من (ع ل و) تصغير عِلْيان.
من (ع ل و) تصغير عِلْيان.
علا: عُلْو كلّ شيء وعِلْوه وعَلْوُه وعُلاوَتُه وعالِيه وعالِيَتُه:
أَرْفَعُه، يَتَعَدَّى إليه الفعلُ بحَرْف وبغير حَرْف كقولك قَعَدْتُ
عُلْوه وفي عُلْوِه. قال ابن السكيت: سِفْلُ الدار وعِلْوُها وسُفْلُها
وعُلْوُها ، وعلا الشيءُ عُلُوًّا فهو عَليٌّ، وعَلِيَ وتَعَلَّى؛ وقال بعض
الرُّجَّاز:
وإنْ تَقُلْ: يا لَيْتَه اسْتَبلاَّ
مِن مَرَضٍ أَحْرَضَه وبَلاَّ،
تَقُلْ لأَنْفَيْهِ ولا تَعَلَّى
وفي حديث ابن عباس: فإذا هو يَتَعَلَّى عنِّي أَي يَتَرَفَّع عليَّ.
وعَلاه عُلُوّاً واسْتَعْلاه واعْلَوْلاه، وعَلا به وأَعْلاهُ وعَلاَّهُ
وعالاه وعالَى به؛ قال:
كالثِّقْلِ إذ عالَى به المُعَلِّي
ويقال: عَلا فلانٌ الجَبَلَ إذا رَقِيَه يَعْلُوه عُلُوّاً، وعَلا فلان
فلاناً إذا قَهَرَه. والعَليُّ: الرَّفيعُ. وتَعالَى: تَرَفَّع؛ وقول أبي
ذؤيب:
عَلَوْناهُمُ بالمَشْرَفيِّ، وعُرِّيَتْ
نِصالُ السُّيوفِ تَعْتَلي بالأَماثِلِ
تَعْتَلي: تَعْتَمِد، وعدّاه بالباء لأَنه في معنى تَذهَب بهم. وأَخذَه
من عَلِ ومن عَلُ؛ قال سيبويه: حَرَّكوه كما حَرَّكوا أَوَّلُ حين قالوا
ابْدَأْ بهذا أَوَّلُ، وقالوا: من عَلا وعَلْوُ ، ومن عالٍ ومُعالٍ؛ قال
أَعْشى باهِلَة:
إنِّي أَتَتْني لِسانٌ لا أُسَرُّ بها،
مِنْ عَلْوُ لا عَجَبٌ منها، ولا سَخَرُ
ويُرْوَى: من عَلْوِ وعَلْوَ أَي أَتاني خَبرٌ من أَعْلى؛ وأَنشد يعقوب
لدُكَيْن بنِ رجاءٍ في أَتيتُه من عالٍ:
يُنْجِيِه، مِنْ مثلِ حَمامِ الأَغْلالْ،
وَقْعُ يَدٍ عَجْلى ورِجْلٍ شِمْلالْ،
ظَمأَى النَّسَامِنْ تَحْتُ رَيَّا منْ عالْ
يعني فرساً؛ وقال ذو الرمَّة في مِن مُعال:
فَرَّجَ عنه حَلَقَ الأَغلالِ
جَذْبُ العُرىَ وجِرْيةُ الجِبالِ،
ونَغَضانُ الرَّحْلِ من مُعالِ
أَراد فَرَّج عن جَنِين الناقة حَلَقَ الأَغْلالِ، يعني حَلَق الرحِمِ،
سَيرُنا، وقيل: رَمَى به من عَلِ الجبَل أَي من فَوْقِه؛ وقول العجلي:
أَقَبُّ من تَحْتُ عَرِيضٌ مِن عَلِي
إنما هو محذوف المضاف إليه لأَنه معرفة وفي موضِع المبنِيِّ على الضمّ ،
أَلا تراه قابَل به ما هذه حالُه وهو قوله: مِنْ تَحْتُ، وينبغي أَن
تُكْتَب عَلي في هذا الموضِع بالياء، وهو فَعِلٌ في معنى فاعِلٍ، أَي
أَقَبُّ من تحتِه، عريضٌ من عالِيه: بمعنى أَعْلاه. والعا والسافلُ: بمنزلة
الأَعْلى والأَسْفل؛ قال:
ما هو إلا المَوتُ يَغْلي غالِيهْ
مُخْتَلِطاً سافِلُه بعالِيهْ،
لا بُدَّ يوماً أَنَّني مُلاقِيه
وقولهم: جئتُ من عَلُ أَي من أَعْلى كذا. قال ابن السكيت: يقال أَتَيْته
مِنْ عَلُ، بضم اللام، وأَتَيته من عَلُو ، بضم اللام وسكون الواو،
وأَتيته مِن علي بياء ساكنة، وأَتيته من عَلْوُ، بسكون اللام وضم الواو، ومن
عَلْوَ ومن عَلْوِ. قال الجوهري: ويقال أَتيتُه من عَلِ الدارِ، بكسر
اللام، أَي من عالٍ؛ قال امرؤ القيس:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً،
كجلمودِ صَخْرٍ حَطَّه السَّيلُ من عَلِ
وأَتيتُه من عَلا؛ قال أَبو النجم:
باتَتْ تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشاً مِن عَلا،
نَوْشاً به تَقْطَعُ أَجْوازَ الفَلا
وأَتَيْتُه من عَلُ، بضم اللامِ؛ أَنشد يعقوب لعَدِيّ ابن زيد:
في كِناسٍ ظاهِرٍ يَسْتُرُه،
من عَلُ الشَّفَّان، هُدَّابُ الفَنَنْ
وأَما قول أَوس:
فَمَلَّكَ باللِّيطِ الذي تحتَ قِشْرِها،
كغِرْقئِ بَيْضٍ كَنَّه القَيْضُ مِنْ عَلُو
فإن الواو زائدة، وهي لإطلاقِ القافية ولا يجوزُ مثلُه في الكلام. وقال
الفراء في قوله تعالى: عالِيَهُم ثيابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ؛ قرئ عالِيَهُم
بفتح الياء، وعالِيهِم بسكونها ، قال: فمَن فتَحها جَعَلها كالصفة فوقَهم،
قال: والعرب تقول قَوْمُك داخِلَ الدارِ، فيَنْصِبون داخلَ لأنه محَلٌ،
فعالِيَهُم من ذلك، وقال الزجاج: لا نعرف عالِيَ في الظروف، قال: ولعلَّ
الفراء سمع بِعا في الظروف، قال: ولو كان ظرفاً لم يَجُزْ إسكان الياء،
ولكنه نَصَبه على الحال من شيئين: أَحدُهما من الهاء والميم في قوله
تعالى: يَطُوفُ عليهم، ثم قال: عالِيَهُمْ ثيابُ سندس؛ أي في حالِ عُلُوِّ
الثياب إياهم، قال ويجوز أن يكون حالاً من الوِلْدان، قال: والنصب في هذا
بَيِّنٌ، قال: ومن قرأَ عالِيِهم فرفْعُه بالابتداء والخبر ثياب سندس،
قال: وقد قرئ عالِيَتَهُمْ، بالنصب، وعالِيَتُهم، بالرفع والقراءة بهما لا
تجوز لخلافهما المصحف، وقرئ: عَلَيْهم ثيابُ سندس، وتفسير نصب عالِيَتَهُم
ورفعها كتفسير عالِيَهُم وعالِيهم.
والمُسْتَعْلي من الحروف سبعة وهي: الخاءُ والغين والقاف والضاد والصاد
والطاء والظاء، وما عدا هذه الحروفَ فمنخفِض، ومعنى الاستعْلاء أَن
تَتَصَعَّد في الحَنَك الأَعلى ، فأَربعةٌ منها مع استعلائها إطْباقٌ، وأَما
الخاء والغينُ والقاف فلا إطباق مع استعلائها.
والعَلاءُ: الرِّفْعَة. والعلاءُ: اسم سُمِّيَ بذلك، وهو معرفة بالوضع
دون اللام، وإنما أُقِرَّت اللامُ بعد النَّقل وكونه علَماً مراعاةً لمذهب
الوصف فيها قبلَ النَّقْلِ، ويدلُّ على تَعَرُّفِه بالوضع قولُهُم أَبو
عمرو بنُ العَلاء، فطَرْحُهم التنوينَ من عَمْرو إنما هو لأَنَّ ابناً
مضافٌ إلى العَلَم، فجرَى مَجْرَى قولِك أَبو عمرِو بنُ بكر، ولو كان
العَلاء مُعَرَّفاً باللامِ لوجب ثبوت التنوين كما تُثْبته مع ما تعرَّف
باللام، نحو جاءَني أَبو عمرٍ وابن الغُلامِ وأَبو زيدٍ ابنُ الرجلِ، وقد ذهَب
عَلاءً وعَلْواً.
وعَلا النهارُ واعْتَلى واسْتَعْلى: ارْتَفَعَ. والعُلُوُّ: العَظَمة
والتَّجَبُّر. وقال الحسن البصري ومسلم البَطِين في قوله تعالى: تِلْكَ
الدارُ الآخِرةُ نجْعَلها للذين لا يريدون عُلُوّاً في الأَرض ولا فَساداً؛
قال: العُلُو التكبُّر في الأَرض، وقال الحسن: الفَسادُ المَعاصي، وقال
مسلم: الفَسادُ أَخذ المال بغير حق، وقال تعالى: إن فِرْعَوْنَ عَلا في
الأرض؛ جاء في التفسير أَن معناه طَغَى في الأَرض. يقال: عَلا فلانٌ في
الأرض إذا اسْتَكْبَرَ وطَغَى. وقوله تعالى: ولَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كبيراً؛
معناه لَتَبْغُنّ ولَتَتَعَظَّمُنّ. ويقال لكل مُتَجَبِّر: قد عَلا
وتَعَظَّمَ . واللهُ عز وجل هو العَليّ المُتعالي العا الأَعْلَى ذُو العُلا
والعَلاء والمَعا ، تَعالى عَمَّا يقول الظالمون عُلُوّاً كبيراً، هو
الأَعْلى سبحانه بمعنى العا ، وتفسير تَعالَى جلَّ ونَبَا عن كلِّ ثناءٍ فهو
أَعظم وأَجلُّ وأَعْلى مما يُثنى عليه لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ قال
الأزهري: وتفسير هذه الصفات سبحانه يَقْرُب بعضُها من بعض، فالعَلِيُّ
الشريف فَعِيل من عَلا يَعْلُو، وهو بمعنى العالِي، وهو الذي ليس فوقه
شيء. ويقال: هو الذي عَلا الخلقَ فَقَهَرهم بقدرته. وأَما المُتعا: فهو
الذي جَلَّ عن إفْكِ المُفْتَرِين وتَنَزَّه عن وَساوس المتحيِّرين، وقد
يكون المُتعا بمعنى العا . والأَعْلى: هو الله الذي هو أَعْلى من كل عالٍ
واسمه الأَعْلى أَي صفته أَعْلى الصفات، والعَلاءُ: الشرفُ، وذو العُلا:
صاحب الصفات العُلا، والعُلا: جمع العُلْيا أَي جمع الصفة العُليا والكلمة
العلْيا، ويكون العُلى جمع الاسم الأَعْلى، وصفةُ الله العُلْيا شهادةُ أَنْ
لا إله إلا الله، فهذه أَعلى الصفات، ولا يوصف بها غير الله وحده لا شريك
له، ولم يزل الله عَلِيّاً عالياً متعالياً، تعالى اللهُ عن إِلحاد المُلْحدِين،
وهو العَليُّ العظيم. وعَلا في الجبَل والمَكان وعلى الدابَّةِ وكلِّ
شيء وعَلاهُ عُلُوّاً واسْتَعْلاه واعْتلاه مثلُه، وتَعلَّى أَي عَلا في
مُهْلة. وعَلِيَ ، بالكسر، في المَكارِم والرِّفْعة والشَّرَف يَعْلَى
عَلاءً، ويقال أَيضاً: عَلا، بالفتح، يَعْلى؛ قال رؤبة فَجَمَع بين
اللغتين:لَمَّا عَلا كَعْبُك * عَلِيتُ،
دَفْعك دَأْداني وقد جَوِيتُ
(* قوله دأداني وقد جويت» هكذا في الأصل.)
قال ابن سيده: كذا أَنشده يعقوب وأَبو عبيد: عَلا كَعْبُك ؛ ووجهه عندي
عَلا كَعْبُكَ بي أَي أَعْلاني ، لان الهمزة والباء يَتَعاقبان، وحكى
اللحياني عَلا في هذا المعنى.
ويقال: فلان تَعْلو عنه العَينُ بمعنى تَنْبو عنه العَين، وإذا نَبا
الشيءُ عن الشيء ولم يَلْصَقْ به فقد عَلا عنه. وفي الحديث: تَعْلو عنهُ
العين أَي تَنْبو عنه ولا تَلْصَق به؛ ومنه حديث النجاشي: وكانوا بِهِمْ
أَعْلى عَيْناً أَي أَبصَرَ بهم وأَعْلَم بحالِهِم. وفي حديث قيلة: لا
يزالُ كعْبُكِ؛ عالِياً أَي لا تزالِين شريفة مرتَفِعة على من يعادِيكِ. وفي
حديث حمنَةَ بنت جَحْشٍ: كانت تَجْلِسُ في المِرْكَنِ ثم تَخْرُج وهي
عالية الدَّمِ أَي يَعْلُو دَمُها الماءَ. واعْلُ على الوِسادة أَي اقْعُد
عليها، وأَعْلِ عنها أَي انْزِلْ عنها؛ أَنشد أَبو بكر الإياديّ لامرَأة من
العرب عُنِّنَ عَنْها زوجُها:
فَقَدْتُك مِنْ بَعْلٍ، عَلامَ تَدُكُّني
بصَدْرِكَ؟ لا تُغْني فَتِيلاً ولا تُعْلي
أَي لا تَنْزِل وأَنت عاجزٌ عن الإِيلاجِ. وعالِ عنِّي وأَعْلِ عَنِّي:
تَنَحَّ. وعالِ عَنَّا أَي اطْلُبْ حاجَتك عندَ غيرنا فإِنَّا نَحْن لا
نَقْدِرُ لك عليها، كأَنك تقول تَنَحَّ عنَّا إِلى مَن سِوانا. وفي حديث
ابن مسعود: فلما وضَعْتُ رِجْلي على مُذَمَّر أَبي جَهْل قال أَعْلِ
عَنِّجْ أَي تَنَحَّ عني، وأَراد بِعَنِّجْ عني، وهي لغة قوم يقلبون الياء في
الوَقْف جيماً.وعالِ عليَّ أَي احْمِلْ؛ وقول أُميَّة بن أَبي الصَّلْت:
سَلَعٌ مَّا، ومْثْلُه عُشَرٌ مَّا
عائِلٌ مَّا ، وعالَتِ البَيْقُورا
أَي أَنَّ السَّنَة الجَدْبة أَثْقَلَت البَقَر بما حُمِّلَتْ من
السَّلَع والعُشَر. ورجل عالي الكَعْبِ: شريفٌ ثابتُ الشَرف عالي الذِّكْر. وفي
حديث أُحدٍ: قال أَبو سيفان لمَّا انْهزَم المسلمون وظَهروا عليهم:
اعْلُ هُبَلُ، فقال عُمَر، رضي الله عنه: اللهُ أَعْلى وأَجَلّ، فقال لعُمَر:
أَنْعَمَتْ، فَعالِ عنها؛ كان الرجلُ من قريشٍ إِذا أَراد ابْتِداءَ أَمْرٍ
عمَد إِلى سَهْمَيْن فكَتَب على أَحدِهما نَعَمْ، وعلى الآخر لا، ثم
يتَقَدَّم إِلى الصَّنَم ويُجِيلُ سِهامَه، فإِن خَرج سَهْمُ نَعَمْ أَقْدَم،
وإِن خَرَج سَهْم لا امْتَنَع، وكان أَبو سيفان لَمَّا أَراد الخُروجَ إِلى
أُحدٍ اسْتَفْتى هُبَلَ فخَرَج له سَهْمُ الإِنْعامِ، فذلك قوله لعُمَر،
رضي الله عنه: أَنْعَمَتْ فَعالِ أَي تَجافَ عَنْها ولا تَذْكُرْها
بسُوءٍ، يعني آلهَتَهم. وفي حديثٍ: اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ من اليَدِ
السُّفْلى، العُلْيا المَتَعَفِّفة والسُّفْلى السائلة؛ روي ذلك عن ابن عمر، رضي
الله عنهما، ورُوِيَ عنه أَنها المُنْفِقة، وقيل: العُلْيا المُعْطِيَة
والسُّفْلى الآخِذة، وقيل:السُّفْلى المانِعة.
والمَعْلاة: كَسْبُ الشَّرَف؛ قال الأَزهري: المَعْلاة مَكْسَبُ
الشَّرَف، وجمعها المَعالي. قال ابن بري: ويقال في واحدة المَعالي مَعْلُوَة.
ورَجُلٌ عَليٌّ أَي شريف، وجمعه عِلْيةٌ. يقال: فلان مِنْ عِلْية الناس أَي
من أَشرافهم وجِلَّتِهم لا من سِفْلَتهم، أَبدلوا من الواو ياءً لضعف
حَجْز اللام الساكنة، ومثله صبيٌّ وصبِيْة، وهو جمع رجُل عَليٍّ أَي شَريف
رَفيعٍ. وفلانٌ من عِلِّيَّةِ قَوْمِه
(* قوله« من علية قومه إلخ» هو بتشديد اللام والياء في الأصل.)
وعِلِيِّهم وعُلِيِّهِم أَي في الشَّرَفِ والكَثْرة. قال ابن بري: ويقال رَجلٌ
عَليٌّ أَي صُلْبٌ؛ قال الشاعر:
وكلّ عَليٍّ قُصَّ أَسْفَل ذَيْلِه،
فشَمَّرَ عَنْ ساقٍ وأَوْظِفَةٍ عُجْرِ
ويقال: فَرَسٌ عَلِيٌّ.
والعِلِّيَّة والعُلِّيَّة جميعاً: الغُرفة على بناء حُرِّية، قال: وهي
في التصريف فُعُّولةٌ، والجمع العَلاليُّ؛ قال الجوهري: هي فُعِّيلة مثلُ
مُرِّيقةٍ، وأَصلُه عُلِّيْوَة، فأُبْدِلَت الواوُ ياءً وأُدغمت لأَنَّ
هذه الواو إِذا سَكَن ما قبلها صَحَّت، كما يُنْسب إِلى الدَّلْوِ
دَلْوِيٌّ، قال: وبعضهم يقول هي العِلِّيَّة، بالكسر، على فِعِّيلة، وبعضهم
يَجْعَلُها من المُضاعف، قال: وليس في الكلام فُعِّيلة. وقال الأَصمعي:
العِلِّيُّ جمع الغُرَفِ، واحدتها عِلِّيَّة؛ قال العجاج:
وبِيعَة لِسُورها عِلِيٌّ
وقال أَبو حاتم: العَلاليُّ من البيوت واحدتها عِلِّيَّة، قال: ووزن
عِلِّيَّة فِعِّيلة، العين شديدة. قال الأَزهري: وعِلِّيَّة أَكثر من
عُلِّيَّة. وفي حديث عمر رضي الله عنه: فارْتَقَى عُلِّيَّة، هو من ذلك، بضم
العين وكسرها.
وعَلا به وأَعْلاهُ وعَلاَّه: جَعَلَه عالياً.
والعالية: أَعْلى القَناةِ، وأَسْفَلُها السافِلةُ، وجمعها العَوالي،
وقيل: العالية القَناة المستقيمة، وقيل: هو النصفُ الذي يَلي السِّنانَ،
وقيل: عالِية الرُّمْح رأْسُه؛ وبه فَسَّرَ السُّكَّري قول أَبي ذُؤيْب:
أَقَبَّا الكُشُوحِ أَبْيَضانِ كِلاهما،
كعالِية الخَطِّيِّ واري الأَزانِدِ
أَي كلُّ واحدٍ منهما كرأْسِ الرُّمْح في مُضِيِّه. وفي حديث ابن عمر:
أَخذت بعالِيهِ رُمْحٍ، قال: وهي ما يَلي السِّنانَ من القَناةِ. وعَوالي
الرماح: أَسِنَّتُها، واحدتُها عاليةٌ؛ ومنه قول الخَنْساءِ حين
خَطَبَهَا دُرَيْدُ بن الصِّمَّة: أَتَرَوْنَني تارِكةً بَني عَمِّي كأَنهم
عَوالي الرِّماح ومُرْتَثَّةً شَيْخَ بني جُشَم؛ شَبَّهَتْهم بعَوالي الرِّماح
لطَراءة شَبابهم وبريق سَحْنائهم وحُسْن وجوههم، وقيل: عالية الرُّمْحِ
ما دَخَل في السِّنانِ إِلى ثُلُثِه، والعالِيةُ: ما فوق أَرض نَجْدٍ إِلى
أَرض تِهامَةَ وإِلى ما وراء مكة، وهي الحجاز وما وَالاها، وفي الحديث ذكر
العالِية والعَوالي في غير موضع من الحديث، وهي أَماكِنُ بأَعْلى أَراضي
المدينة وأَدْناها من المدينة على أَربعةِ أَمْيالٍ، وأَبعَدُها من جهة
نَجْدٍ ثمانية، والنسب إِليها عاليٌّ على القياس، وعُلْوِيٌّ نادر على
غير قياس؛ وأَنشد ثعلب:
أَأَنْ هَبَّ عُلْوِيٌّ يُعَلِّل فِتْيَةً،
بنخلة وَهْناً، فاض منك المَدامعُ
وفي حديث ابن عمر، رضي الله عنهما: وجاء أَعرابيٌّ عُلْويٌّ جافٍ. وعالوا:
أَتَوُا العالِيَة. قال الأَزهري: عالِية الحجاز أَعلاها بلداً
وأَشرفُها موضعاً،وهي بلاد واسعة، وإِذا نَسَبُوا إِليها قيل عُلْوِيٌّ، والأُنثى
عُلْوِيَّة. ويقال: عالى الرجلُ وأَعْلى إِذا أَتى عالِية الحجاز
ونَجْدٍ؛ قال بشر بن أَبي خازم:
مُعالِيَة لا هَمَّ إِلاَّ مُحَجَّرٌ،
وحَرَّة لَيلى السَّهْلُ منها فَلُوبُها
وحَرَّة لَيْلى وحَرَّة شَوْران وحَرَّة بني سُلَيم في عالِية الحجاز،
وعلى السطحَ عَلْياً وعِلْياً،
(* قوله«وعلياً» هكذا في الأصل والمحكم
بكسر العين وسكون اللام، وكذلك في قراءة ابن مسعود، وفي القاموس وشرحه:
والعلي بكسرتين وشد الياء العلو ومنه قراءة ابن مسعود ظلماً وعلياً اهـ. يعني
بكسر العين واللام وتشديد الياء). وفي حرف ابن مسعود، رضي الله عنه:
ظُلْماً وعِلْياً؛ كل هذا عن اللحياني.
وعلى: حرف جَرٍّ، ومعناه اسْتِعْلاء الشيءِ، تقول: هذا على ظهر الجبل
وعلى رأْسه، ويكون أَيضاً أَن يَطْوي مُسْتَعْلِياً كقولك: مَرَّ الماءُ
عليه وأَمْررْت يدي عليه، وأَما مَرَرْت على فلان فَجَرى هذا كالمثل.
وعلينا أَميرٌ: كقولك عليه مالٌ لأَنه شيء اعْتَلاهُ، وهذا كالمثَل كما
يَثْبُت الشيءُ على المكان كذلك يَثْبُت هذا عليه، فقد يَتَّسِع هذا في الكلام،
ولا يريد سيبويه بقوله عليه مال لأَنه شيء اعْتَلاه أَنَّ اعْتَلاه من
لفظ على، إِنما أَراد أَنها في معناها وليست من لفظها، وكيف يظن بسيبويه
ذلك وعَلى من ع ل ي واعْتَلاه من ع ل و؟وقد تأْتي على بمعنى في؛ قال أَبو
كبير الهُذَلي:
ولَقَدْ سَرَيْتُ على الظَّلامِ بِمِغْشَمٍ
جَلْدٍ من الفِتْيانِ، غَيْرِ مُهَبَّل
أَي في الظلام. ويجيء عَلى في الكلام وهو اسم، ولا يكون إِلا ظرفاً،
ويَدُلُّك على أَنه اسم قول بعض العرب نَهَضَ من عَلَيْه؛ قال مزاحم
العُقَيْلي:
غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَما تَمَّ ظِمْؤُها،
تَصِلُّ وعَنْ قَيْضٍ بزِيزاء مَجْهَل
وهو بمعنى عِنْد؛ وهذا البيت معناه غَدَتْ مِنْ عِنْدِهِ. وقوله في
الحديث: فإِذا انْقَطَعَ مَنْ عَلَيها رَجع إِليه الإِيمانُ أَي منْ فَوْقها،
وقيل منْ عندها. وقالوا: رَمَيْتُ عَلى القوس ورَمَيْت عنها، ولا يقال
رَمَيْتُ بها؛ قال:
أَرْمِي عَلَبْها وهي فَرْعٌ أَجْمَع
وفي الحديث: مَنْ صامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عليه جَهَنَّم؛ قال ابن
الأَثير: حَمَل بعضهم هذا الحديث على ظاهِره وجعله عُقوبةً لصائم الدَّهْرِ،
كأَنه كَرِه صومَ الدَّهْرِ، ويشهد لذلك منعُه عبدَ الله بنَ عَمْرو عن
صومِ الدهرِ وكَراهيتُه له، وفيه بُعدٌ لأَنَّ صومَ الدَّهر بالجُمْلة
قُرْبة، وقد صامه جماعة من الصحابة، رضي الله عنهم، والتابِعين، رحمهم الله، فما
يَسْتَحِقُّ فاعلُه تضييقَ جهَنَّم عليه؛ وذهب آخرون إِلى أَن على هنا
بمعنى عن أَي ضُيِّقت عَنْه فلا يدخُلُها، وعن وعلى يَتداخلان؛ ومنه حديث
أَبي سيفان: لولا أَن يأْثُروا عليَّ الكَذِبَ لكَذَبْتُ أَي يَروُوا عنِّي.
وقالوا: ثَبَتَ عليه مالٌ أَي كثر، وكذلك يقال: عَلَيْه مالٌ، يريدون
ذلك المعنى، ولا يقال له مالٌ إِلا من العين كما لا يقال عليه مالٌ إِلاَّ
من غير العَين؛ قال ابن جني: وقد يستعمل عَلى في الأَفعال الشاقة
المستثقلة، تقول: قد سِرْنا عَشْراً وبَقِيَتْ عَلَيْنا ليلتان، وقد حَفِظْتُ
القرآن وبَقِيَت عليَّ منه سورتان، وقد صُمْنا عِشْرين من الشهر وبَقِيَتْ
علينا عشر، كذلك يقال في الاعتداد على الإِنسان بذنوبه وقُبح أَفعاله،
وإنما اطَّرَدَتْ على في هذه الأَفعال من حيث كانت على في الأَصل
للاسْتِعْلاءِ والتَّفَرُّع، فلما كانت هذه الأَحوال كُلَفاً، ومَشاقً تَخْفِضُ
الإِنسانَ وتَضَعُه وتَعْلُوه وتَتَفَرَّعُه حتى يَخْنَع لها ويَخْضع لما
يَتَسَدَّاه منها، كان ذلك من مواضع على، أَلا تراهم يقولون هذا لك وهذا
عَلَيْك، فتستعمل اللامَ فيما تُؤْثِره وعَلى فيما تكرهه؟ وقالت
الخنساء:سأَحْمِلُ نَفْسي عَلى آلةٍ،
فإِمّا عَليْها وإِمَّا لَها
وعَلَيْكَ: من أَسماء الفعل المُغْرى به، تقول عَلَيْك زيداً أَي خُذْه،
وعَلَيكَ بزيد كذلك؛ قال الجوهري: لما كثر استعماله صار بمنزلة هَلُمَّ،
وإِن كان أَصله الارتفاع، وفسر ثعلب معنى قوله عَلَيْكَ بزيد فقال: لم
يجيء بالفعل وجاء بالصفة فصارت كالكناية عن الفعل، فكأَنك إِذا قلت
عَلَيْك بزيد قلت افْعَلْ بزيد مثل ما تكني عن ضربت فتقول فعلتُ به. وفي
الحديث: عليكم بكذا أَي افْعَلُوه، وهو اسمٌ للفعل بمعنى خذ، يقال: عَلَيْك
زيداً وعليك بزيدٍ أَي خذه. قال ابن جني: ليس زيداً من قولك عَلَيْك زيداً
منصوباً بخُذ الذي دلت عليه عَليْك، إِنما هو منصوبٌ بنفسِ عَليْك من حيث
كان اسماً لفعلٍ متعدٍّ. قال الأَزهري: عَلى لها معانٍ والقُرَّاء كلهم
يُفَخِّمونها لأَنها حرف أَداة. قال أَبو العباس في قوله تعالى: عَلى رجل
منكم؛ جاء في التفسير: مَعَ رجل منكم، كما تقول جاءني الخَيْرُ على وجهك
ومع وجهك. وفي حديث زكاة الفِطْر: على كلِّ حُرٍّ وعبدٍ صاعٌ، قال: على
بمعنى مع لأَن العبد لا تجب عليه الفطرة وإِنما تجب على سيّده. قال ابن
كيسان: عَلَيك ودونكَ وعندك إِذا جُعِلْنَ أَخباراً فعن الأَسماء، كقولك:
عليك ثوبٌ وعندَك مالٌ ودونك مالٌ، ويُجْعَلْنَ إِغْراءً فتُجْرى مُجْرى
الفعل فيَنْصِبْنَ الأَسماء، كقولك: عليكَ زيداً ودونَك وعندك خالداً أَي
الزَمْه وخُذُه، وأَما الصفاتُ سواهُنَّ فيرفعن إِذا جُعِلَت أَخباراً
ولا يغْري بها. ويقولون: عَلَيْه دَيْن، ورأَيته على أَوْفازٍ كأَنه يريد
النُّهُوض. وتَجِيء على
بمعنى عن؛ قال الله عز وجل: إِذا اكْتالُوا على الناسِ يَسْتَوْفُون؛
معناه إِذا اكتالوا عَنْهُم. قال الجوهري: عَلى لها ثلاثةُ مواضعَ؛ قال
المبرّد: هي لفظة مشتَرَكة للاسم والفعل والحرف لا أَن الاسم هو الحرف أَو
الفعل، ولكن يَتَّفِق الاسمُ والحرف في اللفظ، أَلا تَرى أَنك تقول على زيدٍ
ثوبٌ، فعلى هذه حرفٌ، وتقول عَلا زيداً ثوبٌ، فعلا هذه فعلٌ من عَلا
يَعْلُو؛ قال طرَفة:
وتَساقى القَوْمُ كأْساً مُرَّةً،
وعَلا الخَيْلَ دِماءٌ كالشَّقِرْ
ويروى: على الخيل، قال سيبويه: أَلف عَلا زيداً ثوبٌ منقلبةٌ من واو،
إِلا أَنها تقلب مع المضمر ياءً، تقول عليكَ، وبعضُ العرب يتركها على
حالها؛ قال الراجز:
أَيّ قَلُوصِ راكبٍ تَراها،
فاشْدُدْ بمَثْنَيْ حَقَبٍ حَقْواها
نادِيَةً ونادِياً أَباها،
طارُوا عَلاهُنَّ فَطِرْ عَلاها
ويقال: هي بلغة بلحرث بن كعب؛ قال ابن بري: أَنشده أَبو زيد:
ناجِيةً وناجِياً أَباها
قال: وكذلك أَنشده الجوهري في ترجمة نجا. وقال أَبو حاتم: سأَلت أَبا
عبيدة عن هذا الشعر فقال لي: انْقُطْ عليه، هذا من قول المفضل. وعلى: حرف
خافض، وقد تكون اسماً يدخل عليه حرف؛ قال يزيد بن الطَّثَرِيَّة:
غَدَتْ مِنْ عَلِيْه تَنْقُضُ الطَّلَّ، بعدَما
رأَتْ حاجِبَ الشمسِ اسْتَوَى فَتَرَفَّعَا
أَي غدت من فوقه لأَن حرف الجرّ لا يدخل على حرف الجرّ، وقولهم: كانَ
كذا على عهد فلان أَي في عهده، وقد يوضع موضع من كقوله تعالى: إِذا
اكْتالُوا على الناسِ يَسْتَوْفُون؛ أَي من الناس. وتقول: عَليَّ زيداً وعَليَّ
بزيد؛ معناه أَعْطِني زيداً؛ قال ابن بري: وتكون علَى بمعنى الباء؛ قال
أَبو ذؤيب:
وكأَنَّهنّ ربَابةٌ، وكأَنه
يَسَرٌ يَفِيضُ علَى القِداحِ ويَصْدَعُ
أَي بالقِداحِ. وعلَى: صفةٌ من الصِّفاتِ، وللعَرَب فيها لغتانِ: كُنْت
على السَّطْح وكنت أَعْلَى السَّطْح؛ قال الزجاج في قوله عليهم وإِليهم:
الأَصل عَلاهُم وإِلاهُم كما تقول إِلى زَيْد وعَلَى زَيدٍ، إِلا أَنَّ
الأَلف غُيِّرَت مع المضمر فأُبْدلت ياءً لتَفْصِل بينَ الأَلف التي في آخر
المُتَمَكِّنة وبَيْنَ الأَلف في آخر غير المتمكنة التي الإِضافة لازمة
لها، أَلا تَرَى أَنّ عَلَى وَلَدي وإِلى لا تَنْفَرِدُ من الإِضافة؟
ولذلك قالت العرب في كِلا في حال النصب والجر: رأَيْتُ كِلَيْهما وكِلَيْكُما
ومررت بكِلَيْهما، ففَصَلت بين الإِضافة إِلى المُظْهرِ والمُضْمر لما
كانت كِلا لا تَنْفَرِد ولا تكون كلاماً إِلا بالإِضافة.
والعِلاوَة: أَعْلَى الرَّأْسِ، وقيل: أَعْلَى العُنُق. يقال: ضربت
عِلاوَتَه أَي رأْسه وعُنُقه. والعِلاوة أَيضاً: رأْسُ الإِنسانِ ما دامَ في
عُنُقهِ. والعِلاوة: ما يُحْمَل على البعير وغيره، وهو ما وُضِع بين
العِدْلَيْنِ، وقيل: عِلاوَة كلِّ شيءٍ ما زاد عليه. يقال: أَعطاه أَلفاً
وديناراً عِلاوةً، وأَعطاه أَلفين وخمسمائةٍ عِلاوةً، وجمع العِلاوة عَلاوَى
مثل هِراوَة وهَرَاوَى. وفي حديث معاوية: قال للبيد الشاعِر كم عَطاؤك؟
فقال: أَلفان وخمسمائة، فقال: ما بالُ العِلاوَةِ بينَ الفَوْدَيْنِ؟
العِلاوَة: ما عُوليَ فوقَ الحِمْلِ وزِيدَ عليه، والفَودانِ: العِدْلانِ.
ويقال: عَلِّ عَلاواكَ على الأَحْمال وعالِها. والعِلاوَةُ: كلُّ ما
عَلَّيْتَ به على البعير بعد تمامِ الوِقْرِ أَو عَلَّقْته عليه نحو السِّقاءِ
والسَّفُّودِ، والجمع العَلاوَى مثلُ إِداوَة وأَداوَى.
والعَلْياءُ: رأْسُ الجَبَل، وفي التهذيب: رأْسُ كلّ جَبَلٍ مشرفٍ،
وقيل: كلُّ ما عَلا من الشيءِ؛ قال زهير:
تَبَصَّرْ خَلِيلي، هَلْ تَرَى من ظَعائِنٍ
تَحَمَّلْنَ بالعَلْياءِ، من فوقِ جُرْثُم؟
والعَلْياءُ: السماءُ اسمٌ لها، وليس بصفةٍ، وأَصله الواو إِلا أَنه
شَذَّ. والسَّموات العُلَى: جمع السماء العُلْيا، والثَّنايا العلْيا
والثَّنايا السُّفْلى. يقال للجماعة: عُلْيَا وسُفْلَى، لتأْنيث الجماعة؛ ومنه
قوله تعالى: لِنُرِيَكَ من آياتنا الكُبْرَى، ولم يقل الكُبَر، وهو
بمنزلة الأَسماء الحُسْنَى، وبمنزلة قوله تعالى: وليَ فيها مآرِبُ أُخرى.
والعَلْياءُ: كل مكانٍ مُشْرِفٍ؛ وفي شعر العباس يمدَح النّبي،صلى الله عليه
وسلم:
حتى احْتَوَى بيتُك المُهَيْمِنُ مِنْ
خِنْدِفَ عَلْيَاءَ، تَحتَها النُّطُقُ
قال: عَلياء اسمُ المكان المرتَفعِ كاليفاعِ، وليست بتأْنيثِ الأَعْلَى
لأَنها جاءت منكرَّة، وفَعْلاءُ أَفْعَل يلزَمها التعريف. والعلْيا: اسمٌ
للمكان العالي، وللفَعْلة العالية على المَثَل، صارت الواو فيها ياءً
لأَن فَعلَى إِذا كانت اسماً من ذوات الواو أُبْدِلَت واوُه ياءً، كما
أَبدلوا الواوَ مكان الياء في فُعْلى إِذا كانت اسماً فأَدْخَلوها عليها في
فعْلَى لتتكافآ في التغير؛ قال ابن سيده: هذا قول سيبويه.
ويقال: نزل فلان بعالِيَة الوادِي وسافِلَته، فعالِيَتُه حيث يَنْحَدِرُ
الماءُ منه، وسافِلتُه حيث يَنْصَبُّ إِليه. وعَلا حاجتَه واسْتَعْلاها:
ظَهَر عليها، وعَلا قِرْنَه واسْتَعْلاهُ كذلك. ورجل عَلُوٌّ للرجال على
مثال عَدُوّ؛ عن ابن الأَعرابي، ولم يستثنها يعقوب في الأَشياء التي
حصرها كَحَسُوّ وفَسُوّ، وكل من قَهَر رجلاً أَو عَدُوّاً فإِنه يقال عَلاه
واعْتَلاه واسْتَعْلاه، واسْتعْلى عليه، واسْتَعْلَى على الناس: غَلَبَهم
وقَهَرَهُم وعَلاهُم. قال الله عز وجل: وقد أَفْلَح اليومَ مَن اسْتَعْلى؛
قال الليث: الفرسُ إِذا بَلَغَ الغاية في الرِّهانِ يقال قد اسْتَعْلَى
على الغاية. وعَلَوْت الرجل: غَلَبْته، وعَلَوته بالسيف: ضَرَبْته.
والعُلْو: ارْتِفاعُ أَصل البناءِ. وقالوا في النداءِ:
تَعالَ أَي اعل، ولا يُسْتَعْمَلُ في غير الأَمر.
والتَّعالي: الارْتِفاعُ. قال الأَزهري: تقول العرب في النداء للرجل
تَعالَ، بفتح اللام، وللاثنين تَعالَيا، وللرجال تَعالَوْا، وللمرأَة
تَعالَي، وللنساء تَعالَيْنَ، ولا يُبالُون أَين يكون المدعوّ في مكان أَعْلى
من مكان الداعي أَو مكان دونه، ولا يجوز أَن يقال منه تعالَيْت ولا يُنْهى
عنه. وتقول: تَعالَيْت وإِلى أَي شيء أَتَعالَى. وعَلا بالأَمْرِ:
اضْطَلَع به واسْتَقَلَّ؛ قال كعب بن سعد الغَنَوي يُخاطِبُ ابنَه عليّ بن
كعب، وقيل هو لعليّ بن عديٍّ الغَنَوي المعروف بابن العرير:
(* قوله«العرير» هو هكذا في الأصل.)
اعْمِدْ لِما تَعْلُو فما لكَ، بالذِي
لا تَسْتَطِيع مِنَ الأُمورِ، يَدانِ
هكذا أَورده الجوهري؛ قال ابن بري: صوابه فاعْمِد بالفاءِ لأَنّ قبله:
وإذا رأيتَ المرْءَ يَشْعَبُ أَمْرَه
شَعْبَ العَصا، ويَلِجُّ في العِصيان
يقول: إِذا رأيت المَرْءَ يَسعَى في فَسادِ حاله ويَلِجُّ في عِصْيانِك
،مُخالَفَة أَمْرِك فيما يُفْسدُ حاله فدَعْه واعْمِدْ لِما تَسْتَقِلُّ
به من الأَمْر وتَضْطَلِعُ به، إِذ لا قُوَّة لك على مَنْ لا يُوافِقُك.
وعَلا الفَرَسَ: رَكِبَه. وأَعْلَى عنه: نَزَلَ. وعَلَّى المَتاعَ عن
الدابَّة: أَنْزَله، ولا يقال أَعْلاهُ في هذا المَعْنى إِلاَّ
مُسْتَكْرَهاً. وعالَوْا نَعِيَّهُ: أَظْهَروهُ؛ عن ابن الأَعرابي، قال: ولا يقال
أَعْلَوْه ولا عَلَّوه. ابن الأَعرابي: تَعَلَّى فلانٌ إِذا هَجَمَ على قوم
بغير إِذن، وكذلك دَمَقَ ودَمَرَ. ويقال: عالَيْتُه على الحمار
وعَلَّيْتُه عليه؛ وأَنشد ابن السكيت:
عالَيْتُ أَنْساعي وجِلبَ الكُورِ
عَلَى سَراةِ رائحِ مَمْطُورِ
وقال:
فَإِلاَّ تَجلَّلْها يُعالُوك فَوْقَها،
وكَيْفَ تُوَقَّى ظَهْرَ ما أَنتَ راكِبُه؟
أَي يُعْلُوك فوقها؛ وقال رؤبة:
وإِنْ هَوَى العاثِرُ قُلْنا: دَعْدَعا
لَهُ، وعالَيْنا بتَنْعِيشٍ لَعا
أَبو سعيد: عَلَوْتُ على فلان الرِّيحَ أَي كنت في عُلاوَتِها. ويقال:
لا تَعْلُ الريحَ على الصَّيْدِ فَيراحَ رِيحَكَ ويَنْفِرَ.
ويقال: كُنْ في عُلاوةِ الرِّيحِ وسُفالَتِها، فعُلاوَتُها أَن تكون فوق
الصيدِ، وسُفالَتُها أَن تكون تحتَ الصيدِ لئَلاَّ يَجِدَ الوَحْش
رائِحَتَك.
ويقال: أَتَيْتُ الناقةَ من قِبَل مُسْتَعْلاها أَي من قِبَل
إِنْسِيِّها.
والمُعَلَّى، بفتح اللام: القِدْحُ السابِعُ في المَيْسِر، وهو
أَفْضَلُها، إِذا فازَ حازَ سبعةَ أَنْصباء من الجَزُور؛ وقال اللحياني: وله سبعة
فُروض وله غُنْمُ سبعة أنصباء إِن فاز، وعليه غُرْمُ سبعة أَنصباء إِن
لم يَفُزْ.
والعَلاةُ: الصَّخْرة، وقيل: صَخْرة يُجْعَلُ لها إِطار من الأَخْثاء
ومن اللَّبِنِ والرماد ثم يطبخ فيها الأَقِطُ، وتجمع علاً؛ وأَنشد أَبو
عبيد:
وقالُوا: عَلَيْكُمْ عاصِماً نَسْتَغِثْ به،
رُوَيْدَكَ حَتَّى يَصْفِقَ البَهْمَ عاصمُ
وحَتَّى تَرَى أَن العَلاةَ تَمُدُّها
جُخادِيَّةٌ، والرائحاتُ الرَّوائِمُ
يريد: أَن تلك العَلاة يَزيدُ فيها جُخادِيَّة، وهي قِرْبةٌ مَلأَى
لَبَناً أَو غِرارةٌ مَلأَى تَمْراً أَو حِنْطَةً، يُصَبُّ منها في العَلاة
للتأْقيط، فذلكَ مَدُّها فيها. قال الجوهري: والعَلاةُ حَجَرٌ يُجْعَل
عليه الأَقِطُ؛ قال مبَشِّر بن هُذَيل الشمجي:
لا يَنْفَعُ الشاوِيَّ فيها شاتُه،
وَلا حِمارَاه ولا عَلاتُه
والعَلاة: الزُّبْرة التي يَضْرِب عليها الحدَّاد الحديدَ. والعلاة:
السَّنْدان. وفي حديث عَطاءٍ في مَهْبَطِ آدَمَ: هَبَطَ بالعَلاةِ، وهي
السَّنْدانُ، والجمع العَلا. ويقال للناقة: عَلاةٌ، تُشَبَّه بها في
صَلابَتِها، يقال: ناقَةٌ عَلاةُ الخَلْقِ؛ قال الشاعر:
ومَتْلَفٍ، بينَ مَوْماةٍ، بمَهْلَكَةٍ
جاوَزْتُها بعَلاةِ الخَلْقِ علْيان
أَي طَوِيلَة جَسِيمة. وذكر ابن بري عن الفراء أَنه قال: ناقة عِلْيان،
بكسر العين، وذكر أَبو علي أَنه يقال: رجل عِلْيان وعِلِّيان، وأَصلُ
الياءِ واوٌ انقلبت ياءً كما قالوا صبية وصِبْيان؛ وعليه قول الأَجلح:
تَقْدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيان
ويقال: رجلٌ عَلْيانُ مثلُ عَطْشانَ، وكذلك المرأَة، يستَوي فيه
المذكَّر والمؤنّث. وفي التنزيل: وأَنْزَلْنا الحديدَ فيه بأْس شديد؛ قيل في
تفسيره: أَنْزَل العَلاةَ والمَرّ.
وعلَّى الحَبْلَ: أَعادَه إِلى مَوْضِعِه من البَكَرة يُعَلِّيه، ويقالُ
للرجُل الذي يَرُدُّ حَبْلَ المُسْتَقي بالبَكَرة إِلى موضعه منها إِذا
مَرِسَ المُعَلِّي والرِّشاء المُعَلَّى. وقال أَبو عمرو: التَّعْلِية
أَن يَنْتَأَ بعضُ الطَّيِّ أَسفَل البئر فينزل رجل في البئر يُعلِّي
الدَّلوَ عن الحجر الناتِئ؛ وأَنشد لعديّ:
كَهُوِيِّ الدَّلْوِ نَزَّاها المُعَلْ
أَراد المُعَلِّي وقال:
لَوْ أَنَّ سَلْمى أَبْصَرَتْ مَطَلِّي
تَمْتَحُ، أَو تَدْلِجُ، أَو تُعَلِّى
وقيل: المُعَلِّي الذي يرفَعُ الدَّلْوَ مملوءة إِلى فوق يُعين
المُسْتَقيَ بذلك.
وعُلْوان الكتاب: سِمَتُه كعُنْوانِه، وقد عَلَّيْتُه، هذا أَقيس.
ويقال: عَلْوَنْته عَلْوَنةً وعُلْواناً وعنْوَنْتُه عَنْوَنَةً وعُنْواناً.
قال أَبو زيد: عُلْوانُ كل شيء ما عَلا منه، وهو العُنْوانُ؛ وأَنشد:
وحاجةٍ دُونَ أُخرى قد سَمَحْتُ بها،
جَعَلْتُها للَّذي أَخْفَيْتُ عُنْوانا
أَي أَظْهَرْتُ حاجةً وكتمت أُخرى وهي التي أُريغُ فصارت هذه عُنْواناً
لما أَرَدْتُ. قال الأَزهري: العرب تبدل اللام من النون في حروف كثيرة
مثل لعَلَّك ولَعَنَّك، وعَتَلَه إِلى السِّجن وعَتَنَه، وكأَنَّ عُلْوان
الكتاب اللام فيه مبدَلة من النون، وقد مَضى تفسيره.
ورجل عِلْيانٌ وعِلِّيانٌ: ضَخْم طويل، والأُنثى بالهاء. وناقة عِلْيان:
طويلَة جسِيمة؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَنشد من خَوَّارةٍ عِلْيان،
مَضْبُورة الكاهِلِ كالبُنْيان
وقال اللحياني: ناقة عَلاةٌ وعَلِيَّة وعِلِّيان مُرْتَفِعة السير لا
تُرى أَبداً إِلاَّ أَمام الرِّكاب. والــعِلْيان: الطويل من الضِّباع، وقيل:
الذَّكَر من الضِّباعِ، قال الأَزهري: هذا تصحيف وإِنما يقال لذكر
الضباع عِثْيَان، بالثاء، فصحَّفه الليث وجعل بدل الثاء لاماً، وقد تقدم ذكره.
وبَعِيرٌ عِلْيانٌ: ضَخْمٌ؛ وقال اللحياني: هو القديم الضخم. وصوت
عِلْيانٌ: جَهِيرٌ؛ عنه أَيضاً، والياء في كلِّ ذلك منقلِبة عن واو لقرب
الكسْرة وخفاء اللامِ بمشابَهَتِها النون مع السكون.
والعَلايَه: موضِعٌ؛ قال أَبو ذؤيب:
فَما أُمُّ خِشْفٍ، بالعَلايةِ، فاردٌ
تَنُوشُ البَرير، حَيْثُ نال اهْتِصارها
قال ابن جني: الياء في العَلاية بدل عن واو، وذلك أَنَّا لا نعرف في
الكلام تصريف ع ل ي، إنما هو ع ل و، فكأَنه في الأَصل علاوة، إِلاَّ أَنه
غُيِّر إِلى الياء من حيث كان عَلَماً، والأَعلام مما يكثرُ فيها التغيير
والخلاف كمَوْهَب وحَيْوَة ومَحْبَب، وقد قالوا الشِّكاية، فهذه نظير
العَلاية، إِلاَّ أَن هذا ليس بعَلَمٍ.
وفي الحديث ذكْر العُلا، بالضَّمِّ والقَصْر: هو مَوْضِعٌ من ناحِيةِ
وادي القُرى نزلَه سيِّدُنا رسول الله،صلى الله عليه وسلم، في طَرِيقِه إِلى
تَبُوكَ وبه مَسْجِد.
واعْتَلى الشيء: قَوِيَ عليه وعَلاه؛ قال:
إِني، إِذا ما لم تَصِلْني خلَّتي وتَباعَدَتْ مِني، اعْتَلَيْتُ
بِعادَها
أَي عَلَوْتُ بعادَها ببعاد أَشدَّ منه؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي
لبعض ولد بلال بن جرير:
لَعَمْرُكَ إِني يَوْمَ فَيْدَ لمُعْتَلٍ
بما ساء أَعْدائي، على كَثْرَة الزَّجْر
فسره فقال: مُعْتَلٍ عالٍ قادرٌ قاهرٌ. والعَلِيُّ: الصُّلْب الشديدُ
القَويُّ.
وعالِيَةُ تميمٍ: هم بَنُو عَمْرو بن تميم، وهم بَنُو الهُجَيم
والعَنْبَر ومازنٍ. وعُلْيا مُضَر: أَعْلاها، وهم قُرَيْش وقَيْس.
والعَلِيَّة من الإِبل والمُعْتَلِيَةُ والمُسْتَعْلِية: القويَّة على
حِمْلِها. وللناقة حالِبانِ: أَحدُهما يُمْسِك العُلْبَة من الجانب
الأَيمن، والآخر يَحْلُب من الجانب الأَيسر، فالذي يَحْلُبُ يُسمَّى
المُعَلِّيَ والمُسْتَعْليَ، والذي يُمْسِك يُسَمَّى البائِنَ؛ قال الأَزهري:
المُسْتَعْلي هو الذي يقوم على يَسار الحَلُوبة، والبائن الذي يقوم على
يمينها، والمُسْتَعْلي يأْخذ العُلْبة بيَده اليُسْرى ويَحْلُب باليمنى؛ وقال
الكميت في المُسْتَعْلي والبائن:
يُبَشِّرُ مُسْتَعْلِياً بائِنٌ،
من الحالِبَيْنِ، بأَنْ لا غِرارا
والمُسْتَعْلي: الذي يَحْلُبها من شِقِّها الأَيْسر، والبائن من
الأَيمن. قال الجوهري: المُعَلِّي، بكسر اللام، الذي يأْتي الحَلُوبة من قِبَل
يَمِينها. والعَلاة أَيضاً: شبيه بالعُلْبة يُجْعَل حَوالَيْها الخِثْي
،يُحْلَب بها. وناقة عَلاةٌ: عالِيةٌ مُشْرِفة؛ قال:
حَرْف عَلَنْداة عَلاة ضَمْعَج
ويقال: عَلِيَّة حَلِيَّة أَي حُلْوة المَنْظَر والسير عَلِيَّة فائقة.
والعَلاةُ: فرسُ عمرو بن جَبَلة، صفة غالِبة.
وعُولِيَ السمن والشَّحْم في كل ذي سمن: صُنِعَ حتى ارتفع في الصَّنْعة؛
عن اللحياني؛ وأَنشد غيره قول طَرَفة:
لها عَضُدانِ عُوليَ النَّحْضُ فيهما،
كأَنهما بابا مُنِيفٍ مُمرَّدِ
وحكى اللحياني عن العامِريَّة: كان لي أَخٌ هَنِيُّ
(* قوله« هني إلخ»
هكذا في الأصل المعتمد، وفي بعض الاصول: هييّ.) عَلِيّ أَي يَتَأَنَّثُ
للنساء. وعلِيٌّ: اسم، فإِمَّا أَن يكون من القُوَّة، وإِما أَن يكون من
عَلا يَعْلُو. وعِلِّيُّون: جماعة عِلِّيٍّ في السماء السابعة إليه
يُصْعَدُ بأَرواح المؤمنين. وقوله تعالى: كلا إِنَّ كتابَ الأَبرارِ لَفي
عِلِّيِّين أَي في أَعلى الأَمكنة. يقول القائل: كيف جُمِعَتْ عِلِّيُّون
بالنون وهذا من جمع الرجال؟ قال: والعرب إِذا جَمَعَتْ جَمْعاً لا يذهبون فيه
إِلى أَن له بناءً من واحدٍ واثنين، وقالوا في المذكر والمؤنث بالنون: من
ذلك عِلِّيُّون، وهو شيءٌ فوق شيءٍ غير معروف واحده ولا اثناه. قال:
وسمِعْتُ العربَ تقول أَطْعمنا مَرَقةَ مَرَقِينَ؛ تريد اللُّحْمان إِذا
طُبِخَتْ بماءٍ واحدٍ؛ وأَنشد:
قد رَوِيَتْ إِلاَّ دُهَيْدِهِينا
قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرِينا
فجمع بالنون لأنه أَراد العَدَد الذي لا يُحَدُّ آخره؛ وكذلك قول
الشاعر:فأَصْبَحَتِ المَذاهِبُ قد أَذاعَتْ * بها الإعْصارُ، بَعْدَ الْوابِلِينا
أَراد المَطَر بعد المَطَر غير محدود، وكذلك عِلِّيُّون ارتفاعٌ بعد
ارتفاعٍ. قال أبو إسحق في قوله جل وعز: لفي عِلِّيِّين؛ أَي في أَعلى
الأَمكنة، وما أَدراك ما عِلِّيُّون، قال: وإعراب هذا الاسم كإعرابِ الجَمْع
لأَنه على لفظِ الجَمْعِ كما تَقُول هذه قِنِّسْرُون ورأَيت قِنَّسْرينَ،
وعِلِّيُّون السماءُ السابعة؛ قال الأَزهري: ومنه قولُ النبي،صلى الله
عليه وسلم: إِنَّ أَهل الجنة ليَتَراءَوْن أَهلَ عِلِّيِّن كما تَراءَوْنَ
الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ في أُفُق السماء؛ قال ابن الأَثير: عِلِّيُّون
اسم للسماء السابعة، وقيل: هو اسم لدِيوانِ الملائكة الحَفَظَة يُرفع إليه
أَعمال الصالحين من العِبادِ، وقيل: أَرادَ أَعْلى الأَمكنة وأَشرف
المراتب وأَقربها من الله في الدارِ الآخرة، ويُعْرَب بالحروفِ والحركات
كقِنِّسْرين وأَشباهِها، على أَنه جمعٌ أَو واحد؛ قال أَبو سعيد: هذه كلمة
معروفةٌ عند العرب أَن يقولوا لأَهل الشَّرَف في الدنيا والثَّرْوَة والغِنى
أَهل عِلِّيِّين، فإذا كانوا مَتَّضِعين قالوا سِفْلِيُّون.
والعِلِّيُّون في كلام العرب: الذين يَنزلون أَعا َ البلاد، فإذا كانوا ينزلون
أَسافِلهَا فهم سِفْلِيُّون.
ويقال: هذه الكلمة تَسْتَعْلي لساني إذا كانت تَعْتَرُّه وتَجْري عليه
كثيراً.
وتقول العرب: ذهب الرجل عَلاءً وعُلْواً ولم يذهب سُفْلاً إذا ارْتَفع.
وتَعَلَّتِ المرأَةُ: طهرت من نِفاسِها. وفي حديث سُبَيْعة: أَنها لما
تَعَلَّتْ من نِفاسها أَي خرجت من نفاسها وسَلِمَت، وقيل: تَشَوَّفَتْ
لخُطَّابها، ويروى: تعالت أَي ارْتَفَعَت وظهرت، قال: ويجوز أَن يكون من
قولهم تَعَلَّى الرجلُ من عِلَّتِه إذا برأَ؛ ومنه قول الشاعر:
ولا ذات بَعْلٍ من نفاس تَعَلَّتِ
وتَعَلَّى المريضُ من عِلَّتِه: أَفاق منها.
ويَعْلى: اسمٌ؛ فأَما قوله:
قدْ عَجِبَتْ مِني ومن يُعَيـْلِيا،
لَمّا رأَتْني خلقاً مُعْلَوْلِيا
فإنه أَراد من يُعَيْلي فردّه إلى أَصله بأَن حَرَّك الياءَ ضرورة،
وأَصل الياءَات الحركة، وإنما لم يُنَوَّن لأَنه لا ينصرف. قال الجوهري:
ويُعَيْلي مُصَغَّر اسم رجل، قال ابن بري: صوابه يُعَيْلٍ، وإذا نُسِبَ
الرجلُ إلى عليِّ بن أَبي طالب، رضي الله عنه، قالوا عَلَوِيٌّ، وإذا نسبوا إلى
بني عَليٍّ وهم قبيلة من كنانة قالوا هؤُلاء العَلِيُّون؛ وروي عن ابن
الأَعرابي في قوله:
بَنُو عَلِيٍّ كلُّهم سواء
قال: بَنُو عَلِيٍّ من بني العَبَلات من بني أُمَيَّة الأَصغر، كان
وَلِيَ من بعد طَلْحة الطَّلَحات لأن أُمّهم عَبْلة بنت حادل
(* قوله«حادل»
هكذا في الأصل.) من البراجم، وهي أُمّ ولد بن أُمية الأصْغر. وعَلْوان
ومُعَلّىً: اسمان، والنسب إلى مُعَلًّى مُعَلّوِيٌّ. وتِعْلى: اسم امْرَأَة
(* قوله «وتعلى اسم امرأة» هكذا في الأصل والتكملة، وفي القاموس: يعلى،
بكسر الياء.)
وأَخَذَ ما عَلْوةً أَي عَنْوَة؛ حكاها اللحياني عن الرُّؤاسي.وحكى
أَيضاً أَنه يقال للكثير المال: اعْل به أَي ابْقَ بعده، قال ابن سيده:
وعندي أنه دعاء له بالبَقاء؛ وقول طُفَيل الغَنَوي:
ونَحْنُ مَنَعْنا، يَوْمَ حَرْسٍ، نِساءَكُمْ
غَداةَ دَعانا عامِرٌ غَيْرَ مُعْتَلِ
إنما أَراد مُؤْتَلي فحوّل الهمزة عيْناً. يقال: فلانٌ غير مُؤْتَلٍ في
الأَمْر وغير مُعْتَلٍ أَي غير مُقَصِّر. والمعتلي: فرس عقبة بن مُدْلجٍ.
والمُعَلِّي أَيضاً:
(* قوله « والمعلي أيضاً إلخ » هكذا في الأصل
والصحاح، وكتب عليه في التكملة فقال: وقال الجوهري والمعلي بكسر اللام الذي
يأتي الحلوبة من قبل يمينها، والمعلي أيضاً فرس الاشعر الشاعر، وفرس الأشعر
المعلى بفتح اللام.) اسم فَرَسِ الأَشْعرِ الشاعر. وعَلْوَى: اسم فَرَس
سُلَيكٍ . وعَلْوَى: اسم فرس خُفَاف بن نُدْبة، وهي التي يقول فيها:
وَقَفْتُ له عَلْوَى، وقد خامَ صُحْبَتِي،
لأَبْنيَ مَجْداً، أَو لأَثْأَرَ هالِكا
وقيل: عَلْوَى فَرَس خُفافِ بن عُمَيْر. قال الأَزهري: وعَلْوى اسم فرس
كانت من سَوابق خَيْل العَرَب.
وصل: وَصَلْت الشيء وَصْلاً وَصِلةً، والوَصْلُ ضِدُّ الهِجْران. ابن
سيده: الوَصْل خلاف الفَصْل. وَصَل الشيء بالشيء يَصِلُه وَصْلاً وَصِلةً
وصُلَةً؛ الأَخيرة عن ابن جني، قال: لا أَدري أَمُطَّرِدٌ هو أَم غير
مطَّرد، قال: وأَظنه مُطَّرِداً كأَنهم يجعلون الضمة مُشْعِرة بأَن المحذوف
إِنما هي الفاء التي هي الواو، وقال أَبو علي: الضمَّة في الصُّلَة ضمة
الواو المحذوفة من الوُصْلة، والحذف والنقل في الضمة شاذ كشذوذ حذف الواو
في يَجُدُ، ووَصَّلَهُ كلاهما: لأَمَهُ. وفي التنزيل العزيز: ولقد
وَصَّلْنا لَهُمُ القَوْلَ، أَي وَصَّلْنا ذِكْرَ الأَنْبياء وأَقاصِيصَ من
مَضَى بعضها ببعض، لعلهم يَعْتَبرون.
واتَّصَلَ الشيءُ بالشيء: لم ينقطع؛ وقوله أَنشده ابن جني:
قامَ بها يُنْشِدُ كلّ مُنْشِدِ،
وايتَصَلَتْ بمِثْلِ ضَوْءِ الفَرْقَدِ
إِنما أَراد اتَّصَلَتْ، فأَبدل من التاء الأُولى ياء كراهة للتشديد؛
وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
سُحَيْراً، وأَعْناقُ المَطِيِّ كأَنَّها
مَدافِعُ ثِغْبانٍ أَضَرَّ بها الوصْلُ
معناه: أَضَرَّ بها فِقْدان الوَصْل، وذلك أَن ينقطِع الثَّغَب فلا
يَجْري ولا يَتَّصِل، والثَّغَبُ: مَسِيلٌ دَقيقٌ، شَبَّه الإِبِل في مَدِّها
أَعناقها إِذا جَهَدَها السير بالثَّغَب الذي يَخُدُّه السَّيْلُ في
الوادي. ووَصَلَ الشيءُ إِلى الشيء وُصُولاً وتَوَصَّل إِليه: انتهى إِليه
وبَلَغه؛ قال أَبو ذؤيب:
تَوَصَلُ بالرُّكْبان حيناً، وتُؤْلِفُ الـ
ـجِوارَ، ويُغْشِيها الأَمانَ رِبابُها
ووَصَّله إِليه وأَوْصَله: أَنهاهُ إِليه وأَبْلَغَهُ إِياه. وفي حديث
النعمان بن
مُقَرِّن: أَنه لما حمَل على العدُوِّ ما وَصَلْنا كَتِفَيْه حتى ضرَب
في القوم أَي لم نَتَّصِل به ولم نَقْرُب منه حتى حمَل عليهم من
السُّرْعة. وفي الحديث: رأَيت سَبَباً واصِلاً من السماء إِلى الأَرض أَي
مَوْصولاً، فاعل بمعنى مفعول كماءٍ دافِقٍ؛ قال ابن الأَثير: كذا شرح، قال: ولو
جعل على بابه لم يَبْعُد. وفي حديث عليّ، عليه السلام: صِلوا السيوفَ
بالخُطى والرِّماحَ بالنَّبْل؛ قال ابن الأَثير: أَي إِذا قَصُرت السيوف عن
الضَّريبة فتقدَّموا تَلْحَقوا وإِذا لم تَلحَقْهم الرماحُ فارْمُوهم
بالنَّبْل؛ قال: ومن أَحسن وأَبلغ ما قيل في هذا المعنى قول زهير:
يَطعَنُهُمْ ما ارْتَمَوْا، حتى إِذا طَعَنُوا
ضارَبَهُمْ، فإِذا ما ضارَبُوا اعْتَنَقا
وفي الحديث: كان اسمُ نَبْلِه، عليه السلام، المُوتَصِلة؛ سميت بها
تفاؤلاً بوُصولها إِلى العدوِّ، والمُوتَصِلة لغة قريش فإِنها لا تُدْغم هذه
الواو وأَشباهها في التاء، فتقول مُوتَصِل ومُوتَفِق ومُوتَعِد ونحو ذلك،
وغيرهم يُدْغم فيقول مُتَّصِل ومُتَّفِق ومُتَّعِد.
وأَوْصَله غيرُه ووَصَلَ: بمعنى اتَّصَل أَي دَعا دعْوى الجاهلية، وهو
أَن يقول: يالَ فلان وفي التنزيل العزيز: إِلاَّ الذين يَصِلون إِلى قوم
بينكم وبينهم ميثاقٌ؛ أَي يَتَّصِلون؛ المعنى اقتُلوهم ولا تَتَّخِذوا
منهم أَولياء إِلاَّ مَنِ اتَّصَل بقوم بينكم وبينهم مِيثاق واعْتَزَوْا
إِليهم. واتَّصَلَ الرجلُ: انتسَب وهو من ذلك؛ قال الأَعشى:
إِذا اتَّصَلَتْ قالتْ لِبَكْرِ بنِ وائِلٍ،
وبَكْرٌ سَبَتْها، والأُنُوفُ رَواغِمُ
(* قوله «قالت لبكر» في المحكم والتهذيب: قالت أَبكر إلخ).
أَي إِذا انتَسَبَتْ. وقال ابن الأَعرابي في قوله: إِلا الذين يَصِلون
إِلى قوم؛ أَي يَنتَسِبون. قال الأَزهري: والاتِّصال أَيضاً الاعْتزاءُ
المنهيّ عنه إِذا قال يالَ بني فلان ابن السكيت: الاتِّصال أَن يقول يا
لَفُلان، والاعتزاءُ أَن يقول أَنا ابنُ فلان. وقال أَبو عمرو: الاتصالُ
دُعاء الرجل رَهْطه دِنْياً، والاعْتزاءُ عند شيء يعجبُه فيقول أَنا ابن
فلان. وفي الحديث: مَنِ اتَّصَلَ فأَعِضُّوه أَي مَنِ ادَّعى دَعْوى
الجاهلية، وهي قولهم يالَ فلان، فأَعِضُّوه أَي قولوا له اعْضَضْ أَيْرَ أَبيك.
يقال: وَصَل إِليه واتَّصَل إِذا انتَمى. وفي حديث أُبَيٍّ: أَنه
أَعَضَّ إِنساناً اتَّصَل.
والواصِلة من النساء: التي تَصِل شعَرَها بشعَر غيرها، والمُسْتَوْصِلة:
الطالِبة لذلك وهي التي يُفْعَل بها ذلك. وفي الحديث: أَن النبي، صلى
الله عليه وسلم، لعَنَ الواصِلةَ والمُسْتَوْصِلة؛ قال أَبو عبيد: هذا في
الشعَر وذلك أَن تَصِل المرأَة شعَرها بشَعَرٍ آخر زُوراً. وروي في حديث
آخر: أَيُّما امرأَةٍ وَصَلت شعَرها بشعر آخر كان زُوراً، قال: وقد
رَخَّصَت الفقهاء في القَرامِل وكلِّ شيء وُصِل به الشعر، وما لم يكن الوَصْل
(* قوله «وما لم يكن الوصل» أي الموصول به شعراً إلخ) شعراً فلا بأْس به.
وروي عن عائشة أَنها قالت: ليست الواصِلةُ بالتي تَعْنون، ولا بأْسَ أَنْ
تَعْرَى المرأَةُ عن الشعَر فتَصُِل قَرْناً من قرُونها بصُوفٍ أَسوَد،
وإِنما الواصِلة التي تكون بغيّاً في شَبيبَتِها، فإِذا أَسَنَّتْ
وصَلَتْها بالقِيادة؛ قال ابن الأَثير: قال أَحمد بن حنبل لمَّا ذُكِر ذلك له:
ما سمعت بأَعْجَب من ذلك. ووَصَله وَصْلاً وصِلة وواصَلَهُ مُواصَلةً
ووِصالاً كلاهما يكون في عَفاف الحبّ ودَعارَتِه، وكذلك وَصَل حَبْله
وَصْلاً وصِلةً؛ قال أَبو ذؤيب:
فإِن وَصَلَتْ حَبْلَ الصَّفاء فَدُمْ لها،
وإِن صَرَمَتْه فانْصَرِف عن تَجامُل
وواصَلَ حَبْله: كوَصَله. والوُصْلة: الاتِّصال. والوُصْلة: ما اتَّصل
بالشيء. قال الليث: كلُّ شيء اتَّصَل بشيء فما بينهما وُصْلة، والجمع
وُصَل. ويقال: وَصَل فلان رَحِمَه يَصِلها صِلةً. وبينهما وُصْلة أَي اتِّصال
وذَرِيعة. ووَصَل كتابُه إِليّ وبِرُّه يَصِل وُصولاً، وهذا غير واقع.
ووَصَّله تَوْصيلاً إِذا أَكثر من الوَصْل، وواصَله مُواصَلةً ووِصالاً،
ومنه المُواصَلةُ بالصوم وغيره. وواصَلْت الصِّيام وِصالاً إِذا لم
تُفْطِر أَياماً تِباعاً؛ وقد نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الوِصال في
الصوم وهو أَن لا يُفْطِر يومين أَو أَياماً، وفيه النهي عن المُواصَلة في
الصَّلاة، وقال: إِنَّ امْرَأً واصَلَ في الصلاة خرج منها صِفْراً؛ قال
عبد الله بن أَحمد بن حنبل: ما كُنَّا نَدْري ما المُواصَلة في الصلاة حتى
قَدِم علينا الشافعيُّ، فمضى إِليه أَبي فسأَله عن أَشياء وكان فيما
سأَله عن المُواصَلة في الصلاة، فقال الشافعي: هي في مواضع: منها أَن يقول
الإِمامُ ولا الضّالِّين فيقول مَن خلفه آمين معاً أَي يقولها بعد أَن
يسكُت الإِمام، ومنها أَن يَصِل القراءة بالتكبير، ومنها السلامُ عليكم
ورحمةُ الله فيَصِلها بالتسليمة الثانية، الأُولى فرض والثانية سُنَّة فلا
يُجْمَع بينهما، ومنها إِذا كبَّر الإِمام فلا يُكَبِّر معه حتى يسبقه ولو
بواو. وتَوَصَّلْت إِلى فلان بوُصْلة وسبب توَصُّلاً إِذا تسبَّبت إِليه
بحُرْمة. وتوصَّل إِليه أَي تلطَّف في الوُصول إِليه. وفي حديث عُتْبة
والمقدام: أَنهما كانا أَسْلَما فَتَوَصَّلا بالمشركين حتى خَرجا إِلى
عُبيدة بن الحرث أَي أَرَياهم أَنهما مَعَهم حتى خرجا إِلى المسلمين،
وتوصَّلا بمعنى توسَّلا وتقرَّبا.
والوَصْل: ضد الهجران. والتَّواصُل: ضد التَّصارُم. وفي الحديث: مَن
أَراد أَن يَطول عُمْره فَلْيَصِلْ رَحِمَه، تكرّر في الحديث ذكر صِلة
الرَّحِم؛ قال ابن الأَثير: وهي كِناية عن الإِحسان إِلى الأَقرَبين من ذوي
النسَب والأَصْهار والعَطف عليهم والرِّفْق بهم والرِّعاية لأَحْوالهم،
وكذلك إِن بَعُدُوا أَو أَساؤوا، وقَطْع الرَّحِم ضدُّ ذلك كلِّه. يقال:
وَصَل رَحِمَه يَصِلُها وَصْلاً وصِلةً، والهاء فيها عِوَض من الواو
المحذوفة فكأَنه بالإِحسان إِليهم قد وَصَل ما بينه وبينهم من عَلاقة القَرابة
والصِّهْر. وفي حديث جابرٍ: إِنه اشترى مِنِّي بَعيراً وأَعطاني وَصْلاً
من ذهَب أَي صِلةً وهِبةً، كأَنه ما يَتَّصِل به أَو يَتَوَصَّل في
مَعاشه. ووَصَله إِذا أَعطاه مالاً. والصِّلة: الجائزة والعطيَّة. والوَصْل:
وَصْل الثوب والخُفّ. ويقال: هذا وَصْل هذا أَي مثله.
والمَوْصِل: ما يُوصَل من الحبل. ابن سيده: والمَوْصِل مَعْقِد الحبْل
في الحَبْل.
ويقال للرجُلين يُذكران بِفِعال وقد مات أَحدهما: فَعَل كذا ولا يُوصَل
حَيٌّ بميت، وليس له بِوَصِيل أَي لا يَتْبَعُه؛ قال الغَنَوِي:
كمَلْقَى عِقالٍ أَو كمَهْلِك سالِمٍ،
ولسْتَ لِمَيْتٍ هالك بِوَصِيلِ
ويروى:
وليس لِحَيٍّ هالِك بِوَصِيل
وهو معنى قول المتنَخِّل الهذلي:
ليسَ لِمَيْتٍ بِوَصِيلٍ، وقد
عُلِّقَ فيه طَرَفُ المَوْصِلِ
دُعاء لرجل أَي لا وُصِل هذا الحيّ بهذا المَيت أَي لا ماتَ معه ولا
وُصِل بالميت، ثم قال: وقد عُلِّقَ فيه طَرَفٌ من الموت أَي سيَمُوت
ويَتَّصِل به، قال: هذا قول ابن السكيت، قال ابن سيده: والمعنى فيه عندي على غير
الدُّعاء إِنما يُريد: ليس هو ما دام حَيًّا بِوَصِيلٍ للميت على أَنه
قد عُلِّق فيه طَرَف المَوْصِل أَي أَنه سيَمُوت لا محالة فيَتَّصِل به
وإِن كان الآن حَيًّا، وقال الباهلي: يقول بان الميت فلا يُواصِله الحيُّ،
وقد عُلِّق في الحي السَّبَب الذي يُوَصِّله إِلى ما وَصَل إِليه الميت؛
وأَنشد ابن الأَعرابي:
إِنْ وَصَلْت الكِتابَ صِرْتَ إِلى اللهِ،
ومَن يُلْفَ واصِلاً فهو مُودِي قال أَبو العباس: يعني لَوْح المَقابر
يُنْقر ويُتْرَك فيه موضع للميت
(* قوله «موضع للميت» لعله موضع لاسم
الميت) بَياضاً، فإِذا مات الإِنسانُ وُصِل ذلك الموضع باسمه.
والأَوْصال: المَفاصِل. وفي صِفته، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان فَعْمَ
الأَوْصالِ أَي ممْتَلئَ الأَعضاء، الواحدُ وِصْل.
والمَوْصِل: المَفْصِل. ومَوْصِل البعير: ما بين العَجُز والفَخِذ؛ قال
أَبو النجم:
ترى يَبِيسَ الماءِ دون المَوْصِلِ
منه بِعجْزٍ، كصَفاةِ الجَيْحَلِ
الجَيْحَل: الصُّلْب الضَّخْم. والوِصْلانِ: العَجُز والفَخِذ، وقيل:
طَبَق الظهر. والوِصْل والوُصْل: كلُّ عظم على حِدَة لا يكسَر ولا يُخْلط
بغيره ولا يُوصَل به غيره، وهو الكَِسْرُ والجَِدْلُ، بالدال، والجمع
أَوْصال وجُدُول، وقيل: الأَوْصال مجتَمَع العظام، وكلّه من الوَصْل.
ويقال: هذا رجل وَصِيلُ هذا أَي مثله. والوَصِيل: بُرود اليمن، الواحدة
وَصِيلة. وفي الحديث: أَن أَوَّل من كَسَا الكعبة كسْوةً كامِلةً
تُبَّعٌ، كَسَاها الأَنْطاعَ ثم كساها الوَصائل أَي حِبَر اليَمَن. وفي حديث
عمرو: قال لمعاوية ما زلت أَرُمُّ أَمْرَك بِوَذائله وأَصِلُهُ بوَصائله؛
القتيبي: الوَصائل ثياب يمانية، وقيل: ثياب حُمْرُ مُخَطَّطة يمانية،
ضَرَبَ هذا مثلاً لإِحكامه إِياه، ويجوز أَن يكون أَراد بالوَصائل الصِّلاب،
والوَذِيلة قطعة من الفضة، ويقال للمِرآة الوَذيلةُ والعِنَاسُ
والمَذِيَّةُ؛ قال ابن الأَثير: أَراد بالوَصائل ما يُوصَل به الشيء، يقول: ما
زِلْت أُدَبِّر أَمْرك بما يَجِب أَن يُوصَل به من الأُمور التي لا غِنَى به
عنها، أَو أَراد أَنه زَيَّن أَمْرَه وحَسَّنه كأَنه أَلْبَسَه الوَصائل.
وقوله عز وجل: ما جَعَل اللهُ من بَحِيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وَصِيلةٍ؛ قال
المفسرون: الوَصِيلةُ كانت في الشاء خاصة، كانت الشاة إِذا وَلَدَتْ
أُنثى فهي لهم، وإِذا وَلَدَتْ ذكَراً جعلوه لآلهتهم، فإِذا وَلَدَتْ ذكَراً
وأُنثى قالوا وَصَلَتْ أَخاها فلم يَذْبَحوا الذكَر لآلهتهم. والوَصِيلة
التي كانت في الجاهلية: الناقةُ التي وَصَلَتْ بين عشرة أَبْطُن وهي من
الشاء التي وَلَدَتْ سبعة أَبْطُن عَناقَيْن عَناقَيْن، فإِن وَلَدَت في
السابع عَناقاً قيل وَصَلتْ أَخاها فلا يشرَب لَبَنَ الأُمِّ إِلاَّ
الرِّجال دون النساء وتَجْري مَجْرَى السائبة. وقال أَبو عرفة وغيره:
الوَصِيلة من الغنم كانوا إِذا وَلَدَتِ الشاةُ ستة أَبْطُن نَظَرُوا، فإِن كان
السابعُ ذكَراً ذُبِحَ وأَكَل منه الرجال والنساء، وإِن كانت أُنثى
تُرِكتْ في الغنم، وإِن كانت أُنثى وذكَراً قالوا وَصَلتْ أَخاها فلم يُذْبَح
وكان لَحْمُها
(* قوله «وكان لحمها» في نسخة لبنها) حَراماً على النساء؛
وفي الصحاح: الوَصِيلةُ التي كانت في الجاهلية هي الشاة تَلِدُ سبعة
أَبْطُن عَناقَيْن عَناقَيْن، فإِن وَلَدَتْ في الثامنة جَدْياً وعَناقاً
قالوا وَصَلَتْ أَخاها، فلا يذبَحُون أَخاها من أَجلها ولا يشرَب لبَنها
النساء وكان للرجال، وجرَتْ مَجْرَى السائبة. وروي عن الشافعي قال:
الوَصِيلة الشاة تُنْتَجُ الأَبْطُن، فإِذا وَلَدَتْ آخَرَ بعد الأَبْطُن التي
وَقَّتوا لها قيل وَصَلتْ أَخاها، وزاد بعضهم: تُنْتَجُ الأَبْطُن الخمسة
عَناقَيْن عَناقَيْن في بَطْن فيقال: هذه وُصْلةٌ تَصِلُ كلَّ ذي بطن
بأَخٍ له معه، وزاد بعضهم فقال: قد يَصِلونها في ثلاثة أَبْطُن ويُوصِلونها
في خمسة وفي سبعة. والوَصِيلةُ: الأَرض الواسعة البعيدة كأَنها وُصِلَتْ
بأُخْرى، ويقال: قطعنا وَصِيلة بعيدة. وروي عن ابن مسعود أَنه قال: إِذا
كنت في الوَصِيلة فأَعْطِ راحِلتَكَ حَظَّها، قال: لم يُرِد بالوَصِيلة
ههنا الأَرض البعيدة ولكنه أَراد أَرضاً مُكْلِئة تَتَّصل بأُخرى ذاتِ
كَلأٍ؛ قال: وفي الأُولى يقول لبيد:
ولقد قَطَعْت وَصِيلةً مَجْرُودةً،
يَبْكي الصَّدَى فيها لِشَجْوِ البُومِ
والوَصِيلة: العِمَارة والخِصْب، سمِّيت بذلك
(* قوله «سميت بذلك إلخ»
عبارة المحكم: سميت بذلك لاتصالها واتصال الناس فيها، والوصائل ثياب
يمانية مخططة بيض وحمر على التشبيه بذلك، واحدتها وصيلة) واحدتها
وَصِيلة.وحَرْفُ الوَصْل: هو الذي بعد الرَّوِيِّ، وهو على ضربين: أَحدهما ما
كان بعده خروج كقوله:
عفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها
والثاني أَن لا يكون بعده خروجٌ كقوله:
أَلا طالَ هذا الليلُ وازْوَرَّ جانِبُهْ،
وأَرَّقَني أَن لا حَليلٌ أُلاعِبُهْ
قال الأَخفش: يلزم بعد الرَّوِيِّ الوَصْل ولا يكون إِلا ياءً أَو واواً
أَو أَلِفاً كل واحدة منهنّ ساكنة في الشعر المُطْلَق، قال: ويكون
الوَصْل أَيضاً هاءً الإِضْمار وذلك هاءُ التأْنيث التي في حَمْزة ونحوها،
وهاءُ للمُذكَّر والمؤَنث متحرِّكة كانت أَو ساكنة نحو غُلامِه وغُلامِها،
والهاء التي تُبَيَّن بها الحركة نحو عَلَيَّهْ وعَمَّهْ واقْضِهِ
وادْعُهُ، يريد عَلَيَّ وعَمَّ واقضِ وادعُ، فأُدخلت الهاء لتُبَيَّن بها حركة
الحروف؛ قال ابن جني: فقول الأَخفش يلزم بعد الرَّوِيِّ الوَصْل، لا يريد
به أَنه لا بُدَّ مع كل رَويّ أَن يَتْبَعه الوَصْل، أَلا ترى أَن قول
العجاج:
قد جَبَر الدِّينَ الإِلَهُ فجَبَرْ
لا وَصْل معه؛ وأَن قول الآخر:
يا صاحِبَيَّ فَدَتْ نفْسي نُفوسَكما،
وحيْثُما كُنْتُما لاقَيْتُما رَشَدَا
إِنما فيه وَصْل لا غير، ولكن الأَخفش إِنما يريد أَنه مما يجوز أَن
يأْتي بعد الرَّوِيٍّ، فإِذا أَتَى لَزِم فلم يكن منه بُدٌّ، فأَجْمَل
القَوْلَ وهو يعتقد تفصِيله، وجمعه ابن جني على وُصُول، وقياسُه أَن لا
يُجْمَع. والصِّلةُ: كالوَصْل الذي هو الحرف الذي بعد الرَّوِيّ وقد وَصَل به.
وليلة الوَصْل: آخر ليلة من الشهر لاتِّصالها بالشهر الآخَرَ.
والمَوْصِل: أَرض بين العِراق والجزيرة؛ وفي التهذيب: ومَوْصِل كُورة
معروفة؛ وقول الشاعر:
وبَصْرَة الأَزْدِ مِنَّا، والعِراقُ لنا،
والمَوْصِلانِ، ومِنَّا المِصْرُ والحَرَمُ
يريد المَوْصِل والجزيرة.
والمَوْصولُ: دابَّة على شكل الدَّبْرِ أَسْوَد وأَحْمَر تَلْسَع
الناسَ. والمَوْصول من الدوابّ: الذي لم يَنْزُ على أُمِّه غيرُ أَبيه؛ عن ابن
الأَعرابي؛ وأَنشد:
هذا فَصِيلٌ ليس بالمَوْصولِ،
لكِنْ لِفَحْلٍ طرقة فَحِيلِ
ووَاصِل: اسم رجل، والجمع أَواصِل بقلْب الواو همزة كراهة اجتماع
الواوين. ومَوْصول: اسم رجل؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
أَغَرَّكَ، يا مَوْصولُ، منها ثُمالةٌ،
وبَقْلٌ بأَكْنافِ الغَرِيفِ تُؤانُ؟
أَراد تُؤام فأَبدل.
واليَأْصُول: الأَصْلُ؛ قال أَبو وجزة:
يَهُزُّ رَوْقَيْ رِماليٍّ كأَنَّهما
عُودَا مَدَاوِسَ يَأْصولٌ ويأْصولُ
يريد أَصْلٌ وأَصْلٌ.
فعل: الفِعل: كناية عن كل عمل متعدٍّ أَو غير متعدٍّ، فَعَل يَفْعَل
فَعْلاً وفِعْلاً، فالاسم مكسور والمصدر مفتوح، وفَعَله وبه، والاسم
الفِعْل، والجمع الفِعال مثل قِدْح وقِداح وبِئر وبِئار، وقيل: فَعَله يَفْعَله
فِعْلاً مصدر، ولا نظير له إِلا سَحَره يَسْحَره سِحْراً، وقد جاء خَدَع
يَخْدَع خَدْعاً وخِدْعاً، وصَرَع صَرْعاً وصِرْعاً، والفَعْل بالفتح
مصدر فَعَل يَفْعَل، وقد قرأَ بعضهم: وأَوحينا إِليهم فَعْلَ الخيرات، وقوله
تعالى في قصة موسى، عليه السلام: وفَعَلْتَ فَعْلَتَك التي فَعَلْت؛
أَراد المرة الواحدة كأَنه قال قَتَلْت النفس قَتْلَتَك، وقرأَ الشعبي
فِعْلَتَك، بكسر الفاء، على معنى وقَتَلْت القِتْلة التي قد عرفتها لأَنه
قَتَله بوَكْزة؛ هذا عن الزجاج، قال: والأَول أَجود. والفَعال أَيضاً مصدر
مثل ذَهَب ذَهاباً، والفَعال، بالفتح: الكرم؛ قال هدبة:
ضَرُوب بلَحْيَيْه على عَظْم زَوْرِه،
إِذا القوم هَشُّوا للفَعال تَقَنَّعا
قال الليث: والفَعال اسم للفِعْل الحسن من الجود والكرَم ونحوه. ابن
الأَعرابي: والفَعال فِعْل الواحد خاصة في الخير والشر. يقال: فلان كريم
الفَعال وفلان لئيم الفَعال، قال: والفِعال، بكسر الفاء، إِذا كان الفعل بين
الاثنين؛ قال الأَزهري: وهذا هو الصواب ولا أَدري لمَ قَصَر الليثُ
الفَعال على الحسَن دون القبيح، وقال المبرد: الفَعال يكون في المدْح
والذمِّ، قال: وهو مُخَلَّص لفاعل واحد، فإِذا كان من فاعِلَين فهو فِعال، قال:
وهذا هو الجيد. وكانت منه فَعْلة حسنة أَو قبيحة، والفَعَلة صفة غالِبة
على عَمَلةِ الطين والحفر ونحوهما لأَنهم يَفْعَلون؛ قال ابن الأَعرابي:
والنَّجَّار يقال له فاعل.
قال النحويون: المفعولات على وُجوه في باب النحو: فمفعول به كقولك
أَكرمت زيداً وأَعَنْت عمراً وما أَشبهه، ومفعول له كقولك فَعَلْت ذلك حِذارَ
غضبك، ويسمى هذا مفعولاً من أَجلٍ أَيضاً، ومفعول فيه وهو على وجهين:
أَحدهما الحال، والآخر في الظروف، فأَما الظَّرْف فكقولك نِمْت البيتَ وفي
البيت، وأَما الحال فكقولك ضرب فلان راكباً أَي في حال رُكوبه، ومفعول
عليه كقولك عَلَوْت السطحَ ورَقِيت الدرَجة، ومفعول بلا صِلةٍ وهو المصدر
ويكون ذلك في الفعل اللازم والواقع كقولك حفِظْت حِفْظاً وفَهِمْت
فَهْماً، واللازم كقولك انكسر انكساراً، والعرب تشتقُّ من الفعْل المُثُلَ
للأَبنية التي جاءت عن العرب مثل فُعالة وفَعُولة وأُفْعُول ومِفْعِيل
وفِعْليل وفُعْلول وفِعْوَلّ وفِعَّل وفُعُلّ وفُعْلة ومُفْعَنْلِل وفَعِيل
وفِعْيَل. وكنى ابن جني بالتَّفْعِيل عن تَقْطِيع البيت الشعريِّ لأَنه إِنما
يَزِنه بأَجزاء مادَّتها كلها «فعل» كقولك فَعُولن مَفاعِيلن وفاعِلانن
فاعِلن ومُسْتَفْعِلن فاعِلن وغير ذلك من ضُروب مقطَّعات الشعر؛
وفاعِليَّان: مثال صيغ لبعض ضُروب مربَّعِ الرَّمَل كقوله:
يا خليليَّ ارْبَعا، فاسْـ
ـتَنْطِقا رَسْماً بِعُسْفان
فقوله مَنْ بِعُسْفانْ فاعِليَّان.
ويقال: شعر مُفْتَعَل إِذا ابتَدعه قائله ولم يَحْذُه على مِثالٍ
تَقدَّمه فيه مَنْ قَبْلَه، وكان يقال: أَعذب الأَغاني ما افتُعِل وأَظرَفُ
الشعر ما افتُعِل؛ قال ذو الرمة:
غَرائِبُ قد عُرِفْن بكلِّ أُفْقٍ،
من الآفاق، تُفْتَعَل افْتِعالا
أَي يبتدَع بها غِناء بديع وصوت محدَث. ويقال لكل شيء يسوَّى على غير
مِثال تقدَّمه: مُفْتَعَل؛ ومنه قول لبيد:
فرَمَيْت القوم رَشْقاً صائِباً،
ليس بالعُصْل ولا بالمُفْتَعَل
وقوله تعالى: والذين هم للزكاة فاعِلون؛ قال الزجاج: معناه مُؤتون.
وفِعال الفَأْس والقَدُوم والمِطْرَقة: نِصابها؛ قال ابن مقبل:
وتَهْوِي، إِذا العِيسُ العِتاق تَفاضَلَتْ،
هُوِيَّ قَدُومِ القَيْن حال فِعالها
يعني نِصابَها وهو العَمُود الذي يجعل في خُرْتِها يعمَل به؛ وأَنشد ابن
الأَعرابي:
أَتَتْه، وهي جانِحة يداها
جُنوحَ الهِبْرقِيِّ على الفِعال
قال ابن بري: الفَعال مفتوح أَبداً إِلاَّ الفِعال لخشبة الفأْس فإِنها
مكسورة الفاء، يقال: يا بابوسُ أَوْلِج الفِعال في خُرْت الحَدَثان،
والحَدَثان الفَأْس التي لها رأْس واحدة. والفِعال أَيضاً: مصدر فاعَل.
والفَعِلة: العادة. والفَعْل: كناية عن حَياء الناقة وغيرها من الإِناث.
وقال ابن الأَعرابي: سئل الدُّبَيْريُّ عن جُرْحه فقال أَرَّقَني وجاء
بالمُفْتَعَل أَي جاء بأَمر عظيم، قيل له: أَتَقولُه في كل شيء؟ قال: نعم
أَقول جاء مالُ فلان بالمُفْتَعَل، وجاء بالمُفْتَعَل من الخطإِ، ويقال:
عَذَّبني وجَع أَسْهرَني فجاء بالمُفْتَعَل إِذا عانى منه أَلماً لم
يعهَد مثله فيما مضى له. ابن الأَعرابي: افْتَعل فلان حديثاً إِذا اخْتَرقه؛
وأَنشد:
ذكْر شيءٍ، يا سُلَيْمى، قد مَضى،
وَوُشاة ينطِقون المُفْتَعَل
وافْتَعل عليه كذباً وزُوراً أَي اختلَق. وفَعَلْت الشيء فانْفَعَل:
كقولك كسَرْته فانكسَر. وفَعالِ: قد جاء بمعنى افْعَلْ وجاء بمعنى فاعِلة،
بكسر اللام.
حسف: الحُسافُ: بَقِيّةُ كلِّ شيء أُكل فلم يبق منه إلا قليل. وحُسافةُ
التمرِ: بقية قُشُوره وأَقْماعُه وكِسَرُه؛ هذه عن اللحياني. قال الليث:
الحُسافة حُسافة التمر، وهي قُشوره ورَدِيئه. وحُسافُ المائدةِ: ما
يَنْتَثِرُ فيؤكل فيُرْجى فيه الثوابُ. وحُسافُ الصِّلِّيانِ ونحوه: يَبِيسُه،
والجمع أَحْسافٌ. والحُسافةُ: ما سَقَطَ من التمر، وقيل: الحسافة في
التمر خاصّة ما سقط من أَقماعه وقشوره وكِسَره. الجوهري: الحسافة ما تناثر
من التمر الفاسد.
وحَسَفَ التمرَ يَحْسِفُه حَسْفاً وحَسَّفَه: نَقَّاه من الحُسافةِ. ابن
الأَعرابي: الحُسوفُ اسْتِقْصاء الشيء وتَنْقِيَتُه. وفي الحديث: أَنَّ
أَسْلَم كان يأَْتي عمر بالصاعِ من التمر فيقول: يا أَسْلَمُ حُتَّ عنه
قِشْره، قال: فأَحْسِفُه ثم يأْكله؛ الحَسْفُ كالحتّ وهو إزالة القِشْر.
ومنه حديث سعد بن أَبي وقاص قال عن مصعب بن عمير: لقد رأَيت جِلْدَه
يَتَحَسَّفُ تَحَسُّفَ جِلدِ الحَيّةِ أَي يَتَقَشر. وهو من حُسافتهم أَي من
خُشارَتِهمْ. وحُسافةُ الناسِ: رُذالُهم. وانْحَسَفَ الشيءُ في يَدِي:
انفَتَّ. وحَسَفَ القَرْحة: قَشَرَها. وتَحَسَّفَ الجِلْدُ: تقشّر؛ عن ابن
الأَعرابي. وتَحَسَّفَتْ أَوْبارُ الإبلِ وتوَسَّفَتْ إذا تَمَعَّطَتْ
وتَطايَرَتْ.
والحَسِيفةُ: الضَّغِينةُ؛ قال الأَعشى:
فَماتَ ولم تَذْهَبْ حَسِيفةُ صَدْرِه،
يُخَبِّرُ عنه ذاك أَهْلُ الـمَقابِرِ
وفي صدره عليَّ حَسِيفةٌ وحُسافةٌ أَي غَيْظٌ وعداوةٌ. أَبو عبيد: في
قلبه عليه كَتِيفةٌ وحَسِيفةٌ وحَسيكةٌ وسخِيمةٌ بمعنًى واحد. ورجع فلان
بحَسيفة نَفْسِه إذا رجَعَ ولم يَقْضِ حاجةُ نفسِه؛ وأَنشد:
إذا سُئِلُوا الـمَعْرُوفَ لم يَبْخَلُوا به،
ولم يَرْجِعُوا طُلاَّبَه بالحَسائِفِ
قال الفراء: حُسِفَ فلان أَي رُذلَ وأُسْقِطَ. وحكى الأَزهري عن بعض
الأَعراب قال: يقال لجَرْسِ الحَيّاتِ حَسْفٌ وحَسِيفٌ وحفيفٌ؛ وأَنشد:
أَباتوني بِشَرِّ مَبيتِ ضَيْفٍ،
به حَسْفُ الأَفاعي والبُرُوصِ
شمر: الحُسافةُ الماء القليل؛ قال: وأَنشدني ابن الأَعرابي لكثيِّر:
إذا النَّبْلُ في نَحْرِ الكُمَيْتِ، كأَنها
شَوارِعُ دَبْرٍ في حُسافةِ مُدْهُنِ
شمر: وهو الحُشافةُ، بالشين أَيضاً، الـمُدْهُن: صخْرة يَسْتَنْقِعُ
فيها الماءُ.
بلل: البَلَل: النَّدَى. ابن سيده. البَلَل والبِلَّة النُّدُوَّةُ؛ قال
بعض الأَغْفال:
وقِطْقِطُ البِلَّة في شُعَيْرِي
أَراد: وبِلَّة القِطْقِط فقلب. والبِلال: كالبِلَّة؛ وبَلَّه بالماء
وغيره يَبُلُّه بَلاًّ وبِلَّة وبَلَّلهُ فَابْتَلَّ وتَبَلَّلَ؛ قال ذو
الرمة:
وما شَنَّتَا خَرْقاءَ واهِيَة الكُلَى،
سَقَى بهما سَاقٍ، ولَمَّا تَبَلَّلا
والبَلُّ: مصدر بَلَلْت الشيءَ أَبُلُّه بَلاًّ. الجوهري: بَلَّه
يَبُلُّه أَي نَدَّاه وبَلَّلَه، شدّد للمبالغة، فابْتَلَّ. والبِلال: الماء.
والبُلالة: البَلَل. والبِلال: جمع بِلَّة نادر. واسْقِه على بُلَّتِه أَي
ابتلاله. وبَلَّة الشَّباب وبُلَّتُه: طَرَاؤه، والفتح أَعلى. والبَلِيل
والبَلِيلَة: ريح باردة مع نَدًى، ولا تُجْمَع. قال أَبو حنيفة: إِذا
جاءت الريح مع بَرْد ويُبْس ونَدًى فهي بَلِيل، وقد بَلَّتْ تَبِلُّ
بُلولاً؛ فأَما قول زياد الأَعجم:
إِنِّي رأَيتُ عِدَاتِكم
كالغَيْث، ليس له بَلِيل
فمعناه أَنه ليس لها مَطْل فَيُكَدِّرَها، كما أَن الغَيْث إِذا كانت
معه ريح بَلِيل كدَّرَتْه. أَبو عمرو: البَلِيلة الريح المُمْغِرة، وهي
التي تَمْزُجها المَغْرة، والمَغْرة المَطَرة الضعيفة، والجَنُوب أَبَلُّ
الرِّياح. وريح بَلَّة أَي فيها بَلَل. وفي حديث المُغيرة: بَلِيلة
الإِرْعاد أَي لا تزال تُرْعِد وتُهَدِّد؛ والبَليلة: الريح فيها نَدى، جعل
الإِرعاد مثلاً للوعيد والتهديد من قولهم أَرْعَد الرجلُ وأَبْرَق إِذا
تَهَدَّد وأَوعد، والله أَعلم. ويقال: ما سِقَائك بِلال أَي ماء. وكُلُّ ما
يُبَلُّ به الحَلْق من الماء واللَّبن بِلال؛ ومنه قولهم: انْضَحُوا
الرَّحِمَ بِبلالها أَي صِلُوها بصِلَتِها ونَدُّوها؛ قال أَوس يهجو الحكم بن
مروان بن زِنْبَاع:
كأَنِّي حَلَوْتُ الشِّعْرَ، حين مَدَحْتُه،
صَفَا صَخْرَةٍ صَمَّاء يَبْسٍ بِلالُها
وبَلَّ رَحِمَه يَبُلُّها بَلاًّ وبِلالاً: وصلها. وفي حديث النبي،صلى
الله عليه وسلم: بُلُّوا أَرحامَكم ولو بالسَّلام أَي نَدُّوها بالصِّلة.
قال ابن الأَثير: وهم يُطْلِقون النَّداوَة على الصِّلة كما يُطْلِقون
اليُبْس على القَطِيعة، لأَنهم لما رأَوا بعض الأَشياء يتصل ويختلط
بالنَّداوَة، ويحصل بينهما التجافي والتفرّق باليُبْس، استعاروا البَلَّ لمعنى
الوصْل واليُبْسَ لمعنى القَطِيعة؛ ومنه الحديث: فإِن لكم رَحِماً
سأَبُلُّها بِبلالِها أَي أَصِلُكم في الدنيا ولا أُغْنِي عنكم من الله شيئاً.
والبِلال: جمع بَلَل، وقيل: هو كل ما بَلَّ الحَلْق من ماء أَو لبن أَو
غيره؛ ومنه حديث طَهْفَة: ما تَبِضُّ بِبِلال، أَراد به اللبن، وقيل
المَطَر؛ ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: إِنْ رأَيت بَلَلاً من عَيْش أَي
خِصْباً لأَنه يكون مِنَ الماء. أَبو عمرو وغيره: بَلَلْت رَحِمي أَبُلُّها
بَلاًّ وبِلالاً وَصَلْتها ونَدَّيْتُها؛ قال الأَعْشَى:
إِما لِطَالِب نِعْمَةٍ تَمَّمتها،
ووِصَالِ رَحْم قد بَرَدْت بِلالَها
وقول الشاعر:
والرَّحْمَ فابْلُلْها بِخيْرِ البُلاَّن،
فإِنها اشْتُقَّتْ من اسم الرَّحْمن
قال ابن سيده: يجوز أَن يكون البُلاَّن اسماً واحداً كالغُفْران
والرُّجْحان، وأَن يكون جمع بَلَل الذي هو المصدر، وإِن شئت جعلته المصدر لأَن
بعض المصادر قد يجمع كالشَّغْل والعَقْل والمَرَض. ويقال: ما في سِقَائك
بِلال أَي ماء، وما في الرَّكِيَّة بِلال.
ابن الأَعرابي: البُلْبُلة الهَوْدَج للحرائر وهي المَشْجَرة. ابن
الأَعرابي: التَّبَلُّل
(* قوله «التبلل» كذا في الأصل، ولعله محرف عن التبلال
كما يشهد به الشاهد وكذا أورده شارح القاموس).
الدوام وطول المكث في كل شيء؛ قال الربيع بن ضَبُع الفزاري:
أَلا أَيُّها الباغي الذي طالَ طِيلُه،
وتَبْلالُهُ في الأَرض، حتى تَعَوَّدا
وبَلَّك اللهُ ابْناً وبَلَّك بابْنٍ بَلاًّ أَي رَزَقَك ابناً، يدعو
له. والبِلَّة: الخَيْر والرزق. والبِلُّ: الشِّفَاء. ويقال: ما قَدِمَ
بِهِلَّة ولا بِلَّة، وجاءنا فلان فلم يأْتنا بِهَلَّة ولا بَلَّة؛ قال ابن
السكيت: فالهَلَّة من الفرح والاستهلال، والبَلَّة من البَلل والخير.
وقولهم: ما أَصاب هَلَّة ولا بَلَّة أَي شيئاً. وفي الحديث: من قَدَّر في
مَعِيشته بَلَّه الله أَي أَغناه. وبِلَّة اللسان: وقوعُه على مواضع الحروف
واستمرارُه على المنطق، تقول: ما أَحسن بِلَّة لسانه وما يقع لسانه إِلا
على بِلَّتِه؛ وأَنشد أَبو العباس عن ابن الأَعرابي:
يُنَفِّرْنَ بالحيجاء شاءَ صُعَائد،
ومن جانب الوادي الحَمام المُبَلِّلا
وقال: المبَلِّل الدائم الهَدِير، وقال ابن سيده: ما أَحسن بِلَّة لسانه
أَي طَوْعَه بالعبارة وإِسْماحَه وسَلاسَته ووقوعَه على موضع الحروف.
وبَلَّ يَبُلُّ بُلولاً وأَبَلَّ: نجا؛ حكاه ثعلب وأَنشد:
من صَقْع بازٍ لا تُبِلُّ لُحَمُه
لُحْمَة البَازِي: الطائرُ يُطْرَح له أَو يَصِيده. وبَلَّ من مرضه
يَبِلُّ بَلاًّ وبَلَلاً وبُلولاً واسْتَبَلَّ وأَبَلَّ: برَأَ وصَحَّ؛ قال
الشاعر:
إِذا بَلَّ من دَاءٍ به، خَالَ أَنه
نَجا، وبه الداء الذي هو قاتِله
يعني الهَرَم؛ وقال الشاعر يصف عجوزاً:
صَمَحْمَحة لا تشْتكي الدَّهرَ رأْسَها،
ولو نَكَزَتْها حَيَّةٌ لأَبَلَّتِ
الكسائي والأَصمعي: بَلَلْت وأَبْلَلْت من المرض، بفتح اللام، من
بَلَلْت. والبِلَّة: العافية. وابْتَلَّ وتَبَلَّل: حَسُنت حاله بعد الهُزال.
والبِلُّ: المُباحُ، وقالوا: هو لك حِلٌّ وبِلٌّ، فَبِلٌّ شفاء من قولهم
بَلَّ فلان من مَرَضه وأَبَلَّ إِذا بَرَأَ؛ ويقال: بِلٌّ مُبَاح مُطْلَق،
يمانِيَة حِمْيَريَّة؛ ويقال: بِلٌّ إِتباع لحِلّ، وكذلك يقال للمؤنث:
هي لك حِلٌّ، على لفظ المذكر؛ ومنه قول عبد المطلب في زمزم: لا أُحِلُّها
لمغتسل وهي لشارب حِلٌّ وبِلٌّ، وهذا القول نسبه الجوهري للعباس بن عبد
المطلب، والصحيح أَن قائله عبد المطلب كما ذكره ابن سيده وغيره، وحكاه ابن
بري عن علي بن حمزة؛ وحكي أَيضاً عن الزبير بن بَكَّار: أَن زمزم لما
حُفِرَتْ وأَدرك منها عبد المطلب ما أَدرك، بنى عليها حوضاً وملأَه من ماء
زمزم وشرب منه الحاجُّ فحسده قوم من قريش فهدموه، فأَصلحه فهدموه بالليل،
فلما أَصبح أَصلحه فلما طال عليه ذلك دعا ربه فأُرِيَ في المنام أَن
يقول: اللهم إِني لا أُحِلُّها لمغتسل وهي لشارب حِلٌّ وبِلٌّ فإِنك تكفي
أَمْرَهم، فلما أَصبح عبد المطلب نادى بالذي رأَى، فلم يكن أَحد من قريش
يقرب حوضه إِلا رُميَ في بَدَنه فتركوا حوضه؛ قال الأَصمعي: كنت أَرى أَن
بِلاًّ إِتباع لحِلّ حتى زعم المعتمر بن سليمان أَن بِلاًّ مباح في لغة
حِمْيَر؛ وقال أَبو عبيد وابن السكيت: لا يكون بِلٌّ إِتباعاً لحِلّ لمكان
الواو. والبُلَّة، بالضم: ابتلال الرُّطْب. وبُلَّة الأَوابل: بُلَّة
الرُّطْب. وذهبت بُلَّة الأَوابل أَي ذهب ابتلال الرُّطْب عنها؛ وأَنشد
لإِهاب ابن عُمَيْر:
حتى إِذا أَهْرَأْنَ بالأَصائل،
وفارَقَتْها بُلَّة الأَوابل
يقول: سِرْنَ في بَرْدِ الروائح إِلى الماء بعدما يَبِسَ الكَلأ،
والأَوابل: الوحوش التي اجتزأَت بالرُّطْب عن الماء. الفراء: البُلَّة بقية
الكَلإِ.
وطويت الثوب على بُلُلَته وبُلَّته وبُلالته أَي على رطوبته. ويقال:
اطْوِ السِّقاء على بُلُلَته أَي اطوه وهو نديّ قبل أَن يتكسر. ويقال: أَلم
أَطْوك على بُلُلَتِك وبَلَّتِك أَي على ما كان فيك؛ وأَنشد لحَضْرَميّ
بن عامر الأَسدي:
ولقد طَوَيْتُكُمُ على بُلُلاتِكم،
وعَلِمْتُ ما فيكم من الأَذْرَاب
أَي طويتكم على ما فيكم من أَذى وعداوة. وبُلُلات، بضم اللام: جمع
بُلُلة، بضم اللام أَيضاً، وقد روي على بُلَلاتكم، بفتح اللام، الواحدة
بُلَلة، بفتح اللام أَيضاً، وقيل في قوله على بُلُلاتكم: يضرب مثلاً لإِبقاء
المودة وإِخفاء ما أَظهروه من جَفَائهم، فيكون مثل قولهم اطْوِ الثوبَ على
غَرِّه ليضم بعضه إِلى بعض ولا يتباين؛ ومنه قولهم: اطوِ السِّقاء على
بُلُلِته لأَنه إِذا طُوِيَ وهو جَافٌّ تكسر، وإِذا طُوِيَ على بَلَله لم
يَتَكسَّر ولم يَتَباين. وانصرف القوم ببَلَلتهم وبُلُلتهم وبُلولتهم أَي
وفيهم بَقِيّة، وقيل: انصرفوا ببَلَلتِهم أَي بحال صالحة وخير، ومنه
بِلال الرَّحِم. وبَلَلْته: أَعطيته. ابن سيده: طواه على بُلُلته وبُلولته
وبَلَّته أَي على ما فيه من العيب، وقيل: على بقية وُدِّه، قال: وهو
الصحيح، وقيل: تغافلت عما فيه من عيب كما يُطْوَى السِّقاء على عَيْبه؛
وأَنشد:وأَلبَسُ المَرْءَ أَسْتَبْقِي بُلولتَه،
طَيَّ الرِّدَاء على أَثْنائه الخَرِق
قال: وتميم تقول البُلولة من بِلَّة الثرى، وأَسد تقول: البَلَلة. وقال
الليث: البَلَل والبِلَّة الدُّون. الجوهري: طَوَيْت فلاناً على بُلَّته
وبُلالته وبُلُوله وبُلُولته وبُلُلته وبُلَلته إِذا احتملته على ما فيه
من الإِساءة والعيب ودَارَيْته وفيه بَقِيّة من الوُدِّ؛ قال الشاعر:
طَوَيْنا بني بِشْرٍ على بُلُلاتهم،
وذلك خَيْرٌ من لِقَاء بني بِشْر
يعني باللِّقاء الحَرْبَ، وجمع البُلَّة بِلال مثل بُرْمَة وبِرَام؛ قال
الراجز:
وصاحِبٍ مُرَامِقٍ دَاجَيْتُه،
على بِلال نَفْسه طَوَيْتُه
وكتب عمر يَسْتحضر المُغيرة من البصرة: يُمْهَلُ ثلاثاً ثم يُحْضَر على
بُلَّته أَي على ما فيه من الإِساءة والعيب، وهي بضم الباء.
وبَلِلْتُ به بَلَلاَ: ظَفِرْتُ به. وقيل: بَلِلْتُ أَبَلُّ ظَفِرت به؛
حكاها الأَزهري عن الأَصمعي وحده. قال شمر: ومن أَمثالهم: ما بَلِلْت من
فلان بأَفْوَقَ ناصِلٍ أَي ما ظَفِرْتُ، والأَفْوَق: السهم الذي انكسر
فُوقُه، والناصِل: الذي سقط نَصْلُه، يضرب مثلاً للرجل المُجْزِئ الكافي
أَي ظَفِرْت برجل كامل غير مضيع ولا ناقص. وبَلِلْت به بَلَلاً: صَلِيت
وشَقِيت. وبَلِلْت به بَلَلاَ وبَلالة وبُلولاً وبَلَلْت: مُنِيت به
وعُلِّقْته. وبَلِلْته: لَزِمْته؛ قال:
دَلْو تَمَأْى دُبِغَتْ بالحُلَّب،
بُلَّتْ بكَفَّيْ عَزَبٍ مُشَذَّب،
فلا تُقَعْسِرْها ولكن صَوِّب
تقعسرها أَي تعازّها. أَبو عمرو: بَلَّ يَبِلُّ إِذا لزم إِنساناً ودام
على صحبته، وبَلَّ يَبَلُّ مثلها؛ ومنه قول ابن أَحمر:
فبَلِّي إِنْ بَلِلْتِ بأَرْيَحِيٍّ
من الفِتْيان، لا يَمْشي بَطِينا
ويروى فبَلِّي يا غنيّ. الجوهري: بَلِلْت به، بالكسر، إِذا ظَفِرت به
وصار في يدك؛ وأَنشد ابن بري:
بيضاء تمشي مِشْيَةَ الرَّهِيص،
بَلَّ بها أَحمر ذو دريص
يقال: لئن بَلَّتْ بك يَدي لا تفارقني أَو تُؤَدِّيَ حقي. النضر:
البَذْرُ والبُلَل واحد، يقال: بَلُّوا الأَرض إِذا بَذَروها بالبُلَل. ورجل
بَلٌّ بالشيء: لَهِجٌ ؛ قال:
وإِني لبَلٌّ بالقَرِينةِ ما ارْعَوَتْ،
وإِني إِذا صَرَمْتُها لصَرُوم
ولا تَبُلُّك عندي بالَّة وبَلالِ مِثل قَطامِ أَي لا يُصيبك مني خير
ولا نَدًى ولا أَنفعك ولا أَصدُقك. ويقال: لا تُبَلُّ لفلان عندي بالَّة
وبَلالِ مصروف عن بالَّة أَي ندًى وخير. وفي كلام عليّ، كرم الله وجهه:
فإِن شكوا انقطاع شِرْب أَو بالَّة، هو من ذلك؛ قالت ليلى الأَخْيَلية:
نَسيتَ وصالَه وصَدَرْتَ عنه،
كما صَدَر الأَزَبُّ عن الظِّلالِ
فلا وأَبيك، يا ابن أَبي عَقِيل،
تَبُلُّك بعدها فينا بَلالِ
فلو آسَيْتَه لَخَلاك ذَمٌّ،
وفارَقَكَ ابنُ عَمَّك غَيْر قالي ابن أَبي عَقِيل كان مع تَوْبَة حين
قُتِل ففر عنه وهو ابن عمه. والبَلَّة: الغنى بعد الفقر. وبَلَّت
مَطِيَّتُه على وجهها إِذا هَمَتْ ضالَّة؛ وقال كثيِّر:
فليت قَلُوصي، عند عَزَّةَ، قُيِّدَتْ
بحَبْل ضَعِيفٍ غُرَّ منها فَضَلَّتِ
فأَصْبَح في القوم المقيمين رَحْلُها،
وكان لها باغٍ سِوَاي فبَلَّتِ
وأَبَلَّ الرجلُ: ذهب في الأَرض. وأَبَلَّ: أَعيا فَساداً وخُبْثاً.
والأَبَلُّ: الشديد الخصومة الجَدِلُ، وقيل: هو الذي لا يستحي، وقيل: هو
الشديد اللُّؤْمِ الذي لا يُدْرَك ما عنده، وقيل: هو المَطول الذي يَمْنَع
بالحَلِف من حقوق الناس ما عنده؛ وأَنشد ابن الأَعرابي للمرَّار بن سعيد
الأَسدي:
ذكرنا الديون، فجادَلْتَنا
جدالَك في الدَّيْن بَلاًّ حَلوفا
(* قوله «جدالك في الدين» هكذا في الأصل وسيأتي ايراده بلفظ: «جدالك
مالاً وبلا حلوفا» وكذا أورده شارح القاموس ثم قال: والمال الرجل
الغني).وقال الأَصمعي: أَبَلَّ الرجلُ يُبِلُّ إِبْلالاً إِذا امتنع
وغلب.قال: وإِذا كان الرجل حَلاَّفاً قيل رجل أَبَلُّ؛ وقال الشاعر:
أَلا تَتَّقون الله، يا آل عامر؟
وهل يَتَّقِي اللهَ الأَبَلُّ المُصَمِّمُ؟
وقيل: الأَبَلُّ الفاجر، والأُنثى بَلاَّء وقد بَلَّ بَلَلاً في كل ذلك؛
عن ثعلب. الكسائي: رجل أَبَلُّ وامرأَة بَلاَّء وهو الذي لا يُدْرَك ما
عنده من اللؤم، ورجل أَبَلُّ بَيِّن البَلَل إِذا كان حَلاَّفاً ظَلوماً.
وأَما قول خالد بن الوليد: أَمَّا وابنُ الخطاب حَيٌّ فَلا ولكن إِذا
كان الناس بذي بِلِّيٍّ وذي بِلَّى؛ قال أَبو عبيد: يريد تَفَرُّقَ الناس
وأَن يكونوا طوائف وفِرَقاً من غير إِمام يجمعهم وبُعْدَ بعضهم من بعض؛
وكلُّ من بَعُد عنك حتى لا تَعْرِف موضعَه، فهو بذي بِلِّيٍّ، وهو مِنْ
بَلَّ في الأَرض أَي ذهب؛ أَراد ضياعَ أُمور الناس بعده، قال: وفيه لغة
أُخرى بذي بِلِّيَان، وهو فِــعْلِيَان مثل صِلِّيان؛ وأَنشد الكسائي:
يَنام ويذهب الأَقوام حتى
يُقالَ: أَتَوْا على ذي بِلِّيان
يقول: إِنه أَطال النوم ومضى أَصحابه في سفرهم حتى صاروا إِلى موضع لا
يَعْرِف مكانَهم من طول نومه. وأَبَلَّ عليه: غَلَبه؛ قال ساعدة:
أَلا يا فَتى، ما عبدُ شَمْسٍ بمثله
يُبَلُّ على العادي وتُؤْبَى المَخاسِفُ
الباء في بمثله متعلقة بقوله يُبَل، وقوله ما عبدُ شمس تعظيم، كقولك
سبحان الله ما هو ومن هو، لا تريد الاستفهام عن ذاته تعالى إِنما هو تعظيم
وتفخيم.
وخَصمٌ مِبَلٌّ: ثَبْت. أَبو عبيد: المبلُّ الذي يعينك أَي يتابعك
(*
قوله «يعينك اي يتابعك» هكذا في الأصل، وفي القاموس: يعييك ان يتابعك) على
ما تريد؛ وأَنشد:
أَبَلَّ فما يَزْداد إِلاَّ حَماقَةً
ونَوْكاً، وإِن كانت كثيراً مخارجُه
وصَفاة بَلاَّء أَي مَلْساء. ورجل بَلٌّ وأَبَلُّ: مَطول؛ عن ابن
الأَعرابي؛ وأَنشد:
جِدَالَكَ مالاً وبَلاًّ حَلُوفا
والبَلَّة: نَوْرُ السَّمُر والعُرْفُط. وفي حديث عثمان: أَلَسْتَ
تَرْعى بَلَّتَها؟ البَلَّة: نَوْرُ العِضاهِ قبل أَن ينعقد. التهذيب:
البَلَّة والفَتْلة نَوْرُ بَرَمة السَّمُر، قال: وأَول ما يَخْرُج البرَمة ثم
أَول ما يخرج من بَدْو الحُبْلَة كُعْبورةٌ نحو بَدْو البُسْرة فَتِيك
البَرَمة، ثم ينبت فيها زَغَبٌ بِيضٌ هو نورتها، فإِذا أَخرجت تيك سُمِّيت
البَلَّة والفَتْلة، فإِذا سقطن عنن طَرَف العُود الذي يَنْبُتْنَ فيه
نبتت فيه الخُلْبة في طرف عودهن وسقطن، والخُلْبة وعاء الحَب كأَنها وعاء
الباقِلاء، ولا تكون الخُلْبة إِلاَّ للسَّمُر والسَّلَم، وفيها الحب وهن
عِراض كأَنهم نِصال، ثم الطَّلْح فإِن وعاء ثمرته للغُلُف وهي سِنَفة
عِراض.
وبِلال: اسم رجل. وبِلال بن حمامة: مؤذن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، من الحبشة.
وبِلال آباد: موضع.
التهذيب: والبُلْبُل العَنْدَليب. ابن سيده: البُلْبُل طائر حَسَن الصوت
يأْلف الحَرَم ويدعوه أَهل الحجاز النُّغَر. والبُلْبُل: قَناةُ الكوز
الذي فيه بُلْبُل إِلى جنب رأْسه. التهذيب: البُلْبلة ضرب من الكيزان في
جنبه بُلْبُل يَنْصَبُّ منه الماء. وبَلْبَل متاعَه: إِذا فرَّقه
وبدَّده.والمُبَلِّل: الطاووس الصَّرَّاخ، والبُلْبُل الكُعَيْت.
والبَلْبلة: تفريق الآراء. وتَبَلْبَلت الأَلسن: اختلطت. والبَلْبَلة:
اختلاط الأَلسنة. التهذيب: البَلْبلة بَلْبلة الأَلسن، وقيل: سميت أَرض
بابِل لأَن الله تعالى حين أَراد أَن يخالف بين أَلسنة بني آدم بَعَث ريحاً
فحشرهم من كل أُفق إِلى بابل فبَلْبَل الله بها أَلسنتهم، ثم فَرَّقتهم
تلك الريح في البلاد. والبَلْبلة والبَلابل والبَلْبال: شدَّة الهم
والوَسْواس في الصدور وحديث النفس، فأَما البِلْبال، بالكسر، فمصدر. وفي حديث
سعيد
بن أَبي بردة عن أَبيه عن جده قال: قال رسول الله،
صلى الله عليه وسلم: إِن أُمتي أُمة مرحومة لا عذابٍ عليها في الآخرة،
إِنما عذابها في الدنيا البلابل والزلازل والفتن؛ قال ابن الأَنباري:
البلابل وسواس الصدر؛ وأَنشد ابن بري لباعث
بن صُرَيم ويقال أَبو الأَسود الأَسدي:
سائلُ بيَشْكُرَ هل ثَأَرْتَ بمالك،
أَم هل شَفَيْت النفسَ من بَلْبالها؟
ويروى:
سائِلْ أُسَيِّدَ هل ثَأَرْتَ بِوائلٍ؟
ووائل: أَخو باعث بن
صُرَيم. وبَلْبَل القومَ بَلْبلة وبِلْبالاً: حَرَّكهم وهَيَّجهم،
والاسم البَلْبال، وجمعه البَلابِل. والبَلْبال: البُرَحاء في الصَّدر، وكذلك
البَلْبالة؛ عن ابن جني؛ وأَنشد:
فبات منه القَلْبُ في بَلْبالَه،
يَنْزُو كَنَزْوِ الظَّبْيِ في الحِباله
ورجل بُلْبُلٌ وبُلابِل: خَفِيف في السَّفَر معْوان. قال أَبو الهيثم:
قال لي أَبو ليلى الأَعرابي أَنت قُلْقُل بُلْبُل أَي ظَريف خَفيف. ورجل
بُلابِل: خفيف اليدين وهو لا يَخْفى عليه شيء. والبُلْبُل من الرجال:
الخَفِيفُ؛ قال كثير بن
مُزَرِّد:
سَتُدْرِك ما تَحْمي الحِمارة وابْنُها
قَلائِصُ رَسْلاتٌ، وشُعْثٌ بَلابِل
والحِمارة: اسم حَرَّة وابنُها الجَبَل الذي يجاورها، أَي ستدرك هذه
القلائص ما منعته هذه الحَرَّة وابنُها.
والبُلْبول: الغلام الذَّكِيُّ الكَيِّس. وقال ثعلب: غلام بُلْبُل خفيف
في السَّفَر، وقَصَره على الغلام. ابن السكيت: له أَلِيلٌ وبَلِيلٌ، وهما
الأَنين مع الصوت؛ وقال المَرَّار بن سعيد:
إِذا مِلْنا على الأَكْوار أَلْقَتْ
بأَلْحِيها لأجْرُنِها بَليل
أَراد إِذا مِلْنا عليها نازلين إِلى الأَرض مَدَّت جُرُنَها على الأَرض
من التعب. أَبو تراب عن زائدة: ما فيه بُلالة ولا عُلالة أَي ما فيه
بَقِيَّة. وبُلْبُول: اسم بلد. والبُلْبُول: اسم جَبَل؛ قال الراجز:
قد طال ما عارَضَها بُلْبُول،
وهْيَ تَزُول وَهْوَ لا يَزول
وقوله في حديث لقمان: ما شَيْءٌ أَبَلَّ للجسم من اللَّهْو؛ قال ابن
الأَثير: هو شيء كلحم العصفور أَي أَشد تصحيحاً وموافقة له.
ومن خفيف هذا الباب بَلْ، كلمة استدراك وإِعلام بالإِضْراب عن الأَول،
وقولهم قام زيد بَلْ عَمْرٌو وبَنْ زيد، فإِن النون بدل من اللام، أَلا
ترى إِلى كثرة استعمال بَلْ وقلة استعمال بَنْ، والحُكْمُ على الأَكثر لا
الأَقل؟ قال ابن سيده: هذا هو الظاهر من أَمره، قال: وقال ابن جني لست
أَدفع مع هذا أَن تكون بَنْ لُغَةً قائمة بنفسها. التهذيب في ترجمة بَلى:
بَلى تكون جواباً للكلام الذي فيه الجَحْد. قال الله تعالى: أَلَسْتُ
بربكم قالوا بَلى؛ قال: وإِنما صارت بَلى تتصل بالجَحْد لأَنها رجوع عن
الجَحْد إِلى التحقيق، فهو بمنزلة بَلْ، وبَلْ سَبِيلها أَن تأَتي بعد الجَحْد
كقولك ما قام أَخوك بَلْ أَبوك، وما أَكرمت أَخاك بَلْ أَباك، وإِذا قال
الرجل للرجل: أَلا تقوم؟ فقال له: بَلى، أَراد بَلْ أَقوم، فزادوا
الأَلف على بَلْ ليحسن السكوت عليها، لأَنه لو قال بَلْ كان يتوقع
(* قوله
«كان يتوقع» اي المخاطب كما هو ظاهر مما بعد) كلاماً بعد بلْ فزادوا الأَلف
ليزول عن المخاطب هذا التوهم؛ قال الله تعالى: وقالوا لن تمسنا النار
إِلا أَياماً معدودة، ثم قال بَعْدُ: بَلى من كسب سيئة، والمعنى بَلْ من كسب
سيئة، وقال المبرد: بل حكمها الاستدراك أَينما وقعت في جَحْد أَو
إِيجاب، قال: وبَلى تكون إِيجاباً للمَنْفِيِّ لا غيرُ. قال الفراء: بَلْ تأْتي
بمعنيين: تكون إِضراباً عن الأَول وإِيجاباً للثاني كقولك عندي له دينار
لا بَلْ ديناران، والمعنى الآخر أَنها توجب ما قبلها وتوجب ما بعدها،
وهذا يسمى الاستدراك لأَنه أَراده فنسيه ثم استدركه. قال الفراء: والعرب
تقول بَلْ والله لا آتيك وبَنْ والله، يجعلون اللام فيها نوناً، وهي لغة
بني سعد ولغة كلب، قال: وسمعت الباهليين يقولون لا بَنْ بمعنى لا بَلْ.
الجوهري: بَلْ مُخَفَّفٌ حرفٌ، يعطف بها الحرف الثاني على الأَول فيلزمه
مثْلُ إعرابه، فهو للإضراب عن الأَول للثاني، كقولك: ما جاءَني زيد بَلْ
عمرو، وما رأَيت زيداً بَلْ عمراً، وجاءني أَخوك بَلْ أَبوك تعطف بها بعد
النفي والإِثبات جميعاً؛ وربما وضعوه موضع رُبَّ كقول الراجز:
بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهِ
يعني رُبَّ مَهْمَهٍ كما يوضع غيره اتساعاً؛ وقال آخر:
بَلْ جَوْزِ تَيْهاء كظَهْرِ الحَجَفَتْ
وقوله عز وجل: ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عِزَّةٍ وشقاق؛ قال
الأَخفش عن بعضهم: إِن بَلْ ههنا بمعنى إِن فلذلك صار القَسَم عليها؛
قال: وربما استعملت العرب في قَطْع كلام واستئناف آخر فيُنْشد الرجل منهم
الشعر فيقول:
. . . . . . بل
ما هاجَ أَحْزاناً وشَجْواً قَدْ شَجا
ويقول:
. . . . . . بل
وبَلْدَةٍ ما الإِنْسُ من آهالِها،
تَرى بها العَوْهَقَ من وِئالِها،
كالنار جَرَّتْ طَرَفي حِبالِها
قوله بَلْ ليست من البيت ولا تعدّ في وزنه ولكن جعلت علامة لانقطاع ما
قبله؛ والرجز الأَول لرؤبة وهو:
أَعْمَى الهُدَى بالجاهِلِينَ العُمَّهِ،
بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهِ
والثاني لسُؤْرِ الذِّئْبِ وهو:
بَلْ جَوْزِتَيْهاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ،
يُمْسي بها وُحُوشُها قد جُئِفَتْ
قال: وبَلْ نُقْصانها مجهول، وكذلك هَلْ وَقَدْ، إِن شئت جعلت نقصانها
واواً قلت بَلْوٌ هَلْوٌ قَدْوٌ، وإِن شئت جعلته ياء. ومنهم من يجعل
نقصانها مثل آخر حروفها فيُدْغم ويقول هَلٌّ وبَلٌّ وقَدٌّ، بالتشديد. قال ابن
بري: الحروف التي هي على حرفين مثل قَدْ وبَلْ وهَلْ لا يقدّر فيها حذف
حرف ثالث كما يكون ذلك في الأَسماء نحو يَدٍ ودَمٍ، فإِن سميت بها شيئاً
لزمك أَن تقدر لها ثالثاً، قال: ولهذا لو صَغَّرْتَ إِن التي للجزاء لقلت
أُنَيٌّ، ولو سَمَّيت بإِن المخففة من الثقيلة لقلت أُنَيْنٌ، فرددت ما
كان محذوفاً، قال: وكذلك رُبَ المخففة تقول في تصغيرها اسمَ رجل
رُبَيْبٌ، والله أَعلم.
بلد: البَلْدَةُ والبَلَدُ: كل موضع أَو قطعة مستحيزة، عامرة كانت أَو
غير عامرة. الأَزهري: البلد كل موضع مستحيز من الأَرض، عامر أَو غير عامر،
خال أَو مسكون، فهو بلد والطائفة منها بَلْدَةٌ.
وفي الحديث: أَعوذ بك من ساكن البَلَدِ؛ البلد من الأَرض: ما كان مأْوى
الحيوان وإِن لم يكن فيه بناء، وأَراد بساكنه الجنّ لأَنهم سكان الأَرض،
والجمع بلاد وبُلْدانٌ؛ والبُلدانٌ: اسم يقع على الُكوَر. قال بعضهم:
البَلَدُ جنسُ المكان كالعراق والشام. والبَلدةُ: الجزءُ المخصصُ منه
كالبصرة ودمَشق. والبلدُ: مكةُ تفخيماً لها كالنجم للثريا، والعودُ للمَنْدَل.
والبَلَدُ والبَلْدةُ: الترابُ. والبلَدُ: ما لم يُحفَر من الأَرض ولم
يوقد فيه؛ قال الراعي:
ومُوقِد النارِ قد بادتْ حمامتُه،
ما إِن تَبَيَّنُه في جُدَّةِ البَلَد
وبيضةُ البلَدِ: الذي لا نظير له في المدح والذم. وبَيْضَةُ البلد:
التُّومَةُ تتركها النعامةُ في الأُدْحِيِّ أَو القَيِّ من الأَرض؛ ويقال
لها: البَلَدِيَّةُ وذاتُ البلدِ. وفي المثل: أَذلُّ من بَيْضةِ البلدِ،
والبلدُ أُدْحِيُّ النعام؛ معناه أَذلُّ من بَيْضةِ البلدِ، والبلدُ
أُدْحِيُّ النعام؛ معناه أَذلُّ من بيضة النعام التي تتركها. والبَلْدَةُ:
الأَرضُ، يقال: هذه بَلدتُنا كما يقال بَحْرَتُنا. والبَلَدُ: المقبرة، وقيل:
هو نفس القبر؛ قال عديّ بن زيد:
مِنْ أُناسٍ كنتُ أَرجو نَفْعَهُمْ،
أَصبحوا قد خَمَدُوا تَحْتَ البَلَدْ
والجمع كالجمع. والبَلَدُ: الدارُ، يمَانيةٌ. قال سيبويه: هذه الدارُ
نعمت البلدُ، فأَنَّثَ حيث كان الدار؛ كما قال الشاعر أَنشده سيبويه:
هَلْ تَعْرِفُ الدارَ يُعَفِّيها المُورْ؟
الدَّجْنُ يَوْماً والسحابُ المَهْمُورْ،
لكلِّ ريحٍ فيه ذَيلٌ مَسْفُورْ
وبَلدُ الشيءِ: عُنْصُرهُ؛ عن ثعلب.
وبَلَدَ بالمكانِ: أَقام، يَبْلُدُ بُلُوداً اتخذه بَلَداً ولزمه.
وأَبْلَدَهُ إِياه: أَلزمه. أَبو زيد: بَلَدْتُ بالمكان أَبْلُدُ بُلوداً
وأَبَدْتُ به آبُدُ أُبُوداً: أَقمت به.
وفي الحديث: فهي لهم تالِدَةٌ بالِدَةٌ بالِدَةٌ؛ يعني الخلافة
لأَولاده؛ يقال للشيء الدائم الذي لا يزول: تالِدٌ بالِدٌ، فالتالِدُ القديمُ،
والبالِدُ إِتباعٌ له؛ وقول الشاعر أَنشده ابن الأَعرابي يصف حوضاً:
ومُبْلِدٍ بَيْنَ مَوْماةٍ بِمَهْلَكَةٍ،
جاوزْتُهُ بِعَلاةِ الخَلْقِ، عِلْيانِ
قال: المُبْلِدُ الحوضُ القديمُ ههنا؛ قال: وأَراد مُلْبِد فَقَلَبَ،
وهو اللاصق بالأَرض. ومنه قول عليّ، رضوان الله عليه، لرجلين جاءَا
يسأَلانه: أَلْبِدَا بالأَرض حتى تفهما. وقال غيره: حوضٌ مُبْلِدٌ تُرك ولم
يُستعمل فتداعى، وقد أَبْلَدَ إِبْلاَداً؛ وقال الفرزدقُ يصف إِبلاً سقاها في
حوض داثر:
قَطَعْتُ لأُلْخِيِهنَّ أَعْضادَ مُبْلِدٍ،
يَنِشُّ بِذِي الدَّلْوِ المُحِيلِ جَوانِبُهْ
أَراد: بذي الدلو المحيل الماء الذي قد تغير في الدلو. والمُبالَدَةُ:
المبالَطَةُ بالسيوف والعِصِيِّ إِذا تجالدوا بها.
وبَلِدوا وبَلَّدوا: لَزِموا الأَرضَ يقاتلون عليها؛ ويقال: اشْتُقَّ من
بِلاد الأَرض. وبَلَّدَ تَبْليداً: ضرب بنفسه الأَرض. وأَبْلَدَ: لَصِق
بالأَرض.
والبَلْدَةُ: بَلْدةُ النحر، وهي ثُغرةُ النحر وما حولها، وقيل: وسطها،
وقيل: هي الفَلْكةُ الثالثةُ من فَلْكِ زَوْرِ الفرس وهي ستة؛ وقيل: هو
رحى الزَّوْرِ، وقيل: هو الصدر من الخُفِّ والحافر، قال ذو الرمة:
أُنِيخَتْ فَأَلْقَتْ بَلْدَةً فوق بَلْدَةٍ،
قليلٍ بها الأَصواتُ إِلاَّ بُغامُها
يقول: بركت الناقة وأَلقت صدرَها على الأَرض، وأَراد بالبَلْدَةِ
الأُولى ما يقع على الأَرض من صدرها، وبالثانية الفلاة التي أَناخ ناقَته فيها،
وقوله إِلا بغامها صفة للأَصوات على حدّ قوله تعالى: لو كان فيهما آلهةٌ
إِلا اللَّهُ؛ أَي غير الله. والبُغامُ: صوتُ الناقة، وأَصله للظبي
فاستعاره للناقة. الصحاح: والبَلْدَةُ الصدرُ؛ يقال: فلانٌ واسعُ البلدة أَي
واسع الصدر؛ وأَنشد بيتَ ذي الرمة. وبَلْدَةُ الفَرَسِ: مُنْقَطَعُ
الفَهْدَتين من أَسافِلِهما إِلى عَضُده؛ قال النابغةُ الجعدي:
في مِرْفَقَيْهِ تَقارُبٌ، وله
بَلْدَةُ نَحْرٍ كجَبْأَةِ الخَزَمِ
ويُرْوَى بِرْكَةُ زَوْرٍ، وهو مذكور في موضعه. وهي بلدةُ بيني وبينك:
يعني الفراق. ولقيته بِبَلْدةِ إِصْمِتَ، وهي القَفْرُ التي لا أَحدَ بها؛
وإِعراب إِصْمِتَ مذكور في موضعه.
والأَبْلَدُ من الرجال: الذي ليس بمقرون. والبَلْدةُ والبُلدةُ: ما بين
الحاجبين. والبُلْدةُ: فوق الفُلْجَةِ، وقيل: قَدْرُ البُلْجَةِ، وقيل:
البَلْدَةُ والبُلْدةُ نَقاوةُ ما بين الحاجبين؛ وقيل: البَلدةُ والبُلدةُ
أَن يكون الحاجبان غير مقرونين. ورجل أَبْلَدُ بَيِّنُ البَلَدِ أَي
أَبْلَجُ وهو الذي ليس بمقرون، وقد بَلِدَ بَلَداً.
وحكى الفارسي: تَبَلَّدَ الصبحُ كَتَبَلَّج. وتَبَلَّدتِ الرَّوْضةُ:
نَوَّرَتْ.
والبَلْدةُ: راحةُ الكف. والبَلْدةُ: من منازل القمر بين النعائم
وسَعْدِ الذابح خَلاءٌ إِلا من كواكبَ صغارٍ، وقيل: لا نَجومَ فيها البتةَ؛
التهذيبُ: البَلْدَةُ في السماء موضعٌ لا نجوم فيه ليست فيه كواكبُ عظامٌ،
يكون عَلَماً وهو آخر البروج، سميت بَلدةً، وهي من بُرْج القَوْس؛
الصحاحُ: البَلدةُ من منازل القمر، وهي ستة أَنجم من القوس تنزلها الشمسُ في
أَقصر يوم في السنة.
والبَلَدُ: الأَثر، والجمعُ أَبلادٌ؛ قال القطامي:
ليست تُجَرَّحُ، فُرَّاراً، ظُهورهُمُ،
وفي النُّحورِ كُلومٌ ذاتُ أَبلادِ
وقال ابن الرقاع:
عَرَفَ الدِّيارَ تَوَهُّماً فاعْتادَها،
مِنْ بَعْدِ ما شَمِلَ البِلى أَبْلادَها
اعتادها: أَعاد النظر إِليها مرةً بعد أُخرى لِدُروسها حتى عرفها. وشمل:
عمّ؛ ومما يُستحسن من هذه القصيدة قولُه في صفة أَعلى قَرْنِ ولَدِ
الظبية:
تُزْجِي أَغَنَّ، كَأَنَّ إِبْرَةَ رَوْقِهِ
قَلَمٌ، أَصابَ مِن الدَّواةِ مِدادَها
وبَلِدَ جِلْدُه: صارت فيه أَبْلادٌ. أَبو عبيد: البَلَدُ الأَثَرُ
بالجسد، وجمعه أَبْلادُ.
والبُلْدَةُ والبَلْدَةُ والبَلادَةُ: ضِدُّ النَّفاذِ والذَّكاءِ
والمَضاءِ في الأُمور. ورجلٌ بليدٌ إِذا لم يكن ذكيّاً، وقد بَلُدَ، بالضم،
فهو بليد. وتَبَلَّدَ: تكلف البَلادَةَ؛ وقول أَبي زُبيد:
مِن حَمِيمٍ يُنْسِي الحَياءَ جَلِيدَ الـ
ـقَوْمِ، حتى تَراه كالمَبْلودِ
قال: المَبْلودُ الذي ذهب حياؤه أَو عقلُه، وهو البَليدُ، يقال للرجل
يُصاب في حَمِيمه فيجزع لموته وتنسيه مصيبتُه الحياءَ حتى تراه كالذاهب
العقل. والتَّبَلُّدُ: نقيضُ التَّجَلد، بَلُدَ بَلادَةً فهو بليد، وهو
استكانة وخضوع؛ قال الشاعر:
أَلا لا تَلُمْهُ اليومَ أَنْ يَتَبَلَّدا،
فقد غُلِبَ المَحْزونُ أَنْ يَتَجَلَّدا
وتَبَلَّدَ أَي تردّد متحيراً. وأَبْلَدَ وَتَبَلَّدَ: لحقته حَيْرَةٌ.
والمَبْلُودُ: المتحيرُ لا فِعلَ له؛ وقال الشيباني: هو المعتوه؛ قال
الأَصمعي: هو المُنْقَطَعُ به، وكل هذا راجع إِلى الحَيْرَة، وأَنشد بيت
أَبي زبيد «حتى تراه كالمبلود» والمُتَبَلِّدُ: الذي يَتَرَدَّدُ متحيراً؛
وأَنشد للبيد:
عَلِهَتْ تَبَلَّدُ في نِهاءِ صَعائِدٍ،
سَبْعاً تُواماً، كامِلاً أَيَّامُها
وقيل للمتحير: مُتَبَلِّدٌ لأَنه شبه بالذي يتحير في فلاة من الأَرض لا
يهتدي فيها، وهي البَلْدَةُ. وكل بلد واسع: بَلْدَةٌ، قال الأَعشى يذكر
الفلاة:
وبَلْدَةٍ مِثْلِ ظَهْرِ التُّرْسِ مُوحِشَةٍ،
للجِنِّ، بِالليلِ في حافاتِها، شُعَلُ
وبَلَّدَ الرجلُ إِذا لم يتجه لشيء. وبَلَّدَ إِذا نَكَّسَ في العمل
وضَعُف حتى في الجَرْيِ؛ قال الشاعر:
جَرَى طَلَقاً حتى إِذا قُلْتُ سابِقٌ،
تَدارَكَهُ أَعْرَاقُ سُوءٍ فَبَلَّدَا
والتَّبَلُّدُ: التصفيقُ. والتَّبَلُّدُ: التلهف؛ قال عديّ بن زيد:
سأَكْسِبُ مالاً، أَو تَقُومَ نَوائِحٌ
عليَّ بِلَيْلٍ، مُبْدِياتِ التَّبَلُّدِ
وتَبَلَّد الرجلُ تَبَلُّداً إِذا نزل ببلد ليس به أَحدٌ يُلَهِّفُ
نفسه. والمُتَبَلِّد: الساقط إِلى الأَرض؛ قال الراعي:
ولِلدَّارِ فِيها مِنْ حَمُولَةِ أَهلِها
عَقِيرٌ، ولِلْبَاكي بها المُتَبلِّدِ
وكله من البَلادة. والبَليدُ من الإِبل: الذي لا ينشّطه تحريك.
وأَبْلَدَ الرجلُ: صارت دوابه بليدةً؛ وقيل: أَبْلَدَ الرجلُ: صارت دوابه بليدةً،
وقيل: أَبْلَدَ إِذا كانت دابته بَليدَةً. وفرس بَليدٌ إِذا تأَخر عن
الخيل السوابق، وقد بَلُدَ بَلادَةً. وبَلَّدَ السحابُ: لم يمطر. وبَلَّدَ
الإِنسانُ: لم يَجُدْ. وبَلَّدَ الفَرَسُ: لم يَسْبِق. ورجلٌ أَبْلَدُ:
غليظ الخَلْقِ. ويقال للجبال إِذا تقاصرت في رأْي العين لظلمة الليل: قد
بَلَّدَتْ؛ ومنه قول الشاعر:
إِذا لم يُنازِعْ جاهِلُ القومِ ذَا النُّهَى
وبَلَّدَتِ الأَعْلامُ بالليلِ كالأَكَمْ
والبَلَنْدَى: العَريضُ. والبَلَنْدَى والمَلَنْدَى: الكثير لحم
الجنبين. والمُبْلَنْدى من الجمال الصلب الشديد: وبَلْدٌ: اسمُ موضع؛ قال الراعي
يصف صقراً:
إِذا ما انْجَلَتْ عنه غَدَاةُ صُبَابَةٍ،
رأَى، وهو في بَلْدٍ، خَرانِقَ مُنْشِدِ
(* قوله «غداة صبابة» كذا في نسخة المؤلف برفع غداة مضافة إلى صبابة،
بضم الصاد المهملة. وكذا هو في شرح القاموس بالصاد مهملة من غير ضبط، وقد
خطر بالبال أنه غداة ضبابة بنصب غداة بالغين المعجمة على الظرفية ورفع
ضبابة بالضاد المعجمة فاعل انجلت).
وفي الحديث ذكرُ بُلَيْدٍ؛ هو بضم الباء وفتح اللام، قرية لآل عليّ بواد
قريب من يَنْبُع.
بند: البَنْدُ: العَلمُ الكبير معروف، فارسي معرّب؛ قال الشاعر:
وأَسيافُنَا، تحتَ البُنُودِ، الصَّواعِقُ
وفي حديث أَشراط الساعةِ: أَنْ تَغْزو الرومُ فتسير بثمانين بَنْداً؛
البَنْدُ: العَلمُ الكبير، وجمعه بُنُود وليس له جمعُ أَدْنى عَدَدٍ.
والبَنْدُ: كل عَلَم من الأَعلام. وفي المحكم: من أَعلام الروم يكون للقائد،
يكون تحت كل عَلَمٍ عشرة آلاف رجل أَو أَقل أَو أَكثر. وقال الهجيميّ:
البَنْدُ عَلَمُ الفُرْسانِ؛ وأَنشد للمفضل:
جاؤُوا يَجُرُّون البُنُودَ جَرَّا
قال النضر: سمي العلم الضخم واللواءُ الضخمُ البَنْدَ.
والبَنْدُ: الذي يُسكِر من الماء؛ قال أَبو صخر:
وإِنَّ مَعاجي لِلخِيامِ، ومَوْقِفي
بِرابِيةِ البَنْدَينِ، بالٍ ثُمَامُها
يعني بيوتاً أُلقي عليها ثُمامٌ وشجر ينبت. الليث: البَنْدُ حِيَلٌ
مستعملة؛ يقال: فلان كثير البُنود أَي كثير الحيل. والبَنْدُ: بَيْذَقٌ
مُنْعَقِدٌ بِفِزْزانٍ.
حذر: الحِذْرُ والحَذَرُ: الخيفة. حَذِرَهُ يَحْذَرُهُ حَذَراً
واحْتَذَرَهُ؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي، وأَنشد:
قلتُ لقومٍ خَرجُوا هَذالِيلْ:
احْتَذِرُوا لا يَلْقَكُمْ طَمالِيلْ
ورجلُ حَذِرٌ وحَذُرٌ
(* قوله: «وحذر» بفتح الحاء وضم الذال كما هو
مضبوط بالأَصل، وجرى عليه شارح القاموس خلافاً لما في نسخ القاموس من ضبطه
بالشكل بسكون الذال) وحاذُورَةٌ وحِذْرِيانٌ: متيقظ شديد الحَذَرِ
والفَزَعِ، متحرّز؛ وحاذِرٌ: متأَهب مُعِدٌّ كأَنه يَحْذَرُ أَن يفاجَأَ؛ والجمع
حَذِرُونَ وحَذارَى. الجوهري: الحَذَرُ والحِذْرُ التحرّز؛ وأَنشد سيبويه
في تعدِّيه:
حَذِرٌ أُمُوراً لا تُخافُ، وآمِنٌ
ما ليسَ مُنْجِيهِ من الأَقدْارِ
وهذا نادر لأَن النعت إِذا جاء على فَعِلٍ لا يتعدى إِلى مفعول.
والتحذير: التخويف. والحذارُ: المُحاذَرَةُ. وقولهم: إِنه لابْنُ أَحْذارٍ أَي
لابْنُ حَزْمٍ وحَذَرٍ. والمَحْذُورَةُ: الفزع بعينه. وفي التنزيل العزيز:
وإِنا لجميعٌ حاذِرُونَ، وقرئ: حَذِرُونَ وحَذُرونَ أَيضاً، بضم الذال،
حكاه الأَخفش؛ ومعنى حاذرون متأَهبون، ومعنى حذرون خائفون، وقيل: معنى
حذرون مُعِدُّونَ. الأَزهري: الحَذَرُ مصدر قولك حَذِرْتُ أَحْذَرُ
حَذَراً، فَأَنا حاذِرٌ وحَذِرٌ، قال: ومن قرأَ: وإِنا لجميع حاذرون؛ أَي
مستعدون. ومن قرأَ: حذرون، فمعناه إِنا نخاف شرهم. وقال الفرّاء في قوله:
حاذرون، روي عن ابن مسعود أَنه قال مُؤْدُونَ: ذَوُو أَداةٍ من السلاح. قال:
وكأَنَّ الحاذِرَ الذي يَحْذَرُكَ الآن. وكَأَنَّ الحَذِرَ المَخْلُوقُ
حَذِراً لا تلقاه إِلاَّ حَذِراً. وقال الزجاج: الحاذِرُ المستعدُّ،
والحَذِرُ المتيقظ؛ وقال شمر: الحاذِرُ المُؤْدِي الشَّاكُّ في السلاح؛
وأَنشد:وبِزَّةٍ مِن فَوْقِ كُمَّيْ حاذِرِ،
ونَثْرَةٍ سَلَبْتُها عن عامِرِ،
وحَرْبَةٍ مِثْلِ قُدَامَى الطَّائِرِ
ورجل حِذْرِيانٌ إِذا كان حَذِراً، على فِــعْليانٍ.
وقوله تعالى: ويُحَذِّرُكم الله نفسه؛ أَي يحذركم إِياه. أَبو زيد: في
العين الحَذَرُ، وهو ثِقَلٌ فيها من قَذىً يصيبها؛ والحَذَلُ باللام، طول
البكاء وأَن لا تجف عين الإِنسان. وقد حَذَّرَهُ الأَمَر وأَنا حَذُيرُكَ
منه مُحَذِّرك منه أُحَذِّرُكَهُ. قال الأَصمعي: لم أَسمع هذا الحرف
لغير الليث، وكأَنه جاء به على لفظ نَذِيرُكَ وعَذِيرُكَ.
وتقول: حَذَارِ يا فلان أَي احْذرْ؛ وأَنشد لأَبي النجم:
حَذارِ مِنْ أَرْماحِنا حَذارِ
أَوْ تَجْعَلُوا دُونَكُمُ وَبارِ
وتقول: سُمِعَتْ حَذارِ في عسكرهم ودُعِيَتْ نَزال بينهم.
والمَحْذُورَةُ: كالحَذَرِ مصدر كالمَصْدُوقَةِ والمَلْزُومَة، وقيل: هي الحرب. ويقال:
حَذارِ مثل قَطامِ لأَأَي احْذرْ، وقد جاء في الشعر حَذار وأَنشد
اللحياني:
حَذارِ حَذارٍ مِنْ فَوارِسِ دارِمٍ،
أَبا خالِدٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَتَنَدَّما
فنوّن الأَخيرة ولم يكن ينبغي له ذلك غير أَن الشاعر أَراد أَن يتم به
الجزء. وقالوا. حَذارَيْكَ، جعلوه بدلاً من اللفظ بالفعل، ومعنى التثنية
أَنه يريد: ليكن منك حَذَرٌ بعد حَذَرٍ. ومن أَسماء الفعل قولهم: حَذَرَكَ
زَيْداً وحَذارَكَ زيداً إِذا كنت تُحَذِّرُه منه. وحكى اللحياني:
حَذارِك، بكسر الراء، وحُذُرَّى صيغة مبنية من الحَذَرِ؛ وهي اسم حكاها
سيبويه.وأَبو حَذَرٍ: كُنْيَةُ الحِرْباء.
والحِذْرِيَةُ والحِذْرِياءُ: الأَرضُ الخَشِنَةُ؛ ويقال لها حَذارِ اسم
معرفة. النضر: الحِذْرِيَةُ الأَرض الغليظة من القُفِّ الخَشِنَةُ،
والجمع الحَذارَى. وقال أَبو الخَيْرَةِ: أَعلى الجبل إِذا كان صُلْباً
غليظاً مستوياً، فهو حِذْرِيةٌ، والحِذْرِيَةُ على فِعْليَةٍ قطعة من الأَرض
غليظة، والجمع الحَذارَى، وتسمى إِحدى حَرَّتَيْ بني سُلَيْمٍ
الحِذْرِيَةَ.
واحْذَأَرَّ الرجلُ: غَضِبَ فاحرْ نَفْشَ وتَقَبَّضَ.
والإِحْذارُ: الإِنذار. والحُذارِياتُ: المنذورون.
ونَفَشَ الديكُ حِذْرِيَتَهُ أَي عِفْرِيَتَهُ.
وقد سمَّتْ مَحْذُوراً وحُذَيْراً. وأَبو مَحْذُورَةَ: مؤَذن النبي، صلى
الله عليه وسلم، وهو أَوْسُ بن مِعْيَرٍ أَحد بني جُمَحٍ؛ وابنُ
حُِذارٍ: حَكَمُ بن أَسَدٍ، وهو أَحد بني سعد بن ثعلبة بن ذودان يقول فيه
الأَعشى:
وإِذا طَلَبْتَ المَجْدَ أَيْنَ مَحَلُّهُ،
فاعْمِدْ لبيتِ رَبيعَةَ بنِ حُذارِ
قال الأَزهري: وحُِذارُ اسم إِبي ربيعة بن حُذارٍ قاضي العرب في
الجاهلية، وهو من بني أَسد بن خزيمة.
حرص: الحِرْصُ: شدّةُ الإِرادة والشَّرَه إِلى المطلوب. وقال الجوهري:
الحِرْصُ الجَشَعُ، وقد حَرَصَ عليه يَحْرِصُ ويَحْرُصُ حِرْصاً وحَرْصاً
وحَرِصَ حَرَصاً؛ وقول أَبي ذؤيب:
ولقد حَرَِِصْت بأَن أُدافعَ عنهمُ،
فإِذا المَنيّةُ أَقْبَلَتْ لا تُدْفَعُ
عدَّاه بالباء لأَنه في معنى هَمَمْتُ، والمعروف حَرَصْتُ عليه.
الأَزهري: قول العرب حَرِيصٌ عليك معناه حَرِيصٌ على نَفْعِك، قال: واللغة
العالية حَرَصَ يَحْرِصُ وأَما حَرِصَ يَحْرَصُ فلغة رديئة، قال: والقُراء
مُجْمِعون على: ولو حَرَصْت بمؤمنين؛ ورجل حَرِيصٌ من قوم حُرَصاءَ وحِرَاصٍ
وامرأَة حَريصةٌ من نسوة حِرَاصٍ وحَرائِصَ.
والحَرْصُ: الشَّقُّ. وحَرَصَ الثوبَ يَحْرُصُهُ حَرْصاً: خَرَقَه،
وقيل: هو أَن يَدُقَّه حتى يجعل فيه ثُقَباً وشُقوقاً. والحَرْصةُ من
الشِّجاج: التي حَرَصَت من وراء الجِلْد ولم تُخَرِّقه، وقد ذُكرت في الحديث؛
قال الراجز:
وحَرْصة يُغْفِلُها المأْمُومُ
والحارِصةُ والحَرِيصةُ: أَولُ الشجاج، وهي التي تَحْرِصُ الجلد أَي
تشقُه قليلاً؛ ومنه قيل: حَرَصَ القَصّارُ الثوبَ يَحْرُصُهُ شقَّه وخرقه
بالدَّقّ. وحكى الأَزهري عن ابن الأَعرابي: الحَرْصةُ والشَّقْفة
والرَّعْلة والسَّلْعَة الشّجَّة، والحَريصةُ والحارِصةُ السحابةُ التي تَحْرِصُ
وجه الأَرض بقَشْرِه وتُؤَثِّرُ فيه بمطرها من شدة وَقعها؛ قال
الحُوَيْدرة:
ظَلَمَ البِطاحَ، له انْهِلالُ حَرِيصة،
فصَفا النِّطافُ له بَعِيدَ المُقْلَعِ
يعني مَطَرتْ في غير وقت مَطَرِها فلذلك ظَلَم. قال الأَزهري: أَصلُ
الحَرْصِ القَشْرُ، وبه سميت الشَّجّة حارِصةً، وقد ورد في الحديث كما
فسرناه، وقيل للشَّرِه حَرِيصٌ لأَنه يَقْشِرُ بِحرْصِه وُجُوه الناس.
والحِرْصِيَان: فِــعْلِيانٌ من الحَرْصِ وهو القَشْر، وعلى مثاله
حِذْرِيان وصِلِّيان. قال ابن الأَعرابي: يقال لِباطنِ جِلْد الفِيل حِرْصِيان،
وقيل في قوله تعالى: في ظُلُمات ثلاث؛ هي الحِرْصِيانُ والغِرْسُ
والبَطْن، قال: والحِرصِيان باطنُ جلْد البطْن، والغِرْسُ ما يكون فيه الولد؛
وقال في قول الطِّرِمَّاح:
وقد ضُمِّرتْ حتى انْطَوَى ذُو ثَلاثِها،
إِلى أَبْهَرَيْ دَرْماءَ شَعْبِ السنَّاسِن
قال: ذُو ثلاثها أَراد الحِرْصِيانَ والغِرْس والبطْن. وقال ابن السكيت:
الحِرْصِيانُ جلدةٌ حمراءُ بين الجلد الأَعْلى واللحمِ تُقْشَر بعد
السَّلْخ. قال ابن سيده: والحِرْصِيانُ قشْرة رقيقة بين الجلد واللحم
يَقْشِرها القَصّاب بعد السَّلْخ، وجمعُها حِرْصِياناتٌ ولا يُكَسَّر، وقيل في
قوله ذو ثلاثها في بيت الطرماح عَنى به بطْنَها، والثلاثُ: الحِرْصِيانُ
والرَّحِم والسابِياءُ.
وأَرض مَحْروصةٌ: مَرْعِيّة مُدَعْثرة. ابن سيده. والحَرْصَةُ
كالعَرْصة، زاد الأَزهري: إِلا أَن الحَرْصةُ مُسْتَقِرّ وسطِ كل شيء والعَرْصةُ
الدارُ؛ وقال الأَزهري: لم أَسمع حَرْصة بمعنى العَرْصة لغير الليث، وأَما
الصَّرْحةُ فمعروفة.
حفر: حَفَرَ الشيءَ يَحْفِرُه حَفْراً واحْتَفَرَهُ: نَقَّاهُ كما
تُحْفَرُ الأَرض بالحديدة، واسم المُحْتَفَرِ الحُفْرَةُ. واسْتَحْفَرَ
النَّهْرُ: حانَ له أَن يُحْفَرَ. والحَفُيرَةُ والحَفَرُ والحَفِيرُ: البئر
المُوَسَّعَةُ فوق قدرها، والحَفَرُ، بالتحريك: التراب المُخْرَجُ من الشيء
المَحْفُور، وهو مثل الهَدَمِ، ويقال: هو المكان الذي حُفِرَ؛ وقال
الشاعر:
قالوا: انْتَهَيْنا، وهذا الخَنْدَقُ الحَفَرُ
والجمع من كل ذلك أَحْفارٌ، وأَحافِيرُ جمع الجمع؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
جُوبَ لها من جَبلٍ هِرْشَمِّ،
مُسْقَى الأَحافِيرِ ثَبِيتِ الأُمِّ
وقد تكون الأَحافير جمعَ حَفِيرٍ كقَطِيعٍ وأَقاطيعَ. وفي الأَحاديث:
ذِكْرُ حَفَرِ أَبي موسى، وهو بفتح الحاء والفاء، وهي رَكايا احْتَفَرها
على جادَّةِ الطريق من البَصْرَةِ إِلى مكة، وفيه ذكر الحَفِيرة، بفتح
الحاء وكسر الفاء، نهر بالأُردنِّ نزل عنده النعمان بنُ بَشِير، وأَما بضم
الحاء وفتح الفاء فمنزل بين ذي الحُلَيْفَةِ ومِلْكٍ يَسْلُكُه الحاجُّ.
والمِحْفَرُ والمِحْفَرَةُ والمِحْفَارُ: المِسْحاةُ ونحوها مما يحتفر
به، ورَكِيَّةٌ حَفِيرَةٌ، وحَفَرٌ بديعٌ، وجمع الحَفَرِ أَحفار؛ وأَتى
يَرْبُوعاً مُقَصِّعاً أَو مُرَهَّطاً فَحَفَرَهُ وحَفَرَ عنه
واحْتَفَرَهُ.الأَزهري: قال أَبو حاتم: يقال حافِرٌ مُحافِرَةٌ، وفلان أَرْوَغُ من
يَرْبُوعٍ مُحافِرٍ، وذلك أَن يَحْفِرَ في لُغْزٍ من أَلْغازِهِ فيذهبَ
سُفْلاً ويَحْفِر الإِنسانُ حتى يعيا فلا يقدر عليه ويشتبه عليه الجُحْرُ
فلا يعرفه من غيره فيدعه، فإِذا فعل اليَرْبُوعُ ذلك قيل لمن يطلبه؛ دَعْهُ
فقد حافَرَ فلا يقدر عليه أَحد؛ ويقال إِنه إِذا حافَرَ وأَبى أَن
يَحْفِرَ الترابَ ولا يَنْبُثَه ولا يُذَرِّي وَجْهَ جُحْرِه يقال: قد جَثا
فترى الجُحْرَ مملوءًا تراباً مستوياً مع ما سواه إِذا جَثا، ويسمى ذلك
الجاثِياءَ، ممدوداً؛ يقال: ما أَشدَّ اشتباهَ جَاثِيائِه. وقال ابن شميل:
رجل مُحافِرٌ ليس له شيء؛ وأَنشد:
مُحافِرُ العَيْشِ أَتَى جِوارِي،
ليس له، مما أَفاءَ الشَّارِي،
غَيْرُ مُدًى وبُرْمَةٍ أَعْشَارِ
وكانت سُورَةُ براءة تسمى الحافِرَةَ، وذلك أَنها حَفَرَتْ عن قلوب
المنافقين، وذلك أَنه لما فرض القتال تبين المنافق من غيره ومن يوالي
المؤمنين ممن يوالي أَعداءَهم.
والحَفْرُ والحَفَرُ: سُلاقٌ في أُصول الأَسْنانِ، وقيل: هي صُفْرة تعلو
الأَسنان. الأَزهري: الحَفْرُ والحَفَرُ، جَزْمٌ وفَتْحٌ لغتان، وهو ما
يَلْزَقُ بالأَسنان من ظاهر وباطن، نقول: حَفَرَتْ أَسنانُه تَحْفِرُ
حَفْراً. ويقال: في أَسنانه حَفْرٌ، وبنو أَسد تقول: في أَسنانه حَفَرٌ،
بالتحريك؛ وقد حَفَرَتْ تَحْفِرُ حَفْراً، مثال كَسَرَ يَكْسِرُ كَسْراً:
فسدت أُصولها؛ ويقال أَيضاً: حَفِرَتْ مثال تَعِبَ تَعَباً، قال: وهي
أَرادأُ اللغتين؛ وسئل شمر عن الحَفَرِ في الأَسنان فقال: هو أَن يَحْفِرَ
القَلَحُ أُصولَ الأَسنان بين اللِّثَةِ وأَصلِ السِّنِّ من ظاهر وباطن،
يُلِحُّ على العظم حتى ينقشر العظم إِن لم يُدْرَكْ سَرِيعاً. ويقال: أَخذ
فَمَهُ حَفَرٌ وحَفْرٌ. ويقال: أَصبح فَمُ فلان مَحْفُوراً، وقد حُفِرَ
فُوه، وحَفَرَ يَحْفِرُ حَفْراً، وحَفِرَ حَفَراً فيهما. وأَحْفَرَ الصبي:
سقطت له الثَّنِيَّتانِ العُلْيَيان والسُّفْلَيانِ، فإِذا سقطت
رَواضِعُه قيل: حَفَرَتْ. وأَحْفَرَ المُهْرَ للإِثْناء والإِرْباعِ والقُروحِ:
سقطت ثناياه لذلك. وأَفَرَّتِ الإِبل للإِثناء إِذا ذهبت رَواضِعُها وطلع
غيرها. وقال أَبو عبيدة في كتاب الخيل: يقال أَحْفَرَ المُهْرُ
إِحْفاراً، فهو مُحْفِرٌ، قال: وإِحْفارُهُ أَن تتحرك الثَّنِيَّتانِ
السُّفْلَيانِ والعُلْيَيانِ من رواضعه، فإِذا تحركن قالوا: قد أَحْفَرَتْ ثنايا
رواضعه فسقطن؛ قال: وأَوَّل ما يَحْفِرُ فيما بين ثلاثين شهراً أَدنى ذلك
إِلى ثلاثة أَعوام ثم يسقطن فيقع عليها اسم الإِبداء، ثم تُبْدِي فيخرج له
ثنيتان سفليان وثنيتان علييان مكان ثناياه الرواضع اللواتي سقطن بعد ثلاثة
أَعوام، فهو مُبْدٍ؛ قال: ثم يُثْنِي فلا يزال ثَنِيّاً حتى يُحْفِرَ
إِحْفاراً، وإِحْفارُه أَن تحرَّك له الرَّباعِيَتانِ السفليان والرباعيتان
العلييان من رواضعه، وإِذا تحركن قيل: قد أَحْفَرَتْ رَباعِياتُ رواضعه،
فيسقطن أَول ما يُحْفِرْنَ في استيفائه أَربعة أَعوام ثم يقع عليها اسم
الإِبداء، ثم لا يزال رَباعِياً حتى يُحْفِرَ للقروح وهو أَن يتحرَّك
قارحاه وذلك إِذا استوفى خمسة أَعوام؛ ثم يقع عليه اسم الإِبداء على ما
وصفناه ثم هو قارح. ابن الأَعرابي: إِذا استتم المهر سنتين فهو جَذَغٌ ثم
إِذا استتم الثالثة فهو ثنيّ، فإِذا أَثنى أَلقى رواضعه فيقال: أَثنى
وأَدْرَمَ للإِثناء؛ ثم هو رَباع إِذا استتم الرابعة من السنين يقال: أَهْضَمَ
للإِرباع، وإِذا دخل في الخامسة فهو قارح؛ قال الأَزهري: وصوابه إِذا
استتم الخامسة فيكون موافقاً لقول أَبي عبيدة قال: وكأَنه سقط شيء.
وأَحْفَرَ المُهْرُ للإِثْنَاءِ والإِرْباعِ والقُروحِ إِذا ذهبت رواضعه وطلع
غيرها.
والْتَقَى القومُ فاقتتلوا عند الحافِرَةِ أَي عند أَوَّل ما
الْتَقَوْا. والعرب تقول: أَتيت فلاناً ثم رجعتُ على حافِرَتِي أَي طريقي الذي
أَصْعَدْتُ فيه خاصةً فإِن رجع على غيره لم يقل ذلك؛ وفي التهذيب: أَي
رَجَعْتُ من حيثُ جئتُ. ورجع على حافرته أَي الطريق الذي جاء منه. والحافِرَةُ:
الخلقة الأُولى. وفي التنزيل العزيز: أَئِنَّا لَمَرْدُودونَ في
الحافِرَةِ؛ أَي في أَول أَمرنا؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
أَحافِرَةً على صَلَعٍ وشَيْبٍ؟
مَعاذَ اللهِ من سَفَهٍ وعارِ
يقول: أَأَرجع إِلى ما كنت عليه في شبابي وأَمري الأَول من الغَزَلِ
والصِّبَا بعدما شِبْتُ وصَلِعْتُ؟ والحافرة: العَوْدَةُ في الشيء حتى
يُرَدَّ آخِره على أَوّله. وفي الحديث: إِن هذا الأَمر لا يُترك على حاله حتى
يُرَدَّ على حافِرَتِه؛ أَي على أَوّل تأْسيسه. وفي حديث سُراقَةَ قال:
يا رسول الله، أَرأَيتَ أَعمالنا التي نَعْمَلُ؟ أَمُؤَاخَذُونَ بها عند
الحافِرَةِ خَيْرٌ فَخَيْرٌ أَو شَرٌّ فَشَرٌّ أَو شيء سبقت به المقادير
وجَفَّت به الأَقلام؟ وقال الفراء في قوله تعالى: في الحافرة: معناه أَئنا
لمردودون إِلى أَمرنا الأَوّل أَي الحياة. وقال ابن الأَعرابي: في
الحافرة، أَي في الدنيا كما كنا؛ وقيل معنى قوله أَئنا لمردودون في الحافرة
أَي في الخلق الأَول بعدما نموت. وقالوا في المثل: النَّقْدُ عند
الحافِرَةِ والحافِرِ أَي عند أَول كلمة؛ وفي التهذيب: معناه إِذا قال قد بعتُك
رجعتَ عليه بالثمن، وهما في المعنى واحد؛ قال: وبعضهم يقول النَّقْدُ عند
الحافِرِ يريد حافر الفرس، وكأَنَّ هذا المثل جرى في الخيل، وقيل:
الحافِرَةُ الأَرضُ التي تُحْفَرُ فيها قبورهم فسماها الحافرة والمعنى يريد
المحفورة كما قال ماء دافق يريد مدفوق؛ وروى الأَزهري عن أَبي العباس أَنه
قال: هذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند السَّبْقِ، قال: والحافرة الأَرض
المحفورة، يقال أَوَّل ما يقع حافر الفرس على الحافرة فقد وجب النَّقْدُ يعني
في الرِّهانِ أَي كما يسبق فيقع حافره؛ يقول: هاتِ النِّقْدَ؛ وقال
الليث: النَّقْدُ عند الحافر معناه إِذا اشتريته لن تبرح حتى تَنْقُدَ. وفي
حديث أُبيّ قال: سأَلت النبي، صلى الله عليه وسلم، عن التوبة النصوح، قال:
هو الندم على الذنب حين يَفْرُطُ منك وتستغفر الله بندامتك عندَ
الحافِرِ لا تعود إِليه أَبداً؛ قيل: كانوا لنفاسة الفرس عندهم ونفاستهم بها لا
يبيعونها إِلا بالنقد، فقالوا: النقد عند الحافر أَي عند بيع ذات الحافر
وصيروه مثلاً، ومن قال عند الحافرة فإِنه لما جعل الحافرة في معنى الدابة
نفسها وكثر استعماله من غير ذكر الذات، أُلحقت به علامة التأْنيث
إِشعاراً بتسمية الذات بها أَو هي فاعلة من الحَفْرِ، لأَن الفرس بشدّة
دَوْسِها تَحْفِرُ الأَرض؛ قال: هذا هو الأَصل ثم كثر حتى استعمل في كل أَوَّلية
فقيل: رجع إِلى حافِرِه وحافِرَته، وفعل كذا عند الحافِرَة والحافِرِ،
والمعنى يتخير الندامة والاستغفار عند مواقعة الذنب من غير تأْخير لأَن
التأْخير من الإِصرار، والباء في بندامته بمعنى مع أَو للاستعانة أَي تطلب
مغفرة الله بأَن تندم، والواو في وتستغفر للحال أَو للعطف على معنى
الندم. والحافِرُ من الدواب يكون للخيل والبغال والحمير: اسم كالكاهل والغارب،
والجمع حَوافِرُ؛ قال:
أَوْلَى فَأَوْلَى يا امْرَأَ القَيْسِ، بعدما
خَصَفْنَ بآثار المَطِيِّ الحَوافِرَا
أَراد: خصفن بالحوافر آثار المطيّ، يعني آثار أَخفافه فحذف الباء
الموحدة من الحوافر وزاد أُخرى عوضاً منها في آثار المطيّ، هذا على قول من لم
يعتقد القلب، وهو أَمثل، فما وجدت مندوحة عن القلب لم ترتكبه؛ ومن هان قال
بعضهم معنى قولهم النَّقْدُ عند الحافِر أَن الخيل كانت أَعز ما يباع
فكانوا لا يُبارِحُونَ مَنِ اشتراها حتى يَنْقُدَ البائِعَ، وليس ذلك
بقويّ. ويقولون للقَدَمِ حافراً إِذا أَرادوا تقبيحها؛ قال:
أَعُوذُ باللهِ من غُولٍ مُغَوِّلَةٍ
كأَنَّ حافِرَها في... ظُنْبوُبِ
(* كذا بياض بالأصل).
الجوهري: الحافِرُ واحد حَوَافِر الدابة وقد استعاره الشاعر في القدم؛
قال جُبَيْها الأَسدي يصف ضيفاً طارقاً أَسرع إِليه:
فأَبْصَرَ نارِي، وهْيَ شَقْرَاءُ، أُوقِدَتْ
بِلَيْلٍ فَلاَحَتْ للعُيونِ النَّواظِرِ
فما رَقَدَ الوِلْدانُ، حتى رَأَيْتُه
على البَكْرِ يَمْرِيه بساقٍ وحافِرِ
ومعنى يمريه يستخرج ما عنده من الجَرْيِ.
والحُفْرَةُ: واحدة الحُفَرِ. والحُفْرَةُ: ما يُحْفَرُ في الأَرض.
والحَفَرُ: اسم المكان الذي حُفِر كَخَنْدَقٍ أَو بئر.
والحَفْرُ: الهُزال؛ عن كراع. وحَفَرَ الغَرَزُ العَنْزَ يَحْفِرُها
حَفْراً: أَهْزَلَها.
وهذا غيث لا يَحْفِرهُ أَحد لا يعلم أَحد أَين أَقصاه، والحِفْرَى، مثال
الشِّعْرَى: نَبْتٌ، وقيل: هو شجر يَنْبُتُ في الرمل لا يزال أَخضر، وهو
من نبات الربيع، وقال أَبو حنيفة: الحِفْرَى ذاتُ ورَقٍ وشَوْكٍ صغارٍ
لا تكون إِلاَّ في الأَرض الغليظة ولها زهيرة بيضاء، وهي تكون مثلَ
جُثَّةِ الحمامة؛ قال أَبو النجم في وصفها:
يَظَلُّ حِفْراهُ، من التَّهَدُّلِ،
في رَوْضِ ذَفْراءَ ورُعْلٍ مُخْجِلِ
الواحدة من كل ذلك حِفْراةٌ، وناسٌ من أَهل اليمن يسمون الخشبة ذات
الأَصابع التي يُذَرَّى بها الكُدْسُ المَدُوسُ ويُنَقَّى بها البُرُّ من
التِّبْنِ: الحِفراةَ ابن الأَعرابي: أَحْفَرَ الرجلُ إِذا رعَت إِبله
الحِفْرَى، وهو نبت؛ قال الأَزهري: وهو من أَردإِ المراعي. قال: وأَحْفَرَ
إِذا عمل بالحِفْراةِ، وهي الرَّفْشُ الذي يذرَّى به الحنطة وهي الخشبة
المُصْمَتَةُ الرأْس، فأَما المُفَرَّج فهو العَضْمُ، بالضاد، والمِعْزَقَةَ؛
قال: والمِعْزَقَةُ في غير هذا: المَرُّ؛ قال: والرَّفْشُ في غير هذا:
الأَكلُ الكثيرُ. ويقال: حَفَرْتُ ثرَى فلان إِذا فتشت عن أَمره ووقفت
عليه، وقال ابن الأَعرابي: حَفَرَ إِذا جامع، وحَفِرَ إِذا فَسَد.
والحَفِيرُ: القبر.
وحَفَرَهُ حَفْراً: هَزَلَهُ؛ يقال: ما حامل إِلاء والحَمْلُ يَحْفِرُها
إِلاَّ الناقةَ فإِنها تَسْمَنُ عليه.
وحُفْرَةُ وحُفَيْرَةُ، وحُفَيْرٌ، وحَفَرٌ، ويقالان بالأَلف واللام:
مواضع، وكذلك أَحْفارٌ والأَحْفارُ؛ قال الفرزدق:
فيا ليتَ داري بالمدينةِ أَصبَحَتْ
بأَحْفارِ فَلْجٍ، أَو بِسيفِ الكَواظِمِ
وقال ابن جني: أَراد الحَفَرَ وكاظمة فجمعهما ضرورة. الأَزهري: حَفْرٌ
وحَفِيرَةُ اسما موضعين ذكرهما الشعراء القدماء. قال الأَزهري:
والأَحْفارُ المعروفة في بلاد العرب ثلاثة: فمنها حَفَرُ أَبي موسى، وهي وركايا
احتفرها أَبو موسى الأَشعري على جادَّة البصرة، قال: وقد نزلت بها واستقيت
من ركاياها وهي ما بين ماوِيَّةَ والمَنْجَشانِيَّاتِ، وركايا الحَفَرِ
مستوية بعيدة الرِّشاءِ عذبة الماء؛ ومنها حَفَرُ ضَبَّةَ، وهي ركايا
بناحية الشَّواجِنِ بعيدة القَعْرِ عذبة الماء؛ ومنها حَفَرُ سَعْدِو بن زيد
مَناةَ بن تميم، وهي بحذاء العَرَمَةِ وراء الدَّهْناءِ يُسْتَقَى منها
بالسَّانِيَةِ عند جبل من جبال الدهناء يقال له جبل الحاضر.
جلا: جَلا القومُ عن أَوطانهم يَجْلُون وأَجْلَوْا إِذا خرجوا من بلد
إِلى بلد. وفي حديث الحوض: يرد عليَّ رَهْط من أَصحابي فيُجْلَوْن عن
الحوض؛ هكذا روي في بعض الطرق أَي يُنْفَوْن ويُطْردون، والرواية بالحاء
المهملة والهمز. ويقال: اسْتُعْمِل فلان على الجَالِيَة والجَالَةِ.
والجَلاءُ، ممدود: مصدر جَلا عن وطنه. ويقال: أَجْلاهم السلطان فأَجْلَوْا أَي
أَخرجهم فخرجوا. والجَلاءُ: الخروج عن البلد. وقد جَلَوْا عن أَوطانهم
وجَلَوْتُهم أَنا، يَتَعَدَّى، ولا يتعدى. ويقال أَيضاً: أَجْلَوْا عن البلد
وأَجْلَيْتهم أَنا، كلاهما بالأَلف؛ وقيل لأَهل الذمة الجالِيَة لأَن عمر
بن الخطاب، رضي الله عنه، أَجلاهم عن جزيرة العرب لما تقدم من أَمر
النبي، صلى الله عليه وسلم، فيهم، فسُمُّوا جَالِية ولزمهم هذا الاسم أَين
حَلُّوا، ثم لزم كلَّ من لزمته الجزيةُ من أَهل الكتاب بكل بلد، وإِن لم
يُجْلَوْا عن أَوطانهم. والجَالِىَة: الذين جَلَوْا عن أَوْطانهم. ويقال:
اسْتُعْمِل فلان على الجَالِية أَي على جِزْية أَهل الذمة. والجالَةُ: مثل
الجَالِية. وفي حديث العَقَبة: وإِنكم تُبايِعون محمداً على أَن
تُحارِبوا العرب والعجم مُجْلِيةً أَي حَرْباً مُجْلِية مُخْرِجة عن الدار
والمال. ومنه حديث أَبي بكر، رضي الله عنه: أَنه خيَّر وفد بُزاخَة بينَ
الحَرْبِ المُجْلِية والسِّلْم المُخْزِيَةِ. ومن كلام العرب: اخْتاروا
فَإِمَّا حَرْبٌ مُجْلِية وإِمَّا سِلْم مُخْزِية أَي إِمَّا حَرْب تخرجكم من
دياركم أَو سِلْمٌ تُخْزيكم وتُذِلُّكم. ابن سيده: جَلا القومُ عن الموضع
ومنه جَلْواً وجَلاءً وأَجْلَوْا: تفرَّقوا، وفَرَق أَبو زيد بينهما
فقال: جَلَوا من الخوف وأَجْلَوْا من الجَدْب، وأَجْلاهم هو وجَلاَّهم لغة
وكذلك اجتلاهم؛ قال أَبو ذؤيب يصف النحل والعاسل:
فلَمّا جَلاها بالأُيامِ، تَحَيَّزَت
ثُباتٍ عليها ذُلُّها واكْتِئابُها
ويروى: اجْتلاها، يعني العاسلَ جلا النحلَ عن مواضعها بالأُيام، وهو
الدُّخان، ورواه بعضهم تحَيَّرت أَي تحيَّرت النحل بما عَراها من الدخان.
وقال أَبو حنيفة: جلا النحلَ يَجْلُوها جَلاءً إِذا دَخَّنَ
عليها لاشْتِىارِ العسل. وجَلْوة النحلِ: طَرْدُها بالدُّخان. ابن
الأَعرابي: جَلاهُ عن وطنه فجَلا أَي طرده فهرب. قال: وجَلا إِذا عَلا، وجَلا
إِذا اكتَحَل، وجَلا الأَمرَ وجَلاَّه وجَلَّى عنه كشَفه وأَظهره، وقد
انْجَلى وتجَلَّى. وأَمرٌ جَلِيٌّ: واضح؛ تقول: اجْلُ لي هذا الأَمرَ
أَي أَوضحه. والجَلاءُ، ممدود: الأَمر البَيِّنُ
الواضح. والجَلاءُ، بالفتح والمد: الأَمرُ
الجَليُّ، وتقول منه: جَلا لي الخبرُ أَي وَضَح؛ وقال زهير:
فإِنَّ الحقَّ مَقْطَعُه ثَلاثٌ:
يَمِينٌ أَو نِفارٌ أَو جَلاءُ
(* قوله «أو جلاء» كذا أورده كالجوهري بفتح الجيم، وقال الصاغاني:
الرواية بالكسر لا غير، من المجالاة).
أَراد البينة والشهود، وقيل: أَراد الإِقرار، والله تعالى يُجَلِّي
الساعةَ أَي يظهرها. قال سبحانه: لا يُجَلِّيها لِوْقْتِها إِلا هو. وييقال:
أَخْبرني عن جَلِيَّةِ الأَمر أَي حقيقته؛ وقال النابغة:
وآبَ مُضِلُّوه بعَيْنٍ جَلِيَّةٍ،
وغُودِرَ بالجَوْلانِ حَزْمٌ ونائِلُ
يقول: كذبوا بخبر موته أَولَ ما جاء فجاءَ
دافنوه بخبر ما عاينوه. والجَلِيُّ: نقيض الخَفِيِّ. والجَلِيَّة: الخبر
اليقين. ابن بري: والجَلِيَّة البَصِيرة، يقال عينٌ جَلِيَّة؛ قال أَبو
دواد:
بَلْ تَأَمَّلْ، وأَنت أَبْصَرُ مِنِّي،
قَصْدَ دَيْرِ السَّوادِ عَينٌ جَلِيَّهْ
وجَلَوْت أَي أَوضحت وكشَفْتُ. وجَلَّى الشيءَ
أَي كشفه. وهو يُجَلِّي عن نفسه أَي يعبر عن ضميره. وتَجَلَّى الشيءُ
أَي تكشَّف. وفي حديث كعب بن مالك: فجَلا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم،
للناس أَمرَهم ليتَأَهَّبوا أَي كشف وأَوضح. وفي حديث ابن عمر: إِن ربي
عز وجل قد رَفَعَ لي الدُّنيا وأَنا أَنظر إِليها جِلِّياناً من الله أَي
إِظْهاراً وكَشْفاً، وهو بكسر الجيم وتشديد اللام. وجِلاءُ السيف، ممدود
بكسر الجيم، وجَلا الصيقلُ السيفَ والمِرآةَ ونحوَهُما جَلْواً
وجِلاءً صَقَلَهما. واجْتَلاه لنفسه؛ قال لبيد:
يَجْتَلي نُقَبَ النِّصالِ
وجَلا عينَه بالكُحْل جَلْواً وجَلاءً، والجَلا والجَلاءُ والجِلاءُ:
الإِثْمِدُ.
ابن السكيت: الجَلا كحل يَجْلو البصر، وكتابته بالأَلف. ويقال: جَلَوْتُ
بصري بالكحل جَلْواً. وفي حديث أُم سلمة: أَنها كرهت للمُحِدِّ أَن
تكْتَحِل بالجِلاء، هو، بالكسر والمد، الإِِثمد، وقيل: هو، بالفتح والمد
والقصر، ضرب من الكحل. ابن سيده: والجَلاءُ
والجِلاءُ الكحل لأَنه يجلو العين؛ قال المتنخل الهذلي:
وأَكْحُلْكَ بالصابِ أَو بالجَلا،
ففَقِّحْ لذلك أَو غَمِّض
قال ابن بري: البيت لأَبي المُثَلَّم، قال: والذي ذكره النحاس وابن
وَلاد الجَلا، بفتح الجيم والقصر، وأَنشد هذا البيت، وذكر المهلبي فيه المد
وفتح الجيم، وأَنشد البيت.
وروي عن حماد عن ثابت عن أَنس قال: قرأَ رسول الله، صلى ا لله عليه
وسلم: فلما تجَلَّى ربُّه للجبل جعله دَكّاً، قال: وضع إِبهامه على قريب من
طَرَفِ أُنْمُلَهِ خِنْصَرِه فساخَ الجبل، قال حماد: قلت لثابت تقول هذا؟
فقال: يقوله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويقوله أَنس وأَنا أَكْتُمه
وقال الزجاج: تجَلَّى ربه للجبل أَي ظهر وبانَ، قال: وهذا قول أَهل
السُّنة والجماعة، وقال الحسن: تجلَّى بَدَا للجبل نُور العَرْش.
والماشطة تَجْلُو العَرُوس، وجَلا العروسَ على بَعْلها جَلْوة وجِلْوة
وجُلوة وجِلاءً واجْتَلاها وجَلاَّها، وقد جُلِيت على زوجها واجْتَلاها
زوجها أَي نَظر إِليها. وتَجلَّيت الشيءَ: نظرت إِليه. وجَلاَّها زوجُها
وصيفةً: أَعطاها إِياها في ذلك الوقت، وجِلْوَتُها ما أَعطاها، وقيل: هو ما
أَعطاها من غُرَّةٍ أَو دراهم. الأَصمعي: يقال جَلا فلان امرأَته وصيفة
حين اجتلاها إِذا أَعطاها عند جَلْوَتها. وفي حديث ابن سيرين: أَنه كره
أَن يَجْلِيَ امرأَته شيئاً لا يَفِيَ به. ويقال: ما جِلْوَتُها، بالكسر،
فيقال: كذا وكذا. وما جِلاءُ فلان أَي بأَيِّ شيءٍ يخاطب من الأَسماء
والأَلقاب فيُعظَّم به. واجْتَلَى الشيءَ: نظر إِليه. وجَلَّى ببصره: رَمى.
والبازِي يُجَلِّي إِذا آنَسَ الصيدَ فرفع طرْفَه ورأْسَه. وجَلَّى
ببصره تَجْلِيَةً إِذا رمى به كما ينظر الصقر إِلى الصيد؛ قال لبيد:
فانْتَضَلْنا وابن سَلْمَى قاعِدٌ،
كعَتيقِ الطير يُغْضِي ويُجَلْ
أَي ويُجَلِّي. قال ابن بري: ابن سَلْمى هو النعمان ابن المنذر. قال ابن
حمزة: التجلِّي في الصقر أَن يغمض عينه ثم يفتحها ليكون أَبصر له،
فالتجلي هو النظر؛ وأَنشد لرؤبة:
جَلَّى بصيرُ العَيْنِ لم يُكَلِّلِ،
فانقَضَّ يَهْوي من بَعيدِ المَخْتَلِ
ويقوي قولَ ابن حمزة بيت لبيد المتقدم. وجَلَّى البازي تجَلِّياً
وتَجْلِيَةً: رفع رأْسه ثم نظر؛ قال ذو الرمة:
نَظَرْتُ كما جَلّى، على رأْسِ رَهْوَةٍ،
من الطيرِ، أَقْنَى ينفُضُ الطَّلَّ أَوْرَقُ
وجبهة جَلْواءُ: واسعة. والسماءُ جَلْواءُ أَي مُصْحِية مثل جَهْواء.
وليلة جَلْواءُ: مُصْحِية مُضِيئة.
والجَلا، بالقصر: انْحسار مُقَدَّمِ الشعرِ، كتابته بالأَلف، مثل
الجَلَهِ، وقيل: هو دون الصَّلَعِ، وقيل: هو أَن يبلغ انحسار الشعر نصفَ
الرأْسِ، وقد جَلِيَ جَلا وهو أَجْلَى. وفي صفة المهديّ: أَنه أَجْلَى
الجَبْهَةِ؛ الأَجْلَى: الخفيف شعر ما بين النَّزَعتين من الصُّدغين والذي انحسر
الشعر عن جبهته. وفي حديث قتادة في صفة الدجال: أَنه أَجْلَى الجَبْهةِ،
وقيل: الأَجْلَى الحسنُ الوجهِ الأَنْزَعُ. أَبو عبيد: إِذا انحسر الشعر
عن نصف الرأْس ونحوه فهو أَجْلى؛ وأَنشد:
مع الجَلا ولائِحِ القَتِيرِ
وقد جَلِيَ يَجْلَى جَلاً، تقول منه: رجل أَجْلَى بيِّنُ الجَلا.
والمَجالي: مقاديمُ الرأْس، وهي مواضع الصَّلَع؛ قال أَبو محمد الفقعسي
واسمه عبد الله بن رِبْعيّ:
رَأَيْنَ شيخاً ذَرِئَتْ مَجالِيهْ
قال ابن بري: صواب إِنشاده: أَراه شيخاً، لأَن قبله:
قالت سُليْمى: إِنني لا أَبْغِيهْ،
أَراهُ شيخاً ذَرِئَتْ مَجالِيهْ،
يَقْلي الغَواني والغَواني تَقْلِيهْ
وقال الفراءُ: الواحد مَجْلىً واشتقاقه من الجَلا، وهو ابتداء الصَّلع
إِذا ذهب شعر رأْسه إِلى نصفه.
الأَصمعي: جالَيْتُه بالأَمر وجالَحْته إِذا جاهرته؛ وأَنشد:
مُجالَحة ليس المُجالاةُ كالدَّمَسْ
والمَجالي: ما يُرَى من الرأْس إِذا استقبل الوجه، وهو موضع الجَلَى.
وتجالَيْنا أَي انكشف حال كل واحد منا لصاحبه. وابنُ جَلا: الواضحُ
الأَمْرِ. واجْتَلَيْتُ العمامة عن رأْسي إِذا رفعتها مع طَيِّها عن جَبِينك.
ويقال للرجل إِذا كان على الشرف لا يخفى مكانُه: هو ابنُ جَلا؛ وقال
القُلاخ:
أَنا القُلاخُ بنُ جَنابِ بن جَلا
وجَلا: اسم رجل، سمي بالفعل الماضي. ابن سيده: وابنُ جَلا الليثي،
سُمِّي بذلك لوضوح أَمره؛ قال سُحَيْم بن وَثِيل:
أَنا ابنُ جَلا وطَلاَّعُ الثَّنايا،
مَتى أَضَعِ العِمامةَ تَعْرِفُوني
قال: هكذا أَنشده ثعلب، وطلاَّعُ الثنايا، بالرفع، على أَنه من صفته لا
من صفة الأَب كأَنه قال وأَنا طلاَّع الثنايا، وكان ابنُ جَلا هذا صاحبَ
فَتْك يطلعُ في الغارات من ثَنِيَّة الجبل على أَهلها، وقوله:
مَتى أَضع العمامة تعرفوني
قال ثعلب: العمامة تلبس في الحرب وتوضع في السِّلْم. قال عيسى بن عمر:
إِذا سمي الرجل بقَتَلَ وضرَبَ ونحوهما إِنه لا يصرف، واستدل بهذا البيت،
وقال غيره: يحتمل هذا البيت وجهاً آخر، وهو أَنه لم ينوِّنه لأَنه
أَراد الحكاية، كأَنه قال: أَنا ابنُ
الذي يقال له جلا الأُمور وكشَفَها فلذلك لم يصرفه. قال ابن بري: وقوله
لم ينونه لأَنه فعل وفاعل؛ وقد استشهد الحجاج بقوله:
أَنا ابنُ جَلا وطلاَّعُ الثَّنايا
أَي أَنا الظاهر ا لذي لا يخفى وكل أَحد يعرفني. ويقال للسيد: ابنُ
جَلا. وقال سيبويه: جَلا فعل ماض، كأَنه بمعنى جَلا الأُمورَ أَي أَوضحها،
وكشفها؛ قال ابن بري: ومثله قول الآخر:
أَنا القُلاخُ بنُ جَنابِ بنِ جَلا،
أَبو خَناثِيرَ أَقُود الجَمَلا
وابن أَجْلَى: كابنِ جَلا. يقال: هو ابن جَلا وابن أَجْلى؛ قال العجاج:
لاقَوْا بِه الحجاجَ والإِصْحارا،
به ابن أَجلى وافَقَ الإِسْفارا
لاقوا به أَي بذلك المكان. وقوله الإِصْحارَ: وَجَدوه مُصْحِراً.
ووَجَدُوا به ابنَ أَجْلى: كما تقول لقيت به الأَسَدَ. والإِسْفارُ: الصُّبْح.
وابن أَجْلى: الأَسدُ، وقيل: ابن أَجْلى الصبح، في بيت العجاج. وما أَقمت
عنده إِلاَّ جَلاءَ يومٍ واحد أَي بياضَه؛ قال الشاعر:
ما ليَ إِنْ أَقْصَيْتَني من مقْعدِ،
ولا بهَذِي الأَرْضِ من تَجَلُّدِ،
إِلاَّ جَلاءَ اليومِ أَو ضُحَى غَدِ
وأَجْلى الله عنك أَي كشَفَ؛ يقال ذلك للمريض. يقال للمريض: جَلا الله
عنه المرضَ أَي كشَفَه. وأَجْلى يعْدُو: أَسْرَعَ بعضَ الإِسْراع.
وانْجَلى الغَمُّ، وجَلَوْتُ عني هَمِّي جَلْواً إِذا أَذهبته. وجَلَوْتُ السيفَ
جِلاءً، بالكسر، أَي صَقَلْتُ. وجَلَوْتُ العروسَ جِلاءً وجَلْوَةً
واجْتَلَيْتُها بمعنىً إِذا نظرت إِليها مَجْلُوّةً. وانْجَلى الظلامُ إِذا
انكشف. وانْجَلى عنه الهَمُّ: انكشف. وفي التنزيل العزيز: والنهار إِذا
جَلاَّها؛ قال الفراء: إِذا جَلَّى الظُّلمةَ فجازت الكناية عن الظُّلْمة
ولم تذكر في أَوله لأَن معناها معروف، أَلا ترى أَنك تقول: أَصْبَحتْ
باردَةً وأَمْسَتْ عَرِيَّةً وهَبَّتْ شَمالاً؟ فكُني عن مُؤَنَّثاتٍ لم
يَجْرِ لهنَّ ذكر لأَن معناهن معروف. وقال الزجاج: إِذا جلاَّها إِذا بيَّنَ
الشمسَ لأَنها تتَبين إِذا انبسط النهار. الليث: أَجْلَيْتُ عنه الهمَّ
إِذا فرَّجت عنه، وانّجَلت عنه الهموم كما تنْجَلي الظلمة. وأَجْلَوْا عن
القتيل لا غير أَي انفرجوا. وفي حديث الكسوف: حتى تجلت الشمس أَي انكشفت
وخرجت من الكسوف، يقال: تجلَّتْ وانْجَلت. وفي حديث الكسوف أَيضاً:
فقُمْت حتى تجَلاَّنيَ الغَشْيُ أَي غَطَّاني وغشَّاني، وأَصله تجللني،
فأُبدلت إِحدى اللاَّمين أَلفاً مثل تَظَنَّى وتمَطَّى في تظنَّن وتمطَّط،
ويجوز أَن يكون معنى تجلاَّني الغشيُ ذهب بقوَّتي وصبري من الجَلاءِ، أَو
ظَهَر بي وبانَ عليَّ. وتجلَّى فلانٌ مكانَ كذا إِذا عَلاه، والأَصل
تجَلَّله؛ قال ذو الرمة:
فلما تَجَلَّى قَرْعُها القاعَ سَمْعَه،
وبانَ له وسْطَ الأَشاءِ انْغِلالُها
(* قوله «وبان له» كذا بالأصل والتهذيب والذي في التكملة: وحال له).
قال أَبو منصور: التَّجَلِّي النظرُ بالإشْراف. وقال غيره: التَّجلِّي
التَّجَلُّل أَي تَجَلَّل قَرْعُها سَمْعَه في القاع؛ ورواه ابن
الأَعرابي:تحَلَّى قَرْعُها القاعَ سَمْعَهُ
وأَجْلى: موضع بين فَلْجة ومطلع الشمس، فيه هُضَيْبات حُمْر، وهي
تُنْبِتُ النَّصِيَّ والصِّلِّيانَ. وجَلْوَى، مقصور: قرية. وجَلْوَى: فرس
خُفاف ابن نُدْبة؛ قال:
وقَفْتُ لها جَلْوَى، وقد قام صُحْبتي،
لأَبْنِيَ مَجْداً، أَو لأَثْأَرَ هالِكا
وجَلْوَى أَيضاً: فرس قِرْواشِ بن عَوْفٍ. وجَلْوَى أَيضاً: فرس لبني
عامر. قال ابن الكلبي: وجَلْوَى فرس كانت لبني ثعلبة بن يَرْبُوع، وهو ابن
ذي العِقالِ، قال: وله حديث طويل في حرب غطفان؛ وقول المتلمس:
يكون نَذِيرٌ من وَرَائِيَ جُنَّةً،
ويَنْصُرُنِي منْهُمْ جُلَيّ وأَحْمَسُ
(* قوله «جليّ» هو بهذا الضبط في الأصل).
قال: هما بطنان في ضُبَيْعة.