من (ح ف ص) طائر غزير الريش أبيض اللون مبقع بسواد.
و (أم حَفْصَة) الرخمة والدجاجة
حفص: حَفَصَ الشيءَ يَحْفِصُه حَفْصاً: جَمَعَه. قال ابن بري: وحَفَضْتُ
الشيء، بالضاد المعجمة، إِذا أَلْقَيْتَه من يَدِك. والحُفَاصةُ: اسمُ
ما حُفِصَ. وحَفَص الشيءَ: أَلْقاه، قال ابن سيده: والضاد أَعْلى، وسيأْتي
ذكره.
والحَفْصُ: زَبيلٌ من جُلودٍ، وقيل: هو زَبِيلٌ صغيرٌ من أَدَمٍ، وجمعُه
أَحْفاصٌ وحُفوصٌ، وهي المِــحْفَصةُ أَيضاً. والحَفْصُ: البيتُ الصغيرُ.
والحَفْصُ: الشِّبْلُ. قال الأَزهري: ولَدُ الأَسد يُسمَّى حَفْصاً، وقال
ابن الأَعرابي: هو السبعُ أَيضاً، وقال ابن بري: قال صاحب العين الأَسدُ
يُكَنَّى أَبا حَفْصٍ ويُسمَّى شِبْلُه حَفْصاً، وقال أَبو زيد: الأَسد
سَيّدُ السباع ولم تُعرف له كنْيةٌ غير أَبي الحرث، واللَّبْوةُ أُم
الحرث.
وحَفْصةُ وأُم حَفْصةَ، جميعاً: الرَّخَمةُ. والــحَفْصةُ: من أَسماء
الضبُعِ؛ حكاه ابن دريد قال: ولا أَدري ما صحتها. وأُمُّ حَفْصةَ:
الدَّجاجةُ. وحَفْصةُ: اسم امرأَة. وحَفْصٌ: اسم رجل.
قرع: القَرَعُ: قَرَعُ الرأْس وهو أَن يَصْلَعَ فلا يبقى على رأْسه شعر،
وقيل: هو ذَهابُ الشعر من داءٍ؛ قَرِعَ قَرَعاً وهو أَقْرَعُ وامرأَة
قَرْعاءُ. والقَرَعةُ: موضع القَرَعِ من الرأْسِ، والقوم قُرْعٌ وقُرْعانٌ.
وقَرِعَتِ النَّعامةُ قَرَعاً: سقَط ريشُ رأْسها من الكِبَرِ، والصِّفةُ
كالصِّفةِ؛ والحَيّةُ الأَقرع إِنما يَتَمَعَّطُ شعر رأْسه، زعموا لجمعه
السمّ فيه. يقال: شُجاعٌ أَقْرَعُ. وفي الحديث: يَجِيءُ كَنْزُ أَحدِكم
يومَ القيامةِ شُجاعاً أَقْرَعَ له زَبِيبَتانِ؛ الأَقْرَعُ: الذي لا شعر
له على رأْسه، يريد حية قد تمعَّط جلد رأْسه لكثرة سمه وطُولِ عُمُره،
وقيل: سمي أَقرع لأَنه يَقْرِي السم ويجمعه في رأْسه حتى تتمعط منه فَرْوةُ
رأْسه؛ قال ذو الرمة يصف حية:
قَرَى السَّمَّ، حتى انْمازَ فَرْوةُ رأْسِه
عن العَظْمِ، صِلٌّ فاتِكُ اللَّسْعِ مارِدُهْ
والتَّقْرِيعُ: قَصُّ الشعَر؛ عن كراع. والقَرَعُ: بَثْرٌ أَبيض يخرج
بالفُصْلانِ وحَشْوِ الإِبل يُسْقِطُ وَبَرها، وفي التهذيب: يخرج في أَعْناق
الفُصْلان وقوائمها. وفي المثلِ: أَحَرُّ من القَرَعِ. وقد قَرِع
الفَصِيلُ، فهو قَرِعٌ، والجمع قَرْعى. وفي المثل: اسْتَنَّتِ الفِصالُ حتى
القَرْعَى أَي سَمِنَتْ؛ يضرب مثلاً لمن تعدّى طَوْرَه وادّعى ما ليس له.
ودواءُ القَرَع المِلْح وجُبابُ أَلبانِ الإِبل، فإِذا لم يجدوا مِلْحاً
نَتَفُوا أَوباره ونَضَحُوا جلده بالماء ثم جرّوه على السَّبَخةِ. وتَقَرَّعَ
جلده: تَقَوَّبَ عن القَرَعِ. وقُرِّعَ الفَصِيلُ تقريعاً: فُعِلَ به ما
يُفْعَلُ به إِذا لم يوجد الملح؛ قال أَوس بن حجر يذكر الخيل:
لَدَى كلِّ أُخْدُودٍ يُغادِرْنَ دارِعاً،
يُجَرُّ كما جُرَّ الفَصِيلُ المُقَرَّعُ
وهذا على السلب لأَنه يُنْزَعُ قَرَعُه بذلك كما يقال: قَذَّيْتُ العينَ
نزعت قذاها، وقَرَّدْت البعير. ومنه المثل: هو أَحرّ من القَرَع، وربما
قالوا: هو أَحرّ من القرْع، بالتسكين، يعنون به قَرْعَ المِيسَمِ وهو
المِكْواةُ؛ قال الشاعر:
كأَنَّ على كَبِدِي قَرْعةً،
حِذاراً مِنَ البَيْنِ، ما تَبْرُدُ
والعامة تقوله كذلك بتسكين الراء، تريد به القَرْعَ الذي يؤكل، وإِنما
هو بتحريكها. والفَصِيلُ قَرِيعٌ والجمع قَرْعى، مثل مَرِيضٍ ومَرْضَى.
والقَرَعُ: الجَرَبُ؛ عن ابن الأَعرابي، أَراه يعني جرب الإِبل. وقَرَّعَتِ
الحَلُوبةُ رأْسَ فَصِيلها إِذا كانت كثيرة اللبن، فإِذا رَضِعَ الفصيلُ
خِلْفاً قَطَرَ اللبَنُ من الخِلفِ الآخرِ على رأْسه فَقَرَعَ رأْسَه؛
قال لبيد:
لها حَجَلٌ قد قَرَّعَتْ مِنْ رُؤُوسِه،
لها فَوْقَه مِمَّا تَحَلَّبَ واشِلُ
سَمَّى الإِفالَ حَجلاً تشبيهاً بها لصغرها؛ وقال الجعدي:
لها حَجَلٌ قُرْعُ الرُؤُوسِ تَحَلَّبَتْ
على هامِها، بالصَّيْفِ، حتى تَمَوَّرا
وقَرِعَتْ كُرُوشُ الإِبل إِذا انْجَرَدَتْ في الحرّ حتى لا تَسْقِ
(*
قوله «لا تسق» كذا بالأصل على هذه الصورة ولعله لا تستبقي الماء أو ما في
معناه.) الماءَ فيكثر عَرَقُها وتَضْعُفَ بذلك. والقَرَعُ: قَرَعُ
الكَرِش، وهو أَن يذهب زئبره ويَرِِقَّ من شدَّة الحر. واسْتَقْرَعَ الكَرِش
إِذا استَوْكَعَ. والأَكْراشُ يقال لها القُرْعُ إِذا ذهب خَمَلُها. وفي
الحديث: أَنه لما أَتى على محسِّرٍ قَرَعَ راحلته أَي ضرَبها بِسوْطِه.
وقَرَعَ الشيءَ يَقْرَعُهُ قَرْعاً: ضربه. الأَصمعي: يقال العَصا قُرِعَتْ
لِذِي الحِلْمِ أَي إِذا نُبِّه انْتَبَه؛ ومعنى قول الحرث بن وعْلةَ
الذُّهْليّ:
وزَعَمْتُمُ أَنْ لاحُلُومَ لنا،
إِنَّ العَصا قُرِعَتْ لِذِي الحِلْمِ
قال ثعلب: المعنى أَنكم زعمتم أَنَّا قد أَخطأْنا فقد أَخطأَ العلماءُ
قبلنا، وقيل: معنى ذلك أَي أَنَّ الحليم إِذا نبه انتبه، وأَصله أَنَّ
حَكَماً من حُكَّام العرب عاش حتى أُهْتِرَ فقال لابنته: إِذا أَنكَرْتِ من
فَهْمِي شيئاً عند الحُكْمِ فاقْرَعِي لي المِجَنَّ بالعصا لأَرتدع، وهذا
الحكم هو عَمْرو بن حُمَمةَ الدَّوْسِيّ قضَى بين العرب ثلثمائة سنة،
فلما كَبِرَ أَلزموه السابع من ولده يقرع العصا إِذا غَلِطَ في حكومته؛ قال
المتلمس:
لِذِي الحِلْمِ قَبْلَ اليَوْمِ ما تُقْرَعُ العَصا،
وما عُلِّمَ الإِنسانُ إِلاَّ ليَعْلَما
ابن الأَعرابي: وقول الشاعر:
قَرَعْت ظَنابِيبَ الهَوَى، يومَ عاقِلٍ،
ويومَ اللِّوَى حتى قَشَرْت الهَوَى قَشْرا
أَي أَذَلَلْته كما تقرَع ظُنْبُوبَ بعيرك لِيَتَنَوَّخَ لك فتركبه. وفي
حديث عمار قال: قال عمر بن أَسَدِ بن عبد العُزَّى حين قيل له محمد يخطب
خديجة قال: نِعْمَ البُضْعُ
(* قوله« البضع» هو الكفء كما في النهاية
وبهامشها هو عقد النكاح على تقدير مضاف أي صاحب البضع.) لا يُقْرَعُ أَنفه؛
وفي حديث آخر: قال ورقة بن نوفل: هو الفحل لا يُقْرَعُ أَنفه أَي أَنه كفءٌ
كريم لا يُرَدُّ، وقد ذكر في ترجمة قدع أَيضاً، وقوله لا يقرع أَنفه كان
الرجل يأْتي بناقة كريمة إِلى رجل له فحل يسأَله أَن يُطْرِقَها فحلَه،
فإِن أَخرج إِليه فحلاً ليس بكريم قَرَعَ أَنفه وقال لا أُريده.
والمُقْرَعُ: الفحْلُ يُعْقَلُ فلا يُتْرَكُ أَن يضرب الإِبل رغبة عنه، وقَرَعْتُ
البابَ أَقْرَعُه قَرْعاً. وقَرَعَ الدابَّةَ وأَقرَع الدابة بلجامها
يَقْرَعُ: كفَّها به وكبَحَها؛ قال سُحَيْمُ بن وَثِيلٍ الرِّياحِي:
إِذا البَغْلُ لم يُقْرَعْ له بلِجامِه،
عَدا طَوْرَه في كلِّ ما يَتَعَوَّدُ
وقال رؤْبة:
أَقْرَعَه عَنِّي لِجامٌ يُلْجِمُه
وقَرَعْت رأْسه بالعَصا قَرْعاً مثل فَرَعْتُ، وقَرَعَ فلان سنَّه
نَدَماً؛ وأَنشد أَبو نصر:
ولو أَني أَطَعْتُكَ في أُمُورٍ،
قَرَعْتُ نَدامةً مِنْ ذاكَ سِنِّي
وأَنشد بعضهم لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه:
مَتَى أَلْقَ زِنْباعَ بنَ رَوْحٍ ببَلْدةٍ
ليَ النِّصْفُ منها، يَقْرَعِ السِّنَّ مِنْ نَدَمْ
وكان زِنْباعُ بن رَوْحٍ في الجاهلية ينزل مَشارفَ الشام، وكان يَعْشُرُ
من مَرَّ به، فخرج عمر في تجارة إِلى الشام ومعه ذَهَبةٌ جعلها في دَبِيلٍ
وأَلقَمَها شارِفاً له، فنظر إِليها زِنْباعٌ تَذْرِفُ عيناها فقال: إِن
لها لَشَأْناً، فنحرها ووجَد الذهبَةَ فَعَشَرَها، فحينئذ قال عمر، رضي
الله عنه، هذا البيت. وقَرَعَ الشاربُ بالإِناء جبهتَه إِذا اشتفَّ ما فيه
يعني أَنه شرب جميع ما فيه؛ وأَنشد:
كأَنَّ الشُّهْبَ في الآذانِ منها،
إِذا قَرَعُوا بِحافَتِها الجَبِينا
وفي حديث عمر: أَنه أَخذ قَدَحَ سويق فشربه حتى قَرَعَ القَدَحُ جبينَه
أَي ضرَبه، يعني شرب جميع ما فيه؛ وقال ابن مقبل يصف الخمر:
تَمَزَّزْتُها صِرفاً، وقارَعْتُ دَنَّها
بعُودِ أَراكٍ هَدَّه فَتَرَنَّما
قارَعْتُ دَنَّها أي نزَفْتُ ما فيه حتى قَرِعَ، فإِذا ضُرِبَ الدَّنُ
بعد فَراغِه بعود تَرَنَّمَ.
والمِقْرعةُ: خشبة تُضْرَبُ بها البغالُ والحمير، وقيل: كلُّ ما قُرِعَ
به فهو مِقْرعةٌ. الأَزهريُّ: المِقْرعةُ: التي تضرب بها الدابة،
والمِقْراعُ كالفأْس يكسر بها الحجارة؛ قال يصف ذئباً:
يَسْتَمْخِرُ الرِّيحَ إِذالم يَسْمَعِ،
بِمِثْلِ مِقْراعِ الصَّفا المُوَقَّعِ
(* قوله« يستمخر إلخ» أنشده في مادة مخر: لم أسمع بدل لم يسمع .)
والقِراعُ والمُقارَعةُ: المُضاربةُ بالسيوف، وقيل: مضاربة القوم في
الحرب، وقد تَقارعُوا. وقَرِيعُك: الذي يُقارِعُك. وفي حديث عبد الملك وذكر
سيف الزبير:
بِهِنَّ فُلُولٌ من قِراعِ الكَتائِبِ
أَي قتال الجيوش ومحاربتها.
والإِقْراعُ: صَكُّ الحَمِيرِ بعضُها بعضاً بحَوافِرِها؛ قال رؤبة:
حَرًّا منَ الخَرْدلِ مَكْرُوهِ النَّشَقْ،
أَو مُقْرَعِ مِن رَكْضِها دامِي الزَّنَقْ
والمِقْراعُ: الساقُورُ. والأَقارِعُ: الشِّدادُ؛ عن أَبي نصر.
والقارِعةُ من شدائدِ الدهْرِ وهي الداهِيةُ؛ قال رؤبة:
وخافَ صَدْعَ القارعاتِ الكُدَّهِ
قال يعقوب: القارِعةُ هنا كل هَنةٍ شديدةِ القَرْعِ، وهي القيامة
أَيضاً؛ قال الفراء: وفي التنزيل: وما أَدراك ما القارعةُ؛ وقوله:
ولا رَمَيْتُ على خَصْمٍ بقارِعةٍ،
إِلاَّ مُنِيتُ بِخَصْمٍ فُرَّ لي جَذَعا
يعني حُجّة، وكله من القَرْع الذي هو الضرْبُ. وقوله تعالى: ولا يزال
كفروا تصيبهم بما صنعوا قارِعةٌ؛ قيل في التفسير: سَرِيّةٌ من سَرايا رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، ومعنى القارعة في اللغة النازلةُ الشديدة تنزل
عليهم بأَمر عظيم، ولذلك قيل ليوم القيامة القارعة. ويقال: قَرَعَتْهم
قَوارعُ الدهْرِ أَي أَصابتهم، ونعوذ بالله من قَوارِعِ فلان ولواذِعِه
وقَوارِصِ لسانه. وفي حديث أَبي أُمامة: من لم يَغْز أَو يُجَهِّزْ غازِياً
أَصابه الله بقارعةٍ أَي بداهيةٍ تُهْلِكُه. يقال: قَرَعَه أَمرٌ إِذا
أَتاه فَجْأَةً، وجمعها قَوارِعُ. الأَصمعي: يقال أَصابته قارعة يعني أَمراً
عظيماً يَقْرَعُه. ويقال: أَنزل الله به قَرْعاءَ وقارعةً ومُقْرِعةً،
وأَنزل الله به بَيْضاء ومُبَيِّضةً؛ هي المصيبة التي لا تدَعُ مالاً ولا
غيره. وفي الحديث: أُقسم لَتَقْرَعَنّ بها أَبا هريرة أَي لَتَفْجَأنَّه
بذكرها كالصّكّ له والضربْ.
وقَرِعَ ماءُ البئرِ: نَفِدَ فَقَرَعَ قَعْرَها الدَّلْوُ. وبئر
قَرُوعٌ: قليلة الماء يَقْرَعُ قَعْرَها الدَّلْوُ لفَناءِ مائِها. والقَرُوعُ
من الرَّكايا: التي تحفر في الجبل من أَعلاها إِلى أَسفلها. وأَقْرَعَ
الغائصُ والمائِحُ إِذا انتهى إِلى الأَرض.
والقَرَّاعُ: طائر له مِنْقارٌ غليظ أَعْقَفُ يأْتي العُود اليابس فلا
يزال يَقْرَعُه حتى يدخل فيه، والجمع قَرّاعاتٌ، ولم يكسّر. والقَرّاعُ:
الصُّلْبُ الشديد. وتُرْسٌ أَقْرَعُ وقَرّاعٌ: صُلْبٌ شديد؛ قال الفارسي:
سمي به لصبره على القَرْعِ؛ قال أَبو قَيْسِ بن الأَسْلتِ:
صَدْقٍ حُسامٍ وادِقٍ حَدُّه،
ومُجْناءٍ أَسْمَرَ قَرَّاعِ
وقال الآخر:
فلما فَنى ما في الكَنائِنِ ضارَبُوا
إِلى القُرعِ من جِلْدِ الهِجانِ المُجَوَّبِ
أَي ضربوا بأَيديهم إِلى التِّرَسةِ لَمّا فَنِيَتْ سِهامُهم، وفَنى
بمعنى فَنِيَ في لغات طيِّءٍ. والقَرّاعُ: التُّرْسُ. والقَرَّاعانِ: السيفُ
والحَجَفةُ؛ هذه من أَمالي ابن بري. والقَرّاعُ من كل شيء: الصُّلْبُ
الأَسفلِ الضَّيِّقُ الفم. واسْتَقْرَعَ حافِرُ الدابّة إِذا اشتد.
والقِراعُ: الضِّرابُ. وقَرَعَ الفحلُ الناقةَ والثورُ يَقْرَعُها
قَرْعاً وقِراعاً: ضربها. وناقة قَرِيعةٌ: يُكْثر الفحلُ ضِرابها ويُبْطِئ
لَقاحُها. ويقال: إِنَّ ناقتك لقَرِيعةٌ أَي مُؤَخَّرةُ الضَّبَعةِ.
واسْتَقْرَعَت الناقةُ: اشتهت الضِّرابَ. الأَصمعي: إِذا أَسْرَعَتِ الناقةُ
اللَّقَحَ فهي مِقْراعٌ؛ وأَنشد:
تَرى كلَّ مِقْراعٍ سَرِيعٍ لَقاحُها،
تُسِرُّ لَقاحَ الفحْلِ ساعةَ تُقْرَعُ
وفي حديث هشام يصف ناقة: إِنها لَمِقْراعٌ؛ هي التي تَلْقَحُ في أَوَّل
قَرْعةٍ يَقْرَعُها الفحلُ. وفي حديث علقمة: أَنه كان يُقَرِّعُ غَنَمه
ويَحْلُِبُ ويَعْلِفُ أَي يُنْزِي الفُحولَ عليها؛ هكذا ذكره الزمخشري
والهروي، وقال أَبو موسى: هو بالفاء، وقال: هو من هفوات الهروي. واسْتَقْرَعَتِ
البقرُ: أَرادت الفحل. الأُمَوِيُّ: يقال للضأْن اسْتَوْبَلَتْ،
وللمِعْزى اسْتَدَرَّتْ، وللبقرة استقرعت، وللكلبة اسْتَحْرَمَتْ. وقَرَعَ
التيْسُ العَنْزَ إِذا قَفَطها. وقرَّعَ القومَ: أَقْلَقَهم؛ قال أَوس بن حجر
أَنشده الفراء:
يُقَرِّعُ للرّجالِ، إِذا أَتَوْه،
وللنِّسْوانِ، إِنْ جِئْنَ، السَّلامُ
أَراد يُقَرِّعُ الرجالَ فزادَ اللام كقوله تعالى: قل عسَى أَن يكون
رَدِفَ لكم؛ وقد يجوزأَن يريد بيُقَرِّع يَتَقَرَّعُ. والتقْرِيعُ:
التأْنِيبُ والتعْنِيف. وقيل: هو الإِيجاعُ باللَّوْمِ. وقَرَّعْتُ الرجلَ إِذا
وَبَّخْتَه وعَذلْتَه، ومرجعه إِلى ما أَنشده الفراء لأَوس بن حجر. ويقال:
قَرَّعَني فلان بلَوْمِه فما ارْتَقَعْتُ به أَي لم أَكْتَرِثْ به. وبات
بَتَقَرَّعُ ويُقَرِّعُ: يَتَقَلَّبُ، وبِتُّ أَتَقَرَّعُ.
والقُرْعةُ: السُّهْمةُ. والمُقارَعةُ: المُساهَمةُ. وقد اقْتَرَعَ
القومُ وتقارَعوا وقارَع بينهم، وأَقْرَعَ أَعْلى، وأَقْرَعْتُ بين الشركاء في
شيء يقتسمونه. ويقال: كانت له القُرْعةُ إِذا قرَع أَصحابه. وقارَعه
فقرَعَه يَقْرَعُه أَي أَصابته القُرْعةُ دونه. وروي عن النبي، صلى الله
عليه وسلم: أَنه رُفِعَ إِليه أَنَّ رجلاً أَعتق ستة مَمالِيكَ له عند مَوته
لا مال له غيرُهم، فأَقْرَعَ بينهم وأَعْتَق اثنين وأَرَقَّ أَربعة؛
وقول خِداشِ بن زُهَيْر أَنشده ابن الأَعرابي:
إِذا اصْطادُوا بُغاثاً شَيَّطُوه،
فكانَ وفاءَ شاتِهِم القُرُوعُ
فسره فقال: القُرُوعُ المُقارعَةُ، وإِنما وصف لُؤْمَهم، يقول: إِنما
يتَقارَعُون على البغاثِ لا على الجُزُرِ كقوله:
فما يَذْبَحُونَ الشاةَ إِلاّ بمَيْسِرٍ،
طويلاً تَناجِيها صِغاراً قُدُورُها
قال ابن سيده: ولا أَدري ما هذا الذي قاله ابن الأَعرابي في هذا البيت،
وكذلك لا أَعرف كيف يكون القُرُوعُ المُقارَعةَ إِلا أَن يكون على حذف
الزائد، قال: ويروى شاتِهم القَرُوعِ، وفسره فقال: معناه كان البُغاثُ وفاءً
من شاتهم التي يتَقارَعون عليها لأَنه لا قدرة لهم أَن يتقارعوا على
جُزُرٍ، فيكون أَيضاً كقوله:
فما يذبحون الشاة إِلا بميسر
قال: والذي عندي أَن هذا أَصح لقوَّة المعنى بذلك، قال: وأَيضاً فإِنه
يسلم بذلك من الإِقْواءِ لأَن القافية مجرورة؛ وقبل هذا البيت:
لَعَمْرُ أَبيك، لَلْخَيْلُ المُوَطّى
أُمامَ القَوْمِ للرَّخَمِ الوُقوعِ،
أَحَقُّ بكم، وأَجْدَرُ أَن تَصِيدُوا
مِنَ الفُرْسانِ تَرْفُلُ في الدُّروعِ
ابن الأَعرابي: القَرَعُ والسَّبَقُ والخَطَرُ الذي يُسْبَقُ عليه.
والاقْتِراعُ: الاختيارُ. يقال: اقتُرِعَ فلان أَي اخْتِيرَ.
والقَرِيعُ: الخيارُ؛ عن كراع. واقتَرَعَ الشيءَ: اختارَه. وأَقْرَعوه خِيارَ
مالهِم ونَهْبِهم: أَعْطَوه إِياه، وذكر في الصحاح: أَقْرَعَه أَعْطاه خيرَ
مالِه. والقَريعةُ والقُرْعةُ: خيارُ المالِ. وقَرِيعةُ الإِبل: كريمتها.
وقُرْعةُ كل شيء: خياره. أَبو عمرو: يقال قَرَعْناكَ واقْتَرَعْناكَ
وقْرَحْناكَ واقْتَرَحْناكَ ومَخَرْناكَ وامْتَخَرْناك وانتَضَلْناك أَي
اخترناك. وفي الحديث: أَنه ركب حِمارَ سعدِ ابن عُبادةَ وكان قَطوفاً فردّه وهو
هِمْلاجٌ قَرِيعٌ ما يُسايَرُ أَي فارِهٌ مختارٌ؛ قال ابن الأَثير: قال
الزمخشري ولو روي فريغٌ، بالفاء الموحدة والغين المعجمة، لكان مُطابقاً
لفراغٍ، وهو الواسع المشي، قال: ولا آمَنُ أَن يكون تصحيفاً. والقَرِيعُ:
الفحل، سمي بذلك لأَنه مُقْتَرَعٌ من الإِبل أَي مختارٌ. قال الأَزهري:
والقريع الفحل الذي تَصَوَّى للضِّراب. والقَرِيعُ من لإِبل: الذي يأْخذ
بِذِراعِ الناقة فيُنيخُها، وقيل: سمي قَريعاً لأَنه يَقْرَعُ الناقة؛ قال
الفرزدق:
وجاءَ قَرِيعُ الشوْلِ قَبْلَ إِفالِها
يَزِفُّ، وجاءتْ خَلْفَه، وهْي زُفَّفُ
وقال ذو الرمة:
وقد لاحَ للسّارِي سُهَيْلٌ، كأَنّه
قَرِيعُ هِجانٍ عارَضَ الشوْلَ جافِرُ
ويروى:
وقد عارَضَ الشِّعْرَى سُهَيْلٌ
وجمعه أَقْرِعة. والمَقْروعُ: كالقَريع الذي هو المختار للفِحْلةِ؛
أَنشد يعقوب:
ولَمَّا يَزَلْ يَسْتَسْمِعُ العامَ حوْلَه
نَدى صَوْتِ مَقْروعٍ عن العَدْوِ عازِبِ
قال ابن سيده: إِلاَّ أَني لا أَعرف للمقروع فِعْلاً ثانياً بغير زيادة،
أَعني لا أَعرف قَرَعَه إِذا اختارَه.
والقِراعُ: أَن يأُخُذَ الرجلُ الناقةَ الصعْبة فيُرَيِّضَها للفحل
فيَبْسُرها. ويقال: قَرَّعْ لجملك
(* قوله« فيريضها» هو في الأصل بياء تحتية
بعد الراء وفي القاموس بموحدة. وقوله «قرع لجملك» قال شارح القاموس: نقله
الصاغاني هكذا.)
والمَقْروعُ السيِّدُ. والقَريعُ: السيدُ. يقال: فلان قريعُ دَهْرِه
وفلان قريعُ الكَتِيبةِ وقِرِّيعُها أَي رئيسها. وفي حديث مسروق: إِنكَ
قَرِيعُ القُرّاء أَي رئيسهم. والقريعُ: المختارُ. والقريع: المَغْلوب.
والقَريعُ: الغالب. واسْتَقْرَعَه جملاً وأَقْرعَه إِياه أَي أَعطاه إِياه
ليضرب أَيْنُقَه. وقولهم أَلْفٌ أَقْرَعُ أَي تامّ. يقال: سُقْتُ إِليك
أَلفاً أَقرَعَ من الخيل وغيرها أَي تامّاً، وهو نعت لكل أَلفٍ، كما أَنَّ
هُنَيْدة اسم لكل مائة؛ قال الشاعر:
قَتَلْنا، لَوَ نَّ القَتْل يشْفي صُدورَنا،
بِتَدْمُرَ، أَلْفاً مِنْ قُضاعةَ أَقْرَعا
وقال الشاعر:
ولو طَلَبُوني بالعَقوقِ، أَتيتُهم
بأَلفٍ، أُؤَدِّيه إِلى القَوْمِ، أَقْرَعا
وقِدْحٌ أَقْرَعُ: وهو الذي حُكَّ بالحصى حتى بدت سَفاسِقُه أَي
طرائِقُه. وعُود أَقْرَعُ إِذا قُرِعَ من لِحائِه. وقَرِعَ قَرَعاً، فهو قَرِعٌ:
ارتدع عن الشيء. والقَرَعُ: مصدر قولك قَرِعَ الرجلُ، فهو قَرِعٌ إِذا
كان يقبل المَشورةَ ويَرْتَدِعُ إِذا رُدِعَ. وفلان لا يُقْرَعَ إِقْراعاً
إِذا كان لا يقْبَل المَشْوَرةَ والنصيحة. وفلان لا يَقْرَعُ أَي لا
يرتدع، فإِن كان يرتدع قيل رجل قَرِعٌ. ويقال: أَقْرَعْتُه أَي كففته؛ قال
رؤبة:
دَعْني، فقد يُقْرَعُ للأَضَزِّ
صَكِّي حِجاجَيْ رأْسِه، وبَهْزي
أَبو سعيد: فلان مُقْرِعٌ ومُقْرِنٌ له أَي مُطيقٌ، وأَنشد بيت رؤبة
هذا، وقد يكون الإِقْراعُ كفّاً ويكون إِطاقة. ابن الأَعرابي: أَقْرَعْتُه
وأَقْرَعتُ له وأَقدَعْتُه وقدَعْتُه وأَوزَعْتُه ووزَعْتُه وزُعْتُه إِذا
كففتَه. وأَقرَعَ الرجلُ على صاحبه وانقَرَعَ إِذا كَفَّ. قال الفارسي:
قَرَعَ الشيءَ قَرْعاً سَكَّنَه، وقَرَعَه صرَفه. وقَوارِعُ القرآنِ منه:
الآياتُ التي يقرؤُها إِذا فَزِعَ من الجن والإِنس فَيَأْمن، مثل آية
الكرسي وآيات آخر سورة البقرة وياسينَ لأَنها تصرف الفَزعَ عمن قرأَها
كأَنها تَقْرَعُ الشيطانَ. وأَقرَع الفَرسَ: كبَحَه. وأَقرَعَ إِلى الحق
إِقراعاً: رجع إِليه وذَلّ. يقال: أَقرَعَ لي فلان؛ وأَنشد لرؤبة:
دَعْني، فقد يُقْرَعُ للأَضَزِّ
صَكِّي حِجاجَيْ رأْسِه، وبَهْزي
أَي يُصْرَفُ صَكِّي إِليه ويُراضُ له ويَذِلُّ. وقرَعَه بالحق:
اسْتَبْدَلَه
(* هكذا في الأصل، وربما هي محرفة عن استقبله. وفي اساس البلاغة:
رماه.) وقَرِعَ المكانُ: خَلا ولم يكن له غاشيةٌ يَغْشَوْنَه. وقَرِعَ
مَأْوى المال ومُراحُه من المال قَرَعاً، فهو قَرِعٌ: هلكَت ماشيته فخلا؛ قال
ابن أُذينة:
إِذا آداكَ مالُك فامْتَهِنْه
لِجادِيهِ، وإِنْ قَرِعَ المُراحُ
ويروى: صَفِرَ المُراحُ. آداكَ: أَعانك؛ وقال الهذلي:
وخَوَّالٍ لِمَوْلاهُ إِذا ما
أَتاهُ عائِلاً، قَرِعَ المُراحُ
ابن السكيت: قَرَّعَ الرجلُ مكانَ يدِه من المائدةِ تَقْريعاً إِذا ترَك
مكانَ يده من المائدة فارغاً. ومن كلامهم: نعوذ بالله من قَرَعِ
الفِناءِ وصَفَرِ الإِناء أَي خُلُوِّ الديار من سُكانها والآنيةِ من
مُسْتَوْدعاتها. وقال ثعلب: نعوذ بالله من قَرْعِ الفِناء، بالتسكين، على غير قياس.
وفي الحديث عن عمر، رضي الله عنه: قَرِعَ حَجُّكم أَي خلت أَيام الحج. وفي
الحديث: قَرِعَ أَهلُ المسجد حين أُصِيبَ أَصحاب النَّهر
(* قوله
«النهر» كذا بالأصل وبالنهاية أيضاً، وبهامش الأصل: صوابه النهروان.) أَي قَلّ
أَهلُه كما يَقْرَعُ الرأْسُ إِذا قل شعره، تشبيهاً بالقَرعةِ، أَو هو من
قولهم قَرِعَ المُراحُ إِذا لم تكن فيه إِبل.
والقُرْعةُ: سِمةٌ على أَيْبَس الساقِ، وهي وَكزةٌ بطرَف المِيسَمِ،
وربما قُرِعَ منه قَرْعةً أَو قرْعَتين، وبعير مَقْروعٌ وإِبل مُقَرَّعةٌ؛
وقيل: القُرْعةُ سِمةٌ خَفِيَّةٌ على وسط أَنف البعير والشاة.
وقارِعةُ الدارِ: ساحَتُها. وقارِعةُ الطريقِ: أَعلاه. وفي الحديث: نَهى
عن الصلاةِ على قارعةِ الطريق؛ هي وسطه، وقيل أَعلاه، والمراد به ههنا
نفس الطريق ووجهه. وفي الحديث: لا تُحْدِثُوا في القَرَعِ فإِنه مُصَلَّى
الخافِينَ؛ القَرَعُ، بالتحريك: هو أَن يكون في الأَرض ذات الكَلإِ مواضع لا
نباتَ فيها كالقَرَعِ في الرأْس، والخافُون: الجنُّ. وقَرْعاءُ الدار:
ساحَتُها.
وأَرض قَرِعةٌ: لا تُنْبِتُ شيئاً. وأَصبحت الرِّياضُ قُرْعاً: قد
جَرَّدَتْها المَواشِي فلم تترك فيها شيئاً من الكلإِ. وفي حديث علي: أَن
أَعرابيّاً سأَل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الصُّلَيْعاءِ والقُرَيْعاءِ؛
القُرَيْعاءُ: أَرض لعنها الله إِذا أَنْبَتَتْ أو زُرِعَ فيها نَبَتَ في
حافَتَيْها ولم ينبت في متنها شيء. ومكان أَقْرَعُ: شديد صُلْبٌ، وجمعه
الأَقارِعُ؛ قال ذو الرمة:
كَسا الأُكْمَ بُهْمَى غَضّةً حَبَشِيّةً
قواماً، ونقعان الظُّهُورِ الأَقارِعِ
وقول الراعي:
رَعَيْنَ الحَمْضَ حَمْضَ خُناصِراتٍ،
بما في القُرْعِ من سَبَلِ الغَوادِي
قيل: أَراد بالقُرْعِ غُدْراناً في صلابة من الأَرض. والقَرِيعةُ:
عَمُودُ البيتِ الذي يُعْمَدُ بالزِّرِّ؛ والزِّرُّ أَسْفَلَ الرُّمّانة وقد
قَرَعَه به. وقَرِيعةُ البيتِ: خيْرُ موضع فيه، إِن كان في حَرٍّ فخِيارُ
ظِلِّه، وإِن كان في قُرٍّ فخِيارُ كِنِّه، وقيل: قَرِيعَتُه سَقْفُه؛ ومنه
قولهم: ما دخلت لفلان قَرِيعةَ بيت قَطّ أَي سَقْفَ بيت.
وأَقْرَعَ في سِقائه: جَمَع؛ عن ابن الأَعرابي. والمِقْرَعُ: السِّقاءُ
يُخْبَأُ فيه السمْن. والقُرْعةُ: الجِرابُ الواسع يلقى فيه الطعام. وقال
أَبو عمرو: القُرْعةُ الجِراب الصغير، وجمعها قُرَعٌ. والمِقْرَعُ:
وِعاءٌ يُجْبَى فيه التمرُ أَي يُجْمَعُ. وتميم تقول: خُفّانِ مُقَرَعانِ أَي
مُثْقَلانِ. وأَقْرَعتُ نَعْلي وخُفِّي إِذا جعلت عليهما رُقْعةً
كَثِيفةً.
والقَرّاعةُ: القَدّاحةُ التي يُقْتَدَحُ بها النارُ.
والقَرْعُ: حمْل اليَقْطِين، الواحدة قَرْعةٌ. وكان النبي، صلى الله
عليه وسلم، يحبّ القَرْعَ، وأَكثر ما تسميه العرب الدُّبَّاء وقلّ من
يسْتعمل القَرْعَ. قال المَعَرِّيُّ: القرع الذي يؤكل فيه لغتان: الإِسكان
والتحريك، والأَصل التحريك؛ وأَنشد:
بِئْسَ إِدامُ العَزَبِ المُعْتَلِّ،
ثَرِيدةٌ بقَرَعٍ وخَلِّ
وقال أَبو حنيفة: هو القَرَعُ، واحدته قَرَعَةٌ، فحرك ثانيها ولم يذكر
أَبو حنيفة الإِسكان؛ كذا قال ابن بري.
والمَقْرَعةُ: مَنْنِتُه كالمَبْطَخَةِ والمَقْثَأَةِ. يقال: أَرض
مَقْرَعة. والقَرْعُ: حَمْلُ القِثّاء من المَرْعَى.
ويقال: جاء فلان بالسَّوْءةِ القَرْعاءِ والسوءةِ الصَّلْعاءِ أَي
المتكشفة.
ويقال: أَقرَعَ المسافر إِذا دَنا من منزله، وأَقْرَع دارَه آجُرًّا
إِذا فرشها بالآجرّ، وأَقرَعَ الشرُّ إِذا دامَ. ابن الأَعرابي: قَرِعَ فلان
في مِقْرَعِه، وقَلَدَ في مِقْلَدِه، وكَرَص في مِكْرَصِه، وصرَب في
مِصْرَبِه، كله: السِّقاءُ والزِّقُّ. ابن الأَعرابي: قَرِعَ الرجلُ إِذا قُمِرَ
في النِّضالِ، وقَرِعَ إِذا افتقر، وقَرِعَ إِذا اتَّعَظَ.
والقَرْعاء، بالمدّ: موضع. قال الأَزهري: والقرعاء مَنْهَلٌ من مَناهِلِ
طريق مكة بين القادسية والعَقَبةِ والعُذَيْب. والأَقْرعانِ: الأَقرع بن
حابس، وأَخوه مَرْثَدٌ؛ قال الفرزدق:
فإِنَّكَ واجِدٌ دُوني صَعُوداً،
جَراثِيمَ الأُقارِعِ والحُتاتِ
الحُتاتُ: هو بشر بن عامر بن علقمة، والأَقارِعةُ والأَقارِعُ: آلُهُما
على نحو المَهالِبةِ والمَهالِبِ؛ والأَقْرَعُ: هو الأَشيم بن معاذ بن
سِنان، سمي بذلك لبيت قاله يهجو معاوية بن قشير:
مُعاوِيَ مَنْ يَرْقِيكُمُ إِنْ أَصابَكُمْ
شَبا حَيّةٍ، مِمّا عَدا القَفْرَ، أَقْرَع؟
ومقْروعٌ: لقب عبد شمس بن سعد بن زيد مَناةَ بن تميم، وفيه يقول مازِنُ
بن مالك بن عمرو بن تميم في هَيْجُمانةَ بنت العَنْبر بن عمرو بن تميم:
حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ وأَنَّى لَكِ مَقْرُوعٌ. ومُقارِعٌ وقُرَيْعٌ:
اسمان. وبنو قُرَيْع: بطن من العرب. الجوهري: قُريع أَبو بطن من تميم رهط بني
أَنف الناقة، وهو قُرَيْعُ بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم،
وهو أَبو الأَضبط.
جور: الجَوْرُ: نقيضُ العَدْلِ، جارَ يَجُورُ جَوْراً. وقوم جَوَرَةٌ
وجارَةٌ أَي ظَلَمَةٌ. والجَوْرْ: ضِدُّ القصدِ. والجَوْرُ: تركُ القصدِ
في السير، والفعل جارَ يَجُورُ، وكل ما مال، فقد جارَ. وجارَ عن الطريق:
عَدَلَ. والجَوْرُ: المَيْلُ عن القصدِ. وجار عليه في الحكم وجَوَّرَهُ
تَجْويراً: نسَبه إِلى الجَوْرِ؛ قول أَبي ذؤيب:
(* قوله: «وقول أَبي ذؤيب»
نقل المؤلف في مادة س ي ر عن ابن بري أَنه لخالد ابن أُخت أَبي ذؤيب).
فإِنَّ التي فينا زَعَمْتَ ومِثْلَها
لَفِيكَ، ولكِنِّي أَراكَ تَجُورُها
إِنما أَراد: تَجُورُ عنها فحذف وعدَّى، وأَجارَ غيرَهُ؛ قال عمرو بن
عَجْلان:
وقُولا لها: ليس الطَّريقُ أَجارَنا،
ولكِنَّنا جُرْنا لِنَلْقاكُمُ عَمْدا
وطَريقٌ جَوْرٌ: جائر، وصف بالمصدر. وفي حديث ميقات الحج: وهو جَوْرٌ عن
طريقنا؛ أَي مائل عنه ليس على جادَّته، من جارَ يَجُورُ إِذا مال وضل؛
ومنه الحديث: حتى يسير الراكبُ بينَ النّطْفَتَيْنِ لا يخشى إِلاّ
جَوْراً؛ أَي ضلالاً عن الطريق؛ قال ابن الأَثير: هكذا روى الأَزهري، وشرح: وفي
رواية لا يَخْشَى جَوْراً، بحذف إِلاَّ، فإِن صح فيكون الجور بمعنى
الظلم. وقوله تعالى: ومنها جائر؛ فسره ثعلب فقال: يعني اليهود والنصارى.
والجِوارُ: المُجاوَرَةُ والجارُ الذي يُجاوِرُك وجاوَرَ الرجلَ
مُجاوَرَةً وجِواراً وجُواراً، والكسر أَفصح: ساكَنَهُ. وإِنه لحسَنُ الجِيرَةِ:
لحالٍ من الجِوار وضَرْب منه. وجاوَرَ بني فلان وفيهم مُجاوَرَةً
وجِواراً: تَحَرَّمَ بِجِوارِهم، وهو من ذلك، والاسم الجِوارُ والجُوارُ. وفي
حديث أُم زَرْع: مِلْءُ كِسائها وغَيظُ جارَتها؛ الجارة: الضَّرَّةُ من
المُجاورة بينهما أَي أَنها تَرَى حُسْنَها فَتَغِيظُها بذلك. ومنه الحديث:
كنتُ بينَ جارَتَيْنِ لي؛ أَي امرأَتين ضَرَّتَيْنِ. وحديث عمر قال
لــحفصة: لا يَغُركِ أَن كانت جارَتُك هي أَوْسَم وأَحَبّ إِلى رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، منك؛ يعني عائشة؛ واذهب في جُوارِ الله. وجارُكَ: الذي
يُجاوِرُك، والجَمع أَجْوارٌ وجِيرَةٌ وجِيرانٌ، ولا نظير له إِلاَّ قاعٌ
وأَقْواعٌ وقِيعانٌ وقِيعَةٌ؛ وأَنشد:
ورَسْمِ دَارٍ دَارِس الأَجْوارِ
وتَجاوَرُوا واجْتَوَرُوا بمعنى واحد: جاوَرَ بعضهم بعضاً؛ أَصَحُّوا
اجْتَوَرُوا إِذا كانت في معنى تَجاوَرُوا، فجعلوا ترك الإِعلال دليلاً على
أَنه في معنى ما لا بد من صحته وهو تَجاوَرُوا. قال سيبويه: اجْتَوَرُوا
تَجاوُراً وتَجاوَرُوا اجْتِواراً، وضعوا كل واحد من المصدرين موضع
صاحبه، لتساوي الفعلين في المعنى وكثرة دخول كل واحد من البناءين على صاحبه؛
قال الجوهري: إِنما صحت الواو في اجْتَوَرُوا لأَنه في معنى ما لا بدّ له
أَن يخرّج على الأَصل لسكون ما قبله، وهو تَجَاوَرُوا، فبني عليه، ولو
لم يكن معناهما واحداً لاعتلت؛ وقد جاء: اجْتَارُوا مُعَلاًّ؛ قال مُليح
الهُذلي:
كدَلَخِ الشَّرَبِ المُجْتارِ زَيَّنَهُ
حَمْلُ عَثَاكِيلَ، فَهْوَ الواثِنُ الرَّكِدُ
(* قوله: «كدلخ إلخ» كذا في الأَصل).
التهذيب: عن ابن الأَعرابي: الجارُ الذي يُجاوِرُك بَيْتَ بَيْتَ.
والجارُ النِّقِّيح: هو الغريب. والجار: الشَّرِيكُ في العَقار. والجارُ:
المُقاسِمُ. والجار: الحليف. والجار: الناصر. والجار: الشريك في التجارة،
فَوْضَى كانت الشركة أَو عِناناً. والجارة: امرأَة الرجل، وهو جارُها.
والجَارُ: فَرْجُ المرأَة. والجارَةُ: الطِّبِّيجَةُ، وهي الاست. والجارُ: ما
قَرُبَ من المنازل من الساحل. والجارُ: الصِّنَارَةُ السَّيِّءُ
الجِوارِ. والجارُ: الدَّمِثُ الحَسَنُ الجِوارِ. والجارُ: اليَرْبُوعِيُّ.
والجار: المنافق. والجَار: البَراقِشِيُّ المُتَلَوِّنُ في أَفعاله. والجارُ:
الحَسْدَلِيُّ الذي عينه تراك وقلبه يرعاك. قال الأَزهري: لما كان الجار
في كلام العرب محتملاً لجميع المعاني التي ذكرها ابن الأَعرابي لم يجز
أَن يفسر قول النبي، صلى الله عليه وسلم: الجارُ أَحَقُّ بصَقَبِه، أَنه
الجار الملاصق إِلاَّ بدلالة تدل عليه، فوجب طلب الدلالة على ما أُريد به،
فقامت الدلالة في سُنَنٍ أُخرى مفسرة أَن المراد بالجار الشريك الذي لم
يقاسم، ولا يجوز أَن يجعل المقاسم مثل الشريك. وقوله عز وجل: والجارِ ذي
القُرْبَى والجارِ الجُنُبِ؛ فالجار ذو القربى هو نسيبك النازل معك في
الحِواءِ ويكون نازلاً في بلدة وأَنت في أُخْرَى فله حُرَمَةُ جِوارِ
القرابة، والجار الجنب أَن لا يكون له مناسباً فيجيء إِليه ويسأَله أَن يجيره
أَي يمنعه فينزل معه، فهذا الجار الجنب له حرمة نزوله في جواره ومَنَعَتِه
ورُكونه إِلى أَمانه وعهده. والمرأَةُ جارَةُ زوجها لأَنه مُؤْتَمَرٌ
عليها، وأُمرنا أَن نحسن إِليها وأَن لا نعتدي عليها لأَنها تمسكت بعَقْدِ
حُرْمَةِ الصِّهْرِ، وصار زوجها جارها لأَنه يجيرها ويمنعها ولا يعتدي
عليها؛ وقد سمي الأَعشى في الجاهلية امرأَته جارة فقال:
أَيا جارَتَا بِينِي فإِنَّكِ طالِقَهْ
ومَوْمُوقَةٌ، ما دُمْتِ فينا، ووَامِقَهْ
وهذا البيت ذكره الجوهري، وصدره:
أَجارَتَنَا بيني فإِنك طالقه
قال ابن بري: المشهور في الرواية:
أَيا جارتا بيني فإِنك طالقه،
كذَاكِ أُمُورُ النَّاسِ: عادٍ وطارِقَهْ
ابن سيده: وجارة الرجل امرأَته، وقيل: هواه؛ وقال الأَعشى:
يا جَارَتَا ما أَنْتِ جَارَهْ،
بانَتْ لِتَحْزُنَنا عَفَارَهْ
وجَاوَرْتُ في بَني هِلالٍ إِذا جاورتهم. وأَجارَ الرجلَ إِجَارَةً
وجَارَةً؛ الأَخيرة عن كراع: خَفَرَهُ. واسْتَجَارَهُ: سأَله أَن يُجِيرَهُ.
وفي التنزيل العزيز: وإِنْ أَحَدٌ من المشركين استجارك فأَجِرُهُ حتى
يعسْمَعَ كلامَ الله؛ قال الزجاج: المعنى إِن طلب منك أَحد من أَهل الحرب
أَن تجيره من القتل إِلى أَن يسمع كلام الله فأَجره أَي أَمّنه، وعرّفه ما
يجب عليه أَن يعرفه من أَمر الله تعالى الذي يتبين به الإِسلام، ثم
أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ لئلا يصاب بسوء قبل انتهاه إِلى مأْمنه. ويقال للذي
يستجير بك: جارٌ، وللذي يُجِيرُ: جَارٌ. والجار: الذي أَجرته من أَن يظلمه
ظالم؛ قال الهذلي:
وكُنْتُ، إِذا جَارِي دَعَا لِمَضُوفَةٍ،
أُشَمِّرُ حَتَّى يُنْصِفَ السَّاقَ مِئْزَرِي
وجارُك: المستجيرُ بك. وهم جارَةٌ من ذلك الأَمر؛ حكاه ثعلب، أَي
مُجِيرُونَ؛ قال ابن سيده: ولا أَدري كيف ذلك، إِلاَّ أَن يكون على توهم طرح
الزائد حتى يكون الواحد كأَنه جائر ثم يكسر على فَعَلةٍ، وإِلاَّ فَلا وجه
له. أَبو الهيثم: الجارُ والمُجِيرُ والمُعِيذُ واحدٌ. ومن عاذ بالله أَي
استجار به أَجاره الله، ومن أَجاره الله لم يُوصَلْ إِليه، وهو سبحانه
وتعالى يُجِيرُ ولا يُجَارُ عليه أَي يعيذ. وقال الله تعالى لنبيه: قل
لَنْ يُجِيرَني من الله أَحدٌ؛ أَي لن يمنعنى من الله أَحد. والجارُ
والمُجِيرُ: هو الذي يمنعك ويُجْيرُك. واستْجَارَهُ من فلان فَأَجَارَهُ منه.
وأَجارَهُ الله من العذاب: أَنقذه. وفي الحديث: ويُجِيرُ عليهم أَدناهم؛
أَي إِذا أَجار واحدٌ من المسلمين حرّ أَو عبد أَو امرأَة واحداً أَو جماعة
من الكفار وخَفَرَهُمْ وأَمنَّهم، جاز ذلك على جميع المسلمين لا
يُنْقَضُ عليه جِوارُه وأَمانُه؛ ومنه حديث الدعاء: كما تُجِيرُ بين البحور؛ أَي
تفصل بينها وتمنع أَحدها من الاختلاط بالآخر والبغي عليه. وفي حديث
القسامة: أُحب أَن تُجِيرَ ابْنِي هذا برجل من الخمسين أَي تؤمنه منها ولا
تستحلفه وتحول بينه وبينها، وبعضهم يرويه بالزاي، أَي تأْذن له في ترك
اليمين وتجيزه. التهذيب: وأَما قوله عز وجل: وإِذْ زَيَّنَ لهم الشيطانُ
أَعْمَالَهُمْ وقال لا غالَب لَكُم اليومَ من الناسِ وإِني جَارٌ لكم؛ قال
الفرّاء: هذا إِبليس تمثل في صورة رجل من بني كنانة؛ قال وقوله: إِني جار
لكم؛ يريد أَجِيركُمْ أَي إِنِّي مُجِيركم ومُعيذُكم من قومي بني كنانة
فلا يَعْرِضُون لكم، وأَن يكونوا معكم على محمد، صلى الله عليه وسلم، فلما
عاين إِبليس الملائكة عَرَفَهُمْ فَنَكَصَ هارباً، فقال له الحرثُ بن
هشام: أَفراراً من غير قتال؟ فقال: إِني بريء منكم إِني أَرَى ما لا
تَرَوْنَ إِني أَخافُ الله واللهُ شديدُ العقاب. قال: وكان سيد العشيرة إِذا
أَجار عليها إِنساناً لم يخْفِرُوه. وجِوارُ الدارِ: طَوَارُها. وجَوَّرَ
البناءَ والخِبَاءَ وغيرهما: صَرَعَهُ وقَلَبهَ؛ قال عُرْوَةُ بْنُ
الوَرْدِ:
قَلِيلُ التِماسِ الزَّادِ إِلا لِنَفْسِهِ،
إِذا هُوَ أَضْحَى كالعَرِيشِ المُجَوَّرِ
وتَجَوَّرَ هُوَ: تَهَدَّمَ. وضَرَبَهُ ضربةً تَجَوَّرَ منها أَي
سَقَطَ. وتَجَوَّرَ على فِرَاشه: اضطجع. وضربه فجوّره أَي صَرَعَهُ مثل
كَوَّرَهُ فَتَجَوَّرَ؛ وقال رجل من رَبِيعةِ الجُوعِ:
فَقَلَّما طَارَدَ حَتَّى أَغْدَرَا،
وَسْطَ الغُبارِ، خَرِباً مُجَوَّرَا
وقول الأَعلم الهذلي يصف رَحِمَ امرأَةٍ هجاها:
مُتَغَضِّفٌ كالجَفْرِ باكَرَهُ
وِرْدُ الجَميعِ بِجائرٍ ضَخْمِ
قال السُّكَّريُّ: عنى بالجائر العظيم من الدلاء.
والجَوَارُ: الماءُ الكثير؛ قال القطامي يصف سفينة نوح، على نبينا وعليه
الصلاة والسلام:
وَلَوْلاَ اللهُ جَارَ بها الجَوَارُ
أَي الماء الكثير. وغَيْثٌ جِوَرٌّ: غَزِيرٌ كثير المطر، مأْخوذ من هذا،
ورواه الأَصمعي: جُؤَرٌّ له صَوْتٌ؛ قال:
لا تَسْقِهِ صَيَّبَ عَزَّافٍ جُؤَرّ
ويروى غَرَّافٍ. الجوهري: وغَيْثٌ جِوَرٌّ مثال هِجَفٍّ أَي شديد صوت
الرعد، وبازِلٌ جِوَرٌّ؛ قال الراجز:
زَوْجُكِ يا ذاتَ الثَّنَايا الغُرِّ،
أَعْيَا قَنُطْنَاهُ مَنَاطَ الجَرِّ
دُوَيْنَ عِكْمَيْ بازِلٍ جِوَرِّ،
ثم شَدَدْنا فَوْقَهُ بِمَرِّ
والجِوَرُّ: الصُّلْبُ الشديد. وبعير جِوَرٌّ أَي ضخم؛ وأَنشد:
بَيْنَ خِشَاشَيْ بازِلٍ جِوَرِّ
والجَوَّارُ: الأَكَّارُ: التهذيب: الجَوَّارُ الذي يعمل لك في كرم أَو
بستان أَكَّاراً.
والمُجَاوَرَةُ: الاعتكاف في المسجد. وفي الحديث: أَنه كان يُجَاوِرُ
بِحِراءٍ، وكان يجاور في العشر الأَواخر من رمضان أَي يعتكف. وفي حديث
عطاء: وسئل عن المُجَاوِرِ يذهب للخلاء يعني المعتكف. فأَما المُجاوَرَةُ
بمكة والمدينة فيراد بها المُقَامُ مطلقاً غير ملتزم بشرائط الاعتكاف
الشرع.والإِجارَةُ، في قول الخليل: أَن تكون القافية طاء والأُخرى دالاً ونحو
ذلك، وغيره يسميه الإِكْفاءَ. وفي المصنف: الإِجازة، بالزاي، وقد ذكر في
أَجز. ابن الأَعرابي: جُرْجُرْ إِذا أَمرته بالاستعداد للعدوّ. والجارُ:
موضع بساحل عُمانَ. وفي الحديث ذِكْرُ الجارِ، هو بتخفيف الراء، مدينة
على ساحل البحر بينها وبين مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، يوم وليلة.
وجيرانُ: موضع (قوله: «وجيران موضع» في ياقوب جيران، بفتح الجيم وسكون
الياء: قرية بينها وبين أَصبهان فرسخان؛ وجيران، بكسر الجيم: جزيرة في البحر
بين البصرة وسيراف، وقيل صقع من أَعمال سيراف بينها وبين عمان. اهـ.
باختصار)؛ قال الراعي:
كأَنها ناشِطٌ حُمٌّ قَوائِمُهُ
مِنْ وَحْشِ جِيرانَ، بَينَ القُفِّ والضَّفْرِ
وجُورُ: مدينة، لم تصرف الماكن العجمة. الصحاح: جُورُ اسم بلد يذكر
ويؤنث.
نمل: النَّمْلُ: معروف واحدته نَمْلة ونَمُلة، وقد قرئ به فَعَلَّله
الفارسي بأَن أَصل نَمْلة نَمُلة، ثم وقع التخفيف وغلب، وقوله عز وجل: قالت
نَمْلة يا أَيُّها النَّمْلُ ادْخُلوا مَساكِنَكم؛ جاء لفظ ادخلوا في
النَّمْل وهي لا تعقِل كلفظ ما يعقِل لأَنه قال قالت، والقول لا يكون إِلا
للحيِّ الناطق فأُجريت مُجراه، والجمع نِمَال؛ قال الأَخطل:
دَبِيب نِمال في نَقاً يَتَهيَّل
وأَرض نَمِلةٌ: كثيرة النَّمْل. وطعام مَنْمُول: أَصابه النَّمْل. وذكر
الأَزهري في ترجمة نحل في حديث ابن عباس: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم،
نهى عن قتل النَّحْلة والنَّمْلة والصُّرَد والهُدْهُد؛ وروي عن
إِبراهيم الحربي قال: إِنما نهى عن قتلهنَّ لأَنهنّ لا يؤذين الناسَ وهي أَقل
الطيور والدوابِّ ضرراً على الناس، ليس مثل ما يتأَذى الناسُ به من الطيور
الغُرابِ وغيره، قيل له: فالنَّمْلة إِذا عضَّت تُقتَل؟ قال: النملة لا
تَعَض إِنما يَعَضّ الذَّرُّ، قيل له: إِذا عَضَّت الذرَّة تُقتل؟ قال:
إِذا آذتْك فاقْتُلْها قال: والنَّمْلة هي التي لها قوائم تكون في
البَراري والخَرابات، وهذه التي يتأَذى الناس بها هي الذرُّ وهي الصغار، ثم قال:
والنَّمْل ثلاثة أَصْناف: النَّمْل وفازِر وعُقيفان، قال: والنمل يسكن
البراري والخَرابات ولا يؤذي الناس، والذرُّ يؤذي، وقيل: أَراد بالنهي
نوعاً خاصّاً وهو الكبار ذوات الأَرْجُل الطوال، وقال الحربي: النَّمْل ما
كان له قوائم فأَما الصغار فهو الذرُّ. وروي عن قتادة في قوله: عُلِّمْنا
مَنْطِق الطير، قال: النَّمْلة من الطير، وقال أَبو خيرة: نملة حَمراء
(*
قوله «وقال ابو خيرة نملة حمراء إلخ» هكذا في الأصل هنا، وعبارته في
مادة حوأ: أبو خيرة الحوّ من النمل نمل حمر يقال لها نمل سليمان، فلعل ما
هنا فيه سقط) يقال لها سُليمان يقال لهنّ الحوّ، بالواو، قال: والذَّرُّ
داخِل في النَّمْل، ويشبَّه فِرِنْد السيف بالذرّ والنمل. وقال ابن شميل:
النَّمْل الذي له رِيش، يقال نَمْل ذو ريش والنَّمْل العُظَّام.
الفراء: يقال نَمِّل ثوبَك والقُطْه أَي ارْفَأْهُ.
والنُّمْلةُ والنَّمْلةُ والنِّمْلةُ والنَّمِيلةُ، كل ذلك: النمِيمة.
رجل نَمِل ونامِل ومُنْمِل ومِنْمَل ونَمَّال، كله نَمَّام، وكذلك
الإِنمال؛ قال ابن بري: شاهد النُّمْلة قول أَبي الورد الجعدي:
أَلا لَعَنَ اللهُ التي رَزَمَتْ به
فقد ولَدت ذا نُمْلةٍ وغَوائِل
وجمعها نُمْل، وقد نَمِل ونَمَل يَنْمُل نَمْلاً وأَنْمَل؛ قال الكميت:
ولا أُزْعِجُ الكَلِمَ المُحْفِظا
ت للأَقْرَبِين، ولا أُنْمِلُ
وفيه نَمْلةٌ أَي كذب. وامرأَة مُنَمَّلة ونَمْلى: لا تستقر في مكان،
وفرس نَمِلٌ كذلك، وهو أَيضاً من نعت الغلظ. وفرس نَمِل القوائم: لا يستقر.
وفرس ذو نُمْلة، بالضم، أَي كثير الحركة.
ورجل مُؤَنْمَلُ الأَصابع إِذا كان غليظ أَطرافِها في قِصَر. ورجل نَمِل
أَي حاذِق. وغلام نَمِل أَي عَبِثٌ.
ونَمِلَ في الشجر يَنْمَل نَمَلاً إِذا صَعِد فيها؛ الفراء: نَمَل في
الشجر يَنْمُل نُمولاً إِذا صَعِد فيها. والنَّمِل: الرجل الذي لا ينظر
إِلى شيء إِلا عَمِله. ورجل نَمِل الأَصابع إِذا كان كثير العَبَث بها أَو
كان خفيفَ الأَصابع في العمل. ابن سيده: ورجل نَمِل خفيف الأَصابع لا يَرى
شيئاً إِلا عمِله. يقال: رجل نَمِل الأَصابع أَي خفيفها في العمل.
وتَنَمَّلَ القومُ: تحرَّكوا ودخل بعضُهم في بعض. ونَمِلَتْ يدُه:
خُدِرت.
والنُّمْلة، بالضم: البقيَّة من الماء تبقى في الحوض؛ حكاه كراع في باب
النون.
والأَنْمُلة، بالفتح
(* قوله «والانملة بالفتح إلخ» عبارة القاموس:
والانملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات التي فيها الظفر، الجمع أنامل
وأنملات): المَفْصِل الأَعْلى الذي فيه الظفر من الإِصبع، والجمع أَنامِل
وأَنمُلات، وهي رؤوس الأَصابع، وهو أَحد ما كسِّر وسَلِم بالتاء؛ قال ابن
سيده: وإِنما قلت هذا لأَنهم قد يستغنون بالتكسير عن جمع السلامة وبجمع
السلامة عن التكسير، وربما جمع الشيء بالوجهين جميعاً كنحو بُوَانٍ وبُون
وبُونات؛ هذا كله قول سيبويه.
والنَّمْلة: شَقٌّ في حافِر الدابة. والنَّمْلة: عيب من عُيوب الخيل.
التهذيب: والنَّمْلة في حافر الدابة شَقّ. أَبو عبيدة: النَّمْلة شَقٌّ في
الحافر من الأَشعر إِلى طرف السُّنْبك، وفي الصحاح: إِلى المَقَطِّ؛ قال
ابن بري: الأَشعَر ما أَحاط بالحافر من الشعر، ومَقَطُّ الفرس مُنْقَطَع
أَضلاعه. والنَّمْلة: شيء في الجسد كالقرْح وجمعها نَمْل، وقيل: النَّمْل
والنَّمْلة قُروح في الجنب وغيره، ودَواؤه أَن يُرْقى بريقِ ابن
المَجوسيِّ من أُخته، تقول المَجوس ذلك؛ قال:
ولا عَيْبَ فينا غير نَسْل لِمَعْشرٍ
كِرامٍ، وأَنَّا لا نَخُطُّ على النَّمْل
أَي لَسْنا بمَجُوس ننكِح الأَخوات؛ قال أَبو العباس: وأَنشدنا ابن
الأَعرابي هذا البيت: وأَنَّا لا نَحُطُّ على النَّمْل، وفسره: أَنَّا كِرام
ولا نأْتي بُيوت النمْل في الجَدْب لنحفِر على ما جمَع لنأْكلُه، وقيل:
النَّمْلة بَثْر يخرج بجسد الإِنسان. الجوهري: النمل بُثور صغار مع وَرَمٍ
يسير ثم يتقَرَّح فيسعى ويتَّسع ويسميها الأَطباءُ الذُّباب، وتقول
المجوس: إِن ولد الرجل إِذا كان من أُخته ثم خَطَّ على النَّمْلة شُفِيَ
صاحبُها. وفي الحديث: لا رُقْية إِلا في ثلاث: النَّمْلة والحُمَةِ
والنَّفْس؛ النَّمْلة: قُروح تخرُج في الجنْب. وقال أَبو عبيد في حديث النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَنه قال لِلشَّفّاء: عَلِّمِي حَفْصةَ رُقْية
النَّمْلة؛ قال ابن الأَثير: شيء كانت تستعمِله النساء يَعْلَم كلُّ مَنْ سمِعه
أَنه كلام لا يضرّ ولا ينفَع، ورُقْية النَّملة التي كانت تُعْرَف بينهنّ
أَن يُقال: العَرُوس تحْتَفِل، وتخْتضب وتَكْتَحِلْ، وكلَّ شيء
تَفْتَعِلْ، غير أَن لا تَعْصِي الرجل؛ قال: ويروى عوض تحْتَفِل تنتعِل، وعوض
تَخْتَضِب تَقْتال، فأَراد النبي، صلى الله عليه وسلم، بهذا المقال تأْنِيبَ
حفصةَ لأَنه أَلقى إِليها سرًّا فأَفشَتْه.
وكتا مُنَمَّل: مكتوب، هذلية. ابن سيده: وكتابٌ مُنْمَل متقارِب الخطّ؛
قال أَبو العيال الهذلي:
والمَرْءُ عمراً، فأْتِهِ بنَصِيحةٍ
مِنِّي يَلوح بها كتابٌ مُنْمَلُ
ومُنَمَّل: كمُنْمَل. ونَمَلى: موضع. والنَّأْمَلةُ: مِشية المقيد، وهو
يُنَأْمِل في قعيْده نَأْمَلةً؛ وقول الشاعر:
فإِنِّي، ولا كُفْران لله آيةً
لِنَفْسي، لقد طالَبْت غير مُنَمَّل
قال أَبو نصر: أَراد غير مَذْعور، وقال: غير مُرْهَق ولا مُعْجَل عما
أُريد.
ظهر: الظَّهْر من كل شيء: خِلافُ البَطْن. والظَّهْر من الإِنسان: من
لَدُن مُؤخَّرِ الكاهل إِلى أَدنى العجز عند آخره، مذكر لا غير، صرح بذلك
اللحياني، وهو من الأَسماء التي وُضِعَت مَوْضِعَ الظروف، والجمع أَظْهُرٌ
وظُهور وظُهْرانٌ. أَبو الهيثم: الظَّهْرُ سِتُّ فقارات، والكاهلُ
والكَتَِدُ ستُّ فقارات، وهما بين الكتفين، وفي الرَّقبَة ست فقارات؛ قال أَبو
الهيثم: الظَّهْر الذي هو ست فِقَرٍ يكْتَنِفُها المَتْنانِ، قال
الأَزهري: هذا في البعير؛ وفي حديث الخيل: ولم يَنْسَ حقَّ الله في رِقابِها
ولا ظُهورها؛ قال ابن الأَثير: حَقُّ الظهورِ أَن يَحْمِلَ عليها
مُنْقَطِعاً أَو يُجاهدَ عليها؛ ومنه الحديث الآخر: ومِنْ حَقِّها إِفْقارُ
ظَهْرِها. وقَلَّبَ الأَمرَ ظَهْراً لِبَطْنٍ: أَنْعَمَ تَدْبِيرَه، وكذلك يقول
المُدَبِّرُ للأَمر. وقَلَّبَ فلان أَمْره ظهراً لِبَطْنٍ وظهرَه
لِبَطْنه وظهرَه لِلْبَطْنِ؛ قال الفرزدق:
كيف تراني قالباً مِجَنّي،
أَقْلِبُ أَمْرِي ظَهْرَه لِلْبَطْنِ
وإِنما اختار الفرزدق ههنا لِلْبَطْنِ على قوله لِبَطْنٍ لأَن قوله
ظَهْرَه معرفة، فأَراد أَن يعطف عليه معرفة مثله، وإِن اختلف وجه التعريف؛
قال سيبويه: هذا باب من الفعل يُبْدَل فيه الآخر من الأَول يَجْرِي على
الاسم كما يَجْرِي أَجْمعون على الاسم، ويُنْصَبُ بالفعل لأَنه مفعول،
فالبدل أَن يقول: ضُرب عبدُالله ظَهرهُ وبَطنُه، وضُرِبَ زَيدٌ الظهرُ
والبطنُ، وقُلِبَ عمرو ظَهْرُه وبطنُه، فهذا كله على البدل؛ قال: وإِن شئت كان
على الاسم بمنزلة أَجمعين، يقول: يصير الظهر والبطن توكيداً لعبدالله كما
يصير أَجمعون توكيداً للقوم، كأَنك قلت: ضُرِبَ كُلّه؛ قال: وإِن شئت
نصبت فقلت ضُرِب زيدٌ الظَّهرَ والبطنَ، قال: ولكنهم أَجازوا هذا كما
أَجازوا دخلت البيتَ، وإِنما معناه دخلت في البيت والعامل فيه الفعل، قال: وليس
المنتصبُ ههنا بمنزلة الظروف لأَنك لو قلت: هو ظَهْرَه وبطَنْهَ وأَنت
تعني شيئاً على ظهره لم يجز، ولم يجيزوه في غير الظَّهْر والبَطْن
والسَّهْل والجَبَلِ، كما لم يجز دخلتُ عبدَالله، وكما لم يجز حذف حرف الجر
إِلاَّ في أَماكن مثل دخلت البيتَ، واختص قولهم الظهرَ والبطنَ والسهلَ
والجبلَ بهذا، كما أَن لَدُنْ مع غُدْوَةٍ لها حال ليست في غيرها من الأَسماء.
وقوله، صلى الله عليه وسلم: ما نزول من القرآن آية إِلاَّ لها ظَهْرٌ
بَطْنٌ ولكل حَرْفٍ حَدٌّ ولكل حَدّ مُطَّلَعٌ؛ قال أَبو عبيد: قال بعضهم
الظهر لفظ القرآن والبطن تأْويله، وقيل: الظهر الحديث والخبر، والبطن ما
فيه من الوعظ والتحذير والتنبيه، والمُطَّلَعُ مَأْتى الحد ومَصْعَدُه،
أَي قد عمل بها قوم أَو سيعملون؛ وقيل في تفسير قوله لها ظَهْرٌ وبَطْن
قيل: ظهرها لفظها وبطنها معناها وقيل: أَراد بالظهر ما ظهر تأْويله وعرف
معناه، وبالبطن ما بَطَنَ تفسيره، وقيل: قِصَصُه في الظاهر أَخبار وفي
الباطن عَبْرَةٌ وتنبيه وتحذير، وقيل: أَراد بالظهر التلاوة وبالبطن التفهم
والتعلم. والمُظَهَّرُ، بفتح الهاء مشددة: الرجل الشديد الظهر. وظَهَره
يَطْهَرُه ظَهْراً: ضرب ظَهْره. وظَهِرَ ظَهَراً: اشتكى ظَهْره. ورجل
ظَهِيرٌ: يشتكي ظَهْرَه. والظَّهَرُ: مصدر قولك ظَهِرَ الرجل، بالكسر، إِذا
اشتكى ظَهْره. الأَزهري: الظُّهارُ وجع الظَّهْرِ، ورجل مَظْهُورٌ.
وظَهَرْتُ فلاناً: أَصبت ظَهْره. وبعير ظَهِير: لا يُنْتَفَع بظَهْره من
الدَّبَرِ، وقيل: هو الفاسد الظَّهْر من دَبَرٍ أَو غيره؛ قال ابن سيده: رواه
ثعلب. ورجل ظَهيرٌ ومُظَهَّرٌ: قويُّ الظَّهْرِ ورجل مُصَدَّر: شديد
الصَّدْر، ومَصْدُور: يشتكي صَدْرَه؛ وقيل: هو الصُّلْبُ الشديد من غير أَن
يُعَيَّن منه ظَهْرٌ ولا غيره، وقد ظَهَرَ ظَهَارَةً. ورجل خفيف الظَّهْر:
قليل العيال، وثقيل الظهر كثير العيال، وكلاهما على المَثَل. وأَكَل الرجُل
أَكْلَةً ظَهَرَ منها ظَهْرَةً أَي سَمِنَ منها. قال: وأَكل أَكْلَةً
إِن أَصبح منها لناتياً، ولقد نَتَوْتُ من أَكلة أَكلتها؛ يقول: سَمِنْتُ
منها. وفي الحديث: خَيْرُ الصدقة ما كان عن ظَهْرِ غِنى أَي ما كان
عَفْواً قد فَضَلَ عن غنًى، وقيل: أَراد ما فَضَلَ عن العِيَال؛ والظَّهْرُ قد
يزاد في مثل هذا إِشباعاً للكلام وتمكيناً كأَنَّ صدقته إِلى ظَهْرٍ
قَويٍّ من المال. قال مَعْمَرٌ: قلتُ لأَيُّوبَ ما كان عن ظَهْرِ غِنًى، ما
ظَهْرُ غِنًى؟ قال أَيوب: ما كان عن فَضْلِ عيال. وفي حديث طلحة: ما
رأَيتُ أَحداً أَعطى لجَزِيلٍ عن ظَهْرِ يَدٍ من طَلْحَةَ، قيل: عن ظهر يَدٍ
ابْتدَاءً من غير مكافأَة. وفلانٌ يأْكل عن ظَهْرِ يد فُلانٍ إِذا كان هو
يُنْفِقُ عليه. والفُقَراء يأْكلون عن ظَهْرِ أَيدي الناس.
قال الفراء: العرب تقول: هذا ظَهْرُ السماء وهذا بَطْنُ السَّمَاءِ
لظاهرها الذي تراه. قال الأَزهري: وهذا جاء في الشيء ذي الوجهين الذي ظَهْرُه
كَبَطْنه، كالحائط القائم لما وَلِيَك يقال بطنُه، ولما وَلِيَ غَيْرَك
ظَهْرُه. فأَما ظِهارَة الثوب وبِطانَتُه، فالبطانَةُ ما وَلِيَ منه
الجسدَ وكان داخلاً، والظِّهارَةُ ما علا وظَهَرَ ولم يَل الجسدَ؛ وكذلك
ظِهارَة البِسَاطِ؛ وبطانته مما يلي الأَرضَ. ويقال: ظَهَرْتُ الثوبَ إِذا
جعلتَ له ظِهَارَة وبَطَنْتُه إذا جعلتَ له بِطانَةً، وجمع الظِّهارَة
ظَهَائِر، وجمع البِطَانَةَ بَطَائِنُ والظِّهَارَةُ، بالكسر: نقيض البِطانة.
وَظَهَرْتُ البيت: عَلَوْتُه. وأَظْهَرْتُ بفلان: أَعليت به. وتظاهر
القومُ: تَدابَرُوا كأَنه ولَّى كُلُّ واحد منهم ظَهْرَه إِلى صاحبه.
وأَقْرانُ الظَّهْرِ: الذين يجيئونك من ورائك أَو من وراء ظَهْرِك في الحرب،
مأْخوذ من الظَّهْرِ؛ قال أَبو خِراشٍ:
لكانَ جَمِيلٌ أَسْوَأَ الناسِ تِلَّةً،
ولكنّ أَقْرانَ الظُّهُورِ مَقاتِلُ
الأَصمعي: فلان قِرْنُ الظَّهْر، وهو الذي يأْتيه من ورائه ولا يعلم؛
قال ذلك ابن الأَعرابي، وأَنشد:
فلو كان قِرْني واحداً لكُفِيتُه،
ولكنَّ أَقْرانَ الظُّهُورِ مِقاتِلُ
وروي ثعلب عن ابن الأَعرابي أَنه أَنشده:
فلو أَنَّهُمْ كانوا لقُونا بِمثْلِنَا،
ولَكنَّ أَقْرانَ الظُّهورِ مُغالِبُ
قال: أَقران الظهور أَن يتظاهروا عليه، إِذا جاء اثنان وأَنت واحد
غلباك. وشَدَّه الظُّهاريَّةَ إِذا شَدَّه إِلى خَلْف، وهو من الظَّهْر. ابن
بُزُرج. أَوْثَقَهُ الظُّهارِيَّة أَي كَتَّفَه.
والظَّهْرُ: الرِّكابُ التي تحمل الأَثقال في السفر لحملها إِياها على
ظُهُورها. وبنو فلان مُظْهِرون إِذا كان لهم ظَهْر يَنْقُلُون عليه، كما
يقال مُنْجِبُون إِذا كانوا أَصحاب نَجائِبَ. وفي حديث عَرْفَجَة: فتناول
السيف من الظَّهْر فَحذَفَهُ به؛ الظَّهْر: الإِبل التي يحمل عليها
ويركب. يقال: عند فلان ظَهْر أَي إِبل؛ ومنه الحديث: أَتأْذن لنا في نَحْر
ظَهْرنا؟ أَي إبلنا التي نركبها؛ وتُجْمَعُ على ظُهْران، بالضم؛ ومنه
الحديث: فجعل رجالٌ يستأْذنونه في ظُهْرانهم في عُلْوِ المدينة. وفلانٌ على
ظَهْرٍ أَي مُزْمِعٌ للسفر غير مطمئن كأَنه قد رَكِبَ ظَهْراً لذلك؛ قال يصف
أَمواتاً:
ولو يَسْتَطِيعُون الرَّواحَ، تَرَوَّحُوا
معي، أَو غَدَوْا في المُصْبِحِين على ظَهْرِ
والبعير الظَّهْرِيُّ، بالكسر: هو العُدَّة للحاجة إِن احتيج إِليه، نسب
إِلى الظَّهْر نَسَباً على غير قياس. يقال: اتَّخِذْ معك بعيراً أَو
بعيرين ظِهْرِيَّيْنِ أَي عُدَّةً، والجمع ظَهارِيُّ وظَهَارِيُّ، وفي
الصحاح: ظَهِارِيُّ غير مصروف لأَن ياء النسبة ثابتة في الواحد. وبَعير
ظَهِيرٌ بَيِّنُ الظَّهارَة إِذا كان شديداً قويّاً، وناقة ظهيره. وقال الليث:
الظَّهِيرُ من الإِبل القوي الظَّهْر صحيحه، والفعل ظَهَرَ ظَهارَةً. وفي
الحديث: فَعَمَدَ إِلى بعير ظَهِير فأَمَرَ به فَرُحِلَ، يعني شديد
الظهر قويّاً على الرِّحْلَةِ، وهو منسوب إِلى الظَّهْرِ؛ وقد ظَهَّر به
واسْتَظَهْرَهُ.
وظَهَرَ بحاجةِ وظَهَرَّها وأَظْهَرها: جعلها بظَهْرٍ واستخف بها ولم
يَخِفَّ لها، ومعنى هذا الكلام أَنه جعل حاجته وراء ظَهْرِه تهاوناً بها
كأَنه أَزالها ولم يلتفت إِليها. وجعلها ظِهْرِيَّةً أَي خَلْفَ ظَهْر،
كقوله تعالى: فَنَبذُوه ورَاء ظُهُورِهم، بخلاف قولهم وَاجَهَ إِرادَتَهُ
إِذا أَقْبَلَ عليها بقضائها، وجَعَلَ حاجَتَه بظَهْرٍ كذلك؛ قال
الفرزدق:تَمِيمُ بنَ قَيْسٍ لا تَمُونَنَّ حاجَتِي
بظَهْرٍ، فلا يَعْيا عَليَّ جَوابُها
والظِّهْرِيُّ: الذي تَجْعَلُه بظَهْر أَي تنساه.
والظِّهْرِيُّ: الذي تَنْساه وتَغْفُلُ عنه؛ ومنه قوله: واتَّخَذْتَمُوه
وراءكم ظِهْرِيّاً؛ أَي لم تَلْتَفِتوا إِليه. ابن سيده: واتخذ حاجته
ظِهْرِيّاً اسْتَهان بها كأَنه نَسَبها إِلى الظَّهْر، على غير قياس، كما
قالوا في النسب إِلى البَصْرَة بِصْريُّ. وفي حديث علي، عليه السلام:
اتَّخَذْتُموه وَرَاءَكم ظِهْرِيّاً حت شُنَّتْ عليكم الغاراتُ أَي جعلتموه
وراء ظهوركم، قال: وكسر الظاء من تغييرات النَّسَب؛ وقال ثعلب في قوله
تعالى: واتخذتموه وراءكم ظِهْرِيّاً: نَبَذْتُمْ ذكر الله وراء ظهوركم؛ وقال
الفراء: يقول تركتم أَمر الله وراء ظهوركم، يقول شعيب، عليه السلام:
عَظَّمْتُمْ أَمْرَ رَهْطي وتركتم تعظيم الله وخوفه. وقال في أَثناء
الترجمة: أَي واتخذتم الرهط وراءكم ظِهْرِيّاً تَسْتَظْهِرُون بع عليَّ، وذلك لا
ينجيكم من الله تعالى. يقال: اتخذ بعيراً ظِهْرِيّاً أَي عُدَّةً. ويقال
للشيء الذي لا يُعْنَى به: قد جعلت هذا الأَمر بظَهْرٍ ورَميته بظَهْرٍ.
وقولهم. ولا تجعل حاجتي بظَهْر أَي لا تَنْسَها. وحاجتُه عندك ظاهرةٌ
أَي مُطَّرَحَة وراء الظَّهْرِ. وأَظْهَرَ بحاجته واظَّهَرَ: جعلها وراء
ظَهْرِه، أَصله اظْتَهر. أَبو عبيدة: جعلت حاجته بظَهْرٍ أَي يظَهْرِي
خَلْفِي؛ ومنه قوله: واتخذتموه وراءكم ظِهْرِيّاً، وهو استهانتك بحاجة الرجل.
وجعلني بظَهْرٍ أَي طرحني. وظَهَرَ به وعليه يَظْهَرُ: قَوِيَ. وفي
التنزيل العزيز: أَو الطِّفْل الذين لم يَظْهَروا على عَوْراتِ النساء؛ أَي
لم يبلغوا أَن يطيقوا إِتيانَ النساء؛ وقوله:
خَلَّفْتَنا بين قَوْمَ يَظْهَرُون بنا،
أَموالُهُمْ عازِبٌ عنا ومَشْغُولُ
هو من ذلك؛ قال ابن سيده: وقد يكون من قولك ظَهَرَ به إِذا جعله وراءه،
قال: وليس بقوي، وأَراد منها عازب ومنها مشغول، وكل ذلك راجع إِلى معنى
الظَّهْر. وأَما قوله عز وجل: ولا يُبْدِينَ زِينتهنَّ إِلاَّ ما ظهر
منها؛ روي الأَزهري عن ابن عباس قال: الكَفُّ والخاتَمُ والوَجْهُ، وقالت
عائشة: الزينة الظاهرة القُلْبُ والفَتَخة، وقال ابن مسعود: الزينة الظاهرة
الثياب. والظَّهْرُ: طريق البَرِّ. ابن سيده: وطريق الظَّهْره طريق
البَرِّ، وذلك حين يكون فيه مَسْلَك في البر ومسلك في البحر. والظَّهْرُ من
الأَرض: ما غلظ وارتفع، والبطن ما لانَ منها وسَهُلَ ورَقَّ واطْمأَنَّ.
وسال الوادي ظَهْراً إذا سال بمَطَرِ نفسه، فإن سال بمطر غيره قيل: سال
دُرْأً؛ وقال مرة: سال الوادي ظُهْراً كقولك ظَهْراً؛ قال الأَزهري:
وأَحْسِبُ الظُّهْر، بالضم، أَجْودَ لأَنه أَنشد:
ولو دَرَى أَنَّ ما جاهَرتَني ظُهُراً،
ما عُدْتُ ما لأْلأَتْ أَذنابَها الفُؤَرُ
وظَهَرت الطيرُ من بلد كذا إِلى بلد كذا: انحدرت منه إِليه، وخص أَبو
حنيفة به النَّسْرَ فقال يَذْكُر النُّسُورَ: إِذا كان آخر الشتاء ظَهَرَتْ
إِلى نَجْدٍ تَتَحيَّنُ نِتاجَ الغنم فتأْكل أَشْلاءَها. وفي كتاب عمر،
رضي الله عنه، إِلى أَبي عُبيدة: فاظْهَرْ بمن معك من المسلمين إِليها
يعني إِلى أَرض ذكرها، أَي أَخْرُجُ بهم إِلى ظاهرها وأَبْرِزْهم. وفي حديث
عائشة: كان يصلي العَصْر في حُجْرتي قبل أَن تظهر، تعني الشمس، أَي تعلو
السَّطْحَ، وفي رواية: ولم تَظْهَر الشمسُ بَعْدُ من حُجْرتها أَي لم
ترتفع ولم تخرج إِلى ظَهْرها؛ ومنه قوله:
وإِنا لَنَرْجُو فَوْقَ ذلك مَظْهَرا
يعني مَصْعَداً.
والظاهِرُ: خلاف الباطن؛ ظَهَرَ يَظْهَرُ ظُهُوراً، فهو ظاهر وظهِير؛
قال أَبو ذؤيب:
فإِنَّ بَنِي لِحْيَانَ، إِمَّا ذَكَرْتُهُم،
ثَناهُمْ، إِذا أَخْنَى اللِّئامُ، ظَهِيرُ
ويروى طهير، بالطاء المهملة. وقوله تعالى: وذَروا ظاهِرَ الإِثم
وباطِنَه؛ قيل: ظاهره المُخالَّةُ على جهة الرِّيبَةِ، وباطنه الزنا؛ قال
الزجاج: والذي يدل عليه الكلام، والله أَعلم، أَن المعنى اتركوا الإِثم ظَهْراً
وبَطْناً أَي لا تَقْرَبُوا ما حرم الله جَهْراً ولا سرّاً. والظاهرُ:
من أَسماء الله عز وجل؛ وفي التنزيل العزيز: هو الأَوّل والآخر والظاهر
والباطن؛ قال ابن الأَثير: هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه؛ وقيل: عُرِفَ
بطريق الاستدلال العقلي بما ظهر لهم من آثار أَفعاله وأَوصافه.
وهو نازل بين ظَهْرٍيْهم وظَهْرانَيْهِم، بفتح النون ولا يكسر: بين
أَظْهُرِهم. وفي الحديث: فأَقاموا بين ظَهْرانيهم وبين أَظْهرهم؛ قال ابن
الأَثير: تكررت هذه اللفظة في الحديث والمراد بها أَنهم أَقاموا بينهم على
سبيل الاستظهار والاستناد لهم، وزيدت فيه أَلف ونون مفتوحة تأْكيداً،
ومعناه أَن ظَهْراً منهم قدامه وظهراً وراءه فهو مَكْنُوف من جانبيه، ومن
جوانبه إِذا قيل بين أَظْهُرِهم، ثم كثر حتى استعمل في الإِقامة بين القوم
مطلقاً.
ولقيته بين الظَّهْرَيْنِ والظَّهْرانَيْنِ أَي في اليومين أَو الثلاثة
أَو في الأَيام، وهو من ذلك. وكل ما كان في وسط شيء ومُعْظَمِه، فهو بين
ظَهْرَيْه وظَهْرانَيْه. وهو على ظَهْرِ الإِناء أَي ممكن لك لا يحال
بينكما؛ عن ابن الأَعرابي. الأَزهري عن الفراء: فلانٌ بين ظَهْرَيْنا
وظَهْرانَيْنا وأَظهُرِنا بنعنى واحد، قال: ولا يجوز بين ظَهْرانِينا، بكسر
النون. ويقال: رأَيته بين ظَهْرانَي الليل أَي بين العشاء إِلى الفجر. قال
الفراء: أَتيته مرة بين الظَّهْرَيْنِ يوماً في الأَيام. قال: وقال أَبو
فَقْعَسٍ إِنما هو يوم بين عامين. ويقال للشيء إِذا كان في وسط شيء: هو
بين ظَهْرَيْه وظَهْرانَيْه؛ وأَنشد:
أَلَيْسَ دِعْصاً بَيْنَ ظَهْرَيْ أَوْعَسا
والظَّواهِرُ: أَشراف الأَرض. الأَصمعي: يقال هاجَتْ ظُهُورُ الأَرض
وذلك ما ارتفع منها، ومعنى هاجَتْ يَبِسَ بَقْلُها. ويقال: هاجَتْ ظَواهِرُ
الأَرض. ابن شميل: ظاهر الجبل أَعلاه، وظاهِرَةُ كل شيء أَعلاه، استوى
أَو لم يستو ظاهره، وإِذا علوت ظَهْره فأَنت فَوْقَ ظاهِرَته؛ قال
مُهَلْهِلٌ:
وخَيْل تَكَدَّسُ بالدَّارِعِين،
كَمْشيِ الوُعُولِ على الظَّاهِره
وقال الكميت:
فَحَلَلْتَ مُعْتَلِجَ البِطا
حِ، وحَلَّ غَيْرُك بالظَّوَاهِرْ
قال خالد بن كُلْثُوم: مُعْتَلِجُ البطاح بَطْنُ مكة والبطحاء الرمل،
وذلك أَن بني هاشم وبني أُمية وسادة قريش نُزول ببطن مكة ومن كان دونهم فهم
نزول بظواهر جبالها؛ ويقال: أَراد بالظواهر أَعلى مكة. وفي الحديث ذِكر
قريشِ الظَّواهِرِ، وقال ابن الأَعرابي: قُرَيْشُ الظواهرِ الذين نزلوا
بظُهور جبال مكة، قال: وقُرَيْشُ البِطاحِ أَكرمُ وأَشرف من قريش الظواهر،
وقريش البطاح هم الذين نزلوا بطاح مكة.
والظُّهارُ: الرّيشُ. قال ابن سيده: الظُّهْرانُ الريش الذي يلي الشمس
والمَطَرَ من الجَناح، وقيل: الظُّهار، بالضم، والظُّهْران من ريش السهم
ما جعل من ظَهْر عَسِيبِ الريشة، هو الشَّقُّ الأَقْصَرُ، وهو أَجود
الريش، الواحد ظَهْرٌ، فأَما ظُهْرانٌ فعلى القياس، وأَما ظُهار فنادر؛ قال:
ونظيره عَرْقٌ وعُراقٌ ويوصف به فيقال رِيشٌ ظُهارٌ وظُهْرانٌ،
والبُطْنانُ ما كان من تحت العَسِيب، واللُّؤَامُ أَن يلتقي بَطْنُ قُذَّةٍ وظَهرُ
أُخْرَى، وهو أَجود ما يكون، فإِذا التقى بَطْنانِ أَو ظَهْرانِ، فهو
لُغابٌ ولَغْبٌ. وقال الليث: الظُّهارُ من الريش هو الذي يظهر من ريش الطائر
وهو في الجناح، قال: ويقال: الظُّهارُ جماعة واحدها ظَهْرٌ، ويجمع على
الظُّهْرانِ، وهو أَفضل ما يُراشُ به السهم فإِذا ريشَ بالبُطْنانِ فهو
عَيْبٌ، والظَّهْرُ الجانب القصير من الريش، والجمع الظُّهْرانُ،
والبُطْنان الجانب الطويل، الواحد بَطْنٌ؛ يقال: رِشْ سَهْمَك بظُهْرانٍ ولا
تَرِشْهُ ببُطْنانٍ، واحدهما ظَهْر وبَطْنٌ، مثل عَبْد وعُبْدانٍ؛ وقد ظَهَّرت
الريش السهمَ. والظَّهْرانِ: جناحا الجرادة الأَعْلَيانِ الغليظان؛ عن
أَبي حنيفة. وقال أَبو حنيفة: قال أَبو زياد: للقَوْسِ ظَهْرٌ وبَطْنٌ،
فالبطن ما يلي منها الوَتَر، وظَهْرُها الآخرُ الذي ليس فيه وتَرٌ.
وظاهَرَ بين نَعْلين وثوبين: لبس أَحدهما على الآخر وذلك إِذا طارق
بينهما وطابقَ، وكذلك ظاهَرَ بينَ دِرْعَيْن، وقيل: ظاهَرَ الدرعَ لأَمَ
بعضها على بعض.
وفي الحديث: أَنه ظاهرَ بين دِرْعَيْن يوم أُحُد أَي جمع ولبس إِحداهما
فوق الأُخرى، وكأَنه من التظاهر لتعاون والتساعد؛ وقول وَرْقاء بن
زُهَير:رَأَيَتُ زُهَيْراً تحت كَلْكَلِ خالِدٍ،
فَجِئْتُ إِليه كالعَجُولِ أُبادِرُ
فَشُلَّتْ يميني يَوْمَ أَضْرِبُ خالداً،
ويَمْنَعهُ مِنَّي الحديدُ المُظاهرُ
إِنما عنى بالحديد هنا الدرع، فسمى النوع الذي هو الدرع باسم الجنس الذي
هو الحديد؛ وقال أَبو النجم:
سُبِّي الحَماةَ وادْرَهِي عليها،
ثم اقْرَعِي بالوَدّ مَنْكِبَيْها،
وظاهِري بِجَلِفٍ عليها
قال ابن سيده: هو من هذا، وقد قيل: معناه اسْتَظْهِري، قال: وليس بقوي.
واسْتَظَهْرَ به أَي استعان. وظَهَرْتُ عليه: أَعنته. وظَهَرَ عَليَّ:
أَعانني؛ كلاهما عن ثعلب. وتَظاهرُوا عليه: تعاونوا، وأَظهره الله على
عَدُوِّه. وفي التنزيل العزيز: وإن تَظَاهَرَا عليه. وظاهَرَ بعضهم بعضاً:
أَعانه، والتَّظاهُرُ: التعاوُن. وظاهَرَ فلان فلاناً: عاونه.
والمُظاهَرَة: المعاونة، وفي حديث علي، عليه السلام: أَنه بارَزَ يَوْمَ بَدْرٍ
وظاهَرَ أَي نَصَر وأَعان. والظَّهِيرُ: العَوْنُ، الواحد والجمع في ذلك
سواء، وإِنما لم يجمع ظَهِير لأَن فَعيلاً وفَعُولاً قد يستوي فيهما المذكر
والمؤُنث والجمغ، كما قال الله عز وجل: إِنَّا رسولُ رب العالمين. وفي
التنزيل العزيز: وكان الكافرُ على ربه ظَهيراً؛ يعني بالكافر الجِنْسَ،
ولذلك أَفرد؛ وفيه أَيضاً: والملائكة بعد ذلك ظهير؛ قال ابن سيده: وهذا كما
حكاه سيبويه من قولهم للجماعة: هم صَدِيقٌ وهم فَرِيقٌ؛ والظَّهِيرُ:
المُعِين. وقال الفراء في قوله عز وجل: والملائكة بعد ذلك ظهير، قال: يريد
أَعواناً فقال ظَهِير ولم يقل ظُهَراء. قال ابن سيده: ولو قال قائل إِن
الظَّهير لجبريل وصالح المؤمنين والملائكة كان صواباً، ولكن حَسُنَ أَن
يُجعَلَ الظهير للملائكة خاصة لقوله: والملائكة بعد ذلك، أَي مع نصرة هؤلاء،
ظَهيرٌ. وقال الزجاج: والملائكة بعد ذلك ظهير، في معنى ظُهَراء، أَراد:
والملائكة أَيضاً نُصَّارٌ للنبي، صلى الله عليه وسلم، أَي أَعوان النبي،
صلى الله عليه وسلم، كما قال: وحَسُنَ أُولئك رفيقاً؛ أَي رُفَقاء، فهو
مثل ظَهِير في معنى ظُهَراء، أَفرد في موضع الجمع كما أَفرده الشاعر في
قوله:
يا عاذِلاتي لا تَزِدْنَ مَلامَتِي،
إِن العَواذِلَ لَسْنَ لي بأَمِيرِ
يعني لَسْنَ لي بأُمَراء. وأَما قوله عز وجل: وكان الكافر على ربه
ظَهيراً؛ قال ابن عَرفة: أَي مُظاهِراً لأَعداء الله تعالى. وقوله عز وجل:
وظاهَرُوا على إِخراجكم؛ أَي عاوَنُوا. وقوله: تَظَاهَرُونَ عليهم؛ أَي
تَتَعاونُونَ. والظِّهْرَةُ: الأَعْوانُ؛ قال تميم:
أَلَهْفِي على عِزٍّ عَزِيزٍ وظِهْرَةٍ،
وظِلِّ شَبابٍ كنتُ فيه فأَدْبرا
والظُّهْرَةُ والظِّهْرَةُ: الكسر عن كراع: كالظَّهْرِ. وهم ظِهْرَةٌ
واحدة أَي يَتَظَاهرون على الأَعداء وجاءنا في ظُهْرَته وظَهَرَتِه
وظاهِرَتِهِ أَي في عشيرته وقومه وناهِضَتَهِ لذين يعينونه. وظَاهرَ عليه:
أَعان. واسْتَظَهَره عليه: استعانه. واسْتَظَهْرَ عليه بالأَمر: استعان. وفي
حديث علي، كرّم الله وجهه: يُسْتَظْهَرُ بحُجَج الله وبنعمته على كتابه.
وفلان ظِهْرَتي على فلان وأَنا ظِهْرَتُكَ على هذا أَي عَوْنُكَ الأَصمعي:
هو ابن عمه دِنْياً فإِذا تباعد فهو ابن عمه ظَهْراً، بجزم الهاء، وأَما
الظِّهْرَةُ فهم ظَهْرُ الرجل وأَنْصاره، بكسر الظاء. الليث: رجل
ظِهْرِيٌّ من أَهل الظَّهْرِ، ولو نسبت رجلاً إِلى ظَهْرِ الكوفة لقلت
ظِهْريٌّ، وكذلك لو نسبت جِلْداً إِلى الظَّهْر لقالت جِلْدٌ ظِهْرِيٌّ.
والظُّهُور: الظَّفَرُ بالسّيء والإِطلاع عليه. ابن سيده: الظُّهور
الظفر؛ ظَهَر عليه يَظْهَر ظُهُوراً وأَظْهَره الله عليه. وله ظَهْرٌ أَي مال
من إِبل وغنم. وظَهَر بالشيء ظَهْراً: فَخَرَ؛ وقوله:
واظْهَرْ بِبِزَّتِه وعَقْدِ لوائِهِ
أَي افْخَرْ به على غيره. وظَهَرْتُ به: افتخرت به وظَهَرْتُ عليه:
يقال: ظَهَر فلانٌ على فلان أَي قَوِيَ عليه. وفلان ظاهِرٌ على فلان أَي غالب
عليه. وظَهَرْتُ على الرجل: غلبته. وفي الحديث: فظَهَر الذين كان بينهم
وبين رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، عَهْدٌ فَقَنَتَ شهراً بعد الركوع
يدعو عليهم؛ أَي غَلَبُوهم؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاء في رواية، قالوا:
والأَشبه أَن يكون مُغَيَّراً كما جاء في الرواية الأُخرى: فَغَدَرُوا
بهم. وفلان من وَلَدِ الظَّهْر أَي ليس منا، وقيل: معناه أَنه لا يلتفت
إِليهم؛ قال أَرْطاةُ بنُ سُهَيَّة:
فَمَنْ مُبْلِغٌ أَبْناءَ مُرَّةَ أَنَّنا
وَجْدْنَا بَني البَرْصاءِ من وَلَدِ الظَّهْرِ؟
أَي من الذين يَظْهَرُون بهم ولا يلتفتون إِلى أَرحامهم. وفلان لا
يَظْهَرُ عليه أَحد أَي لا يُسَلِّم.
والظَّهَرَةُ، بالتحريك: ما في البيت من المتاع والثياب. وقال ثعلب: بيت
حَسَنُ الظَّهَرَةِ والأَهَرَة، فالظَّهَرَةُ ما ظَهَر منه، والأَهَرَةُ
ما بَطَنَ منه. ابن الأَعرابي: بيت حَسَنُ الأَهَرة والظَّهَرَةِ
والعَقارِ بمعنى واحد. وظَهَرَةُ المال: كَثْرَتُه. وأَظْهَرَنَا الله على
الأَمر: أَطْلَعَ. وقوله في التنزيل العزيز: فما استطاعُوا أَن يَظْهَرُوه؛
أَي ما قَدَرُوا أَن يَعْلُوا عليه لارتفاعه. يقال: ظَهَرَ على الحائط
وعلى السَّطْح صار فوقه. وظَهَرَ على الشيء إِذا غلبه وعلاه. ويقال: ظَهَرَ
فلانٌ الجَبَلَ إِذا علاه. وظَهَر السَّطْحَ ظُهُوراً: علاه. وقوله
تعالى: ومَعَارِجَ عليها يَظْهَرُونَ أَي يَعْلُون، والمعارج الدَّرَجُ. وقوله
عز وجل: فأَصْبَحُوا ظاهِرين؛ أَي غالبين عالين، من قولك: ظَهَرْتُ على
فلان أَي عَلَوْتُه وغلبته. يقال: أَظْهَر الله المسلمين على الكافرين
أَي أَعلاهم عليهم.
والظَّهْرُ: ما غاب عنك. يقال: تكلمت بذلك عن ظَهْرِ غَيْبِ، والظَّهْر
فيما غاب عنك؛ وقال لبيد:
عن ظَهْرِ غَيْبٍ والأَنِيسُ سَقَامُها
ويقال: حَمَلَ فلانٌ القرآنَ على ظَهْرِ لسانه، كما يقال: حَفِظَه عن
ظَهْر قلبه. وفي الحديث: من قرأَ القرآن فاسْتَظْهره؛ أَي حفظه؛ تقول:
قرأْت القرآن عن ظَهْرِ قلبي أَي قرأْته من حفظي. وظَهْرُ القَلْب: حِفْظُه
عن غير كتاب. وقد قرأَه ظاهِراً واسْتَظْهره أَي حفظه وقرأَه ظاهِراً.
والظاهرةُ: العَين الجاحِظَةُ. النضر: لعين الظَّاهرَةُ التي ملأَت
نُقْرَة العَيْن، وهي خلاف الغائرة؛ وقال غيره: العين الظاهرة هي الجاحظة
الوَحْشَةُ. وقِدْرٌ ظَهْرٌ: قديمة كأَنها تُلقى وراءَ الظَّهْرِ
لِقِدَمِها؛ قال حُمَيْدُ بن ثور:
فَتَغَيَّرَتْ إِلاَّ دَعائِمَها،
ومُعَرَّساً من جَوفه ظَهْرُ
وتَظَاهر القومُ؛ تَدابَرُوا، وقد تقدم أَنه التعاوُنُ، فهو ضدّ. وقتله
ظَهْراً أَي غِيْلَةً؛ عن ابن الأَعرابي. وظَهَر الشيءُ بالفتح،
ظُهُوراً: تَبَيَّن. وأَظْهَرْتُ الشيء: بَيَّنْته. والظُّهور: بُدُوّ الشيء
الخفيّ. يقال: أَظْهَرني الله على ما سُرِقَ مني أَي أَطلعني عليه. ويقال:
فلان لا يَظْهَرُ عليه أَحد أَي لا يُسَلِّمُ عليه أَحد. وقوله: إِن
يَظْهَرُوا عليكم؛ أَي يَطَّلِعوا ويَعْثروُا. يقال: ظَهَرْت على الأَمر. وقوله
تعالى: يَعْلَمون ظاهِراً من الحياة الدنيا؛ أَي ما يتصرفون من معاشهم.
الأَزهري: والظَّهَارُ ظاهرُ الحَرَّة. ابن شميل: الظُّهَارِيَّة أَن
يَعْتَقِلَه الشَّغْزَبِيَّةَ فَيَصْرَعَه. يقال: أَخذه الظُّهارِيَّةَ
والشَّغْزَبِيَّةَ بمعنًى.
والظُّهْرُ: ساعة الزوال، ولذلك قيل: صلاة الظهر، وقد يحذفون على
السَّعَة فيقولون: هذه الظُّهْر، يريدون صلاة الظهر. الجوهري: الظهر، بالضم،
بعد الزوال، ومنه صلاة الظهر.
والظَّهِيرةُ: الهاجرة. يقال: أَتيته حَدَّ الظَّهِيرة وحين قامَ قائم
الظَّهِيرة. وفي الحديث ذكر صلاة الظُّهْر؛ قال ابن الأَثير: هو اسم لنصف
النهار، سمي به من ظَهِيرة الشمس، وهو شدّة حرها، وقيل: أُضيفت إِليه
لأَنه أَظْهَرُ أَوقات الصلوات للأَبْصارِ، وقيل: أَظْهَرُها حَرّاً، وقيل:
لأَنها أَوَّل صلاة أُظهرت وصليت. وقد تكرر ذكر الظَّهِيرة في الحديث،
وهو شدّة الحرّ نصف النهار، قال: ولا يقال في الشتاء ظهيرة. ابن سيده:
الظهيرة حدّ انتصاف النهار، وقال الأَزهري: هما واحد، وقيل: إِنما ذلك في
القَيْظِ مشتق. وأَتاني مُظَهِّراً ومُظْهِراً أَي في الظهيرة، قال:
ومُظْهِراً، بالتخفيف، هو الوجه، وبه سمي الرجل مُظْهِراً. قال الأَصمعي: يقال
أَتانا بالظَّهِيرة وأَتانا ظُهْراً بمعنى. ويقال: أَظْهَرْتَ يا رَجُلُ
إِذا دخلت في حدّ الظُّهْر. وأَظْهَرْنا أَي سِرْنا في وقت الظُّهْر.
وأَظْهر القومُ: دخلوا في الظَّهِيرة. وأَظْهَرْنا. دخلنا في وقت الظُّهْر
كأَصْبَحْنا وأَمْسَيْنا في الصَّباح والمَساء، ونجمع الظَّهيرة على
ظَهائِرَ. وفي حديث عمر: أَتاه رجل يَشْكُو النِّقْرِسَ فقال: كَذَبَتْكَ
الظَّهائِرُ أَي عليك بالمشي في الظَّهائِر في حَرِّ الهواجر. وفي التنزيل
العزيز: وحين تُظْهِرونَ؛ قال ابن مقبل:
وأَظْهَرَ في عِلانِ رَقْدٍ، وسَيْلُه
عَلاجِيمُ، لا ضَحْلٌ ولا مُتَضَحْضِحُ
يعني أَن السحاب أَتى هذا الموضع ظُهْراً؛ أَلا ترى أَن قبل هذا:
فأَضْحَى له جِلْبٌ، بأَكنافِ شُرْمَةٍ،
أَجَشُّ سِمَاكِيٌّ من الوَبْلِ أَفْصَحُ
ويقال: هذا أَمرٌ ظاهرٌ عنك عارُه أَي زائل، وقيل: ظاهرٌ عنك أَي ليس
بلازم لك عَيْبُه؛ قال أَبو ذؤيب:
أَبى القَلْبُ إِلا أُمَّ عَمْرٍو، فأَصْبَحتْ
تحرَّقُ نارِي بالشَّكاةِ ونارُها
وعَيَّرَها الواشُونَ أَنِّي أُحِبُّها،
وتلكَ شَكاةٌ ظاهرٌ عنكَ عارُها
ومعنى تحرَّق ناري بالشكاة أَي قد شاعَ خبرِي وخبرُها وانتشر بالشَّكاة
والذكرِ القبيح. ويقال: ظهرَ عني هذا العيبُ إِذا لم يَعْلَق بي ونبا
عَنِّي، وفي النهاية: إِذا ارتفع عنك ولم يَنَلْك منه شيء؛ وقيل لابن
الزبير: يا ابنَ ذاتِ النِّطاقَين تَعْييراً له بها؛ فقال متمثلاً:
وتلك شَكاة ظاهرٌ عنك عارُها
أَراد أَن نِطاقَها لا يَغُصُّ منها ولا منه فيُعَيَّرا به ولكنه يرفعه
فيَزيدُه نُبْلاً. وهذا أَمْرء أَنت به ظاهِرٌ أَي أَنت قويٌّ عليه. وهذا
أَمر ظاهرٌ بك أَي غالب عليك.
والظِّهارُ من النساء، وظاهَرَ الرجلُ امرأَته، ومنها، مُظاهَرَةً
وظِهاراً إِذا قال: هي عليّ كظَهْرِ ذاتِ رَحِمٍ، وقد تَظَهَّر منها وتَظاهَر،
وظَهَّرَ من امرأَته تَظْهِيراً كله بمعنى. وقوله عز وجل: والذين
يَظَّهَّرُون من نِسائهم؛ قُرئ: يظاهِرُون، وقرئ: يَظَّهَّرُون، والأَصل
يَتَظَهَّرُون، والمعنى واحد، وهو أَن يقول الرجل لامرأَته: أَنتِ عليّ
كظَهْر أُمِّي. وكانت العرب تُطلِّق نسارها في الجاهلية بهذه الكلمة، وكان
الظِّهارُ في الجاهلية طلاقاً فلما جاء الإِسلام نُهوا عنه وأُوجبَت
الكفَّارةُ على من ظاهَرَ من امرأَته، وهو الظِّهارُ، وأَصله مأْخوذ من
الظَّهْر، وإِنما خَصُّوا الظَّهْرَ دون البطن والفَخذِ والفرج، وهذه أَولى
بالتحريم، لأَن الظَّهْرَ موضعُ الركوب، والمرأَةُ مركوبةٌ إِذا غُشُيَت،
فكأَنه إِذا قال: أَنت عليّ كظَهْر أُمِّي، أَراد: رُكوبُكِ للنكاح عليّ حرام
كركُوب أُمي للنكاح، فأَقام الظهر مُقامَ الركوب لأَنه مركوب، وأَقام
الركوبَ مُقام النكاح لأَن الناكح راكب، وهذا من لَطِيف الاستعارات
للكناية؛ قال ابن الأَثير: قيل أَرادوا أَنتِ عليّ كبطن أُمي أَي كجماعها،
فكَنَوْا بالظهر عن البطن للمُجاورة، قال: وقيل إِن إِتْيانَ المرأَة وظهرُها
إِلى السماء كان حراماً عندهم، وكان أَهلُ المدينة يقولون: إِذا أُتِيت
المرأَةُ ووجهُها إِلى الأَرض جاء الولدُ أَحْولَ، فلِقَصْدِ الرجل
المُطَلِّق منهم إِلى التغليظ في تحريم امرأَته عليه شبَّهها بالظهر، ثم لم
يَقْنَعْ بذلك حتى جعلها كظَهْر أُمه؛ قال: وإِنما عُدِّي الظهارُ بمن
لأَنهم كانوا إِذا ظاهروا المرأَةَ تجَنّبُوها كما يتجنّبُونَ المُطَلَّقةَ
ويحترزون منها، فكان قوله ظاهَرَ من امرأَته أَي بعُد واحترز منها، كما
قيل: آلى من امرأَته، لمَّا ضُمِّنَ معنى التباعد عدي بمن.
وفي كلام بعض فقهاء أَهل المدينة: إِذا استُحيضت المرأَةُ واستمرّ بها
الدم فإِنها تقعد أَيامها للحيض، فإِذا انقضت أَيَّامُها اسْتَظْهَرت
بثلاثة أَيام تقعد فيها للحيض ولا تُصلي ثم تغتسل وتصلي؛ قال الأَزهري: ومعنى
الاستظهار في قولهم هذا الاحتياطُ والاستيثاق، وهو مأْخوذ من
الظِّهْرِيّ، وهو ما جَعَلْتَه عُدَّةً لحاجتك، قال الأَزهري: واتخاذُ الظِّهْرِيّ
من الدواب عُدَّةً للحاجة إِليه احتياطٌ لأَنه زيادة على قدر حاجة صاحبِه
إِليه، وإِنما الظِّهْرِيّ الرجلُ يكون معه حاجتُه من الرِّكاب لحمولته،
فيَحْتاطُ لسفره ويُعِدُّ بَعيراً أَو بعيرين أَو أَكثر فُرَّغاً تكون
مُعدَّةً لاحتمال ما انقَطَع من ركابه أَو ظَلَع أَو أَصابته آفة، ثم
يقال: استَظْهَر ببعيرين ظِهْرِيّيْنِ محتاطاً بهما ثم أُقيم الاستظهارُ
مُقامَ الاحتياط في كل شيء، وقيل: سمي ذلك البعيرُ ظِهْرِيّاً لأَن صاحبَه
جعلَه وراء ظَهْرِه فلم يركبه ولم يحمل عليه وتركه عُدّةً لحاجته إِن
مَسَّت إِليه؛ ومنه قوله عز وجل حكاية عن شعيب: واتَّخَذْتُمُوه وراءَكم
ظِهْرِيّاً. وفي الحديث: أَنه أَمَرَ خُرّاصَ النخل أَن يَسْتَظْهِرُوا؛ أَي
يحتاطوا لأَرْبابها ويدَعُوا لهم قدرَ ما ينُوبُهم ويَنْزِل بهم من
الأَضْياف وأَبناءِ السبيل.
والظاهِرةُ من الوِرْدِ: أَن تَرِدَ الإِبلُ كلّ يوم نِصف النهار.
ويقال: إِبِلُ فلان تَرِدُ الظاهرةَ إِذا ورَدَت كلَّ يوم نصف النهار. وقال
شمر: الظاهرة التي تَرِدُ كلَّ يوم نصف النهار وتَصْدُرُ عند العصر؛ يقال:
شاؤُهم ظَواهِرُ، والظاهرةُ: أَن تَردَ كل يوم ظُهْراً. وظاهرةُ الغِبِّ:
هي للغنم لا تكاد تكون للإِبل، وظاهرة الغِبِّ أَقْصَرُ من الغِبِّ
قليلاً.
وظُهَيْرٌ: اسم. والمُظْهِرُ، بكسر الهاء: اسمُ رجل. ابن سيده:
ومُظْهِرُ بنُ رَباح أَحدُ فُرْسان العرب وشُعرائهم. والظَّهْرانُ ومَرُّ
الظَّهْرانِ: موضع من منازل مكة؛ قال كثير:
ولقد حَلَفْتُ لها يَمِيناً صادقاً
بالله، عند مَحارِم الرحمنِ
بالراقِصات على الكلال عشيّة،
تَغْشَى مَنابِتَ عَرْمَضِ الظَّهْرانِ
العَرْمَضُ ههنا: صغارُ الأَراك؛ حكاه ابن سيده عن أَبي حنيفة: وروى ابن
سيرين: أَن أَبا موسى كَسَا في كفّارة اليمين ثوبَينِ ظَهْرانِيّاً
ومُعَقَّداً؛ قال النضر: الظَّهْرانيّ ثوبٌ يُجاءُ به مِن مَرِّ الظَّهْرانِ،
وقيل: هو منسوب إِلى ظَهْران قرية من قُرَى البحرين. والمُعَقَّدُ:
بُرْدٌ من بُرود هَجَر، وقد تكرر ذكر مَرّ الظَّهْران، وهو واد بين مكة
وعُسْفان، واسم القرية المضافة إِليه مَرٌّ، بفتح الميم وتشديد الراء؛ وفي
حديث النابغة الجعدي أَنه أَنشده، صلى الله عليه وسلم:
بَلَغْنا السماءَ مَجْدُنا وسَناؤنا،
وإِنّا لَنَرْجُو فوق ذلك مَظْهَرا
فغَضِبَ وقال: إِلى أَين المَظْهرُ يا أَبا لَيْلى؟ قال: إِلى الجنة يا
رسول الله، قال: أَجَلْ إِن شاء الله. المَظْهَرُ: المَصْعَدُ. والظواهر:
موضع؛ قال كثير عزة:
عفَا رابِغٌ من أَهلِه فالظَّواهرُ،
فأَكْنافُ تُبْنى قد عَفَت، فالأَصافِرُ
غفر: الغَفُورُ الغَفّارُ، جلّ ثناؤه، وهما من أَبنية المبالغة ومعناهما
الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم. يقال: اللهمَّ اغفر
لنا مَغْفرة وغَفْراً وغُفْراناً، وإنك أَنت الغَفُور الغَفّار يا أَهل
المَغْفِرة. وأَصل الغَفْرِ التغطية والستر. غَفَرَ الله ذنوبه أَي سترها؛
والغَفْر: الغُفْرانُ. وفي الحديث: كان إذا خرج من الخَلاء قال: غُفْرانَك
الغُفْرانُ: مصدرٌ، وهو منصوب بإضمار أَطلُبُ، وفي تخصيصه بذلك قولان
أَحدهما التوبة من تقصيره في شكر النعم التي أَنعم بها عليه بإطعامه وهضمه
وتسهيل مخرجه، فلجأَ إِلى الاستغفار من التقصير وتَرْكِ الاستغفار من ذكر
الله تعالى مدة لبثه على الخلاء،فإِنه كان لا يترك ذكر اللّه بلسانه وقلبه
إِلا عند قضاء الحاجة، فكأَنه رأَى ذلك تقصيراً فتداركه بالاستغفار.
وقد غَفَرَه يَغْفِرُه غَفراً: ستره. وكل شيء سترته، فقد غَفَرْته؛ ومنه
قيل للذي يكون تحت بيضة الحديد على الرأْس: مِغْفَرٌ. وتقول العرب:
اصْبُغْ ثوبَك بالسَّوادِ فهو أَغْفَرُ لوَسَخِه أَي أَحْمَلُ له وأَغطى له.
ومنه: غَفَرَ اللّه ذنوبه أَي سترها. وغَفَرْتُ المتاع: جعلته في الوعاء.
ابن سيده: غَفَرَ المتاعَ في الوعاء يَغْفِرُه غَفْراً وأَغْفَرَه
أَدخله وستره وأَوعاه؛ وكذلك غَفَرَ الشيبَ بالخِضاب وأَغْفَرَه؛ قال:
حتى اكْتَسَيْتُ من المَشِيب عِمامةً
غَفراءَ، أُغْفِر لَوْنُها بِخِضابِ
ويروى: أَغْفِرُ لونها. وكلُّ ثوب يغطَّى به شيء، فهو غِفارة؛ ومنه
غِفارة الزِّنُون تُغَشَّى بها الرحالُ، وجمعها غِفارات وغَفائِر. وفي حديث
عمر لمَّا حَصَّبَ المسجدَ قال: هو أَغْفَرُ للنُّخامة أَي أَسْتَرُ لها.
والغَفْرُ والمَغْفِرةُ: التغطية على ابذنوب والعفوُ عنها، وقد غَفَرَ
ذنبه يَغْفِرُه غَفْراً وغِفْرةً حَسَنة؛ عن اللحياني، وغُفْراناً
ومَغْفِرة وغُفوراً؛ الأَخيرة عن اللحياني، وغَفيراً وغَفيرةً. ومنه قول بعض
العرب: اسلُك الغفيرة، والناقةَ الغَزيرة، والعزَّ في العَشيرة، فإِنها عليك
يَسيرة. واغْتَفَر ذنبَه مثله، فهو غَفُور، والجمع غُفُرٌ؛ فأَما قوله:
غَفَرْنا وكانت من سَجِيّتِنا الغَفْرُ
فإِنما أَنَث الغَفْرَ لأَنه في معنى المَغْفِرة. واسْتَغْفَرَ اللَّه
من ذنبه ولذنبه بمعنى، فغَفَرَ له ذنبه مَغْفِرةً وغَفُراً وغُفْراناً.
وفي الحديث: غِفارُ غَفَرَ اللَّه لها؛ قال ابن الأَثير: يحتمل أَن يكون
دعاءً لها بالمَغْفِرة أَو إِخباراً أَن اللَّه تعالى قد غَفَرَ لها. وفي
حديث عَمْرو بن دينار: قلت لعروة: كم لَبِثَ رسولُ اللَّه ، صلى اللَّه
عليه وسلم بمكة؟ قال: عَشْراً، قلت: فابنُ عباس يقول بِضْعَ عَشْرة؟ قال:
فغَفَره أَي قال غَفَر اللَّه له. واسْتَغْفَر اللَّه ذنبَه، على حذف
الحرف: طلب منه غَفْرَه؛ أَنشد سيبويه:
أَسْتَغْفَرُ اللهَ ذنباً لَسْتُ مُحْصِيَه،
ربّ العباد إليه القولُ والعملُ
وتَغافَرَا: دَعا كلُّ واحد منهما لصاحبه بالمَغْفِرة؛ وامرأَة غَفُور،
بغير هاء. أَبو حاتم في قوله تعالى: لِيَغعُثرَ ليَغْفِرَ اللهُ لك ما
تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تأَخَّر؛ المعنى لَيَغْفِرَنَّ لك اللهُ، فلما حذف
النون كسر اللام وأَعْملها إِعمال لامِ كي، قال: وليس المعنى فتحنا لك
لكي يغفر اللهُ لك، وأَنْكَر الفتح سبباً للمغفرة، وأَنكر أَحمد بن يحيى هذا
القول وقال: هي لام كي، قال: ومعناه لكي يجتَمِع لك مع المغفرة تمامُ
النعمة في الفتح، فلما انضم إِلى المغفرة شيء حادث حَسُنَ فيه معنى كي؛
وكذلك قوله عز وجل: لِيَجْزِيَهم اللَّه أَحْسَنَ ما كانوا يَعْمَلون.
والغُفْرةُ: ما يغطَّى به الشيء. وغَفَرَ الأَمْرَ بِغُفْرته وغَفيرتِه:
أَصلحه بما ينبغي أَن يَصْلَح به. يقال: اغْفِروا هذا الأَمرَ
بِغُفْرتِه وغَفيرتِه أَي أَصْلحوه بما ينبغي أَن يُصْلَح. وما عندهم عَذيرةٌ ولا
غَفِيرة أَي لا يَعْذِرون ولا يَغفِرون ذنباً لأَحد؛ قال صخر الغَيّ،
وكان خرج هو وجماعة مت أَصحابهإلى بعض متوجّهاتهم فصادفوا في طريقهم بني
المصطلق، فهرب أَصحابه فصاح بهم وهو يقول:
يا قوم لَيْسَت فيهمُ غَفِيرهْ،
فامْشُوا كما تَمْشي جِمالُ الحِيرهْ
يقول: لا يغفرون ذنب أَحد منكم إِن ظفروا به، فامشوا كما تمشي جمالُ
الحيرة أَي تَثاقَلوا في سيركم ولا تُخِفّوه، وخصّ جمالَ الحيرة لأَنها كانت
تحمل الأَثقال، أَي مانِعوا عن أَنفسكم ولا تَهْرُبوا.
والمِغْفرُ والمِغْفرةُ والغِفارةُ: زَرَدٌ ينسج من الدروع على قدر
الرأْس يلبس تحت القلنسوة، وقيل: هورَفْرَفُ البيضة، وقيل: هو حَلقٌ
يَتَقَنَّعُ به المُتَسَلِّح. قال ابن شميل: المِغْفَرُ حِلَقٌ يجعلُها الرجل
أَسفلَ البيضة تُسْبَغ على العنُق فتَقِيه، قال: وربما كان المِغْفَرُ مثلَ
القلنسوة غير أَنها أَوسع يُلْقِيها الرجل على رأْسه فتبلغ الدرع، ثم
يَلْبَس البيضة فوقها، فذلك المِغْفرُ يُرفّلُ على العاتقين، وربما جُعل
المِغْفَرُ من ديباج وخَزٍّ أَسفلَ البيضة. وفي حديث الحديبية: والمغيرة
ابن شعبة عليه المِغْفَرُ؛ هو ما يلبَسُه الدارع على رأْسه من الزرد
ونحوه.والغِفارةُ، بالكسر: خرقة تلبسها المرأَة فتغطي رأْسها ما قَبَلَ منه
وما دَبَرَ غير وَسْطِ رأْسها، وقيل: الغِفارةُ خرقة تكون دون المِقْنَعة
تُوَقِّي بها المرأَة الخمارَ من الدُّهْن، والغِفارةُ الرقعة التي تكون
على حزّ القوس الذي يجري عليه الوتر، وقيل: الغِفارةُ جلدة تكون على رأْس
القوس يجري عليها الوتر، والغِفارةُ السحابة فوق السحابة، وفي التهذيب:
سَحابة تراها كأَنها فَوق سحابة، والغِفارةُ رأْسُ الجبل. والغَفْرُ
البَطْنُ؛ قال:
هو القارِبُ التالي له كلُّ قاربٍ،
وذو الصَّدَرِ النامي ، إذا بَلَغَ الغَفْرا
والغَفْرُ: زِئْبِرُ الثوب وما شاكله، واحدته غَفْرة. وغَفِر الثوبُ،
بالكسر، يَغْفَرُ غَفَراً: ثارَ زِئْبِرُه؛ واغْفارَّ اغْفِيراراً.
والغَفَرُ والغَفارُ والغَفيرُ: شَعرُ العنُقِ واللحيين والجبهة والقفا. وغَفَرُ
الجسدِ وغُفارُه: شعرُه، وقيل: هو الشعر الصغير القصير الذي هو مثل
الزَّغَب، وقيل: الغَفْرُ شعر كالزغب يكون على ساق المرأة والجبهة ونحو ذلك،
وكذلك الغَفَرُ، بالتحريك؛ قال الراجز:
قد عَلِمَت خَوْدٌ بساقَيْها الغَفَرْ
لَيَرْوِيَنْ أَو لَيَبِيدَنَّ الشَّجَرْ
والغُفارُ، بالضم: لغة في الغَفْر، وهو الزغب؛ قال الراجز:
تُبْدِي نَقيًّا زانَها خِمارُها،
وقُسْطةً ما شانَها غُفارُها
القُسْطة: عَظْمُ الساق. قال الجوهري: ولست أَرويه عن أَحد. والغَفيرةُ:
الشعر الذي يكون على الأُذُن. قال أَبو حنيفة: يقال رجل غَفِرُ القفا،
في قفاه غَفَرٌ. وامرأَة غَفِرةُ الوجهِ إِذا كان في وجهها غَفَرٌ.
وغَفَرُ الدابة: نباتُ الشعر في موضع العرف. والغَفَرُ أَيضاً: هُدْبُ الثوب
وهدبُ الخمائص وهي القُطُ دِقاقُها ولِينُها وليس هو أَطرافَ الأَرْدِيةِ
ولا الملاحفِ. وغَفَرُ الكلإِ: صِغارُه؛ وأَغْفَرت الأَرضُ: نبَتَ فيها
شيء منه. والغَفَرُ: نوع من التَّفِرة رِبْعِيٌّ ينبت في السَّهْل والآكام
كأَنه عصافيرُ خُضْرٌ قِيامٌ إِذا كان أَخضر، فإِذا يبس فكأَنه حُمْرٌ
غير قيام.
وجاء القوم جَمًّا غَفيراً وجَمَّاءَ غَفيراً، ممدود، وجَمَّ الغَفِيرِ
وجمّاء الغَفيرِ والجَمّاءَ الغَفيرَ أَي جاؤوا بجماعتهم الشريفُ والوضيع
ولم يتخلّفْ أَحد وكانت فيهم كثرة؛ ولم يَحْكِ سيبويه إِلا الجَمَّاءَ
الغَفيرَ، وقال: هو من الأَحوال التي دخلها الأَلف واللام، وهو نادر،
وقال: الغَفير وصفٌ لازم للجَمّاء يعني أَنك لا تقول الجَمّاء وتسكت. ويقال
أَيضاً: جاؤوا جَمّاءَ الغَفيرة وجاؤوا بجَمَّاءِ الغَفير والغَفيرة، لغات
كلها. والجَمّاء الغَفير: اسم وليس بفعل إِلاَّ أَنه ينصب كما تنصب
المصادر التي هي في معناه، كقولك: جاؤوني جميعاً وقاطبةً وطُرًّا وكافَّةً،
وأَدخلوا فيه الأَلف واللام كما أَدخلوهما في قولهم: أَوْرَدَها العِراكَ
أَي أَوردها عِراكاً.
وفي حديث علي، رضي الله عنه: إِذا رأَى أَحدُكم لأَخِيه غَفِيرةً في أَهلٍ
أَو مالٍ فلا يكونَنَّ له فِتْنة؛ الغَفِيرةُ: الكثرةُ والزيادةُ،من
قولهم للجمع الكثير الجَمّ الغَفِير. وفي حديث أَبي ذر: قلت يا رسول الله، كم
الرسلف قال: ثَلثمائةٍ وخمسة عَشر جَمِّ الغَفِير أَي جماعة كثيرة، وقد
ذكر في جمم مبسوطاً مستقصى. وغَفَرَ المريضُ والجريحُ يَغْفِرُ غَفْراً
وغُفِرَ على صيغة ما لم يسمَّ فاعله، كلُّ ذلك: نُكِسَ؛ وكذلك العاشِقُ
إِذا عادَه عيدُه بعد السَّلْوة؛ قال.
خَلِيليّ إِن الدارَ غَفْرٌ لِذِي الهَوَى،
كما يَغْفِرُ المَحْمُومُ، أَو صاحِبُ الكَلْمِ
وهذا البيت أَورده الجوهري: لَعَمْرُكَ إِن الدار؛ قال ابن بري: البيت
للمرّار الفقعسي، قال وصواب إِنشاده: خليلي إِن الدار بدلالة قوله بعده:
قِفَا فاسأَلا منْ مَنْزِلِ الحَيِّ دِمْنةً،
وبالأَبْرَقِ البادِي أَلِمّا على رَسْمِ
وغَفَرَ الجرحُ يَغْفِرُ غَفْراً: نُكِسَ وانتقض، وغَفِرَ، بالكسر، لغة
فيه. ويقال للرجل إِذا قام من مرضه ثم نُكِسَ: غَفَرَ يَغْفِرُ غَفْراً.
وغَفَرَ الجَلَبُ السُّوقَ يَغْفِرُها غَفْْراً: رَخّصها.
والغُفْرُ والغَفْرُ، الأَخيرة قليلة: ولدُ الأُرْوِيّة، والجمع
أَغْفارٌ وغِفَرةٌ وغُفورٌ؛ عن كراع، والأُنثى غُفْرة وأُمُّهُ مُغْفِرةٌ
والجمع مُغْفِرات؛ قال بشر:
وصَعْب يَزِلّ الغُفْرُ عن قُذُفاتِه،
بحافاته بانٌ طِوالٌ وعَرْعَرُ
وقيل: الغُفْر اسم للواحد منها والجمع؛ وحكي: هذا غُفْرٌ كثير وهي
أَرْوَى مُغْفِرٌ لها غُفْرٌ؛ قال ابن سيده: هكذا حكاه أَبو عبيد والصواب:
أُرْوِيّةٌ مُغْفِر لأَن الأَرْوَى جمع أَو اسمُ جمع. والغِفْرُ، بالكسر:
ولدُ البقرة؛ عن الهَجَريّ.
وغِفارٌ: مِيسمٌ يكون على الخد.
والمَغافرُ والمَغافِيرُ: صمغ شبيه بالناطِفِ ينضحه العُرْفط فيوضع في
ثوب ثم يُنْضَح بالماء فيُشْرب، واحدها مِغْفَر ومَغْفَر ومُغْفُر
ومُغْفور ومِغْفار ومِغْفِير. والمَغْفوراءُ: الأَرضَ ذات المَغافِير؛ وحكى أَبو
حنيفة ذلك في الرباعي؛ وأَغْفَر العُرْفُط والرِّمْثُ: ظهر فيهما ذلك،
وأَخرج مَغافِيرَه وخرج الناس يَتَغَفَّرُون ويَتَمَغْفَرُون أَي يجتَنُون
المَغافيرَ من شجره؛ ومن قال مُغْفور قال: خرجنا نتَمَغْفَر؛ ومن قال
مُغْفُر قال: خرجنا نتَغَفَّر، وقد يكون المُغْفورُ أَيضاً العُشَر
والسَّلَم والثُّمام والطلح وغير ذلك. التهذيب: يقال لصمغ الرِّمْث والعرفط
مَغافِير ومَغاثِيرُ، الواحد مُغْثور ومُغْفور ومِغْفَر ومِغْثَر، بكسر
الميم. روي عن عائشة، رضي الله عنها، أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، شَرِبَ عند
حَفْصة عسلاً فتواصَيْنا أَن نقول له: أَكَلْتَ مغافِيرَ، وفي رواية:
فقالت له سَوْدة أَكلتَ مغافِيرَ؛ ويقال له أَيضاً مَغاثِير، بالثاء
المثلثة، وله ريح كريهة منكرة؛ أَرادت صَمْغَ العرفط. والمَغافِير: صمغٌ يسيل
من شجر العرفط غير أَن رائحته ليست بطيبة. قال الليث: المِغْفارُ ذَوْبةٌ
تخرج من العرفط حلوة تُنْضح بالماء فتشرب. قال: وصَمْغُ الإِجّاصةِ
مِغفارٌ. أَبو عمرو: المَغافيرُ الصمغ يكون في الرمث وهو حلو يؤكلُ، واحدُها
مُغْفور، وقد أَغْفَر الرِّمْثُ. وقال ابن شميل: الرمث من بين الحمض له
مَغافيرُ، والمَغافيرُ: شيء يسيل من طرف عِيدانها مثل الدِّبْس في لونه،
تراه حُلواً يأْكله الإِنسان حتى يَكْدَن عليه شِدْقاه، وهو يُكْلِع شَفته
وفَمه مثل الدِّبْق والرُّبّ يعلق به، وإِنما يُغْفِر الرمثُ في
الصفَريَّة إِذا أَوْرَسَ؛ يقال: ما أَحسن مَغافيرَ هذا الرمث. وقال بعضهم: كلُّ
الحمض يُورِس عند البرد وهو بروحه وارباده يخرج
(* قوله «بروحه وارباده
يخرج» إلخ هكذا في الأصل) . مغافيره تجدُ ريحَه من بعيد. والمَغافيرُ: عسل
حلو مثل الرُّبّ إِلا أَنه أَبيض. ومَثَلُ العربِ: هذا الجَنى لا أَن
يُكَدَّ المُغْفُر؛ يقال ذلك للرجل يصيب الخير الكثير، والمُغْفُرُ هو
العود من شجر الصمغ يمسح به ما ابيضّ فيتخذ منه شيء طيب؛ وقال بعضهم: ما
استدار من الصمغ يقال له المُغْفُر، وما استدار مثل الإِصبع يقال له
الصُّعْرور، وما سال منه في الأَرض يقال له الذَّوْبُ، وقالت الغنوية: ما سال منه
فبقي شَبيه الخيوط بين الشجر والأَرض يقال له شَآبِيب الصمغ؛ وأَنشدت:
كأَنَّ سَيْلَ مَرْغِه المُلَعْلِعِ
شُؤْبوبُ صَمْغٍ، طَلْحُه لم يُقْطَعِ
وفي الحديث: أَن قادِماً قَدِم عليه من مكة فقال: كيف تركتَ الحَزْوَرة؟
قال: جادَها المطرُ فأَغْفَرَتْ بَطْحاؤها أَي أَن المطر نزل عليها حتى
صار كالغَفَر من النبات. والغَفَرُ: الزِّئْبِرُ على الثوب، وقيل: أَراد
أَن رِمْثَها قد أَغْفَرت أَي أَخرجت مَغافيرَها. والمَغافيرُ: شيء ينضحه
شجر العرفط حلو كالناطف، قال: وهذا أَشْبَه، أَلا تراه وصف شجرها فقال:
وأَبْرَم سَلمُها وأَغْدَق إِذْخِرُها. والغِفْرُ: دُوَيْبّة. والغَفْرُ:
منزل من منازل القمر ثلاثةُ أَنْجُم صغار، وهي من الميزان.
وغُفَير: اسم وغُفَيرة: اسم امرأَة. وبنو غافِرٍ: بطن. وبنو غِفارٍ، من
كنانة: رهط أَبي ذر الغِفارِيّ.
وسط: وسَطُ الشيء: ما بين طرَفَيْه؛ قال:
إِذا رَحَلْتُ فاجْعلُوني وَسَطا،
إِنِّي كَبِير، لا أُطِيق العُنّدا
أَي اجعلوني وسطاً لكم تَرفُقُون بي وتحفظونني، فإِني أَخاف إِذا كنت
وحدي مُتقدِّماً لكم أَو متأَخّراً عنكم أَن تَفْرُط دابتي أَو ناقتي
فتصْرَعَني، فإِذا سكَّنت السين من وسْط صار ظرفاً؛ وقول الفرزدق:
أَتَتْه بِمَجْلُومٍ كأَنَّ جَبِينَه
صَلاءةُ وَرْسٍ، وَسْطُها قد تَفَلَّقا
فإِنه احتاج إِليه فجعله اسماً؛ وقول الهذلي:
ضَرُوب لهاماتِ الرِّجال بسَيْفِه،
إِذا عَجَمَتْ، وسْطَ الشُّؤُونِ، شِفارُها
يكون على هذا أَيضاً، وقد يجوز أَن يكون أَراد أِذا عجمَتْ وسْطَ
الشُّؤونِ شفارُها الشؤُونَ أَو مُجْتَمَعَ الشؤُونِ، فاستعمله ظرفاً على وجهه
وحذف المفعول لأَن حذف المفعول كثير؛ قال الفارسي: ويُقوّي ذلك قول
المَرّار الأَسدي:
فلا يَسْتَحْمدُون الناسَ أَمْراً،
ولكِنْ ضَرْبَ مُجْتَمَعِ الشُّؤُونِ
وحكي عن ثعلب: وَسَط الشيء، بالفتح، إِذا كان مُصْمَتاً، فإِذا كان
أَجزاء مُخَلْخَلة فهو وسْط، بالإِسكان، لا غير. وأَوْسَطُه: كوَسَطِه، وهو
اسم كأَفْكَلٍ وأَزْمَلٍ؛ قال ابن سيده وقوله:
شَهْم إِذا اجتمع الكُماةُ، وأُلْهِمَتْ
أَفْواهُها بأَواسِطِ الأَوْتار
فقد يكون جَمْعَ أَوْسَطٍ، وقد يجوز أَن يكون جَمَعَ واسِطاً على
وواسِطَ، فاجتمعت واوان فهمَز الأُولى. الجوهري: ويقال جلست وسْط القوم،
بالتسكين، لأَنه ظرف، وجلست وسَط الدار، بالتحريك، لأَنه اسم؛ وأَنشد ابن بري
للراجز:
الحمد للّه العَشِيَّ والسفَرْ،
ووَسَطَ الليلِ وساعاتٍ أُخَرْ
قال: وكلُّ موضع صلَح فيه بَيْن فهو وسْط، وإِن لم يصلح فيه بين فهو
وسَط، بالتحريك، وقال: وربما سكن وليس بالوجه كقول أَعْصُرِ بن سَعْدِ بن
قَيْسِ عَيْلانَ:
وقالوا يالَ أَشْجَعَ يَوْمَ هَيْجٍ،
ووَسْطَ الدّارِ ضَرْباً واحْتِمايا
قال الشيخ أَبو محمد بن بري، رحمه اللّه، هنا شرح مفيد قال: اعلم أَنّ
الوسَط، بالتحريك، اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه كقولك قَبَضْت وسَط
الحبْل وكسرت وسَط الرمح وجلست وسَط الدار، ومنه المثل: يَرْتَعِي وسَطاً
ويَرْبِضُ حَجْرةً أَي يرْتَعِي أَوْسَطَ المَرْعَى وخِيارَه ما دام القومُ
في خير، فإِذا أَصابهم شَرٌّ اعتَزلهم ورَبَضَ حَجرة أَي ناحية منعزلاً
عنهم، وجاء الوسط محرّكاً أَوسَطُه على وزان يقْتَضِيه في المعنى وهو
الطرَفُ لأَنَّ نَقِيض الشيء يتنزّل مَنْزِلة نظِيرة في كثير من الأَوزان
نحو جَوْعانَ وشَبْعان وطويل وقصير، قال: ومما جاء على وزان نظيره قولهم
الحَرْدُ لأَنه على وزان القَصْد، والحَرَدُ لأَنه على وزان نظيره وهو
الغضَب. يقال: حَرَد يَحْرِد حَرْداً كما يقال قصَد يقْصِد قصداً، ويقال:
حَرِدَ يَحْرَدُ حرَداً كما قالوا غَضِبَ يَغْضَبُ غضَباً؛ وقالوا: العَجْم
لأَنه على وزان العَضّ، وقالوا: العَجَم لحبّ الزبيب وغيره لأَنه وزان
النَّوَى، وقالوا: الخِصْب والجَدْب لأَن وزانهما العِلْم والجَهل لأَن
العلم يُحيي الناس كما يُحييهم الخِصْب والجَهل يُهلكهم كما يهلكهم الجَدب،
وقالوا: المَنْسِر لأَنه على وزان المَنْكِب، وقالوا: المِنْسَر لأَنه
على وزان المِخْلَب، وقالوا: أَدْلَيْت الدَّلْو إِذا أَرسلتها في البئر،
وَدَلَوْتُها إِذا جَذَبْتها، فجاء أَدْلى على مثال أَرسل ودَلا على مثال
جَذَب، قال: فبهذا تعلم صحة قول من فرق بين الضَّرّ والضُّر ولم يجعلهما
بمعنى فقال: الضَّر بإِزاء النفع الذي هو نقيضه، والضُّر بإِزاء السُّقْم
الذي هو نظيره في المعنى، وقالوا: فاد يَفِيد جاء على وزان ماسَ يَمِيس
إِذا تبختر، وقالوا: فادَ يَفُود على وزان نظيره وهو مات يموت،
والنِّفاقُ في السُّوق جاء على وزان الكَساد، والنِّفاق في الرجل جاء على وزان
الخِداع، قال: وهذا النحوُ في كلامهم كثير جدّاً؛ قال: واعلم أَنّ الوسَط قد
يأْتي صفة، وإِن أَصله أَن يكون اسماً من جهة أَن أَوسط الشيء أَفضله
وخياره كوسَط المرعى خيرٌ من طرفيه، وكوسَط الدابة للركوب خير من طرفيها
لتمكن الراكب؛ ولهذا قال الراجز:
إِذا ركِبْتُ فاجْعلاني وسَطا
ومنه الحديث: خِيارُ الأُمور أَوْساطُها؛ ومنه قوله تعالى: ومن الناسِ
مَن يَعبد اللّهَ على حرْف؛ أَي على شَكّ فهو على طرَف من دِينه غيرُ
مُتوسّط فيه ولا مُتمكِّن، فلما كان وسَطُ الشيء أَفضلَه وأَعْدَلَه جاز أَن
يقع صفة، وذلك في مثل قوله تعالى وتقدّس: وكذلك جعلْناكم أُمّة وسَطاً؛
أَي عَدْلاً، فهذا تفسير الوسَط وحقيقة معناه وأَنه اسم لما بينَ طَرَفَي
الشيء وهو منه، قال: وأَما الوسْط، بسكون السين، فهو ظَرْف لا اسم جاء
على وزان نظيره في المعنى وهو بَيْن، تقول: جلست وسْطَ القوم أَي بيْنَهم؛
ومنه قول أَبي الأَخْزَر الحِمَّانيّ:
سَلُّومَ لوْ أَصْبَحْتِ وَسْط الأَعْجَمِ
أَي بيم الأَعْجم؛ وقال آخر:
أَكْذَبُ مِن فاخِتةٍ
تقولُ وسْطَ الكَرَبِ،
والطَّلْعُ لم يَبْدُ لها:
هذا أَوانُ الرُّطَبِ
وقال سَوَّارُ بن المُضَرَّب:
إِنِّي كأَنِّي أَرَى مَنْ لا حَياء له
ولا أَمانةَ، وسْطَ الناسِ، عُرْيانا
وفي الحديث: أَتَى رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، وسْط القوم أَي
بينهم، ولما كانت بين ظرفاً كانت وسْط ظرفاً، ولهذا جاءت ساكنة الأَوسط
لتكون على وزانها، ولما كانت بين لا تكون بعضاً لما يضاف إِليها بخلاف
الوسَط الذي هو بعض ما يضاف إِليه كذلك وسْط لا تكون بعضَ ما تضاف إِليه،
أَلا ترى أَن وسط الدار منها ووسْط القوم غيرهم؟ ومن ذلك قولهم: وسَطُ
رأْسِه صُلْبٌ لأَن وسَطَ الرأْس بعضها، وتقول: وسْطَ رأْسِه دُهن فتنصب وسْطَ
على الظرف وليس هو بعض الرأْس، فقد حصل لك الفَرْق بينهما من جهة المعنى
ومن جهة اللفظ؛ أَما من جهة المعنى فإِنها تلزم الظرفية وليست باسم
متمكن يصح رفعه ونصبه على أَن يكون فاعلاً ومفعولاً وغير ذلك بخلاف الوَسَطِ،
وأَما من جهة اللفظ فإِنه لا يكون من الشيء الذي يضاف إِليه بخلاف
الوَسَط أَيضاً؛ فإِن قلت: قد ينتصب الوَسَطُ على الظرف كما ينتصب الوَسْطُ
كقولهم: جَلَسْتُ وسَطَ الدار، وهو يَرْتَعِي وسَطاً، ومنه ما جاء في
الحديث: أَنه كان يقف في صلاة الجَنازة على المرأَة وَسَطَها، فالجواب: أَن
نَصْب الوَسَطِ على الظرف إِنما جاء على جهة الاتساع والخروج عن الأَصل على
حدّ ما جاء الطريق ونحوه، وذلك في مثل قوله:
كما عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
وليس نصبه على الظرف على معنى بَيْن كما كان ذلك في وسْط، أَلا ترى أَن
وسْطاً لازم للظرفية وليس كذلك وسَط؟ بل اللازم له الاسمية في الأَكثر
والأَعم، وليس انتصابه على الظرف، وإِن كان قليلاً في الكلام، على حدِّ
انتصاب الوسْط في كونه بمعنى بين، فافهم ذلك. قال: واعلم أَنه متى دخل على
وسْط حرفُ الوِعاء خرج عن الظرفية ورجعوا فيه إِلى وسَط ويكون بمعنى وسْط
كقولك: جلسْتُ في وسَط القوم وفي وسَطِ رأْسِه دُهن، والمعنى فيه مع
تحرُّكه كمعناه مع سكونه إِذا قلت: جلسْتُ وسْطَ القوم، ووسْطَ رأْسِه دُهن،
أَلا ترى أَن وسَط القوم بمعنى وسْط القوم؟ إِلاَّ أَن وَسْطاً يلزم
الظرفية ولا يكون إِلاَّ اسماً، فاستعير له إِذا خرج عن الظرفية الوسَطُ على
جهة النيابة عنه، وهو في غير هذا مخالف لمعناه، وقد يُستعمل الوسْطُ الذي
هو ظرف اسماً ويُبَقَّى على سكونه كما استعملوا بين اسماً على حكمها
ظرفاً في نحو قوله تعالى: لقد تَقَطَّعَ بَيْنُكُم؛ قال القَتَّالُ
الكلابي:مِن وَسْطِ جَمْعِ بَني قُرَيْظٍ، بعدما
هَتَفَتْ رَبِيعَةُ: يا بَني خَوّارِ
وقال عَدِيُّ بن زيد:
وَسْطُه كاليَراعِ أَو سُرُجِ المَجْـ
ـدلِ، حِيناً يَخْبُو، وحِيناً يُنِيرُ
وفي الحديث: الجالِسُ وسْطَ الحَلْقةِ مَلْعُون، قال: الوسْط، بالتسكين،
يقال فيما كان مُتَفَرِّقَ الأَجزاء غيرَ مُتصل كالناس والدوابّ وغير
ذلك، فإِذا كان مُتصلَ الأَجزاء كالدَّار والرأْس فهو بالفتح. وكل ما
يَصْلُح فيه بين، فهو بالسكون، وما لا يصلح فيه بين، فهو بالفتح؛ وقيل: كل
منهما يَقَع مَوْقِعَ الآخر، قال: وكأَنه الأَشبه، قال: وإِنما لُعِنَ
الجالِسُ وسْط الحلقة لأَنه لا بدَّ وأَن يَسْتَدبِر بعضَ المُحيطين به
فيُؤْذِيَهم فيلعنونه ويذُمونه.
ووسَطَ الشيءَ: صار بأَوْسَطِه؛ قال غَيْلان بن حُرَيْثٍ:
وقد وَسَطْتُ مالِكاً وحَنْظَلا
صُيَّابَها، والعَدَدَ المُجَلْجِلا
قال الجوهري: أَراد وحنظلة، فلما وقف جعل الهاء أَلِفاً لأَنه ليس
بينهما إِلا الهَهَّةُ وقد ذهبت عند الوقف فأَشبهت الأَلف كما قال امرؤُ
القيس:وعَمْرُو بنُ دَرْماء الهُمامُ إِذا غَدا
بِذي شُطَبٍ عَضْبٍ، كمِشْيَةِ قَسْوَرا
أَراد قَسْوَرَة. قال: ولو جعله اسماً محذوفاً منه الهاء لأَجراه، قال
ابن بري: إِنما أَراد حريثُ بن غَيلان
(* قوله «حريث بن غيلان» كذا بالأصل
هنا وتقدم قريباً غيلان ابن حريث.) وحنظل لأَنه رَخَّمه في غير النداء
ثم أَطلق القافية، قال: وقول الجوهري جعل الهاء أَلِفاً وهمٌ منه.
ويقال: وسَطْتُ القومَ أَسِطُهم وَسْطاً وسِطةً أَي تَوَسَّطْتُهم.
ووَسَطَ الشيءَ وتَوَسَّطَه: صار في وسَطِه.
ووُسُوطُ الشمس: توَسُّطُها السماء.
وواسِطُ الرَّحْل وواسِطَتُه؛ الأَخيرة عن اللحياني: ما بين القادِمةِ
والآخِرة. وواسِطُ الكُورِ: مُقَدَّمُه؛ قال طرفة:
وإِنْ شِئت سامى واسِطَ الكُورِ رأْسُها،
وعامَتْ بِضَبْعَيْها نَجاء الخَفَيْدَدِ
وواسِطةُ القِلادة: الدُّرَّة التي وسَطها وهي أَنْفَس خرزها؛ وفي
الصحاح: واسِطةُ القلادة الجَوْهَرُ الذي هو في وَسطِها وهو أَجودها، فأَما
قول الأَعرابي للحسن: عَلَّمني دِيناً وَسُوطاً لا ذاهِباً فُرُوطاً ولا
ساقِطاً سُقُوطاً، فإِن الوَسُوط ههنا المُتَوَسِّطُ بين الغالي والتَّالي،
أَلا تراه قال لا ذاهباً فُرُوطاً؟ أَي ليس يُنال وهو أَحسن الأَديان؛
أَلا ترى إِلى قول عليّ، رضوان اللّه عليه: خير الناس هذا النمَطُ
الأَوْسَط يَلْحق بهم التَّالي ويرجع إِليهم الغالي؟ قال الحسن للأَعرابي: خيرُ
الأُمور أَوْساطُها؛ قال ابن الأَثير في هذا الحديث: كلُّ خَصْلة محمودة
فلها طَرَفانِ مَذْمُومان، فإِن السَّخاء وسَطٌ بين البُخل والتبذير،
والشجاعةَ وسَط بين الجُبن والتهوُّر، والإِنسانُ مأْمور أَن يتجنب كل وصْف
مَذْمُوم، وتجنُّبُه بالتعَرِّي منه والبُعد منه، فكلَّما ازداد منه
بُعْداً ازداد منه تقرُّباً، وأَبعدُ الجهات والمقادير والمعاني من كل طرفين
وسَطُهما، وهو غاية البعد منهما، فإِذا كان في الوسَط فقد بَعُد عن
الأَطراف المذمومة بقدر الإِمكان. وفي الحديث: الوالِد أَوْسَطُ أَبواب الجنة
أَي خيرُها. يقال: هو من أَوسَطِ قومِه أَي خيارِهم. وفي الحديث: أَنه
كان من أَوْسَطِ قومه أَي من أَشْرَفِهم وأَحْسَبِهم. وفي حديث رُقَيْقةَ:
انظُروا رجلاً وسِيطاً أَي حَسِيباً في قومه، ومنه سميت الصلاة الوُسْطَى
لأَنها أَفضلُ الصلوات وأَعظمها أَجْراً، ولذلك خُصت بالمُحافَظةِ
عليها، وقيل: لأَنها وسَط بين صلاتَيِ الليل وصلاتَيِ النهار، ولذلك وقع
الخلاف فيها فقيل العصر، وقيل الصبح، وقيل بخلاف ذلك، وقال أَبو الحسن:
والصلاة الوسطى يعني صلاة الجمعة لأَنها أَفضلُ الصلواتِ، قال: ومن قال خلافَ
هذا فقد أَخْطأَ إِلا أَن يقوله برواية مُسنَدة إِلى النبي، صلّى اللّه
عليه وسلّم.
ووَسَطَ في حَسَبِه وَساطة وسِطةً ووَسُطَ ووسَّط؛ ووَسَطَه: حَلَّ
وَسَطَه أَي أَكْرَمَه؛ قال:
يَسِطُ البُيوتَ لِكي تكون رَدِيّةً،
من حيثُ تُوضَعُ جَفْنةُ المُسْتَرْفِدِ
ووَسَطَ قومَه في الحسَبِ يَسِطُهم سِطةً حسنَة. الليث: فلان وَسِيطُ
الدارِ والحسَبِ في قومه، وقد وسُطَ وَساطةً وسِطةً ووَسَّطَ توْسِيطاً؛
وأَنشد:
وسَّطْت من حَنْظَلةَ الأُصْطُمّا
وفلان وسِيطٌ في قومه إِذا كان أَوسطَهم نسَباً وأَرْفعَهم مَجْداً؛ قال
العَرْجِيُّ:
كأَنِّي لم أَكُنْ فيهم وسِيطاً،
ولم تَكُ نِسْبَتي في آلِ عَمْرِ
والتوْسِيطُ: أَن تجعل الشيء في الوَسَط. وقرأَ بعضهم: فوَسَّطْنَ به
جمعاً؛ قال ابن بري: هذه القراءة تُنسب إِلى عليّ، كرّم اللّه وجهه، وإِلى
ابن أَبي ليلى وإِبراهيم بن أَبي عَبْلَةَ. والتوْسِيطُ: قَطْعُ الشيء
نصفين. والتَّوَسُّطُ من الناس: من الوَساطةِ، ومَرْعىً وسَطٌ أَي خِيار؛
قال:
إِنَّ لها فَوارِساً وفَرَطا،
ونَفْرَةَ الحَيِّ ومَرْعىً وَسَطا
ووَسَطُ الشيءِ وأَوْسَطُه: أَعْدَلُه، ورجل وَسَطٌ ووَسِيطٌ: حسَنٌ من
ذلك. وصار الماءُ وَسِيطةً إِذا غلَب الطينُ على الماء؛ حكاه اللحياني عن
أَبي طَيْبة. ويقال أَيضاً: شيءٌ وَسَطٌ أَي بين الجَيِّدِ والرَّدِيء.
وفي التنزيل العزيز: وكذلك جَعَلْناكم أُمّة وسَطاً؛ قال الزجاج: فيه
قولان: قال بعضهم وسَطاً عَدْلاً، وقال بعضهم خِياراً، واللفظان مختلفان
والمعنى واحد لأَن العَدْل خَيْر والخير عَدْلٌ، وقيل في صفة النبي، صلّى
اللّه عليه وسلّم: إِنه كان من أَوْسَطِ قومِه أَي خِيارِهم، تَصِف
الفاضِلَ النسَب بأَنه من أَوْسَطِ قومه، وهذا يَعرِف حقيقَته أَهلُ اللغة لأَن
العرب تستعمل التمثيل كثيراً، فَتُمَثِّل القَبِيلةَ بالوادي والقاعِ وما
أَشبهه، فخيرُ الوادي وسَطُه، فيقال: هذا من وَسَط قومِه ومن وَسَطِ
الوادي وسَرَرِ الوادي وسَرارَته وسِرِّه، ومعناه كله من خَيْر مكان فيه،
وكذلك النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، من خير مكان في نسَب العرب، وكذلك
جُعِلتْ أُمّته أُمة وسَطاً أَي خِياراً.
وقال أَحمد بن يحيى: الفرق بين الوسْط والوَسَط أَنه ما كانَ يَبِينُ
جُزْء من جُزْء فهو وسْط مثل الحَلْقة من الناس والسُّبْحةِ والعِقْد، قال:
وما كان مُصْمَتاً لا يَبِينُ جزء من جزء فهو وسَط مثل وسَطِ الدارِ
والراحة والبُقْعة؛ وقال الليث: الوسْط مخففة يكون موضعاً للشيء كقولك زيد
وسْطَ الدارِ، وإِذا نصبت السين صار اسماً لما بين طَرَفَيْ كل شيء؛ وقال
محمد ابن يزيد: تقول وَسْطَ رأْسِك دُهْنٌ يا فَتى لأَنك أَخبرت أَنه
استقرّ في ذلك الموضع فأَسكنت السين ونصبت لأَنه ظرف، وتقول وسَطُ رأْسِك
صُلْب لأَنه اسم غير ظرف، وتقول ضربْت وسَطَه لأَنه المفعول به بعينه،
وتقول حَفَرْتُ وسَطَ الدارِ بئراً إِذا جعلت الوَسَط كله بِئراً، كقولك
حَرَثْت وسَطَ الدار؛ وكل ما كان معه حرف خفض فقد خرج من معنى الظرف وصار
اسماً كقولك سِرْت من وَسَطِ الدار لأَنَّ الضمير لِمنْ، وتقول قمت في وسَط
الدار كما تقول في حاجة زيد فتحرك السين من وسَط لأَنه ههنا ليس بظرف.
الفراء: أَوْسَطْت القومَ ووَسَطْتُهم وتوَسَّطْتُهم بمعنى واحد إِذا
دخلت وسْطَهم. قال اللّه عزّ وجلّ: فوَسَطْنَ به جَمْعاً. وقال الليث: يقال
وَسَطَ فلانٌ جماعةً من الناس وهو يَسِطُهم إِذا صار وَسْطَهم؛ قال:
وإِنما سمي واسِطُ الرحْل واسِطاً لأَنه وسَطٌ بين القادِمة والآخرةِ، وكذلك
واسِطةُ القِلادةِ، وهي الجَوْهرة التي تكون في وسَطِ الكِرْسِ
المَنْظُوم. قال أَبو منصور في تفسير واسِطِ الرَّحْل ولم يَتَثَبَّتْه: وإِنما
يعرف هذا من شاهَدَ العَربَ ومارَسَ شَدَّ الرِّحال على الإِبل، فأَما من
يفسِّر كلام العرب على قِياساتِ الأَوْهام فإِنَّ خَطأَه يكثر، وللرحْلِ
شَرْخانِ وهما طَرَفاه مثل قرَبُوسَيِ السَّرْج، فالطرَفُ الذي يلي ذنب
البعير آخِرةُ الرحل ومُؤْخِرَتُه، والطرف الذي يلي رأْس البعير واسِطُ
الرحل، بلا هاء، ولم يسمَّ واسطاً لأَنه وَسَطٌ بين الآخرة والقادِمة كما
قال الليث: ولا قادمة للرحل بَتَّةً إِنما القادمةُ الواحدةُ من قَوادِم
الرِّيش، ولضَرْع الناقة قادِمان وآخِران، بغير هاء، وكلام العرب يُدَوَّن
في الصحف من حيث يصح، إِمّا أَن يُؤْخَذَ عن إِمام ثِقَة عَرَفَ كلام
العرب وشاهَدَهم، أَو يقبل من مؤدّ ثقة يروي عن الثقات المقبولين، فأَما
عباراتُ مَن لا معرفة له ولا أَمانة فإِنه يُفسد الكلام ويُزيله عن صِيغته؛
قال: وقرأْت في كتاب ابن شميل في باب الرحال قال: وفي الرحل واسِطُه
وآخِرَتُه ومَوْرِكُه، فواسطه مُقَدَّمه الطويل الذي يلي صدر الراكب، وأَما
آخِرته فمُؤخرَته وهي خشبته الطويلة العريضة التي تحاذي رأْس الراكب،
قال: والآخرةُ والواسط الشرْخان. ويقال: ركب بين شَرْخَيْ رحله، وهذا الذي
وصفه النضْر كله صحيح لا شك فيه. قال أَبو منصور: وأَما واسِطةُ القِلادة
فهي الجوهرة الفاخرة التي تجعل وسْطها. والإِصْبع الوُسطى.
وواسِطُ: موضع بين الجَزيرة ونَجْد، يصرف ولا يصرف. وواسِط: موضع بين
البصرة والكوفة وُصف به لتوسُّطِه ما بينهما وغلبت الصفة وصار اسماً كما
قال:
ونابِغةُ الجَعْدِيُّ بالرَّمْلِ بَيْتُه،
عليه تُرابٌ من صَفِيحٍ مُوَضَّع
قال سيبويه: سموه واسطاً لأَنه مكان وسَطٌ بين البصرة والكوفة: فلو
أَرادوا التأْنيث قالوا واسطة، ومعنى الصفة فيه وإِن لم يكن في لفظه لام. قال
الجوهري: وواسِط بلد سمي بالقصر الذي بناه الحجاج بين الكوفة والبصرة،
وهو مذكر مصروف لأَن أَسماء البُلدان الغالب عليه التأْنيث وتركُ الصرف،
إِلاَّ مِنىً والشام والعراق وواسطاً ودابِقاً وفَلْجاً وهَجَراً فإِنها
تذكر وتصرف؛ قال: ويجوز أَن تريد بها البقعة أَو البلْدة فلا تصرفه كما
قال الفرزدق يرثي به عمرو بن عبيد اللّه بن مَعْمر:
أَمّا قُرَيْشٌ، أَبا حَفْصٍ، فقد رُزِئتْ
بالشامِ، إِذ فارَقَتْك، السمْعَ والبَصَرا
كم من جَبانٍ إِلى الهَيْجا دَلَفْتَ به،
يومَ اللِّقاء، ولولا أَنتَ ما صَبرا
مِنهنَّ أَيامُ صِدْقٍ، قد عُرِفْتَ بها،
أَيامُ واسِطَ والأَيامُ مِن هَجَرا
وقولهم في المثل: تَغافَلْ كأَنَّك واسِطِيٌّ؛ قال المبرد: أَصله أَن
الحجاج كان يتسخَّرُهم في البِناء فيَهْرُبون ويَنامون وسْط الغُرباء في
المسجد، فيجيء الشُّرَطِيُّ فيقول: يا واسِطيّ، فمن رفع رأْسه أَخذه وحمله
فلذلك كانوا يتَغافلون.
والوَسُوط من بيوت الشعَر: أَصغرها. والوَسُوط من الإِبل: التي تَجُرُّ
أَربعين يوماً بعد السنة؛ هذه عن ابن الأَعرابي، قال: فأَما الجَرُور فهي
التي تجرّ بعد السنة ثلاثة أَشهر، وقد ذكر ذلك في بابه. والواسطُ:
الباب، هُذَليّة.
أسف: الأَسَفُ: الـمُبالغةُ في الحُزْنِ والغَضَبِ. وأَسِفَ أَسَفاً،
فهو أَسِفٌ وأَسْفان وآسِفٌ وأَسُوفٌ وأَسِيفٌ، والجمع أُسَفاء. وقد أَسِفَ
على ما فاتَه وتأَسَّفَ أَي تَلَهَّفَ، وأَسِفَ عليه أَسَفاً أَي
غَضِبَ، وآسَفَه: أَغْضَبَه. وفي التنزيل العزيز: فلما آسَفُونا انْتَقَمْنا
منهم؛ معنى آسفُونا أَغْضَبُونا، وكذلك قوله عز وجل: إلى قومه غَضْبانَ
أَسِفاً. والأَسِيفُ والآسِف: الغَضْبانُ؛ قال الأَعشى، رحمه اللّه
تعالى:أَرَى رَجُلاً منهم أَسِيفاً، كأَنـَّمَا
يَضُمُّ إلى كَشْحَيْه كَفّاً مُخَضَّبا
يقول: كأَنَّ يدَه قُطِعَتْ فاخْتَضَبَتْ بِدَمِها. ويقال لِمَوْتِ
الفَجْأَةِ: أَخذةُ أَسَفٍ. وقال المبرد في قول الأَعشى أَرى رجلاً منهم
أَسِيفاً: هو من التَّأَسُّفِ لقطع يده، وقيل: هو أَسيرٌ قد غُلَّت يدُه
فجَرحَ الغُلُّ يَدَه، قال: والقولُ الأَوَّلُ هو المجتمَع عليه. ابن
الأَنباري: أَسِفَ فلان على كذا وكذا وتأَسَّفَ وهو مُتَأَسِّفٌ على ما فاته،
فيه قولان: أَحدهما أَن يكون المعنى حَزِن على ما فاته لأَن الأَسف عند
العرب الحزن، وقيل أَشدُّ الحزن، وقال الضحاك في قوله تعالى: إن لم يُؤمِنوا
بهذا الحديث أَسَفاً، معناه حُزْناً، والقولُ الآخرُ أَن يكون معنى
أَسِفَ على كذا وكذا أَي جَزِعَ على ما فاته، وقال مجاهد: أَسفاً أَي
جَزَعاً، وقال قتادة: أَسفاً غَضَباً. وقوله عز وجل: يا أَسفي على يوسف؛ أَسي يا
جَزَعاه. والأَسِيفُ والأَسُوفُ: السريعُ الحُزْنِ الرَّقِيقُ، قال: وقد
يكون الأَسِيفُ الغضْبانَ مع الحزن. وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها،
أَنها قالت للنبيّ، صلى اللّه عليه وسلم، حين أَمر أَبا بكر بالصلاة في
مرضه: إن أَبا بكر رجلُ أَسِيفٌ فمَتَى ما يقُمْ مَقامَك يَغْلِبْه البكاء
أَي سريعُ البكاء والحزن، وقيل: هو الرقيق.قال أَبو عبيد: الأَسِيفُ
السريع الحزن والكآبة في حديث عائشة، قال: وهو الأَسُوفُ والأَسِيفُ، قال:
وأَما الأَسِفُ، فهو الغَضْبانُ الـمُتَلَهِّفُ على الشيء؛ ومنه قوله تعالى:
غَضْبانَ أَسِفاً. الليث: الأَسَفُ في حال الحزن وفي حال الغَضَب إذا
جاءك أَمرٌ مـمن هو دونَك فأَنت أَسِفٌ أَي غَضْبانُ، وقد آسَفَك إذا جاءك
أَمر فَحَزِنْتَ له ولم تُطِقْه فأَنت أَسِفٌ أَي حزين ومُتَأَسِّفٌ
أَيضاً. وفي حديث: مَوتُ الفَجْأَةِ راحةٌ للـمُؤمِن وأَخْذةُ أَسَفٍ للكافر
أَي أَخْذةُ غَضَبٍ أَو غَضْبانَ. يقال: أَسِفَ يأْسَفُ أَسَفاً، فهو
أَسِفٌ إذا غَضِبَ. وفي حديث النخعي: إن كانوا ليَكْرَهُون أَخْذةً كأَخْذةِ
الأَسَفِ؛ ومنه الحديث: آسَفُ كما يَأْسَفُون؛ ومنه حديث مُعاوِية بن
الحكم: فأَسِفْتُ عليها؛ وقد آسَفَه وتأَسَّفَ عليه. والأَسِيفُ: العبد
والأَجيرُ ونحو ذلك لِذُلِّهِم وبُعْدِهم، والجمع كالجمع، والأُنثى
أَسِيفَةٌ، وقيل: العسِيفُ الأَجير. وفي الحديث: لا تقتلوا عَسِيفاً ولا أَسيفاً؛
الأَسِيفُ: الشيخ الفاني، وقيل العبد، وقيل الأَسير، والجمع الأُسفاء؛
وأَنشد ابن بري:
تَرَى صُواهُ قُيَّماً وجُلَّسا،
كما رأَيتَ الأُسَفاءَ البُؤَّسا
قال أَبو عمرو: الأُسَفاء الأُجراء، والأَسِيفُ: الـمُتَلَهِّفُ على ما
فاتَ، والاسم من كل ذلك الأَسافةُ. يقال: إنه لأَسِيفٌ بَيِّنُ
الأَسافَةِ. والأَسيفُ والأَسِيفَةُ والأُسافَةُ والأَسافةُ، كلُّه: البَلَدُ الذي
لا يُنْبِتُ شيئاً. والأُسافةُ: الأَرض الرَّقِيقةُ؛ عن أَبي حنيفة.
والأَسافَةُ: رِقَّةُ الأَرض؛ وأَنشد الفراء:
تَحُفُّها أَسافَةٌ وجَمْعَرُ
وقيل: أَرضٌ أَسِيفَةٌ رقيقةٌ لا تكاد تُنْبِتُ شيئاً. وتَأَسَّفَتْ
يدُه: تَشَعَّثَتْ.
وأَسافٌ وإسافٌ: اسم صنم لقريش. الجوهري وغيره: إسافٌ ونائلةُ صَنَمانِ
كانا لقريش وضَعَهما عَمْرو بن لُحَيٍّ على الصَّفا والـمَرْوةِ، وكان
يُذبحُ عليهما تُجاه الكعبَةِ، وزعم بعضهم أَنهما كانا من جُرْهُم إسافُ بن
عمرو ونائلةُ بنت سَهْل فَفَجرا في الكعبة فَمُسِخا حجرين عَبَدَتْهما
قريش، وقيل: كانا رجلاً وامرأَة دخلا البيت فوجدا خَلْوَةً فوثب إسافٌ على
نائلة، وقيل: فأَحْدثا فَمَسَخهما اللّه حجرين، وقد وردا في حديث أَبي
ذرّ؛ قال ابن الأَثير: وإساف بكسر الهمزة وقد تفتح. وإسافٌ: اسم اليمّ
الذي غَرِقَ فيه فِرْعَوْنُ وجنودُه؛ عن الزجاج، قال: وهو بناحية مصر.
الفراء: يُوسُفُ ويوسَفُ ويوسِفُ ثلاث لغات، وحكي فيها الهمز أَيضاً.
عرف: العِرفانُ: العلم؛ قال ابن سيده: ويَنْفَصِلانِ بتَحْديد لا يَليق
بهذا المكان، عَرَفه يَعْرِفُه عِرْفة وعِرْفاناً وعِرِفَّاناً
ومَعْرِفةً واعْتَرَفَه؛ قال أَبو ذؤيب يصف سَحاباً:
مَرَتْه النُّعامَى، فلم يَعْتَرِفْ
خِلافَ النُّعامَى من الشامِ رِيحا
ورجل عَرُوفٌ وعَرُوفة: عارِفٌ يَعْرِفُ الأَُمور ولا يُنكِر أَحداً رآه
مرة، والهاء في عَرُوفة للمبالغة. والعَريف والعارِفُ بمعنًى مثل عَلِيم
وعالم؛ قال طَرِيف بن مالك العَنْبري، وقيل طريف بن عمرو:
أَوَكُلّما ورَدَت عُكاظَ قَبيلةٌ،
بَعَثُوا إليَّ عَرِيفَهُمْ يَتَوَسَّمُ؟
أَي عارِفَهم؛ قال سيبويه: هو فَعِيل بمعنى فاعل كقولهم ضَرِيبُ قِداح،
والجمع عُرَفاء. وأَمر عَرِيفٌ وعارِف: مَعروف، فاعل بمعنى مفعول؛ قال
الأَزهري: لم أَسمع أَمْرٌ عارف أَي معروف لغير الليث، والذي حصَّلناه
للأَئمة رجل عارِف أَي صَبور؛ قاله أَبو عبيدة وغيره.
والعِرْف، بالكسر: من قولهم ما عَرَفَ عِرْفي إلا بأَخَرةٍ أَي ما
عَرَفَني إلا أَخيراً.
ويقال: أَعْرَفَ فلان فلاناً وعرَّفه إذا وقَّفَه على ذنبه ثم عفا عنه.
وعرَّفه الأَمرَ: أَعلمه إياه. وعرَّفه بيتَه: أَعلمه بمكانه. وعرَّفه
به: وسَمه؛ قال سيبويه: عَرَّفْتُه زيداً، فذهَب إلى تعدية عرّفت بالتثقيل
إلى مفعولين، يعني أَنك تقول عرَفت زيداً فيتعدَّى إلى واحد ثم تثقل
العين فيتعدَّى إلى مفعولين، قال: وأَما عرَّفته بزيد فإنما تريد عرَّفته
بهذه العلامة وأَوضَحته بها فهو سِوى المعنى الأَوَّل، وإنما عرَّفته بزيد
كقولك سمَّيته بزيد، وقوله أَيضاً إذا أَراد أَن يُفضِّل شيئاً من النحْو
أَو اللغة على شيء: والأَول أَعْرَف؛ قال ابن سيده: عندي أَنه على توهم
عَرُفَ لأَن الشيء إنما هو مَعْروف لا عارف، وصيغة التعجب إنما هي من
الفاعل دون المفعول، وقد حكى سيبويه: ما أَبْغَضه إليَّ أَي أَنه مُبْغَض،
فتعَجَّب من المفعول كما يُتعجّب من الفاعل حتى قال: ما أَبْغضَني له، فعلى
هذا يصْلُح أَن يكون أَعرف هنا مُفاضلة وتعَجُّباً من المفعول الذي هو
المعروف. والتعريفُ: الإعْلامُ. والتَّعريف أَيضاً: إنشاد الضالة. وعرَّفَ
الضالَّة: نَشَدها.
واعترَفَ القومَ: سأَلهم، وقيل: سأَلهم عن خَبر ليعرفه؛ قال بشر بن أَبي
خازِم:
أَسائِلةٌ عُمَيرَةُ عن أَبيها،
خِلالَ الجَيْش، تَعْترِفُ الرِّكابا؟
قال ابن بري: ويأْتي تَعرَّف بمعنى اعْترَف؛ قال طَرِيفٌ العَنْبريُّ:
تَعَرَّفوني أَنَّني أَنا ذاكُمُ،
شاكٍ سِلاحي، في الفوارِس، مُعْلَمُ
وربما وضعوا اعتَرَفَ موضع عرَف كما وضعوا عرَف موضع اعترف، وأَنشد بيت
أَبي ذؤيب يصف السحاب وقد تقدَّم في أَوَّل الترجمة أَي لم يعرف غير
الجَنُوب لأَنها أَبَلُّ الرِّياح وأَرْطَبُها. وتعرَّفت ما عند فلان أَي
تَطلَّبْت حتى عرَفت. وتقول: ائْتِ فلاناً فاسْتَعْرِفْ إليه حتى
يَعْرِفَكَ. وقد تَعارَفَ القومُ أَي عرف بعضهُم بعضاً. وأَما الذي جاء في حديث
اللُّقَطةِ: فإن جاء من يَعْتَرِفُها فمعناه معرفتُه إياها بصفتها وإن لم
يرَها في يدك. يقال: عرَّف فلان الضالَّة أَي ذكرَها وطلبَ من يَعْرِفها
فجاء رجل يعترفها أَي يصفها بصفة يُعْلِم أَنه صاحبها. وفي حديث ابن مسعود:
فيقال لهم هل تَعْرِفون ربَّكم؟ فيقولون: إذا اعْترَف لنا عرَفناه أَي
إذا وصَف نفسه بصفة نُحَقِّقُه بها عرفناه. واستَعرَف إليه: انتسب له
ليَعْرِفَه. وتَعرَّفه المكانَ وفيه: تأَمَّله به؛ أَنشد سيبويه:
وقالوا: تَعَرَّفْها المَنازِلَ مِن مِنًى،
وما كلُّ مَنْ وافَى مِنًى أَنا عارِفُ
وقوله عز وجل: وإذ أَسَرَّ النبيُّ إلى بعض أَزواجه حديثاً فلما
نبَّأَتْ به وأَظهره اللّه عليه عرَّف بعضَه وأَعرض عن بعض، وقرئ: عرَفَ بعضه،
بالتخفيف، قال الفراء: من قرأَ عرَّف بالتشديد فمعناه أَنه عرّف حَفْصةَ
بعْضَ الحديث وترَك بعضاً، قال: وكأَنَّ من قرأَ بالتخفيف أَراد غَضِبَ
من ذلك وجازى عليه كما تقول للرجل يُسيء إليك: واللّه لأَعْرِفنَّ لك ذلك،
قال: وقد لعَمْري جازَى حفصةَ بطلاقِها، وقال الفرَّاء: وهو وجه حسن،
قرأَ بذلك أَبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ، قال الأَزهري: وقرأَ الكسائي
والأَعمش عن أَبي بكر عن عاصم عرَف بعضَه، خفيفة، وقرأَ حمزة ونافع وابن كثير
وأَبو عمرو وابن عامر اليَحْصُبي عرَّف بعضه، بالتشديد؛ وفي حديث عَوْف
بن مالك: لتَرُدَّنّه أَو لأُعَرِّفَنَّكَها عند رسول اللّه، صلى اللّه
عليه وسلم، أَي لأُجازِينَّك بها حتى تَعرِف سوء صنيعك، وهي كلمة تقال عند
التهديد والوعيد.
ويقال للحازِي عَرَّافٌ وللقُناقِن عَرَّاف وللطَبيب عَرَّاف لمعرفة كل
منهم بعلْمِه. والعرّافُ: الكاهن؛ قال عُرْوة بن حِزام:
فقلت لعَرّافِ اليَمامة: داوِني،
فإنَّكَ، إن أَبرأْتَني، لَطبِيبُ
وفي الحديث: من أَتى عَرَّافاً أَو كاهِناً فقد كفَر بما أُنزل على
محمد، صلى اللّه عليه وسلم؛ أَراد بالعَرَّاف المُنَجِّم أَو الحازِيَ الذي
يدَّعي علم الغيب الذي استأْثر اللّه بعلمه.
والمَعارِفُ: الوجُوه. والمَعْروف: الوجه لأَن الإنسان يُعرف به؛ قال
أَبو كبير الهذلي:
مُتَكَوِّرِين على المَعارِفِ، بَيْنَهم
ضَرْبٌ كَتَعْطاطِ المَزادِ الأَثْجَلِ
والمِعْراف واحد. والمَعارِف: محاسن الوجه، وهو من ذلك. وامرأَة حَسَنةُ
المعارِف أَي الوجه وما يظهر منها، واحدها مَعْرَف؛ قال الراعي:
مُتَلفِّمِين على مَعارِفِنا،
نَثْني لَهُنَّ حَواشِيَ العَصْبِ
ومعارفُ الأَرض: أَوجُهها وما عُرِفَ منها.
وعَرِيفُ القوم: سيّدهم. والعَريفُ: القيّم والسيد لمعرفته بسياسة
القوم، وبه فسر بعضهم بيت طَرِيف العَنْبري، وقد تقدَّم، وقد عَرَفَ عليهم
يَعْرُف عِرافة. والعَريفُ: النَّقِيب وهو دون الرئيس، والجمع عُرَفاء، تقول
منه: عَرُف فلان، بالضم، عَرافة مثل خَطُب خَطابة أَي صار عريفاً، وإذا
أَردت أَنه عَمِلَ ذلك قلت: عَرف فلان علينا سِنين يعرُف عِرافة مثال
كتَب يكتُب كِتابة.
وفي الحديث: العِرافةُ حَقٌّ والعُرفاء في النار؛ قال ابن الأَثير:
العُرفاء جمع عريف وهو القَيِّم بأُمور القبيلة أَو الجماعة من الناس يَلي
أُمورهم ويتعرَّف الأَميرُ منه أَحوالَهُم، فَعِيل بمعنى فاعل، والعِرافةُ
عَملُه، وقوله العِرافة حقّ أَي فيها مَصلحة للناس ورِفْق في أُمورهم
وأَحوالهم، وقوله العرفاء في النار تحذير من التعرُّض للرِّياسة لما ذلك من
الفتنة، فإنه إذا لم يقم بحقه أَثمَ واستحق العقوبة، ومنه حديث طاووس:
أنه سأَل ابن عباس، رضي اللّه عنهما: ما معنى قول الناس: أَهْلُ القرآن
عُرفاء أَهل الجنة؟ فقال: رُؤساء أَهل الجنة؛ وقال علقمة بن عَبْدَة:
بل كلُّ حيّ، وإن عَزُّوا وإن كَرُموا،
عَرِيفُهم بأَثافي الشَّرِّ مَرْجُومُ
والعُرْف، بالضم، والعِرْف، بالكسر: الصبْرُ؛ قال أَبو دَهْبَل
الجُمَحِيُّ:
قل لابْن قَيْسٍ أَخي الرُّقَيَّاتِ:
ما أَحْسَنَ العُِرْفَ في المُصِيباتِ
وعرَفَ للأَمر واعْتَرَفَ: صَبَر؛ قال قيس بن ذَرِيح:
فيا قَلْبُ صَبْراً واعْتِرافاً لِما تَرى،
ويا حُبَّها قَعْ بالذي أَنْتَ واقِعُ
والعارِفُ والعَرُوف والعَرُوفةُ: الصابر. ونَفْس عَروف: حامِلة صَبُور
إِذا حُمِلَتْ على أَمر احتَمَلَتْه؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
فآبُوا بالنِّساء مُرَدَّفاتٍ،
عَوارِفَ بَعْدَ كِنٍّ وابْتِجاحِ
أَراد أَنَّهن أَقْرَرْن بالذلّ بعد النعْمةِ، ويروى وابْتِحاح من
البُحبُوحةِ، وهذا رواه ابن الأَعرابي. ويقال: نزلت به مُصِيبة فوُجِد صَبوراً
عَروفاً؛ قال الأَزهري: ونفسه عارِفة بالهاء مثله؛ قال عَنْترة:
وعَلِمْتُ أَن مَنِيَّتي إنْ تَأْتِني،
لا يُنْجِني منها الفِرارُ الأَسْرَعُ
فصَبَرْتُ عارِفةً لذلك حُرَّةً،
تَرْسُو إذا نَفْسُ الجَبانِ تَطَلَّعُ
تَرْسو: تَثْبُتُ ولا تَطلَّع إلى الخَلْق كنفْس الجبان؛ يقول: حَبَسْتُ
نَفْساً عارِفةً أَي صابرة؛ ومنه قوله تعالى: وبَلَغَتِ القُلوبُ
الحَناجِر؛ وأَنشد ابن بري لمُزاحِم العُقَيْلي:
وقفْتُ بها حتى تَعالَتْ بيَ الضُّحى،
ومَلَّ الوقوفَ المُبْرَياتُ العَوارِفُ
المُّبرياتُ: التي في أُنوفِها البُرة، والعَوارِفُ: الصُّبُر. ويقال:
اعْترف فلان إذا ذَلَّ وانْقاد؛ وأَنشد الفراء:
أَتَضْجَرينَ والمَطِيُّ مُعْتَرِفْ
أَي تَعْرِف وتصْبر، وذكَّر معترف لأَن لفظ المطيّ مذكر.
وعرَف بذَنْبه عُرْفاً واعْتَرَف: أَقَرَّ. وعرَف له: أَقر؛ أَنشد ثعلب:
عَرَفَ الحِسانُ لها غُلَيِّمةً،
تَسْعى مع الأَتْرابِ في إتْبِ
وقال أعرابي: ما أَعْرِفُ لأَحد يَصْرَعُني أَي لا أُقِرُّ به. وفي حديث
عمر: أَطْرَدْنا المعترِفين؛ هم الذين يُقِرُّون على أَنفسهم بما يجب
عليهم فيه الحدّ والتعْزيز. يقال: أَطْرَدَه السلطان وطَرَّده إذا أَخرجه
عن بلده، وطرَدَه إذا أَبْعَده؛ ويروى: اطْرُدُوا المعترفين كأَنه كره لهم
ذلك وأَحبّ أَن يستروه على أَنفسهم. والعُرْفُ: الاسم من الاعْتِرافِ؛
ومنه قولهم: له عليّ أَلْفٌ عُرْفاً أَي اعتِرافاً، وهو توكيد.
ويقال: أَتَيْتُ مُتنكِّراً ثم اسْتَعْرَفْتُ أَي عرَّفْته من أَنا؛ قال
مُزاحِمٌ العُقَيْلي:
فاسْتَعْرِفا ثم قُولا: إنَّ ذا رَحِمٍ
هَيْمان كَلَّفَنا من شأْنِكُم عَسِرا
فإنْ بَغَتْ آيةً تَسْتَعْرِفانِ بها،
يوماً، فقُولا لها العُودُ الذي اخْتُضِرا
والمَعْرُوف: ضدُّ المُنْكَر. والعُرْفُ: ضدّ النُّكْر. يقال: أَوْلاه
عُرفاً أَي مَعْروفاً. والمَعْروف والعارفةُ: خلاف النُّكر. والعُرْفُ
والمعروف: الجُود، وقيل: هو اسم ما تبْذُلُه وتُسْديه؛ وحرَّك الشاعر ثانيه
فقال:
إنّ ابنَ زَيْدٍ لا زالَ مُسْتَعْمِلاً
للخَيْرِ، يُفْشِي في مِصْرِه العُرُفا
والمَعْروف: كالعُرْف. وقوله تعالى: وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً، أَي
مصاحباً معروفاً؛ قال الزجاج: المعروف هنا ما يُستحسن من الأَفعال. وقوله
تعالى: وأْتَمِرُوا بينكم بمعروف، قيل في التفسير: المعروف الكسْوة
والدِّثار، وأَن لا يقصّر الرجل في نفقة المرأَة التي تُرْضع ولده إذا كانت
والدته، لأَن الوالدة أَرْأَفُ بولدها من غيرها، وحقُّ كل واحد منهما أَن
يأْتمر في الولد بمعروف. وقوله عز وجل: والمُرْسَلات عُرْفاً؛ قال بعض
المفسرين فيها: إنها أُرْسِلَت بالعُرف والإحسان، وقيل: يعني الملائكة
أُرسلوا للمعروف والإحسان. والعُرْفُ والعارِفة والمَعروفُ واحد: ضد النكر،
وهو كلُّ ما تَعْرِفه النفس من الخيْر وتَبْسَأُ به وتَطمئنّ إليه، وقيل:
هي الملائكة أُرسلت مُتتابعة. يقال: هو مُستعار من عُرْف الفرس أَي
يتتابَعون كعُرْف الفرس. وفي حديث كعْب بن عُجْرةَ: جاؤوا كأَنَّهم عُرْف أَي
يتْبَع بعضهم بعضاً، وقرئت عُرْفاً وعُرُفاً والمعنى واحد، وقيل:
المرسلات هي الرسل. وقد تكرَّر ذكر المعروف في الحديث، وهو اسم جامع لكل ما عُرف
ما طاعة اللّه والتقرّب إليه والإحسان إلى الناس، وكل ما ندَب إليه
الشرعُ ونهى عنه من المُحَسَّنات والمُقَبَّحات وهو من الصفات الغالبة أَي
أَمْر مَعْروف بين الناس إذا رأَوْه لا يُنكرونه. والمعروف: النَّصَفةُ
وحُسْن الصُّحْبةِ مع الأَهل وغيرهم من الناس، والمُنكَر: ضدّ ذلك جميعه.
وفي الحديث: أَهل المعروف في الدنيا هم أَهل المعروف في الآخرة أَي مَن بذل
معروفه للناس في الدنيا آتاه اللّه جزاء مَعروفه في الآخرة، وقيل: أَراد
مَن بذل جاهَه لأَصحاب الجَرائم التي لا تبلُغ الحُدود فيَشفع فيهم
شفَّعه اللّه في أَهل التوحيد في الآخرة. وروي عن ابن عباس، رضي اللّه عنهما،
في معناه قال: يأْتي أَصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة فيُغْفر لهم
بمعروفهم وتَبْقى حسناتُهم جامّة، فيُعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته
فيغفر له ويدخل الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة؛
وقوله أَنشده ثعلب:
وما خَيْرُ مَعْرُوفِ الفَتَى في شَبابِه،
إذا لم يَزِدْه الشَّيْبُ، حِينَ يَشِيبُ
قال ابن سيده: قد يكون من المعروف الذي هو ضِد المنكر ومن المعروف الذي
هو الجود. ويقال للرجل إذا ولَّى عنك بِوده: قد هاجت مَعارِفُ فلان؛
ومَعارِفُه: ما كنت تَعْرِفُه من ضَنِّه بك، ومعنى هاجت أَي يبِست كما يَهيج
النبات إذا يبس. والعَرْفُ: الرّيح، طيّبة كانت أَو خبيثة. يقال: ما
أَطْيَبَ عَرْفَه وفي المثل: لا يعْجِز مَسْكُ السَّوْء عن عَرْفِ السَّوْء؛
قال ابن سيده: العَرف الرائحة الطيبة والمُنْتِنة؛ قال:
ثَناء كعَرْفِ الطِّيبِ يُهْدَى لأَهْلِه،
وليس له إلا بني خالِدٍ أَهْلُ
وقال البُرَيق الهُذلي في النَّتن:
فَلَعَمْرُ عَرْفِك ذي الصُّماحِ، كما
عَصَبَ السِّفارُ بغَضْبَةِ اللِّهْمِ
وعَرَّفَه: طَيَّبَه وزَيَّنَه. والتعْرِيفُ: التطْييبُ من العَرْف.
وقوله تعالى: ويُدخِلهم الجنة عرَّفها لهم، أَي طَيَّبها؛ قال الشاعر يمدح
رجلاً:
عَرُفْتَ كإتْبٍ عَرَّفَتْه اللطائمُ
يقول: كما عَرُفَ الإتْبُ وهو البقِيرُ. قال الفراء: يعرفون مَنازِلهم
إذا دخلوها حتى يكون أَحدهم أَعْرَف بمنزله إذا رجع من الجمعة إلى أَهله؛
قال الأَزهري: هذا قول جماعة من المفسرين، وقد قال بعض اللغويين عرَّفها
لهم أَي طيَّبها. يقال: طعام معرَّف أَي مُطيَّب؛ قال الأَصمعي في قول
الأَسود ابن يَعْفُرَ يَهْجُوَ عقال بن محمد بن سُفين:
فتُدْخلُ أَيْدٍ في حَناجِرَ أُقْنِعَتْ
لِعادَتِها من الخَزِيرِ المُعَرَّفِ
قال: أُقْنِعَتْ أَي مُدَّت ورُفِعَت للفم، قال وقال بعضهم في قوله:
عَرَّفها لهم؛ قال: هو وضعك الطعام بعضَه على بعض. ابن الأَعرابي: عَرُف
الرجلُ إذا أَكثر من الطِّيب، وعَرِفَ إذا ترَكَ الطِّيب. وفي الحديث: من
فعل كذا وكذا لم يجد عَرْف الجنة أَي ريحَها الطيِّبة. وفي حديث عليّ، رضي
اللّه عنه: حبَّذا أَرض الكوفة أَرضٌ سَواء سَهلة معروفة أَي طيّبة
العَرْفِ، فأَما الذي ورد في الحديث: تَعَرَّفْ إلى اللّه في الرَّخاء
يَعْرِفْك في الشدَّة، فإنَّ معناه أَي اجعله يَعْرِفُكَ بطاعتِه والعَمَلِ فيما
أَوْلاك من نِعمته، فإنه يُجازِيك عند الشدَّة والحاجة إليه في الدنيا
والآخرة.
وعرَّف طَعامه: أَكثر أُدْمَه. وعرَّف رأْسه بالدُّهْن: رَوَّاه.
وطارَ القَطا عُرْفاً عُرْفاً: بعضُها خلْف بعض. وعُرْف الدِّيك
والفَرَس والدابة وغيرها: مَنْبِتُ الشعر والرِّيش من العُنق، واستعمله الأَصمعي
في الإنسان فقال: جاء فلان مُبْرَئلاً للشَّرِّ أَي نافِشاً عُرفه،
والجمع أَعْراف وعُروف. والمَعْرَفة، بالفتح: مَنْبِت عُرْف الفرس من الناصية
إلى المِنْسَج، وقيل: هو اللحم الذي ينبت عليه العُرْف. وأَعْرَفَ
الفَرسُ: طال عُرفه، واعْرَورَفَ: صار ذا عُرف. وعَرَفْتُ الفرس: جزَزْتُ
عُرْفَه. وفي حديث ابن جُبَير: ما أَكلت لحماً أَطيَبَ من مَعْرَفة
البِرْذَوْن أَي مَنْبت عُرْفه من رَقَبته. وسَنام أَعْرَفُ: طويل ذو عُرْف؛ قال
يزيد بن الأَعور الشني:
مُسْتَحْملاً أَعْرَفَ قد تَبَنَّى
وناقة عَرْفاء: مُشْرِفةُ السَّنام. وناقة عرفاء إذا كانت مذكَّرة تُشبه
الجمال، وقيل لها عَرْفاء لطُول عُرْفها. والضَّبُع يقال لها عَرْفاء
لطول عُرفها وكثرة شعرها؛ وأَنشد ابن بري للشنْفَرَى:
ولي دُونكم أَهْلون سِيدٌ عَمَلَّسٌ،
وأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وعَرْفاء جَيأَلُ
وقال الكميت:
لها راعِيا سُوءٍ مُضِيعانِ منهما:
أَبو جَعْدةَ العادِي، وعَرْفاء جَيْأَلُ
وضَبُع عَرفاء: ذات عُرْف، وقيل: كثيرة شعر العرف. وشيء أَعْرَفُ: له
عُرْف. واعْرَوْرَفَ البحرُ والسيْلُ: تراكَم مَوْجُه وارْتَفع فصار له
كالعُرف. واعْرَوْرَفَ الدَّمُ إذا صار له من الزبَد شبه العرف؛ قال الهذلي
يصف طَعْنَة فارتْ بدم غالب:
مُسْتَنَّة سَنَنَ الفُلُوّ مرِشّة،
تَنْفِي التُّرابَ بقاحِزٍ مُعْرَوْرِفِ
(* قوله «الفلوّ» بالفاء المهر، ووقع في مادتي قحز ورشّ بالغين.)
واعْرَوْرَفَ فلان للشرّ كقولك اجْثَأَلَّ وتَشَذَّرَ أَي تهيَّاَ.
وعُرْف الرمْل والجبَل وكلّ عالٍ ظهره وأَعاليه، والجمع أَعْراف وعِرَفَة
(*
قوله «وعرفة» كذا ضبط في الأصل بكسر ففتح.) وقوله تعالى: وعلى الأَعْراف
رِجال؛ الأَعراف في اللغة: جمع عُرْف وهو كل عال مرتفع؛ قال الزجاج:
الأَعْرافُ أَعالي السُّور؛ قال بعض المفسرين: الأعراف أَعالي سُور بين أَهل
الجنة وأَهل النار، واختلف في أَصحاب الأَعراف فقيل: هم قوم استوت
حسناتهم وسيئاتهم فلم يستحقوا الجنة بالحسنات ولا النار بالسيئات، فكانوا على
الحِجاب الذي بين الجنة والنار، قال: ويجوز أَن يكون معناه، واللّه أَعلم،
على الأَعراف على معرفة أَهل الجنة وأَهل النار هؤلاء الرجال، فقال قوم:
ما ذكرنا أَن اللّه تعالى يدخلهم الجنة، وقيل: أَصحاب الأعراف أَنبياء،
وقيل: ملائكة ومعرفتهم كلاً بسيماهم أَنهم يعرفون أَصحاب الجنة بأَن
سيماهم إسفار الوجُوه والضحك والاستبشار كما قال تعالى: وجوه يومئذ مُسْفرة
ضاحكة مُستبشرة؛ ويعرِفون أَصحاب النار بسيماهم، وسيماهم سواد الوجوه
وغُبرتها كما قال تعالى: يوم تبيضُّ وجوه وتسودّ وجوه ووجوه يومئذ عليها
غَبَرة ترهَقها قترة؛ قال أَبو إسحق: ويجوز أَن يكون جمعه على الأَعراف على
أَهل الجنة وأَهل النار. وجبَل أَعْرَفُ: له كالعُرْف. وعُرْفُ الأَرض: ما
ارتفع منها، والجمع أَعراف. وأَعراف الرِّياح والسحاب: أَوائلها
وأَعاليها، واحدها عُرْفٌ. وحَزْنٌ أَعْرَفُ: مرتفع. والأَعرافُ: الحَرْث الذي
يكون على الفُلْجانِ والقَوائدِ.
والعَرْفةُ: قُرحة تخرج في بياض الكف. وقد عُرِف، وهو مَعْروف: أَصابته
العَرْفةُ.
والعُرْفُ: شجر الأُتْرُجّ. والعُرف: النخل إذا بلغ الإطْعام، وقيل:
النخلة أَوَّل ما تطعم. والعُرْفُ والعُرَفُ: ضرب من النخل بالبحرَيْن.
والأعراف: ضرب من النخل أَيضاً، وهو البُرْشُوم؛ وأَنشد بعضهم:
نَغْرِسُ فيها الزَّادَ والأَعْرافا،
والنائحي مسْدفاً اسُدافا
(* قوله «والنائحي إلخ» كذا بالأصل.)
وقال أَبو عمرو: إذا كانت النخلة باكوراً فهي عُرْف. والعَرْفُ: نَبْت
ليس بحمض ولا عِضاه، وهو الثُّمام.
والعُرُفَّانُ والعِرِفَّانُ: دُوَيْبّةٌ صغيرة تكون في الرَّمْل، رمْلِ
عالِج أَو رمال الدَّهْناء. وقال أَبو حنيفة: العُرُفَّان جُنْدَب ضخم
مثل الجَرادة له عُرف، ولا يكون إلا في رِمْثةٍ أَو عُنْظُوانةٍ.
وعُرُفَّانُ: جبل. وعِرِفَّان والعِرِفَّانُ: اسم. وعَرَفةُ وعَرَفاتٌ: موضع
بمكة، معرفة كأَنهم جعلوا كل موضع منها عرفةَ، ويومُ عرفةَ غير منوّن ولا
يقال العَرفةُ، ولا تدخله الأَلف واللام. قال سيبويه: عَرفاتٌ مصروفة في
كتاب اللّه تعالى وهي معرفة، والدليل على ذلك قول العرب: هذه عَرفاتٌ
مُبارَكاً فيها، وهذه عرفات حسَنةً، قال: ويدلك على معرفتها أَنك لا تُدخل فيها
أَلفاً ولاماً وإنما عرفات بمنزلة أَبانَيْنِ وبمنزلة جمع، ولو كانت
عرفاتٌ نكرة لكانت إذاً عرفاتٌ في غير موضع، قيل: سمي عَرفةَ لأَن الناس
يتعارفون به، وقيل: سمي عَرفةَ لأَن جبريل، عليه السلام، طاف بإبراهيم، عليه
السلام، فكان يريه المَشاهِد فيقول له: أَعرفْتَ أَعرفت؟ فيقول إبراهيم:
عرفت عرفت، وقيل: لأَنّ آدم، صلى اللّه على نبينا وعليه السلام، لما هبط
من الجنة وكان من فراقه حوَّاء ما كان فلقيها في ذلك الموضع عَرَفها
وعرَفَتْه. والتعْريفُ: الوقوف بعرفات؛ ومنه قول ابن دُرَيْد:
ثم أَتى التعْريفَ يَقْرُو مُخْبِتاً
تقديره ثم أَتى موضع التعريف فحذف المضاف وأَقام المضاف إليه مقامه.
وعَرَّف القومُ: وقفوا بعرفة؛ قال أَوْسُ بن مَغْراء:
ولا يَريمون للتعْرِيفِ مَوْقِفَهم
حتى يُقال: أَجيزُوا آلَ صَفْوانا
(* قوله «صفوانا» هو هكذا في الأصل، واستصوبه المجد في مادة صوف راداً
على الجوهري.)
وهو المُعَرَّفُ للمَوْقِف بعَرَفات. وفي حديث ابن عباس، رضي اللّه
عنهما: ثم مَحِلُّها إلى البيت العتيق وذلك بعد المُعَرَّفِ، يريد بعد
الوُقوف بعرفةَ. والمُعَرَّفُ في الأَصل: موضع التعْريف ويكون بمعنى المفعول.
قال الجوهري: وعَرَفات موضع بِمنًى وهو اسم في لفظ الجمع فلا يُجْمع، قال
الفراء: ولا واحد له بصحة، وقول الناس: نزلنا بعَرفة شَبيه بمولَّد، وليس
بعربي مَحْض، وهي مَعْرِفة وإن كان جمعاً لأَن الأَماكن لا تزول فصار
كالشيء الواحد، وخالف الزيدِين، تقول: هؤلاء عرفاتٌ حسَنةً، تَنْصِب النعتَ
لأَنه نكِرة وهي مصروفة، قال اللّه تعالى: فإذا أَفَضْتُم من عَرفاتٍ؛
قال الأَخفش: إنما صرفت لأَن التاء صارت بمنزلة الياء والواو في مُسلِمين
ومسلمون لأنه تذكيره، وصار التنوين بمنزلة النون، فلما سمي به تُرِك على
حاله كما تُرِك مسلمون إذا سمي به على حاله، وكذلك القول في أَذْرِعاتٍ
وعاناتٍ وعُرَيْتِنات
والعُرَفُ: مَواضِع منها عُرفةُ ساقٍ وعُرْفةُ الأَملَحِ وعُرْفةُ
صارةَ. والعُرُفُ: موضع، وقيل جبل؛ قال الكميت:
أَهاجَكَ بالعُرُفِ المَنْزِلُ،
وما أَنْتَ والطَّلَلُ المُحْوِلُ؟
(* قوله «أهاجك» في الصحاح ومعجم ياقوت أأبكاك.)
واستشهد الجوهري بهذا البيت على قوله العُرْف. والعُرُفُ: الرمل
المرتفع؛ قال: وهو مثل عُسْر وعُسُر، وكذلك العُرفةُ، والجمع عُرَف وأَعْراف.
والعُرْفَتانِ: ببلاد بني أَسد؛ وأَما قوله أَنشده يعقوب في البدل:
وما كنْت ممّنْ عَرَّفَ الشَّرَّ بينهم،
ولا حين جَدّ الجِدُّ ممّن تَغَيَّبا
فليس عرَّف فيه من هذا الباب إنما أَراد أَرَّث، فأَبدل الأَلف لمكان
الهمزة عيْناً وأَبدل الثاء فاء. ومَعْروف: اسم فرس الزُّبَيْر بن العوّام
شهد عليه حُنَيْناً. ومعروف أَيضاً: اسم فرس سلمةَ بن هِند الغاضِريّ من
بني أَسد؛ وفيه يقول:
أُكَفِّئُ مَعْرُوفاً عليهم كأَنه،
إذا ازْوَرَّ من وَقْعِ الأَسِنَّةِ أَحْرَدُ
ومَعْرُوف: وادٍ لهم؛ أَنشد أَبو حنيفة:
وحتى سَرَتْ بَعْدَ الكَرى في لَوِيِّهِ
أَساريعُ مَعْروفٍ، وصَرَّتْ جَنادِبُهْ
وذكر في ترجمة عزف: أَن جاريتين كانتا تُغَنِّيان بما تَعازَفَت
الأَنصار يوم بُعاث، قال: وتروى بالراء المهملة أَي تَفاخَرَتْ.
كتف: الكَتِفُ والكِتْفُ مثل كَذِبٍ وكِذْبٍ: عظم عريض خلف المَنْكِب،
أُنثى وهي تكون للناس وغيرهم. وفي الحديث: ائتُوني بكَتِف ودَواة أَكْتُب
لكم كتاباً، قال: الكتف عظم عريض يكون في أَصل كتف الحيوان من الناس
والدوابّ كانوا يكتُبون فيه لقِلة القَراطِيس عندهم. وفي حديث أَبي هريرة،
رضي اللّه عنه: ما لي أَراكم عنها مُعْرِضين؟ واللّه لأَرْمِيَنَّها بين
أَكتافكم يروى بالتاء والنون، فمعنى التاء أَنها كانت على ظهورهم وبين
أَكتافهم لا يقدِرون أَن يُعْرِضوا عنها لأَنهم حاملوها فهي معهم لا
تُفارِقهم، ومعنى النون أَنه يرميها في أَفْنِيتهم ونواحِيهم فكلما مروا فيها
رأَوها فلا يَقْدِرون أَن يَنْسَوْها. والكَتِفُ من الإبل والخيل والبغال
والحمير وغيرها: ما فوق العَضُد، وقيل: الكتفان أَعلى اليدين، والجمع
أَكتاف؛ سيبويه: لم يجاوزوا به هذا البناء، وحكى اللحياني في جمعه كِتَفةً.
والأَكْتف من الرجال: الذي يشتكي كتفه. ورجل أَكتف بيّنُ الكَتَفِ أَي
عريض الكَتِف، وفي المحكم: عظيم الكتف. ورجل أَكتف: عظيم الكتف كما يقال
أَرْأَسُ وأَعْنَقُ، وما كان أَكْتَفَ ولقد كَتِف كَتَفاً: عظُمت كَتِفُه.
وإني لأَعلم من أَين تؤكل الكَتِفُ؛ تضربه كل شيء علمته. والكُتاف: وجع في
الكتِف. وقال اللحياني: بالدابة كُتافٌ شديد أَي داء في ذلك الموضع.
والكَتَفُ: عَيْب يكون في الكَتِف. والكتَف: انْفِراجٌ في أَعالي كتف
الإنسان وغيره مما يلي الكاهِل، وقيل: الكَتَفُ في الخيل انفراج أَعالي
الكَتِفَين من غَراضِيفها مما يلي الكاهل، وهو من العيوب التي تكون خِلْقة.
أَبو عبيدة: فرس أَكتف وهو الذي في فُروع كَتِفيه انفراج في غراضيفها مما
يلي الكاهل. الجوهري: الأَكْتَفُ من الخيل الذي في أَعالي غَراضِيف
كتفيه انفراج. والكَتَفُ، بالتحريك: نقصان في الكتف، وقيل: هو ظَلَع يأْخذ من
وجع الكَتِفِ، كَتِفَ كَتَفاً وهو أَكْتَف. وكَتِفَ البعير كتَفاً وهو
أَكتفُ إذا اشتكى كَتِفه وظَلع منها. اللحياني: بالبعير كتَفٌ شديد إذا
اشتكى كَتِفه. يقال جمل أَكتَف وناقة كَتْفاء. وكَتفه يَكْتِفه كتْفاً:
أَصاب كَتِفه أَو ضربه عليها. والكَتَف: مصدر الأَكْتف وهو الذي انضمت
كَتِفاه على وسط كاهله خِلْقة قبيحة. وكتَفَت الخيلُ تَكْتِف كتْفاً وكَتَّفَت
وتكَتَّفَت: ارتفعت فُروع أَكتافها في المشي، وعُرِضَت على ابن
أُقَيْصِرٍ أَحد بني أَسد بن خزيمة خيل فأَوْمأَ إلى بعضها وقال: تجيء هذه سابقة،
فسأَلوه: ما الذي رأَيت فيها؟ فقال: رأَيتها مشت فكتَفتْ، وخبَّت
فوجَفَت، وعدَت فنَسَفَت فجاءت سابقة. والكَتِفان: اسم فرس من ذلك؛ قالت بنت
مالك ابن زيد ترثيه:
إذا سَجَعَتْ، بالرَّقْمَتَيْنِ، حَمامةٌ،
أَو الرَّسِّ تَبْكي فارِسَ الكَتِفانِ
وكتَفتِ المرأَة تَكتِف: مشت فحرَّكت كتفيها. قال الأَزهري: وقولهم مشت
فكتَفَت أَي حركت كتِفيْها يعني الفرس.
والكِتافُ: مصدرُ المِكْتاف من الدوابّ، والمِكْتاف من الدوابّ: الذي
يَعقِر السرجُ كتفَه، والاسم الكِتاف، والكَتَّافُ: الذي ينظر في الأَكتاف
فيُكَهِّنُ فيها.
والكَتْف: المشي الرُّوَيْد؛ قال الأَعشى:
فأَفْحَمْته حتى اسْتَكان كأَنَّه
قريحُ سِلاح، يَكتِف المشي، فاترُ
أَنشده ابن بري. ابن سيده: كتَف يَكْتِف كَتْفاً وكَتِيفاً مشى مَشْياً
رُوَيْداً؛ قال لبيد:
وسُقْت رَبيعاً بالقَناة كأَنه
قريح سلاح، يكتف المشي، فاتر
والكُتْفان والكِتْفان: الجراد بعد الغَوْغاء، وقيل: هو كُتْفان
وكِتْفان إذا بدا حَجْم أَجنحته ورأَيت موضعَه شاخِصاً، وإن مسَسْتَه وجدت
حَجْمه، واحدته كتفانة، وقيل: واحده كاتِف والأُنثى كاتفة. أَبو عبيدة: يكون
الجراد بعد الغوفاء كتفاناً؛ قال أَبو منصور: سماعي من العرب في الكتفان
من الجراد التي ظهرت أَجنحتها ولمّا تَطِرْ بعد، فهي تَنْقُزُ في الأَرض
نَقَزاناً مثل المَكْتُوف الذي لا يَستعين بيديه إذا مشى. ويقال للشيء إذا
كثر: مثلُ الدَّبى والكُِتفان. والغَوْغاء من الجراد: ما قد طار ونبتت
أَجنحته. الأَصمعي: إذا استبان حجم أَجنحة الجراد فهو كتفان، وإذا احمرّ
الجراد فانسلخ من الأَلوان كلها فهي الغَوْغاء. الجوهري: الكُتفان الجراد
أَوّل ما يطير منه، ويقال: هي الجراد بعد الغوغاء أَولها السِّرْو ثم
الدَّبى ثم الغوغاء ثم الكتفان؛ قال ابن بري: وقد يثقل في الشعر؛ قال صخر
أَخو الخَنْساء:
وحَيّ حريد قد صَبَحْتُ بِغارةٍ،
كرِجْل الجَرادِ أَو دَبًى كُتُفانِ
والكَتْفُ والكَتَفانُ: ضرب من الطيَران كأَنه يردّ جناحيه ويضمهما إلى
ما وراءه.
والكَتْفُ: شدّك اليدين من خلف. وكتَف الرجلَ يَكْتِفه كتْفاً وكتّفه:
شدَّ يديه من خلفه بالكِتاف. والكِتافُ: ما شُدَّ به؛ قالت بعض نساء
الأَعراب تصف سحاباً:
أَناخَ بذي بَقَرٍ بَرْكَه،
كأَنَّ على عضُدَيْه كِتافا
وجاء به في كِتاف أَي في وِثاق. والكِتافُ: الحَبل الذي يُكتف به
الإنسان. وفي الحديث: الذي يصلّي وقد عقَص شعره كالذي يصلّي وهو مكْتوف؛ هو
الذي شدّت يداه من خلفه يشبه به الذي يَعْقِد شعره من خلفه. والكِتافُ: وثاق
في الرحْل والقَتَب وهو إسارُ عُودين أَو حِنْوين يُشدّ أَحدهما إلى
الآخر. والكتْف: أَن يشدَّ حِنْوا الرَّحل أَحدهما على الآخر.
وكتّف اللحم تَكْتِيفاً: قطَّعه صغاراً، وكذلك الثوب، وكتَّفه بالسيف
كذلك.
الجوهري: والكَتِيفةُ ضبَّة الباب وهي حديدة عريضة. ابن سيده:
والكَتِيفُ والكَتيفة حديدة عريضة طويلة وربما كانت كأَنها صحيفة، وقيل: الكتيف
الضبة؛ قال الأَعشى:
بيْنما المَرْء كالرُّديْني ذي الجُبْـ
ـبَةِ سَوَّاه مُصْلِحُ التَّثْقِيفِ
أَو كَقِدْحِ النُّضار لاَّمَه القَيـ
ـن، ودانى صُدوعه بالكتيفِ
رَدَّه دَهْرُه المُضَلَّل، حتى
عادَ من بعدِ مَشْيِه للدَّلِيفِ
قوله بالكتِيف يعني كتائفَ رِقاقاً من الشَبه؛ وقيل: الكتِيفة الضبَّة،
وقيل: الضبة من الحديد، وجمعها كتِيف وكُتُفٌ. وكَتف الإناء يكْتِفُه
كتْفاً وكتَّفه: لأَمَه بالكتِيف؛ قال جرير:
ويُنْكِرُ كفَّيْه الحُسامُ وحَدُّه،
ويَعْرِفُ كفَّيْه الإناءُ المُكَتَّفُ
شمر: ويقال للسيف الصفيح كَتِيف؛ قال أَبو دُواد:
فَوَدِدْتُ لو أَني لَقِيتُك خالِياً،
أَمْشِي، بكَفِّي صَعْدَةٌ وكَتِيفُ
أَراد سيفاً صَفِيحاً فسماه كَتِيفاً. قال خالد بن جَنْبَة: كَتِيفةُ
الرحْل واحدة الكتائف، وهي حديدة يُكْتَفُ بها الرحْل. وقال ابن الأَعرابي:
أُخذ المَكْتوف من هذا لأَنه جَمع يديه. والكتيفة: كلْبَة الحدَّاد.
والكَتِيفةُ: السَّخِيمةُ والحِقْد والعداوة وتجمع على الكتائف؛ قال
القطامي:أَخُوك الذي لا يَمْلِكُ الحِسَّ نفسُه،
وتَرْفضُّ عند المُخْطِفاتِ الكتائفُ
ويروى المُحْفِظات. وكِتافُ القَوْس: ما بين الطائف والسِّيةِ، والجمع
أَكْتِفةٌ وكُتُفٌ.
أثف: الأُثْفِيَّةُ والإثْفِيّةُ: الحجر الذي تُوضَعُ عليه القِدْرُ،
وجمعها أَثافيُّ وأَثافٍ، قال الأَخفش: اعْتَزَمت العرب أَثافيَ أَي أَنهم
لم يتكلموا بها إلامخففة. وفي حديث جابر: والبُرْمة بينَ الأَثافي؛ هي
جمع أُثْفِيّة، وقد تخفف الياء في الجمع، وهي الحجارة التي تُنْصَبُ وتجعل
القِدْرُ عليها. يقال: أَثْفَيْتُ القِدْرَ إذا جعلتَ لها الأَثافي،
وثَفَّيْتُها إذا وضعتها عليها، والهمزة فيها زائدة؛ ورأَيت حاشية بخط بعض
الأَفاضل. قال أَبو القاسم الزمخشَري: الأُثْفِيّةُ ذات وجهين تكون
فُعْلُويةً وأُفْعُولةً، تقول أَثَّفْتُ القِدْرُ وثَفَّيْتُها وتأَثَّفَتِ
القِدْرُ. الجوهري: أَثَّفْتُ القِدْرَ تأْثِيفاً لغة في ثَفَّيْتُها
تَثْفِيةً إذا وضعتَها على الأَثافي. وقولهم: رماه اللّه بثالثة الأَثافي، قال
ثعلب: أَي رماه اللّه بالجبل أَي بِداهيةٍ مثلِ الجبل، والمعنى أَنهم إذا
لم يجدوا ثالثة من الأَثافي أَسْنَدُوا قُدُورَهم إلى الجبل. وقد آثَفَها
وأَثَّفَها وأَثْفاها، وقِدْرٌ مُؤَثْفاةٌ؛ قال:
وصالياتٍ كَكما يُؤَثْفَيْنْ
(* قوله: ككما يُؤثْفَينْ هكذا في الأصل.)
وتأَثَّفْناه: صرنا حَوالَيْه كالأُثْفِيةِ.
ومرَةٌ مؤَثَّفةٌ: لزوجها امرأَتان سِواها وهي ثالثتهما، شبهت بأَثافي
القِدْر. ومنه قول المخزومية: إني أَنا الـمُؤَثَّفة الـمُكَثَّفةُ؛ حكاه
ابن الأَعرابي ولم يفسر واحدة منهما. والإثْفِيّةُ، بالكسر: العَدَدُ
والجماعةُ من الناس. قال ابن الأَعرابي في حديث له: إن في الحِرْمازِ اليومَ
لَثَفِنةً إثْفِيَّةً من أَثافي الناس صُلْبةً؛ نَصَب إثْفِيّة على
البدل ولا تكون صفة لأَنها اسم.
وتأَثَّفوا بالمكان: أَقاموا فلم يبرحوا. وتأَثَّفوا على الأَمر:
تَعاوَنُوا. وأَثَفْتُه آثِفُه أَثْفاً: تَبِعْتُه. والآثِفُ: التَّابِعُ، وقد
أَثَفَه يأْثِفُه مثال كسَرَه يكْسِرُه أَي تَبِعَه. الجوهري: أَبو زيد
تأَثَّفَ الرجلُ المكانَ إذا لم يَبْرَحْه. ويقال: تأَثَّفُوه أَي
تَكَنَّفُوه؛ ومنه قول النابغة:
لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاء له،
وإنْ تأَثَّفَك الأَعْداءُ بالرِّفَدِ
أَي لا تَرْمِني منكَ برُكْنٍ لا مِثْلَ له، وإِن تأَثَّفَك الأَعْداء
واحْتَوَشُوكَ مُتَوازِرِينَ أَي مُتعاوِنِين. والرِّفَدُ: جمع رِفْدةٍ.