لابن قطاع: علي بن جعفر السعدي، الصقلي.
المتوفى: سنة 515، خمس عشرة وخمسمائة.
ثقف: ثَقِفَ الشيءَ ثَقْفاً وثِقافاً وثُقُوفةً: حَذَقَه. ورجل ثَقْفٌ
(* قوله «رجل ثقف» كضخم كما في الصحاح، وضبط في القاموس بالكسر كحبر.)
وثَقِفٌ وثَقُفٌ: حاذِقٌ فَهِم، وأَتبعوه فقالوا ثَقْفٌ لَقْفٌ. وقال أَبو
زيادٍ: رجل ثَقْفٌ لَقفٌ رامٍ راوٍ. اللحياني: رجل ثَقْفٌ لَقْفٌ وثَقِفٌ
لَقِفٌ وثَقِيفٌ لَقِيف بَيِّنُ الثَّقافةِ واللَّقافة. ابن السكيت: رجل
ثَقْفٌ لَقْفٌ إذا كان ضابِطاً لما يَحْوِيه قائماً به. ويقال: ثَقِفَ
الشيءَ وهو سُرعةُ التعلم. ابن دريد: ثَقِفْتُ الشيءَ حَذَقْتُه،
وثَقِفْتُه إذا ظَفِرْتَ به. قال اللّه تعالى: فإِمَّا تَثْقَفَنَّهم في الحرب.
وثَقُفَ الرجلُ ثَقافةً أي صار حاذِقاً خفيفاً مثل ضَخُم، فهو ضَخْمٌ، ومنه
الـمُثاقَفةُ. وثَقِفَ أَيضاً ثَقَفاً مثل تَعِبَ تَعَباً أَي صار
حاذِقاً فَطِناً، فهو ثَقِفٌ وثَقُفٌ مثل حَذِرٍ وحَذُرٍ ونَدِسٍ ونَدُسٍ؛ ففي
حديث الهِجْرةِ: وهو غلام لَقِنٌ ثَقِفٌ أَي ذو فِطْنةٍ وذَكاء، والمراد
أَنه ثابت المعرفة بما يُحتاجُ إليه. وفي حديث أُم حَكِيم بنت عبد
المطلب: إني حَصانٌ فما أُكَلَّم، وثَقافٌ فما أُعَلَّم.
وثَقُفَ الخَلُّ ثَقافةً وثَقِفَ، فهو ثَقِيفٌ وثِقِّيفٌ، بالتشديد،
الأَخيرة على النسب: حَذَقَ وحَمُضَ جِدًّا مثل بَصَلٍ حِرِّيفِ، قال: وليس
بحَسَنٍ. وثَقِف الرجلَ: ظَفِرَ به. وثَقِفْتُه ثَقْفاً مِثالُ بلِعْتُه
بَلْعاً أَي صادَفْتُه؛ وقال:
فإمّا تَثْقَفُوني فاقْتُلُوني،
فإن أَثْقَفْ فَسَوْفَ تَرَوْنَ بالي
وثَقِفْنا فلاناً في موضع كذا أَي أَخَذْناه، ومصدره الثِّقْفُ. وفي
التنزيل العزيز: واقْتُلوهم حيثُ ثَقِفْتُموهم.
والثَّقاف والثِّقافةُ: العمل بالسيف؛ قال:
وكأَنَّ لَمْعَ بُرُوقِها،
في الجَوِّ، أَسْيافُ الـمُثاقِفْ
وفي الحديث: إذا مَلَكَ اثْنا عَشَرَ من بني عمرو ابن كعب كان الثَّقَف
(* قوله «كان الثقف» ضبط في الأصل بفتح القاف وفي النهاية بكسرها.)
والثِّقافُ إلى أَن تقوم الساعة، يعني الخِصامَ والجِلادَ. والثِّقافُ: حديدة
تكون مع القَوَّاسِ والرَّمّاحِ يُقَوِّمُ بها الشيءَ الـمُعْوَجَّ. وقال
أَبو حنيفة: الثِّقافُ خشبة قَوية قدر الذِّراع في طرَفها خَرق يتسع
للقَوْسِ وتُدْخَلُ فيه على شُحُوبتها ويُغْمَزُ منها حيث يُبْتَغَى أَن
يُغْمَزَ حتى تصير إلى ما يراد منها، ولا يُفعل ذلك بالقِسِيّ ولا بالرماح
إلا مَد هُونةً مـمْلُولةً أَو مَضْهوبةً على النار مُلوّحة، والعَدَدُ
أَثْقِفةٌ، والجمع ثُقُفٌ، والثِّقافُ: ما تُسَوَّى به الرِّماحُ؛ ومنه قول
عمرو:
إذا عَضَّ الثِّقافُ با اشْمَأَزَّتْ،
تَشُجُّ قَفا الـمُثَقِّفِ والجَبِينا
وتَــثْقِيفُــها: تَسْوِيَتُها. وفي المثل: دَرْدَبَ لـمَّا عَضَّه
الثِّقافُ؛ قال: الثِّقاف خشبة تسوَّى بها الرماح. وفي حديث عائشة تَصِفُ
أَباها، رضي اللّه عنهما: وأَقامَ أَوَدَه بِثِقافِه؛ الثِّقافُ ما تُقَوَّمُ
به الرِّماحُ، تريد أَنه سَوَّى عَوَج المسلمين.
وثَقِيفٌ: حَيٌّ من قَيْس، وقيل أَبو حَيٍّ من هَوازِنَ، واسمه قَسِيٌّ،
قال: وقد يكون ثقيف اسماً للقبيلة، والأَول أَكثر. قال سيبويه: أَما
قولهم هذه ثَقِيف فعلى إرادة الجماعة، وإنما قال ذلك لغلبة التذكير عليه،
وهو مـما لا يقال فيه من بني فلان، وكذلك كل ما لا يقال من بني فلان
التذكير فيه أَغلب كما ذكر في مَعَدّ وقُرَيْشٍ، قال سيبويه: النَّسَبُ إلى
ثَقِيف ثَقَفِيٌّ على غير قياس.
ثطف: أَهملها الليث واستعمل ابن الأَعرابي الثَّطَفَ قال: هو النَّعْمةُ
في الـمَطْعَمِ والـمَشْرَبِ والـمَنامِ. وقال شمر: الثَّطَفُ
النَّعْمةُ.
جرر: الجَرُّ: الجَذْبُ، جَرَّهُ يَجُرُّه جَرّاً، وجَرَرْتُ الحبل
وغيره أَجُرُّه جَرّاً. وانْجَرَّ الشيءُ: انْجَذَب. واجْتَرَّ واجْدَرَّ
قلبوا التاء دالاً، وذلك في بعض اللغات؛ قال:
فقلتُ لِصاحِبي: لا تَحْبِسَنَّا
بِنَزْعِ أُصُولِه واجْدَرَّ شِيحَا
ولا يقاس ذلك. لا يقال في اجْتَرَأَ اجْدَرَأَ ولا في اجْتَرَحَ
اجْدَرَحَ؛ واسْتَجَرَّه وجَرَّرَهُ وجَرَّرَ به؛ قال:
فَقُلْتُ لها: عِيشِي جَعَارِ، وجَرِّرِي
بِلَحْمِ امْرِئٍ لم يَشْهَدِ اليوم ناصِرُهْ
وتَجِرَّة: تَفْعِلَةٌ منه. وجارُّ الضَّبُعِ: المصرُ الذي يَجُرُّ
الضبعَ عن وجارِها من شدته، وربما سمي بذلك السيل العظيم لأَنه يَجُرُّ
الضباعَ من وُجُرِها أَيضاً، وقيل: جارُّ الضبع أَشدّ ما يكون من المطر كأَنه
لا يدع شيئاً إِلاَّ جَرَّهُ. ابن الأَعرابي: يقال للمطر الذي لا يدع
شيئاً إلاَّ أَساله وجَرَّهُ: جاءَنا جارُّ الضبع، ولا يجرّ الضبعَ إِلاَّ
سَيْلٌ غالبٌ. قال شمر: سمعت ابن الأَعرابي يقول: جئتك في مثل مَجَرِّ
الضبع؛ يريد السيل قد خرق الأَرض فكأَنَّ الضبع جُرَّتْ فيه؛ وأَصابتنا
السماء بجارِّ الضبع. أَبو زيد: غَنَّاه فَأَجَرَّه أَغانِيَّ كثيرةً إِذا
أَتبَعَه صوتاً بعد صَوْت؛ وأَنشد:
فلما قَضَى مِنِّي القَضَاءَ أَجَرَّني
أَغانِيَّ لا يَعْيَا بها المُتَرَنِّمُ
والجارُورُ: نهر يشقه السيل فيجرُّه. وجَرَّت المرأَة ولدها جَرّاً
وجَرَّت به: وهو أَن يجوز وِلادُها عن تسعة أَشهر فيجاوزها بأَربعة أَيام أَو
ثلاثة فَيَنْضَج ويتم في الرَّحِمِ. والجَرُّ: أَن تَجُرَّ. الناقّةُ
ولدَها بعد تمام السنة شهراً أَو شهرين أَو أَربعين يوماً فقط. والجَرُورُ:
من الحوامل، وفي المحكم: من الإِبل التي تَجُرُّ ولدَها إِلى أَقصى
الغاية أَو تجاوزها؛ قال الشاعر:
جَرَّتْ تماماً لم تُخَنِّقْ جَهْضا
وجَرَّت الناقة تَجُرُّ جَرّاً إِذا أَتت على مَضْرَبِها ثم جاوزته
بأَيام ولم تُنْتَجْ. والجَرُّ: أَن تزيد الناقة على عدد شهورها. وقال ثعلب:
الناقة تَجُرُّ ولدَها شهراً. وقال: يقال أَتم ما يكون الولد إِذا
جَرَّتْ به أُمّه. وقال ابن الأَعرابي: الجَرُورُ التي تَجُرُّ ثلاثة أَشهر بعد
السنة وهي أَكرم الإِبل. قال: ولا تَجُرُّ إِلاَّ مَرابيعُ الإِبل فأَما
المصاييفُ فلا تَجُرُّ. قال: وإِنما تَجُرُّ من الإِبل حُمْرُها
وصُهْبُها ورُمْكُها ولا يَجُرُّ دُهْمُها لغلظ جلودها وضيق أَجوافها. قال: ولا
يكاد شيء منها يَجُرُّ لشدّة لحومها وجُسْأَتِها، والحُمْرُ والصُّهْبُ
ليست كذلك، وقيل: هي التي تَقَفَّصَ ولدها فَتُوثَقُ يداه إِلى عنقه عند
نِتاجِه فَيُجَرُّ بين يديها ويُسْتَلُّ فصِيلُها، فيخاف عليه أَن يموت،
فَيُلُبَسُ البخرقةَ حتى تعرفها أُمُّهُ عليه، فإِذا مات أَلبسوا تلك
الخرقةَ فصيلاً آخر ثم ظَأَرُوها عليه وسَدّوا مناخرها فلا تُفْتَحُ حتى
يَرْضَعَها ذلك الفصيلُ فتجد ريح لبنها منه فَتَرْأَمَه.
وجَرَّت الفرسُ تَجُرُّ جَرّاً، وهي جَرُورٌ إِذا زادت على أَحد عشر
شهراً ولم تضع ما في بطنها، وكلما جَرَّتْ كان أَقوى لولدها، وأَكثرُ زَمَنِ
جَرِّها بعد أَحد عشر شهراً خمس عشرة ليلة وهذا أَكثر أَوقاتها. أَبو
عبيدة: وقت حمل الفرس من لدن أَن يقطعوا عنها السِّقادَ إِلى أَن تضعه أَحد
عشر شهراً، فإِن زادت عليها شيئاً قالوا: جَرَّتْ. التهذيب: وأَما
الإِبل الجارَّةُ فهي العوامل. قال الجوهري: الجارَّةُ الإِبل التي تُجَرُّ
بالأَزِمَّةِ، وهي فاعلة بمعنى مفعولة، مثل عيشة راضية بمعنى مرضية، وماء
دافق بمعنى مدفوق، ويجوز أَن تكون جارَّةً في سيرها. وجَرُّها: أَن
تُبْطِئَ وتَرْتَع. وفي الحديث: ليس في الإِبل الجارَّةِ صَدَقَةٌ، وهي
العوامل، سميت جارَّةً لأَنها تُجَرُّ جَرّاً بِأَزِمَّتِها أَي تُقاد
بخُطُمِها وأَزِمَّتِها كأَنها مجرورة فقال جارَّة، فاعلة بمعنى مفعولة، كأَرض
عامرة أَي معمورة بالماء، أَراد ليس في الإِبل العوامل صدقة؛ قال الجوهري:
وهي ركائب القوم لأَن الصدقة في السوائم دون العوامل. وفلانٌ يَجُرُّ
الإِبل أَي يسوقها سَوْقاً رُوَيْداً؛ قال ابن لجَأََ:
تَجُرُّ بالأَهْوَنِ من إِدْنائِها،
جَرَّ العَجُوزِ جانِبَيْ خَفَائِها
وقال:
إِن كُنْتَ يا رَبِّ الجِمالِ حُرَّا،
فارْفَعْ إِذا ما لم تَجِدْ مَجَرَّا
يقول: إِذا لم تجد الإِبل مرتعاً فارفع في سيرها، وهذا كقوله: إِذا
سافرتم في الجدْبِ فاسْتَنْجُوا؛ وقال الآخر:
أَطْلَقَها نِضْوَ بلى طلح،
جَرّاً على أَفْواهِهِنَّ السُّجُحِ
(* قوله: «بلى طلح» كذا بالأَصل).
أَراد أَنها طِوال الخراطيم. وجَرَّ النَّوْءُ المكانَ: أَدامَ
المَطَرَ؛ قال حُطَامٌ المُجاشِعِيُّ:
جَرَّ بها نَوْءٌ من السِّماكَيْن
والجَرُروُ من الرَّكايا والآبار: البعيدةُ القَعْرِ. الأَصمعي: بِئْرٌ
جَرُورٌ وهي التي يستقى منها على بعير، وإِنما قيل لها ذلك لأَن دَلْوها
تُجَرُّ على شَفِيرها لبُعْدِ قَعْرِها. شمر: امرأَة جَرُورٌ مُقْعَدَةٌ،
ورَكِيَّةٌ جَرُورٌ: بعيدة القعر؛ ابن بُزُرْجٍ: ما كانت جَرُوراً ولقد
أَجَرَّتْ، ولا جُدّاً ولقد أَجَدَّتْ، ولا عِدّاً ولقد أَعَدَّتْ. وبعير
جَرُورٌ: يُسْنى بِهِ، وجمعه جُرُرٌ. وجَرَّ الفصيلَ جَرّاً وأَجَرَّه:
شق لسانه لئلا يَرْضَعَ؛ قال:
على دِفِقَّى المَشْيِ عَيْسَجُورِ،
لمك تَلْتَفِتْ لِوَلَدٍ مَجْرُورِ
وقيل: الإِجْرارُ كالتَّفْلِيك وهو أَن يَجْعَلَ الراعي من الهُلْبِ مثل
فَلْكَةِ المِغْزَل ثم يَثْقُب لسانَ البعير فيجعله فيه لئلا يَرْضَعَ؛
قال امرؤ القيس يصف الكلاب والثور:
فَكَرَّ إِليها بِمْبراتِهِ،
كما خَلَّ ظَهْرَ اللسانِ المُجِرّ
واسْتَجَرَّ الفصِيلُ عن الرَّضاع: أَخذته قَرْحَةٌ في فيه أَو في سائر
جسده فكفّ عنه لذلك. ابن السكيت: أَجْرَرْتُ الفصيل إِذا شَقَقْتَ لسانه
لئلا يَرْضَع؛ وقال عمرو بن معد يكرب:
فلو أَنَّ قَوْمِي أَنْطَقَتْنِي رِماحُهُمْ،
نَطَقْتُ، ولكِنَّ الرِّماحَ أَجَرَّتِ
أَي لو قاتلوا وأَبلوا لذكرت ذلك وفَخَرْتُ بهم، ولكن رماحهم
أَجَرَّتْنِي أَي قطعت لساني عن الكلام بِفِرارِهم، أَراد أَنهم لم يقاتلوا.
الأَصمعي: يقال جُرَّ الفَصِيلُ فهو مَجْرُورٌ، وأُجِرَّ فهو مُجَرٌّ؛
وأَنشد:وإِنِّي غَيْرُ مَجْرُورِ اللَّسَانِ
الليث: الجِرِيرُ جَبْلُ الزِّمامِ، وقيل: الجَرِيرُ حَبْلٌ من أَدَمٍ
يُخْطَمُ به البعيرُ. وفي حديث ابن عمر: مَنْ أَصْبَحَ على غَيْرِ وتْرٍ
أَصْبَحَ وعلى رأْسِهِ جَرِيرٌ سبعون ذِراعاً؛ وقال شمر: الجَرِيرُ
الحَبْلُ وجَمْعُه أَجِرَّةٌ. وفي الحديث: أَن رجلاً كان يَجُرُّ الجَرِيرَ
فأَصاب صاعين من تمر فتصدّق بأَحدهما؛ يريد، أَنه كان يستقي الماء بالحبل.
وزِمامُ النَّاقَةِ أَيضاً: جَرِيرٌ؛ وقال زهير بن جناب في الجَرِيرِ
فجعله حبلاً:
فَلِكُلِّهِمْ أَعْدَدْتُ تَيْ
ياحاً تُغَازِلُهُ الأَجِرَّةْ
وقال الهوازني: الجَرِيرُ من أَدَمِ مُلَيَّنٍ يثنى على أَنف البعير
النَّجِيبةِ والفرسِ. ابن سَمعانَ: أَوْرَطْتُ الجَرِيرَ في عنق البعير إِذا
جعلت طرفه في حَلْقَتِه وهو في عنقه ثم جذبته وهو حينئذٍ يخنق البعير؛
وأَنشد:
حَتَّى تَراها في الجَرِيرِ المُورَطِ،
سَرْحِ القِيَادِ سَمْحَةَ التَّهَبُّطِ
وفي الحديث: لولا أَن تغلبكم الناسُ عليها، يعني زمزم، لَنَزَعْتُ معكم
حتى يُؤَثِّرَ الجَرِيرُ بظَهْرِي؛ هو حَبْلٌ من أَدَمٍ نحوُ الزِّمام
ويطلق على غيره من الحبال المضفورة. وفي الحديث عن جابر قال: قال رسولُ
الله، صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم ولا مسلمةٍ ذكرٍ ولا أُنثى ينام
بالليل إِلاَّ على رأْسه جَرِيرٌ معقودٌ، فإِن هو استيقظ فذكر الله انْحَلَّتْ
عُقْدَةٌ، فإِن قام وتوضأَ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كلها، وأَصْبَح نَشِيطاً
قد أَصاب خيراً، وإِن هو نام لا يذكر الله أَصبح عليه عُقَدُهُ ثقيلاً؛
وفي رواية: وإِن لم يذكر الله تعالى حتى يصبح بال الشيطان في أُذنيه
والجَرِيرُ: حبل مفتول من أَدَمٍ يكون في أَعناق الإِبل، والجمع أَجِرَّةٌ
وَجُرَّانٌ. وأَجَرَّةُ: ترك الجَرِيرَ على عُنُقه. وأَجَرَّهُ جَرِيرة:
خَلاَّهُ وسَوْمَهُ، وهو مَثَلٌ بذلك.
ويقال: قد أَجْرَرْتُه رَسَنَهُ إِذا تركته يصنع ما شاء. الجوهري:
الجَرِيرُ حَبْلٌ يجعل للبعير بمنزلة العِذَارِ للدابة غَيْرُ الزِّمام، وبه
سمي الرجل جَرِيراً. وفي الحديث: أَن الصحابة نازعوا جَرِيرَ ابن عبدالله
زِمامَه فقال رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، خَلُّوا بَيْنَ جَرِيرٍ
والجَرِيرِ: أَي دَعُوا له زمامَه. وفي الحديث: أَنه قال له نقادة الأَسدي:
إِني رجل مُغْفِلٌ فأَيْنَ أَسِمُ؟ قال: في موضع الجَرِيرَ من السالفة؛
أَي في مُقَدَّم صفحة العنق؛ والمُغْفِلُ: الذي لا وسم على إِبله. وقد
جَرَرْتُ الشيء أَجُرُّهُ جَرّاً. وأَجْرَرَتُه الدِّين إِذا أَخرته له.
وأَجَرَّني أَغانيَّ إِذا تابعها. وفلان يُجَارُّ فلاناً أَي يطاوله.
والتَّجْرِيرُ: الجَرُّ، شدّد للكثرة والمبالغة. واجْتَرَّه أَي جره. وفي حديث
عبدالله قال: طعنت مُسَيْلِمَة ومشى في الرُّمْحِ فناداني رجل أَنْ
أَجْرِرْه الرمح فلم أَفهم، فناداني أَن أَلْقِ الرُّمْحَ من يديك أَي اترك
الرمح فيه. يقال: أَجْرَرْتُه الرمح إِذا طعنته به فمشى وهو يَجُرُّهُ
كأَنك أَنت جعلته يَجُرُّهُ. وزعموا أَن عمرو بن بشر بن مَرْثَدٍ حين قتله
الأَسَدِيُّ قال له: أَجِرَّ لي سراويلي فإِني لم أَسْتَعِنْ
(* قوله: «لم
أستعن» فعل من استعان أَي حلق عانته). قال أَبو منصور: هو من قولهم
أَجْرَرْتُه رَسَنَهُ وأَجررته الرمح إِذا طعنته وتركت الرمح فيه، أَي دَع
السراويل عَلَيَّ أَجُرَّه، فَأَظهر الإِدغام على لغة أَهل الحجاز وهذا
أَدغم على لغة غيرهم؛ ويجوز أَن يكون لما سلبه ثيابه وأَراد أَن يأْخذ
سراويله قال: أَجِرْ لي سراويلي، من الإِجَارَةِ وهو الأَمانُ، أَي أَبقه
عليَّ فيكون من غير هذا الباب. وأَجَرَّه الرُّمْحَ: طعنه به وتركه فيه: قال
عنترة:
وآخْرُ مِنْهُمُ أَجْرَرْتُ رُمْحِي،
وفي البَجْلِيِّ مِعْبَلَةٌ وقِيعُ
يقال: أَجَرَّه إِذا طعنه وترك الرمح فيه يَجُرُّه.
ويقال: أَجَرَّ الرمحَ إِذا طعنه وترك الرمح فيه؛ قال الحَادِرَةُ واسمه
قُطْبَةُ بن أَوس:
ونَقِي بِصَالِحِ مَالِنَا أَحْسَابَنَا،
ونَجُرُّ في الهَيُْجَا الرِّماحَ ونَدَّعِي
ابن السكيت: سئل ابنُ لِسَان الحُمَّرَة عن الضأْن، فقال: مَالٌ صِدْقٌ
قَرْيَةٌ لا حِمَى لها إِذا أُفْلِتَتْ من جَرَّتَيْها؛ قال: يعني
بِجَرَّتَيْها المَجَرَ في الدهر الشديد والنَّشَرَ وهو أَن تنتشر بالليل
فتأْتي عليها السباع؛ قال الأَزهري: جعل المَجَرَ لها جَرَّتَيْنِ أَي
حِبَالَتَيْنِ تقع فيهما فَتَهْلِكُ.
والجارَّةُ: الطريق إِلى الماء.
والجَرُّ: الجَبْلُ الذي في وسطه اللُّؤَمَةُ إِلى المَضْمَدَةِ؛ قال:
وكَلَّفُوني الجَرَّ، والجَرُّ عَمَلْ
والجَرَّةُ: خَشَبة
(* قوله: «والجرة خشبة» بفتح الجيم وضمها، وأما التي
بمعنى الخبزة الآتية، فبالفتح لا غير كما يستفاد من القاموس). نحو
الذراع يجعل رأْسها كِفَّةٌ وفي وسطها حَبْلٌ يَحْبِلُ الظَّبْيَ ويُصَادُ بها
الظِّبَاءُ، فإِذا نَشِبَ فيها الظبي ووقع فيها نَاوَصَها ساعة واضطرب
فيها ومارسها لينفلت، فإِذا غلبته وأَعيته سكن واستقرّ فيها، فتلك
المُسالَمَةُ. وفي المثل: نَاوَصَ الجَرَّةَ ثم سَالَمَها؛ يُضْرَبُ ذلك للذي
يخالف القوم عن رأْيهم ثم يرجع إِلى قولهم ويضطرّ إِلى الوِفَاقِ؛ وقيل:
يضرب مثلاً لمن يقع في أَمر فيضطرب فيه ثم يسكن. قال: والمناوصة أَن يضطرب
فإِذا أَعياه الخلاص سكن. أَبو الهيثم: من أَمثالهم: هو كالباحث عن
الجَرَّةِ؛ قال: وهي عصا تربط إِلى حِبَالَةٍ تُغَيَّبُ في التراب للظبي
يُصْطَاد بها فيها وَتَرٌ، فِإِذا دخلت يده في الحبالة انعقدت الأَوتار في
يده، فإِذا وَثَبَ ليُفْلِتَ فمدَّ يده ضرب بتلك العصا يده الأُخْرَى ورجله
فكسرها، فتلك العصا هي الجَرَّةُ. والجَرَّةُ أَيضاً: الخُبْزْةُ التي في
المَلَّةِ؛ أَنشد ثعلب:
داوَيْتُه، لما تَشَكَّى وَوَجِعْ،
بِجَرَّةٍ مثلِ الحِصَانِ المُضْطَجِعْ
شبهها بالفرس لعظمها. وجَرَّ يَجُرُّ إِذا ركب ناقة وتركها ترعى.
وجَرَّتِ الإِبل تَجُرُّ جَرّاً: رعت وهي تسير؛ عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:لا تُعْجِلاَها أَنْ تَجُرَّ جَرّاً،
تَحْدُرُ صُفْراً وتُعَلِّي بُرّاً
أَي تُعَلِّي إِلى البادية البُرَّ وتَحْدُر إِلى الحاضرة الصُّفْرَ أَي
الذهب، فإِما أَن يعني بالصُّفْر الدنانير الصفر، وإِما أَن يكون سماه
بالصفر الذي تعمل منه الآنية لما بينهما من المشابهة حتى سُمِّيَ
اللاطُونُ شَبَهاً. والجَرُّ: أَن تسير الناقة وترعى وراكبها عليها وهو الانجرار؛
وأَنشد:
إِنِّي، على أَوْنِيَ وانْجِرارِي،
أَؤُمُّ بالمَنْزِلِ وَالذَّرَارِي
أَراد بالمنزل الثُّرَيَّا، وفي حديث ابن عمر: أَنه شهد فتح مكة ومعه
فرس حرون وجمل جرور؛ قال أَبو عبيد: الجمل الجرور الذي لا ينقاد ولا يكاد
يتبع صاحبه؛ وقال الأَزهري: هو فعول بمعنى مفعول ويجوز أَن يكون بمعنى
فاعل. أَبو عبيد: الجَرُورُ من الخيل البطيء وربما كان من إِعياء وربما كان
من قِطَافٍ؛ وأَنشد للعقيلي:
جَرُورُ الضُّحَى مِنْ نَهْكَةٍ وسَآمِ
وجمعه جُرُرٌ، وأَنشد:
أَخَادِيدُ جَرَّتْها السَّنَابِكُ، غَادَرَتْ
بها كُلَّ مَشْقُوقِ القَمِيصِ مُجَدَّلِ
قيل للأَصمعي: جَرَّتْهَا من الجَرِيرَةِ؟ قال: لا، ولكن من الجَرِّ في
الأَرض والتأْثير فيها، كقوله:
مَجَرّ جُيوشٍ غانمين وخُيَّبِ
وفرس جَرُورٌ: يمنع القياد.
والمَجَرَّةُ: السَّمْنَةُ الجامِدَةُ، وكذلك الكَعْبُ. والمَجَرَّةُ:
شَرَحُ السماء، يقال هي بابها وهي كهيئة القبة. وفي حديث ابن عباس:
المَجَرَّةُ باب السماء وهي البياض المعترض في السماء والنِّسْرَان من جانبيها.
والمَجَرُّ: المَجَرَّةُ. ومن أَمثالهم: سَطِي مَجَر تُرْطِبْ هَجَر؛
يريد توسطي يا مَجَرَّةُ كَبِدَ السماء فإِن ذلك وقت إِرطاب النخيل بهجر.
الجوهري: المَجَرَّةُ في السماء سميت بذلك لأَنها كأَثَرِ المَجَرَّةِ.
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: نَصَبْتُ على باب حُجْرَتِي عَبَاءَةً
وعلى مَجَرّ بيتي سِتْراً؛ المَجَرُّ: هو الموضع المُعَتْرِضُ في البيت
الذي يوضع عليه أَطراف العوارض وتسمى الجائزَة. وَأَجْرَرْتُ لسانَ الفصيل
أَي شققته لئلا يَرْتَضِعَ؛ وقال امرؤ القيس يصف ثوراً وكلباً:
فَكَرَّ إِليه بِمِبْرَاتِهِ،
كما خَلَّ ظَهْرَ اللِّسَانِ المُجِرّ
أَي كر الثور على الكلب بمبراته أَي بقرنه فشق بطن الكلب كما شق
المُجِرُّ لسان الفصيل لئلا يرتضع.
وجَرَّ يَجُرُّ إِذا جنى جناية. والجُرُّ: الجَرِيرَةُ، والجَرِيرةُ:
الذنب والجنابة يجنيها الرجل. وقد جَرَّ على نفسه وغيره جريرةً يَجُرُّها
جَرّاً أَي جنى عليهم جناية: قال:
إِذا جَرَّ مَوْلانا علينا جَرِيرةً،
صَبَرْنا لها، إِنَّا كِرامٌ دعائِمُ
وفي الحديث: قال يا محمدُ بِمَ أَخَذْتَني؟ قال: بِجَريرَةِ حُلفَائك؛
الجَرِيرَةُ: الجناية والذنب، وذلك أَنه كان بين رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، وبين ثقيف مُوَادعةٌ، فلما نقضوها ولم يُنْكِرْ عليهم بنو عقيل
وكانوا معهم في العهد صاروا مِثْلَهم في نقض العهد فأَخذه بِجَريرَتهم؛
وقيل: معناه أُخِذْتَ لِتُدْفَعَ بك جَرِيرَةُ حلفائك من ثقيف، ويدل عليه
أَنه فُدِيَ بعدُ بالرجلين اللذين أَسَرَتْهُما ثقيف من المسلمين؛ ومنه
حديث لَقِيطٍ: ثم بايَعَهُ على أَن لا يَجُرَّ إِلاَّ نَفْسَهُ أَي لا
يُؤْخَذَ بجَرِيَرةِ غيره من ولد أَو والد أَو عشيرة؛ وفي الحديث الآخر: لا
تُجارِّ) أَخاك ولا تُشَارِّهِ؛ أَي لا تَجْنِ عليه وتُلْحِقْ به
جَرِيرَةً، وقيل: معناه لا تُماطِلْه، من الجَرِّ وهو أَن تَلْوِيَهُ بحقه
وتَجُرَّه من مَحَلّهِ إِلى وقت آخر؛ ويروى بتخفيف الراء، من الجَرْى والمسابقة،
أَي لا تطاوله ولا تغالبه وفعلتُ ذلك مِنْ جَرِيرتَكِ ومن جَرَّاك ومن
جَرَّائك أَي من أَجلك؛ أَنشد اللِّحْياني:
أَمِن جَرَّا بني أَسَدٍ غَضِبْتُمْ؟
ولَوْ شِئْتُمْ لكانَ لَكُمْ جِوَارُ
ومِنْ جَرَّائِنَا صِرْتُمْ عَبِيداً
لِقَوْمٍ، بَعْدَما وُطِئَ الخِيَارُ
وأَنشد الأَزهري لأَبي النجم:
فَاضَتْ دُمُوعُ العَيْنِ مِنْ جَرَّاها،
وَاهاً لِرَيَّا ثُمَّ وَاهاً وَاها
وفي الحديث: أَن امرأَةً دَخَلَتِ النارَ مِنْ جَرَّا هرَّةٍ أَي من
أَجلها. الجوهري: وهو فَعْلَى. ولا تقل مِجْراكَ؛ وقال:
أُحِبُّ السَّبْتَ مِنْ جَرَّاكِ لَيْلَى،
كَأَنَّي، يا سَلاَمُ، مِنَ اليَهُودِ
قال: وربما قالوا مِنْ جَرَاك، غير مشدّد، ومن جَرَائِكَ، بالمدّ من
المعتل.
والجِرَّةُ: جِرَّةُ البعير حين يَجْتَرُّها فَيَقْرِضُها ثم
يَكُْظِمُها. الجوهري: الجِرَّةُ، بالكسر، ما يخرجه البعير للاجْتِرار. واحْتَرَّ
البعير: من الجِرَّةِ، وكل ذي كَرِشٍ يَجْتَرُّ. وفي الحديث: أَنه خطب على
ناقته وهي تَقْصَعُ بَجَرَّتها؛ الجِرَّةُ: ما يخرجه البعير من بطنه
ليَمْضَغه ثم يبلعه، والقَصْعُ: شدَّةُ المضغ. وفي حديث أُمّ مَعْبَدٍ: فضرب
ظهْرَ الشاة فاجْتَرَّتْ ودَرَّتْ؛ ومنه حديث عمر: لا يَصْلُح هذا
الأَمرُ إِلاَّ لمن يَحْنَقُ على جِرَّتِهِ أَي لا يَحْقِدُ على رعيته فَضَرَب
الجِرَّةَ لذلك مثلاَ. ابن سيده: والجِرَّةُ ما يُفِيضُ به البعيرُ من
كَرِشه فيأْكله ثانيةً. وقد اجْتَرَّت الناقة والشاة وأَجَرَّتْ؛ عن
اللحياني. وفلانٌ لا يَحْنَقُ على جِرَّتِه أَي لا يَكْتُمُ سرّاً، وهو مَثَلٌ
بذلك. ولا أَفْعَلُه ما اختلف الدِّرَّةُ والجِرَّة، وما خالفت دِرَّةُ
جِرَّةً، واختلافهما أَن الدِّرَّة تَسْفُلُ إِلى الرِّجْلَين والجِرَّةَ
تعلو إِلى الرأْس. وروي ابن الأَعرابي: أَن الحَجَّاجَ سأَل رجلاً
قَدِمَ من الحجاز عن المطر فقال: تتابعت علينا الأَسْمِيَةُ حتى مَنَعت
السِّفَارَ وتَظَالَمِت المِعَزى واجْتُلِبَتِ الدِّرَّة بالجِرَّة. اجْتِلابُ
الدِّرَّة بالجرّة: أَن المواشي تَتَمَّلأُ ثم تَبْرُكُ أَو تَرْبِضُ فلا
تزال تَجْتَرُّ إِلى حين الحَلْبِ. والجِرَّة: الجماعة من الناس يقيمون
ويَظْعَنُون.
وعَسْكَرٌ جَرّارٌ: كثير، وقيل: هو الذي لا يسير إِلاَّ زَحْفاً لكثرته؛
قال العجاج:
أَرْعَنَ جَرَّاراً إِذا جَرَّ الأَثَرْ
قوله: جَرَّ الأَثَر يعني أَنه ليس بقليل تستبين فيه آثاراً وفَجْوَاتٍ.
الأَصمعي: كَتِيبَةٌ جَرَّارَةٌ أَي ثقيلة السَّيرِ لا تقدر على
السَّيرِ إِلاَّ رُوَيْداً من كثرتها. والجَرَّارَةُ: عقرب صَفْرَاءُ صَفِيرةٌ
على شكل التِّبْنَةِ، سميت جَرَّارَةً لِجَرّها ذَنَبَها، وهي من أَخبث
العقارب وأَقتلها لمن تَلْدَغُه. ابن الأَعرابي: الجُرُّ جمع الجُرَّةِ،
وهو المَكُّوكُ الذي يثقب أَسفله، يكون فيه البَذْرُ ويمشي به الأَكَّارُ
والفَدَّان وهو يَنْهَالُ في الأَرض.
والجَرُّ: أَصْلُ الجبَل
(* قوله: «والجر أصل الجبل» كذا بهذا الضبط
بالأَصل المعوّل عليه. قال في القاموس: والجرّ أَصل الجبل أَو هو تصحيف
للفراء، والصواب الجرّ أَصل كعلابط الجبل؛ قال شارحه: والعجب من المصنف حيث
لم يذكر الجر أصل في كتابه هذا بل ولا تعرض له أَحد من أَئمة الغريب،
فإِذاً لا تصحيف كما لا يخفى). وسَفْحُهُ، والجمع جِرارٌ؛ قال الشاعر:
وقَدْ قَطَعْتُ وادِياً وجَرَّا.
وفي حديث عبد الرحمن: رأَيته يوم أُحُد عندَ جَرِّ الجبل أَي أَسفله؛
قال ابن دريد: هو حيث علا من السَّهْلِ إِلى الغِلَظ؛ قال:
كَمْ تَرى بالجَرّ مِنْ جُمْجُمَةٍ،
وأَكُفٍّ قَدْ أُتِرّتْ، وجَرَلْ
والجَرُّ: الوَهْدَةُ من الأَرض. والجَرُّ أَيضاً: جُحْرُ الضّبُع
والثعلب واليَربُوع والجُرَذِ؛ وحكى كراع فيهما جميعاً الجُرّ، بالضم، قال:
والجُرُّ أَيضاً المسيل. والجَرَّةُ: إِناء من خَزَفٍ كالفَخَّار، وجمعها
جَرٌّ وجِرَارٌ. وفي الحديث: أَنه نهى عن شرب نبيذ الجَرِّ. قال ابن دريد:
المعروف عند العرب أَنه ما اتخذ من الطين، وفي رواية: عن نبيذ
الجِرَارِ، وقيل: أَراد ما ينبذ في الجرار الضَّارِيَةِ يُدْخَلُ فيها الحَنَاتِمُ
وغيرها؛ قال ابن الأَثير: أَراد النهي عن الجرار المدهونة لأَنها أَسرع
في الشدّة والتخمير. التهذيب: الجَرُّآنية من خَزَفٍ، الواحدة جَرَّةٌ،
والجمع جَرٌّ وجِرَارٌ.
والجِرَارَةُ: حرفة الجَرَّارِ.
وقولهم: هَلُمَّ جَرّاً؛ معناه على هِينَتِكَ. وقال المنذري في قولهم:
هَلُمَّ جَرُّوا أَي تَعَالَوْا على هينتكم كما يسهل عليكم من غير شدّة
ولا صعوبة، وأَصل ذلك من الجَرِّ في السَّوْقِ، وهو أَن يترك الإِبل والغنم
ترعى في مسيرها؛ وأَنشد:
لَطَالَمَا جَرَرْتُكُنَّ جَرَّا،
حتى نَوَى الأَعْجَفُ واسْتَمَرَّا،
فالَيْومَ لا آلُو الرِّكابَ شَرَّا
يقال: جُرَّها على أَفواهها أَي سُقْها وهي ترتع وتصيب من الكلإِ؛
وقوله:فارْفَعْ إِذا ما لم تَجِدْ مَجَرَّا
يقول: إِذا لم تجد الإِبل مرتعاً. ويقال: كان عَاماً أَوَّلَ كذا وكذا
فَهَلُمَّ جَرّاً إِلى اليوم أَي امتدّ ذلك إِلى اليوم؛ وقد جاءت في
الحديث في غير موضع، ومعناها استدامة الأَمر واتصاله، وأَصله من الجَرِّ
السَّحْبِ، وانتصب جَرّاً على المصدر أَو الحال.
وجاء بجيش الأَجَرَّيْنِ أَي الثَّقَلَيْنِ: الجن والإِنس؛ عن ابن
الأَعرابي.
والجَرْجَرَةُ: الصوتُ. والجَرْجَرَةُ: تَرَدُّدُ هَدِيرِ الفحل، وهو
صوت يردده البعير في حَنْجَرَته، وقد جَرْجَرَ؛ قال الأَغلب العجلي يصف
فحلاً:
وَهْوَ إِذا جَرْجَرَ بعد الْهَبِّ،
جَرْجَرَ في حَنْجَرَةٍ كالحُبِّ،
وهامَةٍ كالْمِرجَلِ المُنْكَبِّ
وقوله أَنشده ثعلب:
ثُمَّتَ خَلَّهُ المُمَرَّ الأَسْمَرا،
لَوْ مَسَّ جَنْبَيْ بازِلٍ لَجَرْجَرا
قال: جَرْجَرَ ضَجَّ وصاح. وفَحْلٌ جُراجِرٌ: كثير الجَرْجَرَة، وهو
بعير جَرْجارٌ، كما تقول: ثَرْثَرَ الرجلُ، فهو ثَرْثارٌ. وفي الحديث: الذي
يشرب في الإِناء الفضة والذهب إِنما يُجَرْجِرُ في بطنه نار جهنم؛ أَي
يَحْدُرُ فيه، فجعل الشُّرْبَ والجَرْعَ جَرْجَرَةً، وهو صوت وقوع الماء في
الجوف؛ قال ابن الأَثير: قال الزمخشري: يروى برفع النار والأَكثر النصب.
قال: وهذا الكلام مجاز لأَن نار جهنم على الحقيقة لا تُجَرْجِرُ في
جوفه. والجَرْجَرَةُ: صوت البعير عند الضَّجَرِ ولكنه جعل صوت جَرْعِ
الإِنسان للماء في هذه الأَواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على
استعمالها، كَجَرْجَرَةِ نار جهنم في بطنه من طريق المجاز، هذا وجه رفع
النار ويكون قد ذكر يجرجر بالياء للفصل بينه وبين النار، وأَما على النصب
فالشارب هو الفاعل والنار مفعوله، وجَرْجَرَ فلان الماء إِذا جَرَعَهُ
جَرْعاً متواتراً له صوت، فالمعنى: كأَنما يَجْرَع نار جهنم؛ ومنه حديث
الحسن: يأْتي الحُبَّ فَيَكْتَازُ منه ثم يُجَرْجِرُ قائماً أَي يغرف بالكوز
من الحُبِّ ثم يشربه وهو قائم. وقوله في الحديث: قوم يقرؤون القرآن لا
يجاوز جَراجِرَهُمْ؛ أَي حُلُوقَهم؛ سماها جَراجِرَ لجَرْجَرَة الماء.
أَبو عبيد: الجَراجِرُ والجَراجِبُ العظام من الإِبل، الواحد جُرْجُورٌ.
ويقال: بل إِبل جُرْجُورٌ عظام الأَجواف. والجُرْجُورُ: الكرام من الإِبل،
وقيل: هي جماعتها، وقيل: هي العظام منها؛ قال الكميت:
ومُقِلٍّ أَسَقْتُمُوهُ فَأَثْرَى
مائةً، من عطائكم، جُرْجُورا
وجمعها جَراجِرُ بغير ياء؛ عن كراع، والقياس يوجب ثباتها إِلى أَن يضطرّ
إِلى حذفها شاعر؛ قال الأَعشى:
يَهَبُ الجِلَّةَ الجَرَاجِرَ، كالْبُسْـ
ـتانِ تَحْنُو لِدَرْدَقٍ أَطْفَالِ
ومائةٌ من الإِبل جُرْجُورٌ أَي كاملة.
والتَّجَرْجُرُ: صب الماء في الحلق، وقيل: هو أَن يَجْرَعَه جَرْعاً
متداركاً حتى يُسْمَعَ صوتُ جَرْعِه؛ وقد جَرْجَرَ الشرابَ في حلقه، ويقال
للحلوق: الجَراجِرُ لما يسمع لها من صوت وقوع الماء فيها؛ ومنه قول
النابغة:
لَهِامِيمُ يَسْتَلْهُونَها في الجَراجِرِ
قال أَبو عمرو: أَصلُ الجَرْجَرَةِ الصوتُ. ومنه قيل للعَيْرِ إِذا
صَوَّتَ: هو يُجَرْجِرُ. قال الأَزهري: أَراد بقوله في الحديث يجرجر في جوفه
نار جهنم أَي يَحْدُر فيه نار جهنم إِذا شرب في آنية الذهب، فجعل شرب
الماء وجَرْعَه جَرْجَرَةَ لصوت وقوع الماء في الجوف عند شدة الشرب، وهذا
كقول الله عز وجل: إِن الذين يأْكلون أَموال اليتامى ظلماً إِنما يأْكلون
في بطونهم ناراً؛ فجعل أَكل مال اليتيم مثل أَكل النار لأَن ذلك يؤدّي
إِلى النار. قال الزجاج: يُجَرْجِرُ في جوفه نار جهنم أَي يُردِّدُها في
جوفه كما يردد الفحل هُدَيِرَه في شِقْشِقَتِه، وقيل: التَّجَرْجُرُ
والجَرْجَرَةُ صَبُّ الماء في الحلق. وجَرْجَرَهُ الماء: سقاه إِياه على تلك
الصورة؛ قال جرير:
وقد جَرْجَرَتْهُ الماءَ، حتى كأَنَّها
تُعالِجُ في أَقْصَى وِجارَيْنِ أَضْبُعا
يعنى بالماء هنا المَنِيَّ، والهاء في جرجرته عائدة إِلى الحياء.
وإِبِلٌ جُراجِرَةٌ: كثيرة الشرب؛ عن ابن الأَعرابي، وأُنشد:
أَوْدَى بماء حَوْضِكَ الرَّشِيفُ،
أَوْدَى بِهِ جُراجِراتٌ هِيفُ
وماء جُراجِرٌ: مُصَوِّت، منه. والجُراجِرُ: الجوفُ.
والجَرْجَرُ: ما يداس به الكُدْسُ، وهو من حديد. والجِرْجِرُ، بالكسر:
الفول في كلام أَهل العراق. وفي كتاب النبات: الجِرْجِرُ، بالكسر،
والجَرْجَرُ والجِرْجيرُ والجَرْجار نبتان. قال أَبو حنيفة: الجَرْجارُ عُشْبَةٌ
لها زَهْرَةٌ صفراء؛ قال النابغة ووصف خيلاً:
يَتَحَلَّبُ اليَعْضِيدُ من أَشْداقِها
صُفْراً، مَناخِرُها مِنَ الجَرْجارِ
الليث: الجَرْجارُ نبت؛ زاد الجوهري: طيب الريح. والجِرْجِيرُ: نبت آخر
معروف، وفي الصحاح: الجِرْجِيرُ بقل.
قال الأَزهري في هذه الترجمة: وأَصابهم غيث جِوَرٌّ أَي يجر كل شيء.
ويقال: غيث جِوَرُّ إِذا طال نبته وارتفع. أَبو عبيدة غَرْبٌ جِوَرٌّ فارضٌ
ثقيل. غيره: جمل جِوَرُّ أَي ضخم، ونعجة جِوَرَّة؛ وأَنشد:
فاعْتامَ مِنّا نَعْجَةً جِوَرَّهْ،
كأَنَّ صَوْتَ شَخْبها للدِّرَّهْ
هَرْهَرَة الهِرِّ دَنَا لِلْهِرَّهْ
قال الفراء: جِوَرُّ إِن شئت جعلت الواو فيه زائدة من جَرَرْت، وإِن شئت
جعلته فِعَلاًّ من الجَوْرِ، ويصير التشديد في الراء زيادة كما يقال
حَمارَّةٌ. التهذيب: أَبو عبيدة: المَجَرُّ الذي تُنْتَجُه أُمه يُنْتابُ من
أَسفل فلا يَجْهَدُ الرَّضاعَ، إِنما يَرِفُّ رَفّاً حتى يُوضَعَ
خِلفُها في فيه. ويقال: جوادٌ مُجَرٌّ، وقد جَرَرْتُ الشيء أَجُرُّه جَرّاً؛
ويقال في قوله:
أَعْيَا فَنُطْنَاهُ مَناطَ الجَرِّ
أَراد بالجَرَّ الزَّبِيلَ يُعَلَّق من البعير، وهو النَّوْطُ كالجُلَّة
الصغيرة.
الصحاح: والجِرِّيُّ ضرب من السمك. والجِرِّيَّةُ: الحَوْصَلَةُ؛ أَبو
زيد: هي القِرِّيَّةُ والجِرِّيَّةُ للحوصلة. وفي حديث ابن عباس: أَنه سئل
عن أَكل الجِرِّيِّ، فقال: إِنما هو شيء حرمه اليهود؛ الجِرِّيُّ،
بالكسر والتشديد: نوع من السمك يشبه الحية ويسمى بالفارسية مَارْماهي، ويقال:
الجِرِّيُّ لغة في الجِرِّيت من السمك. وفي حديث علي، كرم الله وجهه:
أَنه كان ينهي عن أَكل الجِرِّيّ والجِرِّيت. وفي الحديث: أَن النبي، صلى
الله عليه وسلم، دُلِّ على أُم سلمة فرأَى عندها الشُّبْرُمَ وهي تريد أَن
تشربه فقال: إِنه حارٌّ جارٌّ، وأَمرها بالسَّنَا والسَّنُّوتِ؛ قال أَبو
عبيد: وبعضهم يرويه حارٌّ يارٌّ، بالياء، وهو إِتباع؛ قال أَبو منصور:
وجارٌّ بالجيم صحيح أَيضاً. الجوهري: حارٌّ جارٌّ إِتباع له؛ قال أَبو
عبيد: وأَكثر كلامهم حارُّ يارُّ، بالياء. وفي ترجمة حفز: وكانت العرب تقول
للرجل إِذا قاد أَلفاً: جَرَّاراً. ابن الأَعرابي: جُرْجُرْ إِذا أَمرته
بالاستعداد للعدوّ؛ ذكره الأَزهري آخر ترجمة جور، وأَما قولهم لا جَرَّ
بمعنى لا جَرَمَ فسنذكره في ترجمة جرم، إِن شاء الله تعالى.
عشر: العَشَرة: أَول العُقود. والعَشْر: عدد المؤنث، والعَشَرةُ: عدد
المذكر. تقول: عَشْرُ نِسْوة وعَشَرةُ رجال، فإِذا جاوَزْتَ العِشْرين
استوى المذكر والمؤنث فقلت: عِشْرون رجلاً وعِشْرون امرأَة، وما كان من
الثلاثة إِلى العَشَرة فالهاء تلحقه فيما واحدُه مذكر، وتحذف فيما واحدُه
مؤنث، فإِذا جاوَزْتَ العَشَرة أَنَّثْت المذكرَ وذكّرت المؤنث، وحذفت الهاء
في المذكر في العَشَرة وأَلْحَقْتها في الصَّدْر، فيما بين ثلاثةَ عشَر
إِلى تسعة عشَر، وفتحت الشين وجعلت الاسمين اسماً واحداً مبنيّاً على
الفتح، فإِذا صِرْت إِلى المؤنث أَلحقت الهاء في العجز وحذفتها من الصدر،
وأَسكنت الشين من عَشْرة، وإِن شئت كَسَرْتها، ولا يُنْسَبُ إِلى الاسمين
جُعِلا اسماً واحداً، وإِن نسبت إِلى أَحدهما لم يعلم أَنك تريد الآخر،فإن
اضطُرّ إلى ذلك نسبته إلى أَحدهما ثم نسبته إلى الآخر، ومن قال أَرْبَعَ
عَشْرة قال: أَرْبَعِيٌّ عَشَرِيٌّ، بفتح الشين، ومِنَ الشاذ في القراءة:
فانْفَجَرَت منه اثنتا عَشَرة عَيْناً، بفتح الشين؛ ابن جني: وجهُ ذلك
أَن أَلفاظ العدد تُغَيَّر كثيراً في حدّ التركيب، أَلا تراهم قالوا في
البَسِيط: إِحْدى عَشْرة، وقالوا: عَشِرة وعَشَرة، ثم قالوا في التركيب:
عِشْرون؟ ومن ذلك قولهم ثلاثون فما بعدها من العقود إِلى التسعين، فجمعوا
بين لفظ المؤنث والمذكر في التركيب، والواو للتذكير وكذلك أُخْتُها، وسقوط
الهاء للتأْنيث، وتقول: إِحْدى عَشِرة امرأَة، بكسر الشين، وإِن شئت
سكنت إِلى تسعَ عَشْرة، والكسرُ لأَهل نجد والتسكينُ لأَهل الحجاز. قال
الأَزهري: وأَهل اللغة والنحو لا يعرفون فتح الشين في هذا الموضع، وروي عن
الأَعمش أَنه قرأَ: وقَطَّعْناهم اثْنَتَيْ عَشَرة، بفتح الشين، قال: وقد
قرأَ القُرّاء بفتح الشين وكسرها، وأَهل اللغة لا يعرفونه، وللمذكر أَحَدَ
عَشَر لا غير. وعِشْرون: اسم موضوع لهذا العدد، وليس بجمع العَشَرة
لأَنه لا دليل على ذلك، فإِذا أَضَفْت أَسْقَطْت النون قلت: هذه عِشْرُوك
وعِشْرِيَّ، بقلب الواو ياء للتي بعدها فتدغم. قال ابن السكيت: ومن العرب من
يُسَكّن العين فيقول: أَحَدَ عْشَر، وكذلك يُسَكّنها إِلى تِسْعَةَ
عْشَر إِلا اثني عَشَر فإِن العين لا تسكن لسكون الأَلف والياء قبلها. وقال
الأَخفش: إِنما سكَّنوا العين لمّا طال الاسم وكَثُرت حركاتُه، والعددُ
منصوبٌ ما بين أَحَدَ عَشَرَ إِلى تِسْعَةَ عَشَرَ في الرفع والنصب والخفض،
إِلا اثني عشر فإِن اثني واثنتي يعربان لأَنهما على هِجَاءَيْن، قال:
وإِنما نُصِبَ أَحَدَ عَشَرَ وأَخواتُها لأَن الأَصل أَحدٌ وعَشَرة،
فأُسْقِطَت الواوُ وصُيِّرا جميعاً اسماً واحداً، كما تقول: هو جاري بَيْتَ
بَيْتَ وكِفّةَ كِفّةَ، والأَصلُ بيْتٌ لبَيْتٍ وكِفَّةٌ لِكِفَّةٍ،
فصُيِّرَتا اسماً واحداً. وتقول: هذا الواحد والثاني والثالث إِلى العاشر في
المذكر، وفي المؤنث الواحدة والثانية والثالثة والعاشرة. وتقول: هو عاشرُ
عَشَرة وغَلَّبْتَ المذكر، وتقول: هو ثالثُ ثَلاثةَ عَشَرَ أَي هو أَحدُهم،
وفي المؤنث هي ثالثةُ ثَلاثَ عَشْرة لا غير، الرفع في الأَول، وتقول: هو
ثالثُ عَشَرَ يا هذا، وهو ثالثَ عَشَرَ بالرفع والنصب، وكذلك إِلى
تِسْعَةَ عَشَرَ، فمن رفع قال: أَردت هو ثالثُ ثلاثةَ عَشَرَ فأَلْقَيت
الثلاثة وتركتُ ثالث على إِعرابه، ومَن نَصَب قال: أَردت ثالثَ ثَلاثةَ عَشَرَ
فلما أَسْقَطْت الثلاثةَ أَلْزَمْت إِعْرابَها الأَوّلَ ليعلم أَن ههنا
شيئاً محذوفاً، وتقول في المؤنث: هي ثالثةَ عَشْرةَ وهي ثالثةَ عَشْرةَ،
وتفسيرُه مثل تفسير المذكر، وتقول: هو الحادي عَشَر وهذا الثاني عَشَر
والثالثَ عَشَرَ إِلى العِشْرِين مفتوح كله، وفي المؤنث: هذه الحاديةَ
عَشْرةَ والثانيةَ عَشْرَةَ إِلى العشرين تدخل الهاء فيها جميعاً. قال
الكسائي: إِذا أَدْخَلْتَ في العدد الأَلفَ واللامَ فأَدْخِلْهما في العدد كلِّه
فتقول: ما فعلت الأَحَدَ العَشَرَ الأَلْفَ دِرْهمٍ، والبصريون
يُدْخِلون الأَلفَ واللام في أَوله فيقولون: ما فعلت الأَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ
دِرْهمٍ. وقوله تعالى: ولَيالٍ عَشْرٍ؛ أَي عَشْرِ ذي الحِجَّة. وعَشَرَ
القومَ يَعْشِرُهم، بالكسر، عَشْراً: صار عاشرَهم، وكان عاشِرَ عَشَرةٍ.
وعَشَرَ: أَخذَ واحداً من عَشَرة. وعَشَرَ: زاد واحداً على تسعة. وعَشَّرْت
الشيء تَعْشِيراً: كان تسعة فزدت واحداً حتى تمّ عَشَرة. وعَشَرْت،
بالتخفيف: أَخذت واحداً من عَشَرة فصار تسعة. والعُشورُ: نقصان، والتَّعْشيرُ
زيادة وتمامٌ. وأَعْشَرَ القومُ: صاروا عَشَرة. وقوله تعالى: تلك عَشَرَةٌ
كاملة؛ قال ابن عرفة: مذهب العرب إِذا ذَكَرُوا عَدَدين أَن
يُجْمِلُوهما؛ قال النابغة:
توهَّمْتُ آياتٍ لها، فَعرَفْتُها
لِسِتَّةِ أَعْوامِ، وذا العامُ سابِعُ
(* قوله: «توهمت آيات إلخ» تأمل شاهده).
وقال الفرزدق:
ثَلاثٌ واثْنتانِ فهُنّ خَمْسٌ،
وثالِثةٌ تَميلِ إِلى السِّهَام
وقال آخر:
فسِرْتُ إِليهمُ عِشرينَ شَهْراً
وأَرْبعةً، فذلك حِجّتانِ
وإِنما تفعل ذلك لقلة الحِسَاب فيهم. وثوبٌ عُشارِيٌّ: طوله عَشْرُ
أَذرع. وغلام عُشارِيٌّ: ابن عَشْرِ سنين، والأُنثى بالهاء.
وعاشُوراءُ وعَشُوراءُ، ممدودان: اليومُ العاشر من المحرم، وقيل:
التاسع. قال الأَزهري: ولم يسمع في أَمثلة الأَسماء اسماً على فاعُولاءَ إِلا
أَحْرُفٌ قليلة. قال ابن بُزُرج: الضّارُوراءُ الضَّرّاءُ، والسارُوراءُ
السَّرَّاءُ، والدَّالُولاء الدَّلال. وقال ابن الأَعرابي: الخابُوراءُ
موضع، وقد أُلْحِقَ به تاسُوعاء. وروي عن ابن عباس أَنه قال في صوم
عاشوراء: لئن سَلِمْت إِلى قابلٍ لأَصُومَنَّ اليومَ التاسِعَ؛ قال الأَزهري:
ولهذا الحديث عدّةٌ من التأْويلات أَحدُها أَنه كَرِه موافقة اليهود لأَنهم
يصومون اليومَ العاشرَ، وروي عن ابن عباس أَنه قال: صُوموا التاسِعَ
والعاشِرَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود؛ قال: والوجه الثاني ما قاله المزني
يحتمل أَن يكون التاسعُ هو العاشر؛ قال الأَزهري: كأَنه تأَول فيه عِشْر
الوِرْدِ أَنها تسعة أَيام، وهو الذي حكاه الليث عن الخليل وليس ببعيد عن
الصواب.
والعِشْرون: عَشَرة مضافة إِلى مثلها وُضِعَت على لفظ الجمع وكَسَرُوا
أَولها لعلة. وعَشْرَنْت الشيء: جعلته عِشْرينَ، نادر للفرق الذي بينه
وبين عَشَرْت. والعُشْرُ والعَشِيرُ: جزء من عَشَرة، يطّرد هذان البناءان في
جميع الكسور، والجمع أَعْشارٌ وعُشُورٌ، وهو المِعْشار؛ وفي التنزيل:
وما بَلَغوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُم؛ أَي ما بلَغ مُشْرِكُو أَهل مكة
مِعْشارَ ما أُوتِيَ مَن قَبْلَهم من القُدْرة والقُوّة. والعَشِيرُ: الجزءُ
من أَجْزاء العَشرة، وجمع العَشِير أَعْشِراء مثل نَصِيب وأَنْصِباء، ولا
يقولون هذا في شيء سوى العُشْر. وفي الحديث: تِسعةُ أَعْشِراء الرِّزْق
في التجارة وجُزْءٌ منها في السَّابِياء؛ أَراد تسعة أَعْشار الرزق.
والعَشِير والعُشْرُ: واحدٌ مثل الثَّمِين والثُّمْن والسَّدِيس والسُّدْسِ.
والعَشِيرُ في مساحة الأَرَضين: عُشْرُ القَفِيز، والقَفِيز: عُشْر
الجَرِيب. والذي ورد في حديث عبدالله: لو بَلَغَ ابنُ عباس أَسْنانَنا ما
عاشَرَه منا رجلٌ، أَي لو كانَ في السن مِثْلَنا ما بَلَغَ أَحدٌ منا عُشْرَ
عِلْمِهِ. وعَشَر القومَ يَعْشُرُهم عُشْراً، بالضم، وعُشُوراً
وعَشَّرَهم: أَخذ عُشْرَ أَموالهم؛ وعَشَرَ المالَ نَفْسَه وعَشَّرَه: كذلك، وبه
سمي العَشّار؛ ومنه العاشِرُ. والعَشَّارُ: قابض العُشْرِ؛ ومنه قول عيسى
بن عمر لابن هُبَيْرة وهو يُضرَب بين يديه بالسياط: تالله إِن كنت إِلا
أُثَيّاباً في أُسَيْفاظ قبضها عَشّاروك. وفي الحديث: إِن لَقِيتم عاشِراً
فاقْتُلُوه؛ أَي إِن وجدتم مَن يأْخذ العُشْر على ما كان يأْخذه أَهل
الجاهلية مقيماً على دِينه، فاقتلوه لكُفْرِه أَو لاستحلاله لذلك إِن كان
مسلماً وأَخَذَه مستحلاًّ وتاركاً فرض الله، وهو رُبعُ العُشْر، فأَما من
يَعْشُرهم على ما فرض الله سبحانه فحَسَنٌ جميل. وقد عَشَر جماعةٌ من
الصحابة للنبي والخلفاء بعده، فيجوز أَن يُسمَّى آخذُ ذلك: عاشراً لإِضافة ما
يأْخذه إِلى العُشْرِ كرُبع العُشْرِ ونِصْفِ العُشْرِ، كيف وهو يأْخذ
العُشْرَ جميعه، وهو ما سَقَتْه السماء. وعُشْرُ أَموالِ أَهل الذمة في
التجارات، يقال: عَشَرْت مالَه أَعْشُره عُشْراً، فأَنا عاشرٌ، وعَشَّرْته،
فأَما مُعَشَّرٌ وعَشَّارٌ إِذا أَخذت عُشْرَه. وكل ما ورد في الحديث من
عقوبة العَشّار محمول على هذا التأْويل. وفي الحديث: ليس على
المُسْلِمين عُشورٌ إِنما العُشور على اليهود والنصارى؛ العُشُورُ: جَمْع عُشْرٍ،
يعني ما كان من أَموالهم للتجارات دون الصدقات، والذي يلزمهم من ذلك، عند
الشافعي، ما صُولِحُوا عليه وقتَ العهد، فإِن لم يُصالَحُوا على شيء فلا
يلزمهم إِلا الجِزْيةُ. وقال أَبو حنيفة: إِن أَخَذُوا من المسلمين إِذا
دَخَلُوا بِلادَهم أَخَذْنا منهم إِذا دَخَلُوا بِلادَنا للتجارة. وفي
الحديث: احْمَدُوا الله إِذْ رَفَعَ عنكم العُشورَ؛ يعني ما كانت المُلوكُ
تأْخذه منهم. وفي الحديث: إِن وَفْدَ ثَقِيف اشترطوا أَن لا يُحشَرُوا
ولا يُعْشَروا ولا يُجَبُّوا؛ أَي لا يؤخذ عُشْرُ أَموالهم، وقيل: أَرادوا
به الصدقةَ الواجبة، وإِنما فَسَّح لهم في تركها لأَنها لم تكن واجبة
يومئذ عليهم، إِنما تَجِب بتمام الحَوْل. وسئل جابرٌ عن اشتراط ثَقِيف: أَن
لا صدقة عليهم ولا جهادَ، فقال: عَلِم أَنهم سَيُصدِّقون ويُجاهدون إِذا
أَسلموا، وأَما حديث بشير بن الخصاصيّة حين ذَكر له شرائع الإِسلام فقال:
أَما اثنان منها فلا أُطِيقُهما: أَما الصدقةُ فإِنما لي ذَوْدٌ هُنَّ
رِسْلُ أَهلي وحَمولتُهم، وأَما الجهاد فأَخافُ إِذا حَضَرْتُ خَشَعَتْ
نفسِي، فكَفَّ يده وقال: لا صدقةَ ولا جهادَ فبِمَ تدخلُ الجنة؟ فلم
يَحْتَمِل لبشير ما احتمل لــثقيف؛ ويُشْبِه أَن يكون إِنما لم يَسْمَعْ له
لعِلْمِه أَنه يَقْبَل إِذا قيل له، وثَقِيفٌ كانت لا تقبله في الحال وهو واحد
وهم جماعة، فأَراد أَن يتأَلَّفَهم ويُدَرِّجَهم عليه شيئاً فشيئاً.
ومنه الحديث: النساء لا يُعشَرْنَ ولا يُحْشَرْن: أَي لا يؤخذ عُشْرُ
أَموالهن، وقيل: لا يؤخذ العُشْرُ من حَلْيِهِنّ وإِلا فلا يُؤخذ عُشْرُ
أَموالهن ولا أَموالِ الرجال.
والعِشْرُ: ورد الإِبل اليومَ العاشرَ. وفي حسابهم: العِشْر التاسع
فإِذا جاوزوها بمثلها فظِمْؤُها عِشْران، والإِبل في كل ذلك عَواشِرُ أَي ترد
الماء عِشْراً، وكذلك الثوامن والسوابع والخوامس. قال الأَصمعي: إِذا
وردت الإِبل كلَّ يوم قيل قد وَرَدَتْ رِفْهاً، فإذا وردت يوماً ويوماً لا،
قيل: وردت غِبّاً، فإِذا ارتفعت عن الغِبّ فالظمء الرِّبْعُ، وليس في
الورد ثِلْث ثم الخِمْس إِلى العِشْر، فإِذا زادت فليس لها تسمية وِرْد،
ولكن يقال: هي ترد عِشْراً وغِبّاً وعِشْراً ورِبْعاً إِلى العِشرَين،
فيقال حينئذ: ظِمْؤُها عِشْرانِ، فإِذا جاوزت العِشْرَيْنِ فهي جَوازِئُ؛
وقال الليث: إِذا زادت على العَشَرة قالوا: زِدْنا رِفْهاً بعد عِشْرٍ. قال
الليث: قلت للخليل ما معنى العِشْرِين؟ قال: جماعة عِشْر، قلت:
فالعِشْرُ كم يكون؟ قال: تِسعةُ أَيام، قلت: فعِشْرون ليس بتمام إِنما هو عِشْران
ويومان، قال: لما كان من العِشْر الثالث يومان جمعته بالعِشْرين، قلت:
وإِن لم يستوعب الجزء الثالث؟ قال: نعم، أَلا ترى قول أَبي حنيفة: إِذا
طَلَّقها تطليقتين وعُشْرَ تطليقة فإِنه يجعلها ثلاثاً وإِنما من الطلقة
الثالثة فيه جزء، فالعِشْرون هذا قياسه، قلت: لا يُشْبِهُ العِشْرُ
(*
قوله: قلت لا يشبه العشر إلخ» نقل شارح القاموس عن شيخه أن الصحيح ان القياس
لا يدخل اللغة وما ذكره الخليل ليس إلا لمجرد البيان والايضاح لا للقياس
حتى يرد ما فهمه الليث). التطليقةَ لأَن بعض التطليقة تامة تطليقة، ولا
يكون بعض العِشْرِ عِشْراً كاملاً، أَلا ترى أَنه لو قال لامرأَته أَنت
طالق نصف تطليقة أَو جزءاً من مائة تطليقة كانت تطليقة تامة، ولا يكون نصف
العِشْر وثُلُث العِشْرِ عِشْراً كاملاً؟ قال الجوهري: والعِشْرُ ما بين
الوِرْدَين، وهي ثمانية أَيام لأَنها تَرِدُ اليوم العاشر، وكذلك
الأَظْماء، كلها بالكسر، وليس لها بعد العِشْر اسم إِلا في العِشْرَِينِ، فإِذا
وردت يوم العِشْرَِين قيل: ظِمْؤُها عِشْرانِ، وهو ثمانية عَشَر يوماً،
فإِذا جاوزت العِشْرِينِ فليس لها تسمية، وهي جَوازِئُ. وأَعْشَرَ الرجلُ
إِذا وَرَدت إِبلُه عِشْراً، وهذه إِبل عَواشِرُ. ويقال: أَعْشَرْنا مذ
لم نَلْتقَ أَي أَتى علينا عَشْرُ ليال.
وعَواشِرُ القرآن: الآيُ التي يتم بها العَشْرُ. والعاشِرةُ: حَلْقةُ
التَّعْشِير من عَواشِر المصحف، وهي لفظة مولَّدة. وعُشَار، بالضم: معدول
من عَشَرة. وجاء القوم عُشارَ عُشارَ ومَعْشَرَ مَعْشَرَ وعُشار ومَعْشَر
أَي عَشَرة عَشَرة، كما تقول: جاؤوا أُحَادَ أُحَادَ وثُناءَ ثُناءَ
ومَثْنى مَثْنى؛ قال أَبو عبيد: ولم يُسْمع أَكثرُ من أُحاد وثُناء وثُلاث
ورُباع إِلا في قول الكميت:
ولم يَسْتَرِيثوك حتى رَمَيْـ
ـت، فوق الرجال، خِصَالاً عُشَارا
قال ابن السكيت: ذهب القوم عُشَارَياتٍ وعُسَارَياتٍ إِذا ذهبوا
أَيادِيَ سَبَا متفرقين في كل وجه. وواحد العُشاريَات: عُشارَى مثل حُبارَى
وحُبَارَيات. والعُشَارة: القطعةُ من كل شيء، قوم عُشَارة وعُشَارات؛ قال
حاتم طيء يذكر طيئاً وتفرُّقَهم:
فصارُوا عُشَاراتٍ بكلّ مكانِ
وعَشَّر الحمار: تابَعَ النهيق عَشْرَ نَهَقاتٍ ووالى بين عَشْرِ
تَرْجِيعات في نَهِيقه، فهو مُعَشَّرٌ، ونَهِيقُه يقال له التَّعْشِير؛ يقال:
عَشَّرَ يُعَشِّرُ تَعْشِيراً؛ قال عروة بن الورد:
وإِنِّي وإِن عَشَّرْتُ من خَشْيةِ الرَّدَى
نُهاقَ حِمارٍ، إِنني لجَزُوعُ
ومعناه: إِنهم يزعمون أَن الرجل إِذا وَرَدَ أَرضَ وَباءٍ وضَعَ يدَه
خلف أُذنهِ فنَهَق عَشْرَ نَهقاتٍ نَهيقَ الحِمار ثم دخلها أَمِنَ من
الوَباء؛ وأَنشد بعضهم: في أَرض مالِكٍ، مكان قوله: من خشية الرَّدَى، وأَنشد:
نُهاق الحمار، مكان نُهاق حمار. وعَشَّرَ الغُرابُ: نَعبَ عَشْرَ
نَعَبَاتٍ. وقد عَشَّرَ الحِمارُ: نهق، وعَشَّرَ الغُرابُ: نَعَقَ، من غير أَن
يُشْتَقّا من العَشَرة. وحكى اللحياني: اللهمَّ عشِّرْ خُطايَ أَي اكتُبْ
لكل خُطْوة عَشْرَ حسنات.
والعَشِيرُ: صوت الضَّبُع؛ غير مشتق أَيضاً؛ قال:
جاءَتْ به أُصُلاً إِلى أَوْلادِها،
تَمْشي به معها لهمْ تَعْشِيرُ
وناقة عُشَراء: مصى لحملها عَشَرةُ أَشهر، وقيل ثمانية، والأَولُ أَولى
لمكان لفظه، فإِذا وضعت لتمام سنة فهي عُشَراء أَيضاً على ذلك كالرائبِ
من اللبن
(* قوله: «كالرائب من اللبن» في شرح القاموس في مادة راب ما نصه:
قال أَبو عبيد إِذا خثر اللبن، فهو الرائب ولا يزال ذلك اسمه حتى ينزع
زبده، واسمه على حاله بمنزلة العشراء من الإِبل وهي الحامل ثم تضع وهي
اسمها). وقيل: إِذا وَضَعت فهي عائدٌ وجمعها عَوْدٌ؛ قال الأَزهري: والعرب
يسمونها عِشَاراً بعدما تضع ما في بطونها للزوم الاسم بعد الوضع كما
يسمونها لِقَاحاً، وقيل العَشَراء من الإِبل كالنّفساء من النساء، ويقال:
ناقتان عُشَراوانِ. وفي الحديث: قال صَعْصعة بن ناجية: اشْتَرَيْت مَؤُودةً
بناقَتَينِ عُشَرَاوَيْنِ؛ قال ابن الأَثير: قد اتُّشِعَ في هذا حتى قيل
لكل حامل عُشَراء وأَكثر ما يطلق على الخيل والإِبل، والجمع عُشَراواتٌ،
يُبْدِلون من همزة التأْنيث واواً، وعِشَارٌ كَسَّرُوه على ذلك، كما
قالوا: رُبَعة ورُبَعاتٌ ورِباعٌ، أَجْرَوْا فُعلاء مُجْرَى فُعَلة كما
أَجْرَوْا فُعْلَى مُجْرَى فُعْلَة، شبهوها بها لأَن البناء واحد ولأَن آخره
علامة التأْنيث؛ وقال ثعلب: العِشَارُ من الإِبل التي قد أَتى عليها عشرة
أَشهر؛ وبه فسر قوله تعالى: وإِذا العِشَارُ عُطِّلَت؛ قال الفراء:
لُقَّحُ الإِبلِ عَطَّلَها أَهلُها لاشتغالهم بأَنْفُسِهم ولا يُعَطِّلُها
قومُها إِلا في حال القيامة، وقيل: العِشارُ اسم يقع على النوق حتى يُتْتج
بعضُها، وبعضُها يُنْتَظَرُ نِتاجُها؛ قال الفرزدق:
كَمْ عَمَّة لك يا جَرِيرُ وخالة
فَدْعاء، قد حَلَبَتْ عَلَيّ عِشَارِي
قال بعضهم: وليس للعِشَارِ لبن إِنما سماها عِشاراً لأَنها حديثة العهد
بالنِّتاج وقد وضعت أَولادها. وأَحْسَن ما تكون الإِبل وأَنْفَسُها عند
أَهلها إِذا كانت عِشَاراً. وعَشَّرَت الناقةُ تَعْشِيراً وأَعْشَرَت:
صارت عُشَراء، وأَعْشَرت أَيضاً: أَتى عليها عَشَرَةُ أَشهر من نتاجها.
وامرأَة مُعْشِرٌ: مُتِمٌّ، على الاستعارة. وناقة مِعْشارٌ: يَغْزُر
لبنُها ليالي تُنْتَج. ونَعتَ أَعرابي ناقةً فقال: إِنها مِعْشارٌ مِشْكارٌ
مِغْبَارٌ؛ مِعْشَارٌ ما تقدم، ومِشكارٌ تَغْزُر في أَول نبت الربيع،
ومِغْبارٌ لَبِنةٌ بعدما تَغْزُرُ اللواتي يُنْتَجْن معها؛ وأَما قول لبيد
يذكر مَرْتَعاً:
هَمَلٌ عَشائِرُه على أَوْلادِها،
مِن راشح مُتَقَوّب وفَطِيم
فإِنه أَراد بالعَشائِر هنا الظباءَ الحدِيثات العهد بالنتاج؛ قال
الأَزهري: كأَنَّ العَشائرَ هنا في هذا المعنى جمع عِشَار، وعَشائرُ هو جمع
الجمع، كما يقال جِمال وجَمائِل وحِبَال وحَبائِل.
والمُعَشِّرُ: الذي صارت إِبلُه عِشَاراً؛ قال مَقّاس ابن عمرو:
ليَخْتَلِطَنَّ العامَ راعٍ مُجَنَّبٌ،
إِذا ما تلاقَيْنا براعٍ مُعَشِّر
والعُشْرُ: النُّوقُ التي تُنْزِل الدِّرَّة القليلة من غير أَن تجتمع؛
قال الشاعر:
حَلُوبٌ لعُشْرِ الشُّولِ في لَيْلةِ الصَّبا،
سَريعٌ إِلى الأَضْيافِ قبل التأَمُّلِ
وأَعْشارُ الجَزورِ: الأَنْصِباء. والعِشْرُ: قطعة تنكَسِرُ من القَدَح
أَو البُرْمة كأَنها قطعة من عَشْر قطع، والجمع أَعْشارٌ. وقَدَحٌ
أَعْشارٌ وقِدْرٌ أَعْشَارٌ وقُدورٌ أَعاشِيرُ: مكسَّرَة على عَشْرِ قطع؛ قال
امرؤ القيس في عشيقته:
وما ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتَقدَحِي
بِسَهْمَيكِ في أَعْشارِ قَلْب مُقَتَّلِ
أَراد أَن قلبه كُسِّرَ ثم شُعِّبَ كما تُشَعَّبُ القِدْرُ؛ قال
الأَزهري: وفيه قول آخر وهو أَعجب إِليّ من هذا القول، قال أَبو العباس أَحمد بن
يحيى: أَراد بقوله بسَهْمَيْكِ ههنا سَهْمَيْ قِداح المَيْسِر، وهما
المُعَلَّى والرَّقيب، فللمُعَلَّى سبعة أَنْصِباء وللرقيب ثلاثة، فإِذا فاز
الرجل بهما غلَب على جَزورِ المَيْسرِ كلها ولم يَطْمَعْ غيرُه في شيء
منها، وهي تُقْسَم على عَشَرة أَجزاء، فالمعنى أَنها ضَربت بسهامها على
قلبه فخرج لها السهام فغَلبته على قَلْبه كلِّه وفَتَنته فَمَلَكَتْه؛
ويقال: أَراد بسهْمَيْها عَيْنَيْها، وجعل أَبو الهيثم اسم السهم الذي له
ثلاثة أَنْصِباء الضَّرِيبَ، وهو الذي سماه ثعلب الرَّقِيب؛ وقال اللحياني:
بعض العرب يُسمّيه الضَّرِيبَ وبعضهم يسمّيه الرقيب، قال: وهذا التفسير
في هذا البيت هو الصحيح. ومُقَتَّل: مُذَلَّل. وقَلْبٌ أَعْشارٌ: جاء على
بناء الجمع كما قالوا رُمْح أَقْصادٌ.
وعَشّرَ الحُبُّ قَلْبَه إِذا أَضْناه. وعَشَّرْت القَدَحَ تَعْشِيراً
إِذا كسَّرته فصيَّرته أَعْشاراً؛ وقيل: قِدْرٌ أَعشارٌ عظيمة كأَنها لا
يحملها إِلا عَشْرٌ أَو عَشَرةٌ، وقيل: قِدْرٌ أَعْشارٌ متكسِّرة فلم يشتق
من شيء؛ قال اللحياني: قِدر أَعشارٌ من الواحد الذي فُرِّقَ ثم جُمِع
كأَنهم جعلوا كل جزء منه عُشْراً.
والعواشِرُ: قوادمُ ريش الطائر، وكذلك الأَعْشار؛ قال الأَعشى:
وإِذا ما طغا بها الجَرْيُ، فالعِقْـ
ـبانُ تَهْوِي كَواسِرَ الأَعْشارِ
وقال ابن بري إِن البيت:
إِن تكن كالعُقَابِ في الجَوّ، فالعِقْـ
ـبانُ تَهْوِي كَواسِرَ الأَعْشار
والعِشْرَةُ: المخالطة؛ عاشَرْتُه مُعَاشَرَةً، واعْتَشَرُوا
وتَعاشَرُوا: تخالطوا؛ قال طَرَفة:
ولَئِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا مَرَّةَ،
لَعَلَى عَهْد حَبيب مُعْتَشِرْ
جعل الحَبيب جمعاً كالخَلِيط والفَرِيق. وعَشِيرَة الرجل: بنو أَبيه
الأَدْنَونَ، وقيل: هم القبيلة، والجمع عَشَائر. قال أَبو علي: قال أَبو
الحسن: ولم يُجْمَع جمع السلامة. قال ابن شميل: العَشِيرَةُ العامّة مثل بني
تميم وبني عمرو بن تميم، والعَشِيرُ القبيلة، والعَشِيرُ المُعَاشِرُ،
والعَشِيرُ: القريب والصديق، والجمع عُشَراء، وعَشِيرُ المرأَة: زوجُها
لأَنه يُعاشِرها وتُعاشِرُه كالصديق والمُصَادِق؛ قال ساعدة بن جؤية:
رأَتْه على يَأْسٍ، وقد شابَ رَأْسُها،
وحِينَ تَصَدَّى لِلْهوَانِ عَشِيرُها
أَراد لإِهانَتِها وهي عَشِيرته. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:
إِنَّكُنّ أَكْثَرُ أَهل النار، فقيل: لِمَ يا رسول الله؟ قال: لأَنَّكُنّ
تُكْثِرْن اللَّعْنَ وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ؛ العَشِيرُ: الزوج. وقوله تعالى:
لَبِئْسَ المَوْلى ولَبئْسَ العَشِير؛ أَي لبئس المُعاشِر.
ومَعْشَرُ الرجل: أَهله. والمَعْشَرُ: الجماعة، متخالطين كانوا أَو غير
ذلك؛ قال ذو الإِصبع العَدْوانيّ:
وأَنْتُمُ مَعْشَرٌ زيْدٌ على مِائَةٍ،
فأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ طُرّاً فكِيدُوني
والمَعْشَر والنَّفَر والقَوْم والرَّهْط معناهم: الجمع، لا واحد لهم من
لفظهم، للرجال دون النساء. قال: والعَشِيرة أَيضاً الرجال والعالَم
أَيضاً للرجال دون النساء. وقال الليث: المَعْشَرُ كل جماعة أَمرُهم واحد نحو
مَعْشر المسلمين ومَعْشَر المشركين. والمَعاشِرُ: جماعاتُ الناس.
والمَعْشَرُ: الجن والإِنس. وفي التنزيل: يا مَعْشَرَ الجنَّ والإِنس.
والعُشَرُ: شجر له صمغ وفيه حُرّاقٌ مثل القطن يُقْتَدَح به. قال أَبو
حنيفة: العُشر من العِضاه وهو من كبار الشجر، وله صمغ حُلْوٌ، وهو عريض
الورق ينبت صُعُداً في السماء، وله سُكّر يخرج من شُعَبِه ومواضع زَهْرِه،
يقال له سُكّرُ العُشَر، وفي سُكّرِه شيءٌ من مرارة، ويخرج له نُفّاخٌ
كأَنها شَقاشِقُ الجمال التي تَهْدِرُ فيها، وله نَوْرٌ مثل نور الدِّفْلى
مُشْربٌ مُشرق حسن المنظَر وله ثمر. وفي حديث مَرْحب: اين محمد بن سلمة
بارَزَه فدخلت بينهما شجرةٌ من شجر العُشر. وفي حديث ابن عمير: وقُرْصٌ
بُرِّيٌّ بلبنٍ عُشَريّ أَي لَبَن إِبلٍ ترعى العُشَرَ، وهو هذا الشجر؛ قال
ذو الرمة يصف الظليم:
كأَنّ رِجْلَيه، مما كان من عُشَر،
صَقْبانِ لم يَتَقَشَّرْ عنهما النَّجَبُ
الواحدة عُشَرة ولا يكسر، إِلا أَن يجمع بالتاء لقلة فُعَلة في
الأَسماء.ورجل أَعْشَر أَي أَحْمَقُ؛ قال الأَزهري: لم يَرْوِه لي ثقةٌ
أَعتمده.ويقال لثلاث من ليالي الشهر: عُشَر، وهي بعد التُّسَع، وكان أَبو عبيدة
يُبْطِل التُّسَعَ والعُشَرَ إِلا أَشياء منه معروفة؛ حكى ذلك عنه أَبو
عبيد.
والطائفيّون يقولون: من أَلوان البقر الأَهليّ أَحمرُ وأَصفرُ وأَغْبَرُ
وأَسْودُ وأَصْدأُ وأَبْرَقُ وأَمْشَرُ وأَبْيَضُ وأَعْرَمُ وأَحْقَبُ
وأَصْبَغُ وأَكْلَفُ وعُشَر وعِرْسِيّ وذو الشرر والأَعْصم والأَوْشَح؛
فالأَصْدَأُ: الأَسود العينِ والعنقِ والظهرِ وسائرُ جسده أَحمر،
والعُشَرُ: المُرَقَّع بالبياض والحمرةِ، والعِرْسِيّ: الأَخضر، وأَما ذو الشرر
فالذي على لون واحد، في صدرِهِ وعنُقِه لُمَعٌ على غير لونه. وسَعْدُ
العَشِيرة: أَبو قبيلة من اليمن، وهو سعد بن مَذْحِجٍ. وبنو العُشَراء: قوم من
العرب. وبنو عُشَراء: قوم من بني فَزارةَ. وذو العُشَيْرة: موضع
بالصَّمّان معروف ينسب إِلى عُشَرةٍ نابتة فيه؛ قال عنترة:
صَعْل يَعُودُ بذي العُشَيْرة بَيْضَه،
كالعَبْدِ ذي الفَرْوِ الطويل الأَصْلَمِ
شبَّهه بالأَصْلم، وهو المقطوع الأُذن، لأَن الظليم لا أُذُنَين له؛ وفي
الحديث ذكر غزوة العُشَيرة. ويقال: العُشَيْر وذاتُ العُشَيرة، وهو موضع
من بطن يَنْبُع. وعِشَار وعَشُوراء: موضع. وتِعْشار: موضع بالدَّهناء،
وقيل: هو ماء؛ قال النابغة:
غَلَبُوا على خَبْتٍ إِلى تِعْشارِ
وقال الشاعر:
لنا إِبلٌ لم تَعْرِف الذُّعْرَ بَيْنَها
بتِعْشارَ مَرْعاها قَسَا فصَرائمُهْ
طوف: طافَ به الخَيالُ طَوْفاً: أَلَمَّ به في النوم، وسنذكره في طيف
أَيضاً لأَن الأَصمعي يقول طاف الخيال يَطيف طَيْفاً، وغيره يَطوف. وطاف
بالقوم وعليهم طَوْفاً وطَوَفاناً ومَطافاً وأَطافَ: اسْتدار وجاء من
نواحِيه. وأَطاف فلان بالأَمر إذا أَحاط به، وفي التنزيل العزيز يطاف عليهم
بآنية من فِضَّة. وقيل: طافَ به حامَ حَوْله. وأَطاف به وعليه: طَرَقَه
لَيْلاً. وفي التنزيل العزيز: فطافَ عليها طائفٌ من ربك وهم نائمون. ويقال
أَيضاً: طافَ، وقال الفرّاء في قوله فطاف عليها طائف قال: لا يكون الطائف
إلا ليلاً ولا يكون نهاراً، وقد تتكلم به العرب فيقولون أَطَفتُ به
نهاراً وليس موضعُه بالنهار، ولكنه بمنزلة قولك لو تُرِك القَطَا ليلاً لنام
لأَنَّ القَطا لا يَسْري ليلاً؛ وأَنشد أَبو الجَرّاح:
أَطَفْتُ بها نهاراً غَيْرَ لَيْلٍ،
وأَلْهَى رَبَّها طَلبُ الرِّجالِ
وطافَ بالنساء لا غير. وطافَ حَوْلَ الشيء يَطوف طَوْفاً وطَوَفاناً
وتَطَوَّفَ واسْتطاف كلُّه بمعنى. ورجل طافٌ: كثير الطَّواف. وتَطَوَّفَ
الرجلُ أَي طافَ، وطوَّف أَي أَكثر الطَّوافَ، وطاف بالبيت وأَطافَ عليه:
دارَ حَوْله؛ قال أَبو خراش:
تُطِيفُ عليه الطَّيرُ، وهو مُلَحَّبٌ،
خِلافَ البُيوتِ عند مُحْتَملِ الصُّرْم
وقوله عز وجل: ولْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق، هو دليل على أَن
الطَّوافَ بالبيت يوم النحْر فَرْض. واسْتَطافَه: طافَ به. ويقال: طافَ بالبيت
طَوافاً واطَّوَّفَ اطّوَّافاً، والأَصل تَطَوَّفَ تَطَوُّفاً وطافَ
طَوْفاً وطَوَفاناً. والمَطافُ: موضِعُ المَطافِ حول الكعبة. وفي الحديث ذكر
الطَّواف بالبيت، وهو الدَّوران حوله، تقول: طُفْتُ أَطوف طوْفاً وطَوافاً،
والجمع الأَطواف. وفي الحديث: كانت المرأَةُ تَطُوف بالبيت وهي
عُرْيانةٌ تقول: من يُعِيرُني تَطْوافاً؟ تجعله على فَرجها. قال: هذا على حذف
المضاف أَي ذا تَطْوافٍ، ورواه بعضهم بكسر التاء، قال: وهو الثوب الذي
يُطافُ به، قال: ويجوز أَن يكون مصدراً.
والطائفُ: مدينة بالغَوْرِ، يقال: إنما سميت طائفاً للحائط الذي كانوا
بنَوْا حَوْلها في الجاهلية المُحْدِق بها الذي حَصَّنُوها به. والطائفُ:
بلاد ثَقِيفَ. والطائِفيّ: زبيب عَناقِيدُه مُتراصِفةُ الحبّ كأَنه منسوب
إلى الطائف.
وأَصابه طَوْفٌ من الشيطان وطائفٌ وطَيِّف وطَيْفٌ، الأَخيرة على
التخفيف، أَي مَسٌّ. وفي التنزيل العزيز: إذا مسَّهم طائفٌ من الشيطان،
وطَيْفٌ؛ وقال الأَعشى:
وتُصْبِحُ عن غِبِّ السُّرى، وكأَنما
أَطافَ بها من طائِفِ الجِنّ أَوْلَقُ
قال الفراء: الطائفُ والطيْف سواء، وهو ما كان كالخَيال والشيء يُلِمّ
بك؛ قال أَبو العيال الهُذلي:
ومَنَحْتَني جَدَّاء، حينَ مَنَحْتَني،
فإذا بها، وأَبيكَ، طَيْفُ جُنُونِ
وأَطافَ به أَي أَلمّ به وقارَبه؛ قال بِشْر:
أَبُو صِبْيةٍ شُعْثٍ يُطِيفُ بشَخْصه
كَوالِحُ، أَمْثال اليعاسِيب، ضُمَّرُ
وروي عن مجاهد في قوله تعالى إذا مسهم طائفٌ قال: الغَضَبُ، وروي ذلك
أَيضاً عن ابن عباس. قال أَبو منصور: الطيْفُ في كلام العرب الجُنُون، رواه
أَبو عبيد عن الأحمر، قال: وقيل للغضب طيفٌ لأَن عقل من اسْتَفزَّه
الغضبُ يَعْزُب حتى يصير في صورة المَجْنون الذي زال عقله، قال: وينبغي
للعاقل إذا أَحسَّ من نفسه إفراطاً في الغضب أَن يذكر غضَب اللّه على
المُسْرِفين، فلا يَقْدَم على ما يُوبِقُه ويَسأَل اللّه تَوْفِيقَه للقصد في
جميع الأَحوال إنه المُوَفِّق له .وقال الليث شيء كل الشيء يَغْشَى البصر من
وَسْواس الشيطان، فهو طَيْفٌ، وسنذكر عامة ذلك في طيف لأَن الكلمة يائية
وواوية. وطاف في البلاد طوْفاً وتَطْوافاً وطَوَّف: سار فيها.
والطَّائفُ: العاسُّ بالليل. الطائفُ: العَسَسُ. والطَّوَّافون: الخَدَم
والمَمالِيك. وقال الفراء في قوله عز وجل: طَوَّافون عليكم بعضُكم على بعض، قال:
هذا كقولك في الكلام إنما هم خَدَمُكم وطَوَّافون عليكم، قال: فلو كان
نصباً كان صواباً مخْرَجُه من عليهم. وقال أَبو الهيثم: الطائفُ هو الخادمُ
الذي يخدُمك برفْق وعناية، وجمعه الطوّافون. وقال النبي، صلى اللّه عليه
وسلم، في الهِرَّةِ: إنما هي من الطوّافاتِ في البيت أَي من خَدَمِ
البيت، وفي طريق آخر: إنما هي من الطَّوّافينَ عليكم والطوَّافاتِ، والطوَّاف
فَعَّال، شبهها بالخادم الذي يَطُوف على مَوْلاه ويدور حولَه أَخذاً من
قوله: ليس عليكم ولا عليهم جُناح بعدَهنَّ طوَّافون عليكم، ولما كان فيهم
ذكور وإناث قال: الطوَّافين والطوَّافاتِ، قال: ومنه الحديث لقد
طَوّفْتُما بي الليلة. يقال: طوَّفَ تَطْوِيفاً وتَطْوافاً. والطائفةُ من الشيء:
جزء منه. وفي التنزيل العزيز: وليَشْهَد عَذابَهما طائفةٌ من المؤمنين؛
قال مجاهد: الطائفةُ الرجل الواحد إلى الأَلف، وقيل: الرجل الواحد فما
فوقه، وروي عنه أَيضاً أَنه قال: أَقَلُّه رجل، وقال عطاء: أَقله رجلان.
يقال: طائفة من الناس وطائفة من الليل. وفي الحديث: لا تزالُ طائفةٌ من
أُمتي على الحقّ؛ الطائفةُ: الجماعة من الناس وتقع على الواحد كأَنه أَراد
نفساً طائفة؛ وسئل إسحق بن راهويه عنه فقال: الطائفةُ دون الأَلف وسَيبْلُغ
هذا الأَمرُ إلى أَن يكون عدد المتمسكين بما كان عليه رسول اللّه، صلى
اللّه عليه وسلم، وأَصحابه أَلفاً يُسَلِّي بذلك أَن لا يُعْجِبهم كثرةُ
أَهل الباطل. وفي حديث عمران بن حُصَيْن وغُلامه الآبِقِ: لأَقْطَعَنَّ
منه طائفاً؛ هكذا جاء في رواية، أَي بعض أَطرافه، ويروى بالباء والقاف.
والطائفةُ: القِطعةُ من الشيء؛ وقول أَبي كبير الهذلي:
تَقَعُ السُّيوفُ على طَوائفَ مِنهمُ،
فيُقامُ مِنهمْ مَيْلُ مَن لم يُعْدَلِ
قيل: عنى بالطوائف النواحِيَ، الأَيدِيَ والأَرجلَ. والطوائفُ من
القَوْسِ: ما دون السية، يعني بالسِّية ما اعْوَجَّ من رأْسها وفيها طائفان،
وقال أَبو حنيفة: طائفُ القوس ما جاوَزَ كُلْيَتَها من فوق وأَسفل إلى
مُنحنَى تَعْطيف القوسِ من طرَفها. قال ابن سيده: وقضَيْنا على هاتين
الكلمتين بالواو لكونها عيناً مع أَن ط و ف أَكثر من ط ي ف. وطائفُ القوس: ما
بين السِّيةِ والأَبْهر، وجمعه طَوائفُ؛ وأَنشد ابن بري:
ومَصُونَةٍ دُفِعَتْ، فلما أَدْبَرَتْ،
دَفَعَتْ طَوائِفُها على الأَقْيالِ
وطافَ يَطُوفُ طَوْفاً. واطّافَ اطِّيافاً: تَغَوَّط وذهب إلى البَراز.
والطَّوْفُ: النَّجْوُ. وفي الحديث: لا يَتناجى اثنان على طَوْفِهما.
ومنه: نُهِيَ عن مُتَحَدِّثَيْن على طَوْفِهما أَي عند الغائط. وفي حديث ابن
عباس، رضي اللّه عنهما: لا يُصَلِّيَنَّ أَحدُكم وهو يُدافع الطَّوْف ما
كان من ذلك بعد الرضاع الأَحمر. يقال لأَول ما يخرج من بطن الصَّبي:
عِقْيٌ فإذا رَضِع فما كان بعد ذلك قيل: طاف يَطُوف طَوْفاً، وزاد ابن
الأَعرابي فقال: اطّاف يَطَّافُ اطِّيافاً إذا أَلقى ما في جَوْفه؛
وأَنشد:عَشَّيْتُ جابان حتى اسْتَدّ مَغْرِضُه،
وكادَ يَنْقَدُّ إلا أَنه اطَّافا
(* استدّ أي انسد.)
جابان: اسم جمل
(* قوله «اسم جمل» عبارة القاموس اسم رجل.). وفي حديث
لقيط: ما يبسط أَحدُكم يدَه إلا وَقَع عليها قَدَحٌ مُطهِّرَةٌ من الطَّوف
والأَذى؛ الطَّوْفُ: الحدث من الطعام، المعنى من شرب تلك الشربة طهُر من
الحدث والأَذى، وأَنت القَدَح لأَنه ذهب بها إلى الشرْبة. والطَّوْفُ:
قِرَبٌ يُنْفَخُ فيها ويُشَدُّ بعضُها ببعْض فتُجْعل كهيئة سطح فوق الماء
يُحمل عليها المِيرةُ والناسُ، ويُعْبَر عليها ويُرْكَب عليها في الماء
ويحمل عليها، وهو الرَّمَث، قال: وربما كان من خَشب. والطوْفُ: خشب يشدُّ
ويركب عليه في البحر، والجمع أَطْواف، وصاحبه طَوَّافٌ. قال أَبو منصور:
الطَّوْفُ التي يُعْبَرُ عليها في الأَنهار الكبار تُسَوَّى من القَصَبِ
والعِيدانِ يُشدُّ بعضُها فوق بعض ثم تُقَمَّطُ بالقُمُط حتى يُؤْمنَ
انْحِلالُها، ثم تركب ويُعبر عليها وربما حُمل عليها الجَملُ على قدر قُوَّته
وثخانته، وتسمَّى العامَةَ، بتخفيف الميم. ويقال: أَخذه بِطُوفِ رقبته
وبطاف رقبته مثل صُوف رقبته. والطَّوْفُ: القِلْدُ. وطَوْفُ القصَب: قدرُ
ما يُسقاه. والطَّوف والطائفُ: الثَّوْرُ الذي يَدُور حَوْلَه البَقَرُ
في الدِّياسة.
والطُّوفانُ: الماء الذي يَغْشى كل مكان، وقيل: المطر الغالب الذي
يُغْرِقُ من كثرته، وقيل: الطوفان الموت العظيم. وفي الحديث عن عائشة، رضي
اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم: الطوفان الموت،
وقيل الطوفان من كل شيء ما كان كثيراً مُحِيطاً مُطيفاً بالجماعة كلها
كالغَرَق الذي يشتمل على المدن الكثيرة. والقتلُ الذريع والموتُ الجارفُ يقال
له طُوفان، وبذلك كله فسر قوله تعالى: فأَخذهم الطُّوفان وهم ظالمون؛
وقال:
غَيَّر الجِدّةَ من آياتها
خُرُقُ الريح، وطوفانُ المَطر
وفي حديث عمرو بن العاص: وذُكر الطاعونُ فقال لا أَراه إلا رِجْزاً أَو
طوفاناً؛ أَراد بالطوفان البَلاء، وقيل الموت. قال ابن سيده: وقال
الأَخفش الطُّوفان جمع طُوفانةٍ، والأَخفش ثِقة؛ قال: وإذا حكى الثقة شيئاً لزم
قبوله، قال أَبو العباس: وهو من طاف يطوف، قال: والطُّوفان مصدر مثل
الرُّجْحان والنقْصان ولا حاجة به إلى أَن يطلب له واحداً. ويقال لشدَّة
سواد الليل: طُوفان. والطُّوفانُ: ظَلام الليل؛ قال العجاج:
حتى إذا ما يَوْمُها تَصَبْصَبا،
وعَمَّ طُوفانُ الظلام الأَثْأَبا
عم: أَلبس، والأَثأَب: شجر شبه الطرفاء إلا أَنه أَكبر منه. وطَوَّفَ
الناسُ والجرادُ إذا ملؤوا الأَرض كالطُّوفان؛ قال الفرزدق:
على مَن وَراء الرَّدْمِ لو دُكَّ عنهمُ،
لَماجُوا كما ماجَ الجرادُ وطَوَّفُوا
التهذيب في قوله تعالى: فأَرسلنا عليهم الطوفان والجراد، قال الفراء:
أَرسل اللّه عليهم السماءَ سَبْتاً فلم تُقْلِع ليلاً ولا نهاراً فضاقت بهم
الأَرض فسأَلوا موسى أَن يُرْفع عنهم فَرُفِع فلم يتوبوا.
صعد: صَعِدَ المكانَ وفيه صُعُوداً وأَصْعَدَ وصَعَّدَ: ارتقى
مُشْرِفاً؛ واستعاره بعض الشعراء للعرَض الذي هو الهوى فقال:
فأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنَهُ عنْ بِما بِهِ،
أَصَعَّدَ، في عُلْوَ، الهَوَى أَمْ تَصَوَّبَا
أَراد عما به، فزاد الباء وفَصَل بها بين عن وما جرَّته، وهذا من غريب
مواضعها، وأَراد أَصَعَّدَ أَم صوّب فلما لم يمكنه ذلك وضع تَصوَّب موضع
صَوَّبَ.
وجَبَلٌ مُصَعِّد: مرتفع عال؛ قال ساعدة بن جُؤَيَّة:
يأْوِي إِلى مُشْمَخِرَّاتٍ مُصَعِّدَةٍ
شُمٍّ، بِهِنَّ فُرُوعُ القَانِ والنَّشَمِ
والصَّعُودُ: الطريق صاعداً، مؤنثة، والجمع أَصْعِدةٌ وصُعُدٌ.
والصَّعُودُ والصَّعُوداءُ، ممدود: العَقَبة الشاقة، قال تميم بن مقبل:
وحَدَّثَهُ أَن السبيلَ ثَنِيَّةٌ
صَعُودَاءُ، تدعو كلَّ كَهْلٍ وأَمْرَدا
وأَكَمَة صَعُودٌ وذاتُ صَعْداءَ: يَشتدّ صُعودها على الراقي؛ قال:
وإِنَّ سِياسَةَ الأَقْوامِ، فاعْلَم،
لهَا صَعْدَاءُ، مَطْلَعُها طَوِيلُ
والصَّعُودُ: المشقة، على المثل. وفي التنزيل: سأُرْهِقُه صَعُوداً؛ أَي
على مشقة من العذاب. قال الليث وغيره: الصَّعُودُ ضد الهَبُوط، والجمع
صعائدُ وصُعُدٌ مثل عجوز وعجائز وعُجُز. والصَّعُودُ: العقبة الكؤود،
وجمعها الأَصْعِدَةُ. ويقال: لأُرْهِقَنَّكَ صَعُوداً أَي لأُجَشِّمَنَّكَ
مَشَقَّةً من الأَمر، وإِنما اشتقوا ذلك لأَن الارتفاع في صَعُود أَشَقُّ
من الانحدار في هَبُوط؛ وقيل فيه: يعني مشقة من العذاب، ويقال بل جَبَلٌ
في النار من جمرة واحدة يكلف الكافرُ ارتقاءَه ويُضرب بالمقامع، فكلما وضع
عليه رجله ذابت إِلى أَسفلِ وَرِكِهِ ثم تعود مكانها صحيحة؛ قال: ومنه
اشتق تَصَعَّدَني ذلك الأَمرُ أَي شق عليّ. وقال أَبو عبيد في قول عمر،
رضي الله عنه: ما تَصَعَّدَني شيءٌ ما تَصَعَّدَتْني خِطْبَةُ النكاح أَي
ما تكاءَدتْني وما بَلَغَتْ مني وما جَهَدَتْني، وأَصله من الصَّعُود، وهي
العقبة الشاقة. يقال: تَصَعَّدَهُ الأَمْرُ إِذا شق عليه وصَعُبَ؛ قيل:
إِنما تَصَعَّبُ عليه لقرب الوجوه من الوجوه ونظَرِ بعضهم إِلى بعض،
ولأَنهم إِذا كان جالساً معهم كانوا نُظَراءَ وأَكْفاءً، وإِذا كان على
المنبر كانوا سُوقَةً ورعية.
والصَّعَدُ: المشقة. وعذاب صَعَدٌ، بالتحريك، أَي شديد. وقوله تعالى:
نَسْلُكه عذاباً صَعَداً؛ معناه، والله أَعلم، عذاباً شاقّاً أَي ذا صَعَد
ومَشَقَّة.
وصَعَّدَ في الجبل وعليه وعلى الدرجة: رَقِيَ، ولم يعرفوا فيه صَعِدَ.
وأَصْعَد في الأَرض أَو الوادي لا غير: ذهب من حيث يجيء السيل ولم يذهب
إِلى أَسفل الوادي؛ فأَما ما أَنشده سيبويه لعبد
الله بن همام السلولي:
فإِمَّا تَرَيْني اليومَ مُزْجِي مَطِيَّتي،
أُصَعِّدُ سَيْراً في البلادِ وأُفْرِعُ
فإِنما ذهب إِلى الصُّعود في الأَماكن العالية. وأُفْرِعُ ههنا:
أَنْحَدِرُ لأَنّ الإِفْراع من الأَضْداد، فقابل التَّصَعُّدَ بالتَّسَفُّل؛ هذا
قول أَبي زيد؛ قال ابن بري: إِنما جعل أُصَعِّدُ بمعنى أَنحدر لقوله في
آخر البيت وأُفرع، وهذا الذي حمل الأَخفشَ على اعتقاد ذلك، وليس فيه دليل
لأَن الإِفراع من الأَضداد يكون بمعنى الانحدار، ويكون بمعنى الإِصعاد؛
وكذلك صَعَّدَ أَيضاً يجيء بالمعنيين. يقال: صَعَّدَ في الجبل إِذا طلع
وإِذا انحدر منه، فمن جعل قوله. أُصَعِّدُ في البيت المذكور بمعنى
الإِصعاد كان قوله أُفْرِعُ بمعنى الانحدار، ومن جعله بمعنى الانحدار كان قوله
أُفرع بمعنى الإِصعاد؛ وشاهد الإِفراع بمعنى الإِصعاد قول الشاعر:
إِني امْرُؤٌ مِن يَمانٍ حين تَنْسُبُني،
وفي أُمَيَّةَ إِفْراعِي وتَصْويبي
فالإِفراع ههنا: الإِصعاد لاقترانه بالتصويب. قال: وحكي عن أَبي زيد
أَنه قال: أَصْعَدَ في الجبل، وصَعَّدَ في الأَرض، فعلى هذا يكون المعنى في
البيت أُصَعِّدُ طَوْراً في الأَرض وطَوْراً أُفْرِعُ في الجبل، ويروى:
«وإِذ ما تريني اليوم» وكلاهما من أَدوات الشرط، وجواب الشرط في قوله
إِمَّا تريني في البيت الثاني:
فَإِنيَ مِنْ قَوْمٍ سِواكُمْ، وإِنما
رِجاليَ فَهْمٌ بالحجاز وأَشْجَعُ
وإِنما انتسب إِلى فَهْمٍ وأَشجع، وهو من سَلول بن عامر، لأَنهم كانوا
كلهم من قيس عيلان بن مضر؛ ومن ذلك قول الشماخ:
فإِنْ كَرِهْتَ هِجائي فاجْتَنِبْ سَخَطِي،
لا يَدْهَمَنَّكَ إِفْراعِي وتَصْعِيدِي
وفي الحديث في رَجَزٍ:
فهو يُنَمِّي صُعُداً
أَي يزيدُ صُعوداً وارتفاعاً. يقال: صَعِدَ إِليه وفيه وعليه. وفي
الحديث: فَصَعَّدَ فِيَّ النَّظَرَ وصَوَّبه أَي نظر إِلى أَعلاي وأَسفلي
يتأَملني. وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: كأَنما يَنْحَطُّ في صَعَد؛ هكذا
جاءَ في رواية يعني موضعاً عالياً يَصْعَدُ فيه وينحطّ، والمشهور: كأَنما
ينحط في صَبَبٍ.
والصُّعُدُ، بضمتين: جمع صَعُود، وهو خلاف الهَبُوط، وهو بفتحتين، خلاف
الصَّبَبِ. وقال ابن الأَعرابي: صَعِدَ في الجبل واستشهد بقوله تعالى:
إِليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ؛ وقد رجع أَبو زيد إِلى ذلك فقال:
اسْتَوْأَرَتِ الإِبلُ إِذا نَفَرَت فَصَعِدَتِ الجبال، ذَكره في الهمز. وفي
التنزيل: إِذ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ على أَحَدٍ؛ قال الفراء:
الإِصْعادُ في ابتداء الأَسفار والمخارج، تقول: أَصْعَدْنا من مكة، وأَصْعَدْنا
من الكوفة إِلى خُراسان وأَشباه ذلك، فإِذا صَعِدْتَ في السُّلَّمِ وفي
الدَّرَجَةِ وأَشباهه قُلْتَ: صَعِدْتُ، ولم تقل أَصْعَدْتُ. وقرأَ الحسن:
إِذ تَصْعَدُون؛ جعل الصُّعودَ في الجبل كالصُّعُود في السلم. ابن
السكيت: يقال صَعِدَ في الجبل وأَصْعَدَ في البلاد. ويقال: ما زلنا في صَعود،
وهو المكان فيه ارتفاع. وقال أَبو صخر: يكون الناس في مَباديهم، فإِذا
يَبِسَ البقل ودخل الحرّ أَخذوا إِلى حاضِرِهِم، فمن أَمَّ القبلة فهو
مُصْعِدٌ، ومن أَمَّ العراق فهو مُنْحَدِرٌ؛ قال الأَزهري: وهذا الذي قاله
أَبو صخر كلام عربي فصيح، سمعت غير واحد من العرب يقول: عارَضْنا الحاجَّ
في مَصْعَدِهم أَي في قَصْدِهم مكةَ، وعارَضْناهم في مُنْحَدَرِهم أَي في
مَرْجِعهم إِلى الكوفة من مكة. قال ابن السكيت: وقال لي عُمارَة:
الإِصْعادُ إِلى نجد والحجاز واليمن، والانحدار إِلى العراق والشام وعُمان. قال
ابن عرفة: كُلُّ مبتدئ وجْهاً في سفر وغيره، فهو مُصْعِدٌ في ابتدائه
مُنْحَدِرٌ في رجوعه من أَيّ بلد كان. وقال أَبو منصور: الإِصْعادُ الذهاب
في الأَرض؛ وفي شعر حسان:
يُبارينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِداتٍ
أَي مقبلات متوجهات نحوَكم. وقال الأَخفش: أَصْعَدَ في البلاد سار ومضى
وذهب؛ قال الأَعشى:
فإِنْ تَسْأَلي عني، فَيَا رُبَّ سائِلٍ
حَفِيٍّ عَن الأَعشى، به حَيْثُ أَصْعَدا
وأَصْعَدَ في الوادي: انحدر فيه، وأَما صَعِدَ فهو ارتقى. ويقال:
أَصْعَدَ الرجلُ في البلاد حيث توجه. وأَصْعَدَتِ السفينةُ إِصْعاداً إِذا
مَدَّت شِراعَها فذهبت بها الريح صَعَداً. وقال الليث: صَعِدَ إِذا ارتقى،
وأَصْعَدَ يُصْعِدُ إِصْعاداً، فهو مُصْعِدٌ إِذا صار مُسْتَقْبِلَ حَدُورٍ
أَو نَهَر أَو واد، أَو أَرْفَعَ
(* قوله «او أرفع إلخ» كذا بالأصل
المعوّل عليه، ولعل فيه سقطاً والأصل أو أرض أَرفع بقرينة قوله الأخرى وقال
الأساس أصعد في الأرض مستقبل أرض أخرى): من الأُخرى؛ قال: وصَعَّدَ في
الوادي يُصَعّدُ تَصْعِيداً وأَصْعَدَ إِذا انحدر فيه. قال الأَزهري:
والاصِّعَّادُ عندي مثل الصُّعُود. قال الله تعالى: كأَنما يَصَّعِّد في
السماء. يقال: صَعِدَ واصَّعَّدَ واصَّاعَدَ بمعنى واحد. ورَكَبٌ مُصْعِدٌ:
ومُصَّعِّدٌ: مرتفع في البطن منتصب؛ قال:
تقول ذاتُ الرَّكَبِ المُرَفَّدِ:
لا خافضٍ جِدّاً، ولا مُصَّعِّد
وتصَعَّدني الأَمرُ وتَصاعَدني: شَقَّ عليَّ. والصُّعَداءُ، بالضم
والمدّ: تنفس ممدود. وتصَعَّدَ النَّفَسُ: صَعُبَ مَخْرَجُه، وهو الصُّعَداءُ؛
وقيل: الصُّعَداءُ النفَسُ إِلى فوق ممدود، وقيل: هو النفَسُ بتوجع، وهو
يَتَنَفَّسُ الصُّعَداء ويتنفس صُعُداً. والصُّعَداءُ: هي المشقة
أَيضاً.وقولهم: صَنَعَ أَو بَلَغَ كذا وكذا فَصاعِداً أَي فما فوق ذلك. وفي
الحديث: لا صلاةَ لمن لم يقرأْ بفاتحة الكتاب فَصاعِداً أَي فما زاد عليها،
كقولهم: اشتريته بدرهم فصاعداً. قال سيبويه: وقالوا أَخذته بدرهم
فصاعداً؛ حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إِياه، ولأَنهم أَمِنوا أَن يكون على
الباء، لأَنك لو قلت أَخذته بِصاعِدٍ كان قبيحاً، لأَنه صفة ولا يكون في موضع
الاسم، كأَنه قال أَخذته بدرهم فزاد الثمنُ صاعِداً أَو فذهب صاعداً.
ولا يجوز أَن تقول: وصاعداً لأَنك لا تريد أَن تخبر أَن الدرهَم مع صاعِدٍ
ثَمَنٌ لشيء كقولك بدرهم وزيادة، ولكنك أَخبرت بأَدنى الثمن فجعلته
أَولاً ثم قَرَّرْتَ شيئاً بعد شيء لأَثْمانٍ شَتَّى؛ قال: ولم يُرَدْ فيها
هذا المعنى ولم يُلْزِم الواوُ الشيئين أَن يكون أَحدهما بعد الآخر؛
وصاعِدٌ بدل من زاد ويزيد، وثم مثل الفاء إِلاَّ أَنّ الفاء أَكثر في كلامهم؛
قال ابن جني: وصاعداً حال مؤكدة، أَلا ترى أَن تقديره فزاد الثمنُ
صاعِداً؟ ومعلوم أَنه إِذا زاد الثمنُ لم يمكن إِلا صاعِداً؛ ومثله
قوله:كَفى بالنَّأْيِ من أَسْماءَ كافٍ
غير أَن للحال هنا مزية أَي في قوله فصاعداً لأَن صاعداً ناب في اللفظ
عن الفعل الذي هو زاد، وكاف ليس نائباً في اللفظ عن شيء، أَلا ترى أَن
الفعل الناصب له، الذي هو كفى ملفوظ به معه؟
والصعيدُ: المرتفعُ من الأَرض، وقيل: الأَرض المرتفعة من الأَرض
المنخفضةِ، وقيل: ما لم يخالطه رمل ولا سَبَخَةٌ، وقيل: وجه الأَرض لقوله تعالى:
فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً؛ وقال جرير:
إِذا تَيْمٌ ثَوَتْ بِصَعِيد أَرْضٍ،
بَكَتْ من خُبْثِ لُؤْمِهِم الصَّعيدُ
وقال في آخرين:
والأَطْيَبِينَ من التراب صَعيدا
وقيل: الصَّعِيدُ الأَرضُ، وقيل: الأَرض الطَّيِّبَةُ، وقيل: هو كل تراب
طيب. وفي التنزيل: فَتَيَمَّموا صَعِيداً طَيِّباً؛ وقال الفراء في
قوله: صَعيداً جُرزُاً: الصعيد التراب؛ وقال غيره: هي الأَرض المستوية؛ وقال
الشافعي: لا يَقع اسْمُ صَعيد إِلاّ على تراب ذي غُبار، فأَما البَطْحاءُ
الغليظة والرقيقة والكَثِيبُ الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد، وإِن خالطه
تراب أَو صعيد
(* قوله «تراب أو صعيد إلخ» كذا بالأصل ولعل الأولى تراب
أو رمل أو نحو ذلك) أَو مَدَرٌ يكون له غُبار كان الذي خالطه الصعيدَ، ولا
يُتَيَمَّمُ بالنورة وبالكحل وبالزِّرْنيخ وكل هذا حجارة. وقال أَبو
إِسحق: الصعيد وجه الأَرض. قال: وعلى الإِنسان أَن يضرب بيديه وجه الأَرض
ولا يبالي أَكان في الموضع ترابٌ أَو لم يكن لأَن الصعيد ليس هو الترابَ،
إِنما هو وجه الأَرض، تراباً كان أَو غيره. قال: ولو أَن أَرضاً كانت كلها
صخراً لا تراب عليه ثم ضرب المتيمم يدَه على ذلك الصخر لكان ذلك
طَهُوراً إِذا مسح به وجهه؛ قال الله تعالى: فَتُصْبِح صعيداً؛ لأَنه نهاية ما
يصعد إِليه من باطن الأَرض، لا أَعلم بين أَهل اللغة خلافاً فيه أَن
الصعيد وجه الأَرض؛ قال الأَزهري: وهذا الذي قاله أَبو إِسحق أَحسَبه مذهَبَ
مالك ومن قال بقوله ولا أَسْتَيْقِنُه. قال الليث: يقال للحَديقَةِ إِذا
خَرِبت وذهب شَجْراؤُها: قد صارت صعيداً أَي أَرضاً مستوية لا شَجَرَ
فيها. ابن الأَعرابي: الصعيدُ الأَرضُ بعينها. والصعيدُ: الطريقُ، سمي
بالصعيد من التراب، والجمع من كل ذلك صُعْدانٌ؛ قال حميد بن ثور:
وتِيهٍ تَشابَهَ صُعْدانُه،
ويَفْنى بهِ الماءُ إِلاَّ السَّمَلْ
وصُعُدٌ كذلك، وصُعُداتٌ جمع الجمع. وفي حديث علي، رضوان الله عليه:
إِياكم والقُعُودَ بالصُّعُداتِ إِلاَّ مَنْ أَدَّى حَقَّها؛ هي الطُّرُقُ،
وهي جمع صُعُدٍ وصُعُدٌ جمعُ صَعِيد، كطريق وطرُق وطُرُقات، مأْخوذ من
الصَّعيدِ وهو التراب؛ وقيل: هي جمع صُعْدَةٍ كظُلْمة، وهي فِناءُ باب
الدار ومَمَرُّ الناس بين يديه؛ ومنه الحديث: ولَخَرَجْتم إِلى الصُّعْداتِ
تَجْأَرُونَ إِلى الله. والصَّعِيدُ: الطريقُ يكون واسعاً وضَيِّقاً.
والصَّعيدُ: الموضعُ العريضُ الواسعُ. والصَّعيدُ: القبر.
وأَصْعَدَ في العَدْو: اشْتَدَّ.
ويقال: هذا النبات يَنْمي صُعُداً أَي يزداد طولاً. وعُنُقٌ صاعِدٌ أَي
طويل. ويقال فلان يتتبع صُعَداءَه أَي يرفع رأْسه ولا يُطأْطِئُه. ويقال
للناقة: إِنها لفي صَعِيدَةِ بازِلَيْها أَي قد دنت ولمَّا تَبْزُل؛
وأَنشد:
سَديسٌ في صَعِيدَةِ بازِلَيْها،
عَبَنَّاةٌ، ولم تَسْقِ الجَنِينا
والصَّعْدَةُ: القَناة، وقيل: القناة المستوية تنبت كذلك لا تحتاج إِلى
التــثقيف؛ قال كعب بن جُعَيْل يصف امرأَةً شَبَّهَ قَدَّها بالقَناة:
فإِذا قامتْ إِلى جاراتِها،
لاحَتِ السَّاقُ بِخَلْخالٍ زجِلْ
صَعْدَةٌ نابِتَةٌ في حائرٍ،
أَيْنَما الرِّيحُ تُمَيِّلْها تَمِلْ
وقال آخر:
خَريرُ الرِّيحِ في قَصَبِ الصِّعادِ
وكذلك القَصَبَةُ، والجمع صِعادٌ، وقيل: هي نحو من الأَلَّةِ،
والأَلَّةُ أَصغر من الحَرْبَةِ؛ وفي حديث الأَحنف:
إِنَّ على كُلِّ رَئِيسٍ حَقَّا.
أَن يَخْضِبَ الصَّعْدَةَ أَو تَنْدَقَّا
قال: الصَّعْدةُ القناة التي تنبت مستقيمة. والصَّعْدَةُ من النساء:
المستقيمةُ القامة كأَنها صَعْدَةُ قَناةٍ. وجوارٍ صَعْداتٌ، خفيفةٌ لأَنه
نعت، وثلاثُ صَعَداتٍ للقنا، مُثَقَّلة لأَنه اسم.
والصَّعُودُ من الإِبل: التي وَلَدَتْ لغير تمام ولكنها خَدَجَتْ لستة
أَشهر أَو سبعة فَعَطَفَتْ على ولدِ عامِ أَوَّلَ، وقيل: الصَّعُود الناقة
تُلْقي ولَدها بعدما يُشْعِرُ، ثم تَرْأَمُ ولدَها الأَوّل أَو وَلَدَ
غيرها فَتَدِرُّ عليه. وقال الليث: الصَّعُود الناقة يموت حُوارُها
فَتَرْجِعُ إِلى فصيلها فَتَدِرُّ عليه، ويقال: هو أَطيب للبنها؛ وأَنشد لخالد
بن جعفر الكلابي يصف فرساً:
أَمَرْتُ لها الرِّعاءَ، ليُكْرِمُوها،
لها لَبَنُ الخلِيَّةِ والصَّعُودِ
قال الأَصمعي: ولا تكون صَعُوداً حتى تكون خادِجاً. والخَلِيَّةُ:
الناقة تَعْطِف مع أُخرى على ولد واحد فَتَدِرَّانِ عليه، فَيَتَخلى أَهلُ
البيت بواحدة يَحْلُبُونها، والجمع صَعائد وصُعُدٌ؛ فأَما سيبويه فأَنكر
الصُّعُدَ.
وأَصْعَدَتِ الناقةُ وأَصْعَدَها، بالأَلف، وصَعَّدَها: جعلها صَعُوداً؛
عن ابن الأَعرابي. والصُّعُد: شجر يُذاب منه القارُ.
والتَّصْعِيدُ: الإِذابة، ومنه قيل: خلٌّ مُصَعَّدٌ وشرابٌ مُصَعَّدٌ
إِذا عُولج بالنار حتى يحول عما هو عليه طعماً ولوناً.
وبَناتُ صَعْدَةَ: حَميرُ الوَحْش، والنسبة إِليها صاعِديّ على غير
قياس؛ قال أَبو ذؤَيب:
فَرَمَى فأَلحَق صاعِدِيَّاً مِطْحَراً
بالكَشْحِ، فاشتملتْ عليه الأَضْلُعُ
وقيل: الصَّعْدَةُ الأَتان. وفي الحديث: أَنه خرج على صَعْدَةٍ
يَتْبَعُها حُذاقيٌّ، عليها قَوْصَفٌ لم يَبْق منها إِلا قَرْقَرُها؛
الصَّعْدَةُ: الأَتان الطويلة الظهر. والحُذاقِيُّ: الجَحْشُ. والقَوْصَفُ:
القَطيفة. وقَرْقَرُها: ظَهْرُها.
وصعَيدُ مصر: موضعٌ بها.
وصَعْدَةُ: موضع باليمن، معرفة لا يدخلها الأَلف واللام. وصُعادى
وصُعائدُ: موضعان؛ قال لبيد:
عَلِهَتْ تَبَلَّدُ، في نِهاءِ صُعائِدٍ،
سَبْعاً تؤَاماً كاملاً أَيامُها
قسا: القَساء: مصدر قَسا القَلبُ يَقْسُو قَساء.والقَسْوَةُ: الصَّلابةُ
في كل شيء. وحجَر قاسٍ: صُلْب. وأَرض قاسيةٌ: لا تُنبت شيئاً. وقال أَبو
إِسحق في قوله تعالى: ثم قَسَتْ قلوبُكم من بعد ذلك؛ تأْويل قَسَت في
اللغة غَلُظت ويَبِست وعَسَت، فتأْويل القَسْوة في القلب ذَهاب اللِّين
والرحمة والخشوع منه. وقَسا قلبُه قَسْوة وقساوة وقَساء، بالفتح والمد، وهو
غِلَظ القلب وشدَّته، وأَقْساه الذنب، ويقال: الذنب مَقْساةٌ للقلب. ابن
سيده: قَسا القلب يَقْسُو قَسْوة اشتدَّ وعَسا، فهو قاسٍ، واستعمل أَبو
حنيفة القسوة في الأزمنة فقال: من أَحوال الأَزمنة في قَسَوْتَها ولِينها.
التهذيب: عام قَسِيٌّ ذو قَحْط؛ قال الراجز:
ويُطْعِمُونَ الشحمَ في العامِ القَسِيّْ
قُِدْماً، إِذا ما احْمَرّ آفاقُ السُّمِيّْ
وأَصْبَحَتْ مِثْلَ حَواشِي الأَتْحَمِيّْ
قال شمر: العامُ القَسِيُّ الشديد لا مطَرَ فيه. وعشية قَسِيَّةٌ:
باردة؛ قال ابن بري: ومنه قول العُجير السَّلُولي:
يا عَمْرُو يا أُكَيْرِمَ البَريَّهْ،
واللهِ لا أَكْذِبُكَ العَشِيَّهْ،
إِنا لَقِينا سَنةً قَسِيَّهْ،
ثم مُطِرْنا مَطْرةً رَوِيَّهْ،
فنَبَتَ البَقْلُ ولا رَعِيَّهْ
أَي ليس لنا مال يَرعاه. والقَسِيَّةُ: الشديدة. وليلة قاسِيةٌ: شديدةُ
الظُّلمة. والمُقاساةُ: مكابدة الأَمر الشديد. وقاساه أَي كابَده. ويوم
قَسِيٌّ، مثال شقي: شديد من حَرْب أَو شرّ. وقَرَبٌ قَسِيٌّ: شديد؛ قال
أَبو نخيلة:
وهُنَّ، بَعْد القَرَبِ القَسِيِّ،
مُسْتَرْعِفاتٌ بشَمَرْذَليِّ
القَسِيُّ: الشديد: ودِرْهَم قَسِيٌّ: رديء، والجمع قِسْيانٌ مثل صَبيّ
وصِبْيان، قلبت الواو ياء للكسرة قبلها كقِنْية، وقد قَسا قَسْواً. قال
الأَصمعي: كأَنه إِعراب قاشِي؛ ،قيل: درهم قَسِيٌّ ضَرْبٌ من الزُّيوف أَي
فِضته صُلبة رديئة ليست بلينة. وفي حديث عبد الله بن مسعود: أَنه باع
نُفاية بيت المال وكانت زيُوفاً وقِسْياناً بدون وزنها، فذُكر ذلك لعُمر
فنهاه وأَمره أَن يرُدَّها؛ قال أَبو عبيد: قال الأَصمعي واحد القِسْيان درهم
قَسِيٌّ مخفف السين مشدد الياء على مثال شَقِيٍّ؛ ومنه الحديث الآخر: ما
ىَسُرُّني دينُ الذي يأْتي العَرَّاف بدرهم قَسِيٍّ. ودراهمُ قَسِيَّةٌ
وقَسِيَّاتٌ وقد قَسَتِ الدراهم تَقْسُو إِذا زافت. وفي حديث الشعبي: قال
لأَبي الزِّناد تأْتينا بهذه الأَحاديث قَسِيَّة وتأْخذها منا طازَجةً
أَي تأْتينا بها رديئة وتأْخذها خالصة مُنقّاة؛ قال أَبو زبيد يذكر
المَساحي:
لهَا صَواهِلُ في صُمِّ السِّلامِ، كما
صاحَ القَسِيَّاتُ في أَيْدي الصَّياريفِ
ومنه حديث آخر لعبد الله أَنه قال لأَصحابه: أَتدرون كيف يَدْرُسُ
العِلمُ؟فقالوا: كما يَخْلُقُ الثوبُ أَو كما تَقْسُو الدراهم، فقال: لا ولكنْ
دُرُوسُ العِلم بموت العُلماء؛ ومنه قول مُزَرِّد:
وما زَوَّدُوني غَيْرَ سَحْقِ عِمامةٍ،
وخَمْسِمِئٍ منها قَسِيٌّ وزائِفُ
وفي خطبة الصدِّيق، رضي الله عنه: فهو كالدرهم القَسِيِّ والسَّراب
الخادع؛ القَسِيُّ: هو الدرهم الرديء والشيء المرذول. وسارُوا سيراً قَسِيّاً
أَي سيراً شديداً.
وقَسِيُّ بن مُنَبِّه: أَخو ثَقِيف. الجوهري: قَسِيٌّ لقب ثقيف، قال
أَبو عبيد: لأَنه مرَّ على أَبي رِغالٍ وكان مُصَدِّقاً فقتله فقيل قَسا
قلبه فسمي قَسِيّاً؛ قال شاعرهم:
نحنُ قَسِيٌّ وقَسا أَبونا
وقَسًى: موضع، وقيل: هو موضع بالعالية، قال ابن أَحمر:
بِجَوٍّ، من قَسًى، ذَفِرِ الخُزامى،
تَهادى الجِرْبِياء به الجَنِينا
(* قوله« يجوّ من قسى إلخ» اورده ابن سيده في اليائي بهذا اللفظ، واورده
الازهري وتبعه ياقوت بما لفظه:
بهجل من قسا ذفر الخزامى
تداعى الجربياء به الحنينا
وفيهما الحنينا بالحاء المهملة، وقال ياقوت: قسا منقول من الفعل.)
وأَنشد الجوهري لرجل من بني ضبة:
لنا إِبلٌ لم تَدْرِ ما الذُّعْرُ، بَيْتُها
بِتِعْشارَ، مَرْعاها قَسا فصَرائِمُهْ
وقيل: قَسا حَبْل رَمْل من رمال الدَّهناء؛ قال ذو الرمة:
سَرَتْ تَخْبِطُ الظَّلْماء من جانِبَيْ قَسا،
وحُبَّ بها، مِن خابِطِ الليلِ، زائر
وقال أَيضاً:
ولكنَّني أُفْلِتُ مِنْ جانِبَيْ قَسا،
أَزُورُ امرأً مَحْضاً كرِيماً يَمانِيا
ابن سيده: وقُساءٌ موضع أَيضاً، وقد قيل: هو قَسًى بعينه، فإِن قلت:
فلعل قَسًى مبدل من قُساءٍ والهمزة فيه هو الأَصل؟ قيل: هذا حَمْل على
الشذوذ لأَن إِبدال الهمز شاذ، والأَوّل أَقْوى لأَن إِبدال حرف العلة همزةً
إِذا وقع طرفاً بعد أَلف زائدة هو الباب.
ابن الأَعرابي: أَقْسَى إِذا سكن قُساء، وهو جبل، وكل اسم على فُعال فهو
ينصرف، فأَما قُساء
(* قوله« فأَما قساء إلخ» عبارة التكملة: فأما قساء فلا ينصرف لانه في
الأصل على فعلاء في الأَصل قُسَواء على فُعَلاء.) ، ولذلك لم يصرف؛ قال
ابن بري: قُساء، بالضم والمد، اسم جبل، ويقال: ذو قُساء؛ قال جِرانُ
العَوْدِ:
يُذكِّر أَيّاماً لَنا بِسُوَيْقَةٍ
وهَضْبِ قُساءٍ، والتَّذَكُّرُ يَشْعَفُ
وقال الفرزدق:
وقَفْتُ بأَعلى ذِي قُساء مَطِيَّتي،
أُمَيِّلُ في مَرْوانَ وابنِ زِيادِ
ويقال: ذو قُساء موضع؛ قال نَهْشَلُ بن حَرِّيٍّ:
تَضَمَّنها مشَارِفُ ذي قُساءٍ،
مَكانَ النَّصْلِ من بَدَنِ السِّلاحِ
قال الوزير: قِساء اسم موضع مصروف، وقُساء اسم موضع غير مصروف