عن التركية من باقلا بمعنى فول، أو من بقال من الإيطالية بوكالي بمعنى زجاجة للخمر من زجاج أبيض وأخضر، أو عن الفارسية من بي قال من بي النافية وقال العربية فيكون المعنى الأبكم.
بقالي
عن العبرية بمعنى مقشور كفاكهة مجردة من القشر.
قرر: القُرُّ: البَرْدُ عامةً، بالضم، وقال بعضهم: القُرُّ في الشتاء
والبرد في الشتاء والصيف، يقال: هذا يومٌ ذو قُرٍّ أَي ذو بَرْدٍ.
والقِرَّةُ: ما أَصاب الإِنسانَ وغيره من القُرِّ. والقِرَّةُ أَيضاً:
البرد. يقال: أَشدُّ العطش حِرَّةٌ على قِرَّةٍ، وربما قالوا: أَجِدُ
حِرَّةً على قِرَّةٍ، ويقال أَيضاً: ذهبت قِرَّتُها أَي الوقتُ الذي يأْتي
فيه المرض، والهاء للعلة، ومَثَلُ العرب للذي يُظهر خلاف ما يُضْمِرُ:
حِرَّةٌ تحت قِرَّةٍ، وجعلوا الحارّ الشديدَ من قولهم اسْتَنحَرَّ القتلُ أَي
اشتدّ، وقالوا: أَسْخَنَ اللهُ عينه والقَرُّ: اليوم البارد. وكلُّ
باردٍ: قَرُّ.
ابن السكيت: القَرُورُ الماء البارد يغسل به. يقال: قد اقْتَرَرْتُ به
وهو البَرُودُ، وقرَّ يومنا، من القُرّ. وقُرَّ الرجلُ: أَصابه القُرُّ.
وأَقَرَّه اللهُ: من القُرِّ، فهو مَقْرُورٌ على غير قياس كأَنه بني على
قُرٍّ، ولا يقال قَرَّه. وأَقَرَّ القومُ: دخلوا في القُرِّ. ويوم مقرورٌ
وقَرٌّ وقارٌّ: بارد. وليلة قَرَّةٌ وقارَّةٌ أَي باردة؛ وقد قَرَّتْ
تَقَرّ وتَقِرُّ قَرًّا. وليلة ذاتُ قَرَّةٍ أَي ليلة ذات برد؛ وأَصابنا
قَرَّةٌ وقِرَّةٌ، وطعام قارٌّ.
وروي عن عمر أَنه قال لابن مسعود البدري: بلغني أَنك تُفْتي، وَلِّ
حارَّها من تَوَلَّى قارَّها؛ قال شمر: معناه وَلِّ شَرَّها من تَولَّى
خَيْرَها ووَلِّ شديدَتها من تولى هَيِّنَتها، جعل الحرّ كناية عن الشر،
والشدّةَ والبردَ كناية عن الخير والهَيْنِ. والقارُّ: فاعل من القُرِّ البرد؛
ومنه قول الحسن بن علي في جَلْدِ الوليد بن عُقْبة: وَلِّ حارَّها من
تولَّى قارَّها، وامتنعَ من جَلْدِه. ابن الأَعرابي: يوم قَرٌّ ولا أَقول
قارٌّ ولا أَقول يوم حَرٌّ. وقال: تَحَرَّقت الأَرضُ واليوم قَرٌّ. وقيل
لرجل: ما نَثَرَ أَسنانَك؟ فقال: أَكلُ الحارّ وشُرْبُ القارِّ. وفي حديث
أُم زَرْعٍ: لا حَرٌّ ولا قُرٌّ؛ القُرُّ: البَرْدُ، أَرادت أَنه لا ذو
حر ولا ذو برد فهو معتدل، أَرادت بالحر والبرد الكناية عن الأَذى، فالحرّ
عن قليله والبرد عن كثيره؛ ومنه حديث حُذَيفة في غزوة الخَنْدَق: فلما
أَخبرتُه خَبَرَ القوم وقَرَرْتُ قَرِرْتُ، أَي لما سكنتُ وجَدْتُ مَسَّ
البرد. وفي حديث عبد الملك بن عُمَيْر:لَقُرْصٌ بُرِّيٌّ بأَبْطَحَ
قُرِّيٍّ؛ قال ابن الأَثير: سئل شمر عن هذا فقال: لا أَعرفه إِلا أَن يكون من
القُرِّ البرد. وقال اللحياني: قَرَّ يومُنا يَقُرُّ، ويَقَرُّ لغة
قليلة.والقُرارة: ما بقي في القِدْرِ بعد الغَرْفِ منها. وقَرَّ القِدْرَ
يَقُرُّها قَرًّا: فَرَّغَ ما فيها من الطبيخ وصب فيها ماء بارداً كيلا
تحترق. والقَرَرَةُ والقُرَرَة والقَرارة والقِرارة والقُرورةُ، كلّه: اسم
ذلك الماء. وكلُّ ما لَزِقَ بأَسفل القِدْر من مَرَقٍ أَو حُطامِ تابِلٍ
محترق أَو سمن أَو غيره: قُرّة وقُرارة وقُرُرَة، بضم القاف والراء،
وقُرَرة، وتَقَرَّرَها واقْتَرَّها: أَخذها وائْتَدَمَ بها. يقال: قد
اقْتَرَّتِ القِدْرُ وقد قَرَرْتُها إِذا طبخت فيها حتى يَلْصَقَ بأَسفلها،
وأَقْرَرْتها إِذا نزعت ما فيها مما لَصِقَ بها؛ عن أَبي زيد.
والقَرُّ: صبُّ الماء دَفْعَة واحدة. وتَقَرَّرتِ الإِبلُ: صَبَّتْ
بولها على أَرجلها.
وتَقَرَّرَت: أَكلت اليَبِسَ فتَخَثَّرت أَبوالُها. والاقْتِرار: أَي
تأْكل الناقةُ اليبيسَ والحِبَّةَ فَيَتَعَقَّدَ عليها الشحمُ فتبول في
رجليها من خُثُورة بولها. ويقال: تَقَرَّرت الإِبل في أَسْؤُقها، وقَرّت
تَقِرُّ: نَهِلَتْ ولم تَعُلَّ؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
حتى إِذا قَرَّتْ ولمّا تَقْرِرِ،
وجَهَرَت آجِنَةً، لم تَجْهَرِ
ويروى أَجِنَّةً. وجَهَرَتْ: كَسَحَتْ. وآجنة: متغيرة، ومن رواه
أَجِنَّةَ أَراد أَمْواهاً مندفنة، على التشبيه بأَجنَّة الحوامل. وقَرَّرت
الناقةُ ببولها تَقْريراً إِذا رمت به قُرَّةً بعد قُرَّةٍ أَي دُفْعَةً بعد
دُفْعة خاثراً من أَكل الحِبّة؛ قال الراجز:
يُنْشِقْنَه فَضْفاضَ بَوْلٍ كالصَّبَرْ،
في مُنْخُرَيْه، قُرَراً بَعْدَ قُرَرْ
قرراً بعد قرر أَي حُسْوَة بعد حُسْوَة ونَشْقَةً بعد نَشْقة. ابن
الأَعرابي: إِذا لَقِحَت الناقة فهي مُقِرٌّ وقارِحٌ، وقيل: إِن الاقْترارَ
السِّمنُ، تقول:
اقْتَرَّتِ الناقةُ سَمِنَتْ؛ وأَنشد لأَبي ذؤيب الهذلي يصف ظبية:
به أَبِلَتْ شَهْرَي رَبيعٍ كلاهما،
فقد مارَ فيها نَسْؤُها واقترارُها
نسؤها: بَدْءُ سمنها، وذلك إِنما يكون في أَوّل الربيع إِذا أَكلت
الرُّطْبَ، واقترارُها: نهاية سمنها، وذلك إِنما يكون إِذا أَكلت اليبيس
وبُزُور الصحراء فعَقَّدَتْ عليها الشحم.
وقَرَّ الكلامَ والحديث في أُذنه يَقُرُّه قَرّاً: فَرَّغه وصَبَّه
فيها، وقيل هو إِذا سارَّه. ابن الأَعرابي: القَرُّ تَرْدِيدُك الكلام في
أُذن الأَبكم حتى يفهمه. شمر: قَرَرْتُ الكلامَ في أُذنه أَقُرُّه قَرّاً،
وهو أَن تضع فاك على أُذنه فتجهر بكلامك كما يُفعل بالأَصم، والأَمر:
قُرَّ. ويقال: أَقْرَرْتُ الكلامَ لفلان إِقراراً أَي بينته حتى عرفه.
وفي حديث استراق السمع: يأْتي الشيطانُ فَيَتَسَمَّعُ الكلمةَ فيأْتي
بها إِلى الكاهن فَيُقِرُّها في أُذنه كما تُقَرُّ القارورةُ إِذا أُفرغ
فيها، وفي رواية: فيَقْذفها في أُذن وَلِيِّه كقَرِّ الدجاجة؛ القَرُّ:
ترديدك الكلام في أُذن المخاطَب حتى يفهمه.
وقَرُّ الدجاجة: صوتُها إِذا قطعته، يقال: قَرَّتْ تَقِرُّ قَرّاً
وقَرِيراً، فإِن رَدَّدَتْه قلت: قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً، ويروى: كقَزِّ
الــزجاجة، بالزاي، أَي كصوتها إِذا صُبَّ فيها الماء. وفي حديث عائشة، رضي الله
عنها: أَن النبي،صلى الله عليه وسلم، قال: تنزل الملائكة في العَنانِ وهي
السحابُ فيتحدثون ما علموا به مما لم ينزل من الأَمر، فيأْتي الشيطان
فيستمع فيسمع الكلمة فيأْتي بها إِلى الكاهن فيُقِرُّها في أُذنه كما
تُقَرُّ القارورةُ إِذا أُفرغ فيها مائة كِذْبةٍ. والقَرُّ: الفَرُّوج.
واقْتَرَّ بالماء البارد: اغتسل. والقَرُورُ: الماء البارد يُغْتَسل به.
واقْتَرَرْتُ بالقَرُور: اغتسلت به. وقَرَّ عليه الماءَ يَقُرُّه: صبه.
والقَرُّ: مصدر قَرَّ عليه دَلْوَ ماء يَقُرُّها قَرّاً، وقَرَرْتُ على رأْسه
دلواً من ماء بارد أَي صببته.
والقُرّ، بالضم: القَرار في المكان، تقول منه قَرِرْتُ بالمكان، بالكسر،
أَقَرُّ قَراراً وقَرَرْتُ أَيضاً، بالفتح، أَقِرُّ قراراً وقُروراً،
وقَرَّ بالمكان يَقِرُّ ويَقَرُّ، والأُولى أَعلى؛ قال ابن سيده: أَعني أَن
فَعَلَ يَفْعِلُ ههنا أَكثر من فَعَلَ يَفْعَلُ قَراراً وقُروراً
وقَرّاً وتَقْرارةً وتَقِرَّة، والأَخيرة شاذة؛ واسْتَقَرَّ وتَقارَّ
واقْتَرَّه فيه وعليه وقَرَّره وأَقَرَّه في مكانه فاستقرَّ. وفلان ما يَتَقارُّ
في مكانه أَي ما يستقرّ. وفي حديث أَبي موسى: أُقِرَّت الصلاة بالبر
والزكاة؟، وروي: قَرَّتْ أَي اسْتَقَرَّت معهما وقُرِنت بهما، يعني أَن الصلاة
مقرونة بالبر، وهو الصدق وجماع الخير، وأَنها مقرونة بالزكاة في القرآن
مذكورة معها. وفي حديث أَبي ذر: فلم أَتَقارَّ أَن قمتُ أَي لم أَلْبَثْ،
وأَصله أَتَقارَر، فأُدغمت الراء في الراء. وفي حديث نائل مولى عثمان:
قلنا لرَباح ابن المُغْتَرِف: غَنِّنا غِناءَ أَهل القَرارِ أَي أَهل
الحَضَر المستقرِّين في منازلهم لا غِناءَ أَهل البَدْو الذين لا يزالون
متنقلين. الليث: أَقْرَرْتُ الشيء في مَقَرِّه ليَقِرّ. وفلان قارٌّ: ساكنٌ،
وما يَتَقَارُّ في مكانه. وقوله تعالى: ولكم في الأَرض مُسْتَقَرّ؛ أَي
قَرار وثبوت. وقوله تعالى: لكل نَبَإِ مُسْتَقَرّ؛ أَي لكل ما أُنبأْتكم
عن الله عز وجل غاية ونهاية ترونه في الدنيا والآخرة. والشمسُ تجري
لمُسْتَقَرٍّ لها؛ أَي لمكان لا تجاوزه وقتاً ومحلاًّ وقيل لأَجَلٍ قُدِّر
لها. وقوله تعالى: وقَرْنَ وقِرْنَ، هو كقولك ظَلْنَ وظِلْنَ؛ فقَرْنَ على
أَقْرَرْنَ كظَلْنَ على أَظْلَلْنَ وقِرنَ على أَقْرَرنَ كظِلْنَ على
أَظْلَلنَ. وقال الفراء: قِرْنَ في بيوتكنَّ؛ هو من الوَقار. وقرأَ عاصم
وأَهل المدينة: وقَرْن في بيوتكن؛ قال ولا يكون ذلك من الوَقار ولكن يُرَى
أَنهم إِنما أَرادوا: واقْرَرْنَ في بيوتكن، فحذف الراء الأُولى وحُوّلت
فتحتها في القاف، كما قالوا: هل أَحَسْتَ صاحِبَك، وكما يقال فَظِلْتم،
يريد فَظَلِلْتُمْ؛ قال: ومن العرب من يقول: واقْرِرْنَ في بيوتكن، فإِن قال
قائل: وقِرْن، يريد واقْرِرْنَ فتُحَوَّلُ كسرة الراء إِذا أُسقطت إِلى
القاف، كان وجهاً؛ قال: ولم نجد ذلك في الوجهين مستعملاً في كلام العرب
إِلا في فعَلْتم وفَعَلْتَ وفَعَلْنَ، فأَما في الأَمر والنهي والمستقبل
فلا، إِلا أَنه جوّز ذلك لأَن اللام في النسوة ساكنة في فَعَلْن ويَفْعَلن
فجاز ذلك؛ قال: وقد قال أَعرابي من بني نُمَيْر: يَنْحِطْنَ من الجبل،
يريد ينْحَطِطْنَ، فهذا يُقَوِّي ذلك. وقال أَبو الهيثم: وقِرْنَ في
بيوتكن، عندي من القَرارِ، وكذلك من قرأَ: وقَرْنَ، فهو من القَرارِ، وقال:
قَرَرْتُ بالمكان أَقِرُّ وقَرَرْتُ أَقَرُّ.
وقارّه مُقارَّةً أَي قَرّ معه وسَكَنَ. وفي حديث ابن مسعود: قارُّوا
الصلاةَ،هو من القَرارِ لا من الوَقارِ، ومعناه السكون، أَي اسكنوا فيها
ولا تتحرّكوا ولا تَعْبَثُوا، وهو تَفَاعُلٌ، من القَرارِ. وتَقْرِيرُ
الإِنسان بالشيء: جعلُه في قَراره؛ وقَرَّرْتُ عنده الخبر حتى
اسْتَقَرَّ.والقَرُور من النساء: التي تَقَِرّ لما يُصْنَعُ بها لا تَرُدّ
المُقَبِّلَ والمُراوِِدَ؛ عن اللحياني، كأَنها تَقِرُّ وتسكن ولا تَنْفِرُ من
الرِّيبَة.
والقَرْقَرُ: القاعُ الأَمْلَسُ، وقيل: المستوي الأَملس الذي لا شيء
فيه.والقَرارة والقَرارُ: ما قَرَّ فيه الماء. والقَرارُ والقَرارةُ من
الأَرض: المطمئن المستقرّ، وقيل: هو القاعُ المستدير، وقال أَبو حنيفة:
القَرارة كل مطمئن اندفع إِليه الماء فاستقَرّ فيه، قال: وهي من مكارم الأَرض
إِذا كانت سُهولةٌ. وفي حديث ابن عباس وذكر علّياً فقال: عِلْمِي إِلى
علمه كالقَرارة في المُثْعَنْجَرِ؛ القَرارةُ المطمئن من الأَرض وما يستقرّ
فيه ماء المطر، وجمعها القَرارُ. وفي حديث يحيى بن يَعْمَر: ولحقت
طائفةٌ بقَرارِ الأَودية.
وفي حديث الزكاة: بُطِحَ له بِقاعٍ قَرْقَرٍ؛ هو المكان المستوي. وفي
حديث عمر: كنت زَميلَه في غَزْوة قَرقَرةِِ الكُدْرِ؛ هي غزوة معروفة،
والكُدْرُ: ماء لبني سليم: والقَرْقَرُ: الأَرض المستوية، وقيل: إِن أَصل
الكُدْرِ طير غُبْرٌ سمي الموضعُ أَو الماء بها؛ وقول أَبي ذؤيب:
بقَرارِ قِيعانٍ سقَاها وابلٌ
واهٍ، فأَثْجَمَ بُرْهَةً لا يُقْلِعُ
قال الأَصمعي: القَرارُ ههنا جمع قَرارةٍ؛ قال ابن سيده: وإِنما حمل
الأَصمعي على هذا قولُه قِيعان ليضيف الجمع إِلى الجمع، أَلا ترى أَن قراراً
ههنا لو كان واحداً فيكون من باب سَلٍّ وسَلَّة لأَضاف مفرداً إِلى جمعف
وهذا فيه ضرب من التناكر والتنافر. ابن شميل: بُطونُ الأَرض قَرارُها
لأَن الماء يستقرّ فيها. ويقال: القَرار مُسْتَقَرُّ الماء في الروضة. ابن
الأَعرابي: المَقَرَّةُ الحوض الكبير يجمع فيه الماء، والقَرارة القاعُ
المستدير، والقَرْقَرة الأَرض الملساء ليست بجِدِّ واسعةٍ، فإِذا اتسعت
غلب عليها اسم التذكير فقالوا قَرْقَرٌ؛ وقال عبيد:
تُرْخِي مَرابِعَها في قَرْقَرٍ ضاحِي
قال: والقَرَِقُ مثل القَرْقَرِ سواء. وقال ابن أَحمر: القَرْقَرة وسطُ
القاع ووسطُ الغائط المكانُ الأَجْرَدُ منه لا شجر فيه ولا دَفَّ ولا
حجارة، إِنما هي طين ليست بجبل ولا قُفٍّ، وعَرْضُها نحو من عشرة أَذراع أَو
أَقل، وكذلك طولها؛ وقوله عز وجل: ذاتِ قَرارٍ ومَعِينٍ؛ هو المكان
المطمئن الذي يستقرّ فيه الماء. ويقال للروضة المنخفضة: القَرارة. وصار
الأَمر إِلى قَراره ومُسْتَقَرِّه: تَناهَى وثبت.
وقولهم عند شدّة تصيبهم: صابتْ بقُرٍّ أَي صارت الشدّةُ إِلى قَرارها،
وربما قالوا: وَقَعَت بقُرٍّ، وقال ثعلب: معناه وقعت في الموضع الذي
ينبغي. أَبو عبيد في باب الشدّة: صابتْ بقُرٍّ إِذا نزلت بهم شدّة، قال:
وإِنما هو مَثَل. الأَصمعي: وقع الأَمرُ بقُرِّه أَي بمُسْتَقَرّه؛
وأَنشد:لعَمْرُكَ، ما قَلْبي على أَهله بحُرّ،
ولا مُقْصِرٍ، يوماً، فيأْتيَني بقُرّْ
أَي بمُسْتَقَرّه؛ وقال عَدِيُّ بنُ زيد:
تُرَجِّيها، وقد وقَعَتْ بقُرٍّ،
كما تَرْجُو أَصاغِرَها عَتِيبُ
ويقال للثائر إِذا صادفَ ثَأْرَه: وقَعْتَ بقُرِّكَ أَي صادَفَ فؤادُك
ما كان مُتَطَلِّعاً إِليه فتَقَرّ؛ قال الشَّمَّاخ:
كأَنها وابنَ أَيامٍ تُؤَبِّنُه،
من قُرَّةِ العَْنِ، مُجْتابا دَيابُوذِ
أَي كأَنهما من رضاهما بمرتعهما وترك الاستبدال به مُجتابا ثوبٍ فاخِرٍ
فهما مسروران به؛ قال المنذريّ: فعُرِضَ هذا القولُ على ثعلب فقال هذا
الكلام أَي سَكَّنَ اللهُ عينَه بالنظر إِلى ما يحب.
ويقال للرجل: قَرْقارِ أَي قِرَّ واسكنْ.
قال ابن سيده: وقَرَّتْ عينُه تَقَرّ؛ هذه أَعلى عن ثعلب، أَعني
فَعِلَتْ تَفْعَلُ، وقَرَّت تَقِرُّ قَرَّة وقُرَّةً؛ الأَخيرة عن ثعلب، وقال:
هي مصدر، وقُرُوراً، وهي ضدُّ سَخِنتْ، قال: ولذلك اختار بعضهم أَن يكون
قَرَّت فَعِلَت ليجيء بها على بناء ضدّها، قال: واختلفوا في اشتقاق ذلك
فقال بعضهم: معناه بَرَدَتْ وانقطع بكاؤها واستحرارُها بالدمع فإِن للسرور
دَمْعَةً باردةً وللحزن دمعة حارة، وقيل: هو من القَرارِ، أَي رأَت ما
كانت متشوّقة إِليه فقَرَّتْ ونامت. وأَقَرَّ اللهُ عينَه وبعينه، وقيل:
أَعطاه حتى تَقَرَّ فلا تَطْمَحَ إِلى من هو فوقه، ويقال: حتى تَبْرُدَ ولا
تَسْخَنَ، وقال بعضهم: قَرَّت عينُه مأْخوذ من القَرُور، وهو الدمع
البارد يخرج مع الفرح، وقيل: هو من القَرارِ، وهو الهُدُوءُ، وقال الأَصمعي:
أَبرد اللهُ دَمْعَتَه لأَن دَمْعَة السرور باردة. وأَقَرَّ الله عينه:
مشتق من القَرُور، وهو الماء البارد، وقيل: أَقَرَّ اللهُ عينك أَي صادفت
ما يرضيك فتقرّ عينك من النظر إِلى غيره، ورضي أَبو العباس هذا القول
واختاره، وقال أَبو طالب: أَقرَّ الله عينه أَنام الله عينه، والمعنى صادف
سروراً يذهب سهره فينام؛ وأَنشد:
أَقَرَّ به مواليك العُيونا
أَي نامت عيونهم لما ظَفِرُوا بما أَرادوا. وقوله تعالى: فكلي واشربي
وقَرِّي عَيناً؛ قال الفراء: جاء في التفسير أَي طيبي نفساً، قال: وإِنما
نصبت العين لأَن الفعل كان لها فصيرته للمرأَة، معناه لِتَقَرَّ عينُك،
فإِذا حُوِّل الفعلُ عن صاحبه نصب صاحب الفعل على التفسير. وعين قَرِيرةٌ:
قارَّة، وقُرَّتُها: ما قَرَّت به. والقُرَّةُ: كل شيء قَرَّت به عينك،
والقُرَّةُ: مصدر قَرَّت العين قُرَّةً. وفي التنزيل العزيز: فلا تعلم
نفسٌ ما أُخفِيَ لهم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ؛ وقرأَ أَبو هريرة: من قُرَّاتِ
أَعْيُن، ورواه عن النبي،صلى الله عليه وسلم. وفي حديث الاستسقاء: لو رآك
لقَرَّتْ عيناه أَي لَسُرَّ بذلك وفَرِحَ، قال: وحقيقته أَبْرَدَ اللهُ
دَمْعَةَ عينيه لأَن دمعة الفرح باردة، وقيل: أَقَرَّ الله عينك أَي
بَلَّغَك أُمْنِيَّتك حتى تَرْضَى نَفْسُك وتَسْكُنَ عَيْنُك فلا تَسْتَشْرِفَ
إِلى غيره؛ ورجل قَرِيرُ العين وقَرِرْتُ به عيناً فأَنا أَقَرُّ
وقَرَرْتُ أَقِرُّ وقَرِرْتُ في الموضع مثلها.
ويومُ القَرِّ: اليوم الذي يلي عيد النحر لأَن الناس يَقِرُّونَ في
منازلهم، وقيل: لأَنهم يَقِرُّون بمنًى؛ عن كراع، أَي يسكنون ويقيمون. وفي
الحديث: أَفضلُ الأَيام عند الله يومُ النحر ثم يوم القَرِّ؛ قال أَبو
عبيد: أَراد بيوم القَرِّ الغَدَ من يوم النحر، وهو حادي عشر ذي الحجة، سمي
يومَ القَرِّ لأَن أَهل المَوْسِمِ يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر في
تعب من الحج، فإِذا كان الغدُ من يوم النحر قَرُّوا بمنًى فسمي يومَ
القَرِّ؛ ومنه حديث عثمان: أَقِرُّوا الأَنفس حتى تَزْهَقَ أَي سَكِّنوا
الذبائح حتى تُفارقها أَرواحها ولا تُعْجِلُوا سَلْخها وتقطيعها. وفي حديث
البُراق: أَنه استصعبَ ثم ارْفَضَّ وأَقَرَّ أَي سكن وانقاد.
ومَقَرُّ الرحم: آخِرُها، ومُسْتَقَرُّ الحَمْل منه. وقوله تعالى:
فمستقرٌّ ومستودع؛ أَي فلكم في الأَرحام مستقر ولكم في الأَصلاب مستودع،
وقرئ: فمستقِرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ؛ أَي مستقرّ في الرحم، وقيل: مستقرّ في الدنيا
موجود، ومستودعَ في الأَصلاب لم يخلق بَعْدُ؛ وقال الليث: المستقر ما
ولد من الخلق وظهر على الأَرض، والمستودَع ما في الأَرحام، وقيل: مستقرّها
في الأَصلاب ومستودعها في الأَرحام، وسيأْتي ذكر ذلك مستوفى في حرف
العين، إِن شاءَ الله تعالى، وقيل: مُسْتَقِرٌّ في الأَحياء ومستودَع في
الثَّرَى.
والقارورة: واحدة القَوارير من الــزُّجاج، والعرب تسمي المرأَة القارورة
وتكني عنها بها.والقارُورُ: ما قَرَّ فيه الشرابُ وغيره، وقيل: لا يكون
إِلا من الــزجاج خاصة. وقوله تعالى: قَوارِيرَ قواريرَ من فضة؛ قال بعض
أَهل العلم: معناه أَوانيَ زُجاج في بياض الفضة وصفاء القوارير. قال ابن
سيده: وهذا حسن، فأَما من أَلحق الأَلف في قوارير الأَخيرة فإِنه زاد الأَلف
لتَعْدِلَ رؤوس الآي. والقارورة: حَدَقة العين، على التشبيه بالقارورة
من الــزجاج لصفائها وأَن المتأَمّل يرى شخصه فيها؛ قال رؤبة:
قد قَدَحَتْ من سَلْبِهِنَّ سَلْبا
قارورةُ العينِ، فصارتْ وَقْبا
ابن الأَعرابي: القَوارِيرُ شجر يشبه الدُّلْبَ تُعمل منه الرِّحالُ
والموائد. وفي الحديث: أَن النبي،صلى الله عليه وسلم، قال لأَنْجَشةَ وهو
يَحْدُو بالنساء: رِفْقاً بالقَوارير؛ أَراد،صلى الله عليه وسلم، بالقوارير
النساء، شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن وقلة دوامهن على العهد،
والقواريرُ من الــزُّجاج يُسْرِع إِليها الكسر ولا تقبل الجَبْرَ، وكان أَنْجَشَةُ
يحدو بهن رِكابَهُنَّ ويرتجز بنسيب الشعر والرجز وراءهن، فلم يُؤْمَنْ
أَن يصيبهن ما يسمعن من رقيق الشعر فيهن أَو يَقَعَ في قلوبهن حُداؤه،
فأَمر أَنجشَةَ بالكف عن نشيده وحُدائه حِذارَ صَبْوَتِهن إِلى غير الجميل،
وقيل: أَراد أَن الإِبل إِذا سمعت الحُداء أَسرعت في المشي واشتدت فأَزعجت
الراكبَ فأَتعبته فنهاه عن ذلك لأَن النساء يضعفن عن شدة الحركة.
وواحدةُ القوارير: قارورةٌ، سميت بها لاستقرار الشراب فيها. وفي حديث عليّ: ما
أَصَبْتُ مُنْذُ وَلِيتُ عملي إِلا هذه القُوَيْرِيرةَ أَهداها إِليّ
الدِّهْقانُ؛ هي تصغير قارورة. وروي عن الحُطَيْئة أَنه نزل بقوم من العرب
في أَهله فسمع شُبَّانَهم يَتَغَنَّوْنَ فقال: أَغْنُوا أَغانيَّ
شُبَّانِكم فإِن الغِناء رُقْيَةُ الزنا. وسمع سليمانُ ابن عبد الملك غِناءَ راكب
ليلاً، وهو في مِضْرَبٍ له، فبعث إِليه من يُحْضِرُه وأَمر أَن يُخْصَى
وقال: ما تسمع أُنثى غِناءه إِلا صَبَتْ إِليه؛ قال: وما شَبَّهْتُه إِلا
بالفحل يُرْسَلُ في الإِبل يُهَدِّرُ فيهن فيَضْبَعُهنّ.
والاقْترارُ: تتبع ما في بطن الوادي من باقي الرُّطْبِ، وذلك إِذا هاجت
الأَرض ويَبِستْ مُتونُها. والاقترارُ: استقرارُ ماء الفحل في رحم
الناقة؛ قال أَبو ذؤيب:
فقد مار فيها نسؤها واقترارها
قال ابن سيده: ولا أَعرف مثل هذا، اللهم إِلا أَن يكون مصدراً وإِلا فهو
غريب ظريف، وإِنما عبر بذلك عنه أَبو عبيد ولم يكن له بمثل هذا علم،
والصحيح أَن الاقترار تَتَبُّعُها في بطون الأَوْدِية النباتَ الذي لم تصبه
الشمس. والاقترارُ: الشِّبَعُ. وأَقَرَّت الناقةُ: ثبت حملها. واقْتَرَّ
ماءُ الفحل في الرحم أَي استقرَّ. أَبو زيد: اقترارُ ماء الفحل في الرحم
أَن تبولَ في رجليها، وذلك من خُثورة البول بما جرى في لحمها. تقول: قد
اقْتَرَّت، وقد اقْتَرَّ المالُ إثذا شَبِعَ. يقال ذلك في الناس وغيرهم.
وناقة مُقِرٌّ: عَقَّدَتْ ماء الفحل فأَمسكته في رحمها ولم تُلْقِه.
والإِقرارُ: الإِذعانُ للحق والاعترافُ به. أَقَرَّ بالحق أَي اعترف به.
وقد قَرَّرَه عليه وقَرَّره بالحق غيرُه حتى أَقَرَّ.
والقَرُّ: مَرْكَبٌ للرجال بين الرَّحْل والسَّرْج، وقيل: القَرُّ
الهَوْدَجُ؛ وأَنشد:
كالقَرِّ ناسَتْ فوقَه الجَزاجِزُ
وقال امرؤ القيس:
فإِمَّا تَرَيْني في رِحالةِ جابرٍ
على حَرَجٍ كالقَرِّ، تَخْفِقُ أَكفاني
وقيل: القَرُّ مَرْكَبٌ للنساء.
والقَرارُ: الغنم عامَّةً؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَسْرَعْت في قَرارِ،
كأَنما ضِرارِي
أَرَدْتِ يا جَعارِ
وخصَّ ثعلبٌ به الضأْنَ. وقال الأَصمعي: القَرارُ والقَرارةُ النَّقَدُ،
وهو ضربٌ من الغَنَمِ قصار الأَرْجُل قِباح الوجوه. الأَصمعي: القَرار
النَّقَدُ من الشاء وهي صغارٌ، وأَجودُ الصوف صوف النَّقَدِ؛ وأَنشد
لعلقمة بن عبدة:
والمالُ صُوفُ قَرارٍ يَلْعَبونَ به،
على نِقادَتِه، وافٍ ومَجْلُومُ
أَي يقل عند ذا ويكثر عند ذا.
والقُرَرُ: الحَسا، واحدتها قُرَّة؛ حكاها أَبو حنيفة؛ قال ابن سيده:
ولا أَدري أَيَّ الحَسا عنى أَحَسَا الماء أَم غيره من الشراب. وطَوَى
الثَّوْبَ على قَرِّه: كقولك على غَرّه أَي على كَسْرِه، والقَرُّ والغَرُّ
والمَقَرُّ: كَسْرُ طَيِّ الثوب.
والمَقَرّ: موضعٌ وسطَ كاظمةَ،وبه قبر غالب أَبي الفرزدق وقبر امرأَة
جرير؛ قال الراعي:
فصَبَّحْنَ المَقَرَّ، وهنّ خُوصٌ،
على رَوَحٍ يُقَلِّبْنَ المَحارا
وقيل: المَقَرُّ ثنيةُ كاظِمةَ. وقال خالدُ بن جَبَلَة: زعم
النُّمَيْرِي أَن المَقَرّ جبل لبني تميم.
وقَرَّتِ الدَّجاجةُ تَقِرّ قَرًّا وقَرِيراً: قَطَعتْ صوتَها
وقَرْقَرَتْ رَدَّدَتْ صوتَها؛ حكاه ابن سيده عن الهروي في الغريبين.
والقِرِّيَّة: الحَوْصلة مثل الجِرِّيَّة. والقَرُّ: الفَرُّوجةُ؛ قال
ابن أَحمر:
كالقَرِّ بين قَوادِمٍ زُعْرِ
قال ابن بري: هذا العَجُزُ مُغَيَّر، قال: وصواب إِنشاد البيت على ما
روته الرواة في شعره:
حَلَقَتْ بنو غَزْوانَ جُؤْجُؤَه
والرأْسَ، غيرَ قَنازِعٍ زُعْرِ
فَيَظَلُّ دَفَّاه له حَرَساً،
ويَظَلُّ يُلْجِئُه إِلى النَّحْرِ
قال هذا يصف ظليماً. وبنو غزوان: حيّ من الجن، يريد أَن جُؤْجُؤَ هذا
الظليم أَجربُ وأَن رأْسه أَقرع، والزُّعْرُ: القليلة الشعر. ودَفَّاه:
جناحاه، والهاء في له ضمير البيض، أَي يجعل جناجيه حرساً لبيضه ويضمه إِلى
نحره، وهو معنى قوله يلجئه إِلى النحر.
وقُرَّى وقُرَّانُ: موضعان.
والقَرْقَرة: الضحك إِذا اسْتُغْرِبَ فيه ورُجِّعَ. والقَرْقَرة:
الهدير، والجمع القَراقِرُ. والقَرْقَرة: دُعاء الإِبل، والإِنْقاضُ: دعاء
الشاء والحمير؛ قال شِظَاظٌ:
رُبَّ عَجُوزٍ من نُمَيْرٍ شَهْبَرَهْ،
عَلَّمْتُها الإِنْقاضَ بعد القَرْقَره
أَي سبيتها فحوّلتها إِلى ما لم تعرفه. وقَرْقَر البعيرُ قَرْقَرة:
هَدَر، وذلك إِذا هَدَلَ صوتَه ورَجَّع، والاسم القَرْقارُ. يقال: بعير
قَرْقارُ الهَدِير صافي الصوت في هَديرِه؛ قال حُمَيدٌ:
جاءت بها الوُرَّادُ يَحْجِزُ بينَها
سُدًى، بين قَرْقارِ الهَدِير، وأَعْجَما
وقولهم: قَرْقارِ، بُنِيَ على الكسر وهو معدول، قال: ولم يسمع العدل من
الرباعي إِلا في عَرْعارِ وقَرْقارِ؛ قال أَبو النجم العِجْلِيُّ:
حتى إِذا كان على مَطارِ
يُمناه، واليُسْرى على الثَّرْثارِ
قالت له ريحُ الصَّبا: قَرْقارِ،
واخْتَلَطَ المعروفُ بالإِنْكارِ
يريد: قالت لسحاب قَرْقارِ كأَنه يأْمر السحاب بذلك. ومَطارِ
والثَّرْثارُ: موضعان؛ يقول: حتى إِذا صار يُمْنى السحاب على مَطارِ ويُسْراه على
الثَّرْثارِ قالت له ريح الصَّبا: صُبَّ ما عندك من الماء مقترناً بصوت
الرعد، وهو قَرْقَرَته، والمعنى ضربته ريح الصَّبا فدَرَّ لها، فكأَنها
قالت له وإِن كانت لا تقول. وقوله: واختلط المعروف بالإِنكار أَي اختلط ما
عرف من الدار بما أُنكر أَي جَلَّلَ الأَرضَ كلَّها المطرُ فلم يعرف منها
المكان المعروف من غيره. والقَرْقَرة: نوع من الضحك، وجعلوا حكاية صوت
الريح قَرْقاراً. وفي الحديث: لا بأْس بالتبسم ما لم يُقَرْقِرْ؛
القَرْقَرة: الضحك لعالي. والقَرْقَرة: لقب سعد الذي كان يضحك منه النعمان بن
المنذر. والقَرْقَرة: من أَصوات الحمام، وقد قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً
وقَرْقَرِيراً نادرٌ؛ قال ابن جني: القَرْقِيرُ فَعْلِيلٌ، جعله رُباعيّاً،
والقَرْقارَة: إِناء، سيت بذلك لقَرْقَرَتها.
وقَرْقَرَ الشرابُ في حلقه: صَوَّت. وقَرْقَرَ بطنُه صَوَّت. قال شمر:
القَرْقَرة قَرْقَرةُ البطن، والقَرْقَرة نحو القَهْقهة، والقَرْقَرة
قَرْقَرةُ الحمام إِذا هَدَر، والقَرْقَر قَرْقَرة الفحل إِذا هَدَر، وهو
القَرْقَرِيرُ.
ورجل قُرارِيٌّ: جَهيرُ الصوت؛ وأَنشد:
قد كان هَدَّاراً قُراقِرِيَّا
والقُراقِرُ والقُراقِرِيّ: الحَسَنُ الصوت؛ قال:
فيها عِشاشُ الهُدْهُدِ القُراقِر
ومنه: حادٍ قُراقِرٌ وقُراقِرِيٌّ جيد الصوت من القَرْقَرة؛ قال الراجز:
أَصْبَح صَوْتُ عامِرٍ صَئِيَّا،
من بعدِ ما كان قُراقِرِيّا،
فمن يُنادي بعدَك المَطِيّاف
والقُراقِرُ: فرس عامر بن قيس؛ قال:
وكانَ حدَّاءً قُراقِرِيَّا
والقَرارِيُّ: الحَضَريّ الذي لا يَنْتَجِعُ يكون من أَهل الأَمصار،
وقيل: إِن كل صانع عند العرب قَرارِيّ. والقَرارِيُّ: الخَيَّاط؛ قال
الأَعشى:
يَشُقُّ الأُمُورَ ويَجْتابُها
كشَقِّ القَرارِيِّ ثوبَ الرَّدَنْ
قال: يريد الخَيَّاطَ؛ وقد جعله الراعي قَصَّاباً فقال:
ودَارِيٍّ سَلَخْتُ الجِلْدَ عنه،
كما سَلَخ القَرارِيُّ الإِهابا
ابن الأَعرابي: يقال للخياط القَرارِيُّ والفُضُولِيُّ، وهو البَيطَرُ
والشَّاصِرُ.
والقُرْقُورُ: ضرب من السفن، وقيل: هي السفينة العظيمة أَو الطويلة،
والقُرْقُورُ من أَطول السفن، وجمعه قَراقير؛ ومنه قول النابغة:
قَراقِيرُ النَّبيطِ على التِّلالِ
وفي حديث صاحب الأُخْدُودِ: اذْهَبُوا فاحْمِلُوه في قُرْقُورٍ؛ قال: هو
السفينة العظيمة. وفي الحديث: فإِذا دَخَلَ أَهل الجنةِ الجنةَ ركب
شهداءُ البحر في قَراقيرَ من دُرّ. وفي حديث موسى، عليه السلام: رَكِبُوا
القَراقِيرَ حتى أَتوا آسِيَةَ امرأَة فرعون بتابُوتِ موسى.
وقُراقِرُ وقَرْقَرى وقَرَوْرى وقُرَّان وقُراقِريّ: مواضع كلها
بأَعيانها معروفة. وقُرَّانُ: قرية باليمامة ذات نخل وسُيُوحٍ جاريةٍ؛ قال
علقمة:سُلاءَة كَعصَا النَّهْدِيِّ غُلَّ لَها
ذُو فِيئَةٍ، من نَوى قُرَّانَ، مَعْجومُ
ابن سيده: قُراقِرُ وقَرْقَرى، على فَعْلَلى، موضعان، وقيل: قُراقِرُ،
على فُعالل، بضم القاف، اسم ماء بعينه، ومنه غَزَاةُ قُراقِر؛ قال
الشاعر:وَهُمْ ضَرَبُوا بالحِنْوِ، حِنْوِ قُراقِرٍ،
مُقَدِّمَةَ الهامُرْزِ حَتَّى تَوَلَّتِ
قال ابن بري: البيت للأَعشى، وصواب إِنشاده: هُمُ ضربوا؛ وقبله:
فِدًى لبني دُهْلِ بنِ شَيْبانَ ناقَتِي،
وراكبُها يومَ اللقاء، وقَلَّتِ
قال: هذا يذكِّر فعل بني ذهل يوم ذي قار وجعل النصر لهم خاصة دون بني
بكر بن وائل. والهامُرْزُ: رجل من العجم، وهو قائد من قُوَّاد كِسْرى.
وقُراقِرُ: خلف البصرة ودون الكوفة قريب من ذي قار، والضمير في قلت يعود على
الفدية أَي قَلَّ لهم أَن أَفديهم بنفسي وناقتي. وفي الحديث ذكر
قُراقِرَ، بضم القاف الأُولى، وهي مفازة في طريق اليمامة قطعها خالد بن الوليد،
وهي بفتح القاف، موضع من أَعراض المدينة لآل الحسن بن عليّ، عليهما
السلام. والقَرْقَرُ: الظهر. وفي الحديث: ركب أَتاناً عليها قَرْصَف لم يبق منه
إِلا قَرْقَرُها أَي ظهرها.
والقَرْقَرَةُ: جلدة الوجه. وفي الحديث: فإِذا قُرِّبُ المُهْلُ منه
سَقَطَتْ قَرْقَرَةُ وجهه؛ حكاه ابن سيده عن الغريبين للهروي. قَرقَرَةُ
وجهه أَي جلدته. والقَرْقَرُ من لباس النساء، شبهت بشرة الوجه به، وقيل:
إِنما هي رَقْرَقَةُ وجهه، وهو ما تَرَقْرَقَ من محاسنه. ويروى: فَرْوَةُ
وجهه، بالفاء؛ وقال الزمخشري: أَراد ظاهر وجهه وما بدا منه، ومنه قيل
للصحراء البارزة: قَرْقَرٌ. والقَرْقَرُ والقَرْقَرَةُ: أَرض مطمئنة
لينة.والقَرَّتانِ: الغَداةُ والعَشِيُّ؛ قال لبيد:
وجَوارِنٌ بيضٌ وكلُّ طِمِرَّةٍ،
يَعْدُو عليها، القَرَّتَيْنِ، غُلامُ
الجَوارِنُ: الدروع. ابن السكيت: فلان يأْتي فلاناً القَرَّتين أَي
يأْتيه بالغداة والعَشِيّ.
وأَيوب بن القِرِّيَّةِ: أَحدُ الفصحاء. والقُرَّةُ: الضِّفْدَعَة
وقُرَّانُ: اسم رجل. وقُرَّانُ في شعر أَبي ذؤيب: اسم وادٍ. ابن الأَعرابي:
القُرَيْرَةُ تصغير القُرَّة، وهي ناقة تؤْخذ من المَغْنَم قبل قسمة
الغنائم فتنحر وتُصْلَح ويأْكلها الناس يقال لها قُرَّة العين. يقال ابن
الكلبي: عُيِّرَتْ هَوازِنُ وبنو أَسد بأَكل القُرَّة، وذلك أَن أَهل اليمن
كانوا إِذا حلقوا رؤوسهم بمنًى وَضَع كلُّ رجل على رأْسه قُبْضَةَ دقيق
فإِذا حلقوا رؤوسهم سقط الشعر مع ذلك الدقيق ويجعلون ذلك الدقيق صدقة فكان
ناس من أَسد وقيس يأْخذون ذلك الشعر بدقيقة فيرمون الشعر وينتفعون بالدقيق؛
وأَنشد لمعاوية بن أَبي معاوية الجَرْمي:
أَلم تَرَ جَرْماً أَنْجَدَتْ وأَبوكُمُ،
مع الشَّعْرِ، في قَصِّ المُلَبّدِ، سارِعُ
إِذا قُرَّةٌ جاءت يقولُ: أُصِبْ بها
سِوى القَمْلِ، إِني من هَوازِنَ ضارِعُ
التهذيب: الليث: العرب تخرج من آخر حروف من الكلمة حرفاً مثلها، كما
قالوا: رَمادٌ رَمْدَدٌ، ورجل رَعِشٌ رِعْشِيشٌ، وفلان دَخيلُ فلان
ودُخْلُله، والياء في رِعْشِيشٍ مَدَّة، فإِن جعلتَ مكانها أَلفاً أَو واواً جاز؛
وأَنشد يصف إِبلاً وشُرْبَها:
كأَنَّ صَوْتَ جَرْعِهِنّ المُنْحَدِرْ
صَوْتُ شِقِرَّاقٍ، إِذا قال: قِرِرْ
فأَظهر حرفي التضعيف، فإِذا صَرَّفوا ذلك في الفعل قالوا: قَرْقَرَ
فيظهرون حرف المضاعف لظهور الراءين في قَرْقَر، كما قالوا صَرَّ يَصِرُّ
صَرِيراً، وإِذا خفف الراء وأَظهر الحرفين جميعاً تحوّل الصوت من المد إِلى
الترجيع فضوعف، لأَن الترجيع يُضاعَفُ كله في تصريف الفعل إِذا رجع
الصائت، قالوا: صَرْصَر وصَلْصَل، على توهم المدّ في حال، والترجيع في حال.
التهذيب: واد قَرِقٌ وقَرْقَرٌ وقَرَقُوْسٌ أَي أَملس، والقَرَق المصدر.
ويقال للسفينة: القُرْقُور والصُّرْصُور.
صفح: الصَّفْحُ: الجَنْبُ. وصَفْحُ الإِنسان: جَنْبُه. وصَفْحُ كل شيءٍ:
جانبه. وصَفْحاه: جانباه. وفي حديث الاستنجاء: حَجَرَين للصَّفْحَتين
وحَجَراً للمَسْرُبةِ أَي جانبي المَخْرَج. وصَفْحُه: ناحيته. وصَفْحُ
الجبلِ: مُضْطَجَعُه، والجمع صِفاحٌ.
وصَفْحَةُ الرجل: عُرْضُ وجهه. ونظر إِليه بصَفْحِ وجهه وصُفْحِه أَي
بعُرْضِه.
وفي الحديث: غيرَ مُقْنِعٍ رأْسَه ولا صافحٍ بِخَدّه أَي غيرَ مُبْرِزٍ
صَفْحةَ خَدِّه ولا مائلٍ في أَحد الشِّقَّيْن؛ وفي شعر عاصم بن ثابت:
تَزِلُّ عن صَفْحتِيَ المَعابِلُ
أَي أَحد جانِبَي وجهه.
ولقيه صِفاحاً أَي استقبله بصَفْحِ وجهه، هذه عن اللحياني.
وصَفْحُ السيف وصُفْحُه: عُرْضُه، والجمع أَصفاح. وصَفْحَتا السيف:
وجهاه.
وضَرَبه بالسيف مُصْفَحاً ومَصْفوحاً، عن ابن الأَعرابي أَي مُعَرَّضاً؛
وضربه بصُفْح السيف، والعامة تقول بصَفْحِ السيف، مفتوحة، أَي بعُرْضه؛
وقال الطِّرِمّاح:
فلما تنَاهتْ، وهي عَجْلى كأَنها
على حَرْفِ سيفٍ، حَدُّه غيرُ مُصْفَحِ
وفي حديث سعد بن عُبادة: لو وجدتُ معها رجلاً لضربته بالسيف غيرَ
مُصْفَِحٍ؛ يقال: أصْفَحه بالسيف إِذا ضربه بعُرْضه دونَ حَدِّه، فهو مُصْفِحٌ،
والسيف مُصْفَحٌ، يُرْوَيان معاً. وقال رجل من الخوارج: لنضرِبَنَّكم
بالسيوف غيرَ مُصْفَحات؛ يقول: نضربكم بحدّها لا بعُرْضها؛ وقال الشاعر:
بحيثُ مَناط القُرْطِ من غيرِ مُصْفَحٍ،
أُجاذِبُه حَدَّ المُقَلَّدِ ضارِبُهْ
(* قوله «بحيث مناك القرط إلخ» هكذا هو في الأصل بهذا الضبط.)
وصَفَحْتُ فلاناً وأَصْفَحْته جميعاً، إِذا ضربته بالسيف مُصْفَِحاً أَي
بعُرْضه. وسيف مُصْفَح ومُصَفَّح: عريض؛ وتقول: وَجْهُ هذا السيف
مُصْفَح أَي عريض، مِن أَصْفَحْتُه؛ قال الأَعشى:
أَلَسْنا نحنُ أَكْرَمَ، إِن نُسِبْنا،
وأَضْرَبَ بالمُهَنَّدَةِ الصِّفاحِ؟
يعني العِراض؛ وأَنشد:
وصَدْري مُصْفَحٌ للموتِ نَهْدٌ،
إِذا ضاقتْ، عن الموتِ، الصُّدورُ
وقال بعضهم: المُصْفَحُ العريض الذي له صَفَحاتٌ لم تستقم على وجه واحد
كالمُصْفَحِ من الرؤوس، له جوانب. ورجل مُصْفَح الوجه: سَهْلُه حَسَنُه؛
عن اللحياني:
وصَفِيحةُ الوجه: بَشَرَةُ جلده.
والصَّفْحانِ والصَّفْحتانِ: الخَدَّان، وهما اللَّحْيانِ. والصَّفْحانِ
من الكَتِف: ما انْحَدَر عن العين
(* قوله «ما انحدر عن العين» هكذا في
الأصل وشرح القاموس، ولعله العنق.) من جانبيهما، والجمع صِفاحٌ.
وصَفْحَتا العُنُق: جانباه. وصَفْحَتا الوَرَقِ: وَجْهاه اللذان يُكتبان.
والصَّفِيحة: السيف العريض؛ وقال ابن سيده: الصَّفيحة من السيوف العريضُ.
وصَفائِحُ الرأْس: قبائِلُه، واحِدتُها صَفيحة. والصفائح: حجارة رِقاقٌ عِراض،
والواحد كالواحد.
والصُّفَّاحُ، بالضم والتشديد: العَرِيضُ؛ قال: والصُّفَّاح من الحجارة
كالصَّفائح، الواحدة صُفَّاحة؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وصُفَّاحةٍ مثلِ الفَنِيقِ، مَنَحْتُها
عِيالَ ابنِ حَوْبٍ جَنَّبَتْه أَقارِبُه
شبه الناقة بالصُّفَّاحةِ لصلابتها. وابن حَوْبٍ: رجلٌ مجهود محتاج لأَن
الحَوْبَ الجَهْدُ والشِّدَّة.
ووَجْهُ كل شيء عريض: صَفِيحةٌ. وكل عريض من حجارة أَو لوح ونحوهما:
صُفَّاحة، والجمع صُفَّاحٌ، وصَفِيحةٌ والجمع صفائح؛ ومنه قول النابغة:
ويُوقِدْنَ بالصُّفَّاحِ نارَ الحُباحِبِ
قال الأَزهري: ويقال للحجارة العريضة صَفائح، واحدتها صَفِيحة وصَفِيحٌ؛
قال لبيد:
وصَفائِحاً صُمّاً، رَوا
سيها يُسَدِّدْنَ الغُضُونا
وصَفائح الباب: أَلواحه. والصُّفَّاحُ من الإِبل: التي عظمت
أَسْنِمَتُها فكادَ سنامُ الناقة يأْخذ قَراها، جمعها صُفَّاحاتٌ وصَفافيح. وصَفْحَة
الرجل: عُرْضُ صدرِه.
والمُصَفَّحُ من الرؤوس الذي ضُغِطَ من قِبَلِ صُدْغَيْه، فطال ما بين
جبهته وقفاه؛ وقيل: المُصَفَّح الذي اطمأَنَّ جنبا رأْسه ونَتَأَ جبينه
فخرجت وظهرت قَمَحْدُوَتُه؛ قال أَبو زيد: من الرؤوس المُصْفَحُ إِصْفاحاً،
وهو الذي مُسِحَ جنبا رأْسه ونَتَأَ جبينه فخرج وظهرت قَمَحْدُوَتُه،
والأَرْأَسُ مثلُ المُصْفَحِ، ولا يقال: رُؤَاسِيّ؛ وقال ابن الأَعرابي: في
جبهته صَفَحٌ أَي عِرَضٌ فاحش؛ وفي حديث ابن الحَنَفِيَّة: أَنه ذكر
رجلاً مُصْفَحَ الرأْس أَي عريضه. وتَصْفِيحُ الشيء: جَعْلُه عريضاً؛ ومنه
قولهم: رجل مُصَفَّحُ الرأْس أَي عريضها. والمُصَفَّحاتُ: السيوف العريضة،
وهي الصَّفائح، واحدتها صَفِيحةٌ وصَفيحٌ؛ وأَما قول لبيد يصف سحاباً:
كأَنَّ مُصَفَّحاتٍ في ذُراهُ،
وأَنْواحاً عليهنَّ المَآلي
قال الأَزهري: شبَّه البرق في ظلمة السحاب بسيوفٍ عِراضٍ؛ وقال ابن
سيده: المُصَفَّحاتُ السيوف لأَنها صُفِّحَتْ حين طُبِعَتْ، وتَصْفِيحها
تعريضها ومَطُّها؛ ويروى بكسر الفاء، كأَنه شبَّه تَكَشُّفَ الغيث إِذا لمَعَ
منه البَرْق فانفرج، ثم التقى بعد خُبُوِّه بتصفيح النساء إِذا
صَفَّقْنَ بأَيديهن.
والتَّصفيح مثل التصفيق. وصَفَّحَ الرجلُ بيديه: صَفَّق. والتَّصْفيح
للنساء: كالتصفيق للرجال؛ وفي حديث الصلاة: التسبيح للرجال والتصفيح
للنساء، ويروى أَيضاً بالقاف؛ التصفيح والتصفيق واحد؛ يقال: صَفَّحَ وصَفَّقَ
بيديه؛ قال ابن الأَثير: هو من ضَرْب صَفْحةِ الكفِّ على صفحة الكف
الأُخرى، يعني إِذا سها الإِمام نبهه المأْموم إِن كان رجلاً قال: سبحان الله
وإِن كانت امرأَة ضربت كفها على كفها الأُخرى عِوَضَ الكلام؛ وروى بيت
لبيد:
كأَنَّ مُصَفِّحاتٍ في ذُراهُ
جعل المُصَفِّحات نساءً يُصَفِّقْن بأَيديهن في مأْتَمٍ؛ شَبَّه صوتَ
الرعد بتصفيقهن، ومَن رواه مُصَفَّحاتٍ، أَراد بها السيوف العريضة؛ شبه
بَرِيقَ البَرْقِ ببريقها. والمُصافَحةُ: الأَخذ باليد، والتصافُحُ مثله.
والرجل يُصافِحُ الرجلَ إِذا وضع صُفْحَ كفه في صُفْح كفه؛ وصُفْحا كفيهما:
وَجْهاهُما؛ ومنه حديث المُصافَحَة عند اللِّقاء، وهي مُفاعَلة من
إِلصاق صُفْح الكف بالكف وإِقبال الوجه على الوجه.
وأَنْفٌ مُصَفَّحٌ: معتدل القَصَبة مُسْتَوِيها بالجَبْهة. وصَفَحَ
الكلبُ ذراعيه للعظم صَفْحاً يَصْفَحهما: نصبهما؛ قال:
يَصْفَحُ للقِنَّةِ وَجْهاً جَأْبا،
صَفْحَ ذِراعَيْهِ لعَظْمٍ كَلْبا
أَراد: صَفْحَ كَلْبٍ ذراعيه، فَقَلَبَ؛ وقيل: هو أَن يبسطهما
ويُصَيِّرَ العظم بينهما ليأْكله؛ وهذا البيت أَورده الأَزهري، قال: وأَنشد أَبو
الهيثم وذكره، ثم قال: وصف حَبْلاً عَرَّضه فاتله حتى فتله فصار له وجهان،
فهو مَصْفُوح أَي عريض، قال: وقوله صَفْحَ ذراعيه أَي كما يَبْسُط
الكلبُ ذراعيه على عَرَقٍ يُوَتِّدُه على الأَرض بذراعيه يَتَعَرَّقه، ونصب
كلباً على التفسير؛ وقوله أَنشده ثعلب:
صَفُوحٌ بخَدَّيْها إِذا طالَ جَرْيُها،
كما قَلَّبَ الكَفَّ الأَلَدُّ المُماحِكُ
عنى أَنها تنصبهما وتُقَلِّبهما. وصَفَحَ القَومَ صَفْحاً: عَرَضَهم
واحداً واحداً، وكذلك صَفَحَ وَرَقَ المصحف. وتَصَفَّحَ الأَمرَ وصَفَحَه:
نظر فيه؛ قال الليث: صَفَحْت وَرَقَ المصحف صَفْحاً. وصَفَحَ القومَ
وتَصَفَّحَهم: نظر إِليهم طالباً لإِنسان. وصَفَحَ وُجُوهَهم وتَصَفَّحَها:
نظرها مُتَعَرِّفاً لها. وتَصَفَّحْتُ وُجوهَ القوم إِذا تأَمَّلْتَ وجوههم
تنظر إِلى حِلاهم وصُوَرهم وتَتَعَرَّفُ أَمرهم؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
صَفَحْنا الحُمُولَ، للسَّلامِ، بنَظْرَةٍ،
فلم يَكُ إِلاَّ وَمْؤُها بالحَواجِبِ
أَي تَصَفَّحْنا وجوه الرِّكاب. وتَصَفَّحْت الشيء إِذا نظرت في
صَفَحاته. وصَفَحْتُ الإِبلَ على الحوضِ إِذا أَمررتها عليه؛ وفي التهذيب: ناقة
مُصَفَّحة ومُصَرّاة ومُصَوّاة ومُصَرَّبَةٌ، بمعنى واحد. وصَفَحَتِ
الشاةُ والناقة تَصْفَحُ صُفُوحاً: وَلَّى لَبَنُها، ابن الأَعرابي:
الصافح الناقة التي فَقَدَتْ وَلدَها فَغَرَزَتْ وذهب لبنها؛ وقد صَفَحَتْ
صُفُوحاً. وصَفَح الرجلَ يَصْفَحُهُ صَفْحاً وأَصْفَحَه: سأَله فمنعه؛
قال:ومن يُكْثِرِ التَّسْآلَ يا حُرّ، لا يَزَلْ
يُمَقَّتُ في عَينِ الصديقِ، ويُصْفَحُ
ويقال: أَتاني فلان في حاجة فأَصْفَحْتُه عنها إِصْفاحاً إِذا طلبها
فمَنَعْتَه. وفي حديث أُم سلمة: أُهْدِيَتْ لي فِدْرَةٌ من لحم، فقلت
للخادم: ارفعيها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإِذا هي قد صارت فِدْرَةَ
حَجَر، فقصصتُ القِصَّةَ على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: لعله
وقف على بابكم سائل فأَصْفَحْتموه أَي خَيَّبْتُموه. قال ابن الأَثير: يقال
صَفَحْتُه إَذا أَعطيته، وأَصْفَحْتُه إَذا حَرَمْتَه. وصَفَحه عن حاجته
يَصْفَحُه صَفْحاً وأَصْفَحَه، كلاهما: رَدَّه. وصَفَحَ عنه يَصْفَح
صَفْحاً: أَعرض عن ذنبه.
وهو صَفُوحٌ وصَفَّاحٌ: عَفُوٌّ. والصَّفُوحُ: الكريم، لأَنه يَصْفَح
عمن جَنى عليه.
واستْصَْفَحَه ذنبه: استغفره إِياه وطلب أَن يَصْفَحَ له عنه.
وأَما الصَّفُوحُ من صفات الله عز وجل، فمعناه العَفُوُّ؛ يقال:
صَفَحْتُ عن ذنب فلان وأَعرضت عنه فلم أُؤَاخذْه به؛ وضربت عن فلان صَفْحاً إِذا
أَعرضت عنه وتركته؛ فالصَّفُوحُ في صفة الله: العَفُوُّ عن ذنوب العباد
مُعْرِضاً عن مجازاتهم بالعقوبة تَكرُّماً. والصَّفُوحُ في نعت المرأَة:
المُعْرِضَةُ صادَّةً هاجِرَةً، فأَحدهما ضدُّ الآخر. ونصب قوله صَفْحاً
في قوله:أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِّكْرَ صَفْحاً؟ على المصدر لأَن معنى قوله
أَنُعْرِضُ
(* قوله «لأن معنى قوله أنعرض إلخ» كذا بالأصل.) عنكم
الصَّفْحَ؛ وضَرْبُ الذَّكْرِ رَدُّه كَفُّه؛ وقد أَضْرَبَ عن كذا أَي كف عنه
وتركه؛ وفي حديث عائشة تصف أَباها: صَفُوحُ عن الجاهلين أَي الصَّفْح
والعفوِ والتَّجاوُزِ عنهم؛ وأَصله من الإِعراض بصَفْحَه وجهه كأَنه أَعرض
بوجهه عن ذنبه. والصَّفُوحُ من أَبنية المبالغة. وقال الأَزهري في قوله
تعالى: أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِّكْرَ صَفْحاً؟ المعنى أَفَنُعْرِضُ عن أَن
نُذَكِّرَكم إِعراضاً من أَجل إِسرافكم على أَنفسكم في كفركم؟ يقال صَفَح
عني فلانٌ أَي أَعرض عنه مُوَلِّياً؛ ومنه قول كثير يصف امرأَة أَعرضت
عنه:صَفُوحاً فما تَلْقاكَ إِلا بَخِيلةً،
فمن مَلَّ منها ذلك الوصلَ مَلَّتِ
وصَفَح الرجلَ يَصْفَحُه صَفْحاً: سقاه أَيَّ شَراب كان ومتى كان.
والمُصْفَحُ: المُمالُ عن الحق؛ وفي الحديث: قلبُ المؤمن مُصْفَحٌ على
الحق أَي مُمالٌ عليه، كأَنه قد جعل صَفْحَه أَي جانبه عليه؛ وفي حديث
حذيفة أَنه قال: القلوب أَربعة: فقلبٌ أَغٌلَفُ فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس
فذلك قلب رجع إِلى الكفر بعد الإِيمان، وقلب أَجْرُدُ مثل السِّراج
يَزْهَرُ فذلك قلب المؤمن، وقلب مُصْفَحٌ اجتمع فيه النفاق والإِيمان،
فمَثَلُ الإِيمان فيه كمَثَل بقلة يُمِدُّها الماءُ العذبُ، ومَثَل النفاق كمثل
قَرْحة يُمِدُّها القَيْحُ والدمُ، وهو لأَيهما غَلَبَ؛ المُصْفَحُ الذي
له وجهان: يلقى أَهلَ الكفر بوجه وأَهل الإِيمان بوجه. وصَفْحُ كل شيء:
وجهه وناحيته، وهو معنى الحديث الآخر: من شَرِّ الرجال ذو الوجهين، الذي
يأْتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه وهو المنافق. وجعل حذيفةُ قلب المنافق الذي
يأَتي الكفار بوجه وأَهل الإَيمان بوجه آخر ذا وجهين؛ قال الأَزهري:
وقال شمر فيما قرأْت بخطه: القلبُ المُصْفَحُ زعم خالد أَنه المُضْجَعُ الذي
فيه غِلٌّ الذي ليس بخالص الدين؛ وقال ابن بُزُرْجٍ: المُصْفَحُ
المقلوب؛ يقال: قلبت السيف وأَصْفَحْتُه وصابَيْتُه؛ والمُصْفَحُ: المُصابَى
الذي يُحَرَّف على حدّه إِذا ضُرب به ويُمالُ إِذا أَرادوا أَن يَغْمِدُوه.
ويقال: صَفَح فلان عني أَي أَعرض بوجه ووَلاَّني وَجْهَ قَفاه؛ وقوله
أَنشده ثعلب:
ونادَيْتُ شِبْلاً فاسْتَجابَ، وربما
ضَمِنَّا القِرَى عَشْراً لمن لا نُصافِحُ
ويروى: ضَمِنَّا قِرَى عَشْرٍ لمن لا نُصافِحُ؛ فسره فقال: لمن لا نصافح
أَي لمن لا نعرف،وقيل: للأَعداء الذين لا يحتمل أَن نُصافحهم.
والمُصْفَحُ من سهام المَيْسر: السادسُ، ويقال له: المُسْبِلُ أَيضاً؛
أَبو عبيد: من أَسماء قداح المَيْسِر المُصْفَحُ والمُعَلَّى.
وصَفْحٌ: اسم رجل من كَلْب بن وَبْرَة، وله حديث عند العرب معروف؛ وأَما
قول بشر:
رَضِيعَةُ صَفْحٍ بالجِباهِ مُلِمَّةٌ،
لها بَلَقٌ فوقَ الرُّؤوسِ مُشَهَّرُ
(* قوله «بالجباه» كذا بالأصل بهذا الضبط. وفي ياقوت الجباة، بفتح الجيم
ونقط الهاء، والخراسانيون يروونه الجباه بكسر الجيم وآخره هاء محضة: وهو
ماء بالشام بين حلب وتدمر.)
فهو اسم رجل من كلب جاور قوماً من بني عامر فقتلوه غَدْراً ؛ يقول:
غَدْرَتكم بصَفْحٍ الكَلْبيِّ.
وصِفاحُ نَعْمانَ: جبال تُتاخِمُ هذا الجبل وتصادفه؛ ونَعْمانُ: جبل بين
مكة والطائف؛ وفي الحديث ذكر الصِّفاحِ، بكسر الصاد وتخفيف الفاء، موضع
بين حُنَين وأَنصابِ الحَرَم يَسْرَةَ الداخل إِلى مكة. وملائكةُ
الصَّفيح الأَعْلى: هو من أَسماء السماء، وفي حديث عليّ وعمار: الصَّفِيحُ
الأَعْلى من مَلَكُوته.
شرح: الشَّرْحُ والتَّشْريح: قَطْعُ اللحم عن العضو قَطْعاً، وقيل:
قَطْعُ اللحم على العظم قطعاً، والقِطْعَةُ منه شَرْحة وشَرِيحة، وقيل:
الشَّرِيحةُ القِطعةُ من اللحم المُرَقَّقَةُ.
ابن شميل: الشَّرْحة من الظِّباء الذي يُجاء به يابِساً كما هو، لم
يقَدَّدْ؛ يقال: خُذْ لنا شَرْحة من الظِّباء، وهو لحم مَشْرُوح؛ وقد
شَرَحْتُه وشَرَّحْتُه؛ والتَّصْفِيفُ نَحْوٌ من التَّشْريح، وهو تَرْقِيقُ
البَضْعة من اللحم حتى يَشِفَّ من رِقَّتِه ثم يُلْقَى على الجَمْر.
والشَّرْحُ: الكَشْفُ؛ يقال: شَرَحَ فلان أَمره أَي أَوضحه، وشَرَح
مسأَلة مشكلة: بَيَّنها، وشَرَح الشيءَ يَشْرَحُه شَرْحاً، وشَرَّحَه: فتحه
وبَيَّنَه وكَشَفه. وكل ما فُتح من الجواهر، فقد شُرِحَ أَيضاً. تقول:
شَرَحْتُ الغامِضَ إِذا فَسَّرْته؛ ومنه تَشْريحُ اللحم؛ قال الراجز:
كم قد أَكلتُ كَبِداً وإِنْفَحهْ،
ثم ادَّخَرْتُ أَلْيَةً مُشَرَّحه
وكل سمين من اللحم ممتدّ، فهو شَرِيحة وشَرِيح. وشَرَح اللهُ صدرَه
لقبول الخير يَشْرَحه شَرْحاً فانْشَرح: وَسَّعَه لقبول الحق فاتَّسَع. وفي
التنزيل: فمن يُرِد اللهُ أَن يَهْدِيَه يَشْرَحْ صدرَه للإِسلام. وفي
حديث الحسن، قال له عطاء: أَكان الأَنبياءُ يَشْرَحُون إِلى الدنيا مع علمهم
بربهم؟ فقال له: نعم إِن لله تَرائك في خَلْقِه؛ أَراد: كانوا ينبسطون
إِليها ويَشْرَحُونَ صدورَهم ويرغبون في اقتنائها رَغْبَةً واسعة.
والمَشْرَحُ: متاع المرأَة؛ قال:
قَرِحَتْ عَجِيزَتُها ومَشْرَحُها،
من نَصِّها دَأْباً على البُهْرِ
وربما سمي شُرَيْحاً، وأُراه على ترخيم التصغير. والمَشْرَحُ: الرائق
الاسْتُ
(* قوله «والمشنرح الراشق الاست» كذا بالأصل.).
وشَرَحَ جاريته إِذا سَلَقها على قفاها ثم غَشِيَها؛ قال ابن عباس: كان
أَهل الكتاب لا يأْتون نساءهم إِلاّ على حَرْفٍ وكان هذا الحيّ من قريش
يَشْرَحون النساءَ شَرْحاً؛ شَرَحَ جاريته إِذا وطئها نائمة على قفاها.
والمَشْرُوحُ: السَّرابُ؛ عن ثعلب، والسين لغة. قال أَبو عمرو: قال رجل
من العرب لفتاه: أَبْغِني شارِحاً فإِنَّ أَشاءَنا مُغَوَّسٌ وإِني أَخاف
عليه الطَّمْلَ؛ قال أَبو عمرو: الشارح الحافظ، والمُغَوَّسُ
المُشَنَّخُ؛ قال الأَزهري: تَشْنِيخُ النخل تَنْقِيحُه من السُّلاَّء. والأَشاءُ:
صِغارُ النخل؛ قال ابن الأَعرابي: الشَّرْحُ الحفظ، والشَّرْح الفتح،
والشَّرْح البيان، والشَّرْح الفَهْم، والشَّرْحُ الاقْتِضاضُ للأَبكار؛
وشاهدُ الشارح بمعنى الحافظ قولُ الشاعر:
وما شاكرٌ إِلاّ عصافيرُ قريةٍ،
يقومُ إِليها شارِحٌ فَيُطيرُها
والشارحُ في كلام أَهل اليمن: الذي يحفظ الزرع من الطيور وغيرها.
وشُرَيْحٌ ومِشْرَحُ بن عاهانَ: اسمان.
وبنو شُرَيح: بَطْنٌ.
وشَراحِيلُ: اسم، كأَنه مضاف إِلى إِيل، ويقال شَراحِينُ أَيضاً بإِبدال
اللام نوناً، عن يعقوب.
حقق: الحَقُّ: نقيض الباطل، وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ، وليس له بِناء أدنى
عدَد. وفي حديث التلبية: لبَّيْك حَقّاً حقّاً أي غير باطل، وهو مصدر مؤكد
لغيره أي أنه أكََّد به معنى ألزَم طاعتَك الذي دلّ عليه لبيك، كما
تقول: هذا عبد الله حقّاً فتؤَكِّد به وتُكرِّرُه لزيادة التأْكيد،
وتَعَبُّداً مفعول له
(* قوله «وتعبداً مفعول له» كذا هو في النهاية أيضاً.) وحكى
سيبويه: لَحَقُّ أنه ذاهب بإضافة حقّ إلى أنه كأنه قال: لَيقِينُ ذاك
أمرُك، وليست في كلام كل العرب، فأمرك هو خبر يقينُ لأنه قد أضافه إلى ذاك
وإذا أضافه إليه لم يجز أن يكون خبراً عنه، قال سيبويه: سمعنا فصحاء العرب
يقولونه، وقال الأَخفش: لم أسمع هذا من العرب إنما وجدناه في الكتاب
ووجه جوازِه، على قِلَّته، طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه، وإذا طال
الكلام جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصُر، ألا ترى إلى ما حكاه
الخليل عنهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً؟ ولو قلت: ما أنا بالذي قائم
لقَبُح. وقوله تعالى: ولا تَلْبِسُوا الحقَّ بالباطل؛ قال أبو إسحق: الحق
أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من القرآن؛ وكذلك قال في قوله
تعالى: بل نَقْذِفُ بالحقِّ على الباطل. وحَقَّ الأَمرُ يَحِقُّ ويَحُقُّ
حَقّاً وحُقوقاً: صار حَقّاً وثَبت؛ قال الأَزهري: معناه وجَب يَجِب
وجُوباً، وحَقَّ عليه القولُ وأحْقَقْتُه أنا. وفي التنزيل: قال الذي حَقَّ
عليهم القولُ؛ أي ثبت، قال الــزجاج: هم الجنُّ والشياطين. وقوله تعالى:
ولكن حقَّت كلمة العذاب على الكافرين؛ أي وجبت وثبتت، وكذلك: لقد حقَّ القول
على أكثرهم؛ وحَقَّه يَحُقُّه حقّاً وأحَقَّه، كلاهما: أثبته وصار عنده
حقّاً لا يشكُّ فيه. وأحقَّه: صيره حقّاً. وحقَّه وحَقَّقه: صدَّقه؛ وقال
ابن دريد: صدَّق قائلَه. وحقَّق الرجلُ إذا قال هذا الشيء هو الحقُّ
كقولك صدَّق. ويقال: أحقَقْت الأَمر إحقاقاً إذا أحكمته وصَحَّحته؛
وأنشد:قد كنتُ أوْعَزْتُ إلى العَلاء
بأنْ يُحِقَّ وذَمَ الدِّلاء
وحَقَّ الأَمرَ يحُقُّه حقّاً وأحقَّه: كان منه على يقين؛ تقول:
حَقَقْتَ الأَمر وأحْقَقْته إذا كنت على يقين منه. ويقال: ما لي فيك حقٌّ ولا
حِقاقٌ أي خُصومة. وحَقَّ حَذَرَ الرجل يَحُقُّه حَقّاً وحَقَقْتُ حذَره
وأحقَقْته أي فعلت ما كان يَحذَره. وحقَقْت الرجل وأحقَقْته إذا أتيتَه؛
حكاه أبو عبيد. قال الأَزهري: ولا تقل حَقَّ حذَرَك، وقال: حقَقْت الرجل
وأحقَقْته إذا غلَبته على الحقّ وأثبَتَّه عليه. قال ابن سيده: وحقَّه على
الحقّ وأحقَّه غلبَه عليه، واستَحقَّه طلَب منه حقَّه.
واحْتَقّ القومُ: قال كل واحد منهم: الحقُّ في يدي. وفي حديث ابن عباس
في قُرَّراء القرآن: متى ما تَغْلوا في القرآن تَحْتَقُّوا، يعني المِراء
في القرآن، ومعنى تحتقُّوا تختصموا فيقول كل واحد منهم: الحقُّ بيدي
ومعي؛ ومنه حديث الحَضانةِ: فجاءَ رجلان يَحْتَقّانِ في ولَد أي يختصِمان
ويطلُب كل واحد منهما حقّه؛ ومنه الحديث: من يحاقُّني في ولدي؟ وحديث وهْب:
كان فيما كلَّم الله أيُّوبَ، عليه السلام: أتحاقُّني بِخِطْئِك؛ ومنه
كتابه لحُصَين: إنَّ له كذا وكذا لا يُحاقُّه فيها أحد. وفي حديث أبي بكر،
رضي الله عنه: أنه خرج في الهاجرة إلى المسجد فقيل له: ما أخرجك؟ قال: ما
أخرجني إلا ما أجِدُ من حاقِّ الجُوع أي صادِقه وشدَّته، ويروى بالتخفيف
من حاقَ به يَحِيقُ حَيْقاً وحاقاً إذا أحدق به، يريد من اشتمال الجوع
عليه، فهو مصدر أقامه مقام الاسم، وهو مع التشديد اسم فاعل من حقَّ
يَحِقُّ. وفي حديث تأخير الصلاة: وتَحْتَقُّونها إلى شَرَقِ الموتَى أي
تضيِّقُون وقتَها إلى ذلك الوقت. يقال: هو في حاقٍّ من كذا أي في ضيق؛ قال ابن
الأَثير: هكذا رواه بعض المتأخرين وشرَحه، قال: والرواية المعروفة بالخاء
المعجمة والنون، وسيأتي ذكره.
والحق: من أسماء الله عز وجل، وقيل من صفاته؛ قال ابن الأَثير: هو
الموجود حقيقةً المُتحققُ وجوده وإلَهِيَّتُه. والحَق: ضدّ الباطل. وفي
التنزيل: ثم رُدُّوا إلى الله مولاهم الحَقِّ. وقوله تعالى: ولو اتبع الحقُّ
أهواءَهم؛ قال ثعلب: الحق هنا الله عز وجل، وقال الــزجاج: ويجوز أن يكون
الحق هنا التنزيل أي لو كن القرآن بما يحِبُّونه لفَسَدت السمواتُ والأَرضُ.
وقوله تعالى: وجاءت سَكْرة الموتِ بالحق؛ معناه جاءَت السكرةُ التي تدل
الإنسان أنه ميت بالحقِّ بالموت الذي خُلق له. قال ابن سيده: وروي عن أبي
بكر، رضي الله عنه: وجاءت سكرة الحقِّ أي بالموت، والمعنى واحد، وقيل:
الحق هنا الله تعالى. وقولٌ حقٌّ: وُصِف به، كما تقول قولٌ باطل. وقال
الليحاني: وقوله تعالى: ذلك عيسى بنُ مريم قول الحقِّ، إنما هو على إضافة
الشيء إلى نفسه؛ قال الأَزهري: رفع الكسائي القول وجعل الحق هو الله، وقد
نصَب قولَ قومٌ من القراء يريدون ذلك عيسى ابن مريم قولاً حقّاً، وقرأ من
قرأ: فالحقُّ والحقَّ أقول برفع الحق الأَول فمعناه أنا الحقُّ. وقال
الفراءُ في قوله تعالى: قال فالحق والحقَّ أقول، قرأ القراء الأَول بالرفع
والنصب، روي الرفع عن عبد الله بن عباس، المعنى فالحقُّ مني وأقول الحقَّ،
وقد نصبهما معاً كثير من القُرَّاء، منهم من يجعل الأَول على معنى
الحقَّ لأَمْلأَنَّ، ونَصب الثاني بوقوع الفعل عليه ليس فيه اختلاف؛ قال ابن
سيده: ومن قرأ فالحقَّ والحقّ أقول بنصب الحق الأَول، فتقديره فأحُقُّ
الحقّ حقّاً؛ وقال ثعلب: تقديره فأقول الحقَّ حقّاً؛ ومن قرأ فالحقِّ، أراد
فبالحق وهي قليلة لأن حروف الجر لا تضمر. وأما قول الله عز وجل: هنالك
الوَلايةُ لله الحقَّ، فالنصب في الحق جائز يريد حقّاً أي أُحِقُّ الحقَّ
وأحُقُّه حَقّاً، قال: وإن شئت خفضت الحق فجعلته صفة لله، وإن شئت رفعته
فجعلته من صفة الولاية هنالك الولايةُ الحقُّ لله. وفي الحديث: من رآني
فقد رأى الحقَّ أي رؤيا صادقةً ليست من أضْغاث الأَحْلام، وقيل: فقد رآني
حقيقة غير مُشَبَّهٍ. ومنه الحديث: أمِيناً حقَّ أمِينٍ أي صِدْقاً،
وقيل: واجباً ثابتاً له الأَمانةُ؛ ومنه الحديث: أتدْرِي ما حَقُّ العباد على
الله أي ثوابُهم الذي وعدَهم به فهو واجبُ الإنْجازِ ثابت بوعدِه
الحقِّ؛ ومنه الحديث: الحقُّ بعدي مع عمر.
ويَحُقُّ عليك أن تفعل كذا: يجب، والكسر لغة، ويَحُقُّ لك أن تفعل
ويَحُقُّ لك تَفْعل؛ قال:
يَحُقُّ لمن أَبُو موسَى أَبُوه
يُوَفِّقُه الذي نصَب الجِبالا
وأنت حَقيِقٌ عليك ذلك وحَقيِقٌ عليَّ أَن أَفعله؛ قال شمر: تقول العرب
حَقَّ عليَّ أَن أَفعلَ ذلك وحُقَّ، وإِني لمَحْقُوق أَن أَفعل خيراً،
وهو حَقِيق به ومَحقُوق به أَي خَلِيق له، والجمع أَحِقاء ومَحقوقون. وقال
الفراء: حُقَّ لك أَن تفعل ذلك وحَقَّ، وإِني لمحقوق أَن أَفعل كذا،
فإِذا قلت حُقَّ قلت لك، وإذا قلت حَقَّ قلت عليك، قال: وتقول يَحِقُّ عليك
أَن تفعل كذا وحُقَّ لك، ولم يقولوا حَقَقْتَ أَن تفعل. وقوله تعالى:
وأَذِنَت لربِها وحُقَّت؛ أَي وحُقَّ لها أنَ تفعل. ومعنى قول من قال حَقَّ
عليك أَن تفعل وجَب عليك. وقالوا: حَقٌّ أَن تفعل وحَقِيقٌ أَن تفعل. وفي
التنزيل: حَقيق عليَّ أَن لا أَقولَ على الله إِلا الحقَّ. وحَقِيقٌ في
حَقَّ وحُقَّ، فَعِيل بمعنى مَفْعول، كقولك أَنت حَقِيق أَن تفعله أَي
محقوق أَن تفعله، وتقول: أَنت مَحْقوق أَن تفعل ذلك؛ قال الشاعر:
قَصِّرْ فإِنَّكَ بالتَّقْصِير مَحْقوق
وفي التنزيل: فحَقَّ علينا قولُ رَبِّنا. ويقال للمرأَة: أَنت حقِيقة
لذلك، يجعلونه كالاسم، وَأَنت مَحْقوقة لذلك، وأَنت مَحْقوقة أَن تفعلي
ذلك؛ وأَما قول الأَعشى:
وإِنَّ امْرَأً أَسْرى إِليكِ، ودونَه
من الأَرضِ مَوْماةٌ ويَهْماء سَمْلَقُ
لَمَحْقُوقةٌ أَن تَسْتَجِيبي لِصَوْتِه،
وأَن تَعْلَمي أَنَّ المُعانَ مُوَفَّقُ
فإِنه أَراد لَخُلّة محْقوقة، يعني بالخُلّة الخَلِيلَ، ولا تكون الهاء
في محقوقة للمبالغة لأَن المبالغة إنما هي في أسماء الفاعلين دون
المَفْعُولين، ولا يجوز أن يكون التقدير لمحقوقة أنت، لأن الصفة إذا جرت على غير
موصوفها لم يكن عند أبي الحسن الأخفش بُدًّ من إبراز الضمير، وهذا كله
تعليل الفارسي؛ وقول الفرزدق:
إذا قال عاوٍ من مَعَدٍّ قَصِيدةً،
بها جَرَبٌ، عُدَّتْ عليَّ بِزَوْبَرا
فيَنْطِقُها غَيْري وأُرْمى بذَنبها،
فهذا قَضاءٌ حَقُّه أَن يُغَيَّرا
أي حُقَّ له. والحَقُّ واحد الحُقوق، والحَقَّةُ والحِقَّةُ أخصُّ منه،
وهو في معنى الحَق؛ قال الأزهري: كأنها أوجَبُ وأخصّ، تقول هذه حَقَّتي
أي حَقِّي. وفي الحديث: أنه أعطى كلَّ ذي حَقّ حقّه ولا وصيّة لوارث أي
حظَّه ونَصِيبَه الذي فُرِضَ له. ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: لما طُعِنَ
أُوقِظَ للصلاة فقال: الصلاةُ والله إِذَنْ ولا حقَّ أي ولا حَظَّ في
الإسلام لِمَن تركَها، وقيل: أراد الصلاةُ مقْضِيّة إذن ولا حَقَّ مَقْضِيٌّ
غيرها، يعني أن في عُنقه حُقوقاً جَمَّةً يجب عليه الخروج عن عُهْدتها
وهو غير قادر عليه، فهَبْ أنه قضى حَقَّ الصلاة فما بالُ الحُقوق الأُخر؟
وفي الحديث: ليلةُ الضَّيْفِ حَقٌّ فمن أصبح بفِنائه ضَيْف فهو عليه
دَيْن؛ جعلها حَقّاً من طريق المعروف والمُروءة ولم يزل قِرى الضَّيفِ من
شِيَم الكِرام ومَنْع القِرى مذموم؛ ومنه الحديث: أَيُّما رجُل ضافَ قوماً
فأصبح مَحْرُوماً فإِن نَصْرَه حَقٌّ على كل مسلم حتى يأْخذ قِرى ليلته من
زَرعه وماله؛ وقال الخطابي: يشبه أن يكون هذا في الذي يخاف التّلف على
نفسه ولا يجد ما يأْكل فله أن يَتناول من مال أخيه ما يُقيم نفسه، وقد
اختلف الفقهاء في حكم ما يأْكله هل يلزمه في مقابلته شيء أم لا. قال ابن
سيده: قال سيبويه وقالوا هذا العالم حَقُّ العالم؛ يريدون بذلك التَّناهي
وأنه قد بلغ الغاية فيما يصفه من الخِصال، قال: وقالوا هذا عبد الله
الحَقَّ لا الباطل، دخلت فيه اللام كدخولها في قولهم أَرْسَلَها العِراكَ، إلا
أنه قد تسقط منه فتقول حقّاً لا باطلاً.
وحُقَّ لك أن تفعل وحُقِقْتَ أن
(* قوله «وحققت أن إلخ» كذا ضبط في
الأصل وبعض نسخ الصحاح بضم فكسر والذي في القاموس فكسر.) تفعل وما كان
يَحُقُّك أن تفعله في معنى ما حُقَّ لك. وأُحِقَّ عليك القَضاء فحَقَّ أي
أُثْبِتَ فثبت، والعرب تقول: حَقَقْت عليه القضاء أحُقُّه حَقّاً وأحقَقْتُه
أُحِقُّه إحْقاقاً أي أوجبته. قال الأزهري: قال أبو عبيد ولا أعرف ما قال
الكسائي في حَقَقْت الرجلَ وأحْقَقْته أي غلبته على الحق.
وقوله تعالى: حَقّاً على المُحسنين، منصوب على معنى حَقَّ ذلك عليهم
حقّاً؛ هذا قول أبي إسحق النحوي؛ وقال الفراء في نصب قوله حقّاً على
المحسنين وما أشبهه في الكتاب: إنه نَصْب من جهة الخبر لا أنه من نعت قوله
مَتاعاً بالمعروف حقّاً، قال: وهو كقولك عبدُ اللهِ في الدار حقْاً، إنما
نَصْبُ حقّاً من نية كلام المُخبِر كأنه قال: أُخْبِركم بذلك حقّاً؛ قال
الأزهري: هذا القول يقرب مما قاله أبو إسحق لأنه جعله مصدراً مؤكِّداً كأنه
قال أُخبركم بذلك أحُقُّه حَقّاً؛ قال أبو زكريا الفراء: وكلُّ ما كان في
القرآن من نَكِرات الحق أو معرفته أو ما كان في معناه مصدراً، فوجه
الكلام فيه النصب كقول الله تعالى: وَعْدَ الحقِّ ووعدَ الصِّدْقِ؛
والحَقِيقَةُ ما يصير إليه حَقُّ الأمر ووجُوبُه.
وبلغ حقيقةَ الأمر أي يَقِينَ شأْنه. وفي الحديث: لا يبلُغ المؤمن
حقيقةَ الإيمان حتى لا يَعِيب مسلماً بِعَيْب هو فيه؛ يعني خالِصَ الإيمان
ومَحْضَه وكُنْهَه. وحقيقةُ الرجل: ما يلزمه حِفظه ومَنْعُه ويَحِقُّ عليه
الدِّفاعُ عنه من أهل بيته؛ والعرب تقول: فلان يَسُوق الوَسِيقة ويَنْسِلُ
الوَدِيقةَ ويَحْمي الحقيقة، فالوَسيقةُ الطريدةُ من الإبل، سميت وسيقة
لأن طاردها يَسِقُها إذا ساقَها أي يَقْبِضها، والوَديقةُ شدّة الحر،
والحقيقةُ ما يَحِقّ عليه أن يَحْمِيه، وجمعها الحَقائقُ. والحقيقةُ في
اللغة: ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضْعِه، والمَجازُ ما كان بضد ذلك،
وإنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: وهي الإتِّساع
والتوكيد والتشبيه، فإن عُدِم هذه الأوصافُ كانت الحقيقة البتَّةَ، وقيل:
الحقيقة الرّاية؛ قال عامر بن الطفيل:
لقد عَلِمَتْ عَليْنا هَوازِنَ أَنَّني
أَنا الفارِسُ الحامي حَقِيقةَ جَعْفَرِ
وقيل: الحقيقة الحُرْمة، والحَقيقة الفِناء.
وحَقَّ الشئُ يَحِقُّ، بالكسر، حقّاً أي وجب. وفي حديث حذيفة: ما حَقَّ
القولُ على بني إسرائيل حتى استغْنى الرِّجالُ بالرجالِ والنساءُ
بالنساءِ أي وجَب ولَزِم. وفي التنزيل: ولكن حَقَّ القولُ مني. وأحقَقْت الشئ أي
أوجبته. وتحقق عنده الخَبَرُ أي صحَّ. وحقَّقَ قوله وظنَّه تحقيقاً أي
صدَّقَ. وكلامٌ مُحَقَّقٌ أي رَصِين؛ قال الراجز:
دَعْ ذا وحَبِّرْ مَنْطِقاً مُحَقَّقا
والحَقُّ: صِدْق الحديثِ. والحَقُّ: اليَقين بعد الشكِّ.
وأحقِّ الرجالُ: قال شيئاً أو ادَّعَى شيئاً فوجب له.
واستحقَّ الشيءَ: استوجبه. وفي التنزيل: فإن عُثِرَ على أنَّهُمَا
اسْتَحقّا إثْماً، أي استوجباه بالخِيانةِ، وقيل: معناه فإن اطُّلِعَ على
أنهما استوجبا إثماً أي خيانةً باليمين الكاذبة التي أقْدما عليها، فآخرانِ
يَقُومانِ مَقامها من ورثة المُتوفَّى الذين استُحِقَّ عليهم أي مُلِك
عليهم حقٌ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة، وقيل: معنى عليهم منهم، وإذا
اشتَرَى رجل داراً من رجل فادّعاها رجل آخر وأقامَ بيِّنةً عادلةً على دعواه
وحكم له الحاكمُ ببينة فقد استحقها على المشتري الذي اشتراها أي مَلَكَها
عليه، وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى يد مَن استحقَّها، ورجع المشتري
على البائع بالثمن الذي أدَّاه إليه، والاستِحْقاقُ والاسْتِيجابُ
قريبان من السواء. وأما قوله تعالى: لَشَهادَتُنا أحَقُّ من شهادتهما، فيجوز
أن يكون معناه أشدُّ اسْتِحْقاقاً للقَبول، ويكون إذ ذاك على طرح الزائد
من اسْتَحقَّ أعني السين والتاء، ويجوز أن يكون أراد أثْبَتُ من شهادتهما
مشتق من قولهم حَقَّ الشيءُ إذا ثبت. وفي حديث ابن عمر أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، قال: ما حقُّ امرئٍ أن يَبِيتَ ليلتين إلا ووَصِيَّتُه
عنده؛ قال الشافعي: معناه ما الحَزْمُ لامرئٍ وما المعروف في الأخلاق الحسَنة
لامرئٍ ولا الأحْوطُ إلا هذا، لا أنه واجب ولا هو من جهة الفرض، وقيل:
معناه أن الله حكم على عباده بوجوب الوصية مطلقاً ثم نَسخ الوصيّة للوارث
فبقي حَقُّ الرجل في ماله أن يُوصي لغير الوارث، وهو ما قدَّره الشارع
بثلث ماله.
وحاقَّهُ في الأمر مُحَاقَّةً وحِقاقاً: ادَّعَى أنه أولى بالحق منه،
وأكثر ما استعملوا هذا في قولهم حاقَّني أي أكثر ما يستعملونه في فعل
الغائب. وحاقَّهُ فحَقَّه يَحُقُّه: غَلبه، وذلك في الخصومة واستيجاب الحق.
وحاقَّهُ أي خاصَمه وادَّعَى كل واحد منهما الحق، فإذا غلبه قيل حَقَّه.
والتَّحَاقُّ: التخاصمُ. والاحْتِقاقُ: الاختصام. ويقال: احْتَقَّ فلان
وفلان، ولا يقال للواحد كما لا يقال اختصم للواحد دون الآخر. وفي حديث
علي، كرم الله وجهه: إذا بلغ النساءُ نَصَّ الحِقاقِ، ورواه بعضهم: نَصُّ
الحَقائِقِ، فالعَصَبة أوْلى؛ قال أبو عبيدة: نَصَّ كل شيء مُنتهاه
ومَبْلَغ أقصاه. والحِقاقُ: المُحاقَّةُ وهو أن تُحاقَّ الأُمُّ العَصبَة في
الجارية فتقول أنا أحَقُّ بها، ويقولون بل نحن أحَقُّ، وأراد بِنَصِّ
الحِقاق الإدْراكَ لأن وقت الصغر ينتهي فتخرج الجارية من حد الصغر إلى الكبر؛
يقول: ما دامت الجاريةُ صغيرةً فأُمُّها أوْلى بها، فإذا بَلَغَت فالعصبة
أوْلى بأمرها من أُمها وبتزويجها وحَضانتها إذا كانو مَحْرَماً لها مثل
الآباء والإخْوة والأعمام؛ وقال ابن المبارك: نَصُّ الحِقاق بلوغ العقل،
وهو مثل الإدراك لأنه إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام
فهو العقل والإدراك. وقيل: المراد بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه
تزويجها وتصَرُّفها في أمرها، تشبيهاً بالحِقاقِ من الإبل جمع حِقٍّ
وحِقَّةٍ، وهو الذي دخل في السنة الرابعة، وعند ذلك يُتمكَّن من ركوبه
وتحميله، ومن رواه نَصَّ الحَقائِقِ فإنه أراد جمع الحَقيقة، وهو ما يصير إليه
حَقُّ الأمر ووجوبُه، أو جمع الحِقَّة من الإبل؛ ومنه قولهم: فلان حَامي
الحَقِيقة إذا حَمَى ما يجب عليه حمايتُه. ورجل نَزِقُ الحِقاقِ إذا خاصم
في صغار الأشياء.
والحاقَّةُ: النازلة وهي الداهية أيضاً. وفي التهذيب: الحَقَّةُ الداهية
والحاقَّةُ القيامة، وقد حَقَّتْ تَحُقُّ. وفي التنزيل: الحاقَّةُ ما
الحاقَّة وما أدراك ما الحاقَّةُ؛ الحاقة: الساعة والقيامة، سميت حاقَّةً
لأنها تَحُقُّ كلَّ إنسان من خير أو شر؛ قال ذلك الــزجاج، وقال الفراء:
سميت حاقَّةً لأن فيها حَواقَّ الأُمور والثوابَ. والحَقَّةُ: حقيقة الأمر،
قال: والعرب تقول لمّاعرفتَ الحَقَّةَ مِني هربْتَ، والحَقَّةُ
والحاقَّةُ بمعنى واحد؛ وقيل: سميت القيامة حاقَّةً لأنها تَحُقُّ كلَّ مُحاقٍّ في
دِين الله بالباطل أي كل مُجادِلٍ ومُخاصم فتحُقُّه أي تَغُلِبه
وتَخُصِمه، من قولك حاقَقْتُه أُحاقُّه حِقاقاً ومُحاقَّةً فحَقَقْتُه أحُقُّه
أي غلبته وفَلَجْتُ عليه. وقال أبو إسحق في قوله الحاقَّةُ: رفعت
بالابتداء، وما رَفْعٌ بالابتداء أيضاً، والحاقَّةُ الثانية خبر ما، والمعنى
تفخيم شأنها كأنه قال الحاقَّةُ أي شيءٍ الحاقَّةُ. وقوله عز وجل: وما أدراكَ
ما الحاقَّةُ، معناه أيُّ شيءٍ أعْلَمَكَ ما الحاقَّةُ، وما موضعُها
رَفْعٌ وإن كانت بعد أدْراكَ؛ المعنى ما أعْلَمَكَ أيُّ شيءٍ الحاقَّةُ.
ومن أيمانهم: لَحَقُّ لأَفْعَلَنّ، مبنية على الضم؛ قال الجوهري:
وقولهم لَحَقُّ لا آتِيكَ هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد
اللام، وإذا أزالوا عنها اللام قالوا حَقّاً لا آتِيك؛ قال ابن بري: يريد
لَحَقُّ الله فنَزَّلَه منزلة لَعَمْرُ اللهِ، ولقد أُوجِبَ رفعُه لدخول
اللام كما وَجب في قولك لَعَمْرُ الله إذا كان باللام. والحَقُّ:
المِلْك.والحُقُقُ: القريبو العهد بالأُمور خيرها وشرها، قال: والحُقُقُ
المُحِقُّون لما ادّعَوْا أيضاً.
والحِقُّ من أولاد الإبل: الذي بلغ أن يُرْكب ويُحمَل عليه ويَضْرِب،
يعني أن يضرب الناقةَ، بيِّنُ الإحقاقِ والاسْتحقاق، وقيل: إذا بلغت أمُّه
أوَانَ الحَمْل من العام المُقْبِل فهو حِقُّ بيِّنُ الحِقَّةِ. قال
الأَزهري: ويقال بعير حِقٌّ بيِّنُ الحِقِّ بغير هاء، وقيل: إذا بلغ هو
وأُخته أن يُحْمَل عليهما ويُركبا فهو حِقٌّ؛ الجوهري: سمي حِقّاً لاستحقاقه
أن يُحْمل عليه وأن يُنتفع به؛ تقول: هو حِقٌّ بيِّنُ الحِقَّةِ، وهو
مصدر، وقيل: الحِقُّ الذي استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة؛ قال:
إذا سُهَيْلٌ مَغْرِبَ الشمس طَلَعْ،
فابْنُ اللَّبونِ الحِقُّ جَذَعْ
والجمع أحُقٌّ وحِقاقٌ، والأُنثى حِقَّة وحِقٌّ أيضاً؛ قال ابن سيده:
والأُنثى من كل ذلك حِقَّةٌ بَيِّنَةُ الحِقَّةِ، وإنما حكمه بَيِّنة
الحَقاقةِ والحُقُوقةِ أو غير ذلك من الأَبنية المخالفة للصفة لأَن المصدر في
مثل هذا يخالف الصفة، ونظيره في موافقة هذا الضرب من المصادر للاسم في
البناء قولهم أسَدٌ بَيِّنُ الأَسد. قال أبو مالك: أحَقَّت البَكْرَة إذا
استوفت ثلاث سنين، وإذا لَقِحَت حين تُحِقّ قيل لَقِحت عليَّ كرهاً.
والحِقَّةُ أيضاً: الناقة التي تؤخذ في الصدقة إذا جازت عِدَّتُها خمساً
وأربعين. وفي حديث الزكاة ذكر الحِقِّ والحِقَّة، والجمع من كل ذلك حُقُقٌ
وحَقائق؛ ومنه قول المُسَيَّب بن عَلَس:
قد نالَني منه على عَدَمٍ
مثلُ الفَسِيل، صِغارُها الحُقُقُ
قال ابن بري: الضمير في منه يعود على الممدوح وهو حسان بن المنذر أخو
النعمان؛ قال الجوهري: وربما تجمع على حَقائقَ مثل إفَالٍ وأفائل، قال ابن
سيده: وهو نادر؛ وأنشد لعُمارةَ بن طارق:
ومَسَدٍ أُمِرَّ من أَيانِقِ،
لَسْنَ بأَنْيابٍ ولا حَقائِقِ
وهذا مثل جَمْعهم امرأَة غِرَّة على غَرائر، وكجمعهم ضَرَّة على ضَرائر،
وليس ذلك بِقياس مُطَّرِد. والحِقُّ والحِقَّة في حديث صدقات الإبل
والديات، قال أَبو عبيد: البعير إِذا اسْتَكْمَلَ السنة الثالثة ودخل في
الرابعة فهو حينئذ حِقُّ، والأُنثى حِقَّة. والحِقَّة: نَبْرُ أُم جَرِير بن
الخَطَفَى، وذلك لأَن سُوَيْدَ بن كراع خطبها إلى أَبيها فقال له: إِنها
لصغيرة صُرْعةٌ، قال سويد: لقد رأَيتُها وهي حِقَّةٌ أَي كالحِقَّة من
الإِبل في عِظَمها؛ ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: ومن وَراء حِقاقِ
العُرْفُطِ أَي صغارها وشَوابِّها، تشبيهاً بِحقاق الإبل. وحَقَّتِ الحِقَّةُ
تَحِقُّ وأَحَقَّت، كلاهما: صارت حِقَّةً؛ قال الأَعشى:
بِحِقَّتِها حبِسَتْ في اللَّجيـ
نِ، حتى السَّديِسُ لها قد أَسَنّْ
قال ابن بري: يقال أَسَنَّ سدِيسُ الناقة إِذا نبَت وذلك في الثامنة،
يقول: قِيمَ عليها من لدن كانت حِقَّة إِلى أَن أَسْدَسَت، والجمع حِقاقٌ
وحُقُقٌ؛ قال الجوهري: ولم يُرد بحقَّتها صفة لها لأَنه لا يقال ذلك كما
لا يقال بجَذَعَتها فُعِلَ بها كذا ولا بثنيَّتها ولا ببازلها، ولا أَراد
بقوله أَسَنَّ كَبِرَ لأَنه لا يقال أَسَنَّ السِّنُّ، وإِنما يقال
أََسنَّ الرجل وأَسَّت المرأَة، وإِنما أَراد أَنها رُبِطَت في اللَّجين وقتاً
كانت حقة إِلى أَن نَجَمَ سَدِيسُها أَي نبَت، وجمع الحِقاق حُقُق مثل
كِتاب وكتُب؛ قال ابن سيده: وبعضهم يجعل الحِقَّة هنا الوقت، وأَتت
الناقةُ على حِقَّتها أَي على وقتها الذي ضَربها الفحل فيه من قابل، وهو إِذا
تَمَّ حَملها وزادت على السنة أَياماً
من اليوم الذي ضُربت فيه عاماً أَوّل حتى يستوفي الجَنين السنةَ، وقيل:
حِقُّ الناقة واسْتِحقاقُها تَمام حَمِلها؛ قال ذو الرمة:
أَفانين مَكْتوب لها دُون حِقِّها،
إِذا حَمْلُِها راشَ الحِجَاجَينِ بالثُّكْلِ
أَي إِذا نبَت الشعر على ولدها ألقته ميِّتاً، وقيل: معنى البيت أَنه
كتب لهذه النجائب إِسقاطُ أَولادها قبل أَناء نِتاجها، وذلك أَنها رُكبت في
سفَر أَتعبها فيه شدة السير حتى أَجْهَضَتْ أَولادها؛ وقال بعضهم: سميت
الحِقَّة لأَنها استحقَّت أَن يَطْرُقها الفحلُ، وقولهم: كان ذلك عند
حَقِّ لَقاحها وحِقِّ لَقاحها أَيضاً، بالكسر، أَي حين ثبت ذلك فيها.
الأَصمعي: إِذا جازت الناقة السنة ولم تلد قيل قد جازت الحِقَّ؛
وقولُ عَدِيّ:أَي قومي إِذا عزّت الخمر
وقامت رفاقهم بالحقاق
ويروى: وقامت حقاقهم بالرفاق، قال: وحِقاقُ الشجر صغارها شبهت بحقاق
الإِبل.
ويقال: عَذر الرَّجلُ وأَعْذَر واسْتَحقَّ واستوْجَب إِذا أَذنب ذنباً
استوْجب به عُقوبة؛ ومنه حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: لا يَهْلِكُ
الناسُ حتى يُعْذِرُوا من أَنفسهم.
وصبَغْتُ الثوبَ
صَبْغاً تَحْقِيقاً أَي مُشْبَعاً. وثوب مُحقَّق: عليه وَشْيٌ
على صورة الحُقَق، كما يقال بُرْدٌ مُرَجَّلٌ. وثوب مُحَقَّقٌ إِذا كان
مُحْكَمَ النَّسْجِ؛ قال الشاعر:
تَسَرْبَلْ جِلْدَ وجْهِ أَبِيك، إِنّا
كَفَيْناكَ المُحَقَّقَةَ الرَّقاقا
وأَنا حَقِيقٌ على كذا أَي حَريصٌ عليه؛ عن أَبي عليّ، وبه فسر قوله
تعالى: حَقِيقٌ على أَن لا أَقول على الله إلاَّ الحَقَّ، في قراءة من قرأَ
به، وقرئ حقيق عليّ أَن لا أَقول، ومعناه واجب عليّ ترك القول على الله
إِلاَّ بالحق.
والحُقُّ والحُقَّةُ، بالضم: معروفة، هذا المَنْحوت من الخشب والعاج
وغير ذلك مما يصلح أَن
يُنحت منه، عربيٌّ معروف قد جاء في الشعر الفصيح؛ قال الأَزهري: وقد
تُسوّى الحُقة من العاج وغيره؛ ومنه قول عَمرو بن كُلْثُوم:
وثَدْياً مثلَ حُقِّ العاجِ رَخْصاً،
حَصاناً من أَكُفِّ اللاَّمِسِينا
قال الجوهري: والجمع حُقُّ وحُقَقٌ وحِقاقٌ؛ قال ابن سيده: وجمع الحُقّ
أَحْقاقٌ وحِقاقٌ، وجمع الحُقَّة حُقَقٌ؛ قال رؤبة:
سَوَّى مَساحِيهنَّ تَقْطِيطَ الحُقَقْ
وصَفَ
حَوافِرَ حُمُر الوَحْشِ أَي أَنَّ الحِجارة سوَّت حَوافِرها كأَنما
قُطِّطَتْ تَقْطِيطَ الحُقَقِ، وقد قالوا في جمع حُقَّةٍ حُقّ، فجعلوه من
باب سِدْرة وسِدْر، وهذا أَكثره إِنما هو في المخلوق دون المصنوع، ونظيره
من المصنوع دَواةٌ ودَوًى وسَفِينة وسَفِين. والحُقُّ من الورك: مَغْرِزُ
رأْس الفخذ فيها عصَبة إِلى رأْس الفخذ إِذا انقطعت حَرِقَ الرجل، وقيل:
الحُق أَصل الورك الذي فيه عظم رأْس الفخذ. والحُق أَيضاً: النُّقْرة
التي في رأْس الكتف. والحُقُّ: رأْس العَضُد الذي فيه الوابِلةُ وما
أَشْبهها.
ويقال: أَصبت حاقّ عينه وسقط فلان على حاقِّ رأْسه أَي وسَط رأْسه،
وجئته في حاقِّ الشتاء أَي في وسطه. قال الأَزهري: وسمعت أَعرابيّآً يقول
لنُقْبة من الجرَب ظهَرت ببعير فشكُّوا فيها فقال: هذا حاقُّ صُمادِحِ
الجَرَبِ.
وفي الحديث: ليس للنساء أَن يَحقُقْنَ الطَّريقَ؛ هو أَن يَركبن حُقَّها
وهو وسَطها من قولكم سقَط على حاقِّ القَفا وحُقَّه. وفي حديث يوسف بن
عمر: إِنَّ عامِلاً من عُمالي يذكُر أَنه زَرَعَ كلَّ حُقٍّ ولُقٍّ؛
الحُق: الأَرض المطمئنة، واللُّق: المرتفعة. وحُقُّ الكَهْوَل: بيت العنكبوت؛
ومنه حديث عَمرو بن العاص أَنه قال لمعاوية في مُحاوَراتٍ كانت بينهما:
لقد رأَيْتك بالعراق وإِنَّ أَمْرَك كحُقِّ الكَهول وكالحَجاةِ في
الضَّعْف فما زِلت أَرُمُّه حتى اسْتَحكم، في حديث فيه طول، قال: أَي واهٍ.
وحُقُّ الكَهول: بيت العنكبوت. قال الأَزهري: وقد روى ابن قتيبة هذا الحرف
بعينه فصحَّفه وقال: مثل حُق الكَهْدَلِ، بالدال بدل الواو، قال: وخبَطَ
في تفسيره خَبْط العَشْواء، والصواب مثل حُق الكَهول، والكَهول العنكبوت،
وحُقَّه بيته. وحاقُّ وسَطِ الرأْس: حَلاوةُ القفا.
ويقال: استحقَّت إِبلُنا ربيعاً وأَحَقَّت ربيعاً إِذا كان الربيع تاماً
فرعَتْه. وأَحقَّ القومُ إِحْقاقاً إِذا سَمِنَ مالُهم. واحتقَّ القوم
احْتقاقاً إِذا سَمِنَ وانتهى سِمَنُه. قال ابن سيده: وأَحقَّ القومُ
من الربيع إِحْقاقاً إِذا أَسْمَنُوا؛ عن أَبي حنيفة، يريد سَمِنت
مَواشِيهم. وحقَّت الناقة وأَحقَّت واستحقَّت: سمنت. وحكى ابن السكيت عن ابن
عطاء أَنه قال: أَتيت أَبا صَفْوانَ أَيام قَسمَ المَهْدِيُّ الأَعراب
فقال أَبو صفوان؛: ممن أَنت؟ وكان أَعرابيّاً فأَراد أَن يمتحنه، قلت: من
بني تميم، قال: من أَيّ تميم؟ قلت: رباني، قال: وما صنعتُك؟ قلت: الإِبل،
قال: فأَخبرني عن حِقَّة حَقَّت على ثلاث حِقاق، فقلت: سأَلت خبيراً: هذه
بَكْرة كان معها بَكْرتان في ربيع واحد فارْتَبَعْنَ
فسَمِنَت قبل أَن تسمنا فقد حقَّت واحدةً، ثم ضَبَعَت ولم تَضْبَعا فقد
حقَّت عليهما حِقَّة أُخرى، ثم لَقِحَت ولم تَلْقَحا فهذه ثلاث حِقَّات،
فقال لي: لعَمْري أَنت منهم واسْتَحَقَّت الناقة لَقاحاً إِذا لَقِحت
واستحقّ لَقاحُها، يُجْعَل الفعل مرة للناقة ومرة للِّقاح.
قال أَبو حاتم: مَحاقُّ المالِ
يكون الحَلْبة الأُولى، والثانية منها لِبَأٌ. والمَحاقُّ: اللاتي لم
يُنْتَجْن في العام الماضي ولم يُحلَبن فيه.
واحْتقَّ الفرسُ أَي ضَمُر. ويقال: لا يحقُّ
ما في هذا الوِعاء رطلاً، معناه أَنه لا يَزِنُ
رطلاً. وطعْنة مُحْتَقَّة أَي لا زَيْغَ فيها وقد نَفَذَت. ويقال: رمَى
فلان الصيدَ فاحتقَّ بعضاً وشَرَم بعضاً
أَي قتَل بعضاً وأُفْلِتَ بعض جَِريحاً؛ والمُحْتقُّ من الطعْن:
النافِذُ إِلى الجوف؛ ومنه قول أَبي كبير الهذلي:
هَلاَّ وقد شَرَعَ الأَسنَّة نَحْوها،
ما بينَ مُحْتَقٍّ ومُشَرِّمِ
أَراد من بين طَعْن نافذٍ في جوفها وآخَرَ قد شرَّمَ جلدَها ولم ينفُذ
إِلى الجوف.
والأَحقُّ من الخيل: الذي لا يَعْرَق، وهو أَيضاً الذي يضع حافر رجله
موضع حافر يده، وهما عيب؛ قال عديّ بن خَرَشةَ الخَطْمِيّ:
بأَجْرَدَ من عِتاقِ الخَيلِ نَهْدٍ
جَوادِ، لا أَحقُّ ولا شئيتُ
قال ابن سيده: هذه رواية ابن دريد، ورواية أَبي عبيد:
وأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهواتِ ساطٍ،
كُمَيْتٌ، لا أَحقُّ ولا شئيت
الأَقدرُ: الذي يجوز حافرا رجليه حافِريْ يديه، والأَحقُّ: الذي
يُطَبِّقُ حافرا رجليه حافريْ
يديه، والشَّئيتُ: الذي يقْصُر موقِعُ حافر رجله عن موقع حافر يده، وذلك
أَيضاً عيب، والاسم الحَقَق.
وبنات الحُقَيْقِ: ضرْب من رَدِيء التمر، وقيل: هو الشِّيص، قال
الأَزهري: قال الليث بنات الحقيق ضرب من التمر، والصواب لَوْن الحُبَيق ضرب من
التمر رديء. وبنات الحقيق في صفة التمر تغيير، ولَوْنُ الحُبيق معروف.
قال: وقد روينا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه نَهى عن لوْْنين من
التمر في الصدقة: أَحدهما الجُعْرُور، والآخر لون الحبيق، ويقال لنخلته
عَذْقُ ابن حبيق
(* قوله «عذق ابن حبيق» ضبط عذق بالفتح هو الصواب ففي
الزرقاني على الموطأ قال أبو عمر بفتح العين النخلة وبالكسر الكباسة أي القنو
كأن التمر سمي باسم النخلة لأنه منها اهـ. فضبطه في مادة حبق بالكسر خطأ.)
وليس بشِيص ولكنه رديء من الدَّقَلِ؛ وروى الأَزهري حديثاً آخر عن جعفر
بن محمد عن أَبيه قال: لا يُخرَج في الصدقة الجُعرور ولا لون حُبيْق؛ قال
الشافعي: وهذا تمر رديء والسس
(* قوله «والسس» كذا بالأصل ولعله وأيبس.)
تمر وتؤخذ الصدقة من وسط التمر.
والحَقْحقةُ: شدَّة السير. حَقْحقَ القومُ
إِذا اشتدّوا في السير. وقَرَبٌ مُحَقْحَقٌ: جادٌّ منه. وتعَبَّدَ عبد
الله بن مُطَرِّف بن الشِّخيِّر فلم يَقتصِد فقال له أَبوه: يا عبد الله،
العلمُ أَفضلُ من العمل، والحسَنةُ بين السَّيِّئتين، وخيرُ
الأُمور أَوساطُها، وشرُّ
السير الحَقْحقةُ؛ هو إِشارة إلى الرِّفق في العبادة، يعني عليك
بالقَصْد في العبادة ولا تَحْمِل على نفسك فتَسأَم؛ وخيرُ
العمل ما دِيمَ وإِن قلَّ، وإِذا حملت على نفسك من العبادة ما لا
تُطيِقُه انْقَطَعْتَ به عن الدَّوام على العبادة وبَقِيت حَسيراً، فتكلَّفْ من
العبادة ما تُطيقُه ولا يَحْسِرُك. والحَقحقةُ: أَرفع السير وأَتْعَبُه
للظَّهر. وقال الليث: الحقحقة سير الليل في أَوّله، وقد نهي عنه، قال:
وقال بعضهم الحقحقة في السير إِتعابُ
ساعة وكفُّ ساعة؛ قال الأَزهري: فسر الليث الحقحقة تفسيرين مختلفين لم
يصب الصواب في واحد منهما، والحقحقة عند العرب أَن يُسار البعيرُ ويُحمل
على ما يتعبه وما لا يطيقه حتى يُبْدِعَ براكبه، وقيل: هو المُتعِب من
السير، قال: وأَما قول الليث إِنّ الحقحقة سير أَول الليل فهو باطل ما قاله
أَحد، ولكن يقال فَحِّمُوا عن الليل أَي لا تسيروا فيه. وقال ابن
الأَعرابي: الحَقحقةُ أَن يُجْهِد الضعيفَ شدَّةُ
السير. قال ابن سيده: وسَيرٌ حَقْحَاقٌ شديد، وقد حَقْحَقَ وهَقْهَقَ
على البدل، وقَهْقَهَ على القلب بعد البدل. وقَرَبٌ حَقْحاق وهَقْهاق
وقَهْقاه ومُقَهْقَه ومُهَقْهَقٌ إِذا كان السير فيه شديداً مُتعِباً.
وأُمّ حِقّة: اسم امرأَة؛ قال مَعْنُ بن أَوْس:
فقد أَنْكَرَتْه أُمُّ حِقّه حادِثاً،
وأَنْكَرها ما شئت، والودُّ خادِعُ
مشج: المَشْجُ والمَشِجُ والمشَجُ والمَشِيجُ: كل لَوْنينِ اخْتلَطا،
وقيل: هو ما اختلط من حمرة وبياض، وقيل: هو كل شيئين مختلطين، والجمع
أَمْشاجٌ مثل يَتيمٍ وأَيْتامٍ؛ ومنه قول الهذلي: سيطَ به مَشِيجُ. ومَشَجْتُ
بَيْنهما مَشْجاً: خَلَطْتُ؛ والشيءُ مَشيجٌ؛ ابن سيده: والمَشِيجُ
اخْتِلاطُ ماء الرجل والمرأَة؛ هكذا عبر عنه بالمصدر وليس بقويّ؛ قال:
والصحيحُ أَن يقال: المَشِيج ماء الرجل يختلط بماءِ المرأَة. وفي التنزيل
العزيز: إِنا خلقنا الإِنسان من نطفة أَمشاج نبتليه؛ قال الفراء: الأَمْشاجُ
هي الأَخْلاطُ: ماءُ الرجلِ وماء المرأَةِ والدمُ والعَلَقَة، ويقال للشيء
من هذا: خِلْطٌ مَشِيجٌ كقولك خَلِيطٌ ومَمْشُوجٌ، كقولك مَخْلُوطٌ
مُشِجَتْ بِدمٍ، وذلك الدمُ دمُ الحيضِ. وقال ابن السكيت: الأَمشاجُ
الأَخلاطُ؛ يريد الأَخْلاطَ النطفةَ
(* قوله «يريد الأخلاط النطفة» عبارة شرح
القاموس: يريد النطفة.) لأَنها مُمْتَزِجةٌ من أَنواعٍ، ولذلك يولد الإِنسان
ذا طَبائعَ مُخْتَلِفةٍ؛ وقال الشَّمَّاخُ:
طَوَتْ أَحْشاءَ مُرْتِجَةٍ لِوَقْتٍ
على مَشَجٍ، سُلالتهُ مَهِينُ
وقال الأخر:
فَهُنَّ يَقذِفْنَ من الأَمْشاجِ،
مِثْلَ بُزولِ اليَمْنَةِ الحجاجِ
(* قوله «مثل إلخ» كذا بالأصل.)
وقال أَبو اسحق: أَمْشاجٌ أَخْلاطٌ من منيّ ودم، ثم يُنْقَلُ من حالٍ
إِلى حالٍ. ويقال: نُطْفةٌ أَمْشاجٌ لماء الرجل يختلط بماء المرأَةِ
ودَمِها. وفي الحديث في صفة المولود: ثم يكون مَشِيجاً أَربعين ليلة؛
المَشِيجُ: المختلِطُ من كل شيء مَخْلوطٍ. وفي حديث علي، رضي الله عنه: ومَحَطَ
الأَمْشاجَ من مَسارِبِ الأَصْلابِ؛ يريد المنيَّ الذي يَتولَّدُ منه
الجَنِينُ. والأَمْشاجُ: أَخْلاطُ الكَيْمُوساتِ الأَربعِ، وهي: المِرارُ
الأَحمرُ والمِرارُ الأَسْودُ والدمُ والمنيّ؛ أَراد بالمَشْجِ اخْتِلاطَ
الدمِ بالنطفة، هذا أَصله؛ وعن الحسن في قوله تعالى: أَمْشاجٍ؛ قال: نعم
والله إِذا استعجل مشَج خلقه من نطفة. ابن سيده: وأَمْشاجُ البدَنِ
طَبائِعهُ، واحدها مَشْجٌ ومَشَجٌ ومَشِجٌ؛ عن أَبي عبيدة. وعليه أَمْشاجُ غُزولٍ
أَي داخِلةٌ بعضُها في بعض؛ يعني البُرود فيها أَلوانُ الغُزُولِ.
الأَصمعي: أَمْشاجُ وأَوشاجُ غُزولٍ داخلٌ بعضُها في بعض؛ وقولُ زهَير بن
حَرام الهذلي:
كأَنَّ النَّصْلَ والفُوقَيْنِ منها،
خِلالَ الرِّيشِ، سِيطَ به مَشِيجُ
ورواه المبرد:
كأَنَّ المَتْنَ والشَّرْجَينِ منه،
خِلافَ النصْلِ، سِيطَ به مَشيجُ
أَراد بالمتْنِ مَتْنَ السَّهْمِ. والشَّرْجَينِ: حَرْفَيِ الفُوقِ، وهو
في الصحاح: سيطَ به المَشِيجُ؛ ورواه أَبو عبيدة:
كأَنَّ الرِّيشَ والفُوقَيْنِ منها،
خِلالَ النصْلِ، سِيطَ به المَشيجُ
شظي: شَظَى الميِّتُ يَشْظِي شَظْياً، وفي التهذيب شُظِيّاً:
انْتَفَخَ فارْتفَعتْ يَداهُ ورجْلاهُ كشَصا؛ حكاه اللحياني. الأَصمعي: شَظَى
السِّقاءُ يَشْظِي شُظِيّاً مثلُ شَصى، وذلك إذا مُلِئَ فارْتفَعتْ
قَوائِمُه. والشَّظاةُ: عُظَيْمٌ لازقٌ بالوَظيفِ، وفي المحكم: بالرُّكْبةِ،
وجمعُها شَظىً، وقيل: الشَّظَى عَصَبٌ صغارٌ في الوَظِيفِ ، وقيل:
الشَّظَى عُظَيْمٌ لازقٌ بالذِّراعِ، فإذا زال قيل شَظِيَتْ عَصَبُ الدابة. أَبو
عبيدة: في رؤُوسِ المِرْفَقْينِ إبْرَةٌ، وهي شَظِيَّةٌ لاصِقَةٌ
بالذِّراعِ ليستْ منها؛ قال: والشَّظَى عظمٌ لاصِقٌ بالرُّكْبةِ، فإذا شَخَصَ
قيل شَظِيَ الفرَسُ، وتَحَرُّكُ الشَّظَى كانتِشارِ العَصَب غيرَ أَنَّ
الفرَسَ لانتِشارِ العَصَبِ أَشدُّ احْتِمالاً منه لتَحَرُّكِ الشَّظَى،
وكذلك قال الأصمعي. ابن الأعرابي: الشَّظَى عَصَبةٌ دقِيقةٌ بين
عَصَبَتي الوَظيف، وقال غيره: هو عُظَيْمٌ دقِيقٌ إذا زال عن موضعِهِ شَظِيَ
الفَرسُ. وشَظِيَ الفرَسُ شَظىً، فهو شَظٍ: فُلِقَ شَظاهُ. والشَّظَى:
انْشِقاقُ العَصَبِ؛ قال امرؤُ القيس:
ولم أَشْهَدِ الخَيْلَ المُغِيرَةَ بالضُّحى
على هَيْكَلٍ نَهْدِ الجُزَارَةِ جَوَّالِ
سَلِيمِ الشَّظى ، عَبْلِ الشَّوى، شَنِجِ النَّسا،
له حَجباتٌ مُشْرِفاتٌ على الفالِ
قال ابن بري: ومثله للأَغلبَ العِجلي:
ليس بذي واهِنَةٍ ولا شَظى
الأَصمعي: الشَّظى عُظَيْمُ مُلزَقٌ بالذِّراعِ، فإذا تحَرَّكَ من
موضعِهِ قيل قد شَظِيَ الفرَسُ، بالكسر، وقد تشَظَّى وشَظَّاهُ هو.
والشَّظِيَّة: عَظْمُ الساقِ، وكلُّ فِلْقَةٍ من شيءٍ شظِيَّةٌ.
والشَّظِيَّة: شِقّة من خَشبٍ أَو قَصَبٍ أَو قِضّةٍ أَو عَظْمٍ. وفي الحديث: إن
الله عز وجل لمّا أَرادَ أَن يَخْلُق لإبْلِيسَ نَسْلاً وزَوْجةً، أَلقى
عليه الغَضَبَ فطارَتْ منه شَظِيّةٌ من نارٍ فخَلقَ منها امرأَتَه؛ ومنه
حديث ابن عباسٍ: فطارَتْ منه شَظِيّةٌ ووَقعَتْ منه أُخرى من شِدَّةِ
الغَضَب. والشَّظِيَّة: القوسُ. وقال أَبو حنيفة: الشّظِيَّةُ القَوسُ
لأَنَّْ خشبَها شَظِيَتْ أَي فُلِقَتْ؛ قال ابن سيده: فأَما ما أَنشده ابن
الأعرابي من قوله:
مَهاها السِّنانُ اليَعْمَليُّ فأَشْرَفَتْ
سَناسِنُ منها، والشَّظِيُّ لُزُوقُ
قال: فإنه قد زعم أَن الشَّظِيَّ جمع شَظىً، قال: وليس كذلك لأَن
فَعَلاً ليس مما يُكسَّر على فَعِيلٍ إلاَّ أَن يكون اسماً للجمع فيكون من
باب كِليبٍ وعَبيدٍ، وأَيضاً فإنه إذا كان الشَّظِيُّ جمع شَظىً والشَّظى
لا محالة جمع شَظاةٍ، فإنما الشَّظيُّ جمعُ جمعٍ وليس بجمع، وقد بيَّنَّا
أَنه ليس كلُّ جمع يُجمعُ؛ قال ابن سيده: والذي عندي أَن الشَّظِيَّ جمع
شَظِيَّةٍ التي هي عظمُ الساقِ كما أَن رَكِيّاً جمع رَكِيَّةٍ.
وتشَظَّى الشيءُ: تفَرَّقَ وتشَقَّق وتَطايَر شَظايا؛ قال:
يا من رأَى لي بُنَيَّ اللَّذَيْن هما
كالدُّرَّتَيْن تشَظَّى عنهما الصَّدَفُ
وشَظَّاهُ هو، وتشَظَّى القومُ: تفَرَّقوا، قال:
فصَدّه، عن لعْلَعٍ وبارِقِ،
ضرْبٌ يُشَظّيهمْ على الخَنادقِ
أَي يفرِّقُهم ويَشُقُّ جمعَهم. وشَظَّيتُ القومَ تشْظِيَةً أَي
فرَّقُتهم فتشَظَّوْا أَي تفرَّقُوا. وشَظِيَ القومُ إذا تفَرَّقُوا.
والشَّظى من الناس: المَوالي والتِّباعُ. وشَظى القومِ: خلافُ
صمِيمِهِمْ، وهم الأَتْباعُ والدُّخلاءُ عليهم بالحِلْف؛ وقال هَوْبَرٌ
الحارثي:أَلا هل أَتى التَّيْمَ بنَ عبدِ مَناءَةٍ،
على الشَّنْءِ فيما بيننا، ابنِ تمِيمِ
بمَصْرَعِنا النُّعمانَ، يومَ تأَلَّبَتْ
علينا تميمٌ من شَظىً وصَميمِ
تَزَوَّد منَّا بين أُذْنَيهِ طَعنةً،
دَعَتْه إلى هابي الترابِ عَقيمِ
قوله: بمَصْرعِنا النُّعمانَ في موضع الفاعل بأَتى في البيت قبلَه،
والباءُ زائدةٌ؛ ومثله قولُ امرئ القيس:
أَلا هل أَتاها، والحوادثُ جَمَّةٌ،
بأَن امرأَ القيسِ بنَ تَملِكَ بَيْقَرا؟
قال: ومثله قول الآخر:
أَلمْ يأْتيكَ، والأَنباءُ تَنْمي،
بما لاقتْ لَبُونُ بني زيادِ؟
والشَّظى: جبلٌ؛ أَنشد ثعلب:
أَلمْ ترَ عُصْمَ رُؤوس الشَّظى،
إذا جاءَ قانِصُها تجْلبُ؟
وهو الشَّظاءُ أَيضاً، ممدودٌ؛ قال عنترة
كمُدِلَّةٍ عَجْزاءَ تَلْحَمُ ناهِضاً،
في الوَكْرِ، مَوْقِعُها الشَّظاءُ الأَرْفعُ
وأَما الحديث الذي جاء عن عقبة بن عامر أَن النبي، صلى الله عليه وسلم،
قال: تعَجَّبَ رَبُّك من راعٍ في شَظِيَّة يؤذِّنُ ويقيمُ الصلاة يخافُ
مني قد غَفَرْتُ لعَبدي وأَدخلتهُ الجنة؛ فالشَّظِيَّةُ: فِنْديرةٌ من
فَناديرِ الجبالِ، وهي قطعةٌ من رؤُوسها؛ عن الأَزهري، قال: وهي
الشِّنْظِيةُ أَيضاً، وقيل: الشَّظِيَّةُ قِطعَةٌ مرتفعةٌ في رأْس الجبل.
والشَّظِيَّةُ: الفِلْقةُ من العصا ونحوِها، والجمع الشَّظايا، وهو من
التَّشَظِّي التَّشَعُّبِ والتَّشَقُّقِ؛ ومنه الحديث: فانشَظَت رَباعيةُ رسوِل
الله، صلى الله عليه وسلم، أَي انكسرت. التهذيب: شَواظي الجبال
وشَناظِيها هي الكِسَر من رؤوس الجبال كأَنها شُرَفُ المسجد، وقال: كأَنها
شَظِيَّةٌ انشَظَتْ ولم تَنْقَسِمْ أي انكسرت ولم تنْفرِجْ. والشَّظِيَّة من
الجبل: قِطْعةٌ قُطِعَت منه مثل الدار ومثل البيت، وجمعُها شَظايا، وأَصغر
منها وأَكبر كما تكون. النَّضْرُ: الشَّظى الدَّبْرَةُ على إثرِ
الدِّبْرةِ في المزْرَعة حتى تبلُغَ أَقْصاها، الواحِدُ شَظىً بدِبارِها،
والجماعةُ الأَشْظِيةُ، قال: والشَّظى ربما كانت عشْر دَبَراتٍ، يُرْوى ذلك عن
الشافعي.
رصص: رَصَّ البُنْيانَ يَرُصّه رَصّاً، فهو مَرْصُوصٌ ورَصِيصٌ،
ورَصّصَه ورَصْرَصَه: أَحْكَمَه وجَمَعه وضمّ بعضَه إِلى بعض. وكلُّ ما أُحْكِمَ
وضُمَّ، فقد رُصَّ. ورَصَصْتُ الشيء أَرُصّهُ رَصّاً أَي أَلْصَقْتُ
بعضَه ببعض، ومنه: بُنْيان مَرْصوصٌ، وكذلك التَّرْصِيصُ، وفي التنزيل:
كأَنهم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ.
وتَراصَّ القومُ: تضامُّوا وتلاصَقُوا، وتَراصُّوا: تصافُّوا في القتال
والصلاة. وفي الحديث: تَراصُّوا في الصُّفوف لا تَتَخَلّلُكم الشياطِينُ
كأَنها بنات حَذَفٍ، وفي رواية: تَراصُّوا في الصلاة أَي تلاصَقُوا. قال
الكسائي: التَّراصُّ أَن يَلْصَقَ بعضُهم ببعضٍ حتى لا يكون بينهم خَلَلٌ
ولا فُرَجٌ، وأَصله تراصَصُوا من رَصّ البِناء يَرُصُّه رَصّاً إِذا
أَلْصَقَ بعضَه ببعض فأُدْغِم؛ ومنه الحديث: لَصُبَّ عليكم العذاب صَبّاً ثم
لَرُصَّ عليكم رَصّاً. ومنه حديث ابن صَيّاد: فرَصَّه رسولُ اللّه، صلّى
اللّه عليه وسلّم؛ أَي ضم بعضه إِلى بعض، ومنه قوله تعالى: كأَنهم
بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ؛ أَي أُلْصِقَ البعضُ بالبعض.
وبَيْضٌ رَصِيصٌ: بعضُه فوق بعض؛ قال امرؤ القيس:
على نِقْنِقٍ هَيْقٍ له ولِعرْسِه،
بِمُنْخَدَعِ الوَعْساءِ، بَيْضُ رَصِيص
ورَصْرَصَ إِذا ثبت بالمكان.
والرَّصَصُ والرِّصاص والرَّصاصُ: معروف من المَعْدِنِيّات مشتق من ذلك
لِتَداخُلِ أَجزائِه، والرَّصاصُ أَكثر من الرِّصاصِ، والعامةُ تقوله
بكسر الراء؛ وشاهد الرَّصاص بالفتح قول الراجز:
أَنا ابنُ عَمْروٍ ذي السَّنا الوَبّاصِ
وابنُ أَبيه مُسْعطُ الرَّصاصِ
وأَول من أَسْعطَ بالرَّصاصِ من ملوك العرب ثعلبةُ ابن امرئ القيس بن
مازن بن الأَزد. وشيء مُرَصَّصٌ: مَطْليٌّ به. والتَّرْصِيصُ: تَرْصِيصُك
الكُوزَ وغيرَه بالرَّصاصِ. والرَّصَّاصةُ والرَّصْراصَةُ: حجارةٌ لازمة
لما حَوَالَيِ العين الجارية؛ قال النابغة الجعدي:
حِجارة قَلْتٍ بِرَصْراصَةٍ،
كُسِينَ غِشاءً من الطُّحْلُبِ
ويروى: بِرَضْراضَةٍ، وسيأْتي ذكره في موضعه. والرَّصَصُ في الأَسنان:
كاللَّصَصِ، وسيأْتي ذكره في موضعه؛ رجل أَرَصُّ وامرأَة رَصّاءُ.
والرَّصّاءُ والرَّصُوصُ من النساء: الرَّتْقاءُ. ورَصَّصَت المرأَةُ
إِذا أَدْنَت نِقابَها حتى لا يُرَى إِلا عَيْناها، أَبو زيد: النِّقابُ
على مارِنِ الأَنف. والتَّرْصِيصُ: هو أَن تَنْتَقِبَ المرأَة فلا يُرَى
إِلا عيناها، وتميم تقول: هو التَّوْصِيصُ، بالواو، وقد رصَّصَتْ
ووَصَّصَتْ. الفراء: رَصَّصَ إِذا أَلَحَّ في السؤال، ورَصّصَ النِّقاب أَيضاً.
أَبو عمرو: الرَّصِيصُ نِقَابُ المرأَة إِذا أَدْنَته من عَيْنَيْها،
واللّه أَعلم.
حبب: الحُبُّ: نَقِيضُ البُغْضِ. والحُبُّ: الودادُ والـمَحَبَّةُ،
وكذلك الحِبُّ بالكسر. وحُكِي عن خالد ابن نَضْلَة: ما هذا الحِبُّ
الطارِقُ؟وأَحَبَّهُ فهو مُحِبٌّ، وهو مَحْبُوبٌ، على غير قياس هذا الأَكثر، وقد قيل مُحَبٌّ، على القِياس. قال الأَزهري: وقد جاء الـمُحَبُّ شاذاً في الشعر؛ قال عنترة:
ولقد نَزَلْتِ، فلا تَظُنِّي غيرَه، * مِنِّي بِمَنْزِلةِ المُحَبِّ الـمُكْرَمِ
وحكى الأَزهري عن الفرَّاءِ قال: وحَبَبْتُه، لغة. قال غيره: وكَرِهَ
بعضُهم حَبَبْتُه، وأَنكر أَن يكون هذا البيتُ لِفَصِيحٍ، وهو قول عَيْلانَ بن شُجاع النَّهْشَلِي:
أُحِبُّ أَبا مَرْوانَ مِنْ أَجْل تَمْرِه، * وأَعْلَمُ أَنَّ الجارَ بالجارِ أَرْفَقُ
فَأُقْسِمُ، لَوْلا تَمْرُه ما حَبَبْتُه، * ولا كانَ أَدْنَى مِنْ عُبَيْدٍ ومُشْرِقِ
وكان أَبو العباس المبرد يروي هذا الشعر:
وكان عِياضٌ منه أَدْنَى ومُشْرِقُ وعلى هذه الروايةِ لا كون فيه إِقواء.
وحَبَّه يَحِبُّه، بالكسر، فهو مَحْبُوبٌ. قال الجوهري: وهذا شاذ لأَنه لا يأْتي في المضاعف يَفْعِلُ بالكسر، إِلاّ ويَشرَكُه يَفْعُل بالضم، إِذا كان مُتَعَدِّياً، ما خَلا هذا الحرفَ. وحكى سيبويه: حَبَبْتُه وأَحْبَبْتُه بمعنى. أَبو زيد: أَحَبَّه اللّه فهو مَحْبُوبٌ. قال: ومثله مَحْزُونٌ، ومَجْنُونٌ، ومَزْكُومٌ، ومَكْزُوزٌ، ومَقْرُورٌ، وذلك أَنهم يقولون: قد فُعِلَ بغير أَلف في هذا كله، ثم يُبْنَى مَفْعُول على فُعِلَ، وإِلاّ فلا وَجْهَ له، فإِذا قالوا: أَفْعَلَه اللّه، فهو كلُّه بالأَلف؛ وحكى اللحياني عن بني سُلَيْم: ما أَحَبْتُ ذلك، أَي ما أَحْبَبْتُ، كما قالوا: ظَنْتُ ذلك، أَي ظَنَنْتُ، ومثله ما حكاه سيبويه من قولهم ظَلْتُ. وقال:
في ساعةٍ يُحَبُّها الطَّعامُ
أَي يُحَبُّ فيها. واسْتَحَبَّه كأَحَبَّه.
والاسْتِحْبابُ كالاسْتِحْسانِ.
وإِنه لَمِنْ حُبَّةِ نَفْسِي أَي مِمَّنْ أُحِبُّ. وحُبَّتُك: ما أَحْبَبْتَ أَن تُعْطاهُ، أَو يكون لك. واخْتَرْ
حُبَّتَك ومَحَبَّتَك من الناس وغَيْرِهِم أَي الذي تُحِبُّه.
والـمَحَبَّةُ أَيضاً: اسم للحُبِّ.
والحِبابُ، بالكسر: الـمُحابَّةُ والـمُوادَّةُ والحُبُّ . قال أَبو ذؤيب:
فَقُلْتُ لقَلْبي: يا لَكَ الخَيْرُ، إِنَّما * يُدَلِّيكَ، للخَيْرِ الجَدِيدِ، حِبابُها
وقال صخر الغي:
إِنّي بدَهْماءَ عَزَّ ما أَجِدُ * عاوَدَنِي، مِنْ حِبابِها، الزُّؤُدُ
وتَحَبَّبَ إِليه: تَودَّدَ. وامرأَةٌ مُحِبَّةٌ لزَوْجِها ومُحِبٌّ أَيضاً، عن الفرَّاءِ.
الأَزهري: يقال: حُبَّ الشيءُ فهو مَحْبُوبٌ، ثم لا يقولون: حَبَبْتُه،
كما قالوا: جُنَّ فهو مَجْنُون، ثم يقولون: أَجَنَّه اللّهُ.
والحِبُّ: الحَبِيبُ، مثل خِدْنٍ وخَدِينٍ، قال ابن بري، رحمه اللّه:
الحَبِيبُ يجيءُ تارة بمعنى الـمُحِبِّ، كقول الـمُخَبَّلِ:
أَتَهْجُرُ لَيْلَى، بالفِراقِ، حَبِيبَها، * وما كان نَفْساً، بالفِراقِ، تَطِيبُ
أَي مُحِبَّها، ويجيءُ تارة بمعنى الـمحْبُوب كقول ابن الدُّمَيْنةِ:
وانّ الكَثِيبَ الفَرْدَ، مِن جانِبِ الحِمَى، * إِلَيَّ، وإِنْ لم آتهِ، لحَبِيبُ
أَي لـمَحْبُوبٌ.
والحِبُّ: الـمَحْبُوبُ، وكان زَيْدُ بن حارِثةَ، رضي اللّه عنه،
يُدْعَى: حِبَّ رَسولِ اللّه، صلة اللّه عليه وسلم؛ والأَنثى بالهاءِ. وفي الحديث: ومن يَجْتَرئُ على ذلك إِلا أُسامةُ، حِبُّ رسولِ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، أَي مَحْبُوبُه، وكان رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، يُحِبُّه كثيراً. وفي حديث فاطِمَة، رضوان اللّه عليها، قال لها رسولُ اللّهِ، صلى اللّه عليه وسلم، عن عائشة: إِنَّها حِبَّةُ أَبِيكِ. الحِبُّ بالكسر: الـمَحْبُوبُ، والأُنثى: حِبَّةٌ، وجَمْعُ الحِبِّ أَحْبابٌ، وحِبَّانٌ، وحُبُوبٌ، وحِبَبةٌ، وحُبٌّ؛ هذه الأَخيرة إِما أَن تكون من الجَمْع العزيز، وإِما أَن تكون اسماً للجَمْعِ.
والحَبِيبُ والحُبابُ بالضم: الحِبُّ، والأُنثى بالهاءِ. الأَزهري: يقال للحَبِيب: حُبابٌ، مُخَفَّفٌ.
وقال الليث: الحِبَّةُ والحِبُّ بمنزلة الحَبِيبةِ والحَبِيب. وحكى ابن
الأَعرابي: أَنا حَبِيبُكم أَي مُحِبُّكم؛ وأَنشد:
ورُبَّ حَبِيبٍ ناصِحٍ غَيْرِ مَحْبُوبِ
والحُبابُ، بالضم: الحُبُّ. قال أَبو عَطاء السِّنْدِي، مَوْلى بني
أَسَد:
فوَاللّهِ ما أَدْرِي، وإِنِّي لصَادِقٌ، * أَداءٌ عَراني مِنْ حُبابِكِ أَمْ سِحْرُ
قال ابن بري: المشهور عند الرُّواة: مِن حِبابِكِ، بكسر الحاءِ، وفيه وَجْهان: أَحدهما أَن يكون مصدر حابَبْتُه مُحابَّةً وحِباباً، والثاني أَن يكون جمع حُبٍّ مثل عُشٍّ وعِشاشٍ، ورواه بعضهم: من جَنابِكِ، بالجيم والنون، أَي ناحِيَتكِ.
وفي حديث أُحُد: هو جَبَلُّ يُحِبُّنا ونُحِبُّه. قال ابن الأَثير: هذا
محمول على المجاز، أَراد أَنه جبل يُحِبُّنا
أَهْلُه، ونُحِبُّ أَهْلَه، وهم الأَنصار؛ ويجوز أَن يكون من باب الـمَجاز الصَّريح، أَي إِنَّنا نحِبُّ الجَبلَ بعَيْنِهِ لأَنه في أَرْضِ مَن نُحِبُّ.
وفي حديث أَنس، رضي اللّه عنه: انْظُروا حُبّ الأَنصار التَّمرَ، يُروى بضم الحاءِ، وهو الاسم من الـمَحَبَّةِ، وقد جاءَ في بعض الرِّوايات، باسقاط انظُروا، وقال: حُبّ الانصار التمرُ، فيجوز أَن يكون بالضم كالأَوّل، وحذف الفعل وهو مراد للعلم به، أَو على جعل التمر نفس الحُبِّ مبالغة في حُبِّهم إِياه، ويجوز أَن تكون الحاءُ مكسورة، بمعنى المحبوب، أَي مَحْبُوبُهم التمرُ، وحينئذ يكون التمر على الأَوّل، وهو المشهور في الرواية
منصوباً بالحُب، وعلى الثاني والثالث مَرْفُوعاً على خبر المبتدإِ.
وقالوا: حَبَّ بِفُلان، أَي ما أَحَبَّه إِلَيَّ؛ قال أَبو عبيد: معناه(1)
(1 قوله «قال أبو عبيد معناه إلخ» الذي في الصحاح قال الفراء معناه إلخ.)
حَبُبَ بِفُلان، بضم الباءِ، ثم سُكِّن وأُدغم في الثانية.
وحَبُبْتُ إِليه: صِرْتُ حَبِيباً، ولا نَظِير له إِلا شَرُرْتُ، مِن الشَّرِّ، وما حكاه سيبويه عن يونس قولهم: لَبُبْتُ من اللُّبِّ. وتقول: ما
كنتَ حَبيباً، ولقد حَبِبْتَ، بالكسر، أَي صِرْتَ حَبِيباً. وحَبَّذَا الأَمْرُ أَي هو حَبِيبٌ. قال سيبويه: جعلوا حَبّ مع ذا، بمنزلة الشيءِ
الواحد، وهو عنده اسم، وما بعده مرفوع به، ولَزِمَ ذا حَبَّ، وجَرَى كالمثل؛ والدَّلِيلُ على ذلك أَنهم يقولون في المؤَنث: حَبَّذا، ولا يقولون: حَبَّذِه. ومنهُ قولهم: حَبَّذا زَيْدٌ، فَحَبَّ فِعْل ماضٍ لا يَتصرَّف، وأَصله حَبُبَ، على ما قاله الفرّاءُ، وذا فاعله، وهو اسم مُبْهَم مِن أَسْماءِ الإشارة، جُعِلا شيئاً واحداً، فصارا بمنزلة اسم يُرْفَع ما بعده، وموضعه رفع بالابْتداءِ، وزيد خبره، ولا يجوز أَن يكون بدلاً مِن ذا، لأَنّك تقول حَبَّذا امرأَةٌ، ولو كان بدلاً لقلت: حَبَّذِهِ المرأَةُ. قال جرير:
يا حَبَّذَا جَبَلُ الرَّيَّانِ مِنْ جَبَلٍ، * وحَبَّذا ساكِنُ الرَّيّانِ مَنْ كانا
وحَبَّذا نَفَحاتٌ مِنْ يَمانِيةٍ، * تَأْتِيكَ، مِنْ قِبَلِ الرَّيَّانِ، أَحيانا
الأَزهري: وأَما قولهم: حبّذا كذا وكذا، بتشديد الباء، فهو حَرْفُ
مَعْنىً، أُلِّفَ من حَبَّ وذا. يقال: حَبَّذا الإِمارةُ، والأَصل حَبُبَ ذا،
فأَدْغِمَتْ إِحْدَى الباءَين في الأُخْرى وشُدّدتْ، وذا إِشارةٌ إِلى ما
يَقْرُب منك. وأَنشد بعضهم:
حَبَّذا رَجْعُها إِلَيها يَدَيْها، * في يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإِزارَا(2)
(2 قوله «إليها يديها» هذا ما وقع في التهذيب أيضاً ووقع في الجزء العشرين إليك.)
كأَنه قال: حَبُبَ ذا، ثم ترجم عن ذا، فقالَ هو رَجْعُها يديها إِلى
حَلِّ تِكَّتِها أَي ما أَحَبَّه، ويَدَا دِرْعِها كُمَّاها. وقال أَبو الحسن
بن كيسان: حَبَّذا كَلِمتان جُعِلَتا شيئاً واحداً، ولم تُغَيَّرا في تثنية، ولا جمع، ولا تَأْنِيث، ورُفِع بها الاسم، تقول: حَبَّذا زَيْدٌ، وحَبَّذا الزَّيْدانِ، وحَبَّذا الزَّيْدُونَ، وحَبَّذا هِنْد، وحَبَّذا أَنـْتَ. وأَنـْتُما، وأَنتُم. وحَبَّذا يُبتدأُ بها، وإِن قلت: زَيْد حَبَّذا، فهي جائزة، وهي قَبِيحة، لأَن حَبَّذا كلمة مَدْح يُبْتَدأُ بها لأَنها جَوابٌ، وإِنما لم تُثَنَّ، ولم تُجمع، ولم
تُؤَنَّثْ، لأَنك إِنما أَجْرَيْتَها على ذِكر شيءٍ سَمِعْته، فكأَنك قلت: حَبَّذا الذِّكْرُ، ذُكْرُ زَيْدٍ، فصار زيدٌ موضعَ ذكره، وصارَ ذا مشاراً إِلى الذِّكْرِيّةِ، والذِّكرُ مُذَكَّرٌ. وحَبَّذا في الحَقِيقةِ:
فِعْلٌ واسْم، حَبَّ بمنزلة نِعْم، وذا فاعل، بمنزلة الرَّجل. الأَزهري قال: وأَمـَّا حَبَّذا، فإِنه حَبَّ ذا، فإِذا وَصَلْتَ رَفَعْتَ به فقلت: حَبَّذا زَيْدٌ.
وحَبَّبَ إِليه الأَمـْرَ: جعله يُحِبُّه.
وهم يَتَحابُّون: أَي يُحِبُّ بعضُهم بَعْضاً. وحَبَّ إِلَيَّ هذا الشيءُ
يَحَبُّ حُبّاً. قال ساعدة:
هَجَرَتْ غَضُوبُ، وحَبَّ مَنْ يَتَجَنَّبُ، * وعَدَتْ عَوادٍ، دُونَ وَلْيِكَ، تَشْعَبُ
وأَنشد الأَزهري:
دَعانا، فسَمَّانَا الشِّعارَ، مُقَدِّماً، * وحَبَّ إِلَيْنا أَن نَكُونَ الـمُقدَّما
وقولُ ساعدة: وحَبَّ مَنْ يَتَجَنَّب أَي حَبَّ بها إِليّ مُتَجَنِّبةً.
وفي الصحاح في هذا البيت: وحُبَّ مَنْ يَتَجَنَّبُ، وقال: أَراد حَبُبَ، فأَدْغَمَ، ونَقَل الضَّمَّةَ إِلى الحاءِ، لأَنه مَدْحٌ، ونَسَبَ هذا
القَوْلَ إِلى ابن السكيت.
وحَبابُكَ أَن يكون ذلِكَ، أَو حَبابُكَ أَن تَفْعَلَ ذلك أَي غايةُ مَحَبَّتِك؛ وقال اللحياني: معناه مَبْلَغُ جُهْدِكَ، ولم يذكر الحُبَّ؛ ومثله: حماداكَ. أَي جُهْدُك وغايَتُكَ.
الأَصمعي: حَبَّ بِفُلانٍ، أَي ما أَحَبَّه إِليَّ ! وقال الفرَّاءُ: معناه
حَبُبَ بفلان، بضم الباء، ثم أُسْكِنَتْ وأُدْغِمَتْ في الثانية. وأَنشد
الفرَّاءُ:
وزَادَه كَلَفاً في الحُبِّ أَنْ مَنَعَتْ، * وحَبَّ شيْئاً إِلى الإِنْسانِ ما مُنِعَا
قال: وموضِعُ ما، رفْع، أَراد حَبُبَ فأَدْغَمَ. وأَنشد شمر:
ولَحَبَّ بالطَّيْفِ الـمُلِمِّ خَيالا
أَي ما أَحَبَّه إِليَّ، أَي أَحْبِبْ بِه! والتَّحَبُّبُ: إِظْهارُ الحُبِّ.
وحِبَّانُ وحَبَّانُ: اسْمانِ مَوْضُوعانِ مِن الحُبِّ.
والـمُحَبَّةُ والـمَحْبُوبةُ جميعاً: من أَسْماءِ مَدِينةِ النبيّ، صلى
اللّه عليه وسلم، حكاهما كُراع، لِحُبّ النبيّ، صلى اللّه عليه وسلم، وأَصحابِه إِيَّاها.
ومَحْبَبٌ: اسْمٌ عَلَمٌ، جاءَ على الأَصل، لمكان العلمية، كما جاءَ
مَكْوَزةٌ ومَزْيَدٌ؛ وإِنما حملهم على أَن يَزِنوا مَحْبَباً بِمَفْعَلٍ، دون فَعْلَلٍ، لأَنهم وجدوا ما تركب من ح ب ب، ولم يجدوا م ح ب، ولولا هذا، لكان حَمْلُهم مَحْبَباً على فَعْلَلٍ أَولى، لأَنّ ظهور التضعيف في فَعْلَل، هو القِياسُ والعُرْفُ، كقَرْدَدٍ ومَهْدَدٍ. وقوله أَنشده ثعلب:
يَشُجُّ به الـمَوْماةَ مُسْتَحْكِمُ القُوَى، * لَهُ، مِنْ أَخِلاَّءِ الصَّفاءِ، حَبِيبُ
فسره فقال: حَبِيبٌ أَي رَفِيقٌ.
والإِحْبابُ: البُروكُ. وأَحَبَّ البَعِيرُ: بَرَكَ. وقيل: الإِحْبابُ في
الإِبلِ، كالحِرانِ في الخيل، وهو أَن يَبْرُك فلا يَثُور. قال أَبو محمد الفقعسي:
حُلْتُ عَلَيْهِ بالقَفِيلِ ضَرْبا، * ضَرْبَ بَعِيرِ السَّوْءِ إِذْ أَحَبَّا
القَفِيلُ: السَّوْطُ. وبعير مُحِبٌّ. وقال أَبو عبيدة في
<ص:293> قوله تعالى: إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْر عن ذِكْرِ رَبِّي؛ أَي لَصِقْتُ بالأَرض، لِحُبّ الخَيْلِ، حتى فاتَتني الصلاةُ. وهذا غير معروف في الإِنسان، وإِنما هو معروف في الإِبل.
وأَحَبَّ البعِيرُ أَيضاً إِحْباباً: أَصابَه كَسْرٌ أَو مَرَضٌ، فلم يَبْرَحْ مكانَه حتى يَبْرأَ أَو يموتَ. قال ثعلب: ويقال للبَعِيرِ الحَسِيرِ: مُحِبٌّ. وأَنشد يصف امرأَةً، قاسَتْ عَجِيزتها بحَبْلٍ، وأَرْسَلَتْ
به إِلى أَقْرانِها:
جَبَّتْ نِساءَ العالَمِينَ بالسَّبَبْ، * فَهُنَّ بَعْدُ، كُلُّهُنَّ كالمُحِبّْ
أَبو الهيثم: الإِحْبابُ أَن يُشْرِفَ البعيرُ على الموت مِن شدّة
الـمَرض فَيَبْرُكَ، ولا يَقدِرَ أَن يَنْبَعِثَ. قال الراجز:
ما كان ذَنْبِي في مُحِبٍّ بارِك، أَتاهُ أَمْرُ اللّهِ، وهو هالِك
والإِحْبابُ: البُرْءُ من كلّ مَرَضٍ ابن الأَعرابي: حُبَّ: إِذا أُتْعِبَ، وحَبَّ: إِذا وقَفَ، وحَبَّ: إِذا تَوَدَّدَ، واسْتحَبَّتْ كَرِشُ المالِ: إِذا أَمْسَكَتِ الماء وطال ظِمْؤُها؛ وإِنما يكون ذلك، إِذا التقت الطَّرْفُ والجَبْهةُ، وطَلَعَ معهما سُهَيْلٌ.
والحَبُّ: الزرعُ، صغيراً كان أَو كبيراً، واحدته حَبَّةٌ؛ والحَبُّ
معروف مُستعمَل في أَشياءَ جَمة: حَبَّةٌ مِن بُرّ، وحَبَّة مِن شَعير، حتى يقولوا: حَبَّةٌ من عِنَبٍ؛ والحَبَّةُ، من الشَّعِير والبُرِّ ونحوهما،
والجمع حَبَّاتٌ وحَبٌّ وحُبُوبٌ وحُبَّانٌ، الأَخيرة نادرة، لأَنَّ
فَعلة لا تجمع على فُعْلانٍ، إِلاّ بعد طَرْحِ الزائد.
وأَحَبَّ الزَّرْعُ وأَلَبَّ: إِذا دخَل فيه الأُكْلُ، وتَنَشَّأَ فيه الحَبُّ واللُّبُّ. والحَبَّةُ السَّوْداءُ، والحَبَّة الخَضْراء، والحَبَّةُ من الشيءِ: القِطْعةُ منه. ويقال للبَرَدِ: حَبُّ الغَمامِ، وحَبُّ الـمُزْنِ، وحَبُّ قُرٍّ. وفي صفتِه، صلى اللّه عليه وسلم: ويَفْتَرُّ عن مِثْلِ حَبّ الغَمامِ، يعني البَرَدَ، شَبَّه به ثَغْرَه في بَياضِه وصَفائه وبَرْدِه.
(يتبع...)
(تابع... 1): حبب: الحُبُّ: نَقِيضُ البُغْضِ. والحُبُّ: الودادُ والـمَحَبَّةُ،... ...
قال ابن السكيت: وهذا جابِرٌ بن حَبَّةَ اسم للخُبْزِ، وهو معرفة.
وحَبَّةُ: اسم امرأَةٍ؛ قال:
أَعَيْنَيَّ! ساءَ اللّهُ مَنْ كانَ سَرَّه * بُكاؤُكما، أَوْ مَنْ يُحِبُّ أَذاكُما
ولوْ أَنَّ مَنْظُوراً وحَبَّةَ أُسْلِما * لِنَزْعِ القَذَى، لَمْ يُبْرِئَا لي قَذاكُما
قال ابن جني: حَبَّةُ امرأَةٌ عَلِقَها رجُل من الجِنِّ، يقال له
مَنْظُور، فكانت حَبَّةُ تَتَطَبَّبُ بما يُعَلِّمها مَنْظُور.
والحِبَّةُ: بُزورُ البقُولِ والرَّياحِينِ، واحدها حَبٌّ(1)
(1 قوله «واحدها حب» كذا في المحكم أيضاً.). الأَزهري عن الكسائي: الحِبَّةُ: حَبُّ الرَّياحِينِ، وواحده حَبَّةٌ؛ وقيل: إِذا كانت الحُبُوبُ مختلفةً من كلِّ شيءٍ شيءٌ، فهي حِبَّةٌ؛ وقيل: الحِبَّةُ، بالكسر: بُزورُ الصَّحْراءِ، مـما ليس بقوت؛ وقيل: الحِبَّةُ: نبت يَنْبُتُ في الحَشِيشِ صِغارٌ. وفي حديثِ أَهلِ النارِ: فَيَنْبُتون كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيل السَّيْلِ؛ قالوا: الحِبَّةُ إِذا كانت حُبوب مختلفة من كلّ شيءٍ، والحَمِيلُ: مَوْضِعٌ يَحْمِلُ فيه السَّيْلُ،والجمع حِبَبٌ؛ وقيل: ما كان له
حَبٌّ من النَّباتِ، فاسْمُ ذلك الحَبِّ الحِبَّة. وقال أَبو حنيفة: الحِبَّة،
بالكسر: جميعُ بُزورِ النَّباتِ، واحدتها حَبَّةٌ، بالفتح، عن الكسائي.
قال: فأَما الحَبُّ فليس إِلا الحِنْطةَ والشَّعِيرَ، واحدتها حَبَّةٌ، بالفتح، وإِنما افْتَرَقا في الجَمْع. الجوهري: الحَبَّةُ: واحدة حَبِّ الحِنْطةِ، ونحوها من الحُبُوبِ؛ والحِبَّةُ: بَزْر كلِّ نَباتٍ يَنْبُتُ وحْدَه من غير أَن يُبْذَرَ، وكلُّ ما بُذِرَ، فبَزْرُه حَبَّة، بالفتح.
وقال ابن دريد: الحِبَّةُ، بالكسر، ما كان مِن بَزْرِ العُشْبِ. قال أَبو
زياد: إِذا تَكَسَّرَ اليَبِيسُ وتَراكَمَ، فذلك الحِبَّة، رواه عنه أَبو
حنيفة. قال: وأَنشد قَوْلَ أَبي النَّجْمِ، وَوَصَفَ إِبِلَه:
تَبَقَّلَتْ، مِن أَوَّلِ التَّبَقُّلِ، * في حِبَّةٍ جَرْفٍ وحَمْضٍ هَيْكَلِ
قال الأَزهري: ويقال لِحَبّ الرَّياحِين: حِبَّةٌ، وللواحدة منها
حَبّةٌ؛ والحِبَّةُ: حَبُّ البَقْل الذي ينْتَثِر، والحَبَّة: حَبَّةُ الطَّعام،
حَبَّةٌ من بُرٍّ وشَعِيرٍ وعَدَسٍ وأَرُزٍّ، وكل ما يأْكُله الناسُ.
قال الأَزهري: وسمعت العربَ تقول: رَعَيْنا الحِبَّةَ، وذلك في آخر الصَّيْف، إِذا هاجتِ الأَرضُ، ويَبِسَ البَقْلُ والعُشْبُ، وتَناثَرتْ بُزُورُها وَوَرَقُها، فإِذا رَعَتْها النَّعَم سَمِنَتْ عليها. قال: ورأَيتهم يسمون الحِبَّةَ، بعد الانْتثارِ، القَمِيمَ والقَفَّ؛ وتَمامُ سِمَنِ
النَّعَمِ بعد التَّبَقُّلِ، ورَعْيِ العُشْبِ، يكون بِسَفِّ الحِبَّةِ والقَمِيم. قال: ولا يقع اسم الحِبَّةِ، إِلاّ على بُزُورِ العُشْبِ والبُقُولِ البَرِّيَّةِ، وما تَناثر من ورَقِها، فاخْتَلَطَ بها، مثل القُلْقُلانِ، والبَسْباسِ، والذُّرَق، والنَّفَل، والـمُلاَّحِ، وأَصْناف أَحْرارِ البُقُولِ كلِّها وذُكُورها.
وحَبَّةُ القَلْبِ: ثَمَرتُه وسُوَيْداؤُه، وهي هَنةٌ سَوْداءُ فيه؛ وقيل: هي زَنَمةٌ في جَوْفِه. قال الأَعشى:
فأَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبِها وطِحالَها
الأَزهري: حَبَّةُ القَلْب: هي العَلَقةُ السَّوْداء، التي تكون داخِلَ
القَلْبِ، وهي حَماطةُ القلب أَيضاً. يقال: أَصابَتْ فلانةُ حَبَّةَ
قَلْبِ فُلان إِذا شَغَفَ قَلْبَه حُبُّها. وقال أَبو عمرو: الحَبَّةُ وَسَطُ
القَلْبِ.
وحَبَبُ الأَسْنانِ: تَنَضُّدُها. قال طرفة:
وإِذا تَضْحَكُ تُبْدِي حَبَباً * كَرُضابِ المِسْكِ بالماءِ الخَصِرْ
قال ابن بري، وقال غير الجوهري: الحَبَبُ طَرائقُ مِن رِيقِها، لأَنّ قَلَّةَ الرِّيقِ تكون عند تغير الفم. ورُضابُ المِسْكِ: قِطَعُه.
والحِبَبُ: ما جَرَى على الأَسْنانِ من الماءِ، كقِطَعِ القَوارِير،
وكذلك هو من الخَمْرِ، حكاه أَبو حنيفة؛ وأَنشد قول ابن أَحمر:
لَها حِبَبٌ يَرَى الرَّاؤُون منها، * كما أَدْمَيْتَ، في القَرْوِ، الغَزالا
أَراد: يَرى الرَّاؤُون منها في القَرْوِ كما أَدْمَيْتَ الغَزالا.
الأَزهري: حَبَبُ الفَمِ: ما يَتَحَبَّبُ من بَياضِ الرِّيقِ على الأَسْنانِ.
وحِبَبُ الماء وحَبَبُه، وحَبابه، بالفتح: طَرائقُه؛ وقيل: حَبابُه
نُفّاخاته وفَقاقِيعُه، التي تَطْفُو، كأَنـَّها القَوارِيرُ، وهي اليَعالِيلُ؛ وقيل: حَبابُ الماءِ مُعْظَمُه. قال
طَرفةُ:
يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيْزُومُها بِها، * كما قَسَمَ التُّرْبَ الـمُفايِلُ باليَدِ
فَدَلَّ على انه الـمُعْظَمُ. وقال ابن دريد: الحَبَبُ: حَبَبُ الماءِ،
وهو تَكَسُّره ، وهو الحَبابُ. وأَنشد الليث:
كأَنَّ صلاَ جَهِيزةَ، حِينَ قامَتْ، * حَبابُ الماءِ يَتَّبِعُ الحَبابا
ويُروى: حين تَمْشِي. لم يُشَبِّهْ صَلاها ومَآكِمَها بالفَقاقِيع،
وإِنما شَبَّهَ مَآكِمَها بالحَبابِ، الذي عليه،(1)
(1 عليه أي على الماء.)
كأَنـَّه دَرَجٌ في حَدَبةٍ؛ والصَّلا: العَجِيزةُ، وقيل: حَبابُ الماءِ
مَوْجُه، الذي يَتْبَعُ بعضُه بعضاً. قال ابن الأَعرابي، وأَنشد شمر:
سُمُوّ حَبابِ الماءِ حالاً على حالِ
قال، وقال الأَصمعي: حَبابُ الماءِ الطَّرائقُ التي في الماءِ، كأَنـَّها الوَشْيُ؛ وقال جرير:
كنَسْجِ الرِّيح تَطَّرِدُ الحَبابا
وحَبَبُ الأَسْنان: تَنَضُّدها. وأَنشد:
وإِذا تَضْحَكُ تُبْدِي حَبَباً، * كأَقاحي الرَّمْلِ عَذْباً، ذا أُشُرْ
أَبو عمرو: الحَبابُ: الطَّلُّ على الشجَر يُصْبِحُ عليه. وفي حديث
صِفةِ أَهل الجَنّةِ: يَصِيرُ طَعامُهم إِلى رَشْحٍ، مثْلِ حَباب المِسْكِ.
قال ابن الأَثير: الحَبابُ، بالفتح: الطَّلُّ الذي يُصْبِحُ على النَّباتِ،
شَبّه به رَشْحَهم مَجازاً، وأَضافَه إلى المِسْكِ ليُثْبِتَ له طِيبَ
الرَّائحةِ. قال: ويجوز أَن يكون شبَّهه بحَباب الماءِ، وهي نُفَّاخاتهُ
التي تَطْفُو عليه؛ ويقال لِمُعْظَم الماءِ حَبابٌ أَيضاً، ومنه حديث عليّ، رضي اللّه عنه، قال لأَبي بكر، رضي اللّه عنه: طِرْتَ بعُبابِها، وفُزْتَ بحَبابِها، أَي مُعْظَمِها.
وحَبابُ الرَّمْلِ وحِبَبهُ: طَرائقُه، وكذلك هما في النَّبِيذ.
والحُبُّ: الجَرَّةُ الضَّخْمةُ. والحُبُّ: الخابِيةُ؛ وقال ابن دريد: هو
الذي يُجْعَلُ فيه الماءُ، فلم يُنَوِّعْه؛ قال: وهو فارِسيّ مُعَرّب.
قال، وقال أَبو حاتم: أَصلُه حُنْبٌ، فَعُرِّبَ، والجَمْعُ أَحْبابٌ
وحِبَبةٌ(2)
(2 قوله «وحببة» ضبط في المحكم بالكسر وقال في المصباح وزان عنبة.)
وحِبابٌ. والحُبَّةُ، بالضم: الحُبُّ؛ يقال: نَعَمْ وحُبَّةً وكَرامةً؛ وقيل في تفسير الحُبِّ والكَرامةِ: إِنَّ الحُبَّ الخَشَباتُ الأَرْبَعُ التي
تُوضَعُ عليها الجَرَّةُ ذاتُ العُرْوَتَيْنِ، وإِنّ الكَرامةَ الغِطاءُ الذي
يَوضَعُ فوقَ تِلك الجَرّة، مِن خَشَبٍ كان أَو من خَزَفٍ.
والحُبابُ: الحَيَّةُ؛ وقيل: هي حَيَّةٌ ليست من العَوارِمِ. قال أَبو
عبيد: وإِنما قيل الحُبابُ اسم شَيْطانٍ، لأَنَّ الحَيَّةَ يُقال لها
شَيْطانٌ. قال:
تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ، كأَنـَّه * تَعَمُّجُ شَيْطانٍ بذِيِ خِرْوَعٍ، قَفْرِ
وبه سُمِّي الرَّجل. وفي حديثٍ: الحُبابُ شيطانٌ؛ قال ابن الأَثير: هو بالضم اسم له، ويَقَع على الحَيَّة أَيضاً، كما يقال لها شَيْطان، فهما مشتركان فيهما. وقيل: الحُبابُ حيَّة بعينها، ولذلك غُيِّرَ اسم
حُبابٍ، كراهية للشيطان.
والحِبُّ: القُرْطُ مِنْ حَبَّةٍ واحدة؛ قال ابن دُرَيْد: أَخبرنا أَبو
حاتم عن الأَصمعي أَنه سأَل جَنْدَلَ بن عُبَيْدٍ الرَّاعِي عن معنى قول أَبيه الرَّاعِي(1)
(1 قوله «الراعي» أي يصف صائداً في بيت من حجارة منضودة تبيت الحيات قريبة منه قرب قرطه لو كان له قرط تبيت الحية إلخ وقبله:
وفي بيت الصفيح أبو عيال * قليل الوفر يغتبق السمارا
يقلب بالانامـــل مرهفات * كساهنّ المناكب والظهارا
أفاده في التكملة.) :
تَبِيتُ الحَيّةُ النَّضْناضُ مِنْهُ * مَكانَ الحِبِّ، يَسْتَمِعُ السِّرارا
ما الحِبُّ؟ فقال: القُرْطُ؛ فقال: خُذُوا عن الشيخ، فإِنه عالِمٌ. قال
الأَزهريّ: وفسر غيره الحِبَّ في هذا البيت، الحَبِيبَ؛ قال: وأُراه
قَوْلَ ابن الأَعرابي.
والحُبابُ، كالحِبِّ. والتَّحَبُّبُ: أَوَّلُ الرِّيِّ.
وتَحَبَّبَ الحِمارُ وغَيْرُه: امْتَلأَ من الماءِ. قال ابن سيده: وأُرَى حَبَّبَ مَقُولةً في هذا الـمَعنى، ولا أَحُقُّها. وشَرِبَتِ الإِبلُ حتى حَبَّبَتْ: أَي تَمَلأَتْ رِيّاً. أَبو عمرو: حَبَّبْتُه فتَحَبَّبَ، إِذا مَلأْتَه للسِّقاءِ وغَيْرِه.
وحَبِيبٌ: قبيلةٌ. قال أَبو خِراش:
عَدَوْنا عَدْوةً لا شَكَّ فِيها، * وخِلْناهُمْ ذُؤَيْبةَ، أَو حَبِيبا
وذُؤَيْبة أَيضاً: قَبِيلة. وحُبَيْبٌ القُشَيْرِيُّ من شُعَرائهم.
وذَرَّى حَبّاً: اسم رجل. قال:
إِنَّ لها مُرَكَّناً إِرْزَبَّا، * كأَنه جَبْهةُ ذَرَّى حَبَّا
وحَبَّانُ، بافتح: اسم رَجل، مَوْضُوعٌ مِن الحُبِّ.
وحُبَّى، على وزن فُعْلى: اسم امرأَة. قال هُدْبةُ بن خَشْرمٍ:
فَما وَجَدَتْ وَجْدِي بها أُمُّ واحِدٍ، * ولا وَجْدَ حُبَّى بِابْنِ أُمّ كِلابِ
رضع: رَضَع الصبيُّ وغيره يَرْضِع مثال ضرب يضْرِب، لغة نجدية، ورَضِعَ
مثال سَمِع يَرْضَع رَضْعاً ورَضَعاً ورَضِعاً ورَضاعاً ورِضاعاً
ورَضاعةً ورِضاعة، فهو راضِعٌ، والجمع رُضَّع، وجمع السلامة في الأَخيرة أَكثر
على ما ذهب إِليه سيبويه في هذا البناء من الصفة؛ قال الأَصمعي: أَخبرني
عيسى بن عمر أَنه سمع العرب تنشد هذا البيت لابن همام السَّلُولي على هذه
اللغة
(*قوله «على هذه اللغة» يعني النجدية كما يفيده الصحاح.):
وذَمُّوا لنا الدُّنيا، وهم يَرْضِعُونها
أَفاوِيقَ حتّى ما يَدِرُّ لَها ثُعْلُ
وارتَضَع: كَرضِع؛ قال ابن أَحمر:
إِني رَأَيْتُ بَني سَهْمٍ وعِزَّهُمُ،
كالعَنْزِ تَعْطِفُ رَوْقَيها فَتَرْتَضِعُ
يريد تَرْضَع نفسها؛ يصِفهم باللُّؤْم والعنز تَفعل ذلك. تقول منه:
ارتضعتِ العنزُ أَي شربتْ لبن نفْسها. وفي التنزيل: والوالِداتُ يُرْضِعْن
أَولادهن حولين كاملين؛ اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى الأَمر كما تقول:
حسبُك درهم، ولفظه الخبر ومعناه معنى الأَمر كما تقول: اكْتفِ بدرهم، وكذلك
معنى الآية: لتُرْضِع الوالداتُ. وقوله: ولا جُناح عليكم أَن تسترضِعُوا
أَولادكم، أَي تطلبوا مُرْضِعة لأَولادكم. وفي الحديث حين ذكر الإِمارة
فقال: نِعمت المُرْضِعة وبِئست الفاطِمةُ، ضرب المُرْضعة مثلاً للإِمارة
وما تُوَصِّله إِلى صاحبها من الأَجْلاب يعني المنافع، والفاطمةَ مثلاً
للموت الذي يَهْدِم عليه لَذَّاتِه ويقطع مَنافِعها، قال ابن بري: وتقول
استرْضَعْتُ المرأَةَ ولدي أَي طلبت منها أَن تُرْضِعه؛ قال الله تعالى:
أَن تسترضِعُوا أَولادكم، والمفعول الثاني محذوف أَن تَسْتَرْضِعُوا
أَولادَكم مَراضِعَ، والمحذوف على الحقيقة المفعول الأَول لأَن المرضعة هي
الفاعلة بالولد، ومنه: فلان المُسْتَرْضِعُ في بني تميم، وحكى الحوفي في
البرهان في أَحد القولين أَنه متعد إِلى مفعولين، والقول الآخر أَن يكون على
حذف اللام أَي لأَولادكم. وفي حديث سويد بن غَفَلَةَ: فإِذا في عَهْد
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أَن لا يأْخذ من راضِعِ لبنٍ، أَراد بالراضع
ذاتَ الدَّرِّ واللبنِ، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره ذات راضع، فأَمّا
من غير حذف فالراضع الصغير الذي هو بعدُ يَرْتَضِع، ونَهْيُه عن أَخذها
لأَنها خِيار المال، ومن زائدة كما تقول لا تأْكل من الحرام، وقيل: هو أَن
يكون عند الرجل الشاة الواحدة أَو اللِّقْحة قد اتخذها للدَّرِّ فلا
يؤْخذ منها شيء.
وتقول: هذا أَخي من الرَّضاعة، بالفتح، وهذا رَضِيعي كما تقول هذا
أَكِيلي ورَسِيلي. وفي الحديث: أَنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: انظرن ما
إِخوانكن فإِنما الرضاعة من المَجاعَةِ؛ الرضاعة، بالفتح والكسر: الاسم
من الإِرْضاع، فأَمّا من الرَّضاعة اللُّؤْم، فالفتح لا غير؛ وتفسير
الحديث أَن الرَّضاع الذي يحرِّم النكاح إِنما هو في الصِّغَر عند جُوع
الطِّفْل، فأَما في حال الكِبَر فلا يريد أَنّ رَضاع الكبير لا يُحرِّم. قال
الأَزهري: الرَّضاع الذي يحرِّم رَضاعُ الصبي لأَنه يُشْبعه ويَغْذُوه
ويُسكن جَوْعَتَه، فأَما الكبير فرَضاعه لا يُحَرِّمُ لأَنه لا ينفعه من
جُوع ولا يُغنيه من طعام ولا يَغْذوه اللبنُ كما يَغذُو الصغير الذي حياته
به.
قال الأَزهري: وقرأْت بخط شمر رُبّ غُلام يُراضَع، قال: والمُراضَعةُ
أَن يَرضع الطفل أُمه وفي بطنها ولد. قال: ويقال لذلك الولد الذي في بطنها
مُراضَع ويجيء نَحِيلاً ضاوياً سَيِّء الغِذاء. وراضَع فلان ابنه أَي
دَفَعه إِلى الظِّئر؛ قال رؤبة:
إِنَّ تَمِيماً لم يُراضَعْ مُسْبَعا،
ولم تَلِدْهُ أُمُّه مُقَنَّعا
أَي ولدته مَكْشُوف الأَمر ليس عليه غِطاء، وأَرضعته أُمه. والرَّضِيعُ:
المُرْضَع. وراضَعه مُراضَعة ورِضاعاً: رَضَع معه. والرَّضِيعُ:
المُراضِع، والجمع رُضَعاء. وامرأَة مُرْضِع: ذاتُ رَضِيع أَو لبنِ رَضاعٍ؛ قال
امرؤ القيس:
فَمِثْلِكِ حُبْلَى، قد طَرَقْتُ، ومُرْضِعٍ،
فأَلْهَيْتُها عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُغْيِلِ
والجمع مَراضِيع على ما ذهب إِليه سيبويه في هذا النحو. وقال ثعلب:
المُرْضِعة التي تُرْضِع، وإِن لم يكن لها ولد أَو كان لها ولد. والمُرْضِع:
التي ليس معها ولد وقد يكون معها ولد. وقال مرة: إِذا أَدخل الهاء أَراد
الفعل وجعله نعتاً، وإِذا لم يدخل الهاء أَراد الاسم؛ واستعار أَبو ذؤَيب
المَراضيع للنحل فقال:
تَظَلُّ على الثَّمْراء منها جَوارِسٌ،
مَراضِيعُ صُهْبُ الرِّيشِ، زُغْبٌ رِقابُها
والرَّضَعُ: صِغارُ النحل، واحدتها رَضَعة. وفي التنزيل: يوم تَرَوْنها
تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعةٍ عما أَرْضَعَت؛ اختلف النحويون في دخول الهاء
في المُرْضِعة فقال الفراء: المُرْضِعة والمُرْضِعُ التي معها صبيٌّ
تُرْضِعه، قال: ولو قيل في الأُم مُرْضِع لأَن الرَّضاع لا يكون إِلا من
الإِناث كما قالوا امرأَة حائض وطامث كان وجهاً، قال: ولو قيل في التي معها
صبي مُرضعة كان صواباً؛ وقال الأَخفش: أَدخل الهاء في المُرْضِعة لأَنه
أَراد، والله أَعلم، الفِعْل ولو أَراد الصفة لقال مرضع؛ وقال أَبو زيد:
المرضعة التي تُرْضِع وثَدْيُها في ولدها، وعليه قوله: تذهل كلّ مرضعة، قال:
وكلُّ مرضعة كلُّ أُم. قال: والمرضع التي دنا لها أَن تُرْضِع ولم
تُرْضِع بعد. والمُرْضِع: التي معها الصبي الرضيع. وقال الخليل: امرأَة
مُرْضِعٌ ذات رَضِيع كما يقال امرأَة مُطْفِلٌ ذات طِفْل، بلا هاء، لأَنك تصفها
بفعل منها واقع أَو لازم، فإِذا وصفتها بفعل هي تفعله قلت مُفْعِلة
كقوله تعالى: تذهل كل مرضعة عما أَرضعت، وصفها بالفعل فأَدخل الهاء في
نَعْتِها، ولو وصفها بأَن معها رضيعاً قال: كل مُرْضِع. قال ابن بري: أَما
مرضِع فهو على النسب أَي ذات رَضِيع كما تقول ظَبْيَةٌ مُشْدِنٌ أَي ذات
شادِن؛ وعليه قول امرئ القيس:
فمثْلِكِ حُبْلى، قد طَرَقْتُ، ومُرْضِعٍ
فهذا على النسب وليس جارياً على الفعل كما تقول: رجل دَارِعٌ وتارِسٌ،
معه دِرْع وتُرْسٌ، ولا يقال منه دَرِعٌ ولا تَرِسٌ، فلذلك يقدر في مرضع
أَنه ليس بجار على الفعل وإِن كان قد استعمل منه الفعل، وقد يجيءُ مُرْضِع
على معنى ذات إِرضاع أَي لها لبن وإِن لم يكن لها رَضِيع، وجمع
المُرْضِع مَراضِعُ؛ قال سبحانه: وحرَّمْنا عليه المَراضِعَ من قَبْلُ؛ وقال
الهذلي:
ويأْوي إِلى نِسْوةٍ عُطُلٍ،
وشُعْثٍ مَراضيعَ مِثلِ السَّعالي
والرَّضُوعةُ: التي تُرْضِع ولدها، وخصّ أَبو عبيد به الشاة.
ورضُعَ الرجل يَرْضُع رَضاعة، فهو رَضِيعٌ راضع أَي لئيم، والجمع
الرّاضِعون. ولئيمٌ راضع: يَرْضع الإِبل والغنم من ضروعها بغير إِناء من لؤْمه
إِذا نزل به ضيف، لئلا يسمع صوت الشُّخْب فيطلب اللبن، وقيل: هو الذي
رَضَع اللُّؤْم من ثَدْي أُمه، يريد أَنه وُلد في اللؤْم، وقيل: هو الذي
يأْكل خُلالته شَرَهاً من لؤْمه حتى لا يفوته شيء. ابن الأَعرابي: الراضع
والرَّضيع الخَسيس من الأَعراب الذي إِذا نزل به الضيف رَضَع بفيه شاته
لئلا يسمعه الضيف، يقال منه: رَضُع يَرْضُع رَضاعةً، وقيل ذلك لكل لئيم إِذا
أَرادوا توكيد لؤْمه والمبالغة في ذمِّه كأَنه كالشيء يُطْبَع عليه،
والاسم الرَّضَع والرضِعُ، وقيل: الراضع الذي يَرْضَع الشاة أَو الناقة قبل
أَن يَحْلُبَها من جَشَعِه، وقيل: الراضع الذي لا يُمْسِك معه مِحْلَباً،
فإِذا سُئل اللبنَ اعتلَّ بأَنه لا مِحْلب له، وإِذا أَراد الشرب رضع
حَلوبته. وفي حديث أَبي مَيْسَرةَ، رضي الله عنه: لو رأَيت رجلاً يَرْضَع
فَسَخِرت منه خَشِيت أَن أَكون مثله، أَي يَرْضَع الغنم من ضُروعها ولا
يَحْلُب اللبن في الإِناء لِلُؤْمه أَي لو عَيَّرْتُه بهذا لخشيت أَن
أُبْتَلَى به. وفي حديث ثَقِيف: أَسْلَمها الرُّضّاع وتركوا المِصاع؛ قال ابن
الأَثير: الرُّضّاع جمع راضع وهو اللئيم، سمي به لأَنه للؤْمه يَرْضَع
إِبله أَو غنَمه لئلا يُسْمع صوتُ حَلبه، وقيل: لأَنه يَرْضَع الناسَ أَي
يسأَلهم. والمِصاعُ: المُضاربة بالسيف؛ ومنه حديث سلَمة، رضي الله عنه:
خُذْها، وأَنا ابنُ الأَكْوع،
واليَومُ يَوْمُ الرُّضَّع
جمع راضع كشاهد وشُهَّد، أَي خذ الرَّمْيةَ مني واليومُ يومُ هَلاك
اللِّئام؛ ومنه رجز يروى لفاطمة، رضي الله عنها:
ما بيَ من لُؤْمٍ ولا رَضاعه
والفعل منه رَضُع، بالضم، وأَما الذي في حديث قُسٍّ: رَضيع أَيْهُقانٍ،
قال ابن الأَثير: فَعِيل بمعنى مفعول، يعني أَن النعام في ذلك المكان
تَرْتَع هذا النبت وتَمَصُّه بمنزلة اللبن لشدة نعومته وكثرة مائه، ويروى
بالصاد المهملة وقد تقدم.
والراضِعتان: الثَّنِيَّتان المتقدمتان اللتان يُشرب عليهما اللبن،
وقيل: الرَّواضِعُ ما نبت من أَسنان الصبي ثم سقط في عهد الرضاع، يقال منه:
سقطت رواضعه، وقيل: الرواضع ست من أَعلى الفم وست من أَسفله. والراضعةُ:
كلُّ سِنٍّ تُثْغَر.
والرَّضُوعةُ من الغنم: التي تُرضِع؛ وقول جرير:
ويَرْضَعُ مَن لاقَى، وإِن يَرَ مُقْعَداً
يَقُود بأَعْمَى، فالفَرَزْدَقُ سائِلُهْ
(* رواية ديوان جرير: وإِن يلقَ مقعداً.)
فسره ابن الأَعرابي أَن معناه يَسْتَعْطِيه ويطلبُ منه أَي لو رأَى هذا
لَسَأَلَهُ، وهذا لا يكون لأَن المُقعد لا يقدر أَن يقوم فيَقودَ
الأَعمى.والرَّضَعُ: سِفاد الطائر؛ عن كراع، والمعروف بالصاد المهملة.
كحل: الكُحْل: ما يكتحل به. قال ابن سيده: الكُحْل ما وُضِع في العين
يُشتَفى به، كَحَلَها يَكْحَلها ويَكْحُلها كَحْلاً، فهي مَكْحولة وكَحِيل،
من أَعين كُحْلاء وكَحائل؛ عن اللحياني؛ وكَحَّلَها، أَنشد ثعلب:
فمَا لك بالسُّلْطان أَن تَحْمِل القَذَى
جُفُونُ عُيون، بالقَذَى لم تُكَحَّل
وقد اكْتَحَل وتَكَحَّل.
والمِكْحال: المِيلُ تكحل به العين من المُكْحُلة؛ قال ابن سيده:
المِكْحَل والمِكْحَال الآلة التي يُكْتَحَل بها؛ وقال الجوهري: المِكْحَل
والمِكْحال المُلْمُول الذي يُكْتَحَل به؛ قال الشاعر:
إِذا الفَتَى لم يَرْكَب الأَهْوالا،
وخالَفَ الأَعْمام والأَخْوالا
فأَعْطِهِ المرآة والمِكْحَالا،
واسْعَ له وعُدَّه عِيَالا
وتَمَكْحَل الرجل إِذا أَخذ مُكْحُلة. والمُكْحُلة: الوِعاء، أَحد ما
شذَّ مما يرتَِفق به فجاء على مُفْعُل وبابه مِفْعَل، ونظيره المُدْهُن
والمُسْعُط؛ قال سيبويه: وليس على المكان إِذ لو كان عليه لفتح لأَنه من
يَفْعُ، قال ابن السكيت: ما كان على مِفْعَل ومِفْعَلة مما يعمل به فهو
مكسور الميم مثل مِخْرَز ومِبْضَع ومِسَلَّة ومِزْرَعة ومِخْلاة، إِلا
أَحرفاً جاءت نوادر بضم الميم والعين وهي: مُسْعُط ومُنْخُل ومُدْهُن ومُكْحُلة
ومُنْصُل؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي قال وهو للبيد فيما زعموا:
كَمِيش الإِزار يَكْحُل العين إِثْمداً،
ويغدو علينا مُسْفِراً غيرَ واجِم
فسره فقال: معنى يكْحُل العين إِثْمداً أَنه يركب فحمة الليل وسواده.
الأَزهري: الكَحَل مصدر الأَكْحَل والكَحْلاء من الرجال والنساء؛ قال
ابن سيده: والكحَل في العين أَن يَعْلُو مَنابت الأَسْفار سواد مثل الكُحْل
من غير كَحْل، رجل أَكْحَل بيِّن الكَحَل وكَحِيل وقد كَحِل، وقيل:
الكَحَل في العين أَن تسودّ مواضع الكُحْل، وقيل: الكَحْلاء الشديدة السواد،
وقيل: هي التي تراها كأَنها مَكْحولة وإِن لم تُكْحَل؛ وأَنشد:
كأَنَّ بها كُحْلاً وإِن لم تُكَحَّل
الفراء: يقال عين كَحيلٌ، بغير هاء، أَي مَكْحولة. وفي صفته، صلى الله
عليه وسلم، في عينه كَحَل؛ الكَحَل، بفتحتين: سواد في أَجفان العين
(*
قوله «في اجفان العين» صوابه في اشفار العين كما في هامش الأصل) خلقة . وفي
حديث أَهل الجنة: جُرْد مُرْد كَحْلى؛ كَحْلى: جمع كَحيل مثل قتيل وقتلى.
وفي حديث المُلاعَنة: إِن جاءت به أَدْعَج أَكْحَل العينين. والكَحْلاء
من النعاج: البيضاء السوداء العينين. وجاء من المال بكُحْل عَيْنيْن أَي
بقدر ما يملؤهما أَو يغَشِّي سوادهما.
أَبو عبيد: ويقال لفلان كُحْل ولفلان سَواد أَي مال كثير. قال: وكان
الأَصمعس يتأَول في سَواد العراق أَنه سمي به للكثرة؛ قال الأَزهري: وأَما
أَنا فأَحسبه للخُضْرة. ويقال: مضى لفلان كُحْل أَي مال كثير.
والكَحْلة: خرزة سواد تجعل على الصبيان. وهي خرزة العين والنفس تجعل من
الجن والإِنس، فيها لونان بياض وسواد كالرُّبِّ والسَّمْن إِذا اختلطا،
وقيل: هي خرزة تُستعطَف بها الرجال؛ وقال اللحياني: هي خرزة تُؤخِّذ بها
النساءُ الرجال.
وكُحْل العُشْبِ: أَن يُرَى النبت في الأُصول الكبار وفي الحشيش
مخضَرّاً إِذا كان قد أُكل، ولا يقال ذلك في العِضاه. واكْتَحَلَت الأَرض
بالخُضْرة وكَحَّلَت وتَكَحَّلَت وأَكْحَلَت واكْحالَّت: وذلك حين تُرِي
أَوَّلَ خضرةِ النبات.
والكَحْلاء: عُشْبة رَوْضِيَّة سوداء اللَّوْن ذات ورَق وقُضُب، ولها
بُطون حمر وعِرْق أَحمر ينبت بنَجْد في أَحْويَةِ الرَّمْل. وقال أَبو
حنيفة: الكَحْلاء عُشْبة سُهْلية تنبُت على ساقٍ، ولها أَفْنان قليلة ليِّنة
وورَق كورَق الرَّيْحان اللِّطاف خضرٌ ووَرْدة ناضرة، لا يرعاها شيء
ولكنها حسنة المَنْظَر؛ قال ابن بري: الكَحْلاء نبت ترعاه النحل؛ قال الجعدي
في صفة النحل:
قُرْع الرُّؤوس لصَوْتها جَرْسٌ،
في النَّبْع والكحْلاء والسِّدْر
والإِكْحال والكَحْل: شدَّة المَحْل. يقال: أَصابهم كَحْل ومَحْل.
وكَحْلُ: السنة الشديدة، تصرف ولا تصرف على ما يجب في هذا الضرْب من المؤنث
العلم؛ قال سلامة بن جندل:
قومٌ، إِذا صَرَّحت كَحْلٌ، بُيوتُهُمُ
مأْوَى الضَّرِيكِ، ومأْوَى كلِّ قُرْضُوب
فأَجراه الشاعرُ لحاجته إِلى إِجْرائه؛ القُرْضوب ههنا: الفقير. ويقال:
صٍرَّحت كَحْلُ إِذا لم يكن في السماء غَيْم. وحكى أَبو عبيد وأَبو حنيفة
فيها الكَحْل، وبالأَلف واللام، وكرهه بعضهم. الجوهري: يقال للسنة
المجدبة كَحْل، وهي معرفة لا تدخلها الأَلف واللام. وكَحَلَتْهم السِّنون:
أَصابتهم؛ قال:
لَسْنا كأَقْوامٍ إِذا كَحَلَتْ
إِحدى السِّنين، فَجارُهم تَمْرُ
يقول: يأْكلون جارَهم كما يؤكل التمر. وقال أَبو حنيفة: كَحَلَت السنةُ
تَكْحَل كَحْلاً إِذا اشتدَّت. الفراء: اكْتَحَل الرجل إِذا وقع بشدَّة
بعد رخاء. ومن أَمثالهم: باءت عَرَارِ بِكَحْلٍ؛ إِذا قُتِل القاتل
بمقتولة. يقال: كانتا بَقَرَتين في بني إِسرائيل قُتلت إِحداهما بالأُخرى؛ قال
الأَزهري: من أَمثال العرب القديمة قولهم في التساوي: باءتْ عَرارِ
بكَحْلٍ؛ قال ابن بري: كَحْل اسم بقرة بمنزلة دَعْد، يصرف ولا يصرف، فشاهد
الصرف قول ابن عنقاء الفزاري:
باءتْ عَرارٌ بكَحْلٍ والرِّفاق معاً،
فلا تَمَنَّوْا أَمانيَّ الأَباطِيل
وشاهد ترك الصرف قول عبد الله بن الحجاج الثعلبي من بني ثعلبة بن ذبيان:
باءتْ عَرارِ بكَحْل فيما بيننا،
والحقُّ يعرِفه ذَوُو الأَلباب
وكَحْلَةُ: من أَسماء السماء. قال الفارسي: وتأَلَّهَ قيس بن نُشْبة في
الجاهلية وكان مُنَجِّماً متفلسِفاً يخبر بمبعث النبي، صلى الله عليه
وسلم، فلما بعث أَتاه قيس فقال له: يا محمد ما كَحْلة؟ فقال: السماء، فقال:
ما مَحْلة؟ فقال: الأَرض، فقال: أَشهد أَنك الرسول الله فإِنَّا قد وجدنا
في بعض الكتب أَنه لا يعرف هذا إِلاَّ نبيّ؛ وقد يقال لها الكَحْل، قال
الأُموي: كَحْلٌ السماء؛ وأَنشد للكميت:
إِذا ما المراضِيعُ الخِماصُ تأَوَّهَتْ،
ولم تَنْدَ من أَنْواءِ كَحْلٍ جَنُوبها
والأَكْحَل: عِرْق في اليد يُفْصَد، قال: ولا يقال عرق الأَكْحَل. قال
ابن سيده: يقال له النَّسا في الفخِذ، وفي الظهر الأَبْهَرَ، وقيل:
الأَكْحَل عِرْق الحياة يُدْعى نَهْرَ البدَن، وفي كل عضو منه شعبة لها اسم على
حِدَة، فإِذا قطع في اليد لم يَرْقإِ الدمُ. وفي الحديث: أَن سعداً رمي
في أَكْحَله؛ الأَكْحَل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده.
والمِكْحالان: عظمان شاخِصان مما يلي باطنَ الذراعين من مركبهما، وقيل:
هما في أَسفل باطن الذراع، وقيل: هما عَظْما الوَرِكين من الفرس.
والكُحَيْل، مبني على التصغير: الذي تطلى به الإِبل للجرَب، لا يستعمل
إِلاَّ مصغَّراً؛ قال الشاعر:
مثل الكُحَيْل أَو عَقِيد الرُّبِّ
قيل: هو النِّفْط والقَطِران، إِنما يطلى به لِلدَّبَر والقِرْدان
وأَشباه ذلك؛ قال علي بن حمزة: هذا من مشهور غلط الأَصمعي لأَن النِّفْط لا
يطلى به للجرَب وإِنما يطلى بالقَطِران، وليس القَطِران مخصوصاً بالدَّبَر
والقِرْدان كما ذكر؛ ويفسد ذلك قول القَطِران الشاعر:
أَنا القَطِران والشُّعَراءُ جَرْبى،
وفي القَطِران للجَرْبى شِفاءُ
وكذلك قول القُلاَّخ المِنْقَري:
إِني أَنا القَطِرانُ أَشْفي ذا الجَرَبْ
وكُحَيْلَةُ وكُحْل: موضعان.