من (ج م ح) الراكب هواه فلا يمكن رده، والمسرع إلى الشيء، والفرش العاتي عن أمر صابه حتى يغلبه.
من (ج م ح) الراكب هواه فلا يمكن رده، والمسرع إلى الشيء، والفرش العاتي عن أمر صابه حتى يغلبه.
جمح: جَمَحَتِ المرأَةُ تَجْمَحُ جِماحاً من زوجها: خرجت من بيته إِلى
أَهلها قبل أَن يطلقها، ومثله طَمَحَتْ طِماحاً؛ قال:
إِذا رأَتني ذاتُ ضِغْنٍ حَنَّتِ،
وجَمَحَتْ من زوجِها وأَنَّتِ
وفرسٌ جَمُوح إِذا لم يَثْنِ رأْسَه. وجَمَحَ الفرسُ بصاحبه جَمْحاً
وجِماحاً: ذهب يجري جرياً غالباً واعْتَزَّ فارسَه وغلبه. وفرس جامِحٌ
وجَمُوحٌ، الذكر والأُنثى في جَمُوح سواء؛ وقال الأَزهري عند النعتين: الذكر
والأُنثى فيه سواء؛ وكل شيءٍ مضى لشيء على وجهه، فقد جَمَحَ به، وهو
جَمُوح؛ قال:
إِذا عَزَمْتُ على أَمرٍ جَمَحْتُ به،
لا كالذي صَدَّ عنه، ثم لم يُنِبِ
والــجَمُوحُ من الرجال: الذي يركب هواه فلا يمكن رَدُّه؛ قال الشاعر:
خَلَعْتُ عِذاري جامِحاً، لا يَرُدُّني،
عن البِيضِ أَمثالِ الدُّمَى، زَجْرُ زاجِرِ
وجَمَحَ إِليه أَي أَسرع. وقوله تعالى: لَوَلَّوْا إِليه وهم
يَجْمَحُون؛ أَي يُسْرعون؛ وقال الزجاج: يسرعون إِسراعاً لا يَرُدُّ وُجوهَهم شيءٌ،
ومِن هذا قيل: فرس جَمُوحٌ، وهو الذي إِذا حَمَلَ لم يَرُدَّه اللجام.
ويقال: جَمَحَ وطَمَحَ إِذا أَسرع ولم يَرُدَّ وجهَه شيءٌ. وقال الأَزهري:
فرس جَمُوح له معنيان: أَحدهما يوضع موضع العيب وذلك إِذا كان من عادته
ركوب الرأْس، لا يثنيه راكبه، وهذا من الجِماحِ الذي يُرَدُّ منه بالعيب،
والمعنى الثاني في الفرس الــجَمُوح أَن يكون سريعاً نشيطاً مَرُوحاً،
وليس بعيب يُردّ منه، ومصدره الــجُمُوح؛ ومنه قول امرئ القيس:
جَمُوحــاً مَرُوحاً، وإِحْضارُها
كَمَعْمَعةِ السَّعَفِ المُوقَدِ
وإِنما مدحها فقال:
وأَعْدَدْتُ لِلحَربِ وَثَّابةً،
جَوَادَ المَحَّثَّةِ والمُرْوَدِ
ثم وصفها فقال: جَمُوحــاً مَرُوحاً أَو سَبُوحاً أَي تُسْرع براكبها.
وفي الحديث: أَنه جَمَحَ في أَثَرِه أَي أَسْرع إِسراعاً لا يَرُدُّه
شيء. وجَمَحَتِ السفينة تَجْمَحُ جُمُوحــاً: تَرَكَتْ قَصْدَها فلم
يَضْبِطْها الملاَّحون. وجَمَحُوا بكِعابِهم: كَجَبَحُوا.
وتَجامَحش الصبيانُ بالكِعابِ إِذا رَمَوْا كَعْباً بكَعْب حتى يزيله عن
موضعه.
والجَمامِيحُ: رؤُوس الحَلِيِّ والصِّلِّيانِ؛ وفي التهذيب: مثل رؤُوس
الحَلِيِّ والصِّلِّيان ونحو ذلك مما يخرج على أَطرافه شِبْهُ
السُّنْبُلِ، غير أَنه لَيِّنٌ كأَذْنابِ الثعالب، واحدته جُمَّاحَة.
والجُمَّاح: شيءٌ يُتَّخَذُ من الطين الحُرِّ أَو التمر والرَّمادِ
فَيُصَلَّبُ ويكون في رأْس المِعْراضِ يُرْمَى به الطير؛ قال:
أَصابتْ حَبَّةَ القَلبِ،
فلم تُخْطِئْ بِجُمَّاحِ
وقيل: الجُمَّاحُ تمرة تجعل على رأْس خشبة يلعب بها الصبيان، وقيل: هو
سهم أَو قَصَبة يجعل عليها طين ثم يرمى به الطير؛ قال رُقَيْعٌ
الوالِبِيُّ:
حَلَقَ الحوادثُ لِمَّتي، فَتَرَكْن لي
رأْساً يَصِلُّ، كأَنه جُمَّاحُ
أَي يُصَوِّتُ من امِّلاسِه؛ وقيل: الجُمَّاحُ سهمٌ صغير بلا نَصْلٍ
مُدَوَّرُ الرأْس يتعلم به الصِّبيانُ الرَّمْيَ، وقيل: بل يلعب به الصبيان
يجعلون على رأْسه تمرة أَو طيناً لئلا يَعْقِرَ؛ قال الأَزهري: يرمى به
الطائر فيلقيه ولا يقتله حتى يأْخذه راميه؛ وروت العربُ عن راجز من الجن
زَعَمُوا:
هل يُبْلِغَنِّيهمْ إِلى الصَّباحْ
هَيْقٌ، كأَنَّ رأْسَه جُمَّاحْ
قال الأَزهري: ويقال له جُبَّاحٌ أَيضاً؛ وقال أَبو حنيفة: الجُمَّاح
سهم الصبي يجعل في طرفه تمراً مَعْلوكاً بقَدْرِ عِفاصِ القارورة ليكون
أَهْدَى له، أَمْلَسُ وليس له رِيشٌ، وربما لم يكن له أَيضاً فُوقٌ، قال:
وجمع الجُمَّاحِ جَمامِيحُ وجَمامِحُ، وإِنما يكون الجَمامِحُ في ضرورة
الشعر كقول الحُطَيْئة:
بِزُبِّ اللِّحَى جُرْدِ الخُصَى كالجَمامِحِ
فأَما أَن يجمع الجُمَّاحُ على جَمامِحَ في غير ضرورة الشعر فلا، لأَن
حرف اللين فيه رابع، وإِذا كان حرف اللين رابعاً في مثل هذا كان أَلفاً
أَو واواً أَو ياءً، فلا بد من ثباتها ياء في الجمع والتصغير على ما
أَحكَمَتْه صِناعةُ الإِعراب، فإِذاً لا معنى لقول أَبي حنيفة في جمع جُمَّاح
جَمامِيحُ وجَمامِحُ، وإِنما غرّه بيت الحطيئة وقد بيَّنا أَنه اضطرار.
الأَزهري: العرب تُسَمِّي ذَكَر الرَّجلِ جُمَيْحاً ورُمَيْحاً، وتُسَمِّي
هَنَ المرأَةِ شُرَيْحاً، لأَنه من الرجل يَجْمَحُ فيرفع رأْسه، وهو منها
يكون مشروحاً أَي مفتوحاً. ابن الأَعرابي: الجُمَّاح المنهزمون من
الحرب، وأَورد ابن الأَثير في هذا الفصل ما صورته: وفي حديث عمر ابن عبد
العزيز: فَطَفِقَ يُجَمِّحُ إِلى الشاهد النَّظَرَ أَي يديمه مع فتح العين،
قال: هكذا جاء في كتاب أَبي موسى وكأَنه، والله أَعلم، سهو، فإِن الأَزهري
والجوهري وغيرهما ذكروه في حرف الحاء قبل الجيم، وفسروه بهذا التفسير وهو
مذكور في موضعه؛ قال: ولم يذكره أَبو موسى فيحرف الحاء. وقد سَمَّوْا
جَمَّاحاً وجُمَيْحاً وجُمَحاً: وهو أَبو بطن من قريش.
رود: الرَّوْدُ: مصدر فعل الرائد، والرائد: الذي يُرْسَل في التماس
النُّجْعَة وطلب الكلإِ، والجمع رُوَّاد مثل زائر وزُوَّار. وفي حديث عليّ،
عليه السلام، في صفة الصحابة، رضوان الله عليهم أَجمعين: يدخلون رُوَّاداً
ويخرجون أَدلة أَي يدخلون طالبين للعلم ملتمسين للحلم من عنده ويخرجون
أَدلة هُداة للناس. وأَصل الرائد الذي يتقدّم القوم يُبْصِر لهم الكلأَ
ومساقط الغيث؛ ومنه حديث الحجاج في صفة الغيث: وسمعت الرُّوَّاد يدعون إِلى
ديارتها أَي تطلب الناس إِليها، وفي حديث وفد عبد القيس: إِنَّا قوم
رادَةٌ؛ وهو جمع رائد كحاكة وحائك، أَي نرود الخير والدين لأَهلنا. وفي شعر
هذيل: رادَهم رائدهم
(* قوله «والريوند» في القاموس والروند كسجل، يعني
بكسر ففتح فسكون، والاطباء يزيدونها الفاً، فيقولون راوند)، ونحو هذا كثير
في لغتها، فإِما أَن يكون فاعلاً ذهبت عينه، وإِما أَن يكون فَعَلاً،
إِلا أَنه إِذا كان فَعَلاً فإِنما هو على النسَب لا على الفعل؛ قال أَبو
ذؤيب يصف رجلاً حاجّاً طلب عسلاً:
فباتَ بِجَمْعٍ، ثم تمَّ إِلى مِنًى،
فأَصبح راداً يَبتِغي المزْجَ بالسَّحْل
أَي طالباً؛ وقد راد أَهله منزلاً وكلأً، وراد لهم رَوْداً وارتاد
واستراد. وفي حديث معقل
بن يسار وأُخته: فاستَراد لأَمر الله أَي رجع ولان وانقاد، وارتاد لهم
يرتاد.
ورجل رادٌ: بمعنى رائد، وهو فَعَل، بالتحريك، بمعنى فاعل كالفَرَط بمعنى
الفارط. ويقال: بعثنا رائداً يرود لنا الكلأَ والمنزل ويرتاد والمعنى
واحد أَي ينظر ويطلب ويختار أَفضله. قال وجاءَ في الشعر: بعثوا رادهم أَي
رائدهم؛ ومن أَمثالهم: الرائدُ لا يَكْذب أَهَله؛ يضرب مثلاً للذي لا يكذب
إِذا حدّث، وإِنما قيل له ذلك لأَنه إِن لم يَصْدُقهم فقد غرّر بهم.
وراد الكلأَ يَرُدوه رَوْداً ورِياداً وارتاده ارتياداً بمعنى أَي طلبه.
ويقال: راد أَهلَه يرودهم مَرْعىً أَو منزلاً رياداً وارتاد لهم ارتياداً؛
ومنه الحديث: إِذا أَراد أَحدكم أَن يبول فليَرتَدْ لبوله أَي يرتاد
مكاناً دَمِثاً ليناً منحدراً، لئلا يرتد عليه بوله ويرجع عليه رَشاشُه.
والرائد: الذي لا منزل له. وفي الحديث: الحمى رائدُ الموت أَي رسول الموت الذي
يتقدّمه، كالرائد الذي يبعث ليَرتاد منزلاً ويتقدم قومه؛ ومنه حديث
المولد: أُعيذُك بالواحد، من شر كلِّ حاسد وكلِّ خَلْقٍ رائد أَي يتقدم
بمكروه.
وقولهم: فلان مُسترادٌ لمثله، وفلانة مستراد لمثلها أَي مِثلُه ومثلها
يُطلب ويُشَحُّ به لنفاسته؛ وقيل: معناه مُسترادُ مِثلِه أَو مِثلِها،
واللام زائدة؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
ولكنَّ دَلاًّ مُستراداً لمِثلِه،
وضرباً للَيْلى لا يُرى مِثلُه ضربا
ورادَ الدارَ يَرُودُها: سأَلها؛ قال يصف الدار:
وقفت فيها رائداً أَرُودُها
ورادث الدوابُّ رَوْداً وَرَوَداناً واسترادتْ: رَعَتْ؛ قال أَبو ذؤيب:
وكان مِثلَينِ أَن لا يَسرحَوا نَعَماً،
حيثُ استرادَتْ مواشيهمْ، وتسريحُ
ورُدْتُها أَنا وأَردتها.
والروائدُ: المختلفة من الدواب؛ وقيل: الروائدُ منها التي ترعى من بينها
وسائرها محبوس عن المرتع أَو مربوط. التهذيب: والروائد من الدواب التي
ترتع؛ ومنه قول الشاعر:
كأَنَّ روائدَ المُهْراتِ منها
ورائدُ العين: عُوَّارُها الذي يَرُودُ فيها. ويقال: رادَ وِسادُه إِذا
لم يستقرّ.
والرِّيادُ وذَبُّ الرِّياد: الثور الوحشي سمي بالمصدر؛ قال ابن مقبل:
يُمَشِّي بها ذَبُّ الرِّيادِ، كأَنه
فتًى فارسيٌّ في سراويلِ رامح
وقال أَبو حنيفة: رادتِ الإِبلُ ترودُ رِياداً احتلفت في المرعى مقبلة
ومدبرة وذلك رِيادُها، والموضه مَرادٌ؛ وكذلك مَرادُ الريح وهو المكان
الذي يُذهَبُ فيه ويُجاء؛ قال جندل:
والآلُ في كلِّ مَرادٍ هَوْجَلِ
وفي حديث قس:
ومَراداً لمَحْشرِ الخَلْق طُرّا
أَي موضعاً يحشر فيه الخلق، وهو مَفْعل من رادَ يَرْودُ. وإِن ضُمَّت
الميم، فهو اليوم الذي يُرادُ أَن يحشر فيه الخلق. ويقال: رادَ يَرودُ إِذا
جاء وذهب ولم يطمئن. ورجل رائد الوِسادِ إِذا لم يطمئن عليه لِهَمٍّ
أَقلَقَه وبات رائدَ الوساد؛ وأَنشد:
تقول له لما رأَت جَمْعَ رَحلِه:
(* قوله «تقول له لما رأت جمع رحله»
كذا بالأصل ومثله في شرح القاموس. والذي في الأساس: لما رأت خمع رجله، بفتح
الخاء المعجمة وسكون الميم أي عرج رجله.)
أَهذا رئيسُ القومِ رادَ وِسادُها؟
دعا عليها بأَن لا تنام فيطمئن وسادها.
وامرأَة رادٌ ورَوادٌ، بالتخفيف غير مهموز، ورَو ود؛ الأَخيرة عن أَبي
علي: طوّافة في بيوت جاراتها، وقد رادتْ تَرودُ رَوْداً وَروَدَاناً
ورُؤوداً، فهي رادَة إِذا أَكثرت الاختلاف إِلى بيوت جاراتها. الأَصمعي:
الرادَة من النساء؛ غير مهموز، التي تَرودُ وتطوف، والرَّأَدة، بالهمز.
السريعة الشباب، مذكور في موضعه. ورادت الريحُ تَرودُ رَوْداً ورُؤوداً
وروَدَاناً: جالت؛ وفي التهذيث: إِذا تحركت، ونَسَمَتْ تَنْسِمِ نَسَماناً إِذا
تحركت تحركاً خفيفاً. وأَراد الشيءَ: شاءَه؛ قال ثعلب: الإِرادَة تكون
مَحَبَّة وغير محبة؛ فأَما قوله:
إِذا ما المرءُ كان أَبوه عَبْسٌ،
فَحَسْبُكَ ما تزيدُ إِلى الكلام
فإِنما عدّاه بإِلى لأَن فيه معنى الذي يحوجك أَو يجيئك إِلى الكلام؛
ومثله قول كثير:
أُريدُ لأَنسى ذِكرَها، فكأَنما
تَمثَّلُ لي لَيْلى بكلِّ سبيلِ
أَي أُريد أَن أَنسى. قال ابن سيده: وأُرى سيبويه قد حكى إِرادتي بهذا
لك أَي قصدي بهذا لك. وقوله عز وجل: فوجدا فيها جداراً يريد أَن ينقضَّ
فأَقامه؛ أَي أَقامه الخَضِرُ. وقال: يريد والإِرادة إِنما تكون من
الحيوان، والجدارُ لا يريد إِرادَة حقيقية لأَنَّ تَهَيُّؤه للسقوط قد ظهر كما
تظهر أَفعال المريدين، فوصف الجدار بالإِرادة إِذ كانت الصورتان واحدة؛
ومثل هذا كثير في اللغة والشعر؛ قال الراعي:
في مَهْمَةٍ قَلِقَتْ به هاماتُها،
قَلَقَ الفُؤُوسِ إِذا أَردنَ نُضولا
وقال آخر:
يُريدُ الرمحُ صدرَ أَبي بَراء،
ويَعدِلُ عن دِماءِ بَني عَقيل
وأَرَدْتُه بكلِ ريدَة أَي بكل نوع من أَنواع الإِرادة. وأَراده على
الشيء: كأَداره.
والرَّودُ والرُّؤْدُ: المُهْلَة في الشيء. وقالوا: رُؤَيْداً أَي
مَهلاً؛ قال ابن سيده: هذه حكاية أَهل اللغة، وأَما سيبويه فهو عنده اسم
للفعل. وقالوا رُوْيداً أَي أَمهِلْه ولذلك لم يُثن ولم يُجْمع ولم يؤنث.
وفلان يمشي على رُودٍ أَي على مَهَل؛ قال الــجَموحُ الظَّفَرِيُّ:
تَكادِ لا تَثلِمُ البَطحاءَ وَطْأَتُها،
كأَنها ثَمِلٌ يَمِشي على رُودِ
وتصغيره رُوَيد. أَبو عبيد عن أَصحابه: تكبير رويدٍ رَوْدٌ وتقول منه
أَرْوِدْ في السيرِ إِرْواداً ومُرْوَداً أَي ارفق؛ وقال امرُؤ القيس:
جَوَادُ المَحَصَّةِ والمُرْوَدِ
وبفتح الميم أَيضاً مثل المُخْرَج والمَخرج؛ قال ابن بري: صواب إِنشاده
جوادَ، بالنصب، لأَن صدرَه:
وأَعدَدْتُ للحرب وثَّابَةً
والجَواد هنا الفرس السريعة. والمَحَثَّة: من الحث؛ يقول إِذا استحثثتها
في السير أَو رفقت بها أَعطتك ما يرضيك من فعلها. وقولهم: الدهرُ أَرودُ
ذُو غِيَرٍ أَي يَعمل عمله في سكون لا يُشَعر به. والإِرواد: الإِمهال،
ولذلك قالوا رُوَيداً بدلاً من قولهم إِرْواداً التي بمعنى أَرْوِدْ،
فكأَنه تصغير الترخيم بطرح جميع الزوائد، وهذا حكم هذا الضرب من التحقير؛
قال ابن سيده: وهذا مذهب سيبويه في رويد لأَنه جعله بدلاً من أَرُوِدْ، غير
أَن رُويداً أَقرب إِلى إِرْوادٍ منها إِلى أَرْوِدْ لأَنها اسم مثل
إِرواد، وذهب غير سيبوية إِلى أَن رُويداً تصغير رُود؛ وأَنشد بيت الــجموح
الظفري:
كأَنها ثَمِلٌ يمشي على رُود
قال: وهذا خطأٌ لأَن رُوداً لم يوضع موضع الفعل كما وضعت إِرواد بدليل
أَرود. وقالوا: رُويدك زيداً فلم يجعلوا للكاف موضعاً، وإِنما هي للخطاب
ودليل ذلك قولهم: أَرَأَيتك زيداً أَبو من؟ والكاف لا موضع لها لأَنك لو
قلت أَرأَيت زيداً أَبو من هو لا يستغني الكلام؛ قال سيبويه: وسمعنا من
العرب من يقول: والله لو أَردتَ الدراهم لأَعطيتك رُوَيْدَ ما الشِّعرِ؛
يريد أَرْوِدِ الشعر كقول القائل لو أَردت الدارهم لأُعْطِيَنَّك فدع
الشعر؛ قال الأَزهري: فقد تبين أَن رُويد في موضع الفعل ومُتَصَرَّفِهِ يقول
رُويدَ زيداً، وإِنما يقول أَرود زيداً؛ وأَنشد:
رُويدٍ عَلِيًّا، جُدَّ ما ثَدْيُ أُمِّهم
إِلينا، ولكن وُدُّهم مُتَماينُ
قال: رواه ابن كيسان «ولكن بعضهم مُتيامِنُ» وفسره أَنه ذاهب إِلى
اليمن. قال: وهذا أَحب إِليّ من متماين. قال ابن سيده: ومن العرب من يقول رويد
زيد كقوله غَدْرَ الحي وضَرْبَ الرِّقاب؛ قال: وعلى هذا أَجازوا رُويدك
نفسك زيداً. قال سيبويه: وقد يكون رويد صفة فيقولون ساروا سيراً رُويداً،
ويحذفون السير فيقولون ساروا رُويداً يجعلونه حالاً له، وصف كلامه
واجتزأَ بما في صدر حديثه من قولك سار عن ذكر السير؛ قال الأَزهري: ومن ذلك
قول العرب ضعه رويداً أَي وضعاً رويداً، ومن ذلك قول الرجل يعالج الشيء
إِنما يريد أَن يقول علاُجاً رويداً، قال: فهذا على وجه الحال إِلا أَن يظهر
الموصوف به فيكون على الحال وعلى غير الحال. قال: واعلم أَن رويداً
تلحقها الكاف وهي في موضع أَفعِلْ، وذلك قولك رويدك زيداً ورويدكم زيداً،
فهذه الكاف التي أُلحقت لتبيين المخاطب في رويداً، ولا موضع لها من الإِعراب
لأَنها ليست باسم، ورويد غير مضاف إِليها، وهو متعد إِلى زيد لأَنه اسم
سمي به الفعل يعمل عمل الأَفعال، وتفسير رويد مهلاً، وتفسير رويدك
أَمهِلْ، لأَن الكاف إِنما تدخله إِذا كان بمعنى أَفعِل دون غيره، وإِنما حركت
الدال لالتقاء الساكنين فنُصبَ نَصْبَ المصادر، وهو مصغر أَرْوَدَ
يُرْوِد، وله أَربعة أَوجه: اسم للفعل وصفة وحال ومصدر، فالاسم نحو قولك رويد
عمراً أَي أَروِدْ عمراً بمعنى أَمهِلْه، والصفة نحو قولك ساروا سيراً
رُويداً، والحال نحو قولك سار القومُ رُويداً لما اتصل بالمعرفة صار حالاً
لها، والمصدر نحو قولك رويد عَمْرٍو بالإِضافة، كقوله تعالى: فضرب الرقاب.
وفي حديث أَنْجَشَةَ: رُويدَك رِفْقاً بالقوارير أَي أَمهل وتأَنّ
وارفُق؛ وقال الأَزهري عند قوله: فهذه الكاف التي أُلحقت لتبيين المخاطب في
رويداً، قال: وإِنما أُلحقت المخصوص لأَن رويداً قد يقع للواحد والجمع
والذكر والأُنثى، فإِنما أَدخل الكاف حيث خِيف التباس من يُعْنى ممن لا
يُعْنى، وإِنما حذفت في الأَول استغناء بعلم المخاطب لأَنه لا يعنى غيره. وقد
يقال رويداً لمن لا يخاف أَن يلتبس بمن سواه توكيداً، وهذا كقولك
النَّجاءَكَ والوَحاك تكون هذه الكاف علماً للمأْمورين والمنهبين. قال وقال
الليث: إِذا أَردت بِرُوَيد الوعيد نصبتها بلا تنوين؛ وأَنشد:
رُويدَ تَصَاهَلْ بالعِراقِ جِيادَنا،
كأَنك بالضحَّاك قد قام نادِبُه
قال ابن سيده، وقال بعض أَهل اللغة: وقد يكون رويداً للوعيد، كقوله:
رُويدَ بني شيبانَ، بعضَ وَعيدِكم
تُلاقوا غداً خَيْلي على سَفَوانِ
فأَضاف رويداً إِلى بني شيبان ونصب بعضَ وعيدكم بإِضمار فعل، وإِنما قال
رويد بني شيبان على أَن بني شيبان في موضع مفعول، كقولك رويد زيدٍ
وكأَنه أَمر غيرهم بإِمهالهم، فيكون بعض وعيدكم على تحويل الغيبة إِلى الخطاب؛
ويجوز أَن يكون بني شيبان منادى أَي أَملهوا بعضَ وعيدكم، ومعنى الأَمر
ههنا التأْهير والتقليل منه، ومن رواه رويدَ بني شيبانَ بعضَ وعيدهم كان
البدل لأَن موضع بني شيبان نصب، على هذا يتجه إِعراب البيت؛ قال: وأَما
معنى الوعيد فلا يلزم وإِنما الوعيد فيه بحسب الحال لأَنه يتوعدهم باللقاء
ويتوعدونه بمثله. قال الأَزهري: وإِذا أَردت برُويد المهلة والإِرواد في
الشيء فانصب ونوّن، تقول: امش رويداً، قال: وتقول العرب أَروِدْ في معنى
رويداً المنصوبة. قال ابن كيسان في باب رويداً: كأَنّ رويداً من
الأَضداد، تقول رويداً إِذا أَرادوا دَعْه وخَلِّه، وإِذا أَرادوا ارفق به
وأَمسكه قالوا: رويداً زيداً أَيضاً، قال: وتَيْدَ زيداً بمعناها، قال: ويجوز
إِضافتها إِلى زيد لأَنهما مصدران كقوله تعالى: فضرب الرقاب. وفي حديث
علي: إِن لبني أُمية مَرْوَداً يَجرون إِليه، هو مَفْعَل من الإِرْوادِ
الإِمهال كأَنه شبه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون إِليه، والميم
زائدة.
التهذيب: والرِّيدة اسم يوضع موضع الارتياد والإِرادة، وأَراد الشيء:
أَحبه وعُنِيَ به، والاسم الرِّيدُ. وفي حديث عبد الله: إِن الشيطان يريد
ابن آدَم بكل ريدة أَي بكل مَطْلَب ومُراد. يقال: أَراد يريد إِرادة،
والريدة الاسم من الإِرادة. قال ابن سيده: فأَما ما حكاه اللحياني من قولهم:
هَرَدْتُ الشيء أَهَريدُه هِرادةً، فإِنما هو على البدل، قال سيبويه:
أُريد لأَن تفعل معناه إِرادتي لذلك، كقوله تعالى: وأُمِرتُ لأَنْ أَكونَ
أَوَّلَ المسلمين. الجوهري وغيره: والإِرادة المشيئة وأَصله الواو، كقولك
راوده أَي أَراده على أَن يفعل كذا، إِلا أَن الواو سكنت فنقلت حركتها
إِلى ما قبلها فانقلبت في الماضي أَلفاً وفي المستقبل ياء، وسقطت في المصدر
لمجاورتها الأَلف الساكنة وعوّض منها الهاء في آخره.
قال الليث: وتقول راوَدَ فلان جاريته عن نفسها وراوَدَتْه هي عن نفسه
إِذا حاول كل واحد من صاحبه الوطء والجماع؛ ومنه قوله تعالى: تراود فتاها
عن نفسه؛ فجعل الفعل لها. وراوَدْتُه على كذا مُراوَدَةً ورِواداً أَي
أَردتُه. وفي حديث أَبي هريرة: حيث يُراوِدُ عمَّه أَبا طالب على الإِسلام
أَي يُراجعه ويُرادُّه؛ ومنه حديث الإسراء: قال له موسى، صلى الله عليهما
وسلم: قد والله راودْتُ بني إِسرائيل على أَدنى من ذلك فتركوه. وراودْته
عن الأَمر وعليه: داريته.
والرائد: العُود الذي يقبض عليه الطاحن إِذا أَداره. قال ابن سيده:
والرائدُ مَقْبِضُ الطاحن من الرحى. ورائدُ الرحى: مَقْبِضُها. والرائد: يد
الرحى. والمِرْوَدُ: الميل وحديدة تدور في اللجام ومِحورُ البكرة إِذا كان
من حديد. وفي حديث ماعز: كما يدخل المِرْوَدِ في المكحُلةِ؛ المِرْوَدُ،
بكسر الميم: الميل الذي يكتحل به، والميم زائدة. والمِرْوَدُ أَيضاً:
المَفْصِل. والمِرْوَدُ: الوَتِدُ؛ قال:
داوَيْتُه بالمَحْضِ حتى شتا،
يَجتذِبُ الأَرِيَّ بالمِرْوَد
أَراد مع المِروَد. ويقال: ريح رَوْدٌ لينة الهُبوب. ويقال: ريح رادة
إِذا كانت هَوْجاء تَجيءُ وتذهب. وريح رائدة: مثل رادة، وكذلك رُواد؛ قال
جرير:
أَصَعْصَعَ إِن أُمَّكَ، بعد ليلي،
رُوادُ الليلِ، مُطْلَقَةُ الكِمام
وكذلك امرأَة رواد ورَادة ورائدة.
حرن: حَرَنتِ الدابةُ تَحْرُن حِراناً وحُراناً وحَرُنَتْ، لغتان، وهي
حَرونٌ: وهي التي إذا استُدِرَّ جَرْيُها وقَفَتْ، وإنما ذلك في ذوات
الحوافر خاصَّة، ونظيرُه في الإِبل اللِّجانُ والخِلاءُ، واستعمل أَبو عبيد
الحِرانَ في الناقة. وفي الحديث: ما خَلأَت ولا حَرَنَتْ ولكن حَبَسَها
حابِسُ الفِيل. وفرس حَرُونٌ من خَيْل حُرُنٍ: لا يَنْقادُ، إذا اشتدّ به
الجَرْيُ وَقَف. وقد حَرَنَ يَحْرُنُ حُرُوناً وحَرُنَ، بالضم أَيضاً: صار
حَرُوناً، والاسم الحِرانُ. والحَرُونُ: اسم فرس كان لباهِلَة، إليه
تنسب الخيل الحَرُونِيَّة. والحَرُونُ: اسم فرس مُسْلم بن عمروٍ الباهليِّ
في الإسلام كان يُسابِق الخيلَ، فإِذا اسْتُدرَّ جَرْيه وقَف حتى تكادَ
تسْبِقُه، ثم يجري فيسبِقها، وفي الصحاح: حَرون اسمُ فرسِ أَبي صالح مُسْلم
بن عمروٍ الباهلي والد قُتَيْبة؛ قال الشاعر:
إذا ما قُريش خلا مُلْكُها،
فإِنَّ لخِلافةَ في باهِلَهْ
لِرَبِّ الحَرونِ أَبي صالح،
وما ذاك بالسُّنَّة العادلَهْ.
وقال الأَصمعي: هو من نَسْل أَعوج، وهو الحَرون بن الأَثاثيّ بن الخُزَر
بن ذي الصُّوفة بن أَعْوج، قال: وكان يسبِق الخيلَ ثمَ يَحْرُن حتى
تَلْحَقَه، فإِذا لَحِقَتْه سبَقها ثم حرَن ثم سبَقَها، وقيل: الحَرونُ فرسُ
عُقبة بن مُدْلِجٍ، ومنه قيل لحبيب بن المهلَّب أَو محمد بن المُهلَّب
الحَرُون، لأَنه كان يَحْرُنُ في الحرب فلا يبرح، استعير ذلك له وإنما
أَصله في الخيل، وقال اللحياني: حَرَنَت الناقةُ قامت فلم تَبْرَحْ، وخَلأَت
بركَتْ فلم تَقُمْ؛ والحَرونُ في قول الشماخ:
وما أَرْوَى، وإن كَرُمَتْ علينا،
بأَدْنَى من مُوَقَّفةٍ حَرونِ.
هي التي لا تبرح أَعلى الجَبل من الصَّيْد. ويقال: حَرَن في البيع إذا
لم يَزِد ولم يَنْقُص. والمَحارينُ من النَّحْل: اللَّواتي يَلْصَقْنَ
بالخَلِيَّة حتى يُنْتزَعْنَ بالمَحابِض؛ وقال ابن مقبل:
كأَنَّ أَصْواتَها، من حيث نسمَعُها،
نَبْضُ المَحابضِ يَنْزِعْنَ المَحارِينا.
قال ابن بري: الهاءُ في أَصواتها تعودُ على النَّواقيس في بيتٍ قَبْله،
والمَحابضُ: عِيدانٌ يُشارُ بها العسلُ، قال: والمَحارينُ جمع مِحْرانٍ،
وهو ما حَرُنَ على الشَّهْد من النحل فلا يَبْرَح عنه؛ الأَزهري:
المَحارينُ ما يموتُ من النحل في عسله، وقال غيره: المَحارينُ من العسل ما
لَزِقَ بالخلِيَّة فعَسُر نَزْعُه، أُخذ من قولك حَرُن بالمكان حُرونة إذا
لزمه فلم يُفارِقْه، وكأَنَّ العسلَ حَرُن فعسُر اشتِيارُه؛ قال الراعي:
كِناس تَنوفةٍ ظَلَّت إليها
هِجانُ الوَحْشِ حارنةً حُرونا.
وقال الأَصمعي في قوله حارنة: متأَخرة، وغيره يقول: لازِمة.
والمَحارينُ: الشِّهادُ، وهي أَيضاً حَبّات القُطن، واحدتُها مِحْرانٌ، وقد تقدم شرح
بيت ابن مقبل: يَخْلِجْنَ المَحارينا. وحَرّان: اسم بلد، وهو فَعّال،
ويجوز أَن يكون فَعْلانَ، والنسبة إليه حَرْنانيٌّ، كما قالوا مَنانّي في
النسبة إلى ماني، والقياس مانَوِيّ، وحَرّاني على ما عليه العامة.
وحُرَينٌ: اسمٌ. وبنو حِرْنَة: بُطَين
(* قوله «وبنو حرنة بطين» كذا في الأصل
والمحكم بكسر فسكون، وفي القاموس والتكملة بكسر الحاء والراء وشد
النون).
قطط: القَطُّ: القطْعُ عامَّة، وقيل: هو قَطعُ الشيء الصُّلب كالحُقَّة
ونحوها تَقُطُّها على حَذْو مَسْبُورٍ كما يَقُطُّ الإِنسان قَصَبة على
عظم، وقيل: هو القطْعُ عَرْضاً، قَطَّه يقُطُّه قَطّاً: قَطَعه عَرْضاً،
واقْتَطَّه فانْقَطَّ واقْتَطَّ ومنه قَطُّ القلم. والمِقَطَّةُ
والمِقَطُّ: ما يُقَطُّ عليه القلم. وفي التهذيب: المِقطةُ عُظَيم يكون مع
الورّاقِين يقطون عليه أَطراف الأَقلام. وروي عن علي، رضوان اللّه عليه: أَنه
كان إِذا عَلا قَدَّ وإِذا توسّط قَطَّ؛ يقول إِذا علا قِرْنَه بالسيف
قَدَّه بنِصْفَين طُولاً كما يُقَدّ السير، وإِذا أَصاب وسَطه قَطعَه عرضاً
نصفين وأَبانه. ومَقَطُّ الفرس: مُنْقَطَعُ أَضْلاعه. ابن سيده: والمَقط
من الفرس منقطع الشَّراسِيفِ؛ قال النابغة الجَعْديّ:
كأَنَّ مَقَطَّ شَراسِيفهِ،
إِلى طَرَفِ القُنْبِ فالمَنْقَبِ،
لُطِمْنَ بِتُرْسٍ شَديدِ الصِّفا
قِ، مِن خَشَبِ الجَوْزِ، لم يُثْقَبِ
والقِطاطُ: حرْف الجبل والصخرة كأَنما قُطَّ قَطَّاً، والجمع أَقِطَّةٌ؛
وقال أبُو زيد: هو أَعلى حافة الكهف وهي ثلاثة أَقطَّة. أَبو زيد:
القَطِيطةُ حافةُ أَعلى الكهفِ، والقِطاطُ: المِثالُ الذي يَحْذُو عليه
الحاذِي ويَقْطعُ النعل؛ قال رؤبة:
يا أَيُّها الحاذِي على القِطاطِ
والقِطاطُ: مَدار حافر الدابَّةِ لأَنه كأَنه قُطَّ أَي قُطِعَ
وسُوِّيَ؛ قال:
يَرْدي بِسُمْرٍ صُلْبةِ القِطاطِ
والقَطَطُ: شعر الزّنْجِيّ. يقال: رَجل قَطَطٌ وشعر قَطَطٌ وامرأَة
قَطَطٌ، والجمع قَطَطُونَ وقَطَطاتٌ، وشعر قَطٌّ وقطَطٌ: جَعْد قصير، قَطَّ
يَقَطُّ قَطَطاً وقَطاطةً وقَطِطَ، بإِظهار التضعيف، قَطّاً، وهو طَرِيفٌ.
وجَعْدٌ قَطَطٌ أَي شدِيدُ الجُعودةِ. وقد قَطِطَ شعره، بالكسر، وهو
أَحد ما جاء على الأَصل بإِظهار التضعيف، ورَجل قَطُّ الشعر وقَطَطُه بمعنى،
والجمع قَطُّون وقَطَطُون وأَقْطاطٌ وقِطاطٌ؛ قال الهذلي:
يُمشَّى بَيْننا حانوتُ خَمْرٍ،
من الخُرْس الصَّراصِرةِ القِطاطِ
(* قوله «يمشي» كذا هو بالياء هنا وفي مادة خرص، وبالتاء الفوقية في
مادة حنت.)
والأُنثى قطّةٌ وقَطَطٌ، بغير هاء. وفي حديث المُلاعَنة: إِن جاءتْ به
جَعْداً قَطَطاً فهو لفلان؛ والقَطَطُ: الشديدُ الجعُودةِ، وقيل: الحسَنُ
الجعُودةِ. الفراء: الأَقَطُّ الذي انْسَحَقت أَسنانه حتى ظهرت
دَرادِرُها، وقيل: الأَقطُّ الذي سقطت أَسنانه. ابن سيده: ورجل أَقَطُّ وامرأَة
قَطَّاء إِذا أَكلا على أَسْنانِهما حتى تَنْسحِقَ؛ حكاه ثعلب.
والقَطَّاطُ: الخَرَّاطُ الذي يعمل الحُقَق؛ وأَنشد ابن بَري لرؤبة يصف أُتُناً
وحماراً:
سَوَّى، مَساحِيهنَّ، تَقطِيطَ الحُقَقْ،
تَقْلِيلُ ما قارَعْنَ مِن سُمِّ الطُّرَق
(* قوله «سم الطرق» كذا هو بالسين المهملة في الموضعين ولعله شم أَو
صم.)أَراد بالمساحِي حَوافرَهن لأَنها تَسْحِي الأَرض أَي تَقْشُرها، ونصَب
تقطيطَ الحقق على المصدر المشبه به لأَن معنى سَوّى وقطَّط واحد،
والتقْطِيطُ: قطع الشيء، وأَراد تقطيع حُقَق الطِّيب وتَسْويتَها، وتقْليلُ فاعل
سَوّى أَي سَوّى مَساحِيَهنَّ تكسيرُ ما قارَعَتْ من سُمّ الطُّرَق،
والطُّرَقُ جمع طُرْقَة وهي حجارة بعضها فوق بعض.
وحديث قتل ابن أَبي الحُقَيْق: فتحامل عليه بسيفه في بطنه حتى أَنْفَذَه
فجعل يقول: قَطْني قَطْني
(* قوله: وحديث قتل ابن أَبي الحقيق، إِلى
قوله قطني، هكذا في الأَصل. ولعلّ موضع هذه الجملة هو مع الكلام على
قطني.).وقَطَّ السِّعْرُ يَقِطُّ، بالكسر، قَطّاً وقُطُوطاً، فهو قاطٌّ
ومَقْطُوطٌ بمعنى فاعِل: غَلا. ويقال: وردْنا أَرضاً قَطّاً سِعْرُها؛ قال أَبو
وجْزَة السَّعْدِيّ:
أَشْكُو إِلى اللّهِ العَزِيز الجَبّارْ،
ثُمَّ إِلَيْكَ اليَوْمَ بُعْدَ المُسْتارْ،
وحاجةَ الحَيِّ وقَطَّ الأَسْعارْ
وقال شمر: قَطَّ السِّعْرُ، إِذا غَلا، خَطأ عندي إِنما هو بمعنى فَتَر،
وقال الأَزهري: وَهِمَ شمر فيما قال. وروي عن الفراء أَنه قال: حَطَّ
السِّعْرُ حُطُوطاً وانْحَطَّ انْحِطاطاً وكسَر وانكسر إِذا فَتَر، وقال:
سِعْرٌ مَقْطُوطٌ وقد قَطَّ إِذا غَلا، وقد قَطَّه اللّه. ابن الأَعرابي:
القاطِطُ السِّعْر الغالي.
الليث: قَطْ خفِيفة بمعنى حَسْب، تقول: قَطْكَ الشيء أَي حَسْبُك، قال:
ومثله قد، قال وهما لم يتمكنا في التصريف، فإِذا أَضفتهما إِلى نفسك
قُوّيَتا بالنون قلت: قَطْني وقَدْني كما قَوَّوا عنِّي ومني ولَدُنِّي بنون
أُخرى، قال: وقال أَهل الكوفة معنى قطني كفاني فالنون في موضع نصب مثل
نون كفاني، لأَنك تقول قَطْ عبدَ اللّهِ دِرهمٌ، وقال أَهل البصرة: الصواب
فيه الخفض على معنى حَسْبُ زيدٍ وكَفْيُ زيدٍ درهمٌ، وهذه النون عماد،
ومَنَعَهم أَن يقولوا حَسْبُني أََن الباء متحركة والطاء من قط ساكنة
فكرهوا تغييرها عن الإِسكان، وجعلوا النون الثانية من لدنّي عماداً للياء. وفي
الحديث في ذكر النار: إِنَّ النارَ تقول لربها إِنك وعَدْتَنِي مِلْئي،
فيَضَع فيها قدَمَه، وفي رواية: حتى يضع الجبَّارُ فيها قَدَمه فتقول:
قَطْ قَطْ بمعنى حَسْب، وتكرارها للتأْكيد، وهي ساكنة الطاء، ورواه بعضهم
قَطْني أَي حَسْبِي. قال الليث: وأَما قَطُّ فإِنه هو الأَبَدُ الماضي،
تقول: ما رأَيت مثله قَطُّ، وهو رفع لأَنه مثل قبلُ وبعدُ، قال: وأَما
القَطُّ الذي في موضع ما أَعطيته إِلا عشرين قَطِّ فإِنه مجرور فرقاً بين
الزمان والعَددِ، وقَطُّ معناها الزمان؛ قال ابن سيده: ما رأَيته قَطُّ
وقُطُّ وقُطُ، مرفوعة خفيفة محذوفة منها، إِذا كانت بمعنى الدهر ففيها ثلاث
لغات وإِذا كانت في معنى حَسْب فهي مفتوحة القاف ساكنة الطاء، قال بعض
النحويين: أَمّا قولهم قَطُّ، بالتشديد، فإِنما كانت قَطُطُ وكان ينبغي لها
أَن تسكن، فلما سكن الحرف الثاني جعل الآخِر متحركاً إِلى إِعرابه، ولو
قيل فيه بالخفض والنصب لكان وجهاً في العربية، وأَما الذين رفعوا أَوَّله
وآخره فهو كقولك مُدُّ يا هذا، وأَما الذين خففوه فإِنهم جعلوه أَداة ثم
بَنَوْه على أَصله فأَثبتوا الرَّفْعة التي كانت تكون في قط وهي مشددة،
وكان أَجود من ذلك أَن يجزموا فيقولوا ما رأَيته قُطْ، مجزومة ساكنة
الطاء، وجهة رفعه كقولهم لم أَره مُذُ يومان، وهي قليلة، كله تعليل كوفي ولذلك
لفظ الإِعراب موضع لفظ البناء هذا إِذا كانت بمعنى الدهْر، وأَما إِذا
كانت بمعنى حسب، وهو الاكتفاء، قال سيبويه: قط ساكنة الطاء معناها
الاكتفاء، وقد يقال قَطٍ وقَطِي، وقال: قَطُ معناها الانتهاء وبنيت على الضم
كحَسْبُ. وحكى ابن الأَعرابي: ما رأَيته قَطِّ، مكسورة مشددة، وقال بعضهم:
قَطْ زيداً دِرْهَمٌ أَي كفاه، وزادوا النون في قَطْ فقالوا قَطْني، لم
يريدوا أَن يكسروا الطاء لئلا يجعلوها بمنزلة الأَسماء المتمكنة نحو يَدِي
وهَنِي. وقال بعضهم: قطني كلمة موضوعة لا زيادة فيها كحسبي؛ قال الراجز:
امتَلأَ الحوْضُ وقال: قَطْنِي،
سَلا رُوَيْداً، قد ملأْتَ بَطْنِي
(* قوله «سلا» كذا هو بالأصل وشرح القاموس، قال: ورواية الجوهري مهلاً أ
هـ. ولعل الاولى ملأّ.)
وإِنما دخلت النون ليسلم السكون الذي يبنى الاسم عليه، وهذه النون لا
تدخل الأَسماء، وإِنما تدخل الفعل الماضي إِذا دخلته ياء المتكلم كقولك
ضربني وكلمني لتسلم الفتحة التي بني الفعل عليها ولتكون وقاية للفعل من
الجرّ، وإِنما أَدخلوها في أَسماء مخصوصة قليلة نحو قَطْنِي وقَدْني وعَنِّي
ومنِّي ولَدُنِّي لا يقاس عليها، فلو كانت النون من أَصل الكلمة لقالوا
قَطْنُكَ وهذا غير معلوم. وقال ابن بري: عني ومني وقطني ولدني على القياس
لأَن نون الوقاية تدخل الأَفعال لِتقيَها الجرّ وتبقي على فتحها، وكذلك
هذه التي تقدمت دخلت النون عليها لتقيها الجرّ فتبقي على سكونها، وقد
يُنصب بقَطْ، ومنهم من يخفض بقط مجزومة، ومنهم من يبنيها على الضم ويخفض بها
ما بعدها، وكلُّ هذا إِذا سمي به ثم حقّر قيل قطيط لأَنه إِذا ثُقِّل فقد
كُفِيت، وإِذا خفف فأَصله التثقيل لأَنه من القَطّ الذي هو القَطْعُ.
وحكى اللحياني: ما زال هذا مذ قُطُّ يا فتى، بضم القاف والتثقيل،قال: وقد
يقال ما لَه إِلا عشرة قَطْ يا فتى، بالتخفيف والجزم، وقَطِّ يا فتى،
بالتثقيل والخفض.
وقَطاطِ: مبنية مثل قَطام أَي حسبي؛ قال عمرو بن مَعْدِيكَرِب:
أَطَلْتُ فِراطَهم، حتى إِذا ما
قَتلْتُ سَراتَهمْ قالتْ: قَطاطِ
أَي قطْني وحسْبي؛ قال ابن بري: صواب إِنشاده أَطلت فِراطَكم وقتلت
سَراتَكم بكاف الخطاب، والفِراطُ: التقَدُّم؛ يقول: أَطلت التقدُّم بوَعِيدي
لكم لتخرجوا من حقِّي فلم تفعلوا.
والقِطُّ: النَّصِيبُ. والقِطُّ: الصَّكُّ بالجائزةِ. والقِطُّ: الكتاب،
وقيل: هو كتاب المُحاسَبةِ؛ وأَنشد ابن بري لأُمَيَّةَ بن أَبي الصلت:
قَوْم لهم ساحةُ العِرا
قِ جَميعاً، والقِطُّ والقَلَمُ
وفي التنزيل العزيز: عَجِّلْ لنا قِطَّنا قبل يوم الحساب، والجمع
قُطوطٌ؛ قال الأَعشى:
ولا المَلِكُ النُّعْمانُ، يوم لَقِيتُه
بغِبْطَته، يُعْطِي القُطوطَ ويأْفِقُ
قوله: يأْفِقُ يُفَضِّلُ، قال أَهل التفسير مجاهد وقتادة والحسن قالوا:
عجِّل لنا قِطَّنا، أَي نَصِيبنا من العذاب. وقال سعيد بن جبير: ذُكرت
الجنة فاشْتَهوْا ما فيها فقالوا: ربنا عجِّل لنا قطنا، أَي نصيبنا. وقال
الفراء: القِطّ الصحيفة المكتوبة، وإِنما قالوا ذلك حين نزل: فأَمَّا مَن
أُوتيَ كتابه بيمينه، فاستهزؤُوا بذلك وقالوا: عجل لنا هذا الكتاب قبل
يوم الحِساب. والقِطُّ في كلام العرب: الصَّكُّ وهو الحظ. والقِطُّ:
النصيب، وأَصله الصحيفة للإِنسان بصلة يوصل بها، قال: وأَصل القِطّ من قطَطْتُ.
وروي عن زيد ابن ثابت وابن عمر أَنَّهما كانا لا يَريانِ ببيع القُطوطِ
إِذا خرجت بأْساً، ولكن لا يحل لمن ابتاعَها أَن يبيعها حتى يَقْبِضَها.
قال الأَزهري: القُطوطُ ههنا جمع قِطّ وهو الكتاب. والقِطُّ: النصيب،
وأَراد بها الجوائز والأَرْزاقَ، سميت قُطوطاً لأَنها كانت تخرج مكتوبة في
رِقاع وصِكاكٍ مقطوعة، وبيعُها عند الفقهاء غير جائز ما لم يَتحصَّل ما
فيها في مِلْك من كُتِبت له معلومة مقبوضة.
الليث: القِطَّةُ السِّنَّوْرُ، نعت لها دون الذكر. ابن سيده: القِطُّ
السنور، والجمع قِطاطٌ وقِطَطة، والأُنثى قِطَّة، وقال كراع: لا يقال
قِطَّة؛ قال ابن دريد: لا أَحسبها عربية؛ قال الأَخطل:
أَكَلْتَ القِطاطَ فأَفْنَيْتَها،
فهل في الخَنانِيصِ من مَغْمَزِ؟
ومضَى قِطٌّ من الليل أَي ساعة؛ حكي عن ثعلب.
والقِطْقِطُ، بالكسر: المطَر الصِّغار الذي كأَنه شَذْر، وقيل: هو صغار
البَرَدِ، وقد قَطْقَطت السماء فهي مُقَطْقِطةٌ، ثم الرَّذاذُ وهو فوق
القِطْقِط، ثم الطَّشُّ وهو فوق الرّذاذِ، ثم البَغْشُ وهو فوق الطشّ، ثم
الغَبْيةُ وهو فوق البَغْشةِ، وكذلك الحَلْبةُ والشَّجْذةُ والخَفْشةُ
والحَكْشةُ مثل الغَبْيةِ. وقال الليث: القِطْقِطُ المطر المتفرّق
المُتتابِعُ المُتحاتِنُ. أَبو زيد: أَصغر المطر القِطْقِطُ.
ويقال: جاءت الخيلُ قَطائطَ، قَطيعاً قَطِيعاً؛ قال هِمْيانُ:
بالخيْلِ تَتْرَى زِيَماً قَطائطا
وقال عَلْقَمةُ بن عَبْدة:
ونحنُ جَلَبْنا مِن ضَرِيّةَ خَيْلَنا،
نُكَلِّفُها حَدَّ الإِكامِ قَطائطا
قال أَبو عمرو: أَي نُكَلِّفُها أَن تقْطَع حدّ الإِكامِ فتقْطَعَها
بحوافرها؛ قال: وواحد القَطائطِ قَطُوطٌ مثل جَدُودٍ وجَدائدَ، وقال غيره:
قَطائطاً رِعالاً وجَماعاتٍ في تَفْرِقة.
ويقال: تَقَطْقَطَت الدَّلْو إِلى البئر أَي انْحَدَرَت؛ قال ذو الرمة
يصف سُفْرةً دَلاَّها في البئر:
بمَعْقُودة في نِسْعِ رَحْلٍ تَقَطْقَطَتْ
إِلى الماء، حتى انْقَدَّ عنها طَحالِبُهْ
ابن شميل: في بطن الفرس مَقاطُّه ومَخِيطُه، فأَما مِقَطُّه فطرفه في
القَصِّ وطرفه في العانة.
وفي حدجيث أُبَيّ وسأَل زِرَّ بن حُبَيْش عن عدد سورة الأَحزاب فقال:
إِمّا ثلاثاً وسبعين أَو أَربعاً وسبعين، فقال: أَقَطْ؟ بأَلف الاستفهام
أَي أَحَسْبُ؟ وفي حديث حَيْوةَ بن شُرَيْح: لقِيتُ عُقْبةَ بن مُسْلِم
فقلت له: بلَغني أَنك حدَّثْتَ عن عبدِ اللّه بن عمرو بن العاص أَن رسول
اللّه، صلّى اللّ عليه وسلّم، كان يقول إِذا دخل المسجد: أَعوذ باللّه
العظيم وبوجهه الكريم وسُلْطانه القديم من الشيطان الرجيم، قال: أَقَطْ؟ قلت:
نعم.
وقَطْقَطَتِ القَطاةُ والحَجلة: صَوَّتت وحدها.
وتَقَطْقَطَ الرجلُ: رَكِبَ رأْسَه.
ودَلَجٌ قَطْقاطٌ: سَريع؛ عن ثعلب؛ وأَنشد:
يَسِيحُ بعد الدَّلَجِ القَطْقاطِ،
وهو مُدِلٌّ حَسَنُ الأَلْياطِ
(* قوله «يسيح» كذا بالأصل هنا، وتقدم في مادة شرط: يصبح.)
وقُطَيْطِ: اسم أَرض، وقيل: موضع؛ قال القُطامِي:
أَبَتِ الخُرُوجَ من العِراقِ، ولَيْتَها
رَفَعَت لنا بقُطَيْقِط أَظْعانا
ودارةُ قُطْقُطٍ؛ عن كراع. والقُطْقُطانةُ، بالضم: موضع، وقيل: موضع
بقُرب الكوفة؛ قال الشاعر:
مَن كان يَسأَلُ عَنّا أَيْنَ مَنْزِلُنا؟
فالقُطْقُطانةُ مِنّا مَنْزِلٌ قَمِنُ
(* هذا البيت لعمر بن ابي ربيعة، وفي ديوانه: الأقحوانة بدل
القطقطانة.)
خبس: خَبَسَ الشيءَ يَخْبُسُه خَبْساً وتَخَبَّسَه واخْتَبَسَه: أَخذه
وغَنِمَه. والخُباسَةُ: الغنيمة؛ قال عمرو بن جُوَيْنٍ أَو امرؤ القيس:
فلم أَرَ مثلَها خُباسَةَ واجدٍ،
ونَهْنَهْتُ نَفْسي بعدما كِدتُ أَفْعَلَهْ
نصب على إِرادة أَن، لأَن الشعراء يستعملون أَن ههنا مضطرين كثيراً.
والخُباساء: كالخُباسَة، والخُباسَة، بالضم، المَغْنَمُ. الأَصمعي:
الخُباسَةُ ما تَخَبَّسْتَ من شيء أَي أَخذته وغنمته، ومنه يقال: رجل
خَبَّاسٌ أَي غَنَّام. والاخْتِباسُ: أَخذ الشيءِ مُغالَبَةً. وأَسَدٌ خَبُوس
وخَبَّاسٌ وخابِسٌ وخُنابِسٌ: يَخْتَبِسُ الفَريسَة. وخَبَسه: أَخذه،
وأَسَدٌ خُوابِسٌ؛ وأَنشد أَبو مَهْدِي لأَبي زُبَيْدٍ الطائي واسمه حَرْمَلة
ابن المنذر:
فما أَنا بالضَّعِيفِ فَتَزْدَرُوني،
ولا حَقِّي اللَّفاءُ ولا الخَسِيسُ
ولكني ضُبارِمَةٌ جَمُوحٌ،
على الأَقْران، مُجْتَرئٌ خَبُوسُ
اللَّفاءُ: الشيء اليسير الحقير. يقال: رضيت من الوفاء باللَّفاء.
ويقال: اللَّفاءُ ما دون الحَقِّ. والضُّبارِمَة: المُوَثَّقُ الخَلْقِ من
الأُسْدِ وغيرها. وجَمُوحٌ: ماض راكبٌ رأْسَه. والخَبْسُ والاخْتباسُ:
الظلم؛ خَبَسه مالَه واخْتَبَسَه إِياه. والخُباسَة: الظُّلامَةُ.
خرس: الخَرَسُ: ذهاب الكلام عِيّاً أَو خِلْقَةً، خَرِسَ خَرَساً وهو
أَخْرَسُ. والخَرَسُ، بالتحريك: المصدر، وأَخْرَسَه اللَّه. وجمل أَخْرَسُ:
لا ثَقب لشِقْشِقَتِه يَخْرُج منه هَدِيرُه فهو يُردِّدُه فيها، وهو
يُستحب إِرسالُه في الشَّوْلِ لأَنه أَكثر ما يكون مِئْناثاً. وعَلَم
أَخْرَسُ: لا يسمع في الجبل له صَدًى، يعني العَلَم الذي يهتدى به؛ قال
الأَزهري وسمعت العرب تنشد:
وأَيْرَمٌ أَخْرَسُ فوق عَنْزِ
والأَيْرَمُ: العَلَم فوق القارَةُ يُهْتَدى به. والأَحْرَس: القديم
(*
قوله «والأحرس القديم إلخ» كذا بالأصل ولعل هنا سقطاً وكأَنه قال ويروى
الأحرس بالحاء المهملة وهو إلخ وقد تقدم الاستشهاد بالبيت على ذلك في ح ر
س وليس الخرس بالمعجمة من معاني الدهر أَصلاً.) العادي مأْخوذ من
الحَرْس، وهو الدهْرُ. والعنز: القارة السوداء؛ قال وأَنشدنيه أَعرابي
آخر:وأَرَمٌ أَعْيَسُ فَوق عَنْزِ
قال: والأَعْيَسُ الأَبيض. والعَنْزُ: الأَسْوَدُ من القُور، قارة
عَنْزٌ: سوداء. وناقة خَرْساء: لا يسمع لها رُغاء. وكتيبة خَرْساء إِذا
صَمَتَتْ من كثرة الدُّرُوعِ أَي لم يكن لها قَعاقِعُ، وقيل: هي التي لا تسمع
لها صوتاً من وَقارِهِمْ في الحرب. قال الأَزهري: وسمعت العرب تقول للبن
الخاثر: هذه لَبَنَة خَرْساء لا يسمع لها صوت إِذا أُريقت. المحكم: وشربة
خَرْساء وهي الشربة الغليظة من اللبن. ولبن أَخْرَسُ أَي خاثر لا يسمع له
في الإِناء صوت لغلظه. وقال أَبو حنيفة: عين خَرْساء وسحابة
(* قوله
«عين خرساء وسحابة إلخ» كذا بالأصل. ولو قال كما قال شارح القاموس: وعين
خرساء لا يسمع لجريها صوت، وسحابة إلخ لكان أحسن.) خَرْساء لا رعد فيها ولا
برق ولا يسمع لها صوت رعد. قال: وأَكثر ما يكون ذلك في الشتاء لأَن شدة
البرد تُخْرِسُ البَرَدَ وتُطفئ البَرْقَ. الفراء: يقال وَلاَّني عُرْضاً
أَخْرَسَ أَمْرَسَ؛ يريد أَعْرَضَ عني ولا يكلمني. والخَرْساء: الداهية.
والعِظامُ الخُرْسُ: الصُّمُّ، قال: حكاه ثعلب. والخَرْساءُ من الصخور:
الصَّمَّاء؛ أَنشد الأَخفش قول النابغة:
أَواضِعَ البيتِ في خَرْساءَ مُظْلِمَةٍ
تُقَيَّدُ العَيْرَ، لا يَسْري بها السَّاري
ويروى: تقيد العين، وهو مذكور في موضعه.
والخُرْسُ والخِراسُ: طعام الولادة؛ الأَخيرة عن اللحياني، هذا الأَصل
ثم صارت الدعوة للولادة خُرْساً وخِراساً؛ قال الشاعر:
كلُّ طعامٍ تَشْتَهي رَبيعَهْ:
الخُرْسُ والإِعْذارُ والنَّقِيعَهْ
وخَرَّسْتُ على المرأَة تَخْريساً إِذا أَطعمت في ولادتها. والخُرْسَةُ:
التي تُطْعِمُها النُّفَساءُ نَفْسَها أَو ما يُصْنع لها من فَريقَةٍ
ونحوها. وخَرَسَها يَخْرُسُها؛ عن اللحياني، وخَرَّسَها خُرْسَتَها
وخَرَّسَ عنها، كلاهما: عملها لها؛ قال:
وللَّه عَيْنا مَنْ رَأَى مثلَ مِقْيَسِ،
إِذا النُّفَساء أَصْبَحَتْ لم تُخَرَّسِ
وقد خُرِّسَتْ هي أَي يجعلُ لها الخُرْسُ؛ قال الأَعْلم الهُذَليُّ يصف
حَدْبَ الزمان وعَدَمَ الكسب حتى إِن المرأَة النفساء لا تُخَرَّسُ
والفَطِيم لا يُسْكَتُ بِحِتْرٍ، وهو الشيء اليسير من الطعام وغيره:
إِذا النُّفَساءُ لم تُخَرَّسْ بِبِكْرِها
غُلاماً، ولم يُسْكَتْ بِحِتْرٍ فَطِيمُها
الحِتْرُ: الشيء القليل الحقير، أَي ليس لهم شيء يُطْعِمُون الصبي من
شدّة الأَزْمَةِ. وقوله غلاماً منتصب على التمييز فيكون بياناً للبِكْر،
لأن البِكْر يكون غلاماً وجارية، وأَراد أَن المرأَة إِذا أَذْكَرَتْ كانت
في النفوس آثَر والعنايَةُ بها آكَدَ، فإِذا اطُّرِحَتْ دل ذلك على شدّة
الجَدْب وعموم الجَهْدِ. وفي الحديث في صفة التمر: هي صُمْتَةُ الصبي
وخُرْسَةُ مَرْيَمَ؛ الخُرْسَة: ما تَطْعَمُه المرأَةُ عند وِلادِها.
وخَرَّسْتُ النفساء: أَطعمتها الخُرْسَة. وأَراد قول اللَّه عز وجل: وهُزّي
إِليك بِجِذع النخلة تُساقِطْ عليك رُطَباً جَنِيّاً. والخُرْسُ، بلا هاء:
الطعام الذي يدعى إِليه عند الولادة. وفي حديث حَسَّان: كان إِذا دُعِيَ
إِلى طعام قال: إِلى عُرْس أَم خُرْس أَم إِعْذارٍ؟ فإِن كان في واحد من
ذلك أَجاب، وإِلا لم يُجِبْ؛ وأَما قول الشاعر يصف قوماً بقلة الخير:
شَرُّكُمْ حاضِرٌ وخَيْرُكُمُ دَ
رُّ خَرُوسٍ، من الأَرانِبِ، بِكْرِ
فيقال: هي البِكْرُ في أَوّل حملها، ويقال: هي التي يعمل لها
الخُرْسَةُ. ومن أمثالهم: تَخَرّسي لا مُخَرِّسَةَ لَكِ. وقال خالد بن صفوان في صفة
التمر: تُحْفَةُ الكبير، وصُمْتَةُ الصغير، وتَخْرِسَةُ مَرْيم. كأَنه
سماه بالمصدر وقد تكون اسماً كالتَّنْهِيَةِ والتَّوْديَةِ. وتَخَرَّسَت
المرأَةُ: عَمِلَتْ لنفسها خُرْسَة. والخَرُوسُ من النساء: التي يعمل لها
شيء عند الولادة. والخَرُوس أَيضاً: البِكْر في أَول بطن تحمله. ويقال
للأَفاعي: خُرْسٌ؛ قال عنترة:
عليهم كلُّ مُحْكَمَةٍ دِلاصٍ،
كأَن قَتِيرَها أَعْيانُ خُرْسِ
والخَرْسُ والخِرْسُ: الدَّنُّ؛ الأَخيرة عن كراع، والصاد في هذه
الأَخيرة لغة. والخَرَّاسُ: الذي يعمل الدّنانَ؛ قال الجعدي:
جَوْنٌ كَجَوْنِ الخَمَّارِ حَرَّدَه الْـخَرَّاسُ، لا ناقِسٌ ولا هَزِمُ
الناقس: الحامض؛ قال العجاج:
وخَرْسه المُحْمَرُّ فيه ما اعْتُصِرْ
قال الأَزهري: وقرأْت في شعر العجاج المقروء على شمر:
مُعَلِّقِينَ في الكلالِيبِ السُّفَرْ،
وخَرْسه المُحْمَرُّ فيه ما اعْتُصِرْ
قال: الخَرْسُ الدنّ، قيده بالخاء. والخَرَّاس أَيضاً: الخَمَّار.
وخُراسانُ: كُورَةٌ، النسب إِليها خُراسانيٌّ، قال سيبويه: وهو أَجود،
وخُراسِيٌّ خُرْسِيٌّ، ويقال: هم خُرْسانٌ كما يقال هم سُودانٌ وبِيضانٌ؛
ومنه قول بَشَّار:
في البيت من خُرْسان لا تُعابُ
يعني بناته، ويجمع على الخُرَسِينَ، بتخفيف ياء النسبة كقولك
الأَشْعَرين؛ وأَنشد:
لا تُكْرِيَنَّ بعدها خُرَسِيَا .
حجم: الإِحْجامُ: ضدُّ الإِقْدام. أَحْجَمَ عن الأَمر: كَفَّ أَو نكص
هَيْبةً. وفي الحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أَخذَ سَيْفاً
يوم أُحُدٍ فقال: من يأْخذ هذا السيف بحَقِّه؟ فأَحْجَم القوم أَي نكصوا
وتأَخروا وتَهَيَّبوا أَخْذه. ورجل مِحْجام: كثير النُّكوص.
والحِجامُ: شيء يجعل في فم البعير أَو خَطْمِه لئلا يَعَضَّ
(* قوله
«لئلا يعض» في المحكم بعده: وقال أبو حنيفة الدينوري هي مخلاة تجعل على خطمه
لئلا يعض)، وهو بعير مَحْجُوم، وقد حَجَمه يَحْجُمه حَجْماً إذا جعل على
فمه حجاماً وذلك إِذا هاجَ. وفي الحديث عن ابن عمر: وذكر أَباه فقال:
كان يَصيحُ الصَّيْحةَ يكاد مَنْ سمعها يَصْعَقُ كالبعير المَحْجُوم
وأَما قوله في حديث حمزة: إِنه خرج يومَ أُحُدٍ كأَنه بعير مَحْجُوم، وفي
رواية: رجل مَحْجوم؛ قال ابن الأَثير: أَي جسيم، من الحَجْمِ وهو
النُّتُوُّ؛ قال ابن سيده: وربما قيل في الشعر فلان يَحْجُم فلاناً عن الأَمر أَي
يكفه، والحَجْمُ: كَفُّكَ إِنساناً عن أَمر يريده. يقال: أَحْجَمَ الرجلُ
عن قِرْنِه، وأَحْجَمَ إِذا جَبُنَ وكَفَّ؛ قاله الأَصمعي وغيره، وقال
مبتكر الأَعرابي: حَجَمْتُه عن حاجته منعته عنها، وقال غيره: حَجَوْتُه عن
حاجته مثله، وحَجَمْتُه عن الشيء أَحْجُمُه أَي كفَفْته عنه. يقال:
حَجَمْتُه عن الشيء فأَحْجَمَ أَي كففته فكَفَّ، وهو من النوادر مثل كبَبْتُه
فأَكبَّ. قال ابن بري: يقال حَجَمْته عن الشيء فأَحْجَم أَي كففته عنه
وأَحْجَمَ هو وكَبَبْتُه وأَكَبَّ هو، وشَنَقْتُ البعيرَ وأَشنَقَ هو إِذا
رفع رأْسه، ونَسَلْتُ ريشَ الطائر وأَنْسَلَ هو، وقَشَعَتِ الريحُ الغيمَ
وأَقْشَعَ هو، ونَزَفْتُ البئرَ وأَنْزََفَتْ هي، ومَرَيْتُ الناقةَ
وأَمْرَتْ هي إِذا دَرَّ لبنُها. وإِحْجام المرأَةِ المولودَ: أَوَّلُ
إِرْضاعةٍ تُرْضِعُه، وقد أَحْجَمَتْ له. وحَجَمَ العظمَ يَحْجُمه حَجْماً:
عَرَقَهُ. وحَجَمَ ثَدْيُ المرأَة يَحْجُم حُجُوماً: بدا نُهُوده؛ قال
الأَعشى:
قد حَجَمَ الثَّدْيُ على نَحْرِها
في مُشْرِقٍ ذي بَهْجةٍ ناضِرِ
(* قوله «ذي بهجة إلخ» كذا في المحكم، وفي التكملة: ذي صبح نائر).
وهذه اللفظة في التهذيب بالأَلف في النثر والنظم: قد أَحْجَمَ الثديُ
على نحر الجارية.
قال: وحَجَّمَ وبَجَّم إِذا نظر نظراً شديداً، قال الأَزهري: وحَمَّجَ
مثله. ويقال للجارية إِذا غَطَّى اللحمُ رؤوس عظامها فسمنت: ما يبدو
لعِظامها حَجْمٌ؛ الجوهري: حَجْمُ الشيء حَيْدهُ. يقال: ليس لِمِرْفَقِهِ
حَجْمٌ أَي نُتُوٌّ. وحَجْم كلِّ شيء: مَلْمَسُه الناتئ تحت يدك، والجمع
حُجُوم. وقال اللحياني: حَجْمُ العظام أَن يوجد مَسُّ العِظام من وراء
الجلد، فَعَبَّرَ
عنه تَعْبيرَه عن المصادر؛ قال ابن سيده: فلا أَدري أَهو عنده مصدر أَم
اسم. قال الليث: الحَجْمُ وِجْدانُك مسَّ شيء تحت ثوب، تقول: مَسِسَتْ
بطنَ الحُبْلى فوجدت حَجْمَ الصبيِّ في بطنها. وفي الحديث: لا يَصِف حَجْمَ
عظامها؛ قال ابن الأَثير: أَراد لا يلتصق الثوب ببدنها فَيَحْكي
الناتئَ والناشزَ من عظامها ولحمها، وجعله واصفاً على التشبيه لأَنه إِذا
أَظهره وبيَّنه كان بمنزلة الواصف لها بلسانه. والحَجْمُ: المَصّ. يقال:
حَجَمَ الصبيُّ ثَدي أُمه إذا مصه. وما حَجَمَ الصبيُّ ثدي أُمه أَي ما
مَصَّه. وثَدْيٌ مَحْجوم أَي ممصوص. والحَجَّامُ: المَصَّاص. قال
الأَزهري: يقال للحاجم حَجَّامٌ لامْتِصاصه فم المِحْجَمَة، وقد حَجَمَ يَحْجِمُ
ويَحْجُم حَجْماً وحاجِمٌ حَجُومٌ ومِحْجَمٌ رَفيقٌ. والمِحْجَمُ
والمِحْجَمَةُ: ما يُحْجَم به. قال الأَزهري: المحْجَمَةُ قارُورَتُهُ، وتطرح
الهاء فيقال مِحْجَم، وجمعه مَحاجِم؛ قال زهير:
ولم يُهَريقُوا بينهم مِلْءَ مِحْجمِ
وفي الحديث: أَعْلَقَ فيه مِحْجَماً؛ قال ابن الأَثير: المِحْجَمُ،
بالكسر، الآلة التي يجمع فيها دم الحِجامة عند المصّ، قال: والمِحْجَمُ
أَيضاً مِشْرَطُ الحَجَّام؛ ومنه الحديث: لَعْقَةُ عَسلٍ أَو شَرْطة مِحْجَمٍ،
وحِرفَتُه وفعلُه الحِجامةُ. والحَجْمُ: فعل الحاجم وهو الحَجّامُ.
واحْتَجَمَ: طلب الحِجامة، وهو مَحْجومٌ، وقد احْتَجَمْتُ من الدم. وفي حديث
الصوم: أَفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجومُ؛ ابن الأَثير: معناه: أَنهما
تَعَرَّضا للإفْطار، أَما المَحْجومُ فللضعف الذي يلحقه من خروج دمه فربما
أَعجزه عن الصوم، وأَما الحاجمُ فلا يأْمَنُ أَن يصل إلى حلقه شيء من الدم
فيبلعَهُ أَو من طَعْمِه، قال: وقيل هذا على سبيل الدعاء عليهما أَي بطل
أَجْرُهما فكأَنهما صارا مفطرين، كقَوله: من صام الدَّهْرَ فلا صام ولا
أَفطر. والمَحْجمة من العنق: موضع المِحْجمةِ. وأَصل الحَجْمِ المصّ،
وقولهم: أَفْرَغُ من حَجَّام ساباطٍ، لأَنه كان تَمُرُّ به الجيوش فيَحْجُمهم
نَسيئةً من الكساد حتى يرجعوا فضربوا به المَثَلَ؛ قال ابن دريد:
الحِجامةُ من الحَجْمِ الذي هو البَداءُ لأَن اللحم يَنْتَبِرُ أَي
يرتفع.والحَوْجَمةُ: الوَرْدُ الأَحمر، والجمع حَوْجَمٌ.
طنن: الإِطْنانُ: سُرْعة القَطْع. يقال: ضربته بالسيف فأَطْنَنْتُ به
ذِراعَه، وقد طَنَّت، تحكي بذلك صوتها حين سقطت. ويقال: ضرب رجلَه فأَطَنَّ
ساقَه وأَطَرَّها وأَتَنَّها وأَتَرَّها بمعنى واحد أَي قطعها. ويقال:
يراد بذلك صوت القطع. وفي حديث عليّ: ضربه فأَطَنَّ قِحْفَه أَي جعله
يَطِنُّ من صوت القطع، وأَصله من الطَّنين، وهو صوت الشيءِ الصُّلْب. وفي
حديث معاذ بن الــجَموح قال: صَمَدْتُ يوم بدْرٍ نحوَ أَبي جهل، فلما
أَمكَنَني حملت عليه وضربته ضربة أَطنَنْتُ قدَمَه بنصف ساقه، فوالله ما
أُشَبِّهُها حين طاحتْ إلاَّ النَّواةَ تَطيحُ من مِرْضَخةِ النَّوى؛
أَطَنَنْتُها أَي قطعتها استعارة من الطَّنين صوْت القطع، والمِرْضَخة التي يُرْضَخ
بها النوى أَي يُكْسَر. وأَطَنَّ ذراعه بالسيف فطَنَّت: ضربها به فأَسرع
قطعها. والطَّنِينُ: صوت الأُذن والطَّسّ والذباب والجبل ونحو ذلك، طَنَّ
يَطِنُّ طَنّاً وطَنِيناً؛ قال:
وَيْلٌ لبَرْنِيِّ الجِرابِ مِنِّي؛
إذا الْتَقَتْ نَواتُها وسِنِّي
تَقولُ سِنِّي للنَّوَاةِ: طِنِّي.
قال ابن جني: الرَّوِيُّ في هذه الأَبيات الياء ولا تكون النون البتة،
لأَنه لا يمكن إِطلاقها، وإذا لم يجز إِطلاق هذه الياء لم يمتنع سني أَن
يكون رويّاً. والبَطَّةُ تَطِنُّ إذا صوّتت. وأََطنَنْتُ الطَّسْتَ
فَطَنَّتْ. والطَّنْطَنة: صوت الطُّنْبور وضرب العود ذي الأَوتار، وقد تستعمل
في الذباب وغيره. وطَنين الذباب: صوته. ويقال: طَنْطَنَ طَنْطَنة ودَندَنَ
دَنْدَنة بمعنى واحد. وطَنَّ الذبابُ إذا مَرِجَ فسمعت لطيرانه صوتاً.
ورجل ذو طَنْطانٍ أَي ذو صَخَبٍ؛ وأَنشد:
إنَّ شَرِيبَيْك ذَوا طَنْطانِ،
خاوِذْ فأَصْدِرْ يومَ يُورِدانِ
والطَّنْطَنة: كثرة الكلام والتصويت به. والطَّنْطنة: الكلام الخفي.
وطَنَّ الرجلُ: مات، وكذلك لَعِقَ إِصْبعَه. والطُّنُّ: القامة. ابن
الأَعرابي: يقال لبدن الإِنسان وغيره من سائر الحيوان طُنَّ وأَطنانٌ وطِنان،
قال: ومنه قولهم فلان لا يقوم بطُنِّ نفسه فكيف بغيره؟ والطُّنُّ، بالضم:
الحُزْمة من الحطب والقَصَب؛ قال ابن دريد: لا أَحسبها عربية صحيحة، قال:
وكذلك قول العامة قام بطُنِّ نفسه، لا أَحسبها عربية. وقال أَبو حنيفة:
الطُّنُّ من القصب ومن الأَغصان الرَّطْبةُ الوَريقةُ تُجْمع وتحزَم ويجعل
في جوفها النَّوْرُ أَو الجَنى. قال الجوهري: والقصبة الواحدة من
الحُزْمة طُنَّة. والطُّنُّ: العِدْل من القُطن المحلوج؛ عن الهَجَريِّ؛ وأَنشد:
لم يَدْرِ نَوَّامُ الضُّحى ما أَسْرَيْنْ،
ولا هِدانٌ نام بين الطُّنَّيْنْ
أَبو الهيثم: الطُّنُّ العِلاوة بين العِدْلَين؛ وأَنشد:
بَرَّحَ بالصِّينيِّ طُولُ المَنِّ،
وسَيْرُ كُلِّ راكِبٍ أَدَنِّ
مُعْتَرِضٍ مِثْلِ اعْتراض الطُّنِّ
والطُّنِّيُّ من الرجال: العظيم الجسم. والطُّنُّ والطَّنُّ: ضرب من
التمر أَحمر شديد الحلاوة كثير الصَّقَر
(* قوله «كثير الصقر» يقال لصقره
السيلان، بكسر السين، لأنه إذا جمع سال سيلاً
من غير اعتصار لرطوبته). وفي حديث ابن سيرين: لم يكن عليٌّ يُطَّنُّ في
قتل عثمان أَي يُتَّهَم، ويروى بالظاء المعجمة، وسيأْتي ذكره. وفي
الحديث: فمن تَطَّنُّ أَي من تتَّهمُ، وأَصله تَظْتَنُّ من الظِّنَّة
التُّهَمة، فأَدغم الظاء في التاء ثم أَبدل منها طاء مشددة كما يقال مُطّلم في
مُظطلم، والله أَعلم.
عوذ: عاذ به يَعُوذُ عَوْذاً وعِياذاً ومَعاذاً: لاذ فيه ولجأَ إِليه
واعتصم. ومعاذَ اللهِ أَي عياذاً بالله. قال الله عز وجل: مَعَاذَ الله أَن
نأْخذ إِلا مَن وجدَنا متاعنا عنده؛ أَي نعوذ بالله معذاً أَن نأْخذ غير
الجاني بجنايته، نصبه على المصدر الذي أُريدَ به الفعل. وروي عن النبي،
صلى الله عليه وسلم، أَنه تزوّج امرأَة من العرب فلما أُدْخِلَتْ عليه
قالت: أَعوذ بالله منك، فقال: لقد عُذْتِ بمعاذ فالحقي بأَهلك. والمَعَاذ
في هذا الحديث: الذي عَاذبه. والمَعَاذ: المصدر والمكان والزمان أَي قد
لجأْت إِلى ملجإٍ ولُذْتِ بِمَلاذ. والله عز وجل معاذ من عاذ به وملجأُ من
لجأَ إِليه. وقولهم: معاذ الله أَي أَعوذ بالله معاذاً، بجعله بدلاً من
اللفظ بالفعل لأَنه مصدر وإِن كان غير مستعمل مثل سبحان. ويقال أَيضاً:
مَعَاذَة الله ومَعَاذَ وجه الله ومَعَاذَة وجه الله، وهو مثل المَعْنَى
والمَعْناة والمَأْتى والمَأْتاة. وأَعَذْتُ غيري به وعَوَّذْتُه به
بمعنى.قال سيبويه: وقالوا: عائذاً بالله من شرها فوضعوا الاسم موضع المصدر؛
قال عبد الله السهمي:
أَلحقْ عذابَك بالقوم الذين طَغَوْا،
وعائذاً بك أَن يَغْلُوا فيُطْغُوني
قال الأَزهري: يقال: اللهم عائذاً بك من كل سوء أَي أَعوذ بك عائذاً.
وفي الحديث: عائذ بالله من النار أَي عائذ ومتعوّذ كما يقال مستخجير بالله،
فجعل الفاعل موضع المفعول، كقولهم سِرٌّ كاتِمٌ وماءٌ دافق؛ ومن رواه
عائذاً، بالنصب، جعل الفاعل موضع المصدر وهو العِياذُ.
وطَيْرٌ عِياذٌ وعُوَّذ: عائذة بجبل وغيره مما يمنعها؛ قال بخدج يهجو
أَبا نخيلة:
لاقى النُّخَيْلاتُ حِناذاً مِحْنَذا،
شَرًّا وشَلاًّ للأَعادِي مِشْقَذَا
(* قوله «شرّاً وشلاً إلخ» الذي تقدم: مني وشلاً، ولعله روي بهما).
وقافِياتٍ عارِماتٍ شُمَّذَا
كالطَّيْر يَنْجُونَ عِياذاً عُوَّذا
كرر مبالغة فقال عِيذاً عُوَّذاً، وقد يكون عياذاً عنا مصدراً، وتعوّذ
بالله واستعاذ فأَعاذه وعوّذه، وعَوْذٌ بالله منك أَي أَعوذ بالله منك؛
قال:
قالت، وفيها حَيْذَة وذُعْرُ:
عَوْذٌ بربي مِنكُمُ وحَجْرُ
قال: وتقول العرب للشيء ينكرونه والأَمر يهابونه: حُجْراً أَي دفعاً،
وهو استعاذة من الأَمر. وما تركت فلاناً إلا عَوَذاً منه، بالتحريك،
وعَوَاذاً منه أَي كراهة. ويقال: أُفْلِتَ فلانٌ مِن فُلانٍ عَوَذاً إِذا
خوَّفه ولم يضربه أَو ضربه وهو يريد قتله فلم يقتله. وقال الليث: يقال فلان
عَوَذٌ لك أَي ملجأٌ. وفي الحديث: إِنما قالها تَعَوُّذاً أَي إِنما أَقرَّ
بالشهادة لاجئاً إِليها ومعتصماً بها ليدفع عنه القتل وليس بمخلص في
إِسلامه. وفي حديث حذيفة: تُعْرَضُ الفتنُ على القلوب عَرْضَ الحصير عُوداً
عُوداً، بالدال اليابسة، وقد تقدّم؛ قال ابن الأَثير: وروي بالذال
المعجمة، كأَنه استعاذ من الفتن. وفي التنزيل: فإِذا قرأْت القرآن فاستعذ بالله
من الشيطان الرجيم؛ معناه إِذا أَردت قراءة القرآن فقل: أَعوذ بالله من
الشيطان الرجيم ووسوسته.
والعُوذةُ والمَعَاذَةُ والتَّعْوِيذُ: الرُّقية يُرْقى بها الإِنسان من
فزع أَو جنون لأَنه يعاذ بها.
وقد عَوَّذَه؛ يقال: عَوَّذْت فلاناً بالله وأَسمائه وبالمُعَوِّذتين
إِذا قلت أُعيذك بالله وأَسْمائه من كل ذي شر وكل داء وحاسد وحَيْنٍ. وروي
عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه كان يعوِّذ نفسه بالمعوِّذتين بعدما
طُبَّ. وكان يُعَوِّذُ ابني ابنته البَتُول، عليهم السلام، بهما.
والمعوِّذتان، بكسر الواو: سورة الفلق وتاليتها لأَن مبدأَ كل واحدة منهما قل
أَعوذ. وأَما التعاويذ التي تُكتب وتعلق على الإِنسان من العين فقد نهى عن
تعليقها، وهي تسمى المَعًّاذات أَيضاً، يُعَوَّذ بها من علقت عليه من
العين والفزع والجنون، وهي العُوذُ واحدتها عُوذَةٌ. والعُوَّذُ: ما عِيذ به
من شجر أَو غيره. والعُوَّذُ من الكلإِ: ما لم يرتفع إِلى الأَغصان
ومنعه الشجر من أَن يرعى، من ذلك، وقيل: هي أَشياء تكون في غلظ لا ينالها
المالُ؛ قال الكميت:
خَلِيلايَ خُلْصَانيَّ، لم يُبْق حُبُّها
من القلبِ إِلاَّ عُوَّذاً سَيَنالها
والعُوَّذ والمُعوَّذُ من الشجر: ما نبت في أَصل هدفٍ أَو شجرة أَو
حَجَرٍ يستره لأَنه كأَنه يُعَوّذُ بها؛ قال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي يصف
امرأَة:
إِذا خَرَجَتْ مَن بيتها، راقَ عَيْنَها
مُعَوَّذُهُ، وأَعْجَبَتْها العَقائِقُ
يعني هذه المرأة إِذا خَرَجَت من بيتها راقها مُعَوَّذُ النَّبت حوالي
بيتها، وقيل: المعَوِّذ، بالكسر، كل نبت في أَصل شجرة أَو حجر أَو شيء
يعُوذّ به.
وقال أَبو حنيفة: العَوَذُ السفير من الورق وإِنما قيل له عَوَذٌ لأَنه
يعتصم بكل هذف ويلجأُ إِليه ويعوذ به. قال الأَزهري: والعَوَذُ ما دار به
الشيء الذي يضربه الريح، فهو يدور بالعَوَذِ من حَجَر أَو أَرومة.
وتَعَاوَذَ القومُ في الحرب إِذا تواكلوا وعاذ بعضهم ببعض.
ومُعَوَّذُ الفرس: موضع القلادة، ودائرة المُعَوَّذِ تستحب. قال أَبو
عبيد: من دوائر الخيل المُعَوَّذُ وهي التي تكون في موضع القلادة
يستحبونها.وفلان عَوْذٌ لبَني فلان أَي ملجأٌ لهم يعوذون به. وقال الله عز وجل:
وانه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن؛ قيل: إن أَهل الجاهلية
كانوا إِذا نزلت رفقة منهم في واد قالت: نعوذ بعزيز هذا الوادي من مَرَدَة
الجن وسفهائهم أَي نلوذُ به وتستجير.
والعُوَّذُ من اللحم: ما عاذ بالعظم ولزمه. قال ثعلب: قلت لأَعرابي: ما
طعم الخبز؟ قال: أُدْمُه. قال قلت: ما أَطيب اللحم؟ قال: عُوَّذُه،
وناقة عائذ: عاذ بها ولدها، قال بمعنى مفعول؛ وقيل: هو على النسب.
والعائذ: كل أُنثى إِذا وضعت مدة سبعة أيام لأَنّ ولدها يعوذ بها، والجمع
عُوذٌ بمنزلة النفساء من النساء، وهي من الشاء رُبّى، وجمعها رِباب، وهي من
ذوات الحافز فَرِيش. وقد عاذت عياذاً وأَعاذت، وهي مُعِيذٌ، وأَعوذت.
والعائذ من الإِبل: الحديثة النتاج إِلى خمس عشرة أَو نحوها، من ذلك أَيضاً.
وعاذت بولدها: أَقامت معه وحَدِبَتْ عليه ما دام صغيراً، كأَنه يريد
عاذبها ولدها فقلب؛ واستعار الراعي أَحذ هذه الأَشياء للوحش فقال:
لها بحَقِيلٍ فالنُّمَيرة منزلٌ،
ترى الوحشَ عُوذاتٍ به ومَتَالِيَا
كسَّر عائذاً على عوذ ثم جمعه بالأَلف والتاء؛ وقول مليح الهذلي:
وعاجَ لها جاراتُها العِيسَ، فارْعَوَتْ
عليها اعوجاجَ المُعْوِذاتَ المَطَافِل
قال السكري: المعوذات التي معها أَولادها. قال الأَزهري: الناقة إِذا
وضعت ولدها فهي عائذ أَياماً. ووقَّت بعضهم سبعة أَيام، وقيل: سميت الناقة
عائذاً لأَنّ ولدها يعوذ بها، فهي فاعل بمعنى مفعول، وقال: إِنما قيل لها
عائذ لأَنها ذات عَوْذٍ أَي عاذ بها ولدها عَوْذاً. ومثله قوله تعالى:
خلق من ماء دافق أَي ذي دفق. والعُوذُ: الحديثات النتاج من الظباء والإِبل
والخيل، واحدتها عائذ مثل حائل وحول. ويجمع أَيضاً على عُوذان مثل راع
ورُعيان وحائر وحُوران. ويقال: هي عائذ ببَّنةُ العؤُوذ إِذا ولدت عشرة
أَيام أَو خمسة عشر ثم هي مُطْفِلٌ بعدُ. يقال: هي في عياذها أَي بحِدْثان
نتاجها. وفي حديث الحديبية: ومعهم العُوذُ المَطافيل؛ يريد النساء
والصبيان. والعُوذُ في الأَصل: جمع عائذ من هذا الذي تقدم. وفي حديث عليّ،
رضوان الله عليه: فأَقبلتم إِليّ إِقبالَ العُوذ المَطافل.
وعَوَذ الناس: رُذالهم؛ عن ابن الأَعرابي. وبنو عَيِّذ الله: حيّ، وقيل:
حيُّ من اليمن. قال الجوهري: عيِّذ الله، بكسر الياء مشددة، اسم قبيلة.
يقال: هو من بني عيذ الله، ولا يقال عائذ الله. ويقال للجوديّ أَيضاً:
عَيِّذ. وعائذة: أَبو حي من ضبة، وهو عائذة بن مالك بن ضبة؛ قال الشاعر:
متى تسأَل الضَّبِّيَّ عن شرّ قومه،
يَقُلْ لك: إِن العائذيَّ لئيم
وبنو عَوْذَةَ: من الأَسْد. وبنو عَوْذَى، مقصور: بطن؛ قال الشاعر:
ساقَ الرُّفَيْداتِ من عَوْذى ومن عَمَم،
والسَّبْيَ مِن رَهْط رِبْعِيٍّ وحَجَّار
وعائذ الله: حي من اليمن. وعُوَيْذَة: اسم امرأَة؛ عن ابن الأَعرابي،
وأَنشد:
فإِني وهِجْراني عُوَيْذَةَ، بعدما
تَشَعَّبَ أَهواءُ الفؤادِ الشواعِبُ
وعاد: قرية معروفة، وقيل: ماء بنجران؛ قال ابن أَحمر:
عارضتُهم بسؤال: هل لكن خَبَرٌ؟
مَن حَجَّ من أَهل عاذٍ، إِنَّ لي أَرَبا؟
والعاذ: موضع. قال أَبو المورّق:
تركتُ العاذَ مَقْليّاً ذميماً
إِلى سَرَفٍ، وأَجْدَدْتُ الذهابا
عذر: العُذْر: الحجة التي يُعْتَذر بها؛ والجمع أَعذارٌ.
يقال: اعْتَذَر فلان اعْتِذاراً وعِذْرةً ومَعْذُرِة من دِيْنهِ
فعَذَرْته، وعذَرَ يَعْذُرِهُ فيما صنع عُذْراً وعِذْرةً وعُذْرَى ومَعْذُرِة،
والاسم المعِذَرة
(* قوله: «والاسم المعذرة» مثلث الذال كما في القاموس).
ولي في هذا الأَمر عُذْرٌ وعُذْرَى ومَعْذرةٌ أَي خروجٌ من الذنب؛ قال
الــجَمُوح الظفري:
قالت أُمامةٌ لما جِئْتُ زائَرها:
هلاَّ رَمَيْتَ بَبَعْض الأَسْهُم السُّودِ؟
لله دَرُّكِ إِني قد رَمَيْتُهُمُ،
لولا حُدِدْتُ، ولا عُذْرَى لِمَحْدودِ
قال ابن بري: أَورد الجوهري نصف هذا البيت: إِني حُدِدْتُ، قال وصواب
إِنشاده: لولا؛ قال: والأَسْهُم السُّود قيل كناية عن الأَسْطر المكتوبة،
أَي هلاَّ كتبْتَ لي كتاباً، وقيل: أَرادت بالأَسْهُم السودِ نَظَرَ
مُقْلَتيه، فقال: قد رَمَيتُهم لولا حُدِدْتُ أَي مُنِعت. ويقال: هذا الشعر
لراشد بن عبد ربه وكان اسمه عاوِياً، فسماه النبي، صلى الله عليه وسلم،
راشداً؛ وقوله: لولا حددت هو على إِرادة أَن تقديره لولا أَن حُدِدْتُ
لأَنَّ لولا التي معناها امتناعُ الشيء لوجود غيره هي مخصوصة بالأَسماء، وقد
تقع بعدها الأَفعال على تقدير أَن، كقول الآخر:
أَلا زَعَمَتْ أَسْماءُ أَن لا أُحِبُّها،
فقلتُ: بَلى، لولا يُنازِعُني شَغْلي
ومثله كثير؛ وشاهدُ العِذْرةِ مثل الرِّكبةِ والجِلْسةِ قولُ النابغة:
ها إِنّ تا عِذْرة إِلاَّ تَكُنْ نَفَعَتْ،
فإِن صاحِبَها قد تاهَ في البَلَدِ
(* في ديوان النابغة:
ها إِنّ عِذْرةٌ إِلاَّ تكن تفعت * فإِنَّ صاحبها مشاركُ
النَّكَد).
وأَعْذَرَه كعذَرَه؛ قال الأَخطل:
فبن تكُ حَرْبُ ابْنَيْ نِزارٍ تَوَاضَعَتْ،
فقد أَعْذَرَتْنا في طِلابكمُ العُذْر
وأَعْذَرَ إِعْذاراً وعُذْراً: أَبْدَى عُذْراً؛ عن اللحياني. والعرب
تقول: أَعْذَرَ فلانٌ أَي كان منه ما يُعْذَرُ به، والصحيح أَن العُذْرَ
الاسم، والإِعْذار المصدر، وفي المثل: أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ؛ ويكون
أَعْذَرَ بمعنى اعْتَذَر اعتذاراً يُعْذَرُ به وصار ذا عُذْرٍ منه؛ ومنه قول
لبيد يخاطب بنتيه ويقول: إِذا متُّ فنُوحاً وابْكِيا عليّ حَوْلاً:
فقُوما فقُولا بالذي قد عَلِمُتُما،
ولا تَخْمِشَا وَجْهاً ولا تَحْلِقا الشَّعَرْ
وقولا: هو المَرْءُ الذي لا خَلِيلَه
أَضاعَ، ولا خان الصديقَ، ولا غَدَرْ
إِلى الحولِ، ثم اسمُ السلامِ عليكما،
ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كامِلاً فقد اعْتَذَرْ
أَي أَتى بُعذْر، فجعل الاعْتِذارَ بمعنى الإِعْذارِ، والمُعْتَذِرُ
يكون مُحِقّاً ويكون غير مُحِقٍّ؛ قال الفراء: اعْتَذَرَ الرجل إِذا أَتى
بعُذْرٍ، واعْتَذَرَ إِذا لم يأْت بعُذْرٍ؛ وأَنشد:
ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
أَي أَتى بعُذْرٍ. وقال الله تعالى: يَعْتَذِرون إِليكم إِذا رجعتُم
إِليهم، قل لا تَعْتَذِرُوا لن نُؤْمِنَ لكم قد نَبّأَنا الله من أَخباركم؛
قل لا تَعْتَذِرُوا يعني أَنه لا عُذْرَ لهم، والمعَاذِيرُ يَشُوبُها
الكذبُ. واعتذرَ رجلٌ إِلى عمر بن عبد العزيز فقال له: عَذَرْتُكَ غيرَ
مُعْتَذِرٍ؛ يقول: عَذَرْتُك دون أَن تَعْتَذِرَ لأَنّ المُعْتَذِرَ يكون
مُحِقّاً وغير محق؛ والمُعَذِّر أَيضاً: كذلك. واعْتَذَرَ منْ ذنبه
وتَعَذّر: تَنَصَّلَ؛ قال أَبو ذؤيب:
فإِنك منها والتعَذّر بعدما
لَجَجتَ، وشطَّتْ مِن فُطَيمةَ دارُها
وتعذّر: اعْتَذَرَ واحتجَّ لنفسه؛ قال الشاعر:
كأَنّ يَدَيْها، حين يُفْلَقُ ضَفْرُها،
يدا نَصَفٍ غَيْرِي تَعَذّرُ مِنْ جُرْمِ
وعَذَّرَ في الأَمر: قَصَّر بعد جُهْد. والتَّعْذِيرُ في الأَمر:
التقصيرُ فيه. وأَعْذَرَ: قَصَّر ولم يُبالِغ وهو يُرِي أَنه مُبالِغٌ.
وأَعْذَرَ فيه: بالَغَ. وفي الحديث: لقد أَعْذَرَ اللهُ إِلى مَنْ بَلَغ مِنَ
العُمْرِ ستّين سنة؛ أَي لم يُبْقِ فيه موضعاً للاعْتِذارِ، حيث أَمْهَلَه
طُولَ هذه المدة ولم يَعْتَذِر. يقال: أَعْذَرَ الرجل إِذا بَلَغ أَقْصى
الغايةِ في العُذْر. وفي حديث المِقْداد: لقد أَعْذَرَ اللهُ إِليك أَي
عَذَرَكَ وجَعَلَك موضعَ العُذْر، فأَسْقَط عنك الجهاد ورَخّصَ لك في تركه
لأَنه كان قد تَناهَى في السِّمَنِ وعَجَزَ عن القتال. وفي حديث ابن
عمر: إِذا وُضِعَت المائدةُ فلْيأْكلِ الرجلُ مما عنده ولا يَرْفَعْ يده
وإِن شَبِعَ ولْيُعذِرْ فإِن ذلك يُخَجَّلُ جَلِيسَه؛ الإِعْذارُ: المبالغة
في الأَمر، أَي ليُبالِغْ في الأَكل؛ مثل الحديث الآخر: إِنه كان إِذا
أَكَلَ مع قوم كانَ آخرَهم أَكْلاً؛ وقيل: إِنما هو وليُعَذِّرْ من التعذير
التَّقْصِير أَي ليُقَصِّرْ في الأَكل لِيَتَوفَّرَ على الباقين ولْيُرِ
أَنه بالغَ. وفي الحديث: جاءَنا بطعامٍ جَشْبٍ فكنا نُعَذِّرُ؛ أَي
نُقَصِّر ونُرِي أَننا مجتهدون. وعَذّرَ الرجل، فهو مُعَذّرُ إِذا اعْتَذَرَ
ولم يأْت بِعُذرٍ. وعَذَّرَ: لم يثبت له عُذْرٌ. وأَعْذَرَ: ثبت له
عُذْرٌ. وقوله عز وجل: وجاء المُعَذِّرُون من الأَعراب لِيُؤْذَنَ لهم،
بالتثقيل؛ هم الذين لا عُذْرَ لهم ولكن يتكلَّفُون عُذْراً. وقرئ: المُعْذِرون
بالتخفيف، وهم الذين لهم عُذْرٌ، قرأَها ابن عباس ساكنةَ العين وكان
يقول: والله لكذا أُنْزِلَت. وقال: لَعَنَ الله المُعَذِّرِينَ. قال
الأَزهري: ذهب ابن عباس إِلى أَن المُعْذِرينَ الذين لهم العُذْر؛
والمُعَذِّرِينَ، بالتشديد: الذين يَعَتذِرون بلا عُذْرٍ كأَنهم المُقَصِّرون الذين لا
عذر لهم، فكأَنَّ الأَمرَ عنده أَن المُعَذِّرَ، بالتشديد، هو
المُظْهِرُ للعُذْرِ اعتلالاً من غير حقيقة له في العُذْر وهو لا عُذْرَ له،
والمُعْذِر الذي له عُذْرٌ، والمُعَذِّرُ الذي ليس بمُحقٍّ على جهة المُفَعِّل
لأَنه المُمَرِّض والمُقَصِّر يَعْتَذِرُ بغير عُذْرٍ. قال الأَزهري:
وقرأَ يعقوب الحضرمي وحده: وجاء المُعْذِرُون، ساكنة العين، وقرأَ سائرُ
قُرّاء الأَمْصارِ: المُعَذِّرُون، بفتح العين وتشديد الذال، قال: فمن قرأَ
المُعَذِّرُون فهو في الأَصل المُعْتَذِرُون فأُدْغِمَت التاء في الذال
لِقُرْب المَخْرَجين، ومعنى المُعْتَذِرُون الذين يَعْتَذِرُون، كان لهم
عُذْرٌ أَو لم يكن، وهو ههنا شبيه بأَنْ يكون لَهم عُذْرٌ، ويجوز في كلام
العرب المُعِذِّرُون، بكسر العين، لأَن الأَصل المُعْتَذِرُون فأُسكنت
التاء وأُبدل منها ذال وأُدغمت في الذال ونُقِلَت حركتها إِلى العين فصار
الفتح في العين أَوْلى الأَشياء، ومَنْ كَسَرَ العين جَرّة لإِلتقاء
الساكنين، قال: ولم يُقْرَأْ بهذا، قال ويجوز أَن يكون المُعَذِّرُون الذين
يُعَذِّرُون يُوهِمُون أَنَّ لهم عُذْراً ولا عُذْرَ لهم. قال أَبو بكر:
ففي المُعَذِّرِينَ وجْهان: إِذا كان المُعَذِّرُون مِنْ عَذّرَ الرجل،
فهو مُعَذِّر، فهم لا عذر لهم، وإِذا كان المُعَذِّرُون أَصلهم
المُعْتَذِرُون فأُلْقِيَت فتحةُ التاء على العين وأُبْدِلَ منها دالٌ وأُدغمت في
الذال التي بعدها فلهم عذر؛ قال محمد بن سلام الجُمَحِي: سأَلت يونس عن
قوله: وجاء المعذرون، فقلت له: المُعْذِرُون، مخففة، كأَنها أَقْيَسُ لأَن
المُعْذِرَ الذي له عُذْرٌ، والمُعَذِّر الذي يَعْتَذِر ولا عُذْر له،
فقال يونس: قال أَبو عمرو بن العلاء كلا الفريقين كان مُسيِئاً جاء قوم
فَعذَّرُوا وجَلَّحَ آخرون فقعدوا. وقال أَبو الهيثم في قوله: وجاء
المُعَذِّرُون، قال: معناه المُعْتَذِرُون. يقال: عَذَّر يَعَذِّر عِذّاراً في
معنى اعتذر، ويجوز عِذَّرَ الرجل يَعِذِّر، فهو مُعِذِّر، واللغة الأُولى
أَجودهما. قال: ومثله هَدّى يَهَدِّي هِدّاءً إِذا اهْتَدَى وهِدَّى
يَهِدِّي؛ قال الله عز وجل: أَم مَنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى؛ ومثله
قراءة من قرأَ يَخُصِّمُون، بفتح الخاء، قال الأَزهري: ويكون المُعَذِّرُون
بمعنى المُقَصِّرِينَ على مُفَعِّليِن من التَّعْذير وهو التقصير.
يقال: قام فلان قيام تَعْذِيرٍ فيما اسْتَكْفَيْتُه إِذا لم يُبالغْ
وقَصَّرَ فيما اعْتُمِدَ عليه. وفي الحديث: أَن بني إِسرائيل كانوا إِذا
عُمِلَ فيهم بالمعاصي نَهاهُم أَحْبارُهم تَعْذِيراً فعمَّهم الله بالعِقاب،
وذلك إِذا لم يُبالِغُوا في نَهْيِهم عن المعاصي، وداهَنُوهم ولم
يُنْكِرُوا أَعْمالَهم بالمعاصي حَقَّ الإِنْكارِ، أَي نَهَوْهم نَهْياً
قَصَّروا فيه ولم يُبالغُوا؛ وضَعَ المصدرَ موضع اسم الفاعل حالاً، كقولهم: جاء
مَشْياً. ومنه حديث الدعاء: وتَعاطى ما نَهَيْتُ عنه تَعْذِيراً.
وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: لن يَهْلِكَ الناسُ حتى
يُعذِرُوا من أَنفسهم؛ يقال: أَعْذَرَ من نفسه إِذا أَمْكَن منها، يعني
أَنهم لا يَهْلِكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فيُعْذِرُوا من أَنْفُسِهم
ويستوجبوا العقوبة ويكون لمن يُعَذِّبُهم عُذْرٌ، كأَنهم قاموا بعُذْرِه في
ذلك، ويروى بفتح الياء، من عَذَرْته، وهو بمعناه، وحقيقة عَذَرْت
مَحَوْتُ الإِساءَةَ وطَمَسْتها، وفيه لغتان؛ يقال أَعْذَرَ إِعذَاراً إِذا
كثرت عيوبُه وذنوبه وصار ذا عيب وفساد. قال الأَزهري: وكان بعضهم يقول:
عَذَر يَعْذِرُ بمعناه، ولم يَعْرفه الأَصمعي؛ ومنه قول الأَخطل:
فإِن تَكُ حَرْبُ ابنَيْ نِزارٍ تواضَعَتْ،
فقد عَذَرَتْنا في كِلاب وفي كَعَبِ
(* هذا البيت مرويّ سابقاً في نفس الكلمة ؛ في صورة تختلف عما هو عليه
هنا، وما في هذه الصفحة يتفق وما في ديوان الأخطل).
ويروى: أَعْذَرَتْنا أَي جعلت لنا عُذْراً فيما صنعناه؛ وهذا كالحديث
الآخر: لن يَهْلِك على الله إِلا هَالِكٌ؛ ومنه قول الناس: مَن يَعْذِرُني
من فلان؛ قال ذو الإِصْبَع العَدْوانيّ:
عِذِيرَ الحَيِّ مِن عَدْوَا
نَ، كانُوا حَيَّةَ الأَرضِ
بَغَى بَعْضٌ على بَعْضِ،
فلم يَرْعَوْا على بَعْضِ
فقد أَضْحَوْا أَحادِيثَ،
بِرَفْعِ القَولِ والخَفْضِ
يقول: هاتِ عُذْراً فيما فَعَل بعضُهم ببعض من التباعُد والتباغُض
والقتل ولم يَرْعَ بعضُهم على بعض، بعدما كانوا حيَّةَ الأَرض التي يَحْذَرُها
كلُّ أَحد، فقد صاروا أَحاديثَ للناس يرفعونها ويخفضونها، ومعنى
يخفضونها يُسِرّونها، وقيل: معناه هاتِ مَن يَعْذِرُني؛ ومنه قول علي بن أَبي
طالب، رضي الله عنه، وهو ينظر إِلى ابن مُلْجَم:
عَذِيرَك مِن خَلِيلك مِن مُرادِ
يقال: عَذِيرَك مِن فلان، بالنصب، أَي هاتِ مَن يَعْذِرُك، فَعِيل بمعنى
فاعل، يقال: عَذِيري مِن فُلان أَي مَن يَعْذِرني، ونصبُه على إِضمار
هَلُمَّ مَعْذِرَتَك إِيَّاي؛ ويقال: ما عندهم عَذِيرةٌ أَي لا يَعْذِرون،
وما عندهم غفيرةٌ أَي لا يَغْفِرُون.
والعَذِيرُ: النَّصِيرُ؛ يقال: مَن عَذِيرِي مِن فلان أَي مَن نَصِيرِي.
وعَذِيرُ الرجل: ما يَرُومُ وما يُحاوِلُ مما يُعْذَرُ عليه إِذا
فَعَلَه؛ قال العجاج يخاطب امرأَته:
جارِيَ لا تَسْتَنْكِري عَذِيرِي،
سَيْرِي، وإِشْفاقي على بَعِيرِي
يريد يا جارية فرخم، ويروى: سَعْيِي، وذلك أَنه عزم على السفر فكانَ
يرُمُّ رَحْل ناقته لسفره فقالت له امرأَته: ما هذا الذي ترُمُّ؟ فخاطبها
بهذا الشعر، أَي لا تُنْكِري ما أُحاوِلُ. والعَذِيرُ: الحال؛ وأَنشد:
لا تستنكري عذيري
وجمعه عُذُرٌ مثل سَرِيرٍ وسُرُرٍ، وإِنما خفف فقيل عُذْر؛ وقال حاتم:
أَماوِيَّ قد طال التجنُّبُ والهجْرُ،
وقد عَذَرَتْنِي في طِلابِكُمُ العُذْرُ
أَماوِيَّ إِن المال غادٍ ورائحٌ،
ويَبْقَى من المال الأَحاديثُ والذِّكْرُ
وقد عَلِمَ الأَقوامُ لو أَن حاتماً
أَرادَ ثَراءَ المالِ، كان له وَفْرُ
وفي الصحاح:
وقد عذرتني في طلابكم عذر
قال أَبو زيد: سمعت أَعرابيين تميميّاً وقيسيّاً يقولان: تَعَذَّرْت
إِلى الرجل تَعَذُّراً، في معنى اعْتَذَرْت اعْتِذاراً؛ قال الأَحْوَص بن
محمد الأَنصاري:
طَرِيد تَلافاهُ يَزِيدُ برَحْمَةٍ،
فلم يُلْفَ مِنْ نَعْمائهِ يَتَعَذَّرُ
أَي يَعْتَذر؛ يقول: أَنعم عليه نعمة لم يحتج إِلى أَن يَعْتذر منها،
ويجوز أَن يكون معنى قوله يَتَعَذَّر أَي يذهب عنها. وتَعَذَّر: تأَخَّر؛
قال امرؤ القيس:
بِسَيْر يَضِجُّ العَوْدُ منه، يَمُنّه
أَخُو الجَهْدِ، لا يَلْوِي على مَنْ تَعَذَّرا
والعَذِيرُ: العاذرُ. وعَذَرْته من فلان أَي لُمْت فلاناً ولم أَلُمْه؛
وعَذِيرَك إِيَّايَ منه أَي هَلُمَّ مَعْذِرَتك إِيَّايَّ، وقال خالد بن
جَنْبة: يقال أَما تُعذرني من هذا؟ بمعنى أَما تُنْصِفُني منه. يقال:
أَعْذِرْني من هذا أَي أَنْصِفْني منه. ويقال: لا يُعْذِرُك من هذا الرجل
أَحدٌ؛ معناه لا يُلْزِمُه الذنب فيما تضيف إِليه وتشكوه منه؛ ومنه قول
الناس: مَنْ يَعْذِرُني من فلان أَي من يقوم بعُذْرِي إِن أَنا جازيته
بسُوءِ صنيعه، ولا يُلْزِمُني لوْماً على ما يكون مني إِليه؛ ومنه حديث
الإِفك: فاسْتَعْذَرَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، من عبدالله بن أُبَيّ
وقال وهو على المنبر: من يَعْذِرُني من رجل قد بلغني عنه كذا وكذا؟ فقال
سعد: أَنا أَعْذِرُك منه، أَي من يقوم بعُذري إِن كافأْته على سوء صنيعه
فلا يلومُني؟ وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، استعذرَ أَبا بكر
من عائشة، كان عَتَبَ عليها في شيء فقال لأَبي بكر: أَعْذِرْني منها إِن
أَدَّبْتُها؛ أَي قُمْ بعُذْري في ذلك. وفي حديث أَبي الدرداء: مَنْ
يَعْذِرُني من معاوية؟ أَنا أُخْبِرُه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وهو يخبرني عن نفسه. ومنه حديث علي: مَنْ يَعْذرني من هؤلاء الضَّياطِرة؟
وأَعْذر فلان من نفسه أَي أَتى من قبَل نفسه. قال: وعَذّر يُعذّر نفسه أَي
أَتي من قبل نفسه؛ قال يونس: هي لغة العرب.
وتَعَذَّر عليه الأَمر: لم يستقم. وتَعَذَّر عليه الأَمر إِذا صعب
وتعسر. وفي الحديث: أَنه كان يتعَذَّر في مرضه؛ أَي يتمنّع ويتعسر.
وأَعْذَرَ وعَذَرَ: كَثُرت ذنوبه وعيوبه. وفي التنزيل: قالوا مَعْذِرةٌ
إِلى ربكم؛ نزلت في قوم من بني إِسرائيلَ وعَظُوا الذين اعتدَوْا في
السبت من اليهود، فقالت طائفة منهم: لِمَ تَعِظون قوماً اللهُ مْهْلِكهم؟
فقالوا، يعني الواعظين: مَعْذِرةٌ إِلى ربكم، فالمعنى أَنهم قالوا: الأَمرُ
بالمعروف واجبٌ علينا فعلينا موعظةُ هؤلاء ولعلهم يتقون، ويجوز النصب في
مَعْذِرة فيكون المعنى نَعْتَذِرُ مَعْذِرَةً بوَعْظِنا إِيَّاهم إِلى
ربنا؛ والمَعْذِرةُ: اسمٌ على مَفْعِلة من عَذَرَ يَعْذِر أُقِيم مُقام
الاعتذار؛ وقول زهير بن أَبي سلمى:
على رِسْلِكمْ إِنا سَنُعْدِي ورَاءكم،
فتمنعُكم أَرْماحُنا أَو سَنُعْذَر
قال ابن بري: هذا البيت أَورد الجوهري عجزه وأَنشد: ستمنعكم، وصوابه:
فتمنعكم، بالفاء، وهذا الشعر يخاطب به آلَ عكرمة، وهم سُلَيم وغَطفان
(*
قوله: «وهم سليم وغطفان» كذا بالأصل، والمناسب وهوازن بدل وغطفان كما يعلم
مما بعد) وسليم هو سليم بن منصور بن عكرمة، وهوازن بن منصور بن عكرمة بن
خَصَفة بن قَيْس عَيْلان، وغطفان هو غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وكان بلغ
زهيراً أَن هوازن وبني سليم يريدون غَزْوَ غطفان، وفدكَّرهم ما بين
غطفان وبينهم من الرَّحِم، وأَنهم يجتمعون في النسب إِلى قيس؛ وقبل
البيت:خُذُوا حظَّكم يا آلَ عِكْرِمَ، واذْكُروا
أَواصِرَنا، والرِّحْمُ بالغيب يُذْكَرُ
فإِنَّا وإِيَّاكم إِلى ما نَسُومُكم
لَمِثْلانِ، بل أَنتم إِلى الصُّلْح أَفْقَرُ
معنى قوله على رِسْلِكم أَي على مَهْلِكم أَي أَمْهِلوا قليلاً. وقوله:
سَنُعْدِي وراءكم أَي سنعدي الخيل وراءكم. وقوله: أَو سنعذر أَي نأْتي
بالعُذْر في الذبَّ عنكم ونصنع ما نُعْذَر فيه. والأَوَاصِرُ: القرابات.
والعِذَارُ من اللجام: ما سال على خد الفرس، وفي التهذيب: وعِذَارُ اللجام
ما وقع منه على خَدي الدابة، وقيل: عذَارُ اللجام السَّيْرانِ اللذان
يجتمعان عند القَفا، والجمع عُذُرٌ. وعَذَرَه يَعْذِرُهُ عَذْراً وأَعْذَرَه
وعَذَّرَه: أَلْجَمه، وقيل: عَذَّره جعل له عِذَاراً؛ وقول أَبي ذؤيب:
فإِني إِذا ما خُلّةٌ رَثَّ وصلُها،
وجَدَّتْ لصَرْمٍ واستمرّ عِذارُها
لم يفسره الأَصمعي، ويجوز أَن يكون من عِذَار اللجام، وأَن يكون من
التَعَذُّر الذي هو الامتناع؛ وفرس قصيرُ العِذَار وقصيرُ العِنان. وفي
الحديث: الفَقْرُ أَزْيَنُ للمؤمن من عِذَارٍ حسَنٍ على خَدِّ فرس؛
العِذَارانِ من الفرس: كالعارِضَين من وجه الإِنسان، ثم سمي السير الذي يكون عليه
من اللجام عِذاراً باسم موضعه. وعَذَرْت الفرس بالعِذَار أَعْذِره
وأَعْذُره إِذا شَدَدْت عِذَارَه. والعِذَاران: جانبا اللحية لأَن ذلك موضع
العذار من الدابة؛ قال رؤبة:
حتى رَأَيْنَ الشَّيْبَ ذا التَّلَهْوُقِ
يَغْشَى عِذَارَي لحْيَتي ويَرْتَقي
وعِذَارُ الرجل: شعرُه النابت في موضع العِذَار. والعِذَارُ: استواء شعر
الغلام. يقال: ما أَحْسَنَ عِذَارَه أَي خطَّ لحيته. والعِذَارُ: الذي
يضُمّ حبلَ الخطام إِلى رأْس البعير والناقة. وأَعْذَرَ الناقة: جعل لها
عِذَاراً. والعِذَارُ والمُعَذَّر: المَقَذُّ، سمي بذلك لأَنه موضع
العِذَار من الدابة. وعَذَّرَ الغلامُ: نبت شعرُ عِذَاره يعني خدّه. وخَلَعَ
العِذَارَ أَي الحياء؛ وهذا مثل للشابّ المُنْهَمِك في غَيِّه، يقال:
أَلْقَى عنه جِلْبابَ الحياء كما خلَع الفرسُ العِذارَ فَجَمَعَ وطَمَّح. قال
الأَصمعي: خلَع فلان مُعَذَّرَه إِذا لم يُطِعْ مُرْشِداً، وأَراد
بالمُعَذَّر الرَّسن ذا العِذَارين، ويقال للمنهمك في الغيّ: خلَع عِذَارَه؛
ومنه كتاب عبد الملك إِلى الحجاج: اسْتَعْمَلْتُك على العراقين فاخْرُجْ
إِليهما كَمِيشَ الإِزار شديدَ العِذَارِ؛ يقال للرجل إِذا عزم على الأَمر:
هو شديد العِذَار، كما يقال في خلافه: فلان خَليع العذار كالفرس الذي لا
لجام عليه، فهو يَعِيرُ على وجهه لأَن اللجام يمسكه؛ ومنه قولهم: خَلَعَ
عِذارَه أَي خرج عن الطاعة وانهمك في الغي. والعِذَارُ: سِمةٌ في موضع
العِذَار؛ وقال أَبو علي في التذكرة: العِذَارُ سِمةٌ على القفا إِلى
الصُّدْغَين. والأَول أَعرف. وقال الأَحمر: من السمات العُذْرُ. وقد عُذِرَ
البعير، فهو مَعْذورٌ، والعُذْرةُ: سمة كالعِذار؛ وقول أَبي وجزة السعدي
واسمه يزيد بن أَبي عُبَيد يصف أَياماً له مضت وطِيبَها من خير واجتماع
على عيش صالح:
إِذِ الحَيُّ والحَوْمُ المُيَسِّرُ وَسْطَنا،
وإِذا نَحْنُ في حالٍ من العَيْشِ صالحِ
وذو حَلَقٍ تُقْضَى العَواذِيرُ بينَه،
يلُوحُ بأَخْطارٍ عِظَام اللَّقائِحِ
قال الأَصمعي: الحَوْم الإِبل الكثيرة. والمُيَسِّر: الذي قد جاء لبنُه.
وذو حَلَقٍ: يعني إِبلاً مِيسَمُها الحَلَقُ: يقال: إِبلٌ محَلَّقة إِذا
كان سِمَتُها الحَلَق. والأَخْطَارُ: جمع خِطْر، وهي الإِبل الكثيرة.
والعَواذِيرُ: جمع عاذُور، وهو أَن يكون بنو الأَب مِيسَمُهم واحداً، فإِذا
اقتسموا مالهم قال بعضهم لبعض: أَعْذِرْ عني، فيخُطّ في المِيسَم خطّاً
أَو غيره لتعرف بذلك سمة بعضهم من بعض. ويقال: عَذِّرْ عَينَ بَعِيرك أَي
سِمْه بغير سِمَه بعيري لتتعارف إِبلُنا. والعاذُورُ: سِمَةٌ كالخط،
والجمع العَواذِيرُ. والعُذْرةُ: العلامة. والعُذْر: العلامة. يقال: أَعْذِر
على نصيبك أَي أَعْلِمْ عليه. والعُذْرةُ: الناصية، وقيل: هي الخُصْلة
من الشعر وعُرْفُ الفرس وناصيته، والجمعُ عُذَر؛ وأَنشد لأَبي النجم:
مَشْيَ العَذارى الشُّعْثِ يَنْفُضْن العُذَرْ
وقال طرفة:
وهِضَبّات إِذا ابتلّ العُذَرْ
وقيل: عُذْر الفرس ما على المِنْسَج من الشعر، وقيل: العُذْرة الشعر
الذي على كاهل الفرس. والعُذَرُ: شعرات من القفا إِلى وسط العنق. والعِذار
من الأَرض: غِلَظٌ يعترض في فضاء واسع، وكذلك هو من الرمل، والجمع عُذْرٌ؛
وأَنشد ثعلب لذي الرمة:
ومِن عاقرٍ يَنْفِي الأَلاءَ سَراتُها،
عِذارَينِ من جَرْداءَ وعْثٍ خُصُورُها
أَي حَبْلين مستطيلين من الرمل، ويقال: طريقين؛ هذا يصف ناقة يقول: كم
جاوزت هذه الناقة من رملة عاقر لا تنبت شيئاً، ولذلك جعلها عاقراً
كالمرأَة العاقر. والأَلاءُ: شجر ينبت في الرمل وإِنما ينبت في جانبي الرملة،
وهما العِذَارانِ اللذان ذكرهما. وجَرْداء: مُنْجَرِدة من النبت الذي ترعاه
الإِبل. والوَعْثُ: السهل. وخُصورُها: جوانبها.
والعُذْرُ: جمع عِذار، وهو المستطيل من الأَرض. وعِذارُ العراق: ما
انْفَسَح عن الطَّفِّ. وعِذارا النصل: شَفْرَتاه. وعِذارا الحائطِ والوادي:
جانباه. ويقال: اتخذ فلان في كَرْمِهِ عِذاراً من الشجر أَي سِكّة مصطفة.
والعُذْرة: البَظْر؛ قال:
تَبْتَلُّ عُذْرتُها في كلّ هاجِرِةٍ،
كما تَنَزَّل بالصَّفْوانةِ الوَشَلُ
والعُذْرةُ: الخِتَانُ والعُذْرة: الجلدة يقطعها الخاتن. وعَذَرَ
الغلامَ والجارية يَعْذِرُهما عَذْراً وأَعْذَرَهما: خَنَنَهما؛ قال
الشاعر:في فتْيَةٍ جعلوا الصَّلِيبَ إِلَهَهُمْ،
حَاشايَ، إِنِّي مسلم مَعْذُورُ
والأَكثر خَفَضْتُ الجارية؛ وقال الراجز:
تَلْوِيَةَ الخَاتِن زُبَّ المَعْذُور
والعِذَار والإِعْذار والعَذِيرة والعَذِيرُ، كله: طعام الختان. وفي
الحديث: الوليمة في الإِعْذار حقٌّ؛ الإِعْذار: الختان. يقال: عَذَرته
وأَعْذَرته فهو معذور ومُعْذَرٌ، ثم قيل للطعام الذي يُطْعم في الختان
إِعْذار. وفي الحديث: كنا إِعْذارَ عامٍ واحد؛ أَي خُتِنّا في عام واحد، وكانوا
يُخْتَنُونِ لِسِنٍّ معلومة فيما بين عشر سنين وخمسَ عشرة. وفي الحديث:
وُلِدَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مَعْذوراً مَسْروراً؛ أَي مختوناً
مقطوع السرة. وأَعْذَرُوا للقوم: عَمِلوا ذلك الطعام لَهم وأَعَدّوه.
والإِعْذارُ والعِذارُ والعَذِيرةُ والعَذِيرُ: طعامُ المأْدُبة. وعَذَّرَ
الرجلُ: دعا إِليه. يقال: عَذَّرَ تَعْذِيراً للخِتَان ونحوه. أَبو زيد:
ما صُنِع عند الختان الإِعْذار، وقد أَعْذَرْت؛ وأَنشد:
كلّ الطعامِ تَشْتَهِي رَبِيعَهْ:
الخُرْس والإِعْذار والنَّقِيعَهْ
والعِذَار: طعام البِنَاء وأَن يستفيد الرجلُ شيئاً جديداً يتّخذ طعاماً
يدعو إِليه إِخوانه.
وقال اللحياني: العُذْرة قُلْفةُ الصبي ولم يَقُل إِن لك اسم لها قبل
القطع أَو بعده. والعُذْرة: البَكارةُ؛ قال ابن الأَثير: العُذْرة ما
لِلْبِكْر من الالتحام قبل الافتضاض. وجارية عَذْراء: بِكْرٌ لم يمسَّها رجل؛
قال ابن الأَعرابي وحده: سُمِّيت البكرُ عَذْراء لضِيقِها، من قولك
تَعَذَّرَ عليه الأَمرُ، وجمعها عَذارٍ وعَذارى وعَذْراوات وعَذارِي كما تقدم
في صَحارى. وفي الحديث في صفة الجنة: إِن الرجل لَيُفْضِي في الغَداةِ
الواحدة إِلى مائة عَذْراء؛ وفي حديث الاستسقاء:
أَتَيْناكَ والعَذْراءُ يَدْمَى لَبانُها
أَي يَدْمَى صدرُها من شدة الجَدْب؛ ومنه حديث النخعي في الرجل يقول
إِنه لم يَجد امرأَتَه عَذْراءَ قال: لا شيء عليه لأَن العُذْرةَ قد
تُذْهِبُها الحيضةُ والوثْبةُ وطولُ التَّعْنِيس. وفي حديث جابر: ما لَكَ
ولِلْعَذَارَى ولِعَابهنّ أَي مُلاعَبتِهنّ؛ ومنه حديث عمر:
مُعِيداً يَبْتَغِي سَقَطَ العَذارَى
وعُذْرةُ الجاريةِ: اقْتِضاضُها. والاعْتذارُ: الاقْتِضاضُ. ويقال: فلان
أَبو عُذْر فلانة إِذا كان افْتَرَعَها واقتضّها، وأَبو عُذْرَتها.
وقولهم: ما أَنت بذي عُذْرِ هذا الكلامِ أَي لسْتَ بأَوَّلِ من اقْتضّه. قال
اللحياني: للجارية عُذْرتانِ إِحداهما التي تكون بها بكراً والأُخرى
فِعْلُها؛ وقال الأَزهري عن اللحياني: لها عُذْرتانِ إِحداهما مَخْفِضُها،
وهو موضع الخفض من الجارية، والعُذْرةُ الثانية قضّتُها، سميت عُذْرةً
بالعَذْر، وهو القطع، لأَنها إِذا خُفِضت قطعت نَواتُها، وإِذا افْتُرِعَت
انقطع خاتمُ عُذْرتِها. والعاذُورُ: ما يُقْطع من مَخْفِض الجارية.
ابن الأَعرابي: وقولهم اعْتَذَرْت إِليه هو قَطْعُ ما في قلبه. ويقال:
اعْتَذَرَت المياهُ إِذا انقطعت. والاعْتِذارُ: قطعُ الرجلِ عن حاجته
وقطعُه عما أَمْسَك في قلبه. واعْتَذَرت المنازلُ إِذا دَرَسَت؛ ومررت بمنزل
مُعْتَذرٍ بالٍ؛ وقال لبيد:
شهور الصيف، واعْتَذَرَتْ نِطَاف الشيِّطَين مِن الشِّمال وتَعَذَرَّ
الرسم واعْتَذَر: تَغَيَّر؛ قال أَوس:
فبطن السُّلَيِّ فالسّجال تَعَذَّرَت،
فمَعْقُلة إِلى مَطارِ فوَاحِف
وقال ابن ميّادةَ واسمه الرَّمَّاحُ بن أَبرد
(* قوله: «ابن أَبرد» هكذا
في الأَصل) :
ما هاجَ قَلْبك من مَعَارِفِ دِمْنَةٍ،
بالبَرْقِ بين أَصَالِفٍ وفَدَافِدِ
لَعِبَتْ بها هُوجُ الرِّياح فأَصْبَحَتْ
قَفْراً تَعَذَّر، غَيْرَ أَوْرَقَ هَامِدِ
البَرْق: جمع برقة، وهي حجارة ورملٌ وطين مختلطة. والأَصالِفُ
والفَدافِدُ: الأَماكن الغليظة الصلبة؛ يقول: درست هذه الآثار غير الأَوْرَقِ
الهامِد، وهو الرماد؛ وهذه القصيدة يمدح بها عبد الواحد بن سليمان ابن عبد
الملك ويقول فيها:
مَنْ كان أَخْطَأَه الربيعُ، فإِنه
نُصِرَ الحجازُ بغَيْثِ عبد الواحدِ
سَبَقَتْ أَوائِلَه أَواخِرُه،
بمُشَرَّعِ عَذبٍ ونَبْتٍ واعِدِ
(* قوله: «سبقت أَوائله أواخره» هو هكذا في الأصل والشطر ناقص).
نُصِرَ أَي أُمْطِر. وأَرض منصورة: ممطورة. والمُشَرَّعُ: شريعة الماء.
ونَبْت واعِد أَي يُرْجى خيرُه، وكذلك أَرضٌ واعِدةٌ يُرْجى نباتُها؛
وقال ابن أَحمر الباهلي في الاعتذار بمعنى الدُّرُوس:
بانَ الشَّبابُ وأَفْنى ضِعْفَه العمُرُ،
لله دَرُّك أَيَّ العَيْشِ تَنْتَظِرُ؟
هل أَنتَ طالبُ شيءٍ لسْتَ مُدْرِكه؟
أَمْ هل لِقَلْبِك عن أُلاَّفِه وطَرُ؟
أَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ آيات، فقد جَعَلَتْ
أَطْلالُ إِلْفِك بالوَدْكاءِ تَعْتَذِرُ؟
ضِعْفُ الشيء: مثلهُ؛ يقول: عِشْت عمرَ رجلين وأَفناه العمر. وقوله: أَم
هل لقلبك أَي هل لقلبك حاجة غير أُلاَّفِه أَي هل له وَطَرٌ غيرهم.
وقوله: أَم كنت تعرف آيات؛ الآيات: العلامات، وأَطْلالُ إِلْفك قد دَرَسَت،
وأُخِذ الاعْتِذارُ من الذنب من هذا لأَن مَن اعْتَذَرَ شابَ اعتذارَه
بكذِبٍ يُعَفِّي على ذنبه. والاعتِذارُ: مَحْوُ أَثر المَوْجِدة، من قولهم:
اعْتَذَرَت المنازلُ إِذا دَرَسَت. والمَعاذِرُ: جمع مَعْذِرة. ومن
أَمثالهم: المَعاذِرُ مكاذِبُ؛ قال الله عز وجل: بل الإِنسانُ على نفسه
بَصِيرةٌ ولو أَلْقى مَعاذِيرَه؛ قيل: المعاذير الحُجَجُ، أَي لو جادَلَ عنها
ولو أَدْلى بكل حجة يعتذر بها؛ وجاء في التفسير: المَعاذير السُّتور بلغة
اليمن، واحدها مِعْذارٌ، أَي ولو أَلقى مَعاذِيرَه. ويقال: تَعَذَّرُوا
عليه أَي فَرُّوا عنه وخذلوه. وقال أَبو مالك عمرو ابن كِرْكِرَة: يقال
ضربوه فأَعْذَروه أَي ضربوه فأَثْقَلُوه. وضُرِبَ فلانٌ فأُعْذِرَ أَي
أُشْرف به على الهلاك. ويقال: أَعْذَرَ فلان في ظَهْرِ فلان بالسيَاط
إِعْذاراً إِذا ضرَبه فأَثَّر فيه، وشَتَمه فبالغَ فيه حتى أَثَّر به في سبِّه؛
وقال الأَخطل:
وقد أَعْذَرْن في وَضَحِ العِجَانِ
والعَذْراء: جامِعةٌ توضع في حَلْق الإِنسان لم توضع في عنق أَحد قبله،
وقيل: هو شيء من حديد يعذَّب به الإِنسانُ لاستخراج مال أَو لإِقرارٍ
بأَمر. قال الأَزهري: والعَذَارى هي الجوامع كالأَغْلال تُجْمَع بها الأَيدي
إِلى الأَعناق. والعَذْراء: الرملة التي لم تُوطَأْ. ورَمْلة عَذْراء:
لم يَرْكَبْها أَحدٌ لارتفاعها. ودُرَّة عَذْراءُ. لم تُثْقب. وأَصابعُ
العَذارَى: صِنْف من العِنَب أَسود طوال كأَنه البَلُّوط، يُشَبَّه بأَصابع
العَذارى المُخَضَّبَةِ. والعَذْراء: اسم مدينة النبي، صلى الله عليه
وسلم، أُراها سميت بذلك لأَنها لم تُنْكَ. والعَذْراءُ: برْجٌ من بروج
السماء. وقال النَّجَّامون: هي السُّنْبُلة، وقيل: هي الجَوْزاء. وعَذْراء:
قرية بالشام معروفة؛ وقيل: هي أَرض بناحية دمشق؛ قال ابن سيده: أُراها
سميت بذلك لأَنها لم تُنْكَ بمكروه ولا أُصِيبَ سُكّانُها بأَداة عدُوّ؛ قال
الأَخطل:
ويامَنَّ عن نَجْدِ العُقابِ، وياسَرَتْ
بنَا العِيسُ عن عَذْراءَ دارِ بني الشَّجْب
والعُذْرةُ: نجْمٌ إِذا طلَع اشتد غَمُّ الحرّ، وهي تطلع بعد الشِّعْرى،
ولها وَقْدة ولا رِيحَ لها وتأْخذ بالنفَس، ثم يطلُع سُهَيلٌ بعدها،
وقيل: العُذْرة كواكبُ في آخر المَجَرَّة خمسة. والعُذْرةُ والعاذورُ: داءٌ
في الحلق؛ ورجل مَعْذورٌ: أَصابَه ذلك؛ قال جرير:
غَمَزَ ابنُ مُرَّةَ يا فَرَزْدَقُ كَيْنَها،
غَمْزَ الطَّبِيبِ نَغانِغَ المَعْذُورِ
الكَيْنُ: لحم الفرج. والعُذْرة: وجع الحلق من الدم، وذلك الموضع أَيضاً
يسمى عُذْرة، وهو قريب من اللَّهاةِ. وعُذِرَ، فهو مَعْذورٌ: هاجَ به
وجعُ الحلقِ. وفي الحديث: أَنه رأَى صبيّاً أُعْلِقَ عليه من العُذْرةِ؛ هو
وجع في الحلق يهيجُ من الدم، وقيل: هي قُرْحة تخرج في الحَزْم الذي بين
الحلق والأَنف يَعْرِض للصبيان عند طلوع العُذْرة، فتَعْمِد المرأَة إِلى
خِرْقةٍ فَتَفْتِلُها فتلاً شديداً، وتُدْخِلُها في أَنْفِه فتطعَن ذلك
الموضعَ، فينفجرُ منه دمٌ أَسْودُ ربما أَقْرحَه، وذلك الطعنُ يسمى
الدَّغْر. يقال: عَذَرَت المرأَةُ الصبيَّ إِذا غَمَزَت حلْقَه من العُذْرة،
إِن فعلت به ذلك، وكانوا بعد ذلك يُعَلِّقون عليه عِلاقاً كالعُوذة.
وقوله: عند طلوع العُذْرة؛ خي خمسةُ كواكبَ تحت الشِّعْرى العَبُور، وتسمى
العَذارى، وتطلع في وسط الحرّ، وقوله: من العُذْرة أَي من أَجْلِها.
والعاذِرُ: أَثرُ الجُرْح؛ قال ابن أَحمر:
أُزاحِمُهم بالباب إِذ يَدْفَعُونَني،
وبالظهرِ، مني من قَرَا الباب عاذِرُ
تقول منه: أَعْذَرَ به أَي ترك به عاذِراً، والعَذِيرُ مثله. ابن
الأَعرابي: العَذْر جَمْع العَاذِر، وهو الإِبداء:. يقال: قد ظهر عاذِره، وهو
دَبُوقاؤه.
وأَعْذَرَ الرجلُ: أَحْدَثَ.
والعاذِرُ والعَذِرةُ: الغائط الذي هو السَّلح. وفي حديث ابن عمر: أَنه
كره السُّلْت الذي يُزْرَعُ بالعَذِرة؛ يريد الغائطَ الذي يلقيه
الإِنسان. والعَذِرةُ: فناء الدار. وفي حديث عليٍّ: أَنه عاتَب قوماً فقال: ما
لكم لا تُنَظِّفُون عَذِراتِكم؟ أَي أَفْنِيَتكم. وفي الحديث: إِن الله
نظيف يُحِبّ النَّظافةَ فنظفوا عَذِراتكم ولا تَشَبَّهوا باليهود. وفي حديث
رُقَيقة: وهذه عِبِدَّاؤُك بعَذِراتِ حَرَمِك، وقيل: العَذِرةُ أَصلها
فِناءُ الدار، وإِيَّاها أَرادَ عليٌّ، رضي الله عنه، بقوله. قال أَبو
عبيد: وإِنما سميت عَذِراتُ الناس بهذا لأَنها كانت تُلْقَى بالأَفْنِية،
فكُنِيَ عنها باسم الفناء كما كُنِيَ بالغائط وهي الأَرض المطمئنة عنها؛
وقال الحطيئة يهجو قومه ويذكر الأَفنية:
لعَمْرِي لقد جَرَّبْتُكم، فوَجَدْتُكم
قِباحَ الوُجوهِ سَيِّئِي العَذِراتِ
أَراد: سيئين فحذف النون للإِضافة؛ ومدح في هذه القصيدة إِبِلَهُ فقال:
مَهارِيس يُرْوِي رِسْلُها ضَيْفَ أَهْلِها،
إِذا النارُ أَبْدَتْ أَوْجُهَ الخفِراتِ
فقال له عمر: بئس الرجل أَنت إبِلَكَ وتهجو قومَك وفي الحديث: اليهودُ
أَنْتَنُ خَلْقِ الله عَذِرةً؛ يجوز أَن يَعْنِيَ به الفِناءَ وأَن
يَعْنِيَ به ذا بطونِهم، والجمع عَذِرات؛ قال ابن سيده: وإِنما ذكّرتها لأَن
العذرة لا تكسر؛ وإِنه لَبَرِيءُ العَذِرة من ذلك على المثَل، كقولهم
بَرِيءُ الساحةِ. وأَعْذَرَت الدارُ أَي كَثُرَ فيها العَذِرةُ. وتعَذَّرَ من
العَذِرَة أَي تلَطَّخ. وعَذّره تَعْذيراً: لطَّخَه بالعَذِرَة.
والعَذِرة أَيضاً: المَجْلِسُ الذي يجلس فيه القوم. وعَذِرةُ الطعامِ: أَرْدَأُ
ما يخرج منه فيُرْمَى به؛ هذه عن اللحياني. وقال اللحياني: هي العَذِرة
والعَذِبة. والعُذْرُ: النُّجْحُ؛ عن ابن الأَعرابي، وأَنشد لمسكين
الدارمي:
ومُخاصِم خاصَمْتُ في كَبَدٍ،
مثل الدِّهان، فكان لي العُذْرُ
أَي قاوَمْتُه في مزلّةٍ فثبتت قدمي ولم تَثْبُتْ قدمُه فكان النُّجْحُ
لي. ويقال في الحرب: لمن العُذْرُ؟ أَي النجح والغلبة.
الأَصمعي: لقيت منه غادُوراً أَي شّراً، وهو لغة في العاثُور أَو لثغة.
وترك المطرُ به عاذِراً أَي أَثراً. والعواذِيرُ: جمع العاذِرِ، وهو
الأَثر. وفي حديث علي، رضي الله عنه: لم يَبْقَ لهم عاذِرٌ أَي أَثر.
والعاذِرُ: العِرْقُ الذي يخرُج منه دمُ المستحاضة، واللام أَعرف
(* يريد ان
العاذل، باللام، الأَصمعي عرف من العاذر، بالراء). والعاذِرةُ: المرأَة
المستحاضة، فاعلة بمعنى مفعولة، من إِقامة العُذْر؛ ولو قال إِن العاذِرَ هو
العرف نفسه لأَنه يقوم بِعُذْرِ المرأَة لكان وجهاً، والمحفوظ العاذل،
باللام.
وقوله عز وجل: فالمُلْقِيات ذكْراً عُذْراً أَو نُذْراً؛ فسره ثعلب
فقال: العُذْرُ والنُّذْر واحد، قال اللحياني: وبعضهم يُثَقِّل، قال أَبو
جعفر: مَن ثَقَّل أَراد عُذْراً أَو نُذْراً، كما تقول رُسُل في رُسْل؛ وقال
الأَزهري في قوله عز وجل: عذراً أَو نذراً، فيه قولان: أَحدهما أَن يكون
معناه فالمُلْقِيات ذِكْراً للإِعْذار والإِنذار، والقول الثاني أَنهما
نُصِبَا على البدل من قوله ذِكْراً، وفيه وجه ثالث وهو أَن تنصِبَهما
بقوله ذكراً؛ المعنى فالملقيات إِن ذَكَرَتْ عذراً أَو نذراً، وهما اسمان
يقومان مقام الإِعْذار والإِنْذار، ويجوز تخفيفُهما وتثقيلُهما معاً.
ويقال للرجل إِذا عاتَبَك على أَمر قبل التقدُّم إِليك فيه: والله وما
استْتَعْذَرْتَ إِليَّ ما اسْتَنْذَرْت أَي لم تُقَدِّمْ إِليَّ
المَعْذِرةَ والإِنذارَ. والاستعذارُ: أَن تقول له أَعْذِرْني منك.
وحمارٌ عَذَوَّرٌ: واسعُ الجوف فحّاشٌ. والعَذَوَّرُ أَيضاً: الشسيء
الخلُق الشديد النفْس؛ قال الشاعر:
حُلْو حَلال الماء غير عَذَوّر
أَي ماؤه وحوضُه مباح. ومُلْكٌ عَذَوَّرٌ: واسع عريض، وقيل شديد؛ قال
كثير بن سعد:
أَرَى خَاليِ اللَّخْمِيَّ نُوحاً يَسُرُّني
كَرِيماً، إِذا ما ذَاحَ مُلْكاً عَذَوَّرا
ذَاحَ وحاذَ: جَمَعَ، وأَصل ذلك في الإِبل.
وعُذْرة: قبيلة من اليمن؛ وقول زينب بنت الطثرية ترثي أَخاها يزيد:
يُعِينُك مَظْلوماً ويُنْجِيك ظالماً،
وكلُّ الذي حَمَّلْتَه فهو حامِلُهْ
إِذا نَزلَ الأَضْيافُ كان عَذَوَّراً
على الحَيِّ، حتى تَسْتَقلَّ مَراجِلُه
قوله: وينجيك ظالماً أَي إِن ظَلَمْتَ فطُولِبْت بظُلْمِكَ حَماكَ
ومَنَعَ منك. والعَذوَّر: السيء الخلق، وإِنما جعلَتْه عَذوَّراً لشدة
تَهَمُّمِه بأَمر الأَضياف وحِرْصِه على تعجيل قِراهم حتى تستقل المراجل على
الأَثافيّ. والمَراجلُ: القدور، واحدها مِرْجَل.
طبع: الطبْعُ والطَّبِيعةُ: الخَلِيقةُ والسَّجيّةُ التي جُبِلَ عليها
الإِنسان. والطِّباعُ: كالطَّبِيعةِ، مُؤَنثة؛ وقال أَبو القاسم الزجاجي:
الطِّباعُ واحدٌ مذكر كالنِّحاسِ والنِّجارِ، قال الأَزهري: ويجمع طَبْعُ
الإِنسان طِباعاً، وهو ما طُبِعَ عليه من طِباعِ الإِنسان في مأْكَلِه
ومَشْرَبِه وسُهولةِ أَخلاقِه وحُزونَتِها وعُسْرِها ويُسْرِها وشدّتِه
ورَخاوَتِه وبُخْلِه وسَخائه. والطِّباعُ: واحد طِباعِ الإِنسان، على فِعال
مثل مِثالٍ، اسم للقالَبِ وغِرارٌ مِثْلُه؛ قال ابن الأَعرابي: الطَّبْعُ
المِثالُ. يقال: اضْرِبْه على طَبْعِ هذا وعلى غِرارِه وصيغَتِه
وهَِدْيَتِه أَي على قَدرِه. وحكى اللحياني: له طابِعٌ حسن، بكسر الباء، أَي
طَبِيعةٌ؛ وأَنشد:
له طابِعٌ يَجْرِي عليه، وإِنَّما
تُفاضِلُ ما بَيْنَ الرّجالِ الطَّبائِعُ
وطَبَعَه اللهُ على الأَمرِ يَطْبَعُه طبْعاً: فَطَرَه. وطبَع اللهُ
الخَلْقَ على الطبائعِ التي خلقها فأَنشأَهم عليها وهي خَلائِقُهم يَطْبَعُهم
طبْعاً: خَلَقَهم، وهي طَبِيعَتُه التي طُبِعَ عليها وطُبِعَها والتي
طُبِعَ؛ عن اللحياني لم يزد على ذلك، أَراد التي طُبِعَ صاحبها عليها. وفي
الحديث: كل الخِلال يُطْبَعُ عليها المُؤْمِنُ إِلا الخِيانةَ والكذب أَي
يخلق عليها. والطِّباعُ: ما رُكِّبَ في الإِنسان من جميع الأَخْلاق التي لا
يكادُ يُزاوِلُها من الخير والشر.
والطَّبْع: ابتداءَ صنْعةِ الشيء، تقول: طبعت اللَّبِنَ طبْعاً، وطَبعَ
الدرهم والسيف وغيرهما يطْبَعُه طبْعاً: صاغَه. والطَّبّاعُ: الذي يأْخذ
الحديدةَ المستطيلة فَيَطْبَعُ منها سيفاً أَو سِكِّيناً أَو سِناناً أَو
نحو ذلك، وصنعتُه الطِّباعةُ، وطَبَعْتُ من الطين جَرَّةً: عَمِلْت،
والطَّبّاعُ: الذي يعمَلها. والطبْعُ: الخَتْم وهو التأْثير في الطين ونحوه.
وفي نوادر الأَعراب: يقال قَذَذْتُ قَفا الغُلامِ إِذا ضربته بأَطراف
الأَصابع، فإِذا مَكَّنْتَ اليد من القفا قلت: طَبَعْتُ قفاه، وطَبع الشيءَ
وعليه يَطْبَعُ طبْعاً: ختم. والطابَعُ والطابِعُ، بالفتح والكسر: الخاتم
الذي يختم به؛ الأَخيرة عن اللحياني وأَبي حنيفة. والطابِعُ والطابَعُ:
مِيسَم الفرائض. يقال: طبَع الشاةَ. وطبَع الله على قلبه: ختم، على المثل.
ويقال: طبَع الله على قلوب الكافرين، نعوذ بالله منه، أَي خَتَمَ فلا يَعِي
وغطّى ولا يُوَفَّقُ لخير. وقال أَبو إِسحق النحوي: معنى طبع في اللغة وختم
واحد، وهو التغْطِيةُ على الشيء والاسْتِيثاقُ من أَن يدخله شيء كما قال
ا تعالى: أَم على قلوب أَقْفالُها، وقال عز وجل: كلاَّ بلْ رانَ على
قلوبهم؛ معناه غَطَّى على قلوبهم، وكذلك طبع الله على قلوبهم؛ قال ابن
الأَثير: كانوا يرون أَن الطَّبْعَ هو الرَّيْنُ، قال مجاهد: الرَّيْنُ أَيسر من
الطبع، والطبع أَيسر من الإِقْفالِ، والإِقْفالُ أَشدّ من ذلك كله، هذا
تفسير الطبع، بإِسكان الباء، وأَما طَبَعُ القلب، بتحريك الباء، فهو
تلطيخه بالأَدْناس، وأَصل الطبَع الصَّدَأُ يكثر على السيف وغيره. وفي الحديث:
من تَرَكَ ثلاث جُمَعٍ من غير عذر طبع الله على قلبه أَي ختم عليه وغشّاه
ومنعه أَلطافه؛ الطَّبْع، بالسكون: الختم، وبالتحريك: الدَّنَسُ، وأَصله
من الوَسَخ والدَّنَس يَغْشَيانِ السيف، ثم استعير فيما يشبه ذلك من
الأَوْزار والآثامِ وغيرهما من المَقابِحِ. وفي حديث الدُّعاء: اخْتِمْه
بآمينَ فإِنّ آمينَ مِثْلُ الطابَعِ على الصحيفة؛ الطابع، بالفتح: الخاتم،
يريد أَنه يَخْتِمُ عليها وتُرْفَعُ كما يفعل الإِنسان بما يَعِزُّ عليه.
وطبَع الإناءَ والسِّقاء يَطْبَعُه طبْعاً وطبَّعه تَطْبِيعاً فتطَبَّع:
مَلأَه. وطِبْعُه: مِلْؤُه. والطَّبْعُ: مَلْؤُكَ السِّقاءَ حتى لا مَزِيدَ
فيه من شدّة مَلْئِه. قال: ولا يقال للمصدر طَبْعٌ لأَنّ فعله لا
يُخَفَّفُ كما يخفف فِعْلُ مَلأْت. وتَطَبَّعَ النهرُ بالماء. فاض به من جوانبه
وتَدَفَّق.
والطِّبْعُ، بالكسر: النهر، وجمعه أَطباع، وقيل: هو اسم نهر بعينه؛ قال
لبيد:
فَتَوَلَّوْا فاتِراً مَشْيُهُمُ،
كَرَوايا الطِّبْعِ هَمَّتْ بالوَحَلْ
وقيل: الطِّبْعُ هنا المِلءُ، وقيل: الطِّبْعُ هنا الماء الذي طُبِّعَتْ
به الرّاوِيةُ أَي مُلِئَتْ. قال الأَزهري: ولم يعرف الليث الطِّبْعَ في
بيت لبيد فتحَيَّر فيه، فمرّة جعله المِلْءَ، وهو ما أَخذ الإِناءُ من
الماءِ، ومرة جعله الماء، قال: وهو في المعنيين غير مصيب. والطِّبْعُ في بيت
لبيد النهر، وهو ما قاله الأَصمعي، وسمي النهر طِبْعاً لأَن الناس
ابْتَدَؤُوا حفره، وهو بمعنى المفعول كالقِطْف بمعنى المَقْطوف، والنِّكْث
بمعنى المَنْكوث من الصوف، وأَما الأَنهار التي شقّها الله تعالى في الأَرض
شَقًّا مثل دَجْلةَ والفُرات والنيل وما أَشبهها فإِنها لا تسمى طُبوعاً،
إِنما الطُّبُوعُ الأَنهار التي أَحْدَثها بنو آدم واحتفروها لمَرافِقِهم؛
قال: وقول لبيد هَمَّتْ بالوَحل يدل على ما قاله الأَصمعي، لأَن
الرَّوايا إِذا وُقِرَتِ المَزايِدَ مملوءة ماء ثم خاضت أَنهاراً فيها وحَلٌ
عَسُر عليها المشي فيها والخُروج منها، وربما ارْتَطَمَتْ فيها ارْتِطاماً
إِذا كثر فيها الوحل، فشبه لبيد القوم، الذين حاجُّوه عند النعمان بن
المنذر فأَدْحَضَ حُجَّتهم حتى زَلِقُوا فلم يتكلموا، بروايا مُثْقَلة خاضت
أَنهاراً ذات وحل فتساقطت فيها، والله أَعلم. قال الأَزهري: ويجمع الطِّبْعُ
بمعنى النهر على الطُّبوعِ، سمعته من العرب. وفي الحديث: أَلقى الشَّبكةَ
فطَبَّعها سَمَكاً أَي مَلأَها. والطِّبْعُ أَيضاً: مَغِيضُ الماءِ
وكأَنه ضِدّ، وجمع ذلك كله أَطباعٌ وطِباعٌ. وناقة مُطْبَعةٌ ومُطَبَّعةٌ:
مُثْقَلةٌ بحِمْلِها على المثل كالماء؛ قال عُوَيفُ القَوافي:
عَمْداً تَسَدَّيْناكَ وانشَجَرَتْ بِنا
طِوالُ الهَوادي مُطْبَعاتٍ من الوِقْرِ
(* قوله «تسديناك» تقدم في مادة شجر تعديناك.)
قال الأَزهري: والمُطَبَّعُ المَلآن؛ عن أَبي عبيدة؛ قال: وأَنشد غيره:
أَين الشِّظاظانِ وأَيْنَ المِرْبَعهْ؟
وأَيْنَ وَسْقُ الناقةِ المُطَبَّعهْ؟
ويروى الجَلنْفَعهْ. وقال: المطبَّعة المُثْقَلةُ. قال الأَزهري: وتكون
المطبَّعة الناقة التي مُلِئت لحماً وشحماً فتَوَثَّقَ خلقها. وقِربة
مُطبَّعة طعاماً: مملوءة؛ قال أَبو ذؤيب:
فقيلَ: تَحَمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ، إِنَّها
مُطبَّعةٌ، مَن يأْتِها لا يَضيرُها
وطَبِعَ السْيفُ وغيره طَبَعاً، فهو طَبِعٌ: صدئ؛ قال جرير:
وإِذا هُزِزْتَ قَطَعْتَ كلَّ ضَرِيبةٍ،
وخَرَجْتَ لا طَبِعاً، ولا مَبْهُورا
قال ابن بري: هذا البيت شاهد الطَّبِعِ الكَسِلِ. وطَبِعَ الثوبُ
طَبَعاً: اتَّسَخَ. ورجل طَبِعٌ: طَمِعٌ مُتَدَنِّسُ العِرْضِ ذو خُلُقٍ دَنيء
لا يستَحْيي من سَوأَة. وفي حديث عمر بن عبد العزيز: لا يتزوج من الموالي
في العرب إِلا الأَشِرُ البَطِرُ، ولا من العرب في المَوالي إِلا الطَّمِعُ
الطَّبِعُ؛ وقد طَبِعَ طَبَعاً؛ قال ثابت بن قُطْنةَ:
لا خَيْرَ في طَمَعٍ يُدْني إِلى طَبَعٍ،
وعُفّةٌ من قَوامِ العَيْشِ تَكْفِيني
قال شمر: طَبِعَ إِذا دَنِسَ، وطُبِّعَ وطُبِعَ إِذا دُنِّسَ وعِيبَ؛
قال: وأَنشدتنا أُم سالم الكلابية:
ويَحْمَدُها الجِيرانُ والأَهْلُ كلُّهُمْ،
وتُبْغِضُ أَيضاً عن تُسَبَّ فَتُطْبَعا
قال: ضَمَّت التاء وفتحت الباء وقالت: الطِّبْعُ الشِّيْنُ فهي تُبْغِضُ
أَن تُطْبَعَ أَي تُشانَ؛ وقال ابن الطثَريّة:
وعن تَخْلِطي في طَيِّبِ الشِّرْبِ بَيْنَنا،
منَ الكَدِرِ المأْبيّ، شِرْباً مُطَبَّعا
أَراد أَن تَخْلِطي، وهي لغة تميم. والمُطَبَّع: الذي نُجِّسَ،
والمَأْبيُّ: الماء الذي تأْبى الإِبل شربه. وما أَدري من أَين طبَع أَي طلَع.
وطَبِعَ: بمعنى كَسِلَ. وذكر عمرو بن بَحْرٍ الطَّبُّوعَ في ذواتِ
السُّمُومِ من الدوابّ، سمعت رجلاً من أَهل مصر يقول: هو من جنس القِرْدانِ إِلاَّ
أَنَّ لِعَضَّتِه أَلماً شديداً، وربما وَرِمَ مَعْضُوضه، ويعلّل
بالأَشياء الحُلْوة. قال الأَزهري: هو النِّبْرُ عند العرب؛ وأَنشد الأَصمعي
وغيره أُرْجوزة نسبها ابن بري للفَقْعَسي، قال: ويقال إِنها لحكيم بن
مُعَيّة الرَّبَعِيّ:
إِنّا إِذا قَلَّتْ طَخارِيرُ القَزَعْ،
وصَدَرَ الشارِبُ منها عن جُرَعْ،
نَفْحَلُها البِيضَ القَلِيلاتِ الطَّبَعْ،
من كلِّ عَرّاضٍ، إِذا هُزَّ اهْتَزَعْ
مِثْلِ قُدامى النَّسْر ما مَسَّ بَضَعْ،
يَؤُولُها تَرْعِيةٌ غيرُ وَرَعْ
لَيْسَ بِفانٍ كِبَراً ولا ضَرَعْ،
تَرى بِرِجْلَيْهِ شُقُوقاً في كَلَعْ
من بارِئٍ حِيصَ ودامٍ مُنْسَلِعْ
وفي الحديث: نعوذ بالله من طَمَعٍ يَهْدِي إِلى طَبَعٍ أَي يؤدي إِلى شَيْنٍ
وعَيْبٍ؛ قال أَبو عبيد: الطبَعُ الدنس والعيب، بالتحريك. وكل شَينٍ في
دِين أَو دُنيا، فهو طبَع.
وأما الذي في حديث الحسن: وسئل عن قوله تعالى: لها طلع نضيد، فقال: هو
الطِّبِّيعُ في كُفُرّاه؛ الطِّبِّيعُ، بوزن القِنْدِيل: لُبُّ الطلْعِ،
وكُفُرّاه وكافورُه: وِعاؤُه.
دملج: الدَّمْلَجَةُ: تسوية الشيءِ كما يُدَمْلَجُ السِّوارُ. وفي حديث
خالد بن مَعْدانَ: دَمْلَجَ الله لُؤْلُؤَةً؛ دَمْلَجَ الشَّيءَ إِذا
سوَّاه وأَحسن صنعته.
والدُّمْلُجُ
(* قوله «والدملج» بضم فسكون، واللام تفتح وتضم كما في
القاموس.) والدُّمْلُوجُ: المِعْضَدُ من الحُليِّ، ويقال: أَلْقى عليه
دَمالِيجَهُ. اللحياني: دُمْلِجَ جِسْمُه دَمْلَجَةً أَي طُويَ طَيّاً حتى
أَكثر لحمه: وأَنشد ابن الأَعرابي:
والبِيضُ في أَعْضادِها الدَّمالِيجْ
ومُعْطِياتٌ بُدَّلٌ في تَعْويجْ
والدَّمالِيجُ: الأَرَضُونَ الصِّلابُ. والمُدَمْلَجُ: المُدْرَجُ
الأَمْلَسُ؛ قال الراجز:
كأَنَّ منها القَصَبَ المُدَمْلَجا
سُوقٌ مِنَ البَرْديِّ ما تَعَوَّجا
والدُّمْلُجُ والدُّمْلوجُ: الحَجَرُ الأَمْلَس. ودُمْلُجٌ: اسم رجل،
قال:
لا تَحْسِبي دَراهِمَ ابْني دُمْلُجِ
تأْتِيكِ، حتى تُدْلِجِي وتَدْلُجي
حجأ: حَجِئَ بالشيء حَجَأً: ضنَّ به، وهو به حَجِئٌ، أَي مولع به ضنين، يهمز ولا يهمز. قال:
فَإِنِّي بالــجَمُوحِ وأُمِّ بَكْرٍ * ودَوْلَحَ، فاعْلَموا، حَجِئٌ، ضَنِينُ
وكذلك تَحَجَّأْتُ به.
الأَزهري عن الفرّاء: حَجِئتُ بالشيء وتَحجَّيْتُ به، يهمز ولا يهمز: تَمَسَّكت به، ولَزِمْتُه، قال: ومنه قول عديّ بن زيد:
أَطَفَّ، لأَنْفِه الـمُوسَى، قَصِيرٌ، * وكانَ بأَنْفِه حَجِئاً، ضَنِينا
وحَجِئ بالأَمر: فَرِح به، وحَجَأْتُ به: فَرِحْتُ به. وحَجِئَ بالشيء وحَجَأَ به حَجْأً: تَمَسَّكَ به وَلَزِمَه. وانه لَحَجِئٌ أَن يَفْعَل
كذا أَي خَلِيقٌ، لغة في حَجِيٍّ، عن اللحياني، وانهما لَحجِئان وإِنهم لحَجِئون وإِنها لحَجِئةٌ وإِنهما لَحَجِئتان وإِنّهنّ لَحَجايا مثل قولك خطايا.
حبب: الحُبُّ: نَقِيضُ البُغْضِ. والحُبُّ: الودادُ والـمَحَبَّةُ،
وكذلك الحِبُّ بالكسر. وحُكِي عن خالد ابن نَضْلَة: ما هذا الحِبُّ
الطارِقُ؟وأَحَبَّهُ فهو مُحِبٌّ، وهو مَحْبُوبٌ، على غير قياس هذا الأَكثر، وقد قيل مُحَبٌّ، على القِياس. قال الأَزهري: وقد جاء الـمُحَبُّ شاذاً في الشعر؛ قال عنترة:
ولقد نَزَلْتِ، فلا تَظُنِّي غيرَه، * مِنِّي بِمَنْزِلةِ المُحَبِّ الـمُكْرَمِ
وحكى الأَزهري عن الفرَّاءِ قال: وحَبَبْتُه، لغة. قال غيره: وكَرِهَ
بعضُهم حَبَبْتُه، وأَنكر أَن يكون هذا البيتُ لِفَصِيحٍ، وهو قول عَيْلانَ بن شُجاع النَّهْشَلِي:
أُحِبُّ أَبا مَرْوانَ مِنْ أَجْل تَمْرِه، * وأَعْلَمُ أَنَّ الجارَ بالجارِ أَرْفَقُ
فَأُقْسِمُ، لَوْلا تَمْرُه ما حَبَبْتُه، * ولا كانَ أَدْنَى مِنْ عُبَيْدٍ ومُشْرِقِ
وكان أَبو العباس المبرد يروي هذا الشعر:
وكان عِياضٌ منه أَدْنَى ومُشْرِقُ وعلى هذه الروايةِ لا كون فيه إِقواء.
وحَبَّه يَحِبُّه، بالكسر، فهو مَحْبُوبٌ. قال الجوهري: وهذا شاذ لأَنه لا يأْتي في المضاعف يَفْعِلُ بالكسر، إِلاّ ويَشرَكُه يَفْعُل بالضم، إِذا كان مُتَعَدِّياً، ما خَلا هذا الحرفَ. وحكى سيبويه: حَبَبْتُه وأَحْبَبْتُه بمعنى. أَبو زيد: أَحَبَّه اللّه فهو مَحْبُوبٌ. قال: ومثله مَحْزُونٌ، ومَجْنُونٌ، ومَزْكُومٌ، ومَكْزُوزٌ، ومَقْرُورٌ، وذلك أَنهم يقولون: قد فُعِلَ بغير أَلف في هذا كله، ثم يُبْنَى مَفْعُول على فُعِلَ، وإِلاّ فلا وَجْهَ له، فإِذا قالوا: أَفْعَلَه اللّه، فهو كلُّه بالأَلف؛ وحكى اللحياني عن بني سُلَيْم: ما أَحَبْتُ ذلك، أَي ما أَحْبَبْتُ، كما قالوا: ظَنْتُ ذلك، أَي ظَنَنْتُ، ومثله ما حكاه سيبويه من قولهم ظَلْتُ. وقال:
في ساعةٍ يُحَبُّها الطَّعامُ
أَي يُحَبُّ فيها. واسْتَحَبَّه كأَحَبَّه.
والاسْتِحْبابُ كالاسْتِحْسانِ.
وإِنه لَمِنْ حُبَّةِ نَفْسِي أَي مِمَّنْ أُحِبُّ. وحُبَّتُك: ما أَحْبَبْتَ أَن تُعْطاهُ، أَو يكون لك. واخْتَرْ
حُبَّتَك ومَحَبَّتَك من الناس وغَيْرِهِم أَي الذي تُحِبُّه.
والـمَحَبَّةُ أَيضاً: اسم للحُبِّ.
والحِبابُ، بالكسر: الـمُحابَّةُ والـمُوادَّةُ والحُبُّ . قال أَبو ذؤيب:
فَقُلْتُ لقَلْبي: يا لَكَ الخَيْرُ، إِنَّما * يُدَلِّيكَ، للخَيْرِ الجَدِيدِ، حِبابُها
وقال صخر الغي:
إِنّي بدَهْماءَ عَزَّ ما أَجِدُ * عاوَدَنِي، مِنْ حِبابِها، الزُّؤُدُ
وتَحَبَّبَ إِليه: تَودَّدَ. وامرأَةٌ مُحِبَّةٌ لزَوْجِها ومُحِبٌّ أَيضاً، عن الفرَّاءِ.
الأَزهري: يقال: حُبَّ الشيءُ فهو مَحْبُوبٌ، ثم لا يقولون: حَبَبْتُه،
كما قالوا: جُنَّ فهو مَجْنُون، ثم يقولون: أَجَنَّه اللّهُ.
والحِبُّ: الحَبِيبُ، مثل خِدْنٍ وخَدِينٍ، قال ابن بري، رحمه اللّه:
الحَبِيبُ يجيءُ تارة بمعنى الـمُحِبِّ، كقول الـمُخَبَّلِ:
أَتَهْجُرُ لَيْلَى، بالفِراقِ، حَبِيبَها، * وما كان نَفْساً، بالفِراقِ، تَطِيبُ
أَي مُحِبَّها، ويجيءُ تارة بمعنى الـمحْبُوب كقول ابن الدُّمَيْنةِ:
وانّ الكَثِيبَ الفَرْدَ، مِن جانِبِ الحِمَى، * إِلَيَّ، وإِنْ لم آتهِ، لحَبِيبُ
أَي لـمَحْبُوبٌ.
والحِبُّ: الـمَحْبُوبُ، وكان زَيْدُ بن حارِثةَ، رضي اللّه عنه،
يُدْعَى: حِبَّ رَسولِ اللّه، صلة اللّه عليه وسلم؛ والأَنثى بالهاءِ. وفي الحديث: ومن يَجْتَرئُ على ذلك إِلا أُسامةُ، حِبُّ رسولِ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، أَي مَحْبُوبُه، وكان رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، يُحِبُّه كثيراً. وفي حديث فاطِمَة، رضوان اللّه عليها، قال لها رسولُ اللّهِ، صلى اللّه عليه وسلم، عن عائشة: إِنَّها حِبَّةُ أَبِيكِ. الحِبُّ بالكسر: الـمَحْبُوبُ، والأُنثى: حِبَّةٌ، وجَمْعُ الحِبِّ أَحْبابٌ، وحِبَّانٌ، وحُبُوبٌ، وحِبَبةٌ، وحُبٌّ؛ هذه الأَخيرة إِما أَن تكون من الجَمْع العزيز، وإِما أَن تكون اسماً للجَمْعِ.
والحَبِيبُ والحُبابُ بالضم: الحِبُّ، والأُنثى بالهاءِ. الأَزهري: يقال للحَبِيب: حُبابٌ، مُخَفَّفٌ.
وقال الليث: الحِبَّةُ والحِبُّ بمنزلة الحَبِيبةِ والحَبِيب. وحكى ابن
الأَعرابي: أَنا حَبِيبُكم أَي مُحِبُّكم؛ وأَنشد:
ورُبَّ حَبِيبٍ ناصِحٍ غَيْرِ مَحْبُوبِ
والحُبابُ، بالضم: الحُبُّ. قال أَبو عَطاء السِّنْدِي، مَوْلى بني
أَسَد:
فوَاللّهِ ما أَدْرِي، وإِنِّي لصَادِقٌ، * أَداءٌ عَراني مِنْ حُبابِكِ أَمْ سِحْرُ
قال ابن بري: المشهور عند الرُّواة: مِن حِبابِكِ، بكسر الحاءِ، وفيه وَجْهان: أَحدهما أَن يكون مصدر حابَبْتُه مُحابَّةً وحِباباً، والثاني أَن يكون جمع حُبٍّ مثل عُشٍّ وعِشاشٍ، ورواه بعضهم: من جَنابِكِ، بالجيم والنون، أَي ناحِيَتكِ.
وفي حديث أُحُد: هو جَبَلُّ يُحِبُّنا ونُحِبُّه. قال ابن الأَثير: هذا
محمول على المجاز، أَراد أَنه جبل يُحِبُّنا
أَهْلُه، ونُحِبُّ أَهْلَه، وهم الأَنصار؛ ويجوز أَن يكون من باب الـمَجاز الصَّريح، أَي إِنَّنا نحِبُّ الجَبلَ بعَيْنِهِ لأَنه في أَرْضِ مَن نُحِبُّ.
وفي حديث أَنس، رضي اللّه عنه: انْظُروا حُبّ الأَنصار التَّمرَ، يُروى بضم الحاءِ، وهو الاسم من الـمَحَبَّةِ، وقد جاءَ في بعض الرِّوايات، باسقاط انظُروا، وقال: حُبّ الانصار التمرُ، فيجوز أَن يكون بالضم كالأَوّل، وحذف الفعل وهو مراد للعلم به، أَو على جعل التمر نفس الحُبِّ مبالغة في حُبِّهم إِياه، ويجوز أَن تكون الحاءُ مكسورة، بمعنى المحبوب، أَي مَحْبُوبُهم التمرُ، وحينئذ يكون التمر على الأَوّل، وهو المشهور في الرواية
منصوباً بالحُب، وعلى الثاني والثالث مَرْفُوعاً على خبر المبتدإِ.
وقالوا: حَبَّ بِفُلان، أَي ما أَحَبَّه إِلَيَّ؛ قال أَبو عبيد: معناه(1)
(1 قوله «قال أبو عبيد معناه إلخ» الذي في الصحاح قال الفراء معناه إلخ.)
حَبُبَ بِفُلان، بضم الباءِ، ثم سُكِّن وأُدغم في الثانية.
وحَبُبْتُ إِليه: صِرْتُ حَبِيباً، ولا نَظِير له إِلا شَرُرْتُ، مِن الشَّرِّ، وما حكاه سيبويه عن يونس قولهم: لَبُبْتُ من اللُّبِّ. وتقول: ما
كنتَ حَبيباً، ولقد حَبِبْتَ، بالكسر، أَي صِرْتَ حَبِيباً. وحَبَّذَا الأَمْرُ أَي هو حَبِيبٌ. قال سيبويه: جعلوا حَبّ مع ذا، بمنزلة الشيءِ
الواحد، وهو عنده اسم، وما بعده مرفوع به، ولَزِمَ ذا حَبَّ، وجَرَى كالمثل؛ والدَّلِيلُ على ذلك أَنهم يقولون في المؤَنث: حَبَّذا، ولا يقولون: حَبَّذِه. ومنهُ قولهم: حَبَّذا زَيْدٌ، فَحَبَّ فِعْل ماضٍ لا يَتصرَّف، وأَصله حَبُبَ، على ما قاله الفرّاءُ، وذا فاعله، وهو اسم مُبْهَم مِن أَسْماءِ الإشارة، جُعِلا شيئاً واحداً، فصارا بمنزلة اسم يُرْفَع ما بعده، وموضعه رفع بالابْتداءِ، وزيد خبره، ولا يجوز أَن يكون بدلاً مِن ذا، لأَنّك تقول حَبَّذا امرأَةٌ، ولو كان بدلاً لقلت: حَبَّذِهِ المرأَةُ. قال جرير:
يا حَبَّذَا جَبَلُ الرَّيَّانِ مِنْ جَبَلٍ، * وحَبَّذا ساكِنُ الرَّيّانِ مَنْ كانا
وحَبَّذا نَفَحاتٌ مِنْ يَمانِيةٍ، * تَأْتِيكَ، مِنْ قِبَلِ الرَّيَّانِ، أَحيانا
الأَزهري: وأَما قولهم: حبّذا كذا وكذا، بتشديد الباء، فهو حَرْفُ
مَعْنىً، أُلِّفَ من حَبَّ وذا. يقال: حَبَّذا الإِمارةُ، والأَصل حَبُبَ ذا،
فأَدْغِمَتْ إِحْدَى الباءَين في الأُخْرى وشُدّدتْ، وذا إِشارةٌ إِلى ما
يَقْرُب منك. وأَنشد بعضهم:
حَبَّذا رَجْعُها إِلَيها يَدَيْها، * في يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإِزارَا(2)
(2 قوله «إليها يديها» هذا ما وقع في التهذيب أيضاً ووقع في الجزء العشرين إليك.)
كأَنه قال: حَبُبَ ذا، ثم ترجم عن ذا، فقالَ هو رَجْعُها يديها إِلى
حَلِّ تِكَّتِها أَي ما أَحَبَّه، ويَدَا دِرْعِها كُمَّاها. وقال أَبو الحسن
بن كيسان: حَبَّذا كَلِمتان جُعِلَتا شيئاً واحداً، ولم تُغَيَّرا في تثنية، ولا جمع، ولا تَأْنِيث، ورُفِع بها الاسم، تقول: حَبَّذا زَيْدٌ، وحَبَّذا الزَّيْدانِ، وحَبَّذا الزَّيْدُونَ، وحَبَّذا هِنْد، وحَبَّذا أَنـْتَ. وأَنـْتُما، وأَنتُم. وحَبَّذا يُبتدأُ بها، وإِن قلت: زَيْد حَبَّذا، فهي جائزة، وهي قَبِيحة، لأَن حَبَّذا كلمة مَدْح يُبْتَدأُ بها لأَنها جَوابٌ، وإِنما لم تُثَنَّ، ولم تُجمع، ولم
تُؤَنَّثْ، لأَنك إِنما أَجْرَيْتَها على ذِكر شيءٍ سَمِعْته، فكأَنك قلت: حَبَّذا الذِّكْرُ، ذُكْرُ زَيْدٍ، فصار زيدٌ موضعَ ذكره، وصارَ ذا مشاراً إِلى الذِّكْرِيّةِ، والذِّكرُ مُذَكَّرٌ. وحَبَّذا في الحَقِيقةِ:
فِعْلٌ واسْم، حَبَّ بمنزلة نِعْم، وذا فاعل، بمنزلة الرَّجل. الأَزهري قال: وأَمـَّا حَبَّذا، فإِنه حَبَّ ذا، فإِذا وَصَلْتَ رَفَعْتَ به فقلت: حَبَّذا زَيْدٌ.
وحَبَّبَ إِليه الأَمـْرَ: جعله يُحِبُّه.
وهم يَتَحابُّون: أَي يُحِبُّ بعضُهم بَعْضاً. وحَبَّ إِلَيَّ هذا الشيءُ
يَحَبُّ حُبّاً. قال ساعدة:
هَجَرَتْ غَضُوبُ، وحَبَّ مَنْ يَتَجَنَّبُ، * وعَدَتْ عَوادٍ، دُونَ وَلْيِكَ، تَشْعَبُ
وأَنشد الأَزهري:
دَعانا، فسَمَّانَا الشِّعارَ، مُقَدِّماً، * وحَبَّ إِلَيْنا أَن نَكُونَ الـمُقدَّما
وقولُ ساعدة: وحَبَّ مَنْ يَتَجَنَّب أَي حَبَّ بها إِليّ مُتَجَنِّبةً.
وفي الصحاح في هذا البيت: وحُبَّ مَنْ يَتَجَنَّبُ، وقال: أَراد حَبُبَ، فأَدْغَمَ، ونَقَل الضَّمَّةَ إِلى الحاءِ، لأَنه مَدْحٌ، ونَسَبَ هذا
القَوْلَ إِلى ابن السكيت.
وحَبابُكَ أَن يكون ذلِكَ، أَو حَبابُكَ أَن تَفْعَلَ ذلك أَي غايةُ مَحَبَّتِك؛ وقال اللحياني: معناه مَبْلَغُ جُهْدِكَ، ولم يذكر الحُبَّ؛ ومثله: حماداكَ. أَي جُهْدُك وغايَتُكَ.
الأَصمعي: حَبَّ بِفُلانٍ، أَي ما أَحَبَّه إِليَّ ! وقال الفرَّاءُ: معناه
حَبُبَ بفلان، بضم الباء، ثم أُسْكِنَتْ وأُدْغِمَتْ في الثانية. وأَنشد
الفرَّاءُ:
وزَادَه كَلَفاً في الحُبِّ أَنْ مَنَعَتْ، * وحَبَّ شيْئاً إِلى الإِنْسانِ ما مُنِعَا
قال: وموضِعُ ما، رفْع، أَراد حَبُبَ فأَدْغَمَ. وأَنشد شمر:
ولَحَبَّ بالطَّيْفِ الـمُلِمِّ خَيالا
أَي ما أَحَبَّه إِليَّ، أَي أَحْبِبْ بِه! والتَّحَبُّبُ: إِظْهارُ الحُبِّ.
وحِبَّانُ وحَبَّانُ: اسْمانِ مَوْضُوعانِ مِن الحُبِّ.
والـمُحَبَّةُ والـمَحْبُوبةُ جميعاً: من أَسْماءِ مَدِينةِ النبيّ، صلى
اللّه عليه وسلم، حكاهما كُراع، لِحُبّ النبيّ، صلى اللّه عليه وسلم، وأَصحابِه إِيَّاها.
ومَحْبَبٌ: اسْمٌ عَلَمٌ، جاءَ على الأَصل، لمكان العلمية، كما جاءَ
مَكْوَزةٌ ومَزْيَدٌ؛ وإِنما حملهم على أَن يَزِنوا مَحْبَباً بِمَفْعَلٍ، دون فَعْلَلٍ، لأَنهم وجدوا ما تركب من ح ب ب، ولم يجدوا م ح ب، ولولا هذا، لكان حَمْلُهم مَحْبَباً على فَعْلَلٍ أَولى، لأَنّ ظهور التضعيف في فَعْلَل، هو القِياسُ والعُرْفُ، كقَرْدَدٍ ومَهْدَدٍ. وقوله أَنشده ثعلب:
يَشُجُّ به الـمَوْماةَ مُسْتَحْكِمُ القُوَى، * لَهُ، مِنْ أَخِلاَّءِ الصَّفاءِ، حَبِيبُ
فسره فقال: حَبِيبٌ أَي رَفِيقٌ.
والإِحْبابُ: البُروكُ. وأَحَبَّ البَعِيرُ: بَرَكَ. وقيل: الإِحْبابُ في
الإِبلِ، كالحِرانِ في الخيل، وهو أَن يَبْرُك فلا يَثُور. قال أَبو محمد الفقعسي:
حُلْتُ عَلَيْهِ بالقَفِيلِ ضَرْبا، * ضَرْبَ بَعِيرِ السَّوْءِ إِذْ أَحَبَّا
القَفِيلُ: السَّوْطُ. وبعير مُحِبٌّ. وقال أَبو عبيدة في
<ص:293> قوله تعالى: إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْر عن ذِكْرِ رَبِّي؛ أَي لَصِقْتُ بالأَرض، لِحُبّ الخَيْلِ، حتى فاتَتني الصلاةُ. وهذا غير معروف في الإِنسان، وإِنما هو معروف في الإِبل.
وأَحَبَّ البعِيرُ أَيضاً إِحْباباً: أَصابَه كَسْرٌ أَو مَرَضٌ، فلم يَبْرَحْ مكانَه حتى يَبْرأَ أَو يموتَ. قال ثعلب: ويقال للبَعِيرِ الحَسِيرِ: مُحِبٌّ. وأَنشد يصف امرأَةً، قاسَتْ عَجِيزتها بحَبْلٍ، وأَرْسَلَتْ
به إِلى أَقْرانِها:
جَبَّتْ نِساءَ العالَمِينَ بالسَّبَبْ، * فَهُنَّ بَعْدُ، كُلُّهُنَّ كالمُحِبّْ
أَبو الهيثم: الإِحْبابُ أَن يُشْرِفَ البعيرُ على الموت مِن شدّة
الـمَرض فَيَبْرُكَ، ولا يَقدِرَ أَن يَنْبَعِثَ. قال الراجز:
ما كان ذَنْبِي في مُحِبٍّ بارِك، أَتاهُ أَمْرُ اللّهِ، وهو هالِك
والإِحْبابُ: البُرْءُ من كلّ مَرَضٍ ابن الأَعرابي: حُبَّ: إِذا أُتْعِبَ، وحَبَّ: إِذا وقَفَ، وحَبَّ: إِذا تَوَدَّدَ، واسْتحَبَّتْ كَرِشُ المالِ: إِذا أَمْسَكَتِ الماء وطال ظِمْؤُها؛ وإِنما يكون ذلك، إِذا التقت الطَّرْفُ والجَبْهةُ، وطَلَعَ معهما سُهَيْلٌ.
والحَبُّ: الزرعُ، صغيراً كان أَو كبيراً، واحدته حَبَّةٌ؛ والحَبُّ
معروف مُستعمَل في أَشياءَ جَمة: حَبَّةٌ مِن بُرّ، وحَبَّة مِن شَعير، حتى يقولوا: حَبَّةٌ من عِنَبٍ؛ والحَبَّةُ، من الشَّعِير والبُرِّ ونحوهما،
والجمع حَبَّاتٌ وحَبٌّ وحُبُوبٌ وحُبَّانٌ، الأَخيرة نادرة، لأَنَّ
فَعلة لا تجمع على فُعْلانٍ، إِلاّ بعد طَرْحِ الزائد.
وأَحَبَّ الزَّرْعُ وأَلَبَّ: إِذا دخَل فيه الأُكْلُ، وتَنَشَّأَ فيه الحَبُّ واللُّبُّ. والحَبَّةُ السَّوْداءُ، والحَبَّة الخَضْراء، والحَبَّةُ من الشيءِ: القِطْعةُ منه. ويقال للبَرَدِ: حَبُّ الغَمامِ، وحَبُّ الـمُزْنِ، وحَبُّ قُرٍّ. وفي صفتِه، صلى اللّه عليه وسلم: ويَفْتَرُّ عن مِثْلِ حَبّ الغَمامِ، يعني البَرَدَ، شَبَّه به ثَغْرَه في بَياضِه وصَفائه وبَرْدِه.
(يتبع...)
(تابع... 1): حبب: الحُبُّ: نَقِيضُ البُغْضِ. والحُبُّ: الودادُ والـمَحَبَّةُ،... ...
قال ابن السكيت: وهذا جابِرٌ بن حَبَّةَ اسم للخُبْزِ، وهو معرفة.
وحَبَّةُ: اسم امرأَةٍ؛ قال:
أَعَيْنَيَّ! ساءَ اللّهُ مَنْ كانَ سَرَّه * بُكاؤُكما، أَوْ مَنْ يُحِبُّ أَذاكُما
ولوْ أَنَّ مَنْظُوراً وحَبَّةَ أُسْلِما * لِنَزْعِ القَذَى، لَمْ يُبْرِئَا لي قَذاكُما
قال ابن جني: حَبَّةُ امرأَةٌ عَلِقَها رجُل من الجِنِّ، يقال له
مَنْظُور، فكانت حَبَّةُ تَتَطَبَّبُ بما يُعَلِّمها مَنْظُور.
والحِبَّةُ: بُزورُ البقُولِ والرَّياحِينِ، واحدها حَبٌّ(1)
(1 قوله «واحدها حب» كذا في المحكم أيضاً.). الأَزهري عن الكسائي: الحِبَّةُ: حَبُّ الرَّياحِينِ، وواحده حَبَّةٌ؛ وقيل: إِذا كانت الحُبُوبُ مختلفةً من كلِّ شيءٍ شيءٌ، فهي حِبَّةٌ؛ وقيل: الحِبَّةُ، بالكسر: بُزورُ الصَّحْراءِ، مـما ليس بقوت؛ وقيل: الحِبَّةُ: نبت يَنْبُتُ في الحَشِيشِ صِغارٌ. وفي حديثِ أَهلِ النارِ: فَيَنْبُتون كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيل السَّيْلِ؛ قالوا: الحِبَّةُ إِذا كانت حُبوب مختلفة من كلّ شيءٍ، والحَمِيلُ: مَوْضِعٌ يَحْمِلُ فيه السَّيْلُ،والجمع حِبَبٌ؛ وقيل: ما كان له
حَبٌّ من النَّباتِ، فاسْمُ ذلك الحَبِّ الحِبَّة. وقال أَبو حنيفة: الحِبَّة،
بالكسر: جميعُ بُزورِ النَّباتِ، واحدتها حَبَّةٌ، بالفتح، عن الكسائي.
قال: فأَما الحَبُّ فليس إِلا الحِنْطةَ والشَّعِيرَ، واحدتها حَبَّةٌ، بالفتح، وإِنما افْتَرَقا في الجَمْع. الجوهري: الحَبَّةُ: واحدة حَبِّ الحِنْطةِ، ونحوها من الحُبُوبِ؛ والحِبَّةُ: بَزْر كلِّ نَباتٍ يَنْبُتُ وحْدَه من غير أَن يُبْذَرَ، وكلُّ ما بُذِرَ، فبَزْرُه حَبَّة، بالفتح.
وقال ابن دريد: الحِبَّةُ، بالكسر، ما كان مِن بَزْرِ العُشْبِ. قال أَبو
زياد: إِذا تَكَسَّرَ اليَبِيسُ وتَراكَمَ، فذلك الحِبَّة، رواه عنه أَبو
حنيفة. قال: وأَنشد قَوْلَ أَبي النَّجْمِ، وَوَصَفَ إِبِلَه:
تَبَقَّلَتْ، مِن أَوَّلِ التَّبَقُّلِ، * في حِبَّةٍ جَرْفٍ وحَمْضٍ هَيْكَلِ
قال الأَزهري: ويقال لِحَبّ الرَّياحِين: حِبَّةٌ، وللواحدة منها
حَبّةٌ؛ والحِبَّةُ: حَبُّ البَقْل الذي ينْتَثِر، والحَبَّة: حَبَّةُ الطَّعام،
حَبَّةٌ من بُرٍّ وشَعِيرٍ وعَدَسٍ وأَرُزٍّ، وكل ما يأْكُله الناسُ.
قال الأَزهري: وسمعت العربَ تقول: رَعَيْنا الحِبَّةَ، وذلك في آخر الصَّيْف، إِذا هاجتِ الأَرضُ، ويَبِسَ البَقْلُ والعُشْبُ، وتَناثَرتْ بُزُورُها وَوَرَقُها، فإِذا رَعَتْها النَّعَم سَمِنَتْ عليها. قال: ورأَيتهم يسمون الحِبَّةَ، بعد الانْتثارِ، القَمِيمَ والقَفَّ؛ وتَمامُ سِمَنِ
النَّعَمِ بعد التَّبَقُّلِ، ورَعْيِ العُشْبِ، يكون بِسَفِّ الحِبَّةِ والقَمِيم. قال: ولا يقع اسم الحِبَّةِ، إِلاّ على بُزُورِ العُشْبِ والبُقُولِ البَرِّيَّةِ، وما تَناثر من ورَقِها، فاخْتَلَطَ بها، مثل القُلْقُلانِ، والبَسْباسِ، والذُّرَق، والنَّفَل، والـمُلاَّحِ، وأَصْناف أَحْرارِ البُقُولِ كلِّها وذُكُورها.
وحَبَّةُ القَلْبِ: ثَمَرتُه وسُوَيْداؤُه، وهي هَنةٌ سَوْداءُ فيه؛ وقيل: هي زَنَمةٌ في جَوْفِه. قال الأَعشى:
فأَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبِها وطِحالَها
الأَزهري: حَبَّةُ القَلْب: هي العَلَقةُ السَّوْداء، التي تكون داخِلَ
القَلْبِ، وهي حَماطةُ القلب أَيضاً. يقال: أَصابَتْ فلانةُ حَبَّةَ
قَلْبِ فُلان إِذا شَغَفَ قَلْبَه حُبُّها. وقال أَبو عمرو: الحَبَّةُ وَسَطُ
القَلْبِ.
وحَبَبُ الأَسْنانِ: تَنَضُّدُها. قال طرفة:
وإِذا تَضْحَكُ تُبْدِي حَبَباً * كَرُضابِ المِسْكِ بالماءِ الخَصِرْ
قال ابن بري، وقال غير الجوهري: الحَبَبُ طَرائقُ مِن رِيقِها، لأَنّ قَلَّةَ الرِّيقِ تكون عند تغير الفم. ورُضابُ المِسْكِ: قِطَعُه.
والحِبَبُ: ما جَرَى على الأَسْنانِ من الماءِ، كقِطَعِ القَوارِير،
وكذلك هو من الخَمْرِ، حكاه أَبو حنيفة؛ وأَنشد قول ابن أَحمر:
لَها حِبَبٌ يَرَى الرَّاؤُون منها، * كما أَدْمَيْتَ، في القَرْوِ، الغَزالا
أَراد: يَرى الرَّاؤُون منها في القَرْوِ كما أَدْمَيْتَ الغَزالا.
الأَزهري: حَبَبُ الفَمِ: ما يَتَحَبَّبُ من بَياضِ الرِّيقِ على الأَسْنانِ.
وحِبَبُ الماء وحَبَبُه، وحَبابه، بالفتح: طَرائقُه؛ وقيل: حَبابُه
نُفّاخاته وفَقاقِيعُه، التي تَطْفُو، كأَنـَّها القَوارِيرُ، وهي اليَعالِيلُ؛ وقيل: حَبابُ الماءِ مُعْظَمُه. قال
طَرفةُ:
يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيْزُومُها بِها، * كما قَسَمَ التُّرْبَ الـمُفايِلُ باليَدِ
فَدَلَّ على انه الـمُعْظَمُ. وقال ابن دريد: الحَبَبُ: حَبَبُ الماءِ،
وهو تَكَسُّره ، وهو الحَبابُ. وأَنشد الليث:
كأَنَّ صلاَ جَهِيزةَ، حِينَ قامَتْ، * حَبابُ الماءِ يَتَّبِعُ الحَبابا
ويُروى: حين تَمْشِي. لم يُشَبِّهْ صَلاها ومَآكِمَها بالفَقاقِيع،
وإِنما شَبَّهَ مَآكِمَها بالحَبابِ، الذي عليه،(1)
(1 عليه أي على الماء.)
كأَنـَّه دَرَجٌ في حَدَبةٍ؛ والصَّلا: العَجِيزةُ، وقيل: حَبابُ الماءِ
مَوْجُه، الذي يَتْبَعُ بعضُه بعضاً. قال ابن الأَعرابي، وأَنشد شمر:
سُمُوّ حَبابِ الماءِ حالاً على حالِ
قال، وقال الأَصمعي: حَبابُ الماءِ الطَّرائقُ التي في الماءِ، كأَنـَّها الوَشْيُ؛ وقال جرير:
كنَسْجِ الرِّيح تَطَّرِدُ الحَبابا
وحَبَبُ الأَسْنان: تَنَضُّدها. وأَنشد:
وإِذا تَضْحَكُ تُبْدِي حَبَباً، * كأَقاحي الرَّمْلِ عَذْباً، ذا أُشُرْ
أَبو عمرو: الحَبابُ: الطَّلُّ على الشجَر يُصْبِحُ عليه. وفي حديث
صِفةِ أَهل الجَنّةِ: يَصِيرُ طَعامُهم إِلى رَشْحٍ، مثْلِ حَباب المِسْكِ.
قال ابن الأَثير: الحَبابُ، بالفتح: الطَّلُّ الذي يُصْبِحُ على النَّباتِ،
شَبّه به رَشْحَهم مَجازاً، وأَضافَه إلى المِسْكِ ليُثْبِتَ له طِيبَ
الرَّائحةِ. قال: ويجوز أَن يكون شبَّهه بحَباب الماءِ، وهي نُفَّاخاتهُ
التي تَطْفُو عليه؛ ويقال لِمُعْظَم الماءِ حَبابٌ أَيضاً، ومنه حديث عليّ، رضي اللّه عنه، قال لأَبي بكر، رضي اللّه عنه: طِرْتَ بعُبابِها، وفُزْتَ بحَبابِها، أَي مُعْظَمِها.
وحَبابُ الرَّمْلِ وحِبَبهُ: طَرائقُه، وكذلك هما في النَّبِيذ.
والحُبُّ: الجَرَّةُ الضَّخْمةُ. والحُبُّ: الخابِيةُ؛ وقال ابن دريد: هو
الذي يُجْعَلُ فيه الماءُ، فلم يُنَوِّعْه؛ قال: وهو فارِسيّ مُعَرّب.
قال، وقال أَبو حاتم: أَصلُه حُنْبٌ، فَعُرِّبَ، والجَمْعُ أَحْبابٌ
وحِبَبةٌ(2)
(2 قوله «وحببة» ضبط في المحكم بالكسر وقال في المصباح وزان عنبة.)
وحِبابٌ. والحُبَّةُ، بالضم: الحُبُّ؛ يقال: نَعَمْ وحُبَّةً وكَرامةً؛ وقيل في تفسير الحُبِّ والكَرامةِ: إِنَّ الحُبَّ الخَشَباتُ الأَرْبَعُ التي
تُوضَعُ عليها الجَرَّةُ ذاتُ العُرْوَتَيْنِ، وإِنّ الكَرامةَ الغِطاءُ الذي
يَوضَعُ فوقَ تِلك الجَرّة، مِن خَشَبٍ كان أَو من خَزَفٍ.
والحُبابُ: الحَيَّةُ؛ وقيل: هي حَيَّةٌ ليست من العَوارِمِ. قال أَبو
عبيد: وإِنما قيل الحُبابُ اسم شَيْطانٍ، لأَنَّ الحَيَّةَ يُقال لها
شَيْطانٌ. قال:
تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ، كأَنـَّه * تَعَمُّجُ شَيْطانٍ بذِيِ خِرْوَعٍ، قَفْرِ
وبه سُمِّي الرَّجل. وفي حديثٍ: الحُبابُ شيطانٌ؛ قال ابن الأَثير: هو بالضم اسم له، ويَقَع على الحَيَّة أَيضاً، كما يقال لها شَيْطان، فهما مشتركان فيهما. وقيل: الحُبابُ حيَّة بعينها، ولذلك غُيِّرَ اسم
حُبابٍ، كراهية للشيطان.
والحِبُّ: القُرْطُ مِنْ حَبَّةٍ واحدة؛ قال ابن دُرَيْد: أَخبرنا أَبو
حاتم عن الأَصمعي أَنه سأَل جَنْدَلَ بن عُبَيْدٍ الرَّاعِي عن معنى قول أَبيه الرَّاعِي(1)
(1 قوله «الراعي» أي يصف صائداً في بيت من حجارة منضودة تبيت الحيات قريبة منه قرب قرطه لو كان له قرط تبيت الحية إلخ وقبله:
وفي بيت الصفيح أبو عيال * قليل الوفر يغتبق السمارا
يقلب بالانامـــل مرهفات * كساهنّ المناكب والظهارا
أفاده في التكملة.) :
تَبِيتُ الحَيّةُ النَّضْناضُ مِنْهُ * مَكانَ الحِبِّ، يَسْتَمِعُ السِّرارا
ما الحِبُّ؟ فقال: القُرْطُ؛ فقال: خُذُوا عن الشيخ، فإِنه عالِمٌ. قال
الأَزهريّ: وفسر غيره الحِبَّ في هذا البيت، الحَبِيبَ؛ قال: وأُراه
قَوْلَ ابن الأَعرابي.
والحُبابُ، كالحِبِّ. والتَّحَبُّبُ: أَوَّلُ الرِّيِّ.
وتَحَبَّبَ الحِمارُ وغَيْرُه: امْتَلأَ من الماءِ. قال ابن سيده: وأُرَى حَبَّبَ مَقُولةً في هذا الـمَعنى، ولا أَحُقُّها. وشَرِبَتِ الإِبلُ حتى حَبَّبَتْ: أَي تَمَلأَتْ رِيّاً. أَبو عمرو: حَبَّبْتُه فتَحَبَّبَ، إِذا مَلأْتَه للسِّقاءِ وغَيْرِه.
وحَبِيبٌ: قبيلةٌ. قال أَبو خِراش:
عَدَوْنا عَدْوةً لا شَكَّ فِيها، * وخِلْناهُمْ ذُؤَيْبةَ، أَو حَبِيبا
وذُؤَيْبة أَيضاً: قَبِيلة. وحُبَيْبٌ القُشَيْرِيُّ من شُعَرائهم.
وذَرَّى حَبّاً: اسم رجل. قال:
إِنَّ لها مُرَكَّناً إِرْزَبَّا، * كأَنه جَبْهةُ ذَرَّى حَبَّا
وحَبَّانُ، بافتح: اسم رَجل، مَوْضُوعٌ مِن الحُبِّ.
وحُبَّى، على وزن فُعْلى: اسم امرأَة. قال هُدْبةُ بن خَشْرمٍ:
فَما وَجَدَتْ وَجْدِي بها أُمُّ واحِدٍ، * ولا وَجْدَ حُبَّى بِابْنِ أُمّ كِلابِ
حمم: قوله تعالى: حم؛ الأزهري: قال بعضهم معناه قضى ما هو كائن، وقال
آخرون: هي من الحروف المعجمة، قال: وعليه العَمَلُ. وآلُ حامِيمَ:
السُّوَرُ المفتتحة بحاميم. وجاء في التفسير عن ابن عباس ثلاثة أقوال: قال حاميم
اسم الله الأعظم، وقال حاميم قَسَم، وقال حاميم حروف الرَّحْمَنِ؛ قال
الزجاج: والمعنى أن الر وحاميم ونون بمنزلة الرحمن، قال ابن مسعود: آل
حاميم دِيباجُ القرآنِ، قال الفراء: هو كقولك آلُ فُلانٍ كأَنه نَسَبَ
السورةَ كلها إلى حم؛ قال الكميت:
وَجَدْنا لكم في آلِ حامِيمَ آيةً،
نأَوَّلَها مِنَّا تَقِيٌّ ومُعْرِبُ
قال الجوهري: وأَما قول العامة الحَوامِيم فليس من كلام العرب. قال أَبو
عبيدة: الحَواميم سُوَرٌ في القرآن على غير قياس؛ وأَنشد:
وبالطَّواسِين التي قد ثُلِّثَثْ،
وبالحَوامِيم التي قد سُبِّعَتْ
قال: والأَولى أن تجمع بذَواتِ حاميم؛ وأَنشد أَبو عبيدة في حاميم
لشُرَيْحِ بن أَوْفَى العَبْسِيّ:
يُذَكِّرُني حاميمَ، والرُّمْحُ شاجِرٌ،
فهلاَّ تَلا حامِيمَ قبلَ التَّقَدُّمِ
قال: وأنشده غيره للأَشْتَرِ النَّخْعِيّ، والضمير في يذكرني هو لمحمد
بن طَلْحَة، وقتله الأَشْتَرُ أَو شُرَيْحٌ. وفي حديث الجهاد: إذا
بُيِّتُّمْ فقولوا حاميم لا يُنْصَرون؛ قال ابن الأثير: قيل معناه اللهم لا
يُنْصَرُون، قال: ويُرِيدُ به الخَبرَ لا الدُّعاء لأَنه لو كان دعاء لقال لا
يُنصروا مجزوماً فكأنه قال والله لا يُنصرون، وقيل: إن السُّوَر التي
أَوَّلها حاميم لها شأْن، فَنبَّه أن ذكرها لشرف منزلتها مما يُسْتَظهَرُ
به على استنزال النصر من الله، وقوله لا يُنصرون كلام مستأْنف كأنه حين
قال قولوا حاميم، قيل: ماذا يكون إذا قلناها؟ فقال: لا يُنصرون. قال أبو
حاتم: قالت العامة في جمع حم وطس حَواميم وطَواسين، قال: والصواب ذَواتُ طس
وذَواتُ حم وذواتُ أَلم.
وحُمَّ هذا الأمرُ حَمّاً إذا قُضِيَ. وحُمَّ له ذلك: قُدِّرَ؛ قأَما ما
أَنشده ثعلب من قول جَميل:
فَلَيْتَ رجالاً فيكِ قد نذَرُوا دَمِي
وحُمُّوا لِقائي، يا بُثَيْنَ، لَقوني
فإنه لم يُفَسِّرْ حُمُّوا لِقائي. قال ابن سيده: والتقدير عندي للِقائي
فحذف أَي حُمَّ لهم لِقائي؛ قال: وروايتُنا وهَمُّوا بقتلي. وحَمَّ
اللهُ له كذا وأَحَمَّهُ: قضاه؛ قال عمرو ذو الكلب الهُذَليُّ:
أَحَمَّ اللهُ ذلك من لِقاءٍ
أُحادَ أُحادَ في الشهر الحَلال
وحُمَّ الشيءُ وأُحِمَّ أَي قُدِّرَ، فهو مَحْموم؛ أَنشد ابن بري
لخَبَّابِ بن غُزَيٍّ:
وأَرْمي بنفسي في فُروجٍ كثيرةٍ،
وليْسَ لأَمرٍ حَمَّهُ الله صارِفُ
وقال البَعيثُ:
أَلا يا لَقَوْمِ كلُّ ما حُمَّ واقِعُ،
وللطَّيْرِ مَجْرى والجُنُوب مَصارِعُ
والحِمامُ، بالكسر: قضاء الموت وقَدَرُه، من قولهم حُمَّ كذا أي
قُدِّرَ. والحِمَمُ. المَنايا، واحدتها حِمَّةٌ. وفي الحديث ذكر الحِمام كثيراً،
وهو الموت؛ وفي شعر ابن رَواحةَ في غزوة مُؤْتَةَ:
هذا حِمامُ الموتِ قد صَلِيَتْ
أي قضاؤه، وحُمَّهُ المنية والفِراق منه: ما قُدِّرَ وقُضِيَ. يقال:
عَجِلَتْ بنا وبكم حُمَّةُ الفِراق وحُمَّةُ الموت أي قَدَرُ الفِراق،
والجمع حُمَمٌ وحِمامٌ، وهذا حَمٌّ لذلك أي قَدَرٌ؛ قال الأَعشى:
تَؤُمُّ سَلاَمَةَ ذا فائِشٍ،
هو اليومَ حَمٌّ لميعادها
أي قَدَرٌ، ويروى: هو اليوم حُمَّ لميعادها أَي قُدِّر له. ونزل به
حِمامُه أي قَدَرُهُ وموتُه. وَحَّمَ حَمَّهُ: قَصَدَ قَصْدَه؛ قال الشاعر
يصف بعيره:
فلما رآني قد حَمَمْتُ ارْتِحالَهُ،
تَلَمَّكَ لو يُجْدي عليه التَّلَمُّكُ
وقال الفراء: يعني عَجَّلْتُ ارتحاله، قال: ويقال حَمَمْتُ ارتحال
البعير أي عجلته. وحامَّهُ: قارَبه. وأَحَمَّ الشيءُ: دنا وحضر؛ قال
زهير:وكنتُ إذا ما جِئْتُ يوماً لحاجةٍ
مَضَتْ، وأَحَمَّتْ حاجةُ الغَد ما تَخْلو
معناه حانَتْ ولزمت، ويروى بالجيم: وأَجَمَّتْ. وقال الأَصمعي:
أَجَمَّتِ الحاجةُ، بالجيم، تُجِمُّ إجْماماً إذا دنَتْ وحانت، وأَنشد بيت زهير:
وأَجَمَّتْ، بالجيم، ولم يعرف أَحَمَّتْ،بالحاء؛ وقال الفراء: أَحَمَّتْ
في بيت زهير يروى بالحاء والجيم جميعاً؛ قال ابن بري: لم يرد بالغَدِ
الذي بعد يومه خاصةً وإنما هو كناية عما يستأْنف من الزمان، والمعنى أَنه
كلَّما نال حاجةً تطلَّعتْ نفسه إلى حاجة أُخرى فما يَخْلو الإنسان من
حاجة. وقال ابن السكيت: أَحَمَّت الحاجةُ وأَجَمَّت إذا دنت؛ وأَنشد:
حَيِّيا ذلك الغَزالَ الأَحَمَّا،
إن يكن ذلك الفِراقُ أَجَمَّا
الكسائي: أَحَمَّ الأمرُ وأَجَمَّ إذا حان وقته؛ وأَنشد ابن السكيت
للبَيد:
لِتَذودَهُنَّ. وأَيْقَنَتْ، إن لم تَذُدْ،
أن قد أَحَمَّ مَعَ الحُتوفِ حِمامُها
وقال: وكلهم يرويه بالحاء. وقال الفراء: أَحَمَّ قُدومُهم دنا، قال:
ويقال أَجَمَّ، وقال الكلابية: أَحَمَّ رَحِيلُنا فنحن سائرون غداً،
وأَجَمَّ رَحيلُنا فنحن سائرون اليوم إذا عَزَمْنا أن نسير من يومنا؛ قال
الأَصمعي: ما كان معناه قد حانَ وُقوعُه فهو أَجَمُّ بالجيم، وإذا قلت أَحَمّ
فهو قُدِّرَ. وفي حديث أبي بكر: أن أَبا الأَعور السُّلَمِيَّ قال له: إنا
جئناك في غير مُحِمَّة؛ يقال: أَحَمَّت الحاجة إذا أَهَمَّتْ ولزمت؛ قال
ابن الأثير: وقال الزمخشري المُحِمَّةُ الحاضرة، من أَحَمَّ الشيءُ إذا
قرب دنا.
والحَمِيمُ: القريب، والجمع أَحِمَّاءُ، وقد يكون الحَمِيم للواحد
والجمع والمؤنث بلفظ واحد. والمْحِمُّ: كالحَمِيم؛ قال:
لا بأْس أني قد عَلِقْتُ بعُقْبةٍ،
مُحِمٌّ لكم آلَ الهُذَيْلِ مُصِيبُ
العُقْبَةُ هنا: البَدَلُ. وحَمَّني الأَمرُ وأَحَمَّني: أَهَمَّني.
واحْتَمَّ له: اهْتَمَّ. الأَزهري: أَحَمَّني هذا الأَمر واحْتَمَمْتُ له
كأنه اهتمام بحميم قريب؛ وأَنشد الليث:
تَعَزَّ على الصَّبابةِ لا تُلامُ،
كأَنَّكَ لا يُلِمُّ بك احْتِمامُ
واحْتَمَّ الرجلُ: لم يَنَمْ من الهم؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
عليها فتىً لم يَجعل النومَ هَمَّهُ
ولا يُدْرِكُ الحاجاتِ إلا حَمِيمُها
يعني الكَلِفَ بها المُهْتَمَّ. وأَحَمَّ الرجلُ، فهو يُحِمُّ إحْماماً،
وأمر مُحِمٌّ، وذلك إذا أخذك منه زَمَعٌ واهتمام. واحْتَمَّتْ عيني:
أَرِقتْ من غير وَجَعٍ. وما له حُمٌّ ولا سُمٌّ غيرك أي ما له هَمٌّ غيرُك،
وفتحهما لغة، وكذلك ما له حُمٌّ ولا رُمّ، وحَمٌّ ولا رَمٌّ، وما لك عن
ذلك حُمٌّ ولا رُمٌّ، وحَمٌّ ولا رَمٌّ أَي بُدٌّ، وما له حَمٌّ ولا رَمٌّ
أي قليل ولا كثير؛ قال طرفة:
جَعَلَتْهُ حَمَّ كَلْكَلَها
من ربيعٍ ديمةٌ تَثِمُهْ
وحامَمْتُه مُحامَّةً: طالبته. أَبو زيد: يقال أَنا مُحامٌّ على هذا
الأمر أي ثابت عليه. واحْتَمَمْتُ: مثل اهتممت. وهو من حُمَّةِ نفسي أي من
حُبَّتها، وقيل: الميم بدل من الباء؛ قال الأزهري: فلان حُمَّةُ نفسي
وحُبَّة نفسي.
والحامَّةُ: العامَّةُ، وهي أيضاً خاصَّةُ الرجل من أهله وولده. يقال:
كيف الحامَّةُ والعامة؟ قال الليث: والحَميمُ القريب الذي تَوَدُّه
ويَوَدُّكَ، والحامَّةُ خاصةُ الرجل من أهله وولده وذي قرابته؛ يقال: هؤلاء
حامَّتُه أي أَقرِباؤه. وفي الحديث: اللهمَّ هؤلاء أهلُ بيتي وحامَّتي
أَذْهِبْ عنهم الرِّجْسَ وطَهِّرْهم تطهيراً؛ حامَّة الإنسان: خاصتُه ومن يقرب
منه؛ ومنه الحديث: انصرف كلُّ رجلٍ من وَفْد ثَقيف إلى حامَّته.
والحَمِيمُ القَرابةُ، يقال: مُحِمٌّ مُقْرِبٌ. وقال الفراء في قوله
تعالى: ولا يسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً؛ لا يسأَل ذو قرابة عن قرابته، ولكنهم
يعرفونهم ساعةً ثم لا تَعارُفَ بعد تلك الساعة. الجوهري: حَميمكَ قريبك
الذي تهتم لأمره.
وحُمَّةُ الحَرِّ: معظمُه؛ وأَنشد ابن بري للضِّباب بن سُبَيْع:
لعَمْري لقد بَرَّ الضِّبابَ بَنُوه،
وبَعْضُ البنين حُمَّةٌ وسُعالُ
وحَمُّ الشيء: معظمه. وفي حديث عمر: إذا التقى الزَّحْفانِ وعند حُمَّةِ
النَّهْضات أي شدتها ومعظمها. وحُمَّةُ كل شيء: معظمه؛ قال ابن الأَثير:
وأَصلها من الحَمِّ الحرارة ومن حُمَّة ِ السِّنان.، وهي حِدَّتُه.
وأَتيته حَمَّ الظَّهيرةِ أي في شدة حرها؛ قال أَبو كَبير:
ولقد ربَأْتُ، إذا الصِّحابُ تواكلوا،
حَمَّ الظَّهيرةِ في اليَفاع الأَطْولِ
الأزهري: ماء مَحْموم ومَجْموم ومَمْكُول ومَسْمول ومنقوص ومَثْمود
بمعنى واحد. والحَمِيمُ والحَمِيمةُ جميعاً: الماء الحارّ. وشربتُ البارحة
حَميمةً أي ماء سخناً.
والمِحَمُّ، بالكسر: القُمْقُمُ الصغير يسخن فيه الماء. ويقال: اشربْ
على ما تَجِدُ من الوجع حُسىً من ماء حَمِيمٍ؛ يريد جمع حُسْوَةٍ من ماء
حارّ. والحَمِيمَةُ: الماء يسخن. يقال: أَحَمُّوا لنا الماء أي أَسخنوا.
وحَمَمْتُ الماء أي سخنته أَحُمُّ، بالضم. والحَمِيمةُ أَيضاً: المَحْضُ
إذا سُخِّنَ. وقد أَحَمَّهُ وحَمَّمَه: غسله بالحَمِيم. وكل ما سُخِّنَ فقد
حُمِّمَ؛ وقول العُكْلِيِّ أنشده ابن الأَعرابي:
وبِتْنَ على الأَعْضادِ مُرْتَفِقاتِها،
وحارَدْنَ إلا ما شَرِبْنَ الحَمائِما
فسره فقال: ذهبتْ أَلْبانُ المُرْضِعاتِ إذ ليس لهن ما يأَكلْنَ ولا ما
يشربْنَ إلا أَن يُسَخِّنَّ الماء فيشربنه، وإنما يُسَخِّنَّهُ لئلا
يشربْنه على غير مأْكول فيَعْقِرَ أَجوافهن، فليس لهن غِذاءٌ إلا الماء
الحارُّ، قال: والحَمائِمُ جمع الحَمِيم الذي هو الماء الحارُّ؛ قال ابن سيده:
وهذا خطأٌ لأن فَعِيلاً لا يجمع على فَعائل، وإنما هو جمع الحَمِيمَةِ
الذي هو الماء الحارُّ، لغة في الحَميم، مثل صَحيفةٍ وصَحائف. وفي الحديث
أَنه كان يغتسل بالحَميم، وهو الماء الحارُّ.
الجوهري: الحَمّامُ مُشدّد واحد الحَمّامات المبنية؛ وأنشد ابن بري
لعبيد بن القُرْطِ الأَسديّ وكان له صاحبان دخلا الحَمّامَ وتَنَوَّرا
بنُورةٍ فأَحْرقتهما، وكان نهاهما عن دخوله فلم يفعلا:
نَهَيْتُهما عن نُورةٍ أَحْرقَتْهما،
وحَمَّامِ سوءٍ ماؤُه يَتَسَعَّرُ
وأنشد أبو العباس لرجل من مُزَيْنَةَ:
خليليَّ بالبَوْباة عُوجا، فلا أرى
بها مَنْزِلاً إلا جَديبَ المُقَيَّدِ
نَذُقْ بَرْدَ نَجْدٍ، بعدما لعِبَت بنا
تِهامَةُ في حَمَّامِها المُتَوَقِّدِ
قال ابن بري: وقد جاءَ الحَمَّامُ مؤنثاً في بيت زعم الجوهري أنه يصف
حَمّاماً وهو قوله:
فإذا دخلْتَ سمعتَ فيها رَجَّةً،
لَغَط المَعاوِلِ في بيوت هَدادِ
قال ابن سيده: والحَمَّامُ الدِّيماسُ مشتق من الحَميم، مذكر تُذَكِّرُه
العرب، وهو أَحد ما جاء من الأسماء على فَعّالٍ نحو القَذَّافِ
والجَبَّانِ، والجمع حَمَّاماتٌ؛ قال سيبويه: جمعوه بالألف والتاء وإن كان مذكراً
حين لم يكسَّر، جعلوا ذلك عوضاً من التكسير؛ قال أبو العباس: سألت ابن
الأَعرابي عن الحَمِيم في قول الشاعر:
وساغَ لي الشَّرابُ، وكنتُ قِدْماً
أكادُ أَغَصُّ بالماء الحَميمِ
فقال: الحَميم الماء البارد؛ قال الأزهري: فالحَميم عند ابن الأعرابي من
الأضداد، يكون الماءَ البارد ويكون الماءَ الحارَّ؛ وأَنشد شمر بيت
المُرَقِّش:
كلُّ عِشاءٍ لها مِقْطَرَةٌ
ذاتُ كِباءٍ مُعَدٍّ، وحَميم
وحكى شمر عن ابن الأعرابي: الحَمِيم إن شئت كان ماء حارّاً، وإن شئت كان
جمراً تتبخر به.
والحَمَّةُ: عين ماء فيها ماء حارّ يُسْتَشْفى بالغسل منه؛ قال ابن
دريد: هي عُيَيْنَةٌ حارَّةٌ تَنْبَعُ من الأرض يَستشفي بها الأَعِلاَّءُ
والمَرْضَى. وفي الحديث مَثَلُ العالم مثَلُ الحَمَّةِ يأْتيها البُعَداءُ
ويتركها القُرَباءُ، فبينا هي كذلك إذ غار ماؤُها وقد انتفع بها قوم وبقي
أقوام يَتَفَكَّنون أي يتندَّمون. وفي حديث الدجال: أَخبروني عن حَمَّةِ
زُغَرَ أي عينها، وزُغَرُ: موضع بالشام. واسْتَحَمَّ إذا اغتسل بالماء
الحَميم، وأَحَمَّ نفسَه إذا غسلها بالماء الحار. والاستِحْمامُ: الاغتسال
بالماء الحارّ، هذا هو الأصل ثم صار كلُّ اغتسال اسْتِحْماماً بأي ماء
كان. وفي الحديث: لا يبولَنَّ أَحدُكم في مُسْتَحَمِّه؛ هو الموضع الذي
يغتسل فيه بالحَميم، نهى عن ذلك إذا لم يكن له مَسْلَكٌ يذهب منه البول أو
كان المكان صُلْباً، فيوهم المغتسل أنه أَصابه منه شيء فيحصل منه
الوَسْواسُ؛ ومنه حديث ابن مُغَغَّلٍ: أنه كان يكره البولَ في المُسْتَحَمِّ.
وفي الحديث: أن بعضَ نسائه اسْتَحَمَّتْ من جَنابةٍ فجاء النبي، صلى الله
عليه وسلم، يَسْتَحِمُّ من فضلها أي يغتسل؛ وقول الحَذْلَمِيّ يصف
الإبل:فذاكَ بعد ذاكَ من نِدامِها،
وبعدما اسْتَحَمَّ في حَمَّامها
فسره ثعلب فقال: عَرِقَ من إتعابها إياه فذلك اسْتحمامه.
وحَمَّ التَّنُّورَ: سَجَرَه وأَوقده.
والحَمِيمُ: المطر الذي يأْتي في الصيف حين تَسْخُن الأرض؛ قال
الهُذَليُّ:
هنالك، لو دَعَوْتَ أتاكَ منهم
رِجالٌ مثل أَرْمية الحَمِيمِ
وقال ابن سيده: الحَمِيم المطر الذي يأْتي بعد أَن يشتد الحر لأنه حارّ.
والحَمِيمُ: القَيْظ. والحميم: العَرَقُ. واسْتَحَمَّ الرجل: عَرِقَ،
وكذلك الدابة؛ قال الأَعشى:
يَصِيدُ النَّحُوصَ ومِسْحَلَها
وجَحْشَيْهما، قبل أن يَسْتَحِم
قال الشاعر يصف فرساً:
فكأَنَّه لما اسْتَحَمَّ بمائِهِ،
حَوْلِيُّ غِرْبانٍ أَراح وأَمطرا
وأنشد ابن بري لأَبي ذؤيب:
تأْبَى بدِرَّتها، إذا ما اسْتُكْرِهَتْ،
إلا الحَمِيم فإنه يَتَبَضَّعُ
فأَما قولهم لداخل الحمَّام إذا خرج: طاب حَمِيمُك، فقد يُعْنى به
الاستحْمامُ، وهو مذهب أبي عبيد، وقد يُعْنَى به العَرَقُ أي طاب عرقك، وإذا
دُعِيَ له بطيب عَرَقِه فقد دُعِي له بالصحة لأن الصحيح يطيب عرقُه.
الأزهري: يقال طاب حَمِيمُك وحِمَّتُكَ للذي يخرج من الحَمَّام أي طاب
عَرَقُك.والحُمَّى والحُمَّةُ: علة يسْتَحِرُّ بها الجسمُ، من الحَمِيم، وأما
حُمَّى الإبلِ فبالألف خاصة؛ وحُمَّ الرجلُ: أصابه ذلك، وأَحَمَّهُ الله
وهو مَحْمُومٌ، وهو من الشواذ، وقال ابن دريد: هو مَحْمُوم به؛ قال ابن
سيده: ولست منها على ثِقَةٍ، وهي أحد الحروف التي جاء فيها مَفْعُول من
أَفْعَلَ لقولهم فُعِلَ، وكأَنَّ حُمَّ وُضِعَتْ فيه الحُمَّى كما أن فُتِنَ
جُعِلَتْ فيه الفِتْنةُ، وقال اللحياني: حُمِمْتُ حَمّاً، والاسم
الحُمَّى؛ قال ابن سيده: وعندي أن الحُمَّى مصدر كالبُشْرَى
والرُّجْعَى.والمَحَمَّةُ: أرض ذات حُمَّى. وأرض مَحَمَّةٌ: كثيرة الحُمَّى، وقيل:
ذات حُمَّى. وفي حديث طَلْقٍ: كنا بأَرض وَبِئَةٍ مَحَمَّةٍ أي ذات
حُمَّى، كالمأْسَدَةِ والمَذْأَبَةِ لموضع الأُسود والذِّئاب. قال ابن سيده:
وحكى الفارسي مُحِمَّةً، واللغويون لا يعرفون ذلك، غير أَنهم قالوا: كان من
القياس أَن يقال، وقد قالوا: أَكْلُ الرطب مَحَمَّةٌ أي يُحَمُّ عليه
الآكلُ، وقيل: كل طعام حُمَّ عليه مَحَمَّةٌ، يقال: طعامٌ مَحَمَّةٌ إذا
كان يُحَمُّ عليه الذي يأْكله، والقياس أَحَمَّتِ الأرضُ إذا صارت ذات
حُمِّى كثيرة.
والحُمامُ، بالضم: حُمَّى الإبل والدواب، جاء على عامة ما يجيء عليه
الأَدواءُ. يقال: حُمَّ البعيرُ حُماماً، وحُمَّ الرجل حُمَّى شديدة.
الأزهري عن ابن شميل: الإبل إذا أكلت النَّدى أَخذها الحُمامُ والقُماحُ، فأَما
الحُمامُ فيأْخذها في جلدها حَرٌّ حتى يُطْلَى جسدُها بالطين، فتدع
الرَّتْعَةَ ويَذهَبُ طِرْقها، يكون بها الشهرَ ثم يذهب، وأما القُماحُ فقد
تقدم في بابه. ويقال: أخذ الناسَ حُمامُ قُرٍّ، وهو المُومُ يأْخذ
الناس.والحَمُّ: ما اصطَهَرْتَ إهالته من الأَلْيَةِ والشحم، واحدته حَمَّةٌ؛
قال الراجز:
يُهَمُّ فيه القومُ هَمَّ الحَمِّ
وقيل: الحَمُّ ما يَبقى من الإهالة أي الشحم المذاب؛ قال:
كأَنَّما أصواتُها، في المَعْزاء،
صوتُ نَشِيشِ الحَمِّ عند القَلاَّء
الأصمعي: ما أُذيب من الأَلْيَةِ فهو حَمٌّ إذا لم يبق فيه وَدَكٌ،
واحدتها حَمَّة، قال: وما أُذيب من الشحم فهو الصُّهارة والجَمِيلُ؛ قال
الأزهري: والصحيح ما قال الأصمعي، قال: وسمعت العرب تقول لما أُذيب من سنام
البعير حَمّ، وكانوا يسمُّون السَّنام الشحمَ. الجوهري: الحَمُّ ما بقي من
الألية بعد الذَّوْب. وحَمَمْتُ الأَليةَ: أذبتها. وحَمَّ الشحمةَ
يَحُمُّها حَمّاً: أَذابها؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
وجارُ ابن مَزْرُوعٍ كُعَيْبٍ لَبُونُه
مُجَنَّبَةٌ، تُطْلَى بحَمٍّ ضُروعُها
يقول: تُطْلَى بَحمٍّ لئلا يرضعها الراعي من بخله. ويقال: خُذْ أَخاك
بحَمِّ اسْتِهِ أي خذه بأَول ما يسقط به من الكلام.
والحَمَمُ: مصدر الأَحَمّ، والجمعُ الحُمُّ، وهو الأَسود من كل شيء،
والاسم الحُمَّةُ. يقال: به حُمَّةٌ شديدة؛ وأَنشد:
وقاتمٍ أَحْمَرَ فيه حُمَّةٌ
وقال الأَعشى:
فأما إذا رَكِبوا للصَّباحِ
فأَوجُههم، من صدىَ البَيْضِ، حُمُّ
وقال النابغة:
أَحْوَى أَحَمّ المُقْلَتَيْن مُقَلَّد
ورجل أَحَمُّ بيِّن الحَمَم، وأَحَمَّهُ الله: جعله أَحَمَّ، وكُمَيْتٌ
أَحَمُّ بيِّن الحُمَّة. قال الأصمعي: وفي الكُمْتة لونان: يكون الفرس
كُمَيْتاً مْدَمّىً، ويكون كُمَيْتاً أَحَمَّ، وأَشدُّ الخيل جُلوداً
وحوافرَ الكُمْتُ الحُمُّ؛ قال ابن سيده: والحمَّةُ لون بين الدُّهْمَة
والكُمْتة، يقال: فرس أَحَمُّ بَيِّنُ الحُمَّة، والأَحَمُّ الأَسْود من كل
شيء. وفي حديث قُسّ: الوافد في الليل الأَحَمِّ أي الأَسود، وقيل: الأَحَمّ
الأَبيض؛ عن الهَجَريّ؛ وأَنشد:
أَحَمُّ كمصباح الدُّجى
وقد حَمِمْتُ حَمَماً واحمَوْمَيْتُ وتَحَمَّمْتُ وتَحَمْحَمْتُ؛ قال
أبو كبير الهُذَلي:
أحَلا وشِدْقاه وخُنْسَةُ أَنْفِهِ،
كحناء ظهر البُرمة المُتَحَمِّم
(* قوله «كحناء ظهر» كذا بالأصل، والذي في المحكم: كجآء).
وقال حسان بن ثابت:
وقد أَلَّ من أعضادِه ودَنا له،
من الأرض، دانٍ جَوزُهُ فَتَحَمْحَما
والاسم الحُمَّة؛ قال:
لا تَحْسِبَنْ أن يدي في غُمَّهْ،
في قَعْرِ نِحْيٍ أَسْتَثِيرُ حُمَّهْ،
أَمْسَحُها بتُرْبةٍ أو ثُمََّهْ
عَنَى بالحُمَّة ما رسَب في أَسفل النِّحيِ من مُسْوَدّ ما رسَب من
السَّمن ونحوه، ويروي خُمَّه، وسيأتي ذكرها.
والحَمَّاءُ، على وزن فَعْلاء: الاسْتُ لِسَوادها، صفة غالبة. الجوهري:
الحَمَّاء سافِلَةُ الإنسان، والجمع حُمٌّ.
والحِمْحِمُ والحُماحِمُ جميعاً: الأَسْود. الجوهري: الحِمْحِمُ،
بالكسر، الشديدُ السوادِ. وشاةٌ حِمْحِم، بغير هاء: سوداء؛ قال:
أَشَدُّ من أُمّ عُنُوقٍ حِمْحِمِ
دَهْساءَ سَوْداءَ كلَوْن العِظْلِمِ،
تَحْلُبُ هَيْساً في الإِناء الأَعْظَمِ
الهَيْسُ، بالسين غير المعجمة: الحَلْبُ الرُّوَيْد. والحُمَمُ:
الفَحْمُ، واحدته حُمَمَةٌ. والحُمَمُ: الرَّماد والفَحْم وكلُّ ما احترق من
النار. الأَزهري: الحُمَم الفَحْم البارد، الواحدة حُمَمَةٌ، وبها سمي الرجل
حُمَمة. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: إِن رجلاً أَوصى
بَنيه عند موته فقال: إِذا أَنا مُتُّ فأَحْرِ قُوني بالنار، حتى إِذا
صِرْتُ حُمَماً فاسْحَقوني، ثم ذَرُّوني في الريح لعلي أَضِلُّ اللهَ؛ وقال
طَرَفَةُ:
أَشَجاك الرَّبْعُ أَم قِدَمُهْ،
أَم رَمادٌ دارِسٌ حُمَمُه؟
وحَمَّت الجَمْرةُ تَحَمُّ، بالفتح، إِذا صارت حُمَمةً. ويقال أَيضاً:
حَمَّ الماءُ
أَي صار حارّاً. وحَمَّم الرجل: سَخَّم وجْهَه بالحُمَم، وهو الفحمُ.
وفي حديث الرَّجْم: أَنه أَمَرَ
بيهودي مُحَمَّم مَجْلود أَي مُسْوَدّ الوجه، من الحُمَمَة الفَحْمةِ.
وفي حديث لقمان بن عاد: خُذي مِنِّي أَخي ذا الحُمَمة؛ أَراد سَوادَ
لَونه. وجارية حُمَمَةٌ: سوداء. واليَحْموم من كل شيء، يفعول من الأَحَمِّ؛
أَنشد سيبويه:
وغير سُفْعٍ مُثَّلٍ يَحامِم
باختلاسِ حركةِ الميم الأُولى، حذف الياء للضرورة كما قال:
والبَكَراتِ الفُسَّجَ العَطامِسا
وأَظهر التضعيف للضرورة أَيضاً كما قال:
مهْلاً أَعاذِلَ، قد جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقي
أَني أَجودُ لأَقْوامٍ، وإِنْ ضَنِنوا
واليَحْمومُ: دخان أَسود شديد السواد؛ قال الصَّبَّاح بن عمرو
الهَزَّاني:
دَعْ ذا فكَمْ مِنْ حالكٍ يَحْمومِ،
ساقِطةٍ أَرْواقُه، بَهيمِ
قال ابن سيده: اليَحْمومُ الدخانُ. وقوله تعالى: وظِلٍّ من يَحْمومٍ،
عَنى به الدخان الأَسود، وقيل أَي من نار يُعَذَّبون بها، ودليل هذا القول
قوله عز وجل: لهم من فوقهم ظُلَلٌ من النار ومن تحتهم ظُلَلٌ؛ إِلا أَنه
موصوف في هذا الموضع بشدة السواد، وقيل: اليَحْمومُ سُردِق أَهل النار،
قال الليث: واليَحْمومُ الفَرَس، قال الأَزهري: اليَحْمومُ اسم فرس كان
للنعمان بن المنذر، سمي يَحموماً لشدة سواده؛ وقد ذكره الأَعشى فقال:
ويأْمُرُ للْيَحْمومِ كلَّ عَشِيَّةٍ
بِقَتٍّ وتَعْليقٍ، فقد كاد يَسْنَقُ
وهو يَفْعولٌ من الأَحَمِّ الأَسْودِ؛ وقال لبيد:
والحارِثانِ كلاهما ومُحَرِّقٌ،
والتُّبَّعانِ وفارِسُ اليَحْمومِ
واليَحْمومُ: الأَسْود من كل شيء. قال ابن سيده: وتسميته بالَيحْمومِ
تحتمل وجهين: إِما أَن يكون من الحَميمِ الذي هو العَرَق، وإِما أَن يكون
من السَّواد كما سميت فرس أُخرى حُمَمة؛ قالت بعض نساء العرب تمدح فرس
أَبيها: فرس أَبي حُمَمةُ وما حُمَمةُ. والحُمَّةُ دون الحُوَّةِ، وشفة
حَمَّاء، وكذلك لِثَةٌ حَمَّاءُ. ونبت يَحْمومٌ: أَخضرُ رَيَّانُ أَسودُ.
وحَمَّمَتِ الأَرضُ: بدا نباتُها أَخضرَ إِلى السواد. وحَمَّمَ الفرخُ:
طلَع ريشُه، وقيل: نبت زَغَبُهُ؛ قال ابن بري: شاهده قول عمر بن لَجَإٍ:
فهو يَزُكُّ دائمَ التَّزَعُّمِ،
مِثْلَ زَكيكِ الناهِضِ المُحمِّمِ
وحَمَّم رأْسُه إِذا اسْوَدَّ بعد الحَلْق؛ قال ابن سيده: وحَمَّمَ
الرأْسُ نبت شَعَرُه بعدما حُلِق؛ وفي حديث أَنس: أَنه كان إِذا حَمَّمَ
رأْسُه بمكة خرج واعتمر، أَي اسْوَدَّ بعد الحلْق بنبات شعره، والمعنى
أَنه كان لا يؤخر العمرة إِلى المُحَرَّمِ، وإِنما كان يخرج إِلى الميقات
ويعتمر في ذي الحِجَّة؛ ومنه حديث ابن زِمْلٍ: كأَنما حُمِّمَ شعره
بالماء أَي سُوِّدَ، لأَن الشعر إِذا شَعِثَ اغْبَرَّ، وإِذا غُسِل بالماء ظهر
سواده، ويروى بالجيم أَي جُعل جُمَّةً. وحَمَّمَ الغلامُ: بدت لحيته.
وحَمَّمَ المرأَةَ: متَّعها بشيء بعد الطلاق؛ قال:
أَنتَ الذي وَهَبْتَ زَيداً، بعدما
هَمَمْتُ بالعجوز أَن تُحَمَّما
هذا رجل وُلِدَ له ابنٌ فسماه زيداً بعدما كان هَمّ بتطليق أُمِّه؛
وأَنشد ابن الأَعرابي:
وحَمَّمْتُها قبل الفراق بِطعنةٍ
حِفاظاً، وأَصحابُ الحِفاظِ قليل
وروى شمر عن ابن عُيَيْنَةَ قال: كان مَسْلمَةُ بن عبد الملك عربيّاً،
وكان يقول في خُطبته: إِن أَقلَّ الناس في الدنيا هَمّاً أَقلُّهم حَمّاً
أَي مالاً ومتاعاً، وهو من التَّحْميمِ المُتْعَةِ؛ وقال الأَزهري: قال
سفيان أَراد بقوله أَقلُّهم حَمّاً أَي مُتْعةً، ومنه تَحْمِيم المطلَّقة.
وقوله في حديث عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه: إِنه طلق امرأَته
فمتَّعها بخادمٍ سَوْداءَ حَمَّمَها إِياها أَي مَتَّعها بها بعد الطلاق،
وكانت العرب تسمِّي المُتْعةَ التَّحْميمَ، وعَدَّاه إِلى مفعولين لأَنه في
معنى أَعطاها إِِياها، ويجوز أَن يكون أَراد حَمَّمَها بها فحذف وأَوصَل.
وثِيابُ التَّحِمَّة: ما يُلْبِس المطلِّقُ
المرأَةَ إِذا مَتَّعها؛ ومنه قوله:
فإِنْ تَلْبَسي عَنّي ثيابَ تَحِمَّةٍ،
فلن يُفْلِحَ الواشي بك المُتَنَصِّحُ
الأَزهري: الحَمامة طائر، تقول العرب: حمامَةٌ ذكرٌ
وحمامة أُنثى، والجمع الحَمام. ابن سيده: الحَمام من الطير البَرّيُّ
الذي لا يأْلَف البيوت، قال: وهذه التي تكون في البيوت هي اليَمام. قال
الأَصمعي: اليَمام ضرب من الحمام برِّيّ، قال: وأَما الحمام فكلُّ ما كان
ذا طَوْق مثل القُمْريّ والفاخِتة وأَشباهِها، واحِدته حَمامة، وهي تقع
على المذكر والمؤنث كالحَيّة والنَّعامة ونحوها، والجمع حَمائم، ولا يقال
للذكر حَمام؛ فأَما قوله:
حَمامَيْ قفرةٍ وَقَعا فطارا
فعلى أَنه عَنى قطيعين أَو سِرْبين كما قالوا جِمالان؛ وأَما قول
العَجَّاج:
ورَبِّ هذا البلدِ المُحَرَّمِ،
والقاطِناتِ البيت غيرِ الرُّيَّمِ،
قواطناً مكةَ من وُرْقِ الحَمي
فإِنما أَرد الحَمام، فحذف الميم وقلب الأَلف ياء؛ قال أَبو إِسحق: هذا
الحذفُ شاذ لا يجوز أَن يقال في الحِمار الحِمي، تريد الحِمار، فأَما
الحَمام هنا فإِنما حذف منها الأَلف فبقيت الحَمَم، فاجتمع حرفان من جنس
واحد، فلزمه التضعيف فأَبدل من الميم ياء، كما تقول في تظنَّنْت تظنَّيْت،
وذلك لثقل التضعيف، والميم أَيضاً تزيد في الثقل على حروف كثيرة. وروى
الأَزهري عن الشافعي: كلُّ ما عَبَّ وهَدَر فهو حَمام، يدخل فيها
القَمارِيُّ والدَّباسِيُّ والفَواخِتُ، سواء كانت مُطَوَّقة أَو غير مطوَّقة،
آلِفةً أَو وحشية؛ قال الأَزهري: جعل الشافعي اسم الحَمام واقعاً على ما
عَبَّ وهَدَر لا على ما كان ذا طَوْقٍ، فتدخل فيه الوُرْق الأَهلية
والمُطَوَّقة الوحشية، ومعنى عبّ أَي شرب نَفَساً نَفَساً حتى يَرْوَى، ولم
يَنْقُر الماء نَقْراً كما تفعله سائر الطير. والهَدير: صوت الحمام كله، وجمعُ
الحَمامة حَمامات وحَمائم، وربما قالوا حَمام للواحد؛ وأَنشد قول
الفرزدق:
كأَنَّ نِعالَهن مُخَدَّماتٍ،
على شرَك الطريقِ إِذا استنارا
تُساقِطُ رِيشَ غادِيةٍ وغادٍ
حَمامَيْ قَفْرةٍ وقَعا فطارا
وقال جِرانُ العَوْد:
وذَكَّرَني الصِّبا، بعد التَّنائي،
حَمامةُ أَيْكةٍ تَدْعو حَماما
قال الجوهري: والحَمام عند العرب ذوات الأَطواق من نحو الفَواخِت
والقَمارِيّ وساقِ حُرٍّ والقَطا والوَراشِين وأَشباه ذلك، يقع على الذكر
والأُنثى، لأَن الهاء إِنما دخلته على أَنه واحد من جنس لا للتأْنيث، وعند
العامة أَنها الدَّواجِنُ فقط، الواحدة حَمامة؛ قال حُمَيْد بن ثوْرٍ
الهلالي:
وما هاجَ هذا الشَّوْقَ إِلاَّ حمامةٌ
دَعَتْ ساقَ حُرٍّ، تَرْحةً وتَرَنُّما
والحَمامة ههنا: قُمْرِيَّةٌ؛ وقال الأَصمعي في قول النابغة:
واحْكُمْ كحُكْمِ فتاة الحيّ، إِذ نَظَرتْ
إِلى حَمامٍ شِراعٍ وارِدِ الثَّمَدِ
(* وفي رواية أخرى: سِراعٍ)
هذه زَرْقاء اليمامة نظرت إِلى قَطاً؛ أَلا ترى إلى قولها:
لَيت الحَمامَ لِيَهْ
إِلى حمامَتِيَهْ،
ونِصْفَه قَدِيَهْ،
تَمَّ القَطاةُ مِيَهْ
قال: والدَّواجن التي تُسْتَفْرَخ في البيوات حَمام أَيضاً، وأَما
اليَمام فهو الحَمامُ الوحشيّ، وهو ضَرْب من طير الصحراء، هذا قول الأَصمعي،
وكان الكسائي يقول: الحَمام هو البرّيّ، واليمام هو الذي يأْلف البيوت؛
قال ابن الأَثير: وفي حديث مرفوع: أَنه كان يُعْجبه النظر إِلى الأُتْرُجِّ
والحَمام الأَحْمَر؛ قال أَبو موسى: قال هلال بن العلاء هو التُّفَّاحُ؛
قال: وهذا التفسير لم أَرَهُ لغيره.
وحُمَة العقرب، مخففة الميم: سَمُّها، والهاء عوض؛ قال الجوهري: وسنذكره
في المعتل. ابن الأَعرابي: يقال لِسَمّ العقرب الحُمَّة والحُمَةُ،
وغيره لا يجيز التشديد، يجعل أَصله حُمْوَةً. والحَمامة: وسَطُ الصَّدْر؛
قال:إِذا عَرَّسَتْ أَلْقَتْ حَمامةَ صَدْرِها
بتَيْهاء، لا يَقْضي كَراها رقيبها
والحَمامة: المرأَة؛ قال الشَّمَّاخ:
دارُ الفتاةِ التي كُنَّا نَقُولُ لها:
يا ظَبْيَةٌ عُطُلاً حُسّانَةَ الجيدِ
تُدْني الحمامةَ منها، وهي لاهِيةٌ،
من يانِعِ الكَرْمِ غرْبانَ العَناقيدِ
ومن ذهب بالحَمامةِ هنا إِلى معنى الطائر فهو وجْهٌ؛ وأَنشد الأَزهري
للمُؤَرِّج:
كأَنَّ عينيه حَمامتانِ
أَي مِرآتانِ. وحَمامةُ: موضع معروف؛ قال الشمَّاخ:
ورَوَّحَها بالمَوْرِ مَوْرِ حَمامةٍ
على كلِّ إِجْرِيَّائِها، وهو آبِرُ
والحَمامة: خِيار المال. والحَمامة: سَعْدانة البعير. والحَمامة: ساحة
القصر النَّقِيَّةُ. والحَمامةُ: بَكَرة الدَّلْو. والحَمامة: المرأَة
الجميلة. والحمامة: حَلْقة الباب. والحَمامةُ من الفَرَس: القَصُّ.
والحَمائِم: كرائم الإِبل، واحدتها حَميمة، وقيل: الحَميمة كِرام الإِبل، فعبر
بالجمع عن الواحد؛ قال ابن سيده: وهو قول كراع. يقال: أَخذ المُصَدِّقُ
حَمائِمَ الإِبل أَي كرائمها. وإِبل حامَّةٌ إِذا كانت خياراً. وحَمَّةُ
وحُمَّةُ: موضع؛ أَنشد الأَخفش:
أَأَطْلالَ دارٍ بالسِّباع فَحُمَّةِ
سأَلْت، فلما اسْتَعْجَمَتْ ثم صَمَّتِ
ابن شميل: الحَمَّةُ حجارة سود تراها لازقة بالأَرش، تقودُ في الأَرض
الليلةَ والليلتين والثلاثَ، والأَرضُ تحت الحجارة تكون جَلَداً وسُهولة،
والحجارة تكون مُتدانِية ومتفرقة، تكون مُلْساً مثل الجُمْع ورؤوس الرجال،
وجمعها الحِمامُ، وحجارتها مُتَقَلِّعٌ ولازقٌ بالأَرض، وتنبت نبتاً
كذلك ليس بالقليل ولا بالكثير. وحَمام: موضع؛ قال سالم بن دارَة يهجو
طَريفَ بن عمرو:
إِني، وإِن خُوِّفْتُ بالسِّجن، ذاكِرٌ
لِشَتْمِ بني الطَّمَّاح أَهلِ حَمام
إِذا مات منهم مَيِّتٌ دَهَنوا اسْتَهُ
بِزيت، وحَفُّوا حَوْله بِقِرام
نَسَبهم إِلى التَّهَوُّدِ. والحُمَامُ: اسم رجل. الأَزهري: الحُمام
السيد الشريف، قال: أُراه في الأَصل الهُمامَ فقُلبت الهاء حاء؛ قال
الشاعر:أَنا ابنُ الأَكرَمينَ أَخو المَعالي،
حُمامخ عَشيرتي وقِوامُ قَيْسِ
قال اللحياني: قال العامري قلت لبعضهم أَبَقِيَ عندكم شيءٌ؟ فقال:
هَمْهامِ وحَمْحامِ ومَحْماحِ وبَحْباح أَي لم يبق شيء. وحِمَّانُ: حَيٌّ من
تميم أَحد حَيَّيْ بني سعد بن زيد مَناةَ؛ قال الجوهري: وحَمَّانُ،
بالفتح، اسم رجل
(* قوله «وحمان بالفتح اسم رجل» قال في التكملة:؛ المشهور فيه
كسر الحاء). وحَمُومةُ، بفتح الحاء: ملك من ملوك اليمن؛ حكاه ابن
الأَعرابي، قال: وأَظنه أَسود يذهب إِلى اشتقاقه من الحُمَّة التي هي السواد،
وليس بشيء. وقالوا: جارا حَمومةَ، فَحَمومةُ هو هذا الملك، وجاراه: مالك
بن جعفر ابن كلاب، ومعاوية بن قُشَيْر.
والحَمْحَمة: صوت البِرْذَوْن عند الشَّعِير
(* قوله «عند الشعير» أي عند
طلبه، أفاده شارح القاموس). وقد حَمْحَمَ، وقيل: الحَمْحَمة
والتَّحَمْحُم عَرُّ الفرس حين يُقَصِّر في الصَّهيل ويستعين بنفَسه؛ وقال الليث:
الحَمْحَمة صوت البِرْذَوْنِ دون الصوت العالي، وصَوتُ الفرس دونَ
الصَّهيل، يقال: تَحَمْحَمَ تَحَمْحُماً وحَمْحَمَ
حَمْحَمةً؛ قال الأَزهري: كأَنه حكاية صوته إِذا طلب العَلَفَ أَو رأَى
صاحبه الذي كان أَلِفه فاستأْنس إِليه. وفي الحديث: لا يجيء أَحدُكم يوم
القيامة بفرس له حَمْحَمةٌ. الأَزهري: حَمْحَم الثورُ إِذا
نَبَّ وأَراد السِّفادَ.
والحِمْحِمُ: نَبْتٌ، واحدتُه حِمْحِمةٌ. قال أَبو حنيفة: الحِمْحِم
والخِمْخِم واحد. الأَصمعي: الحِمْحِم الأَسْود، وقد يقال له بالخاء
المعجمة؛ قال عنترة:
وَسْطَ الديارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِم
قال ابن بري: وحُماحِمٌ لون من الصِّبغ أَسود، والنَّسبُ إِليه
حُماحِمِيٌّ. والحَماحِم: رَيْحانة معروفة، الواحدة حَماحِمَةٌ. وقال مرة:
الحَماحِم بأَطراف اليمن كثيرة وليست بَبرّية وتَعْظُم عندهم. وقال مرة:
الحِمْحِم عُشْبةٌ كثيرة الماء لها زغَبٌ أَخشنُ يكون أَقل من الذراع.
والحُمْحُمُ والحِمْحِم جميعاً: طائر. قال اللحياني: وزعم الكسائي أَنه سمع
أَعرابّياً من بني عامر يقول: إِذا قيل لنا أَبَقِيَ عندكم شيء؟ قلنا:
حَمْحامِ.
واليَحْموم: موضع بالشام؛ قال الأَخطل:
أَمْسَتْ إِلى جانب الحَشَّاك جيفَتُهُ،
ورأْسُه دونَهُ اليَحْمُوم والصُّوَرُ
وحَمُومةُ: اسم جبل بالبادية. واليَحاميمُ: الجبال السود.
بذم: البُذْمُ: الرأْيُ الجَيِّدُ. والبُذْمُ: احتمالُك لِما حُمِّلْت.
والبُذْمُ: النَّفْس. والبُذْمُ: القوَّة والطاقةُ؛ قال الشاعر:
أَنُوءُ بِرِجْلٍ بها بُذْمُها،
وأَعْيَتْ بها أُخْتُها الآخِرَه
أو الغابِرَه.
ورجلٌ ذو بُذْمٍ أي كَثافَةٍ وجلَدَ، وكذلك الثَّوْبُ. وثوبٌ ذو بُذْمٍ
أي كثير الغَزْل. ورجل ذو بُذْمٍ أي سَمِينٌ، ويقال: ذو رَأْيٍ وحَزْمٍ،
وقال الأُموي: ذو نَفَس، وقال الكِسائي: ذو احْتِمال لِما حُمِّل. قال
ابن بري: قال الأَصمعي إذا لم يكن للرجل رَأْيٌ قيل: ما له بُذْمٌ.
والبَذْمُ: مَصْدَرُ البَذِيمِ، وهو العاقِلُ الغَضَبَِ مِن الرِّجال أي أَنه
يعلم ما يأْتيه عند الغضَب؛ كذا حكاه أَهل اللغة، وقيل: يَعْلم ما يَغْضَب
له؛ قال الشاعر:
كَرِيمُ عُروقِ النَّبْعَتَينِ مُطَهَّرٌ،
ويَغْضَبُ ممَّا منه ذو البَذْمِ يَغْضَبُ
الليث: رجلٌ بُذْمٌ وبَذِيمٌ إذا غَضِب ممَّا يجب أَن يُغْضَب منه. وقال
الفراء: البَذِيمةُ الذي لا يَغْضَب في غير موضع الغضَب؛ قال ابن بري:
وقول المرّار:
يا أُمَّ عِمْران وأُخْتَ عَتْمِ،
قد طالَ ما عِشْتُ بغير بُذْمِ
(* قوله «يا أم عمران إلخ» هكذا في الأصل مضبوطاً، وفي شرح القاموس:
واخت عثم، بالثاء).
أَي بغير مُروءةٍ، وقد بَذُمَ بَذامةً. ابن الأَعرابي: والبَذيمُ من
الأَفْواه المُتَغَيِّر الرائحة؛ وأَنشد:
شَمِمْتها بشارِبٍ بَذِيمِ
قد خَمَّ، أو قد هَمَّ بالخُمُومِ
وقال غيره: أَبْذَمَتِ الناقةُ وأَبْلَمَتْ إذا وَرِمَ حيَاؤُها من
شدّةِ الضَّبَعَة، وإنما يكون ذلك في بَكَرات الإبل؛ قال الراجز:
إذا سَمَا فوق جَمُوحٍ مِكْتامْ
من غَمْطِه الأَثْناءَ ذات الإبْذامْ
يَصِف فَحْل إبِل أَراد أَنه يَحْتَقِر الأَثْناءَ ذواتِ البَلمَة،
فيَعْلُو الناقةَ التي لا تَشُول بذَنَبها، وهي لاقِح، كأَنها تكتُم
لَقاحَها.