الجذر: ط م ن
مثال: سعى الطبيب إلى تطمين قلبــه
الرأي: مرفوضة
السبب: لعدم ورودها في المعاجم.
المعنى: طمأنته
الصواب والرتبة: -سعى الطبيب إلى طمأنة قلبــه [فصيحة]-سعى الطبيب إلى تطمين قلبــه [صحيحة]
التعليق: (انظر: طَمَّنَ).
جأش: الجَأْش، النفْس وقيل الــقَلْب، وقيل رِباطُه وشدّتُه عند الشيء
تسمعه لا تَدْرِي ما هو. وفلان قَوِيّ الجأْشِ أَي الــقَلْب. والجَأْش: جأْش
الــقلبِ وهو رُوَاعُه. الليث: جَأْش النفس رُواع الــقلب إِذا اضطرب عند
الفزَع. يقال: إَنه لَواهِي الجَأْشِ؛ فإِذا ثبت قيل. إِنه لرابِطُ
الجَأْشِ. ورجل رابِطُ الجأْشِ: يربِطُ نفسَه عن الفِرار يَكُفّها لِجُرْأَتِه
وشَجاعته، وقيل: يَرْبِطُ نفسَه عن الفِرار لشَناعَتِه. وقال مجاهد في قوله
تعالى: با أَيَّتها النفسُ المُطمئِنَّة، هي التي أَبقنت أَن اللَّه
ربُّها وضَرَبَت لذلك جَأْشاً. قال الأَزهري: معناه قَرّتْ يَقِيناً
واطمأَنَّت كما يَضْرِب البَعِيرُ بصَدْره الأَرضَ إِذا بَرَكَ وسَكَنَ. ابن
السكيت: ربَطْت لذلك الأَمرِ جأْشاً لا غير.
ابن الأَعرابي: يقال للنفْس: الجائِشَةُ والطَّموع والخَوَّانة.
والجُؤْشُوش: الصدْر. ومَضَى من الليل جؤشوش أَي صدر، وقيل: قطعة منه.
وجأْش: موضع؛ قال السُّلَيْك بن السُّلَكَة:
أَمُعْتَقِلي رَيْبُ المنُون، ولم أَرُعْ
عَصافِيرَ وادٍ، بيْنَ جَأَشٍ ومأْرِب؟
هجر: الهَجْرُ: ضد الوصل. هَجَره يَهْجُرُه هَجْراً وهِجْراناً:
صَرَمَه، وهما يَهْتَجِرانِ ويَتَهاجَرانِ، والاسم الهِجْرَةُ. وفي الحديث: لا
هِجْرَةَ بعد ثلاثٍ؛ يريد به الهَجْر َ ضدَّ الوصلِ، يعني فيما يكون بين
المسلمين من عَتْبٍ ومَوْجِدَةٍ أَو تقصير يقع في حقوق العِشْرَة
والصُّحْبَةِ دون ما كان من ذلك في جانب الدِّين، فإِن هِجْرَة أَهل الأَهواء
والبدع دائمة على مَرِّ الأَوقات ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إِلى الحق،
فإِنه، عليه الصلاة والسلام، لما خاف على كعب ابن مالك وأَصحابه النفاق
حين تخلفوا عن غزوة تَبُوكَ أَمر بِهِجْرانهم خمسين يوماً، وقد هَجَر
نساءه شهراً، وهجرت عائشة ابنَ الزُّبَيْرِ مُدَّةً، وهَجَر جماعة من
الصحابة جماعة منهم وماتوا متهاجرين؛ قال ابن الأَثير: ولعل أَحد الأَمرين
منسوخ بالآخر، ومن ذلك ما جاء في الحديث: ومن الناس من لا يذكر الله إِلا
مُهاجِراً؛ يريد هِجْرانَ الــقلب وتَرْكَ الإِخلاص في الذكر فكأَنَّ قلبــه
مهاجر للسانه غير مُواصِلٍ له؛ ومنه حديث أَبي الدرداء، رضي الله عنه: ولا
يسمعون القرآن إِلا هَجْراً؛ يريد الترك له والإِعراض عنه. يقال: هَجَرْتُ
الشيء هَجْراً إِذا تركته وأَغفلته؛ قال ابن الأَثير: رواه ابن قتيبة في
كتابه: ولا يسمعون القول إِلا هُجْراً، بالضم، وقال: هو الخنا والقبيح
من القول، قال الخطابي: هذا غلط في الرواية والمعنى، فإِن الصحيح من
الرواية ولا يسمعون القرآن، ومن رواه القول فإِنما أَراد به القرآن، فتوهم
أَنه أَراد به قول الناس، والقرآنُ العزيز مُبَرَّأٌ عن الخنا والقبيح من
القول. وهَجَر فلان الشِّرْك هَجْراً وهِجْراناً وهِجْرَةً حَسَنَةً؛ حكاه
عن اللحياني.
والهِجْرَةُ والهُجْرَةُ: الخروج من أَرض إِلى أَرض. والمُهاجِرُونَ:
الذين ذهبوا مع النبي، صلي الله عليه وسلم، مشتق منه. وتَهَجَّرَ فلان أَي
تشبه بالمهاجرين. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: هاجِرُوا ولا
تَهَجَّروا؛ قال أَبو عبيد: يقول أَخْلِصُوا الهِجْرَةَ لله ولا تَشَبَّهُوا
بالمهاجِرِينَ على غير صحة منكم، فهذا هو التَّهَجُّر، وهو كقولك فلان
يَتَحَلَّم وليس بحليم ويَتَشَجَّع أَي أَنه يظهر ذلك وليس فيه. قال
الأَزهري: وأَصل المُهاجَرَةِ عند العرب خروجُ البَدَوِيّ من باديته إِلى
المُدنِ؛ يقال: هاجَرَ الرجلُ إِذا فعل ذلك؛ وكذلك كل مُخْلٍ بِمَسْكَنِه
مُنْتَقِلٍ إِلى قوم آخرين بِسُكناهُ، فقد هاجَرَ قومَه. وسمي المهاجرون
مهاجرين لأَنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نَشَؤُوا بها لله، ولَحِقُوا بدار
ليس لهم بها أَهل ولا مال حين هاجروا إِلى المدينة؛ فكل من فارق بلده من
بَدَوِيٍّ أَو حَضَرِيٍّ أَو سكن بلداً آخر، فهو مُهاجِرٌ، والاسم منه
الهِجْرة. قال الله عز وجل: ومن يُهاجِرْ في سبيل الله يَجِدْ في الأَرض
مُراغَماً كثيراً وسَعَةً. وكل من أَقام من البوادي بِمَنادِيهم ومَحاضِرِهم
في القَيْظِ ولم يَلْحَقُوا بالنبي، صلي الله عليه وسلم، ولم يتحوّلوا
إِلى أَمصار المسلمين التي أُحدثت في الإِسلام وإِن كانوا مسلمين، فهم غير
مهاجرين، وليس لهم في الفَيْءِ نصيب ويُسَمَّوْنَ الأَعراب. الجوهري:
الهِجْرَتانِ هِجْرَةٌ إِلى الحبشة وهجرة إِلى المدينة. والمُهاجَرَةُ من
أَرض إِلى أَرض: تَرْكُ الأُولى للثانية. قال ابن الأَثير: الهجرة هجرتان:
إِحداهما التي وعد الله عليها الجنةَ في قوله تعالى: إِن الله اشترى من
المؤمنين أَنْفُسَهم وأَموالَهم بأَن لهم الجنَّة، فكان الرجل يأْتي
النبي، صلي الله عليه وسلم، ويَدَعُ أَهله وماله ولا يرجع في شيء منه وينقطع
بنفسه إِلى مُهاجَرِه، وكان النبي، صلي الله عليه وسلم، يكره أَن يموت
الرجل بالأَرض التي هاجر منها، فمن ثم قال: لكن البائِسُ سَعْدُ بن
خَوْلَةَ، يَرْثي له أَن ماتَ بمكة، وقال حين قدم مكة: اللهم لا يَجْعَلْ
مَنايانا بها؛ فلما فتحت مكة صارت دار إِسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة؛ والهجرة
الثانية من هاجر من الأَعراب وغزا مع المسلمين ولم يفعل كما فعل أَصحاب
الهجرة الأُولى، فهو مهاجر، وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة، وهو
المراد بقوله: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، فهذا وجه الجمع بين
الحديثين، وإِذا أَطلق ذكر الهجرتين فإِنما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة
المدينة. وفي الحديث: سيكون هِجْرَةٌ بعد هِجْرَة، فخيار أَهل الأَرض
أَلْزَمُهُمْ مُهاجَرَ إِبراهيمَ؛ المُهاجَرُ، بفتح الجيم: موضع المُهاجَرَةِ،
ويريد به الشام لأَن إِبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لما خرج
من أَرض العراق مضى إِلى الشام وأَقام به. وفي الحديث: لا هِجْرَةَ بعد
الفتح ولكن جهادٌ ونِيَّةٌ. وفي حديث آخر: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع
التوبة. قال ابن الأَثير: الهِجْرة في الأَصل الاسم من الهَجْرِ ضدِّ الوصلِ،
وقد هاجَرَ مُهاجَرَةً، والتَّهاجُرُ التَّقاطُعُ، والهِجِرُّ
المُهاجَرَةُ إِلى القُرَى؛ عن ثعلب؛ وأَنشد:
شَمْطاءُ جاءتْ من بِلادِ الحَرِّ،
قد تَرَكَتْ حَيَّهْ وقالت: حَرِّ
ثم أَمالتْ جانِبَ الخِمِرِّ،
عَمْداً على جانِبِها الأَيْسَرِّ،
تَحْسَبُ أَنَّا قُرُبَ الهِجِرِّ
وهَجَرَ الشيءَ وأَهْجَرَه. تركه؛ الأَخيرة هذلية؛ قال أُسامة:
كأَني أُصادِيها على غُبْرِ مانِعٍ
مُقَلَّصَةً، قد أَهْجَرَتْها فُحُولُها
وهَجَر الرجلُ هَجْراً إِذا تباعد ونَأَى. الليث: الهَجْرُ من
الهِجْرانِ، وهو ترك ما يلزمك تعاهده. وهَجَر في الصوم يَهْجُرُ هِجْراناً: اعتزل
فيه النكاح. ولقيته عن هَجْرٍ أَي بعد الحول ونحوه؛ وقيل: الهَجْر
السَّنَةُ فصاعداً، وقيل: بعد ستة أَيام فصاعداً، وقيل: الهَجْرُ المَغِيب
أَيّاً كان؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
لمَّا أَتاهمْ، بعد طُولِ هَجْرِه،
يَسْعَى غُلامُ أَهْلِه بِبِشْرِه
يبشره أَي يبشرهم به. أَبو زيد: لقيت فلاناً عن عُفْرٍ: بعد شهر ونحوه،
وعن هَجْرٍ: بعد الحول ونحوه. ويقال للنخلة الطويلة: ذهبت الشجرة هَجْراً
أَي طولاً وعِظماً. وهذا أَهْجَرُ من هذا أَي أَطول منه وأَعظم. ونخلة
مُهْجِرٌ ومُهْجِرَةٌ: طويلة عظيمة، وقال أَبو حنيفة: هي المُفْرِطَةُ
الطول والعِظَم. وناقة مُهْجِرَةٌ: فائقة في الشحم والسَّيْرِ، وفي التهذيب:
فائقة في الشحم والسِّمَنِ. وبعير مُهْجِرٌ: وهو الذي يَتَناعَتُه الناس
ويَهْجُرون بذكره أَي يَنْتَعِتُونه؛ قال الشاعر:
عَرَكْرَكٌ مُهْجِرُ الضُّوبانِ أَوَّمَه
رَوْضُ القِذافِ رَبيعاً أَيَّ تَأْوِيمِ
قال أَبو زيد: يقال لكل شيء أَفْرَطَ في طول أَو تمام وحُسْنٍ: إِنه
لمُهْجِرٌ. ونخلة مُهْجِرَةٌ إِذا أَفْرَطَتْ في الطول؛ وأَنشد:
يُعْلى بأَعلى السَّحْق منها
غشاش الهُدْهُدِ القُراقر*قوله «يعلى إلخ» هكذا بالأصل.
قال: وسمعت العرب تقول في نعت كل شيء جاوز حَدَّه في التمام: مُهْجِرٌ.
وناقة مُهْجِرَةٌ إِذا وصفت بِنَجابَةٍ أَو حُسْنٍ. الأَزهري: وناقة
هاجِرَة فائقة؛ قال أَبو وَجْزَةَ:
تُبارِي بأَجْيادِ العَقِيقِ، غُدَيَّةً،
على هاجِراتٍ حانَ منها نُزولُها
والمُهْجِرُ: النجيب الحَسَنُ الجميل يَتَناعَتُه الناسُ ويَهْجُرون
بكره أَي يتناعَتُونه. وجارية مُهْجِرَةٌ إِذا وُصِفَتْ بالفَراهَةِ
والحُسْنِ، وإِنما قيل ذلك لأَن واصفها يخرج من حد المقارب الشكل للموصوف إِلى
صفة كأَنه يَهْجُر فيها أَي يَهْذِي. الأَزهري: والهُجَيرة تصغير
الهَجْرة، وهي السمينة التامة.
وأَهْجَرَتِ الجاريةُ: شَبَّتْ شباباً حسناً. والمُهْجِر: الجيد الجميل
من كل شيء، وقيل: الفائق الفاضل على غيره؛ قال:
لما دَنا من ذاتِ حُسْنٍ مُهْجِر
والهَجِيرُ: كالمُهْجِرِ؛ ومنه قول الأَعرابية لمعاوية حين قال لها: هل
من غَدَاء؟ فقالت: نعم، خُبْزٌ خَمِير ولَبَنٌ هَجِير وماءٌ نَمِير أَي
فائق فاضل.
وجَمَلٌ هَجْر وكبشٌ هَجْر: حسن كريم. وهذا المكان أَهْجَر من هذا أَي
أَحسن؛ حكاه ثعلب؛ وأَنشد:
تَبَدَّلْتُ داراً من دِيارِكِ أَهْجَرَا
قال ابن سيده: ولم نسمع له بفعل فعسى أَن يكون من باب أَحنك الشاتين
وأَحنك البعيرين. وهذا أَهْجَرُ من هذا أَي أَكرم، يقال في كل شيء؛
وينشد:وماء يَمانٍ دونه طَلَقٌ هَجْرُ
يقول: طَلَقٌ لا طَلَقَ مثله. والهَاجِرُ: الجَيِّدُ الحَسَنُ من كل
شيء.والهُجْرُ: القبيح من الكلام، وقد أَهْجَرَ في منطقه إِهْجاراً
وهُجْراً؛ عن كراع واللحياني، والصحيح أَن الهُجْر، بالضم، الاسم من الإِهْجار
وأَن الإِهْجارَ المصدر. وأَهْجَرَ به إِهْجاراً: استهزأَ به وقال فيه
قولاً قبيحاً. وقال: هَجْراً وبَجْراً وهُجْراً وبُجْراً، إِذا فتح فهو مصدر،
وإِذا ضم فهو اسم. وتكلم بالمَهاجِر أَي بالهُجْر، ورماه بِهاجِرات
ومُهْجِرات، وفي التهذيب: بِمُهَجِّرات أَي فضائح. والهُجْرُ: الهَذيان.
والهُجْر، بالضم: الاسم من الإِهْجار، وهو الإِفحاش، وكذلك إِذا أَكثر الكلام
فيما لا ينبغي. وهَجَرَ في نومه ومرضه يَهْجُرُ هَجْراً وهِجِّيرَى
وإِهْجِيرَى: هَذَى. وقال سيبويه: الهِجِّيرَى كثرة الكلام والقول السيّء.
الليث: الهِجِّيرَى اسم من هَجَر إِذا هَذَى. وهَجَر المريضُ يَهْجُر
هَجْراً، فهو هاجِرٌ، وهَجَرَ به في النوم يَهْجُر هَجْراً: حَلَمَ وهَذَى.
وفي التنزيل العزيز: مستكبرين به سامِراً تَهْجُرُونَ وتُهْجِرُون؛
فَتُهْجِرُون تقولون القبيح، وتَهْجُرُونَ تَهْذُون. الأَزهري قال: الهاء في
قوله عز وجل للبيت العتيق تقولون نحن أَهله، وإِذا كان الليلُ سَمَرْتم
وهَجَرْتُمُ النبيَّ، صلي الله عليه وسلم، والقرآنَ، فهذا من الهَجْر
والرَّفْضِ، قال: وقرأَ ابن عباس، رضي الله عنهما: تُهْجِرُون، من أَهْجَرْتُ،
وهذا من الهُجْر وهو الفُحْش، وكانوا يسبُّون النبي، صلي الله عليه وسلم،
إِذا خَلَوْا حولَ البيت ليلاً؛ قال الفراء: وإِن قُرئَ تَهْجُرون، جعل
من وقولك هَجَرَ الرجلُ في منامه إِذا هَذَى، أَي أَنكم تقولون فيه ما
ليس فيه وما لا يضره فهو كالهَذيان. وروي عن أَبي سعيد الخدري، رضي الله
عنه، أَنه كان يقول لبنيه: إِذا طفتم بالبيت فلا تَلْغُوا ولا تهْجُروا،
يروى بالضم والفتح، من الهُجْر الفُحْش والتخليط؛ قال أَبو عبيد: معناه ولا
تَهْذُوا، وهو مثل كلام المحموم والمُبَرْسَمِ. يقال: هَجَر يَهْجُر
هَجْراً، والكلام مَهْجُور، وقد هَجَر المريضُ. وروي عن إِبراهيم أَنه قال
في قوله عز وجل: إِنَّ قومي اتَّخَذُوا هذا القرآنَ مَهْجُوراً، قال:
قالوا فيه غير الحق، أَلم ترَ إِلى المريض إِذا هجر قال غير الحق؟ وعن مجاهد
نحوه. وأَما قول النبي، صلي الله عليه وسلم: إِني كنت نَهَيْتُكم عن
زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هُجْراً، فإِنَّ أَبا عبيد ذكر عن الكسائي
والأَصمعي أَنهما قالا: الهُجْرُ الإِفحاش في المنطق والخنا، وهو بالضم،
من الإِهْجار، يقال منه: يُهْجِرُ؛ كما قال الشماخ:
كماجِدَةِ الأَعْراقِ قال ابنُ ضَرَّةٍ
عليها كلاماً، جارَ فيه وأَهْجَرا
وكذلك إِذا أَكثر الكلام فيما لا ينبغي. ومعنى الحديث: لا تقولوا
فُحْشاً. هَجَر يَهْجُر هَجْراً، بالفتح، إِذا خلط في كلامه وإِذا هَذَى. قال
ابن بري: المشهور في رواية البيت عند أَكثر الرواة: مُبَرَّأَة الأَخلاق
عوضاً من قوله: كماجدة الأَعراق، وهو صفة لمخفوض قبله، وهو:
كأَنَّ ذراعيها ذِراعَا مُدِلَّةٍ،
بُعَيْدَ السِّبابِ، حاوَلَتْ أَن تَعَذَّرا
يقول: كأَنّ ذراعي هذه الناقة في حسنهما وحسن حركتهما ذراعا امرأَة
مُدِلَّة بحسن ذراعيها أَظهرتهما بعد السباب لمن قال فيها من العيب ما ليس
فيها، وهو قول ابن ضرتها، ومعنى تعَذَّر أَي تَعتذر من سوءِ ما رميت به؛
قال: ورأَيت في الحاشية بيتاً جُمِعَ فيه هُجْر على هواجِر، وهو من الجموع
الشاذة عن القياس كأَنه جمع هاجِرَةٍ، وهو:
وإِنَّكَ يا عامِ بنَ فارِس قُرْزُلٍ
مُعِيدٌ على قِيل الخنا والهَواجِرِ
قال ابن بري: هذا البيت لسلمة بن الخُرْشُبِ الأَنماري يخاطب عامر بن
طفيل. وقُرْزُلُ: اسم فرس للطفيل. والمعيد: الذي يعاود الشيءَ مرة بعد مرة.
قال: وكان عثمان بن جني يذهب إِلى أَن الهواجر جمع هُجْر كما ذكر غيره،
ويرى «أَنه من الجموع الشاذة كأَنَّ واحدها هاجرة، كما قالوا في جمع حاجة
حوائج، كأَنَّ واحدها حائجة، قال: والصحيح في هواجر أَنها جمع هاجرة
بمعنى الهُجْر، ويكون من المصادر التي جاءَت على فاعلة مثل العاقبة والكاذبة
والعافية؛ قال: وشاهد هاجرة بمعنى الهُجْر قول الشاعر أَنشده المفضل:
إِذا ما شئتَ نالَكَ هاجِراتِي،
ولم أُعْمِلْ بِهِنَّ إِليك ساقِي
فكما جُمِعَ هاجِرَةٌ على هاجِرات جمعاً مُسَلَّماً كذلك تُجْمَعُ هاجرة
على هواجر جمعاً مكسراً. وفي الحديث: قالوا ما شَأْنُه أَهَجَرَ؟ أَي
اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام، أَي هل تغير كلامه واختلط
لأَجل ما به من المرض. قال ابن الأَثير: هذا أَحسن ما يقال فيه ولا يجعل
إِخباراً فيكون إِما من الفُحْشِ أَو الهَذَيانِ، قال: والقائلُ كان عُمَر
ولا يظن به ذلك.
وما زال ذلك هِجِّيراه وإِجْرِيَّاه وإِهْجِيراهُ وإِهْجِيراءَه، بالمد
والقصر، وهِجِّيره وأُهْجُورَتَهُ ودَأْبَه ودَيْدَنَهُ أَي دأْبه وشأْنه
وعادته. وما عنده غَناءُ ذلك ولا هَجْراؤُه بمعنى. التهذيب: هِجِّيرَى
الرجل كلامه ودأْبه وشأْنه؛ قال ذو الرمة:
رَمَى فأَخْطَأَ، والأَقدارُ غالِبةٌ
فانْصَعْنَ، والويلُ هِجِّيراه والحَرَبُ
الجوهري: الهِجِّير، مثال الفِسِّيق، الدَّأْبُ والعادة، وكذلك
الهِجِّيرى والإِهْجِيرَى. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: ما له هِجِّيرى غيرها؛ هي
الدَّأْبُ والعادةُ والدِّيْدَنُ.
والهَجِير والهَجِيرة والهَجْر والهاجِرَةُ: نصف النهار عند زوال الشمس
إِلى العصر، وقيل في كل ذلك: إِنه شدة الحر؛ الجهري: هو نصف النهار عند
اشتداد الحر؛ قال ذو الرمة:
وبَيْداءَ مِقْفارٍ، يكَادُ ارتِكاضُها
بآلِ الضُّحى، والهَجْرُ بالطَّرْفِ يَمْصَحُ
والتَّهْجِير والتَّهَجُّر والإِهْجارُ: السير في الهاجرة. وفي الحديث:
أَنه كان، صلي الله عليه وسلم، يصلي الهَجِيرَ حين تَدْحَضُ الشمسُ؛
أَراد صلاة الهَجِير يعني الظهر فحذف المضاف. وقد هَجَّرَ النهارُ وهَجَّرَ
الراكبُ، فهو مُهَجِّرٌ. وفي حديث زيد بن عمرو: وهل مُهَجِّر كمن قالَ أَي
هل من سار في الهاجرة كمن أَقام في القائلة. وهَجَّرَ القومُ
وأَهْجَرُوا وتَهَجَّرُوا: ساروا في الهاجرة؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:بأَطْلاحِ مَيْسٍ قد أَضَرَّ بِطِرْقِها
تَهَجُّرُ رَكْبٍ، واعْتِسافُ خُرُوقِ
وتقول منه: هَجَّرَ النهارُ؛ قال امرؤ القيس:
فَدَعْ ذا، وسَلِّ الهَمَّ عنك بِجَسْرَةٍ
ذَمُولٍ، وإِذا صامَ النهارُ وهَجَّرا
وتقول: أَتَيْنا أَهْلَنا مُهْجِرين كما يقالُ مُوصِلين. أَي في وقت
الهاجرة والأَصِيل. الأَزهري عن أَبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول
الله، صلي الله عليه وسلم: لو يعلم الناسُ ما في التهجير لاسْتَبَقُوا
إِليه. وفي حديث آخر مرفوع: المُهَجِّرُ إِلى الجمعة كالمُهْدي بَدَنَةً. قال
الأَزهري: يذهب كثير من الناس إِلى أَن التَّهْجِيرَ في هذه الأَحاديث
من المُهاجَرَة وقت الزوال، قال: وهو غلط والصواب فيه ما روى أَبو داود
المَصاحِفي عن النضر بن شميل أَنه قال: التَّهجير إِلى الجمعة وغيرها
التبكير والمبادرة إِلى كل شيء، قال: وسمعت الخليل يقول ذلك، قاله في تفسير
هذا الحديث. يقال: هَجَّرَ يُهَجِّرُ تَهْجِيراً، فهو مُهَجِّر، قال
الأَزهري: وهذا صحيح وهي لغة أَهل الحجاز ومن جاورهم من قيس؛ قال لبيد:
رَاحَ القَطِينُ بهَجْرٍ بَعْدَما ابْتَكَرُوا
فقرن الهَجْرَ بالابتكار. والرواحُ عندهم: الذهابُ والمُضيُّ. يقال: راح
القوم أَي خَفُّوا ومَرُّوا أَيَّ وقت كان. وقوله، صلي الله عليه وسلم:
لو يعلم الناس ما في التَّهْجِير لاسْتَبَقُوا إِليه، أَراد التَّبْكِيرَ
إِلى جميع الصلوات، وهو المضيّ إِليها في أَوَّل أَوقاتها. قال
الأَزهري: وسائر العرب يقولون: هَجَّر الرجل إِذا خرج بالهاجرة، وهي نصف النهار.
ويقال: أَتيته بالهَجِير وبالهَجْرِ؛ وأَنشد الأَزهري عن ابن الأَعرابي
في نوادره قال: قال جِعْثِنَةُ بن جَوَّاسٍ الرَّبَعِيّ في ناقته:
هلَْ تَذْكُرين قَسَمِي ونَذْري،
أَزْمانَ أَنتِ بِعَرُوضِ الجَفْرِ،
إِذ أَنتِ مِضْرارٌ جَوادُ الحُضْرِ،
عَلَيَّ، إِن لم تَنْهَضي بِوِقْري،
بأَربعين قُدِّرَتْ بِقَدْرِ،
بالخالديّ لا بصاعِ حَجْرِ،
وتُصْبِحي أَيانِقاً في سَفْرِ،
يُهَجِّرُونَ بَهَجِيرِ الفَجْرِ،
ثُمَّتَ تَمْشي لَيْلَهُمْ فَتَسْري،
يَطْوُونَ أَعْراضَ الفِجاج الغُبْرِ،
طَيَّ أَخي التَّجْرِ بُرُودَ التَّجْرِ
قال: المِضْرارُ التي تَنِدُّ وتَرْكَبُ شِقَّها من النشاط. قال
الأَزهري: قوله يُهَجِّرُون بهجير الفجر أَي يبكرون بوقت الفجر. وحكى ابن السكيت
عن النضر أَنه قال: الهاجِرَة إِنما تكون في القيظ، وهي قبل الظهر بقليل
وبعدها بقليل؛قال: الظهيرة نصف النهار في القيظ حين تكون الشمس بِحِيال
رأْسك كأَنها لا تريد أَن تبرح. وقال الليث: أَهْجَرَ القومُ إِذا صاروا
في ذلك الوقت، وهَجَّرَ القومُ إِذا ساروا في وقته. قال أَبو سيعد:
الهاجرة من حين نزول الشمس، والهُوَيْجِرَةُ بعدها بقليل. قال الأَزهري: وسمعت
غير واحد من العرب يقول: الطعام الذي يؤْكل نصف النهار الهَجُورِيُّ.
والهَجير: الحوض العظيم؛ وأَنشد القَناني:
يَفْري الفَريَّ بالهَجِير الواسِع
وجمعه هُجُرٌ، وعَمَّ به ابن الأَعرابي فقال: الهَجِير الحوض، وفي
التهذيب: الحوض المَبْنِيّ؛ قالت خَنْساء تصف فرساً:
فمال في الشَّدِّ حثِيثاً، كما
مال هَجِيرُ الرجُل الأَعْسَرِ
تعني بالأَعسر الذي أَساء بناء حوضه فمال فانهدم؛ شبهت الفرس حين مال في
عدوه وجَدَّ في حُضْرِه بحوض مُلِئَ فانْثَلَم فسال ماؤه. والهَجِيرُ:
ما يَبِس من الحَمْضِ. والهَجِيرُ: المتروك. وقال الجوهري: والهَجِيرُ
يَبِيسُ الحَمْضِ الذي كَسَرَتْهُ الماشية وهُجِر أَي تُرِكَ؛ قال ذو
الرمة:ولم يَبْقَ بالخَلْصاءِ، مما عَنَتْ به
من الرُّطْبِ، إِلاَّ يَبْسُها وهَجِيرُها
والهِجارُ: حَبْل يُعْقَدُ في يد البعير ورجله في أَحد الشِّقَّيْنِ،
وربما عُقِدَ في وَظِيفِ اليَدِ ثم حُقِبَ بالطَّرَفِ الآخر؛ وقيل:
الهِجارُ حبل يُشد في رُسْغ رجله ثم يُشَدُّ إِلى حَقْوِه إِن كان عُرْياناً،
وإِن كان مَرْحُولاً شُدَّ إِلى الحَقَبِ. وهَجَرَ بعيرَه يَهْجُرُه
هَجْراً وهُجُوراً: شَدَّه بالهِجارِ.
الجوهري: المَهْجُورُ الفحل يُشَدُّ رأْسه إِلى رجله. وقال الليث:
تُشَدُّ يد الفحل إِلى إِحدى رجليه، يقال فحل مَهْجُورٌ؛ وأَنشد:
كأَنَّما شُدَّ هِجاراً شاكِلا
الليث: والهِجارُ مخالف الشِّكالِ تُشَدُّ به يد الفحل إِلى إِحدى
رجليه؛ واستشهد بقوله:
كأَنما شُدّ هجاراً شاكلا
قال الأَزهري: وهذا الذي حكاه الليث في الهِجار مقارب لما حكيته عن
العرب سماعاً وهو صحيح، إِلا أَنه يُهْجَرُ بالهِجار الفَحْلُ وغيره. وقال
أَبو الهيثم: قال نُصَيْرٌ هَجَرْتُ البَكْرَ إِذا ربطت في ذراعه حبلاً
إِلى حقوه وقصَّرته لئلا يقدر على العَدْوِ؛ قال الأَزهري: والذي سمعت من
العرب في الهِجار أَن يؤْخذ فحل ويسوّى له عُرْوتانِ في طرفيه وزِرَّانِ ثم
تُشَدَّ إِحدى العروتين في رُسْغ رجل الفرس وتُزَرَّ، وكذلك العُرْوَة
الأُخرى في اليد وتُزَرَّ، قال: وسمعتهم يقولون: هَجِّرُوا خيلكم. وقد
هَجَّرَ فلان فرسه. والمهجور: الفحل يُشدّ رأْسه إِلى رجله. وعَدَدٌ
مُهْجِر: كثير؛ قال أَبو نُخَيْلَةَ:
هذاك إِسحق، وَقِبْصٌ مُهْجِرُ
الأَزهري في الرباعي: ابن السكيت التَّمَهْجُرُ التَّكَبُّر مع الغنى؛
وأَنشد:
تَمَهْجَرُوا، وأَيُّما تَمَهْجُرِ
وهم بَنُو العَبْدِ اللَّئِيمِ العُنْصُرِ
والهاجِرِيُّ: البَنَّاءُ؛ قال لبيد:
كعَقْرِ الهاجِرِيِّ، إِذا بَناه
بأَشْباهٍ حُذِينَ على مِثالِ
وهِجارُ القوس: وَتَرُها. والهِجارُ: الوَتَرُ؛ قال:
على كل (كذا بياض بالأصل.) من ركوض لها
هِجاراً تُقاسِي طائِفاً مُتَعادِيا
والهجار: خاتم كانت تتخذه الفُرْسُ غَرَضاً؛ قال الأَغلب:
ما إِنْ رَأَيْنا مَلِكاً أَغارَا،
أَكْثَرَ منه قِرَةً وقارَا،
وفارِساً يَسْتَلِبُ الهِجَارَا
يصفه بالحِذْق. ابن الأَعرابي: يقال للخاتم الهِجار والزينة؛ وقول
العجاج:
وغِلْمَتي منهم سَحِيرٌ وبَحِرْ،
وآبِقٌ من جَذْبِ دَلْوَيْها هَجِرْ
فسره ابن الأَعرابي فقال: الهَجِر الذي يمشي مُثْقَلاً ضعيفاً متقارِبَ
الخَطْوِ كأَنه قد شدّ بهِجار لا ينبسط مما به من الشر والبلاء، وفي
المحكم: وذلك من شدة السقي. وهَجَرٌ: اسم بد مذكر مصروف، وفي المحكم: هَجَرُ
مدينة تصرف ولا تصرف؛ قال سيبويه: سمعنا من العرب من يقول: كجالب التمر
إِلى هَجَرٍ يا فَتى، فقوله يا فتى من كلام العربي، وإِنما قال يا فتى
لئلا يقف على التنوين وذلك لأَنه لو لم يقل له يا فتى للزمه أَن يقول كجالب
التمر إِلى هجر، فلم يكن سيبويه يعرف من هذا أَنه مصروف أَو غير مصروف.
الجوهري: وفي المثل: كَمُبْضِع تمر إِلى هَجَرَ. وفي حديث عمر: عَجِبْتُ
لتاجِر هَجَرَ وراكب البحر؛ قال ابن الأَثير: هَجَرٌ بلد معروف بالبحرين
وإِنما خصها لكثرة وبائها، أَي تاجرها وراكب البحر سواء في الخَطَرِ،
فأَما هَجَرُ التي ينسب إِليها القلال الهَجَرِيَّة فهي قرية من قرى المدينة،
والنسب إِلى هَجَرَ هَجَرِيٌّ على القياس، وهاجِرِيٌّ على غير قياس؛
قال:ورُبَّتَ غارَةٍ أَوْضَعْتُ فيها،
كَسَحِّ الهاجِرِيِّ جَرِيمَ تمْرِ
ومنه قيل للبَنَّاءِ: هاجِرِيٌّ. والهَجْرُ والهَجِيرُ: موضعان.
وهاجَرُ: قبيلة؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
إِذا تَرَكَتْ شُرْبَ الرَّثِيئَةِ هاجَرٌ
وهَكَّ الخَلايا، لم تَرِقَّ عُيُونُها
وبنو هاجَرَ: بطن من ضَبَّة. غيره: هاجَرُ أَوَّلُ امرأَة جَرَّتْ ذيلها
وأَوّل من ثَقَبَتْ أُذنيها وأَوّل من خُفِضَ؛ قال: وذلك أَن سارة غضبت
عليها فحلفت أَن تقطع ثلاثة أَعضاء من أَعضائها، فأَمرها إِبراهيم، عليه
السلام، أَن تَبَرَّ قَسَمَها بِثَقْبِ أُذنَيْها وخَفْضِها، فصارت
سُنَّةً في النساء.
نكس: النَّكْسُ: قلب الشيء على رأَسه، نَكَسَه يَنْكُسُه نَكْساً
فانْتَكَسَ. ونَكَسَ رأَسَه: أَماله، ونَكَّسْتُه تَنْكِيساً. وفي التنزيل:
ناكِسو رؤوسِهم عند ربهم. والناكِسُ: المُطأْطئ رأْسَه. ونَكَسَ رأْسَه
إِذا طأْطأَه من ذُلٍّ وجمع في الشعر على نواكِس وهو شاذ على ما ذكرناه في
فَوارس؛ وأَنشد الفرزدق:
وإِذا الرِّجالُ رَأَوْا يَزيدَ، رأَيْتَهُم
خُضْعَ الرِّقابِ، نَواكِسَ الأَبْصار
قال سيبويه: إِذا كان لفِعْل لغير الآدميين جمع على فَواعِل لأَنه لا
يجوز فيه ما يجوز في الآدميين من الواو والنون في الاسم والفعل فضارع
المؤنث، يقال: جِمال بَوازلُ وعَواضِهُ؛ وقد اضطرَّ الفرزدق فقال:
خضع الرقاب نواكس الأَبصار
لأنك تقول هي الرجال فشبه بالجمال. قال أَبو منصور: وروى أَحمد بن يحيى
هذا البيت نَواكِسي الأَبصار، وقال: أَدخل الياء لأَن رد النواكس
(* قوله
«لان رد النواكس إلخ» هكذا بالأَصل ولعل الأحسن لأنه رد النواكس إِلى
الرجال وإِنما كان إلخ.) إِلى الرجال، إِنما كان: وإِذا الرجال رأَيتهم
نواكس أَبصارُهم، فكان النواكسُ للأَبصار فنقلت إِلى الرجال، فلذلك دخلت
الياء، وإِن كان جمع جمع كما تقول مررت بقوم حَسَني الوجوه وحِسانٍ وجوهُهم،
لما جعلتهم للرجال جئت بالياء، وإِن شئت لم تأْتِ بها، قال: وأَما الفراء
والكسائي فإِنهما رويا البيت نواكسَ الأَبصار، بالفتح، أَقرَّا نواكس
على لفظ الأَبصار، قال: والتذكير ناكسي الأَبصارِ. وقال الأَخفش: يجوز
نَواكِسِ الأَبصارِ، بالجر لا بالياء كما قالوا جحر ضبٍّ خَرِبٍ. شمر:
النَكْس في الأَشياء معنى يرجع إِلى قلب الشيء ورده وجعل أَعلاه أَسفله ومقدمه
مؤخره. وقال الفراء في قوله عز وجل: ثم نُكِسُوا على رؤوسهم، يقول:
رَجعوا عما عرفوا من الحجة لإِبراهيم، على نبينا محمد وعليه الصلاة والتسليم.
وفي حديث أَبي هريرة: تعس عبدُ الدِّينار وانْتَكَس أَي انــقلب على رأْسه
وهو دعاء عليه بالخيبة لأَن من انْتَكَس في أَمره فقد خاب وخسر. وفي حديث
الشعبي: قال في السقط إِذا نُكِسَ في الخَلْقِ الرابع وكان مخلقاً أَي
تبين خلقه عَتَقَت به الأَمَة وانقضت به عدة الحُرَّة، أَي إِذا قُلِبَ
ورُدَّ في الخلق الرابع، وهو المُضغة، لأَنه أَوّلاً تُرابٌ ثم نطفة ثم
علقة ثم مضغة. وقوله تعالى: ومن نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْه في الخَلْقِ؛ قال
أَبو إِسحق: معناه من أَطلنا عمره نَكَّسنا خلقه فصار بدل القوة ضعفاً وبدل
الشباب هرماً. وقال الفراء: قرأَ عاصم وحمزة: نُنَكِّسْه في الخلق،
وقرأَ أَهل المدينة: نَنْكُسه في الخلق، بالتخفيف، وقال قتادة: هو الهَرَم،
وقال شمر: يقال نُكِسَ الرجل إِذا ضعف وعجز؛ قال: وأَنشدني ابن الأَعرابي
في الانتكاس:
ولم يَنْتَكِسْ يَوْماً فيُظْلِمَ وَجْهُه،
لِيَمْرَضَ عَجْزاً، أَو يُضارِعَ مَأْتَما
أَي لم يُنَكِّس رأْسه لأَمر يأْنَف منه.
والنَّكْس: السهم الذي يُنَكِّسُ أَو ينكسر فُوقُه فيجعل أَعلاه أَسفله،
وقيل: هو الذي يجعل سِنْخُه نَصْلاً ونَصْلُه سِنْخاً فلا يرجع كما كان
ولا يكون فيه خير، والجمع أَنْكاس؛ قال الأَزهري: أَنشدني المنذري
للحطيئة، قال: وأَنشده أَبو الهيثم:
قد ناضَلُونا، فَسَلُّوا من كِنانَتِهم
مَجْداً تلِيداً، وعِزّاً غيرَ أَنْكاس
قال: الأَنْكاس جمع النَّكْس من السهام وهو أَضعفها، قال: ومعنى البيت
أَن العرب كانوا إِذا أَسروا أَسيراً خيروه بين التَّخْلِية وجَزِّ
الناصية والأَسر، فإِن اختار جَزَّ الناصية جَزُّوها وخلوا سبيله ثم جعلوا ذلك
الشعر في كنانتهم، فإِذا افتخروا أَخرجوه وأَرَوْهُم مفاخرهم.
ابن الأَعرابي: الكُنُس والنُّكُسُ مآرِينُ بقرِ الوحش وهي مأْواها
والنُّكْس: المُدْرَهِمُون من الشيوخ بعد الهَرَم.
والمُنَكِّسُ من الخيل: الذي لا يَسمو برأْسه، وقال أَبو حنيفة: النَكْس
القصير، والنَّكْسُ من الرجال المقصر عن غاية النَّجْدَة والكرم، والجمع
الأَنْكاس. والنِّكْسُ أَيضاً: الرجل الضعيف؛ وفي حديث كعب:
زالُوا فما زالَ أَنْكاسٌ ولا كُشُف
الأَنكاس: جمع نِكْس، بالكسر، وهو الرجل الضعيف. والمُنَكِّس من الخيل:
المتأَخر الذي لا يلحق بها، وقد نَكَّس إِذا لم يلحقها؛ قال الشاعر:
إِذا نَكَسَ الكاذِبُ المِحْمَرُ
وأَصل ذلك كله النِّكْسُ من السهام.
والوِلادُ المَنْكوس: أَن تخرج رجلا المولود قَبْل رأْسه، وهو اليَتْن،
والولد المَنْكوس كذلك. والنِّكْس: اليَتْنُ. وقراءة القرآن مَنْكوساً:
أَن يبدأَ بالمعوذتين ثم يرتفع إِلى البقرة، والسنَّة خلاف ذلك. وفي
الحديث أَنه قيل لابن مسعود: إِن فلاناً يقرأُ القرآن مَنْكوساً، قال: ذلك
مَنْكوسُ الــقلبِ؛ قال أَبو عبيد: يتأَوّله كثير من الناس أَنه أَن يبدأَ
الرجل من آخر السورة فيقرأَها إِلى أَوَّلها؛ قال: وهذا شيء ما أَحسب أَحداً
يطيقه ولا كان هذا في زمن عبد اللَّه، قال: ولا أَعرفه، قال: ولكن وجهه
عندي أَن يبدأَ من آخر القرآن من المعوذتين ثم يرتفع إِلى البقرة كنحو ما
يتعلم الصبيان في الكتاب لأَن السُّنَّة خلاف هذا، يُعلم ذلك بالحديث
الذي يحدّثه عثمان عن النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، أَنه كان إِذا أُنزلت
عليه السورة أَو الآية قال: ضَعُوها في الموضع الذي يَذْكر كذا كذا، أَلا
ترى أَن التأْليف الآن في هذا الحديث من رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه
وسلم، ثم كتبت المصاحف على هذا؟ قال: وإِنما جاءت الرُّخْصة في تَعَلُّمِ
الصبي والعجمي المُفَصَّلَ لصعوبة السور الطوال عليهم، فأَما من قرأَ
القرآن وحفظه ثم تعمد أَن يقرأَه من آخره إلى أَوله فهذا النَّكْسُ المنهي
عنه، وإِذا كَرِهْنا هذا فنحن للنَّكْس من آخر السورة إِلى أَولها أَشد
كراهة إِن كان ذلك يكون.
والنُّكْسُ والنَّكْسُ، والنُّكاسُ كله: العَوْد في المرض، وقيل: عَوْد
المريض في مرضه بعد مَثَالته؛ قال أُمية بن أَبي عائذ الهذلي:
خَيالٌ لزَينبَ قد هاج لي
نُكاساً مِنَ الحُبِّ، بَعد انْدمال
وقد نُكِسَ في مَرَضِه نُكْساً. ونُكِس المريض: معناه قد عاوَدَتْه
العلة بعد النَّقَه. يقال: تَعْساً له ونُكْساً وقد يفتح ههنا للازْدِواج
أَو لأَنه لغة؛ قال ابن سيده وقوله:
إِني إِذا وَجْهُ الشَّرِيبِ نَكَّسَا
قال: لم يفسره ثعلب وأَرى نَكَّسَ بَسَرَ وعَبَس. ونَكَسْتُ الخِضابَ
إِذا أَعَدْتَ عليه مرة بعد مرة؛ وأَنشد:
كالوشْمِ رَجَّعَ في اليَدِ المنكوس
ابن شميل: نَكَسْت فلاناً في ذلك الأَمر أَي رَدَدْته فيه بعدما خرج
منه.
شنق: الشَّنَقُ: طولُ الرأْس كأَنما يُمَدُّ صُعُداً؛ وأَنشد:
كأَنَّها كَبْداءُ تَنْزُو في الشَّنَقْ
(* قوله «كأنها كبداء تنزو إلخ» في شرح القاموس ما نصه: هكذا في اللسان
وهو لرؤبة يصف صائداً، والرواية: سوّى لها كبداء).
وشَنَقَ البَعيرَ يَشْنِقُه ويَشْنُقُه شَنْقاً وأَشْنَقَه إذا جذب
خطامه وكفَّه بزمامه وهو راكبه من قِبَل رأْسِه حتى يُلْزِقَ ذِفْراه بقادمة
الرحل، وقيل: شَنَقَه إذا مدّه بالزمام حتى يرفع رأْسه. وأَشْنَقَ
البعيرُ بنفسه: رَفع رأْسَه، يتعدى ولا يتعدى. قال ابن جني: شَنَقَ البعيرَ
وأَشْنَق هو جاءت فيه القضية معكوسة مخالفة للعادة، وذلك أَنك تجد فيها
فَعَلَ متعدياً وأَفْعَلَ غير متعد، قال: وعلة ذلك عندي أَنه جعل تعدِّي
فَعَلْت وجمود أَفْعَلْت كالعوض لِفَعَلْت من غلبة أَفْعَلْت لها على التعدي
نحو جلس وأَجلست، كما جعل قلب الياء واواً في البَقْوَى والرَّعْوَى
عوضاً للواو من كثرة دخول الياء عليها، وأُنْشِدَ طلحةُ قصيدة فما زال
شانِقاً راحلتَه حتى كتبت له، وهو التيمي ليس الخزاعي. وفي حديث علي، رضوان
الله عليه: إن أَشْنَقَ لها خَرَمَ أي إن بالع في إشْناقِها خَرَمَ
أَنْفَها. ويقال: شَنَقَ لها وأَشْنَقَ لها. وفي حديث جابر: فكان رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، أَوّلَ طالع فأَشْرَعَ ناقتَه فشَرِبَت وشَنَقَ لها. وفي
حديث عمر، رضي الله عنه: سأَله رجل مُحْرِمٌ فقال عَنَّت لي عِكْرِشةٌ
فشَنَقْتُها بحَبُوبة أَي رميتها حتى كَفَّت عن العدوِ.
والشِّناقُ حبل يجذب به رأْس البعير والناقةِ، والجمع أَشْنِقةٌ
وشُنُقٌ. وشَنَقَ البعيرَ والناقةَ يَشْنِقُه شَنْقاً: شدّهما بالشِّناق.
وشَنَقَ الخلِيّةَ يَشْنِقها شَنْقاً وشَنَّقها: وذلك أَن يَعمِد إلى عود
فيَبْرِيه ثم يأْخذ قُرْصاً من قِرَصةِ العسل فيُثْبت ذلك العودَ في أَسفل
القُرْص ثم يقيمه في عرْضِ الخلية فربما شَنَقَ في الخلية القُرْصَين
والثلاثة، وإنما يفعل هذا إذا أَرْضعت النحلُ أولادهَا، واسم ذلك الشيء
الشَّنِيقُ. وشَنَقَ رأْسَ الدابة: شدَّه إلى أَعلى شجرة أو وَتَدٍ مرتفع حتى
يمتد عنقها وينتصب. والشِّناقُ: الطويل؛ قال الراجز:
قد قَرنَوني بامْرِئٍ شِناقِ،
شَمَرْدلٍ يابسِ عَظْمِ السّاقِ
وفي حديث الحجاج ويزيد بن المهلب:
وفي الدِّرْع ضَخْم المَنْكِبَيْنِ شِناق
أي طويل. النضر: الشَّنَقُ الجيّد من الأوتار وهو السَّمْهَرِيّ الطويل.
والشَّنَقُ: طول الرأْس. ابن سيده: والشَّنَقُ الطولُ. عُنُقٌ أَشْنَقُ
وفرس أَشْنَقُ ومَشْنُوقٌ: طويل الرأْس، وكذلك البعير، والأُنثى شَنْقاء
وشِناق. التهذيب: ويقال للفرس الطويلِ شِناقٌ ومَشْنوقٌ؛ وأَنشد:
يَمَّمْتُه بأَسِيلِ الخَدِّ مُنْتَصبٍ،
خاظِي البَضِيع كمِثْل الجِذْع مَشْنوق
ابن شميل: ناقة شِناقٌ أَي طويلة سَطْعاء، وجمل شِناقٌ طويل في دِقّةٍ،
ورجلِ شِناقٌ وامرأَة شِناقٌ، لا يثنى ولا يجمع، ومثله ناقةٌ نِيافٌ وجمل
نِيافٌ، لا يثنى ولا يجمع. وشَنِقَ شَنَقاً وشَنَقَ: هَوِيَ شيئاً فبقي
كأَنه مُعلّقٌ. وقَلْبٌ شَنِقٌ: هيْمان. والــقلب الشَّنِقُ المِشْناقُ:
الطامحُ إلى كل شيء؛ وأَنشد:
يا مَنْ لِــقَلْبٍ شَنِقٍ مِشْناق
ورجل شَنِقٌ: مُعَلَّقُ الــقلب حذر؛ قال الأَخطل:
وقد أَقولُ لِثُوْرٍ: هل ترى ظُعُناً،
يَحْدو بهنّ حِذارِي مُشْفِقٌ شَنِقُ؟
وشِناقُ القِربةِ: علاقتُها، وكل خيط علقت به شيئاً شِناقٌ. وأَشْنَقَ
القربة إشْناقاً: جعل لها شِناقاً وشدَّها به وعلقها، وهو خيط يشد به فم
القربة. وفي حديث ابن عباس: أَنه بات عند النبي، صلى الله عليه وسلم، في
بيت ميمونة، قال: فقام من الليل يصلي فحَلَّ شِناقَ القربة؛ قال أَبو
عبيدة: شِناقُ القربة هو الخيط والسير الذي تُعلّق به القربةُ على الوتد؛ قال
الأَزهري: وقيل في الشِّناق إنه الخيط الذي تُوكِئُ به فمَ القربة أَو
المزادة، قال: والحديث يدل على هذا لأن العِصامَ الذي تُعَلَّق به القربة
لا يُحَلّ إنما يُحَلُّ الوكاء ليصب الماء، فالشِّناقُ هو الوكاء، وإنما
حلّه النبي، صلى الله عليه وسلم، لمّا قام من الليل ليتطهر من ماء تلك
القربة. ويقال: شَنَقَ القربةَ وأَشْنَقَها إذا أَوكأَها وإذا علقها. أَبو
عمرو الشيباني: الشِّناقُ أن تُغَلَّ اليد إلى العُنُقِ؛ وقال عدي:
ساءَها ما بنا تَبَيَّنَ في الأَيْـ
ـدي، وإشْناقُها إلى الأَعْناقِ
وقال ابن الأَعرابي: الإشْناقُ أَن تَرْفَعَ يدَه بالغُلّ إلى عنقه.
أَبو سعيد: أَشْنَقْتُ الشيء وشَنَقْتُه إذا علَّقته؛ وقال الهذلي يصف قوساً
ونبلاً:
شَنَقْت بها مَعابِلَ مُرْهَفاتٍ،
مُسالاتِ الأَغِرَّة كالقِراطِ
قال: شَنَقْتُ جعلت الوتر في النبل، قال: والقِراطُ شُعْلة السِّراج.
والشِّناق والأَشْناقُ: ما بين الفريضتين من الإبل والغنم فما زاد على
العَشْر لا يؤخذ منه شيء حتى تتم الفريضة الثانية، واحدها شَنَقٌ، وخص بعضهم
بالأَشْناق الإبلَ. وفي الحديث: لا شِناقَ أَي لا يؤخذ من الشَّنَقِ حتى
يتمّ. والشِّناقُ أَيضاً: ما دون الدية، وقيل: الشَّنَقُ أَن تزيد الإبل
على المائة خمساً أو ستّاً في الحَمالة، قيل: كان الرجل من العرب إذا حمل
حَمالةً زاد أَصحابَها ليقطع أَلسنتهم ولِيُنْسَبَ إلى الوفاء.
وأَشْناقُ الدية: دياتُ جراحات دون التمام، وقيل: هي زيادة فيها واشتقاقها من
تعليقها بالدية العظمى، وقيل: الشَّنَقُ من الدية ما لا قود فيه كالخَدْش
ونحو ذلك، والجمع أشْناقٌ. والشَّنَقُ في الصدقة: ما بين الفريضتين.
والشَّنَقُ أَيضاً: ما دون الدية، وذلك أَن يسوق ذُو الحَمالةِ مائة من الإبل
وهي الدية كاملة، فإذا كانت معها ديات جراحات لا تبلغ الدية فتلك هي
الأَشْناقُ كأَنها متعلقة بالدية العظمى؛ ومنه قول الشاعر:
بأَشْناقِ الدِّياتِ إلى الكُمول
قال أَبو عبيد: الشِّناقُ ما بين الفريضتين. قال: وكذلك أَشْناقُ
الديات، ورَدّ ابن قتيبة عليه وقال: لم أَر أَشْناقَ الدياتِ من أَشناقِ
الفرائض في شيء لأنّ الديات ليس فيها شيء يزيد على حد من عددها أو جنس من
أجناسها. وأَشْناقُ الديات: اختلاف أَجناسها نحو بنات المخاض وبنات اللبون
والحقاق والجذاع، كلُّ جنس منها شَنَقّ؛ قال أَبو بكر: والصواب ما قال أَبو
عبيد لأَن الأَشْناقَ في الديات بمنزلة الأَشْناقِ في الصدقات، إذا كان
الشَّنَقُ في الصدقة ما زاد على الفريضة من الإبل. وقال ابن الأَعرابي
والأَصمعي والأثرم: كان السيد إذا أَعطى الدية زاد عليها خمساً من الإبل
ليبين بذلك فضله وكرمه، فالشَّنَقُ من الدية بمنزلة الشَّنَقِ في الفريضة
إذا كان فيها لغواً، كما أنه في الدية لغو ليس بواجب إنما تَكرُّمٌ من
المعطي. أَبو عمرو الشيباني: الشَّنَقُ في خَمْسٍ من الإبل شاة، وفي عشر
شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أَربع شياه، فالشاة شَنَقٌ
والشاتان شَنَقٌ والثلاث شياه شَنَقٌ والأربع شياه شَنَقٌ، وما فوق ذلك فهو
فريضة. وروي عن أحمد بن حنبل: أَن الشَّنَقَ ما دون الفريضة مطلقاً كما دون
الأَربعين من الغنم. وفي الكتاب الذي كتبه النبي، صلى الله عليه وسلم،
لوائل بن حُجْر: لا خِلاطَ ولا وِراطَ ولا شِناقَ؛ قال أَبو عبيد: قوله لا
شِناقَ فإن الشَّنَقَ ما بين الفريضتين وهو ما زاد من الإبل على الخمس إلى
العشر، وما زاد على العشر إلى خمس عشرة؛ يقول: لا يؤخذ من الشَّنَقِ حتى
يتم، وكذلك جميع الأشْناقِ؛ وقال الأَخطل يمدح رجلاً:
قَرْم تُعَلَّقُ أَشْناقُ الدّيات به،
إذا المِئُونَ أُمِرَّتْ فَوْقَه حَملا
وروى شمر عن ابن الأعرابي في قوله:
قَرْم تُعَلَّقُ أَشْناقُ الدِّيات به
يقول: يحتمل الديات وافية كاملة زائدة. وقال غيرُ ابن الأَعرابي في ذلك:
إن أَشْناقَ الديات أَصنافُها، فدِيَةُ الخطإِ المحض مائةٌ من الإبل
تحملها العاقلةُ أَخْماساً: عشرون ابنة مخاض، وعشرون ابنة لبون، وعشرون ابن
لبون، وعشرون حِقَّةً، وعشرون جَذَعةً، وهي أَشْناقٌ أَيضاً كما وصَفْنا،
وهذا تفسير قول الأخطل يمدح رئيساً يتحمل الديات وما دون الديات
فيُؤَدِّيها ليُصْلِحَ بين العشائر ويَحْقُنَ الدِّماء؛ والذي وقع في شعر
الأَخطل: ضَخْمٍ تعلَّق، بالخفض على النعت لما قبله وهو:
وفارسٍ غير وَقَّافٍ برايتهِ،
يومَ الكرَيهة، حتى يَعْمَل الأَسَلا
والأَشْناقُ: جمع شَنَق وله معنيان: أَحدهما أَن يَزِيدَ مُعْطي
الحَمالةِ على المائة خَمْساً أو نحوها ليُعْلَم به وفاؤه وهو المراد في بيت
الأخطل، والمعنى الآخر أَن يُرِيدَ بالأَشْناق الأُرُوشَ كلَّها على ما فسره
الجوهري؛ قال أَبو سعيد الضرير: قول أَبي عبيد الشَّنَقُ ما بين الخَمْس
إلى العشر مُحالٌ، إنما هو إلى تسع، فإذا بلغ العَشْرَ ففيها شاتان،
وكذلك قوله ما بين العشرة إلى خَمْس عَشْرةَ، وكان حقُّه أَن يقول إلى
أَرْبَعَ عَشْرة لأَنها إذا بلغت خَمْسَ عَشْرةَ ففيها ثلاثُ شِياه. قال أَبو
سعيد: وإنما سمي الشَّنَقُ شَنَقاً لأَنه لم يؤخذ منه شيء. وأَشْنَقَ إلى
ما يليه مما أُخذ منه أَي أضيف وجُمِعَ؛ قال: ومعنى قوله لا شِناقَ أَي
لا يُشْنِقُ الرجل غنمه وإبله إلى غنم غيره ليبطل عن نفسه ما يجب عليه من
الصدقة، وذلك أَن يكون لكل واحد منهما أَربعون شاة فيجب عليهما شاتان،
فإذا أَشْنَقَ أَحدُهما غنمَه إلى غنم الآخر فوجدها المُصَدِّقُ في يده
أَخَذَ منها شاة، قال: وقوله لا شِناقَ أي لا يُشْنِقُ الرجلُ غنمه أو إبله
إلى مال غيره ليبطل الصدقة، وقيل: لا تَشانَقُوا فتجمعوا بين متفرق،
قال: وهو مثل قوله ولا خِلاطَ؛ قال أَبو سعيد: وللعرب أَلفاظ في هذا الباب
لم يعرفها أَبو عبيد، يقولون إذا وجب على الرجل شاة في خمس من الإبل: قد
أَشْنَقَ الرجلُ أَي وجب عليه شَنَقٌ فلا يزال مُشْنِقاً إلى أن تبلغ إبله
خمساً وعشرين، فكل شيء يؤدِّيه فيها فهي أَشْناقٌ: أَربَعٌ من الغنم في
عشرين إلى أَربع وعشرين، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنتُ مَخاضٍ
مُعَقَّلٍ أي مُؤَدّىً للعقال، فإذا بلغت إبلُه ستّاً وثلاثين إلى خمس
وأَربعين فقد أَفْرَضَ أي وجبت في إبله فريضة. قال الفراء: حكى الكسائي عن بعض
العرب: الشَّنَقُ إلى خمس وعشرين. قال والشَّنَقُ ما لم تجب فيه الفريضة؛
يريد ما بين خمس إلى خمس وعشرين. قال محمد بن المكرم، عفا الله عنه: قد
أَطلق أَبو سعيد الضريرُ لِسانَه في أَبي عبيد ونَدَّدَ به بما انْتَقَده
عليه بقوله أَوّلاً إن قوله الشَّنَقُ ما بين الخَمْسِ إلى العَشْرِ
مُحالٌ إنما هو إلى تسع، وكذلك قوله ما بين العَشْرِ إلى خَمْسَ عَشْرةَ كان
حقه أَن يقول إلى أَربعَ عشرة، ثم بقوله ثانياً إن للعرب أَلفاظاً لم
يعرفها أبو عبيد، وهذه مشاحَّةٌ في اللفظ واستخفافٌ بالعلماء، وأَبو عبيد،
رحمه الله، لم يَخْفَ عنه ذلك وإنما قصد ما بين الفريضتين فاحتاج إلى
تسميتها، ولا يصح له قول الفريضتين إلا إذا سماهما فيضطر أن يقول عشر أو خمس
عشرة، وهو إذا قال تسعاً أو أربع عشرة فليس هناك فريضتان، وليس هذا
الانتقاد بشيء، ألا ترى إلى ما حكاه الفراء عن الكسائي عن بعض العرب:
الشَّنَقُ إلى خمس وعشرين؟ وتفسيره بأنه يريد ما بين الخمس إلى خمس وعشرين، وكان
على زعم أبي سعيد يقول: الشَّنَقُ إلى أربع وعشرين، لأنها إذا بلغت خمساً
وعشرين ففيها بنت مخاض، ولم ينتقد هذا القول على الفراء ولا على الكسائي
ولا على العربي المنقول عنه، وما ذاك إلا لأنه قصد حَدَّ الفريضتين،
وهذا انْحِمال من أبي سعيد على أبي عبيد، والله أعلم. والأشْناقُ: الأُروشُ
أَرْش السِنُّ وأَرْشُ المُوضِحة والعينِ القائمة واليد الشلاَّء، لا
يزال يقال له أَرْشٌ حتى يكونَ تكملَة ديةٍ كاملة؛ قال الكميت:
كأَنّ الدِّياتِ، إذا عُلِّقَتْ
مِئُوها به، والشَّنَقُ الأَسْفَلُ
وهو ما كان دون الدِّية من المَعاقِل الصِّغارِ. قال الأَصمعي:
الشَّنَقُ ما دون الدية والفَضْلةُ تَفْضُل، يقول: فهذه الأَشْناقُ عليه مثل
العَلائِق على البعير لا يكترث بها، وإذا أُمِرَّت المئون فوقَه حَمَلها،
وأُمِرَّت: شُدَّت فوقه بمرارٍ، والمِرارُ الحَبْلُ. وقال غيره في تفسير بيت
الكميت: الشَّنَقُ شَنَقانِ: الشَّنَقُ الأَسْفَلُ والشَّنَقُ الأَعلى،
قالشَّنَقُ الأسفل شاةٌ تجب في خَمْس من الإبل، والشَّنَقُ الأعلى ابنةُ
مخاض تجب في خمس وعشرين من الإبل؛ وقال آخرون: الشَّنَقُ الأَسْفلُ في
الديات عشرون ابنة مخاضٍ، والشَّنَقُ الأعلى عشرون جذعةً، ولكلٍّ مقالٌ
لأنها كلَّها أَشْناقٌ؛ ومعنى البيت أنه يستَخِفُّ الحمالاتِ وإعطاءَ
الديات، فكأَنه إذا غَرِمَ دِياتٍ كثيرةً غَرِمَ عشرين بعيراً لاستخفافه
إيّاها. وقال رجل من العرب: مِنَّا مَنْ يُشْنِقُ أي بعطي الأَشْناقَ، وهي ما
بين الفريضتين من الإبل، فإذا كانت من البقر فهي الأَوْقاص، قال: ويكون
يُشْنِقُ يعطي الشُّنُقَ وهي الحبال، واحدها شِناقٌ، ويكون يُشْنِقُ يعطي
الشَّنَقَ وهو الأَرْش؛ وقال في موضع آخر: أَشْنق الرجلُ إذا أخذ
الشَّنَقَ يعني أَرْشَ الخَرْقِ في الثوب. ولحم مُشَنَّقٌ أي مقطّع مأْخوذ من
أشْناق الدية. والشِّناقُ: أن يكون على الرجل والرجلين أو الثلاثةِ أشْناقٌ
إذا تفرّقت أَموالهم، فيقول بعضهم لبعض: شانِقْني أي اخْلِطْ مالي
ومالَك، فإنه إن تفرّق وجب علينا شَنَقانِ، فإن اختلط خَفَّ علينا؛ فالشِّناقُ:
المشاركة في الشَّنَقِ والشَّنَقَينِ.
والمُشَنَّقُ: العجين الذي يُقطَّع ويعمل بالزيت. ابن الأعرابي: إذا
قُطِّع العجين كُتَلاً على الخِوانِ قبل أن يبسط فهو الفَرَزْدَق
والمُشَنَّقُ والعَجاجير.
ورجل شِنِّيقٌ: سَيءُ الخُلُق. وبنو شَنوقٍ: بطن. والشَّنِيق:
الدَّعِيّ؛ قال الشاعر:
أنا الدَّاخِلُ الباب الذي لا يَرومُه
دَنيٌّ، ولا يُدْعَى إليه شَنِيقُ
وفي قصة سليمان، على نبينا وعليه الصلاة والسلام: احْشُروا الطيرَ إلا
الشَّنْقاءَ؛ هي التي تزُقُّ فِراخَها.
هنا: هُنا: ظَرْفُ مكان، تقول جَعَلْتُه هُنا أَي في هذا الموضع.
وهَنَّا بمعنى هُنا: ظرف. وفي حديث علي، عليه السلام: إِنَّ هَهُنا عِلْماً،
وأَوْمَأَ بيَدِه إِلى صَدْرِه، لو أَصَبْتُ له حَمَلةً؛ ها، مَقصورة: كلمة
تَنْبِيه للمُخاطَب يُنَبَّه بها على ما يُساقُ إِليه من الكلام. ابن
السكيت: هُنا هَهُنا موضعٌ بعينه. أَبو بكر النحوي: هُنا اسم موضع في
البيت، وقال قوم: يَوْمَ هُنا أَي يَوْمَ الأَوَّل؛ قال:
إِنَّ ابْنَ عاتِكَة المَقْتُولَ، يَوْمَ هُنا،
خَلَّى عَليَّ فِجاجاً كانَ يَحْمِيها
قوله: يَوْمَ هُنا هو كقولك يَوْمَ الأَوَّلِ؛ قال ابن بري في قول امرئ
القيس:
وحَديثُ الرَّكْبِ يَوْمَ هُنا
قال: هُنا اسم موضع غيرُ مَصْرُوف لأَنه ليس في الأَجْناس معروفاً، فهو
كجُحَى، وهذا ذكره ابن بري في باب المعتل. غيره: هُنا وهُناك للمكان
وهُناك أَبْعَدُ من ههُنا. الجوهري: هُنا وهَهُنا للتقريب إِذا أَشرتَ إِلى
مكان، وهُناك وهُنالِكَ للتَّبْعِيدِ، واللام زائدة والكاف للخطاب، وفيها
دليل على التبعيد، تفتح للمذَكَّرِ وتكسر للمُؤَنَّثِ. قال الفراء: يقال
اجْلِسْ ههُنا أَي قريباً، وتَنَحَّ ههُنا أَي تَباعَدْ أَو ابْعُدْ
قليلاً، قال: وهَهِنَّا أَيضاً تقوله قَيْسٌ وتَمِيمٌ. قال الأَزهري: وسمعت
جماعة من قيس يقولون اذْهَبْ هَهَنَّا بفتح الهاء، ولم أَسْمَعْها بالكسر
من أَحد. ابن سيده: وجاء من هَني أَي من هُنا، قال: وجِئتُ من هَنَّا ومن
هِنَّا. وهَنَّا بالفتح والتشديد: معناه هَهُنا. وهَنَّاك أَي هُناك؛
قال الراجز:
لَمَّا رأَيت مَحْمِلَيْها هَنَّا
ومنه قولهم: تَجَمَّعُوا من هَنَّا ومِنْ هَنَّا أَي من هَهُنا ومن
هَهُنا؛ وقول الشاعر:
حَنَّت نَوارُ ، ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ،
وبَدا الذي كانَتْ نَوارُ أَجَنَّتِ
يقول: ليس ذا موضع حَنِينٍ؛ قال ابن بري: هو لجَحْل بن نَضْلَة وكان
سَبى النَّوارَ بنتَ عمْرو ابن كَلْثوم؛ ومنه قول الراعي:
أفي أَثَرِ الأَظْعانِ عَيْنُكَ تَلْمَحُ؟
نَعَمْ لاتَ هَنَّا ، إنَّ قَلْبَــكَ مِتْيَحُ
يعني ليس الأَمر حيثما ذهبت؛ وقوله أَنشده أَبو الفتح بن جني:
قدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ،
مِنْ هَهُنا ومِنْ هُنَهْ
إِنما أَراد: ومن هُنا فأَبدل الأَلف هاء، وإنما لم يقل وها هُنَهْ لأن
قبله أَمْكِنَهْ، فمن المُحال أَن تكون إحدى القافيتين والأُخرى غير
مؤسسة. وهَهِنَّا أَيضاً تقوله قيس وتميم، والعرب تقول إذا أَرادت البُعْد:
هَنَّا وهَهَنَّا وهَنَّاكَ وهَهَنَّاك، وإذا أَرادت القرب قالت: هُنا
وهَهُنا. وتقول للحبيب: هَهُنا وهُنا أَي تَقَرَّبْ وادْنُ، وفي ضدّه
للبَغِيض: هَهَنَّا وهَنَّا أَي تَنَحَّ بَعِيداً؛ قال الحطيئة يهجو
أُمه:فهَهَنَّا اقْعُدِي مِني بَعِيداً،
أَراحَ اللهُ مِنَّكِ العالَمِينا
(* في ديوان الحطيئة: تَنَحّي، فاجلسي منى بعيداً، إلخ.)
وقال ذو الرمة يَصِفُ فلاةً بَعِيدةَ الأَطْراف بعيدةَ الأَرجاء كثيرة
الخَيرِ:
هَنَّا وهَنَّا ومِنْ هَنَّا لَهُنَّ بها،
ذاتَ الشَّمائلِ والأَيْمانِ ، هَيْنُومُ
الفراء: من أَمثالهم:
هَنَّا وهَنَّا عَنْ جِمالِ وَعْوَعَهْ
(* قوله «هنا وهنا إلخ» ضبط في التهذيب بالفتح والتشديد في الكلمات
الثلاث، وقال في شرح الاشموني: يروى الاول بالفتح والثاني بالكسر والثالث
بالضم، وقال الصبان عن الروداني: يروى الفتح في الثلاث.)
كما تقول: كلُّ شيء ولا وَجَع الرأْسِ، وكلُّ شيء ولا سَيْف فَراشةَ،
ومعنى هذا الكلام إذا سَلِمْتُ وسَلِمَ فلان فلم أَكْتَرِثْ لغَيرِه؛ وقال
شمر: أَنشدنا ابن الأعرابي للعجاج:
وكانتِ الحَياةُ حِينَ حَيَّتِ ،
وذِكْرُها هَنَّتْ فلاتَ هَنَّتِ
أَراد هَنَّا وهَنَّهْ فصيره هاء للوقف. فلاتَ هَنَّتْ أَي ليس ذا موضعَ
ذلك ولا حِينَه، فقال هَنَّت بالتاء لما أَجرى القافية لأَن الهاء تصير
تاء في الوصل؛ ومنه قول الأَعشى:
لاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيرةَ أَمَّنْ
جاء مِنْها بطائفِ الأَهوالِ
(*قوله« جبيرة» ضبط في الأصل بما ترى وضبط في نسخة التهذيب بفتح فكسر،
وبكل سمت العرب)
قال الأَزهري: وقد مضى من تفسير لاتَ هَنَّا في المعتل ما ذكر هُناك
لأَن الأَقرب عندي أَنه من المُعْتَلاَّتِ؛ وتقَدّم فيه:
حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ،
وأَنَّى لكِ مَقْروعُ
رواه ابن السكيت:
وكانتِ الحَياةُ حِينَ حُبَّتِ
يقول: وكانت الحياةُ حِينَ تُحَبُّ. وذِكْرُها هَنَّتْ، يقول: وذِكرُ
الحَياةِ هُناكَ ولا هناك أَي لِليأْس من الحياة؛ قال ومدح رجلاً
بالعطاء:هَنَّا وهَنَّا وعلى المَسْجوحِ
أَي يُعْطِي عن يمين وشمال، وعلى المَسْجُوح أَي على القَصْد؛ أَنشد ابن
السكيت:
حَنَّتْ نَوارُ ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ،
وبَدا الذي كانتْ نَوارُ أَجَنَّتِ
أَي ليس هذا موضعَ حَنِينٍ ولا في موضِع الحَنِينِ حَنَّتْ؛ وأَنشد
لبَعضِ الرُّجَّازِ:
لمَّا رأَيتُ مَحْمِلَيْها هَنَّا
مُخَدَّرَيْنِ، كِدْتُ أَنَّ أُجَنَّا
قوله هَنَّا أَي هَهَنَّا، يُغَلِّطُ به في هذا الموضع. وقولهم في
النداء: يا هَنَّاه بزيادة هاء في آخره، وتصِيرُ تاء في الوصل، قد ذكرناه
وذكرنا ما انتقده عليه الشيخ أَبو محمد بن بري في ترجمة هنا في المُعْتَلّ.
وهُنا: اللَّهْوُ واللَّعِبُ، وهو مَعْرِفةٌ؛ وأَنشد الأَصمعي لامرئ
القيس:
وحَدِيثُ الرَّكْبِ يَوْمَ هُنا،
وحَدِيثٌ مَّا على قِصَرِهْ
ومن العرب من يقول: هَنا وهَنْتَ بمعنى أَنا وأَنتَ، يَــقْلِبــون الهمزة
هاء وينشدون بيت الأَعشى:
يا ليتَ شِعْرِي هل أَعُودنْ ناشِئاً * مِثْلي، زُمَيْنَ هَنا بِبُرْقةِ أَنْقَدا؟
ابن الأَعرابي: الهُنا الحَسَبُ الدَّقِيقُ الخَسِيسُ؛ وأَنشد:
حاشَى لفرْعَيْكَ مِن هُنا وهُنا، * حاشَى لأَعْراقِكَ التي تَشبحُ
هنا: مَضَى هِنْوٌ من الليل أَي وقت. والهِنْوُ: أَبو قَبِيلةٍ أَو
قَبائلَ، وهو ابن الأَزْدِ.
وهَنُ المرأَةِ: فَرْجُها، والتَّثنية هَنانِ على القياس، وحكى سيبويه
هَنانانِ، ذكره مستشهداً على أَنَّ كِلا ليس من لفظ كُلٍّ، وشرحُ ذلك أَنّ
هَنانانِ ليس تثنية هَنٍ، وهو في معناه، كسِبَطْرٍ ليس من لفظ سَبِط ،
وهو في معناه. وأَبو الهيثم: كل اسم على حرفين فقد حذف منه حرف .
والهَنُ: اسم على حرفين مثل الحِرِ على حرفين، فمن النحويين من يقول المحذوف من
الهَنِ والهَنةِ الواو، كان أَصله هَنَوٌ، وتصغيره هُنَيٌّ لما صغرته
حركت ثانِيَه ففتحته وجعلت ثالث حروفه ياء التصغير، ثم رددت الواو المحذوفة
فقلت هُنَيْوٌ ، ثم أَدغمت ياءَ التصغير في الواو فجعلتها ياء مشددة،
كما قلنا في أَب وأَخ إنه حذف منهما الواو وأَصلهما أَخَوٌ وأَبَوٌ؛ قال
العجاج يصف ركاباً قَطَعَتْ بَلَداً:
جافِينَ عْوجاً مِن جِحافِ النُّكتِ،
وكَمْ طَوَيْنَ مِنْ هَنٍ وهَنَت
أَي من أَرضٍ ذَكَرٍ وأَرضٍ أُنثى، ومن النحويين من يقول أَصلُ هَنٍ
هَنٌّ، وإذا صغَّرت قلت هُنَيْنٌ؛ وأَنشد:
يا قاتَلَ اللهُ صِبْياناً تَجِيءُ بِهِمْ
أُمُّ الهُنَيْنِينَ مِنْ زَيدٍ لها وارِي
وأَحد الهُنَيْنِينَ هُنَيْنٌ، وتكبير تصغيره هَنٌّ ثم يخفف فيقال هَنٌ.
قال أَبو الهيثم: وهي كِناية عن الشَّيء يسُسْتَفْحَش ذكره، تقول: لها
هَنٌ تريد لها حِرٌ كما قال العُماني:
لها هَنٌ مُسْتَهْدَفُ الأَرْكانِ،
أَقْمَرُ تَطْلِيهِ بِزَعْفَرانِ،
كأَنَّ فيه فِلَقَ الرُّمَّانِ
فكنى عن الحِرِ بالهَنِ، فافْهَمْه. وقولهم: يا هَنُ أَقْبِلْ يا رجل
أَقْبِلْ، ويا هَنانِ أَقْبِلا ويا هَنُونَ أَقْبِلوا ، ولك أَن تُدخل فيه
الهاء لبيان الحركة فتقول يا هَنَهْ، كما تقول لِمَهْ ومالِيَهْ
وسُلْطانِيَهْ، ولك أَن تُشبع الحركة فتتولد الأَلف فتقوا يا هَناة أَقْبِلْ،
وهذه اللفظة تختص بالنداء خاصة والهاء في آخره تصير تاء في الوصل، معناه يا
فلان، كما يختص به قولهم يا فُلُ ويا نَوْمانُ، ولك أَن تقول يا هَناهُ
أَقْبل، بهاء مضمومة، ويا هَنانِيهِ أَقْبِلا ويا هَنُوناهُ أَقْبِلوا،
وحركة الهاء فيهن منكرة، ولكن هكذا روى الأخفش؛ وأَنشد أَبو زيد في نوادره
لامرئ القيس:
وقد رابَني قَوْلُها: يا هَنا
هُ، ويْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرًّا بِشَرّْ
يعني كنا مُتَّهَمَيْن فحققت الأَمر، وهذه الهاء عند أَهل الكوفة للوقف،
أَلا ترى أَنه شبهها بحرف الإعراب فضمَّها؟ وقال أَهل البصرة: هي بدل من
الواو في هَنُوك وهَنَوات، فلهذا جاز أَن تضمها؛ قال ابن بري: ولكن حكى
ابن السَّراج عن الأَخفش أَنَّ الهاءَ في هَناه هاه السكت، بدليل قولهم
يا هَنانِيهْ، واستعبد قول من زعم أَنها بدل من الواو لأَنه يجب أَن يقال
يا هناهان في التثنية، والمشهور يا هَنانِيهْ، وتقول في الإِضافة يا هَني
أَقْبِلْ، ويا هَنَيَّ أَقْبِلا، ويا هَنِيَّ أَقْبِلُوا ، ويقال
للمرأَة يا هَنةُ أَقْبلي، فإذا وقفت قلت يا هَنَهْ ؛ وأَنشد:
أُريدُ هَناتٍ منْ هَنِينَ وتَلْتَوِي
عليَّ، وآبى مِنْ هَنِينَ هَناتِ
وقالوا: هَنْتٌ، بالتاء ساكنة النون، فجعلوه بمنزلة بِنْت وأُخْت
وهَنْتانِ وهَناتٍ، تصغيرها هُنَيَّةٌ وهُنَيْهةٌ ، فهُنَيَّة على القياس،
وهُنَيْهة على إبدال الهاء من الياء في هنية للقرب الذي بين الهاء وحروف
اللين ، والياء في هُنَيَّة بدل من الواو في هُنَيْوة، والجمع هَنات على
اللفظ ، وهَنَوات على الأَصل؛ قال ابن جني: أَما هَنْت فيدلّ على أَن التاء
فيها بدل من الواو قولهم هَنَوات ؛ قال:
أَرى ابنَ نِزارٍ قد جَفاني ومَلَّني
على هَنواتٍ، شَأْنُها مُتَتابعُ
وقال الجوهري في تصغيرها هُنَيَّة، تردُّها إلى الأَصل وتأْتي بالهاء ،
كما تقول أُخَيَّةٌ وبُنَيَّةٌ، وقد تبدل من الياء الثانية هاء فيقال
هُنَيْهة.
وفي الحديث: أَنه أَقام هُنَيَّةً أَي قليلاً من الزمان ، وهو تصغير
هَنةٍ، ويقال هُنَيْهةٌ أَيضاً، ومنهم من يجعلها بدلاً من التاء التي في
هَنْت، قال: والجمع هَناتٌ، ومن ردّ قال هنوات؛ وأَنشد ابن بري للكميت
شاهداً لهَناتٍ:
وقالتْ ليَ النَّفْسُ: اشْعَبِ الصَّدْعَ، واهْتَبِلْ
لإحْدى الهَناتِ المُعْضِلاتِ اهْتِبالَها
وفي حديث ابن الأكوع: قال له أَلا تُسْمِعنُا من هَناتِك أَي من كلماتك
أَو من أَراجيزك، وفي رواية: من هُنَيَّاتِك، على التصغير، وفي أُخرى: من
هُنَيْهاتِك، على قلب الياء هاء.
وفي فلان هَنَواتٌ أَي خَصْلات شرّ، ولا يقال ذلك في الخير. وفي الحديث:
ستكون هَناتٌ وهَناتٌ فمن رأَيتموه يمشي إلى أُمة محمد ليُفَرِّقَ
جماعتهم فاقتلوه، أَي شُرورٌ وفَسادٌ، وواحدتها هَنْتٌ، وقد تجمع على
هَنَواتٍ، وقيل :واحدتها هَنَةٌ تأْنيث هَنٍ ، فهو كناية عن كل اسم جنس. وفي حديث
سطيح: ثم تكون هَناتٌ وهَناتٌ أَي شَدائدُ وأُمور عِظام. وفي حديث عمر،
رضي الله عنه: أَنه دخل على النبي ، صلى الله عليه وسلم، وفي البيت
هَناتٌ من قَرَظٍ أَي قِطَعٌ متفرقة؛ وأَنشد الآخر في هنوات :
لَهِنَّكِ من عَبْسِيَّةٍ لَوَسِيمةٌ
على هَنَواتٍ كاذِبٍ مَن يَقُولُها
ويقال في النّداء خاصة: يا هَناهْ، بزيادة هاء في آخره تصير تاء في
الوصل، معناه يا فلانُ ، قال: وهي بدل من الواو التي في هَنُوك وهَنَوات؛ قال
امرؤ القيس:
وقد رابَني قَوْلُها: يا هنا
هُ، وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرهًا بِشَرَّاً
قال ابن بري في هذا الفصل من باب الأَلف اللينة: هذا وهم من الجوهري لأن
هذه الهاء هاء السكت عند الأَكثر ، وعند بعضهم بدل من الواو التي هي لام
الكلمة منزلة منزلة الحرف الأصلي، وإنما تلك الهاء التي في قولهم هَنْت
التي تجمع هَنات وهَنَوات، لأن العرب تقف عليها بالهاء فتقول هَنَهْ،
وإذا وصلوها قالوا هَنْت فرجعت تاء، قال ابن سيده: وقال بعض النحويين في بيت
امرئ القيس، قال: أَصله هناوٌ، فأَبدل الهاء من الواو في هنوات وهنوك،
لأَن الهاء إذا قَلَّت في بابِ شَدَدْتُ وقَصَصْتُ فهي في بابِ سَلِسَ
وقَلِقَ أَجْدَرُ بالقِلة فانضاف هذا إلى قولهم في معناه هَنُوكَ
وهَنواتٌ، فقضينا بأَنها بدل من الواو، ولو قال قائل إن الهاء في هناه إنما هي
بدل من الأَلف المنــقلبــة من الواو الواقعة بعد ألف هناه، إذ أَصله هَناوٌ
ثم صارَ هَناءً، كما أَن أَصل عَطاء عَطاوٌ ثم صار بعد الــقلب عطاء، فلما
صار هناء والتَقَت أَلفان كره اجتماع الساكنين فــقلبــت الأَلف الأَخيرة
هاء، فقالوا هناه، كما أَبدلَ الجميعُ من أَلف عطاء الثانية همزة لئلا
يجتمع همزتان، لكان قولاً قويًّا،، ولكان أَيضاً أَشبه من أَن يكون قلبــت
الواو في أَوّل أَحوالها هاء من وجهين: أَحدهما أَن من شريطة قلب الواو
أَلفاً أَن تقع طرَفاً بعد أَلف زائدة وقد وقعت هنا كذلك، والآخر أَن الهاء
إلى الأَلف أَقرب منها إلى الواو، بل هما في الطرفين، أَلا ترى أَن أَبا
الحسن ذهب إلى أَن الهاء مع الألف من موضع واحد، لقرب ما بينهما، فــقلب
الأَلف هاء أقرب من قلب الواو هاء؟ قال أَبو علي: ذهب أَحد علمائنا إلى أَن
الهاء من هَناه إنما أُلحقت لخفاء الأَلف كما تلحق بعد أَلف الندبة في
نحو وازيداه، ثم شبهت بالهاء الأصلية فحركت فقالوا يا هناه. الجوهري:
هَنٌ، على وزن أَخٍ، كلمة كنابة، ومعناه شيء، وأَصله هَنَوٌ. يقال: هذا
هَنُكَ أَي شبئك . والهَنُ: الحِرُ؛ وأَنشد سيبويه:
رُحْتِ ، وفي رِجْلَيْكِ ما فيها،
وقد بَدا هَنْكِ منَ المِئْزَرِ
إنما سكنه للضرورة. وذهَبْت فهَنَيْت: كناية عن فعَلْت من قولك هَنٌ،
وهُما هَنوانِ، والجمع هَنُونَ ، وربما جاءَ مشدَّداً للضرورة في الشعر كما
شددوا لوًّا؛ قال الشاعر:
أَلا ليْتَ شِعْري هَلْ أَبيتَنْ ليْلةً،
وهَنِّيَ جاذٍ بينَ لِهْزِمَتَيْ هَنِ؟
وفي الحديث: من تَعَزَّى بعَزاء الجاهِلِيَّةِ فأَعِضُّوه بِهَنِ أَبيه
ولا تَكْنُوا أَي قولوا له عَضَّ بأَيْرِ أَبيكَ. وفي حديث أَبي ذر:
هَنٌ مثل الخَشبة غير أَني لا أَكْني يعني أَنه أَفْصَحَ باسمه، فيكون قد
قال أَيْرٌ مثلُ الخَشبةِ، فلما أَراد أَن يَحكي كَنى عنه. وقولهم: مَن
يَطُلْ هَنُ أَبيهِ يَنْتَطِقْ به أَي يَتَقَوَّى بإخوته؛ وهو كما قال
الشاعر:
فلَوْ شاء رَبي، كان أَيْرُ أَبيكُمْ
طَويلاً كأَيْرِ الحرِثِ بن سَدُوسِ
وهو الحَرِثُ بن سَدُوسِ بن ذُهْل بن شَيْبانَ، وكان له أَحد وعشرون
ذكراً. وفي الحديث: أَعُوذُ بكَ من شَرَّ هَنِي، يعني الفَرْج. ابن سيده:
قال بعض النحويين هَنانِ وهَنُونَ أَسماء لا تنكَّر أَبداً لأَنها كنايات
وجارية مجرى المضمرة، فإِنما هي أَسماء مصوغة للتثنية والجمع بمنزلة
اللَّذَيْنِ والذِين، وليس كذلك سائر الأَسماء المثناة نحو زيد وعمرو، أَلا
ترى أَن تعريف زيد وعمرو إنما هما بالوضع والعلمية، فإذا ثنيتهما تنكَّرا
فقلت رأَيت زيدين كريمين وعندي عَمْرانِ عاقِلانِ ، فإِن آثرت التعريف
بالإِضافة أَو باللام قلت الزيدان والعَمران وزَيْداك وعَمْراك، فقد
تَعَرَّفا بعد التثنية من غير وجه تَعَرُّفهما قبلها، ولحقا بالأجناس ففارقا
ما كانا عليه من تعريف العلمية والوضع؛ وقال الفراء في قول امرئ القيس:
وقد رابَني قَوْلُها: يا هنا
هُ، وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرًّا بِشَرّْ
قال: العرب تقول يا هن أَقبل، ويا هنوان أَقبلا، فقال: هذه اللغة على
لغة من يقول هنوات؛ وأَنشد المازني:
على ما أَنَّها هَزِئَتْ وقالتْ:
هَنُونَ أَحنّ مَنشَؤُه قريبُ
(* قوله «أحن» أي وقع في محنة، كذا بالأصل ، ومقتضاه أنه كضرب فالنون
خفيفة والوزن قاضٍ بتشديدها.)
فإنْ أَكْبَرْ، فإني في لِداتي،
وغاياتُ الأَصاغِر للمَشِيب
قال: إنما تهزأ به ، قالت: هنون هذا غلام قريب المولد وهو شيخ كبير ،
وإنما تَهَكَّمَ به، وقولها: أَحنّ أَي وقع في محنة ، وقولها: منشؤه
قريب أَي مولده قريب، تسخر منه. الليث: هنٌ كلمة يكنى بها عن اسم الإنسان،
كقولك أَتاني هَنٌ وأَتتني هَنَةٌ، النون مفتوحة في هَنَة، إذا وقفت عندها
، لظهور الهاء، فإذا أَدرجتها في كلام تصلها به سكَّنْت النون، لأَنها
بُنيت في الأصل على التسكين ، فإذا ذهبت الهاء وجاءت التاء حَسُن تسكين
النون مع التاء، كقولك رأَيت هَنْةَ مقبلة ، لم تصرفها لأَنها اسم معرفة
للمؤنث، وهاء التأنيث إذا سكن ما قبلها صارت تاء مع الأَلف للفتح، لأَن
الهاء تظهر معها لأَنها بُنيت على إِظْهار صَرْفٍ فيها، فهي بمنزلة الفتح
الذي قبله، كقولك الحَياة القناة، وهاء اليأْنيث أَصل بنائها من التاء،
ولكنهم فرقوا بين تأنيث الفعل وتأْنيث الاسم فقالوا في الفعل فَعَلَتْ، فلما
جعلوها اسماً قالوا فَعْلَة، وإِنما وقفوا عند هذه التاء بالهاء من بين
سائر الحروف، لأن الهاء ألين الحروف الصِّحاحِ والتاء من الحروف الصحاح،
فجعلوا البدل صحيحاً مثلَها، ولم يكن في الحروف حرف أَهَشُّ من الهاء
لأَن الهاء نَفَس، قال: وأَما هَنٌ فمن العرب من يسكن، يجعله كقَدْ وبَلْ
فيقول: دخلت على هَنْ يا فتى، ومنهم من يقول هنٍ، فيجريها مجراها، والتنوين
فيها أَحسن كقول رؤبة:
إذْ مِنْ هَنٍ قَوْلٌ، وقَوْلٌ مِنْ هَنِ
والله أَعلم. الأَزهري: تقول العرب يا هَنا هَلُمَّ، ويا هَنانِ
هَلُمَّ، ويا هَنُونَ هَلُمَّ. ويقال للرجل أَيضاً: يا هَناهُ هَلُمَّ، ويا
هَنانِ هَلُمَّ، ويا هَنُونَ هلمَّ، ويا هناه، وتلقى الهاء في الإدراج، وفي
الوقف يا هَنَتَاهْ ويا هَناتُ هَلُمَّ؛ هذه لغة عُقَيل وعامة قيس بعد.
ابن الأَنباري: إذا ناديت مذكراً بغير التصريح باسمه قلت يا هَنُ أَقبِل،
وللرجلين: يا هَنانِ أَقبلا، وللرجال: يا هَنُونَ أَقْبِلوا، وللمرأَة:
يا هَنْتُ أَقبلي، بتسكين النون، وللمرأَتين: يا هَنْتانِ أَقبلا،
وللنسوة: يا هَناتُ أَقبلن، ومنهم من يزيد الأَلف والهاء فيقول للرجل: يا هناهُ
أَقْبِلْ، ويا هناةِ أَقبلْ، بضم الهاء وخفضها؛ حكاهما الفراء؛ فمن ضم
الهاء قدر أَنها آخر الاسم، ومن كسرها قال كسرتها لاجتماع الساكنين، ويقال
في الاثنين، على هذا المذهب: يا هَنانِيه أَقبلا. الفراء: كسر النون
وإِتباعها الياء أَكثر، ويقال في الجمع على هذا المذهب: يا هَنوناهُ
أَقبلوا، قال: ومن قال للذكر يا هَناهُ ويا هَناهِ قال للأُنثى يا هَنَتاهُ
أَقبلي ويا هَنَتاهِ، وللاثنتين يا هَنْتانيه ويا هَنْتاناه أَقبلا، وللجمع
من النساء يا هَناتاه؛ وأَنشد:
وقد رابَني قَوْلُها: يا هَنا
ه، وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرّاً بِشَرّْ
وفي الصباح: ويا هَنُوناهُ أَقبلوا. وإِذا أَضفت إِلى نفسك قلت: يا
هَنِي أَقْبِل، وإِن شئت قلت: يا هَنِ أَقبل، وتقول: يا هَنَيَّ أَقبِلا،
وللجمع: يا هَنِيَّ أَقبِلوا، فتفتح النون في التثنية وتكسرها في الجمع. وفي
حديث أَبي الأَحوص الجُشَمِي: أَلستَ تُنْتَجُها وافِيةً أَعْيُنُها
وآذانُها فتَجْدَعُ هذه وتقول صَرْبَى، وتَهُنُّ هذه وتقول بَحِيرة؛ الهَنُ
والهَنُّ، بالتخفيف والتشديد: كناية عن الشيء لا تذكره باسمه، تقول
أَتاني هَنٌ وهَنةٌ، مخففاً ومشدَّداً. وهَنَنْتُه أَهنُّه هَنًّا إِذا أَصبت
منه هَناً، يريد أَنك تَشُقُّ آذانها أَو تُصيب شيئاً من أَعضائها، وقيل:
تَهُنُّ هذه أَي تُصيب هَن هذه أَي الشيء منها كالأُذن والعين ونحوها؛
قال الهروي: عرضت ذلك على الأَزهري فأَنكره وقال: إِنما هو وتَهِنُ هذه
أَي تُضْعِفُها، يقال: وهَنْتُه أَهِنُه وهْناً، فهو مَوْهون أَي أَضعفته.
وفي حديث ابن مسعود: رضي الله عنه، وذكرَ ليلة الجنّ فقال: ثم إِن
هَنِيناً أَتَوْا عليهم ثياب بيض طِوال؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاء في مسند
أَحمد في غير موضع من حديثه مضبوطاً مقيداً، قال: ولم أَجده مشروحاً في شيء
من كتب الغريب إِلا أَن أَبا موسى ذكره في غريبه عَقِيبَ أَحاديث الهَنِ
والهَناة. وفي حديث الجن: فإِذا هو بهَنِينٍ
(* قوله«بهنين» كذا ضبط في
الأصل وبعض نسخ النهاية.) كأَنهم الزُّطُّ، ثم قال: جَمْعُه جَمْعُ
السلامة مثل كُرة وكُرِينَ، فكأَنه أَراد الكناية عن أَشخاصهم. وفي الحديث:
وذكر هَنةً من جيرانه أَي حاجةً، ويعبَّر بها عن كل شيء. وفي حديث الإِفْك:
قلتُ لها يا هَنْتاه أَي يا هذه، وتُفتح النونُ وتسكن، وتضم الهاء
الأَخيرة وتسكن، وقيل: معنى يا هَنْتاه يا بَلْهاء، كأَنها نُسِبت إِلى قلة
المعرفة بمكايد الناس وشُرُورهم. وفي حديث الصُّبَيِّ بن مَعْبَد: فقلت يا
هَناهُ إِني حَرِيصٌ على الجِهاد.
والهَناةُ: الداهِيةُ، والجمع كالجمع هَنوات؛ وأَنشد:
على هَنَواتٍ كلُّها مُتَتابِعُ
والكلمة يائية. وواوية، والأَسماء التي رفعها بالواو ونصبها بالأَلف
وخفضها بالياء هي في الرفع: أَبُوكَ وأَخُوكَ وحَمُوكِ وفُوكَ وهَنُوكَ وذو
مال، وفي النصب: رأَيتُ أَباكَ وأَخاكَ وفاكَ وحماكِ وهَناكَ وذا مال،
وفي الخفض: مررتُ بأَبيكَ وأَخيكَ وحميكِ وفيكَ وهَنِيكَ وذي مالٍ؛ قال
النحويون: يقال هذا هَنُوكَ للواحد في الرفع، ورأَيت هناك في النصب، وممرت
بهَنِيك في موضع الخفض، مثل تَصْريف أَخواتها كما تقدم.
بيض: البياض: ضد السواد، يكون ذلك في الحيوان والنبات وغير ذلك مما
يقبله غيره. البَيَاضُ: لون الأَبْيَض، وقد قالوا بياض وبَياضة كما قالوا
مَنْزِل ومَنْزِلة، وحكاه ابن الأَعرابي في الماء أَيضاً، وجمع الأَبْيَضِ
بِيضٌ، وأَصله بُيْضٌ، بضم الباء، وإِنما أَبدلوا من الضمة كَسْرَةً
لتصحَّ الياء، وقد أَباضَ وابْيَضَّ؛ فأَما قوله:
إِن شَكْلي وإِن شكْلَكِ شَتَّى،
فالْزمي الخُصَّ واخْفِضِي تَبْيَضِضِّي
فإِنه أَرادَ تَبْيَضِّي فزاد ضاداً أُخرى ضرورة لإِقامة الوزن؛ قال ابن
بري: وقد قيل إِنما يجيء هذا في الشعر كقول الآخر:
لقد خَشِيتُ أَن أَرَى جَدْبَباَّ
أَراد جَدْباً فضاعف الباء. قال ابن سيده: فأَما ما حكى سيبويه من أَن
بعضهم قال: أَعْطِني أَبْيَضّه يريد أَبْيَضَ وأَلحق الهاء كما أَلحقها في
هُنّه وهو يريد هُنَّ فإِنه ثقل الضاد فلولا أَنه زاد ضاداً
(* قوله
«فلولا أنه زاد ضاداً إلخ» هكذا في الأصل بدون ذكر جواب لولا.) على الضاد
التي هي حرف الإِعراب، فحرفُ الإِعراب إِذاً الضادُ الأُولى والثانية هي
الزائدة، وليست بحرف الإِعراب الموجود في أَبْيَضَ، فلذلك لحقته بَيانَ
الحركة
(* قوله: بيان الحركة؛ هكذا في الأصل.). قال أَبو علي: وكان ينبغي
أَن لا تُحَرّك فحركتها لذلك ضعيفة في القياس.
وأَباضَ الكَلأُ: ابْيَضَّ ويَبِسَ. وبايَضَني فلانٌ فبِضْته، من
البَياض: كنت أَشدَّ منه بياضاً. الجوهري: وبايَضَه فباضَه يَبِيضُه أَي فاقَه
في البياض، ولا تقل يَبُوضه؛ وهذا أَشدُّ بَياضاً من كذا، ولا تقل
أَبْيَضُ منه، وأَهل الكوفة يقولونه ويحتجون بقول الراجز:
جارِية في دِرْعِها الفَضْفاضِ،
أَبْيَضُ من أُخْتِ بني إِباضِ
قال المبرد: ليس البيت الشاذ بحجة على الأَصل المجمع عليه؛ وأَما قول
الآخر:
إِذا الرجالُ شَتَوْا، واشتدَّ أَكْلُهمُ،
فأَنْتَ أَبْيَضُهم سِرْبالَ طَبَّاخِ
فيحتمل أَن لا يكون بمعنى أَفْعَل الذي تصحبه مِنْ للمفاضلة، وإِنما هو
بمنزلة قولك هو أَحْسَنُهم وجهاً وأَكرمُهم أَباً، تريد حسَنهم وجهاً
وكريمهم أَباً، فكأَنه قال: فأَنت مُبْيَضُّهم سِرْبالاً، فلما أَضافه انتصب
ما بعده على التمييز.
والبِيضَانُ من الناس: خلافُ السُّودانِ.
وأَبْيَضَت المرأَةُ وأَباضَتْ: ولدت البِيضَ، وكذلك الرجل. وفي عينِه
بَياضةٌ أَي بَياضٌ.
وبَيّضَ الشيءَ جعله أَبْيَضَ. وقد بَيَّضْت الشيء فابْيَضَّ ابْيِضاضاً
وابْياضّ ابْيِيضاضاً. والبَيّاضُ: الذي يُبَيِّضُ الثيابَ، على النسب
لا على الفعل، لأَن حكم ذلك إِنما هو مُبَيِّضٌ.
والأَبْيَضُ: عِرْق السرّة، وقيل: عِرْقٌ في الصلب، وقيل: عرق في
الحالب، صفة غالبة، وكل ذلك لمكان البَياضِ. والأَبْيضانِ: الماءُ والحنطةُ.
والأَبْيضانِ: عِرْقا الوَرِيد. والأَبْيَضانِ: عرقان في البطن لبياضهما؛
قال ذو الرمة:
وأَبْيَض قد كلَّفْته بُعد شُقّة،
تَعَقّدَ منها أَبْيَضاه وحالِبُهْ
والأَبْيَضان: عِرْقان في حالب البعير؛ قال هميان ابن قحافة:
قَرِيبة نُدْوَتُه من مَحْمَضِهْ،
كأَنما يَيْجَعُ عِرْقا أَبْيَضِهْ،
ومُلْتَقَى فائلِه وأُبُضِهْ
(* قوله «عرقا أبيضه» قال الصاغاني: هكذا وقع في الصحاح بالالف والصواب
عرقي بالنصب، وقوله وأبضه هكذا هو مضبوط في نسخ الصحاح بضمتين وضبطه
بعضهم بكسرتين، أفاده شارح القاموس.)
والأَبيضان: الشحمُ والشَّباب، وقيل: الخُبْز والماء، وقيل: الماء
واللبنُ؛ قال هذيل الأَشجعي من شعراء الحجازيين:
ولكنّما يَمْضِي ليَ الحَوْلُ كاملاً،
وما ليَ إِلاَّ الأَبْيَضَيْنِ شَرابُ
من الماءِ أو من دَرِّ وَجْناءَ ثَرّةٍ،
لها حالبٌ لا يَشْتَكي وحِلابُ
ومنه قولهم: بَيَّضْت السِّقاءَ والإِناء أَي ملأْته من الماء أَو
اللبن. ابن الأَعرابي: ذهَبَ أَبْيَضاه شحْمُه وشبابُه، وكذلك قال أَبو زيد،
وقال أَبو عبيد: الأَبْيَضانِ الشحمُ واللبن. وفي حديث سعد: أَنه سُئِل عن
السُّلْت بالبَيْضاءِ فكَرِهَه؛ البَيْضاء الحِنْطة وهي السَّمْراء
أَيضاً، وقد تكرر ذكرها في البيع والزكاة وغيرهما، وإِنما كَرِه ذلك لأَنهما
عنده جنسٌ واحد، وخالفه غيره. وما رأَيته مُذْ أَبْيضانِ، يعني يومين أَو
شهرين، وذلك لبياض الأَيام. وبَياضُ الكبدِ والــقلبِ والظفرِ: ما أَحاط
به، وقيل: بَياضُ الــقلب من الفرس ما أَطافَ بالعِرْق من أَعلى الــقلب،
وبياض البطن بَنات اللبنِ وشحْم الكُلى ونحو ذلك، سمَّوْها بالعَرَض؛ كأَنهم
أَرادوا ذات البياض. والمُبَيِّضةُ، أَصحابُ البياض كقولك المُسَوِّدةُ
والمُحَمِّرةُ لأَصحاب السواد والحمرة. وكَتِيبةٌ بَيْضاء: عليها بَياضُ
الحديد. والبَيْضاء: الشمسُ لبياضها؛ قال الشاعر:
وبَيْضاء لم تَطْبَعْ، ولم تَدْرِ ما الخَنا،
تَرَى أَعيُنَ الفِتْيانِ من دونها خُزْرا
والبَيْضاء: القِدْرُ؛ قال ذلك أَبو عمرو. قال: ويقال للقِدْر أَيضاً
أُمُّ بَيْضاء؛ وأَنشد:
وإِذْ ما يُرِيحُ الناسَ صَرْماءُ جَوْنةٌ،
يَنُوسُ عليها رَحْلُها ما يُحَوَّلُ
فقلتُ لها: يا أُمَّ بَيْضاءَ، فِتْيةٌ
يَعُودُك منهم مُرْمِلون وعُيَّلُ
قال الكسائي: ما في معنى الذي في إِذ ما يُرِيح، قال: وصرماءُ خبر الذي.
والبِيضُ: ليلةُ ثلاثَ عَشْرةَ وأَرْبَعَ عَشْرةَ وخمسَ عَشْرة. وفي
الحديث: كان يأْمُرُنا أَن نصُومَ الأَيامَ البِيضَ، وهي الثالثَ عشَرَ
والرابعَ عشرَ والخامسَ عشرَ، سميت ليالِيها بِيضاً لأَن القمر يطلُع فيها من
أَولها إِلى آخرها. قال ابن بري: وأَكثر ما تجيء الرواية الأَيام
البِيض، والصواب أَن يقال أَيامَ البِيضِ بالإِضافة لأَن البِيضَ من صفة
الليالي. وكلَّمتُه فما ردَّ عليَّ سَوْداءَ ولا بَيْضاءَ أَي كِلمةً قبيحة ولا
حسنة، على المثل. وكلام أَبْيَضُ: مشروح، على المثل أَيضاً. ويقال:
أَتاني كلُّ أَسْودَ منهم وأَحمر، ولا يقال أَبْيَض. الفراء: العرب لا تقول
حَمِر ولا بَيِض ولا صَفِر، قال: وليس ذلك بشيء إِنما يُنْظَر في هذا إِلى
ما سمع عن العرب. يقال: ابْيَضّ وابْياضَّ واحْمَرَّ واحْمارَّ، قال:
والعرب تقول فلانة مُسْوِدة ومُبيِضةٌ إِذا ولدت البِيضانَ والسُّودانَ،
قال: وأَكثر ما يقولون مُوضِحة إِذا وَلَدَت البِيضانَ، قال: ولُعْبة لهم
يقولون أَبِيضي حَبالاً وأَسيدي حَبالاً، قال: ولا يقال ما أَبْيَضَ
فلاناً وما أَحْمَر فلاناً من البياض والحمرة؛ وقد جاء ذلك نادراً في شعرهم
كقول طرفة:
أَمّا الملوكُ فأَنْتَ اليومَ ألأَمُهم
لُؤْماً، وأَبْيَضُهم سِرْبالَ طَبَّاخِ
ابن السكيت: يقال للأَسْودَ أَبو البَيْضاء، وللأبْيَض أَبو الجَوْن،
واليد البَيْضاء: الحُجّة المُبَرْهنة، وهي أَيضاً اليد التي لا تُمَنُّ
والتي عن غير سؤال وذلك لشرفها في أَنواع الحِجاج والعطاء. وأَرض بَيْضاءُ:
مَلْساء لا نبات فيها كأَن النبات كان يُسَوِّدُها، وقيل: هي التي لم
تُوطَأْ، وكذلك البِيضَةُ. وبَيَاضُ الأَرض: ما لا عمارة فيه. وبَياضُ
الجلد: ما لا شعر عليه. التهذيب: إِذا قالت العرب فلان أَبْيَضُ وفلانة
بَيْضاء فالمعنى نَقاء العِرْض من الدنَس والعيوب؛ ومن ذلك قول زهير يمدح
رجلاً.
أَشَمّ أَبْيَض فَيّاض يُفَكِّك عن
أَيدي العُناةِ وعن أَعْناقِها الرِّبَقا
وقال:
أُمُّك بَيْضاءُ من قُضاعةَ في الـ
ـبيت الذي تَسْتَظلُّ في ظُنُبِهْ
قال: وهذا كثير في شعرهم لا يريدون به بَياضَ اللون ولكنهم يريدون المدح
بالكرم ونَقاءِ العرْض من العيوب، وإِذا قالوا: فلان أَبْيَض الوجه
وفلانة بَيْضاءُ الوجه أَرادوا نقاءَ اللون من الكَلَفِ والسوادِ الشائن. ابن
الأَعرابي: والبيضاءُ حبالة الصائد؛ وأَنشد:
وبيضاء مِنْ مالِ الفتى إِن أَراحَها
أَفادَ، وإِلا ماله مال مُقْتِر
يقول: إِن نَشِب فيها عَيرٌ فجرّها بقي صاحبُها مُقْتِراً.
والبَيْضة: واحدة البَيْض من الحديد وبَيْضِ الطائر جميعاً، وبَيْضةُ
الحديد معروفة والبَيْضة معروفة، والجمع بَيْض. وفي التنزيل العزيز:
كأَنَّهُنّ بَيْضٌ مَكْنُون، ويجمع البَيْض على بُيوضٍ؛ قال:
على قَفْرةٍ طارَت فِراخاً بُيوضُها
أَي صارت أَو كانت؛ قال ابن سيده: فأَما قول الشاعر
(* قوله «فأما قول
الشاعر» عبارة القاموس وشرحه: والبيضة واحدة بيض الطير الجمع بيوض وبيضات،
قال الصاغاني: ولا تحرك الياء من بيضات إلا في ضرورة الشعر قال: أخو
بيضات إلخ.):
أَبو بَيَضاتٍ رائحٌ مُتأَوِّب،
رَفيق بمَسْحِ المَنْكِبَينِ سَبُوحُ
فشاذ لا يعقد عليه باب لأَن مثل هذا لا يحرك ثانيه.
وباضَ الطائرُ والنعامة بَيْضاً: أَلْقَتْ بَيْضَها. ودجاجة بَيّاضةٌ
وبَيُوضٌ: كثيرة البَيْضِ، والجمع بُيُضٌ فيمن قال رُسُل مثل حُيُد جمع
حَيُود، وهي التي تَحِيد عنك، وبِيضٌ فيمن قال رُسْل، كسَرُوا الباء
لِتَسْلم الياء ولا تنــقلب، وقد قال بُّوضٌ أَبو منصور. يقال: دجاجة بائض بغير
هاء لأَن الدِّيكَ لا يَبِيض، وباضَت الطائرةُ، فهي بائضٌ. ورجل بَيّاضٌ:
يَبِيع البَيْضَ، وديك بائِضٌ كما يقال والدٌ، وكذلك الغُراب؛ قال:
بحيث يَعْتَشّ الغُرابُ البائضُ
قال ابن سيده: وهو عندي على النسب. والبَيْضة: من السلاح، سميت بذلك
لأَنها على شكل بَيْضة النعام. وابْتاضَ الرجل: لَبِسَ البَيْضةَ. وفي
الحديث: لَعَنَ اللّه السارقَ يَسْرِقُ البَيْضةَ فتُقْطَعُ يدُه، يعني
الخُوذةَ؛ قال ابن قتيبة: الوجه في الحديث أَن اللّه لما أَنزل: والسارقُ
والسارقةُ فاقْطَعُوا أَيْدِيَهما، قال النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم: لَعَنَ
اللّه السارقَ يَسْرِق البَيْضة فتُقْطَع يدُه على ظاهر ما نزل عليه،
يعني بَيْضةَ الدجاجة ونحوها، ثم أَعلمه اللّه بَعْدُ أَن القطع لا يكون
إِلا في رُبْع دِينار فما فوقه، وأَنكر تأْويلها بالخُوذةِ لأَن هذا ليس
موضع تَكثيرٍ لما يأْخذه السارق، إِنما هو موضع تقليل فإِنه لا يقال: قبَّح
اللّه فلاناً عرَّض نفسه للضرب في عِقْد جَوْهر، إِنما يقال: لَعَنه
اللّه تعرَّض لقطع يده في خَلَقٍ رَثٍّ أَو في كُبّةِ شعَرٍ.
وفي الحديث: أُعْطِيتُ الكَنْزَينِ الأَحمرَ والأَبيضَ، فالأَحمرُ
مُلْكُ الشام، والأَبْيَضُ مُلْكُ فارس، وإِنما يقال لفارس الأَبْيَض لبياض
أَلوانهم ولأَن الغالب على أَموالهم الفضة، كما أَن الغالب على أَلوان أَهل
الشام الحمرة وعلى أَموالهم الذهب؛ ومنه حديث ظبيان وذكر حِمْير قال:
وكانت لهم البَيْضاءُ والسَّوْداءُ وفارِسُ الحَمْراءُ والجِزْيةُ الصفراء،
أَراد بالبيضاء الخرابَ من الأَرض لأَنه يكون أَبْيَضَ لا غَرْسَ فيه
ولا زَرْعَ، وأَراد بالسَّوْداء العامِرَ منها لاخْضِرارِها بالشجر والزرع،
وأَرادَ بفارِسَ الحَمْراء تَحَكُّمَهم عليه، وبالجزية الصفراء الذهبَ
كانوا يَجْبُون الخَراجَ ذَهَباً. وفي الحديث: لا تقومُ الساعةُ حتى يظهر
الموتُ الأَبْيَضُ والأَحْمَرُ؛ الأَبْيَضُ ما يأْتي فَجْأَةً ولم يكن
قبله مرض يُغيِّر لونه، والأَحْمرُ الموتُ بالقَتْل لأَجل الدم.
والبَيْضةُ: عِنَبٌ بالطائف أَبيض عظيم الحبّ. وبَيْضةُ الخِدْر:
الجاريةُ لأَنها في خِدْرها مكنونة. والبَيْضةُ: بَيْضةُ الخُصْية. وبَيْضةُ
العُقْر مَثَلٌ يضرب وذلك أَن تُغْصَبَ الجارية نَفْسها فتُقْتَضّ
فتُجَرَّب ببَيْضةٍ، وتسمى تلك البَيْضةُ بَيْضةَ العُقْرِ. قال أَبو منصور: وقيل
بَُْضةُ العُقْرِ بَيْضَة يَبِيضُها الديك مرة واحدة ثم لا يعود، يضْرب
مثلاً لمن يصنع الصَّنِيعة ثم لا يعود لها. وبَيْضة البلَدِ: تَرِيكة
النعامة. وبَيْضةُ البلد: السَّيِّدُ؛ عن ابن الأَعرابي، وقد يُذَمُّ
ببَيْضة البلد؛ وأَنشد ثعلب في الذم للراعي يهجو ابن الرِّقاعِ العاملي:
لو كُنتَ من أَحَدٍ يُهْجى هَجَوْتُكمُ،
يا ابن الرِّقاعِ، ولكن لستَ من أَحَدِ
تَأْبى قُضاعةُ لم تَعْرِفْ لكم نَسَباً
وابْنا نِزارٍ، فأَنْتُمْ بَيْضةُ البَلَدِ
أَرادَ أَنه لا نسب له ولا عشيرة تَحْمِيه؛ قال: وسئل ابن الأَعرابي عن
ذلك فقال: إِذا مُدِحَ بها فهي التي فيها الفَرْخ لأَن الظَّلِيم حينئذ
يَصُونُها، وإِذا ذُمَّ بها فهي التي قد خرج الفَرْخُ منها ورَمى بها
الظليمُ فداسَها الناسُ والإِبلُ. وقولهم: هو أَذَلُّ من بَيْضةِ البَلَدِ
أَي من بَيْضَةِ النعام التي يتركها؛ وأَنشد كراع للمتلمس في موضع الذم
وذكره أَبو حاتم في كتاب الأَضداد، وقال ابن بري الشعر لِصِنَّان بن عبَّاد
اليشكري وهو:
لَمَّا رأَى شمطٌ حَوْضِي له تَرَعٌ
على الحِياضِ، أَتاني غيرَ ذي لَدَدِ
لو كان حَوْضَ حِمَارٍ ما شَرِبْت به،
إِلاّ بإِذْنِ حِمارٍ آخرَ الأَبَدِ
لكنَّه حَوْضُ مَنْ أَوْدَى بإِخْوَتِه
رَيْبُ المَنُونِ، فأَمْسَى بَيْضَةَ البَلَدِ
أَي أَمسى ذليلاً كهذه البَيْضة التي فارَقَها الفرخُ فرَمَى بها الظليم
فدِيسَت فلا أَذَل منها. قال ابن بري: حِمَار في البيت اسم رجل وهو
علقمة بن النعمان بن قيس بن عمرو بن ثعلبة، وشمطٌ هو شمط ابن قيس بن عمرو بن
ثعلبة اليشكري، وكان أَوْرَدَ إِبِلَه حَوْضَ صِنَّان بن عبَّاد قائل هذا
الشعر فغضب لذلك، وقال المرزوقي: حمار أَخوه وكان في حياته يتعزَّزُ به؛
ومثله قول الآخر يهجو حسان بن ثابت وفي التهذيب انه لحسان:
أَرى الجَلابِيبَ قد عَزُّوا، وقد كَثُروا،
وابنُ الفُرَيْعةِ أَمْسَى بَيْضةَ البَلَدِ
قال أَبو منصور: هذا مدح. وابن فُرَيْعة: أَبوه
(* قوله «وابن فريعة
أبوه» كذا بالأصل وفي القاموس في مادة فرع ما نصه: وحسان بن ثابت يعرف بابن
الفريعة كجهينة وهي أُمه.). وأَراد بالجلابيب سَفِلة الناس وغَثْراءَهم؛
قال أَبو منصور: وليس ما قاله أَبو حاتم بجيد، ومعنى قول حسان أَن سَفِلة
الناس عزُّوا وكثروا بعد ذِلَّتِهِم وقلتهم، وابن فُرَيعة الذي كان ذا
ثَرْوَةٍ وثَراءٍ قد أُخِّرَ عن قديمِ شَرَفِه وسُودَدِه، واسْتُبِدَّ
بالأَمر دونه فهو بمنزلة بَيْضة البلد التي تَبِيضُها النعامة ثم تتركها
بالفلاة فلا تَحْضُنها، فتبقى تَرِكةً بالفلاة.
وروى أَبو عمرو عن أَبي العباس: العرب تقول للرجل الكريم: هو بَيْضة
البلد يمدحونه، ويقولون للآخر: هو بَيْضة البلد يذُمُّونه، قال: فالممدوحُ
يراد به البَيْضة التي تَصُونها النعامة وتُوَقِّيها الأَذَى لأَن فيها
فَرْخَها فالممدوح من ههنا، فإِذا انْفَلَقت عن فَرْخِها رمى بها الظليمُ
فتقع في البلد القَفْر فمن ههنا ذمّ الآخر. قال أَبو بكر في قولهم فلان
بَيْضةُ البلد: هو من الأَضداد يكون مدحاً ويكون ذمّاً، فإِذا مُدِح الرجل
فقيل هو بَيْضةُ البلد أُرِيدَ به واحدُ البلد الذي يُجْتَمع إِليه
ويُقْبَل قولُه، وقيل فَرْدٌ ليس أَحد مثله في شرفه؛ وأَنشد أَبو العباس
لامرأَة من بني عامر بن لُؤَيّ ترثي عمرو بن عبد وُدٍّ وتذكر قتل عليّ
إِيَّاه:لو كان قاتِلُ عَمرو غيرَ قاتله،
بَكَيْتُه، ما أَقام الرُّوحُ في جَسَدي
لكنَّ قاتلَه مَنْ لا يُعابُ به،
وكان يُدعَى قديماً بَيْضَةَ البَلَدِ
يا أُمَّ كُلْثُومَ، شُقِّي الجَيْبَ مُعْوِلَةً
على أَبيكِ، فقد أَوْدَى إِلى الأَبَدِ
يا أُمَّ كُلْثُومَ، بَكِّيهِ ولا تَسِمِي
بُكَاءَ مُعْوِلَةٍ حَرَّى على ولد
بَيْضةُ البلد: عليُّ بن أَبي طالب، سلام اللّه عليه، أَي أَنه فَرْدٌ
ليس مثله في الشرف كالبَيْضةِ التي هي تَرِيكةٌ وحدها ليس معها غيرُها؛
وإِذا ذُمَّ الرجلُ فقيل هو بَيْضةُ البلدِ أَرادوا هو منفرد لا ناصر له
بمنزلة بَيْضَةٍ قام عنها الظَّليمُ وتركها لا خير فيها ولا منفعة؛ قالت
امرأَة تَرْثي بَنِينَ لها:
لَهْفِي عليهم لَقَدْ أَصْبَحْتُ بَعْدَهُمُ
كثيرَة الهَمِّ والأَحزان والكَمَدِ
قد كُنْتُ قبل مَناياهُمْ بمَغبَطَةٍ،
فصِرْتُ مُفْرَدَةً كبَيْضَةِ البلدِ
وبَيْضَةُ السَّنام: شَحْمَته. وبَيْضَةُ الجَنِين: أَصله، وكلاهما على
المثل. وبَيْضَة القوم: وسَطُهم. وبَيْضة القوم: ساحتهم؛ وقال لَقِيطٌ
الإِيادِي:
يا قَوْمِ، بَيْضتَكُمْ لا تُفْضَحُنَّ بها،
إِنِّي أَخاف عليها الأَزْلَم الجَذَعا
يقول: احفظوا عُقْر داركم. والأَزْلَم الجَذَع: الدهر لأَنه لا يهرم
أَبداً. ويقال منه: بِيضَ الحيُّ أُصِيبَت بَيْضَتُهم وأُخِذ كلُّ شيءٍ لهم،
وبِضْناهم وابْتَضْناهم: فعلنا بهم ذلك. وبَيْضَةُ الدار: وسطها
ومعظمها. وبَيْضَةُ الإِسلام: جماعتهم. وبَيْضَةُ القوم: أَصلهم. والبَيْضَةُ:
أَصل القوم ومُجْتَمعُهم. يقال: أَتاهم العدو في بَيْضَتِهِمْ. وقوله في
الحديث: ولا تُسَلِّطْ عليهم عَدُوّاً من غيرهم فيستبيح بَيْضَتَهم؛ يريد
جماعتهم وأَصلهم أَي مُجْتمعهم وموضع سُلْطانهم ومُسْتَقَرَّ دعوتهم،
أَراد عدوّاً يستأْصلهم ويُهْلِكهم جميعهم، قيل: أَراد إِذا أُهْلِكَ أَصلُ
البَيْضة كان هلاك كل ما فيها من طُعْمٍ أَو فَرْخ، وإِذا لم يُهْلَكْ
أَصلُ البَيْضة ربما سلم بعضُ فِراخها، وقيل: أَراد بالبَيْضَة الخُوذَةَ
فكأَنه شَبَّه مكان اجتماعهم والتِئامهم ببَيْضَة الحَدِيدِ؛ ومنه حديث
الحديبية: ثم جئتَ بهم لبَيْضَتِك تَفُضُّها أَي أَصْلك وعشيرتك. وبَيْضَةُ
كل شيء حَوْزَتُه.
وباضُوهُمْ وابْتاضُوهُمْ: استأْصلوهم. ويقال: ابْتِيضَ القومُ إِذا
أُبِيحَتْ بَيْضَتُهم، وابْتاضُوهم أَي استأْصلوهم. وقد ابْتِيضَ القوم إِذا
اُخِذَتْ بَيْضَتُهم عَنْوَةً.
أَبو زيد: يقال لوسط الدار بَيْضةٌ ولجماعة المسلمين بَيْضَةٌ ولوَرَمٍ
في ركبة الدابة بَيْضَة. والبَيْضُ: وَرَمٌ يكون في يد الفرس مثل
النُّفَخ والغُدَد؛ قال الأَصمعي: هو من العيوب الهَيِّنة. يقال: قد باضَتْ يدُ
الفرس تَبِيضُ بَيْضاً. وبَيْضَةُ الصَّيْف: معظمه. وبَيْضَة الحرّ:
شدته. وبَيْضَة القَيْظ: شدة حَرِّه؛ وقال الشماخ:
طَوَى ظِمْأَهَا في بَيْضَة القَيْظِ، بعدما
جَرَى في عَنَانِ الشِّعْرَيَيْنِ الأَماعِزُ
وباضَ الحَرُّ إِذا اشتد. ابن بزرج: قال بعض العرب يكون على الماء
بَيْضَاءُ القَيْظِ، وذلك من طلوع الدَّبَران إِلى طلوع سُهَيْل. قال أَبو
منصور: والذي سمعته يكون على الماء حَمْراءُ القَيْظِ وحِمِرُّ القيظ. ابن
شميل: أَفْرَخَ بَيْضَةُ القوم إِذا ظهر مَكْتُومُ أَمْرِهم، وأَفرخت
البَيْضَةُ إِذا صار فيها فَرْخٌ.
وباضَ السحابُ إِذا أَمْطَر؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
باضَ النَّعَامُ به فنَفَّرَ أَهلَهُ،
إِلا المُقِيمَ على الدَّوا المُتأَفِّنِ
قال: أَراد مطراً وقع بِنَوْءِ النَّعَائم، يقول: إِذا وقع هذا المطر
هَرَبَ العُقلاء وأَقام الأَحمق. قال ابن بري: هذا الشاعر وصف وَادِياً
أَصابه المطر فأَعْشَب، والنَّعَامُ ههنا: النعائمُ من النجوم، وإِنما
تُمْطِرُ النَّعَائمُ في القيظ فينبت في أُصول الحَلِيِّ نبْتٌ يقال له
النَّشْر، وهو سُمٌّ إِذا أَكله المال مَوَّت، ومعنى باضَ أَمْطَرَ، والدَّوا
بمعنى الداء، وأَراد بالمُقِيم المقيمَ به على خَطر أَن يموت،
والمُتَأَفِّنُ: المُتَنَقِّص. والأَفَن: النَّقْصُ؛ قال: هكذا فسره المُهَلَّبِيّ
في باب المقصور لابن ولاَّد في باب الدال؛ قال ابن بري: ويحتمل عندي أَن
يكون الدَّوا مقصوراً من الدواء، يقول: يَفِرُّ أَهلُ هذا الوادي إِلا
المقيمَ على المُداواة المُنَقِّصة لهذا المرض الذي أَصابَ الإِبلَ من
رَعْيِ النَّشْرِ. وباضَت البُهْمَى إِذا سَقَطَ نِصالُها. وباضَت الأَرض:
اصفرت خُضرتُها ونَفَضتِ الثمرة وأَيبست، وقيل: باضَت أَخْرجَتْ ما فيها من
النبات، وقد باضَ: اشتدَّ.
وبَيَّضَ الإِناءَ والسِّقاء: مَلأَه. ويقال: بَيَّضْت الإِناءَ إِذا
فرَّغْتَه، وبَيَّضْته إِذا مَلأْته، وهو من الأَضداد.
والبَيْضاء: اسم جبل. وفي الحديث في صفة أَهل النار: فَخِذُ الكافر في
النار مثْل البَيْضاء؛ قيل: هو اسم جبل. والأَبْيَضُ: السيف، والجمع
البِيضُ.
والمُبَيِّضةُ، بكسر الياء: فرقة من الثَّنَوِيَّة وهم أَصحاب
المُقَنَّع، سُمُّوا بذلك لتَبْيِيضهم ثيابهم خلافاً للمُسَوِّدَة من أَصحاب
الدولة العبّاسية. وفي الحديث: فنظرنا فإِذا برسول اللّه، صلّى اللّه عليه
وسلّم، وأَصحابه مُبَيِّضين، بتشديد الياء وكسرها، أَي لابسين ثياباً بيضاً.
يقال: هم المُبَيِّضةُ والمُسَوِّدَة، بالكسر؛ ومنه حديث توبة كعب بن
مالك: فرأَى رجلاً مُبَيِّضاً يزول به السرابُ، قال ابن الأَثير: ويجوز أَن
يكون مُبْيَضّاً، بسكون الباء وتشديد الضاد، من البياض أَيضاً.
وبِيضَة، بكسر الباء: اسم بلدة. وابن بَيْض: رجل، وقيل: ابن بِيضٍ،
وقولهم: سَدَّ ابنُ بَيْضٍ الطريقَ، قال الأَصمعي: هو رجل كان في الزمن
الأَول يقال له ابن بَيْضٍ عقرَ ناقَتَه على ثَنِيَّةٍ فسد بها الطريق ومنع
الناسَ مِن سلوكِها؛ قال عمرو بن الأَسود الطهوي:
سَدَدْنا كما سَدَّ ابنُ بيضٍ طَرِيقَه،
فلم يَجِدوا عند الثَّنِيَّةِ مَطْلَعا
قال: ومثله قول بَسّامة بن حَزْن:
كثوبِ ابن بيضٍ وقاهُمْ به،
فسَدَّ على السّالِكينَ السَّبِيلا
وحمزة بن بِيضٍ: شاعر معروف، وذكر النضر بن شميل أَنه دخل على المأْمون
وذكر أَنه جَرى بينه وبينه كلام في حديث عن النبي، صلّى اللّه عليه
وسلّم، فلما فرغ من الحديث قال: يا نَضْرُ، أَنْشِدْني أَخْلَبَ بيت قالته
العرب، فأَنشدته أَبيات حمزة بن بِيضٍ في الحكَم بن أَبي العاص:
تقولُ لي، والعُيونُ هاجِعةٌ:
أَقِمْ عَلَيْنا يَوْماً، فلم أُقِم
أَيَّ الوُجوهِ انْتَجَعْتَ؟ قلتُ لها:
وأَيُّ وَجْهٍ إِلا إِلى الحَكَم
متى يَقُلْ صاحِبا سُرادِقِه:
هذا ابنُ بِيضٍ بالباب، يَبْتَسِمِ
رأَيت في حاشية على كتاب أَمالي ابن بري بخط الفاضل رضي الدين الشاطبي،
رحمه اللّه، قال: حمزة بن بِيضٍ، بكسر الباء لا غير. قال: وأَما قولهم
سدَّ ابنُ بَيْضٍ الطريقَ فقال الميداني في أَمثاله: ويروى ابن بِيضٍ، بكسر
الباء، قال: وأَبو محمد، رحمه اللّه، حمل الفتح في بائه على فتح الباء
في صاحب المثَل فعطَفَه عليه. قال: وفي شرح أَسماء الشعراء لأَبي عمر
المطرّز حمزة بن بِيض قال الفراء: البِيضُ جمع أَبْيَض وبَيْضاء.
والبُيَيْضَة: اسم ماء. والبِيضَتانِ والبَيْضَتان، بالكسر والفتح: موضع على طريق
الشام من الكوفة؛ قال الأَخطل:
فهْوَ بها سَيِّءٌ ظَنّاً، وليس له،
بالبَيْضَتَينِ ولا بالغَيْضِ، مُدَّخَرُ
ويروى بالبَيْضَتين. وذُو بِيضانَ: موضع؛ قال مزاحم:
كما صاحَ، في أَفْنانِ ضالٍ عَشِيَّةً
بأَسفلِ ذِي بِيضانَ، جُونُ الأَخاطِبِ
وأَما بيت جرير:
قَعِيدَ كما اللّهَ الذي أَنْتُما له،
أَلم تَسْمَعا بالبَيْضَتَينِ المُنادِيا؟
فقال ابن حبيب: البِيضَة، بالكسر، بالحَزْن لبني يربوع، والبَيْضَة،
بالفتح، بالصَّمّان لبني دارم. وقال أَبو سعيد: يقال لما بين العُذَيْب
والعقَبة بَيْضة، قال: وبعد البَيْضة البَسِيطةُ. وبَيْضاء بني جَذِيمة: في
حدود الخطّ بالبحرين كانت لعبد القيس وفيها نخيل كثيرة وأَحْساءٌ عَذْبة
وقصورٌ جَمَّة، قال: وقد أَقَمْتُ بها مع القَرامِطة قَيْظة. ابن
الأَعرابي: البَيْضة أَرض بالدَّوّ حفَروا بها حتى أَتتهم الريح من تحتهم فرفعتهم
ولم يصِلُوا إِلى الماء. قال شمر: وقال غيره البَيْضة أَرض بَيْضاء لا
نبات فيها، والسَّوْدة: أَرض بها نخيل؛ وقال رؤبة:
يَنْشَقُّ عن الحَزْنُ والبَرِّيتُ،
والبِيضةُ البَيْضاء والخُبُوتُ
كتبه شمر بكسر الباء ثم حكى ما قاله ابن الأَعرابي.
قطع: القَطْعُ: إِبانةُ بعض أَجزاء الجِرْمِ من بعضٍ فَضْلاً. قَطَعَه
يَقْطَعُه قَطْعاً وقَطِيعةً وقُطوعاً؛ قال:
فما بَرِحَتْ، حتى اسْتبانَ سقابها
قُطُوعاً لِمَحْبُوكٍ من اللِّيفِ حادِرِ
والقَطْعُ: مصدر قَطَعْتُ الحبْلَ قَطْعاً فانْقَطَع. والمِقْطَعُ،
بالكسر: ما يُقْطَعُ به الشيء. وقطَعه واقتطَعه فانقطَع وتقطَّع، شدد للكثرة.
وتقطَّعوا أَمرهم بينهم زُبُراً أَي تقَسَّمُوه. قال الأَزهري: وأَما
قوله: وتقطَّعوا أَمرهم بينهم زُبراً فإِنه واقع كقولك قَطَّعُوا أَمرهم؛
قال لبيد في الوجه اللازم:
وتَقَطَّعَتْ أَسْبابُها ورِمامُها
أَي انْقَطَعَتْ حِبالُ مَوَدَّتِها، ويجوز أَن يكون معنى قوله:
وتقطَّعوا أَمرهم بينهم؛ أَي تفرقوا في أَمرهم، نصب أَمرهم بنزع في منه؛ قال
الأَزهري: وهذا القول عندي أَصوب. وقوله تعالى: وقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنّ؛ أَي
قَطَعْنَها قَطْعاً بعد قَطْعٍ وخَدَشْنَها خدشاً كثيراً ولذلك شدد،
وقوله تعالى: وقطَّعْناهم في الأَرض أُمَماً؛ أَي فرّقْناهم فِرَقاً، وقال:
وتَقَطَّعَتْ بهم الأَسبابُ؛ أَي انْقَطَعَتْ أَسْبابُهم ووُصَلُهُم؛ قول
أَبي ذؤَيب:
كأَنّ ابْنةَ السَّهْمِيّ دُرَّةُ قامِسٍ
لها، بعدَ تَقْطِيعِ النُّبُوح، وَهِيجُ
أَراد بعد انْقِطاعِ النُّبُوحِ، والنُّبُوحُ: الجماعات، أَراد بعد
الهُدُوِّ والسكون بالليل، قال: وأَحْسَبُ الأَصل فيه القِطْع وهو طائفة من
الليل. وشيءٌ قَطِيعٌ: مقطوعٌ.
والعرب تقول: اتَّقُوا القُطَيْعاءَ أَي اتقوا أَن يَتَقَطَّعَ بعضُكم
من بعض في الحرب.
والقُطْعةُ والقُطاعةُ: ما قُطِعَ من الحُوّارَى من النُّخالةِ.
والقُطاعةُ، بالضم: ما سقَط عن القَطْعِ. وقَطَعَ النخالةَ من
الحُوّارَى: فَصَلَها منه؛ عن اللحياني.
وتَقاطَعَ الشيءُ: بانَ بعضُه من بعض، وأَقْطَعَه إِياه: أَذن له في
قطعه. وقَطَعاتُ الشجرِ: أُبَنُها التي تَخْرُجُ منها إِذا قُطِعَت، الواحدة
قَطَعَةٌ. وأَقْطَعْتُه قُضْباناً من الكَرْمِ أَي أَذِنْتُ له في
قَطْعِها. والقَطِيع: الغُصْنُ تَقْطَعُه من الشجرة، والجمع أَقْطِعةٌ وقُطُعٌ
وقُطُعاتٌ وأَقاطِيعُ كحديثٍ وأَحاديثَ. والقِطْعُ من الشجر: كالقَطِيعِ،
والجمع أَقطاعٌ؛ قال أَبو ذؤَيب:
عَفا غيرُ نُؤْيِ الدارِ ما إِنْ تُبِينُه،
وأَقْطاعُ طُفْيٍ قد عَفَتْ في المَعاقِلِ
والقِطْعُ أَيضاً: السهم يعمل من القَطِيعِ والقِطْعِ اللذين هما
المَقْطُوعُ من الشجر، وقيل: هو السهم العَرِيضُ، وقيل: القِطْعُ نصل قَصِيرٌ
عَرِيضُ السهم، وقيل: القِطْعُ النصل القصير، والجمع أَقْطُعٌ وأَقْطاعٌ
وقُطُوعٌ وقِطاعٌ ومَقاطِيعُ، جاء على غير واحده نادراً كأَنه إِنما جمع
مِقْطاعاً، ولم يسمع، كما قالوا مَلامِحَ ومَشابِهَ ولم يقولوا مَلْمَحَةً
ولا مَشْبَهةً؛ قال بعض الأَغفالِ يصف دِرْعاً:
لها عُكَنٌ تَرُدُّ النَّبْلَ خُنْساً،
وتَهْزَأُ بالمَعابِلِ والقِطاعِ
وقال ساعدة بن جُؤَيَّةَ:
وشَقَّتْ مَقاطِيعُ الرُّماةِ فُؤَادَه،
إِذا يَسْمَعُ الصوتَ المُغَرِّدَ يَصْلِدُ
والمِقْطَعُ والمِقْطاعُ: ما قَطَعْتَه به.
قال الليث: القِطْعُ القضيبُ الذي يُقْطَعُ لبَرْيِ السِّهامِ، وجمعه
قُطْعانٌ وأَقْطُعٌ؛ وأَنشد لأَبي ذؤَيب:
ونَمِيمَةً من قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ،
في كَفِّه جَشْءٌ أَجَشُّ وأَقْطُعُ
قال: أَراد السِّهامَ، قال الأَزهري: وهذا غلط، قال الأَصمعي: القِطْعُ
من النِّصالِ القصير العريضُ، وكذلك قال غيره، سواء كان النصل مركباً في
السهم أَو لم يكن مركباً، سُمِّيَ قِطْعاً لأَنه مقطوعٌ من الحديث، وربما
سَمَّوْه مقطوعاً، والمَقاطِيعُ جمعه؛ وسيف قاطِعٌ وقَطَّاعٌ ومِقْطَعٌ.
وحبل أَقْطاعٌ: مقطوعٌ كأَنهم جعلوا كل جزء منه قِطْعاً، وإِن لم يتكلم
به، وكذلك ثوب أَقْطاعٌ وقِطْعٌ؛ عن اللحياني. والمَقْطُوعُ من المديد
والكامل والرَّجَزِ: الذي حذف منه حرفان نحو فاعلاتن ذهب منه تن فصار
محذوفاً فبقي فاعلن ثم ذهب من فاعِلن النون ثم أُسكنت اللام فنقل في التقطيع إِلى
فعْلن، كقوله في المديد:
إِنما الذَّلْفاءُ ياقُوتةٌ،
أُخْرِجَتْ من كِيسِ دِهْقانِ
فقوله قاني فعْلن، وكقوله في الكامل:
وإِذا دَعَوْنَكَ عَمَّهُنَّ، فإِنَّه
نَسَبٌ يَزِيدُكَ عِنْدَهُنَّ خَبالا
فقوله نَخَبالا فعلاتن وهو مقطوع؛ وكقوله في الرجز:
دار لِسَلْمَى، إِذ سُلَيْمَى جارةٌ،
قَفْرٌ تُرى آياتها مِثْلَ الزُّبُرْ
(* قوله« دار لسلمى إلخ» هو موفور لا مقطوع فلا شاهد فيه كما لا يخفى.)
وكقوله في الرجز:
الــقَلْبُ منها مُسْتَرِيحٌ سالِمٌ،
والــقلبُ مِنِّي جاهِدٌ مَجْهُودُ
فقوله مَجْهُود مَفْعُولُنْ.
وتَقْطِيعُ الشعر: وَزْنه بأَجزاء العَرُوضِ وتَجْزئته بالأَفعالِ.
وقاطَعَ الرجُلانِ بسيفيهما إِذا نظرا أَيُّهما أَقْطَعُ؛ وقاطَعَ فلان
فلاناً بسيفيهما كذلك. ورجل لَطّاع قَطّاعٌ: يَقْطَعُ نصف اللُّقْمةِ
ويردّ الثاني، واللَّطّاعُ مذكور في موضعه. وكلامٌ قاطِعٌ على المَثَلِ:
كقولهم نافِذٌ.
والأَقْطَعُ: المقطوعُ اليَدِ، والجمع قُطْعٌ وقُطْعانٌ مثل أَسْوَدَ
وسُودانٍ. ويَدٌ قَطعاءُ: مقطوعةٌ، وقد قَطَعَ وقطِعَ قَطعاً. والقَطَعَةُ
والقُطْعةُ، بالضم، مثل الصَّلَعةِ والصُّلْعةِ: موضع القَطْعِ من اليد،
وقيل: بقيّةُ اليدِ المقطوعةِ، وضربَه بقَطَعَتِه. وفي الحديث: أَنَّ
سارِقاً سَرَقَ فَقُطِعَ فكان يَسْرِقُ بقَطَعَتِه، بفتحتين؛ هي الموضعُ
المقطوعُ من اليد، قال: وقد تضم القاف وتسكن الطاء فيقال: بقُطْعَتِه، قال
الليث: يقولون قُطِعَ الرجلُ ولا يقولون قُطِعَ الأَقْطَعُ لأَنَّ
الأَقْطَعَ لا يكون أَقْطَعَ حتى يَقْطَعَه غيره، ولو لزمه ذلك من قبل نفسه لقيل
قَطِعَ أَو قَطُعَ، وقَطَعَ الله عُمُرَه على المَثَلِ. وفي التنزيل:
فَقُطِعَ دابِرُ القوم الذين ظَلَموا؛ قال ثعلب: معناه استُؤْصِلُوا من
آخرهم.ومَقْطَعُ كل شيءٍ ومُنْقَطَعُه: آخره حيث يَنْقَطِعُ كمَقاطِعِ
الرِّمالِ والأَوْدِيةِ والحَرَّةِ وما أَشبهها. ومَقاطِيعُ الأَوديةِ:
مآخيرُها. ومُنْقَطَعُ كلِّ شيءٍ: حيث يَنْتَهي إِليه طَرَفُه. والمُنْقَطِعُ:
الشيءُ نفسُه. وشرابٌ لذيذُ المَقْطَعِ أَي الآخِر والخاتِمَةِ. وقَطَعَ
الماءَ قَطْعاً: شَقَّه وجازَه. وقطَعَ به النهرَ وأَقْطَعَه إِياه
وأَقطَعَه به: جاوَزَه، وهو من الفصل بين الأَجزاء. وقَطَعْتُ النهر قَطْعاً
وقُطُوعاً: عَبَرْتُ. ومَقاطِعُ الأَنهار: حيث يُعْبَرُ فيه. والمَقْطَعُ:
غايةُ ما قُطِعَ. يقال: مَقْطَعُ الثوبِ ومَقْطَعُ الرمْلِ للذي لا رَمْلَ
وراءه. والمَقْطَعُ: الموضع الذي يُقْطَعُ فيه النهر من المَعابرِ.
ومَقاطِعُ القرآنِ: مواضعُ الوقوفِ، ومَبادِئُه: مواضعُ الابتداءِ. وفي حديث
عمر، رضي الله عنه، حين ذَكَر أَبا بكر، رضي الله عنه: ليس فيكم مَنْ
تَقَطَّعُ عليه
(* قوله« تقطع عليه» كذا بالأصل، والذي في النهاية: دونه)
الأَعْناقُ مثلَ أَبي بكر؛ أَراد أَن السابِقَ منكم الذي لا يَلْحَقُ شَأْوَه
في الفضل أَحدٌ لا يكون مِثْلاً لأَبي بكر لأَنه أَسْبَقُ السابقين؛ وفي
النهاية: أَي ليس فيكم أَحدٌ سابقٌ إِلى الخيراتِ تَقَطَّعُ أَعْناقُ
مُسابقِيه حتى لا يَلْحَقَه أَحدٌ مِثْلَ أَبي بكر، رضي الله عنه. يقال للفرَس
الجَوادِ: تَقَطَّعَت أَعناقُ الخيْلِ عليه فلم تَلْحَقْه؛ وأَنشد ابن
الأَعرابي للبَعِيثِ:
طَمِعْتُ بِلَيْلى أَن تَرِيعَ، وإِنَّما
تُقَطِّعُ أَعناقَ الرِّجالِ المَطامِعُ
وبايَعْتُ لَيْلى في الخَلاءِ، ولم يَكُنْ
شُهُودي على لَيْلى عُدُولٌ مَقانِعُ
ومنه حديث أَبي ذر: فإِذا هي يُقَطَّعُ دونَها السَّرابُ أَي تُسْرِعُ
إِسْراعاً كثيراً تقدمت به وفاتت حتى إن السراب يظهر دونها أَي من ورائها
لبعدها في البر.
ومُقَطَّعاتُ الشيء: طرائقُه التي يتحلَّلُ إِليها ويَتَرَكَّبُ عنها
كَمُقَطَّعاتِ الكلامِ، ومُقَطَّعاتُ الشعْرِ ومَقاطِيعُه: ما تَحَلَّل
إِليه وترَكَّبَ عنه من أَجْزائِه التي يسميها عَرُوضِيُّو العرب الأَسْبابَ
والأَوْتادَ.
والقِطاعُ والقَطاعُ: صِرامُ النخْلِ مِثْلُ الصِّرامِ والصَّرامِ.
وقَطَعَ النخلَ يَقْطَعُه قَطْعاً وقِطاعاً وقَطاعاً؛ عن اللحياني: صرَمه.
قال سيبويه: قَطَعْتُه أَوْصَلْتُ إِليه القَطْعَ واستعملته فيه. وأَقْطَعَ
النخلُ إِقْطاعاً إِذا أَصرَمَ وحانَ قِطاعُه. وأَقْطَعْتُه: أَذِنْتُ
له في قِطاعه.
وانْقَطَعَ الشيءُ: ذهَب وقْتُه؛ ومنه قولهم: انْقَطَعَ البَرْدُ
والحرُّ. وانْقَطَع الكلامُ: وَقَفَ فلم يَمْضِ.
وقَطَعَ لسانه: أَسْكَتَه بإِحسانِه إِليه. وانْقَطَعَ لسانه: ذهبت
سَلاطَتُه. وامرأَة قَطِيعُ الكلامِ إِذا لم تكن سَلِيطةً. وفي الحديث لما
أَنشده العباس ابن مِرْداسٍ أَبياته العينية: اقْطَعُوا عني لِسانه أَي
أَعْطُوه وأَرْضُوه حتى يسكت، فكنى باللسانِ عن الكلامِ. ومنه الحديث: أَتاه
رجل فقال: إِني شاعر، فقال: يا بلال، اقْطَعْ لسانه فأَعطاه أَربعين
درهماً. قال الخطابي: يشبه أَن يكون هذا ممن له حق في بيت المال كابن السبيل
وغيره فتعرّض له بالشعر فأَعطاه لحقه أَو لحاجته لا لشعره.
وأَقْطَعَ الرجلُ إِذا انْقَطَعَت حُجَّتُه وبَكَّتُوه بالحق فلم
يُجِبْ، فهو مُقْطِعٌ. وقَطَعَه قَطْعاً أَيضاً: بَكَّتَه، وهو قَطِيعُ القولِ
وأَقْطَعُه، وقد قَطَعَ وقَطِعَ قَطاعةً. واقْطَعَ الشاعِرُ: انْقَطَعَ
شِعْرُه. وأَقْطََعَت الدجاجةُ مثل أَقَفَّت: انْقَطَعَ بيضُها، قال
الفارسيّ: وهذا كما عادلوا بينهما بأَصْفَى. وقُطِعَ به وانْقُطِعَ وأُقْطِعَ
وأَقْطَعَ: ضَعُفَ عن النكاح. وأُقْطِعَ به إِقْطاعاً، فهو مُقْطَعٌ إِذا
لم يُرِدِ النساءَ ولم يَنْهَض عُجارِمُه. وانْقُطِعَ بالرجل والبعيرِ:
كَلاَّ. وقفطِعَ بفلان، فهو مَقْطُوعٌ به، وانْقُطِعَ به، فهو مُنْقَطَعٌ
به إِذا عجز عن سفره من نَفَقَةٍ ذهبت، أَو قامَت عليه راحِلَتُه، أَو
أَتاه أَمر لا يقدر على أَن يتحرك معه، وقيل: هو إِذا كان مسافراً
فأُبْدِعَ به وعَطِبَت راحلته وذَهَبَ زادُه وماله. وقُطِعَ به إِذا انْقَطَعَ
رَجاؤُهُ. وقُطِعَ به قَطْعاً إِذا قُطِعَ به الطريقُ. وفي الحديث:
فَخَشِينا أَن يُقْتَطَعَ دُونَنا أَي يُؤْخَذَ ويُنْفَرَدَ به. وفي الحديث: ولو
شئنا لاقْتَطَعْناهم. وفي الحديث: كان إِذا أَراد أَن يَقْطَعَ بَعْثاً
أَي يُفْرِدَ قوماً يبعثُهم في الغَزْوِ ويُعَيِّنَهُم من غيرهم. ويقال
للغريب بالبلد: أُقْطِعَ عن أَهله إِقْطاعاً، فهو مُقْطَعٌ عنهم ومُنْقَطِعٌ،
وكذلك الذي يُفْرَضُ لنظرائه ويترك هو. وأَقْطَعْتُ الشيء إِذا
انْقَطَعَ عنك يقال: قد أَقْطَعْتُ الغَيْثَ. وعَوْدٌ مُقْطَعٌ إِذا انْقَطَعَ عن
الضِّراب. والمُقْطَعُ، بفتح الطاءِ: البعير إِذا جَفَرَ عن الصواب؛ قال
النمر بن تَوْلَبٍ يصف امرأَته:
قامَت تَباكَى أَن سَبَأْتُ لِفِتْيةٍ
زِقًّا وخابِيَةً بِعَوْدٍ مُقْطَعِ
وقد أُقْطِعَ إِذا جَفَرَ. وناقةٌ قَطُوعٌ: يَنْقَطِعُ لبنها سريعاً.
والقَطْعُ والقَطِيعةُ: الهِجْرانُ ضِدُّ الوصل، والفعل كالفعل والمصدر
كالمصدر، وهو على المثل. ورجل قَطُوعٌ لإِخْوانه ومِقْطاعٌ: لا يثبت على
مُؤاخاةٍ. وتَقَاطَعَ القومُ: تَصارَمُوا. وتَقَاطَعَتْ أَرْحامُهُمْ:
تَحاصَّتْ. وقَطَعَ رَحِمَه قَطْعاً وقَطِيعةً وقَطَّعَها: عَقَّها ولم
يَصِلْها، والاسم القَطِيعةُ. ورجل قُطَعَةٌ وقُطَعٌ ومِقْطَعٌ وقَطَّاعٌ:
يَقْطَعُ رَحِمَه. وفي الحديث: من زَوَّجَ كَرِيمَةً من فاسِقٍ فقد قَطَعَ
رَحمها، وذلك أَن الفاسِقَ يطلقها ثم لا يبالي أَن يضاجعها. وفي حديث
صِلَةِ الرَّحِمِ: هذا مقام العائذ بك من القَطِيعَةِ؛ القَطِيعَةُ:
الهِجْرانُ والصَّدُّ، وهيَ فَعِيلَةٌ من القَطْعِ، ويريد به ترك البر والإِحسان
إِلى الأَهل والأَقارب، وهي ضِدّ صِلَة الرَّحمِ. وقوله تعالى: أَن تفسدوا
في الأَرض وتُقَطِّعُوا أَرحامَكم؛ أَي تعُودوا إِلى أَمر الجاهلية
فتفسدوا في الأَرض وتَئِدُوا البناتِ، وقيل: تقطعوا أَرحامكم تقتل قريش بني هاشم
وبنو هاشم قريشاً. ورَحِمٌ قَطعاءُ بيني وبينك إِذا لم توصل. ويقال:
مَدّ فلان إِلى فلان بِثَدْيٍ غير أَقْطَعَ ومَتَّ، بالتاء، أَي تَوَسَّلَ
إِليه بقرابة قريبة؛ وقال:
دَعاني فلم أُورَأْ بِه، فأَجَبْتُه،
فَمَدّ بِثَدْيٍ بَيْنَنا غَيْرِ أَقْطَعا
والأُقْطوعةُ: ما تبعثه المرأَة إِلى صاحبتها علامة للمُصارَمةِ
والهِجْرانِ، وفي التهذيب: تبعث به الجارية إِلى صاحبها؛ وأَنشد:
وقالَتْ لِجارِيَتَيْها: اذْهَبا
إِليه بأُقْطُوعةٍ إِذْ هَجَرْ
والقُطْعُ: البُهْرُ لقَطْعِه الأَنفاسَ. ورجل قَطِيعٌ: مَبْهُورٌ
بَيّنُ القَطاعةِ، وكذلك الأُنثى بغير هاء. ورجل قَطِيعُ القيام إِذا وصف
بالضعف أَو السِّمَنِ. وامرأَة قَطُوعٌ وقَطِيعٌ: فاتِرةُ القِيامِ. وقد
قَطُعَتِ المرأَةُ إِذا صارت قَطِيعاً. والقُطْعُ والقُطُعُ في الفرس وغيره:
البُهْرُ وانْقِطاعُ بعض عُرُوقِه. وأَصابه قُطْعٌ أَو بُهْر: وهو النفَس
العالي من السمن وغيره. وفي حديث ابن عمر: أَنه أَصابه قُطْعٌ أَو بهر
فكان يُطْبَخُ له الثُّومُ في الحَسا فيأْكله؛ قال الكسائي: القُطْعُ
الدَّبَرُ
(* قوله «القطع الدبر» كذا بالأصل. وقوله «لأبي جندب» بهامش الأصل بخط
السيد مرتضى صوابه:
وإني إذا ما الصبح آنست ضوءه * يعاودني قطع علي ثقيل
والبيت لأبي خراش الهذلي). وأَنشد أَبو عبيد لأَبي جندب الهذلي:
وإِنِّي إِذا ما آنسٌ . . .* مُقْبَلاً،
(* كذا بياض بالأصل ولعله:
وإني إذا ما آنس شمت مقبلاً،)
يُعاوِدُني قُطْعٌ جَواه طَوِيلُ
يقول: إِذا رأَيت إِنساناً ذكرته. وقال ابن الأَثير: القُطْعُ انْقِطاعُ
النَّفَسِ وضيقُه. والقُطْعُ: البُهْرُ يأْخذ الفرس وغيره. يقال: قُطِعَ
الرجلُ، فهو مقطوعٌ، ويقال للفرس إِذا انْقَطَعَ عِرْقٌ في بطنه أَو
شَحْمٌ: مقطوعٌ، وقد قُطِعَ.
واقْتَطَعْتُ من الشيء قِطْعةً، يقال: اقتَطَعْتُ قَطِيعاً من غنم فلان.
والقِطْعةُ من الشيء: الطائفةُ منه. واقْتَطَعَ طائفة من الشيء: أَخذها.
والقَطِيعةُ: ما اقْتَطَعْتَه منه. وأَقْطَعَني إِياها: أَذِنَ لي في
اقْتِطاعِها. واسْتَقْطَعَه إِياها: سأَلَه أَن يُقْطِعَه إِياها.
وأَقْطَعْتُه قَطِيعةً أَي طائفة من أَرض الخراج. وأَقْطَعَه نهراً: أَباحَه له.
وفي حديث أَبْيَضَ بن حَمّالٍ: أَنه اسْتَقْطَعَه المِلْحَ الذي بِمَأْرِبَ
فأَقْطَعَه إِياه؛ قال ابن الأَثير: سأَله أَن يجعله له إِقطاعاً
يتملَّكُه ويسْتَبِدُّ به وينفرد، والإِقطاعُ يكون تمليكاً وغير تمليك. يقال:
اسْتَقْطَعَ فلان الإِمامَ قَطيعةً فأَقْطَعَه إِيّاها إِذا سأَلَه أَن
يُقْطِعَها له ويبنيها مِلْكاً له فأَعطاه إِياها، والقَطائِعُ إِنما تجوز
في عَفْوِ البلاد التي لا ملك لأَحد عليها ولا عِمارةَ فيها لأَحد
فيُقْطِعُ الإِمامُ المُسْتَقْطِعَ منها قَدْرَ ما يتهيَّأْ له عِمارَتُه
بإِجراء الماء إِليه، أَو باستخراج عين منه، أَو بتحجر عليه للبناء فيه. قال
الشافعي: ومن الإِقْطاعِ إِقْطاعُ إِرْفاقِ لا تمليكٍ، كالمُقاعَدةِ
بالأسواق التي هي طُرُقُ المسلمين، فمن قعد في موضع منها كان له بقدر ما
يَصْلُحُ له ما كان مقيماً فيه، فإِذا فارقه لم يكن له منع غيره منه كأَبنية
العرب وفساطِيطِهمْ، فإِذا انْتَجَعُوا لم يَمْلِكُوا بها حيث نزلوا، ومنها
إِقْطاعُ السكنى. وفي الحديث عن أُمّ العلاءِ الأَنصارية قالت: لما قَدِمَ
النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، المدينةَ أَقْطَع الناسَ الدُّورَ فطار
سَهْمُ عثمانَ ابن مَظْعُونٍ علَيّ؛ ومعناه أَنزلهم في دُورِ الأَنصارِ
يسكنونها معهم ثم يتحوّلون عنها؛ ومنه الحديث: أَنه أَقْطَعَ الزبير نخلاً،
يشبه أَنه إِنما أَعطاه ذلك من الخُمُسِ الذي هو سَهْمُه لأَنَّ النخل
مالٌ ظاهِرُ العين حاضِرُ النفْعِ فلا يجوز إِقْطاعُه، وكان بعضهم يتأَوّل
إِقْطاعَ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، المهاجرين الدُّورَ على معنى
العارِيّةِ، وأَما إِقْطاعُ المَواتِ فهو تمليك. وفي الحديث في اليمين: أَو
يَقْتَطِعَ بها مالَ امرئٍ مُسْلِمٍ أَي يأْخذه لنفسه متملكاً، وهو
يَفْتَعِلُ من القَطْعِ. ورجل مُقْطَعٌ: لا دِيوانَ له. وفي الحديث: كانوا أَهلَ
دِيوانٍ أَو مُقْطَعِينَ، بفتح الطاء، ويروى مُقْتَطِعينَ لأَن الجند لا
يَخْلُونَ من هذين الوجهين.
وقَطَعَ الرجلُ بحبل يَقْطَعُ قَطْعاً: اخْتَنَقَ به. وفي التنزيل:
فَلْيَمْدُدْ بسبب إِلى السماء ثم ليَقْطَعْ فلينظر؛ قالوا: لِيَقْطَعْ أَي
لِيَخْتَنِقْ لأَن المُخْتَنِقَ يَمُدّ السبب إِلى السقف ثم يَقْطَعُ نفسَه
من الأَرض حتى يختنق، قال الأَزهري: وهذا يحتاج إِلى شرح يزيد في إِيضاحه،
والمعنى، والله أَعلم، من كان يظن أَن لن ينصر الله محمداً حتى يظهره على
الدين كله فليمت غيظاً، وهو تفسير قوله فليمدد بسَبَبٍ إِلى السماء،
والسببُ الحبل يشدّه المختنق إِلى سَقْفِ بيته، وسماءُ كل شيء سقفه، ثم ليقطع
أَي ليمد الحبل مشدُوداً في عنقه مدّاً شديداً يُوَتِّرُه حتى ينقطع فيموت
مختنقاً؛ وقال الفراء: أَراد ليجعل في سماء بيته حبلاً ثم ليختنق به، فذلك
قوله ثم ليقطع اختناقاً. وفي قراءة عبد الله: ثم ليقطعه، يعني السبب وهو
الحبل، وقيل: معناه ليمد الحبل المشدود في عنقه حتى ينقطعَ نفَسُه
فيموتَ.وثوبٌ يَقْطَعُكَ ويُقْطِعُكَ ويُقَطِّعُ لك تَقْطِيعاً: يَصْلُح عليك
قميصاً ونحوَه. وقال الأَزهري: إِذا صلح أَن يُقْطَعَ قميصاً، قال
الأَصمعي: لا أَعرف هذا ثوب يَقْطَعُ ولا يُقَطِّعُ ولا يُقَطِّعُني ولا
يَقْطَعُني، هذا كله من كلام المولّدين؛ قال أَبو حاتم: وقد حكاه أَبو عبيدة عن
العرب.
والقُطْعُ: وجَعٌ في البطن ومَغَسٌ. والتقطِيعُ مَغَسٌ يجده الإِنسان في
بطنه وأَمْعائِه. يقال: قُطِّعَ فلان في بطنه تَقْطِيعاً.
والقَطِيعُ: الطائفة من الغنم والنعم ونحوه، والغالب عليه أَنه من عشر
إِلى أَربعين، وقيل: ما بين خمس عشرة إِلى خمس وعشرين، والجمع أَقْطاعٌ
وأَقْطِعةٌ وقُطْعانٌ وقِطاعٌ وأَقاطِيعُ؛قال سيبويه: وهو مما جمع على غير
بناء واحده، ونظيره عندهم حديثٌ وأَحاديثُ. والقِطْعةُ: كالقَطِيع.
والقَطِيعُ: السوط يُقْطَعُ من جلد سير ويعمل منه، وقيل: هو مشتق من القَطِيعِ
الذي هو المَقْطُوعُ من الشجر، وقيل: هو المُنْقَطِعُ الطرَف، وعَمَّ أَبو
عبيد بالقَطِيعِ، وحكى الفارسي: قَطَعْتُه بالقَطِيع أَي ضربته به كما
قالوا سُطْتُه بالسوط؛ قال الأَعشى:
تَرى عَينَها صَغْواءَ في جَنْبِ مُوقِها،
تُراقِبُ كَفِّي والقَطِيعَ المُحَرَّما
قال ابن بري: السوط المُحَرَّمُ الذي لم يُليَّن بَعْد. الليث:
القَطِيعُ السوط المُنْقَطِعُ. قال الأَزهري: سمي السوط قَطِيعاً لأَنهم يأْخذون
القِدّ المُحَرَّمَ فيَقْطَعونه أَربعة سُيُور، ثم يَفْتِلونه ويَلْوُونه
ويتركونه حتى يَيْبَسَ فيقومَ قِياماً كأَنه عَصاً، سمي قَطِيعاً لأَنه
يُقْطَعُ أَربع طاقات ثم يُلْوى.
والقُطَّعُ والقُطَّاعُ: اللُّصوص يَقْطَعون الأَرض. وقُطَّاعُ الطريق:
الذين يُعارِضون أَبناءَ السبيل فيَقْطَعون بهم السبيلَ.
ورجل مُقَطَّعٌ: مُجَرَّبٌ. وإِنه لحسَنُ التقْطِيع أَي القَدِّ. وشيء
حسن التقْطِيعِ إِذا كان حسن القَدِّ. ويقال: فلان قَطِيعُ فلان أَي
شَبيهُه في قَدِّه وخَلْقِه، وجمعه أَقْطِعاءُ.
ومَقْطَعُ الحقِّ: ما يُقْطَعُ به الباطل، وهو أَيضاً موضع التِقاءِ
الحُكْمِ، وقيل: هو حيث يُفْصَلُ بين الخُصومِ بنص الحكم؛ قال زهير:
وإِنَّ الحَقَّ مَقْطَعُه ثَلاثٌ:
يَمِينٌ أَو نِفارٌ أَو جَلاءُ
ويقال: الصوْمُ مَقْطَعةٌ للنكاح.
والقِطْعُ والقِطْعةُ والقَطِيعُ والقِطَعُ والقِطاعُ: طائفة من الليل
تكون من أَوّله إِلى ثلثه، وقيل للفزاريِّ: ما القِطْعُ من الليل؟ فقال:
حُزْمةٌ تَهُورُها أَي قِطْعةٌ تَحْزُرُها ولا تَدْرِي كمْ هِيَ.
والقِطْعُ: ظلمة آخر الليل؛ ومنه قوله تعالى: فأَسْرِ بأَهلك بقِطْعٍ من الليل؛
قال الأَخفش: بسواد من الليل؛ قال الشاعر:
افْتَحي الباب، فانْظُري في النُّجومِ،
كَمْ عَلَيْنا مِنْ قِطْعِ لَيْلٍ بَهِيمِ
وفي التنزيل: قِطَعاً من الليل مظلماً، وقرئ: قِطْعاً، والقِطْعُ: اسم
ما قُطِعَ. يقال: قَطَعْتُ الشيءَ قَطْعاً، واسم ما قُطِعَ فسقط قِطْعٌ.
قال ثعلب: من قرأَ قِطْعاً، جعل المظلم من نعته، ومن قرأَ قِطَعاً جعل
المظلم قِطَعاً من الليل، وهو الذي يقول له البصريون الحال. وفي الحديث:
إِنَّ بين يَدَيِ الساعة فِتَناً كقِطْعِ الليل المُظْلِمِ؛ قِطْعُ الليلِ
طلئفةٌ منه وقِطْعةٌ، وجمع القِطْعةِ قِطَعٌ، أَراد فتنة مظلمة سوْداءَ
تعظيماً لشأْنها.
والمُقَطَّعاتُ من الثيابِ: شِبْه الجِبابِ ونحوها من الخَزِّ وغيره. وفي
التنزيل: قُطِّعَتْ لهم ثيابٌ من نار؛ أَي خِيطَتْ وسُوِّيَتْ وجُعِلَتْ
لبَوساً لهم. وفي حديث ابن عباس في صفة نخل الجنة قال: نخل الجنة سَعَفُها
كِسْوةٌ لأَهل الجنة منها مُقَطَّعاتُهم وحُلَلُهم؛ قال ابن الأَثير: لم
يكن يَصِفُها بالقِصَر لأَنه عيب. وقال ابن الأَعرابي: لا يقال للثياب
القِصار مُقَطَّعاتٌ، قال شمر: ومما يقوِّي قوله حديث ابن عباس في وصف
سَعَفِ الجنة لأَنه لا يصف ثياب أَهل الجنة بالقَصَرِ لأَنه عيب، وقيل:
المقطَّعات لا واحد لها فلا يقال لجملة للجُبّةِ القصيرة مُقَطَّعةٌ، ولا
للقَمِيصِ مُقَطَّعٌ، وإِنما يقال الثياب القصار مُقَطَّعات، وللواحد ثوب. وفي
الحديث: أَن رجلاً أَتى النبي، صلى الله عليه وسلم، وعليه مُقَطَّعاتٌ
له؛ قال ابن الأَثير: أَي ثياب قصار لأَنها قُطِعَتْ عن بلوغ التمام،
وقيل: المُقَطَّع من الثياب كلُّ ما يُفَصَّلُ ويُخاطُ من قميصٍ وجِبابٍ
وسَراوِيلاتٍ وغيرها، وما لا يقطع منها كالأَردية والأُزُر والمَطارِفِ
والرِّياطِ التي لم تقطع، وإِنما يُتَعَطَّفُ بها مرَّة ويُتَلَفَّعُ بها
أُخرى؛ وأَنشد شمر لرؤبة يصف ثوراً وحشيّاً:
كأَنَّ نِصْعاً فَوْقَه مُقَطَّعا،
مُخالِطَ التَّقْلِيصِ، إِذْ تَدَرَّعا
(* وقوله« كأن إلخ» سيأتي في نصع: تخال بدل كأن.)
قال ابن الأَعرابي: يقول كأَنَّ عليه نِصْعاً مُقَلَّصاً عنه، يقول:
تخال أَنه أُلْبِسَ ثوباً أَبيض مقلصاً عنه لم يبلغ كُراعَه لأَنها سُود لست
على لونه؛ وقول الراعي:
فَقُودُوا الجِيادَ المُسْنِفاتِ، وأَحْقِبوا
على الأَرْحَبِيّاتِ الحَديدَ المُقَطَّعا
يعني الدروع. والحديدُ المُقَطَّعُ: هو المتخذ سلاحاً. يقال: قطعنا
الحديد أَي صنعناه دُروعاً وغيره من السِّلاح. وقال أَبو عمرو: مُقَطَّعاتُ
الثياب والشِّعرْ قِصارُها. والمقطَّعات: الثياب القصار، والأَبياتُ
القِصارُ، وكل قصيرٍ مُقَطَّعٌ ومُتَقَطِّعٌ؛ ومنه حديث ابن عباس:وقتُ صلاةِ
الضُّحى إِذا تقَطَّعتِ الظِّلالُ، يعين قَصُرَتْ لأَنها تكون ممتدة في
أَول النهار، فكلما ارتفعت الشمسُ تَقَطَّعَتِ الظِّلالُ وقصرت، وسميت
الأَراجيز مُقَطِّعاتِ لقصرها، ويروى أَن جرير بن الخَطَفى كان بينه وبين رؤبة
اختلاف في شيء فقال: أَما والله لئن سَهِرْتُ له ليلة لأَدَعَنَّه
وقلَّما تغني عنه مقطَّعاته، يعني أَبيات الرجز. ويقال للرجُل القصير: إِنه
لَمُقَطَّعٌ مُجَذَّرٌ.
والمِقْطَعُ: مثالٌ يُقْطَعُ عليه الأَديم والثوب وغيره. والقاطِعُ:
كالمِقْطَعِ اسم كالكاهل والغارِبِ. وقال أَبو الهيثم: إِنما هو القِطاعُ لا
القاطِعُ، قال: وهو مثل لِحافٍ ومِلْحَفٍ وقِرامٍ ومِقْرَمٍ وسِرادٍ
ومِسْرَدٍ.
والقِطْعُ: ضرب من الثياب المُوَشَّاةِ، والجمع قُطوعٌ. والمُقَطَّعاتُ:
بُرود عليها وشْيٌ مُقَطَّعٌ. والقِطْعُ: النُّمْرُقةُ أَيضاً.
والقِطْعُ: الطِّنْفِسةُ تكون تحت الرَّحْلِ على كَتِفَيِ البعير، والجمع كالجمع؛
قال الأَعشى:
أَتَتْكَ العِيسُ تَنْفَحُ في بُراها،
تَكَشَّفُ عن مَناكِبها القُطوعُ
قال ابن بري: الشعر لعبد الرحمن بن الحكم بن أَبي العاص يمدح معاوية
ويقال لِزيادٍ الأَعْجَمِ؛ وبعده:
بأَبيَضَ مِنْ أُمَيَّةَ مَضْرَحِيٍّ،
كأَنَّ جَبِينَه سَيْفٌ صَنِيعُ
وفي حديث ابن الزبير والجِنِّيِّ: فجاء وهو على القِطع فنَفَضَه،
وفُسِّرَ القِطْعُ بالطِّنْفِسةِ تحت الرَّحْلِ على كتفي البعير.
وقاطَعَه على كذا وكذا من الأَجْرِ والعَمَلِ ونحوه مُقاطعةً.
قال الليث: ومُقَطَّعةُ الشعَر هناتٌ صِغار مثل شعَرِ الأَرانِبِ؛ قال
الأَزهري: هذا ليس بشيء وأُراه إِنما أَراد ما يقال للأَرْنَبِ السريعة؛
ويقال للأَرنب السريعة: مُقَطِّعةُ الأَسْحارِ ومقطِّعةُ النِّياطِ
ومقطِّعةُ السحورِ كأَنها تَقْطَعُ عِرْقاً في بطن طالبها من شدّةِ العَدْوِ،
أَو رِئاتِ من يَعْدُو على أَثرها ليصيدها، وهذا كقولهم فيها مُحَشِّئةُ
الكِلاب، ومن قال النِّياطُ بُعْدُ المَفازةِ فهي تَقْطَعُه أَيضاً أَي
تُجاوِزُه؛ قال يصف الأَرنب:
كأَنِّي، إِذْ مَنَنْتُ عليكَ خَيْري،
مَنَنْتُ على مُقَطِّعةِ النِّياطِ
وقال الشاعر:
مَرَطى مُقَطِّمةٍ سُحُورَ بُغاتِها
مِنْ سُوسِها التَّوْتِيرُ، مهما تُطْلَبِ
ويقال لها أَيضاً: مُقَطِّعةُ القلوب؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
كأَنِّي، إِذْ مَنَنْتُ عليكَ فَضْلي،
مَنَنْتُ على مُقَطِّعةِ القُلُوبِ
أُرَيْنِبِ خُلّةٍ، باتَتْ تَغَشَّى
أَبارِقَ، كلُّها وَخِمٌ جَدِيب
ويقال: هذا فرس يُقَطِّعُ الجَرْيَ أَي يجري ضُرُوباً من الجَرْيِ
لِمَرحِه ونشاطِه. وقَطَّعَ الجَوادُ الخيلَ تَقْطِيعاً: خَلَّفَها ومضى؛ قال
أَبو الخَشْناءِ، ونسبه الأَزهري إِلى الجعدي:
يُقَطِّعُهُنَّ بِتَقْرِيبه،
ويَأْوي إِلى حُضُرٍ مُلْهِبِ
ويقال: جاءت الخيل مُقْطَوْطِعاتٍ أَي سِراعاً بعضها في إِثر بعض. وفلان
مُنْقَطِعُ القَرِينِ في الكرم والسّخاء إِذا لم يكن له مِثْلٌ، وكذلك
مُنْقَطِعُ العِقالِ في الشرّ والخُبْثِ؛ قال الشماخ:
رأَيْتُ عَرابَةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو
إِلى الخَيْراتِ، مُنْقَطِعَ القَرِينِ
أَبو عبيدة في الشِّياتِ: ومن الغُرَرِ المُتَقَطِّعةُ وهي التي
ارْتَفَعَ بياضُها من المَنْخَرَيْنِ حتى تبلغ الغُرَّةُ عينيه دون جَبْهته. وقال
غيره: المُقَطَّعُ من الحَلْي هو الشيء اليسيرُ منه القليلُ،
والمُقَطَّعُ من الذَّهَبِ اليسِيرِ كالحَلْقةِ والقُرْطِ والشَّنْفِ والشَّذْرةِ
وما أَشبهها؛ ومنه الحديث: أَنه نَهى عن لُبْسِ الذهب إِلا مُقَطَّعاً؛
أَراد الشيء اليسير وكره الكثير الذي هو عادة أَهل السَّرَفِ والخُيَلاء
والكِبْر، واليسيرُ هو ما لا تجب فيه الزكاة؛ قال ابن الأَثير: ويشبه أَن
يكون إِنما كره استعمال الكثير منه لأَن صاحبه ربما بَخِلَ بإِخراج زكاته
فيأْثم بذلك عند منْ أَوْجَب فيه الزكاةَ. وقَطَّعَ عليه العذابَ:
لوَّنَه وجَزَّأَه ولَوَّنَ عليه ضُرُوباً من العذاب. والمُقَطَّعاتُ:
الدِّيارُ. والقَطِيعُ: شبيه بالنظير. وأَرض قَطِيعةٌ: لا يُدْرى أَخُضْرَتُها
أَكثر أَم بياضُها الذي لا نبات به، وقيل: التي بها نِقاطٌ من الكَلإِ.
والقُطْعةُ: قِطْعةٌ من الأَرض إِذا كانت مَفْروزةً، وحكي عن أَعرابي
أَنه قال: ورثت من أَبي قُطْعةً. قال ابن السكيت: ما كان من شيء قُطِعَ من
شيء، فإِن كان المقطوعُ قد يَبْقى منه الشيء ويُقْطَعُ قلت: أَعطِني
قِطْعةً، ومثله الخِرْقةُ، وإِذا أَردت أَن تجمع الشيء بأَسره حتى تسمي به
قلت: أَعْطِني قُطْعةً، وأَما المرة من الفِعْل فبالفتح قَطَعْتُ قَطْعةً،
وقال الفراء: سمعت بعض العرب يقول غَلَبَني فلان على قُطْعةٍ من الأَرض،
يريد أَرضاً مَفْروزةً مثل القِطْعةِ، فإِن أَردت بها قِطْعةً من شيء
قُطِعَ منه قلت قِطْعةٍ. وكل شيء يُقْطَعُ منه، فهو مَقْطَع. والمَقْطَعُ:
موضع القَطْعِ. والمَقْطعُ: مصدر كالقَطْعِ. وقَطَّعْتُ الخمر بالماء إِذا
مَزَجْتَه، وقد تَقَطَّعَ فيه الماءُ؛ وقال ذو الرمة:
يُقَطِّعُ مَوْضُوعَ الحَدِيثِ ابْتِسامُها،
تَقَطُّعَ ماءِ المُزْنِ في نُزَفِ الخَمْر
موضوعُ الحديثِ: مَحْفُوظُه وهو أَن تخْلِطَه بالابْتِسام كما يُخْلَطُ
الماءُ بالخَمْرِ إِذا مُزِجَ. وأَقْقَعَ القومُ
(* قوله« القوم» بهامش
الأصل صوابه: القرم.) إِذا انْقَطَعَتْ مِياهُ السماء فرجَعوا إِلى أَعدادِ
المياهِ؛ قال أَبو وَجْزةَ:
تَزُورُ بيَ القومَ الحَوارِيّ، إِنهم
مَناهلُ أَعدادٌ، إِذا الناسُ أَقْطَعوا
وفي الحديث: كانت يهودُ قوماً لهم ثِمارٌ لا تُصِيبها قُطْعةٌ أَي عَطَشٌ
بانْقِطاعِ الماءِ عنها. ويقال: أَصابت الناسَ قُطْعةٌ أَي ذَهَبَتْ
مِياهُ رَكاياهُم. ويقال للقوم إِذا جَفَّتْ مِياهُهم قُطْعةٌ مُنْكَرةٌ.
وقد قَطَعَ ماءُ قَلِيبِكُم إِذا ذهَب أَو قلّ ماؤه. وقَطَعَ الماءُ
قُطُوعاً وأَقْطَعَ؛ عن ابن الأَعرابي: قلَّ وذهب فانْقَطَعَ، والاسم
القُطْعةُ. يقال: أَصابَ الناسَ قُطْعٌ وقُطْعةٌ إِذا انْقَطَعَ ماءُ بئرهم في
القيظ. وبئر مِقْطاعٌ: يَنْقَطِعُ ماؤها سريعاً. ويقال: قَطَعْتُ الحوْضَ
قَطْعاً إِذا مَلأْتَه إِلى نصْفِه أَو ثُلثه ثم قَطَعْتُ الماء؛ ومنه قول
ابن مقبل يذكر الإِبل:
قَطَعْنا لَهُنَّ الحوْضَ فابْتَلَّ شَطْرُه
بِشِرْبٍ غشاشٍ، وهْوَ ظَمْآنُ سائِرُهْ
أَي باقِيه. وأَقْطَعَت السماء بموضع كذا إِذا انْقَطعَ المطر هناك
وأَقْلَعَتْ. يقال: مَطَرَتِ السماءُ ببلد كذا وأَقْطَعَتْ ببلد كذا.
وقَطَعَتِ الطَّيْرُ قَطاعاً وقِطاعاً وقُطوعاً واقْطوطعَت: انْحَدَرَت من بلاد
البرد إِلى بلاد الحر. والطير تَقْطَعُ قُطُوعاً إِذا جاءت من بلد إِلى بلد
في وقت حر أَو برد،وهي قَواطِعُ. ابن السكيت: كان ذلك عند قَطاعِ الطير
وقَطاعِ الماءِ، وبعضهم يقول قُطُوعِ الطير وقُطوعِ الماء، وقَطاعُ الطير:
أَن يجيء من بلد إِلى بلد، وقَطاعُ الماء: أَن َينْقَطِعَ. أَبو زيد:
قطَعَتِ الغِرْبانُ إِلينا في الشتاء قُطُوعاً ورجعت في الصيف رُجُوعاً،
والطير التي تقيم ببلد شِتاءَها وصَيْفها هي الأَوابدُ، ويقال: جاءَت الطير
مُقْطَوْطِعاتٍ وقَواطِعَ بمعنى واحد. والقُطَيْعاءُ، ممدود مثال
الغُبَيْراءِ: التمر الشِّهْرِيزُ، وقال كراع: هو صِنْفٌ من التمر فلم يُحَلِّه؛
قال:
باتُوا يُعَشُّونَ القُطَيْعاءَ جارَهُمْ،
وعِنْدَهُمُ البَرْنيُّ في جُلَلٍ دُسْمِ
وفي حديث وفد عبد القيس: تَقْذِفُونَ فيه من القُطَيْعاءِ، قال: هو نوع
من التمر، وقيل: هو البُسْرُ قبل أَن يُدْرِكَ. ويقال: لأَقْطَعَنَّ
عُنُقَ دابتي أَي لأَبيعنها؛ وأَنشد لأَعرابي تزوج امرأَة وساق إِليها
مَهْرَها إِبلاً:
أَقُولُ، والعَيْساءُ تَمْشي والفُصُلْ
في جِلّةٍ منها عَرامِيسٌ عُطُلْ:
قَطَّعَتِ الأَحْراجُ أَعناقَ الإِبلْ
ابن الأَعرابي: الأَقْطَعُ الأَصم؛ قال وأَنشدني أَبو المكارم:
إِنَّ الأُحَيْمِرَ، حين أَرْجُو رِفْدَه
عُمُراً، لأَقْطَعُ سَيِّءُ الإِصْرانِ
قال: الإِصْرانُ جمع إِصْرٍ وهو الخِنَّابةُ، وهو شَمُّ الأَنْفِ.
والخِنَّابَتانِ: مَجْرَيا النفَسِ من المَنْخَرَيْنِ. والقُطْعَةُ في طَيِّءٍ
كالعَنْعَنة في تَميمٍ، وهو أَن يقول: يا أَبا الحَكا، يريد يا أَبا
الحَكَمِ، فيَقْطَعُ كلامه. ولبن قاطِعٌ أَي حامِضٌ.
وبنو قُطَيْعةَ: قبيلة حيٌّ من العرب، والنسبة إِليهم قُطَعِيٌّ. وبنو
قُطْعةَ: بطن أَيضاً. قال الأَزهري: في آخر هذه الترجمة: كلّ ما مر في هذا
الباب من هذه الأَلفاظ فالأَصل واحد والمعاني مُتَقارِبةٌ وإِن اختلفت
الأَلفاظ، وكلام العرب يأْخذ بعضه برقاب بعض، وهذا دليل على أَنه أَوسع
الأَلسنة.
رسم: الرَّسْمُ: الأَثَرُ، وقيل: بَقِيَّةُ الأَثَر، وقيل: هو ما ليس له
شخص من الآثار، وقيل: هو ما لَصِقَ بالأَرض منها. ورَسْمُ الدار: ما كان
من آثارها لاصقاً بالأرض، والجمع أَرْسُمٌ ورُسومٌ. ورَسَمَ الغيث
الدار: عَفّاها وأَبقى فيها أثراً لاصقاً بالأرض؛ قال الحُطَيئَةُ:
أَمِنْ رَسْم دارٍ مُرْبِعٌ ومُصِيفُ،
لعَينيك من ماءِ الشُّؤُون وكِيفُ؟
رفع مُرْبِعاً بالمصدر الذي هو رَسْمٌ، أراد: أمن أن رَسَمَ مُرْبِعٌ
ومُصيفٌ داراً.
وتَرَسَّمَ الرَّسْمَ: نظر إليه. وتَرَسَّمْتُ أي نظرت إلى رُسُوم
الدار. وتَرَسَّمْتُ المنزل: تأملت رَسْمَهُ وتَفَرَّسْتُهُ؛ قال ذو
الرمة:أَأَنْ تَرَسَّمْتَ من خَرْقاء مَنْزِلَةً
ماءُ الصَّبابةِ، من عَيْنَيْك، مَسْجُومُ؟
وكذلك إذا نظرت وتفرسْت أين تحفر أو تبني؛ وقال:
الله أَسْقاك بآل الجَبّار
تَرَسُّم الشيخ وضَرْب المِنْقار
والرَّوْسَمُ: كالرَّسْمِ؛ وأنشد ابن بري للأَخْطل:
أَتَعْرِفُ من أَسْماءَ بالجُدِّ رَوْسَما
مُحِيلاً، ونُؤْياً دارِساً مُتَهَدِّما؟
والرَّوْسَمُ: خشبة فيها كتاب منقوش يُخْتَمُ بها الطعامُ، وهو بالشين
المعجمة أَيضاً. ويقال: الرَّوْسَمُ شيء تجلى به الدنانير؛ قال كثيِّر:
من النَّفَرِ البِيضِ الذين وُجُوهُهُمْ
دَنانيرُ شِيفَتْ، من هِرَقْلٍ، برَوْسَمِ
ابن سيده: الرَّوْسَمْ الطابَعُ، والشين لغة، قال: وخص بعضهم به
الطابَعَ الذي يُطْبَعُ به رأَس الخابية، وقد جاء في الشعر: قُرْحة برَوْسَمِ أي
بوجه الفرس. وإن عليه لرَوْسَماً أي علامة حسنٍ أو قُبح؛ قاله خالد بن
جبلة، والجمع الرَّواسِمُ والرَّواسِيمُ؛ قال أبو تراب: سمعت عَرَّاماً
يقول هو الرَّسْمُ والرَّشْمُ للأَثر. ورَسَمَ على كذا ورَشَمَ إذا كتب.
وقال أبو عمرو: يقال للذي يطبع به رَوْسَمٌ ورَوْشَمٌ وراسُوم وراشُوم مثل
رَوْسَمِ الأَكْداسِ ورَوْسَم الأَمير؛ قال ذو الرمة:
ودِمْنة هَيَّجَتْ شَوْقي مَعالِمُها،
كأنها بالهِدَمْلاتِ الرَّواسِيمُ
والرَّواسيم: كُتب كانت في الجاهلية، والهِدَمْلاتُ: رِمال معروفة
بناحية الدَّهناء؛ وناقة رَسُومٌ.
وثوب مُرَسَّمٌ، بالتشديد: مخطَّط؛ وفي حديث زَمْزَمَ: فرُسِّمَتْ
بالقَباطِيّ والمَطارِف حتى نزحوها أي حشوها حشواً بالغاً، كأَنه مأْخوذ من
الثياب المُرَسَّمَةِ، وهي المخططة خطوطاً خَفِيَّة.
ورَسَمَ في الأرض: غاب. والرَّاسِمُ: الماء الجاري. وناقة رَسُومٌ: تؤثر
في الأرض من شدة الوطء. ورَسَمَتِ الناقة تَرْسِمُ رَسِيماً: أَثَّرَتْ
في الأرض من شدة وطئها، وأَرْسَمْتها أنا؛ فأما قول الهذلي:
والمُرْسِمون إلى عبد العَزيز بها
مَعاً وشَتَّى، ومن شَفْعٍ وفُرَّادِ
إنما أراد المُرْسموها فزاد الباء وفصل بها بين الفعل ومفعوله.
والرَّسْمُ: الركِيّةُ تدفنها الأرض، والجمع رِسامٌ.
وارْتَسَم الرجل: كَبَّرَ ودعا. والارْتِسامُ: التكبير والتَّعَوُّذ؛
قال القطامي:
في ذي جُلُولٍ يُقَضِّي المَوْتَ صاحبُهُ،
إذا الصَّرارِيُّ من أَهواله ارْتَسَما
وقال الأعشى:
وقابَلَها الريحُ في دَنِّها،
وصَلَّى على دَنِّها وارْتَسَمْ
قال أبو حنيفة: ارْتَسَمَ ختم إناءَها الرَّوْسَمِ، قال: وليس بقوي.
والرَّوْسَبُ والرَّوْسَمُ: الداهية. والرَّسِيمُ من سير الإبل: فوق
الذَّميل، وقد رَسَمَ يَرْسِمُ، بالكسر، رَسِيماً، ولا يقال أَرْسَمَ؛ وقول
حُمَيْدِ بن ثَوْرٍ:
أَجَدَّتْ برِجْلَيْها النَّجاءَ وكَلَّفَتْ
بعيرَيْ غلامَيَّ الرَّسِيمَ، فأَرْسَما
وفي رواية
(* قوله «وفي رواية كلفت إلخ» كذا هو بالأصل ولعله غلامي
بعيري).
. . . . كَلَّفَتْ
غلامي الرَّسِيم فأَرسما
قال أبو حاتم: إنما أراد أَرسم الغلامان بعيريهما ولم يرد أَرْسَمَ
البعيرُ.
والرَّسُومُ: الذي يبقى على السير يوماً وليلة. وفي الحديث: لما بلغ
كُراع الغَمِيم إذا الناسُ يَرْسِمُونَ نحوه أي يذهبون إليه سراعاً،
والرَّسِيمُ: ضرب من السير سريع مؤثر في الأرض. والرَّسَمُ: حُسْن المشي.
ورَسَمْتُ له كذا فارْتَسَمَه إذا امتَثله. وراسِمٌ: اسم.
حزر: الحَزْرُ حَزْرُك عَدَدَ الشيء بالحَدْس. الجوهري: الحَزْرُ
التقدير والخَرْصُ. والحازِرُ: الخارص. ابن سيده: حَزَرَ الشيء يَحْزُرُه
ويَحْزِرُهُ حَزْراً: قَدَّرَه بالحَدْسِ. تقول: أَنا أَحْزُِرُ هذا الطعام
كذا وكذا قفيزاً. والمَحْزَرَةُ: الحَزْرُ، عن ثعلب. والحَزْرُ من اللبن:
فوق الحامض. ابن الأَعرابي: هو حازِرٌ وحامِزٌ بمعنى واحد. وقد حَزَرَ
اللبنُ والنبيذ أَي حمض؛ ابن سيده: حَزَرَ اللبنُ يَحْزُرُ حَزْراً
وحُزُوراً؛ قال:
وارْضَوْا بِإِحْلاَبَةِ وَطْبٍ قد حَزَرْ
وحَزُرَ كَحَزَرَ وهو
(* قوله: «وهو» أي اللبن الحامض). الحَزْرَةُ؛
وقيل: الحَزْرَةُ ما حَزَرَ بأَيدي القوم من خيار أَموالهم؛ قال ابن سيده:
ولم يفسر حَزَرَ غير أَني أَظنه زَكا أَو ثَبَتَ فَنَمَى. وحَزْرَةُ
المال: خيارُه، وبها سمي الرجل، وحَزِيرتُهُ كذلك، ويقال: هذا حَزْرَةُ نَفْسي
أَي خير ما عندي، والجمع حَزَراتٌ، بالتحريك. وفي الحديث عن النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَنه بعث مُصَدِّقاً فقال له: لا تأْخذ من حَزَرات
أَنْفسِ الناس شيئاً، خذ الشَّارِفَ والبَكْرَ، يعني في الصدقة؛ الحَزَرات،
جمع حَزْرَة، بسكون الزاي: خيار مال الرجل، سميت حَزْرَةً لأَن صاحبها
لميزل يَحْزُرُها في نفسه كلما رآها، سميت بالمرّة الواحدة من الحَزْرِ.
قال: ولهذا أُضيفت إِلى الأَنْفُسِ؛ وأَنشد الأَزهري:
الحَزَراتُ حَزَارتُ النَّفْسِ
أَي هي مما تودُّها النفس؛ وقال آخر:
وحَزْرَةُ الــقلبِ خِيارُ المالِ
قال: وأَنشد شمر:
الحَزَراتُ حَزَراتُ الــقلبِ،
اللُّبُنُ الغِزَارُ غيرُ اللَّحْبِ،
حِقاقُها الجِلادُ عند اللَّزْبِ
وفي الحديث: لا تأْخذوا حَزَارتِ أَموال الناس ونَكِّبُوا عن الطعام،
ويروى بتقديم الراء، وهو مذكور في موضعه. وقال أَبو سعيد: حَزَراتُ
الأَموال هي التي يؤدّيها أَربابها، وليس كلُّ المال الحَزْرَة، قال: وهي
العلائق؛ وفي مثل العرب:
واحَزْرَتِي وأَبْتَغِي النَّوافِلا
أَبو عبيدة: الحَزَارتُ نَقَاوَةُ المال، الذكر والأُنثى سواء؛ يقال: هي
حَزْرَةُ ماله وهي حَزْرَة قلبــه؛ وأَنشد شمر:
نُدافِعُ عَنْهُمْ كلَّ يومِ كريهةٍ،
ونَبْذُِلُ حَزْراتِ النُّفُوسِ ونَصْبِرُ
ومن أَمثال العرب: عَدَا القَارِصُ فَحزَرْ؛ يضرب للأَمر إِذا بلغ غايته
وأَفْعَم.
ابن شميل عن المُنْتَجِع: الحازِرُ دقيق الشعير وله ريح ليس بطيب.
والحَزْرَةُ: موت الأَفاضل.
والحَزْوَرَةُ: الرابية الصغيرة، والجمع الحَزاوِرُ، وهو تلٌّ صغير.
الأَزهري: الحَزْوَرُ المكان الغليظ؛ وأَنشد:
في عَوْسَجِ الوادِي ورَضْمِ الحَزْوَرِ
وقال عباسُ بن مِرْداسٍ:
وذَابَ لُعابُ الشمسِ فيه، وأُزِّرَتْ
به قامِساتٌ من رِعانٍ وحَزْوَرِ
ووجْهٌ حازِرٌ: عابس باسِرٌ. والحَزْوَرُ والحَزَوَّرُ، بتشديد الواو:
الغلام الذي قد شَبَّ قوي؛ قال الراجز:
لَنْ يَعْدَمَ المَطِيُّ مني مِسْفَرا،
شَيْخاً بَجَالاً وغُلاماً حَزْوَرَا
وقال:
لَنْ يَبْعَثُوا شَيْخاً ولا حَزَوَّرَا
بالفاسِ، إِلاَّ الأَرْقَبَ المُصَدَّرَا
والجمع حَزاوِرُ وحَزَاوِرَةٌ، زادوا الهاء لتأْنيث الجمع.
والحَزَوَّرُ: الذي قد انتهى إِدراكه؛ قال بعض نساء العرب:
إِنَّ حِرِي حَزَوَّرٌ حَزابِيَه،
كَوَطْبَةِ الظَّبْيَةِ فَوْقَ الرَّابِيَه
قد جاءَ منه غِلْمَةٌ ثمانيه،
وبَقِيَتْ ثَقْبَتُه كما هِيَه
الجوهري: الحَزَوَّرُ الغلام إِذا اشتدّ وقوي وخَدَمَ؛ وقال يعقوب: هو
الذي كاد يُدْرِكُ ولم يفعل. وفي الحديث: كنا مع رسولُ الله، صلى الله
عليه وسلم، غِلْماناً حَزاوِرَةً؛ هو الذي قارب البلوغ، والتاء لتأْنيث
الجمع؛ ومنه حديث الأَرنب: كنت غلاماً حَزَوَّراً فصدت أَرنباً، ولعله شبهه
بحَزْوَرَةِ الأَرض وهي الرابية الصغيرة. ابن السكيت: يقال للغلام إِذا
راهق ولم يُدْرِكْ بعدُ حَزَوَّرٌ، وإِذا أَدرك وقوي واشتد، فهو حَزَوَّر
أَيضاً؛ قال النابغة:
نَزْعَ الحَزَوَّرِ بالرِّشاءِ المُحْصَدِ
قال: أَراد البالغ القوي. قال: وقال أَبو حاتم في الأَضداد الحَزَوَّرُ
الغلام إِذا اشتدّ وقوي؛ والحَزَوَّرُ: الضعيف من الرجال؛ وأَنشد:
وما أَنا، إِن دَافَعْتُ مِصْراعَ بابِه،
بِذِي صَوْلَةٍ فانٍ، ولا بْحَزَوَّرِ
وقال آخر:
إِنَّ أَحقَّ الناس بالمَنِيَّه
حَزَوَّرٌ ليست له ذُرِّيَّه
قال: أَراد بالحَزَوَّرِ ههنا رجلاً بالغاً ضعيفاً؛ وحكى الأَزهري عن
الأَصمعي وعن المفضل قال: الحَزَوَّرُ، عن العرب، الصغير غير البالغ؛ ومن
العرب من يجعل الحَزْوَرَ البالغ القويَّ البدن الذي قد حمل السلاح؛ قال
أَبو منصور: والقول هو هذا.
ابن الأَعرابي: الحَزْرَةُ النَّبِقَةُ المرّة، وتصغر حُزَيْرَةً.
وفي حديث عبدالله بن الحَمْراءِ: أَنه سمع رسولُ الله، صلى الله عليه
وسلم، وهو واقف بالحَزْوَرَةِ من مكة؛ ال ابن الأَثير: هو موضع عند باب
الحَنَّاطِينَ وهو بوزن قَسْوَرَةٍ. قال الشافعي: الناس يشدّدون
الحَزْوَرَةَ والحُدَيْبِيَةَ، وهما مخففتان.
وحَزِيرانُ بالرومية: اسم شهر قبل تموز.
خون: المَخانَةُ: خَوْنُ النُّصْحِ وخَوْنُ الوُدِّ، والخَوْنُ على محن
شَتَّى
(* قوله «على محن شتى» كذا بالأصل بالتهذيب). وفي الحديث:
المُؤْمِنُ يُطْبَع على كلِّ خُلُقٍ إلا الخِيانَةَ والكَذِب. ابن سيده:
الخَوْنُ أَن يُؤْتَمن الإنسانُ فلا يَنْصَحَ، خانه يَخُونُه خَوْناً
وخِيانةً وخانَةً ومَخانَةً؛ وفي حديث عائشة، رضي الله عنها، وقد تمثلت ببيت لبيد
بن ربيعة:
يتَحَدَّثونَ مَخانَةً ومَلاذَةً،
ويُعابُ قائلُهم، وإن لم يَشْغَبِ.
المَخانة: مصدر من الخيانة، والميم زائدة، وقد ذكره أَبو موسى في الجيم
من المُجُونِ، فتكون الميم أَصلية، وخانَهُ واخْتانه. وفي التنزيل
العزيز: علم الله أَنكم كنتم تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُم؛ أَي بعضُكم بعضاً. ورجل
خائنٌ
وخائنة أَيضاً، والهاء للمبالغة، مثل عَلاَّمة ونَسّابة؛ وأَنشد أَبو
عبيد للكلابي يخاطب قُرَيْناً أَخا عُمَيْرٍ الحَنَفِيِّ، وكان له عنده دم:
أَقُرَيْنُ، إنك لو رأَيْتَ فَوارِسِي
نَعَماً يَبِتْنَ إلى جَوانِبِ صَلْقَعِ
(* قوله «صلقع» هكذا في الأصل.
حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بالوَفاءِ، ولم تَكُنْ
للغَدْرِ خائِنةً مُغِلَّ الإصْبَعِ.
وخَؤُونٌ
وخَوَّانٌ، والجمع خانةٌ وخَوَنةٌ؛ الأَخيرة شاذة؛ قال ابن سيده: ولم
يأْت شيء من هذا في الياء، أَعني لم يجئ مثل سائر وسَيَرة، قال: وإنما شذ
من هذا ما عينه واو لا ياء. وقومٌ خَوَنةٌ كما قالوا حَوَكَة، وقد تقدم
ذكر وجه ثبوت الواو، وخُوَّانٌ، وقد خانه العَهْدَ والأَمانةَ؛ قال: فقالَ
مُجِيباً: والذي حَجَّ حاتِمٌ أَخُونُكَ عهداً، إنني غَيرُ خَوَّانِ
وخَوَّنَ الرجلَ: نَسَبه إلى الخَوْنِ. وفي الحديث: نهى أَن يَطْرُق
الرجلُ أَهلَه ليلاً لئلا يَتَخَوَّنهم أَي يَطْلُبَ خِيانتَهم وعَثَراتِهم
ويَتَّهِمَهُمْ. وخانه سيفُه: نَبا، كقوله: السيفُ أَخوك وربما خانَكَ.
وخانه الدَّهْرُ: غَيَّرَ حالَه من اللِّين إلى الشدة؛ قال الأَعشى:
وخانَ الزمانُ أَبا مالِكٍ،
وأَيُّ امرئٍ لم يخُنْه الزّمَنْ؟
وكذلك تَخَوَّنه. التهذيب: خانه الدهرُ والنعيمُ خَوْناً، وهو تغير حاله
إلى شرٍّ منها، وإذا نَبا سيفُك عن الضَّريبة فقد خانك. وسئل بعضهم عن
السيف فقال: أَخوك وربما خانك. وكلُّ ما غيَّرك عن حالك فقد تَخَوَّنَك؛
وأَنشد لذي الرمة:
لا يَرْفَعُ الطَّرْفَ، إلا ما تَخَوَّنَهُ
دَاعٍ، يُنادِيهِ باسمِ الماء، مَبْغُومُ
قال أَبو منصور: ليس معنى قوله إلا ما تَخَوَّنه حجةً لما احتج له، إنما
معناه إلا ما تَعَهَّده، قال: كذا روى أَبو عبيد عن الأَصمعي أَنه قال:
التَّخَوُّنُ التعهد، وإنما وصفَ وَلَدَ ظَبْيةٍ أَوْدَعْته خَمراً، وهي
تَرْتَع بالقُرْب منه، وتتعهده بالنظر إليه، وتُؤنسه ببُغامِها، وقوله
باسم الماء، الماءُ حكاية دعائها إياه، وقال داع يناديه فذكَّره لأَنه ذهب
به إلى الصوت والنداء. وتَخَوَّنه وخَوَّنه وخَوَّن منه: نقَصه. يقال:
تَخَوَّنني فلانٌ حقي إذا تنَقَّصَك؛ قال ذو الرمة:
لا بَلْ هو الشَّوْقُ من دارٍ تخَوَّنَها
مَرّاً سَحابٌ، ومَرّاً بارِحٌ تَرِبُ
وقال لبيد يصف ناقة:
عُذَافِرَةٌ تُقَمِّصُ بالرُّدَافَى،
تَخَوَّنَها نُزولي وارْتِحالي.
أَي تنَقَّص لحمَها وشَحْمَها. والرُّدَافَى: جمعُ رَدِيفٍ، قال ومثله
لعبْدَةَ بن الطَّبيب:
عن قانِئٍ لم تُخَوِّنْه الأَحاليلُ
وفي قصيد كعب بن زهير:
لم تُخَوِّنْه الأَحاليلُ
وخَوَّنه وتخَوَّنه: تعَهَّدَه. يقال: الحُمَّى تخَوَّنهُ أَي
تعَهَّدُه؛ وأَنشد بيت ذي الرمة:
لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إِلا ما تَخَوَّنَه.
يقول: الغزال ناعِسٌ لا يرفع طرفه إلا أَن تجيءَ أُمه وهي المتعهدة له.
ويقال: إلا ما تنَقَّصَ نومَه دُعاءُ أُمِّه له. والخَوَّانُ: من أَسماء
الأَسد. ويقال: تخَوَّنته الدُّهورُ وتخَوَّفَتْه أَي تنَقَّصَتْه.
والتَّخوُّن له معنيان: أَحدهما التَّنقُّصُ، والآخر التَّعُهُّدُ، ومن جعله
تَعَهُّداً جعل النون مبدلة من اللام، يقال: تخَوَّنه وتخَوَّله بمعنى
واحد. والخَوْنُ: فَتْرة في النظر، يقال للأسد خائنُ العين، من ذلك، وبه سمي
الأَسد خَوَّاناً. وخائِنةُ الأَعْيُنِ: ما تُسارِقُ من النظر إلى ما لا
يَحِلُّ. وفي التنزيل العزيز: يَعْلَمُ خائنةَ الأَعْيُنِ وما تُخْفي
الصُّدُور؛ وقال ثعلب: معناه أَن ينظر نظرةً بريبة وهو نحو ذلك، وقيل:
أَراد يعلم خيانةَ الأَعين، فأَخرج المصدر على فاعلة كقوله تعالى: لا تسمع
فيها لاغِيَةً؛ أَي لَغْواً، ومثله: سمعتُ راغِيَةَ الإِبل وثاغِيَةَ
الشاءِ أَي رُغاءها وثُغاءها، وكل ذلك من كلام العرب، ومعنى الآية أَن الناظر
إذا نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه نظر خيانةٍ يُسِرُّها مسارقة علمها
الله، لأَنه إذا نظر أَول نظرة غير متعمد خيانة غيرُ آثم ولا خائن، فإِن
أَعاد النظر ونيتُه الخيانة فهو خائن النظر. وفي الحديث: ما كان لنبيٍّ
أَن تكونَ له خائنةُ الأَعْيُن أَي يضمر في نفسه غيرَ ما يظهره، فإِذا كف
لسانه وأَومأَ بعينه فقد خان، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قِبَل العين
سميت خائِنَةَ العين، وهو من قوله عز وجل: يعلم خائنة الأَعين؛ أَي ما
يَخُونون فيه من مُسارقة النظر إلى ما لا يحل. والخائِنةُ: بمعنى الخيانة،
وهي من المصادر التي جاءت على لفظ الفاعلة كالعاقبة. وفي الحديث: أَنه
رَدَّ شهادَةَ الخائن والخائنة؛ قال أَبو عبيد: لا نراه خَصَّ به الخِيانةَ
في أَمانات الناس دون ما افترض الله على عباده وأْتمنهم عليه، فإِنه قد
سمى ذلك أَمانة فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تَخُونوا الله والرسولَ
وتَخُونوا أَماناتكم؛ فمن ضَيَّع شيئاً مما أَمر الله به أَو رَكِبَ شيئاً
مما نَهى عنه فليس ينبغي أَن يكون عدلاً. والخُوانُ والخِوَانُ: الذي
يُؤْكل عليه، مََُعَرَّبٌ، والجمع أَخْوِنة في القليل، وفي الكثير خِونٌ. قال
عدِيٌّ: لِخُونٍ مَأْدُوبةٍ وزَمير؛ قال سيبويه: لم يحركوا الواو كراهة
الضمة قبلها والضمة فيها. والإخْوَانُ: كالخِوانِ. قال ابن بري: ونظيرُ
خُوَانٍ وخُونٍ بِوانٌ وبُونٌ، ولا ثالث لهما، قال: وأَما عَوَانٌ وعُونٌ
فإِنه مفتوح الأَول، وقد قيل بُوانٌ، بضم الباء. وقد ذكر ابن بري في ترجمة
بون أَن مثلهما إِوَانٌ وأُوانٌ، ولم يذكر هذا القول ههنا. الليث:
الخِوَان المائدة، مُعرَّبة. وفي حديث الدابة: حتى إن أَهلَ الخِوَانِ
ليجتمعون فيقول هذا يا مؤْمن وهذا يا كافر، وجاءَ في رواية: الإخوان، بهمزة، وهي
لغة فيه. وقوله في حديث أَبي سعيد: فإِذا أَنا بأَخاوِينَ عليها لُحومٌ
منتنة، هي جمع خِوَانٍ وهو ما يوضع عليه الطعامُ عند الأَكل؛ وبالإخوَانِ
فسِّر قول الشاعر: ومَنْحَرِ مِئْناثٍ تَجُرُّ حُوارُها،
ومَوْضِع إِخوانٍ إلى جَنْبِ إخوانِ.
عن أَبي عبيد. والخَوَّانةُ: الاسْتُ. والعرب تسمي ربيعاً
الأَوَّلَ: خَوَّاناً وخُوَّاناً؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وفي النِّصْفِ من خَوَّانَ وَدَّ عَدُوُّنا
بأَنَّه في أَمْعاءِ حُوتٍ لَدَى البَحْرِ
(* قوله: بأنه؛ هكذا في
الأصل، دون إشباع حركة الضمير). قال ابن سيده: وجمعه أَخْوِنة، قال: ولا أَدري
كيف هذا. وخَيْوَانُ: بلد باليمن ليس فَعْلانَ لأَنه ليس في الكلام اسم
عينه ياء ولامه واو، وترك صرفه لأَنه اسم للبقعة؛ قال ابن سيده: هذا
تعليل الفارسي، فأَما رجاءُ بنُ حَيْوَة فقد يكون مقلوباً عن حيَّةٍ فيمن جعل
حَيَّةً من ح و ي، وهو رأْي أَبي حاتم، ويُعَضِّدُه رجل حَوَّاء وحاوٍ
للذي عَمَلُه جمع الحَيّاتِ، وكذلك يُعَضِّدُه أَرض مَحْواة، فأَما
مَحْياةٌ
في هذا المعنى فمُعاقِبَةٌ إِيثاراً للياء، أَو مقلوب عن مَحْوَاة، فلما
نقلت حَيَّةُ إلى العلمية خُصَّت العلمية بإخراجها على الأَصل بعد
الــقلب، وسَهَّلَ ذلك لهم الــقلبُ، إذْ لو أَََعَلُّوا بعد الــقلب، والــقَلْبُ
علةٌ، لتوالى الإِعْلالانِ. وقد قيل عن الفارسي: إن حَيَّة من ح ي ي، وإِن
حَوَّاءَ من باب لآْآءٍ، وقد يكون حَيْوَة فَيْعِلَة من حَوَى يَحْوِي
حَيْوِيَةً، ثم قلبــت الواو ياء للكسرة فاجتمعت ثلاث ياءات، ومثله حَيْيِيَة
فحذفت الياء الأَخيرة فبقي حَيَّة، ثم أُخرجت على الأَصل فقيل حَيْوَة،
فإذا كان حَيْوَةُ مُتَوَجِّهاً على هذين القولين فقد تَأَدَّى ضمانُ
الفارسي أَنه ليس في الكلام شيء عينه ياء ولامه واو البتة. والخَانُ:
الحانُوتُ أَو صاحب الحانوتِ، فارسي معرّب، وقيل: الخانُ الذي
للتِّجارِ.
قال ابن سيده: فأَما ما أَنشده ابن جني من قول بعض المولَّدين:
وقامَتْ إليه خَدْلَةُ السَّاقِ، أَعْلَقَتْ
به منه مَسْمُوماً دُوَيْنَةَ حاجِبِهْ.
قال: فإِني لا أَعرف دون تؤنث بالهاء بعلامة تأْنيث ولا بغير علامة،
أَلا ترى أَن النحويين كلهم قالوا الظروف كلها مذكرة إِلا قُدّام ووراء؟
قال: فلا أَدري ما الذي صغره هذا الشاعر، اللهم إلا أَن يكون قد قالوا هو
دُوَيْنُه، فإِن كان كذلك فقوله دُوَيْنَةَ حاجبه حسن على وجهه؛ وأَدخل
الأَخفش عليه الباءَ فقال في كتابه في القوافي، وقد ذكر أَعرابيّاً أَنشده
شعراً مُكْفَأً: فرددناه عليه وعلى نفر من أَصحابه فيهم مَن ليْسَ
بدُونِه، فأَدخل عليه الباء كما ترى، وقد قالوا: من دُونُ، يريدون من دُونِه،
وقد قالوا: دُونك في الشرف والحسب ونحو ذلك؛ قال سيبويه: هو على المثل كما
قالوا إنه لصُلْبُ القناة وإنه لمن شجرة صالحة، قال: ولا يستعمل مرفوعاً
في حال الإضافة. وأَما قوله تعالى: وإنا منا الصالحون ومنا دُون ذلك؛
فإِنه أَراد ومنا قوم دون ذلك فحذف الموصوف. وثوب دُونٌ: رَدِيٌّ. ورجل
دُونٌ: ليس بلاحق. وهو من دُونِ الناسِ والمتاعِ أَي من مُقارِبِهِما. غيره:
ويقال هذا رجل من دُونٍ، ولا يقال رجلٌ دونٌ، لم يتكلموا به ولم يقولوا
فيه ما أَدْوَنَه، ولم يُصَرَّف فعلُه كما يقال رجل نَذْلٌ
بيِّنُ النَّذَالة. وفي القرآن العزيز: ومنهم دونَ ذلك، بالنصب والموضع
موضع رفع، وذلك أَن العادة في دون أَن يكون ظرفاً
ولذلك نصبوه. وقال ابن الأَعرابي: التَّدَوُّنُ الغنَى التام. اللحياني:
يقال رضيت من فلان بمَقْصِر أَي بأَمر دُونَ ذلك. ويقال: أَكثر كلام
العرب أَنت رجل من دُونٍ وهذا شيء من دُونٍ، يقولونها مع مِن. ويقال: لولا
أَنك من دُونٍ لم تَرْضَ بذا، وقد يقال بغير من. ابن سيده: وقال اللحياني
أَيضاً
رضيت من فلان بأَمر من دُونٍ، وقال ابن جني: في شيءٍ دُونٍ، ذكره في
كتابه الموسوم بالمعرب، وكذلك أَقَلُّ الأَمرين وأَدْوَنُهما، فاستعمل منه
أَفعل وهذا بعيد، لأَنه ليس له فِعْلٌ فتكون هذه الصيغة مبنية منه، وإنما
تصاغ هذه الصيغة من الأفعال كقولك أَوْضَعُ منه وأَرْفَعُ منه، غير أَنه
قد جاء من هذا شيء ذكره سيبويه وذلك قولهم: أَحْنَكُ الشاتَيْنِ
وأَحْنَكُ البعيرين، كما قالوا: آكَلُ الشاتَيْنِ كأَنهم قالوا حَنَك ونحو ذلك،
فإِنما جاؤُوا بأَفعل على نحو هذا ولم يتكلموا بالفعل، وقالوا: آبَلُ
الناس، بمنزلة آبَلُ منه لأَن ما جاز فيه أَفعل جاز فيه هذا، وما لم يجز فيه
ذلك لم يجز فيه هذا، وهذه الأَشياء التي ليس لها فعل ليس القياس أَن يقال
فيها أَفعل منه ونحو ذلك. وقد قالوا: فلان آبَلُ منه كما قالوا أَحْنَكُ
الشاتين. الليث: يقال زيدٌ دُونَك أَي هو أَحسن منك في الحَسَب، وكذلك
الدُّونُ يكون صفة ويكون نعتاً على هذا المعنى ولا يشتق منه فعل. ابن
سيده: وادْنُ دُونَك أَي قريباً
(* قوله «أي قريباً» عبارة القاموس: أي اقترب
مني). قال جرير:
أَعَيّاشُ، قد ذاقَ القُيونُ مَراسَتي
وأَوقدتُ ناري، فادْنُ دونك فاصطلي.
قال: ودون بمعنى خلف وقدّام. ودُونك الشيءَ ودونك به أَي خذه. ويقال في
الإغراء بالشيء: دُونَكه. قالت تميم للحجاج: أَقْبِرْنا صالحاً، وقد كان
صَلَبه، فقال: دُونَكُموه. التهذيب: ابن الأَعرابي يقال ادْنُ دُونك أَي
اقترِبْ؛ قال لبيد:
مِثْل الذي بالغَيْلِ يَغْزُو مُخْمَداً،
يَزْدادُ قُرْباً دُونه أَن يُوعَدا.
مُخْمد: ساكن قد وَطَّن نفسه على الأَمر؛ يقول: لا يَرُدُّه الوعيدُ فهو
يتقدَّم أَمامه يَغشى الزَّجْرَ؛ وقال زهير بن خَبَّاب:
وإن عِفْتَ هذا، فادْنُ دونك، إنني
قليلُ الغِرار، والشَّرِيجُ شِعاري.
الغِرار: النوم، والشريج: القوس؛ وقول الشاعر:
تُريكَ القَذى من دُونها، وهي دُونه،
إذا ذاقَها من ذاقَها يَتَمَطَّقُ.
فسره فقال: تُريك هذه الخمرُ من دونها أَي من ورائها، والخمر دون القذى
إليك، وليس ثم قذًى ولكن هذا تشبيه؛ يقول: لو كان أَسفلها قذى لرأَيته.
وقال بعض النحويين: لدُونَ تسعة معانٍ: تكون بمعنى قَبْل وبمعنى أَمامَ
وبمعنى وراء وبمعنى تحت وبمعنى فوق وبمعنى الساقط من الناس وغيرهم وبمعنى
الشريف وبمعنى الأَمر وبمعنى الوعيد وبمعنى الإغراء، فأَما دون بمعنى قبل
فكقولك: دُون النهر قِتال ودُون قتل الأَسد أَهوال أَي قبل أَن تصل إلى
ذلك. ودُونَ بمعنى وراء كقولك: هذا أَمير على ما دُون جَيحونَ أَي على ما
وراءَه. والوعيد كقولك: دُونك صراعي ودونك فتَمرَّسْ بي. وفي الأَمر:
دونك الدرهمَ أَي خذه. وفي الإِغراء: دونك زيداً أَي الزمْ زيداً
في حفظه. وبمعنى تحت كقولك: دونَ قَدَمِك خَدُّ عدوّك أَي تحت قدمك.
وبمعنى فوق كقولك: إن فلاناً لشريف، فيجيب آخر فيقول: ودُون ذلك أَي فوق
ذلك. وقال الفراء: دُونَ تكون بمعنى على، وتكون بمعنى عَلَّ، وتكون بمعنى
بَعْد، وتكون بمعنى عند، وتكون إغراء، وتكون بمعنى أَقلّ من ذا وأَنقص من
ذا، ودُونُ تكون خسيساً. وقال في قوله تعالى: ويعملون عمَلاً دُون ذلك؛
دون الغَوْص، يريد سوى الغَوْص من البناء؛ وقال أَبو الهيثم في قوله:
يَزيدُ يَغُضُّ الطَّرفَ دُوني.
أَي يُنَكِّسُه فيما بيني وبينه من المكان. يقال: ادْنُ دونك أَي
اقترِبْ مني فيما بيني وبينك. والطَّرفُ: تحريك جفون العينين بالنظر، يقال
لسرعة من الطَّرف واللمْح. أَبو حاتم عن الأَصمعي: يقال يكفيني دُونُ هذا،
لأَنه اسم. والدِّيوانُ: مُجْتَمع الصحف؛ أَبو عبيدة: هو فارسي معرب؛ ابن
السكيت: هو بالكسر لا غير، الكسائي: بالفتح لغة مولَّدة وقد حكاها سيبويه
وقال: إنما صحَّت الواو في دِيوان، وإن كانت بعد الياء ولم تعتل كما
اعتلت في سيد، لأَن الياء في ديوان غير لازمة، وإنما هو فِعّال من دَوَّنْتُ،
والدليل على ذلك قولهم: دُوَيْوِينٌ، فدل ذلك أَنه فِعَّال وأَنك إنما
أَبدلت الواو بعد ذلك، قال: ومن قال دَيْوان فهو عنده بمنزلة بَيْطار،
وإنما لم تــقلب الواو في ديوان ياء، وإن كانت قبلها ياء ساكنة، من قِبَل أَن
الياء غير ملازمة، وإنما أُبدلت من الواو تخفيفاً، أَلا تراهم قالوا
دواوين لما زالت الكسرة من قِبَل الواو؟ على أَن بعضهم قد قال دَياوِينُ،
فأَقرّ الياء بحالها، وإن كانت الكسرة قد زالت من قِبَلها، وأَجرى غير
اللازم مجرى اللازم، وقد كان سبيله إذا أَجراها مجرى الياء اللازمة أَن يقول
دِيّانٌ، إلا أَنه كره تضعيف الياء كما كره الواو في دَياوِين؛ قال:
عَداني أَن أَزورَكِ، أُمَّ عَمروٍ،
دَياوِينٌ تُنَفَّقُ بالمِدادِ.
الجوهري: الدِّيوانُ أَصله دِوَّانٌ، فعُوِّض من إحدى الواوين ياء لأَنه
يجمع على دَواوينَ، ولو كانت الياء أَصلية لقالوا دَياوين، وقد دُوِّنت
الدَّواوينُ. قال ابن بري: وحكى ابن دريد وابن جني أَنه يقال دَياوين.
وفي الحديث: لا يَجْمَعهم ديوانُ حافظٍ؛ قال ابن الأَثير: هو الدفتر الذي
يكتب فيه أَسماء الجيش وأَهلُ العطاء. وأَول من دَوَّنَ الدِّيوان عمر،
رضي الله عنه، وهو فارسي معرب. ابن بري: وديوان اسم كلب؛ قال الراجز:
أَعْدَدْتُ ديواناً لدِرْباسِ الحَمِتْ،
متى يُعايِنْ شَخْصَه لا يَنْفَلِتْ.
ودِرْباس أَيضاً: كلب أَي أَعددت كلبي لكلب جيراني الذي يؤذيني في
الحَمْتِ.