من (ك ح ل) نسبة إلى الكُحْل.
من (ك ح ل) من يصنع الكحل، ومن الألوان الأزرق الضارب إلى السواد.
كحل: الكُحْل: ما يكتحل به. قال ابن سيده: الكُحْل ما وُضِع في العين
يُشتَفى به، كَحَلَها يَكْحَلها ويَكْحُلها كَحْلاً، فهي مَكْحولة وكَحِيل،
من أَعين كُحْلاء وكَحائل؛ عن اللحياني؛ وكَحَّلَها، أَنشد ثعلب:
فمَا لك بالسُّلْطان أَن تَحْمِل القَذَى
جُفُونُ عُيون، بالقَذَى لم تُكَحَّل
وقد اكْتَحَل وتَكَحَّل.
والمِكْحال: المِيلُ تكحل به العين من المُكْحُلة؛ قال ابن سيده:
المِكْحَل والمِكْحَال الآلة التي يُكْتَحَل بها؛ وقال الجوهري: المِكْحَل
والمِكْحال المُلْمُول الذي يُكْتَحَل به؛ قال الشاعر:
إِذا الفَتَى لم يَرْكَب الأَهْوالا،
وخالَفَ الأَعْمام والأَخْوالا
فأَعْطِهِ المرآة والمِكْحَالا،
واسْعَ له وعُدَّه عِيَالا
وتَمَكْحَل الرجل إِذا أَخذ مُكْحُلة. والمُكْحُلة: الوِعاء، أَحد ما
شذَّ مما يرتَِفق به فجاء على مُفْعُل وبابه مِفْعَل، ونظيره المُدْهُن
والمُسْعُط؛ قال سيبويه: وليس على المكان إِذ لو كان عليه لفتح لأَنه من
يَفْعُ، قال ابن السكيت: ما كان على مِفْعَل ومِفْعَلة مما يعمل به فهو
مكسور الميم مثل مِخْرَز ومِبْضَع ومِسَلَّة ومِزْرَعة ومِخْلاة، إِلا
أَحرفاً جاءت نوادر بضم الميم والعين وهي: مُسْعُط ومُنْخُل ومُدْهُن ومُكْحُلة
ومُنْصُل؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي قال وهو للبيد فيما زعموا:
كَمِيش الإِزار يَكْحُل العين إِثْمداً،
ويغدو علينا مُسْفِراً غيرَ واجِم
فسره فقال: معنى يكْحُل العين إِثْمداً أَنه يركب فحمة الليل وسواده.
الأَزهري: الكَحَل مصدر الأَكْحَل والكَحْلاء من الرجال والنساء؛ قال
ابن سيده: والكحَل في العين أَن يَعْلُو مَنابت الأَسْفار سواد مثل الكُحْل
من غير كَحْل، رجل أَكْحَل بيِّن الكَحَل وكَحِيل وقد كَحِل، وقيل:
الكَحَل في العين أَن تسودّ مواضع الكُحْل، وقيل: الكَحْلاء الشديدة السواد،
وقيل: هي التي تراها كأَنها مَكْحولة وإِن لم تُكْحَل؛ وأَنشد:
كأَنَّ بها كُحْلاً وإِن لم تُكَحَّل
الفراء: يقال عين كَحيلٌ، بغير هاء، أَي مَكْحولة. وفي صفته، صلى الله
عليه وسلم، في عينه كَحَل؛ الكَحَل، بفتحتين: سواد في أَجفان العين
(*
قوله «في اجفان العين» صوابه في اشفار العين كما في هامش الأصل) خلقة . وفي
حديث أَهل الجنة: جُرْد مُرْد كَحْلى؛ كَحْلى: جمع كَحيل مثل قتيل وقتلى.
وفي حديث المُلاعَنة: إِن جاءت به أَدْعَج أَكْحَل العينين. والكَحْلاء
من النعاج: البيضاء السوداء العينين. وجاء من المال بكُحْل عَيْنيْن أَي
بقدر ما يملؤهما أَو يغَشِّي سوادهما.
أَبو عبيد: ويقال لفلان كُحْل ولفلان سَواد أَي مال كثير. قال: وكان
الأَصمعس يتأَول في سَواد العراق أَنه سمي به للكثرة؛ قال الأَزهري: وأَما
أَنا فأَحسبه للخُضْرة. ويقال: مضى لفلان كُحْل أَي مال كثير.
والكَحْلة: خرزة سواد تجعل على الصبيان. وهي خرزة العين والنفس تجعل من
الجن والإِنس، فيها لونان بياض وسواد كالرُّبِّ والسَّمْن إِذا اختلطا،
وقيل: هي خرزة تُستعطَف بها الرجال؛ وقال اللحياني: هي خرزة تُؤخِّذ بها
النساءُ الرجال.
وكُحْل العُشْبِ: أَن يُرَى النبت في الأُصول الكبار وفي الحشيش
مخضَرّاً إِذا كان قد أُكل، ولا يقال ذلك في العِضاه. واكْتَحَلَت الأَرض
بالخُضْرة وكَحَّلَت وتَكَحَّلَت وأَكْحَلَت واكْحالَّت: وذلك حين تُرِي
أَوَّلَ خضرةِ النبات.
والكَحْلاء: عُشْبة رَوْضِيَّة سوداء اللَّوْن ذات ورَق وقُضُب، ولها
بُطون حمر وعِرْق أَحمر ينبت بنَجْد في أَحْويَةِ الرَّمْل. وقال أَبو
حنيفة: الكَحْلاء عُشْبة سُهْلية تنبُت على ساقٍ، ولها أَفْنان قليلة ليِّنة
وورَق كورَق الرَّيْحان اللِّطاف خضرٌ ووَرْدة ناضرة، لا يرعاها شيء
ولكنها حسنة المَنْظَر؛ قال ابن بري: الكَحْلاء نبت ترعاه النحل؛ قال الجعدي
في صفة النحل:
قُرْع الرُّؤوس لصَوْتها جَرْسٌ،
في النَّبْع والكحْلاء والسِّدْر
والإِكْحال والكَحْل: شدَّة المَحْل. يقال: أَصابهم كَحْل ومَحْل.
وكَحْلُ: السنة الشديدة، تصرف ولا تصرف على ما يجب في هذا الضرْب من المؤنث
العلم؛ قال سلامة بن جندل:
قومٌ، إِذا صَرَّحت كَحْلٌ، بُيوتُهُمُ
مأْوَى الضَّرِيكِ، ومأْوَى كلِّ قُرْضُوب
فأَجراه الشاعرُ لحاجته إِلى إِجْرائه؛ القُرْضوب ههنا: الفقير. ويقال:
صٍرَّحت كَحْلُ إِذا لم يكن في السماء غَيْم. وحكى أَبو عبيد وأَبو حنيفة
فيها الكَحْل، وبالأَلف واللام، وكرهه بعضهم. الجوهري: يقال للسنة
المجدبة كَحْل، وهي معرفة لا تدخلها الأَلف واللام. وكَحَلَتْهم السِّنون:
أَصابتهم؛ قال:
لَسْنا كأَقْوامٍ إِذا كَحَلَتْ
إِحدى السِّنين، فَجارُهم تَمْرُ
يقول: يأْكلون جارَهم كما يؤكل التمر. وقال أَبو حنيفة: كَحَلَت السنةُ
تَكْحَل كَحْلاً إِذا اشتدَّت. الفراء: اكْتَحَل الرجل إِذا وقع بشدَّة
بعد رخاء. ومن أَمثالهم: باءت عَرَارِ بِكَحْلٍ؛ إِذا قُتِل القاتل
بمقتولة. يقال: كانتا بَقَرَتين في بني إِسرائيل قُتلت إِحداهما بالأُخرى؛ قال
الأَزهري: من أَمثال العرب القديمة قولهم في التساوي: باءتْ عَرارِ
بكَحْلٍ؛ قال ابن بري: كَحْل اسم بقرة بمنزلة دَعْد، يصرف ولا يصرف، فشاهد
الصرف قول ابن عنقاء الفزاري:
باءتْ عَرارٌ بكَحْلٍ والرِّفاق معاً،
فلا تَمَنَّوْا أَمانيَّ الأَباطِيل
وشاهد ترك الصرف قول عبد الله بن الحجاج الثعلبي من بني ثعلبة بن ذبيان:
باءتْ عَرارِ بكَحْل فيما بيننا،
والحقُّ يعرِفه ذَوُو الأَلباب
وكَحْلَةُ: من أَسماء السماء. قال الفارسي: وتأَلَّهَ قيس بن نُشْبة في
الجاهلية وكان مُنَجِّماً متفلسِفاً يخبر بمبعث النبي، صلى الله عليه
وسلم، فلما بعث أَتاه قيس فقال له: يا محمد ما كَحْلة؟ فقال: السماء، فقال:
ما مَحْلة؟ فقال: الأَرض، فقال: أَشهد أَنك الرسول الله فإِنَّا قد وجدنا
في بعض الكتب أَنه لا يعرف هذا إِلاَّ نبيّ؛ وقد يقال لها الكَحْل، قال
الأُموي: كَحْلٌ السماء؛ وأَنشد للكميت:
إِذا ما المراضِيعُ الخِماصُ تأَوَّهَتْ،
ولم تَنْدَ من أَنْواءِ كَحْلٍ جَنُوبها
والأَكْحَل: عِرْق في اليد يُفْصَد، قال: ولا يقال عرق الأَكْحَل. قال
ابن سيده: يقال له النَّسا في الفخِذ، وفي الظهر الأَبْهَرَ، وقيل:
الأَكْحَل عِرْق الحياة يُدْعى نَهْرَ البدَن، وفي كل عضو منه شعبة لها اسم على
حِدَة، فإِذا قطع في اليد لم يَرْقإِ الدمُ. وفي الحديث: أَن سعداً رمي
في أَكْحَله؛ الأَكْحَل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده.
والمِكْحالان: عظمان شاخِصان مما يلي باطنَ الذراعين من مركبهما، وقيل:
هما في أَسفل باطن الذراع، وقيل: هما عَظْما الوَرِكين من الفرس.
والكُحَيْل، مبني على التصغير: الذي تطلى به الإِبل للجرَب، لا يستعمل
إِلاَّ مصغَّراً؛ قال الشاعر:
مثل الكُحَيْل أَو عَقِيد الرُّبِّ
قيل: هو النِّفْط والقَطِران، إِنما يطلى به لِلدَّبَر والقِرْدان
وأَشباه ذلك؛ قال علي بن حمزة: هذا من مشهور غلط الأَصمعي لأَن النِّفْط لا
يطلى به للجرَب وإِنما يطلى بالقَطِران، وليس القَطِران مخصوصاً بالدَّبَر
والقِرْدان كما ذكر؛ ويفسد ذلك قول القَطِران الشاعر:
أَنا القَطِران والشُّعَراءُ جَرْبى،
وفي القَطِران للجَرْبى شِفاءُ
وكذلك قول القُلاَّخ المِنْقَري:
إِني أَنا القَطِرانُ أَشْفي ذا الجَرَبْ
وكُحَيْلَةُ وكُحْل: موضعان.
سجلط: السِّجِلاّطُ، على فِعِلاَّلٍ: الياسَمِينُ، وقيل: هو ضرْب من
الثّياب، وقيل: هي ثياب صُوف، وقيل: هو النَّمَطُ يُغَطَّى به الهَوْدَجُ،
وقيل: هو بالرومية سِجِلاَّطُس. الفراء: السِّجِلاّطُ شيء من صوف تُلْقِيه
المرأَةُ على هَوْدَجِها، وقيل: هي ثياب مَوْشيّة كأَنَّ وشْيهَا خاتَم،
وهي زعموا رُومِيّة؛ قال حميد بن ثور:
تخَيَّرْنَ إِمّا أُرْجُواناً مُهَذَّباً،
وإِمّا سِجِلاَّطَ العِراقِ المُخَتَّما
أَبو عمرو: يقال للكساء الــكُحْليّ سِجلاّطِيّ. ابن الأَعرابي: خَزٌّ
سِجِلاَّطِيٌّ إِذا كان كُحْلِيّــاً. وفي الحديث: أُهْدِيَ له طَيْلَسانٌ من
خَزٍّ سِجِلاَّطيٍّ، قيل: هو الــكُحْليُّ، وقيل: على لون السِّجلاّطِ، وهو
الياسَمِينُ، وهو أَيضاً ضرب من ثياب الكَتَّان ونمط من الصوف تلقيه
المرأَة على هَوْدَجِها. يقال: سِجِلاَّطِيٌّ وسِجلاَّطٌ كرُومِيٍّ
ورُومٍ.والسِّنْجِلاطُ: موضع، ويقال: ضَرْبٌ من الرَّياحِين؛ قال
الشاعر:أُحِبُّ الكَرائنَ والضَّوْمَرانَ،
وشُرْبَ العَتِيقةِ بالسِّنْجِلاط
عتق: العِتْقُ: خلاف الرِّق وهو الحرية، وكذلك العَتاقُ، بالفتح،
والعَتاقةُ؛ عَتَقَ
العبدُ يَعْتِقُ عِتْقاً وعَتْقاً وعَتاقاً وعَتاقَةً، فهو عَتيقٌ
وعاتِقٌ، وجمعه عُتَقاء، وأَعْتَقْتُه أَنا، فهو مُعْتَقٌ وعَتيقٌ، والجمع
كالجمع، وأَمَةٌ عَتيقٌ وعَتيقَةٌ في إِماءٍ عَتائِق. وفي الحديث: لن يَجْزي
ولدٌ والده إِلاَّ أَن يجده مملوكاً فيشتريه فيَعْتِقَه؛ قال ابن
الأَثير: وقوله فيَعْتِقَه ليس معناه استئناف العِتْقِ فيه بعد الشراء لأَن
الإجماع منعقد أَن الأَب يَعْتقُ
على الابن إِذا ملكه في الحال وإِنما معناه أَنه إِذا اشتراه فدخل في
ملكه عتق عليه، فلما كان الشِّراءُ
سبباً لعَتقِه أُضيف العِتقُ إِليه، وإِنما كان هذا جَزاء له لأَن
العِتْقَ أَفضل ما يُنْعِم به أَحدٌ على أَحد، إِذ خلصه بذلك من الرقِّ وجَبَر
به النقص الذي له وتكمل له أَحكام الأَحرار في جميع التصرفات.
وفلان مَولى عَتاقَةٍ ومَوْلىً عَتيقٌ ومَوْلاةٌ عتيقةٌ ومَوالٍ
عُتَقاء ونساء عَتائق: وذلك إِِذا أُعْتِقْنَ. وحلف بالعَتاقِ أَي
الإِعْتاق.وعَتيقٌ: اسم الصدِّيق، رضي الله عنه، قيل: سمي بذلك لأَن الله تبارك
وتعالى أَعْتَقَه من النار، واسمه عبد الله بن عثمان؛ روت عائشة أَن أَبا
بكر دخل على النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أَبا بكر أَنت عَتيقُ
الله من النار، فمِنْ يومئذ سُمِّي عَتيقاً. وفي حديث أَبي بكر، رضي الله
عنه: أَنه سمي عَتيقاً لأَنه أُعْتِقَ من النار؛ سماه به النبي، صلى الله
عليه وسلم، وقيل: كان يقال له عَتيقٌ لجماله.
وعَتَقَتْ عليه يمينٌ تَعْتِقُ: سبقت وتقدمت، وكذلك عَتُقَتْ، بالضم،
أَي قَدُمت ووجبت كأَنه حفظها فلم يحنث. وعَتَقَتْ منِّي يمين أَي سبقت؛
وأَنشد لأَوس بن حجر:
عليّ أَليَّةٌ عَتَقَتْ قديماً،
فليس لها، وإِن طُلِبَتْ، مَرامُ
أَي لزمتني، وقيل أَي ليس لها حيلة وإِن طُلِبَتْ. أَبو زيد: أَعْتَقَ
يمينَه أَي ليس لها كفارة. وعَتَقَت الفرسُ تَعْتِقُ وعَتُقتِ عِتْقاً:
سبقت الخيل فَنَجَتْ. وفرس عاتِقٌ: سابق. ورجل مِعْتاقُ الوَسيقَة إِذا
طَرَدَ طَريدةً سبق بها، وقيل: سَبَقَ بها وأَنجاها؛ قال أَبو المثلم يرثي
صخراً:
حامِي الحَقيقَةِ نسَّالُ الوَدِيقة، مِعْـ
ـتاقُ الوَسيقَةِ، لا نِكْسٌ ولا واني
قال: ولا يقال مِعْناق.
والعاتِقُ: الناهض من فِراخ القطا. قال أَبو عبيد: ونرى أَنه من السبق
على أَنه يَعْتقُ
أَي يسبق. يقال: هذا فرخ قطاة عاتِقٌ إِذا كان قد اسْتَقَلّ وطار.
وعِتاقُ
الطير: الجوارح منها، والأَرْحَبِيَّاتُ العِتاقُ: النجائب منها، وقيل:
العاتِقُ من الطير فوق الناهض، وهو في أَول ما يَتَحَسَّرُ ريشه الأَول
وينبت له ريش جُلْذِيّ أَي شديد، وقيل: العاتِقُ من الحمام ما لم يُسِنّ
ويَسْتَحْكِم، والجمع عُتَّق. وجارية عاتِقٌ: شابة، وقيل: العاتِقُ البكر
التي لم تَبِنْ عن أَهلها، وقيل: هي التي بين التي أَدركت وبين التي
عَنَسَتْ: والعاتِقُ: الجارية التي قد أَدركت وبلغت فخُدِّرَتْ في بيت أَهلها
ولم تتزوج، سمّيت بذلك لأنها عَتَقَتْ عن خدمة أَبويها ولم يملكها زوج
بعدُ، قال الفارسي: وليس بقوي؛ قال الشاعر:
أَقِيدي دَماً، يا أُمَّ عمرو، هَرَقْتِه
بكفَّيْك، يوم الستر، إِذ أَنْتِ عاتِقُ
وقيل: العاتِقُ الجارية التي قد بلغت أَن تَدَرَّعَ وعَتَقَتْ من
الصِّبا والاستعانة بها في مِهْنَةِ
أَهلها، سمِّيت عاتِقاً بها، والجمع في ذلك كله عَواتِق؛ قال زهير بن
مسعود الضبي:
ولم تَثِقِ العَواتِقُ من غٍيورٍ
بغَيْرَتِه، وخَلَّيْنَ الحِجالا
وفي الحديث: خرجب أُم كلثوم بنت عقبة وهي عاتِقٌ قبل هجرتها؛ قال ابن
الأَثير: العاتِقُ الشابة أَول ما تُدْرِكُ، وقيل: هي التي لم تَبِنْ من
والديها ولم تتزوج وقد أَدركت وشَبَّت، ويجمع على العُتَّقِ، ومنه حديث أُم
عطية: أُمِرْنا أَن نخرج في العيدين الحُيَّض والعُتَّق، وفي رواية:
العَواتِق؛ يقال: عَتَقَتِ الجارية، فهي عاتِقٌ، مثل حاضَتْ، فهي حائضٌ. وكل
شيء بلغ إِناهُ فقد عَتَقَ.
والعَتقُ: الكريم الرَّائعُ من كل شيء والخيارُ
من كل شيء التمر والماء والبازي والشَّحْم. والعِتْقُ: الكَرَمُ؛ يقال:
ما أَبْيَنَ العِتْقَ في وجه فلان يعني الكرم. والعِتْقُ: الجمال. وفرس
عَتقٌ: رائع كريم بَيِّن العِتْقِ، وقد عَتُقَ عَتاقَةً، والاسم
العِتْقُ، والجمع العِتاقُ. وامرأَة عَتِيقةٌ: جميلة كريمة؛ وقوله:
هِجانُ المُحَيَّا عَوْهَجُ الخَلْقِ، سُرْبِلَتْ
من الحُسْنِ سِرْبالاً عَتِيقَ البَنائقِ
يعني حَسَن البنائق جميلها. والعُتُقُ: الشجر التي يتخذ منها القسيّ
العربية؛ عن أَبي حنيفة، قال: يراد به كَرَمُ القوس لا العِتْق الذي هو
القِدَم. وقال مُرَّة عن أَبي زياد: العِتْق الشجر التي تعمل منها القِسِيُّ،
قال: كذا بلغني عن أَبي زياد والذي نعرفه العُتُق. والعَتيقُ: فحل من
النخل معروف لا تَنْفُضُ نخلته. وعَتيقُ الطير: البازي؛ قال لبيد:
فانْتَضَلْنا، وابنُ سَلْمى قاعدٌ،
كعَتيقِ الطير يُغْضى ويُحَلّ
ابن سلمى: النعمان، وإِنما ذكر مقامته مع الربيع بين يدي النعمان. ابن
الأَعرابي: كلُّ شيء بلغ النهاية في جودةٍ أَو رداءة أَو حسن أَو قبح، فهو
عَتيقٌ، وجمعه عَتُقٌ. والعاتِقةُ من القوس: مثل العاتِكَةِ، وهي التي
قَدُمت واحْمَرّت. والعَتيقُ: القديم من كل شيء حتى قالوا رجل عَتيقٌ أَي
قديم. وفي الحديث: عليكم بالأَمر العَتيقِ أَي القديم الأَول، ويجمع على
عِتاقٍ كشريف وشِرافٍ. ومنه حديث ابن مسعود: إِنهنَّ من العِتاقِ
الأُوَلِوهنِّ من تلادي؛ أَراد بالعِتاقِ الأُولِ
السور اللاتي أُنْزِلت أَولاً بمكة وأَنها من أَول ما تعلَّمه من ا
لقرآن. وقد عَتُقَ عِتْقاً وعَتاقَةً أَي قَدُم وصار عَتيقاً، وكذلك عَتَقَ
يَعْتُقُ مثل دَخَل يدخُل، فهو عاتِقٌ، ودنانير عُتُقٌ، وعتَّقْتُه أَنا
تَعْتيقاً. وفي التنزيل: ولْيَطَّوَّفوا بالبيت العَتيقِ. وفي حديث ابن
الزبير أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إِنما سَمَّى الله
البيتَالعَتيقَ لأَن الله أَعْتَقَه من الجبابرة فلم يَظْهر عليه جَبَّار قط،
والبيت العَتيقُ بمكة لقدمه لأَنه أَول بيت وضع للناس؛ قال الحسن: هو
البيت القديم، دليله قوله تعالى: إن أَول بيت وُضِعَ للناس للَّذِي بِبَكَّة
مباركاً؛ وقيل: لأَنه أُعْتِقَ من الغرق أَيام الطوفان، دليله قوله
تعالى: وإُذْ بوَّأْنا لإِبراهيم مكان البيت؛ وهذا دليل على أَن البيت رُفِع
وبقي مكانُه، وقيل: إِنه أُعْتِقَ من الجبابرة ولم يَدَّعِهِ منهم أُحد،
وقيل: سمي عَتيقاً لأَنه لم يملكه أَحد، والأَول أَولى. وقال بعض حُذَّاق
اللغويين. العِتْقُ للمَوَات كالخمر والتمر، والقِدَمُ للمَوَات
والحيوانِ جميعاً. وخمر عَتِيقةٌ: قديمة حُبست زماناً
في ظرفها؛ فأَما قول الأَعشى:
وكأَنَّ الخَمْر العَتيقَ من الإِسْـ
ـفَنْطِ مَمْزوجةٌ بماءٍ زُلالٍ
فإِنه قد يُوَِجَّه على تذكير الخمر، فإِما أَن يكون تذكير الخمر
معروفاً. وإِما أَن يكون وَجهَّهَا على إِرادة الشراب، ومثله كثير، أَعني الحمل
على المعنى، قال أَبو حنيفة: وإِن شئت جعلت فَعيلاً هنا في معنى مفعول
كما تقول عينٌ كحيلٌ، فتكون الخمر مؤنثة على اللغة المشهورة. ويقال
لجَيَّدِ الشراب عاتقٌ، والعاتِقُ: الخمر القديمة؛ قال حسان:
كالمِسْكِ تَخْلِطُه بماء سَحابةٍ
أَو عاتِقٍ، كدم الذَّبيحِ مُدَامِ
وقد عَتَقَت الخمرُ
وعَتَّقَها. والمُعَتَّقَةُ: من أَسماء الطِّلاء والخمر؛ قال الأَعشى:
وسَبيئَة مما تُعَتِّقُ بابِلٌ،
كدَمِ الذَّبيحِ سَلَبْتُها جِرْيالَها
والمُعَتَّقَةُ: الخمر التي عَتِّقَتْ زماناً حتى عَتُقَتْ. والعاتِقُ:
كالعَتِيقَةِ، وقيل: هي التي لم يَفُضَّ أَحدٌ ختامها كالجارية العاتِقِ،
وقيل: هي لم تُفْتَضَّ؛ قال لبيد:
أُغْلي السِّباءَ بكل أَدْكَنَ عاتِقٍ،
أَو جَونةٍ قُدِحَت وفُضَّ خِتامُها
وبَكْرَةٌ عَتيقَةٌ إِذا كانت نجيبة كريمة. وقال أَعرابي: لا نَعُدُّ
البَكْرةَ
بَكْرَةً حتى تَسْلم من القَرْحة والعُرَّة، فإِذا منهما فقد عَتُقَتْ
وثبتت، ويروى نبتت. وعَتُقت: قدُمت؛ وكل ذلك عن ابن الأَعرابي. وقال ثعلب:
قد عَتَقَتْ، بالفتح، تَعْتِق عِتْقاً أَي نَجَتْ فسبقت. وأعْتقها
صاحبها أَي أََعجلها وأَنجاها. وعَتَق السمن وعَتْق: يعني قَدُم؛ عن اللحياني.
والعَتيقُ: الماء، وقيل: الطِّلاء والخمر، وقيل: اللبن. وعَتَّقَ بِفِيه
يُعَتِّقُ إِذا بَزَمَ وعض.
والعِتْقُ: صلاح المال. وعَتَقَ المال عِتْقاً: صلح، وعَتَقَه وأَعْتَقه
فَعَتَق: أَصلحه فصلح، وعَتُقَ فلان بعد استعلاج يَعْتُق، فهو عَتيقٌ:
رقَّ وصار عَتيقاً، وهو رقة الجلد، أَي رَقَّت بَشَرته بعد الغلظ والجفاء،
وعَتَقَ التمر وغيره وعَتُقَ، فهو عَتيقٌ: رقَّ جلده، وعَتُقَ
يَعْتُق إِذا صار قديماً. وقال أَبو حنيفة: العَتيقُ اسم للتمر عَلَم؛
وأَنشد قول عنترة:
كَذَب العَتيقُ وماءُ شَنّ باردٌ،
إِن كنتِ سائِلَتي غَبُوقاً فاذهبي
قيل: إِنه أَراد بالعَتيق التمر الذي قد عَتُق؛ خاطب امرأَته حين عاتبته
على إِيثار فرسه بأَلبان إِبله فقال لها: عَلَيك بالتمر والماء البارد
وذَرِي اللبن لفرسي الذي أَحميك على ظهره، وقال: هو الماء نفسه؛ وهذه
الأَبيات قيل إِنها لعنترة، وقال ابن خالويه: إِنها لخُزَز بن لَوْذَان
السدوسي، وهي:
كَذَب العتيقُ وماء شنّ باردٌ،
إِن كنت سائِلَتي غَبوقاً فاذهبي
لا تُنْكِري فرسي وما أَطعمْتُه،
فيكونَ لونُكِ مثلَ لون الأَجْرَبِ
إِني لأَخْشَى أَن تَقول حَليلَتي:
هذا غُبار ساطعٌ فَتَلَبَّبِ
إنِّ الرجالَ لهُمْ إِليك وسِيلةٌ
أَن يأْخذوك تَــكَحَّلي وتخَضَّبي
ويكون مَرْكَبُكِ القَلوصَ وظِلَّهُ،
وابنُ النَّعامَةِ يوم ذلك مَرْكَبي
قال: والعَتيقُ التمر الشهْريزُ، وجمعه عَتُق.
والعاتِقُ: ما بين المَنْكب والعُنُقِ، مذكر وقد أُنث وليس بثبت؛ وزعموا
أَن هذا البيت مصنوع وهو:
لا نَسَبَ اليومَ ولا خُلَّةٌ،
اتِّسَعَ الفَتْقُ على الراتِقِ
لا صُلْحَ بيني، فاعْلَموهُ، ولا
بينكُمُ، ما حَمَلَتْ عاتِقي
سيفي وما كنَّا بنَجْدٍ، وما
قَرْقَر قُمْرُ الوادِ بالشاهِقِ
قال ابن بري: والعاتِقُ مؤنثة، واستشهد بهذه الأَبيات ونسبها لأبي عامر
جدِّ العباس بنِ مِرْداس وقال: ومن روى البيت الأَول:
اتَّسَعَ الخرقُ على الراقِع
فهو لأَنس بن العباس بن مرداس؛ قال اللحياني: هو مذكر لا غير، وهما
عاتِقانِ والجمع عُتْق وعُتَّق وعواتِقُ. ورجل أَمْيَلُ العاتِقِ: معْوَجُّ
موضع الرداء. والعاتِقُ: الزِّقُّ الواسع الجيد؛ وبه فسر بعضهم قول
لبيد:أَغْلى السِّباءَ بكل أَدْكَنَ عاتِقٍ
وقد تقدم؛ قال الأَزهري: جعل العاتِقَ زقاًّ لما رآه نعتاً للأَدْكن
وإِنما أراد بالعاتِقِ جيّدَ الخمر وهو كقوله: أَو جَوْنةٍ قُدِحَتْ، وإِنما
قدح ما فيها، والجَونة: الخابية، والقَدْح الغَرْف. وقال الجوهري: هو
الزِّقّ الذي طابت رائحته، وقوله بِكُلّ يعني من كل، والسِّباء: اشتراء
الخمر. والعاتِقُ أَيضاً: المزادة الواسعة. والمُعَتَّقةُ: ضرب من
العطر.وأَبو عَتيقٍ: كنية، ومنه ابن أَبي عَتيقٍ هذا الماجِنُ المعروف، وإِنما
قيل قَنْطرة عَتيقَةٌ، بالهاء، وقنطرة جَديدٌ، بلا هاء، لأَن العَتيقَةَ
بمعنى الفاعلة والجديد بمعنى المفعولة ليُفْرَقَ
بين ما له الفعل وبين ما الفعل واقع عليه.
برك: البَرَكة: النَّماء والزيادة. والتَّبْريك: الدعاء للإنسان أو غيره
بالبركة. يقال: بَرَّكْتُ عليه تَبْريكاً أي قلت له بارك الله عليك.
وبارك الله الشيءَ وبارك فيه وعليه: وضع فيه البَرَكَة. وطعام بَرِيك: كأنه
مُبارك. وقال الفراء في قوله رحمة الله وبركاته عليكم، قال: البركات
السعادة؛ قال أبو منصور: وكذلك قوله في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته، لأن من أسعده الله بما أسعد به النبي، صلى الله عليه
وسلم، فقد نال السعادة المباركة الدائمة. وفي حديث الصلاة على النبي، صلى
الله عليه وسلم: وبارِكْ على محمد وعلى آل محمد أي أَثْبِتْ له وأدم ما
أعطيته من التشريف والكرامة، وهو من بَرَكَ البعير إذا أناخ في موضع فلزمه؛
وتطلق البَرَكَةُ أيضاً على الزيادة، والأَصلُ الأَولُ. وفي حديث أم سليم:
فحنَّكه وبَرَّك عليه أي دعا له بالبركة. ويقال: باركَ الله لك وفيك
وعليك وتَبَارك الله أي بارك الله مثل قاتَلَ وتَقاتَلَ، إلا أن فاعلَ يتعدى
وتفاعلَ لا يتعدى. وتَبَرّكْتُ به أي تَيَمَّنْتُ به. وقوله تعالى: أن
بُورِكَ مَنْ في النار ومَنْ حولَها؛ التهذيب: النار نور الرحمن، والنور
هو الله تبارك وتعالى، ومَنْ حولها موسى والملائكة. وروي عن ابن عباس: أن
برك من في النار، قال الله تعالى: ومَنْ حولها الملائكة، الفراء: إنه في
حرف أُبَيٍّ أن بُورِكَت النارُ ومنْ حولها، قال: والعرب تقول باركَكَ
الله وبارَكَ فيك، قال الأَزهري: معنى بَرَكة الله عُلُوُّه على كل شيء؛
وقال أبو طالب بن عبد المطلب:
بُورِكَ المَيِّتُ الغريبُ، كما بُو
رك نَضْحُ الرُّمَّان والزيتون
وقال:
بارَك فيك اللهُ من ذي ألِّ
وفي التنزيل العزيز: وبارَكْنا عليه. وقوله: بارَكَ الله لنا في الموت؛
معناه بارك الله لنا فيما يؤدينا إليه الموت؛ وقول أبي فرعون:
رُبَّ عجوزٍ عِرْمس زَبُون،
سَرِيعة الرَّدِّ على المسكين
تحسب أنَّ بُورِكاً يكفيني،
إذا غَدَوتُ باسِطاً يَميني
جعل بُورِك اسماً وأعربه، ونحوٌ منه قولهم: من شُبٍّ إلى دُبٍّ؛ جعله
اسماً كدُرٍّ وبُرٍّ وأعربه. وقوله تعالى يعني القرآن: إنا أنزلناه في ليلة
مُباركةٍ، يعني ليلة القدر نزل فيها جُملةً إلى السماء الدنيا ثم نزل
على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شيئاً بعد شيء. وطعام بَرِيكٌ:
مبارك فيه. وما أبْرَكَهُ: جاء فعلُ التعجب على نية المفعول. وتباركَ
الله: تقدَّس وتنزه وتعالى وتعاظم، لا تكون هذه الصفة لغيره، أي تطَهَّرَ.
والقُدْس: الطهر. وسئل أبو العباس عن تفسير تبارَكَ اللهُ فقال: ارتفع.
والمُتبارِكُ: المرتفع. وقال الزجاج: تبارَكَ تفاعَلَ من البَرَكة، كذلك
يقول أهل اللغة. وروى ابن عباس: ومعنى البَرَكة الكثرة في كل خير، وقال في
موضع آخر: تَبارَكَ تعالى وتعاظم، وقال ابن الأَنباري: تبارَكَ الله أي
يُتَبَرَّكُ باسمه في كل أمر. وقال الليث في تفسير تبارَكَ الله: تمجيد
وتعظيم. وتبارَكَ بالشيء: تَفاءَل به. الزجاج في قوله تعالى: وهذا كتاب
أنزلناهُ مبارك، قال: المبارك ما يأتي من قِبَله الخير الكثير وهو من نعت
كتاب، ومن قال أنزلناه مباركاً جاز في غير القراءة. اللحياني: بارَكْتُ على
التجارة وغيرها أي واظبت عليها، وحكى بعضهم تباركتُ بالثعلب الذي تباركتَ
به.
وبَرَكَ البعير يَبْرُكُ بُروكاً أي استناخ، وأبرَكته أنا فبَرَكَ، وهو
قليل، والأكثر أنَخْتُه فاستناخ. وبَرَكَ: ألقى بَرْكَهُ بالأرض وهو
صدره، وبَرَكَتِ الإبل تَبْرُكُ بُروكاً وبَرَّكْتُ: قال الراعي:
وإن بَرَكَتُ منها عجاساءُ جلَّةٌ،
بمَحِّْنيَةٍ، أجلَى العِفاسَ وبَرْوَعا
وأبرَكَها هو، وكذلك النعامة إذا جَثَمَتْ على صدرها. والبَرْكُ: الإبل
الكثيرة؛ ومه قول متمم بن نُوَيْرَةَ:
إذا شارفٌ منهنَّ قامَتْ ورجعَّتْ
حَنِيناً، فأبكى شَجْوُها البَرْكَ أجمعا
والجمع البُرُوك، والبَرْكُ جمع باركٍ مثل تَجْرٍ وتاجر، والبَرْكُ:
جماعة الإبل الباركة، وقيل: هي إبل الجِواءِ كلُّها التي تروح عليها، بالغاً
ما بلغَتْ وإن كانت ألوفاً؛ قال أبو ذؤيب:
كأن ثِقالَ المُزنِ بين تُضارِعٍ
وشابَةَ بَرْكٌ، من جُذامَ، لَبِيجُ
لَبيجٌ: ضارب بنفسه؛ وقيل: البَرْك يقع على جميع ما برك من جميع الجِمال
والنُّوقِ على الماء أو الفَلاة من حر الشمس أو الشبع، الواحد بارِكٌ
والأُنثى باركة. التهذيب: الليث البَرْكُ الإبل البُرُوك اسم لجماعتها؛ قال
طرفة:
وبَرْكٍ هُجُودٍ قد أثارَتْ مَخافَتِي
بَوَاديَها، أمشي بعَضْبٍ مُجَرَّد
ويقال: فلان ليس له مَبْرَكُ جَمَلٍ. وكل شيء ثبت وأقام، فقد بَرَكَ.
وفي حديث علقمة: لا تَقْرَبْهم فإن على أبوابهم فِتَناً كَمبارِك الإبل؛ هو
الموضع الذي تبرك فيه، أراد أنها تُعْدِي كما أن الإبل الصحاح إذا أنيخت
في مَبارك الجَرْبَى جَرِبَتْ.
والبِرْكة: أن يَدِرّ لبَنُ الناقة وهي باركة فيقيمَها فيحلبها؛ قال
الكميت:
وحَلَبْتُ بِرْكتها اللَّبُو
ن، لَبون جُودِكَ غير ماضِرْ
ورجل مُبْتَرِكٌ: معتمِد على الشيء مُلِجٌّ؛ قال:
وعامُنا أعْجَبَنا مُقَدَّمُهُ،
يُدْعَى أبا السَّمْح وقِرْضابٌ سِمُهْ،
مُبْتَرِكٌ لكل عَظْمٍ يَلْحُمُهْ
ورجل بُرَكٌ: بارِكٌ على الشيء؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأنشد:
بُرَكٌ على جَنْبِ الإناء مُعَوَّدٌ
أكل البِدَانِ، فلَقْمُه مُتدارِكُ
الليث: البِرْكةُ ما وَلِيَ الأَرض من جلد بطن البعير وما يليه من
الصدر، واشتقاقه من مَبْرَك البعير، والبَرْكُ كَلْكل البعير وصدره الذي
يعدُوك. به الشيء تحته؛ يقال: حَكَّه ودكَّه وداكه بِبَرْكه؛ وأنشد في صفه
الحرب وشدتها:
فأقْعَصَتُهمْ وحَكَّتْ بَرْكَها بِهِمُ،
وأعْطَتِ النّهْبَ هَيَّانَ بن بَيَّانِ
والبَرْك والبِرْكةُ: الصدر، وقيل: هو ما ولي الأرض من جلد صدر البعير
إذا بَرَك، وقيل: البَرْك للإنسان والبِرْكة لِما سوى ذلك، وقيل: البَرْك
الواحد، والبِركة الجمع، ونظيره حَلْي وحِلْية، وقيل: البَرْكُ باطن
الصدر والبِركة ظاهره؛ والبِرْكة من الفرس الصدر؛ قال الأَعشى:
مُسْتَقْدِم البِرْكَة عَبْل الشَّوَى،
كَفْتٌ إذا عَضَّ بفَأسِ اللِّجام
الجوهري: البَرْكُ الصدر، فإذا أدخلت عليه الهاء كسرت وقلت بِرْكة؛ قال
الجعدي:
في مِرْفَقَيْهِ تَقاربٌ، ولَهُ
بِرْكَةُ زَوْرٍ كَجبأة الخَزَمِ
وقال يعقوب: البَرْكُ وسط الصدر؛ قال ابن الزِّبَعْرى:
حين حَكَّتْ بقُباءٍ بَرْكَها،
واسْتَحَرَّ القتل في عَبْدِ الأَشَلّ
وشاهد البِرْكة قول أبي دواد:
جُرْشُعاً أعْظَمُه جَفْرَتُه،
ناتِئُ البِرْكةِ في غير بَدَدْ
وقولهم: ما أحسن بِرْكَة هذه الناقة وهو اسم للبُروك، مثل الرِّكبة
والجِلْسة.
وابْتَرك الرجل أي ألقى بِرْكه. وفي حديث علي بن الحسين: ابْتَرَكَ
الناسُ في عثمان أي شتموه وتنقَّصوه. وفي حديث علي: ألقت السحابُ بَرْكَ
بَوانِيها؛ البَرْكُ الصدر، والبَوانِي أركان البِنْية. وابْتَرَكْتُه إذا
صرَعته وجعلته تحت بَرْكك. وابْتَرَك القوم في القتال: جَثَوْا على
الرُّكَب واقتتلوا ابتِراكاً، وهي البَرُوكاءُ والبُرَاكاءُ.
والبَراكاءُ: الثَّبات في الحرب والجِدّ، وأصله من البُروك؛ قال بشر بن
أبي خازم:
ولا يُنْجي من الغَمَراتِ إلاَّ
بَرَاكاءُ القتال، أو الفِرار
والبَراكاءُ: ساحة القتال. ويقال في الحرب: بَراكِ براكِ أي ابْرُكوا.
والبُرَاكِيَّة: ضرب من السفن.
والبُرَكُ والبارُوك: الكابُوس وهو النِّيدِلانُ، وقال الفرّاء:
بَرَّكانِيٌّ، ولا يقال بَرْنَكانيّ.
وبَرْك الشتاء: صدره؛ قال الكميت:
واحْتَلَّ برْكُ الشتاء مَنْزِلَه،
وبات شيخ العِيالِ يَصْطَلِبُ
قال: أراد وقت طلوع العقرب وهو اسم لعدَّة نجوم: منها الزُّبانَى
والإكْلِيلُ والقَلْبُ والشَّوْلة، وهو يطلع في شدة البرد، ويقال لها البُرُوك
والجُثُوم، يعني العقرب، واستعار البَرْكَ للشتاء أي حل صَدر الشتاء
ومعظمه في منزله، يصف شدة الزمان وجَدّبه لأن غالب الجدب إنما يكون في
الشتاء. وبارَكَ على الشيء: واظب. وأبْرَكَ في عَدْوه: أسرع مجتهداً، والاسم
البُروك؛ قال:
وهنَّ يَعْدُون بنا بُروكا
أي نجتهد في عدوها. ويقال: ابْتَرَكَ الرجل في عرض أخيه يُقَصِّبُه إذا
اجتهد في ذمه، وكذلك الابتِراك في العدو والاجتهاد فيه، ابْتَرَكَ أي
أسرع في العَدْو وجدَّ؛ قال زهير:
مَرّاً كِفاتاً، إذا ما الماءُ أسْهَعلَها،
حتى إذا ضُربت بالسوط تَبْتَرِكُ
وابْتِراكُ الفرس: أن يَنْتَحِي على أحد شقيه في عَدْوه. وابْتَرَكَ
الصَّيقَلُ: مال على المِدْوَسِ في أحد شقيه. وابتركت السحابة: اشتدّ
انهلالها. وابْتَرَكت السماء وأبركت: دام مطرها. وابْتَركَ السحابُ إذا ألَحّ
بالمطر. وابْتَرَكَ في عَرْض الحَبل: تَنَقّصه. ابن الأَعرابي: الخَبِيصُ
يقال له البُرُوك ليس الرُّبُوك. وقال رجل من الأَعراب لامرأته: هل لكِ
في البُرُوك؟ فأجابته: إن البُرُوك عمل الملوك؛ والاسم منه البَرِيكة،
وعمله البُرُوك، وأول من عمل الخَبِيص عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وأهداها
إلى أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، وأما الرَّبِيكة فالحَيْس؛ وروى
إبراهيم عن ابن الأَعرابي أنه أنشد لمالك بن الريب:
إنا وجدنا طَرَدَ الهَوَامِلِ،
والمشيَ في البِرْكةِ والمَراجِلِ
قال: البِرْكةُ جنس من برود اليمن، وكذلك المَرَاجل. والبُرْكة:
الحَمَالة ورجالها الذين يسعون فيها؛ قال:
لقد كان في لَيْلى عطاء لبُرْكةٍ،
أناخَتْ بكم تَرْجو الرغائب والرِّفْدا
ليلى هنا ثلثمائة من الإبل كما سموا المائة هِنْداً، ويقال للجماعة
يتحملون حَمالةً بُرْكَةٌ وجُمَّة؛ ويقال: أبرَكْتُ الناقة فَبَركَتْ
بُرُوكاً. والتَّبْراك: البُروك؛ قال جرير:
لقد قَرِحَتْ نَغَانِغُ ركبتيها
من التَّبْراك، ليس من الصَّلاةِ
وتِبْراك، بكسر التاء: موضع بحذاء تِعْشار؛ قال مرار بن مُنْقِذ:
أعَرَفْت الدَّارَ أم أنْكَرْتها،
بين تِبْراكٍ فشَسَّيْ عَبَقُرْ؟
والبِرْكةُ: كالحوض، والجمع البِرَكُ؛ يقال: سميت بذلك لإقامة الماء
فيها. ابن سيده: والبِرْكَةُ مستنقع الماء. والبِرْكةُ: شبه حوض يحفر في
الأَرض لا يجعل له أعضاد فوق صعيد الأرض، وهو البِرْكُ أيضاً؛ وأنشد:
وأنْتِ التي كَلَّفْتِني البِرْكَ شاتياً
وأوْردتِنيه، فانْظُرِي، أي مَوْرِدِ
ابن الأعرابي البِرْكةُ تَطْفَحُ مثل الزَّلَف، والزَّلَفُ وجه المرآة.
قال أبو منصور: ورأيت العرب يسمون الصَّهاريج التي سُوِّيت بالآخر
وضُرِّجَتْ بالنُّورة في طريق مكة ومناهلها بِرَكاً، واحدتها بِرْكةٌ، قال:
وربَّ بِرْكةٍ تكون ألف ذراع وأقل وأكثر، وأما الحِياض التي تسوّى لماء
السماء ولا تُطْوَى بالآجر فهي الأَصْناع، واحدها صِنْع، والبِرْكةُ:
الحَلْبة من حَلَب الغداة؛ قال ابن سيده: وهي البَركَةُ، ولا أحقها، ويسمون
الشاة الحَلُوبة: بِرْكةً.
والبَروك من النساء: التي تتزوج ولها ولد كبير بالغ.
والبِراكُ: ضرب من السمك بحري سود المناقير.
والبُركة، بالضم: طائر من طير الماء أبيض، والجمع بُرَك وأبْراك
وبُرْكان، قال: وعندي أن أبْرَاكاً وبُرْكاناً جمع الجمع. والبُرَكُ أيضاً:
الضفادع؛ وقد فسر به بعضهم قول زهير يصف قطاة فَرَّتْ من صَقْر إلى ماء ظاهر
على وجه الأَرض:
حتى استغاثَتْ بماء لا رشاءَ لَهُ
من الأَباطِح، في حافاته البُرَكُ
والبِرْكانُ: ضرب من دِقِّ الشجر، واحدته بِرْكانة؛ قال الراعي:
حتى غدا حَرِضاً طَلَّى فَرائصُه،
يَرعى شقائقَ من عَلْقَى وبِرْكانِ
وقيل: هو ما كان من الحَمْض وسائر الشجر لا يطول ساقه. والبِرْكانُ: من
دِقّ النبت وهو الحمض؛ قال الأَخطل وأنشد بيت الراعي وذكر أن صدره:
حتى غدا حَرِضاً هَطْلى فرائصُه
والهطلى: واحده هِطْل، وهو الذي يمشي رُوَيداً. وواحد البِركان
بِرْكانَة، وقيل: البِرْكانُ نيت ينبت قليلاً بنجد في الرمل ظاهراً على الأَرض،
له عروق دِقاقٌ حسن النبات وهو من خير الحمض؛ قال:
بحيث الْتَقَى البِرْكانُ والحَاذُ والغَضَا
بِبِئْشَة، وارْفَضَّتْ تِلاعاً صدورُها
وفي رواية: وارْفَضَّتْ هَراعاً، وقيل: البِرْكانُ ضرب من شجر الرمل؛
وأنشد بيت الراعي:
حتى غدا حَرِضاً هَطْلى فَرائصُه
أبو زيد: البُورَقُ والبُورَكُ الذي يجعل في الطحين.
والبُرَيْكانِ: أخَوان من العرب، قال أبو عبيدة: أحدهما بارِكٌ والآخر
بُرَيْك، فغلب بُرَيْك إما للفظه، وإما لِسنّه، وإما لخفة اللفظ. وذو
بُرْكان: موضع؛ قال بشر بن أبي خازم:
تَرَاها إذا ما الآلُ خَبَّ كأنها
فَرِيد، بذي بُرْكان، طاوٍ مُلَمَّعُ
وبُرَك: من أسماء ذي الحجة؛ قال:
أعُلُّ على الهِنْديّ مَهْلاً وكَرَّةً،
لَدَى بُرَكٍ، حتى تَدُورَ الدوائرُ
وبِرْكٌ، مثال قِرْدٍ: اسم موضع بناحية اليمن؛ قال ابن بري: وبِرْكُ
الغُماد موضع باليمن. ويقال: الغِماد والغُماد، بالكسر والضم، وقيل: إن
الغِمادَ بَرَهُوت الذي جاء في الحديث أن أرواح الكافرين فيه، وحكى ابن
خالويه عن ابن دريد أن بِركَ الغِماد بقعة في جهنم، ويروى أن الأَنصار، رضي
الله عنهم، قالوا للنبي، صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنا ما نقول لك
مثل ما قال قوم موسى لموسى، اذهَبْ أنت وربك فقاتِلا، بل بآبائنا
نَفْدِيكَ وأمّهاتِنا يارسول الله ولو دعوتنا إلى بَرْكِ الغِماد؛ وأنشد ابن
دريد لنفسه:
وإذا تَنَكَّرَتِ البِلا
ذُ، فأوْلِها كَنَفَ البعاد
واجعَلْ مُقامَك، أو مَقَرْ
رَكَ جانِبَيْ بَرْكِ الغِماد
كلِّ الذَّخائِرِ، غَيْرَ تَقْـ
ـوى ذي الجَلال، إلى نَفاد
وفي حديث الهجرة: لو أمرتها أن تبلغ بها بَرْك الغُماد، بفتح الباء
وكسرها، وتضم الغين وتكسر، وهو اسم موضع باليمن، وقيل: هو موضع وراء مكة بخمس
ليال.
جرأ: الجُرأَةُ مثل الجُرْعةِ: الشجاعةُ، وقد يترك همزه فيقال: الجُرةُ مثل الكُرةِ، كما قالوا للمرأَة مَرةٌ.
ورجل جَرِيءٌ: مُقْدِمٌ من قومٍ أَجْرِئاء، بهمزتين، عن اللحياني، ويجوز حذف إِحدى الهمزتين؛ وجمعُ الجرِيِّ الوكيلِ: اجْرياءُ، بالمدة فيها همزة؛ والجَرِيءُ: المِقْدامُ.
وقد جَرُؤَ يَجْرُؤُ جُرْأَةً وجَراءةً، بالمدّ، وجَرايةً، بغير همز،
نادر، وجَرائِيةً على فعالِيةٍ، واستَجْرَأً وتَجَرَّاً وجَرَّأَه عليه حتى
اجتَرَأَ عليه جُرْأَةً، وهو جَرِيءُ الـمَقْدَم: أي جَريءٌ عند الاقدامِ.
وفي حديث ابن الزبير وبِناء الكعبة: تَرَكها حتى إِذا كان الـمَوسِمُ وقَدِمَ الناسُ يريد أَن يُجَرِّئهم عل أَهل الشام، هو من الجُرأَةِ والإِقدامِ على الشيء. أَراد أَن يَزِيدَ في جُرْأَتهِم عليهم ومُطالبَتِهِم بإِحراقِ الكعبة، ويروى بالحاء المهملة والباء، وهو مذ كور في موضعه. ومنه حديث أَبي هريرة رضي اللّه عنه قال فيه ابن عمر رضي اللّه عنهما: لكنه اجْتَرَأَ وجَبُنَّا: يريد أَنه أَقْدَمَ على الإِكثار من الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وجَبُنَّا نحن عنه، فكثُر حديثُه وقَلَّ حديثُنا. وفي الحديث: وقومُه جُرَآءُ عليه، بوزن عُلماءَ، جمع جَريءٍ: أَي مُتَسَلِّطين غيرَ هائِبين له. قال ابن الأَثير: هكذا رواه وشرحه بعض المتأَخرين،
والمعروف حِراءٌ بالحاء المهملة وسيجيء.
والجِرِّيَّة والجِرِّيئةُ: الحُلْقومُ. والجِرِّيئةُ، مـمدود: القانِصةُ، التهذيب. أَبو زيد: هي الفِرِّيَّةُ والجِرِّيَّةُ والنَّوْطةُ لِحَوْصَلةِ الطائر، هكذا رواه ثعلب عن ابن نجْدةَ بغير هَمْز؛ وأَماابن هانئ فإِنه قال: الجِرِّيئةُ <ص 45>
مهموز، لأَبي زيد، والجَرِيئةُ مثال خَطِيئةٍ: بَيْتٌ يُبْنى من حِجارة ويُجعل على بابه حَجَر يكون أَعلى الباب ويَجْعلون لحمَةَ السَّبُع في مُؤَخَّر البيت، فإِذا دَخل السبُعُ فَتناوَلَ اللَّحْمَةَ سقَط الحَجرُ على الباب فسَدَّه، وجَمْعُها جَرائِئُ، كذلك رواه أَبو زيد، قال: وهذا من الأُصول المرفوضة عند أَهل العربية إِلاَّ في الشُّذُوذ.
مأي: مَأَيْتُ في الشيء أَمْأَى مَأْياً: بالغتُ. ومأَى الشجرُ مَأْياً:
طَلَع، وقيل: أَوْرَقَ. ومَأَوْتُ الجلْدَ والدَّلوَ والسِّقاءَ مأْواً
ومَأَيْتُ السقاءَ مَأْياً إِذا وَسَّعْتَه ومددته حتى يتسع. وتَمَأّى
الجلدُ يَتَمَأّى تَمَئيّاً تَوَسَّع، وتَمَأَّتِ الدلوُ كذلك، وقيل:
تَمَئيِّها امتدادها، وكذلك الوعاء، تقول: تَمَأَّى السِّقاءُ والجِلدُ فهو
يَتَمأَّى تَمَئيِّاً وتَمَؤُّواً، وإِذا مددتَه فاتَّسع، وهو
تَفَعُّل؛وقال:
دَلْوٌ تَمَأَّى دُبِغَتْ بالحُلَّبِ،
أَو بأَعالي السَّلَمِ المُضَرَّبِ،
بُلَّتْ بِكَفَّيْ عَزَبٍ مُشَذَّبِ،
إِذا اتَّقَتْكَ بالنَّفِيِّ الأَشْهَبِ،
فلا تُقَعْسِرْها ولكِنْ صَوِّبِ
وقال الليث: المَأْيُ النَّمِيمة بين القوم. مأَيْتُ بين القوم: أَفسدت.
وقال الليث: مَأَوْتُ بينهم إِذا ضربت بعضهم ببعض، ومَأَيتُ إِذا
دَبَبْتَ بينهم بالنميمة؛ وأَنشد:
ومَأَى بَيْنَهُمْ أَخُو نُكُراتٍ
لمْ يَزَلْ ذا نَمِيمَةٍ مأْآأَا
وامرأَة مَأْآءَةٌ: نَمَّامةٌ مثل مَعَّاعةٍ، ومُسْتَقْبِلُه يَمْأَى.
قال ابن سيده: ومَأَى بين القوم مَأْيّاً أَفسَدَ ونَمَّ. الجوهري: مَأَى
ما بينهم مَأْياً أَي أَفسد؛ قال العجاج:
ويَعْتِلُونَ مَن مأَى في الدَّحْسِ،
بالمأْسِ يَرْقَى فوقَ كلِّ مَأْسِ
والدَّحْسُ والمَأْسُ: الفساد. وقد تَمَأّى ما بينهم أَي فسد. وتَمَأْى
فيهم الشَّر: فَشا واتَّسع. وامرأَة ماءةٌ، على مثل ماعةٍ: نَمَّامَةٌ
مقلوب، وقياسه مآةٌ على مِثال مَعاةٍ.
وماءَ السِّنَّوْرُ يَمُوءُ مُواءً
(* قوله« وماء السنور يموء مواء» كذا
في الأصل وهو من المهموز، وعبارة القاموس: مؤاء بهمزتين.) ومأَتِ
السنورُ كذلك إِذا صاحت، مثل أَمَتْ تَأْمُو أُماء؛ وقال غيره: ماء السنورُ
يَمْوءُ كَمَأَى. أَبو عمرو: أَمْوَى إِذا صاح صِياحَ السنورِ.
والمِائةُ: عدد معروف، وهي من الأَسماء الموصوف بها، حكى سيبويه: مررت
برجُلٍ مائةٍ إِبلُه، قال: والرفع الوجه، والجمع مِئاتٌ ومئُونَ على وزن
مِعُونَ، ومِئٌ مثال مِعٍ، وأَنكر سيبويه هذه الأَخيرة، قال: لأَن بنات
الحرفين لا يُفعل بها كذا، يعني أَنهم لا يجمعون عليها ما قد ذهب منها في
الإِفراد ثم حذفَ الهاء في الجمع، لأَن ذلك إِجحاف في الاسم وإِنما هو
عند أَبي علي المِئِيُّ. الجوهري في المائة من العدد: أَصلها مِئًي مثل
مِعًى، والهاء عوض من الياء، وإِذا جمعت بالواو والنون قلت مِئُون، بكسر
الميم، وبعضهم يقول مُؤُونَ، بالضم؛ قال الأَخفش: ولو قلت مِئاتٌ مثل مِعاتٍ
لكان جائزاً؛ قال ابن بري: أَصلها مِئْيٌ. قال أَبو الحسن: سمعت مِئْياً
في معنى مِائةٍ عن العرب، ورأَيت هنا حاشية بخط الشيخ رضِيّ الدِّين
الشاطبي اللغوي رحمه الله قال: أَصلها مِئْيةٌ، قال أَبو الحسن: سمعت مِئْيةً
في معنى مِائةٍ، قال: كذا حكاه الثمانيني في التصريف، قال: وبعض العرب
يقول مائة درهم، يشمون شيئاً من الرفع في الدال ولا يبينون، وذلك الإِخفاء،
قال ابن بري: يريد مائة درهم بإدغام التاء في الدال من درهم ويبقى
الإِشمام على حدّ قوله تعالى: ما لك لا تَأْمَنَّا؛ وقول امرأَة من بني
عُقَيْل تَفْخَرُ بأَخوالها من اليمن، وقال أَبو زيد إِنه للعامرِيَّة:
حَيْدَةُ خالي ولَقِيطٌ وعَلي،
وحاتِمُ الطائيُّ وهَّابُ المِئِي،
ولمْ يكنْ كخالِك العَبْدِ الدَّعِي
يَأْكلُ أَزْمانَ الهُزالِ والسِّني
هَناتِ عَيْرٍ مَيِّتٍ غيرِ ذَكي
قال ابن سيده: أَراد المِئِيَّ فخفف كما قال الآخر:
أَلَمْ تكنْ تَحْلِفُ باللهِ العَلي
إِنَّ مَطاياكَ لَمِنْ خَيرِ المَطِي
ومثله قول مُزَرِّد:
وما زَوّدُوني غير سَحْقِ عَباءةٍ،
وخَمْسِمِئٍ منها قَسِيٌّ وزائفُ
(* قوله« عباءة» في الصحاح: عمامة.)
قال الجوهري: هما عند الأَخفش محذوفان مرخمان. وحكي عن يونس: أَنه جمع
بطرح الهاء مثل تمرة وتمر، قال: وهذا غير مستقيم لأَنه لو أَراد ذلك لقال
مِئًى مثل مِعًى، كما قالوا في جمع لِثةٍ لِثًى، وفي جمع ثُبةٍ ثُباً؛
وقال في المحكم في بيت مُزَرِّد: أَرادَ مُئِيٍّ فُعُول كحِلْيــةٍ وحُلِيٍّ
فحذف، ولا يجوز أَن يريد مِئِين فيحذف النون، لو أَراد ذلك لكان مئِي
بياء، وأما في غير مذهب سيبويه فمِئٍ من خَمْسِمِئٍ جمع مائة كسِدْرة
وسِدْرٍ، قال: وهذا ليس بقويّ لأَنه لا يقال خَمْسُ تَمْرٍ، يراد به خَمْس
تَمْرات، وأَيضاً فإِنَّ بنات الحرفين لا تجمع هذا الجمع، أَعني الجمع الذي
لا يفارق واحده إِلا بالهاء؛ وقوله:
ما كانَ حامِلُكُمْ مِنَّا ورافِدُكُمْ
وحامِلُ المِينَ بَعْدَ المِينَ والأَلَفِ
(* قوله« ما كان حاملكم إلخ» تقدم في أ ل ف: وكان.)
إنما أَراد المئين فحذف الهمزة، وأَراد الآلاف فحذف ضرورة. وحكى أَبو
الحسن: رأَيت مِئْياً في معنى مائة؛ حكاه ابن جني، قال: وهذه دلالة قاطعة
على كون اللام ياء، قال: ورأَيت ابن الأَعرابي قد ذهب إِلى ذلك فقال في
بعض أَماليه: إِنَّ أَصل مائة مِئْيةٌ، فذكرت ذلك لأَبي علي فعجب منه أَن
يكون ابن الأَعرابي ينظر من هذه الصناعة في مثله، وقالوا ثلثمائةٍ
فأَضافوا أَدنى العدد إِلى الواحد لدلالته على الجمع كما قال:
في حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وقَدْ شَجِينا
وقد يقال ثلاث مِئاتٍ ومِئِينَ، والإِفراد أَكثر على شذوذه، والإِضافة
إِلى مائة في قول سيبويه ويونس جميعاً فيمن ردَّ اللام مِئَوِيٌّ
كمِعَوِيٍّ، ووجه ذلك أَنَّ مائة أَصلها عند الجماعة مِئْية ساكنة العين، فلما
حذفت اللام تخفيفاً جاورت العين تاء التأْنيث فانفتحت على العادة والعرف
فقيل مائة، فإِذا رددت اللام فمذهب سيبويه أَن تقرأَ العين بحالها متحركة،
وقد كانت قبل الرد مفتوحة فتقلب لها اللام أَلفاً فيصير تقديرها مِئاً
كَثِنًى، فإِذا أَضفت إِليها أَبدلت الأَلف واواً فقلت مِئَوِيٌّ
كَثِنَوِيٍّ، وأَما مذهب يونس فإِنه كان إِذا نسب إِلى فَعْلة أَو فِعْلة مما لامه
ياء أَجراهُ مجْرى ما أَصله فَعِلة أَو فِعِلة، فيقولون في الإِضافة
إِلى ظَبْيَة ظَبَوِيٌّ، ويحتج بقول العرب في النسبة إِلى بِطْيَة بِطَوِيّ
وإِلى زِنْيَة زِنَوِيّ، فقياس هذا أَن تجري مائة وإِن كانت فِعْلة مجرى
فِعَلة فتقول فيها مِئَوِيٌّ فيتفق اللفظان من أَصلين مختلفين. الجوهري:
قال سيبويه يقال ثَلَثمائةٍ، وكان حقه أَن يقولوا مِئِينَ أَو مِئاتٍ كما
تقول ثلاثة آلاف، لأَن ما بين الثلاثة إِلى العشرة يكون جماعة نحو ثلاثة
رجال وعشرة رجال، ولكنهم شبهوه بأَحد عشر وثلاثة عشر، ومن قال مِئِينٌ
ورَفَع النونَ بالتنوين ففي تقديره قولان: أَحدهما فِعْلِينٌ مثل
غِسْلِينٍ وهو قول الأَخفش وهو شاذ، والآخر فِعِيل، كسروا لكسرة ما بعده وأَصله
مِئِيٌّ ومُئِيٌّ مثال عِصِيّ وعُصِيّ، فأَبدلوا من الياء نوناً. وأَمْأَى
القومُ: صاروا مائةً وأَمايتهم أَنا، وإِذا أَتممت القومَ بنفسك مائةً
فقد مَأَيْتَهم، وهم مَمْئِيُّون، وأَمْأَوْاهم فهم مُمْؤُون. وإِن
أَتممتهم بغيرك فقد أَمْأَيْتَهُمْ وهم مُمْأَوْنَ. الكسائي: كان القوم تسعة
وتسعين فأَمْأَيْتُهم، بالأَلف، مثل أَفعَلْتُهم، وكذلك في الأَلف
آلَفْتُهم، وكذلك إِذا صاروا هم كذلك قلت: قد أَمْأَوْا وآلَفُوا إِذا صاروا
مائةً أَو أَلْفاً. الجوهري: وأَمْأَيْتُها لك جعلتها مائةً. وأَمْأَتِ
الدراهمُ والإِبلُ والغنمُ وسائر الأَنواع: صارت مائةً، وأَمْأَيْتها مِائةً.
وشارطْتُه مُماآةً أَي على مائةٍ؛ عن ابن الأَعرابي، كقولك شارطته
مُؤالفةً. التهذيب: قال الليث المائةُ حذفت من آخرها واو، وقيل: حرف لين لا
يدرى أَواو هو أَو ياء، وأَصل مِائة على وزن مِعْية، فحولت حركة الياء إِلى
الهمزة، وجمعها مِأَايات على وزن مِعَيات، وقال في الجمع: ولو قلت مِئات
بوزن مِعات لجاز.
والمَأْوة: أَرض منخفضة، والجمع مَأْوٌ.
نعم: النَّعِيمُ والنُّعْمى والنَّعْماء والنِّعْمة، كله: الخَفْض
والدَّعةُ والمالُ، وهو ضد البَأْساء والبُؤْسى. وقوله عز وجل: ومَنْ
يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله من بَعْدِ ما جاءته؛ يعني في هذا الموضع حُجَجَ الله
الدالَّةَ على أَمر النبي، صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: ثم
لَتُسْأَلُنَّ يومئذ عن النعيم؛ أي تُسْأَلون يوم القيامة عن كل ما استمتعتم به في
الدنيا، وجمعُ النِّعْمةِ نِعَمٌ وأََنْعُمٌ كشِدَّةٍ وأَشُدٍّ؛ حكاه
سيبويه؛ وقال النابغة:
فلن أَذْكُرَ النُّعْمان إلا بصالحٍ،
فإنَّ له عندي يُدِيّاً وأَنْعُما
والنُّعْم، بالضم: خلافُ البُؤْس. يقال: يومٌ نُعْمٌ ويومٌ بؤُْْسٌ،
والجمع أَنْعُمٌ وأَبْؤُسٌ. ونَعُم الشيءُ نُعومةً أي صار ناعِما لَيِّناً،
وكذلك نَعِمَ يَنْعَم مثل حَذِرَ يَحْذَر، وفيه لغة ثالثة مركبة بينهما:
نَعِمَ يَنْعُمُ مثل فَضِلَ يَفْضُلُ، ولغة رابعة: نَعِمَ يَنْعِم،
بالكسر فيهما، وهو شاذ. والتنَعُّم: الترفُّه، والاسم النِّعْمة. ونَعِمَ
الرجل يَنْعَم نَعْمةً، فهو نَعِمٌ بيّن المَنْعَم، ويجوز تَنَعَّم، فهو
ناعِمٌ، ونَعِمَ يَنْعُم؛ قال ابن جني: نَعِمَ في الأصل ماضي يَنْعَمُ،
ويَنْعُم في الأصل مضارعُ نَعُم، ثم تداخلت اللغتان فاستضاف من يقول نَعِمَ
لغة من يقول يَنْعُم، فحدث هنالك لغةٌ ثالثة، فإن قلت: فكان يجب، على هذا،
أَن يستضيف من يقول نَعُم مضارعَ من يقول نَعِم فيتركب من هذا لغةٌ ثالثة
وهي نَعُم يَنْعَم، قيل: منع من هذا أَن فَعُل لا يختلف مضارعُه أَبداً،
وليس كذلك نَعِمَ، فإن نَعِمَ قد يأَْتي فيه يَنْعِمُ ويَنعَم، فاحتمل
خِلاف مضارعِه، وفَعُل لا يحتمل مضارعُه الخلافَ، فإن قلت: فما بالهُم
كسروا عينَ يَنْعِم وليس في ماضيه إلا نَعِمَ ونَعُم وكلُّ واحدٍ مِنْ فَعِل
وفَعُل ليس له حَظٌّ في باب يَفْعِل؟ قيل: هذا طريقُه غير طريق ما قبله،
فإما أن يكون يَنْعِم، بكسر العين، جاء على ماضٍ وزنه فعَل غير أَنهم لم
يَنْطِقوا به استغناءٍ عنه بنَعِم ونَعُم، كما اسْتَغْنَوْا بتَرَك عن
وَذَرَ ووَدَعَ، وكما استغنَوْا بمَلامِحَ عن تكسير لَمْحةٍ، أَو يكون
فَعِل في هذا داخلاً على فَعُل، أَعني أَن تُكسَر عينُ مضارع نَعُم كما
ضُمَّت عينُ مضارع فَعِل، وكذلك تَنَعَّم وتَناعَم وناعَم ونَعَّمه وناعَمَه.
ونَعَّمَ أَولادَه: رَفَّهَهم. والنَّعْمةُ، بالفتح: التَّنْعِيمُ.
يقال: نَعَّمَه الله وناعَمه فتَنَعَّم. وفي الحديث: كيف أَنْعَمُ وصاحبُ
القَرْنِ قد الْتَقَمه؟ أي كيف أَتَنَعَّم، من النَّعْمة، بالفتح، وهي
المسرّة والفرح والترفُّه. وفي حديث أَبي مريم: دخلتُ على معاوية فقال: ما
أَنْعَمَنا بك؟ أَي ما الذي أَعْمَلَكَ إلينا وأَقْدَمَك علينا، وإنما يقال
ذلك لمن يُفرَح بلقائه، كأنه قال: ما الذي أَسرّنا وأَفرَحَنا وأَقَرَّ
أَعيُنَنا بلقائك ورؤيتك.
والناعِمةُ والمُناعِمةُ والمُنَعَّمةُ: الحَسنةُ العيشِ والغِذاءِ
المُتْرَفةُ؛ ومنه الحديث: إنها لَطَيْرٌ ناعِمةٌ أي سِمانٌ مُتْرَفةٌ؛ قال
وقوله:
ما أَنْعَمَ العَيْشَ، لو أَنَّ الفَتى حَجَرٌ،
تنْبُو الحوادِثُ عنه، وهو مَلْمومُ
إنما هو على النسب لأَنا لم نسمعهم قالوا نَعِم العيشُ، ونظيره ما حكاه
سيبويه من قولهم: هو أَحْنكُ الشاتين وأَحْنَكُ البَعيرين في أَنه استعمل
منه فعل التعجب، وإن لم يك منه فِعْلٌ، فتَفهَّمْ.
ورجل مِنْعامٌ أي مِفْضالٌ. ونَبْتٌ ناعِمٌ ومُناعِمٌ ومُتناعِمٌ سواء؛
قال الأَعشى:
وتَضْحَك عن غُرِّ الثَّنايا، كأَنه
ذرى أُقْحُوانٍ، نَبْتُه مُتناعِمُ
والتَّنْعيمةُ: شجرةٌ ناعمةُ الورَق ورقُها كوَرَق السِّلْق، ولا تنبت
إلى على ماء، ولا ثمرَ لها وهي خضراء غليظةُ الساقِ. وثوبٌ ناعِمٌ:
ليِّنٌ؛ ومنه قول بعض الوُصَّاف: وعليهم الثيابُ الناعمةُ؛ وقال:
ونَحْمي بها حَوْماً رُكاماً ونِسْوَةً،
عليهنَّ قَزٌّ ناعِمٌ وحَريرُ
وكلامٌ مُنَعَّمٌ كذلك.
والنِّعْمةُ: اليدُ البَيْضاء الصاحلة والصَّنيعةُ والمِنَّة وما
أُنْعِم به عليك. ونِعْمةُ الله، بكسر النون: مَنُّه وما أَعطاه الله العبدَ
مما لا يُمْكن غيره أَن يُعْطيَه إياه كالسَّمْع والبصَر، والجمعُ منهما
نِعَمٌ وأَنْعُمٌ؛ قال ابن جني: جاء ذلك على حذف التاء فصار كقولهم ذِئْبٌ
وأَذْؤب ونِطْع وأَنْطُع، ومثله كثير، ونِعِماتٌ ونِعَماتٌ، الإتباعُ
لأَهل الحجاز، وحكاه اللحياني قال: وقرأَ بعضهم: أَن الفُلْكَ تجرِي في
البَحْرِ بنِعَمات الله، بفتح العين وكسرِها، قال: ويجوز بِنِعْمات الله،
بإسكان العين، فأَما الكسرُ
(* قوله «فأما الكسر إلخ» عبارة التهذيب: فأما
الكسر فعلى من جمع كسرة كسرات، ومن أسكن فهو أجود الأوجه على من جمع
الكسرة كسات ومن قرأ إلخ) فعلى مَنْ جمعَ كِسْرَةً كِسِرات، ومَنْ قرأَ
بِنِعَمات فإن الفتح أخفُّ الحركات، وهو أَكثر في الكلام من نِعِمات الله،
بالكسر. وقوله عز وجل: وأَسْبَغَ عليكم نِعَمَه ظاهرةً وباطنةً
(* قوله وقوله
عز وجل وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة إلى قوله وقرأ بعضهم» هكذا في
الأصل بتوسيط عبارة الجوهري بينهما). قال الجوهري: والنُّعْمى كالنِّعْمة،
فإن فتحتَ النون مددتَ فقلت النَّعْماء، والنَّعيمُ مثلُه. وفلانٌ واسعُ
النِّعْمةِ أي واسعُ المالِ. وقرأَ بعضهم: وأَسْبَغَ عليكم نِعْمَةً، فمن
قرأَ نِعَمَه أَراد جميعَ ما أَنعم به عليهم؛ قال الفراء: قرأَها ابن
عباس
(* قوله «قرأها ابن عباس إلخ» كذا بالأصل) نِعَمَه، وهو وَجْهٌ جيِّد
لأَنه قد قال شاكراً لأَنعُمِه، فهذا جمع النِّعْم وهو دليل على أَن
نِعَمَه جائز، ومَنْ قرأَ نِعْمةً أَراد ما أُعطوه من توحيده؛ هذا قول الزجاج،
وأَنْعَمها اللهُ عليه وأَنْعَم بها عليه؛ قال ابن عباس: النِّعمةُ
الظاهرةُ الإسلامُ، والباطنةُ سَتْرُ الذنوب. وقوله تعالى: وإذْ تقولُ للذي
أَنْعَم اللهُ عليه وأَنْعَمْت عليه أَمْسِكْ عليكَ زوْجَك؛ قال الزجاج:
معنى إنْعامِ الله عليه هِدايتُه إلى الإسلام، ومعنى إنْعام النبي، صلى
الله عليه وسلم، عليه إعْتاقُه إياه من الرِّقِّ. وقوله تعالى: وأَمّا
بِنِعْمةِ ربِّك فحدِّثْ؛ فسره ثعلب فقال: اذْكُر الإسلامَ واذكر ما أَبْلاكَ
به ربُّك. وقوله تعالى: ما أَنتَ بِنِعْمةِ ربِّك بمَجْنونٍ؛ يقول: ما
أَنت بإنْعامِ الله عليك وحَمْدِكَ إياه على نِعْمتِه بمجنون. وقوله
تعالى: يَعْرِفون نِعمةَ الله ثم يُنْكِرونها؛ قال الزجاج: معناه يعرفون أَن
أمرَ النبي، صلى الله عليه وسلم، حقٌّ ثم يُنْكِرون ذلك. والنِّعمةُ،
بالكسر: اسمٌ من أَنْعَم اللهُ عليه يُنْعِمُ إنعاماً ونِعْمةً، أُقيم الاسمُ
مُقامَ الإنْعام، كقولك: أَنْفَقْتُ عليه إنْفاقاً ونَفَقَةً بمعنى
واحد. وأَنْعَم: أَفْضل وزاد. وفي الحديث: إن أَهلَ الجنة ليَتراءوْنَ أَهلَ
عِلِّيِّين كما تَرَوْنَ الكوكبَ الدُّرِّيَّ في أُفُقِ السماء، وإنَّ
أبا بكر وعُمَر منهم وأَنْعَما أي زادا وفَضَلا، رضي الله عنهما. ويقال: قد
أَحْسَنْتَ إليَّ وأَنْعَمْتَ أي زدت عليَّ الإحسانَ، وقيل: معناه صارا
إلى النعيم ودخَلا فيه كما يقال أَشْمَلَ إذا ذخل في الشِّمالِ، ومعنى
قولهم: أَنْعَمْتَ على فلانٍ أي أَصَرْتَ إليه نِعْمةً. وتقول: أَنْعَم
اللهُ عليك، من النِّعْمة. وأَنْعَمَ اللهُ صَباحَك، من النُّعُومةِ.
وقولهُم: عِمْ صباحاً كلمةُ تحيّةٍ، كأَنه محذوف من نَعِم يَنْعِم، بالكسر، كما
تقول: كُلْ من أَكلَ يأْكلُ، فحذف منه الألف والنونَ استخفافاً. ونَعِمَ
اللهُ بك عَيْناً، ونَعَم، ونَعِمَك اللهُ عَيْناً، وأَنْعَم اللهُ بك
عَيْناً: أَقرَّ بك عينَ من تحبّه، وفي الصحاح: أي أَقرَّ اللهُ عينَك بمن
تحبُّه؛ أَنشد ثعلب:
أَنْعَم اللهُ بالرسولِ وبالمُرْ
سِلِ، والحاملِ الرسالَة عَيْنا
الرسولُ هنا: الرسالةُ، ولا يكون الرسولَ لأَنه قد قال والحامل الرسالة،
وحاملُ الرسالةِ هو الرسولُ، فإن لم يُقَل هذا دخل في القسمة تداخُلٌ،
وهو عيب. قال الجوهري: ونَعِمَ اللهُ بكَ عَيْناً نُعْمةً مثل نَزِهَ
نُزْهةً. وفي حديث مطرّف: لا تقُلْ نَعِمَ اللهُ بكَ عَيْناً فإن الله لا
يَنْعَم بأَحدٍ عَيْناً، ولكن قال أَنْعَمَ اللهُ بك عَيْناً؛ قال الزمخشري:
الذي منَع منه مُطرّفٌ صحيحٌ فصيحٌ في كلامهم، وعَيْناً نصبٌ على
التمييز من الكاف، والباء للتعدية، والمعنى نَعَّمَكَ اللهُ عَيْناً أي نَعَّم
عينَك وأَقَرَّها، وقد يحذفون الجارّ ويُوصِلون الفعل فيقولون نَعِمَك
اللهُ عَيْناً، وأَمَّا أَنْعَمَ اللهُ بك عَيْناً فالباء فيه زائدة لأَن
الهمزة كافية في التعدية، تقول: نَعِمَ زيدٌ عيناً وأَنْعَمه اللهُ عيناً،
ويجوز أَن يكون من أَنْعَمَ إذا دخل في النَّعيم فيُعدَّى بالباء، قال:
ولعل مُطرِّفاً خُيِّلَ إليه أَنَّ انتصاب المميِّز في هذا الكلام عن
الفاعل فاستعظمه، تعالى اللهُ أن يوصف بالحواس علوّاً كبيراً، كما يقولون
نَعِمْتُ بهذا الأمرِ عَيْناً، والباء للتعدية، فحَسِبَ أن الأَمر في
نَعِمَ اللهُ بك عيناً كذلك، ونزلوا منزلاً يَنْعِمُهم ويَنْعَمُهم بمعنى
واحد؛ عن ثعلب، أي يُقِرُّ أَعْيُنَهم ويَحْمَدونه، وزاد اللحياني:
ويَنْعُمُهم عيناً، وزاد الأَزهري: ويُنْعمُهم، وقال أَربع لغات. ونُعْمةُ العين:
قُرَّتُها، والعرب تقول: نَعْمَ ونُعْمَ عينٍ ونُعْمةَ عينٍ ونَعْمةَ
عينٍ ونِعْمةَ عينٍ ونُعْمى عينٍ ونَعامَ عينٍ ونُعامَ عينٍ ونَعامةَ عينٍ
ونَعِيمَ عينٍ ونُعامى عينٍ أي أفعلُ ذلك كرامةً لك وإنْعاماً بعَينِك وما
أَشبهه؛ قال سيبويه: نصبوا كلَّ ذلك على إضمار الفعل المتروك إظهارهُ.
وفي الحديث: إذا سَمِعتَ قولاً حسَناً فَرُوَيْداً بصاحبه، فإن وافقَ قولٌ
عَملاً فنَعْمَ ونُعْمةَ عينٍ آخِه وأَوْدِدْه أي إذا سمعت رجُلاً
يتكلّم في العلم بما تستحسنه فهو كالداعي لك إلى مودّتِه وإخائه، فلا تَعْجَلْ
حتى تختبر فعلَه، فإن رأَيته حسنَ العمل فأَجِبْه إلى إخائه ومودّتهِ،
وقل له نَعْمَ ونُعْمة عين أَي قُرَّةَ عينٍ، يعني أُقِرُّ عينَك بطاعتك
واتّباع أمرك. ونَعِمَ العُودُ: اخضرَّ ونَضَرَ؛ أنشد سيبويه:
واعْوَجَّ عُودُك من لَحْوٍ ومن قِدَمٍ،
لا يَنْعَمُ العُودُ حتى يَنْعَم الورَقُ
(* قوله «من لحو» في المحكم: من لحق، واللحق الضمر).
وقال الفرزدق:
وكُوم تَنْعَمُ الأَضيْاف عَيْناً،
وتُصْبِحُ في مَبارِكِها ثِقالا
يُرْوَى الأَضيافُ والأَضيافَ، فمن قال الأَضيافُ، بالرفع، أراد تَنْعَم
الأَضيافُ عيناً بهن لأَنهم يشربون من أَلبانِها، ومن قال تَنْعَم
الأَضيافَ، فمعناه تَنْعَم هذه الكُومُ بالأَضيافِ عيناً، فحذفَ وأَوصل فنَصب
الأَضيافَ أي أن هذه الكومَ تُسَرُّ بالأَضيافِ كسُرورِ الأَضيافِ بها،
لأنها قد جرت منهم على عادة مأَلوفة معروفة فهي تأْنَسُ بالعادة، وقيل:
إنما تأْنس بهم لكثرة الأَلبان، فهي لذلك لا تخاف أن تُعْقَر ولا تُنْحَر،
ولو كانت قليلة الأَلبان لما نَعِمَت بهم عيناً لأنها كانت تخاف العَقْرَ
والنحر. وحكى اللحياني: يا نُعْمَ عَيْني أَي يا قُرَّة عيني؛ وأَنشد عن
الكسائي:
صَبَّحكَ اللهُ بخَيْرٍ باكرِ،
بنُعْمِ عينٍ وشَبابٍ فاخِرِ
قال: ونَعْمةُ العيش حُسْنُه وغَضارَتُه، والمذكر منه نَعْمٌ، ويجمع
أَنْعُماً.
والنَّعامةُ: معروفةٌ، هذا الطائرُ، تكون للذكر والأُنثى، والجمع
نَعاماتٌ ونَعائمُ ونَعامٌ، وقد يقع النَّعامُ على الواحد؛ قال أبو
كَثْوة:ولَّى نَعامُ بني صَفْوانَ زَوْزَأَةً،
لَمَّا رأَى أَسَداً بالغابِ قد وَثَبَا
والنَّعامُ أَيضاً، بغير هاء، الذكرُ منها الظليمُ، والنعامةُ الأُنثى.
قال الأَزهري: وجائز أَن يقال للذكر نَعامة بالهاء، وقيل النَّعام اسمُ
جنس مثل حَمامٍ وحَمامةٍ وجرادٍ وجرادةٍ، والعرب تقول: أَصَمُّ مِن
نَعامةٍ، وذلك أنها لا تَلْوي على شيء إذا جفَلت، ويقولون: أَشمُّ مِن هَيْق
لأَنه يَشُمّ الريح؛ قال الراجز:
أَشمُّ من هَيْقٍ وأَهْدَى من جَمَلْ
ويقولون: أَمْوَقُ من نعامةٍ وأَشْرَدُ من نَعامةٍ؛ ومُوقها: تركُها
بيضَها وحَضْنُها بيضَ غيرها، ويقولون: أَجبن من نَعامةٍ وأَعْدى من
نَعامةٍ. ويقال: ركب فلانٌ جَناحَيْ نَعامةٍ إذا جدَّ في أَمره. ويقال
للمُنْهزِمين: أَضْحَوْا نَعاماً؛ ومنه قول بشر:
فأَما بنو عامرٍ بالنِّسار
فكانوا، غَداةَ لَقُونا، نَعامَا
وتقول العرب للقوم إذا ظَعَنوا مسرعين: خَفَّتْ نَعامَتُهم وشالَتْ
نَعامَتُهم، وخَفَّتْ نَعامَتُهم أَي استَمر بهم السيرُ. ويقال للعَذارَى:
كأنهن بَيْضُ نَعامٍ. ويقال للفَرَس: له ساقا نَعامةٍ لِقِصَرِ ساقَيْه،
وله جُؤجُؤُ نَعامةٍ لارتفاع جُؤْجُؤها. ومن أَمثالهم: مَن يَجْمع بين
الأَرْوَى والنَّعام؟ وذلك أن مَساكنَ الأَرْوَى شَعَفُ الجبال ومساكن النعام
السُّهولةُ، فهما لا يجتمعان أَبداً. ويقال لمن يُكْثِرُ عِلَلَه عليك:
ما أَنت إلا نَعامةٌ؛ يَعْنون قوله:
ومِثْلُ نَعامةٍ تُدْعَى بعيراً،
تُعاظِمُه إذا ما قيل: طِيري
وإنْ قيل: احْمِلي، قالت: فإنِّي
من الطَّيْر المُرِبَّة بالوُكور
ويقولون للذي يَرْجِع خائباً: جاء كالنَّعامة، لأَن الأَعراب يقولون إن
النعامة ذهَبَتْ تَطْلُبُ قَرْنَينِ فقطعوا أُذُنيها فجاءت بلا أُذُنين؛
وفي ذلك يقول بعضهم:
أو كالنَّعامةِ، إذ غَدَتْ من بَيْتِها
لتُصاغَ أُذْناها بغير أَذِينِ
فاجْتُثَّتِ الأُذُنان منها، فانْتَهَتْ
هَيْماءَ لَيْسَتْ من ذوات قُرونِ
ومن أَمثالهم: أنْتَ كصاحبة النَّعامة، وكان من قصتها أَنها وجَدتْ
نَعامةً قد غَصَّتْ بصُعْرورٍ فأَخذتْها وربَطتْها بخِمارِها إلى شجرة، ثم
دنَتْ من الحيّ فهتَفَتْ: من كان يحُفُّنا ويَرُفُّنا فلْيَتَّرِكْ
وقَوَّضَتْ بَيْتَها لتَحْمِل على النَّعامةِ، فانتَهتْ إليها وقد أَساغَتْ
غُصَّتَها وأَفْلَتَتْ، وبَقِيَت المرأَةُ لا صَيْدَها أَحْرَزَتْ ولا
نصيبَها من الحيّ حَفِظتْ؛ يقال ذلك عند المَزْريَةِ على من يَثق بغير
الثِّقةِ. والنَّعامة: الخشبة المعترضة على الزُّرنُوقَيْنِ تُعَلَّق منهما
القامة، وهي البَكَرة، فإن كان الزَّرانيق من خَشَبٍ فهي دِعَمٌ؛ وقال أَبو
الوليد الكِلابي: إذا كانتا من خَشَب فهما النَّعامتان، قال: والمعترضة
عليهما هي العَجَلة والغَرْب مُعَلَّقٌ بها، قال الأزهري: وتكون
النَّعامتانِ خَشَبتين يُضَمُّ طرَفاهما الأَعْليان ويُرْكَز طرفاهما الأَسفلان في
الأرض، أحدهما من هذا الجانب، والآخر من ذاك الجنب، يُصْقَعان بحَبْل
يُمدّ طرفا الحبل إلى وتِدَيْنِ مُثْبَتيْنِ في الأرض أو حجرين ضخمين،
وتُعَلَّقُ القامة بين شُعْبتي النَّعامتين، والنَّعامتانِ: المَنارتانِ
اللتان عليهما الخشبة المعترِضة؛ وقال اللحياني: النَّعامتان الخشبتان اللتان
على زُرْنوقَي البئر، الواحدة نَعامة، وقيل: النَّعامة خشبة تجعل على فم
البئر تَقوم عليها السَّواقي. والنَّعامة: صخرة ناشزة في البئر.
والنَّعامة: كلُّ بناء كالظُّلَّة، أو عَلَم يُهْتَدَى به من أَعلام المفاوز،
وقيل: كل بناء على الجبل كالظُّلَّة والعَلَم، والجمع نَعامٌ؛ قال أَبو ذؤيب
يصف طرق المفازة:
بِهنَّ نَعامٌ بَناها الرجا
لُ، تَحْسَب آرامَهُن الصُّروحا
(* قوله «بناها» هكذا بتأنيث الضمير في الأصل ومثله في المحكم هنا،
والذي في مادة نفض تذكيره، ومثله في الصحاح في هذه المادة وتلك).
وروى الجوهري عجزه:
تُلْقِي النَّقائِضُ فيه السَّريحا
قال: والنَّفائضُ من الإبل؛ وقال آخر:
لا شيءَ في رَيْدِها إلا نَعامَتُها،
منها هَزِيمٌ ومنها قائمٌ باقِي
والمشهور من شعره:
لا ظِلَّ في رَيْدِها
وشرحه ابن بري فقال: النَّعامة ما نُصب من خشب يَسْتَظِلُّ به الربيئة،
والهَزيم: المتكسر؛ وبعد هذا البيت:
بادَرْتُ قُلَّتَها صَحْبي، وما كَسِلوا
حتى نَمَيْتُ إليها قَبْلَ إشْراق
والنَّعامة: الجِلْدة التي تغطي الدماغ، والنَّعامة من الفرس: دماغُه.
والنَّعامة: باطن القدم. والنَّعامة: الطريق. والنَّعامة: جماعة القوم.
وشالَتْ نَعامَتُهم: تفرقت كَلِمَتُهم وذهب عزُّهم ودَرَسَتْ طريقتُهم
وولَّوْا، وقيل: تَحَوَّلوا عن دارهم، وقيل: قَلَّ خَيْرُهم وولَّتْ
أُمورُهم؛ قال ذو الإصْبَع العَدْوانيّ:
أَزْرَى بنا أَننا شالَتْ نَعامتُنا،
فخالني دونه بل خِلْتُه دوني
ويقال للقوم إذا ارْتَحَلوا عن منزلهم أو تَفَرَّقوا: قد شالت نعامتهم.
وفي حديث ابن ذي يَزَنَ: أتى هِرَقْلاً وقد شالَتْ نَعامَتُهم: النعامة
الجماعة أَي تفرقوا؛ وأَنشد ابن بري لأبي الصَّلْت الثَّقَفِيِّ:
اشْرَبْ هنِيئاً فقد شالَتْ نَعامتُهم،
وأَسْبِلِ اليَوْمَ في بُرْدَيْكَ إسْبالا
وأَنشد لآخر:
إني قَضَيْتُ قضاءً غيرَ ذي جَنَفٍ،
لَمَّا سَمِعْتُ ولمّا جاءَني الخَبَرُ
أَنَّ الفَرَزْدَق قد شالَتْ نعامَتُه،
وعَضَّه حَيَّةٌ من قَومِهَِ ذَكَرُ
والنَّعامة: الظُّلْمة. والنَّعامة: الجهل، يقال: سكَنَتْ نَعامتُه؛ قال
المَرّار الفَقْعَسِيّ:
ولو أَنيّ حَدَوْتُ به ارْفَأَنَّتْ
نَعامتُه، وأَبْغَضَ ما أَقولُ
اللحياني: يقال للإنسان إنه لخَفيفُ النعامة إذا كان ضعيف العقل.
وأَراكةٌ نَعامةٌ: طويلة. وابن النعامة: الطريق، وقيل: عِرْقٌ في الرِّجْل؛ قال
الأَزهري: قال الفراء سمعته من العرب، وقيل: ابن النَّعامة عَظْم الساق،
وقيل: صدر القدم، وقيل: ما تحت القدم؛ قال عنترة:
فيكونُ مَرْكبَكِ القَعودُ ورَحْلُه،
وابنُ النَّعامةِ، عند ذلك، مَرْكَبِي
فُسِّر بكل ذلك، وقيل: ابن النَّعامة فَرَسُه، وقيل: رِجْلاه؛ قال
الأزهري: زعموا أَن ابن النعامة من الطرق كأَنه مركب النَّعامة من قوله:
وابن النعامة، يوم ذلك، مَرْكَبي
وابن النَعامة: الساقي الذي يكون على البئر. والنعامة: الرجْل.
والنعامة: الساق. والنَّعامة: الفَيْجُ المستعجِل. والنَّعامة: الفَرَح.
والنَّعامة: الإكرام. والنَّعامة: المحَجَّة الواضحة. قال أَبو عبيدة في
قوله:وابن النعامة، عند ذلك، مركبي
قال: هو اسم لشدة الحَرْب وليس ثَمَّ امرأَة، وإنما ذلك كقولهم: به داء
الظَّبْي، وجاؤوا على بَكْرة أَبيهم، وليس ثم داء ولا بَكرة. قال ابن
بري: وهذا البيت، أَعني فيكون مركبكِ، لِخُزَزَ بن لَوْذان السَّدوسيّ؛
وقبله:
كذَبَ العَتيقُ وماءُ شَنٍّ بارِدٍ،
إنْ كنتِ شائلَتي غَبُوقاً فاذْهَبي
لا تَذْكُرِي مُهْرِي وما أَطعَمْتُه،
فيكونَ لَوْنُكِ مِثلَ لَوْنِ الأَجْرَبِ
إني لأَخْشَى أن تقولَ حَليلَتي:
هذا غُبارٌ ساطِعٌ فَتَلَبَّبِ
إن الرجالَ لَهمْ إلَيْكِ وسيلَةٌ،
إنْ يأْخذوكِ تَــكَحِّلي وتَخَضِّبي
ويكون مَرْكَبَكِ القَلوصُ ورَحلهُ،
وابنُ النَّعامة، يوم ذلك، مَرْكَبِي
وقال: هكذا ذكره ابن خالويه وأَبو محمد الأَسود، وقال: ابنُ النَّعامة
فرس خُزَزَ بن لَوْذان السَّدوسي، والنعامة أُمُّه فرس الحرث بن عَبَّاد،
قال: وتروى الأبيات أَيضا لعنترة، قال: والنَّعامة خَطٌّ في باطن
الرِّجْل، ورأَيت أبا الفرج الأَصبهاني قد شرح هذا البيت في كتابه
(* قوله «في
كتابه» هو الأغاني كما بهامش الأصل)، وإن لم يكن الغرض في هذا الكتاب
النقل عنه لكنه أَقرب إلى الصحة لأنه قال: إن نهاية غرض الرجال منكِ إذا
أَخذوك الكُحْل والخِضابُ للتمتع بك، ومتى أَخذوك أَنت حملوك على الرحل
والقَعود وأَسَروني أَنا، فيكون القَعود مَرْكَبك ويكون ابن النعامة مَرْكَبي
أَنا، وقال: ابنُ النَّعامة رِجْلاه أو ظلُّه الذي يمشي فيه، وهذا أَقرب
إلى التفسير من كونه يصف المرأَة برُكوب القَعود ويصف نفسه بركوب الفرس،
اللهم إلا أَن يكون راكب الفرس منهزماً مولياً هارباً، وليس في ذلك من
الفخر ما يقوله عن نفسه، فأَيُّ حالة أَسوأُ من إسلام حليلته وهرَبه عنها
راكباً أو راجلاً؟ فكونُه يَسْتَهوِل أَخْذَها وحملَها وأَسْرَه هو
ومشيَه هو الأمر الذي يَحْذَرُه ويَسْتهوِله.
والنَّعَم: واحد الأَنعْام وهي المال الراعية؛ قال ابن سيده: النَّعَم
الإبل والشاء، يذكر ويؤنث، والنَّعْم لغة فيه؛ عن ثعلب؛ وأَنشد:
وأَشْطانُ النَّعامِ مُرَكَّزاتٌ،
وحَوْمُ النَّعْمِ والحَلَقُ الحُلول
والجمع أَنعامٌ، وأَناعيمُ جمع الجمع؛ قال ذو الرمة:
دانى له القيدُ في دَيْمومةٍ قُذُفٍ
قَيْنَيْهِ، وانْحَسَرَتْ عنه الأَناعِيمُ
وقال ابن الأَعرابي: النعم الإبل خاصة، والأَنعام الإبل والبقر والغنم.
وقوله تعالى: فجَزاءٌ مثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَم يحكم به ذَوَا عَدْلٍ
منكم؛ قال: ينظر إلى الذي قُتل ما هو فتؤخذ قيمته دارهم فيُتصدق بها؛ قال
الأَزهري: دخل في النعم ههنا الإبلُ والبقرُ والغنم. وقوله عز وجل:
والذين كفروا يتمتعون ويأْكلون كما تأْكل الأَنْعامُ؛ قال ثعلب: لا يذكرون
الله تعالى على طعامهم ولا يُسمُّون كما أَن الأَنْعام لا تفعل ذلك، وأما
قول الله عز وجَل: وإنَّ لكم في الأَنعام لَعِبْرةً نُسْقِيكم مما في
بطونه؛ فإن الفراء قال: الأَنْعام ههنا بمعنى النَّعَم، والنَّعَم تذكر
وتؤنث، ولذلك قال الله عز وجل: مما في بطونه، وقال في موضع آخر: مما في
بطونها، وقال الفراء: النَّعَم ذكر لا يؤَنث، ويجمع على نُعْمانٍ مثل حَمَل
وحُمْلانٍ، والعرب إذا أَفردت النَّعَم لم يريدوا بها إلا الإبل، فإذا قالوا
الأنعام أَرادوا بها الإبل والبقر والغنم، قال الله عز وجل: ومن
الأَنْعام حَمولةً وفَرْشاً كلوا مما رزقكم الله (الآية) ثم قال: ثمانية أَزواج؛
أي خلق منها ثمانية أَزواج، وكان الكسائي يقول في قوله تعالى: نسقيكم
مما في بطونه؛ قال: أَراد في بطون ما ذكرنا؛ ومثله قوله:
مِثْل الفراخ نُتِفَتْ حَواصِلُهْ
أي حواصل ما ذكرنا؛ وقال آخر في تذكير النَّعَم:
في كلّ عامٍ نَعَمٌ يَحْوونَهُ،
يُلْقِحُه قَوْمٌ ويَنْتِجونَهُ
ومن العرب من يقول للإبل إذا ذُكِرت
(* قوله «إذا ذكرت» الذي في
التهذيب: كثرت) الأَنعام والأَناعيم.
والنُّعامى، بالضم على فُعالى: من أَسماء ريح الجنوب لأَنها أَبلُّ
الرياح وأَرْطَبُها؛ قال أَبو ذؤيب:
مَرَتْه النُّعامى فلم يَعْتَرِفْ،
خِلافَ النُّعامى من الشَّأْمِ، ريحا
وروى اللحياني عن أَبي صَفْوان قال: هي ريح تجيء بين الجنوب والصَّبا.
والنَّعامُ والنَّعائمُ: من منازل القمر ثمانيةُ كواكبَ: أَربعة صادرٌ،
وأَربعة واردٌ؛ قال الجوهري: كأنها سرير مُعْوجّ؛ قال ابن سيده: أَربعةٌ
في المجرّة وتسمى الواردةَ وأَربعة خارجة تسمَّى الصادرةَ. قال الأَزهري:
النعائمُ منزلةٌ من منازل القمر، والعرب تسمّيها النَّعامَ الصادرَ، وهي
أَربعة كواكب مُربَّعة في طرف المَجَرَّة وهي شاميّة، ويقال لها
النَّعام؛ أَنشد ثعلب:
باضَ النَّعامُ به فنَفَّر أَهلَه،
إلا المُقِيمَ على الدّوَى المُتَأَفِّنِ
النَّعامُ ههنا: النَّعائمُ من النجوم، وقد ذكر مستوفى في ترجمة بيض.
ونُعاماكَ: بمعنى قُصاراكَ. وأَنْعَم أن يُحْسِنَ أَو يُسِيءَ: زاد.
وأَنْعَم فيه: بالَغ؛ قال:
سَمِين الضَّواحي لم تَُؤَرِّقْه، لَيْلةً،
وأَنْعَمَ، أبكارُ الهُمومِ وعُونُها
الضَّواحي: ما بدا من جَسدِه، لم تُؤرّقْه ليلةً أَبكارُ الهموم
وعُونُها، وأَنْعَمَ أي وزاد على هذه الصفة، وأَبكار الهموم: ما فجَأَك،
وعُونُها: ما كان هَمّاً بعدَ هَمّ، وحَرْبٌ عَوانٌ إذا كانت بعد حَرْب كانت
قبلها. وفَعَل كذا وأَنْعَمَ أي زاد. وفي حديث صلاة الظهر: فأَبردَ
بالظُّهْرِ وأَنْعَمَ أي أَطال الإبْرادَ وأَخَّر الصلاة؛ ومنه قولهم: أَنْعَمَ
النظرَ في الشيءِ إذا أَطالَ الفِكْرةَ فيه؛ وقوله:
فوَرَدَتْ والشمسُ لمَّا تُنْعِمِ
من ذلك أَيضاً أَي لم تُبالِغْ في الطلوع.
ونِعْمَ: ضدُّ بِئْسَ ولا تَعْمَل من الأَسماء إلا فيما فيه الألفُ
واللام أو ما أُضيف إلى ما فيه الأَلف واللام، وهو مع ذلك دالٌّ على معنى
الجنس. قال أَبو إسحق: إذا قلت نِعْمَ الرجلُ زيدٌ أو نِعْمَ رجلاً زيدٌ،
فقد قلتَ: استحقّ زيدٌ المدحَ الذي يكون في سائر جنسه، فلم يجُزْ إذا كانت
تَسْتَوْفي مَدْحَ الأَجْناسِ أن تعمل في غير لفظ جنسٍ. وحكى سيبويه:
أَن من العرب من يقول نَعْمَ الرجلُ في نِعْمَ، كان أصله نَعِم ثم خفَّف
بإسكان الكسرة على لغة بكر من وائل، ولا تدخل عند سيبويه إلا على ما فيه
الأَلف واللام مُظَهَراً أو مضمراً، كقولك نِعْم الرجل زيد فهذا هو
المُظهَر، ونِعْمَ رجلاً زيدٌ فهذا هو المضمر. وقال ثعلب حكايةً عن العرب: نِعْم
بزيدٍ رجلاً ونِعْمَ زيدٌ رجلاً، وحكى أَيضاً: مررْت بقومٍ نِعْم قوماً،
ونِعْمَ بهم قوماً، ونَعِمُوا قوماً، ولا يتصل بها الضمير عند سيبويه
أَعني أَنَّك لا تقول الزيدان نِعْما رجلين، ولا الزيدون نِعْموا رجالاً؛
قال الأزهري: إذا كان مع نِعْم وبِئْسَ اسمُ جنس بغير أَلف ولام فهو نصبٌ
أَبداً، وإن كانت فيه الأَلفُ واللامُ فهو رفعٌ أَبداً، وذلك قولك نِعْم
رجلاً زيدٌ ونِعْم الرجلُ زيدٌ، ونَصَبتَ رجلاً على التمييز، ولا تَعْملُ
نِعْم وبئْس في اسمٍ علمٍ، إنما تَعْمَلانِ في اسم منكورٍ دالٍّ على
جنس، أو اسم فيه أَلف ولامٌ تدلّ على جنس. الجوهري: نِعْم وبئس فِعْلان
ماضيان لا يتصرَّفان تصرُّفَ سائر الأَفعال لأَنهما استُعملا للحال بمعنى
الماضي، فنِعْم مدحٌ وبئسَ ذمٌّ، وفيهما أَربع لغات: نَعِمَ بفتح أَوله وكسر
ثانيه، ثم تقول: نِعِمَ فتُتْبع الكسرة الكسرةَ، ثم تطرح الكسرة الثانية
فتقول: نِعْمَ بكسر النون وسكون العين، ولك أَن تطرح الكسرة من الثاني
وتترك الأَوَّل مفتوحاً فتقول: نَعْم الرجلُ بفتح النون وسكون العين،
وتقول: نِعْمَ الرجلُ زيدٌ ونِعم المرأَةُ هندٌ، وإن شئت قلت: نِعْمتِ
المرأَةُ هند، فالرجل فاعلُ نِعْمَ، وزيدٌ يرتفع من وجهين: أَحدهما أَن يكون
مبتدأ قدِّم عليه خبرُه، والثاني أن يكون خبر مبتدإِ محذوفٍ، وذلك أَنَّك
لمّا قلت نِعْم الرجل، قيل لك: مَنْ هو؟ أو قدَّرت أَنه قيل لك ذلك فقلت:
هو زيد وحذفت هو على عادة العرب في حذف المبتدإ، والخبر إذا عرف المحذوف
هو زيد، وإذا قلت نِعْم رجلاً فقد أَضمرت في نِعْمَ الرجلَ بالأَلف
واللام مرفوعاً وفسّرته بقولك رجلاً، لأن فاعِلَ نِعْم وبِئْسَ لا يكون إلا
معرفة بالأَلف واللام أو ما يضاف إلى ما فيه الأَلف واللام، ويراد به تعريف
الجنس لا تعريفُ العهد، أو نكرةً منصوبة ولا يليها علَمٌ ولا غيره ولا
يتصل بهما الضميرُ، لا تقول نِعْمَ زيدٌ ولا الزيدون نِعْموا، وإن أَدخلت
على نِعْم ما قلت: نِعْمَّا يَعِظكم به، تجمع بين الساكنين، وإن شئت حركت
العين بالكسر، وإن شئت فتحت النون مع كسر العين، وتقول غَسَلْت غَسْلاً
نِعِمّا، تكتفي بما مع نِعْم عن صلته أي نِعْم ما غَسَلْته، وقالوا: إن
فعلتَ ذلك فَبِها ونِعْمَتْ بتاءٍ ساكنة في الوقف والوصل لأَنها تاء
تأْنيث، كأَنَّهم أَرادوا نِعْمَت الفَعْلةُ أو الخَصْلة. وفي الحديث: مَن
توضَّأَ يومَ الجمعة فبها ونِعْمَت، ومَن اغْتَسل فالغُسْل أَفضل؛ قال ابن
الأثير: أَي ونِعْمَت الفَعْلةُ والخَصْلةُ هي، فحذف المخصوص بالمدح،
والباء في فبها متعلقة بفعل مضمر أي فبهذه الخَصْلةِ أو الفَعْلة، يعني
الوضوءَ، يُنالُ الفضلُ، وقيل: هو راجع إلى السُّنَّة أي فبالسَّنَّة أَخَذ
فأَضمر ذلك. قال الجوهري: تاءُ نِعْمَت ثابتةٌ في الوقف؛ قال ذو الرمة:
أَو حُرَّة عَيْطَل ثَبْجاء مُجْفَرة
دَعائمَ الزَّوْرِ، نِعْمَت زَوْرَقُ البَلدِ
وقالوا: نَعِم القومُ، كقولك نِعْم القومُ؛ قال طرفة:
ما أَقَلَّتْ قَدَمايَ إنَّهُمُ
نَعِمَ السَّاعون في الأَمْرِ المُبِرّْ
هكذا أَنشدوه نَعِمَ، بفتم النون وكسر العين، جاؤوا به على الأَصل ولم
يكثر استعماله عليه، وقد روي نِعِمَ، بكسرتين على الإتباع. ودقَقْتُه
دَقّاً نِعِمّا أي نِعْمَ الدقُّ. قال الأَزهري: ودقَقْت دواءً فأَنْعَمْت
دَقَّه أي بالَغْت وزِدت. ويقال: ناعِمْ حَبْلَك وغيرهَ أَي أَحكمِه.
ويقال: إنه رجل نِعِمّا الرجلُ وإنه لَنَعِيمٌ.
وتَنَعَّمَه بالمكان: طلَبه. ويقال: أَتيتُ أَرضاً فتَنَعَّمَتْني أي
وافقتني وأَقمتُ بها. وتَنَعَّمَ: مَشَى حافياً، قيل: هو مشتق من النَّعامة
التي هي الطريق وليس بقويّ. وقال اللحياني: تَنَعَّمَ الرجلُ قدميه أي
ابتذَلَهما. وأَنْعَمَ القومَ ونَعَّمهم: أتاهم مُتَنَعِّماً على قدميه
حافياً على غير دابّة؛ قال:
تَنَعَّمها من بَعْدِ يومٍ وليلةٍ،
فأَصْبَحَ بَعْدَ الأُنْسِ وهو بَطِينُ
وأَنْعَمَ الرجلُ إذا شيَّع صَديقَه حافياً خطوات. وقوله تعالى: إن
تُبْدوا الصَّدَقاتِ فنِعِمَّا هي، ومثلُه: إنَّ الله نِعِمّا يَعِظكم به؛
قرأَ أَبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وأَبو عمرو فنِعْمّا، بكسر النون وجزم
العين وتشديد الميم، وقرأَ حمزة والكسائي فنَعِمّا، بفتح النون وكسر العين،
وذكر أَبو عبيدة
(* قوله «وذكر أَبو عبيدة» هكذا في الأصل بالتاء، وفي
التهذيب وزاده على البيضاوي أبو عبيد بدونها) حديث النبي، صلى عليه وسلم،
حين قال لعمرو بن العاص: نِعْمّا بالمالِ الصالح للرجل الصالِح، وأَنه
يختار هذه القراءة لأَجل هذه الرواية؛ قال ابن الأَثير: أَصله نِعْمَ ما
فأَدْغم وشدَّد، وما غيرُ موصوفةٍ ولا موصولةٍ كأَنه قال نِعْمَ شيئاً
المالُ، والباء زائدة مثل زيادتها في: كَفَى بالله حسِبياً حسِيباً ومنه
الحديث: نِعْمَ المالُ الصالحُ للرجل الصالِح؛ قال ابن الأثير: وفي نِعْمَ
لغاتٌ، أَشهرُها كسرُ النون وسكون العين، ثم فتح النون وكسر العين، ثم
كسرُهما؛ وقال الزجاج: النحويون لا يجيزون مع إدغام الميم تسكينَ العين
ويقولون إن هذه الرواية في نِعْمّا ليست بمضبوطة، وروي عن عاصم أَنه قرأَ
فنِعِمَّا، بكسر النون والعين، وأَما أَبو عمرو فكأَنَّ مذهَبه في هذا كسرةٌ
خفيفةٌ مُخْتَلَسة، والأصل في نِعْمَ نَعِمَ نِعِمَ ثلاث لغات، وما في
تأْويل الشيء في نِعِمّا، المعنى نِعْمَ الشيءُ؛ قال الأزهري: إذا قلت
نِعْمَ ما فَعل أو بئس ما فَعل، فالمعنى نِعْمَ شيئاً وبئس شيئاً فعَل،
وكذلك قوله: إنَّ اللهَ نِعِمّا يَعِظُكم به؛ معناه نِعْمَ شيئاً يَعِظكم
به.والنُّعْمان: الدم، ولذلك قيل للشَّقِر شَقائق النُّعْمان. وشقائقُ
النُّعْمانِ: نباتٌ أَحمرُ يُشبَّه بالدم. ونُعْمانُ بنُ المنذر: مَلكُ العرب
نُسب إِليه الشَّقيق لأَنه حَماه؛ قال أَبو عبيدة: إن العرب كانت
تُسَمِّي مُلوكَ الحيرة النُّعْمانَ لأَنه كان آخِرَهم. أَبو عمرو: من أَسماء
الروضةِ الناعِمةُ والواضِعةُ والناصِفةُ والغَلْباء واللَّفّاءُ.
الفراء: قالت الدُّبَيْرِيّة حُقْتُ المَشْرَبةَ ونَعَمْتُها
(* قوله
«ونعمتها» كذا بالأصل بالتخفيف، وفي الصاغاني بالتشديد) ومَصَلْتها
(* قوله
«ومصلتها» كذا بالأصل والتهذيب، ولعلها وصلتها كما يدل عليه قوله بعد
والمصول) أي كَنسْتها، وهي المِحْوَقةُ. والمِنْعَمُ والمِصْوَلُ:
المِكْنَسة.
وأُنَيْعِمُ والأُنَيْعِمُ وناعِمةُ ونَعْمانُ، كلها: مواضع؛ قال ابن
بري: وقول الراعي:
صبا صَبْوةً مَن لَجَّ وهو لَجُوجُ،
وزايَلَه بالأَنْعَمينِ حُدوجُ
الأَنْعَمين: اسم موضع. قال ابن سيده: والأَنْعمان موضعٌ؛ قال أَبو
ذؤيب، وأَنشد ما نسبه ابن بري إلى الراعي:
صبا صبوةً بَلْ لجَّ، وهو لجوجُ،
وزالت له بالأَنعمين حدوجُ
وهما نَعْمانانِ: نَعْمانُ الأَراكِ بمكة وهو نَعْمانُ الأَكبرُ وهو
وادي عرفة، ونَعْمانُ الغَرْقَد بالمدينة وهو نَعْمانُ الأَصغرُ. ونَعْمانُ:
اسم جبل بين مكة والطائف. وفي حديث ابن جبير: خلقَ اللهُ آدمَ مِن
دَحْنا ومَسحَ ظهرَ آدمَ، عليه السلام، بِنَعْمان السَّحابِ؛ نَعْمانُ: جبل
بقرب عرفة وأَضافه إلى السحاب لأَنه رَكَد فوقه لعُلُوِّه. ونَعْمانُ،
بالفتح: وادٍ في طريق الطائف يخرج إلى عرفات؛ قال عبد الله ابن نُمَير
الثَّقَفِيّ:
تضَوَّعَ مِسْكاً بَطْنُ نَعْمانَ، أنْ مَشَتْ
به زَيْنَبٌ في نِسْوةٍ عَطرات
ويقال له نَعْمانُ الأَراكِ؛ وقال خُلَيْد:
أَمَا والرَّاقِصاتِ بذاتِ عِرْقٍ،
ومَن صَلَّى بِنَعْمانِ الأَراكِ
والتَّنْعيمُ: مكانٌ بين مكة والمدينة، وفي التهذيب: بقرب من مكة.
ومُسافِر بن نِعْمة بن كُرَير: من شُعرائهم؛ حكاه ابن الأَعرابي. وناعِمٌ
ونُعَيْمٌ ومُنَعَّم وأَنْعُمُ ونُعْمِيّ
(* قوله «ومنعم» هكذا ضبط في الأصل
والمحكم، وقال القاموس كمحدّث، وضبط في الصاغاني كمكرم. وقوله «وأنعم»
قال في القاموس بضم العين، وضبط في المحكم بفتحها. وقوله «ونعمى» قال في
القاموس كحبلى وضبط في الأصل والمحكم ككرسي) ونُعْمانُ ونُعَيمانُ
وتَنْعُمُ، كلهن: أَسماءٌ. والتَّناعِمُ: بَطْنٌ من العرب ينسبون إلى تَنْعُم بن
عَتِيك. وبَنو نَعامٍ: بطنٌ. ونَعامٌ: موضع. يقال: فلانٌ من أَهل بِرْكٍ
ونَعامٍ، وهما موضعان من أطراف اليَمن. والنَّعامةُ: فرسٌ مشهورة فارسُها
الحرث بن عبّاد؛ وفيها يقول:
قَرِّبا مَرْبَِطِ النَّعامةِ مِنّي،
لَقِحَتْ حَرْبُ وائلٍ عن حِيالِ
أي بَعْدَ حِيالٍ. والنَّعامةُ أَيضاً: فرسُ مُسافِع ابن عبد العُزّى.
وناعِمةُ: اسمُ امرأَةٍ طَبَخَت عُشْباً يقال له العُقّارُ رَجاءَ أَن
يذهب الطبخ بِغائلتِه فأَكلته فقَتلَها، فسمي العُقّارُ لذلك عُقّار
ناعِمةَ؛ رواه ابن سيده عن أبي حنيفة. ويَنْعَمُ: حَيٌّ من اليمن. ونَعَمْ
ونَعِمْ: كقولك بَلى، إلا أن نَعَمْ في جواب الواجب، وهي موقوفة الآخِر لأنها
حرف جاء لمعنى، وفي التنزيل: هلْ وجَدْتُمْ ما وعَدَ ربُّكم حَقّاً قالوا
نَعَمْ؛ قال الأزهري: إنما يُجاب به الاستفهامُ الذي لا جَحْدَ فيه،
قال: وقد يكون نَعَمْ تَصْديقاً ويكون عِدَةً، وربما ناقَضَ بَلى إذا قال:
ليس لك عندي ودِيعةٌ، فتقول: نَعَمْ تَصْديقٌ له وبَلى تكذيبٌ. وفي حديث
قتادة عن رجل من خثْعَم قال: دَفَعتُ إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو
بِمِنىً فقلت: أنتَ الذي تزعُم أنك نَبيٌّ؟ فقال: نَعِمْ، وكسر العين؛ هي
لغة في نَعَمْ، وكسر العين؛ وهي لغة في نَغَمْ بالفتح التي للجواب، وقد
قرئَ بهما. وقال أَبو عثمان النَّهْديّ: أمرَنا أميرُ المؤمنين عمرُ،
رضي الله عنه، بأمر فقلنا: نَعَمْ، فقال: لا تقولوا نَعَمْ وقولوا نَعِمْ،
بكسر العين. وقال بعضُ ولد الزبير: ما كنت أَسمع أشياخَ قرَيش يقولون
إلاَّ نَعِمْ، بكسر العين. وفي حديث أبي سُفيان حين أَراد الخروج إلى أُحد:
كتبَ على سَهمٍ نَعَمْ، وعلى آخر لا، وأَجالهما عند هُبَل، فخرج سهمُ
نَعَمْ فخرج إلى أُحُد، فلما قال لِعُمر: أُعْلُ هُبَلُ، وقال عمر: اللهُ
أَعلى وأَجلُّ، قال أَبو سفيان: أنعَمتْ فَعالِ عنها أي اترك ذِكرَها فقد
صدقت في فَتْواها، وأَنعَمَتْ أَي أَجابت بنَعَمُْ؛ وقول الطائي:
تقول إنْ قلتُمُ لا: لا مُسَلِّمةً
لأَمرِكُمْ، ونَعَمْ إن قلتُمُ نَعَما
قال ابن جني: لا عيب فيه كما يَظنُّ قومٌ لأَنه لم يُقِرَّ نَعَمْ على
مكانها من الحرفية، لكنه نقَلها فجعلها اسماً فنصَبها، فيكون على حد قولك
قلتُ خَيراً أو قلت ضَيراً، ويجوز أن يكون قلتم نَعَما على موضعه من
الحرفية، فيفتح للإطلاق، كما حرَّك بعضُهم لالتقاء الساكنين بالفتح، فقال:
قُمَ الليلَ وبِعَ الثوبَ؛ واشتقَّ ابنُ جني نَعَمْ من النِّعْمة، وذلك أن
نعَمْ أَشرفُ الجوابين وأَسرُّهما للنفْس وأَجلَبُهما للحَمْد، ولا
بضِدِّها؛ ألا ترى إلى قوله:
وإذا قلتَ نَعَمْ، فاصْبِرْ لها
بنَجاحِ الوَعْد، إنَّ الخُلْف ذَمّْ
وقول الآخر أَنشده الفارسي:
أبى جُودُه لا البُخْلِ واسْتَعْجَلتْ به
نَعَمْ من فَتىً لا يَمْنَع الجُوع قاتِله
(* قوله «لا يمنع الجوع قاتله» هكذا في الأصل والصحاح، وفي المحكم:
الجوس قاتله، والجوس الجوع. والذي في مغني اللبيب: لا يمنع الجود قاتله، وكتب
عليه الدسوقي ما نصه: قوله لا يمنع الجود، فاعل يمنع عائد على الممدوح؛
والجود مفعول ثان؛ وقاتله مفعول أول، ويحتمل أن الجود فاعل يمنع أي جوده
لا يحرم قاتله أي فإذا أراد إنسان قتله فجوده لا يحرم ذلك الشخص بل يصله
اهـ. تقرير دردير).
يروى بنصب البخل وجرِّه، فمن نصبه فعلى ضربين: أحدهما أن يكون بدلاً من
لا لأن لا موضوعُها للبخل فكأَنه قال أَبى جودُه البخلَ، والآخر أن تكون
لا زائدة، والوجه الأَول أعني البدلَ أَحْسَن، لأنه قد ذكر بعدها نَعَمْ،
ونَعمْ لا تزاد، فكذلك ينبغي أَن تكون لا ههنا غير زائدة، والوجه الآخر
على الزيادة صحيح، ومَن جرَّه فقال لا البُخْلِ فبإضافة لا إليه، لأَنَّ
لا كما تكون للبُخْل فقد تكون للجُود أَيضاً، ألا ترى أَنه لو قال لك
الإنسان: لا تُطْعِمْ ولا تأْتِ المَكارمَ ولا تَقْرِ الضَّيْفَ، فقلتَ
أَنت: لا لكانت هذه اللفظة هنا للجُود، فلما كانت لا قد تصلح للأَمرين جميعاً
أُضيفَت إلى البُخْل لما في ذلك من التخصيص الفاصل بين الضدّين. ونَعَّم
الرجلَ: قال له نعَمْ فنَعِمَ بذلك بالاً، كما قالوا بَجَّلْتُه أي قلت
له بَجَلْ أي حَسْبُك؛ حكاه ابن جني. وأَنعَم له أي قال له نعَمْ.
ونَعامة: لَقَبُ بَيْهَسٍ؛ والنعامةُ: اسم فرس في قول لبيد:
تَكاثرَ قُرْزُلٌ والجَوْنُ فيها،
وتَحْجُل والنَّعامةُ والخَبالُ
(* قوله «وتحجل والخبال» هكذا في الأصل والصحاح، وفي القاموس في مادة
خبل بالموحدة، وأما اسم فرس لبيد المذكور في قوله:
تكاثر قرزل والجون فيها * وعجلى والنعامة والخيال
فبالمثناة التحتية، ووهم الجوهري كما وهم في عجلى وجعلها تحجل).
وأَبو نَعامة: كنية قَطَريّ بن الفُجاءةِ، ويكنى أَبا محمد أَيضاً؛ قال
ابن بري: أَبو نَعامة كُنْيَتُه في الحرب، وأَبو محمد كُنيته في السِّلم.
ونُعْم، بالضم: اسم امرأَة.
ترب: التُّرْبُ والتُّرابُ والتَّرْباءُ والتُّرَباءُ والتَّوْرَبُ والتَّيْرَبُ والتَّوْرابُ والتَّيْرابُ والتِّرْيَبُ والتَّرِيبُ، الأَخيرة عن كراع، كله واحد، وجَمْعُ التُّرابِ أَتْرِبةٌ وتِرْبانٌ، عن اللحياني.
ولم يُسمع لسائر هذه اللغات بجمع، والطائفة من كل ذلك تُّرْبةٌ
وتُرابةٌ.وبفيهِ التَّيْرَبُ والتِّرْيَبُ. الليث: التُّرْبُ والتُّرابُ واحد،
إِلا أَنهم إِذا أَنَّثُوا قالوا التُّرْبة. يقال: أَرضٌ طَيِّبةُ التُّرْبةِ أَي خِلْقةُ تُرابها، فإِذا عَنَيْتَ طاقةً واحدةً من التُّراب قلت: تُرابة، وتلك لا تُدْرَكُ بالنَّظَر دِقّةً، إِلا بالتَّوَهُّم. وفي الحديث: خَلَقَ اللّهُ التُّرْبةَ يوم السبت. يعني الأَرضَ. وخَلَق فيها الجِبالَ يوم الأَحَد وخلق الشجَر يوم الاثْنَيْنِ. الليث: التَّرْباءُ نَفْسُ التُّراب. يقال: لأَضْرِبَنَّه حتى يَعَضَّ بالتَّرْباءِ. والتَّرْباءُ: الأَرضُ نَفْسُها. وفي الحديث: احْثُوا في وُجُوهِ الـمَدَّاحِينَ التُّرابَ. قيل أَراد به الرَّدَّ والخَيْبةَ، كما يقال للطالِبِ الـمَرْدُودِ الخائِبِ: لم يَحْصُل في كَفّه غيرُ التُّراب. وقَريبٌ منه قولُه، صلى اللّه عليه وسلم: وللعاهر الحَجَرُ. وقيل أَراد به التُّرابَ خاصّةً، واستعمله الـمِقدادُ على ظاهره،
وذلك أَنه كان عندَ عثمانَ، رضي اللّه عنهما، فجعل رجل يُثْني عليه، وجعل المِقْدادُ يَحْثُو في وجْهِه التُّرابَ، فقال له عثمانُ: ما تَفْعَلُ؟ فقال: سمعت رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلّم يقول: احْثُوا في وجُوه المدّاحِينَ التُّرابَ، وأَراد بالمدّاحين الذين اتَّخَذُوا مَدْحَ الناسِ عادةً وجعلوه بِضاعةً يَسْتَأْكِلُون به الـمَمْدُوحَ، فأَمـّا مَن مَدَح على الفِعل الحَسَنِ والأَمْرِ المحمود تَرغِيباً في أَمثالهِ وتَحْريضاً للناس على الاقْتداءِ به في أَشْباهِه، فليس بمَدّاح، وإِن كان قد صار مادحاً بما تكلم به من جَمِيلِ القَوْلِ. وقولُه في
الحديث الآ خر: إِذا جاءَ مَن يَطْلُبُ ثَمَنَ الكلب فامْلأْ كَفَّه تُراباً. قال ابن الأَثير: يجوز حَمْلُه على الوجهينِ.
وتُرْبةُ الإِنسان: رَمْسُه. وتُربةُ الأَرض: ظاهِرُها.
وأَتْرَبَ الشيءَ: وَضَعَ عليه الترابَ، فَتَتَرَّبَ أَي تَلَطَّخَ بالتراب.
وتَرَّبْتُه تَتْريباً، وتَرَّبْتُ الكتابَ تَتْريباً، وتَرَّبْتُ القِرْطاسَ فأَنا أُّتَرِّبهُ. وفي الحديث: أَتْرِبوا الكتابَ فإِنه أَنْجَحُ للحاجةِ. وتَتَرَّبَ: لَزِقَ به التراب. قال أَبو ذُؤَيْبٍ:
فَصَرَعْنَه تحْتَ التُّرابِ، فَجَنْبُه * مُتَتَرِّبٌ، ولكلِّ جَنْبٍ مَضْجَعُ
وتَتَرَّبَ فلان تَتْريباً إِذا تَلَوَّثَ بالترابِ. وتَرَبَتْ فلانةُ الإِهابَ لِتُصْلِحَه، وكذلك تَرَبْت السِّقاءَ. وقال ابن بُزُرْجَ: كلُّ ما يُصْلَحُ، فهو مَتْرُوبٌ، وكلُّ ما يُفْسَدُ، فهو مُتَرَّبٌ، مُشَدَّد.
وأَرضٌ تَرْباءُ: ذاتُ تُرابٍ، وتَرْبَى. ومكانٌ تَرِبٌ: كثير التُّراب،
وقد تَرِبَ تَرَباً. ورِيحٌ تَرِبٌ وتَرِبةٌ، على النَّسَب: تَسُوقُ التُّرابَ. ورِيحٌ تَرِبٌ وتَرِبةٌ: حَمَلت تُراباً. قال ذو الرمة:
مَرًّا سَحابٌ ومَرًّا بارِحٌ تَرِبُ(1)
(1 قوله «مراً سحاب إلخ» صدره: لا بل هو الشوق من دار تخوّنها)
وقيل: تَرِبٌ: كثير التُّراب. وتَرِبَ الشيءُ. وريحٌ تَرِبةٌ: جاءَت
بالتُّراب.
وتَرِبَ الشيءُ، بالكسر: أَصابه التُّراب. وتَرِبَ الرَّجل: صارَ في يده التُّراب. وتَرِبَ تَرَباً: لَزِقَ بالتُّراب، وقيل: لَصِقَ بالتُّراب
من الفَقْر. وفي حديث فاطمةَ بنتِ قَيْس، رضي اللّه عنها: وأَمـّا معاوِيةُ فَرجُلٌ تَرِبٌ لا مالَ له ، أَي فقيرٌ. وتَرِبَ تَرَباً ومَتْرَبةً:
خَسِرَ وافْتَقَرَ فلَزِقَ بالتُّراب.
وأَتْرَبَ: استَغْنَى وكَثُر مالُه، فصار كالتُّراب، هذا الأَعْرَفُ.
وقيل: أَتْرَبَ قَلَّ مالُه. قال اللحياني قال بعضهم: التَّرِبُ الـمُحتاجُ
، وكلُّه من التُّراب. والـمُتْرِبُ: الغَنِيُّ إِما على السَّلْبِ، وإِما على أَن مالَه مِثْلُ التُّرابِ.
والتَّتْرِيبُ: كَثْرةُ المالِ. والتَّتْرِيبُ: قِلةُ المالِ أَيضاً.
ويقال: تَرِبَتْ يَداهُ، وهو على الدُعاءِ، أَي لا أَصابَ خيراً.
وفي الدعاءِ: تُرْباً له وجَنْدَلاً، وهو من الجَواهِر التي أُجْرِيَتْ مُجْرَى الـمَصادِرِ المنصوبة على إِضمار الفِعْل غير المسْتَعْمَلِ
إِظهارُه في الدُّعاءِ، كأَنه بدل من قولهم تَرِبَتْ يَداه وجَنْدَلَتْ. ومِن العرب
مَن يرفعه، وفيه مع ذلك معنى النصب، كما أَنَّ في قولهم: رَحْمَةُ اللّهِ عليه، معنى رَحِمه اللّهُ. وفي الحديث: أَن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، قال: تُنْكَحُ المرأَةُ لمِيسَمِها ولمالِها ولِحَسَبِها فعليكَ بِذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يَداكَ. قال أَبو عبيد: قوله تَرِبَتْ يداكَ، يقال للرجل، إِذا قلَّ مالُه: قد تَرِبَ أَي افْتَقَرَ، حتى لَصِقَ بالتُّرابِ.
وفي التنزيل العزيز: أَو مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ. قال: ويرَوْنَ، واللّه أَعلم أَنّ النبيّ، صلى اللّه عليه وسلم، لم يَتَعَمَّدِ الدُّعاءَ عليه بالفقرِ، ولكنها كلمة جارِيةٌ على أَلسُنِ العرب يقولونها، وهم لا
يُريدون بها الدعاءَ على الـمُخاطَب ولا وُقوعَ الأَمر بها. وقيل: معناها للّه دَرُّكَ؛ وقيل: أَراد به الـمَثَلَ لِيَرى الـمَأْمورُ بذلك الجِدَّ،
وأَنه إِن خالَفه فقد أَساءَ؛ وقيل: هو دُعاءٌ على الحقيقة، فإِنه قد قال لعائشة، رضي اللّه عنها: تَربَتْ يَمينُكِ، لأَنه رأَى الحاجة خيراً لها.
قال: والأوّل الوجه. ويعضده قوله في حديث خُزَيْمَة، رضي اللّه عنه: أَنـْعِم صباحاً تَرِبَتْ يداكَ، فإِنَّ هذا دُعاءٌ له وتَرْغيبٌ في
اسْتِعْماله ما تَقَدَّمَتِ الوَصِيَّةُ به. أَلا تراه قال: أَنْعِم صَباحاً، ثم
عَقَّبه بتَرِبَتْ يَداكَ. وكثيراً تَرِدُ للعرب أَلفاظ ظاهرها الذَّمُّ
وإِنما يُريدون بها الـمَدْحَ كقولهم: لا أَبَ لَكَ، ولا أُمَّ لَكَ، وهَوَتْ أُّمُّه، ولا أَرضَ لك، ونحوِ ذلك. وقال بعضُ الناس: إِنَّ قولهم
تَرِبَتْ يداكَ يريد به اسْتَغْنَتْ يداكَ. قال: وهذا خطأٌ لا يجوز في الكلام، ولو كان كما قال لقال: أَتْرَبَتْ يداكَ. يقال أَتْرَبَ الرجلُ، فهو مُتْرِبٌ، إِذا كثر مالهُ، فإِذا أَرادوا الفَقْرَ قالوا: تَرِبَ يَتْرَبُ.
ورجل تَرِبٌ: فقيرٌ. ورجل تَرِبٌ: لازِقٌ بالتُّراب من الحاجة ليس بينه وبين الأَرض شيءٌ.
وفي حديث أَنس، رضي اللّه عنه: لم يكن رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، سَبَّاباً ولا فَحَّاشاً. كان يقولُ لأَحَدنا عند الـمُعاتَبةِ: تَرِبَ جَبِينُه. قيل: أَراد به دعاءً له بكثرة السجود. وأَما قوله لبعض أَصْحابه: تَرِبَ نَحْرُكَ، فقُتِل الرجُل شهيداً، فإِنه محمول على ظاهره.
وقالوا: الترابُ لكَ، فرَفَعُوه، وإِن كان فيه معنى الدعاء، لأَنه اسم وليس بمصدر، وليس في كلِّ شيءٍ من الجَواهِر قيل هذا. وإِذ امتنع هذا في بعض المصادر. فلم يقولوا: السَّقْيُ لكَ، ولا الرَّعْيُ لك، كانت الأَسماء أَوْلى بذلك. وهذا النوعُ من الأَسماء، وإِن ارْتَفَعَ، فإِنَّ فيه معنى المنصوب. وحكى اللحياني: التُّرابَ للأَبْعَدِ. قال: فنصب كأَنه دعاء. والـمَتْرَبةُ: الـمَسْكَنةُ والفاقةُ. ومِسْكِينٌ ذُو مَتْرَبةٍ أَي لاصِقٌ بالتراب.
وجمل تَرَبُوتٌ: ذَلُولٌ، فإِمَّا أَن يكون من التُّراب لذلَّتِه، وإِما أَن تكون التاء بدلاًمن الدال في دَرَبُوت من الدُّرْبةٍ ، وهو مذهب
سيبويه، وهو مذكور في موضعه. قال ابن بري: الصواب ما قاله أَبو علي تَرَبُوتٍ أَنّ أَصله دَرَبُوتٌ من الدربة، فأَبدل من الدال تاء، كما أَبدلوا من التاء دالاً في قولهم دَوْلَجٌ وأَصله تَوْلَجٌ، ووزنه تَفْعَلٌ من وَلَجَ، والتَّوْلَجُ: الكِناسُ الذي يَلِجُ فيه الظبي وغيره من الوَحْش. وقال اللحياني: بَكْرٌ تَرَبُوتٌ: مُذَلَّلٌ، فَخصَّ به البَكْر، وكذلك ناقة تَرَبُوت. قال: وهي التي إِذا أُخِذَتْ بِمِشْفَرِها أَو بُهدْب عينها تَبِعَتْكَ. قال وقال الأَصمعي: كلُّ ذَلُولٍ من الأَرض وغيرها تَرَبُوتٌ، وكلُّ هذا من التُّراب، الذكَرُ والأُنثى فيه سواءٌ.
«والتُّرْتُبُ: الأَمْرُ الثابتُ، بضم التاءين. والتُّرْتُبُ: العبدُ
السُّوء(1)»
(1 هذه العبارة من مادة «ترتب» ذكرت هنا خطأ في الطبعة الاولى.).
وأَتْرَبَ الرجلُ إِذا مَلَك عبداً مُلِكَ ثلاث مَرَّات.
والتَّرِباتُ: الأَنامِلُ، الواحدة تَرِبةٌ.
والتَّرائبُ: مَوْضِعُ القِلادةِ من الصَّدْر، وقيل هو ما بين التَّرْقُوة إِلى الثَّنْدُوةِ؛ وقيل: التَّرائبُ عِظامُ الصدر؛ وقيل: ما وَلِيَ الّتَرْقُوَتَيْن منه؛ وقيل: ما بين الثديين والترقوتين. قال الأَغلب
العِجْليّ:
أَشْرَفَ ثَدْياها على التَّرِيبِ، * لَمْ يَعْدُوَا التَّفْلِيكَ في النُّتُوبِ
والتِّفْلِيكُ: مِن فَلَّك الثَّدْيُ. والنُّتُوبُ: النُّهُودُ، وهو ارْتِفاعُه. وقيل: التَّرائبُ أَربعُ أَضلاعٍ من يَمْنةِ الصدر وأَربعٌ من يَسْرَتِه. وقوله عز وجل: خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ يَخْرُج من بينِ الصُّلْب والتَّرائبِ. قيل: التَّرائبُ: ما تقدَّم. وقال الفرَّاء: يعني صُلْبَ الرجلِ وتَرائبَ المرأَةِ. وقيل: التَّرائبُ اليَدانِ والرِّجْلانِ والعَيْنانِ، وقال: واحدتها تَرِيبةٌ. وقال أَهل اللغة أَجمعون: التَّرائبُ موضع القِلادةِ من الصَّدْرِ، وأَنشدوا:
مُهَفْهَفةٌ بَيْضاءُ، غَيْرُ مُفاضةٍ، * تَرائِبُها مَصْقُولةٌ كالسَّجَنْجَلِ
وقيل: التَّرِيبَتانِ الضِّلَعانِ اللَّتانِ تَلِيانِ التَّرْقُوَتَيْنِ، وأَنشد:
ومِنْ ذَهَبٍ يَلُوحُ على تَرِيبٍ، * كَلَوْنِ العاجِ، ليس له غُضُونُ
أَبو عبيد: الصَّدْرُ فيه النَّحْرُ، وهو موضِعُ القِلادةِ، واللَّبَّةُ: موضع النَّحْرِ، والثُّغْرةُ: ثُغْرَةُ النَّحْرِ، وهي الهَزْمةُ بين التَّرْقُوَتَيْنِ. وقال:
والزَّعْفَرانُ، علَى تَرائِبِها، * شَرِقٌ به اللَّبَّاتُ والنَّحْرُ
قال: والتَّرْقُوَتانِ: العَظْمانِ الـمُشْرِفانِ في أَعْلَى الصَّدْرِ مِن صَدْرِ رَأْسَيِ الـمَنْكِبَيْنِ إِلى طَرَفِ ثُغْرة النَّحْر، وباطِنُ التَّرْقُوَتَيْنِ الهَواء الذي في الجَوْفِ لو خُرِقَ، يقال لهما القَلْتانِ، وهما الحاقِنَتانِ أَيضاً، والذَّاقِنةُ طَرَفُ الحُلْقُوم. قال ابن الأَثير: وفي الحديث ذكر التَّرِيبةِ، وهي أَعْلَى صَدْرِ الإِنْسانِ تَحْتَ الذَّقَنِ، وجمعُها التَّرائبُ. وتَرِيبةُ البَعِير: مَنْخِرُه(2)
(2 قوله «وتربية البعير منخره» كذا في المحكم مضبوطاً وفي شرح القاموس الطبع بالحاء المهملة بدل الخاء.).
والتِّرابُ: أَصْلُ ذِراعِ الشاة، أُنثى، وبه فسر شمر قولَ عليّ، كرَّم اللّه وجهه: لَئِنْ وَلِيتُ بني أُمَيَّةَ لأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ القَصَّابِ التِّرابَ الوَذِمةَ. قال: وعنى بالقَصّابِ هنا السَّبُعَ، والتِّرابُ: أَصْلُ ذِراعِ الشاةِ، والسَّبُعُ إِذا أَخَذَ شاةً قَبَضَ على ذلك الـمَكانِ فَنَفَضَ الشَّاةَ.
الأَزهريُّ: طَعامٌ تَرِبٌ إِذا تَلَوَّثَ بالتُّراب. قال: ومنه حديث
عليّ، رضي اللّه عنه: نَفْضَ القَصَّاب الوِذامَ التَّرِبةَ. الأَزهري:
التِّرابُ: التي سَقَطَتْ في التُّرابِ فَتَتَرَّبَتْ، فالقَصَّابُ يَنْفُضُها. ابن الأَثير: التِّرابُ جمع تَرْبٍ. تخفيفُ تَرِبٍ، يريد اللُّحُومَ التي تَعَفَّرَتْ بسُقُوطِها في التُّراب، والوَذِمةُ: الـمُنْقَطِعةُ الأَوْذامِ، وهي السُّيُورُ التي يُشَدُّ بها عُرى الدَّلْوِ. قال الأَصمعي: سأَلْتُ
شُعبةَ(1)
(1 قوله «قال الأصمعي سألت شعبة إلخ» ما هنا هو الذي في
النهاية هنا والصحاح والمختار في مادة وذم والذي فيها من اللسان قلبها فالسائل فيها مسؤول.) عن هذا الحَرْفِ، فقال: ليس هو هكذا انما هو نَفْضُ القَصَّابِ الوِذامَ التَّرِبةَ، وهي التي قد سَقَطَتْ في التُّرابِ، وقيل الكُرُوشُ كُلُّها تُسَمَّى تَرِبةً لأَنها يَحْصُلُ فيها الترابُ مِنَ الـمَرْتَعِ؛ والوَذِمةُ: التي أُخْمِلَ باطِنُها، والكُرُوشُ وَذِمةٌ لأَنها مُخْمَلَةٌ، ويقال لِخَمْلِها الوَذَمُ. ومعنى الحديث: لئن وَلِيتُهم لأُطَهِّرَنَّهم من الدَّنَسِ ولأُطَيِّبَنَّهُم بعد الخُبْثِ.
والتِّرْبُ: اللِّدةُ والسِّنُّ. يقال: هذه تِرْبُ هذه أَي لِدَتُها.
وقيل: تِرْبُ الرَّجُل الذي وُلِدَ معَه، وأَكثر ما يكون ذلك في الـمُؤَنَّثِ، يقال: هي تِرْبُها وهُما تِرْبان والجمع أَتْرابٌ. وتارَبَتْها: صارت تِرْبَها. قال كثير عزة:
تُتارِبُ بِيضاً، إِذا اسْتَلْعَبَتْ، * كأُدْم الظّباءِ تَرِفُّ الكَباثا
وقوله تعالى: عُرُباً أَتْرَاباً. فسَّره ثعلب، فقال: الأَتْرابُ هُنا
الأَمْثالُ، وهو حَسَنٌ إذْ ليست هُناك وِلادةٌ.
والتَّرَبَةُ والتَّرِبةُ والتَّرْباء: نَبْتٌ سُهْلِيٌّ مُفَرَّضُ الوَرَقِ، وقيل: هي شَجرة شاكةٌ، وثمرتها كأَنها بُسْرَة مُعَلَّقةٌ، مَنْبِتُها السَّهْلُ والحَزْنُ وتِهامةُ. وقال أَبو حنيفة: التَّرِبةُ خَضْراءُ تَسْلَحُ عنها الإِبلُ.
التهذيب في ترجمة رتب: الرَّتْباءُ الناقةُ الـمُنْتَصِبةُ في سَيْرِها،
والتَّرْباء الناقةُ الـمُنْدَفِنةُ. قال ابن الأَثير في حديث عمر، رضي
اللّه عنه، ذِكر تُرَبةَ، مثال هُمَزَة، وهو بضم التاء وفتح الراء، وادٍ قُرْبَ مكة على يَوْمين منها. وتُرَبةُ: وادٍ من أَوْدية اليمن. وتُربَةُ والتُّرَبَة والتُّرْباء وتُرْبانُ وأَتارِبُ: مواضع. ويَتْرَبُ، بفتح
الراء: مَوْضعٌ قَريبٌ من اليمامة. قال الأَشجعي:
وعَدْتَ، وكان الخُلْفُ منكَ سَجِيَّةً، * مواعِيدَ عُرقُوبٍ أخاهُ بِيَتْرَبِ
قال هكذا رواه أَبو عبيدة بَيَتْرَبِ وأَنكر بيَثْرِبِ، وقال: عُرقُوبٌ
من العَمالِيقِ، ويَتْرَبُ من بِلادِهم ولم تَسْكُن العمالِيقُ يَثْرِبَ.
وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: كُنَّا بِتُرْبانَ. قال ابن الأَثير: هو موضع كثير المياه بينه وبين المدينة نحو خمسة فَراسِخَ.
وتُرْبةُ: موضع(2)
(2 قوله «وتربة موضع إلخ» هو فيما رأيناه من المحكم
مضبوط بضم فسكون كما ترى والذي في معجم ياقوت بضم ففتح ثم أورد المثل.) من بِلادِ بني عامرِ بن مالك، ومن أَمثالهم: عَرَفَ بَطْنِي بَطْنَ تُرْبةَ، يُضْرَب للرجل يصير إِلى الامرِ الجَليِّ بعد الأَمرِ الـمُلْتَبِس؛ والـمَثَلُ لعامر بن مالك أَبي البراء.
والتُّرْبِيَّة: حِنْطة حَمْراء، وسُنْبلها أَيضاً أَحمرُ ناصِعُ الحُمرة، وهي رَقِيقة تَنْتَشِر مع أَدْنَى بَرْد أَو ريح، حكاه أَبو حنيفة.
ثدي: الثَّدْي: ثدْي المرأَة، وفي المحكم وغيره: الثَّدْي معروف، يذكر
ويؤنث، وهو للمرأَة والرجل أَيضاً، وجمعه أَثْدٍ وثُدِيّ، على فُعول،
وثِدِيّ أَيضاً، بكسر الثاء لما بعدها من الكسر؛ فأَما قوله:
وأَصْبَحَت النِّساءُ مُسَلِّباتٍ،
لهُنَّ الويلُ يَمْدُدْنَ الثُّدِينا
فإِنه كالغلط، وقد يجوز أَن يريد الثُّدِيَّا فأَبدل النون من الياء
للقافية.
وذو الثُّدَيَّة: رجل، أَدخلوا الهاء في الثُّدَيَّة ههنا، وهو تصغير
ثَدْي. وأَما حديث عليّ، عليه السلام، في الخوارج: في ذي الثُّدَيَّة
المقتول بالنهروان، فإِن أَبا عبيد حكى عن الفراء أَنه قال إِنما قيل ذو
الثُّدَيَّة بالهاء هي تصغير ثَدْي؛ قال الجوهري: ذو الثُّدَيَّة لقب رجل اسمه
ثُرْمُلة، فمن قال في الثَّدْي إِنه مذكر يقول إِنما أَدخلوا الهاء في
التصغير لأَن معناه اليد، وذلك أَن يده كانت قصيرة مقدار الثَّدْي، يدل
على ذلك أَنهم يقولون فيه ذو اليُدَيَّة وذو الثُّدَيَّة جميعاً، وإِنما
أُدخل فيه الهاء، وقيل: ذو الثُّدَيَّة وإِن كان الثَّدْي مذكراً لأَنها
كأَنها بقية ثَدْي قد ذهب أَكثره، فقللها كما يقال لُحَيْمة وشُحَيْمة،
فأَنَّثها على هذا التأْويل، وقيل: كأَنه أَراد قطعة من ثَدْي، وقيل: هو
تصغير الثَّنْدُوَة، بحذف النون، لأَنها من تركيب الثَّدْي وانقلاب الياء
فيها واواً لضمة ما قبلها، ولم يضر ارتكاب الوزن الشاذ لظهور الاشتقاق.
وقال الفراء عن بعضهم: إِنما هو ذو اليُدَيَّة، قال: ولا أُرى الأَصل كان
إِلاَّ هذا، ولكن الأَحاديث تتابعت بالثاء.
وامرأَة ثَدْياء: عظيمة الثَّدْيين، وهي فعلاء لا أَفَعلَ لها لأَن هذا
لا يكون في الرجال، ولا يقال رجل أَثْدَى.
ويقال: ثَدِيَ يَثْدَى إِذا ابتلَّ. وقد ثَداهُ يَثْدُوه ويَثْدِيه إِذا
بَلَّه. وثَدَّاه إِذا غَذَّاه.
والثُّدَّاء، مثل المُكَّاء: نبت، وقيل: نبت في البادية يقال له المُصاص
والمُصَّاخ، وعلى أَصله قشور كثيرة تَتَّقِد بها النار، الواحدة
ثُدَّاءة؛ قال أَبو منصور: ويقال له بالفارسية بهراه دايزاد
(* قوله «بهراه
دايزاد» هكذا هو في الأصل)؛ وأَنشد ابن بري لراجز:
كأَنَّما ثُدّاؤه المَخْروفُ،
وقد رَمَى أَنصافَه الجُفُوفُ،
رَكْبٌ أَرادوا حِلَّةً وُقُوف
شبه أَعلاه وقد جف بالركب، وشبه أَسافله الخُضْر بالإِبل لخضرتها.
وثَدِيَت الأَرضُ: كسَدِيَت؛ حكاها يعقوب وزعم أَنها بدل من سين سَدِيَتْ،
قال: وهذا ليس بمعروف، قال: ثم قلبوا فقالوا ثَدِئتْ، مهموز من الثَّأَد،
وهو الثَّرَى؛ قال ابن سيده: وهذا منه سهو واختلاط وإِن كان إِنما حكاه عن
الجرمي، وأَبو عمر يَجِلُّ عن هذا الذي حكاه يعقوب إِلا أَن يَعْنيَ
بالجرمي غيره.
قال ثعلب: الثَّنْدُوَة، بفتح أَولها غير مهموز، مثال التَّرْقُوَة
والعَرْقُوَة على فَعْلُوَة، وهي مَغْرِز الثَّدْي، فإِذا ضممت همزت وهي
فُعْلُلَة، قال أَبو عبيدة: وكان رؤبة يهمز الثُّنْدُؤَة وسِئَة القوس، قال:
والعرب لا تهمز واحداً منهما، وفي المعتل بالأَلف: الثَّدْواءُ معروف
موضع.
زرق: التهذيب: الزُّرْقةُ في العين، تقول: زَرِقَتْ عينه، بالكسر،
تَزْرَقُ زَرَقاً. ابن سيده: الزُّرْقة البياض حيثما كان، والزُّرْقة: خضرة في
سواد العين، وقيل: هو أَن يتغشَّى سوادَها بياضٌ، زَرِقَ زَرَقاً فهو
أَزْرَقُ وأَزْرَقِيٌّ؛ قال الأَعشى:
تتبَّعَه أَزْرَقِيٌّ لَحِمْ
وقد زَرِقَت عينُه، بالكسر؛ قال الشاعر:
لقد زَرِقَتْ عَيْناكَ يا ابن مُكَعْبَرٍ،
كما كلُّ ضَبِّيٍّ من اللُّؤْمِ أَزْرَقُ
وازْرَقَّت عينُه ازْرِقاقاً وازْراقَّت عينه ازْرِيقاقاً، وهو أَزْرَقُ
العين. ونَصْلٌ أَزْرَقُ بيِّنُ الزَّرَق: شديد الصَّفاء؛ قال رؤبة:
حتى إِذا تَوَقَّدت من الزَّرَقْ
حَجْرِيّةٌ كالجَمْر من سَنِّ الذَّلَقْ
وتسمى الأَسِنَّةُ زُرْقاً للونها. أَبو عبيدة: الزَّرَقُ
تَحْجيل يكون دُون الأَشاعِر، وقيل: الزَّرَقُ بياض لا يُطِيفُ بالعَظْم
كلّه ولكنه وضَحٌ في بعضه. أَبو عمرو: الزَّرْقاءُ الخَمْرُ. وماءٌ
أَزْرَقُ: صافٍ؛ رواه ابن الأَعرابي. ونُطْفة زَرْقاء. والزُّرْقُم:
الأَزْرَقُ الشديد الزَّرَق، والمرأَة زُرقُم أَيضاً، والذكر والأُنثى في ذلك
سواء؛ قال الراجز:
ليسَتْ بِكَحْلاءَ، ولكن زُرْقُمُ،
ولا بِرَسْحاءَ، ولكن سُتْهُمُ
وقال اللحياني: رجل أزْرَقُ ورُزْقُم وامرأَة زَرْقاء بيِّنة الزَّرَقِ
وزُرْقُمَةٌ.
والأَزارِقهُ من الحَرُوريّة: صِنْف من الخوارج، واحدهم أَزْرَقِيّ،
ينسبون إِلى نافع بن الأَزْرَق وهو من الدُّول بن حنيفة. وقوله تعالى:
ونَحْشُر المُجْرِمين يومئذٍ زُرْقاً؛ فسره ثعلب فقال: معناه عِطاش؛ قال ابن
سيده: وعندي أَن هذا ليس على القصد الأَول، إِنما معناه ازْرَقَّت
أَعينُهم من شدة العطش، وقيل: عُمْياً يخرجون من قبورهم بُصَراء كما خُلِقوا
أَوَّلَ مرة ويَعْمَوْن في المحشر، وإِنما قيل زُرْقاً لأَن السواد
يَزْرَقُّ إِذا ذهبت نواظِرُهم، ويقال: زُرْقاً طامِعينَ فيما لا ينالونه، وقال
غيره: الزُّرْقُ المِياهُ الصافية؛ ومنه قول زهير:
فلمّا وَرَدْنَ الماءَ زُرْقاً جِمامُه،
وضَعْنَ عِصِيَّ الحاضرِ المُتَخَيِّم
والماء يكون أَزْرَقَ ويكون أَسْجَرَ ويكون أَخضرَ ويكون أَبيضَ.
والزُّرْقُ: أَكْثِبَةٌ بالدَّهْناء؛ قال ذو الرمة:
وقَرَّبْن بالزُّرْقِ الحَمائِلَ، بعدما
تَقَوَّبَ عن غِرْبانِ أَوْراكِها الخَطْرُ
والزُّرَيْقاءُ: ثَرِيدةٌ تُدَسَّمُ بلبن وزَيْت.
والمِزْراقُ من الرِّماح: رُمْحٌ قصير وهو أَخف من العَنَزَة. وقد
زَرَقَه بالمِزْراقِ زَرْقاً إِذا طعنَه أَو رماه به.
والبازِي يكون أَزرق وهي الزُّرْقُ؛ وقال ذو الرمة:
من الزُّرْق أَو صُقْع كأَن رُؤُوسها
وزَرَقَه بعينه وببصره زَرْقاً: أَحَدَّهُ
نحوَه ورماه به. وزَرَقَتْ عينُه نَحْوِي إِذا انْقَلَبَت وظهرَ
بياضُها. وزَرَقَت الناقةُ الرَّحْلَ أَي أَخَّرته إِلى وراء فانْزَرَق؛ قال
الراجز:
يزعم زيدٌ أَنَّ رَحْلي مُنْزَرقْ،
يَكْفِيكَه الله، وحَبْلٌ في العُنُقْ
يعني اللبَبَ. والمُنْزَرِقُ: المُسْتَلْقِي وراءه. وانْزَرَقَ الرجُل
انْزِراقاً إِذا استلقى على ظهره. قال أَبو منصور: وسمعت بعض العرب يقول
للبعير الذي يؤخر حمله إلى مؤخَّره مِزْراقٌ، ورأَيت جَمَلاً عندهم يسمى
مِزْراقاً لتأْخيره أَداته وما حمل عليه. ورجل زَرّاقٌ: خَدَّعٌ.
والزَّرْفة: خَرزة يؤَخَّذُ بها الرجال. وزَرَقَ الطائرُ وغَيْرُه وذَرَقَ إِذا
حَذَفَ به حَذْفاً.
والزُّرَّقُ: طائر بين البازي والباشَق يُصادُ به؛ وقال الفراء: هو
البازي الأَبيض، والجمع الزَّرارِيقُ. والزُّرَّقُ: شعرات بيض تكون في يد
الفرس أََو رجله. والزُّرَّقُ: بياض في ناصية الفرس أَو قَذالِه.
والزُّرَّقُ: الحَديد النظر، مثَّل به سيبويه وفسره السيرافي.
والزَّوْرَقُ من السُّفُن دون الخُلُج، وقيل: هو القارب الصغير؛ قال ذو
الرمة:
أَو حُرَّة عَيْطَل ثَبْجاء مُجْفَرة،
دَعائمَ الزَّورِ نِعْمَت زَورَق البَلدِ
يعني نِعْمَت سَفِينةُ المفازة؛ وقول جرير أَنشده محمد بن حبيب:
تَزَوْرَقتَ، يا ابن القَيْنِ، من أَكل فِيرةٍ
وأَكْلِ عُوَيثٍ، حين أَسْهَلَك البَطْنُ
ويقال: تَزَوْرَقَ الرجلُ إِذا رمى ما في بطنه. والزَّوْرَقُ مأْخوذ
منه، وقد سمت زَرَقاناً.
وزُرَيْقٌ وزُرْقان: اسمان. والزَّرْقاء: فرس نافع ابن عبد العُزَّى.
والزَّرْنُوقانِ، بفتح الزاي: مَنارتان تُبْنَيانِ على رأْس البئْر؛ قال
ابن جني: هو فَعْنُول وهو غريب، فأَما الزُّرْنُوق، بضم الزاي،
فرُباعيّ، وسيذكر.
دري: دَرَى الشيءَ دَرْباً ودِرْباً؛ عن اللحياني، ودِرْيَةً ودِرْياناً
ودِرايَةً: عَلِمَهُ. قال سيبويه: الدَّرْيَةُ كالدِّرْيَةِ لا يُذْهَبُ
به إلى المَرَّةِ الواحدة ولكنه على معنى الحال. ويقال: أَتى هذا
الأَمْرَ من غير دِرْية أَي من غير عِلْمٍ. ويقال: دَرَيْت الشيءَ أَدْرِيهِ
عَرَفْته، وأَدْرَيْتُه غيري إذا أَعْلَمْته. الجوهري: دَرَيْته ودَرَيْت
به دَرْياً ودَرْية ودِرْيةً ودِراية أَي علمت له؛ وأَنشد:
لاهُمَّ لا أَدْرِي، وأَنْت الدَّارِي،
كُلُّ امْرِئٍ مِنْك على مِقْدارِ
وأَدْراه به: أَعْلَمه. وفي التنزيل العزيز: ولا أَدْرَاكُمْ به، فأَما
من قرأَ: أَدْرَأَكُم به، مهموز، فلَحْنٌ. قال الجوهري: وقرئ ولا
أَدْرَأَكُم به؛ قال: والوجه فيه تَرْك الهمز؛ قال ابن بري: يريد أَنَّ
أَدْرَيْته وأَدْرَاهُ، بغير همز، هو الصحيح؛ قال: وإنما ذكر ذلك لقوله فيما بعد
مُدَاراة الناس، يهمز ولا يهمز. ابن سيده: قال سيبويه وقالوا لا أَدْر،
فحذفوا الياءَ لكثرة استعمالهم له كقولهم لَم أُبَلْ ولَم يكُ، قال:
ونظيره ما حكاه اللحياني عن الكسائي: أَقْبَلَ يَضْرِبُه لا يَأْلُ، مضمومَ
اللامِ بلا واو؛ قال الأَزهري: والعرب ربما حذفوا الياء من قولهم لا
أَدْرِ في موضع لا أَدْرِي، يكتَفُون بالكسرة منها كقوله تعالى: والليل إذا
يَسْرِ؛ والأَصل يَسْري؛ قال الجوهري: وإنما قالوا لا أَدْرِ بحذف الياء
لكثرة الاستعمال كما قالوا لَمْ أُبَلْ ولم يَكُ. وقوله تعالى: وما أَدراكَ
ما الحُطَمة؛ تأْويله أَيُّ شيء أَعْلَمَك ما الحُطَمة. قال: وقولهم
يُصيبُ وما يَدْرِي ويُخْطِئُ وما يدرِي أَي إصابَتَه أَي هو جاهلٌ، إن
أَخطأَ لم يَعْرِفْ وإن أَصاب لم يَعْرِفْ أَي ما اخْتل
(* قوله «أي ما
اختل إلخ» هكذا في الأصل)، من قولك دَرَيْت الظباء إذا خَتَلْتَها. وحكى ابن
الأَعرابي: ما تَدْرِي ما دِرْيَتُها أَي ما تَعْلَمُ ما علْمُها.
ودَرَى الصيدَ دَرْياً وادَّرَاه وتَدَرَّاه: خَتَلَه؛ قال:
فإن كنتُ لا أَدْرِي الظِّباءَ، فإنَّني
أَدُسُّ لها، تحتَ التُّرابِ، الدَّواهِيا
وقال: كيفَ تَرانِي أَذَّرِي وأَدَّرِي
غِرَّاتِ جُمْلٍ، وتَدَّرَى غِرَرِي؟
فالأَول إنما هو بالذال معجمة، وهو أَفْتَعِل من ذَرَيْت تراب المعدن،
والثاني بدال غير معجمة، وهو أَفْتَعِل من ادَّراه أَي خَتَلَه، والثالث
تَتَفَعَّل من تَدَرَّاه أَي خَتَلَه فأَسقط إحدى التاءين، يقول: كيف
تراني أَذَّرِي التراب وأَخْتِل مع ذلك هذه المرأَة بالنظر إليها إذا
اغتَرَّت أَي غَفَلَت. قال ابن بري: يقول أَذَّرِي التراب وأَنا قاعد أتشاغل
بذلك لئلا ترتاب بي، وأَنا في ذلك أَنظر إليها وأَخْتِلُها، وهي أَيضاً تفعل
كما أَفعل أَي أَغْتَرُّها بالنظر إذا غَفَلَت فتراني وتَغْتَرُّني إذا
غَفَلْت فتَخْتِلُني وأَخْتِلُها. ابن السكيت: دَرَيْت فلاناً أَدْرِيه
دَرْياً إذا خَتَلْتَه؛ وأَنشد للأَخطل:
فإن كُنت قَدْ أَقْصَدْتني، إذ رَمَيْتني
بسَهْمِك، فالرَّامي يَصِيدُ ولا يَدْرِي
أَي ولا يَخْتِلُ ولا يَسْتَتِرُ. وقد دارَيْته إذا خاتَلْته.
والدَّرِيَّة: الناقة والبقرة يَسْتَتِرُ بها من الصيد فيختِلُ، وقال أَبو زيد: هي
مهموزة لأَنها تُدْرأُ للصيد أَي تدفع، فإن كان هذا فليس من هذا الباب.
وقد أْدَّرَيْت دَرِيَّة وتَدَرَّيت. والدَّرِيّة: الوحش من الصيد خاصة.
التهذيب: الأَصمعي الدَّرِيّة، غير مهموز، دابَّة يستتر بها الصائد الذي
يرمي الصيد ليصيده، فإذا أَمكنَه رمى، قال: ويقال من الدَّرِيّة
ادَّرَيْت ودَرَيْت. ابن السكيت: انْدَرَأْتُ عليه انْدِراءً، قال: والعامة تقول
انْدَرَيْت. الجوهري: وتَدَرَّاه وادَّراه بمعنى خَتَله، تَفَعَّل
وافْتَعَل بمعنى؛ قال سُحَيم:
وماذا يَدَّرِي الشُّعَراءُ مِنِّي،
وقَدْ جاوَزْتُ رَأْسَ الأَرْبَعِينِ؟
قال يعقوب: كسر نون الجمع لأَن القوافي مخفوضة، أَلا ترى إلى قوله:
أَخو خَمْسِين مُجْتَمعٌ أَشُدِّي،
ونَجَّذَني مُداوَرَةُ الشُّؤُونِ
وادَّرَوْا مكاناً: اعْتَمَدوه بالغارة والغَزْو. التهذيب: بنو فلان
ادَّرَوْا فلاناً كأَنَّهم اعْتَمَدوه بالغارة والغزو؛ وقال سُحَيم بن وَثيل
الرياحي:
أَتَتْنا عامِرٌ من أَرْضِ رامٍ،
مُعَلِّقَةَ الكَنائِنِ تَدَّرِينا
والمُدَارَاةُ في حُسْن الخُلُق والمُعاشَرةِ مع الناس يكونُ مهموزاً
وغير مهموز، فمن همزه كان معناه الاتِّقاءَ لشَرِّه، ومن لم يهمزه جعله من
دَرَيْت الظَّبْي أَي احْتَلْت له وخَتَلْته حتى أَصِيدَه. ودَارَيْته من
دَرَيْت أَي خَتَلْت. الجوهري: ومُدَارَاة الناس المُداجاة
والمُلايَنَة؛ ومنه الحديث: رأْس العَقْلِ بعدَ الإيمانِ بالله مُدَارَاةُ الناسِ أَي
مُلايَنَتُهُم وحُسنُ صُحْبَتِهِم واحْتِمالُهُم لئَلاَّ يَنْفِروا
عَنْكَ. ودَارَيت الرجلَ: لايَنْته ورَفَقْت به، وأَصله من دَرَيْت الظَّبْي
أَي احْتَلْت له وخَتَلْته حتى أَصيدَه. ودَارَيْتُه ودَارأْته:
أَبْقَيْته، وقد ذكرناه في الهمز أَيضاً. ودارأْت الرجلَ إذا دَافَعْتَه، بالهمز،
والأَصل في التداري التَّدارُؤُ، فَتُرِكَ الهَمْز ونُقِلَ الحرف إلى
التشبيه بالتقاضي والتداعي.
والدَّرْوانُ: ولَدُ الضِّبْعانِ من الذِّئْبة؛ عن كراع.
والمِدْرَى والمِدْراة والمَدْرِيَةُ: القَرْنُ، والجمع مَدارٍ
ومَدارَى، الأَلف بدل من الياء. ودَرَى رَأْسَه بالمِدْرى: مَشَطَه. ابن
الأََثير: المِدْرَى والمِدْرَاةُ شيء يُعْمَل من حديد أَو خشب على شكل سنٍّ من
أَسْنان المُشْطِ وأَطْولُ منه، يُسَرَّحُ به الشَّعَر المُتَلَبِّدُ
ويَستَعمله من لم يكن له مُشْط؛ ومنه حديث أُبيٍّ: أَن جاريةً له كانَت
تَدَّري رأْسَهُ بِمِدْراها أَي تُسَرِّحُه. يقال: ادَّرَت المرأَة تَدَّرِي
ادِّراءً إذا سَرَّحَتْ شعرها به، وأَصلها تَدْتَري، تَفْتَعِل من استعمال
المِدْرى، فأُدغمت التاء في الدال. وقال الليث: المِدْراةُ حديدة
يُحَكُّ بها الرأْس يقال لها سَرْخارَهْ، ويقال مِدْرىً، بغير هاء، ويُشَبَّه
قَرْنُ الثَّوْرِ به؛ ومنه قول النابغة:
شَكَّ الفَرِيصَةَ بالمِدْرى فأَنْفَذَها،
شَكَّ المُبَيْطِرِ إذْ يَشْفِيِ مِنَ العَضَدِ
وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان في يَدِهِ مِدْرىً
يَحُكُّ بها رأْسَه فَنَظَر إلَيْه رَجلٌ من شَقِّ بابهِ قال: لو عَلِمْتُ
أَنَّك تَنْظُر لَطَعَنْتُ به في عَيْنِكَ. فقال: وربما قالوا للمِدْراةِ
مَدْرِيَة، وهي التي حدِّدَت حتى صارت مِدْراةً؛ وحدث المنذري أَن الحربي
أَنشده:
ولا صُوار مُدَرَّاةٍ مَناسِجُها،
مثلُ الفريدِ الذي يَجْري مِنَ النِّظْمِ
قال: وقوله مُدَرَّاة كأَنها هُيِّئَت بالمِدْرى من طول شعرها، قال:
والفَرِيدُ جمع الفريدة، وهي شَذْرة من فضة كاللؤلؤ، شَبَّه بياض أَجسادها
كأَنها الفضة. الجوهري في المِدْراةِ قال: وربما تُصْلِحُ بها الماشطة
قُرُونَ المِّساء، وهي شيء كالمِسَلَّة يكون مَعَها؛ قال:
تَهْلِكُ المِدْراةُ في أَكّْنافِه،
وإِذا ما أَرْسَلَتْهُ يَعْتَفِرْ
ويقال: تَدَرَّت المرأَة أَي سَرَّحت شعَرها. وقولهم جَأْبُ المِدْرى
أَي غَلِيظ القَرْنِ، يُدَلّ بذلك على صِغَر سِنِّ الغزال لأَن قَرْنَه في
أَول ما يطلع يغلظ ثم يدق بعد ذلك؛ وقول الهذلي:
وبالترك قد دمها
وذات المُدارأَة الغائط
(* قوله «وبالترك قد دمها إلخ» هذا البيت هو هكذا في الأصل.)
المدمومة: المطلية كأَنها طليت بشحم. وذات المدارأَة: هي الشديدة النفس
فهي تُدْرأُ؛ قال ويروى:
وذات المداراة والغائط
قال: وهذا يدل على أَن الهمز فيه وترك الهمز جائز.
صبع: الأَصْبَعُ: واحدة الأَصابِع، تذكر وتؤنث، وفيه لغات: الإِصْبَعُ
والأُصْبَعُ، بكسر الهمزة وضمها والباء مفتوحة، والأَصْبُعُ والأُصْبِعُ
والأَصْبِعُ والإِصْبِعُ مثال اضْرِبْ، والأُصْبُعُ: بضم الهمزة والباء،
والإِصْبُعُ نادِرٌ، والأُصْبُوعُ: الأُنملة مؤنثة في كل ذلك؛ حكى ذلك
اللحياني عن يونس؛ روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه دَمِيَتْ
إِصْبَعُه في حَفْر الخَنْدَق فقال:
هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ،
وفي سَبِيلِ اللهِ ما لَقِيتِ
فأَما ما حكاه سيبويه من قولهم ذهبتْ بعض أَصابِعه فإِنه أَنث البعض
لأَنه إِصبع في المعنى، وإِن ذَكَّرَ الإِصبعَ مُذَكِّر جاز لأَنه ليس فيها
علامة التأْنيث. وقال أَبو حنيفة: أَصابع البُنَيّاتِ
(* «اصابع البنيات
في القاموس اصابع الفتيات، قال شارحه: كذا في العباب والتكملة، وفي
المنهاج لابن جزلة اصابع الفتيان وفي اللسان اصابع البنيات.) نبات يَنْبُت
بأَرض العرب من أَطراف اليمن وهو الذي يسمى الفَرَنْجَمُشْكَ، قال:
وأَصابِعُ العذارَى أَيضاً صنف من العنب أَسود طِوال كأَنه البَلُّوطُ، يشبّه
بأَصابِع العذارَى المُخَضَّبةِ، وعُنْقُودُه نحو الذراع متداخِسُ الحب وله
زبيب جيِّد ومَنابِتُه الشّراةُ. والإِصْبَعُ: الأَثَر الحسَنُ، يقال:
فلان من الله عليه إِصْبَعٌ حسَنة أَي أَثَرٌ نعمة حسنة ؛ وعليك منك
اصْبَعٌ خسَنة أَي أتَرٌ حسَن؛ قال لبيد:
مَنْ يَجْعَلِ اللهُ إِصْبَعا،
في الخَيْرِ أَو في الشّرِّ، يَلْقاهُ مَعا
وإِنما قيل للأَثر الحسن إِصبع لإِشارة الناس إِليه بالإِصبع. ابن
الأَعرابي: إِنه لحسنُ الإِصْبَعِ في ماله وحسَنُ المَسِّ في ماله أَي حسَن
الأَثر؛ وأَنشد:
أَورَدَها راعٍ مَرِيءِ الإِصْبَعِ،
لم تَنْتَشِرْ عنه ولم تَصَدَّعِ
وفلانٌ مُغِلُّ الإِصْبَع إِذا كان خائناً؛ قال الشاعر:
حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بالوَفاءِ، ولم تَكُنْ
للغَدْرِ خائِنةً مُغِلَّ الإِصْبَعِ
وفي الحديث: قَلْبُ المؤمِن بين إِصْبَعَيْنِ من أَصابِع الله يُقَلّبُه
كيف يشاء، وفي بعض الروايات: قلوب العباد بين إِصبعين؛ معناه أَن تقلب
القلوب بين حسن آثاره وصُنْعِه تبارك وتعالى. قال ابن الأَثير: الإِصبع من
صفات الأَجسام،تعالى الله عن ذلك وتقدّس، وإِطلاقها عليه مجاز كإِطلاق
اليد واليمين والعين والسمع، وهو جار مجرى التمثيل والكناية عن سرعة تقلب
القلوب، وإِن ذلك أَمر معقود بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وتخصيص ذكر
الأَصابع كناية عن أَجزاء القدرة والبطش لأَن ذلك باليد والأَصابع أَجزاؤها.
ويقال: للراعي على ماشيته إِصبع أَي أَثر حسن، وعلى الإِبل من راعيها
إِصبع مثله، وذلك إِذا أَحسن القيام عليها فتبين أَثره فيها؛ قال الراعي يصف
راعياً:
ضَعِيفُ العَصا بادِي العُروقِ، تَرَى له
عليها، إِذا ما أَجْدَبَ الناسُ، إِصْبَعا
ضَعِيفُ العَصا أَي حاذِقُ الرَّعْيةِ لا يضرب ضرباً شديداً، يصفه بحسن
قيامه على إِبله في الجدب.
وصَبَعَ به وعليه يَصْبَعُ صَبْعاً: أَشار نحوَه بإِصْبَعِه واغتابه أَو
أَراده بشَرٍّ والآخر غافل لا يُشْعُر. وصَبَعَ الإِناء يَصْبَعُه
صَبْعاً إِذا كان فيه شَرابٌ وقابَلَ بين إِصْبَعَيْهِ ثم أَرسل ما فيه في شيء
ضَيِّقِ الرأْس، وقيل: هو إِذا قابل بين إِصبعيه ثم أَرسل ما فيه في
إِناء آخَرَ أَيَّ ضَرْبٍ من الآنيةِ كان، وقيل: وضَعْتَ على الإِناءِ
إِصْبَعَك حتى سال عليه ما في إِناء آخر غيره؛ قال الأَزهري: وصَبْعُ الإِناء
أَن يُرْسَل الشَّرابُ الذي فيه بين طرفي الإِبهامين أَو السبَّابتين
لئلا ينتشر فيندفق، وهذا كله مأْخوذ من الإِصبع لأَن الإِنسان إِذا اغتاب
إِنساناً أَشار إِليه بإِصبعه، وإِذا دل إِنساناً على طريق أَو شيء خفي
أَشار إِليه بالإِصبع. ورجل مَصْبُوعٌ إِذا كان متكبراً. والصَّبْعُ:
الكِبْر التامُّ. وصَبَعَ فلاناً على فلان: دَلَّه عليه بالإِشارة. وصَبَعَ بين
القوم يَصْبَعُ صَبْعاً: دل عليهم غيرهم. وما صَبَعَك علينا أَي ما
دَلَّك. وصَبَع على القوم يَصْبَعُ صَبْعاً: طلع عليهم، وقيل: إِنما أَصله
صَبَأَ عليهم صَبْأً فأَبْدَلُوا العين من الهمزة. وإِصْبَعٌ: اسم جبل
بعينه.