياني، فأَنا أَشُوهُه شَوْهاً.
وفرس شَوْهاء، صفةٌ محمودةٌ فيها: طويلةٌ رائِعة مُشْرِفةٌ، وقيل: هي
المُفْرِطةُ رُحْب الشِّدْقَيْنِ والمَنْخَرَيْنِ، ولا يقال فرس أَشْوَهُ
إِنما هي صفة للأُنثى، وقيل: فرس شَوْهاء وهي التي رأْسها طُول وفي
مَنْخَرَيْها وفَمِها سَعةٌ. والشَّوْهاء: القبيحةُ. والشَّوْهاءُ: المَلِيحةُ
والشَّوْهاء: الواسِعةُ الفم. والشَّوْهاء: الصغيرةُ الفم؛ قال أَبو دواد
يصف فرساً:
فهْيَ شَوْهاءُ كالجُوالِق، فُوها
مُسْتَجافٌ يَضِلُّ فيه الشَّكِيمُ
قال ابن بري: والشَّوْهاء فرسُ حاجب بن زُرارة؛ قال بِشْرُ بن أَبي
خازم:وأَفْلَتَ حاجِبٌ تحْتَ العَوالي،
على الشَّوْهاء، يَجْمَحُ في اللِّجام
وفي حديث ابن الزبير: شَوَّه اللهُ حُلُوقَكمْ أَي وَسَّعها. وقيل:
الشَّوْهاءُ من الخَيْل الحَديدةُ
الفُؤادِ، وفي التهذيب: فرس شَوْهاء إِذا كانت حَديدةَ البصر، ولا يقال
للذكر أَشْوَهُ؛ قال: ويقال هو الطويل إِذا جُنِّبَ. والشَّوَهُ: طُولُ
العُنُقِ وارتفاعُها وإِشرافُ الرأْسِ، وفرسٌ أَشْوَهُ. والشَّوَهُ:
الحُسْنُ. وامرأَة شَوْهاء: حَسنَةٌ، فهو ضدٌّ؛ قال الشاعر:
وبِجارةٍ شَوْهاءَ تَرْقُبُني،
وحَماً يَظَلُّ بمَنْبِذِ الحِلْسِ
وروي عن مُنْتَجِع بن نَبْهان أَنه قال: امرأَة شَوْهاءُ إِذا كانت
رائعةً حَسَنةً. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال بَيْنا أَنا
نائمٌ رأَيتُني في الجَنَّة فإِذا امرأَةٌ شَوْهاءُ إِلى جَنْبِ
قصرٍ، فقلت: لِمَنْ هذا القصر؟ قالوا: لعُمَرَ.
ورجل شائه البصر وشاهٍ: حديدُ البصرِ، وكذلك شاهي البصرِ.
والشاةُ: الواحد من الغنم، يكون للذكر، والأُنثى، وحكى سيبويه عن
الخليل: هذا شاةٌ بمنزلة هذا رحمةٌ من ربي، وقيل: الشاةُ تكون من الضأْن
والمَعز والظَّباءِ والبَقَر والنعامِ وحُمُرِ الوحش؛ قال الأَعشى:
وحانَ انْطِلاقُ الشّاةِ من حَيْثُ خَيَّما
الجوهري: والشاةُ الثَّوْرُ الوَحْشِيّ، قال: ولا يقال إِلا للذكر،
واستشهد بقول الأَعشى من حيث خَيَّما؛ قال: وربما شَبَّهوا به المرأَة
فأَنثوه كما قال عنترة:
يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ له
حَرُِمَتْ عليَّ، ولَيْتَها لم تَحْرُمِ
فأَنتها؛ وقال طرفة:
مُوَلَّلتانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فيهما
كسامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ
قال ابن بري: ومثله للبيد:
أَو أَسْفَع الخَدَّيْنِ شاة إِرانِ
وقال الفرزدق:
تَجُوبُ بيَ الفَلاةَ إِلى سَعيدٍ،
إِذا ما الشاةُ في الأَرْطاةِ قالا
والرواية:
فوَجَّهْتُ القَلُوصَ إِلى سعيدٍ
وربما كُنِيَ بالشاة عن المرأَة أَيضاً؛ قال الأَعشى:
فَرمَيْتُ غُفْلَةَ عَيْنِه عن شاتِه،
فأَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبها وطِحالَها
ويقال للثور الوحشي: شاةٌ. الجوهري: تشَوَّهْتُ شاةٌ إِذا اصْطَدْته.
والشاةُ: أَصلها شاهَةٌ، فحذفت الهاء الأَصلية وأُثبتت هاء العلامة التي
تَنْقلِبُ تاءَ في الإِدْراج، وقيل في الجمع شِيَاهٌ كما قالوا ماء،
والأَصل ماهَة وماءة، وجمعوها مِياهاً. قال ابن سيده: والجمع شاءٌ، أَصله شاهٌ
وشِياهٌ وشِوَاهٌ وأَشاوِهُ وشَوِيٌّ وشِيْهٌ وشَيِّهٌ كسَيِّدٍ،
الثلاثةُ اسمٌ للجمع، ولا يجمع بالأَلف والتاء كان جنساً أَو مسمى به، فأَما
شِيْه فعلى التوفية، وقد يجوز أَن يكون فُعُلاً كأَكَمةٍ وأُكُمٍ شُوُهٌ، ثم
وقع الإِعلال بالإِسكان، ثم وقع البدل للخفة كعِيدٍ فيمن جعله فُعْلاً،
وأَما شَوِيٌّ فيجوز أَن يكون أَصله شَوِيهٌ على التوفية، ثم وقع البدل
للمجانسة لأَن قبلها واواً وياءً، وهما حرفا علة، ولمشاكلة الهاء الياء،
أَلا ترى أَن الهاء قد أُبدلت من الياء فيما حكاه سيبويه من قولهم: ذِهْ
في ذِي؟ وقد يجوز أَن يكون شَوِيٌّ على الحذف في الواحد والزيادة في
الجمع، فيكون من باب لأْآلٌ في التغيير، إِلاَّ أَن شَوِيّاً مغير بالزيادة
ولأْآلٍ بالحذف، وأَما شَيِّهٌ فَبيِّنٌ أَنه شَيْوِهٌ، فأُبدلت الواو ياءً
لانكسارها ومجاورَتها الياء. غيره: تصغيره شُوَيْهة، والعدد شِياهٌ،
والجمع شاءٌ، فإِذا تركوا هاء التأْنيث مدّوا الأَلف، وإِذا قالوها بالهاء
قصروا وقالوا شاةٌ، وتجمع على الشَّوِيِّ. وقال ابن الأَعرابي: الشاءُ
والشَّويُّ والشَّيِّهُ واحدٌ؛ وأَنشد:
قالتْ بُهَيَّةُ: لا يُجاوِرُ رَحْلَنا
أَهلُ الشَّوِيِّ، وعابَ أَهلُ الجامِلِ
(* قوله «لا يجاور رحلنا أهل الشويّ وعاب إلخ» هكذا في الأصل يجاور
بالراء، وعاب بالعين المهملة. وفي شرح القاموس: لا يجاوز بالزاي).
ورجل كثيرُ
الشاةِ والبعير: وهو في معنى الجمع لأَن الأَلف واللام للجنس. قال:
وأَصل الشاة شاهَةٌ لأَن تصغيرها شُوَيْهة. وذكر ابن الأَثير في تصغيرها
شُوَيَّةٌ، فأَما عينها فواو، وإِنما انقلبت في شِياهٍ لكسرة الشين، والجمعُ
شِياهٌ بالهاء أَدنى في العدد، تقول ثلاثُ شِياهٍ إِلى العشر، فإِذا
جاوَزْتَ فبالتاء، فإِذا كَثَّرْتَ قلت هذه شاءٌ كثيرة. وفي حديث سوادَةَ
بنِالرَّبيع: أَتَيْتُه بأُمِّي فأَمَر لها بشِياهِ غنمٍ. قال ابن الأَثير:
وإِنما أَضافها إلى الغنم لأَن العرب تسمي البقرة الوحشية شاة فميزها
بالإِضافة لذلك، وجمعُ الشاءِ شَوِيٌّ. وفي حديث الصدقة: وفي الشَّوِيِّ
في كل أَربعين واحدة؛ الشَّوِيُّ: اسم جمع للشاة، وقيل: هو جمع لها نحو
كلْبٍ وكَلِيبٍ، ومنه كتابُه لقَطَنِ بن ِ حارثة: وفي الشَّوِيِّ الوَرِيِّ
مُسِنَّة. وفي حديث ابن عمر: أَنه سئل عن المُتَعة أَيُجْزئُ فيها
شاةٌ، فقال: ما لي وللشَّوِيِّ أَي الشَّاءِ، وكان مذهبه أَن المتمتع بالعمرة
إِلى الحج تجب عليه بدنة. وتَشَوَّه شاةً: اصْطادَها. ورجل شاوِيٌّ:
صاحبُ شاء؛ قال:
ولَسْتُ بشاويٍّ عليه دَمامَةٌ،
إِذا ما غَدَا يَغْدُو بقَوْسٍ وأَسْهُمِ
وأَنشد الجوهري لمُبَشِّرِ بن هُذَيْلٍ الشَّمْخِيِّ:
ورُبَّ خَرْقٍ نازحٍ فَلاتُهُ،
لا يَنْفَعُ الشاوِيَّ فيها شاتُهُ
ولا حِماراهُ ولا عَلاتُهُ،
إِذا عَلاها اقْتَرَبَتْ وفاتُهُ
وإِن نسبت إِليه رجلاً قلت شائيٌّ، وإِن شئتَ شاوِيٌّ، كما تقول
عَطاوِيٌّ؛ قال سيبويه: هو على غير قياس، ووجه ذلك أَن الهمزة لا تنقلب في حَدِّ
النسب واواً إِلاَّ أَن تكون همزة تأْنيث كحمراء ونحوه، أَلا ترى أَنك
تقول في عَطاءٍ عَطائيٌّ؟ فإِن سميت بشاءٍ فعلى القياس شائيٌّ لا غير.
وأَرض مَشاهَةٌ: كثيرة الشاء، وقيل: ذاتُ شاءٍ، قَلَّتْ أَم كثرت، كما يقال
أَرض مأْبَلةٌ، وإِذا نسبت إِلى الشاة قلت شاهِيٌّ. التهذيب: إِذا نسبوا
إِلى الشاء قيل رجل شاوِيٌّ؛ وأَما قول الأَعشى يذكر بعض الحُصُون:
أَقامَ به شاهَبُورَ الجُنو
دَ حَوْلَيْنِ تَضْرِبُ فيه القُدُمْ
فإِنما عنى بذلك سابُورَ المَلِكَ، إِلا أَنه لما احتاج إِلى إِقامة وزن
الشعر رَدَّه إِلى أَصله في الفارسية، وجعل الاسمين واحداً وبناه على
الفتح مثل خمسة عشر؛ قال ابن بري: هكذا رواه الجوهري شاهَبُورَ، بفتح
الراء، وقال ابن القطاع: شاهبورُ الجنودِ، برفع الراء والإِضافة إِلى الجنود،
والمشهور شاهبورُ الجُنودَ، برفع الراء ونصب الدال، أَي أَقام الجنودَ
به حولين هذا المَلِكُ. والشاهُ، بهاء أَصلية: المَلِكُ، وكذلك الشاه
المستعملة في الشِّطْرَنْجِ، هي بالهاء الأَصلية وليست بالتاء التي تبدل منها
في الوقف الهاء لأَن الشاة لا تكون من أَسماء الملوك. والشاهُ: اللفظةُ
المستعملة في هذا الموضع يُراد بها المَلِكُ، وعلى ذلك قولهم شَهَنْشاهْ،
يراد به ملِك الملوك؛ قال الأَعشى:
وكِسْرى شَهَنْشاهُ الذي سارَ مُلْكُه
له ما اشْتَهى راحٌ عَتيقٌ وزَنْبَقُ
قال أَبو سعيد السُّكَّرِيُّ في تفسير شَهَنْشاه بالفارسية: إِنه مَلِكُ
المُلوك، لأَن الشاهَ المَلِكُ، وأَراد شاهانْ شاه؛ قال ابن بري: انقضى
كلام أَبي سعيد، قال: وأَراد بقوله شاهانْ شاهّْ أَن الأَصل كان كذلك،
ولكن الأَعشى حذف الأَلفين منه فبقي شَهَنْشاه، والله أَعلم.