ود بطَبَرِسْتَانَ، وكورَةٌ بالأَنْدَلُسِ،
أو هي: وَيْمِيَةُ.
جفر: الجَفْرُ: من أَولاد الشاء إِذا عَظُمَ واستكرشَ، قال أَبو عبيد:
إِذا بلغ ولد المعزى أَربعة أَشهر وجَفَرَ جَنْبَاه وفُصِلَ عن أُمه
وأَخَذَ في الرَّعْي، فهو جَفْرٌ، والجمع أَجْفَار وجِفَار وجَفَرَةٌ،
والأُنثى جَفْرَةٌ؛ وقد جَفَرَ واسْتَجفَرَ؛ قال ابن الأَعرابي: إِنما ذلك
لأَربعة أَشهر أَو خمسة من يوم ولد. وفي حديث عمر: أَنه قضى في اليَرْبُوع
إِذا قتله المحرم بجَفْرَةٍ؛ وفي رواية: قضى في الأَرنب يصيبها المحرم
جَفْرَةً. ابن الأَعرابي: الجَفْرُ الجَمَلُ الصغير والجَديُ بعدما يُفْطَمُ
ابن ستة أَشهر. قال: والغلام جَفْرٌ.
ابن شميل: الجَفْرَةُ العَناق التي شَبِعَتْ من البَقْلِ والشجر واستغنت
عن أُمِّها، وقد تَجَفَّرَتْ واسْتَجْفَرَتْ. وفي حديث حليمة ظَئِرَ
النبي، صلى الله عليه وسلم، قالت: كان يَشِبُّ في اليوم شَبَابَ الصبي في
الشهر فبلغ ستّاً وهو جَفرٌ. قال ابن الأَثير: اسْتَجْفَر الصَّبيُّ إِذا
قوي على الأَكل. وفي حديث أَبي اليَسَرِ: فخرج
(* قوله «فخرج إِلخ» كذا
بضبط القلم في نسخة من النهاية يظن بها الصحة والعهدة عليها). إِليَّ ابنٌ
له جَفْرٌ. وفي حديث أُم زرع: يكفيه ذراعُ الجَفْرَةِ؛ مدحته بقلة
الأَكل. والجَفْرُ: الصبي إِذا انتفخ لحمه وأَكل وصارت له كرش، والأُنثى
جَفْرَةٌ، وقد استَجْفَر وتَجَفَّرَ. والمُجْفَرُ: العظيم الجنبين من كل شيء.
واسْتَجْفَرَ إِذا عظم؛ حكاه شمر وقال: جُفْرَةُ البطن باطِنُ
المُجْرَئِشِّ.
والجُفْرَةُ: جَوْفُ الصدر، وقيل: ما يجمع البطن والجنبين، وقيل: هو
مُنحَنَى الضلوع، وكذلك هو من الفرس وغيره، وقيل: جُفْرَةُ الفرس وسَطُه،
والجمع جُفَرٌ وجِفَارٌ. وجُفْرَةُ كل شيء: وسطه ومعظمه. وفَرَسٌ مُجْفَرٌ
وناقة مُجْفَرَة أَي عظيمة الجُفْرةِ، وهي وسطه؛ قال الجَعْدِيُّ:
فَتَآيا بِطَرِير مُرْهَفٍ
جُفْرَةَ المَحْزِمِ مِنْهُ فَسَعَلْ
والجُفْرَةُ: الحُفْرَةُ الواسعة المستديرة. والجُفَرُ: خُروق الدعائم
التي تحفر لها تحت الأَرض. والجَفْرُ: البئر الواسعة التي لم تُطْوَ،
وقيل: هي التي طوي بعضها ولم يطو بعض، والجمع جِفَارٌ؛ ومنه جَفْرُ
الهَبَاءَةِ، وهو مُسْتَنْقَع ببلاد غَطَفَان. والجُفْرَةُ، بالضم: سَعَةٌ في
الأَرض مستديرة، والجمعُ جِفَارٌ مثل بُرْمَةٍ وبرام، ومنه قيل للجوف:
جُفْرةٌ. وفي حديث طلحة: فوجدناه في بعض تلك الجِفَارِ، وهو جمع جُفْرة، بالضم.
وفي الحديث ذكر جُفرة، بضم الجيم وسكون الفاء، جفرة خالد من ناحية
البصرة تنسب إِلى خالد بن عبدالله بن أَسِيدٍ، لها ذكر في حديث عبد الملك بن
مروان.
والجَفِيرُ: جَعْبَة من جلود لا خشب فيها أَو من خشب لا جلد فيها.
والجَفِيرُ أَيضاً: جَعْبَةٌ من جلود مشقوقة في جنبها، يُفعل ذلك بها ليدخلها
الريح فلا يأْتكل الريش. الأَحمر: الجَفِير والجَعْبَةُ الكِنَانة.
الليث: الجَفِير شبه الكنانة إِلا أَنه واسعٌ أَوسعُ منها يجعل فيه نُشَّابٌ
كثير. وفي الحديث: من اتخذ قوساً عربية وجَفِيرَها نفى الله عنه الفقر؛
الجَفير: الكنانة والجَعْبة التي تجعل فيها السهام، وتخصيصُ القِسِيِّ
العربية كراهيةَ زِيِّ العجم.
وجَفَرَ الفحلُ يَجْفُر، بالضم، جُفُوراً: انقطع عن الضِّراب وقَلَّ
ماؤه، وذلك إِذا أَكثر الضراب حتى حَسَرَ وانقطع وعَدَلَ عنه. ويقال في
الكبش: رَبَضَ ولا يقال جَفَرَ. ابن الأَعرابي: أَجْفَرَ الرجلُ وجَفَرَ
وجَفَّرَ واجْتَفَرَ إِذا انقطع عن الجماع، وإِذا ذَلَّ قيل: قد اجْتَفَرَ.
وأَجْفَرَ الرجلُ عن المرأَة: انقطع. وجَفَّرَه الأَمرُ عنه: قَطَعَه؛ عن
ابن الأَعرابي، وأَنشد:
وتُجْفِروا عن نساء قَدْ تَحِلُّ لَكُمْ،
وفي الرُّدَيْنِيِّ والْهِنْدِيِّ تَجْفِيرُ
أَي أَن فيهما من أَلم الجراح ما يُجَفِّرُ الرجلَ عن المرأَة، وقد يجوز
أَن يعني به إِماتتهما إِياهم لأَنه إِذا مات فقد جَفَرَ.
وطعام مَجْفَرٌ ومَجْفَرَةٌ؛ عن اللحياني: يقطع عن الجماع. ومن كلام
العرب: أَكلُ البِطِّيخ مَجْفَرَةٌ. وفي الحديث أَنه قال لعثمان بن مظعون:
عليك بالصوم فإِنه مَجْفَرَةٌ؛ أَي مَقْطَعَةٌ للنكاح. وفي الحديث أَيضاً:
صُوموا وَوَفِّرُوا أَشْعاركم
(* قوله: «ووفروا أشعاركم» يعني شعر
العانة. وفي رواية فإِنه أَي الصوم مجفر، بصيغة اسم الفاعل من أجفر، وهذا أَمر
لمن لا يجد أهبة النكاح من معشر الشباب، كذا بهامش النهاية). فإِنها
مَجْفَرَةٌ. قال أَبو عبيد: يعني مَقْطَعَة للنكاح ونقصاً للماء. ويقال
للبعير إِذا أَكثر الضراب حتى ينقطع: قد جَفَرَ يَجْفِرُ جُفُوراً، فهو جافر؛
وقال ذو الرمة في ذلك:
وقد عَارَضَ الشِّعْرى سُهَيْلٌ، كَأَنَّهُ
قَرِيعُ هَجانٍ، عَارَضَ الشَّوْلَ جَافِرُ
وفي حديث عليّ، كرم الله وجهه: أَنه رأَى رجلاً في الشمس فقال: قُمْ
عنها فإِنها مَجْفَرَةٌ أَي تُذْهِبُ شهوة النكاح. وفي حديث عمر، رضي الله
عنه: إِياكم وَنَوْمَةَ الغَدَاةِ فإِنها مَجْفَرَةٌ؛ وجعله القتيبي من
حديث علي، كرم الله وجهه.
والمُجْفِرُ: المتغير ريح الجسد. وفي حديث المُغِيرةِ: إِياكم وكلَّ
مُجْفِرَةٍ أَي مُتَغَيِّرة رِيحِ الجسد، والفعل منه أَجْفَر. قال: ويجوز
أَن يكون من قولهم امرأَة مُجْفِرَةُ الجنين أَي عظيمتهما. وجَفَرَ
جَنْبَاهُ إِذا اتَّسَعَا، كأَنه كَرِهَ السِّمَنَ. وقال أَبو حنيفة:
الكَنَهْبَلُ صِنْفٌ من الطَّلْحِ جَفْرٌ.
قال ابن سيده: أُراه عَنَى به قبيح الرائحة من النبات. الفراء: كنت
آتيكم فَقَد أَجْفَرْتُكم أَي تركت زيارتكم وقطعتها. ويقالُ: أَجْفَرْتُ ما
كنتُ فيه أَي تركته. وأَجْفَرْتُ فلاناً: قطعته وتركت زيارته. وأَجْفَرَ
الشيءُ: غاب عنك. ومن كلام العرب: أَجْفَرَنا هذا الذئبُ فما حَسَسْناه
منذ أَيام. وفعلتُ ذلك من جَفْرِ كذا
(* قوله: «من جفر كذا إلخ» بفتح فسكون
وبالتحريك وجفرة كذا بفتح فسكون كل ذلك عن ابن دريد أفاده شارح
القاموس). أَي من أَجله. ويقال للرجل الذي لا عقل له: إِنه لَمُنْهَدِمُ الحال
ومُنْهَدِمُ الجَفْرِ.
والجُفُرَّى والكُفُرَّى: وِعاء الطلع.
وإِبِلٌ جِفَارٌ إِذا كانت غِزاراً، شبهت بِجِفَارِ الرَّكابا.
والجُفُرَّاء والجُفُرَّاةُ: الكافور من النخل؛ حكاهما أَبو حنيفة.
وجَيْفَرٌ ومُجَفَّر: اسمان: والجَفْرُ: موضع بنجد. والجِفَارُ: موضع،
وقيل: هو ماء لبني تميم، قال: ومنه يوم الجِفَارِ؛ قال الشاعر:
وَيَوْمُ الجِفَارِ وَيَوْمُ النِّسا
رِ كانا عَذَاباً، وكانا غَرَامَا
أَي هلاكاً. والجَفَائِرُ: رمال معروفة؛ أَنشد الفارسي:
أَلِمَّا على وَحْشِ الجَفَائِر فانْظُرا
إِليها، وإِنْ لم تُمْكِنِ الوَحْشُ رامِيَا
والأَجْفَرُ: موضع.
جير: جَيْرِ: بمعنى أَجَلْ؛ قال بعض الأَغفال:
قَالَتْ: أَراكَ هارِباً لِلْجَوْرِ
مِنْ هَدَّةِ السُّلْطانِ؟ قُلْتُ: جَيْرِ
قال سيبويه: حركوه لالتقاء الساكنين وإِلا فحكمه السكون لأَنه كالصوت.
وجَيْرِ: بمعنى اليمين، يقال: جَيْرِ لا أَفعل كذا وكذا. وبعضهم يقول:
جَيْرَ، بالنصب، معناها نَعَمْ وأَجَلْ، وهي خفض بغير تنوين. قال الكسائي في
الخفض بلا تنوين. شمر: لا جَيْرِ لا حَقّاً. يقال: جَيْرِ لا أَفعل ذلك
ولا جَيْر لا أَفعل ذلك، وهي كسرة لا تنتقل؛ وأَنشد:
جَامِعُ قَدْ أَسْمَعْتَ مَنْ يَدْعُو جَيْرِ،
وَلَيْسَ يَدْعُو جَامِعٌ إِلى جَيْرِ
قال ابن الأَنباري: جَيْرِ يوضع موضع اليمين. الجوهري: قولهم جَيْرِ لا
آتيك، بكسر الراء، يمين للعرب ومعناها حقّاً؛ قال الشاعر:
وقُلْنَ عَلى الفِرْدَوْسِ أَوَّلَ مَشْرَبٍ:
أَجَلْ جَيْرِ أَنْ كَانَتْ أُبِيحَتْ دَعاثِرُهْ
والجَيَّارُ: الصَّارُوجُ. وقد جَيَّرَ الحوضَ؛ قال الشاعر:
إِذا ما شَتَتْ لَمْ تَسْتُرِيها، وإِنْ تَقِظْ
تُباشرْ بِصُبْحِ المازِنِيِّ المُجَيَّرا
(* قوله: «إِذا ما شئت إلخ» كذا في الأصل).
ابن الأَعرابي: إِذا خُلط. الرَّمادُ بالنُّورَةِ والجِصِّ فهو
الجَيَّارُ؛ وقال الأَخطل يصف بيتاً:
بحُرَّةَ كأَتانِ الضَّحْلِ أَضْمَرَهَا،
بَعْدَ الرَّبالَةِ، تَرْحالي وتَسْيَارِي
كأَنها بُرْجُ رُومِيٍّ يُشَيِّدُهُ،
لُزَّ بِطِينٍ وآجُرٍّ وجَيَّارِ
والهاء في كأَنها ضمير ناقته، شبهها بالبرج في صلابتها وقُوَّتها.
والحُرَّةُ: الناقة الكريمة. وأَتانُ الضَّحْلِ: الصخرة العظيمة
المُلَمْلَمَةُ. والضحك: الماء القليل. والرَّبالة: السِّمَن.
وفي حديث ابن عمر: أَنه مر بصاحب جِير قد سقط فأَعانه؛ الجِيرُ: الجِصُّ
فإِذا خلط بالنورة فهو الجَيَّارُ، وقيل: الجَيَّار النورة وحدها.
والجَيَّارُ: الذي يجد في جوفه حَرّاً شديداً. والجائِرُ والجَيَّارُ:
حَرٌّ في الحَلْقِ والصَّدْرِ من غيظ أَو جوع؛ قال المُتَنَخِّلُ
الهُُذَلِيُّ، وقيل: هو لأَبي ذؤيب:
كأَنما بَيْنَ لَحْيَيْهِ ولَبَّتِهِ،
مِن جُلْبَةِ الجُوعِ، جَيَّارٌ وإِرْزِيزُ
وفي الصحاح:
قَدْ حَالَ بَيْنَ تَراقِيهِ ولَبَّتِهِ
وقال الشاعر في الجائر:
فَلَمَّا رأَيتُ القَوْمَ نادَوْا مُقاعِساً،
تَعَرَّضَ لِي دونَ التَّرائبِ جَائرُ
قال ابن جني: الظاهر في جَيَّارٍ أَن يكون فَعَّالاً كالكَلاَّءِ
والجَبَّانِ؛ قال: ويحتمل أَن يكون فَيْعالاً كخَيْتامٍ وأَن يكون فَوْعالاً
كَتَوْرابٍ. والجَيَّارُ: الشِّدَّةُ؛ وبه فسر ثعلب بيت المتنخل الهذلي
جَيَّارٌ وإِرْزِيزُ.
جنن: جَنَّ الشيءَ يَجُنُّه جَنّاً: سَتَره. وكلُّ شيء سُتر عنك فقد
جُنَّ عنك. وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه جَنّاً وجُنوناً وجَنَّ عليه يَجُنُّ،
بالضم، جُنوناً وأَجَنَّه: سَتَره؛ قال ابن بري: شاهدُ جَنَّه قول الهذلي:
وماء ورَدْتُ على جِفْنِه،
وقد جَنَّه السَّدَفُ الأَدْهَمُ
وفي الحديث: جَنَّ عليه الليلُ أَي ستَره، وبه سمي الجِنُّ لاسْتِتارِهم
واخْتِفائهم عن الأبصار، ومنه سمي الجَنينُ لاسْتِتارِه في بطنِ أُمِّه.
وجِنُّ الليل وجُنونُه وجَنانُه: شدَّةُ ظُلْمتِه وادْلِهْمامُه، وقيل:
اختلاطُ ظلامِه لأَن ذلك كلَّه ساترٌ؛ قال الهذلي:
حتى يَجيء، وجِنُّ الليل يُوغِلُه،
والشَّوْكُ في وَضَحِ الرِّجْلَيْن مَرْكوزُ.
ويروى: وجُنْحُ الليل؛ وقال دريد بن الصَِّمَّة بن دنيان
(* قوله
«دنيان») كذا في النسخ. وقيل هو لِخُفافِ بن نُدْبة:
ولولا جَنانُ الليلِ أَدْرَكَ خَيْلُنا،
بذي الرِّمْثِ والأَرْطَى، عياضَ بنَ ناشب.
فَتَكْنا بعبدِ اللهِ خَيْرِ لِداتِه،
ذِئاب بن أَسْماءَ بنِ بَدْرِ بن قارِب.
ويروى: ولولا جُنونُ الليل أَي ما سَتَر من ظلمته. وعياضُ بن جَبَل: من
بني ثعلبة بن سعد. وقال المبرد: عياض بن ناشب فزاري، ويروى: أَدرَك
رَكْضُنا؛ قال ابن بري: ومثله لسَلامة بن جندل:
ولولا جَنانُ الليلِ ما آبَ عامرٌ
إلى جَعْفَرٍ، سِرْبالُه لم تُمَزَّقِ.
وحكي عن ثعلب: الجَنانُ الليلُ. الزجاج في قوله عز وجل: فلما جَنَّ عليه
الليلُ رأَى كَوْكباً؛ يقال جَنَّ عليه الليلُ وأَجَنَّه الليلُ إذا
أَظلم حتى يَسْتُرَه بظُلْمته. ويقال لكل ما سَتر: جنَّ وأَجنَّ. ويقال:
جنَّه الليلُ، والاختيارُ جَنَّ عليه الليلُ وأَجَنَّه الليل: قال ذلك أَبو
اسحق. واسْتَجَنَّ فلانٌ إذا استَتَر بشيء. وجَنَّ المَيّتَ جَنّاً
وأَجَنَّه: ستَره؛ قال وقول الأَعشى:
ولا شَمْطاءَ لم يَتْرُك شَفاها
لها من تِسْعةٍ، إلاّع جَنينا.
فسره ابن دريد فقال: يعني مَدْفوناً أَي قد ماتوا كلهم فَجُنُّوا.
والجَنَنُ، بالفتح: هو القبرُ لسَتْرِه الميت. والجَنَنُ أَيضاً: الكفَنُ
لذلك. وأَجَنَّه: كفَّنَه؛ قال:
ما إنْ أُبالي، إذا ما مُتُّ،ما فعَلوا:
أَأَحسنوا جَنَني أَم لم يُجِنُّوني؟
أَبو عبيدة: جَنَنْتُه في القبر وأَجْنَنْتُه أَي وارَيتُه، وقد أَجنَّه
إذا قبَره؛ قال الأََعشى:
وهالِك أَهلٍ يُجِنُّونَه،
كآخَرَ في أَهْلِه لم يُجَنُّ.
والجَنينُ: المقبورُ. وقال ابن بري: والجَنَنُ الميت؛ قال كُثَيّر:
ويا حَبَّذا الموتُ الكريهُ لِحُبِّها
ويا حَبَّذا العيْشُ المُجمّلُ والجَنَنْ
قال ابن بري: الجَنَنُ ههنا يحتمل أَن يراد به الميتُ والقبرُ. وفي
الحديث: وَليَ دَفْنَ سَيّدِنا رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، وإِجْنانَه
عليٌّ والعباسُ، أَي دَفْنه وسَتْرَه. ويقال للقبر الجَنَنُ، ويجمع على
أَجْنانٍ؛ ومنه حديث علي، رضي الله عنه: جُعِل لهم من الصفيح أَجْنانٌ.
والجَنانُ، بالفتح: القَلْبُ لاستِتاره في الصدر، وقيل: لِوَعْيه الأَشْياء
وجَمْعِه لها، وقيل: الجَنانُ رُوعُ القلب، وذلك أَذْهَبُ في الخَفاءِ،
وربما سمّي الرُّوحُ جَناناً لأَن الجسم يُجِنُّه. وقال ابن دريد: سمّيت
الرُّوح جَناناً لأَن الجسم يُجِنُّها فأَنَّث الروح، والجمع أَجْنانٌ؛ عن
ابن جني. ويقال: ما يستقرُّ جَنانُه من الفزَعِ. وأَجَنَّ عنه
واسْتَجَنَّ: استَتَر. قال شمر: وسمي القلبُ جَناناً لأَن الصدْرَ أَجَنَّه؛
وأَنشد لِعَدِيّ:
كلُّ حيّ تَقودُه كفُّ هادٍ
جِنَّ عينٍ تُعْشِيه ما هو لاقي.
الهادي ههنا: القَدَرُ. قال ابن الأَعرابي: جِنَّ عينٍ أَي ما جُنَّ عن
العين فلم تَرَه، يقول: المَنيَّةُ مستورةٌ عنه حتى يقع فيها؛ قال
الأَزهري: الهادي القَدَرُ ههنا جعله هادياً لأَنه تقدّم المنيَّة وسبَقها،
ونصبَ جِنَّ عينٍ بفعله أَوْقَعَه عليه؛ وأَنشد:
ولا جِنَّ بالبَغْضاءِ والنَّظَرِ الشَّزْرِ
(* قوله «ولا جن إلخ» صدره كما في تكملة الصاغاني: تحدثني عيناك ما
القلب كاتم).
ويروى: ولا جَنَّ، معناهما ولا سَتْر. والهادي: المتقدّم، أَراد أَن
القَدَر سابقُ المنيَّةِ المقدَّرة؛ وأَما قول موسى بن جابر الحَنفيّ:
فما نَفَرتْ جِنِّي ولا فُلَّ مِبْرَدي،
ولا أَصْبَحَتْ طَيْري من الخَوْفِ وُقَّعا.
فإنه أَراد بالجِنّ القَلْبَ، وبالمِبْرَدِ اللسانَ. والجَنينُ: الولدُ
ما دام في بطن أُمّه لاسْتِتاره فيه، وجمعُه أَجِنَّةٌ وأَجْنُنٌ، بإظهار
التضعيف، وقد جَنَّ الجنينُ في الرحم يَجِنُّ جَنّاً وأَجَنَّتْه
الحاملُ؛ وقول الفرزذق:
إذا غابَ نَصْرانِيُّه في جَنِينِها،
أَهَلَّتْ بحَجٍّ فوق ظهْر العُجارِم.
عنى بذلك رَحِمَها لأَنها مُسْتَتِرة، ويروى: إذا غاب نَصْرانيه في
جنيفها، يعني بالنَّصْرانيّ، ذكَر الفاعل لها من النصارى، وبجَنِيفِها:
حِرَها، وإنما جعله جَنيفاً لأَنه جزءٌ منها، وهي جَنيفة، وقد أَجَنَّت
المرأَة ولداً؛ وقوله أَنشد ابن الأَعرابي: وجَهَرتْ أَجِنَّةً لم تُجْهَرِ.
يعني الأَمْواهَ المُنْدَفِنةَ، يقول: وردَت هذه الإبلُ الماءَ
فكسَحَتْه حتى لم تدعْ منه شيئاً لِقِلَّتِه. يقال: جهَرَ البئرَ نزحَها.
والمِجَنُّ: الوِشاحُ. والمِجَنُّ: التُّرْسُ. قال ابن سيده: وأُرى اللحياني قد
حكى فيه المِجَنَّة وجعله سيبويه فِعَلاً، وسنذكره، والجمع المَجانُّ،
بالفتح. وفي حديث السرقة: القَطْعُ في ثَمَنِ المِجَنِّ، هو التُّرْسُ
لأَنه يُواري حاملَه أَي يَسْتُره، والميم زائدة: وفي حديث علي، كرَّم الله
وجهَه: كتب إليَّ ابنُ عباسٍ قلَبْتَ لابنِ عَمِّكَ ظَهْرَ المِجَنِّ؛ قال
ابن الأَثير: هذه كلمة تُضْرَب مَثَلاً لمن كان لصاحبه على مودَّة أَو
رعايةٍ ثم حالَ عن ذلك. ابن سيده: وقَلَبْ فلانٌ مِجَنَّة أَي أَسقَط
الحياءَ وفعَل ما شاءَ. وقلَبَ أَيضاً مِجَنَّة: ملَك أَمرَه واستبدَّ به؛
قال الفرزدق: كيف تراني قالِباً مِجَنِّي؟
أَقْلِبُ أَمْري ظَهْرَه للبَطْنِ.
وفي حديث أَشراطِ الساعةِ: وُجوهُهم كالمَجانِّ المُطْرَقة، يعني
التُّرْكَ. والجُنَّةُ، بالضم: ما واراكَ من السِّلاح واسْتَتَرْتَ به منه.
والجُنَّةُ: السُّتْرة، والجمع الجُنَنُ. يقال: اسْتَجَنَّ بجُنَّة أَي
اسْتَتَر بسُتْرة، وقيل: كلُّ مستورٍ جَنِينٌ، حتى إنهم ليقولون حِقْدٌ
جَنينٌ وضِغْنٌ جَنينٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
يُزَمِّلونَ جَنِينَ الضِّغْن بينهمُ،
والضِّغْنُ أَسْوَدُ، أَو في وجْهِه كَلَفُ
يُزَمِّلون: يَسْتُرون ويُخْفُون، والجَنينُ: المَسْتُورُ في نفوسهم،
يقول: فهم يَجْتَهِدون في سَتْرِه وليس يَسْتَتِرُ، وقوله الضِّغْنُ
أَسْوَدُ، يقول: هو بيِّنٌ ظاهرٌ في وجوههم. ويقال: ما عليَّ جَنَنٌ إلا ما
تَرى أَي ما عليَّ شيءٌ
يُواريني، وفي الصحاح: ما عليَّ جَنانٌ إلاّ ما تَرى أَي ثوبٌ
يُوارِيني. والاجْتِنان؛ الاسْتِتار. والمَجَنَّة: الموضعُ الذي يُسْتَتر فيه.
شمر: الجَنانُ الأَمر الخفي؛ وأَنشد:
اللهُ يَعْلَمُ أَصحابي وقولَهُم
إذ يَرْكَبون جَناناً مُسْهَباً وَرِبا.
أَي يَرْكبون أَمْراً مُلْتَبِساً فاسداً. وأَجْنَنْتُ الشيء في صدري
أَي أَكْنَنْتُه. وفي الحديث: تُجِنُّ بَنانَه أَي تُغَطِّيه وتَسْتُره.
والجُّنَّةُ: الدِّرْعُ، وكل ما وَقاك جُنَّةٌ. والجُنَّةُ: خِرْقةٌ
تَلْبسها المرأَة فتغطِّي رأْسَها ما قبَلَ منه وما دَبَرَ غيرَ وسَطِه،
وتغطِّي الوَجْهَ وحَلْيَ الصدر، وفيها عَيْنانِ مَجُوبتانِ مثل عيْنَي
البُرْقُع. وفي الحديث: الصومُ جُنَّةٌ أَي يَقي صاحبَه ما يؤذِيه من الشهوات.
والجُنَّةُ: الوِقايةُ. وفي الحديث الإمامُ جُنَّةٌ، لأَنه يَقِي
المأْمومَ الزَّلَلَ والسَّهْوَ. وفي حديث الصدقة: كمِثْل رجُلين عليهما
جُنَّتانِ من حديدٍ أَي وِقايَتانِ، ويروى بالباء الموحدة، تَثْنِية جُبَّةِ
اللباس. وجِنُّ الناس وجَنانُهم: مُعْظمُهم لأَن الداخلَ فيهم يَسْتَتِر بهم؛
قال ابن أَحمر:
جَنانُ المُسْلِمين أَوَدُّ مَسّاً
ولو جاوَرْت أَسْلَمَ أَو غِفارا.
وروي:
وإن لاقَيْت أَسْلَم أَو غفارا.
قال الرِّياشي في معنى بيت ابن أَحمر: قوله أَوَدُّ مَسّاً أَي أَسهل
لك، يقول: إذا نزلت المدينة فهو خيرٌ لك من جِوار أَقارِبك، وقد أَورد
بعضهم هذا البيت شاهداً للجَنان السِّتْر؛ ابن الأَعرابي: جنَانُهم جماعتُهم
وسَوادُهم، وجَنانُ الناس دَهْماؤُهم؛ أَبو عمرو: جَنانُهم ما سَتَرك من
شيء، يقول: أَكون بين المسلمين خيرٌ لي، قال: وأَسْلَمُ وغفار خيرُ الناس
جِواراً؛ وقال الراعي يصف العَيْرَ:
وهابَ جَنانَ مَسْحورٍ تردَّى
به الحَلْفاء، وأْتَزَر ائْتِزارا.
قال: جنانه عينه وما واراه. والجِنُّ: ولدُ الجانّ. ابن سيده: الجِنُّ
نوعٌ من العالَم سمُّوا بذلك لاجْتِنانِهم عن الأَبصار ولأَنهم
اسْتَجَنُّوا من الناس فلا يُرَوْن، والجمع جِنانٌ، وهم الجِنَّة. وفي التنزيل
العزيز: ولقد عَلِمَت الجِنَّةُ إنهم لَمُحْضَرُون؛ قالوا: الجِنَّةُ ههنا
الملائكةُ عند قوم من العرب، وقال الفراء في قوله تعالى: وجعلوا بينَه وبين
الجِنَّةِ نَسَباً، قال: يقال الجِنَّةُ ههنا الملائكة، يقول: جعلوا بين
الله وبين خَلْقِه نَسَباً فقالوا الملائكةُ بناتُ الله، ولقد عَلِمَت
الجِنَّةُ أَن الذين قالوا هذا القولَ مُحْضَرون في النار. والجِنِّيُّ:
منسوبٌ إلى الجِنِّ أَو الجِنَّةِ. والجِنَّةُ: الجِنُّ؛ ومنه قوله تعالى:
من الجِنَّةِ والناسِ أَجمعين؛ قال الزجاج: التأْويلُ عندي قوله تعالى:
قل أَعوذ بربّ الناسِ ملِك الناسِ إله الناس من شَرِّ الوسواس الخَنَّاس
الذي يُوَسْوِسُ في صدور الناس من الجِنَّةِ، الذي هو من الجِن، والناس
معطوف على الوَسْوَاس، المعنى من شر الوسواس ومن شر الناس. الجوهري:
الجِنُّ خلاف الإنسِ، والواحد جنِّيٌّ، سميت بذلك لأَنها تخفى ولا تُرَى.
جُنَّ الرجلُ جُنوناً وأَجنَّه اللهُ، فهو مجنونٌ، ولا تقل مُجَنٌّ؛ وأَنشد
ابن بري:
رأَت نِضْوَ أَسْفار أُمَيَّةُ شاحِباً،
على نِضْوِ أَسْفارٍ، فَجُنَّ جُنونُها،
فقالت: من أَيِّ الناسِ أَنتَ ومَن تكن؟
فإِنك مَوْلى أُسْرةٍ لا يَدِينُها
وقال مُدرك بن حُصين:
كأَنَّ سُهَيْلاً رامَها، وكأَنها
حَليلةُ وخْمٍ جُنَّ منه جُنونها.
وقوله:
ويَحَكِ يا جِنِّيَّ، هل بَدا لكِ
أَن تَرْجِعِي عَقْلي، فقد أَنَى لكِ؟
إنما أَراد مَرْأَة كالجِنِّيَّة إمَّا في جمالها، وإما في تلَوُّنِها
وابتِدالها؛ ولا تكون الجِنِّيَّة هنا منسوبةً إلى الجِنِّ الذي هو خلاف
الإنس حقيقة، لأَن هذا الشاعر المتغزِّلَ بها إنْسيٌّ، والإنسيُّ لا
يَتعشَّقُ جنِّيَّة؛ وقول بدر بن عامر:
ولقد نطَقْتُ قَوافِياً إنْسِيّةً،
ولقد نَطقْتُ قَوافِيَ التَّجْنينِ.
أَراد بالإنْسِيَّة التي تقولها الإنْسُ، وأَراد بالتَّجْنينِ ما تقولُه
الجِنُّ؛ وقال السكري: أَراد الغريبَ الوَحْشِيّ. الليث: الجِنَّةُ
الجُنونُ أَيضاً. وفي التنزيل العزيز: أَمْ به جِنَّةٌ؛ والاسمُ والمصدرُ على
صورة واحدة، ويقال: به جِنَّةٌ وجنونٌ ومَجَنَّة؛ وأَنشد:
من الدَّارِميّينَ الذين دِماؤُهم
شِفاءٌ من الداءِ المَجَنَّة والخَبْل.
والجِنَّةُ: طائفُ الجِنِّ، وقد جُنَّ جَنّاً وجُنوناً واسْتُجِنَّ؛ قال
مُلَيح الهُذَليّ:
فلمْ أَرَ مِثْلي يُسْتَجَنُّ صَبابةً،
من البَيْن، أَو يَبْكي إلى غير واصِلِ.
وتَجَنَّن عليه وتَجانَّ وتجانَنَ: أَرَى من نفسِه أَنه مجنونٌ.
وأَجَنَّه الله، فهو مجنون، على غير قياس، وذلك لأَنهم يقولون جُنَّ، فبُني
المفعولُ من أَجنَّه الله على هذا، وقالوا: ما أَجنَّه؛ قال سيبويه: وقع
التعجبُ منه بما أَفْعَلَه، وإن كان كالخُلُق لأَنه ليس بلون في الجسد ولا
بِخِلْقة فيه، وإنما هو من نقْصان العقل. وقال ثعلب: جُنَّ الرجلُ وما
أَجنَّه، فجاء بالتعجب من صيغة فِعل المفعول، وإنما التعجب من صيغة فِعْل
الفاعل؛ قال ابن سيده: وهذا ونحوُه شاذٌّ. قال الجوهري: وقولهم في المَجْنون
ما أَجَنَّه شاذٌّ لا يقاس عليه، لأَنه لا يقال في المضروب ما
أَضْرَبَه، ولا في المَسْؤول ما أَسْأَلَه. والجُنُنُ، بالضم: الجُنونُ، محذوفٌ
منه الواوُ؛ قال يصف الناقة:
مِثْل النَّعامةِ كانت، وهي سائمةٌ،
أَذْناءَ حتى زَهاها الحَيْنُ والجُنُنُ
جاءت لِتَشْرِيَ قَرْناً أَو تُعَوِّضَه،
والدَّهْرُ فيه رَباحُ البَيْع والغَبَنُ.
فقيل، إذْ نال ظُلْمٌ ثُمَّتَ، اصْطُلِمَتْ
إلى الصَّماخِ، فلا قَرْنٌ ولا أُذُنُ.
والمَجَنَّةُ: الجُنُونُ. والمَجَنَّةُ: الجِنُّ. وأَرضُ مَجَنَّةٌ:
كثيرةُ الجِنِّ؛ وقوله:
على ما أَنَّها هَزِئت وقالت
هَنُون أَجَنَّ مَنْشاذا قريب.
أَجَنَّ: وقع في مَجَنَّة، وقوله هَنُون، أَراد يا هنون، وقوله مَنْشاذا
قريب، أَرادت أَنه صغيرُ السِّنّ تَهْزَأ به، وما زائدة أَي على أَنها
هَزِئَت. ابن الأَعرابي: باتَ فلانٌ ضَيْفَ جِنٍّ أَي بمكان خالٍ لا أَنيس
به؛ قال الأَخطل في معناه:
وبِتْنا كأَنَّا ضَيْفُ جِنٍّ بِلَيْلة.
والجانُّ: أَبو الجِنِّ خُلق من نار ثم خلق منه نَسْلُه. والجانُّ:
الجنُّ، وهو اسم جمع كالجامِل والباقِر. وفي التنزيل العزيز: لم
يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانّ. وقرأَ عمرو بن عبيد: فيومئذ لا يُسْأَل عن
ذَنْبِه إنْسٌ قَبْلَهم ولا جأَنٌّ، بتحريك الأَلف وقَلْبِها همزةً، قال:
وهذا على قراءة أَيوب السَّخْتِيالي: ولا الضَّأَلِّين، وعلى ما حكاه أَبو
زيد عن أَبي الإصبغ وغيره: شأَبَّة ومأَدَّة؛ وقول الراجز:
خاطِمَها زأَمَّها أَن تَذْهَبا
(* قوله «خاطمها إلخ» ذكر في الصحاح:
يا عجباً وقد رأيت عجبا * حمار قبان يسوق أرنبا
خاطمها زأَمها أن تذهبا * فقلت أردفني فقال مرحبا).
وقوله:
وجلَّه حتى ابْيَأَضَّ مَلْبَبُهْ وعلى ما أَنشده أَبو علي لكُثيّر:
وأَنتَ، ابنَ لَيْلَى، خَيْرُ قَوْمِكَ مَشْهداً،
إذا ما احْمأََرَّت بالعَبِيطِ العَوامِلُ.
وقول عِمْران بن حِطَّان الحَرُورِيّ:
قد كنتُ عندَك حَوْلاً لا تُرَوِّعُني
فيه رَوائع من إنْسٍ ولا جاني.
إنما أَراد من إنسٍ ولا جانٍّ فأَبدل الونَ الثانية ياءً؛ وقال ابن جني:
بل حذف النونَ الثانية تخفيفاً. وقال أَبو إسحق في قوله تعالى:
أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ؛ روي أَن خَلْقاً يقال
لهم الجانُّ كانوا في الأَرض فأَفسَدوا فيا وسفَكوا الدِّماء فبعث اللهُ
ملائكتَه أَجْلَتْهم من الأَرض، وقيل: إن هؤلاء الملائكةَ صارُوا سُكَّانَ
الأَرض بعد الجانِّ فقالوا: يا رَبَّنا أَتَجْعَلُ فيها مَن يُفسِد
فيها. أَبو عمرو: الجانُّ من الجِنِّ، وجمعُه جِنَّانٌ مثل حائطٍ وحِيطانٍ،
قال الشاعر:
فيها تَعَرَّفُ جِنَّانُها
مَشارِبها داثِرات أُجُنْ.
وقال الخَطَفَى جَدّ جرير يصف إبلاً:
يَرْفَعْنَ بالليل، إذا ما أَسْدَفا،
أَعْناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا.
وفي حديث زيد بن مقبل: جِنَّان الجبال أَي يأْمرون بالفَساد من شياطين
الإنس أَو من الجنِّ. والجِنَّةُ، بالكسر: اسمُ الجِنّ. وفي الحديث: أَنه
نَهى عن ذبائح الجِنّ، قال: هو أَن يَبْنِيَ الرجلُ الدارَ فإذا فرغ من
بِنائها ذَبح ذَبيحةً، وكانوا يقولون إذا فُعل ذلك لا يَضُرُّ أَهلَها
الجِنُّ. وفي حديث ماعزٍ: أَنه، صلى الله عليه وسلم: سأَل أَهلَه عنه فقال:
أَيَشْتَكي أَم به جِنَّةٌ؟ قالوا: لا؛ الجِنَّةُ، بالكسر: الجُنونُ. وفي
حديث الحسن: لو أَصاب ابنُ آدمَ في كلِّ شيء جُنَّ أَي أُعْجِبَ بنفسِه
حتى يصير كالمَجْنون من شدَّةِ إِعْجابِه؛ وقال القتيبي: وأَحْسِبُ قولَ
الشَّنْفَرى من هذا:
فلو جُنَّ إنْسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ.
وفي الحديث: اللهم إني أَعوذ بك من جُنونِ العَمَلِ أَي من الإعْجابِ
به، ويؤكِّد هذا حديثُه الآخر: أَنه رأَى قوماً مجتمعين على إنسان فقال: ما
هذا؟ فقالوا: مَجْنونٌ، قال: هذا مُصابٌ، إنما المَجْنونُ الذي يَضْرِبُ
بِمَنْكِبَيه وينظرُ في عَطْفَيْه ويتَمَطَّى في مِشْيَتِه. وفي حديث
فَضالة: كان يَخِرُّ رجالٌ من قامَتِهم في الصلاة من الخَصاصةِ حتى يقولَ
الأَعْرابُ مجانين أَو مَجانُون؛ المَجانِينُ: جمعُ تكسيرٍ لمَجْنونٍ،
وأَما مَجانون فشاذٌّ كما شذَّ شَياطُون في شياطين، وقد قرئ: واتَّبَعُوا
ما تَتْلُو الشَّياطون. ويقال: ضلَّ ضَلالَه وجُنَّ جُنونَه؛ قال الشاعر:
هَبَّتْ له رِيحٌ فجُنَّ جُنونَه،
لمَّا أَتاه نَسِيمُها يَتَوَجَّسُ.
والجانُّ: ضرْبٌ من الحيَّاتِ أَكحَلُ العَيْنَين يَضْرِب إلى الصُّفْرة
لا يؤذي، وهو كثير في بيوت الناس. سيبويه: والجمعُ جِنَّانٌ؛ وأَنشد بيت
الخَطَفَى جدّ جرير يصف إبلاً:
أَعناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا،
وعَنَقاً بعدَ الرَّسيم خَيْطَفا.
وفي الحديث: أَنه نهَى عن قَتْلِ الجِنَّانِ، قال: هي الحيَّاتُ التي
تكون في البيوت، واحدها جانٌّ، وهو الدقيقُ الخفيف: التهذيب في قوله تعالى:
تَهْتَزُّ كأَنَّها جانٌّ، قال: الجانُّ حيَّةٌ بيضاء. أَبو عمرو:
الجانُّ حيَّةٌ، وجمعُه جَوانٌ، قال الزجاج: المعنى أَن العصا صارت تتحرَّكُ
كما يتحرَّكُ الجانُّ حركةً خفيفةً، قال: وكانت في صورة ثُعْبانٍ، وهو
العظيم من الحيَّاتِ، ونحوَ ذلك قال أَبو العباس، قال: شبَّهها في عِظَمِها
بالثعْبانِ وفي خِفَّتِها بالجانِّ، ولذلك قال تعالى مرَّة: فإذا هي
ثُعْبانٌ، ومرَّة: كأَنها جانٌّ؛ والجانُّ: الشيطانُ أَيضاً. وفي حديث زمزم:
أَن فيها جِنَّاناً كثيرةً أَي حيَّاتٍ، وكان أَهلُ الجاهليَّة يسمّون
الملائكةُ، عليهم السلام، جِنّاً لاسْتِتارِهم عن العيون؛ قال الأَعشى يذكر
سليمان، عليه السلام:
وسَخَّرَ من جِنِّ الملائِكِ تِسعةً،
قِياماً لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بلا أَجْرِ.
وقد قيل في قوله عز وجل: إلا إبليس كان من الجنِّ؛ إنه عَنى الملائكة،
قال أَبو إسحق: في سِياق الآية دليلٌ على أَن إبليس أُمِرَ بالسجود مع
الملائكة، قال: وأَكثرُ ما جاء في التفسير أَن إبليس من غير الملائكة، وقد
ذكر الله تعالى ذلك فقال: كان من الجنّ؛ وقيل أَيضاً: إن إبليس من الجنّ
بمنزلة آدمَ من الإنس، وقد قيل: إن الجِنّ ضرْبٌ من الملائكة كانوا
خُزَّانَ الأَرض، وقيل: خُزّان الجنان، فإن قال قائل: كيف استَثْنَى مع ذكْر
الملائكة فقال: فسجدوا إلا إبليس، كيف وقع الاستثناء وهو ليس من الأَول؟
فالجواب في هذا: أَنه أَمَره معهم بالسجود فاستثنى مع أَنه لم يَسْجُد،
والدليلُ على ذلك أَن تقول أَمَرْتُ عَبْدي وإخْوتي فأَطاعوني إلا عَبْدي،
وكذلك قوله تعالى: فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين، فرب العالمين ليس من
الأَول، لا يقد أَحد أَن يعرف من معنى الكلام غير هذا؛ قال: ويَصْلُحُ
الوقفُ على قوله ربَّ العالمين لأَنه رأْسُ آيةٍ، ولا يحسُن أَن ما بعده
صفةٌ له وهو في موضع نصب. ولا جِنَّ بهذا الأَمرِ أَي لا خَفاءِ؛ قال الهذلي:
ولا جِنَّ بالبَغْضاءِ والنَّظَرِ الشَّزْرِ
فأَما قول الهذلي:
أَجِنِي، كلَّما ذُكِرَتْ كُلَيْبٌ،
أَبِيتُ كأَنني أُكْوَى بجَمْر.
فقيل: أَراد بجِدِّي، وذلك أَن لفظ ج ن إنما هو موضوع للتستُّر على ما
تقدم، وإنما عبر عنه بجنِّي لأَن الجِدَّ مما يُلابِسُ الفِكْرَ ويُجِنُّه
القلبُ، فكأَنَّ النَّفْسَ مُجِنَّةٌ له ومُنْطوية عليه. وقالت امرأَة
عبد الله بن مسعود له: أَجَنَّك من أَصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛
قال أَبو عبيد: قال الكسائي وغيره معناه من أَجْلِ أَنك فترَكَتْ مِنْ،
والعرب تفعل ذلك تدَعُ مِن مع أَجْل، كما يقال فعلتُ ذلك أَجْلَك
وإِجْلَك، بمعنى مِن أَجْلِك، قال: وقولها أَجَنَّك، حذفت الأَلف واللام
وأُلْقِيَت فتحةُ الهمزة على الجيم كما قال الله عز وجل: لكنَّا هو الله ربِّي؛
يقال: إن معناه لكنْ أَنا هو الله ربِّي فحذف الأَلف، والتقى نُونانِ
فجاء التشديد، كما قال الشاعر أَنشده الكسائي:
لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيّة لَوَسيمةٌ
على هَنَواتٍ كاذِبٍ مَنْ يَقُولُها
أَراد لله إنَّك، فحذف إحدى اللامَينِ من لله، وحذَفَ الأَلف من إنَّك،
كذلك حُذِفَتْ اللامُ من أَجل والهمزةُ من إنَّ؛ أَبو عبيد في قول عدي
ابن زيد:
أَجْلَ أَنَّ اللهَ قد فَضَّلَكم،
فوقَ مَن أَحْكى بصُلْبٍ وإزار.
الأَزهري قال: ويقال إجْل وهو أَحبُّ إلي، أَراد من أجّل؛ ويروى:
فوق مَن أَحكأَ صلباً بإزار.
أَراد بالصلْب الحَسَبَ، وبالإزارِ العِفَّةَ، وقيل: في قولهم أَجِنَّك
كذا أَي من أَجلِ أَنك فحذفوا الأَلف واللام اختصاراً، ونقلوا كسرة اللام
إلى الجيم؛ قال الشاعر:
أَجِنَّكِ عنْدي أَحْسَنُ الناسِ كلِّهم،
وأَنكِ ذاتُ الخالِ والحِبَراتِ.
وجِنُّ الشَّبابِ: أَوَّلُه، وقيل: جِدَّتُه ونشاطُه. ويقال: كان ذلك في
جِنِّ صِباه أَي في حَدَاثَتِه، وكذلك جِنُّ كلِّ شيء أَوَّلُ شِدّاته،
وجنُّ المرَحِ كذلك؛ فأَما قوله:
لا يَنْفُخُ التَّقْريبُ منه الأَبْهَرا،
إذا عَرَتْه جِنُّه وأَبْطَرا.
قد يجوز أَن يكون جُنونَ مَرَحِه، وقد يكونُ الجِنُّ هنا هذا النوع
المُسْتَتِر عن العَين أَي كأَنَّ الجِنَّ تَسْتَحِثُّه ويُقوِّيه قولُه
عَرَتْه لأَن جنَّ المرَح لا يؤَنَّث إنما هو كجُنونه، وتقول: افْعَلْ ذلك
الأَمرَ بجِنِّ ذلك وحِدْثانِه وجِدِّه؛ بجِنِّه أَي بحِدْثانِه؛ قال
المتنخل الهذلي:
كالسُّحُل البيضِ جَلا لَوْنَها
سَحُّ نِجاءِ الحَمَلِ الأَسْوَلِ
أَرْوَى بجِنِّ العَهْدِ سَلْمَى، ولا
يُنْصِبْكَ عَهْدُ المَلِقِ الحُوَّلِ.
يريد الغيثَ الذي ذكره قبل هذا البيت، يقول: سقى هذا الغيثُ سَلْمى
بحِدْثانِ نُزولِه من السحاب قَبْل تغيُّره، ثم نهى نفسَه أَن يُنْصِبَه
حُبُّ من هو مَلِقٌ. يقول: من كان مَلِقاً ذا تَحوُّلٍ فَصَرَمَكَ فلا
ينْصِبْكَ صَرْمُه. ويقال: خُذ الأَمرَ بجِنِّه واتَّقِ الناقةَ فإِنها بجِنِّ
ضِراسِها أَي بحِدْثانِ نتاجِها. وجِنُّ النَّبْتِ: زَهْرُه ونَوْرُه،
وقد تجنَّنَتْ الأَرضُ وجُنَّتْ جُنوناً؛ قال:
كُوم تَظاهرَ نِيُّها لمّا رَعَتْ
رَوْضاً بِعَيْهَمَ والحِمَى مَجْنوناً
وقيل: جُنَّ النَّبْتُ جُنوناً غلُظ واكْتَهل. وقال أَبو حنيفة: نخلة
مَجْنونة إذا طالت؛ وأَنشد:
يا رَبِّ أَرْسِلْ خارِفَ المَساكِينْ
عَجاجةً ساطِعَةَ العَثانِينْ
تَنْفُضُ ما في السُّحُقِ المَجانِينْ.
قال ابن بري: يعني بخارفِ المساكين الريحَ الشديدةَ التي تنفُض لهم
التَّمْرَ من رؤُوس النخل؛ ومثله قول الآخر:
أَنا بارِحُ الجَوْزاءِ، ما لَك لا تَرى
عِيالَكَ قد أَمْسَوا مَرامِيلَ جُوَّعاً؟
الفراء: جُنَّت الأَرض إذا قاءتْ بشيء مُعْجِبٍ؛ وقال الهذلي:
أَلَمَّا يَسْلم الجِيرانُ منهم،
وقد جُنَّ العِضاهُ من العَميم.
ومرَرْتُ على أَرضِ هادِرة مُتَجَنِّنة: وهي التي تُهال من عشبها وقد
ذهب عُشْبها كلَّ مذهب. ويقال: جُنَّت الأَرضُ جُنوناً إذا اعْتَمَّ نبتها؛
قال ابن أَحمر:
تَفَقَّأَ فوقَه القَلَعُ السَّواري،
وجُنَّ الخازِبازِ به جُنونا.
جُنونُه: كثرةُ تَرَنُّمه في طَيَرانِه؛ وقال بعضهم: الخازِ بازِ
نَبْتٌ، وقيل: هو ذُبابٌ. وجنون الذُّباب: كثرةُ تَرَنُّمِه. وجُنَّ الذُّبابُ
أَي كثُرَ صوته. وجُنونُ النَّبْت: التفافُه؛ قال أَبو النجم:
وطالَ جَنُّ السَّنامِ الأَمْيَلِ.
أَراد تُمُوكَ السَّنامِ وطولَه. وجُنَّ النبتُ جُنوناً أَي طالَ
والْتَفَّ وخرج زهره؛ وقوله:
وجُنَّ الخازِ بازِ به جُنونا.
يحتمل هذين الوجهين. أَبو خيرة: أَرضٌ مجنونةٌ مُعْشِبة لم يَرْعَها
أَحدٌ. وفي التهذيب: شمر عن ابن الأَعرابي: يقال للنخل المرتفع طولاً
مجنونٌ، وللنبتِ الملتَفّ الكثيف الذي قد تأَزَّرَ بعضُه في بعض مجنونٌ.
والجَنَّةُ: البُسْتانُ، ومنه الجَنّات، والعربُ تسمِّي النخيلَ
جَنَّةً؛ قال زهير:
كأَنَّ عينيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلةٍ،
من النَّواضِح، تَسْقي جَنَّةً سُحُقاً.
والجَنَّةُ: الحَديقةُ ذات الشجر والنخل، وجمعها جِنان، وفيها تخصيص،
ويقال للنخل وغيرها. وقال أَبو علي في التذكرة: لا تكون الجَنَّة في كلام
العرب إلا وفيها نخلٌ
وعنبٌ، فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجَنَّةٍ،
وقد ورد ذكرُ الجَنَّة في القرآن العزيز والحديث الكريم في غير موضع.
والجَنَّةُ: هي دارُ النعيم في الدار الآخرة، من الاجْتنان، وهو السَّتْر
لتَكاثُفِ أَشْجارِها وتظليلها بالتِفافِ أَغصانِها، قال: وسميت بالجَنَّة
وهي المرَّة الواحدة من مَصْدر جَنَّة جَنّاً إذا ستَرَه، فكأَنها ستْرةٌ
واحدةٌ لشدَّةِ التِفافِها وإظْلالِها؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي وزعمَ
أَنه للبيد:
دَرَى باليَسَارَى جَنَّةً عَبْقَرِيَّةً،
مُسَطَّعةَ الأَعْناق بُلْقَ القَوادِم.
قال: يعني بالجَنَّة إبلاً كالبُسْتان، ومُسطَّعة: من السِّطاع وهي
سِمةٌ في العنق، وقد تقدم. قال ابن سيده: وعندي أَنه جِنَّة، بالكسر، لأَنه
قد وصف بعبقرية أَي إبلاً مثل الجِنة في حِدَّتها ونفارها، على أَنه لا
يبعد الأَول، وإن وصفها بالعبقرية، لأَنه لما جعلها جَنَّة اسْتَجازَ أَن
يَصِفَها بالعبقريّة، قال: وقد يجوز أَن يعني به ما أَخرج الربيعُ من
أَلوانِها وأَوبارها وجميل شارَتِها، وقد قيل: كلُّ جَيِّدٍ عَبْقَرِيٌّ،
فإذا كان ذلك فجائز أَن يوصَف به الجِنَّة وأَن يوصف به الجَنَّة.
والجِنِّيَّة: ثياب معروفة
(* قوله «والجنية ثياب معروفة» كذا في التهذيب. وقوله
«والجنية مطرف إلخ» كذا في المحكم بهذا الضبط فيهما. وفي القاموس:
والجنينة مطرف كالطيلسان اهـ. أي لسفينة كما في شرح القاموس). والجِنِّيّةُ:
مِطْرَفٌ مُدَوَّرٌ على خِلْقة الطَّيْلَسان تَلْبَسُها النساء. ومَجَنَّةُ:
موضعٌ؛ قال في الصحاح: المَجَنَّةُ اسمُ موضع على أَميال من مكة؛ وكان
بِلالٌ يتمثَّل بقول الشاعر:
أَلا ليْتَ شِعْري هل أَبِيتَنَّ ليلةً
بمكةَ حَوْلي إذْ خِرٌ وجَليلُ؟
وهل أَرِدَنْ يوماً مِياهَ مَجَنَّةٍ؟
وهل يَبْدُوَنْ لي شامةٌ وطَفيلُ؟
وكذلك مِجَنَّة؛ وقال أَبو ذؤَيب:
فوافَى بها عُسْفانَ، ثم أَتى بها
مِجَنَّة، تَصْفُو في القِلال ولا تَغْلي.
قال ابن جني: يحتمل مَجَنَّةُ وَزْنَين: أَحدهما أَن يكون مَفْعَلة من
الجُنون كأَنها سميت بذلك لشيء يتصل بالجِنِّ أَو بالجِنَّة أَعني
البُسْتان أَو ما هذا سَبيلُه، والآخر أَن يكون فَعَلَّةً من مَجَنَ يَمْجُن
كأَنها سمِّيت بذلك لأَن ضَرْباً من المُجون كان بها، هذا ما توجبُه صنعةُ
عِلْمِ العرب، قال: فأَما لأَيِّ الأَمرَينِ وقعت التسمية فذلك أَمرٌ
طريقه الخبر، وكذلك الجُنَيْنة؛ قال:
مما يَضُمُّ إلى عِمْرانَ حاطِبُه،
من الجُنَيْنَةِ، جَزْلاً غيرَ مَوْزون.
وقال ابن عباس، رضي الله عنه: كانت مَجَنَّةٌ وذو المَجاز وعُكاظ
أَسواقاً في الجاهليَّة. والاسْتِجْنانُ: الاسْتِطْراب. والجَناجِنُ: عِظامُ
الصدر، وقيل: رؤُوسُ الأَضْلاع، يكون ذلك للناس وغيرهم؛ قال الأَسَْقَرُ
الجُعْفِيّ:
لكن قَعِيدةَ بَيْتِنا مَجْفُوَّةٌ،
بادٍ جَناجِنُ صَدْرِها ولها غِنا.
وقال الأعشى:
أَثَّرَتْ في جَناجِنٍ، كإِران الـ
ـمَيْت، عُولِينَ فوقَ عُوجٍ رِسالِ.
واحدها جِنْجِنٌ وجَنْجَنٌ، وحكاه الفارسي بالهاء وغير الهاء: جِنْجِن
وجِنْجِنة؛ قال الجوهري: وقد يفتح؛ قال رؤبة:
ومن عَجارِيهنَّ كلُّ جِنْجِن.
وقيل: واحدها جُنْجون، وقيل: الجَناجِنُ أَطرافُ الأَضلاع مما يلي قَصَّ
الصَّدْرِ وعَظْمَ الصُّلْب. والمَنْجَنُونُ: الدُّولابُ التي يُسْتَقى
عليها، نذكره في منجن فإِن الجوهري ذكره هنا، وردَّه عليه ابنُ الأَعرابي
وقال: حقُّه أَن يذكر في منجن لأَنه رباعي، وسنذكره هناك.
جبي: جَبَى الخراجَ والماء والحوضَ يَجْبَاهُ ويَجْبيه: جَمَعَه. وجَبَى
يَجْبَى مما جاء نادراً: مثل أَبى يَأْبى، وذلك أَنهم شبهوا الأَلف في
آخره بالهمزة في قَرَأَ يَقْرَأُ وهَدَأَ يَهْدَأُ، قال: وقد قالوا
يَجْبَى، والمصدر جِبْوَةً وجِبْيَة؛ عن اللحياني، وجِباً وجَباً
وجِبَاوةٌ وجِبايةٌ
نادر. وفي حديث سعد: يُبْطِئُ في جِبْوَتهِ؛ الجِبْوَة والجِبْيَة:
الحالة من جَبْيِ الخراج واسْتِيفائه. وجَبَيْتُ الخراجَ جِبَاية وجَبَوْته
جِبَاوَة؛ الأَخير نادر، قال ابن سيده: قال سيبويه أَدخلوا الواو على
الياء لكثرة دخول الياء عليها ولأَن للواو خاصة كما أَن للياء خاصة؛ قال
الجوهري: يهمز ولا يهمز، قال: وأَصله الهمز؛ قال ابن بري: جَبَيْت الخراج
وجَبَوْته لا أَصل له في الهمز سماعاً وقياساً، أَما السماع فلكونه لم يسمع
فيه الهمز، وأَما القياس فلأَنه من جَبَيْت أَي جمعت وحَصَّلت، ومنه
جَبَيْت الماء في الحوض وجَبَوْته، والجابي: الذي يجمع المال للإبل،
والجَبَاوَةُ اسم الماء المجموع. ابن سيده في جَبَيْت الخراج: جَبَيْته من القوم
وجَبَيْتُه الْقَوْمَ؛ قال النابغة الجعدي:
دنانير نَجْبِيها العِبادَ، وغَلَّة
على الأَزْدِ مِن جاهِ امْرِئٍ قد تَمَهَّلا
وفي حديث أَبي هريرة: كيف أَنتم إذا لم تَجْتَبوا ديناراً ولا
دِرْهَماً؛ الاجْتِباءُ، افتِعال من الجِباية: وهو استخراج الأَموال من
مَظانها.والجِبْوة والجُبْوة والجِبا والجَبا والجِباوة: ما جمعتَ في الحوض من
الماء. والجِبا والجَبا: ما حول البئر والجَبا: ما حول الحوض،يكتب
بالأَلف. وفي حديث الحديبية: فقعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على جَباها
فَسَقَيْنا واسْتَقَيْنا؛ الجَبا، بالفتح والقصر: ما حول البئر. والجِبَا،
بالكسر مقصور: ما جمعت فيه من الماء. الجوهري: والجِبا، بالكسر مقصور،
الماء المجموع للإبل، وكذلك الجِبْوة والجِباوة. الجوهري: الجَبا، بالفتح
مقصور، نَثِيلة البئر وهي ترابها الذي حولها تراها من بعيد؛ ومنه: امرأةٌ
جَبْأَى على فَعْلى مثال وَحْمَى إذا كانت قائمة الثَّدْيَيْن؛ قال ابن
بري: قوله جَبْأَى التي طَلَعَ ثديُها ليس من الجَبا المعتلّ اللام،
وإنما هو من جَبَأَ علينا فلان أَي طلع، فحقه أَن يذكر في باب الهمز؛ قال:
وكأَنّ الجوهري يرى الجَبَا الترابَ أَصله الهمز فتركت العرب همزة، فلهذا
ذكر جَبْأَى مع الجَبَا، فيكون الجَبا ما حول البئر من التراب بمنزلة
قولهم الجَبْأَة ما حول السرة من كل دابة. وجَبَى الماءَ في الحوض يَجْبِيه
جَبْياً وجَباً وجِباً: جَمَعَه. قال شمر: جَبَيْت الماء في الحوض أَجْبي
جَبْياً وجَبَوْت أَجْبُو جَبْواً وجِبايةً وجِباوةً أَي جمعته. أَبو
منصور: الجِبا ما جُمع في الحوض من الماء الذي يستقى من البئر، قال ابن
الأَنباري: هو جمع جِبْية. والجَبا، بالفتح: الحوض الذي يُجْبَى فيه الماءُ،
وقيل: مَقام الساقي على الطَّيِّ، والجمع من كل ذلك أَجباءٌ. وقال ابن
الأَعرابي: الجَبَا أَن يتقدم الساقي للإبل قبل ورودها بيوم فيَجْبِيَ لها
الماءَ في الحوض ثم يوردَها من الغد؛ وأَنشد:
بالرَّيْثِ ما أَرْوَيْتها لا بالعَجَلْ،
وبالجَبَا أرْوَيْتها لا بالقَبَلْ
يقول: إنها إبل كثيرة يُبطئون بسقيها فتُبْطئ فَيَبْطُؤُ ريُّها
لكثرتها فتبقى عامّة نهارها تشرب وإذا كانت ما بين الثلاث إلى العشر صب على
رؤوسها. قال: وحكى سيبويه جَبَا يَجْبَى، وهي عنده ضعيفة والجَبَا: مَحْفَر
البئر. والجَبَا: شَفَة البئر؛ عن أَبي ليلى. قال ابن بري: الجَبا،
بالفتح، الحوض والجِبا، بالكسر، الماء؛ ومنه قول الأَخطل:
حتى وَرَدْنَ جِبَا الكُلابِ نِهالاَ
وقال آخر:
حتى إذا أَشرَفَ في جوفِ جَبَا
وقال مُضَرِّس فجمعه:
فأَلْقَتْ عَصا التَّسْيار عنها، وخَيَّمت
بأَجْباءِ عَذْبِ الماء بيضٍ مَحافِرُهْ
والجابية: الحوض الذي يُجْبَى فيه الماء للإبل. والجابِيَة: الحوض
الضَّخْم؛ قال الأَعشى:
تَرُوحُ على آلِ المُحَلَّق جَفْنَةٌ،
كجابيَة الشَّيْخِ العِراقيِّ تَفْهَقُ
خص العراقي لجهله بالمياه لأَنه حَضَرِيّ، فإذا وجدها مَلأَ جابيتَه،
وأَعدَّها ولم يدرِ متى يجد المياه، وأَما البدويّ فهو عالم بالمياه فهو لا
يبالي أَن لا يُعِدَّها؛ ويروى: كجابية السَّيْح، وهو الماء الجاري،
والجمع الجَوابي؛ ومنه قوله تعالى: وجِفانٍ كالجوابي.
والجَبَايا: الرَّكايا التي تُحْفر وتُنْصب فيها قُضبان الكَرْم؛ حكاها
أَبو حنيفة؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
وذاتِ جَباً كَثِيرِ الوِرْدِ قَفْرٍ،
ولا تُسْقَى الحَوائِمُ من جَباها
فسره فقال: عنى ههنا الشرابَ
(* قوله «الشراب» هو في الأصل بالشين
المعجمة، وفي التهذيب بالسين المهملة) ، وجَبا: رَجَعَ؛ قال يصف الحمار:
حتى إذا أَشْرَفَ في جَوْفٍ جَبَا
يقول: إذا أَشرف في هذا الوادي رجع، ورواه ثعلب: في جوفِ جَبَا،
بالإضافة، وغَلَّط من رواه في جوفٍ جَبَا، بالتنوين، وهي تكتب بالأَلف والياء.
وجَبَّى الرجلُ: وضع يديه على ركبتيه في الصلاة أَو على الأَرض، وهو
أَيضاً انْكبابه على وجهه؛ قال:
يَكْرَعُ فيها فيَعُبُّ عَبّا،
مُجَبِّياً في مائها مُنْكَبّا
وفي الحديث: أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ اشْتَرَطوا على رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، أَن يُعْشَروا ولا يُحْشَروا ولا يُجَبُّوا، فقال النبي، صلى
الله عليه وسلم: لكم ذلك ولا خَيْرَ في دِينٍ لا رُكُوعَ فيه؛ أَصل
التَّجْبِيةَ أَن يقوم الإنسان قيام الراكع، وقيل: هو السجود؛ قال شمر: لا
يُجَبُّوا أَي لا يَرْكعوا في صلاتهم ولا يسجدوا كما يفعل المسلمون، والعرب
تقول جَبَّى فلان تَجْبِيَةً إذا أَكَبَّ على وجهه بارِكاً أَو وضع يديه
على ركبتيه منحنياً وهو قائم.
وفي حديث ابن مسعود: أَنه ذكر القيامةَ والنفخَ في الصُّور قال فيقومون
فيُجَبُّون تَجْبِيَةَ رجلٍ واحدٍ قياماً لرب العالمين؛ قال أَبو عبيد:
التجبية تكون في حالين: إحداهما أَن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم وهذا هو
المعنى الذي في الحديث، أَلا تراه قال قياماً لرب العالمين؟ والوجه
الآخر أن يَنْكَبَّ على وجهه بارِكاً، وهو كالسجود، وهذا الوجهُ المعروف عند
الناس، وقد حمله بعض الناس على قوله فيخرُّون سُجَّداً لرب العالمين فجعل
السجود هو التَّجْبية؛ قال الجوهري: والتَّجْبية أَن يقوم الإنسان قيام
الراكع؛ قال ابن الأَثير: والمراد بقولهم لا يُجَبُّونَ أَنهم لا يصلون،
ولفظ الحديث يدل على الركوع والسجود لقوله في جوابهم: ولا خيرَ في دِينٍ
ليس فيه ركوع، فسمى الصلاة ركوعاً لأَنه بعضها. وسئل جابر عن اشتراط
ثَقيف أَن لا صدقة عليها ولا جهاد فقال: علم أَنهم سيَصَّدَّقون ويجاهدون إذا
أَسلموا، ولم يرخص لهم في ترك الصلاة لأَن وقتها حاضر متكرر بخلاف وقت
الزكاة والجهاد؛ ومنه حديث عبد الله أَنه
(* قوله «ومنه حديث عبد الله أنه
إلخ» هكذا في النسخ التي بأيدينا). ذكر القيامة قال: ويُجَبُّون
تَجْبِيةَ رجُل واحد قياماً لرب العالمين. وفي حديث الرؤيا: فإذا أَنا بِتَلٍّ
أَسود عليه قوم مُجَبُّون يُنْفَخُ في أَدبارِهم بالنار. وفي حديث جابر:
كانت اليهود تقول إذا نكَحَ الرجلُ امرأَته مُجَبِّيَةً جاء الولدُ
أَحْوَل، أَي مُنْكَبَّةً على وجهها تشبيهاً بهيئة السجود. واجْتَباه أَي
اصْطفاه. وفي الحديث: أَنه اجْتَباه لنفسه أَي اختاره واصطفاه. ابن سيده:
واجْتَبَى الشيءَ اختاره. وقوله عز وجل: وإذا لم تأْتهم بآية قالوا لولا
اجْتَبَيْتها؛ قال: معناه عند ثعلب جئت بها من نفسك، وقال الفراء: معناه هلا
اجْتَبَيْتَها هلا اخْتَلَقْتَها وافْتَعَلْتها من قِبَل نفسك، وهو في
كلام العرب جائز أَن يقول لقد اختار لك الشيءَ واجْتَباه وارْتَجَله.
وقوله: وكذلك يَجْتَبِيك ربك؛ قال الزجاج: معناه وكذلك يختارك ويصطفيك، وهو
مشتق من جبيت الشيءَ إذا خلصته لنفسك، ومنه: جبيت الماء في الحوض. قال
الأَزهري: وجِبايةُ الخراج جمعه وتحصيله مأْخوذ من هذا. وفي حديث وائل بن
حُجْر قال: كتب لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا جَلَبَ ولا جَنَبَ ولا
شِغارَ ولا وِرَاطَ ومن أَجْبَى فقد أَرْبَى؛ قيل: أَصله الهمز، وفسر من
أَجْبَى أَي من عَيَّنَ فقد أَرْبَى، قال: وهو حسن. قال أَبو عبيد:
الإجباء بيع الحرث والزرع قبل أَن يبدو صلاحه، وقيل: هو أَن يُغَيِّب إبِلَهُ
عن المصَدِّق، من أَجْبَأْتُهُ إذا وارَيْته؛ قال ابن الأَثير: والأَصل
في هذه اللفظة الهمز، ولكنه روي غير مهموز، فإما أَن يكون تحريفاً من
الراوي، أَو يكون ترك الهمز للازدواج بأَرْبَى، وقيل: أَراد بالإجْباء
العِينَة وهو أَن يبيع من رجل سِلْعة بثمن معلوم إلى أَجل معلوم، ثم يشتريها
منه بالنقد بأَقل من الثمن الذي باعها به. وروي عن ثعلب أَنه سئل عن قوله
من أَجْبَى فقد أَرْبَى قال: لا خُلْفَ بيننا أَنه من باع زرعاً قبل أَن
يُدْرِك كذا، قال أَبو عبيد: فقيل له قال بعضهم أَخطأَ أَبو عبيد في هذا،
من أَين كان زرع أَيام النبي، صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هذا أَحمق
أَبو عبيد تكلم بهذا على رؤُوس الخَلْق وتكلم به بعد الخلق من سنة ثمانَ
عَشْرَة إلى يومنا هذا لم يُرَدَّ عليه. والإجْباءُ: بيع الزرع قبل أَن
يبدو صلاحه، وقد ذكرناه في الهمز. والجابِيَة: جماعة القوم؛ قال حميد بن ثور
الهلالي:
أَنْتُم بجابِيَة المُلُوك، وأَهْلُنا
بالجَوِّ جِيرَتُنا صُدَاء وحِمْيَرُ
والجابي: الجَراد الذي يَجْبي كلَّ شيءٍ يأكُلُه؛ قال عبد مناف بنُ
رِبْعِيّ الهذلي:
صابُوا بستَّةِ أَبْياتٍ وأَرْبعة،
حتى كأَنَّ عليهم جابِياً لُبَدَا
ويروى بالهمز، وقد تقدم ذكره. التهذيب: سُمِّيَ الجرادُ الجابيَ
لطُلوعِه. ابن الأَعرابي: العرب تقول إذا جاءت السنة جاء معها الجابي والجاني،
فالجابي الجراد، والجاني الذئب
(* قوله «والجاني الذئب» هو هكذا في الأصل
وشرح القاموس)، لم يهمزهما. والجابِيَة: مدينة بالشام، وبابُ الجابِيَة
بدمشق، وإنما قضى بأَن هذه من الياء لظهور الياء وأَنها لام، واللام ياءً
أَكثر منها واواً. والجَبَا موضع. وفَرْشُ الجَبَا: موضع؛ قال كثير عزة:
أَهاجَكَ بَرْقٌ آخرَ الليلِ واصِبُ
تَضَمَّنَهُ فَرْشُ الجَبَا فالمَسارِبُ؟
ابن الأَثير في هذه الترجمة: وفي حديث خديجة قالت يا رسول الله ما
بَيْتٌ في الجنَّة من قَصَب؟ قال: هو بيتٌ من لؤلؤة مجَوَّفة مُجَبَّاةٍ؛ قال
ابن الأَثير: فسره ابن وهب فقال مجوَّفة، قال: وقال الخطابي هذا لا
يستتِمّ إلا أَن يجعل من المقلوب فتكون مجوَّبة من الجَوْب، وهو القَطْع،
وقيل: من الجَوْب، وهو نَقِير يجتمع فيه الماء، والله أَعلم.