Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: رع

أصل القياس

أصل القياس: هو عند أكثر علماء الفقه والأصول محل الحكم المنصوص عليه كما إذا قيس الأَرزُّ على البُرِّ في تحريم بيعه بجنسه متفاضلاً وكان الأصل هو البر عندهم.
أصل القياس:
[في الانكليزية] Origin syllogism
[ في الفرنسية] Syllogisme d'origine
هو عند أكثر علماء الفقه والأصول هو محل الحكم المنصوص عليه كما إذا قيس الأرز على البرّ في تحريم بيعه بجنسه متفاضلا، كأن الأصل هو البرّ عندهم لأن الأصل ما كان حكم الفــرع مقيسا عليه ومردودا إليه وذلك هو البرّ في هذا المثال.
وعند المتكلّمين هو الدليل الدّالّ على الحكم المنصوص عليه من نصّ أو إجماع كقوله عليه السلام: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل» في هذا المثال لأنّ الأصل ما يتفــرّع عليه غيره، والحكم المنصوص عليه متفــرّع على النص، فكأنّ النصّ هو الأصل.
وذهب طائفة إلى أنّ الأصل هو الحكم في المحل المنصوص عليه لأنّ الأصل ما ابتنى عليه غيره فكان العلم به موصلا إلى العلم أو الظنّ بغيره، وهذه الخاصية موجودة في الحكم لا في المحل لأن حكم الفــرع لا يتفــرّع على المحل، ولا في النص والإجماع إذ لو تصوّر العلم بالحكم في المحل دونهما بدليل عقلي أو ضرورة أمكن القياس فلم يكن النص أصلا للقياس أيضا؛ وهذا النزاع لفظي لإمكان إطلاق الأصل على كلّ واحد منها لبناء حكم الفــرع على الحكم في المحل المنصوص عليه وعلى المحل وعلى النص، لأن كلّ واحد أصله، وأصل الأصل أصل، لكن الأشبه أن يكون الأصل هو المحل كما هو مذهب الجمهور، لأن الأصل يطلق على ما يبتني عليه غيره وعلى ما يفتقر إليه غيره، ويستقيم إطلاقه على المحل بالمعنيين. أمّا بالمعنى الأول فلما قلنا، وأمّا بالمعنى الثاني فلافتقار الحكم ودليله إلى المحلّ، ضرورة من غير عكس، لأن المحل غير مفتقر إلى الحكم ولا إلى دليله، ولأن المطلوب في باب القياس بيان الأصل الذي يقابل الفــرع في التركيب القياسي، ولا شك أنه بهذا الاعتبار هو المحل. وأما الفــرع فهو المحل المشبّه عند الأكثر كالأرزّ في المثال المذكور.
وعند الباقين هو الحكم الثابت فيه بالقياس كتحريم البيع بجنسه متفاضلا وهذا أولى لأنه الذي يبتني على الغير ويفتقر إليه دون المحل، إلّا أنهم لمّا سمّوا المحل المشبّه به أصلا سمّوا المحلّ الآخر المشبّه فــرعــا، كذا في بعض شرح الحسامي.

قنن

قنن
: ( {القَنُّ: تَتَبُّعُ الأَخْبارِ؛ قيلَ: الصَّوابُ فِيهِ القسُّ بالسِّيْن.
(والقَنُّ: (التَّفَقُّدُ بالبَصَرِ؛ وَمِنْه} القِنْقِنُ {والقُناقِنُ للمُهَنْدِسِ.
(والقَنُّ: (الضَّرْبُ بالعَصا، قيل: الصَّوابُ فِيهِ القفنُ.
(} والقُنُّ، (بالضَّمِّ: الجَبَلُ الصَّغيرُ؛ وَفِي بعضِ النسخِ: الحَبْلُ بالحاءِ المُهْمَلةِ وسكونِ الموحَّدَةِ.
(! والقِنُّ، (بالكسْرِ: عَبْدٌ مُلِكَ هُوَ وأَبَواهُ للواحِدِ والجَمْعِ والمُؤَنَّثِ.
قالَ ابنُ سِيدَه: هَذَا الأَعْرَفُ، (أَو يُجْمَعُ {أَقْناناً} وأَقِنَّةً، الأَخيرَةُ نادِرَةً؛ قالَ جريرٌ:
إنَّ سَلِيطاً فِي الخَسَارِ إِنَّهْأَبْناءُ قوْمٍ خُلِقُوا {أَقِنَّهْ (أَو هُوَ الخالِصُ العُبودَةِ بَيِّنُ} القُنُونَةِ {والقَنانَةِ؛ عَن ابنِ الأَعْرابيِّ؛ وَعَن اللّحْيانيِّ: بَيِّنُ} القَنانَةِ أَو {القِنَانَةِ.
(أَو الَّذِي وُلِدَ عنْدَكَ وَلَا تَسْتَطِيعُ إخْراجَه عَنْكَ؛ عَن اللّحْيانيّ.
وحُكِي عَن الأصْمعيِّ: لسْنا بعَبيدِ} قِنَ ولكنَّا عَبيدُ مَمْلُكة، مُضافَانِ جَمِيعاً.
وقالَ أَبو طالِبٍ: قوْلُهم عبدٌ قِنٌّ، قالَ الأصْمعيُّ: {القِنُّ الَّذِي كانَ أَبُوهُ مَمْلوكاً لمَوالِيه، فَإِذا لم يكنْ كذلِكَ فَهُوَ عبدُ مَمْلَكةٍ، وكأنَّ القِنَّ مأْخُوذٌ من القِنْيَةِ وَهِي المِلْكُ.
قالَ الأزْهرِيُّ: ومِثْلُه الضِّحُّ لنُورِ الشمْسِ وأَصْلُه ضِحْيٌ.
وقالَ ثَعْلَب: مَنْ مُلِكَ وأَبَواهُ من} القُنَانِ وَهُوَ الكُمُّ يقولُ: كأَنَّه كُمِّه هُوَ وأَبَواهُ.
( {والقِنَّةُ، بالكسْرِ: (قُوَّةٌ من قُوَى الحَبْلِ، أَو يَخُصُّ القُوَّةَ من قُوَى حَبْلِ (اللِّيفِ.
قالَ الأصْمعيُّ: وأَنْشَدَنا أَبو القَعْقاعِ اليَشْكُري:
يَصْفَحُ} للقِنَّةِ وَجْهاً جَأْبَاصَفحَ ذِراعَيْه لعَظْمٍ كَلْب اوالجَمْعُ {قِنَنٌ.
وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي مُسْتشْهداً بِهِ على} القِنَّةِ ضَرْبٍ من الأَدْوِيَةِ.
((و) ! القِنَّةُ: (دَواءٌ م) مَعْروفٌ (فارِسِيَّتُه بيرْزَدْ؛ بكسْرِ الباءِ الفارِسِيَّةِ؛ (مُدِرٌّ مُحَلِّلٌ، مفَشَ للرِّياحِ، نافِعٌ من الإِعْياءِ والكُزَازِ والصَّــرْعِ والصُّداعِ والسَّدَدِ (ووَجَعِ السِّنِّ المُتَأكِّلَةِ والأُذُنِ واخْتِنَاقِ الرَّحِمِ تِرْياقٌ للسِّهامِ المَسْمومَةِ ولجميعِ السُّمومِ، ودُخانُه يَطْرُدُ الهَوَامَّ.
((و) {القُنَّةُ، (بالضمِّ: الجَبَلُ الصَّغيرُ.
(وأَيْضاً: (قُلَّةُ الجَبَلِ، وَهُوَ أَعْلاهُ، زِنَةً ومعْنًى.
(وقيلَ: هُوَ (المُنْفَرِدُ المُسْتَطِيلُ فِي السَّماءِ وَلَا يكونُ إلاَّ أَسْوَدَ.
وَفِي المُحْكَمِ: وَلَا تكونُ القُلَّةُ إلاَّ سَوْداءَ.
(أَو الجَبَلُ السَّهْلُ المُسْتَوِي المُنْبَسِطُ على الأَرضِ؛ ج} قُنَنٌ) ، كصُرَدٍ، ( {وقِنانٌ، بالكسْرِ، (} وقُنُونٌ، بالضَّمِّ، {وقُنَّاتٌ؛ وشاهِدُ} قِنانٌ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
كأنَّنا {والقِنانَ القُودَ يَحْمِلُنامَوْجُ الفُراتِ إِذا الْتَجَّ الدَّيامِيم ُوشاهِدُ} قُنُونٌ، أَنْشَدَه ثَعْلَب:
وهَمَّ رَعْــنُ الآلِ أَنْ يكونابَحْراً يَكُبُّ الحوتَ والسَّفِيناتَخالُ فِيهِ {القُنَّةَ} القُنُونا (و) {قُنَّةُ: (ع قُرْبَ جَوْمَةِ الدَّرَّاجِ وبينَ حَوْمانَة وبَيْنَ أَفْراق الغرَّاف.
(} واقْتَنَّ، كاحْمَرَّ: (انْتَصَبَ. يقالُ: {اقْتَنَّ الوَعِلُ: إِذا انْتَصَبَ على} القُنَّةِ؛ أَنْشَدَ الأصْمعيُّ لأبي الأَخْزَرِ الحِمَّانيّ:
لَا تَحْسَبِي عَضَّ النُّسُوعِ الأُزَّمِوالرَّحْلَ {يَقْتَنُّ} اقْتِنانَ الأَعْصَم ِسَوْفَكِ أَطْرافَ النَّصِيِّ الأَنْعَمِوقالَ يَزيدُ بنُ الأَعْورِ الشَّنِّيُّ:
كالصَّدَعِ الأَعْصمِ لما! اقْتَنَّا ( {كاقْتَأَنَّ، كاقْشَعَرِّ، والهَمْزَةُ زائِدَةٌ، ومَوْضِعُ ذِكْرِه فِي قتن، وَقد تقدَّمَ، وَهُوَ مِثْلُ كَبَنَ واكْبَأَنَّ.
(و} اقْتَنَّ:.
(واتَّخَذَ {قِنّاً) ؛ عَن اللّحْيانيِّ.
((و) } اقْتَنَّ: (سَكَتَ مطرقاً.
( {والقُنَانُ، كغُرابٍ رِيحُ الإِبْطِ عامَّةً؛ وقيلَ: هُوَ أَشَدُّ مَا يكونُ مِنْهُ.
قالَ الأزْهرِيُّ: هُوَ (الصُّنَانُ عنْدَ الناسِ، وَلَا أَعْرِفُ القُنانَ.
((و) } القُنَانُ: (كُمُّ القَميصِ، يَمانِيَّةٌ، ( {كالقَنانِ، بالفتْحِ، هَكَذَا فِي النسخِ والصَّوابُ} كالقُنِّ بالضَّمِّ.
((و) {قَنَانُ، (بالفتْحِ: اسمُ مَلِكٍ كانَ يأْخُذُ كلَّ سَفينَةٍ غَصْباً؛ وضَبَطَه الرَّضيّ الشَّاطبيُّ بالضَّمِّ.
(أَو هُوَ هُدَدُ بنُ بُدَدَ.
وَفِي تَفْسيرِ البَيْضاوي: اسْمُه جُلُنْدي بنُ كركر؛ وقيلَ: مغولةُ بنُ جُلُنْدي الأَزدِيُّ.
((و) } قَنَانٌ: (جَبَلٌ لأسَدٍ بآل نَجْدٍ؛ قالَ زهيرٌ:
جَعَلْن {القَنانَ عَن يَمِينٍ وحَزْنَهُوكم} بالقَنانِ من مُحِلَ ومُحْرِمِ (وأَبو {قَنَانٍ: عابدٌ تَمِيمِيٌّ.
(} والقِنِّينُ، كسِكِّينٍ: الطُّنْبُورُ بالحَبَشِيَّةِ؛ عَن ابنِ الأَعْرابيِّ.
وقالَ الزَّجَّاجيُّ: طُنْبُورُ الحَبَشَةِ. وَمِنْه الحدِيثُ: (إنَّ اللهَ حرَّم الخَمْرَ والكُوبَة {والقِنِّينَ) .
(وقالَ ابنُ قُتَيْبَةَ:} القِنِّينُ: (لُعْبةٌ للرُّومِ يُتَقامَرُ بهَا؛ وَبِه فُسِّرَ الحدِيثُ.
(وابنُ! القُنِّيِّ، بالضَّمِّ: مُحدِّثٌ؛ وَهُوَ أَبو مُعاذ عبدُ الغالِبِ بنُ جَعْفَرٍ الضَّراب، سَمِعَ محمدَ بنِ إسْماعيل الوَرَّاق، وَعنهُ الخَطِيبُ؛ وابْنُه عليّ.
قالَ الخَطِيبُ: سَمِعَ ببَغْدادَ أَبا أَحمدَ الفَرَضِيَّ وأَبا الصَّلْت الْمُجبر، وبدِمَشْقَ: عَبْد الرَّحمان بن أَبي نَصْر، وبمِصْرَ: ابْن النحَّاس، ورَافَقَني إِلَى خُراسانَ.
( {والقَانونُ: مِقْياسُ كلِّ شيءٍ وطَرِيقُه، (ج} قَوانِينُ؛ قيلَ: رُومِيَّةٌ؛ وقيلَ: فارِسِيَّةٌ.
وَفِي المُحْكَم: أُرَاها دَخِيلةً.
وَفِي الإِصْطِلاحِ: أَمْرٌ كُلِّيٌّ يَنْطَبقُ على جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِه الَّتِي تَتَعرَّف أَحْكامَها مِنْهُ كقَوْلِ النُّحاة الفاعِلُ مَرْفوعٌ والمَفْعولُ مَنْصوبٌ.
((و) {قانونُ: (ع بينَ دِمَشْقَ وبَعْلَبَكَّ، عَن نَصْر.
(} والقُناقِنُ، بالضَّمِّ: البَصيرُ بالماءِ فِي حَفْرِ القُنِيِّ.
وقيلَ: هُوَ البَصيرُ بالماءِ تَحْت الأرْضِ، (ج {قَناقِنُ، (بالفتْحِ.
وقالَ ابنُ الأعْرابيِّ: القُناقِنُ البَصيرُ بحَفْرِ المِياهِ واسْتْخراجِها؛ قالَ الطرمَّاحُ:
يُخافِتْنَ بعضَ المَضْغ من خَشْيةِ الرَّدَى ويُنْصِتْنَ للسَّمْعِ اسْتِماعَ} القَناقِنِ {القُناقِنُ: المُهَنْدسُ الَّذِي يَعْرفُ مَوْضِعَ الماءِ تَحْتَ الأرْضِ؛ وأَصْلُه بالفارِسِيَّةِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ مُشْتَقٌّ مِن الحَفْرِ من قَوْلِهم بالفارِسِيَّةِ كِنْ كِنْ، أَي احْفِرْ احْفِرْ.
سُئِلَ ابنُ عبَّاس، رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لمَ تَفَقَّدَ سُلَيْمنُ الهُدْهُدَ من بَيْنِ الطَّيْرِ؟ قالَ: لأنَّه كانَ} قُناقِناً يَعْرفُ مَواضِعَ الماءِ تَحْتَ الأرْضِ.
وقيلَ:! القُناقِنُ: هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ فيَعْرفُ مقدارَ الماءِ فِي البِئْرِ قَرِيباً أَو بَعِيداً.
( {والقِنْقِنُ، بالكسْرِ: (صَدَفٌ بَحْرِيٌّ، الواحِدَةُ} قِنْقِنَةُ (بهاءٍ.
((و) {القِنْقِنُ: (جُرَذٌ كِبارٌ.
((و) } القِنْقِنُ: (الدَّليلُ الهادِي البَصيرُ.
( {واسْتَقَنَّ: أَقامَ مَعَ غَنَمِه يَشْرَبُ أَلْبانَها ويكونُ مَعهَا حيثُ ذَهَبَتْ؛ قالَ الأعْلَم الهُذَليُّ:
فَشايعْ وَسْطَ ذَوْدِكَ} مُسْتَقِنّاً لتُحْسَب سَيِّداً ضَبُعاً تَنُولُقالَ الأَزْهرِيُّ: أَي مُسْتَخْدِماً امْرأَةً كأنَّها ضَبُعٌ؛ ويُرْوَى: مُقْتَئِنّاً ومُقْبَئِنّاً.
((و) {اسْتَقَنَّ (بالأَمْرِ: اسْتَقَلَّ، النُّونُ بَدَلٌ عَن اللامِ.
(} والقَنَنُ: السَّنَنُ، زِنَةٌ ومعْنًى وكذلِكَ القَمَنُ بالميمِ.
( {والقِنِّينَةُ، كسِكِّينَةٍ: إناءٌ من زُجاجٍ للشَّرابِ، وَلم يُقيِّدْه الجَوْهرِيُّ بالزجَّاجِ، والجَمْعُ} قِنَانٌ، نادِرٌ.
وقيلَ: وِعاءٌ يُتَّخَذُ من خَيْزُرانٍ أَو قُضْبانٍ قد فُصِلَ داخِلُه بحَواجِزَ بينَ مَواضِع الآنِيَةِ على صيغَةِ القَشْوةِ.
( {والقِنَّانَةُ، بالكسْرِ والتَّشْديدِ: (نَهْرٌ بسَوادِ العِراقِ.
(} وقَنُوناً، بضمِّ النونِ: (وادٍ بالسَّراةِ.
وقالَ نَصْر: جَبَلٌ فِي بِلادِ غَطَفانَ، واخْتُلِفَ فِي وَزْنِه فقيلَ: فَعُولا، وقيلَ: فَعَوْعَل، وسَيَأْتي فِي قرى.
(! وقُنَيْنَةُ، كجُهَيْنَةَ: بدِمَشْقَ، وسَيَأْتي للمصنِّفِ قَرِيباً مِثْلَ ذلكَ فِي قَنَى، فأَحدُهما تَصْحيفٌ عَن الآخَرِ.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ: {قُنَّةُ كلِّ شيءٍ: أَعْلاهُ؛ قالَ الشاعِرُ:
أَما ودِماءٍ مائِراتٍ تَخالُهاعلى قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَماوقالَ ابنُ شُمَيْل:} القُنَّةُ: الأَكَمَةُ المُلَمْلَمَةُ الرأْسِ، وَهِي القارَّةُ لَا تُنْبِتُ شَيْئا.
{واقْتِنانُ الرَّحل: لُزومُه ظهْرَ البَعيرِ.
} والمُسْتَقِنُّ: المُسْتَخْدِمُ.
{والقَنَاني: أَوْعِيةٌ مِن زُجاجٍ يُتَّخَذُ فِيهَا الشَّرابُ؛ وَمِنْه قطر القناني.
} والتَّقْنِينُ: الضَّرْبُ {بالقِنِّينِ، وَهُوَ طُنْبُورُ الحَبَشةِ، وَهُوَ} القَانونُ؛ وَمِنْه قولُ بعضِ المُولِّدِين:
أفدى رشا أسمعني {القانونا من حَاجِب أَزجّ ألْقى نونا} والقانونُ: كتابٌ للرَّئِيسِ أَبي عليِّ بنِ سِينا، ينْقلُ مِنْهُ المصنِّفُ بعضَ الطُّبِّياتِ.
{والقَوانِينُ: الأُصولُ.
وأَشْرافُ اليَمَنِ: بنُو جُلُنْدَى بنِ} قُنَان، بالضمِّ.
وبنُو {قَنانٍ: بَطْنٌ مِن الْحارِثِ بنِ كَعْبٍ.
} وقَنانُ بنُ سَلَمَةَ: فِي مَذْحجٍ مِنْهُم: ذُو الغصةِ الحُصَيْنُ بنُ يَزِيد بنِ شَدَّادِ بنِ قنانٍ، عاشَ مِائَةَ سَنَة، ولابْنِه قَيْس وِفادَةٌ، وإخْوتُه عَمْرُو وزِيادُ ومالِكُ بنُو الحُصَيْنِ يقالُ لَهُم فَوارِسُ الأَرْباعِ.
وبنُو! قُنَيْنٍ، كزُبَيْرٍ: بَطْنٌ من تَغْلب، حَكَاه ابنُ الأعْرابيِّ؛ وأَنْشَدَ أَيْضاً: جَهِلْتُ من دَيْنِ بَني {قُنَيْن ِومن حِسابٍ بَينهم وبَيْني وأَنْشَدَ:
كأَنْ لم تُبَرَّكْ} بالقُنَيْنيَّ نِيبُهاولم يُرْتَكَبْ مِنْهَا لرَمْكاءَ حافِل ُوابنُ {قَنانٍ، كسَحابٍ: رجُلٌ مِن الأَعْرابِ.
} والقِنْقِنُ، بالكسْرِ: المُهَنْدسُ.
{وقُنَّةُ الحَجَرِ: قُرْبَ مَعْدنِ بَني سُلَيْم.
} وقُنَّةُ الحُمُرِ: قُرْبَ حِمَى ضريَّةَ؛ وجَبَلٌ فِي دِيارِ أَسَدٍ مُتَّصِلٌ {بالقنانِ.
} وقُنَّةُ إياد: فِي دِيارِ الأَزْدِ.
وأَبو نَصْر محمدُ بنُ أَحمدَ {القَنانيُّ، بالفتْحِ، الكاتِبُ، ويُعْرَفُ بابنِ موسَى، عَن الحافظِ أَبي نَصْر، سَنَة 600، ذَكَرَه الفَرَضِيُّ.
وعبدُ الرَّحمانِ بنُ عبدِ الرَّحيمِ بنِ سعْدِ اللهِ بنِ} قَنانٍ {القَنانيُّ عَن ابنِ كليبٍ، ذَكَرَه مَنْصور.
ودَيْر} ُقُنَّى، بالضمِّ والتَّشْديدِ مَقْصوراً: مَوْضِعٌ ببَغْداد إِلَيْهِ نُسِبَ إبراهيمُ بنُ أَحمدَ الكاتِبُ القُنَّانيُّ عَن الولِيدِ بنِ القاسِمِ، الحُسَيْنُ بنُ أَحمدَ بنِ عليَ! القُنَّانيُّ عَن ابنِ الطلابَة، وابْنُه أَبو بكْرٍ أَحمدُ سَمِعَ عَن أَبيهِ؛ والحُسَيْنُ بنُ محمدِ بنِ عبْدِ الرَّحمانِ بنِ موسَى {القَنانيُّ عَن أَبي ثاتيل.
وأَبو الفضْلِ محمدُ بنُ الحَسَنِ بنِ حُطَيطٍ الكُوفيُّ يُعْرَفُ بابنِ} قِنِّينَةَ، كسِكِّينَة، رَوَى عَن أَبي جَعْفرٍ محمدِ بنِ الحُسَيْنِ الخَثْعَميِّ قَيَّده السَّلَفيُّ.
وأَبو عليَ محمدُ بنُ محمدِ بنِ {قُنَيْنٍ، كزُبَيْرٍ، عَن أَبي جَعْفرِ بنِ المسلمةِ.
وعليُّ بنُ محمدِ بنِ قُنَيْنٍ الكُوفيُّ الخَرَّاز عَن أَبي طاهِرِ بنِ الصبَّاغِ.
وأَبو بَكْرٍ محمدُ بنُ أَبي الليْثِ الرَّاذَانيُّ المُقْرىءُ صاحِبُ سبط الخيَّاط، لَقَبُه} ال
(قنن) وضع القوانين (مو)
[قنن] نه: فيه: إن الله حرم الكوبة و «القنين»، هو بالكسر والتشديد لعبة للروم يقامرون بها، وقيل: هو الطنبور بالحبشية، والتقنين الضرب بها. وفيه: لم نكن عبيد «قن» إنما كنا عبيد مملكة، القن الذي ملك هو وأبواه، وعبد المملكة هو الذي ملك هو دون أبويه، يقال: عبد قن، وعبدان قن، وعبيد قن، وقد يجمع على أقنان وأقنة.
(قنن) - في حديث عُمَر : "لم نَكُن عَبِيدَ قِنٍّ، إنّما كُنَّا عَبِيدَ مَمْلكة"
بمعنى القِنَانَةِ. يقال: عَبْدَان قِنٌّ، وعَبِيدٌ قِنٌ، كفِطْرٍ. وعن أبي عَمْرو: "أقْنَانٌ"، وعن أبى سَعِيد الضَّرير: "أقِنَّةٌ": وهو الذي مُلِك ومُلِكَ أَبوَاه؛ من القِنَّةِ.
وعَبْد المَمْلكة: هو المَسْبِيُّ وأبوَاه حُرَّان
(ق ن ن) : (الْقِنُّ) مِنْ الْعَبِيدِ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ وَقَدْ جَاءَ قَنَانٌ أَقْنَانُ أَقِنَّةٌ وَأَمَّا أَمَةٌ قِنَّةٌ فَلَمْ نَسْمَعْهُ وَعَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَبْدٌ قِنٌّ أَيْ خَالِصُ الْعُبُودَةِ وَعَلَى هَذَا صَحَّ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ خِلَافَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبُ.
ق ن ن : الْقِنُّ الرَّقِيقُ يُطْلَقُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ وَرُبَّمَا جُمِعَ عَلَى أَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ قَالَ الْكِسَائِيُّ الْقِنُّ مَنْ يُمْلَكُ هُوَ وَأَبَوَاهُ وَأَمَّا مَنْ يُغْلَبُ عَلَيْهِ وَيُسْتَعْبَدُ فَهُوَ عَبْدُ مَمْلَكَةٍ وَمَنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً وَأَبُوهُ عَرَبِيًّا فَهُوَ هَجِينٌ.

وَالْقَانُونُ الْأَصْلُ وَالْجَمْعُ قَوَانِينُ. 
ق ن ن: (الْقِنُّ) الْعَبْدُ إِذَا مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ يَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ وَرُبَّمَا قَالُوا عَبِيدٌ (أَقْنَانٌ) ثُمَّ يُجْمَعُ عَلَى (أَقِنَّةٍ) . وَ (الْقُنَّةُ) بِالضَّمِّ أَعْلَى الْجَبَلِ مِثْلُ الْقُلَّةِ وَالْجَمْعُ (قِنَانٌ) مِثْلُ بُرْمَةٍ وَبِرَامٍ وَ (قُنَنٌ) وَ (قُنَّاتٌ) . وَ (الْقِنِّينَةُ) بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الشَّرَابُ وَالْجَمْعُ (قَنَانِيُّ) . وَ (الْقَوَانِينُ) الْأُصُولُ الْوَاحِدُ (قَانُونٌ) وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ.

قنن


قَنَّ(n. ac. قَنّ)
a. Observed, scrutinized, examined.

إِقْتَنَنَa. Was quiet, silent.
b. Bought a slave.
c. Stood upright.

إِسْتَقْنَنَ
a. [Bi], Undertook.
قِنّ
(pl.
أَقْنِنَة
أَقْنَاْن
38)
a. Slave.

قِنَّة
(pl.
قِنَن)
a. Strand, plait.

قُنّa. see 3t (a)b. Hen-house.

قُنَّة
(pl.
قُنَن قِنَاْن
& reg. )
a. Mound.
b. Top, summit.

قَنَنa. Manner, fashion. —
قِنَاْنَة
23t
قُنَاْنَة
قُنُوْنَة
Slavery, servitude.
قِنِّيْن
G.
a. see 40 (c)
قِنِّيْنَة
(pl.
قَنَاْنِيّ)
a. Bottle; phial; can.

قَاْنُوْن
(pl.
قَوَاْنِيْنُ), G.
a. Rule; law; canon; regulation.
b. Custom, usage.
c. Cithern, harp.
d. [ coll. ], Penance.
قَاْنُوْنِيّa. Regular; canonical; legal.

إِقْتَأَنَّ
a. see VIII (c)
ق ن ن

الأنوق تبيض في قنّة الجبل وفي قنن الجبال. وعبد قنٌّ: ملك هو وأبواه، وقيل: هو من القنية وهو عكس التقضّي، وأمةٌ قنٌّ وكذلك الجميع، وقيلك عبيد أقنّةٌ. قال جرير

إن سليطاً في الخسار إنّه ... أولاد قومٍ خلقوا أقنّه

واقتنّ فلان: اتخذ قناً. وشمّر قنان ثوبك: كمه. وعن ابن دريد: ردنه نجدية. وعندي قنينة: وعاء يتخذ من خيزران أو قضبان قد فصل داخله بحواجز بين مواضع الآنية على صنعة القشوة. ورجل قناقن: يعرف مقدار الماء في باطن الأرض فيحفر عنه. قال الطّرماح:

يخافتن بعض المضغ من خشية الردى ... وينصتن إنصات الرجال القناقن

وصف بقراً راعياً.

ومن المجاز: إنه لقن مال: قائم به مصلح له كأنه عبد مال. وإنه لقناقن إذا كان لا يخفى عليه شيء.
[قنن] القِنُّ: العبدُ إذا مُلِكَ هو وأبواه، ويستوي فيه الاثنان والجمع والمؤنَّث. وربَّما قالوا عبيدٌ أقْنانٌ، ثمَّ يجمع على أقِنَّةٍ. وينشد لجرير: أولاد قوم خلقوا أقنة * وقُنُّ القميص وقُنانَهُ بالضم: كُمّه. والقُنانُ أيضاً: ريح الإبط أشدَّ ما تكون. أبو عبيد: القِنَّةُ بالكسر: قوَّة من قِوى حبل الليف، وجمعها قِنَنٌ. والقِنَّةُ أيضاً: ضربٌ من الأدوية، وهو بالفارسية " بيرْزَذْ ". والقُنَّةُ بالضم: أعلى الجبل، مثل القُلَّة. قال: أمَا ودماءٍ مائراتٍ تخالُها * على قُنَّةِ العزَّى وبالنسر عندما والجمع قنان، مثل برمة وبرام، وقنن وقُنَّاتٌ. واقْتَنَّ الوعل، إذا انتصبَ على القنة. وأنشد الاصمعي :

والرحل يقتن اقتنان الاعصم * والقنان: جبل لبنى أسد. قال زهير: * وكم بالقنان من محل ومحرم * والقنقن بالكسر: ضرب من الجرذان: والقِنْقِنُ أيضاً: الدليل الهادي، والبصير بالماء في حفر القُنِيِّ، وكذلك القُناقِنُ بالضم، والجمع القَناقِنُ بالفتح. والقنينة بالكسر والتشديد: ما يُجعل فيه الشراب ; والجمع القَنانِيُّ. والقوانينُ: الأصول , الواحد قانونٌ، وليس بعربي.
قنن
قَنَّنَ يُقَنِّن، تقْنِينًا، فهو مُقَنِّن، والمفعول مُقَنَّن (للمتعدِّي)
• قَنَّنَ المُشَــرِّعُ: وضع القوانين ودوَّنها.
• قَنَّنَ العملَ: وضع قوانينَه ودوَّنها "قنَّن اللُّغَةَ".
• قَنَّنَ الطَّعامَ: أعطاه بتقتير. 

قانون [مفرد]: ج قوانينُ:
1 - مقياس كلِّ شيء وطريقه "قانون جماليّ/ أدبيّ".
2 - نظام "القانون الأساسيّ للشركة- قانون الموظَّفين/ السير/ السجون" ° قوانين الطبيعة: ظواهرُها.
3 - قواعد وأحكام تتّبعها النّاسُ في علاقاتهم المختلفة وتنفِّذها الدّولةُ أو الدول بواسطة المحاكم "خالف القانون- يخاطب القانون الجميع بفمٍ واحد- وفقًا لقوانين الحرب وعرفها- إلحاح الحاجة لا يعترف بالقانون [مثل أجنبيّ]: يماثله في المعنى المثل العربيّ: الضرورات تبيح المحظورات- من خرق القانون لمنفعتك خرقه غدًا لخراب بيتك [مثل] " ° أهل القانون: القضاة والمحامون- خارج على القانون: متمرِّد عاصٍ على نهج القانون- رَجُل قانون: مُشَــرِّع- سُلْطَة القانون: قدرته على فرض احترامه- قانونًا: بموجب القانون- قانون الغاب: تحكُّم القويّ في الضعيف، استخدام القوّة دون الرجوع إلى القانون- كلمته قانون: لا يرجع فيها- مِن الوجهة القانونيّة: قرار معلَّل قانونًا- وُضِعَ تحت طائلة القانون: تحت حكمه وعقوبته.
4 - (سق) آلة موسيقيّة وتريَّة مكونة من 30 إلى 40 وترًا مشدودة إلى طرفي صندوق خشبيّ مسطح.
• القانون التِّجاريّ: (قن) فــرع من القانون الخاصّ يتمّ بموجبه تنظيم المعاملات التِّجاريّة وأعمال التّجار والمؤسّسات والشّركات التّجاريّة والمصارف.

• قانون إداريّ: (قن) فــرع من القانون العام يتناول سير الإدارة العامة وعلاقاتها بالأفراد.
• قانون العقوبات: (قن) مجموع التشريعات التي تحدِّد نظامَ العقوبات المفروضة على مرتكبي المخالفات والجنح.
• قانونٌ دستورِيٌّ: (قن) فــرع من القانون العام يحدِّد ترتيب السلطات العامّة وعلاقات بعضها ببعض وصلات المواطنين بها.
• قانون دوليّ عامّ: (قن) مجموع القواعد التي تلتزمها الدول في علاقاتها بعضها ببعض.
• قانون ضريبيّ: (قن) فــرع من القانون العام خاصّ بالضرائب وبتنظيم جبايتها.
• قانون عُرْفيّ: (قن) القواعد القانونيّة التي أقرّتها العادات وتعارف عليها الناسُ.
• قانون عمل: (قن) مجموع القواعد التي تنظِّم علاقات أرباب العمل بالعمَّال.
• قانون مدنيّ: (قن) فــرع من القانون الخاصّ يتناول حالة الأفراد وأهليّتهم والميراث ونقل الممتلكات والعقود والموجبات.
• قانون الأحوال الشَّخصيَّة: (قن) قانون ينظم علاقة الفرد بالأسرة من نكاح وطلاق وميراث ونحوها.
• قانون المرافعات المدنيّة: (قن) أصول المحاكمات المدنيّة.
• مشروع قانون: نصٌّ يقترحه وزير ويقدّمه إلى الهيئة التشريعيّة للموافقة عليه وإقراره.
• قانون جنائيّ: ما يخصّ الجنايات من أحكام وقواعد. 

قانونِيّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى قانون: "سلطة/ يمين/ لائحة قانونيّة- يشعر بعدم صحّة المعاهدة من الوجهة القانونيّة- دورة قانونيّة للبرلمان" ° المحاسب القانونيّ: محاسب عام مُعْتَرَف بشهادته.
2 - مطابق للقانون معترفٌ به "حُكم/ صيدليّ قانونيّ- تعديل نص قانونيّ".
• النِّصاب القانونيّ: أقلّ عدد مطلوب من الأعضاء للحضور في الاجتماع لكي يكون قانونيًّا. 

قِنّ [مفرد]: عبد ابن عبد. 

قِنِّينة [مفرد]: ج قنِّينات وقنانٍ وقَنانِيُّ: (كم) إناء زجاجيّ ذو رقبة يُستعان بها لملئه وسدِّه، يُستخدم لحفظ الموادّ الكيميائيّة السَّائلة في المختبرات "وقعت قنِّينة الدَّواء، وانكسرت". 
(ق ن ن) و (ق ن ق ن)

والقن: العَبْد الَّذِي ملك هُوَ وَأَبوهُ، وَكَذَا الِاثْنَان والجميع، هَذَا الاعرف.

وَقد حكى فِي جمعه: أقنان وأقنة، الْأَخِيرَة نادرة وَقَالَ جرير:

إِن سليطا فِي الخسار إِنَّه ... أَبنَاء قوم خلقُوا أقنة

وَالْأُنْثَى: قن، بِغَيْر هَاء.

وَقَالَ اللحياني: العَبْد الْقِنّ: الَّذِي ولد عنْدك وَلَا يَسْتَطِيع أَن يخرج عَنْك.

وَحكى عَن الْأَصْمَعِي: لسنا بعبيد قن وَلَكنَّا عبيد مملكة، مضافان جَمِيعًا.

واقتن قِنَا: اتَّخذهُ، عَن اللحياني أَيْضا.

وَقَالَ: إِنَّه لقن بَين القنانة أَو القنانة.

والقنة: الْقُوَّة من قوى الْحَبل، وَخص بَعضهم بِهِ: الْقُوَّة من قوى الْحَبل الليف. قَالَ: يصفح للقنة وَجها جأبا

والقنة: الْجَبَل الصَّغِير.

وَقيل: هُوَ الْجَبَل السهل المستوي المنبسط على الأَرْض.

وَقيل: هُوَ الْجَبَل الْمُنْفَرد والمستطيل فِي السَّمَاء. وَلَا تكون القنة إِلَّا سَوْدَاء.

وقنة كل شَيْء: أَعْلَاهُ. وَالْجمع من كل ذَلِك: قنن، وقنان، وقنات، وقنون، وانشد يَعْقُوب:

وهم رعــن الْآل أَن يَكُونَا ... بحرا يكب الْحُوت والسفينا

تخال فِيهِ القنة القنونا ... إِذا جرى نوتية زفونا

أوقر مَلِيًّا هابعا ذقونا

وَنَظِير قَوْلهم: قنة وقنون: بدرة وبدور، ومأنة ومؤون، إِلَّا أَن قَاف قنة مَضْمُومَة.

والاقتنان: الانتصاب. قَالَ:

لَا تحسبي عض النسوع الأزم

والرحل يقتن اقتنان الأعصم

سوفك أَطْرَاف النصي الانعم

وانشده أَبُو عبيده " والرحل ". بِالرَّفْع، وَهُوَ خطأ، إِلَّا أَن يُرِيد الْحَال.

وَقَالَ يزِيد بن الاعور الشني:

كالصدع الأعصم لما اقتنا

والمستقن: الَّذِي يُقيم فِي الْغنم يشرب البانها. قَالَ: فشايع وسط ذودك مستقنا ... لتحسب سيدا ضبعا تنول

ويروى: " مقتئنا " و" مقبئنا " فَأَما المقتئن: فالمنتصب، والهمزة زَائِدَة، وَنَظِيره: كبن واكبان. وَأما المقبئن: فالمنتصب أَيْضا، وَهُوَ بِنَاء عَزِيز لم يذكرهُ صَاحب الْكتاب وَلَا استدرك عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ قد استدرك عَلَيْهِ اخوه، وَهُوَ: المهوئن.

والمقتن: المنتصب أَيْضا.

والقنينة: وعَاء يتَّخذ من خيزران أَو قضبان قد فصل دَاخله بحواجز بَين مَوَاضِع الْآنِية على صِيغَة القشوة.

والقنينة من الزّجاج: الَّذِي يشرب فِيهِ. وَالْجمع: قنان، نَادِر والقنين طنبور البشة. عَن الزجاجي.

وقانون كل شَيْء: طَرِيقه ومقياسه، وأراها دخيلة.

وقنان الْقَمِيص، وقنه: كمه.

والقنان: ريح الْإِبِط عَامَّة. وَقيل: هُوَ اشد مَا يكون مِنْهُ.

وقنان: اسْم ملك كَانَ يَأْخُذ سفينة غصبا.

وأشراف الْيمن بَنو جلندي بن قنان.

والقنان: اسْم جبل بِعَيْنِه.

وَبَنُو قنان: بطن من بلحارث بن كَعْب.

وَبَنُو قنين: بطن من بني ثَعْلَب. حَكَاهُ ابْن الْأَعرَابِي. وانشد:

جهلت من دين بني قنين ... وَمن حِسَاب بَينهم وبيني

وانشد أَيْضا:

كَأَن لم تبرك بالقنيني نيبها ... وَلم يرتكب مِنْهَا لرمكاء حافل

والقنقن، والقناقن: الْبَصِير بِالْمَاءِ تَحت الأَرْض. قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ فَارسي مُعرب. وَقيل: هُوَ مُشْتَقّ من الْحفر، وَمن قَوْلهم بِالْفَارِسِيَّةِ: كن كن: أَي احْفِرْ احْفِرْ. وَقيل: القناقن: هُوَ الَّذِي يسمع فَيعرف مِقْدَار المَاء فيالبئر، قَرِيبا أَو بَعيدا.

والقنقن: ضرب من صدف الْبَحْر.

قنن: القِنُّ: العبد للتَّعْبيدَةِ. وقال ابن سيده: العبد القِنُّ الذي

مُلِكَ هو وأَبواه، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث، هذا الأَعراف، وقد حكي

في جمعه أَقْنانٌ وأَقِنَّة؛ الأَخيرة نادرة؛ قال جرير:

إِنَّ سَلِيطاً في الخَسارِ إِنَّهْ

أَبْناءُ قَوْمٍ خُلِقُوا أَقِنَّهْ

والأُنثى قِنٌّ، بغير هاء. وقال اللحياني: العبد القِنُّ الذي وُلِدَ

عندك ولا يستطيع أَن يخرج عنك. وحكي عن الأَصمعي: لسْنا بعَبيدِ قِنٍّ

ولكنا عبيدُ مَمْلُِكة، مضافان جميعاً. وفي حديث عمرو بن الأَشْعَثِ: لم نَكن

عبيدَ قِنٍّ إِنما كنا عبيدَ مَمْلكة. يقال: عبدٌ قِنٌّ وعَبْدانِ قِنٌّ

وعبيدٌ قِنٌّ. وقال أَبو طالب: قولهم عبدٌ قِنٌّ، قال الأَصمعي: القِنُّ

الذي كان أَبوه مملوكاً لمواليه، فإِذا لم يكن كذلك فهو عبدُ مَمْلَكةٍ،

وكأَنَّ القِنَّ مأْخوذٌ من القِنْيَة، وهي المِلْكُ؛ قال الأَزهري:

ومثله الضِّحُّ وهو نور الشمس المُشْرِقُ على وجه الأَرض، وأَصله ضِحْيٌ،

يقال: ضَحِيتُ للشمس إِذا بَرَزْتَ لها. قال ثعلب: عبدٌ قِنٌّ مُلِكَ هو

وأَبواه، من القُنَانِ وهو الكُمُّ، يقول: كأَنه في كُمِّه هو وأَبواه،

وقيل: هو من القِنْيَة إِلاَّ أَنه يبدل. ابن الأَعرابي: عبدٌ قِنٌّ خالِصُ

العُبودة، وقِنٌّ بَيِّنُ القُنُونةِ والقَنَانةِ وقِنٌّ وقِنَّانِ

وأَقنانٌ، وغيرُه لا يثنيه ولا يجمعه ولا يؤنثه. واقْتَنَنَّا قِنّاً:

اتخذناه. واقْتَنَّ قِنّاً: اتخذه؛ عن اللحياني، وقال: إِنه لقِنٌّ بَيِّنُ

القَنانة أَو القِنانة. والقِنَّةُ: القُوَّةُ من قُوَى الحَبْلِ، وخَصَّ

بعضهم به القُوَّة من قُوَى حَبْلِ اللِّيفِ؛ قال الأَصمعي: وأَنشدنا أَبو

القَعْقاعِ اليَشْكُري:

يَصْفَحُ للقِنِّةِ وَجْهاً جأْبَا،

صَفحَ ذِراعَيْه لعَظْمٍ كَلْبا

وجمعها قِنَنٌ، وأَنشده ابن بري مستشهداً به على القِنَّةِ ضربٍ من

الأَدْوية، قال: وقوله كلباً ينتصِبُ على التمييز كقوله عز وجل: كَبُرَتْ

كلمةً؛ قال: ويجوز أَن يكون من المقلوب. والقُنَّة: الجبل الصغير، وقيل:

الجبل السَّهْلُ المستوي المنبسط على الأَرض، وقيل: هو الجبل المنفرد

المستطيل في السماء، ولا تكون القُنَّة إِلا سَوْداء. وقُنَّةُ كلِّ شيءٍ:

أَعلاه مثلُ القُلَّة؛ وقال:

أَما ودِماءٍ مائراتٍ تَخالُها،

على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ، عَنْدَما

وقُنَّةُ الجبل وقُلَّتُه: أَعلاه، والجمع القُنَنُ والقُلَلُ، وقيل:

الجمع قُنَنٌ وقِنانٌ وقُنَّاتٌ وقُنُونٌ؛ وأَنشد ثعلب:

وهَمَّ رَعْــنُ الآلِ أَن يكونا

بَحْراً يَكُبُّ الحوتَ والسَّفِينا

تَخالُ فيه القُنَّةَ القُنُونا،

إِذا جَرَى، نُوتِيَّةً زَفُونا،

أَو قِرْمِلِيّاً هابِعاً ذَقُونا

قال: ونظير قولهم قُنَّة وقُنُون بَدْرَة وبُدُورٌ ومَأْنة ومُؤُون،

إِلا أَن قاف قُنَّة مضمومة؛ وأَنشد ابن بري لذي الرُّمة في جمعه على

قِنانٍ:كأَنَّنا، والقِنانَ القُودَ يَحْمِلُنا،

مَوْجُ الفُراتِ، إِذا الْتَجَّ الدَّيامِيمُ،

والاقْتِنانُ: الانتصاب. يقال: اقْتَنَّ الوَعِلُ إِذا انتصب على

القُنَّة؛ أَنشد الأَصمعي لأَبي الأَخْزَرِ الحِمّانيِّ:

لا تَحْسَبي عَضَّ النُّسُوعِ الأُزَّمِ،

والرَّحْلَ يَقْتَنُّ اقْتِنانَ الأَعْصَمِ،

سَوْفَكِ أَطرافَ النَّصِيِّ الأَنْعَمِ

وأَنشده أَبو عبيد: والرَّحْلُ، بالرفع؛ قال ابن سيده: وهو خطأٌ إِلا

أَن يريد الحال؛ وقال يَزِيدُ بن الأَعْور الشَّنِّيّ:

كالصَّدَعِ الأَعْصمِ لما اقْتَنَّا

واقْتِنانُ الرَّحْلِ: لُزومُه ظهرَ البعير. والمُسْتَقِنُّ الذي يقيم

في الإِبل يشرب أَلبانَها؛ قال الأَعْلَمُ الهُذَلِيّ:

فَشايعْ وَسْطَ ذَوْدِكَ مُسْتَقِنّاً،

لتُحْسَب سَيِّداً ضَبُعاً تَنُولُ

الأَزهري: مُسْتَقِنّاً من القِنِّ، وهو الذي يقيم مع غنمه يشرب من

أَلبانها ويكون معها حيث ذهبت؛ وقال: معنى قوله مُسْتَقِنّاً ضَبُعاً تَنُولُ

أَي مُسْتَخْدِماً امرأَة كأَنها ضَبُع، ويروى: مُقْتَئِنّاً

ومُقْبَئِنّاً، فأَما المُقْتَئِنٌّ فالمُنْتَصِب والهمزة زائدة ونظيره كَبَنَ

واكْبَأَنَّ، وأَما المُقْبَئِنّ فالمنتصب أَيضاً، وهو بناء عزيز لم يذكره

صاحب الكتاب ولا اسْتُدْرِكَ عليه، وإِن كان قد استُدْرِكَ عليه أَخوه وهو

المُهْوَئِنُّ. والمُقْتَنُّ: المُنْتَصِبُ أَيضاً. الأَصمعي: اقْتنَّ

الشيءُ يَقْتَنُّ اقْتِناناً إِذا انتصب. والقِنِّينَةُ: وِعاءٌ يتخذ من

خَيْزُرانٍ أَو قُضْبانٍ قد فُصِلَ داخلُه بحَواجِزِ بين مواضع الآنية على

صِيغَةِ القَشْوة. والقِنِّينَةُ، بالكسر والتشديد، من الزجاج: الذي

يُجْعَل الشَّرابُ فيه. وفي التهذيب: والقِنِّينةُ من الزجاج معروفة ولم يذكر

في الصحاح من الزُّجاج، والجمع قِنَانٌ، نادر.

والقِنِّينُ: طُنْبُور الحَبَشة؛ عن الزجاجي: وفي الحديث: إِن الله

حرَّم الخَمْرَ والكُوبةَ والقِنِّينَ؛ قال ابن قُتَيْبة: القِنِّينُ لُعْبة

للروم يَتَقامَرون بها. قال الأَزهري: ويروى عن ابن الأَعرابي قال:

التقْنِين الضَّرْبُ بالقِنِّينِ، وهو الطُّنْبورِ بالحَبَشِيَّة، والكُوبة

الطَّبْل، ويقال النَّرْدُ؛ قال الأَزهري: وهذا هو الصحيح. وورد في حديث

علي، عليه السلام: نُهِينا عن الكُوبة والغُبَيْراء والقِنِّين؛ قال ابن

الأَعرابي: الكوبة الطبل، والغبيراء خمرة تعمل من الغُبيراء، والقِنِّينُ

طُنْبور الحبشة.

وقانون كل شيء: طريقُه ومقياسه. قال ابن سيده: وأُراها دَخِيلَةً.

وقُنَانُ القميص وكُنُّه وقُنُّه: كُمُّه. والقُنانُ: ريح الإِبِطِ

عامةً، وقيل: هو أَشدّ ما يكون منه؛ قال الأَزهري: هو الصُّنَانُ عند الناس

ولا أَعْرِفُ القُنانَ.

وقَنَانُ: اسم مَلِكٍ كان يأْخذ كلَّ سفينة غَصْباً. وأَشرافُ اليَمن:

بنو جُلُنْدَى بنِ قَنان. والقَنَانُ: اسم جبل بعينه لبني أَسد؛ قال

الشاعر زهير:

جَعَلْنا القَنانَ عن يَمينٍ وحَزْنَهُ،

وكم بالقَنانِ مِن مُحِلٍّ ومُحْرِمِ

وقيل: هو جبل ولم يخصص؛ قال الأَزهري: وقَنانُ جبل بأَعلى نجد

(* قوله

«بأعلى نجد» الذي في التهذيب: بعالية نجد). وبنو قَنانٍ: بطن من بَلْحرث

ابن كعب. وبنو قُنَيْن: بطن من بني ثَعْلَب؛ حكاه ابن الأَعرابي؛

وأَنشد:جَهِلْتُ من دَيْنِ بَني قُنَيْنِ،

ومن حِسابٍ بينهم وبَيْني

وأَنشد أَيضاً:

كأَنْ لم تُبَرَّكْ بالقُنَيْنيِّ نِيبُها،

ولم يُرْتَكَبْ منها لرَمْكاءَ حافِلُ

وابن قَنانٍ: رجل من الأَعراب.

والقِنْقِنُ والقُناقِنُ، بالضم: البصير بالماء تحت الأَرض، وهو الدليل

الهادي والبَصيرُ بالماء في حَفْرِ القُنِيِّ، والجمع القَناقِنُ،

بالفتح. قال ابن الأَعرابي: القُناقِنُ البصير بجرّ المياه واستخراجها، وجمعها

قَناقِنُ؛ قال الطرماح:

يُخافِتْنَ بعضَ المَضْغِ من خَشْيةِ الرَّدَى،

ويُنْصِتْنَ للسَّمْعِ انْتِصاتَ القَناقِن

قال ابن بري: القِنْقِنُ والقُناقِنُ المُهَنْدِسُ الذي يعرف الماء تحت

الأَرض، قال: وأَصلها بالفارسية، وهو معرّب مشتق من الحَفْر من قولهم

بالفارسية كِنْ كِنْ

(* قوله «من قولهم بالفارسية كن كن إلخ» كذا بالأصل،

والذي في المحكم: بكن أي احفر اهـ. وضبطت بكن فيه بكسر الموحدة وفتح

الكاف). أَي احْفِرْ احْفِرْ. وسئل ابن عباس: لم تَفَقَّدَ سُلَيْمانُ

الهُدْهُدَ من بَيْنِ الطَّيْرِ؟ قال: لأَنه كان قُناقِناً، يعرف مواضع الماء تحت

الأَرض؛ وقيل: القُناقِنُ الذي يَسْمَعُ فيعرف مقدارَ الماء في البئر

قريباً أَو بعيداً. والقِنْقِنُ: ضرب من صَدَف البحر

(* قوله «ضرب من صدف

البحر» عبارة التكملة ابن دريد: القنقنة، بالكسر، ضرب من دواب البحر شبيه

بالصدف). والقِنَّة: ضرب من الأَدْوِيَةِ، وبالفارسية يرزَذ.

والقِنْقِنُ: ضَرْبٌ من الجرْذانِ.

والقَوانِينُ: الأُصُول، الواحد قانُونٌ، وليس بعربي.

والقُنَّةُ: نحو من القارَة، وجمعها قِنانٌ؛ قال ابن شميل: القُنَّة

الأَكَمَةُ المُلَمْلَمَةُ الرأْسِ، وهي القارة لا تُنْبِتُ شيئاً.

الحلال

الحلال:
[في الانكليزية] Licit ،lawful ،permitted
[ في الفرنسية] Licite ،legal ،permis
بالفتح هو في الشــرع ما أباحه الكتاب والسنة بسبب جائز مباح. وفي الطريقة ما لا بدّ فيه من العلم ولا يكون فيه شبهة كأكل هدايا الملوك والسلاطين. ما دام لا يعلم يقينا أنّها حرام فبعض العلماء أفتى بحلّها، ولكن علماء الطريقة يرون الامتناع عنها حتى يتأكّدوا تماما من كونها حلالا. كذا في مجمع السلوك. وفي خلاصة السلوك الحلال هو الذي قد انقطع عنه حقّ الغير. وقال سهل ما لا تعصى الله فيه.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: (من أكل الحلال أربعين يوما نوّر الله قلبه وتجري ينابيع الحكمة من قلبه) انتهى. قال ابن الحجر في شرح الأربعين للنووي في شرح الحديث السادس: الحلال ضد الحرام لغة وشــرعــا.
والحلال البيّن أي الظاهر هو ما نصّ الله تعالى ورسوله أو أجمع المسلمون على تحليله بعينه أو جنسه. ومنه أيضا ما لم يعلم فيه منع على أسهل القولين. والحرام البيّن ما نصّ أو أجمع على تحريمه بعينه أو جنسه، أو على أنّ فيه حدّا أو تعزيرا أو وعيدا. والمشتبه ما ليس بواضح.
الحلّ والحرمة مما تنازعته الأدلة وتجاذبته المعاني والأسباب، فبعضها يعضده دليل الحرام وبعضها يعضده دليل الحلال. ومن ثمّ فسّر أحمد وإسحاق وغيرهما المشتبه بما اختلف في حلّ أكله كالخيل أو شربه كالنبيذ أو لبسه كجلود السباع أو كسبه كبيع العينة. وفسّره أحمد مرّة باختلاط الحلال والحرام. وحكم هذا أنّه يخرج قدر الحرام ويأكل الحلال عند كثيرين من العلماء سواء قلّ الحرام أم كثر. ومن المشتبه معاملة من في ماله حرام. فالورع تركه مطلقا وإن جازت. وقيل واعتمده الغزالي إن كان أكثر ماله الحرام حرمت معاملته. ثم الحصر في الثلاثة صحيح لأنّه إن نصّ أو أجمع على الفعل فالحلال، أو على المنع جازما فالحرام، أو سكت عنه أو تعارض فيه نصّان ولم يعلم المتأخّر منهما فالمشتبه. وليس المراد بتعارضها تقابلها على جهة واحدة في الترجيح، فإنّ هذا كلام متناقض، بل المراد التعارض بحيث يتخيّل الناظر في ابتداء نظره فإذا حقّق فكره رجح.
والمشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس لتعارض الأدلّة. وأمّا العلماء فيعرفون حكمها بنصّ أو إجماع أو قياس أو استصحاب ونحوها. فإذا تردّد شيء بين الحلّ والحرمة ولم يكن فيه نصّ ولا إجماع اجتهد المجتهد فيه وأخذ بأحدهما بالدليل الشــرعــي فيصير حلالا أو حراما. وقد يكون دليله غير خال عن الاحتمال فيكون الورع تركه. وما لم يظهر لمجتهد فيه شيء فهو باق على اشتباهه بالنسبة إلى العلماء وغيرهم، كشيء وجده في بيته ولم يدر هل هو له أو لغيره، وحينئذ اختلفوا فيما يأخذ به، فقيل بحلّه والورع تركه، وقيل بحرمته لأنّه يوقع في الحرام، وقيل لا يقال فيه واحد منهما، قال القرطبي والصواب الأوّل. قال المصنف أي النووي الظاهر أنّ هذا الخلاف مخرّج على الخلاف في الأشياء قبل ورود الشــرع وفيه أربعة مذاهب. الأول وهو الأصح أنّه لا يحكم بتحليل ولا تحريم ولا إباحة ولا غيرها، لأنّ التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلّا بالشــرع.
والثاني أنّ الحكم الحلّ والإباحة. قال القرطبي دليل الحلّ أنّ الشــرع أخرجها من قسم الحرام، وأشار إلى أنّ الورع تركها بقوله: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). وممن عبّر بأنّها حلال يتورّع عنها أراد بالحلال مطلق الجائز الشامل للمكروه بدليل قوله: (يتورّع عنها) لا المباح المستوي الطرفين لأنّه لا يتصوّر فيه ورع ما داما مستويين، بخلاف ما إذا ترجّح أحدهما. فإن كان الراجح الترك كره أو الفعل نذب. والثالث المنع. والرابع التوقّف. ولقد أطنب ابن الحجر هاهنا الكلام وذكر أقسام المشتبهات مفصلا.
فمن أراد فليرجع إلى شرحه المذكور.
وقال العيني في شرح البخاري في كتاب العلم في شرح هذا الحديث بعد ذكر أكثر الأقوال المذكورة: فحصل لنا مما تقدّم ذكره أنّ في المتشابهات المذكورة في الحديث التي ينبغي اجتنابها أقوالا. أحدها أنّها التي تعارضت فيها الأدلة فاشتبهت، فمثل هذا يجب فيه الوقف إلى الترجيح لأنّ الإقدام على أحد الأمرين من غير رجحان الحكم بغير دليل محرم. وثانيها أنّها المكروهات وهو قول الخطابي والمازري وغيرهما ويدخل فيه مواضع اختلاف العلماء.
وثالثها أنّها المباحات. وقال بعضهم هي حلال يتورّع عنها، وقد ردّه القرطبي واختار القول الثاني. فإن قيل هذا يؤدّي إلى رفع معلوم من الشــرع وهو أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء بعد وأكثر أصحابه عليهم السلام كانوا يزهدون في التنعّم في المآكل وغيره. قلت ذلك محمول على موجب شــرعــي اقتضى ترجيح الترك على الفعل فلم يزهدوا في مباح، لأنّ حقيقته التساوي، بل في أمر مكروه. ولكن المكروه تارة يكرهه الشــرع من حيث هو وتارة يكرهه لأنّه يؤدّي إليه كالقبلة للصائم فإنّها مكروهة لما يخاف منها من إفساد الصوم. وقد اختلف أصحاب الشافعي رحمه الله في ترك الطّيب وترك لبس الناعم، فقيل ليس بطاعة وقيل إنّه طاعة. وقال ابن الصّبّاغ يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وتفرّغهم للعبادة واشتغالهم بالضيق والسعة. وقال الرافعي من أصحابنا هو الصواب. وأما ما يخرج إلى باب الوسوسة من تجويز الأمر البعيد، فهذا ليس من الشبهات المطلوب اجتنابها، كترك النكاح من نساء بلدكم خوفا عن أن يكون له فيها محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة، وترك استعمال ماء لجواز عروض النجاسة، إلى غير ذلك ممّا يشتبه بهذا بأن يكون سبب التحريم فيه مجرّد توهّم ليس من الورع. قال القرطبي الورع في مثل هذا وسوسة شيطانية إذ ليس فيه من معنى الشّبهة شيء، وسبب الوقوع في ذلك عدم العلم بالمقاصد الشــرعــية انتهى. ويجيء ما يتعلّق بهذا في لفظ الشبهة والورع
الحلال: ما انتفى عن حكم التحريم فينتظم بذلك ما يكره، وما لا يكره ذكره الحرالي.

وقال غيره: ما لا يعاقب عليه. وأصل الحل حل العقدة ومنه {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} ، وحللت نزلت، من حل الأحمال عند النزول ثم جرد استعماله للنزول فقيل حل حلولا نزل، وأحله غيره، وحل الدين انتهى أجله فوجب اداؤه. والمحلة محل النزول. وعن حل العقدة استعير قولهم حل الشيء حلا. والحلائل النساء، والحليل: الزوج، والحليلة: الزوجة، إما لحل كل منهما الآخر أو لنزوله معه. والحلة إزار ورداء. الإحليل مخرج البول لكونه محلول العقدة.

الْفَتْوَى

(الْفَتْوَى) الْجَواب عَمَّا يشكل من الْمسَائِل الشَّــرْعِــيَّة أَو القانونية (ج) فتاو وفتاوى وَدَار الْفَتْوَى مَكَان الْمُفْتِي 
الْفَتْوَى: فِي السخاء وَالْكَرم. وَعند أَرْبَاب الْحَقَائِق أَن تُؤثر الْحق على نَفسك بالدنيا وَالْآخِرَة. ثمَّ اعْلَم أَن فتيا على وزن دنيا اسْم مَأْخُوذ من فتا بِالْفَتْح مصدر فَتى على وزن علم كَمَا أَن تقيا اسْم مَأْخُوذ من تقى وَالْفَتْوَى بِالْفَتْح لُغَة فِي فتيا كَمَا أَن تقوى لُغَة فِي تقيا وأصل فَتْوَى فتيا الْيَاء مَقْلُوبَة عَن الْوَاو للخفة. وَقَالَ بَعضهم إِن أفتى فــرع فَتْوَى وفتوى فــرع فتيا وفتيا فــرع فتا مصدرا فافتا فــرع الْمصدر بوسائط وَهَذَا الْفِعْل فِي الْمَزِيد من الْأَفْعَال المتصرفة يُقَال أفتى يُفْتِي إِفْتَاء واستفتى يستفتي استفتاء وَفِي الْمغرب أَن فَتْوَى مَأْخُوذ من فَتى وَمعنى فتيا حَادِثَة مُبْهمَة والافتاء تَبْيِين ذَلِك الْمُبْهم والاستفتاء السُّؤَال من الافتاء واشتقاقه اشتقاق صَغِير وَرُبمَا يمال فَتْوَى كَمَا يمال تقوى وَدَعوى وَيجْعَل حَرَكَة الْفَاء تَابِعَة لحركة الْوَاو فِي الْفَتْوَى لَا فِي التَّقْوَى وَالدَّعْوَى وَيكْتب الْألف فِي كلهَا على صُورَة الْيَاء لِأَن الْحَرْف الرَّابِع مَقْصُور إِلَّا وَقت الْإِضَافَة إِلَى الْمُضمر فَيُقَال فتواه ودعواه وتقواه بِخِلَاف فَتْوَى الْعلمَاء وَدَعوى الخصماء وتقوى الأتقياء وَجمع الْفَتْوَى فَتَاوَى بِفَتْح الْوَاو والمفتي من يبين الْحَوَادِث المبهمة. وَفِي الشَّــرْع هُوَ الْمُجيب فِي الْأُمُور الشَّــرْعِــيَّة. والنوازل الفــرعــية. أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي الشريفية شرح السِّرَاجِيَّة فِي بَاب مقاسمة الْجد وَمن رسم الْمُفْتِي أَنه إِذا كَانَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي جَانب وصاحباه فِي جَانب كَانَ هُوَ مُخَيّرا فِي أَي الْقَوْلَيْنِ شَاءَ انْتهى.
ثمَّ اعْلَم أَن هَا هُنَا إشارات ولطائف: الأولى: إِن أفتا بِاعْتِبَار الثلاثي الْمُجَرّد من الْأَفْعَال الْغَيْر المتصرفة وَبِاعْتِبَار الْمَزِيد فِيهِ من الْأَفْعَال المتصرفة فَيَنْبَغِي للمفتي أَن لَا يتَصَرَّف فِي الْأُصُول والنصوص بِوَجْه من الْوُجُوه بل لَهُ جَوَاز التَّصَرُّف وَالِاخْتِيَار فِي الفــرعــيات والمستنبطات والمجتهدات. الثَّانِيَة: إِن أفتا مُتَعَدٍّ فَيَنْبَغِي أَن يكون علمه مُتَعَدِّيا إِلَى الْغَيْر. وَالثَّالِثَة: إِن أفتا من بَاب الْأَفْعَال وَهُوَ أول أَبْوَاب الْمَزِيد فَمن وصل إِلَى دَرَجَة الْإِفْتَاء لَهُ رَجَاء فتح أَبْوَاب الْمَزِيد. وَالرَّابِعَة: إِن الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَن يكون ذَا فتوة فَإِن بَين الافتا والفتوة أخوة فَلَا يطْمع من المستفتي شَيْئا وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ الملال من كَثْرَة السُّؤَال. وَالْخَامِسَة: إِن أول أفتا وَآخره. ألف يُشِير أَن الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَن يكون فِي الِابْتِدَاء والانتهاء متصفا بِوَصْف الاسْتقَامَة والصدق وَالْقِيَام بِأُمُور الدّين وَالْألف الْقطعِي الَّذِي فِي أَوله يُشِير أَن أول مَا وَجب على الْمُفْتِي هُوَ قطع الطمع. وَالسَّادِسَة: إِن عدد حُرُوف افتا وَهُوَ بِحِسَاب الْجمل أَربع مائَة وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ يُشِير أَن عدد كتب الْمُفْتِي فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع لَا يَنْفِي أَن يكون نَاقِصا عَنهُ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ بعد تفحص كتب ظَاهر الرِّوَايَة أَن عدد كتب الافتاء يصل إِلَى ذَلِك الْعدَد وَتلك الْكتب خَمْسَة صنفها الإِمَام مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وأساميها فِي هَذَا الْبَيْت.
(مَبْسُوط وجامعين وزيادات باسير ... در ظَاهر الرِّوَايَة ايْنَ بنج رانكر)
وَالْمرَاد بالجامعين: الْجَامِع الصَّغِير وَالْجَامِع الْكَبِير. وَالسَّابِعَة: إِن حُرُوف افتا خَمْسَة تُشِير أَن للمفتي أَن يُلَاحظ أَحْكَام الْكتب الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة ويحفظ الْأَركان الْخَمْسَة الإسلامية. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن بَاب الْأَفْعَال أول أَبْوَاب الْمَزِيد لِأَن الْمَزِيد نَوْعَانِ مَا فِيهِ همزَة الْوَصْل وَمَا لَيست فِيهِ وَالْأَصْل هُوَ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يسْقط فِيهِ حرف زَائِد من ماضيه لَا فِي الِابْتِدَاء وَلَا فِي الدرج. ثمَّ الأَصْل فِي ذَلِك الأَصْل بَاب الْأَفْعَال لِأَن الزَّائِد فِي أَوله حرف من مبدأ المخارج وَهِي الْهمزَة.
ثمَّ اعلموا أَيهَا الناظرون أَن هَا هُنَا فَوَائِد غَرِيبَة نافعة بالعبارة الفارسية فِي كتاب مُخْتَار الِاخْتِيَار كتبتها فِي هَذَا الْمقَام. لينْتَفع بهَا الْخَواص والعوام.
الْفَتْوَى: اعْلَم أَن الافتاء فرض كِفَايَة. أما فرض الْكِفَايَة قد يصبح فرض عين فِي وَقت يصبح من المتوجب والمتعين اعطاء على من كَانَ الافتاء عَلَيْهِ فرض كِفَايَة. وَفِي (الْكَشَّاف) أَن لُقْمَان الْحَكِيم كَانَ يُفْتِي قبل بعثة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا بعث دَاوُد ترك لُقْمَان الافتاء.
وَفِي الْكِفَايَة قَالَ إِن الْإِفْتَاء فرض كِفَايَة مثل الْقَضَاء، وَأدنى دَرَجَات فرض الْكِفَايَة هُوَ (الندبة) ، إِذا فالمندوب فِي أَمر الافتاء هُوَ من كَانَ أَهلا لذَلِك، لِأَن فِيهِ خطر عَظِيم لأجل ذَلِك هُوَ بَحر لَا يصل إِلَى شواطئه كل سابح. حَتَّى إِذا كَانَ هُوَ بِذَاتِهِ يُوصل النَّاس إِلَى بر السَّلامَة (ظهر الْمُفْتِي جسر جَهَنَّم) وَهِي إِشَارَة إِلَى أَن أَحْيَانًا هبوب رِيحه يكون شَدِيدا: {مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} فتعصف الرّيح وتتلاطم أمواج الِاشْتِبَاه والأشكال وتتراكم وَلَا ترسو وَلَا تَسْتَقِر عِنْدهَا سفية الراسخين على شاطئ التَّوْفِيق الإلهي وَلَا تتحرك فلك الْمُجْتَهدين من دون انسياب نسيم الْفَيْض اللامتناهي. أما شَرط الافتاء فَهُوَ الْإِسْلَام وَالْعقل. وَالْبَعْض قَالَ. إِن شَرط الْإِفْتَاء هُوَ نَفسه شَرط الْقَضَاء أَي الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْعَدَالَة. وَهَذَا مَا يكون من أهل الِاجْتِهَاد. وَأما الصَّحِيح فَهُوَ أَن هَذَا شَرط الْكَمَال، وَأول الشَّرْط الصِّحَّة، وأهلية الِاجْتِهَاد شَرط الأولية، وَفِي صَحِيح الْمذَاهب فِي (الْفُصُول) جَاءَ إِجْمَاع الْعلمَاء، أَن من الْوَاجِب أَن يكون الْمُفْتِي من أهل الِاجْتِهَاد من أجل أَنه هُوَ الَّذِي يبين أَحْكَام الشَّــرْع هَذَا يكون مُمكنا عِنْدَمَا يكون عَالما بالدلائل الشَّــرْعِــيَّة.
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي بقولنَا حَتَّى يعلم من أَيْن قُلْنَاهُ. وَفِي (الغياث) جَاءَ أَن معنى هَذَا الْكَلَام هُوَ أَن لَا يُقَاس على الْمَسْأَلَة من عِنْده مَا دَامَ هُوَ لَا يعلم من أَي وَجه أعْطى الإِمَام جَوَابه على الْمَسْأَلَة الأولى. وَجَاء فِي (الْمُلْتَقط) وَغَيره، وَلِأَن جَوَابه غَالب على خطائه، فَمن الْجَائِز لنا الْأَخْذ إِذا مَا أعْطى هُوَ الْفَتْوَى حَتَّى وَلَو لم يكن الْآخِذ من أهل الإجتهاد، وَلَكِن لَا يحل لَهُ أَن يُفْتِي إِلَّا عَن طَرِيق الرِّوَايَة عَن قَول الْفُقَهَاء.
قَالَ فِي (المفاتيح) وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُفْتِي عَاقِلا بَالغا عَالما باللغة والنحو وَالْأَحَادِيث الْمُتَعَلّقَة بِالْأَحْكَامِ والناسخ والمنسوخ وَالصَّحِيح والسقيم وَأَن يكون فَقِيه النَّفس عَالما بالتواريخ وسير الصَّحَابَة ومذاهب الْأَئِمَّة وأصول الْفِقْه. وَجَاء فِي شرح (الْقَدُورِيّ) أَن الإِمَام أَبُو يُوسُف رَحمَه الله فِي هَذَا الْمَعْنى قد أَخذ الْأَمر بِشدَّة وَقَالَ، لَا يصل أحد إِلَى إِعْطَاء الْفَتْوَى إِذا لم يكن من أهل الْعقل والرأي وَإِذا لَا يعرف أَحْكَام الْكتاب وَالسّنة والناسخ والمنسوخ وأقوال الصَّحَابَة وسيرهم ووجوه الْكَلَام، وَيظْهر من هَذِه الْأَقْوَال جَوَاز الْإِفْتَاء مَعَ الِاجْتِهَاد والتقليد مَعَ أَوْلَوِيَّة الأول.
أما الْآدَاب والمستحبات فِي ذَلِك هِيَ أَنه إِذا لم يكن الْمُفْتِي من أهل الِاجْتِهَاد فليجب على الْفُرُوع فَذَلِك أسلم وأحوط، وَكَذَلِكَ أَن لَا يتجرأ على الافتاء استنادا إِلَى علمه وَيَقُول لقد أجازني علمي، لَكِن عَلَيْهِ أَن يلازم الْمُفْتِينَ وَيَأْخُذ الْإِجَازَة عَلَيْهِم حَتَّى يصبح على بَصِيرَة من أمره، قَالُوا وَإِن حفظ جَمِيع كتب أَصْحَابنَا فَلَا بُد أَن يتلمذ للْفَتْوَى حَتَّى يهتدى إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَا تقدم على الْجَواب قبل الْقِرَاءَة والمطالعة الجديدة والتأمل الطَّوِيل واجتنب الْمُبَادرَة والتعجيل فِي إِعْطَاء الْجَواب، حَتَّى إِذا وَقع الْخَطَأ عذرت وَمَسْأَلَة التَّحَرِّي فِي هَذَا الْمقَام هِيَ الدَّلِيل التَّام، ويروى عَن الإِمَام الْأَعْظَم رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَنه لم يجب على كثير من الْمسَائِل الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا. وَلَا يجب الِالْتِفَات إِلَى إلحاح المستفتي، ويروى عَن أَبُو نصر رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَنه كَانَ يَقُول للَّذي يستفتيه ويلح عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ وَيَقُول لَهُ أرد جَوَاب فقد أتيت من طَرِيق بعيد:
(فَلَا نَحن ناديناك من حَيْثُ جئتنا ... وَلَا نَحن عمينا عَنْك الذهبا)
وَكَذَلِكَ أَن تصبح ملولا من كَثْرَة السُّؤَال وَالْجَوَاب وَأَن لَا تُعْطِي جَوَابا وَأَنت مشتت الذِّهْن، فَإِذا أجبْت فَلَا تَدعِي الْجَواب لنَفسك وَتقول أَنا أَقُول إِن الحكم كَذَا وَأَنا أُفْتِي بِكَذَا وَغير ذَلِك بل قل بالرواية عَن الْعلمَاء هَكَذَا وَفِي الْكتاب الْفُلَانِيّ هَكَذَا.
وَكَذَلِكَ إِذا سُئِلَ عَن الْعِبَادَات صِحَّتهَا وفسادها وَوجه فَسَادهَا وصحتها، فاختر وَجه الْفساد، وَإِذا كَانَ السُّؤَال فِي الْمُعَامَلَات فاختر وَجه الصِّحَّة، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي (الْمُحِيط) وَفِي (الذَّخِيرَة) أَنه فِي هَذَا النَّوْع من الْمسَائِل فِي المعتقدات عَلَيْهِ أَن يخْتَار الْإِيمَان وَمهما أمكن أَلا يحكم بالْكفْر. وَأَيْضًا أَن لَا يَأْخُذ أجرا على الْإِفْتَاء نَفسه لِأَنَّهُ (طَاعَة) وَهَذِه الْمَسْأَلَة قد فصلناها فِي بَاب (الْأجر) ، وعَلى كل حَال فَإِن عدم أَخذ الْأجر فِي الْعِبَادَات أولى وَأَحْرَى لقَوْله تَعَالَى: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} ، وَأَيْضًا إِذا سَأَلَهُ أحدهم عَن جَوَاب مَسْأَلَة فَلْيقل إِنَّه على قَول الإِمَام الْأَعْظَم جوابها هَكَذَا.
وَفِي بَاب السيوم من كتاب النِّكَاح لشيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده جَاءَ إِذا زوجت امْرَأَة بكر بَالِغَة شافعية الْمَذْهَب من رجل شَافِعِيّ أَو حَنَفِيّ ووالدها كَانَ غَائِبا، فَإِن هَذَا النِّكَاح يكون صَحِيحا، على الرغم من أَنه عِنْد الشَّافِعِي غير صَحِيح، لِأَن عِنْده يجب أَن يكون الزَّوْج وَالزَّوْجَة على الْمَذْهَب الشَّافِعِي، وعَلى الرغم من اعتقادنا أَن الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَانَ على خطأ، إِلَّا أَن الْوَاجِب علينا أَن نعطي الْجَواب بغض النّظر عَمَّا هُوَ اعتقادنا فِي الْمَسْأَلَة. وَإِذا كَانَ السُّؤَال مَا هُوَ جَوَاب الشَّافِعِي على هَذِه الْمَسْأَلَة، فَالْوَاجِب أَن نقُول إِنَّهَا صَحِيحَة وَعند أبي حنيفَة كَذَا رَحمَه الله تَعَالَى، وَالله أعلم. وَإِذا كَانَ السُّؤَال عَن مسَائِل مؤيده (مصدقه) فَإِن على الْمُفْتِي فِيهَا (ديانَة لَا قَضَاء) مَا هُوَ حكم الدّيانَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. فَإِذا كَانَ الْجَواب مَكْتُوبًا فَيكْتب (لَيْسَ مُصدقا، بل قَضَاء) وَإِذا كَانَ الْجَواب شفويا فَيَقُول (مُصدق، وديانة لَيْسَ سليما) .
أَن لَا يُبَادر إِلَى الْجَواب فِي حُضُور شخص أعلم مِنْهُ، لَا تقريرا وَلَا تحريرا وَإِذا ورد عَلَيْهِ جَوَاب مفت آخر على مَسْأَلَة مَا وَيظْهر ان ذَلِك الْمُفْتِي قد أَخطَأ فَإِن ذَلِك الْمُفْتِي مَعْذُور فِي ترك الْجَواب ورد الْفَتْوَى إِذا مَا كَانَ مُجْتَهدا. أما إِذا كَانَ مَنْصُوص عَلَيْهِ فَهُوَ لَيْسَ مَعْذُورًا فِي الرَّد بل يحْتَفظ بِهِ أَو أَن يمزقه حَتَّى لَا يعْمل بِهِ.
وَقد أورد (كَمَال البياعي) أَنه فِي الْفَتَاوَى لَيْسَ مَعْذُورًا مُطلقًا فِي ردهَا إِذا علم بخطئه وَأدْركَ أَنه سيعمل بهَا.
وَإِذا وَردت عَلَيْهِ رقْعَة فِيهَا استفتاء لم يسْتَوْف الْقُيُود الأساسية لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن لَا يُجيب عَلَيْهِ بل يُعِيدهُ للمستفتي حَتَّى يكمله، وَإِذا قَيده مَعَ التمَاس المستفتي فَإِنَّهُ غير سليم. وَعَلِيهِ أَن يُرَاعِي فِي الْقُيُود شُرُوط الإيجاز ويبتعد عَن الْأَطْنَاب وَكَذَلِكَ الحشو والتطويل، مِثَال الإيجاز: قَالَ زيد لِزَيْنَب كَذَا، وَمِثَال الْأَطْنَاب زيد الْحر والمكلف قَالَ لِزَيْنَب الْحرَّة والمكلفة كَذَا وَكَذَا. وَمِثَال الحشو زيد رجل ابْن عمر قَالَ لِزَيْنَب الْمَرْأَة وَابْنَة خَالِد كَذَا. وَمِثَال التَّطْوِيل زيد الْكَبِير فِي دَار الْإِسْلَام قَالَ على زَيْنَب الْكَبِيرَة فِي دَار الْإِسْلَام كلَاما نابيا وسبها. وَلَا يجب على الْكَلَام النابي حد الْقَذْف الَّذِي هُوَ عبارَة عَن ثَمَانِينَ جلدَة.
وَيجب أَن يحْتَرز من أَن يضر الْقَيْد بالمستفتي، وَأَن لَا يُعْطِيهِ الرقعة من دون اسْتِحْقَاق الْإِجَابَة أَو أَن يكون مشعرا بالحيلة والالتباس. وَإِذا كَانَت الْمَسْأَلَة من الخلافات الَّتِي لَهَا أَكثر من قَول فيعطي الْفَتْوَى على إِحْدَى الْأَقْوَال والطريقة فِي ذَلِك أَن يعلم أَنه فِي هَذِه الْحَادِثَة لَا تُوجد رِوَايَة أُخْرَى تنقض الْفَتْوَى، حَتَّى لَا يطعن بِهِ ويتهم لَدَى الْعَامَّة. وَأَن يجْتَنب مُطلقًا تَعْلِيم الْحِيَل والتلبيس حَتَّى لَا يسْتَحق الْحجر وَالْمَنْع، وَقَالَ الإِمَام الْأَعْظَم رَحمَه الله أَن الْحجر لَا يجوز إِلَّا على ثَلَاثَة وعد الْمُفْتِي الماجن من ضمنهم. وَجَاء فِي (الذَّخِيرَة) وَقد أَمر أَن تستر عَورَة الْمُرْتَد عَن الْإِسْلَام لِأَن زَوجته قد حرمت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أصبح كَافِرًا، نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا.
وَجَاء فِي (جَوَاهِر الْفَتَاوَى) وكل مفتي حَنَفِيّ يَأْمر مُطلقَة بِالثَّلَاثَةِ أَن تنقل مذهبها إِلَى الْمَذْهَب الشَّافِعِي وتقر أَن نِكَاحهَا كَانَ بَاطِلا بِسَبَب كَونهَا من دون ولي من الْوَاجِب على سُلْطَان الزَّمَان أَن يزجره ويمنعه. وَقد قَالَ صَاحب (الْجَوَاهِر) لقد أستفتي أَئِمَّة بخارا عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَكَانَت إجاباتهم على هَذَا النَّحْو. أجَاب الإِمَام ظهير الدّين المرغيناني بعد قَول المستفتي كَانَ من الْوَاجِب على سُلْطَان الزَّمَان زَجره وَمنع هَذَا الْمُفْتِي وتعزيزه وَالله أعلم، وَعَن أَئِمَّة السّلف، سُئِلَ عَن مثل هَذِه الْمَسْأَلَة فَأجَاب، أعتقد هَذَا رجل خرج من دنيا الْإِيمَان وَالله العاصم. وَالْقَاضِي الإِمَام فَخر الدّين حُسَيْن بن مَنْصُور الأوزجندي أجَاب بِمثل ذَلِك وَالله أعلم. أما الإِمَام قوام الدّين الصفار فَأجَاب لَا يجب أَن يفعل وَإِن فعل فَذَلِك لَيْسَ حَلَالا. وعَلى سُلْطَان الْوَقْت أَن يزجره وَأَن يحْجر على هَذَا الْمُفْتِي وَألا يفعل مثل ذَلِك. وَلَيْسَ سليما من الْمُفْتِي أَن يقبل الْهَدِيَّة وَلَكِن إِذا قبل الْهَدِيَّة بعد الاستفتاء وَالْجَوَاب عَلَيْهِ هُوَ أقرب للْحلّ وَأبْعد عَن الرِّشْوَة.
يَقُول شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده إِذا جَاءَ المستفتي بهدية إِلَى الْمُفْتِي بعد الاستفتاء وَالْجَوَاب عَلَيْهِ فَلَا عيب فِي قبُولهَا.
وَيجب عَلَيْهِ أَن يحْتَاط كثيرا فِي أُمُور الْفرج بِقدر الِاسْتِطَاعَة كَمَا جَاءَ فِي (الْمُحِيط) ، وَأَن يذيل الرِّوَايَة بِلَفْظ (هُوَ الْأَصَح) أَو (هُوَ الأولى) أَو (هُوَ الْأَيْسَر) أَو (افتى بِهِ فلَان) أَو (بِهِ أَخذ فلَان) أَو (عَلَيْهِ فَتْوَى فلَان) أَو (مَا فِي هَذَا الْمَعْنى) وَيجوز للمفتي أَن يُفْتِي اعْتِمَادًا على الرِّوَايَات بِمَا خَالف ذَلِك. أما إِذا كَانَت الرِّوَايَة مذيلة بِلَفْظ (عَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَو (هُوَ الصَّحِيح) أَو (هُوَ الْمَأْخُوذ للْفَتْوَى) أَو (بِهِ يُفْتِي) وَمَا شابه ذَلِك، فَلَا يجوز عِنْدهَا للمفتي أَن يُفْتِي بِخِلَاف ذَلِك. وَقد جَاءَ فِي (الْمُضْمرَات) بعض عَلَامَات الْفَتْوَى هِيَ: (عَلَيْهِ الْفَتْوَى) _ بِهِ نَأْخُذ _ بِهِ يعْتَمد _ عَلَيْهِ الِاعْتِمَاد _ عَلَيْهِ عمل النَّاس الْيَوْم _ عَلَيْهِ عمل الِاعْتِمَاد _ هُوَ الصَّحِيح _ هُوَ الظَّاهِر _ هُوَ الْأَظْهر _ هُوَ الْمُخْتَار _ عَلَيْهِ فَتْوَى مَشَايِخنَا _ هُوَ الْأَشْبَه _ هُوَ الْأَوْجه. وَفِي حَاشِيَة (بزدوي) أَن لفظ (الْأَصَح) يَقْتَضِي أَن يكون غير صَحِيحا، أما لفظ (صَحِيح) فَلَا يَقْتَضِي أَن يكون غير صَحِيحا:
(انْظُر أَيهَا الْقلب كم هِيَ شُرُوط الافتاء عِنْد الْمُجْتَهدين ... )
(وَلَكِن فِي عصرنا فَإِن للمفتي حكم العنقاء والكيمياء ... )
وَمن الحرمان والخسران أنني قضيت مُدَّة من عمري الْعَزِيز فِي طلب هَذِه الطَّائِفَة فَلم أجد إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُم الَّذين يتحلون بِهَذِهِ الصِّفَات، ولأنني حرمت من تَحْقِيق مقصودي فقد رَأَيْت كثيرا من الَّذين لَا علم لَهُم وَلَا عمل ويتصدون لهَذَا الْأَمر الْجَلِيل عَن جهل وَعدم الدّين فأنشدت قصيدة من ثَلَاثِينَ بَيْتا:
(قيل الْآن كَانَ مفتي كل مَدِينَة ... على اطلَاع على الْعُلُوم الدِّينِيَّة)
(وَكَانُوا من سالكي طَرِيق الله ... وَمن وارثي علم الْمُصْطَفى)
(وَكَانَ علمهمْ دستورا قبل حلمهم ... عُلَمَاء فِي الْعلم وحلمهم عَامر ومعمور) (تنير الدُّنْيَا من نور علمهمْ ويتضوع ... الْعَالم من عطر زهورهم)
(طويتهم نور تحرق الظلمَة وَلَكِن ... علمهمْ بِنَاء وَدينهمْ ثَابت)
(أقلامهم تسطر علم الْغَيْب ... ورسم توقيعهم بَرِيء من الْعَيْب)
(كل وَاحِد مِنْهُم فِي صفائه كَأَنَّهُ صوفي ... وَالثَّانِي أَبُو حنيفَة الْكُوفِي)
(سعيت سنوات عدَّة من أجل اكْتِسَاب ... الْكَمَال جادا وجاهدا)
(فدرست علم النَّحْو وَالصرْف ورأينا ... الْمنطق وَالْحكمَة وَالْبَيَان)
(وَبعد أَن أنفقت السنوات فِي هَذِه الْعُلُوم ... اتجهت إِلَى علم الْأُصُول)
(فَأَصْبَحت مَشْهُورا بَين الْخَاصَّة والعامة ... فِي علم الْأُصُول والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْكَلَام)
(بعد ذَلِك اتجهت لعلم الْفِقْه ... وقضيت السنوات فِي ممارسته)
(وَمُدَّة أُخْرَى سرا وجهرا كنت ... تركض وَرَاء الأساتذة)
(وَلما أَصبَحت فِي الدُّنْيَا صَاحب علم الْعلم ... فَجعلت من الْعلم أفضل من الْعَمَل)
(وَإِذا لم يبْق من الْمَرْء عَلامَة وَاسم ... فَلَا أثر لَهُ فِي هَذِه الدُّنْيَا)
(من هُوَ الْمُفْتِي فِي هَذِه الْأَيَّام ... أشخص جَاهِل بعيد عَن النّسَب وحسبه عاطل)
(لَك كل مَا أردْت من الفضول وَعدم الْمَعْنى ... فَهُوَ لَا يعرف من الْجَهْل الْمَوْجُود من عَدمه)
(يَقُولُونَ إِن الْحق وبال ... وَالدَّم الْحَرَام حَلَال)
وَهَكَذَا حَتَّى الآخر.

العقل

العقل: بالضم الديةُ أي المال الذي هو بدلُ النفس.
العقل: بالملكة، العلم بالضروريات، واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريات.
العقل:
[في الانكليزية] Wind ،reason ،intellect
[ في الفرنسية] Vent ،raison ،intellect
بالفتح وسكون القاف يطلق على معان منها إسقاط الخامس المتحرّك كذا في عنوان الشرف. وفي رسالة قطب الدين السرخسي العقل إسقاط الخامس بعد العصب انتهى، والمآل واحد إلّا أنّ الأول لقلة عمله أولى.
ويقول في منتخب اللغات العقل هو إسقاط التاء من مفاعلتن. وعلى هذا اصطلاح أهل العروض، ومنها الشكل المسمّى بالطريق في علم الرمل ومنها عنصر الهواء. وأهل الرّمل يسمّون الريح عقلا، الريح الأولى يسمّونها العقل الأول، حتى إنهم يسمّون ريح العتبة الداخلة العقل السابع، حسب ترتيب وضع جدول الأنوار في الطالب والمطلوب كما مرّ. وهذا اصطلاح أهل الرّمل. ومنها التعقّل صرّح بذلك المولوي عبد الحكيم في حاشيته لشرح المواقف في تعريف النّظر، وهو إدراك شيء لم يعرضه العوارض الجزئية الملحقة بسبب المادة في الوجود الخارجي من الكم والكيف والأين والوضع وغير ذلك. وحاصله إدراك شيء كلّي أو جزئي مجرّد عن اللواحق الخارجية، وإن كان التجرّد حصل بالتجريد فإنّ المجرّدات كلّية كانت أو جزئية معقولة بلا احتياج إلى الانتزاع والتجريد، والماديات الكلّية أيضا معقولة لكنها محتاجة إلى الانتزاع والتجريد عن العوارض الخارجية المانعة من التعقّل. وأما الماديات الجزئية فلا تتعقّل، بل إن كانت صورا تدرك بالحواس وإن كانت معاني فبالوهم التابع للحسّ الظاهري، هكذا حقّق السّيد السّند في حواشي شرح حكمة العين. ومنها مطلق المدرك نفسا كان أو عقلا أو غيرهما كما يجيء في لفظ العلم. ومنها موجود ممكن ليس جسما ولا حالا فيه ولا جزءا منه، بل هو جوهر مجرّد في ذاته مستغن في فاعليته عن آلات جسمانية.
وبعبارة أخرى هو الجوهر المجرّد في ذاته وفعله أي لا يكون جسما ولا جسمانيا ولا يتوقّف أفعاله على تعلّقه بجسم. وبعبارة أخرى هو جوهر مجرّد غير متعلّق بالجسم تعلّق التدبير والتصرّف، وإن كان متعلّقا بالجسم على سبيل التأثير. فبقيد الجوهر خرج العرض والجسم.
وبقيد المجرّد خرج الهيولى والصورة. وبالقيد الأخير خرج النفس الناطقة. والعقل بهذا المعنى أثبته الحكماء. وقال المتكلّمون لم يثبت وجود المجرّد عندنا بدليل، فجاز أن يكون موجودا وأن لا يكون موجودا، سواء كان ممكنا أو ممتنعا. لكن قال الغزالي والرّاغب في النفس إنّه الجوهر المجرّد عن المادة. ومنهم من جزم امتناع الجوهر المجرّد. وفي العلمي حاشية شرح هداية الحكمة: هذا الجوهر يسمّيه الحكماء عقلا ويسمّيه أهل الشــرع ملكا، وفي بعض حواشي شرح الهداية القول بأنّ العقول المجرّدة هي الملائكة تستّر بالإسلام لأنّ الملائكة في الإسلام أجسام لطيفة نورانية قادرة على أفعال شاقّة متشكّلة بأشكال مختلفة ولهم أجنحة وحواس. والعقول عندهم مجرّدة عن المادة، وكأنّ هذا تشبيه، يعني كما أنّ عندكم المؤثّر في العالم أجسام لطيفة فكذلك عندنا المؤثّر فيه عقول مجردة انتهى.
فائدة:

قال الحكماء: الصادر الأول من البارئ تعالى هو العقل الكلّ وله ثلاثة اعتبارات:
وجوده في نفسه ووجوبه بالغير وإمكانه لذاته، فيصدر عنه أي عن العقل الكلّ بكل اعتبار أمر فباعتبار وجوده يصدر عنه عقل ثان، وباعتبار وجوبه بالغير يصدر نفس، وباعتبار إمكانه يصدر جسم، وهو فلك الأفلاك. وإنّما قلنا إنّ صدورها عنه على هذا الوجه استنادا للأشرف إلى الجهة الأشرف والأخسّ إلى الأخسّ، فإنّه أحرى وأخلق. وكذلك يصدر من العقل الثاني عقل ثالث ونفس ثانية وفلك ثان، هكذا إلى العقل العاشر الذي هو في مرتبة التاسع من الأفلاك، أعني فلك القمر، ويسمّى هذا العقل بالعقل الفعّال، ويسمّى في لسان أهل الشــرع بجبرئيل عليه السلام كما في شرح هداية الحكمة، وهو المؤثّر في هيولى العالم السّفلي المفيض للصّور والنفوس والأعراض على العناصر والمركّبات بسبب ما يحصل لها من الاستعدادات المسبّبة من الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية وأوضاعها. وفي الملخص إنهم خبطوا فتارة اعتبروا في الأول جهتين:
وجوده وجعلوه علّة التعقّل، وإمكانه وجعلوه علّة الفلك. ومنهم من اعتبر بدلهما تعلّقه بوجوده وإمكانه علّة تعقّل وفلك وتارة اعتبروا فيه كثرة من وجوه ثلاثة كما مرّ، وتارة من أربعة أوجه، فزادوا علمه بذلك الغير وجعلوا إمكانه علّة لهيولى الفلك، وعلمه علّة لصورته. وبالجملة فالحقّ أنّ العقول عاجزة عن درك نظام الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر.
فائدة:
قالوا العقول لها سبعة أحكام. الأول أنّها ليست حادثة لأنّ الحدوث يستدعي مادة.
الثاني ليست كائنة ولا فاسدة، إذ ذاك عبارة عن ترك صورة ولبس صورة أخرى، فلا يتصوّر ذلك إلّا في المركّب المشتمل على جهتي قبول وفعل. الثالث نوع كلّ عقل منحصر في شخصه إذ تشخّصه بماهيته، وإلّا لكان من المادة هذا خلف. الرابع ذاتها جامعة لكمالاتها أي ما يمكن أن يحصل لها فهو حاصل بالفعل دائما وما ليس حاصلا لها فهو غير ممكن. الخامس أنّها عاقلة لذواتها. السادس أنّها تعقل الكليات وكذا كلّ مجرّد فإنّه يعقل الكليات. السابع أنّها لا تعقل الجزئيات من حيث هي جزئية لأنّ تعقّل الجزئيات يحتاج إلى آلات جسمانية. وإن شئت أن يرتسم خبطهم في ذهنك فارجع إلى شرح المواقف.
فائدة:
قال الحكماء أول ما خلق الله تعالى العقل كما ورد به نصّ الحديث. قال بعضهم وجه الجمع بينه وبين الحديثين الآخرين (أول ما خلق الله القلم) و (أول ما خلق الله نوري) أنّ المعلول الأول من حيث إنّه مجرّد يعقل ذاته ومبدأه يسمّى عقلا، ومن حيث إنّه واسطة في صدور سائر الموجودات في نقوش العلوم يسمّى قلما، ومن حيث توسّطه في إفاضة أنوار النّبوّة كان نورا لسيّد الأنبياء عليه وعليهم السلام، كذا في شرح المواقف. قال في كشف اللغات:
العقل الأول في لسان الصوفية هو مرتبة الوحدة. ويقول في لطائف اللغات: العقل هو عبارة عن النّور المحمدي صلّى الله عليه وسلّم.. وفي الإنسان الكامل العقل الأول هو محلّ تشكيل العلم الإلهي في الوجود لأنّه العلم الأعلى ثم ينزل منه العلم إلى اللوح المحفوظ، فهو إجمال اللوح واللوح تفصيله، بل هو تفصيل علم الإجمال الإلهي واللوح محلّ تنزّله. ثم العقل الأول من الأسرار الإلهية ما لا يسعه اللوح كما أنّ اللوح من العلم الإلهي ما لا يكون العقل الأول محلا له، فالعلم الإلهي هو أمّ الكتاب والعقل الأول هو الإمام المبين واللوح هو الكتاب المبين، فاللوح مأموم بالقلم تابع له، والقلم الذي هو العقل الأول حاكم على اللوح مفصّل للقضايا المجملة في دواة العلم الإلهي المعبّر عنها بالنون. والفرق بين العقل الأول والعقل الكلّ وعقل المعاش أنّ العقل الأول بعد علم إلهي ظهر في أول تنزلاته التعيينية الخلقية.
وإن شئت قلت أول تفصيل الإجمال الإلهي.
ولذا قال عليه الصلاة والسلام (أنّ أول ما خلق الله تعالى العقل) فهو أقرب الحقائق الخلقية إلى الحقائق الإلهية، والعقل الكلّ هو القسطاس المستقيم وهو ميزان العدل في قبّة الروح للفصل. وبالجملة فالعقل الكلّ هو العاقلة أي المدركة النورية التي ظهر بها صور العلوم المودعة في العقل الأول. ثم إنّ عقل المعاش هو النور الموزون بالقانون الفكري فهو لا يدرك إلّا بآلة الفكر، ثم إدراكه بوجه من وجوه العقل الكلّ فقط لا طريق له إلى العقل الأوّل، لأنّ العقل الأوّل منزّه عن القيد بالقياس وعن الحصر بالقسطاس، بل هو محلّ صدور الوحي القدسي إلى نوع النفس، والعقل الكلّ هو الميزان العدل للأمر الفصلي، وهو منزّه عن الحصر بقانون دون غيره، بل وزنه للأشياء على معيار وليس لعقل المعاش إلّا معيار واحد وهو الفكر وكفّة واحدة وهي العادة وطرف واحد وهو المعلوم وشوكة واحدة وهو الطبيعة، بخلاف العقل الكلّ فإنّ له كفّتين الحكمة والقدرة، وطرفين الاقتضاءات الإلهية والقوابل الطبعية، وشوكتين الإرادة الإلهية والمقتضيات الخلقية، وله معاير شتّى. ولذا كان العقل الكلّ هو القسطاس المستقيم لأنّه لا يحيف ولا يظلم ولا يفوته شيء بخلاف عقل المعاش فإنّه قد يحيف ويفوته أشياء كثيرة لأنّه على كفة واحدة وطرف واحد.
فنسبة العقل الأول مثلا نسبة الشمس، ونسبة العقل الكلّ نسبة الماء الذي وقع فيه نور الشمس، ونسبة عقل المعاش نسبة شعاع ذلك الماء إذا بلغ على جدار، فالناظر في الماء يأخذ هيئة الشمس على صحته ويعرف نوره على حليته كما لو رأى الشمس لا يكاد يظهر الفرق بينهما، إلّا أنّ الناظر إلى الشمس يرفع رأسه إلى العلو والناظر إلى الماء ينكس رأسه إلى السفل، فكذلك الآخذ علمه من العقل الأول يرفع بنور قلبه إلى العلم الإلهي، والآخذ علمه من العقل الكلّ ينكس بنور قلبه إلى المحلّ الكتاب فيأخذ منه العلوم المتعلّقة بالأكوان وهو الحدّ الذي أودعه الله في اللوح المحفوظ، إمّا يأخذ بقوانين الحكمة وإمّا بمعيار القدرة على قانون وغير قانون، فهذا الاستقراء منه انتكاس لأنّه من اللوازم الخلقية الكلّية لا يكاد يخطئ إلّا فيما استأثر الله به بخلاف العقل الأول فإنّه يتلقّى من الحقّ بنفسه.
اعلم أنّ العقل الكلّ قد يستدرج به أهل الشقاوة فيقبح عليهم أهويتهم فيظفرون على أسرار القدرة من تحت سجف الأكوان كالطبائع والأفلاك والنور والضياء وأمثالها، فيذهبون إلى عبادة هذه الأشياء، وذلك بمكر الله لهم. والنكتة فيه أنّ الله سبحانه يتجلّى لهم في لباس هذه الأشياء فيدركها هؤلاء بالعقل فيقولون بأنّه هي الفعّالة والآلهة، لأنّ العقل الكلّ لا يتعدّى الكون، فلا يعرفون الله به لأنّ العقل لا يعرف إلّا بنور الإيمان، وإلّا فلا يمكن أن يعرفه العقل من نظيره وقياسه سواء كان العقل معاشا أو عقلا كلّا؛ على أنّه قد ذهب أئمتنا إلى أنّ العقل من أسباب المعرفة، وهذا من طريق التوسّع لإقامة الحجّة، وكذلك عقل المعاش فإنّه ليس له إلّا جهة واحدة وهي النظر والفكر. فصاحبه إذا أخذ في معرفة الله به فإنّه يخطئ، ولهذا إذا قلنا بأنّ الله لا يدرك بالعقل أردنا به عقل المعاش. ومتى قلنا إنّه يعرف بالعقل أردنا به عقل المعاش. ومتى قلنا إنّه يعرف بالعقل أردنا به العقل الأول.
اعلم أنّ علم العقول الأوّل والقلم الأعلى نور واحد فبنسبته إلى العبد يسمّى العقل الأول وبنسبته إلى الحق يسمّى القلم الأعلى. ثم إنّ العقل الأول المنسوب إلى محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم خلق الله جبرئيل عليه السلام منه في الأول فكان محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا لجبرئيل وأصلا لجميع العالم. فاعلم إن كنت ممّن يعلم أنّه لهذا وقف عنه جبرئيل في إسرائه وتقدّم وحده، ويسمّى العقل الأول بالروح الأمين لأنّه خزانة علم الله وأمينه، ويسمّى بهذا الاسم جبرئيل من تسمية الفــرع بأصله انتهى ما في الإنسان الكامل. ويقول في كشف اللغات:
العقل الأوّل والعقل الكلّي هو جبرائيل عليه السلام. وفي القاموس: إنّهم يسمّون العرش عقلا، وكذلك أصل وحقيقة الإنسان من حيث أنّه فيض وواسطة لظهور النفس الكلّية. وقد أطلقوا عليه أربعة أسماء: الأول: العقل. الثاني القلم الأول. الثالث الروح الأعظم. الرابع أمّ الكتاب.

وعلى وجه الحقيقة: إنّ آدم هو صورة العقل الكلّي وحواء هي صورة النّفس الكلّية، انتهى كلامه. ومنها النفس الناطقة باعتبار مراتبها في استكمالها علما وعملا وإطلاق العقل على النفس بدون هذا الاعتبار أيضا شائع كما في بديع الميزان من أنّ العقل جوهر مجرّد عن المادة لذاته، مقارن لها في فعله، وهو النفس الناطقة التي يشير إليها كلّ واحد بقوله أنا. منها نفس تلك المراتب. ومنها قواها في تلك المراتب. قال الحكماء بيان ذلك أنّ للنفس الناطقة جهتين: جهة إلى عالم الغيب وهي باعتبار هذه الجهة متأثّرة مستفيضة عمّا فوقها من المبادئ العالية وجهة إلى عالم الشهادة وهي باعتبار هذه الجهة مؤثّرة متصرّفة فيما تحتها من الأبدان، ولا بد لها بحسب كلّ جهة قوة ينتظم بها حالها هناك. فالقوة التي بها تتأثّر وتستفيض من المبادئ العالية لتكميل جوهرها من التعقّلات تسمّى قوة نظريّة وعقلا نظريا، والتي بها تؤثّر في البدن وتتصرّف فيه لتكميل جوهره تسمّى قوة عملية وعقلا عمليا، وإن كان ذلك أيضا عائدا إلى تكميل النفس من جهة أنّ البدن آلة لها في تحصيل العلم والعمل. ولكلّ من القوتين أربع مراتب. فمراتب القوة النظرية أولها العقل الهيولاني وهو الاستعداد المحض لإدراك المعقولات، وهو قوّة محضة خالية عن الفعل كما للأطفال، فإنّ لهم في حال الطفولية وابتداء الخلقة استعدادا محضا وإلّا امتنع اتصاف النفس بالعلوم. وكما يكون النفس في بعض الأوقات خالية عن مبادئ نظري من النظريات فهذه الحالة عقل هيولاني لذلك النفس بالاعتبار إلى هذا النظري، وليس هذا الاستعداد حاصلا لسائر الحيوانات. وإنّما نسب إلى الهيولى لأنّ النفس في هذه المرتبة تشبه الهيولى الأولى الخالية في حدّ ذاتها عن الصور كلّها وتسمّى النفس وكذا قوة النفس في هذه المرتبة بالعقل الهيولاني أيضا. وعلى هذا فقس سائر المراتب. وفي كون هذه المرتبة من مراتب القوة النظرية نظر لأنّ النفس ليس لها هاهنا تأثّر بل استعداد تأثّر، فينبغي أن تفسّر القوة النظرية بالتي يتأثّر بها النفس أو تستعد بها لذلك، ويمكن أن يقال استعداد الشيء من جملته. فمبنى هذا على المساهلة وإنّما بني على المساهلة تنبيها على أنّ المراد هو الاستعداد القريب من الفعل إذ لو كان مطلق الاستعداد لما انحصرت المراتب في الأربع إذ ليس لها باعتبار الاستعداد البعيد مرتبة أخرى فوق الهيولاني وهي المرتبة الحاصلة لها قبل تعلّق النفس بالبدن. وثانيتها العقل بالملكة وهو العلم بالضروريات واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريات منها، وهذا العلم حادث بعد ابتداء الفطرة، فله شرط حادث بالضرورة دفعا للترجيح بلا مرجّح في اختصاصه بزمان معيّن، وما هو إلّا الإحساس بالجزئيات والتنبيه لما بينها من المشاركات والمباينات، فإنّ النفس، إذا أحسّت بجزئيات كثيرة وارتسمت صورها في آلاتها الجسمانية ولاحظت نسبة بعضها إلى بعض استعدّت لأن تفيض عليها من المبدأ صور كلّية وأحكام تصديقية فيما بينها، فهذه علوم ضرورية، ولا نريد بها العلم بجميع الضروريات فإنّ الضروريات قد تفقد إمّا بفقد التصوّر كحسّ البصر للأكمه وقوة المجامعة للعنّين، أو بفقد شرط التصديق، فإنّ فاقد الحسّ فاقد للقضايا المستندة إلى ذلك الحسّ، وبالجملة فالمراد بالضروريات أوائل العلوم وبالنظريات ثوانيها سمّيت به لأنّ المراد بالملكة إمّا ما يقابل الحال، ولا شكّ أنّ استعداد الانتقال إلى المعقولات راسخ في هذه المرتبة، أو ما يقابل العدم كأنّه قد حصل للنفس فيها وجود الانتقال إليها بناء على قربه، كما سمّي العقل بالفعل عقلا بالفعل لأنّ قوته قريبة من الفعل جدا. قال شارح هداية الحكمة: العقل بالملكة إن كان في الغاية بأن يكون حصول كلّ نظري بالحدس من غير حاجة إلى فكر يسمّى قوة قدسية. وثالثتها العقل بالفعل وهو ملكة استنباط النظريات من الضروريات أي صيرورة الشخص بحيث متى شاء استحضر الضروريات ولا حظها واستنتج منها النظريات، وهذه الحالة إنّما تحصل إذا صار طريقة الاستنباط ملكة راسخة فيه. وقيل العقل بالفعل هو حصول النظريات وصيرورتها بعد استنتاجها من الضروريات بحيث استحضرها متى شاء بلا تجشّم كسب جديد، وذلك إنّما يحصل إذا لاحظ النظريات الحاصلة مرة بعد أخرى حتى يحصل له ملكة نفسانية يقوى بها على استحضارها متى أراد من غير فكر، وهذا هو المشهور في أكثر الكتب. وبالجملة العقل بالفعل على القول الأول ملكة الاستنباط والاستحصال وعلى القول الثاني ملكة الاستحضار. ورابعتها العقل المستفاد وهو أن يحصّل النظريات مشاهدة سمّيت به لاستفادتها من العقل الفعّال، وصاحب هداية الحكمة سمّاها عقلا مطلقا وسمّى معقولاتها عقلا مستفادا. وقال شارحها لا يخفى أنّ تسمية معقولات تلك المرتبة بالعقل المستفاد خلاف اصطلاح القوم.
اعلم أنّ العقل الهيولاني والعقل بالملكة استعدادان لاستحصال الكمال ابتداء والعقل بالفعل بالمعنى الثاني المشهور استعداد لاسترجاعه واسترداده فهو متأخّر في الحدوث عن العقل المستفاد لأنّ المدرك ما لم يشاهد مرات كثيرة لا يصير ملكة ومتقدّم عليه في البقاء لأنّ المشاهدة تزول بســرعــة وتبقى ملكة الاستحضار مستمرة فيتوصّل بها إلى مشاهدته، فبالنظر إلى الاعتبار الثاني يجوز تقديم العقل بالفعل على العقل المستفاد، وبالنظر إلى الاعتبار الأول يجوز العكس، أمّا العقل بالفعل بالمعنى الأول فالظاهر أنّه مقدّم على العقل المستفاد. واعلم أيضا أنّ هذه المراتب تعتبر بالقياس إلى كلّ نظري على المشهور فيختلف الحال إذ قد تكون النفس بالنسبة إلى بعض النظريات في المرتبة الأولى وبالنسبة إلى بعضها في الثانية وإلى بعضها في الثالثة وإلى بعضها في الرابعة. فما قال صاحب المواقف من أنّ العقل المستفاد هو أن يصير النفس مشاهدة لجميع النظريات التي أدركتها بحيث لا يغيب عنها شيء لزمه أنّ لا يوجد العقل المستفاد لأحد في الدنيا بل في الآخرة. ومنهم من جوّز ذلك لنفوس نبوية لا يشغلها شأن عن شأن، وهم في جلابيب من أبدانهم قد نضوها وانخرطوا في سلك المجرّدات التي تشاهد معقولاتها دائما.
فائدة:
وجه الحصر في الأربع أنّ القوة النظرية إنّما هي لاستكمال الناطقة بالإدراكات إلّا أنّ البديهيات ليست كمالا معتدّا به يشاركه الحيوانات العجم لها فيها بل كمالها المعتدّ به الإدراكات الكسبية، ومراتب النفس في الاستكمال بهذا الكمال منحصرة في نفس الكمال واستعداده لأنّ الخارج عنهما لا يتعلّق بذلك الاستكمال، فالكمال هو العقل المستفاد أعني مشاهدة النظريات، والاستعداد إمّا قريب وهو العقل بالفعل أو بعيد وهو الهيولاني أو متوسّط وهو العقل بالملكة. وأمّا مراتب القوة العملية فأولها تهذيب الظاهر أي كون الشخص بحيث يصير استعمال الشرائع النبوية والاجتناب عما نكره عادة له، ولا يتصوّر منه خلافه عادة.
وثانيتها تهذيب الباطن من الملكات الرديئة ونفض آثار شواغله عن عالم الغيب. وثالثتها ما يحصل بعد الاتّصال بعالم الغيب وهو تجلّي النفس بالصور القدسية، فإنّ النفس إذ هذبت ظاهرها وباطنها عن رذائل الأعمال والأخلاق وقطعت عوائقها عن التوجّه إلى مركزها ومستقرها الأصلي الذي هو عالم الغيب بمقتضى طباعها إذ هي مجرّدة في حدّ ذاتها وعالم الغيب أيضا كذلك، وطبيعة المجرّد تقتضي عالمها كما أنّ طبيعة المادي تقتضي عالم المادّيات الذي هو عالم الشهادة اتصلت بعالم الغيب للجنسية اتصالا معنويا لا صوريا، فينعكس إليها بما ارتسمت فيه من النقوش العلمية، فتتجلّى النفس حينئذ بالصور الإدراكية القدسية، أي الخالصة عن شوائب الشكوك والأوهام، إذ الشكوك والشبهات إنّما تحصل من طرق الحواس، وفي هذه لا يحصل العلم من تلك الطرق. وفي بعض حواشي شرح المطالع بيانه أنّ حقائق الأشياء مسطورة في المبدأ المسمّى في لسان الشــرع باللوح المحفوظ فإنّ الله تعالى كتب نسخة العالم من أوله إلى آخره في المبدأ ثم أخرجه إلى الوجود على وفق تلك النسخة، والعالم الذي خرج إلى الوجود بصورته تتأدّى منه صورة أخرى إلى الحواس والخيال ويأخذ منها الواهمة معاني، ثم يتأدّى من الخيال أثر إلى النفس فيحصل فيها حقائق الأشياء التي دخلت في الحسّ والخيال. فالحاصل في النفس موافق للعالم الحاصل في الخيال، وهو موافق للعالم الموجود في نفسه خارجا من خيال الإنسان ونفسه، والعالم الموجود موافق للنسخة الموجودة في المبدأ، فكأنّ للعالم أربع درجات في الوجود، وجود في المبدأ وهو سابق على وجوده الجسماني ويتبعه وجوده الجسماني الحقيقي ويتبع وجوده الحقيقي وجوده الخيالي ويتبع وجوده الخيالي وجوده العقلي، وبعض هذه الوجودات روحانية وبعضها جسمانية، والروحانية بعضها أشدّ روحانية من بعض. إذا عرفت هذا فنقول النفس يتصوّر أن يحصل فيها حقيقة العالم وصورته تارة من الحواس وتارة من المبدأ، فمهما ارتفع حجاب التعلّقات بينها وبين المبدأ حصل لها العلم من المبدأ فاستغنت عن الاقتباس من مداخل الحواس، وهناك لا مدخل للوهم التابع للحواس. ومهما أقبلت على الخيالات الحاصلة من المحسوسات كان ذلك حجابا لها من مطالع المبدأ، فهناك تتصوّر الواهمة وتعرض للنفس من الغلط ما يعرض، فإذا للنفس بابان، باب مفتوح إلى عالم الملكوت وهو اللوح المحفوظ وعالم الملائكة والمجرّدات، وباب مفتوح إلى الحواس الخمس المتمسّكة بعالم الشهادة والملك وهذا الباب مفتوح للمجرّد وغيره. والباب الأول لا يفتح إلّا للمتجرّدين من العلائق والعوائق. ورابعتها ما يتجلّى له عقيب اكتساب ملكة الاتصال والانفصال عن نفسه بالكلّية وهو ملاحظة جمال الله أي صفاته الثبوتية وجلاله أي صفاته السلبية، وقصر النظر على كماله في ذاته وصفاته وأفعاله حتى يرى كلّ قدرة مضمحلّة في جنب قدرته الكاملة وكلّ علم مستغرقا في علمه الشامل، بل يرى أنّ كلّ كمال ووجود إنّما هو فائض من جنابه تعالى شأنه. فان قيل بعد الاتصال بعالم الغيب ينبغي أن يحصل له الملاحظة المذكورة وحينئذ لا تكون مرتبة أخرى غير الثالثة بل هي مندرجة فيها. قلت المراد الملاحظة على وجه الاستغراق وقصر النظر على كماله بحيث لا يلتفت إلى غيره، فعلى هذا الغاية القصوى هي هذه المرتبة كما أنّ الغاية القصوى من مراتب النظري هو الثالثة أي العقل بالفعل.
اعلم أنّ المرتبتين الأخيرتين أثران للأوليين اللتين هما من مراتب العملية قطعا، فصحّ عدّهما من مراتب العملية وإن لم تكونا من قبيل تأثير النفس فيما تحتها. هذا كله هو المستفاد من شرح التجريد وشرح المواقف في مبحث العلم وشرح المطالع وحواشيه في الخطبة.
اعلم أنّ العقل الذي هو مناط التكاليف الشــرعــية اختلف أهل الشــرع في تفسيره. فقال الأشعري هو العلم ببعض الضروريات الذي سمّيناه بالعقل بالملكة. وما قال القاضي هو العلم بوجوب الواجبات العقلية واستحالة المستحيلات وجواز الجائزات ومجاري العادات أي الضروريات التي يحكم بها بجريان العادة من أنّ الجبل لا ينقلب ذهبا، فلا يبعد أن يكون تفسيرا لما قال الأشعري، واحتجّ عليه بأنّ العقل ليس غير العلم وإلّا جاز تصوّر انفكاكهما وهو محال، إذ يمتنع أن يقال عاقل لا علم له أصلا وعالم لا عقل له أصلا، وليس العقل العلم بالنظريات لأنّه مشروط بالنظر والنظر مشروط بكمال العقل، فيكون العلم بالنظريات متأخرا عن العقل بمرتبتين، فلا يكون نفسه، فيكون العقل هو العلم بالضروريات وليس علما بكلها، فإنّ العاقل قد يفقد بعضها لفقد شرطه كما مرّ، فهو العلم ببعضها وهو المطلوب.
وجوابه أنّا لا نسلّم أنّه لو كان غير العقل جاز الانفكاك بينهما لجواز تلازمهما. وقال الإمام الرازي والظاهر أنّ العقل صفة غريزية يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات وهي الحواس الظاهرة والباطنة. وإنّما اعتبر قيد سلامة الآلات لأنّ النائم لم يزل عقله عنه وإن لم يكن عالما حالة النوم لاختلال وقع في الآلات، وكذا الحال في اليقظان الذي لا يستحضر شيئا من العلوم الضرورية لدهش ورد عليه، فظهر أنّ العقل ليس العلم بالضروريات.
ولا شكّ أنّ العاقل إذا كان سالما عن الآفات المتعلّقة كان مدركا لبعض الضروريات قطعا.
فالعقل صفة غريزية يتبعها تلك العلوم، وهذا معنى ما قيل: قوة للنفس بها تتمكّن من إدراك الحقائق. ومحلّ تلك القوة قيل الرأس، وقيل القلب، وما قيل هو الأثر الفائض على النفس من العقل الفعال. والمعتزلة القائلون بأنّ الحسن والقبح للعقل فسّروه بما يعرف به حسن المستحسنات وقبح المستقبحات، ولا يبعد أن يقرب منه ما قيل هو قوة مميزة بين الأمور الحسنة والقبيحة. وقيل هو ملكة حاصلة بالتجارب يستنبط بها المصالح والأغراض.
وهذا معنى ما قيل هو ما يحصل به الوقوف على العواقب. وقيل هو هيئة محمودة للإنسان في حركاته وسكناته. وقيل هو نور يضيئ به طريق يبتدأ به من حيث ينتهي إليه درك الحواس، فيبدأ المطلوب للطالب فيدركه القلب بتأمّله وبتوفيق الله تعالى. ومعنى هذا أنّه قوة للنفس بها تنتقل من الضروريات إلى النظريات ويحتمل أن يراد به الأثر الفائض من العقل الفعّال كما ذكره الحكماء من أنّ العقل الفعّال هو الذي يؤثّر في النفس ويعدّها للإدراك، وحال نفوسنا بالنسبة إليه كحال أبصارنا بالنسبة إلى الشمس. فكما أنّ بإفاضة نور الشمس تدرك المحسوسات كذلك بإفاضة نوره تدرك المعقولات. فقوله نور أي قوة شبيهة بالنور في أنها يحصل به الإدراك ويضيئ أي يصير ذا ضوء أي بذلك النور طريق يبتدأ به أي بذلك الطريق، والمراد به أي بالطريق الأفكار وترتيب المبادئ الموصلة إلى المطلوب. ومعنى إضاءتها صيرورتها بحيث يهتدي القلب إليها ويتمكّن من ترتيبها وسلوكها توصلا إلى المطلوب. وقوله من حيث ينتهي إليه متعلّق بقوله يبتدأ، وضمير إليه عائد إلى حيث، أي من محلّ ينتهي إليه إدراك الحواس، فيبدأ أي يظهر المطلوب للقلب أي الروح المسمّى بالقوة العاقلة والنفس الناطقة فيدركه القلب بتأمّله أي التفاته إليه والتوجّه نحوه بتوفيق الله تعالى وإلهامه، لا بتأثير النفس أو توكيدها، فإنّ الأفكار معدات للنفس وفيضان المطلوب إنّما هو بإلهام الله سبحانه. فبداية درك الحواس هو ارتسام المحسوسات في إحدى الحواس الخمس الظاهرة، ونهاية دركها ارتسامها في الحواس الباطنة. ومن هاهنا بداية درك العقل، ونهاية درك العقل ظهور المطلوب كما عرف في الفكر بمعنى الحركتين، هذا كله خلاصة ما في شرح التجريد وشرح المواقف والتلويح.

وفي خلاصة السلوك قال أهل العلم:
العقل جوهر مضيء خلقه الله في الدماغ وجعل نوره في القلب، وقال أهل اللسان: العقل ما ينجّي صاحبه من ملامة الدنيا وندامة العقبى وقال حكيم: العقل حياة الروح والروح حياة الجسد. وقال حكيم ركّب الله في الملائكة العقل بلا شهوة وركّب في البهائم الشهوة بلا عقل، وفي ابن آدم كليهما. فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم. وقال أهل المعرفة العاقل من اتّقى ربّه وحاسب نفسه وقيل من يبصر مواضع خطواته قبل أن يضعها. وقيل الذي ذهب دنياه لآخرته. وقيل الذي يتواضع لمن فوقه ولا يحتقر لمن دونه ويمسك الفضل من منطقه ويخالط الناس باختلافهم. وقيل الذي يترك الدنيا قبل أن تتركه ويعمّر القبر قبل أن يدخله وأرضى الله قبل أن يلقاه، وقيل إذا اجتمع للرجل العلم والعمل والأدب يسمّى عاقلا، وإذا علم ولم يعمل أو عمل بغير أدب أو عمل بأدب ولم يعلم لم يكن عاقلا.
العقل: المستفاد، أن يحضر عنده النظريات التي أدركها بحيث لا تغيب عنه.
العقل: بالفعل، أن تصير النظريات مخزونة عند القوة العاقلة بتكرار الاكتساب بحيث يحصل لها ملكة الاستحضار متى شاءت في غير تجشم كسب جديد.
العقل: الهيولاني، الاستعداد المحض لإدراك المعقولات، وهو قوة محضة خالية عن الفعل كما في الأطفال، وإنما نسب إلى الهيولى لأن النفس في هذه المرتبة تشبه الهيولى الأولى الخالية في حد ذاتها عن الصور كلها.

الالتفات

الالتفات:
[في الانكليزية] Apostrophe
[ في الفرنسية] Apostrophe
بالفاء عند أهل المعاني يطلق على معان منها الاعتراض وقد سبق. ومنها تعقيب الكلام بجملة مستقلة متلاقية له في المعنى على طريق المثل أو الدعاء ونحوهما من المدح والذم والتأكيد والالتماس كقوله تعالى: وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً وكقوله تعالى: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وفي كلامهم قصم الفقر ظهري والفقر من قاصمات الظهر. ومنها أن تذكر معنى فيتوهم أن السامع اختلج في قلبه شيء فتلتفت إلى كلام يزيل اختلاجه ثم ترجع إلى مقصودك كقول ابن ميّاد:
فلا صرمه يبدو وفي اليأس راحة ولا وصله يصفو لنا فنكارمه كأنه لما قال فلا صرمة يبدو قيل له ما تصنع به فأجاب بقوله وفي اليأس راحة. ومنها التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة من التكلم والخطاب والغيبة بعد التعبير عنه بآخر منها أي بعد التعبير عن ذلك المعنى بطريق آخر من الطرق الثلاثة، بشرط أن يكون التعبير الثاني على خلاف مقتضى الظاهر، ويكون مقتضى ظاهر سوق الكلام أن يعبّر عنه بغير هذا الطريق إذ لو لم يشترط ذلك لدخل فيه ما ليس من الالتفات منها، نحو: أنا زيد وأنت عمرو ونحوهما مما يعبّر عن معنى واحد تارة بضمير المتكلم أو المخاطب، وتارة بالاسم المظهر أو ضمير الغائب. ومنها نحو: يا زيد قم ويا رجلا له بصر خذ بيدي، لأن الاسم المظهر طريق غيبة. ومنها تكرير الطريق الملتفت إليه نحو:
إياك نستعين واهدنا وأنعمت، فإن الالتفات إنما هو في إياك نعبد والباقي جار على أسلوبه.

ومنها نحو: يا من هو عالم حقّق لي هذه المسألة فإنك الذي لا نظير له، فإنه الالتفات؛ فإن حق العائد إلى الموصول أن يكون غائبا وما سبق إلى بعض الأوهام أن نحو يا آيها الذين آمنوا التفات، والقياس آمنتم فليس بشيء. ومن الناس من زاد لإخراج بعض ما ذكر قيدا وهو أن يكون التعبيران في كلامين وهو غلط لأن قوله تعالى بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فيمن قرأ ليريه بلفظ الغيبة فيه التفات من التكلّم إلى الغيبة ثم من الغيبة إلى التكلم مع أن قوله مِنْ آياتِنا ليس بكلام آخر بل هو من متعلّقات ليريه؛ هذا التفسير هو المشهور فيما بين الجمهور.

وقال السكاكي: الالتفات عند أهل المعاني إمّا ذلك التعبير أو التعبير بأحدها فيما حقّه التعبير بغيره، وكأنه حمل السكاكي قولهم بعد التعبير عنه بآخر منها على أعم من التعبير حقيقة أو حكما، فإنّ اقتضاء المقام تعبيرا في حكم التعبير، فالتفسير المشهور أخصّ من تفسير السكاكي فقول الشاعر:
تطاول ليلك بالإثمد.
فيه التفات على تفسير السكاكي، وقد صرّح بذلك أيضا إذ مقتضى الظاهر أن يقال:
تطاول ليلي، وليس على التفسير المشهور منه إذ لم يذكر تطاول ليلي سابقا. هذا خلاصة ما في المطول والأطول، فظهر أنّ الالتفات ستة أقسام. فمن التكلّم إلى الخطاب قوله تعالى:
وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ، وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ، ومن التكلّم إلى الغيبة قوله إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ والأصل لنغفر لك، ومن الخطاب إلى التكلّم لم يقع في القرآن ومثّل له بعضهم بقوله فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ، ثم قال إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا، وهذا المثال لا يصحّ لأن شرط الالتفات أن يكون المراد به واحدا. ومن الخطاب إلى الغيبة قوله حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ والأصل بكم. ومن الغيبة إلى الخطاب قوله وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ والأصل لقد جاءوا.

ومن الغيبة إلى التكلّم قوله: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا.
تنبيهات
الأوّل شرط الالتفات بهذا المعنى أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه، وإلّا يلزم أن يكون في أنت صديقي التفات. الثاني شرطه أيضا أن يكون في جملتين صرّح به صاحب الكشاف وغيره. الثالث ذكر التنوخي في الأقصى الغريب وابن الأثير وغيرهما نوعا غريبا من الالتفات وهو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلّمه كقوله تعالى غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بعد أنعمت، فإنّ المعنى غير الذين غضبت عليهم. وتوقف صاحب عروس الأفراح. الرابع قال ابن أبي الإصبع: جاء في القرآن من الالتفات قسم غريب جدا لم أظفر في الشعر بمثاله، وهو أن يقدم المتكلّم في كلامه مذكورين مرتّبين ثم يخبر عن الأول منهما وينصرف عن الإخبار عنه إلى الإخبار عن الثاني، ثم يعود إلى الإخبار عن الأول كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ انصرف عن الإخبار عن الإنسان إلى الإخبار عن ربه تعالى، ثم قال منصرفا عن الإخبار عن ربه إلى الإخبار عن الإنسان بقوله وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ. قال وهذا يحسن أن يسمّى التفات الضمائر. الخامس يقرب من الالتفات نقل الكلام من خطاب الواحد أو الاثنين أو الجمع لخطاب الآخر ذكره التنوخي وابن الأثير وهو ستة أقسام أيضا. مثاله من الواحد إلى الاثنين قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وإلى الجمع يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ومن الاثنين إلى الواحد قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى وإلى الجمع وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، ومن الجمع إلى الواحد وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وإلى الاثنين يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ إلى قوله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. السادس يقرب من الالتفات أيضا الانتقال من الماضي أو المضارع أو الأمر إلى آخر منها. مثاله من الماضي إلى المضارع إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وإلى الأمر قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ وأُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ومن المضارع إلى الماضي وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ وإلى الأمر قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ ومن الأمر إلى الماضي وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإلى المضارع وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ كذا في الإتقان في نوع بدائع القرآن. السابع قال صاحب الأطول: لا يخفى أن التعبير عن معنى يقتضي المقام التعبير عنه بلفظ مذكر بلفظ مؤنث وبالعكس، وكذا التعبير بمذكر بعد التعبير بمؤنث ينبغي أن يجعل تحت الالتفات ولو لم يثبت أنها جعلت التفاتا فنجعلها ملحقات به.
فائدة:

قال البعض: الالتفات من البيان، وقيل من البديع. ولذا ذكره السكّاكي في علم البديع.
فائدة:
وجه حسن الالتفات أن الكلام إذا نقل من أسلوب يتوقعه السامع إلى أسلوب لا يتوقعه سواء وجد المتوقع قبل غير المتوقع كما في الالتفات المشهور أو لم يوجد كما في الالتفات السكّاكي كان أحسن نظرية لنشاط السامع وأكثر إيقاظا للإصغاء إليه، كذا في الأطول. فائدة:
ملخّص ما ذكر القوم في هذا المقام أنّ في الالتفات أربعة مذاهب. ووجه الضبط أن يقال لا يخلو إمّا أن يشترط فيه سبق التعبير بطريق آخر أم لا، الثاني مذهب الزمخشري والسكّاكي ومن تبعهما، وعلى الأول لا يخلو إمّا أن يشترط أن يكون التعبيران في كلام واحد أو لا، الأول مذهب البعض، وعلى الثاني لا يخلو إمّا أن يشترط كون المخاطب في التعبيرين واحدا أم لا، الأول مذهب صدر الأفاضل، والثاني مذهب الجمهور، كذا في الچلبي حاشية المطوّل.
الالتفات: هو أن ينظر يمنةً ويسرة مع لَيِّ عنقِهِ.
الالتفات: العدول عن الغيبة إلى الخطاب أو التكلم أو عكس ذلك. الالتماس: الطلب مع التساوي بين الأمر والمأمور في الرتبة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.