Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: رجح

التّحرّي

التّحرّي:
[في الانكليزية] Research ،inquiry
[ في الفرنسية] Recherche ،enquete
بالراء المهملة لغة الطلب، وشرعا طلب شيء من العبادات بغالب الرأي عند تعذّر الوقوف على الحقيقة. وإنّما قيد بالعبادات لأنهم كما قالوا التحرّي فيها قالوا التوخّي في المعاملات كما في المبسوط، كذا في جامع الرموز في فصل شروط الصلاة. وفي البحر الرائق شرح كنز الدقائق في كتاب الزكاة التحرّي في اللغة الطلب والابتغاء، وهو والتوخّي سواء، إلّا أنّ لفظ التوخّي يستعمل في المعاملات والتحرّي في العبادات. وفي الشريعة طلب الشيء بغالب الرأي عند تعذّر الوقوف على حقيقته، وهو غير الشكّ والظنّ، فالشك أن يستوي طرفا العلم والجهل، والظّنّ تــرجّح أحدهما من غير دليل، والتحرّي تــرجّح أحدهما من دليل يتوصّل به إلى طرف العلم، وإن كان لا يتوصّل به إلى ما يوجب حقيقة العلم واليقين انتهى كلامه.

علم إعراب القرآن

علم إعراب القرآن
وهو من فروع: علم التفسير، على ما في: (مفتاح السعادة).
لكنه في الحقيقة هو من: علم النحو.
وعده علما مستقلا، ليس كما ينبغي، وكذا سائر ما ذكره السيوطي في (الإتقان) من الأنواع، فإنه عد علوما كما سبق في المقدمة.
ثم ذكر ما يجب على المعرب مراعاته، من الأمور التي ينبغي أن تجعل مقدمة لكتاب: (إعراب القرآن)، ولكنه أراد تكثير العلوم والفوائد.
وهذا النوع أفرده بالتصنيف جماعة، منهم:
الشيخ، الإمام: مكي بن أبي طالب القيسي، النحوي.
المتوفى: سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.
أوله: (أما بعد حمدا لله جل ذكره... الخ).
وكتابه في: (المشكل)، خاصة.
وأبو الحسن: علي بن إبراهيم الحوفي، النحوي.
سنة: اثنتين وستين وخمسمائة (430).
وكتابه أوضحها.
وهو في عشر مجلدات.
وأبو البقا: عبد الله بن الحسين العكبري، النحوي.
المتوفى: سنة ست عشرة وستمائة.
وكتابه أشهرها.
وسماه: (التبيان).
وأبو إسحاق: إبراهيم بن محمد السفاقسي.
المتوفى: سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.
وكتابه أحسن منه.
وهو في: مجلدات.
سماه: (المجيد، في إعراب القرآن المجيد).
أوله: (الحمد لله الذي شرفنا بحفظ كتابه... الخ).
ذكر فيه: (البحر)، لشيخه: أبي حيان، ومدحه.
ثم قال: لكنه سلك سبيل المفسرين في الجمع بين التفسير والإعراب، فتفرق فيه المقصود، فاستخار في تلخيصه، وجمع ما بقي في: (كتاب أبي البقا) من إعرابه، لكونه كتابا قد عكف الناس عليه، فضمه إليه: بعلامة الميم، وأورد ما كان له: بقلت.
ولما كان كتابا كبير الحجم في مجلدات.
لخصه: الشيخ: محمد بن سليمان الصرخدي، الشافعي.
المتوفى: سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة.
واعترض عليه في مواضع.
وأما كتاب:
الشيخ، شهاب الدين: أحمد بن يوسف، المعروف: بالسمين، الحلبي.
المتوفى: سنة ست وخمسين وسبعمائة.
فهو مع اشتماله على غيره، أجلُّ ما صنف فيه، لأنه جمع العلوم الخمسة: الإعراب، والتصريف، واللغة، والمعاني، والبيان.
ولذلك قال السيوطي في (الإتقان) : هو مشتمل على: حشو وتطويل.
لخصه: السفاقسي، فجوده. انتهى.
وهو وهم منه، لأن السفاقسي ما لخص إعرابه منه، بل من: (البحر)، كما عرفت.
والسمين، لخصه أيضا من: (البحر)، في حياة شيخه: أبي حيان، وناقشه فيه كثيرا.
وسماه: (الدر المصون، في علم الكتاب المكنون).
أوله: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب... الخ).
وفرغ عنه: في أواسط رجب، سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.
علم إعراب القرآن
وهي من فروع علم التفسير على ما في: مفتاح السعادة لكنه في الحقيقة هو: من علم النحو وعده علما مستقلا ليس كما ينبغي وكذا سائر ما ذكره السيوطي في: الإتقان من الأنواع فإنه عد علوما ثم ذكر ما يجب على المعرب مراعاته من الأمور التي ينبغي أن تجعل مقدمة لكتاب إعراب القرآن ولكنه أراد تكثير العلوم والفوائد. وهذا النوع أفرده بالتصنيف جماعة منهم:
الشيخ الإمام مكي بن أبي طالب حموش بن محمد القيسي النحوي المتوفى سنة سبع وثلاثين وأربعمائة أوله: أما بعد حمد الله جل ذكره وكتابه في المشكل خاصة.
وأبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي النحوي المتوفى سنة اثنتين وستين وخمسمائة وكتابه أوضحها وهو في عشر مجلدات.
وأبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري النحوي المتوفى سنة ست عشرة وستمائة وكتابه أشهرها وسماه: البيان أوله: الحمد لله الذي وفقنا لحفظ كتابه وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد السفاقسي المتوفى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وكتابه أحسن منه وهو في مجلدات سماه: المجيد في إعراب القرآن المجيد أوله: الحمد لله الذي شرفنا بحفظ كتابه. الخ. ذكر فيه البحر بشيخه أبي حيان ومدحه ثم قال: لكنه سلك سبيل المفسرين في الجمع بين التفسير والإعراب فتفرق فيه المقصود فاستخار في تلخيصه وجمع ما بقي في كتاب أبي البقاء من إعرابه لكونه كتابا قد عكف الناس عليه فضمه إليه بعلامة الميم وأورد ما كان له بقلت ولما كان كتابا كبير الحجم في مجلدات لخص الشيخ محمد بن سليمان الصرخدي الشافعي المتوفى سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة واعترض عليه في مواضع.
وأما كتاب الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي المتوفى سنة ست وخمسين وسبعمائة فهو مع اشتماله على غيره أجل ما صنف فيه لأنه جمع العلوم الخمسة الإعراب والتصريف واللغة والمعاني والبيان ولذلك قال السيوطي في: الإتقان هو مشتمل على حشو وتطويل لخصه السفاقسي فجوده. انتهى.
وهو وهم منه لأن السفاقسي ما لخص إعرابه منه بل من البحر - كما عرفت - و: السمين لخصه أيضا من البحر في حياة شيخه أبي حيان وناقشه فيه كثيرا وسماه: الدر المصون في علم الكتاب المكنون أوله: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب وفرغ عنه في واسط رجب سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.
فائدة أوردها تقي الدين في طبقاته وهي: أن المولى الفاضل علي بن أمر الله المعروف بابن الحنا القاضي بالشام حضر مرة درس الشيخ العلامة بدر الدين الغزي لما ختم في الجامع الأموي من التفسير الذي صنفه وجرى فيه بينهما أبحاث منها: اعتراضات السمين على شيخه.
فقال الشيخ: إن أكثرها غير وارد.
وقال المولى علي: الذي في اعتقادي أن أكثرها وارد وأصر على ذلك ثم إن المولى المذكور كشف عن ترجمة السمين فرأى أن الحافظ ابن حجر وافقه فيه حيث قال في: الدرر صنف في حياة شيخه وناقشه مناقشات كثيرة غالبها جيدة فكتب إلى الشيخ أبياتا يسأله أن يكتب ما عثر الشهاب عليه من أبحاث فاستخرج عشرة منها ورجح فيها كلام أبي حيان وزيف اعتراضات السمين عليها وسماه ب: الدر الثمين في المناقشة بين أبي حيان والسمين وأرسلها إلى القاضي فلم وقف انتصر ل السمين ورجح كلامه على كلام أبي حيان وأجاب عن اعتراضات الشيخ بدر الدين ورد كلامه في رسالة كبيرة وقف عليها علماء الشام ورجحــوا كتابته على كتابة البدر وأقروا له بالفضل والتقدم. وممن صنف في إعراب القرآن من القدماء: الإمام أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائتين.
وأبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان المالكي القرطبي المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائتين.
وأبو العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد النحوي المتوفى سنة ست وثمانين ومائتين.
وأبو العباس أحمد بن يحيى الشهير: بثعلب النحوي المتوفى سنة إحدى وتسعين ومائتين.
وأبو جعفر محمد بن أحمد بن النحاس النحوي المتوفى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.
وأبو طاهر إسماعيل بن خلف الصقلي النحوي المتوفى سنة خمس وخمسين وأربعمائة وكتابه في تسع مجلدات.
والشيخ أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد الخطيب التبريزي المتوفى سنة اثنتين وخمسمائة في أربع مجلدات.
والشيخ أبو البركات عبد الرحمن بن أبي سعيد محمد الأنباري النحوي المتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وسماه: البيان أوله الحمد لله منزل الذكر الحكيم.
والإمام الحافظ قوام السنة أبو القاسم إسماعيل بن محمد الطلحي الأصفهاني المتوفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة.
ومنتخب الدين حسين بن أبي العز بن الرشيد الهمداني المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة وكتابه تصنيف متوسط لا بأس به أوله: الحمد لله الذي بنعمته حمد وبهدايته عبد وبخذلانه جحد وسماه ب: كتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد.
وأبو عبد الله حسين بن أحمد المعروف بابن خالويه النحوي المتوفى سنة سبعين وثلاثمائة وكتابه في إعراب ثلاثين سورة من الطارق إلى آخر القرآن والفاتحة بشرح أصول كل حرف وتلخيص فروعه.
والشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي الشافعي المتوفى سنة تسع وعشرين وستمائة وكتابه في إعراب الفاتحة.
والشيخ إسحاق بن محمود بن حمزة تلميذ ابن الملك جمع إعراب الجزء الأخير من القرآن وسماه: التنبيه وأوله أول البيان المذكور آنفا والمولى أحمد بن محمد الشهير بنشانجي زاده المتوفى سنة ست وثمانين وتسعمائة كتب إلى سورة الأعراف - لم يتمه - ومن الكتب المصنفة في أعراف القرآن تحفة الأقران فيما قرئ بالتثليث من القرآن إلى غير ذلك مما يعرفه أهل هذا الشأن.

التّمنّي

التّمنّي:
[في الانكليزية] Wish
[ في الفرنسية] Souhait
هو عند أهل العربية يطلق على طلب حصول الشيء على سبيل المحبة، وعلى الكلام الدالّ على هذا الطلب. وهو بهذا المعنى من أقسام الإنشاء. قيل ينبغي أن يقيّد المحبة بالمجرّدة عن الطمع والتوقع عن الأوامر والنواهي والنداءات التي قد وجدت المحبة فيها. وقيل قيد الحيثية المرادة يكفي في اندفاع النقض بها. قيل لا يشترط إمكان المطلوب في شيء من أقسام الطلب سوى التمني بل يكفي زعم إمكانه، وأمّا في التمنّي فلا يشترط زعم الإمكان أيضا، بل يصحّ مع العلم بامتناعه واستحالته. فإن قيل كما لا يشترط إمكان المتمنّى كذلك لا يشترط امتناعه أيضا، فلم خصّ الإمكان بالنفي؟ قيل لأنّه يتبادر الوهم إلى اشتراط إمكانه لما تقرر أنّه لا يصحّ طلب المحال، وعدم تمييز الوهم بين طلب على وجه التمني وطلب لا على وجه التمني. ولذا قيل نوزع في تسمية تمنّي المحال طلبا بأنّ ما لا يتوقع كيف يطلب. قال السكاكي إذا كان المتمنى ممكنا يجب أن لا يكون لك طمع وتوقع في وقوعه، وإلّا لصار ترجّيا، وفيه بحث لأنّه لا طلب في الترجّي وإنّما هو طمع وترقّب. فإذا كان طلب المرجو على سبيل المحبة كان هناك تمنّ وترجّ، فإذا أتي بليت فقد أفيد التمنّي دون الترجّي، وإذا أتي بلعلّ فقد أفيد الترجّي. هكذا يستفاد من المطول وحواشيه والأطول. وفي الإتقان قال في عروس الأفراح:
والأحسن ما ذكره الإمام وأتباعه من أنّ التمني والترجي والنداء والقسم ليس فيها طلب بل هو تنبيه. ولا نزاع في تسميته إنشاء. وقد بالغ قوم فجعلوا التمنّي من قسم الخبر وأنّ معناه النفي.
والزمخشري ممن جزم بخلافه، ثم استشكل دخول التكذيب في جوابه في قوله: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ إلى قوله وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. وأجاب بتضمنه معنى العدة فتعلّق به التكذيب. وقال غيره التمني لا يصح فيه الكذب، وإنما الكذب في المتمنى الذي يتــرجح عند صاحبه وقوعه، فهو إذن وارد على ذلك الاعتقاد الذي هو ظنّ وهو خبر صحيح. قال وليس المعنى في قوله وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أنّ ما تمنّوا ليس بواقع لأنه ورد في معرض الذمّ لهم وليس في ذلك المتمنى ذمّ، بل التكذيب ورد على إخبارهم عن أنفسهم أنهم لا يكذبون وأنهم يؤمنون. والفرق بينه وبين الترجّي والرّجاء سيأتي ذكره في لفظ الرجاء.

منارة الحوافِرِ

منارة الحوافِرِ:
وهي منارة عالية في رستاق همذان في ناحية يقال لها ونجر في قرية يقال لها أسفجين، قرأت خبرها في كتاب أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني قال: كان سبب بنائها أن سابور بن أردشير الملك قال له منجموه:
إن ملكك هذا سيزول عنك وإنك ستشقى أعواما كثيرة حتى تبلغ إلى حدّ الفقر والمسكنة ثم يعود إليك الملك، قال: وما علامة عوده؟ قالوا: إذا أكلت خبزا من الذهب على مائدة من الحديد فذلك علامة رجوع ملكك، فاختر أن يكون ذلك في زمان شبيبتك أو في كبرك، قال: فاختار أن يكون في شبيبته وحدّ له في ذلك حدّا فلما بلغ الحدّ اعتزل ملكه وخرج ترفعه أرض وتخفضه أخرى إلى أن صار إلى هذه القرية فتنكّر وآجر نفسه من عظيم القرية وكان معه جراب فيه تاجه وثياب ملكه فأودعه عند الرجل الذي آجر نفسه عنده فكان يحرث له نهاره ويسقي زرعه ليلا فإذا فرغ من السقي طرد الوحش عن الزرع حتى يصبح، فبقي على ذلك سنة فرأى الرجل منه حذقا ونشاطا وأمانة في كل ما يأمره به فرغب فيه واستــرجح عقل زوجته واستشارها أن يزوّجه إحدى بناته وكان له ثلاث بنات فرغبت لرغبته فزوّجه ابنته فلما حوّلها إليه كان سابور يعتزلها ولا يقربها، فلما أتى على ذلك شهر شكت إلى أبيها فاختلعها منه وبقي سابور يعمل عنده، فلما كان بعد حول آخر سأله أن يتزوّج ابنته الوسطى ووصف له جمالها وكمالها وعقلها فتزوّجها فلما حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها، فلما تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فاختلعها منه، فلما كان حول آخر وهو الثالث سأله أن يزوّجه ابنته الصغرى ووصف له جمالها ومعرفتها وكمالها وعقلها وأنها خير أخواتها فتزوّجها، فلما حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها، فلما تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فأخبرته أنها معه في أرغد عيش وأسرّه، فلما سمع سابور بوصفها لأبيها من غير معاملة له معها وحسن صبرها عليه وحسن خدمتها له رقّ لها قلبه وحنّ عليها ودنا منها ونام معها فعلقت منه وولدت له ابنا، فلما أتى على سابور أربع سنين أحبّ رجوع ملكه إليه، فاتفق أنه كان في القرية عرس اجتمع فيه رجالهم ونساؤهم، وكانت امرأة سابور تحمل إليه طعامه في كل يوم ففي ذلك اليوم اشتغلت عنه إلى بعد العصر لم تصلح له طعاما ولا حملت إليه شيئا، فلما كان بعد العصر ذكرته فبادرت إلى منزلها وطلبت شيئا تحمله إليه فلم تجد إلّا رغيفا واحدا من جاورس فحملته إليه فوجدته يسقي الزرع وبينها وبينه ساقية ماء فلما وصلت إليه لم تقدر على عبور الساقية فمدّ إليها سابور المرّ الذي كان يعمل به فجعلت الرغيف عليه فلما وضعه بين يديه كسره فوجده شديد الصّفرة ورآه على الحديد فذكر قول المنجمين وكانوا قد حدّوا له الوقت فتأمله فإذا هو قد انقضى فقال لامرأته: اعلمي أيتها المرأة أني سابور، وقصّ عليها قصته، ثم اغتسل في النهر وأخرج شعره من الرباط الذي كان قد ربطه عليه وقال لامرأته: قد تم أمري وزال شقائي، وصار إلى المنزل الذي كان يسكن فيه وأمرها بأن تخرج له الجراب الذي كان فيه تاجه وثياب ملكه، فأخرجته فلبس التاج والثياب، فلما رآه أبو الجارية خرّ ساجدا بين يديه وخاطبه بالملك، قال: وكان سابور قد عهد إلى وزرائه وعرفهم بما قد امتحن به من الشقاوة وذهاب الملك وأن مدة ذلك كذا وكذا سنة وبيّن لهم الموضع الذي يوافونه إليه عند انقضاء مدة شقائه وأعلمهم الساعة التي يقصدونه فيها فأخذ مقرعة كانت معه ودفعها إلى أبي الجارية وقال له: علّق هذه على باب القرية واصعد السور وانظر ماذا ترى، ففعل ذلك وصبر ساعة ونزل وقال: أيها الملك أرى خيلا كثيرة يتبع بعضها بعضا، فلم يكن بأسرع مما وافت الخيل أرسالا فكان الفارس إذا رأى مقرعة سابور نزل عن فرسه وسجد حتى اجتمع خلق من
أصحابه ووزرائه فجلس لهم ودخلوا عليه وحيوه بتحية الملوك، فلما كان بعد أيام جلس يحدث وزراءه فقال له بعضهم: سعدت أيها الملك! أخبرنا ما الذي أفدته في طول هذه المدة، فقال: ما استفدت إلّا بقرة واحدة، ثم أمرهم بإحضارها وقال: من أراد إكرامي فليكرمها، فأقبل الوزراء والأساورة يلقون عليها ما عليهم من الثياب والحلي والدراهم والدنانير حتى اجتمع ما لا يحصى كثرة، فقال لأبي المرأة: خذ جميع هذا المال لابنتك. وقال له وزير آخر:
أيها الملك المظفّر فما أشد شيء مرّ عليك وأصعبه؟
قال: طرد الوحش بالليل عن الزرع فإنها كانت تعييني وتسهرني وتبلغ مني فمن أراد سروري فليصطد لي منها ما قدر لأبني من حوافرها بنية يبقى ذكرها على ممر الدهر، فتفرق القوم في صيدها فصادوا منها ما لا يبلغه العدد فكان يأمر بقطع حوافرها أولا فأولا حتى اجتمع من ذلك تلّ عظيم فأحضر البنّائين وأمرهم أن يبنوا من ذلك منارة عظيمة يكون ارتفاعها خمسين ذراعا في استدارة ثلاثين ذراعا وأن يجعلوها مصمّتة بالكلس والحجارة ثم تركب الحوافر حولها منظمة من أسفلها إلى أعلاها مسمرة بالمسامير الحديد، ففعل ذلك فصارت كأنها منارة من حوافر، فلما فرغ صانعها من بنائها مر بها سابور يتأملها فاستحسنها فقال للذي بناها وهو على رأسها لم ينزل بعد: هل كنت تستطيع أن تبني أحسن منها؟ قال: نعم، قال: فهل بنيت لأحد مثلها؟ فقال: لا، قال: والله لأتركنّك بحيث لا يمكنك بناء خير منها لأحد بعدي! وأمر أن لا يمكّن من النزول، فقال: أيها الملك قد كنت أرجو منك الحباء والكرامة وإذ فاتني ذلك فلي قبل الملك حاجة ما عليك فيها مشقّة، قال: وما هي؟ قال: تأمر أن أعطى خشبا لأصنع لنفسي مكانا آوي إليه لا تمزقني النسور إذا متّ، قال: أعطوه ما يسأل، فأعطي خشبا وكان معه آلة النجارة فعمل لنفسه أجنحة من خشب جعلها مثل الريش وضمّ بعضها إلى بعض، وكانت العمارة في قفر ليس بالقرب منه عمارة وإنما بنيت القرية بقربها بعد ذلك، فلما جاء الليل واشتدّ الهواء ربط تلك الأجنحة على نفسه وبسطها حتى دخل فيها الريح وألقى نفسه في الهواء فحملته الريح حتى ألقته إلى الأرض صحيحا ولم يخدش منه خدش ونجا بنفسه، قال: والمنارة قائمة في هذه المدّة إلى أيامنا هذه مشهورة المكان ولشعراء همذان فيها أشعار متداولة، قال عبيد الله الفقير إليه: أما غيبة سابور من الملك فمشهورة عند الفرس مذكورة في أخبارهم وقد أشرنا في سابور خواست ونيسابور إلى ذلك، والله أعلم بصحة ذلك من سقمه.

القُرْنَتَان

القُرْنَتَان:
تثنية القرنة، والقرنة من كلّ شيء: حدّه، بضم أوله، وسكون ثانيه ثم نون: موضع على أحد عشر ميلا من فيد للقاصد مكة فيها بئر ماء ملح غليظ ورشاؤها عشرة أذرع وهناك بركة مدوّرة، وقال نصر: القرنتان تثنية قرنة بين البصرة واليمامة في ديار تميم عندها أحد طرفي العارض جبل اليمامة بينه وبين الطرف الآخر مسيرة شهر، قال ابن الكلبي: ثعلبة ابن عامر الأكبر بن عوف بن بكر بن عوف بن عذرة ابن زيد اللات بن رفيدة يعرف بالفاتك، وهو الذي قتل داود بن هبولة السليحي وقال:
نحن الأولى أردت ظبات سيوفنا ... داود بين القرنتين بحارب
وكذاك إنّا لا تزال سيوفنا ... تنفي العدى وتفيد رعب الراعب
خطرت عليه رماحنا فتركنه، ... لما قصدن له، كأمس الذاهب
ويوم القرنتين كانت فيه وقعة لغطفان على بني عامر ابن صعصعة، قال لبيد بن ربيعة:
وغداة قاع القرنتين أتينهم ... رهوا يلوح خلالها التسويم
بكتائب رجح تعوّد كبشها ... نطح الكباش كأنهنّ نجوم
فارتثّ قتلاهم عشيّة هزمهم ... حتى بمنعرج المسيل مقيم

التّجربة

التّجربة:
[في الانكليزية] Experience
[ في الفرنسية] Experience
لغة آزمودن. والتجربيّات والمجرّبات في اصطلاح العلماء هي القضايا التي يحتاج العقل في جزم الحكم بها إلى واسطة تكرار المشاهدة. وفي شرح الإشارات: التجربة قد تكون كليّة وذلك عند ما يكون بتكرّر الوقوع بحيث لا يحتمل معه اللاوقوع وقد تكون أكثرية وذلك عند ما يكون بتــرجح طرف الوقوع مع تجويز اللاوقوع انتهى. فهذا التفسير لمطلق المجرّبات كليّة كانت أو أكثرية وما هو من أقسام اليقينيّات الضرورية هو المجربات الكلّية.
وحاصل التعريف أنّ المجرّبات مطلقا هي القضايا التي يحكم بها العقل لإحساسات كثيرة متكرّرة من غير علاقة عقلية، لكن مع الاقتران بقياس خفيّ لا يشعر به صاحب الحكم مع حصول ذلك القياس من تكرّر المشاهدة. وذلك القياس هو أنه لو كان الوقوع اتفاقيا لما كان دائميا أو أكثريا، لأنّ الأمور الاتفاقية لا تقع إلّا نادرا، فلا بدّ أن يكون هناك سبب وإن لم تعرف ماهيّة ذلك السبب، وإذا علم حصول السّبب علم حصول المسبّب، مثل حكمنا بأنّ الضرب بالخشب مؤلم وبأنّ شرب السقمونيا مسهّل للصفراء. فخرجت الأحكام الاستقرائية إذ لا قياس فيها، والحدسيّات لأن القياس المرتّب فيها غير حاصل من تكرار المشاهدة، والفطريات لأنّ القياس فيها لازم للطرفين. ثم الظاهر أنّ مصداق التجربة الكلية حصول اليقين كما في التواتر لا بلوغ المشاهدة إلى حدّ معيّن من الكثرة. قالوا لا بدّ في التجربيّات من وقوع فعل الإنسان لكن لا يشترط أن يفعله الحاكم المجرّب بنفسه، بل يكفي وقوعه من غيره، كما إذا تناول شخص السقمونيا ووقع الإسهال وشاهد شخص آخر ذلك مرارا حصل له العلم التجربي قطعا. واعترض عليه بأنّ الأحكام النجومية من التجربيّات ولا تتوقف على فعل إنسان أصلا، كما أنّ الحدسيّات كذلك.
ولذا قال شارح إشراق الحكمة إنّ المجربات لا تقال إلّا في التأثير والتأثّر، فلا يقال جربت أنّ السواد هيئة نار أو أنّ هذه النار أسود، بل يقال جرّبت أنّ النار محرقة وأنّ السقمونيا مسهّل انتهى. فلم يشترط فيها فعل الإنسان بل التأثير والتأثّر، هذا كله خلاصة ما في الصادق الحلواني حاشية الطيبي وما حققه المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح المواقف.

التّابع

التّابع:
[في الانكليزية] Appositive words
[ في الفرنسية] Mots appositifs

وهو بالفارسية: پس رو. وعند النحاة هو الثاني بإعراب سابقه من جهة واحدة، والسابق يسمّى متبوعا. فقولهم الثاني جنس يشمل التابع وغيره كخبر المبتدأ وخبر كان وإنّ ونحو ذلك.
وقولهم بإعراب سابقه أي متلبّس بإعراب سابقه يخرج ما يكون ثانيا، لكن لا بإعراب سابقه كخبر كان ونحوه، ولا يرد خروج التابع الثالث فصاعدا عن التعريف لأنّ المراد بالثاني المتأخّر؛ ولذا لم يقل بإعراب أوّله أو المراد الثاني في الرتبة. والإعراب أعمّ من أن يكون لفظا أو تقديرا أو محلا حقيقة أو حكما، فلا يخرج عن التعريف نحو جاءتني هؤلاء الرجال، ويا زيد العاقل ولا رجل ظريفا. وقولهم من جهة واحدة يخرج ما يكون ثانيا معربا بإعراب سابقه لا من جهة واحدة كخبر المبتدأ، وثاني مفاعيل أعلمت وثالثها، وكذا الخبر بعد الخبر والحال بعد الحال ونحو ذلك، وذلك لأنّ المراد بكون إعراب الثاني بجهة إعراب السابق أن يكون إعرابه بمقتضى إعراب السابق من غير فرق، فلا يضر اختلافهما من جهة التّابعية والمتبوعيّة والإعراب والبناء، فالعامل في خبر المبتدأ وإن كان هو الابتداء أعني التجرّد عن العوامل اللفظية للإسناد لكن هذا المعنى من حيث إنّه يقتضي مسندا إليه صار عاملا في المبتدأ، ومن حيث إنه يقتضي مسندا صار عاملا في الخبر، فليس ارتفاعهما من جهة واحدة، وكذا ثاني مفعولي ظننت، فإنّ طننت من حيث إنّه يقتضي مظنونا فيه ومظنونا عمل في مفعوليه، فليس انتصابهما من جهة واحدة، وكذا ثاني مفعولي أعطيت فإنّ أعطيت من حيث إنّه يقتضي آخذا ومأخوذا عمل في مفعوليه، وكذا الحال بعد الحال والخبر بعد الخبر ونحو ذلك.
والحاصل أنّ المراد من جهة واحدة الانصباب المتعارف بين النحاة وهو أنّ يعرب الثاني لأجل إعراب الأول بأن ينصبّ عمل العامل المخصوص في القبيلتين انصبابة واحدة، فإنّ عمل العامل في الشيئين على ضربين: ضرب يتوقّف عقلية العامل عليهما معا على السواء كعلمت بالنسبة إلى مفعوليه وأعلمت بالنسبة إلى ثلاثة مفاعيل، ولا يسمّى مثل هذا بالانسحاب عندهم لأنّه يقتضي الثاني كما يقتضي الأول، وكذا الابتداء بالنسبة إلى المبتدأ والخبر، وكذا الحال في الأحوال المتعدّدة لأنك إن أردت الحال الثانية بالنسبة إلى الأولى فهي مثل مفعولي علمت في أنّ العامل يقتضيهما معا ولا تكون الثانية ذيل الأولى، وإن أردت بالنسبة إلى ذي الحال فحكمهما حكم الحال الأولى، وكذا الحال في الأخبار المتعدّدة والمفاعيل المتعددة. وضرب يتوقف على واحد ولا يقتضي إلّا ذلك الواحد وإنما يعمل الآخر لأنه ذيل لذلك الواحد ومتعلّق به لا أنّه يتوقف عقلية ذلك العامل عليه فإنك إذا قلت جاءني رجل عالم فاستفاد عالم الرفع بما استفاد به رجل، لكن استفادة رجل بالأصالة واستفادة عالم بالتبعية، يعني لمّا ثبت مجيء الرجل بإسناد جاء إليه ثبت مجيء العالم أيضا ضرورة أنّ ذلك الرجل عالم، والمراد هاهنا هو هذا الثاني.
وكذا يخرج نحو قرأت الكتاب جزءا وجزءا وجاء الملك صفا صفا لأنّ الثاني غير متلبس بإعراب سابقه من جهة واحدة، بل إعراب الأول والثاني إعراب واحد لتناولهما بلفظ واحد فظهر في الموضعين تحرزا عن الترجيح بلا مــرجّح. هذا كله خلاصة ما في شروح الكافية.
اعلم أنّه يخرج عن هذا التعريف نحو ضرب ضرب زيد وإنّ إنّ زيدا قائم وزيد قائم زيد قائم، فإنّ كلّ واحد من ضرب الثاني وإنّ الثانية والجملة الثانية تابع وليس بإعراب سابقه.
ولا ضرر في ذلك عند من ذهب إلى أنّ التابع المصطلح هو الذي يكون تابعا لما له إعراب بوجه ما. وأمّا عند من ذهب إلى أنّ التابع المصطلح أعمّ من أن يكون تابعا لما له إعراب أولا، فلا بدّ عنده من التأويل في قولهم هو الثاني بإعراب سابقه بأن يقال المراد الثاني بإعراب سابقه على تقدير أن يكون له إعراب ولو فرضا، أو الثاني بإعراب سابقه نفيا وإثباتا على ما يستفاد من الچلپي حاشية المطول في بحث الوصل والفصل حيث قال: قيل التّابع المصطلح هو الثاني بإعراب سابقه فلا بدّ أن يكون للمتبوع إعراب لفظي أو تقديري أو محلي، فلا يشتمل للجمل التي لا محلّ لها من الإعراب. قلت المراد من قولهم هو الثاني بإعراب سابقه فيما يسابقه إعراب أو أنه بإعراب سابقه نفيا وإثباتا وإن كان خلاف الظاهر، فإنّ الحقّ أنّ كون التابع مما يتلو السابق في أحوال آخره على الأكثر، فالتقييد بذلك بناء على الغالب، صرّح به في اللّب وشرحه للسيّد، ويؤيده ما صرّح به في شرح المغني بأنّ قوله تعالى أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ بدل اصطلاحي من قوله تعالى أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ مع أنّه لا محلّ لها من الإعراب انتهى.

ثم اعلم أنّ أقسام التوابع خمسة: النعت وعطف البيان والتأكيد والبدل وعطف النسق، ويجيء تفاسيرها في مواضعها. وعند اجتماع تلك الأقسام في محلّ ترتب تلك التوابع بهذا الترتيب المذكور يعني يذكر الصفة أولا ثم عطف البيان ثم التأكيد ثم البدل ثم عطف النسق.
والتأكيد يجري في جميع أنواع الكلمة من الاسم والفعل والحرف بل في الجملة أيضا. والبدل يجري في الاسم والفعل والجملة، كذا عطف النسق، ولا يجري البيان والوصف في الجمل كما ستعرف في لفظ الجملة.
فائدة:
اعلم أنّهم اختلفوا، فذهب بعضهم إلى أنّ العامل في المعطوف والبدل مقدّر، وفي سائر التوابع العامل في التابع بحكم الانسحاب وسراية حكم المتبوع فيه. وبعضهم إلى أنّ البدل والمعطوف كسائر التوابع. والتابع عند المحدّثين يجيء في لفظ المتابعة.

الإمكان

الإمكان: عدم اقتضاء الذات الوجودَ والعدمَ.
الإمكان:
[في الانكليزية] Contingency
[ في الفرنسية] Contingence
عند المنطقيين والحكماء يطلق بالاشتراك على معنيين: الأول سلب الضرورة وهو قد يكون بحسب نفس الأمر ويسمّى إمكانا ذاتيا وإمكانا خارجيا وقبولا وهو المستعمل في الموجهات، وقد يكون بحسب الذهن ويسمّى إمكانا ذهنيا وهو ما لا يكون تصور طرفيه كافيا بل يتردد الذهن بالنسبة بينهما. وسيأتي في لفظ الضرورة. الثاني القوة القسيمة للفعل ويسمّى بإمكان الاستعداد وبالإمكان الاستعدادي وبالاستعداد وبالقبول أيضا، وهي كون الشيء من شأنه أن يكون وليس بكائن، كما أنّ الفعل كون الشيء من شأنه أن يكون وهو كائن.

والفرق بين المعنيين بوجوه: الأول أنّ ما بالقوة لا تكون بالفعل لكونها قسيمة له بخلاف الممكن بالمعنى الأول فإنه كثيرا ما يكون بالفعل. والثاني أنّ القوة لا تنعكس إلى الطرف الآخر فلا يكون الشيء بالقوة في طرف وجوده وعدمه بخلاف الممكن بالمعنى الأول فإنه ممكن أن يكون وممكن أن لا يكون. والثالث أنّ ما بالقوة إذا حصل بالفعل فقد يكون بتغيّر الذات كما في قولنا الماء هواء بالقوة، وقد يكون بتغيّر الصفات كما في قولنا الأمّي بالقوة كاتب، بخلاف الممكن بالمعنى الأول، فبين المعنيين عموم من وجه لتصادقهما في الصورة الثانية، وصدق الأول فقط في الصورة الأولى لصدق لا شيء من الماء بهواء بالضرورة، ولصدق الماء هواء بالإمكان، وصدق الثاني فقط حيث يكون النسبة فعلية. هكذا في شرح المطالع. قال السيّد السّند في شرح المواقف ومولانا عبد الحكيم في حاشيته في أبحاث الحدوث: الإمكان الاستعدادي مغاير للإمكان الذاتي لأن الإمكان الذاتي اعتباري، يعقل للشيء عند انتساب ماهيته إلى الوجود وهو لازم لماهية الممكن قائم بها يستحيل انفكاكه عنها، ولا يتصوّر فيه تفاوت بالقوة والضعف والقرب والبعد أصلا، بخلاف الإمكان الاستعدادي فإنه أمر موجود من مقولة الكيف كما ذهب إليه المتأخرون من الحكماء، حيث جعلوا الاستعداد قسما رابعا من الكيفيات، وهو قائم بمحل الشيء الذي ينسب إليه لا به، وغير لازم له.
وتحقيقه أنّ الممكن إن كفى في صدوره عن الواجب تعالى إمكانه الذاتي دام بدوامه إذ الواجب تام لا شرط لتأثيره وفاعليته، وإن لم يكف إمكانه الذاتي في صدوره عنه تعالى احتاج إلى شرط به يفيض الوجود من الواجب عليه، فإن كان ذلك الشرط قديما دام أيضا بدوام الواجب وشرطه القديم، وإن كان حادثا كان الممكن المتوقف عليه حادثا ضرورة لكن ذلك الشرط يحتاج إلى شرط حادث آخر وهلمّ جرا، فيتوقف كل حادث على حادث إلى غير النهاية.
فتلك الحوادث إمّا موجودة معا وهو باطل لاستحالة التسلسل في الأمور المترتبة طبعا أو وضعا مع كونها موجودة معا، وإمّا متعاقبة في الوجود يوجد بعضها عقيب بعض ولا بدّ له أي لذلك المجموع من محل يختص به أي بالحادث المفروض أو لا، وإلّا كان اختصاص مجموع الحوادث بحادث دون آخر ترجيحا بلا مــرجّح.
فإذن لذلك المحل استعدادات متعاقبة كلّ واحد منها مسبوق بالآخر لا إلى نهاية، فكل سابق من الاستعدادات شرط للاحق. وإن كانا بحيث لا يجتمعان معا في الوجود ومقرب للعلة الموجودة القديمة إلى المعلول المعين بعد بعدها عنه ومقرب لذلك المعلول إلى الوجود ومبعد له عن العدم فإن المعلول الحادث إذا توقّف على ما لا يتناهى من الحوادث المتعاقبة، فخروج كلّ منها إلى الوجود يقرب الفاعل إلى التأثير في ذلك تقريبا متجددا حتى تصل النوبة إليه فيوجد، فهذا الاستعداد الحاصل بمحل ذلك الحادث هو المسمّى بالإمكان الاستعدادي لذلك الحادث، وأنه أمر موجود لتفاوته بالقرب والبعد والقوة والضعف، إذ استعداد النطفة للانسان أقرب وأقوى من استعداد العناصر له، ولا يتصور التفاوت بالقرب والبعد والقوة والضعف في العدم. فإذن هو أمر موجود في محله الموجود وهو المادة وفيه نظر لأن قبوله لهما ليس إلّا وهميا منتزعا من قرب فيضانه من العلّة وبعده عنها بحسب تحقق الشروط. كيف ولا دليل على أن النطفة كيفية مغايرة للكيفية المزاجية التي هي من جملة الملموسات المقربة إلى قبول الصور المتواردة عليها، بل التحقيق أن الإمكان الاستعدادي هو الإمكان الذاتي مقيسا إلى قرب أحد طرفيه بحسب تحقق الشروط. فالمغايرة بين الإمكانين بالاعتبار وحينئذ يجوز قيام استعداد كل حادث به ولا حاجة إلى المحل. هذا قال شارح المطالع: ثم الإمكان الذاتي يطلق على معان: الأول الإمكان العامي وهو سلب الضرورة المطلقة أي الذاتية عن أحد طرفي الوجود والعدم وهو الطرف المخالف للحكم، وربما يفسّر بما يلازم هذا المعنى وهو سلب الامتناع عن الطرف الموافق، فإن كان الحكم بالإيجاب فهو سلب ضرورة السلب أو سلب امتناع الإيجاب. فمعنى قولنا كل نار حارة بالإمكان أنّ سلب الحرارة عن النار ليس بضروري، أو ثبوت الحرارة للنار ليس بضروري. ومعنى قولنا لا شيء من الحار ببارد بالإمكان أن إيجاب البرودة للحار ليس بضروري أو سلبها عنه ليس بممتنع وما ليس بممكن ممتنع ولما قوبل سلب ضرورة أحد الطرفين بضرورة ذلك الطرف انحصرت المادة في الضرورة واللاضرورة بحسب هذا الإمكان. فإن قلت الإمكان بهذا المعنى شامل لجميع الموجهات فلو كانت الضرورة مقابلة له كان قسم الشيء قسيما له، قلت له اعتباران من حيث المفهوم، وبهذا الاعتبار يعمّ الموجهات ومن حيث نسبته إلى الإيجاب والسلب متقابلة الضرورة لأنه إذا كان إمكان الإيجاب تقابله ضرورة السلب وإن كان إمكان السلب تقابله ضرورة الإيجاب. الثاني الإمكان الخاصي وهو سلب الضرورة الذاتية عن الطرفين أي الطرف الموافق للحكم والمخالف جميعا، كقولنا بالإمكان الخاص كل كاتب إنسان ولا شيء من الإنسان بكاتب ومعناهما أن سلب الكتابة عن الإنسان وإيجابها له ليسا بضروريين فهما متّحدان معنى لتركّب كلّ منهما من إمكانين عامين موجب وسالب. والفرق ليس إلّا في اللفظ.
وإنما سمّي خاصا لأنه المستعمل عند الخاصة من الحكماء وهو المعدود في الأمور العامة كما يجيء في لفظ الوجوب مع بيان فوائد اخرى.
ثم إنهم لمّا تأملوا المعنى الأول كان الممكن أن يكون وهو ما ليس بممتنع أن يكون واقعا على الواجب وعلى ما ليس بواجب ولا ممتنع بل ممكن خاص والممكن أن لا يكون وهو ما ليس بممتنع أن لا يكون واقعا على الممتنع وعلى ما ليس بواجب ولا ممتنع فكان وقوعه على ما ليس بواجب ولا ممتنع في حاليه لازما فأطلقوا اسم الإمكان عليه بالطريق الأولى فحصل له قرب إلى الوسط بين طرفي الإيجاب والسلب وصارت المواد بحسبه ثلاثة إذ في مقابلة سلب ضرورة الطرفين سلب ضرورة أحد الطرفين، وهي إما ضرورة الوجود أي الوجوب أو ضرورة العدم أي الامتناع، ولا يمتنع تسمية الأول عاما والثاني خاصا لما بينهما من العموم والخصوص المطلق؛ فإنه متى سلبت الضرورة عن الطرفين كانت مسلوبة عن أحدهما من غير عكس كلي. الثالث الإمكان الأخص وهو سلب الضرورة المطلقة أي الذاتية والوصفية والوقتية عن الطرفين وهو أيضا اعتبار الخواص، وإنما اعتبروه لأن الإمكان لما كان موضوعا بإزاء سلب الضرورة فكلما كان أخلي عن الضرورة كان أولى باسمه فهو أقرب إلى الوسط بين الطرفين، فإنهما إذا كانا خاليين عن الضرورات كانا متساويتي النسبة والاعتبارات بحسبه ستة، إذ في مقابلة سلب هذه الضرورات عن الطرفين ثبوت إحداها في أحد الطرفين وهي ضرورة الوجود بحسب الذات أو بحسب الوصف أو بحسب الوقت، أو ضرورة العدم بحسب الذات أو بحسب الوصف أو بحسب الوقت. الرابع الإمكان الاستقبالي وهو إمكان يعتبر بالقياس إلى الزمان المستقبل فيمكن اعتبار كل من المفهومات الثلاثة بحسبه لأن الظاهر من كلام الكشف والمصنف اعتبار الإمكان الأخص.
فالأول أي الإمكان العام أعم من البواقي. ثم الإمكان الخاص أعم من الباقيين والإمكان الأخص أعم من الإمكان الاستقبالي لأنه متى تحقق سلب الضرورة بحسب جميع الأوقات تحقق سلبها بحسب المستقبل من غير عكس، لجواز تحققها في الماضي والحال. قال الشيخ: الإمكان الاستقبالي هو الغاية في الصرافة فإن الممكن ما لا ضرورة فيه أصلا لا في وجوده ولا في عدمه فهو مباين للمطلق لأن المطلق ما يكون الثبوت أو السلب فيه بالفعل فيكون مشتملا على ضرورة ما، لأن كلّ شيء يوجد فهو محفوف بضرورة سابقة وضرورة لا حقة بشرط المحمول. والبعض شرط في إمكان الوجود في الاستقبال العدم في الحال وبالعكس أي شرط في إمكان العدم في الاستقبال الوجود في الحال، وألحق عدم الالتفات إلى الوجود والعدم في الحال والاقتصار على اعتبار الاستقبال.

الاشتراك

الاشتراك:
[في الانكليزية] Homonymy
[ في الفرنسية] Homonymie
في عرف العلماء كأهل العربية والأصول والميزان يطلق بالاشتراك على معنيين: أحدهما كون اللفظ المفرد موضوعا لمفهوم عام مشترك بين الأفراد ويسمّى اشتراكا معنويا، وذلك اللفظ يسمّى مشتركا معنويا، وينقسم إلى المتواطئ والمشكّك. وثانيهما كون اللفظ المفرد موضوعا لمعنيين معا على سبيل البدل من غير ترجيح، ويسمّى اشتراكا لفظيا. وذلك اللفظ يسمّى مشتركا لفظيا. فقولهم لمعنيين أي لا لمعنى واحد فيشمل ما وضع لأكثر من معنيين فهو للاحتراز عن اللفظ المنفرد وهو الموضوع لمعنى واحد، لكنه إذا وقع في معناه شكّ بحيث يتردّد بين معنيين بأنّ هذا اللفظ موضوع لهذا أو لهذا صدق عليه أنّه للمعنيين على سبيل البدل من غير ترجيح، فزيد قيد معا للاحتراز عن مثل هذا المنفرد إذ لا يصدق عليه أنّه لهما معا.
إن قيل إنّا نقطع أنّ المنفرد ليس موضوعا للمعنيين فلا حاجة إلى الاحتراز، قلت: لمّا دار وضعه بين المعنيين عند المشكّك جاز انتسابه إليهما في الوضع بحسب الظاهر عنده، فاحترز عنه بزيادة معا احتياطا، ولذا قيل: إنه للاحتراز عن المشترك معنى كالمتواطئ والمشكّك.
وقولهم على سبيل البدل احتراز عن الموضوع لمجموع المعنيين أو أكثر من حيث المجموع، وعن المتواطئ، لكن بحسب الظاهر لأن المتواطئ يحمل على أفراده بطريق الحقيقة فيظنّ أنه موضوع لها. وقولهم من غير ترجيح احتراز عن اللفظ بالقياس إلى معنييه الحقيقي والمجازي، فإنه بهذا الاعتبار لا يسمّى مشتركا؛ وهذا الاحتراز إنما هو على تقدير أن يقال بأن في المجاز وضعا أيضا، هكذا يستفاد من العضدي وحواشيه.
وبالجملة فالمنقول مطلقا ليس مشتركا لأنه لا بدّ أن يكون في أحد معنييه حقيقة وفي الآخر مجازا، ولزم من هذا أن يكون المعنيان بنوع واحد من الواضع حتى لو كان أحدهما بوضع اللغة والآخر بوضع الشرع، مثلا كالصلاة لا يسمّى مشتركا، وقد صرّح بهذا في بعض حواشي الإرشاد أيضا. وفي بديع الميزان وضع المشترك لمعنيين فصاعدا لا يلزم أن يكون من لغة واحدة، بل يجوز أن يكون من لغة واحدة كالعين للباصرة والجارية والذهب وغيرها، أو من لغات مختلفة مثل بئر فإنه في العربية بمعنى چاه وفي الهندية برادر انتهى.
وقيل المشترك هو اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعا أوّلا من حيث أنهما مختلفتان. فاحترز بالموضوع لحقيقتين عن الأسماء المفردة. وبقوله وضعا أولا عن المنقول وبالقيد الأخير عن المشترك معنى انتهى.
وإطلاق اللفظ وعدم تقييده بالمفرد لا يبعد أن يكون إشارة إلى عدم اختصاصه بالمفرد.

فائدة:
اختلف في أن المشترك واقع في اللغة أم لا، وقد يقال المشترك إمّا أن يجب وقوعه، أو يمتنع، أو يمكن، وحينئذ إمّا أن يكون واقعا أو لا، فهي أربعة احتمالات عقلية. وقد ذهبت إلى كلّ منها طائفة، إلّا أنّ مرجعها إلى اثنين إذ لا يتصوّر هاهنا وجوب ولا امتناع بالذات، بل بالغير، فهما راجعان إلى الإمكان. فالواجب هو الممكن الواقع والممتنع هو الممكن الغير الواقع، والصحيح أنه واقع. واختلف أيضا في وقوعه في القرآن والأصح أنه قد وقع، ودلائل الفرق تطلب من العضدي وحواشيه.
اعلم أنّ في المشترك اختلافات كثيرة.

الاختلاف الأول: في إمكانه، قال البعض:
وقوع الاشتراك ليس بممكن لأنّ المقصود من وضع الألفاظ فهم المعاني، وإذا وضع لمعان كثيرة فلا يفهم واحد منها عند خفاء القرينة وإلّا يلزم الترجيح بلا مــرجّح، وفهم الجميع يستلزم ملاحظة النفس وتوجّهها إلى أشياء كثيرة بالتفصيل عند زمان الإطلاق، لأن ملاحظة المعاني بالأوضاع المتعددة المفصّلة لا بدّ أن تكون على التفصيل، وهذا باطل لما تقرّر في موضعه. وأجيب عنه بأنّ المقصود قد يكون الإجمال دون التفصيل، وقد يكون في التفصيل مفسدة، وفي الإجمال رفع الفساد كما قال الصدّيق الأكبر عند ذهاب رسول الله في وقت الهجرة من مكة إلى المدينة، حين سأله بعض الكفار عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بقوله: من هذا قدّامك؟ فقال الصدّيق: رجل هادينا. فالتفصيل هاهنا كان موجبا للفساد العظيم فالأصح أنه ممكن لعدم امتناع وضع اللفظ الواحد لمعان متعددة مختلفة بأوضاع متعددة.
وقد يجاب بأنه يفهم واحد من المعاني، ولا يلزم الترجيح بلا مــرجّح لجواز أن يكون بين بعض المعاني والذهن مناسبة ينتقل الذهن من اللفظ إليه أو يكون بعضها مناسبا للفظ بحيث يتبادر الذهن بسبب تلك المناسبة إليه، أو يكون بعضها مشهورا بحيث يتسارع الذهن بسبب الشهرة إليه، أو تكون القرينة مــرجّحــة لبعض المعاني على الآخر.
والاختلاف الثاني في وقوع الاشتراك في اللغة، قال البعض: ليس بواقع، لأنّ وقوعه يوجب الإجمال والإبهام وهو مخلّ للاستعمال إذا لم يبيّن. وأمّا إذا بيّن المراد فالبيان هو الكافي للمقصود، ولا حاجة إلى غيره، فيلزم اللغو في وقوع المشترك ولأن الواضع إن كان هو الله تعالى فهو متعال عن اللغو والعبث، وإن كان غيره تعالى فلا بدّ لصدور الوضع من علّة غائية لأنّ الفعل الاختياري لا بدّ له من علّة غائية كما تقرر في موضعه. وأجيب بأنّ الإجمال والإبهام قد يكون مقصودا في الاستعمال كما عرفت، ومثل أن يريد المتكلّم إفهام مقصوده للمخاطب المعيّن وإخفاءه عن غيره، فيتكلّم بلفظ مشترك يفهم المخاطب مراده منه بسبب كونه معهودا بينهما من قبل، أو بسبب قرينة خفيّة بحيث يفهم المخاطب دون غيره؛ والمبيّن قد يكون أبلغ من البيان وحده، وقد يحدث من اجتماعهما لطافة في الكلام لا يحصل من البيان وحده، وغير ذلك من الفوائد.
وأجيب بأن الواضع إذا كان الله تعالى فقد يكون المقصود منه ابتلاء العلماء الراسخين، وقد يكون المقصود منه توسيع المفاهيم بالنظر إلى جماعة العلماء المجتهدين، وقد يكون المقصود تشويق المخاطبين إلى فهم المراد حتى إذا ادركوه بعد التأمل وجدوه لذيذا لأن حصول المطلوب بعد الطلب والتعب يكون ألذ من المنساق بلا تعب وبغير نصب. وإن كان الواضع غيره تعالى فالمقصود قد يكون واحدا من تلك الأغراض وقد يكون غيرها مثل إخفاء المراد من غير المخاطب، ومثل اختبار ذهن المخاطب هل يفهم بالقرائن أم لا، أو اختيار مقدار فهم المخاطب هل يدرك بالقرائن الخفية أم لا، وغيرها من الأغراض. وقد يكون الواضع متعددا، فشخص وضع لفظا لمعنى واحد ثم شخص آخر وضعه لمعنى آخر كما في الأعلام المشتركة، فالأصح أن المشترك واقع في اللغة.
والاختلاف الثالث في كون الاشتراك بين الضّدّين، يعني اختلف بعد تسليم إمكانه ووقوعه في أنه هل هو واقع بين الضّدّين بحيث يكون لفظ واحد مشتركا بين معان متضادة متباينة.
فقال بعضهم ليس بواقع لأن الاشتراك يقتضي التوحّد، والتضادّ يقتضي التباين، وبينهما منافاة، فلا يكون واقعا. وأجيب بأنّ التوحّد والتباين ليسا من جهة واحدة ليلزم المنافاة، لأن الأول من جهة اللفظ والثاني من جهة المعاني، فلا منافاة حينئذ لاختلاف المحل، فالأصح أنه واقع بين الضّدّين كالقرء للحيض والطّهر.
الاختلاف الرابع في عموم المشترك يعني بعد تسليم إمكانه ووقوعه وتحقّقه بين الضّدّين.
اختلف في عموم المشترك بأن يراد بلفظ المشترك أكثر من معنى واحد معا أو لا. الأول مذهب الشافعي والثاني مذهب الإمام الأعظم.
ثم بعد كون المشترك عاما اختلف في أن إرادة العموم على سبيل الحقيقة أو المجاز. فذهبت طائفة منهم إلى أنه حقيقة لأن كلا من معانيه موضوع له فكان مستعملا في الموضوع له، وهذا هو الحقيقة. وقال الآخرون منهم إنه مجاز وأن لفظ المشترك ليس بموضوع لمجموع المعنيين، وإلّا لما كان استعماله في أحدهما على سبيل الانفراد حقيقة، ضرورة أنّه لا يكون نفس الموضوع له بل جزؤه، واللازم باطل بالاتفاق فثبت أنه ليس بموضوع للمجموع، فلم يكن حقيقة. واستدل الشافعي على إرادة العموم من المشترك بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الخ بأنّ الصلاة مشتركة بين الرحمة والاستغفار والدعاء. وفي الآية الرحمة والاستغفار كلاهما مرادان من لفظ واحد وهو يصلّون، لأن الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار. والجواب عن هذا الاستدلال أنّ الآية سيقت لإيجاب اقتداء المؤمنين بالله وملائكته، ولا يصحّ ذلك إلّا بأخذ معنى عام شامل للكل وهو الاعتناء بشأنه صلى الله عليه وسلم، فيكون المعنى: الله وملائكته يعتنون بشأن النبي يا أيها المؤمنون اعتنوا أنتم أيضا بشأنه، وذلك الاعتناء من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن المؤمنين دعاء. فالصلاة هاهنا لمعنى الاعتناء سواء كان حقيقة أو مجازا، وهو مفهوم واحد ومعنى عام، لكن يختلف باختلاف المحال فكانت لها أفراد مختلفة بحسب اختلاف نسبة الصلاة إليها. وعند الإمام لا يجوز استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد لا حقيقة لما مرّ، ولأن الوضع تخصيص اللفظ للمعنى، فكلّ وضع في المشترك يوجب أن لا يراد به إلّا هذا المعنى الموضوع له، ويوجب أن يكون هذا المعنى تمام الموضوع له. فإرادة المعنى الآخر ينافي الوضع للمعنى الأول، فلا يكون استعماله في كلا المعنيين بالوضع، فلم يكن حقيقة ولا مجازا لأنه إذا استعمل في أكثر من معنى واحد فقد استعمل في الموضوع له وغير الموضوع له أيضا، لأنّ كل واحد من المعنيين موضوع له باعتبار وضع اللفظ لذلك المعنى، وغير الموضوع له باعتبار وضعه للمعنى الآخر، فلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، وهو لا يجوز عند الإمام الأعظم، فبطل استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد. هذا خلاصة ما في التوضيح والتلويح وحاشية المبين والحسن على السلّم.

فائدة:
إذا دار اللفظ بين أن يكون مشتركا أو مجازا كالنّكاح، فإنه يحتمل أن يكون حقيقة في الوطء مجازا في العقد، وأنه مشترك بينهما، فليحمل على المجاز لأنه أقرب.

فائدة:
جوّز الشافعي وأبو بكر الباقلاني وبعض المعتزلة كالجبائي وعبد الجبار وغيرهم أن يراد بالمشترك كلّ واحد من معنييه أو معانيه بطريق الحقيقة إذا صحّ الجمع بينهما، كاستعمال العين في الباصرة والشمس، لا كاستعمال القرء في الحيض والطهر معا، إلّا أنّ عند الشافعي وأبي بكر متى تجرد المشترك عن القرائن الصارفة إلى أحد معنييه أو معانيه وجب حمله على جميع المعاني كسائر الألفاظ العامة، وعند الباقين لا يجب، فصار العام عندهم قسمين:
قسم متفق الحقيقة وقسم مختلفها، وعند بعض المتأخرين يجوز إطلاقه عليهما مجازا حقيقة.
وعند الحنفية وبعض المحققين وجميع أهل اللغة وأبي هاشم وأبي عبد الله البصري يصح ذلك لا حقيقة ولا مجازا.

التّنكيت

التّنكيت:
[في الانكليزية] Using of a shaft of wit or a flash of inspiration
[ في الفرنسية] Emploi d'une anecdote ou d'un trait d'esprit
بالكاف كالتصريف هو عند البلغاء أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسدّ مسدّه لأجل نكتة في المذكور تــرجّح مجيئه على ما سواه، كقوله تعالى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى خصّ الشعرى بالذكر دون غيرها من النجوم وهو تعالى ربّ كل شيء، لأن العرب كان ظهر فيهم رجل يعرف بابن أبي كبشة عبد الشعرى ودعا خلقا إلى عبادتها فأنزل الله تعالى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى التي ادعيت فيها الربوبية. كذا في الإتقان في نوع بدائع القرآن.

ذو الغَضَوَين

ذو الغَضَوَين:
بفتح الغين والضاد، بلفظ تثنية الغضا، جاء ذكره في حديث الهجرة، قال ابن إسحاق: ثم تبطّن بهما، يعني الدليل، مــرجح من ذي الغضوين، بالغين والضاد المعجمتين، ويقال: من ذي العصوين، بالعين والصاد المهملتين، عن ابن هشام.

التّواتر

التّواتر:
[في الانكليزية] Succession ،hadith attributed to a companion of the Prophet
[ في الفرنسية] Succession ،hadith attribue a un compagnon du Prophete
هو في اللغة تتابع أمور واحدا بعد واحد بغيره من الوتر. ومنه ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا. وفي اصطلاح الأصوليين خبر جماعة مفيد بنفسه العلم بصدقه ويسمّى متواترا أيضا.
فبقيد الجماعة خرج خبر الواحد، وبقيد المفيد خرج خبر جماعة لا يفيده، وبقيد بنفسه خرج الخبر الذي علم صدق القائلين فيه بالقرائن الزائدة كموافقة دليل عقلي أو غير ذلك.
اعلم أنّهم اختلفوا في إفادته العلم اليقيني فذهب السّمنية والبراهمة إلى أنّ الخبر لا يكون حجة أصلا ولا يقع به العلم، لا علم اليقين ولا علم طمأنينة، بل يوجب ظنا. وذهب قوم منهم النظّام من المعتزلة وأبو عبد الله الثلجي من الفقهاء إلى أنه يوجب علم طمأنينة، فإنّ جانب الصدق يتــرجّح فيه بحيث يطمئن إليه القلوب فوق ما يطمئن بالظنّ، ولكن لا ينتفي عنه توهم الكذب والغلط. واتفق جمهور العقلاء على أنه يوجب علم اليقين واختلفوا في أنه يوجب علم اليقين علما ضروريا أو نظريا، فذهب عامتهم إلى أنه يوجب علما ضروريا وذهب أبو القاسم الكعبي وأبو الحسين البصري من المعتزلة وأبو بكر الدقاق من أصحاب الشافعي إلى أنه يوجب علما استدلاليا.
فائدة:
ذكر للتواتر شروط صحيحة وفاسدة.
فالصحيحة ثلاثة كلّها في المخبرين. الأول تعددهم تعددا يبلغ في الكثرة إلى أن يمنع اتفاقهم وتواطئهم على الكذب عادة. فما اشترطه البعض من تعيين العدد فاسد. فقيل خمسة لا ما دونها. وقيل اثنا عشر. وقيل عشرون. وقيل أربعون. وقيل خمسون. وقيل سبعون. وفي شرح النخبة وقيل أربع وقيل سبعة وقيل عشرة. وفي خلاصة الخلاصة أقل عدد يورث العلم غير معلوم على الأصح، لكنّا نستدل بحصول العلم الضروري على كماله. ثم قال: أقول وظني أنّه يختلف بحسب المخبر والمخبر له، بل المخبر عنه، ولا يشترط فيه الكثرة إذ يجوز أن يحصل من خبر واحد علم يقيني كما في إخبار النبي عليه الصلاة والسلام عن الله تعالى كالقرآن، بل إخبار شيخ عما رواه أو يراه لمريده ما لا يحصل من خبر عشرة آلاف، كما إذا أخبروا عن الله تعالى من غير وساطة نبي بالوحي أو ولي بالإلهام. ولذا عرّفه المحققون بما روي عمّن يمتنع في العادة كذبه سواء كان واحدا أو أكثر، ويؤيد ذلك ما روي في الأصل عن البزدوي أنه جعل كالمتواتر ما كان مرويّا عن آحاد الصحابة ثم انتشر، فنقله قوم لا يتصور اتفاقهم على الكذب. وقال هو حجة من حجج الله تعالى، حتى قال الجصّاص إنه أحد قسمي المتواتر، ويمتاز عنه بأنه يوجب علم يقين، وهذا علم طمأنينة.
ولا يخفى أنه يمكن أن يحصل منه اليقين أيضا والله أعلم انتهى. الثاني كونهم مستندين لذلك الخبر إلى الحسّ فإن خبر جماعة كثيرة في مثل حدوث العالم لا يفيد قطعا. الثالث استواء الطرفين والوسط أعني بلوغ جميع طبقات المخبرين في الأول والآخر والوسط بالغا ما بلغ عدد التواتر. وقد شرط فيه كونهم عالمين بالمخبر عنه ولا حاجة إليه، لأنه إن أريد به وجوب علم الكل فباطل لأنه يجوز أن يكون بعضهم مقلّدا فيه أو ظانّا أو مجازفا، وإن أريد وجوب علم البعض فهو لازم مما ذكرنا من الشروط الثلاثة. وأما أنه كيف يعلم حصول هذه الشرائط، فمن زعم أنه نظري يشترط تقدم العلم بذلك كله. ومن قال إنه ضروري فالضابطة عنده حصول العلم بصدقه. وإذا علم ذلك عادة علم وجود الشرائط، لا أنّ الضابطة في حصول العلم سبق العلم بها.
وأمّا الفاسدة فمنها ما عرفت. ومنها ما قيل إنه يشترط الإسلام والعدالة. ومنها ما قيل يشترط أن لا يحويهم بلد ليمتنع التواطؤ. ومنها ما قيل يشترط اختلاف النسب والدين والوطن.
وقال الشيعة يشترط أن يكون فيهم المعصوم وإلّا لم يمتنع الكذب. وقال اليهود يشترط أن يكون أهل الذلة فإنهم يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة للخوف، وأما أهل العزة فإنهم لا يخافون، والكل فاسد لحصول العلم بدون ذلك.
اعلم إذا كثرت الأخبار في الوقائع واختلفت فيها لكن كلّ واحد منها يشتمل على معنى مشترك بينها بجهة التضمن أو الالتزام حصل العلم بالقدر المشترك ويسمّى المتواتر من جهة المعنى وتواترا معنويا، كوقائع علي رضي الله عنه في حروبه من أنه هزم في خيبر كذا، وفعل في أحد كذا، فإنه يدل بالالتزام على شجاعته، وقد تواتر عنه ذلك، وإن كان شيء من تلك الجزئيات لم يبلغ درجة القطع. هذا كله خلاصة ما في العضدي والتحقيق شرح الحسامي.

الحذف

الحذف:
إلغاء الحرف دون خَلَفٍ له، وبُعبَّر عنه بـ (الإسقاط)، وأكثر ما يكون في الهمز، ويشمل الحذف ما ثبت رسماً، كما في قراءة من وقف بالياء على: {وَكَأَيِّنْ}، كما يشمل الحذف ما ثبت لفظاً، وهو كثير مثل حذف صلة ميم الجمع وقفاً عند من قرأ بصلتها وصلاً.
الحذف:
[في الانكليزية] Omission ،ellipsis
[ في الفرنسية] Omission ،retranchement ،ellipse
بالفتح وسكون الذال المعجمة في اللغة هو الإسقاط. وفي اصطلاحات العلوم العربية يطلق على إسقاط خاص. فعند أهل العروض يطلق على إسقاط السبب الخفيف من آخر الجزء، فبقي من مفاعيلن مثلا فعولن لأن مفاعي لما كان غير مستعمل وضع موضعه فعولن، هكذا في رسالة قطب الدين السرخسي وجامع الصنائع وغيرهما.
وعند أهل البديع يطلق على بعض المحسّنات الخطية. وبهذا المعنى ليس من علم البديع حقيقة وإن ذكره البعض فيه أي في علم البديع، ولعله جعله من الملحقات وهو إسقاط الكاتب أو الشاعر بعض الحروف المعجم من رسالته أو خطبته أو قصيدته كذا في المطول.

وأورد في مجمع الصنائع: الحذف هو أن يلتزم الكاتب أو الشاعر بأن لا يستعمل كلاما فيه حرف معيّن أو أكثر، سواء كان الحرف معربا أو معجما. مثاله: صنعت صدر مسند دستور من برد زينت بهشت برين. ومعناه صنعة الصدر المسند (آخذ الأمر) هي زينة الجنة العليا. وقد تخلّى عن استخدام حرف الألف في جميع الكلمات. والحذف المعتبر في هذه الصناعة هو قسمان: تعطيل ومنقوط ... وقد ذكر صاحب جامع الصنائع أنّ الطّرح بمعنى الحذف. والأنسب باصطلاح الصرفيين أنّ الحذف هو إسقاط حرف أو أكثر أو حركة من كلمة.
وسمي إسقاط الحركة بالإسكان كما لا يخفى.

قال الرضي في شرح الشافية: قد اشتهر في اصطلاحهم الحذف الإعلالي للحذف الذي يكون لعلة موجبة على سبل الاطراد كحذف ألف عصا وياء قاض. والحذف الترخيمي والحذف لا لعلة للحذف الغير المطرد كحذف لام يد ودم انتهى. والأنسب باصطلاح النحاة وأهل المعاني والبيان أنّه إسقاط حركة أو كلمة أكثر أو أقل، وقد يصير به الكلام المساوي موجزا، وسمّاه أي الحذف ابن جنّي سجاعة العربية، وهذا المعنى أعمّ من معنى الصرفيين. في الإتقان وهو أنواع الاقتطاع والاكتفاء والاحتباك ويسمّيه البعض بالحذف المقابلي أيضا. والرابع الاختزال فالاقتطاع حذف بعض الكلمة، والاكتفاء هو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط، فيكتفى بأحدهما لنكتة، والاحتباك هو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول، ويجيء تحقيق كل في موضعه.
والاختزال هو ما ليس واحدا مما سبق، وهو أقسام، لأنّ المحذوف إمّا كلمة اسم أو فعل أو حرف، وإمّا أكثر من كلمة انتهى. فمنه أي من الاختزال حذف المضاف سواء أعطي للمضاف إليه إعرابه نحو وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ أي أهل القرية، أو أبقي على إعرابه عند مضي إضافة أخرى مثلها نحو تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ بالجرّ في قراءة. أي عرض الآخرة. وإذا احتاج الكلام إلى حذف يمكن تقديره مع أول الجزءين ومع آخره، فتقديره مع الثاني أولى لأنّ الحذف من آخر الجملة أولى نحو الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ أي الحجّ حج أشهر لا أشهر حج، ويجوز حذف مضافين نحو فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أي من [أثر] حافر فرس الرسول، أو ثلاثة نحو فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب. ومنه حذف المضاف إليه. وهو يكثر في الغايات نحو قبل وبعد، وفي المنادى المضاف إلى ياء المتكلم نحو ربّ اغفر لي، وفي أيّ وكل وبعض، وجاء في غيرها كقراءة فلا خوف عليهم بضم خوف بلا تنوين، أي فلا خوف شيء عليهم. ومنه حذف المبتدأ ويكثر في جوانب الاستفهام نحو وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ، نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ أي هي نار الله، وبعد فاء الجواب نحو مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ أي فعمله لنفسه، وبعد القول نحو إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أي هو ساحر، وبعد ما يكون الخبر صفة له في المعنى نحو التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ أي هم العابدون، ونحو صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع ووقع في غير ذلك. ومنه حذف الخبر نحو فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي فأمري صبر. ومنه حذف الموصوف نحو وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أي حور قاصرات. ومنه حذف الصفة نحو يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ أي صالحة. ومنه حذف المعطوف عليه نحو أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فانفلق أي فضرب فانفلق.
وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل ففي تخريجه وجهان: أحدهما أن يكون تعليلا معلّله محذوف كقوله تعالى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً فالمعنى وللإحسان إلى مؤمنين فعل ذلك. وثانيهما أنه معطوف على علة أخرى مضمرة ليظهر صحّة العطف أي فعل ذلك ليذيق الكافرين بأسه وليبلي الخ. ومنه حذف المعطوف مع العاطف نحو لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ أي ومن أنفق بعده. ومنه حذف حرف العطف وبابه الشعر وقد خرّج على ذلك قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ أي ووجوه عطفا على وجوه يومئذ خاشعة. وقيل أكلت خبزا لحما تمرا من هذا الباب. وقيل من باب بدل الإضراب. وأمّا حذف المعطوف بدون حرف العطف فغير جائز فيجب معه حذف العاطف. ومنه حذف المبدل منه خرّج عليه وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ أي لم تصفه والكذب بدل من الهاء. ومنه حذف المؤكّد وبقاء التوكيد، فسيبويه والخليل أجازاه وأبو الحسن ومن تبعه منعوه. ومنه حذف الفاعل وهو لا يجوز إلّا في فاعل المصدر نحو لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي من دعائه الخير. ومنه حذف المفعول وهو كثير في مفعول المشيئة والإرادة، ويرد في غيرهما أيضا، لكن حذف المقول وبقاء القول غريب نحو قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أي هو سحر بدليل أسحر هذا. ومنه حذف الحال يكثر إذا كان قولا أغنى عنه المقول نحو وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي قائلين [ذلك]. ومنه حذف واو الحال نحو قول الشاعر:
نصف النهار الماء غامره أي انتصف النهار، والحال أنّ الماء غامر هذا الغائص. ومنه حذف المنادى نحو «ألا يا اسجدوا» أي ألا يا قوم اسجدوا. ومنه حذف حرف النداء نحو قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ ومنه حذف العائد ويقع في أربعة أبواب: الصلة نحو أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا أي بعثه. والصفة نحو وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ أي فيه. والخبر نحو وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي وعده، والحال. ومنه حذف المخصوص بالمدح أو الذم نحو نِعْمَ الْعَبْدُ أي أيوب. ومنه حذف الموصول الاسمي أجازه الكوفيون والأخفش وتبعهم ابن مالك، وشرط في بعض كتبه كونه معطوفا على موصول آخر، ومن حجتهم آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ أي والذي أنزل إليكم لأنّ الذي أنزل إلينا ليس هو الذي نزل من قبلنا، ولهذا أعيدت ما في قوله قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وهو الذي أنزل من قبلنا. ومنه حذف الموصول الحرفي، قال ابن مالك لا يجوز إلّا في أن نحو وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ أي أن يريكم، ونحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. قال في المغني وهو مطرد في مواضع معروفة وشاذ في غيرها. ومنه حذف الصلة وهو جائز قليلا لدلالة صلة أخرى أو دلالة غيرها. ومنه حذف الفعل وحده أو مع مضمر مرفوع أو منصوب أو معهما. ومنه حذف التمييز نحو كم صمت أي كم يوما صمت. وقال الله تعالى عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وقوله إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ، وهو شاذ في باب نعم نحو من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، أي فبالرخصة أخذ ونعمت رخصة. ومنه حذف الاستثناء أي المستثنى وذلك بعد إلّا وغير المسبوقين بليس.
يقال قبضت عشرة ليس إلّا وليس غير أي لي إلّا عشرة. وأجاز البعض ذلك بعد لم يكن وهو ليس بمسموع.
وأما حذف أداة الاستثناء فلم يجزه أحد إلّا أنّ السهيلي قال في قوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أنّ التقدير إلّا قائلا إلّا أن يشاء الله، فتضمّن كلامه حذف أداة الاستثناء والمستثنى جميعا، والصواب أن يقال الاستثناء مفرّغ وأنّ المستثنى مصدر أو حال أي إلّا قولا مصحوبا بأن يشاء الله، أو إلّا ملتبسا بأن يشاء الله. وقد علم أنه لا يكون القول مصحوبا بذلك إلّا مع حرف الاستثناء فطوي ذكره لذلك فالباء محذوفة من أن.
ومنه حذف فاء الجواب وهو مختصّ بالضرورة وقد خرّج عليه الأخفش قوله تعالى إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ أي فالوصية. وقال غيره الوصية فاعل ترك. ومنه حذف قد في الحال الماضي نحو أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أي قد حصرت. ومنه حذف لا التبرئة، حكى الأخفش لا رجل وامرأة بالفتح وأصله ولا امرأة. ومنه حذف لا النافية يطّرد ذلك في جواب القسم إذا كان المنفي مضارعا نحو قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ أي لا تفتأ ويقل مع الماضي ويسهله تقدّم لا على القسم كقول الشاعر:
فلا والله نادى الحي قومي وسمع بدون القسم وقد قيل به في قوله تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا أي لئلا تضلّوا. وقيل المضاف محذوف أي كراهة أن تضلّوا، ومنه: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ أي لا يطيقونه. ومنه حذف لام الأمر وهو مطّرد عند بعضهم في نحو قل له يفعل وجعل منه وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا وقيل هو جواب شرط محذوف أو جواب الطلب. والحقّ أنّ حذفها مختص بالشعر. ومنه حذف لام التوطئة نحو وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي لئن لم ينتهوا. ومنه حذف لام لقد وهو لام جواب القسم ويحسن مع طول الكلام نحو قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. ومنه حذف الجار وهو يكثر مع أنّ وإنّ وقد يحذف مع بقاء الجر نحو الله لأفعلن كذا، وأما حذفه مع المجرور فكثير. ومنه حذف ما النافية جوّزه ابن معط في جواب القسم خلافا لابن الخباز. ومنه حذف ما المصدرية قاله أبو الفتح في قوله: يأتيه تقدمون الخيل شعثا. ومنه حذف كي المصدرية أجازه السيرافي في نحو جئت لتكرمني، وإنّما يقدّر الجمهور هنا أن لأنها أمّ الباب فهي أولى بالتجوز. ومنه همزة الاستفهام خرّج عليه هذا ربي. ومنه حذف نون التأكيد يجوز في لافعلن للضرورة، ويجب في الخفيفة إذا لقيها ساكن نحو اضرب الغلام بفتح الباء والأصل اضربن وفي غيره ضرورة. وقيل جاء في النثر أيضا كقراءة ألم نشرح بالفتح.
ومنه حذف نوني التثنية والجمع يجب عند الإضافة وشبهها نحو لا غلامي لزيد إذا لم يقدّر اللام مقحمة وعند تقصير الصّلة نحو الضاربا زيدا والضاربو عمروا وعند اللام الساكنة قليلا نحو لذائقو العذاب فيمن قرأ بالنصب وعند الضرورة. ومنه حذف التنوين يحذف لزوما لدخول أل، وللإضافة وشبهها، ولمنع الصرف، وللوقف في غير النصب، ولاتصال الضمير، ولكون الاسم علما موصوفا بما اتصل به وأضيف إلى علم آخر من ابن او ابنة اتفاقا أو بنت عند قوم. ويحذف لالتقاء الساكنين قليلا وعليه قرئ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ بترك تنوين أحد. ولا يحذف تنوين مضاف بغير مذكور باطراد إلّا أن أشبه في اللفظ المضاف نحو قطع الله يد ورجل من قالها. ومنه حذف أل التعريف تحذف للإضافة المعنوية والنداء.
وسمع سلام عليكم بغير تنوين. ومنه حذف لام الجواب وذلك ثلاثة: حذف لام جواب لو نحو لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً، وحذف لام لأفعلن وهو مختص بالضرورة، وحذف لام جواب القسم كما سبق. ومنه حذف حركة الإعراب والبناء كقراءة فتوبوا إلى بارئكم ويأمركم وبعولتهن أحق بسكون الثلاثة. ومنه حذف الكلام في الجملة ويقع ذلك باطراد في مواضع: أحدها بعد حرف الجواب يقال أقام زيد فنقول نعم. وثانيها بعد نعم وبئس إذا حذف المخصوص. وقيل إنّ الكلام جملتان. وثالثها بعد حرف النداء في مثل يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ إذ قيل إنه على حذف المنادى أي يا هؤلاء، ورابعها بعد إن الشرطية كقوله: [لرؤبة بن العجاج]
قالت بنات العمّ يا سلمى وإن كان عيا معدما قالت وإن أي وإن كان كذلك رضيته أيضا. وخامسها في قولهم افعل هذا أمّا لا أي إن كنت لا تفعل غيره فافعله. ومنه حذف أكثر من جملة نحو فارسلون يوسف أي فارسلون إلى يوسف لاستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف.
ومنه حذف جملة القسم وهو كثير جدا وهو لازم مع غير الباء. وحيث قيل لأفعلن أو لقد فعل أو لئن فعل ولم يقدم جملة قسم يكون القسم مقدرا نحو لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً. واختلف في نحو لزيد قائم وإنّ زيدا قائم أو لقائم هل يجب كونه جوابا للقسم أو لا. ومنه حذف جواب القسم، يجب إذا تقدّم عليه أو اكتنفه ما يغني عن الجواب. فالأول نحو زيد قائم والله.
والثاني نحو زيد والله قائم. فإن قلت زيد والله إنّه قائم أو لقائم احتمل كون المتأخّر عنه خبرا عن المتقدّم أو جوابا وجملة القسم وجوابه الخبر، ويجوز في غير ذلك نحو وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً الآية لنبعثن بدليل ما بعده. ومنه حذف جملة الشرط وهو مطّرد بعد الطلب نحو فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ. وحذف جملة الشرط بدون الأداة كثير. ومنه حذف جواب الشرط نحو فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي لعذّبكم، وهو واجب في مثل: هو ظالم إن فعل، ومثل: هو إن فعل ظالم، أي فعليه لعنة الله. ومنه حذف جملة مبيّنة عن المذكور نحو ليحق الحق ويبطل الباطل أي فعل ما فعل. هذا كله خلاصة ما في الإتقان والمطوّل.
فائدة:
الحذف الذي يلزم النحوي النظر فيه هو ما اقتضته الصناعة وذلك كأن يجد خبرا بدون مبتدأ أو بالعكس أو شرطا بدون جزاء أو بالعكس أو معطوفا بدون معطوف عليه أو بالعكس أو معمولا بدون عامل. وأما قولهم سرابيل تقيكم الحرّ على كون التقدير والبرد فضول في علم النحو، وإنما ذلك للمفسّر.
وكذا قولهم يحذف الفاعل لعظمته أو حقارته ونحو ذلك فإنه تطفّل منهم على صناعة البيان. فائدة:
في ذكر شروط الحذف وهي ثمانية.
الأول وجود دليل حالي أو مقالي إذا كان المحذوف جملة بأسرها نحو قالُوا سَلاماً أي سلمنا سلاما، ونحو وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً. أو أحد ركنيها نحو قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أي سلام عليكم أنتم قوم منكرون، فحذف خبر الأولى ومبتدأ الثانية. أو لفظا يفيد معنى فيها هي مبنية عليه نحو تالله تفتؤا. وأما إذا كان المحذوف فضلة فلا يشترط لحذفه وجدان الدليل ولكن يشترط أن لا يكون في حذفه ضرر معنوي كما في قولك ما ضربت إلّا زيدا، أو صناعي كما في قولك زيدا ضربته وقولك ضربني وضربت زيد.
ولاشتراط الدليل امتنع حذف الموصوف في نحو رأيت رجلا أبيض بخلاف رأيت رجلا كاتبا.
وحذف المضاف في نحو غلام زيد بخلاف جاء ربك. وحذف المبتدأ إذا كان ضمير الشأن.

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 1 637 فائدة: ..... ص: 637

حذف المضاف في نحو غلام زيد بخلاف جاء ربك. وحذف المبتدأ إذا كان ضمير الشأن.
ومن الأدلة ما هو صناعي أي تختصّ بمعرفة النحو فإنه إنما عرف من جهة الصناعة وإعطاء القواعد وإن كان المعنى مفهوما كقولهم في لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ أنّ التقدير لأنا أقسم وذلك لأنّ فعل الحال لا يقسم عليه. ويشترط في الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف فلا يجوز زيد ضارب وعمرو أي ضارب، ويراد بالمحذوف معنى يخالف المذكور. ومن الأدلة العقل حيث يستحيل صحة الكلام عقلا إلّا بتقدير محذوف، ثم تارة يدل على أصل الحذف من غير دلالته على تعيينه بل يستفاد التعيين من دليل آخر نحو حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ فإنّه لمّا لم تصح إضافته إلى الإحرام دلّ العقل على حذف شيء، وأمّا تعيينه وهو التناول فمستفاد من قوله عليه السلام والصلاة «إنّما حرم أكلها». وتارة يدل على التعيين أيضا نحو وَجاءَ رَبُّكَ أي أمر ربك بمعنى عذابه لأنّ العقل دلّ على استحالة مجيء الربّ تعالى، وعلى أنّ الجائي أمره. وتارة يدلّ على التعيين عادة نحو فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ دلّ العقل على الحذف لأنّ يوسف لا يصلح ظرفا للّوم. ثم يحتمل أن يقدّر لمتنني في حبه لقوله تعالى قَدْ شَغَفَها حُبًّا وفي مراودته لقوله تعالى تُراوِدُ فَتاها، والعادة دلّت على الثاني لأنّ الحبّ المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة لأنه ليس اختياريا بخلاف المراودة. وتارة يدلّ عليه التصريح به في موضع آخر وهو أقواها نحو رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ أي من عند الله بدليل وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. ومن الأدلة علي أصل الحذف العادة بأن يكون العقل غير مانع عن إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف نحو قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ أي مكان قتال. والمراد مكانا صالحا للقتال لأنّهم كانوا أخبروا الناس بالقتال ويتغيّرون بأن يتفوّهوا بأنهم لا يعرفونه، فالعادة تمنع إرادة حقيقة القتال. ومن الأدلة الشروع في الفعل نحو: بسم الله الرحمن الرحيم، فيقدّر ما جعلت التسمية مبدأ له قراءة كان أو فعلا. الثاني أن لا يكون المحذوف كالجزء، فلا يحذف الفاعل ولا نائبه ولا شبهه كاسم إنّ وأخواتها. الثالث أن لا يكون مؤكّدا لأنّ الحذف مناف للتأكيد لأنه مبني على الاختصار والتأكيد مبني على الطّول، ومن ثمّ ردّ الفارسي على الزّجاج في قوله تعالى قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ أي إن هذان لهما ساحران، فقال الحذف والتأكيد باللام متنافيان.
وأما حذف الشيء لدليل وتأكيده فلا تنافي بينهما لأنّ المحذوف بالدليل كالثابت. ولذا قال ابن مالك: لا يجوز حذف عامل المصدر المؤكّد.
الرابع أن لا يؤدّي حذفه إلى اختصار المختصر فلا يحذف اسم الفعل دون معموله لأنه اختصار الفعل. الخامس أن لا يكون عاملا ضعيفا كالجار والناصب للفعل والجازم إلّا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها الاستعمال لتلك العوامل ولا يجوز القياس عليها. السادس أن لا يكون عوضا عن شيء فلا يحذف ما في أمّا أنت منطلقا انطلقت، ولا كلمة لا في قولهم افعل هذا أمّا لا، ولا التاء من عدة. السابع والثامن أن لا يؤدي حذفه إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، ولا إلى إعمال العامل الضعيف مع إمكان إعمال العامل القوي.
وللأمر الأول منع البصريون حذف مفعول الفعل الثاني من نحو ضربني وضربته زيد لئلّا يتسلّط على زيد ثم يقطع عنه برفعه بالفعل الأول.
ولاجتماع الأمرين امتنع عندهم أيضا حذف المفعول من زيد ضربته لأنّ في حذفه تسليط ضرب على العمل في زيد مع قطعه عنه وإعمال الابتداء مع التمكّن من إعمال الفعل، ثم حملوا على ذلك زيدا ضربته أو هل زيدا ضربته، فمنعوا الحذف وإن لم يؤدّ إلى ذلك.
فائدة:
اعتبر الأخفش في الحذف التدريج حيث أمكن. ولهذا قال في قوله تعالى وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ أنّ الأصل لا تجزئ فيه، فحذف حرف الجر ثم الضمير، وهذه ملاطفة في الصناعة ومذهب سيبويه أنهما حذفا معا.
فائدة:
الأصل أن يقدّر الشيء في مكانه الأصلي لئلّا يخالف الأصل من وجهين: الحذف ووضع الشيء في غير محله، فيجب أن يقدّر المفسّر في زيدا رأيته مقدما عليه. وجوز البيانيون تقديره مؤخرا لإفادة الاختصاص كما قاله النحاة إذا منع منه مانع نحو وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فإنّ النحاة على أنه يقدّر مؤخرا هاهنا إذ لا يلي أمّا فعل.
فائدة:
ينبغي تقليل المقدّر مهما أمكن لتقلّ مخالفة الأصل، ولذلك كان تقدير الأخفش في ضربي زيدا قائما ضربه قائما أولى. من تقدير باقي البصريين، وهو حاصل إذا كان قائما. قال الشيخ عز الدين ولا يقدّر من المحذوفات إلّا أشدها موافقة للغرض وأفصحها. ومهما تردّد المحذوف بين الحسن والأحسن وجب تقدير الأحسن في التنزيل لأنّ الله وصف كتابه بأنه أحسن الحديث.
فائدة:
إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا وبين كونه مبتدأ والباقي خبرا فالثاني أولى لأنّ المبتدأ عين الخبر، فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفا كلا حذف. فأمّا الفعل فإنه غير الفاعل، اللهم إلّا أن يعتضد الأول برد آية أخرى في ذلك الموضع أو بموضع آخر يشبهه. وإذا دار بين كونه مبتدأ وخبرا فقال الواسطي كونه مبتدأ أولى لأنّ الخبر محط الفائدة. وقال العبدي الأولى الخبر لأنّ التجوّز في آخر الجملة أسهل. وإذا دار الأمر بين كونه أولا وثانيا فالثاني أولى، ومن ثمّ رجّح أنّ المحذوف في نحو أتحاجّونّي نون الوقاية لا نون الرفع.
فائدة:
في حذف المفعول اختصارا واقتصارا جرت عادة النحاة أن يقولوا بحذف المفعول اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف بدليل، وبالاقتصار الحذف بغير دليل، ويمثلونه بنحو كلوا واشربوا أي أوقعوا هذين الفعلين.
والتحقيق أن يقال كما قال أهل البيان تارة يتعلّق الغرض بالإعلام بمجرّد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام، فيقال: حصل حريق أو نهب، وتارة يتعلّق بالإعلام بمجرّد إيقاع الفاعل للفعل فيقتصر عليه، ولا يذكر المفعول ولا ينوى لأنّ المنوي كالثابت، ولا يسمّى محذوفا لأنّ الفعل ينزّل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له، ومنه قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران. وهذا النوع إذا لم يذكر مفعوله قيل إنه محذوف. وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره نحو أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا.
وقد يشتبه الحال في الحذف وعدمه نحو قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ قد يتوهّم أنّ معناه نادوا فلا حذف، أو سمّوا فالحذف واقع.
فائدة:
اختلف في الحذف فالمشهور أنه من المجاز وأنكره البعض لأنّ المجاز استعمال اللفظ في غير موضعه والحذف ليس كذلك.
وقال ابن عطية حذف المضاف وهو عين المجاز ومعظمه وليس كل حذف مجازا. وقال الفراء في الحذف أربعة أقسام. قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد نحو وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ أي أهلها إذ لا يصح إسناد السؤال إليها. وقسم يصح بدونه لكن يتوقف عليه شرعا كقوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ أي فافطر فعدة. وقسم يتوقّف عليه عادة لا شرعا نحو أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فضربه فانفلق. وقسم يدلّ عليه دليل غير شرعي ولا هو عادة نحو فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ دلّ الدليل على أنه إنما قبض من أثر حافر فرس الرسول وليس في هذه الأقسام مجاز إلّا الأول. وقال الزنجاني في المعيار إنّما يكون مجازا إذا تغيّر حكم، فأمّا إذا لم يتغيّر كحذف خبر المبتدأ فليس مجازا، إذ لم يتغيّر حكم ما بقي من الكلام. وقال القزويني في الإيضاح متى تغيّر إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فمجاز وإلّا فلا. وقد سبق في لفظ المجاز.
فائدة:
للحذف فوائد كالاختصار والاحتراز عن العبث بظهوره وكالتنبيه على ضيق الوقت كما في التحذير والإغراء وكالتفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام وكالتخفيف لكثرته في الكلام، كما في حذف حرف النداء وغير ذلك، مما بيّن في كتب البيان. وإن شئت توضيح تلك المباحث فارجع إلى المغني والإتقان.

الشَّافِعِي

الشَّافِعِي: هُوَ الإِمَام الثَّانِي فِي الِاجْتِهَاد بعد سراج الْأمة الإِمَام الْهمام الْأَعْظَم أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا، وَقد كتب عَنهُ قدوة السالكين وزبدة العارفين الشَّيْخ فريد الدّين الْعَطَّار قدس سره وأنور مرقده فِي كتاب (تذكرة الْأَوْلِيَاء) يَقُول: إِن فضائله وشمائله ومناقبه ومجاهداته خَارِجَة عَن حد الْوَصْف، درس فِي الْحرم الشريف ثَلَاثَة عشر سنة وَكَانَ يَقُول: ((سلوني عَمَّا شِئْتُم)) وَقد أفتى هُوَ فِي سنّ الْخَامِسَة عشر من الْعُمر.
وَأحمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى الَّذِي كَانَ إِمَام الدُّنْيَا، ويحفظ ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث وَمَعَ كل هَذِه العظمة أصبح تلميذا لَهُ يدْخل عَلَيْهِ، وَقد قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله، إِذا وزنا عقل الشَّافِعِي مَعَ عقول جَمِيع الْخلق لــرجح عقل الشَّافِعِي. وَالشَّافِعِيّ مَعَ كل هَذِه الْمرتبَة والمنقبة كَانَ تلميذا ل (مُحَمَّد بن الْحسن) الَّذِي كَانَ تلميذا للْإِمَام أَبُو حنيفَة، وَإِذا أردْت أَن تعرف مدى علم هَذَا الرجل فَمَا عَلَيْك سوى الرُّجُوع إِلَى (طَالب الْعلم) . (انْتهى) . وقبة الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى قبَّة عَظِيمَة الْبناء وَاسِعَة الفضاء وَفِي رَأس ميل الْقبَّة سفينة صَغِيرَة من حَدِيد، وَأنْشد بعض الشُّعَرَاء لما زار الْقبَّة وَرَأى ذَلِك الْميل والسفينة فِي رَأسه:
(قبَّة مولَايَ قد علاها ... لعظم مقدارها السكينَة ... )
(لَو لم يكن تحتهَا بحار ... مَا كَانَ من فَوْقهَا السَّفِينَة ... ) 

الشّأمُ

الشّأمُ:
بفتح أوّله، وسكون همزته، والشأم، بفتح همزته، مثل نهر ونهر لغتان، ولا تمد، وفيها لغة ثالثة وهي الشّام، بغير همز، كذا يزعم اللغويون، وقد جاءت في شعر قديم ممدودة، قال زامل بن غفير الطائي يمدح الحارث الأكبر:
وتأبّيّ بالشآم مفيدي ... حسرات يقددن قلبي قدّا
في أبيات وخبر ذكرها بعد، وكذا جاء به أبو
الطيب في قوله:
دون أن يشرق الحجاز ونجد ... والعراقان بالقنا والشّآم
وأنشد أبو عليّ القالي في نوادره:
فما اعتاض المعارف من حبيب ... ولو يعطى الشآم مع العراق
وقد تذكّر وتؤنّث، ورجل شأميّ وشآم، ههنا بالمدّ على فعال، وشآميّ أيضا، حكاه سيبويه، ولا يقال شأم لأنّ الألف عوض من ياء النسبة فإذا زال الألف عادت الياء، وما جاء من ضرورة الشعر فمحمول على أنّه اقتصر من النسبة على ذكر البلد، وامرأة شأميّة، بالتشديد، وشآمية، بتخفيف الياء، وتشاءم الرجل، بتشديد الهمزة، نسب إلى الشام كما تقول تقيّس وتكوّف وتنزّر إذا انتسب إلى قيس والكوفة ونزار، وأشأم إذا أتى الشام، وقال بشر بن أبي خازم:
سمعت بنا قيل الوشاة فأصبحت ... صرمت حبالك في الخليط المشئم
وقال أبو بكر الأنباري: في اشتقاقه وجهان:
يجوز أن يكون مأخوذا من اليد الشّؤمى وهي اليسرى، ويجوز أن يكون فعلى من الشوم، قال أبو القاسم: قال جماعة من أهل اللغة يجوز أن لا يهمز فيقال الشام يا هذا فيكون جمع شامة سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض فشبّهت بالشامات، وقال أهل الأثر: سميت بذلك لأن قوما من كنعان بن حام خرجوا عند التفريق فتشاءموا إليها أي أخذوا ذات الشمال فسميت بالشام لذلك، وقال آخرون من أهل الأثر منهم الشرقي:
سميت الشام بسام بن نوح، عليه السلام، وذلك أنّه أوّل من نزلها فجعلت السين شينا لتغيّر اللفظ العجمي، وقرأت في بعض كتب الفرس في قصة سنحاريب:
أن بني إسرائيل تمزّقت بعد موت سليمان بن داود، عليهما السلام، فصار منهم سبطان ونصف سبط في بيت المقدس، فهم سبط داود، وانخزل تسعة أسباط ونصف إلى مدينة يقال لها شامين، وبها سميت الشام، وهي بأرض فلسطين، وكان بها متجر العرب وميرتهم، وكان اسم الشام الأوّل سورى فاختصرت العرب من شامين الشام وغلب على الصقع كلّه، وهذا مثل فلسطين وقنّسرين ونصيبين وحوّارين، وهو كثير في نواحي الشام، وقيل:
سميت بذلك لأنّها شامة القبلة، قلت: وهذا قول فاسد لأن القبلة لا شامة لها ولا يمين لأنّها مقصد من كل وجه يمنة لقوم وشامة لآخرين، ولكن الأقوال المتقدّمة حسنة جميعها، وأمّا حدّها فمن الفرات إلى العريش المتاخم للدّيار المصريّة، وأمّا عرضها فمن جبلي طيّء من نحو القبلة إلى بحر الروم وما بشأمة ذلك من البلاد، وبها من أمّهات المدن منبج وحلب وحماة وحمص ودمشق والبيت المقدس والمعرّة، وفي الساحل أنطاكية وطرابلس وعكّا وصور وعسقلان وغير ذلك، وهي خمسة أجناد:
جند قنسرين وجند دمشق وجند الأردنّ وجند فلسطين وجند حمص، وقد ذكرت في أجناد، ويعدّ في الشام أيضا الثغور: وهي المصيصة وطرسوس وأذنة وأنطاكية وجميع العواصم من مرعش والحدث وبغراس والبلقاء وغير ذلك، وطولها من الفرات إلى العريش نحو شهر، وعرضها نحو عشرين يوما، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّه قال: قسم الخير عشرة أعشار فجعل تسعة أعشار في الشام وعشر في سائر الأرض، وقسم
الشرّ عشرة أعشار فجعل عشر بالشام وتسعة أعشار في سائر الأرض، وقال محمد بن عمر بن يزيد الصاغاني:
إنّي لأجد ترداد الشام في الكتب حتى كأنّها ليست لله تعالى بشيء في الأرض حاجة إلّا بالشام، وروي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: الشام صفوة الله من بلاده وإليه يجتبي صفوته من عباده، يا أهل اليمن عليكم بالشام فإن صفوة الله من الأرض الشام، ألا من أبى فإن الله تعالى قد تكفّل لي بالشام، وقال أبو الحسن المدائني: افترض أعرابيّ في الجند فأرسل في بعث إلى الشام ثمّ إلى ساحل البحر، فقال:
أأنصر أهل الشام ممّن أكاءهم ... وأهلي بنجد ذاك حرص على النصر
براغيث تؤذيني إذ النّاس نوّم، ... وليل أقاسيه على ساحل البحر
فإن يك بعث بعدها لم أعد له ... ولو صلصلوا للبحر منقوشة الحمر
وهذا خبر زامل كان نازلا في أخواله كلب فأغار عليهم بنو القين بن جسر فأخذوا ماله فاستنصر أخواله فلم ينصروه فركب جملا وقصد الشام فنزل في روضة فأكل من نجمها وعقل بعيره واضطجع، فما انتبه إلّا وحسّ فارسا قد نزل قريبا منه، فقال له الفارس:
من أنت؟ فانتسب له وقصّ عليه قصته، فقال له الفارس: يا هذا هل عندك من طعام فإنّي طاو منذ أمس؟ فقال له: أتطلب الطعام وهذا اللحم المعرض؟
ثمّ وثب فنحر جمله واحتشّ حطبا وشوى وأطعم الفارس حتى اكتفى، فلما لبث أن ثار العجاج وأقبلت الخيل إلى الفارس يحيونه بتحية الملوك، فركب وقال:
دونكم الرجل أردفوه، فأردفه بعضهم فإذا هو الحارث الأكبر الغساني، فأمر خدمه بإنزال الطائيّ وغفل عنه مدة، فخاف زامل أن يكون قد نسيه فقال لحاجبه: أحبّ أن تبلغ هذه الأبيات إلى الحارث، فأنشد:
أبلغ الحارث المردّد في المك ... رمات والمجد جدّا فجدّا
وابن أرباب واطئ العفر والأر ... حب والمالكين غورا ونجدا
أنّني ناظر إليك ودوني ... عاتقات غاورن قربا وبعدا
آزل نازل بمثوى كريم، ... ناعم البال في مراح ومغدى
غير أنّ الأوطان يجتذب المر ... ء إليها الهوى وإن عاش كدّا
ونأتني بالشّآم مفيدي ... حسرات يقددن قلبي قدّا 
ليس يستعذب الغريب مقاما ... في سوى أرضه وإن نال جدّا
فلمّا بلغت الأبيات الحارث قال: وا سوأتاه! كرم ولؤمنا، وتيقظ ونمنا، وأحسن وأسأنا! ثمّ أذن له فلمّا رآه قال: والله ما يدحض عارها عني إلّا أن أعطيك حتى ترضى، ثمّ أمر له بمائة ناقة وألف شاة وعشرة عبيد وعشر إماء وعشرة أفراس من كرام خيله وألف دينار وقال: يا زامل أما إن الأوطان جواذب كما ذكرت فهل لك أن تؤثر المقام في مدينتنا تكنفك حمايتنا ويتفيأ لك ظلّنا وتسبل عليك صلتنا؟
فقال: أيّها الملك ما كنت لأوثر وطني عليك ولا ألقي مقاليدي إلّا إليك، ثمّ أقام بالشام. وقال جبلة بن الأيهم وهو ببلاد الروم بعد أن تنصّر أنفة من غير أن يقتص في قصة فيها طول فذكرتها في أخبار 

حسان من كتاب الشعراء:
تنصّرت الأشراف من أجل لطمة، ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنّفني فيها لجاج حميّة، ... فبعت لها العين الصّحيحة بالعور
فيا ليت أمّي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قاله عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة، ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة، ... أجاور قومي ذاهب السّمع والبصر
أدين بما دانوا به من شريعة، ... وقد يصبر العود المسنّ على الدّبر
وفي الحديث عن عبد الله بن حوالة قال: كنّا عند رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فشكوا إليه الفقر والعري وقلّة الشيء فقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: أبشروا فو الله لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قلّته، والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى تفتح أرض فارس وأرض الروم وأرض حمير وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة: جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن وحتى يعطى الرجل مائة دينار فيسخطها، قال ابن حوالة: فقلت يا رسول الله من يستطيع الشام وفيه الروم ذات القرون؟ فقال، صلّى الله عليه وسلم: والله ليستخلفنّكم الله فيها حتى تظلّ العصابة منهم البيض قمصهم المحلوقة أقفاؤهم قياما على الرجل الأسود ما أمرهم به فعلوا، وإنّ بها اليوم رجالا لأنتم اليوم أحقر في أعينهم من القردان في أعجاز الإبل، قال ابن حوالة: قلت اختر لي يا رسول الله إن أدركني ذلك، فقال: أختار لك الشام فإنّها صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي صفوته من عباده يا أهل الإسلام فعليكم بالشام فإن صفوة الله من الأرض الشام فمن أبى فليلحق بيمينه وليسق بعذره فإنّ الله قد تكفّل لي بالشام وأهله، وقال أحمد بن محمد بن المدبّر الكاتب في تفضيل الشام:
أحبّ الشّام في يسر وعسر، ... وأبغض ما حييت بلاد مصر
وما شنأ الشآم سوى فريق ... برأي ضلالة وردى ومحر
لأضغان تغين على رجال ... أذلّوا يوم صفّين بمكر
وكم بالشّام من شرف وفضل، ... ومرتقب لدى برّ وبحر
بلاد بارك الرّحمن فيها، ... فقدّسها على علم وخبر
بها غرر القبائل من معدّ ... وقحطان ومن سروات فهر
أناس يكرمون الجار حتى ... يجير عليهم من كلّ وتر
وقال البحتري يفضّل الشام على العراق:
نصبّ إلى أرض العراق وحسنه، ... ويمنع عنها قيظها وحرورها
هي الأرض نهواها إذا طاب فصلها ... ونهرب منها حين يحمى هجيرها
عشيقتنا الأولى وخلّتنا التي ... نحبّ وإن أضحت دمشق تغيرها
عنيت بشرق الأرض قدما وغربها ... أجوّب في آفاقها وأسيرها
فلم أر مثل الشام دار إقامة ... لراح أغاديها وكأس أديرها
مصحّة أبدان ونزهة أعين، ... ولهو نفوس دائم وسرورها
مقدّسة جاد الرّبيع بلادها، ... ففي كلّ أرض روضة وغديرها
تباشر قطراها وأضعف حسنها ... بأنّ أمير المؤمنين يزورها
ومسجد الشام ببخارى، نسب إليه أبو سعيد الشامي فقيه حنفيّ. والشام: موضع في بلاد مراد، قال قيس بن مكشوح:
وأعمامي فوارس يوم لحج ... ومــرجح إن شكوت ويوم شام

السّفسطة

السّفسطة:
[في الانكليزية] Sophism
[ في الفرنسية] Sophisme
بالفاء وبعدها سين كبعثرة عند المنطقيين هي القياس المركّب من الوهميات. وقيل القياس المركّب من المشبّهات بالواجبة القبول، يسمّى قياسا سوفسطائيا، ويجيء في لفظ المغالطة. ويطلق لفظ السوفسطائية على فرقة ينكرون الحسّيّات والبديهيات وغيرها، قالوا الضروريات بعضها حسّيّات، والحسّ يغلط كثيرا كالأحول يرى الواحد اثنين والصفراوي يجد الحلو مرّا والسوداوي يجد المرّ حلوا، والشخص البعيد عن شيء يراه صغيرا، والراكب على السفينة يرى الساحل متحركا، والماشي يرى القمر ذاهبا، وهكذا كثير. فلا جزم بأنّ أيهم يعرف حقّا وأيهم باطلا. والبديهات قد كثرت فيها اختلافات الآراء واعتراضات العقلاء، وكلّهم يجزم بحقية قوله ويزعم ببطلان أقوال مخالفيه، فكيف يقطع بأنّ هذا صادق وذلك كاذب؟ والنظريات فرع الضروريات لأنّها إنّما تستفاد من الضروريات دفعا للزوم التسلسل أو الدور، ففسادها فسادها. ولهذا ما من نظري إلّا وقد وقع فيه اختلاف العقلاء وتناقض الآراء، فحينئذ لا وثوق بالعيان ولا رجحــان للبيان فوجب التوقف. فلذا قال بعضهم إنّ الأشياء أوهام، وبعضهم إنها تابعة للاعتقاد، وبعضهم إنّها مشكوكات، هكذا في شرح عقائد النسفي وحواشيه. وتنشعب إلى ثلاث فرق:
أولاها اللاأدريِة وهم القائلون بالتوقف في وجود كلّ شيء وعلمه. قالوا ظهر من كلام القادحين في الحسّيات والقادحين في البديهيات تطرّق التهمة إلى الحاكم الحسّي والعقلي، فوجب التوقف في الكل. فإذا قيل لهم لقد قطعتم في هذه القضية فقد ناقضتم كلامكم بكلامكم. قالوا كلامنا هذا لا يفيدنا قطعا فيتناقض كما توهمتم، بل يفيدنا شكّا فأنا شاك وشاك أيضا في أني شاكّ وهلم جرّا، فلا تنتهي الحال إلى قطع شيء أصلا فيتم مقصودنا بلا تناقص. وثانيتها العنادية وهم الذين يعاندون ويدّعون أنهم جازمون بأن لا موجود أصلا فهم ينكرون ثبوت الحقائق وتميزها في أنفسها في نفس الأمر مطلقا بتبعية الاعتقاد وبدونه فالحقائق عندهم كسراب يحسبه الظمآن ماء، وليس لها ثبوت أصلا. ويرد عليهم أنّكم جزمتم بانتفاء الأحكام فناقضتم كلامكم. وثالثتها العندية وهم قائلون بأنّ حقائق الأشياء تابعة للاعتقادات دون العكس فهم ينكرون ثبوتها وتميّزها في نفس الأمر مع قطع النظر عن اعتقادنا، أي لو قطع النظر عن الاعتقادات ارتفعت الحقائق بالمرة لعدم بقاء تميّز بعضها عن بعض. لكنهم يقولون بثبوتها وتقرّرها بتبعية الاعتقاد وتوسّطها كالمسائل الاجتهادية عند من يقول كلّ مجتهد مصيب. فعلى هذا، السوفسطائية قوم لهم نحلة ومذهب تنشعبون إلى هذه الطوائف الثلاث.
وقيل لا يمكن أن يكون في العالم قوم عقلاء ينتحلون هذا المذهب، بل كلّ غالط سوفسطائي في موضع غلطه، فإنّ سوفا بلغة اليونانيين اسم للعلم وإسطا اسم للغلط فسوفسطا معناه علم الغلط، كما أنّ فيلا بلغتهم اسم للمحبّ وسوفا اسم للعلم وفيلسوف معناه محبّ العلم، ثم عرّب هذان اللفظان واشتقّ منهما السفسطة والفلسفة، والسفسطي والفلسفي منسوبان إليهما.
هكذا يستفاد من شرح المواقف في آخر المرصد الرابع من الموقف الأول وغيره.

ساتِيدَما

ساتِيدَما:
بعد الألف تاء مثناة من فوق مكسورة، وياء مثناة من تحت، ودال مهملة مفتوحة ثمّ ميم، وألف مقصورة، أصله مهمل في الاستعمال في كلام العرب، فإمّا أن يكون مرتجلا عربيّا لأنّهم قد أكثروا من ذكره في شعرهم وإمّا أن يكون عجميّا، قال العمراني: هو جبل بالهند لا يعدم ثلجه أبدا، وأنشد:
وأبرد من ثلج ساتيدما ما، ... وأكثر ماء من العكرش
وقال غيره: سمّي بذلك لأنّه ليس من يوم إلّا ويسفك فيه دم، كأنّه اسمان جعلا اسما واحدا ساتي دما، وساتي وسادي بمعنى، وهو سدّى الثوب، فكأنّ الدماء تسدّى فيه كما يسدّى الثوب، وقد مدّه البحتري فقال:
ولما استقلّت في جلولا ديارهم ... فلا الظهر من ساتيدماء ولا اللحف
وأنشد سيبويه لعمرو بن قمئة:
قد سألتني بنت عمرو عن ال ... أرض التي تنكر أعلامها
لما رأت ساتيدما استعبرت، ... لله درّ اليوم من لامها!
تذكّرت أرضا بها أهلها، ... أخوالها فيها وأعمامها
وقال أبو النّدى: سبب بكائها أنّها لما فارقت بلاد قومها ووقعت إلى بلاد الروم ندمت على ذلك، وإنّما أراد عمرو بن قمئة بهذه الأبيات نفسه لا بنته فكنّى عن نفسه بها، وساتيدما: جبل بين ميّافارقين وسعرت، وكان عمرو بن قمئة قال هذا لما خرج مع امرئ القيس إلى ملك الروم، وقال الأعشى:
وهرقلا يوم ذي ساتيدما ... من بني برجان ذي الباس رجح
وقد حذف يزيد بن مفرغ ميمه فقال:
فدير سوى فساتيدا فبصري
قلت: وهذا يدلّ على أن هذا الجبل ليس بالهند وأن العمراني وهم، وقد ذكر غيره أن ساتيدما هو الجبل المحيط بالأرض، منه جبل بارما وهو الجبل المعروف بجبل حمرين وما يتصل به قرب الموصل والجزيرة وتلك النواحي، وهو أقرب إلى الصحة، والله أعلم، وقال أبو بكر الصولي في شرح قول أبي نواس:
ويوم ساتيدما ضربنا بني ال ... أصفر والموت في كتائبها
قال: ساتيدما نهر بقرب أرزن وكان كسرى أبرويز وجّه إياس بن قبيصة الطائي لقتال الروم بساتيدما فهزمهم فافتخر بذلك، وهذا هو الصحيح، وذكره في بلاد الهند خطأ فاحش، وقد ذكر الكسروي فيما أوردناه في خبر دجلة عن المرزباني عنه فذكر نهرا بين آمد وميّافارقين ثمّ قال: ينصبّ إليه وادي ساتيدما وهو خارج من درب الكلاب بعد أن ينصبّ إلى وادي ساتيدما وادي الزّور الآخذ من الكلك، وهو موضع ابن بقراط البطريق من ظاهر أرمينية، قال:
وينصب أيضا من وادي ساتيدما نهر ميّافارقين، وهذا كلّه مخرجه من بلاد الروم، فأين هو والهند؟ يا لله للعجب! وقول عمرو بن قمئة: لما رأت ساتيدما، يدل على ذلك لأنّه قاله في طريقه إلى ملك الروم حيث سار مع امرئ القيس، وقال أبو عبيدة: ساتيدما جبل يذكر أهل العلم أنّه دون الجبال من بحر الروم إلى بحر الهند.

الشّبه

الشّبه:
[في الانكليزية] Similitude ،analogy ،resemblance
[ في الفرنسية] Similitude ،analogie ،resemblance
بالكسر وسكون الموحّدة وبفتحتين أيضا المثل كما في المنتخب. وعند الأصوليين هو من مسالك إثبات العليّة. قالوا الوصف إمّا أن تعلم مناسبته بالنظر إلى ذاته أو لا، والأوّل المناسب، والثاني إمّا أن يكون مما اعتبره الشرع في بعض الأحكام والتفت إليه أولا، والأوّل الشّبه والثاني الطّرد. وعلّية الشّبه تثبت بجميع المسالك من الإجماع والنصّ والسّير، وهل تثبت بمجرّد المناسبة أي تخريج المناط؟
فيه نظر، وإلّا يخرج عن كونه شبيها إلى كونه مناسبا مع أنّ ما بينهما من التقابل. ومن أجل أنّه لا تثبت بمجرّد المناسبة قيل في تعريف الشّبه تارة هو الذي لا تثبت مناسبته إلّا بدليل منفصل. وقيل تارة هو ما يوهم المناسبة وليس بمناسب. فبناء كلا التعريفين على أنّ الشّبه لا يثبت بمجرّد المناسبة بل لا بدّ في مناسبته للحكم من دليل زائد عليه، إذ لو ثبت بالنظر إلى ذاته لما كان شبيها بل مناسبا. وقيل إثباته بتخريج المناط مبني على تفسيره فمن فسّره بما يوهم المناسبة منعه لأنّ تخريج المناط يوجب المناسبة، ومن فسّره بالمناسب الذي مناسبته لذاته جوّزه لجواز أن يكون الوصف الشّبهي مناسبا يتبع المناسب بالذات وهذا فاسد لأنّ تخريج المناط يقتضي كون الوصف مناسبا بالنظر إلى ذاته. مثاله أن يقال في عدم جواز إزالة الخبث بالمائع أنّ إزالة الخبث طهارة تراد للصلاة فلا تجوز بغير الماء، كطهارة الحدث بجامع الطهارة، وهو وصف شبهي لأنّ مناسبتها لتعيين الماء فيها بعد البحث التّام غير ظاهرة، لكنّ الشارع لمّا أثبت الحكم وهو تعيين الماء في بعض الصور وجودها كالصلاة والطّواف ومسّ المصحف أوهم ذلك مناسبتها. ثمّ الشّبه حجّة عند جماعة وهو مذهب الشافعي. وليس بحجّة عند الحنفية وجماعة كالقاضي أبي بكر الباقلاني لأنّه إمّا مطّلع على المناسب المؤثّر فيكون حاكما به أولا، وهو حكم بغير دليل.
اعلم أنّ لفظ الشّبه يقال على معان أخر أيضا بالاشتراك، حتى قال إمام الحرمين: لا تتحرّر في الشّبه عبارة مستمرّة في صناعة الحدود. فمنهم من فسّره بما تردّد فيه الفرع بين الأصلين يشاركهما في الجامع إلّا أنّه يشارك أحدهما في أوصاف أكثر فيسمّى إلحاقه به شبها كإلحاق العبد المقتول بالحرّ فإنّ له شبها بالفرس من حيث المالية وشبها بالحرّ، لكن مشابهته بالحرّ في الأوصاف والأحكام أكثر، فألحق بالحرّ لذلك. وحاصل هذا المعنى تعارض مناسبتين تــرجّح إحداهما. ومنهم من فسّره بما يعرف فيه المناط قطعا إلّا أنّه يفتقر في آحاد الصّور إلى تحقيقه كما في طلب المثل في جزاء الصيد بعد العلم بوجوب المثل. ومنهم من فسّره بما اجتمع فيه مناطان لحكمين لا على سبيل الكمال، لكنّ أحدهما أغلب، فالحكم به حكم بالأشبه كالحكم في اللّعان بأنّه يمين لا شهادة وإن وجدا فيه. وقال القاضي هو الجمع بين الأصل والفرع بما لا يناسب الحكم، لكن يستلزم المناسب وهو قياس الدلالة فليس شيء من تلك المعاني معنى من الشّبه المعدود في مسالك العلّة. هكذا يستفاد من العضدي وحاشيته للمحقّق التفتازاني وغيرهما.

الشّكّ

الشّكّ:
[في الانكليزية] Doubt
[ في الفرنسية] Doute
بالفتح وتشديد الكاف هو تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر. وقيل اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عنده بالنقيضين أو لعدم الإمارة فيهما والشّكّ ضرب من الجهل وأخصّ منه لأنّ الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأسا. فكلّ شكّ جهل ولا عكس. والشّك كما يطلق على ما لا يتــرجّح أحد طرفيه على الآخر كذلك يطلق على مطلق التردّد كقوله تعالى: لَفِي شَكٍّ مِنْهُ وعلى ما يقابل العلم. قال الجويني الشّكّ ما استوى فيه اعتقادان أو لم يستويا، ولكن لم ينته أحدهما إلى درجة الظهور الذي يبني عليه العاقل الأمور المعتبرة، والرّيب ما لم يبلغ درجة اليقين وإن ظهر نوع ظهور. ويقال شكّ مريب ولا يقال ريب مشكّك. والشّكّ سبب الرّيب كأنّه شكّ أولا فيوقعه الشّكّ في الرّيب.
فالشّك مبدأ الرّيب، كما أنّ العلم مبدأ اليقين.
والريب قد يجيء بمعنى القلق والاضطراب.
وفي الحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» هكذا في كليات أبي البقاء ويجيء في لفظ الظّنّ أيضا.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.