مَرْسح [مفرد]: ج مراسِحُ: مسرح؛ مكان مُعَدٌّ لكي تُمثَّل فيه الرّوايات التَّمثيليّة.
مَرْسح [مفرد]: ج مراسِحُ: مسرح؛ مكان مُعَدٌّ لكي تُمثَّل فيه الرّوايات التَّمثيليّة.
سير: السَّيْرُ: الذهاب؛ سارَ يَسِيرُ سَيْراً ومَسِيراً وتَسْياراً
ومَسِيرةً وسَيْرورَةً؛ الأَخيرة عن اللحياني، وتَسْياراً يذهب بهذه
الأَخيرة إِلى الكثرة؛ قال:
فَأَلْقَتْ عَصا التَّسْيارِ منها، وخَيَّمَتْ
بأَرْجاءِ عَذْبِ الماءِ، بِيضٌ مَحَافِرُهْ
وفي حديث حذيفة: تَسايَرَ عنه الغَضَبُ أَي سارَ وزال. ويقال: سارَ
القومُ يَسِيرُون سَيْراً ومَسِيراً إِذا امتدّ بهم السَّيْرُ في جهة توجهوا
لها. ويقال: بارك الله في مَسِيرِكَ أَي سَيْرِك؛ قال الجوهري: وهو شاذ
لأَن قياس المصدر من فَعَلَ يَفْعِلُ مَفْعَلٌ، بالفتح، والاسم من كل ذلك
السِّيرَةُ. حكى اللحياني: إِنه لَحَسَنُ السِّيرَةِ؛ وحكى ابن جني: طريق
مَسُورٌ فيه ورجل مَسُورٌ به، وقياس هذا ونحوه عند الخليل أَن يكون مما
تحذف فيه الياء، والأَخفش يعتقد أَن المحذوف من هذا ونحوه إِنما هو واو
مفعول لا عينه، وآنسَهُ بذلك: قدْ هُوبَ وسُورَ به وكُولَ.
والتَّسْيارُ: تَفْعَالٌ من السَّيْرِ. وسايَرَهُ أَي جاراه فتسايرا.
وبينهما مَسِيرَةُ يوم.
وسَيَّرَهُ من بلده: أَخرجه وأَجلاه. وسَيَّرْتُ الجُلَّ عن ظهر الدابة:
نزعته عنه.
وقوله في الحديث: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهرٍ؛ أَي المسافة
التي يسار فيها من الأَرض كالمَنْزِلَةِ والمَتْهَمَةِ، أَو هو مصدر بمعنى
السَّيْرِ كالمَعِيشَةِ والمَعْجِزَةِ من العَيْشِ والعَجْزِ.
والسَّيَّارَةُ: القافلة. والسَّيَّارَةُ: القوم يسيرون أُنث على معنى
الرُّفْقَةِ أَو الجماعة، فأَما قراءَة من قَرأَ: تلتقطه بعض
السَّيَّارةِ؛ فإِنه أَنث لأَن بعضها سَيَّارَةٌ. وقولهم: أَصَحُّ من عَيْر أَبي
سَيَّارَةَ؛ هو أَبو سَيَّارَةَ العَدَواني كان يدفع بالناس من جَمْعٍ
أَربعين سنة على حماره؛ قال الراجز:
خَلُّوا الطريقَ عن أَبي سَيَّارَهْ،
وعنْ مَوَالِيهِ بَني فَزارَهْ،
حَتَّى يُجِيزَ سالماً حِمارَهْ
وسارَ البعِيرُ وسِرْتُه وسارَتِ الدَّابة وسارَها صاحِبُها، يتعدّى ولا
يتعدَّى. ابن بُزُرج: سِرْتُ الدابة إِذا ركبتها، وإِذا أَردت بها
المَرْعَى قلت: أَسَرْتُها إِلى الكلإِ، وهو أَن يُرْسِلُوا فيها الرُّعْيانَ
ويُقيمُوا هُمْ.
والدابة مُسَيَّرَةٌ إِذا كان الرجل راكبها والرجل سائرٌ لها، والماشية
مُسَارَةٌ، والقوم مُسَيَّرُونَ، والسَّيْرُ عندهم بالنهار والليل، وأَما
السُّرَى فلا يكون إِلا ليلاً؛ وسارَ دابَّتَه سَيْراً وسَيْرَةً
ومَسَاراً ومَسيراً؛ قال:
فاذْكُرَنْ مَوْضِعاً إِذا الْتَقَتِ الخَيْـ
ـلُ، وقدْ سارتِ الرِّجالَ الرِّجالا
أَي سارَت الخيلُ الرِّجالَ إِلى الرجال، وقد يجوز أَن يكون أَراد:
وسارت إِلى الرجال بالرجال فحذف حرف الجر ونصب، والأَول أَقوى. وأَسَارها
وسَيَّرَها: كذلك. وسايَرَهُ: سار معه. وفلان لا تُسَايَرُ خَيْلاهُ إِذا
كان كذاباً.
والسَّيْرَةُ: الضَّرْبُ من السَّيْرِ. والسُّيَرَةُ: الكثير السَّيْرِ؛
هذه عن ابن جني. والسِّيْرَةُ: السُّنَّةُ، وقد سَارتْ وسِرْتُها؛ قال
خالد بن زهير؛ وقال ابن بري: هو لخالد ابن أُخت أَبي ذؤيب، وكان أَبو ذؤيب
يرسله إِلى محبوبته فأَفسدها عليه فعاتبه أَبو ذؤيب في أَبيات كثيرة
فقال له خالد:
فإِنَّ التي فينا زَعَمْتَ ومِثْلَهَا
لَفِيكَ، ولكِنِّي أَرَاكَ تَجُورُها
تَنَقَّذْتَها من عِنْدِ وهبِ بن جابر،
وأَنتَ صفِيُّ النَّفْسِ منه وخِيرُها
فلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةِ أَنْتَ سِرْتَها،
فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُها
يقول: أَنت جعلتها سائرة في الناس. وقال أَبو عبيد: سارَ الشيءُ
وسِرْتُه، فَعَمَّ؛ وأَنشد بيت خالد بن زهير. والسِّيرَةُ: الطريقة. يقال: سارَ
بهم سِيْرَةً حَسَنَةً. والسَّيرَةُ: الهَيْئَةُ. وفي التنزيل العزيز:
سنعيدها سِيرَتَها الأُولى. وسَيَّرَ سِيرَةً: حَدَّثَ أَحاديث
الأَوائل.وسارَ الكلامُ والمَثَلُ في الناس: شاع. ويقال: هذا مَثَلٌ سائرٌ؛ وقد
سَيرَ فلانٌ أَمثالاً سائرة في الناس. وسائِرُ الناس: جَمِيعُهم. وسارُ
الشيء: لغة في سَائِرِه. وسارُه، يجوز أَن يكون من الباب لسعة باب «س ي ر»
وأَن يكون من الواو لأَنها عين، وكلاهما قد قيل؛ قال أَبو ذؤيب يصف
ظبية:وسَوَّدَ ماءُ المَرْدِ فاهَا، فَلَوْنُهُ
كَلَوْنِ النَّؤُورِ، وهي أَدْماءُ سارُها
أَي سائرُها؛ التهذيب: وأَما قوله:
وسائرُ الناس هَمَجْ
فإِن أَهلَ اللغة اتفقوا على أَن معنى سائر في أَمثال هذا الموضع بمعنى
الباقي، من قولك أَسْأَرْتُ سُؤْراً وسُؤْرَةً إِذا أَفضلتَها.
وقولهم: سِرْ عَنْكَ أَي تغافلْ واحتَمِلْ، وفيه إِضمار كأَنه قال: سِرْ
ودَعْ عنك المِراء والشك.
والسِّيرَةُ: المِيرَةُ. والاسْتِيارُ: الامْتِيار؛ قال الراجز:
أَشْكُو إِلى اللهِ العزيزِ الغَفَّارْ،
ثُمَّ إِلَيْكَ اليومَ، بُعْدَ المُسْتَارْ
ويقال: المُسْتَارُ في هذا البيت مُفْتَعَلٌ من السَّيْرِ، والسَّيْرُ:
ما يُقَدُّ من الجلد، والجمع السُّيُورُ. والسَّيْرُ: ما قُدَّ من
الأَدِيمِ طُولاً. والسِّيْرُ: الشِّرَاكُ، وجمعه أَسْيَارٌ وسُيُورٌ
وسُيُورَةٌ. وثوب مُسَيَّرٌ وَشْيُهُ: مثل السُّيُورِ؛ وفي التهذيب: إِذا كان
مُخَطَّطاً. وسَيَّرَ الثوب والسَّهْم: جَعَلَ فيه خُطوطاً. وعُقابٌ
مُسَيَّرَةٌ: مُخَطَّطَةٌ.
والسِّيْرَاءُ والسِّيَرَارُ: ضَرْبٌ من البُرُودِ، وقيل: هو ثوب
مُسَيَّرٌ فيه خُطوط تُعْمَلُ من القَزِّ كالسُّيورِ، وقيل: بُرُودٌ يُخالِطها
حرير؛ قال الشماخ:
فقالَ إِزَارٌ شَرْعَبِيٌّ وأَرْبَعٌ
مِنَ السِّيَرَاءِ، أَو أَوَاقٍ نَواجِزْ
وقيل: هي ثياب من ثياب اليمن. والسِّيَرَاءُ: الذهب، وقيل: الذهب
الصافي. الجوهري: والسِّيَرَاءُ، بكسر السين وفتح الياء والمدِّ: بُردٌ فيه
خطوط صُفْرٌ؛ قال النابغة:
صَفْرَاءُ كالسِّيَرَاءِ أُكْمِلَ خَلْقُهَا،
كالغُصْنِ، في غُلَوَائِهِ، المُتَأَوِّدِ
وفي الحديث: أَهْدَى إِليه أُكَيْدِرُ دُومَةَ حُلَّةً سِيَرَاءَ؛ قال
ابن الأَثير: هو نوع من البرود يخالطه حرير كالسُّيُورِ، وهو فِعَلاءُ من
السَّيْرِ القِدِّ؛ قال: هكذا روي على هذه الصفة؛ قال: وقال بعض
المتأَخرين إِنما هو على الإِضافة، واحتج بأَن سيبويه قال: لم تأْتِ فِعَلاءُ صفة
لكن اسماً، وشَرَحَ السِّيَرَاءَ بالحرير الصافي ومعناه حُلَّةَ حرير.
وفي الحديث: أَعطى عليّاً بُرْداً سِيَرَاءَ قال: اجعله خُمُراً وفي حديث
عمر: رأَى حلةً سِيَرَاء تُباعُ؛ وحديثه الآخر: إِنَّ أَحَدَ عُمَّاله
وفَدَ إِليه وعليه حُلَّة مُسَيَّرةٌ أَي فيها خطوط من إِبْرَيْسَمٍ
كالسُّيُورِ. والسِّيَرَاءُ: ضَرْبٌ من النَّبْتِ، وهي أَيضاً القِرْفَةُ
اللازِقَةُ بالنَّوَاةِ؛ واستعاره الشاعرِ لِخَلْبِ القَلْبِ وهو حجابه
فقال:نَجَّى امْرَأً مِنْ مَحلِّ السَّوْء أَن له،
في القَلْبِ منْ سِيَرَاءِ القَلْبِ، نِبْرَاسا
والسِّيَرَاءُ: الجريدة من جرائد النَّخْلِ.
ومن أَمثالهم في اليأْسِ من الحاجة قولهم: أَسائِرَ اليومِ وقد زال
الظُّهر؟ أَي أَتطمع فيها بعد وقد تبين لك اليأْس، لأَنَّ من كَلَّ عن حاجتِه
اليومَ بأَسْرِهِ وقد زال الظهر وجب أَن يَيْأَسَ كما يَيْأَسُ منه
بغروب الشمس.
وفي حديث بَدْرٍ ذِكْرُ سَيِّرٍ، هو بفتح السين
(* قوله: «بفتح السين
إِلخ» تبع في هذا الضبط النهاية، وضبطه في القاموس تبعاً للصاغاني وغيره
كجبل، بالتحريك) وتشديد الياء المكسورة كَثَيِّبٍ، بين بدر والمدينة،
قَسَمَ عنده النبي، صلى الله عليه وسلم، غنائم بَدْرٍ.
وسَيَّارٌ: اسم رجل؛ وقول الشاعر:
وسَائِلَةٍ بِثَعْلَبَةَ العَلُوقُ
وقد عَلِقَتْ بِثَعْلَبَةَ بنِ سَيْرٍ،
أَراد: بثعلبة بن سَيَّارٍ فجعله سَيْراً للضرورة لأَنه لم يُمْكنه سيار
لأَجل الوزن فقال سَيْرٍ؛ قال ابن بري: البيت للمُفَضَّل النُّكْرِي
يذكر أَنَّ ثعلبة بن سَيَّار كان في أَسرِه؛ وبعده:
يَظَلُّ يُساوِرُ المَذْقاتِ فِينا،
يُقَادُ كأَنه جَمَلٌ زَنِيقُ
المَذْقاتُ: جمع مَذْقَة، اللبن المخلوط بالماء. والزنيق: المزنوق
بالحَبْلِ، أَي هو أَسِيرٌ عندنا في شدة من الجَهْدِ.
فطر: فطَرَ الشيءَ يَفْطُرُه فَطْراً فانْفَطَر وفطَّرَه: شقه.
وتَفَطَّرَ الشيءُ: تشقق. والفَطْر: الشق، وجمعه فُطُور. وفي التنزيل العزيز: هل
ترى من فُطُور؛ وأَنشد ثعلب:
شَقَقْتِ القلبَ ثم ذَرَرْتِ فيه
هواكِ، فَلِيمَ، فالتَأَمَ الفُطُورُ
وأَصل الفَطْر: الشق؛ ومنه قوله تعالى: إذا السماء انْفَطَرَتْ؛ أَي
انشقت. وفي الحديث: قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى تَفَطَّرَتْ قدماه
أَي انشقتا. يقال: تَفَطَّرَتْ بمعنى؛ ،منه أُخذ فِطْرُ الصائم لأَنه
يفتح فاه. ابن سيده: تَفَطَّرَ الشيءُ وفَطَر وانْفَطَر. وفي التنزيل
العزيز: السماء مُنْفَطِر به؛ ذكّر على النسب كما قالوا دجاجة مُعْضِلٌ. وسيف
فُطَار: فيه صدوع وشقوق؛ قال عنترة: وسيفي كالعَقِيقَةِ ، وهو كِمْعِي،
سلاحي لا أَفَلَّ ولا فُطارا
ابن الأَعرابي: الفُطَارِيّ من الرجال الفَدْم الذي لا خير عنده ولا شر،
مأْخوذ من السيف الفُطارِ الذي لا يَقْطع. وفَطَر نابُ البعير يَفْطُر
فَطْراً: شَقّ وطلع، فهو بعير فاطِر؛ وقول هميان:
آمُلُ أن يَحْمِلَني أَمِيري
على عَلاةٍ لأْمَةِ الفُطُور
يجوز أَن يكون الفُطُور فيه الشُّقوق أَي أَنها مُلْتَئِمةُ ما تباين من
غيرها فلم يَلْتَئِم، وقيل: معناه شديدة عند فُطورِ نابها موَثَّقة.
وفَطَر الناقة
(* قوله «وفطر الناقة» من باب نصر وضرب،. عن الفراء. وما
سواه من باب نصر فقط أَفاده شرح القاموس) . والشاة يَفْطِرُها فَطْراً:
حلبها بأَطراف أَصابعه، وقيل: هو أَن يحلبها كما تَعْقِد ثلاثين
بالإِبهامين والسبابتين . الجوهري: الفَطْر حلب الناقة بالسبابة والإِبهام،
والفُطْر: القليل من اللبن حين يُحْلب. التهذيب: والفُطْر شيء قليل من اللبن
يحلب ساعتئذٍ؛ تقول: ما حلبنا إلا فُطْراً؛ قال المرَّار:
عاقرٌ لم يُحْتلب منها فُطُرْ
أَبو عمرو:
الفَطِيرُ اللبن ساعة يحلب. والفَطْر: المَذْي؛ شُبِّه بالفَطْر في
الحلب. يقال: فَطَرْتُ الناقة أَفْطُِرُها فَطْراً، وهو الحلب بأَطراف
الأَصابع. ابن سيده: الفَطْر المذي، شبه بالحَلْب لأَنه لا يكون إِلا بأَطراف
الأَصابع فلا يخرج اللبن إِلا قليلاً، وكذلك المذي يخرج قليلاً، وليس
المنيّ كذلك؛ وقيل: الفَطْر مأْخوذ من تَفَطَّرَتْ قدماه دماً أَي سالَتا،
وقيل: سمي فَطْراً لأَنه شبّه بفَطْرِ ناب البعير لأَنه يقال: فَطَرَ نابُه
طلع، فشبّه طلوع هذا من الإِحْليلِ بطلوع ذلك. وسئل عمر، رضي الله عنه، عن
المذي فقال: ذلك الفَطْرُ؛ كذا رواه أَبو عبيد بالفتح، ورواه ابن شميل:
ذلك الفُطْر، بضم الفاء؛ قال ابن الأََثير: يروى بالفتح والضم، فالفتح من
مصدر فَطَرَ نابُ البعير فَطْراً إذا شَقّ اللحم وطلع فشُبِّه به خروج
المذي في قلته، أَو هو مصدر فَطَرْتُ الناقة أَفْطُرُها إذا حلبتها
بأَطراف الأَصابع، وأَما الضم فهو اسم ما يظهر من اللبن على حَلَمة الضَّرْع.
وفَطَرَ نابُه إِذا بَزَل؛ قال الشاعر:
حتى نَهَى رائِضَه عن فَرِّهِ
أَنيابُ عاسٍ شَاقِئٍ عن فَطْرِهِ
وانْفَطر الثوب إِذا انشق، وكذلك تَفَطَّر. وتَفَطَّرَت الأَرض بالنبات
إِذا تصدعت.
وفي حديث عبدالملك: كيف تحلبها مَصْراً أَم فَطْراً؟ هو أَن تحلبها
بإصبعين بطرف الإِبهام. والفُطْر: ما تَفَطَّر من النبات، والفُطْر أَيضاً:
جنس من الكَمْءِ أَبيض عظام لأَن الأَرض تَنْفطر عنه، واحدته فُطْرةٌ.
والفِطْرُ: العنب إِذا بدت رؤوسه لأَن القُضْبان تتَفَطَّر.
والتَّفاطِيرُ: أَول نبات الرَسْمِيّ، ونظيره التَّعاشِيب والتَّعاجيب
وتَباشيرُ الصبحِ ولا واحد لشيء من هذه الأَربعة. والتَّفاطير
والنَّفاطير: بُثَر تخرج في وجه الغلام والجارية؛ قال:
نَفاطيرُ الجنونِ بوجه سَلْمَى،
قديماً، لا تفاطيرُ الشبابِ
واحدتها نُفْطور. وفَطَر أَصابعَه فَطْراً: غمزها.وفَطَرَ الله الخلق
يَفْطُرُهم: خلقهم وبدأَهم. والفِطْرةُ: الابتداء والاختراع. وفي التنزيل
العزيز: الحمد لله فاطِرِ السمواتِ والأَرضِ؛ قال ابن عباس، رضي الله عنهما:
ما كنت أَدري ما فاطِرُ السموات والأَرض حتى أَتاني أَعرابيّان يختصمان في
بئر فقال أَحدهما: أَنا فَطَرْتُها أَي أَنا ابتدأْت حَفْرها. وذكر أَبو
العباس أَنه سمع ابن الأَعرابي يقول: أَنا أَول من فَطَرَ هذا أَي
ابتدأَه. والفِطْرةُ، بالكسر: الخِلْقة؛ أَنشد ثعلب:
هَوِّنْ عليكََ فقد نال الغِنَى رجلٌ،
في فِطْرةِ الكَلْب، لا بالدِّينِ والحَسَب
والفِطْرةُ: ما فَطَرَ الله عليه الخلقَ من المعرفة به. وقد فَطَرهُ
يَفْطُرُه، بالضم، فَطْراً أَي خلقه. الفراء في قوله تعالى: فِطْرَةَ اللهِ التي
فَطَرَ الناسَ عليها، لا تبديل لخلق الله؛ قال: نصبه على الفعل، وقال أَبو
الهيثم: الفِطْرةُ الخلقة التي يُخْلقُ عليها المولود في بطن أُمه؛ قال
وقوله تعالى: الذي فَطَرَني فإِنه سَيَهْدين؛ أَي خلقني؛ وكذلك قوله
تعالى: وما لِيَ لا أَعبدُ الذي فَطَرَني. قال: وقول النبي، صلى الله عليه
وسلم: كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطْرةِ؛ يعني الخِلْقة التي فُطِرَ عليها
في الرحم من سعادةٍ أَو شقاوة، فإِذا ولَدَهُ يهوديان هَوَّداه في حُكْم
الدنيا، أَو نصرانيان نَصَّرَاه في الحكم، أَو مجوسيان مَجَّساه في
الحُكم، وكان حُكْمُه حُكْمَ أَبويه حتى يُعَبِّر عنه لسانُه، فإِن مات قبل
بلوغه مات على ما سبق له من الفِطْرةِ التي فُطرَ عليها فهذه فِطْرةُ
المولود؛ قال: وفِطْرةٌ ثانية وهي الكلمة التي يصير بها العبد مسلماً وهي
شهادةُ أَن لا إله إلا الله وأَن محمداً رسوله جاء بالحق من عنده فتلك
الفِطْرةُ للدين؛ والدليل على ذلك حديث البَرَاءِ بن عازِب، رضي الله عنه، عن
النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه علَّم رجلاً أَن يقول إذا نام وقال: فإِنك
إن مُتَّ من ليلتك مُتَّ على الفِطْرةِ. قال: وقوله فأَقِمْ وجهك للدين
حنيفاً فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناسَ عليها؛ فهذه فِطْرَة فُطِرَ عليها
المؤمن. قال: وقيل فُطِرَ كلُّ إنسان على معرفته بأَن الله ربُّ كلِّ شيء
وخالقه، والله أَعلم. قال: وقد يقال كل مولود يُولَدُ على الفِطْرة التي
فَطَرَ الله عليها بني آدم حين أَخرجهم من صُلْب آدم كما قال تعالى: وإذ أَخذ
ربُّكَ من بني آدم من ظهورهم ذُرّياتهم وأَشهدهم على أَنفسهم أَلَسْتُ
بربكم قالوا بَلى. وقال أَبو عبيد: بلغني عن ابن المبارك أَنه سئل عن
تأْويل هذا الحديث، فقال: تأْويله الحديث الآخر: أَن النبي، صلى الله عليه
وسلم، سُئِل عن أَطفال المشركين فقال: الله أَعلم بما كانوا عاملين؛ يَذْهَبُ
إلى أَنهم إنما يُولدون على ما يَصيرون إليه من إسلامٍ أَو كفرٍ. قال
أَبو عبيد: وسأَلت محمد بن الحسن عن تفسير هذا الحديث فقال: كان هذا في أول
الإِسلام قبل نزول الفرائض؛ يذهب إلى أَنه لو كان يُولدُ على الفِطْرَةِ
ثم مات قبل أَن يُهَوِّدَه أَبوان ما وَرِثَهُما ولا وَرِثَاه لأَنه مسلم
وهما كافران؛ قال أَبو منصور: غَبَا على محمد بن الحسن معنى قوله الحديث
فذهب إلى أَنَّ قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كلُّ مولود يُولد على
الفِطْرةِ، حُكْم من النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل نزول الفرائض ثم نسخ
ذلك الحُكْم من بَعْدُ؛ قال: وليس الأَمرُ على ما ذهب إليه لأَن معنى
كلُّ مولود يُولد على الفِطْرةِ خبر أَخبر به النبي، صلى الله عليه وسلم،
عن قضاءٍ سبقَ من الله للمولود، وكتابٍ كَتَبَه المَلَكُ بأَمر الله جل وعز من
سعادةٍ أَو شقاوةٍ، والنَّسْخ لا يكون في الأَخْبار إنما النسخ في
الأَحْكام؛ قال: وقرأْت بخط شمر في تفسير هذين الحديثين: أَن إِسحق ابن
إِبراهيم الحَنْظلي روى حديثَ أَبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه
وسلم: كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة «الحديث» ثم قرأَ أَبو هريرة بعدما
حَدَّثَ بهذا الحديث: فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عليها، لا تَبْديل
لخَلْقِ الله. قال إسحق: ومعنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم، على ما
فَسَّر أَبو هريرة حين قَرَأَ: فِطْرَةَ اللهِ، وقولَه: لا تبديل، يقول:
لَتلْكَ الخلقةُ التي خَلَقهم عليها إِمَّا لجنةٍ أَو لنارٍ حين أَخْرَجَ من
صُلْب آدم ذرية هو خالِقُها إلى يوم القيامة، فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء
للنار، فيقول كلُّ مولودٍ يُولَدُ على تلك الفِطْرةِ، أَلا ترى غلامَ
الخَضِر، عليه السلام؟ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: طَبَعهُ الله يوم طَبَعه
كافراً وهو بين أَبوين مؤمنين فأَعْلَمَ اللهُ الخضرَ، عليه السلام،
بِخلْقته التي خَلَقَه لها، ولم يُعلم موسى، عليه السلام، ذلك فأَراه الله تلك
الآية ليزداد عِلْماً إلى علمه؛ قال: وقوله فأَبواهُ يُهوِّدانِهِ
ويُنَصِّرانِه، يقول: بالأبوين يُبَيِّن لكم ما تحتاجون إليه في أَحكامكم من
المواريث وغيرها، يقول: إذا كان الأَبوان مؤمنين فاحْكُموا لِولدهما بحكم
الأبوين في الصلاة والمواريث والأَحكام، وإن كانا كافرين فاحكموا لولدهما
بحكم الكفر... ( *كذا بياض بالأصل). أَنتم في المواريث والصلاة؛ وأَما
خِلْقَته التي خُلِقَ لها فلا عِلْمَ لكم بذلك، أَلا ترى أَن ابن عباس، رضي
ا عنهما، حين كَتَبَ إليه نَجْدَةُ في قتل صبيان المشركين، كتب إليه:
إنْ علمتَ من صبيانهم ما عَلِمَ الخضُر من الصبي الذي قتله فاقْتُلْهُم؟
أَراد به أَنه لا يعلم عِلْمَ الخضرِ أَحدٌ في ذلك لما خصه الله به كما
خَصَّه بأَمر السفينة والجدار، وكان مُنْكَراً في الظاهر فَعَلَّمه الله علم
الباطن، فَحَكَم بإرادة اللهتعالى في ذلك؛ قال أَبو منصور: وكذلك أَطفال
قوم نوح، عليه السلام، الذين دعا على آبائهم وعليهم بالغَرَقِ، إنما
الدعاء عليهم بذلك وهم أَطفال لأَن الله عز وجل أَعلمه أَنهم لا يؤمنون حيث
قال له: لن يُؤْمِنَ من قومك إلا منْ آمن، فأَعْلَمه أَنهم فُطِروا على
الكفر؛ قال أَبو منصور: والذي قاله إِسحق هو القول الصحيح الذي دَلَّ عليه
الكتابُ ثم السنَّةُ؛ وقال أَبو إسحق في قول الله عز وجل: فِطْرَةَ الله
التي فَطَرَ الناس عليها: منصوب بمعنى اتَّبِعْ فِطْرَةَ الله، لأَن
معنى قوله: فأَقِمْ وجهَك، اتََّبِعِ الدينَ القَيّم اتَّبِعْ فِطْرَةَ الله
أَي خِلْقةَ الله التي خَلَق عليها البشر. قال: وقول النبي، صلى الله
عليه وسلم: كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطرةِ، معناه أَن الله فَطَرَ الخلق
على الإِيمان به على ما جاء في الحديث: إن الله أَخْرَجَ من صلب آدم
ذريتَه كالذَّرِّ وأَشهدهم على أَنفسهم بأَنه خالِقُهم، وهو قوله تعالى: وإذ
أَخذ ربُّك من بني آدم إلى قوله: قالوا بَلى شَهِدْنا؛ قال: وكلُّ
مولودٍ هو من تلك الذريَّةِ التي شَهِدَتْ بأَن الله خالِقُها، فمعنى فِطْرَة
الله أَي دينَ الله التي فَطَر الناس عليها؛ قال الأَزهري: والقول ما
قال إِسحقُ ابن إِبراهيم في تفسير الآية ومعنى الحديث، قال: والصحيح في
قوله: فِطْرةَ اللهِ التي فَطَرَ الناس عليها، اعلَمْ فِطْرةَ اللهِ التي
فَطَرَ الناس عليها من الشقاء والسعادة، والدليل على ذلك قوله تعالى: لا
تَبديلَ لخلق الله؛ أَي لا تبديل لما خَلَقَهم له من جنة أَو نار؛
والفِطْرةُ: ابتداء الخلقة ههنا؛ كما قال إسحق. ابن الأَثير في قوله: كلُّ مولودٍ
يُولَدُ على الفِطْرةِ، قال: الفَطْرُ الابتداء والاختراع، والفِطرَةُ
منه الحالة، كالجِلْسةِ والرِّكْبةِ، والمعنى أَنه يُولَدُ على نوع من
الجِبِلَّةِ والطَّبْعِ المُتَهَيِّء لقبول الدِّين، فلو تُرك عليها
لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يَعْدل عنه من يَعْدل لآفة من
آفات البشر والتقليد، ثم بأَولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم
والميل إلى أَديانهم عن مقتضى الفِطْرَةِ السليمة؛ وقيل: معناه كلُّ مولودٍ
يُولد على معرفة الله تعالى والإِقرار به فلا تَجِد أَحداً إلا وهو
يُقِرّ بأَن له صانعاً، وإن سَمَّاه بغير اسمه، ولو عَبَدَ معه غيره، وتكرر
ذكر الفِطْرةِ في الحديث. وفي حديث حذيفة: على غير فِطْرَة محمد؛ أَراد
دين الإسلام الذي هو منسوب إليه. وفي الحديث: عَشْر من الفِطْرةِ؛ أَي من
السُّنّة يعني سُنن الأَنبياء، عليهم الصلاة والسلام، التي أُمِرْنا أَن
نقتدي بهم فيها. وفي حديث علي، رضي الله عنه: وجَبَّار القلوب على
فِطَراتِها أَي على خِلَقِها، جمع فِطَر، وفِطرٌ جمع فِطْرةٍ، وهي جمع فِطْرةٍ
ككِسْرَةٍ وكِسَرَات، بفتح طاء الجميع . يقال فِطْرات وفِطَرَات
وفِطِرَات.ابن سيده: وفَطَر الشيء أَنشأَه، وفَطَر الشيء بدأَه، وفَطَرْت إصبع
فلان أَي ضربتها فانْفَطَرتْ دماً.
والفَطْر للصائم، والاسم الفِطْر، والفِطْر: نقيض الصوم، وقد أَفْطَرَ
وفَطَر وأَفْطَرَهُ وفَطَّرَه تَفْطِيراً. قال سيبويه: فَطَرْته
فأَفْطَرَ، نادر. ورجل فِطْرٌ. والفِطْرُ: القوم المُفْطِرون. وقو فِطْرٌ، وصف
بالمصدر، ومُفْطِرٌ من قوم مَفاطير؛ عن سيبويه، مثل مُوسِرٍ ومَياسير؛ قال
أَبو الحسن: إنما ذكرت مثل هذا الجمع لأَن حكم مثل هذا أَن يجمع بالواو
والنون في المذكَّر، وبالأَلف والتاء في المؤنث. والفَطُور: ما يُفْطَرُ
عليه، وكذلك الفَطُورِيّ، كأَنه منسوب إليه. وفي الحديث: إذا أَقبل الليل
وأَدبر النهار فقد أَفْطَرَ الصائم أَي دخل في وقت الفِطْر وحانَ له أَن
يُفْطِرَ، وقيل: معناه أَنه قد صار في حكم المُفْطِرين، وإن لم يأْكل ولم
يشرب. ومنه الحديث: أَفْطَرَ الحاجمُ والمحجومُ أَي تَعرَّضا للإفطارِ،
وقيل: حان لهما أَن يُفْطِرَا، وقيل: هو على جهة التغليظ لهما والدعاء
عليهما.
وفَطَرَتِ المرأَةُ العجينَ حتى استبان فيه الفُطْرُ، والفَطِير: خلافُ
الخَمِير، وهو العجين الذي لم يختمر. وفَطَرْتُ العجينَ أَفْطُِره
فَطْراً إذا أَعجلته عن إدراكه. تقول: عندي خُبْزٌ خَمِيرٌ وحَيْسٌ فَطِيرٌ
أَي طَرِيّ. وفي حديث معاوية: ماء نَمِيرٌ وحَيْسٌ فَطِير أَي طَريٌّ
قَرِيبٌ حَدِيثُ العَمَل. ويقال: فَطَّرْتُ الصائمَ فأَفْطَر، ومثله
بَشَّرُتُه فأَبْشَر. وفي الحديث: أَفطر الحاجمُ والمَحْجوم. وفَطَر العجينَ
يَفْطِرُه ويَفْطُره، فهو فطير إذا اختبزه من ساعته ولم يُخَمّرْه، والجمع
فَطْرَى، مَقصورة. الكسائي: خَمَرْتُ العجين وفَطَرْته، بغير أَلف، وخُبْز
فَطِير وخُبْزة فَطِير، كلاهما بغير هاء؛ عن اللحياني، وكذلك الطين. وكل
ما أُعْجِلَ عن إدراكه: فَطِير. الليث: فَطَرْتُ العجينَ والطين، وهو أَن
تَعْجِنَه ثم تَخْتَبزَه من ساعته، وإذا تركته ليَخْتَمِرَ فقد
خَمَّرْته، واسمه الفَطِير. وكل شيءٍ أَعجلته عن إدراكه، فهو فَطِير. يقال: إِيايَ
والرأْيَ الفَطِير؛ ومنه قولهم: شَرُّ الرأْيِ الفَطِير.
وفَطَرَ جِلْدَه، فهو فَطِيرٌ، وأَفْطَره: لم يُرْوِه من دِباغٍ؛ عن ابن
الأَعرابي. ويقال: قد أَفْطَرْتَ جلدك إذا لم تُرْوِه من الدباغ.
والفَطِيرُ من السِّياطِ: المُحَرَّمُ الذي لم يُجَدْ دباغُه.
وفِطْرٌ، من أَسمائهم: مُخَدِّثٌ، وهو فِطْرُ بن خليفة.
صيف: الصَّيْفُ: من الأَزمنةِ معروف، وجمعه أَصْيافٌ وصُيُوفٌ. ويومٌ
صائفٌ أَي حارٌّ، وليلة صائفة. قال الجوهري: وربما قالوا يوم صافٌ بمعنى
صائفٍ كما قالوا يوم راحٌ ويومٌ طانٌ ومطر صائفٌ. ابن سيده وغيره:
والصَّيِّفُ المطر الذي يجيء في الصيفِ والنباتُ الذي يجيء فيه. قال الجوهري:
الصَّيْفُ المطر الذي يجيء في الصيف، قال ابن بري: صوابه الصَّيِّف، بتشديد
الياء. وصِفْنا أَي أَصابنا مطر الصَّيْفِ، وهو فُعِلْنا على ما لم يسمَّ
فاعله مثل خُرِفْنا ورُبِعْنا. وفي حديث عُبادة: أَنه صلى في جُبّةٍ
صَيِّفةٍ أَي كثيرة الصُّوف. يقال: صافَ الكَبْشُ يصُوفُ صَوْفاً، فهو
صائِفٌ وصَيِّفٌ إذا كثر صُوفُه، وبناء اللفظة صَيْوِفة فقلبت ياء
وأُدْغِمت.وصَيَّفَني هذا الشيء أَي كفاني لِصَيْفتي؛ ومنه قول الراجز:
مَنْ يَكُ ذا بَتٍّ فهذا بَتِّي
مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي
وصِيفَتِ الأَرضُ، فهي مَصِيفةٌ ومَصْيوفةٌ: أَصابها الصَّيِّفُ،
وصُيِّفْنا كذلك؛ وقول أَبي كبير الهذلي:
ولقد وَرَدْتُ الماء لم يَشْرَبْ به
حَدَّ الرَّبيعِ إلى شُهور الصَّيِّفِ
يعني به مطر الصيف، الواحد صَيِّفةٌ؛ قال ابن بري: وفاعل يشرب في البيت
الذي بعده وهو:
الا عَوابِسُ كالمِراطِ مُعِيدةٌ،
بالليلِ، مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضِّف
ويقال: أَصابَتْنا صَيِّفة غَزيرة، بتشديد الياء. وتَصَيَّفَ: من
الصَّيْف كما يقال تَشَتَّى من الشِّتاء. وأَصاف القومُ: دخلوا في الصَّيف،
وصافُوا بمكان كذا: أَقاموا فيه صَيْفَهُم،وصِفْتُ بمكان كذا وكذا وصِفْتُه
وتَصَيَّفْته وصَيَّفْته؛ قال لبيد:
فَتَصَيَّفا ماءً بِدَحْلٍ ساكِناً،
يَسْتَنُّ فوق سَراتِه العُلْجُومُ
وقال الهذلي:
تَصَيَّفْت نَعْمانَ واصَّيَّفَتْ
وصافَ بالمكان أَي أَقام به الصيف، واصْطافَ مثلُه، والموضع مَصِيفٌ
ومُصْطافٌ. التهذيب: صافَ القومُ إذا أَقاموا في الصّيفِ بموضع فهم صائفون،
وأَصافوا فهم مُصِيفون إذا دخلوا في زمان الصَّيف، وأَشْتَوا إذا دخلوا
في الشِّتاء. ويقال: صُيِّفَ القومُ ورُبِعوا إذا أَصابهم مَطَر الصيف
والربيع، وقد صِفْنا ورُبِعْنا، كان في الأَصل صُيِفْنا، فاستثقلت الضمة مع
الياء فحذفت وكسرت الصاد لتدل عليها. وصافَ فلانٌ ببلاد كذا يَصِيفُ إذا
أَقام به في الصَّيف، والمَصِيفُ: اسم الزمان؛ قال سيبويه: أُجري مُجرى
المكان وعامله مُصايَفَةً وصِيافاً.
والصائفة: أَوانُ الصَّيف. والصائفةُ: الغَزْوةُ في الصيف. والصائفةُ
والصَّيْفِيّةُ: المِيرةُ قبل الصيف، وهي المِيرة الثانية، وذلك لأَن
أَوَّلَ المِيَرِ الرَّبْعِيَّة ثم الصَّيْفِيَّة ثم الدَّفَئِيَّة. الجوهري:
وصائفةُ القوم مِيرَتُهم في الصيف.
الجوهري: الصَّيْفُ واحد فُصُول السنة وهو بعد الربيع الأَول وقبل
القَيْظِ. يقال: صَيْفٌ صائفُ، وهو توكيد له كما يقال لَيْلٌ لائلٌ وهَمَج
هامِجٌ. وفي حديث الكَلالة حين سُئل عنها عمر، رضي اللّه عنه، فقال: تكفيك
آيةُ الصَّيف أَي التي نزلت في الصيف وهي الآية التي في آخر سورة النساء
والتي في أَوَّلِها نزلت في الشتاء.
وأَصافَتِ الناقةُ، وهي مُصِيفٌ ومِصْيافٌ: نُتِجَتْ في الصَّيْف
وولدُها صَيْفِيّ.
وأَصافَ الرجلُ، فهو مُصِيفٌ: وُلد له في الكِبَرِ، وولده أَيضاً
صَيْفيّ وصَيْفِيُّون، وشيء صَيْفِيٌّ؛ وقال أَكثمُ بن صَيْفي، وقيل هي لسعد بن
مالك ابن ضبيعة:
إنَّ بَنيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ،
أَفْلَحَ مَنْ كان له رِبْعِيُّونْ
في حديث سليمان بن عبد الملك: لمَّا حضرته الوفاة قال هذين البيتين أَي
وُلدوا على الكِبَر. يقال: أَصافَ الرجل يُصِيف إِصافةً إذا لم يولد له
حتى يُسِنّ ويَكْبَرَ، وأَوْلاده صَيْفِيُّون. والرِّبْعِيُّون: الذين
وُلدوا في حداثته وأَوّل شَبابه، قال: وإنما قال ذلك لأَنه لم يكن في
أَبنائه من يُقَلِّده العهد بعده. وأَصافَ: ترك النساء شابّاً ثم تزوَّج
كبيراً.الليث: الصَّيْفُ رُبُع من أَرْباع السنة، وعند العامة نصف السنة. قال
الأزهري: الصيف عند العرب الفصل الذي تسميه عوامُّ الناس بالعراق وخُراسان
الربيعَ، وهي ثلاثة أَشهر، والفَصْل الذي يَليه عند العرب القَيْظ، وفيه
يكون حَمْراء القَيْظِ، ثم بعده فصل الخَريف، ثم بعده فصل الشتاء.
والكَلأُ الذي يَنْبُتُ في الصَّيْف صَيْفِيٌّ، وكذلك المطر الذي يقع في
الربيع ربيعِ الكَلإِ صَيْفٌ وصَيْفِيّ. وقال ابن كُناسة: اعلم أَن السنة
أَربعة أَزمِنة عند العرب: الربيعُ الأَول وهو الذي تسمِّيه الفُرْسُ الخريف
ثم الشتاء ثم الصيف، وهو الربيع الآخِر، ثم القَيْظ، فهذه أَربعةُ
أَزمِنةٍ. وسُميت غَزْوَة الروم الصائفةَ لأَن سُنَّتَهم أَن يُغْزَوا صيفاً،
ويُقْفَلَ عنهم قبل الشتاء لمكان البردِ والثلج.
أَبو عبيد: استأْجرته مُصايَفةً ومُرابعةً ومُشاتاةً ومَخارفةً من
الصَّيفِ والرَّبيعِ والشتاء والخَرِيفِ مَثْل المُشاهرَةِ والمُياومَةِ
والمُعاومَةِ. وفي أَمثالهم في إتمام قَضاء الحاجةِ: تمامُ الرَّبيع الصيفُ،
وأَصله في المطر، فالربيع أَوَّله والصيف الذي بعده، فيقول: الحاجة
بكمالها كما أَنَّ الربيع لا يكون تمامه إلا بالصيفِ. ومن أَمثالهم: الصيفَ
ضَيَّعْتِ اللبنَ إذا فَرَّطَ في أَمره في وقته، معناه طلْبتِ الشيء في غير
وقته، وذلك أَن الأَلبان تكثر في الصيف فيُضْرَب مثلاً لترك الشيء وهو
ممكن وطَلَبِه وهو مُتَعَذِّر، قال ذلك ابن الأَنباري وأَوّلُ من قاله عمرو
بن عمرو بن عُدَسَ لِدَخْتَنُوسَ بنت لقِيطٍ، وكانت تَحْتَه فَفَرِكَتْه
وكان مُوسراً. فتزوّجها عَمْرُو بن مَعْبَد وهو ابن عمِّها وكان شابّاً
مُقتراً، فمرَّت به إبل عمرو فسألتْه اللبن فقال لها ذلك.
وضافَ عنه صَيفاً ومَصيفاً وصَيْفوفةً: عَدَلَ. وصافَ السَّهْمُ عن
الهَدَفِ يَصِيفُ صَيفاً وصَيْفوفة: كذلك عَدَلَ بمعنى ضافَ، والذي جاء في
الحديث ضافَ، بالضاد؛ قال أَبو زبيد:
كلَّ يومٍ تَرْميهِ منها بِرَشْقٍ،
فمَصِيفٌ أَو صافَ غَيرَ بَعِيدِ
وقال أَبو ذؤيب:
جَوارِسُها تأْوِي الشُّعُوفَ دَوائِباً،
وتَنْصَبُّ أَلْهاباً مَصيفاً كِرابُها
أَي مَعْدُولاً بها مُعْوَجَّةً غير مُقَوَّمَةٍ، ويروى مَضِيفاً، وقد
تقدَّم؛ والكِرابُ: مَجارِي الماء، واحدتها كَرَبَةٌ، واللِّهْبُ: الشّقُّ
في الجبل أَي تَنْصَبُّ إلى اللَّهْبِ لكونه بارِداً، ومَصِيفاً أَي
مُعْوَجّاً من صافَ إذا عَدلَ. الجوهري: المَصيفُ المُعْوَجُّ من مَجاري
الماء، وأَصله من صافَ أَي عدلَ كالمَضِيقِ من ضاقَ. وصافَ الفَحْلُ عن
طَرُوقَتِه: عدل عن ضِرابها. وفي حديث أَنس أَن النبي، صلى اللّه عليه وسلم،
شاوَرَ أَبا بكر، رضي اللّه عنه، يوم بَدْر في الأَسْرَى فتكلم أَبو بكر
فصافَ عنه؛ قال الأَصمعي: يقال صاف يَصِيفُ إذا عدَلَ عن الهَدف؛ المعنى:
عدل، صلى اللّه عليه وسلم، بوجهه عنه ليُشاور غيره. وفي حديث آخر: صافَ
أَبو بكر عن أَبي بُرْدَةَ، ويقال: أَصافه اللّه عني أَي نَحَّاه،
وأَصافَ اللّه عني شرَّ فلان أَي صَرَفه وعدَل به. والصيفُ: الأُنثى من البُوم؛
عن كراع.
وصائفٌ: اسم موضع؛ قال معن بن أَوس:
فَفَدْفَدُ عَبُّودٍ فَخَبْراء صائفٍ،
فَذُو الحَفْرِ أَقْوَى منهمُ فَفَدافِدُهْ
وصَيفِيٌّ: اسم رجل، وهو صيفي بن أَكْثَمَ.
جرد: جَرَدَ الشيءَ يجرُدُهُ جَرْداً وجَرَّدَهُ: قشَره؛ قال:
كأَنَّ فداءَها، إِذْ جَرَّدُوهُ
وطافوا حَوْله، سُلَكٌ يَتِيمُ
ويروى حَرَّدُوهُ، بالحاء المهملة وسيأْتي ذكره. واسمُ ما جُرِدَ منه:
الجُرادَةُ. وجَرَدَ الجِلْدَ يَجْرُدُه جَرْداً: نزع عنه الشعر، وكذلك
جَرَّدَه؛ قال طَرَفَةُ:
كسِبْتِ اليماني قِدُّهُ لم يُجَرَّدِ
ويقال: رجل أَجْرَدُ لا شعر عليه.
وثَوْبٌ جَرْدٌ: خَلَقٌ قد سَقَطَ زِئْبِرُهُ، وقيل: هو الذي بين الجديد
والخَلَق؛ قال الشاعر:
أَجَعَلْتَ أَسْعَدَ للرِّماحِ دَرِيئَةً؟
هَبِلَتْكَ أُمُّكَ أَيَّ جَرْدٍ تَرْقَعُ؟
أَي لا تَرْقَع الأَخْلاق وتَتركْ أَسعدَ قد خَرَّقته الرماح فأَيُّ...
تُصِلحُ
(* قوله «فأيِّ تصلح» كذا بنسخة الأصل المنسوبة إلى المؤلف ببياض
بين أيّ وتصلح ولعل المراد فأي أمر أو شأن أو شعب أو نحو ذلك.)
بَعْدَهُ. والجَرْدُ: الخَلَقُ من الثياب، وأَثْوابٌ جُرُودٌ؛ قال كُثَيِّرُ
عزة:فلا تَبْعَدَنْ تَحْتَ الضَّريحةِ أَعْظُمٌ
رَميمٌ، وأَثوابٌ هُناكَ جُرودُ
وشَمْلَةٌ جَرْدَةٌ كذلك؛ قال الهذلي:
وأَشْعَثَ بَوْشِيٍّ، شَفَيْنا أُحاحَهُ
غَدَاتَئِذٍ، في جَرْدَةٍ، مُتَماحِلِ
بَوْشِيٌّ: كثير العيال. متماحِلٌ: طويل: شفينا أُحاحَهُ أَي قَتَلْناه.
والجَرْدَةُ، بالفتح: البُرْدَةُ المُنْجَرِدَةُ الخَلَقُ.
وانْجَرَدَ الثوبُ أَي انسَحَق ولانَ، وقد جَرِدَ وانْجَرَدَ؛ وفي حديث
أَبي بكر، رضي الله عنه: ليس عندنا من مال المسلمين إِلاَّ جَرْدُ هذه
القَطِيفَةِ أَي التي انجَرَدَ خَمَلُها وخَلَقَتْ. وفي حديث عائشة، رضوان
الله عليها: قالت لها امرأَة: رأَيتُ أُمي في المنام وفي يدها شَحْمَةٌ
وعلى فَرْجِها جُرَيْدَةٌ، تصغير جَرْدَة، وهي الخِرْقة البالية.
والجَرَدُ من الأَرض: ما لا يُنْبِتُ، والجمع الأَجاردُ. والجَرَدُ: فضاءٌ لا
نَبْتَ فيه، وهذا الاسم للفضاء؛ قال أَبو ذؤيب يصف حمار وحش وأَنه يأْتي
الماء ليلاً فيشرب:
يَقْضِي لُبَانَتَهُ بالليلِ، ثم إِذا
أَضْحَى، تَيَمَّمَ حَزْماً حَوْلهُ جَرَدُ
والجُرْدَةُ، بالضم: أَرض مسْتوية متجرِّدة. ومكانٌ جَرْدٌ وأَجْرَدُ
وجَرِدٌ، لا نبات به، وفضاءٌ أَجْرَدُ. وأَرض جَرْداءُ وجَرِدَةٌ، كذلك،
وقد جَرِدَتْ جَرَداً وجَرَّدَها القحطُ تَجْريداً. والسماءُ جَرْداءُ إِذا
لم يكن فيها غَيْم من صَلَع. وفي حديث أَبي موسى: وكانت فيها أَجارِدُ
أَمْسَكَتِ الماءَ أَي مواضعُ منْجَرِدَة من النبات؛ ومنه الحديث:
تُفْتَتحُ الأَريافُ فيخرج إِليها الناسُ، ثم يَبْعَثُون إِلى أَهاليهم إِنكم في
أَرض جَرَديَّة؛ قيل: هي منسوبة إِلى الجَرَدِ، بالتحريك، وهي كل أَرض
لا نبات بها. وفي حديث أَبي حَدْرَدٍ: فرميته على جُرَيداءِ مَتْنِهِ أَي
وسطه، وهو موضع القفا المنْجَرِد عن اللحم تصغيرُ الجَرْداء.
وسنة جارودٌ: مُقْحِطَةٌ شديدة المَحْلِ. ورجلٌ جارُودٌ: مَشْو ومٌ،
منه، كأَنه يَقْشِر قَوْمَهُ. وجَرَدَ القومَ يجرُدُهُم جَرْداً: سأَلهم
فمنعوه أَو أَعطَوْه كارهين. والجَرْدُ، مخفف: أَخذُك الشيءَ عن الشيءِ
حَرْقاً وسَحْفاً، ولذلك سمي المشؤوم جاروداً، والجارودُ العَبْدِيُّ: رجلٌ
من الصحابة واسمه بِشْرُ بنُ عمرو من عبد القيس، وسمي الجارودَ لأَنه
فَرَّ بِإِبِلِه إِلى أَخواله من بني شيبان وبإِبله داء، ففشا ذلك الداء في
إِبل أَخواله فأَهلكها؛ وفيه يقول الشاعر:
لقد جَرَدَ الجارودُ بكرَ بنَ وائِلِ
ومعناه: شُئِمَ عليهم، وقيل: استأْصل ما عندهم. وللجارود حديث، وقد صحب
النبي، صلى الله عليه وسلم، وقتل بفارس في عقبة الطين. وأَرض جَرْداءُ:
فضاء واسعة مع قلة نبت. ورجل أَجْرَدُ: لا شعر على جسده. وفي صفته، صلى
الله عليه وسلم: أَنه أَجرَدُ ذو مَسْرَبةٍ؛ قال ابن الأَثير: الأَجرد الذي
ليس على بدنه شعر ولم يكن، صلى الله عليه وسلم، كذلك وإِنما أَراد به
أَن الشعر كان في أَماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين، فإِن ضدَّ
الأَجْرَد الأَشعرُ، وهو الذي على جميع بدنه شعر. وفي حديث صفة أَهل
الجنة: جُرْذ مُرْدٌ مُتَكَحِّلون، وخَدٌّ أَجْرَدُ، كذلك. وفي حديث أَنس:
أَنه أَخرج نعلين جَرْداوَيْن فقال: هاتان نعلا رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أَي لا شعر عليهما. والأَجْرَدُ من الخيلِ والدوابِّ كلِّها: القصيرُ
الشعرِ حتى يقال إِنه لأَجْرَدُ القوائم. وفرس أَجْرَدُ: قصير الشعر،
وقد جَرِدَ وانْجَرَدَ، وكذلك غيره من الدواب وذلك من علامات العِتْق
والكَرَم؛ وقولهم: أَجردُ القوائم إِنما يريدون أَجردُ شعر القوائم؛
قال:كأَنَّ قتودِي، والقِيانُ هَوَتْ به
من الحَقْبِ، جَردَاءُ اليدين وثيقُ
وقيل: الأَجردُ الذي رقَّ شعره وقصر، وهو مدح. وتَجَرَّد من ثوبه
وانجَرَدَ: تَعرَّى. سيبويه: انجرد ليست للمطاوعة إِنما هي كَفَعَلْتُ كما
أَنَّ افتَقَرَ كضَعُفَ، وقد جَرَّده من ثوبه؛ وحكى الفارسيُّ عن ثعلب:
جَرَّدهُ من ثوبه وجرَّده إِياه. ويقال أَيضاً: فلان حسنُ الجُرْدةِ
والمجرَّدِ والمتجرَّدِ كقولك حَسَنُ العُريةِ والمعَرّى، وهما بمعنى.
والتجريدُ: التعرية من الثياب. وتجريدُ السيف: انتضاؤه. والتجريدُ:
التشذيبُ. والتجرُّدُ: التعرِّي. وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان
أَنورَ المتجرِّدِ أَي ما جُرِّدَ عنه الثياب من جسده وكُشِف؛ يريد أَنه كان
مشرق الجسد. وامرأَة بَضَّةُ الجُرْدةِ والمتجرَّدِ والمتجرَّدِ، والفتح
أَكثر، أَي بَضَّةٌ عند التجرُّدِ، فالمتجرَّدِ على هذا مصدر؛ ومثل هذا
فلان رجلُ حرب أَي عند الحرب، ومن قال بضة المتجرِّد، بالكسر، أَراد
الجسمَ. التهذيب: امرأَةٌ بَضَّةُ المتجرَّدِ إِذا كانت بَضَّةَ البَشَرَةِ
إِذا جُرِّدَتْ من ثوبها.
أَبو زيد: يقال للرجل إِذا كان مُسْتَحْيياً ولم يكن بالمنبسِطِ في
الظهور: ما أَنتَ بمنجَرِدِ السِّلْكِ.
والمتجرِّدةُ: اسم امرأَةِ النعمانِ بن المنذِر ملك الحَيرةِ. وفي حديث
الشُّراةِ: فإِذا ظهروا بين النَّهْرَينِ لم يُطاقوا ثم يَقِلُّون حتى
يكون آخرهُم لُصوصاً جرَّادين أَي يُعْرُون الناسَ ثيابهم ويَنْهَبونها؛
ومنه حديث الحجاج؛ قال الأَنس: لأُجَرِّدَنَّك كما يُجَرِّدُ الضبُّ أَي
لأَسْلُخَنَّك سلخَ الضبِّ، لأَنه إِذا شوي جُرَّدَ من جلده، ويروى:
لأَجْرُدَنَّك، بتخفيف الراء.
والجَرْدُ: أَخذ الشيء عن الشيء عَسْفاً وجَرْفاً؛ ومنه سمي الجارودُ
وهي السنة الشديدة المَحْل كأَنها تهلك الناس؛ ومنه الحديث: وبها سَرْحةٌ
سُرَّ تحتَها سبعون نبيّاً لم تُقْتَلْ ولم تُجَرَّدْ أَي لم تصبها آفة
تهلك ثَمرها ولا ورقها؛ وقيل: هو من قولهم جُرِدَتِ الأَرضُ، فهي مجرودة
إِذا أَكلها الجرادُ.
وجَرَّدَ السيفَ من غِمْدِهِ: سَلَّهُ. وتجرَّدَتِ السنبلة وانجَرَدَتْ:
خرجت من لفائفها، وكذلك النَّورُ عن كِمامِهِ. وانجردت الإِبِلُ من
أَوبارها إِذا سقطت عنها. وجَرَّدَ الكتابَ والمصحفَ: عَرَّاه من الضبط
والزيادات والفواتح؛ ومنه قول عبدالله بن مسعود وقد قرأَ عنده رجل فقال
أَستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال: جَرِّدوا القرآنَ لِيَرْبُوَ فيه
صغيركم ولا يَنْأَى عنه كبيركم، ولا تَلبِسوا به شيئاً ليس منه؛ قال ابن
عيينة: معناه لا تقرنوا به شيئاً من الأَحاديث التي يرويها أَهل الكتاب ليكون
وحده مفرداً، كأَنه حثَّهم على أَن لا يتعلم أَحد منهم شيئاً من كتب الله
غيره، لأَن ما خلا القرآن من كتب الله تعالى إِنما يؤخذ عن اليهود
والنصارى وهم غير مأْمونين عليها؛ وكان إِبراهيم يقول: أَراد بقوله جَرِّدوا
القرآنَ من النَّقْط والإِعراب والتعجيم وما أَشبهها، واللام في ليَرْبُوَ
من صلة جَرِّدوا، والمعنى اجعلوا القرآن لهذا وخُصُّوه به واقْصُروه
عليه، دون النسيان والإِعراض عنه لينشأَ على تعليمه صغاركم ولا يبعد عن
تلاوته وتدبره كباركم.
وتجرَّدَ الحِمارُ: تقدَّمَ الأُتُنَ فخرج عنها. وتجَرَّدَ الفرسُ
وانجرَدَ: تقدَّم الحَلْبَةَ فخرج منها ولذلك قيل: نَضَا الفرسُ الخيلَ إِذا
تقدّمها، كأَنه أَلقاها عن نفسه كما ينضو الإِنسانُ ثوبَه عنه.
والأَجْرَدُ: الذي يسبق الخيلَ ويَنْجَرِدُ عنها لسرعته؛ عن ابن جني. ورجلٌ
مُجْرَد، بتخفيف الراء: أُخْرِجَ من ماله؛ عن ابن الأَعرابي. وتجَرَّدَ العصير:
سكن غَلَيانُه. وخمرٌ جَرداءُ: منجردةٌ من خُثاراتها وأَثفالها؛ عن أَبي
حنيفة؛ وأَنشد للطرماح:
فلما فُتَّ عنها الطينُ فاحَتْ،
وصَرَّح أَجْرَدُ الحَجَراتِ صافي
وتجَرَّدَ للأَمر: جَدَّ فيه، وكذلك تجَرَّد في سيره وانجَرَدَ، ولذلك
قالوا: شَمَّرَ في سيره. وانجرَدَ به السيرُ: امتَدَّ وطال؛ وإِذا جَدَّ
الرجل في سيره فمضى يقال: انجرَدَ فذهب، وإِذا أَجَدَّ في القيام بأَمر
قيل: تجَرَّد لأَمر كذا، وتجَردَّ للعبادة؛ وروي عن عمر: تجرَّدُوا بالحج
وإِن لم تُحرِموا. قال إِسحق بن منصور: قلت لأَحمد ما قوله تجَرَّدوا
بالحج؟ قال: تَشَبَّهوا بالحاج وإِن لم تكونوا حُجَّاجاً، وقال إِسحق بن
إِبراهيم كما قال؛ وقال ابن شميل: جَرَّدَ فُلانٌ الحَجَّ وتجَرَّدَ بالحج
إِذا أَفرده ولم يُقْرِنْ.
والجرادُ: معروف، الواحدةُ جَرادة تقع على الذكر والأُنثى. قال الجوهري:
وليس الجرادُ بذكر للجرادة وإِنما هو اسم للجنس كالبقر والبقرة والتمر
والتمرة والحمام والحمامة وما أَشبه ذلك، فحقُّ مذكره أَن لا يكون مؤنثُه
من لفظه لئلا يلتبس الواحدُ المذكرُ بالجمع؛ قال أَبو عبيد: قيل هو
سِرْوَةٌ ثم دبى ثم غَوْغاءُ ثم خَيْفانٌ ثم كُتْفانُ ثم جَراد، وقيل: الجراد
الذكر والجرادة الأُنثى؛ ومن كلامهم: رأَيت جَراداً على جَرادةٍ كقولهم:
رأَيت نعاماً على نعامة؛ قال الفارسي: وذلك موضوعٌ على ما يحافظون عليه،
ويتركون غيرَه بالغالب إِليه من إِلزام المؤَنث العلامةَ المشعرةَ
بالتأْنيث، وإِن كان أَيضاً غير ذلك من كلامهم واسعاً كثيراً، يعني المؤَنث
الذي لا علامة فيه كالعين والقدْر والعَناق والمذكر الذي فيه علامةُ
التأْنيث كالحمامة والحَيَّة؛ قال أَبو حنيفة: قال الأَصمعي إِذا اصفَرَّت
الذكورُ واسودت الإِناثُ ذهب عنه الأَسماء إِلا الجرادَ يعني أَنه اسم لا
يفارقها؛ وذهب أَبو عبيد في الجراد إِلى أَنه آخر أَسمائه كما تقدم. وقال
أَعرابي: تركت جراداً كأَنه نعامة جاثمة.
وجُردت الأَرضُ، فهي مجرودةٌ إِذا أَكل الجرادُ نَبْتَها. وجَرَدَ
الجرادُ الأَرضَ يَجْرُدُها جَرْداً: احْتَنَكَ ما عليها من النبات فلم يُبق
منه شيئاً؛ وقيل: إِنما سمي جَراداً بذلك؛ قال ابن سيده: فأَما ما حكاه
أَبو عبيد من قولهم أَرضٌ مجرودةٌ، من الجراد، فالوجه عندي أَن يكون
مفعولةً من جَرَدَها الجرادُ كما تقدم، وللآخر أَن يعني بها كثرةَ الجراد، كما
قالوا أَرضٌ موحوشةٌ كثيرةُ الوحش، فيكون على صيغة مفعول من غير فعل إِلا
بحسب التوهم كأَنه جُردت الأَرض أَي حدث فيها الجراد، أَو كأَنها
رُميَتْ بذلك، فأَما الجرادةُ اسم فرس عبدالله بن شُرَحْبيل، فإِنما سميت بواحد
الجراد على التشبيه لها بها، كما سماها بعضهم خَيْفانَةً. وجَرادةُ
العَيَّار: اسم فرس كان في الجاهلية. والجَرَدُ: أَن يَشْرَى جِلْدُ الإِنسان
من أَكْلِ الجَرادِ. وجُردَ الإِنسانُ، بصيغة ما لم يُسَمَّ فاعلهُ،
إِذا أَكل الجرادَ فاشتكى بطنَه، فهو مجرودٌ. وجَرِدَ الرجلُ، بالكسر،
جَرَداً، فهو جَرِدٌ: شَرِيَ جِلْدُه من أَكل الجرادِ. وجُرِدَ الزرعُ: أَصابه
الجرادُ. وما أَدري أَيُّ الجرادِ عارَه أَي أَيُّ الناس ذهب به. وفي
الصحاح: ما أَدري أَيُّ جَرادٍ عارَه.
وجَرادَةُ: اسمُ امرأَةٍ ذكروا أَنها غَنَّتْ رجالاً بعثهم عاد إِلى
البيت يستسقون فأَلهتهم عن ذلك؛ وإِياها عنى ابن مقبل بقوله:
سِحْراً كما سَحَرَتْ جَرادَةُ شَرْبَها،
بِغُرورِ أَيامٍ ولَهْوِ ليالِ
والجَرادَتان: مغنيتان للنعمان؛ وفي قصة أَبي رغال: فغنته الجرادَتان.
التهذيب: وكان بمكة في الجاهلية قينتان يقال هما الجرادتان مشهورتان بحسن
الصوت والغناء.
وخيلٌ جريدة: لا رَجَّالَةَ فيها؛ ويقال: نَدَبَ القائدُ جَريدَةً من
الخيل إِذا لم يُنْهِضْ معهم راجلاً؛ قال ذو الرمة يصف عَيْراً
وأُتُنَه:يُقَلِّبُ بالصَّمَّانِ قُوداً جَريدةً،
تَرامَى به قِيعانُهُ وأَخاشِبُه
قال الأَصمعي: الجَريدةُ التي قد جَرَدَها من الصِّغار؛ ويقال: تَنَقَّ
إِبلاً جريدة أَي خياراً شداداً. أَبو مالك: الجَريدةُ الجماعة من
الخيل.والجاروديَّةُ: فرقة من الزيدية نسبوا إِلى الجارود زياد بن أَبي
زياد.ويقال: جَريدة من الخيل للجماعة جردت من سائرها لوجه. والجَريدة: سَعفة
طويلة رطبة؛ قال الفارسي: هي رطبةً سفعةٌ ويابسةً جريدةٌ؛ وقيل: الجريدة
للنخلة كالقضيب للشجرة، وذهب بعضهم إِلى اشتقاق الجريدة فقال: هي السعفة
التي تقشر من خوصها كما يقشر القضيب من ورقه، والجمع جَريدٌ وجَرائدُ؛
وقيل: الجريدة السعَفة ما كانت، بلغة أَهل الحجاز؛ وقيل: الجريد اسم واحد
كالقضيب؛ قال ابن سيده: والصحيح أَن الجريد جمع جريدة كشعير وشعيرة، وفي
حديث عمر: ائْتني بجريدة. وفي الحديث: كتب القرآن في جَرائدَ، جمع جريدة؛
الأَصمعي: هو الجَريد عند أَهل الحجاز، واحدته جريدة، وهو الخوص
والجردان. الجوهري: الجريد الذي يُجْرَدُ عنه الخوص ولا يسمى جريداً ما دام عليه
الخوص، وإِنما يسمى سَعَفاً.
وكل شيء قشرته عن شيء، فقد جردته عنه، والمقشور: مجرود، وما قشر عنه:
جُرادة.
وفي الحديث: القلوب أَربعة: قلب أَجرَدُ فيه مثلُ السراج يُزْهِرُ أَي
ليس فيه غِلٌّ ولا غِشٌّ، فهو على أَصل الفطرة فنور الإِيمان فيه يُزهر.
ويومٌ جَريد وأَجْرَدُ: تامّ، وكذلك الشهر؛ عن ثعلب. وعامٌ جَريد أَي
تامّ. وما رأَيته مُذْ أَجْرَدانِ وجَريدانِ ومُذْ أَبيضان: يريدُ يومين
أَو شهرين تامين.
والمُجَرَّدُ والجُردانُ، بالضم: القضيب من ذوات الحافر؛ وقيل: هو الذكر
معموماً به، وقيل هو في الإِنسان أَصل وفيما سواه مستعار؛ قال جرير:
إِذا رَوِينَ على الخِنْزِير من سَكَرٍ،
نادَيْنَ: يا أَعظَمَ القِسَّين جُرْدانا
الجمع جَرادين.
والجَرَدُ في الدواب: عيب معروف، وقد حكيت بالذال المعجمة، والفعل منه
جَرِدَ جَرَداً. قال ابن شميل: الجَرَدُ ورم في مؤَخر عرقوب الفرس يعظم
حتى يمنعَه المشيَ والسعيَ؛ قال أَبو منصور: ولم أَسمعه لغيره وهو ثقة
مأْمون.
والإِجْرِدُّ: نبت يدل على الكمأَة، واحدته إِجْرِدَّةٌ؛ قال:
جَنَيْتُها من مُجْتَنىً عَويصِ،
من مَنْبِتِ الإِجْرِدِّ والقَصيصِ
النضر: الإِجْرِدُّ بقل يقال له حب كأَنه الفلفل، قال: ومنهم من يقول
إِجْرِدٌ، بتخفيف الدال، مثل إِثمد، ومن ثقل، فهو مثل الإِكْبِرِّ، يقال:
هو إِكْبِرُّ قومه.
وجُرادُ: اسم رملة في البادية. وجُراد وجَراد وجُرادَى: أَسماء مواضع؛
ومنه قول بعض العرب: تركت جَراداً كأَنها نعامة باركة. والجُراد
والجُرادة: اسم رملة بأَعلى البادية. والجارد وأُجارد، بالضم: موضعان أَيضاً،
ومثله أُباتر. والجُراد: موضع في ديار تميم. يقال: جَرَدُ القَصِيم والجارود
والمجرد وجارود أَسماء رجال. ودَرابُ جِرْد: موضع. فأَما قول سيبويه:
فدراب جرد كدجاجة ودراب جردين كدجاجتين فإِنه لم يرد أَن هنالك دراب
جِرْدين، وإِنما يريد أَن جِرْد بمنزلة الهاء في دجاجة، فكما تجيء بعلم التثنية
بعد الهاء في قولك دجاجتين كذلك تجيء بعلم التثنية بعد جرد، وإِنما هو
تمثيل من سيبويه لا أَن دراب جردين معروف؛ وقول أَبي ذؤيب:
تدلَّى عليها بين سِبٍّ وخَيْطَةٍ
بِجَرْداءَ، مِثْلِ الوَكْفِ يَكْبُو عُرابُها
يعني صخرة ملساء؛ قال ابن بري يصف مشتاراً للعسل تدلى على بيوت النحل.
والسبّ: الحبل. والخيطة: الوتد. والهاء في قوله عليها تعود على النحل.
وقوله: بجرداء يريد به صخرة ملساء كما ذكر. والوكف: النطع شبهها به
لملاستها، ولذلك قال: يكبو غرابها أَي يزلق الغراب إِذا مشى عليها؛ التهذيب: قال
الرياشي أَنشدني الأَصمعي في النون مع الميم:
أَلا لها الوَيْلُ على مُبين،
على مبين جَرَدِ القَصِيم
قال ابن بري: البيت لحنظلة بن مصبح، وأَنشد صدره:
يا رِيَّها اليومَ على مُبين
مبين: اسم بئر، وفي الصحاح: اسم موضع ببلاد تميم.
والقَصِيم: نبت.
والأَجاردة من الأَرض: ما لا يُنْبِتُ؛ وأَنشد في مثل ذلك:
يطعُنُها بخَنْجَرٍ من لحم،
تحت الذُّنابى في مكانٍ سُخْن
وقيل: القَصيم موضع بعينه معروف في الرمال المتصلة بجبال الدعناء. ولبن
أَجْرَدُ: لا رغوة له؛ قال الأَعشى:
ضَمِنَتْ لنا أَعجازَه أَرماحُنا،
مِلءَ المراجِلِ، والصريحَ الأَجْرَدا
بأس: الليث: والبَأْساءُ اسم الحرب والمشقة والضرب. والبَأْسُ: العذاب.
والبأْسُ: الشدة في الحرب. وفي حديث علي، رضوان اللَّه عليه: كنا إِذا
اشتدَّ البأْسُ اتَّقَيْنا برسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم؛ يريد الخوف
ولا يكون إِلا مع الشدَّة. ابن الأَعرابي: البأْسُ والبَئِسُ، على مثال
فَعِلٍ، العذاب الشديد. ابن سيده: البأْس الحرب ثم كثر حتى قيل لا بَأْسَ
عليك، ولا بَأْسَ أَي لا خوف؛ قال قَيْسُ بنُ الخطِيمِ:
يقولُ ليَ الحَدَّادُ، وهو يَقُودُني
إِلى السِّجْنِ: لا تَجْزَعْ فما بكَ من باسِ
أَراد فما بك من بأْس، فخفف تخفيفاً قياسياً لا بدلياً، أَلا ترى أَن
فيها:
وتَتْرُكُ عُذْري وهو أَضْحَى من الشَّمْسِ
فلولا أَن قوله من باس في حكم قوله من بأْس، مهموزاً، لما جاز أَن يجمع
بين بأْس، ههنا مخففاً، وبين قوله ن الشمس لأَنه كان يكون أَحد الضربين
مردفاً والثاني غير مردف. والبَئِسُ: كالبَأْسِ.وإِذا قال الرجل لعدوّه:
لا بأْس عليك فقد أَمَّنه لأَنه نفى البأْس عنه، وهو في لغة حِمير لَبَاتِ
أَي لا بأْس عليك، قال شاعرهم:
شَرَيْنَا النَّوْمَ، إِذ غَضِبَتْت غَلاب،
تَنَادَوْا عند غَدْرِهِمُ: لَبَاتِ
وقد بَرَدَتْ مَعَاذِرُ ذي رُعَيْنِ
ولَبَاتِ بلغتهم: لا بأْس؛ قال الأَزهري: كذا وجدته في كتاب شمر.
وفي الحديث: نهى عن كسر السِّكَةِ الجائزة بين المسلمين إِلا من بأْس،
يعني الدنانير والدراهم المضروبة، أَي لا تكسر إِلا من أَمر يقتضي كسرها،
إِما لرداءتها أَو شكٍّ في صحة نقدها، وكره ذلك لما فيها من اسم اللَّه
تعالى، وقيل: لأَن فيه إِضاعة المال، وقيل: إِنما نهى عن كسرها على أَن
تعاد تبراً، فأَما للنفقة فلا، وقيل: كانت المعاملة بها في صدر الإِسلام
عدداً لا وزناً، وكان بعضهم يقص أَطرافها فنُهوا عنه.
ورجلٌ بَئِسٌ: شجاع، بَئِسَ بَأْساً وبَؤُسَ بَأْسَةً. أَبو زيد: بَؤُسَ
الرجل يَبْؤُسُ بَأْساً إِذا كان شديد البَأْسِ شجاعاً؛ حكاه أَبو زيد
في كتاب الهمز، فهو بَئِيسٌ، على فَعِيل، أَي شجاع. وقوله عز وجل:
سَتُدعَوْنَ إِلى قوم أُولي بَأْسِ شديد؛ قيل: هم بنو حنيفة قاتلهم أَبو بكر،
رضي اللَّه عنه، في أَيام مُسَيْلمة، وقيل: هم هَوازِنُ، وقيل: هم فارس
والروم.
والبُؤْسُ: الشدة والفقر. وبَئِسَ الرجل يَبْأَسُ بُؤْساً وبَأْساً
وبَئِيساً إِذا افتقر واشتدت حاجته، فهو بائِسٌ أَي فقير؛ وأَنشد أَبو
عمرو:وبيضاء من أَهلِ المَدينةِ لم تَذُقْ
بَئِيساً، ولم تَتْبَعْ حَمُولَةَ مُجْحِدِ
قال: وهو اسم وضع موضع المصدر؛ قال ابن بري: البيت للفرزدق، وصواب
إِنشاده لبيضاء من أَهل المدينة؛ وقبله:
إِذا شِئتُ غَنَّاني من العاجِ قاصِفٌ،
على مِعْصَمٍ رَيَّانَ لم يَتَخَدَّدِ
وفي حديث الصلاة: تُقْنِعُ يَدَيكَ وتَبْأَسُ؛ هو من البُؤْسِ الخضوع
والفقر، ويجوز أَن يكون أَمراً وخبراً؛ ومنه حديث عَمَّار: بُؤْسَ ابنِ
سُمَيَّةَ كأَنه ترحم له من الشدة التي يقع فيها؛ ومنه الحديث: كان يكره
البُؤْسَ والتَّباؤُسَ؛ يعني عند الناس، ويجوز التَبَؤُسُ بالقصر والتشديد.
قال سيبويه: وقالوا بُؤساً له في حد الدعاء، وهو مما انتصب على إِضمار
الفعل غير المستعمل إِظهاره. والبَأْسَاءُ والمَبْأَسَة: كالبُؤس؛ قال
بِشْرُ بن أَبي خازِم:
فأَصْبَحُوا بعد نُعْماهُمْ بِمَبْأَسَةٍ،
والدَّهْرُ يَخْدَعُ أَحْياناً فَيَنْصَرِفُ
وقوله تعالى: أَخَذناهم بالبَأْساءِ والضَّرَّاءِ؛ قال الزجاج: البأْساء
الجوع والضراء في الأَموال والأَنفس. وبَئِسَ يَبْأَسُ ويَبْئِسُ؛
الأخيرة نادرة، قال ابن جني: هو...
(* كذا بياض بالأصل.) كرم يكرم على ما قلناه
في نعم ينعم. وأَبْأَسَ الرجلُ: حلت به البَأْساءُ؛ عن ابن الأَعرابي،
وأَنشد:
تَبُزُّ عَضارِيطُ الخَمِيسِ ثِيابَها
فأَبْأَسْت ...* يومَ ذلك وابْنَما،
(* كذا بياض بالأصل ولعل موضعه بنتاً.)
والبائِسُ: المُبْتَلى؛ قال سيبويه: البائس من الأَلفاظ المترحم بها
كالمِسْكين، قال: وليس كل صفة يترحم بها وإِن كان فيها معنى البائس
والمسكين، وقد بَؤُسَ بَأْسَةٌ وبئِيساً، والاسم البُؤْسى؛ وقول تأَبط
شرّاً:قد ضِقْتُ من حُبِّها ما لا يُضَيِّقُني،
حتى عُدِدْتُ من البُوسِ المساكينِ
قال ابن سيده: يجوز أَن يكون عنى به جمع البائس، ويجوز أَن يكون من ذوي
البُؤْسِ، فحذف المضاف وأَقام المضاف إِليه مقامه. والبائس: الرجل النازل
به بلية أَو عُدْمٌ يرحم لما به. ابن الأَعرابي: يقال بُوْساً وتُوساً
وجُوْساً له بمعنى واحد. والبأْساء: الشدة؛ قال الأَخفش: بني على فَعْلاءَ
وليس له أَفْعَلُ لأَنه اسم كما قد يجيء أَفْعَلُ في الأَسماء ليس معه
فَعْلاء نحو أَحمد. والبُؤْسَى: خلاف النُّعْمَى؛ الزجاج: البأْساءُ
والبُؤْسى من البُؤْس، قال ذلك ابن دريد، وقال غيره: هي البُؤْسى والبأْساءُ
ضد النُّعْمى والنَّعْماء، وأَما في الشجاعة والشدة فيقال البَأْسُ.
وابْتَأَسَ الرجل، فهو مُبْتَئِس. ولا تَبْتَئِسْ أَي لا تحزن ولا تَشْتَكِ.
والمُبْتَئِسُ: الكاره والحزين؛ قال حسان بن ثابت:
ما يَقْسِمُ اللَّهُ أَقْبَلْ غَيْرَ مُبتِئِسٍ
منه، وأَقْعُدْ كريماً ناعِمَ البالِ
أَي غير حزين ولا كاره. قال ابن بري: الأَحسن فيه عندي قول من قال: إن
مُبتَئِساً مُفْتَعِلٌ من البأْسِ الذي هو الشدة، ومنه قوله سبحانه: فلا
تَبْتَئِسْ بما كانوا يفعلون؛ أَي فلا يشتدّ عليك أَمْرُهم، فهذا أَصله
لأَنه لا يقال ابْتَأَسَ بمعنى كره، وإِنما الكراهة تفسير معنوي لأَن
الإِنسان إِذا اشتد به أَمرٌ كرهه، وليس اشتدّ بمعنى كره. ومعنى بيت حسان أَنه
يقول: ما يرزق اللَّه تعالى من فضله أَقبله راضياً به وشاكراً له عليه
غير مُتَسَخِّطٍ منه، ويجوز في منه أَن تكون متعلقة بأَقبل أَي أَقبله منه
غير متسخط ولا مُشتَدٍّ أَمره عليّ؛ وبعده:
لقد عَلِمْتُ بأَني غالي خُلُقي
على السَّماحَةِ، صُعْلوكاً وذا مالِ
والمالُ يَغْشَى أُناساً لا طَباخَ بِهِمْ،
كالسِّلِّ يَغْشى أُصُولَ الدِّنْدِنِ البالي
والطبَّاخُ: القوّة والسِّمَنُ. والدِّنْدنُ: ما بَليَ وعَفِنَ من أُصول
الشجر. وقال الزجاج: المُبْتَئِسُ المسكين الحزين، وبه فسر قوله تعالى:
فلا تَبْتَئِسْ بما كانوا يَعْمَلون؛ أَي لا تَحْزَن ولا تَسْتَكِنْ.
أَبو زيد: وابْتَأَسَ الرجل إِذا بلغه شيء يكرهه؛ قال لبيد:
في رَبْرَبٍ كَنِعاج صا
رَةَ يَبْتَئِسْنَ بما لَقِينا
وفي الحديث في صفة أَهل الجنة: إِنَّ لكم أَن تَنْعَموا فلا تَبْؤُسوا؛
بَؤُس يَبْؤُس، بالضم فيهما، بأْساً إِذا اشتد. والمُبْتَئِسُ: الكاره
والحزين. والبَؤُوس: الظاهر البُؤْسِ.
وبِئْسَ: نَقيضُ نِعْمَ؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
إِذا فَرَغَتْ من ظَهْرِه بَطَّنَتْ له
أَنامِلُ لم يُبْأَسْ عليها دُؤُوبُها
فسره فقال: يصف زِماماً، وبئسما دأَبت
(* قوله «وبئسما دأبت» كذا بالأصل
ولعله مرتبط بكلام سقط من الناسخ.) أَي لم يُقَلْ لها بِئْسَما عَمِلْتِ
لأَنها عملت فأَحسنت، قال لم يسمع إِلا في هذا البيت. وبئس: كلمة ذم،
ونِعْمَ: كلمة مدح. تقول: بئس الرجلُ زَيدٌ وبئست المرأَة هِنْدٌ، وهما
فعلان ماضيان لا يتصرفان لأَنهما أُزيلا عن موضعهما، فنِعْمَ منقول من قولك
نَعِمَ فلان إِذا أَصاب نِعْمَةً، وبِئْسَ منقول من بَئِسَ فلان إِذا
أَصاب بؤْساً، فنقلا إِلى المدح والذم فشابها الحروف فلم يتصرفا، وفيهما لغات
تذكر في ترجمة نعم، إِن شاء اللَّه تعالى. وفي حديث عائشة، رضي اللَّه
عنها: بِئْسَ أَخو العَشِيرةِ؛ بئس مهموز فعل جامع لأَنواع الذم، وهو ضد
نعم في المدح، قال الزجاج: بئس ونعم هما حرفان لا يعملان في اسم علم،
إِنما يعملان في اسم منكور دالٍّ على جنس، وإِنما كانتا كذلك لآن نعم مستوفية
لجميع المدح، وبئس مستوفية لجميعي الذم، فإِذا قلت بئس الرجل دللت على
أَنه قد استوفى الذم الذي يكون في سائر جنسه، وإِذا كان معهما اسم جنس
بغير أَلف ولام فهو نصب أَبداً، فإِذا كانت فيه الأَلف واللام فهو رفع
أَبداً، وذلك قولك نعم رجلاً زيد ونعم الرجل زيد وبئس رجلاً زيد وبئس الرجل
زيد، والقصد في بئس ونعم أَن يليهما اسم منكور أَو اسم جنس، وهذا قول
الخليل، ومن العرب من يصل بئس بما قال اللَّه عز وجل: ولبئسما شَرَوْا به
أَنفسهم. وروي عن النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، أَنه قال: بئسما لأَحدكم أَن
يقول نَسِيتُ أَنه كَيْتَ وكَيْتَ، أَمَا إِنه ما نَسِيَ ولكنه أُنْسِيَ.
والعرب تقول: بئسما لك أَن تفعل كذا وكذا، إِذا أَدخلت ما في بئس أَدخلت
بعد ما أَن مع الفعل: بئسما لك أَن تَهْجُرَ أَخاك وبئسما لك أَن تشتم
الناس؛ وروى جميع النحويين: بئسما تزويجٌ ولا مَهْر، والمعنى فيه: بئس
تزويج ولا مهر؛ قال الزجاج: بئس إِذا وقعت على ما جعلت ما معها بمنزلة اسم
منكور لأَن بئس ونعم لا يعملان في اسم علم إِنما يعملان في اسم منكور
دالٍّ على جنس. وفي التنزيل العزيز: بعَذابٍ بَئِيسٍ بما كانوا يَفْسُقُون؛
قرأَ أَبو عمرو وعاصم والكسائي وحمزة: بعذابٍ بَئِيسٍ، علة فَعِيلٍ، وقرأَ
ابن كثير: بِئِيس، على فِعِيلٍ، وكذلك قرأَها شِبْل وأَهلُ مكة وقرأَ
ابن عامر: بِئْسٍ، علة فِعْلٍ، بهمزة وقرأَها نافع وأَهل مكة: بِيْسٍ، بغير
همز. قال ابن سيده: عذاب بِئْسٌ وبِيسٌ وبَئِيسٌ أَي شديد، وأَما قراءَة
من قرأَ بعذاب بَيْئِسٍ فبنى الكلمة مع الهمزة على مثال فَيْعِلٍ، وإِن
لم يكن ذلك إِلا في المعتل نحو سَيِّدٍ ومَيِّتٍ، وبابهما يوجهان العلة
(* قوله «يوجهان العلة إلخ» كذا بالأصل.) وإِن لم تكن حرف علة فإِنها
معرضة للعلة وكثيرة الانقلاب عن حرف العلة، فأُجريت مجرى التعرية في باب
الحذف والعوض. وبيس كخِيس: يجعلها بين بين من بِئْسَ ثم يحولها بعد ذلك، وليس
بشيء. وبَيِّسٍ على مثال سَيِّدٍ وهذا بعد بدل الهمزة في بَيْئِسٍ.
والأَبْؤُسُ: جمع بَؤُسٍ، من قولهم يومُ بُؤْس ويومُ نُعْمٍ.
والأَبْؤُسُ أَيضاً: الداهية. وفي المثل: عَسى الغُوَيْرُ أَبْؤُساً. وقد أَبْأَسَ
إبْآساً؛ قال الكميت:
قالوا: أَساءَ بنوكُرْزٍ، فقلتُ لهم:
عسى الغُوَيْرُ بإِبْآسٍ وإِغْوارِ
قال ابن بري: الصحيح أَن الأَبْؤُسَ جمع بَأْس، وهو بمعنى الأَبْؤُس
(*
قوله «وهو بمعنى الأبؤس» كذا بالأصل ولعل الأولى بمعنى البؤس.) لأَن باب
فَعْلٍ أَن يُجْمَعَ في القلة على أَفْعُلٍ نحو كَعْبٍ وأَكْعُبٍ وفَلْسٍ
وأَفْلُسٍ ونَسْرٍ وأَنْسُرٍ، وباب فُعْلٍ أَن يُجْمَع في القلة على
أَفْعال نحو قُفْلٍ وبُرْدٍ وأَبْرادٍ وجُنْدٍ وأَجنادٍ. يقال: بَئِسَ
الشيءُ يَبْأَسُ بُؤْساً وبَأْساً إِذا اشتدّ، قال: وأَما قوله والأَبْؤُسُ
الداهية، قال: صوابه أَن يقول الدواهي لأَن الأَبْؤُس جمع لا مفرد، وكذلك
هو في قول الزَّبَّاءِ: عَسى الغُوَيْرُ أَبْؤُساً، هو جمع بأْسٍ على ما
تقدم ذكره، وهو مَثَلٌ أَوَّل من تكلم به الزَّبَّاء. قال ابن الكلبي:
التقدير فيه: عسى الغُوَيْرُ أَن يُحْدِثَ أَبْؤُساً، قال: وهو جمع بَأْسٍ
ولم يقل جمعُ بُؤْسٍ، وذلك أَن الزَّبَّاء لما خافت من قَصِيرٍ قيل لها:
ادخلي الغارَ الذي تحت قصرك، فقالت: عسى الغوير أَبؤُساً أَي إِن فررت من
بأْس واحد فعسى أَن أَقع في أَبْؤُسٍ، وعسى ههنا إِشفاق؛ قال سيبويه: عسى
طمع وإِشفاق، يعني أَنها طمع في مثل قولك: عسى زيد أَن يسلم، وإِشفاق
مثل هذا المثل: عسى الغوير أَبؤُساً، وفي مثل قول بعض أَصحاب النبي؛ صلى
اللَّه عليه وسلم: عسى أَن يَضُرَّني شَبَهُه يا رسول اللَّه، فهذا إِشفاق
لا طمع، ولم يفسر معنى هذا المثل ولم يذكر في أَي معنى يــتمثل به؛ قال ابن
الأَعرابي: هذا المثل يضرب للمتهم بالأَمر، ويشهد بصحة قوله قول عمر،
رضي اللَّه عنه، لرجل أَتاه بمَنْبُوذٍ: عسى الغُوَيْرُ أَبْؤُساً، وذلك
أَنه اتهمه أَن يكون صاحب المَنْبوذَ؛ وقال الأَصمعي: هو مثل لكل شيء يخاف
أَن يَأْتي منه شر؛ قال: وأَصل هذا المثل أَنه كان غارٌ فيه ناس فانْهارَ
عليهم أَو أَتاهم فيه فقتلهم. وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: عسى
الغُوَيْرُ أَبْؤُساً؛ هو جمع بأْس، وانتصب على أَنه خبر عسى. والغُوَيْرُ: ماء
لكَلْبٍ، ومعنى ذلك عسى أَن تكون جئت بأَمر عليك فيه تُهَمَةٌ وشِدَّةٌ.
بغل: البَغْل: هذا الحيوان السَّحّاج الذي يُرْكَب، والأُنثى بَغْلة،
والجمع بِغَال، ومَبْغُولاء اسم للجمع. والبَغّال: صاحب البِغَال؛ حكاها
سيبويه وعُمارة
بن عقيل؛ وأَما قول جرير:
من كل آلِفَةِ المواخر تَتَّقِي
بِمُجَرَّدٍ، كَمُجَرَّدِ البَغّال
فهو البَغْل نفسه. ونَكَح فيهم فبَغَلهم وبَغَّلَهم: هَجَّن أَولادهم.
وتزوَّج فلان فلانة فَبَغَّل أَولادَها إِذا كان فيهم هُجْنة، وهو من
البَغْل لأَن البَغْلَ يَعْجَز عن شَأْوِ الفَرس. والتَّبْغيل من مَشْي
الإِبلِ: مَشْيٌ فيه سَعَة، وقيل: هو مشيء فيه اختلاف واختلاط بين الهَمْلَجَة
والعَنَق؛ قال ابن بري شاهده:
فيها، إِذا بَغَّلَتْ، مَشْيٌ ومَحْقَرةٌ
على الجِيَاد، وفي أَعناقها خَدَب
وأَنشد لأَبي حَيَّة النُّمَيري:
نَضْح البَرِيِّ وفي تَبْغِيلها زَوَرُ
وأَنشد للراعي:
رَبِذاً يُبَغِّل خَلْفَها تَبْغِيلا
(* قوله «ربذاً إلخ» صدره كما في شرح القاموس: وإذا ترقصت المفازة غادرت)
وفي قصيد كعب بن زهير:
فيها على الأَيْنِ إِرْقال وتَبْغِيل
هو تَفْعِيل من البَغْل كأَنه شبه سيرها بسير البغل لشدَّته.
دعص: الدِّعصُ: قُورٌ من الرمل مجتمع. والجمع أَدْعاصٌ ودِعَصةٌ، وهو
أَقلّ من الحِقْف، والطائفة منه دِعْصةٌ؛ قال:
خُلِقْتِ غيرَ خِلْقةِ النِّسْوانِ،
إِن قُمْتِ فالأَعْلى قَضِيبُ بانِ
وإِن تَوَلَّيْتِ فدِعْصَتانِ،
وكُلّ إِدٍّ تَفْعل العَيْنانِ
والدِّعْصاءُ: أَرض سهلة فيها رملة تَحْمَى عليها الشمسُ فتكون
رَمْضاؤُها أَشدَّ من غيرها؛ قال:
والمُسْتجِيرُ بِعَمْرو عند كُرْبَتِه،
كالمُسْتَجِير من الدَّعْصاءِ بالنار
(* وروي من الرمضاءِ بدل الدعصاء.)
وتَدَعَّصَ اللحمُ: تَهَرَّأَ من فساده. والمُنْدَعِصُ: الميّتُ إِذا
تفَسّخَ، شُبِّه بالدِّعْصِ لِوَرَمِه وضَعْفِه؛ قال الأَعشى:
فإِنْ يَلْقَ قوْمي قَوْمَهُ، تَرَ بَيْنَهُمْ
قتَالاً وأَقصادَ القَنَا ومَداعِصا
وأَدْعَصه الحَرُّ إِدْعاصاً: قتَلَه. وأَهرأَه البَرْدُ إِذا قَتَله.
ورَماه فأَدْعَصَه كأَقْعَصَه؛ قال جؤية بن عائذ النصري:
وفِلْقٌ هَتُوفٌ، كلّما شاءَ راعَها
بزُرْقِ المَنايا المُدْعِصات زَجُوم
ودَعَصَه بالرُّمْح: طَعَنه به. والمَداعِصُ: الرِّماحُ. ورجل مِدْعَصٌ
بالرمح: طَعَّان؛ قال:
لتَجِدَنّي بالأَمِير بَرّا،
وبالقَناةِ مِدْعَصاً مِكَرّا
المُنْدَعِصُ: الشيء الميّتُ إِذا تَفَسَّخ، شُبِّه بالدِّعْصِ
لوَرَمِه.ودَعَصَ بِرِجْلِه ودَحَص ومَحَص وقَعَصَ إِذا ارْتَكَضَ.
ويقال: أَخَذْتُه مُداعَصةً ومُداغَصةً ومُقاعَصةً ومُرافَصةً
ومُحايَصةً ومُتَايَسةً أَي أَخذْتُه مُعازَّةً.
ضرج: ضَرَجَ الثوبَ وغيرَه: لَطَخه بالدم ونحوِه من الحُمْرة، وقد يكون
بالصُّفرة؛ قال يصف السَّراب على وجه الأَرض:
في قَرْقَرٍ بِلُعاب الشمس مَضْرُوج
يعني السراب. وضَرَّجَه فَتَضَرَّج، وثوبٌ ضَرِج وإِضْرِيج: مُتَضَرِّج
بالحمرة أَو الصُّفرة؛ وقيل: الإِضْريجُ صِبغ أَحمر، وثوبٌ مُضَرَّج، من
هذا؛ وقيل: لا يكون الإِضْريجُ إِلاَّ من خَزٍّ.
وتَضَرَّج بالدَّم أَي تَلَطَّخ. وفي الحديث: مَرَّ بي جعفر في نَفَرٍ
من الملائكة مضَرَّج الجناحين بالدم أَي مُلَطَّخاً. وكل شيء تَلَطَّخ
بشيء، بِدَمٍ أَو غيره، فقد تَضَرَّج؛ وقد ضُرِّجَتْ أَّثوابه بدم النَّجيع.
ويقال: ضَرَّج أَنْفَه بدم إِذا أَدْماه؛ قال مُهَلْهِل:
لَوْ بِأَبانَيْنِ جاء يَخْطُبُها،
ضُرِّجَ ما أَنْفُ خاطبٍ بدَمِ
وفي كتابه لِوائِلٍ: وضَرَّجُوه بالأَضامِيم أَي دَمّوه بالضَّرْب.
وقال اللحياني: الإِضْريجُ الخَزُّ الأَحمر؛ وأَنشد:
وأَكْسِيةُ الإِضْريجِ فَوْقَ المَشاجِبِ
يعني أَكْسِيةَ خَزٍّ حُمْراً؛ وقيل: هو الخز الأَصفر؛ وقيل: هو كساء
يُتخذ من جَيّد المِرْعِزَّى. اللَّيثُ: الإِضريجُ الأَكسية تتخذ من
المِرْعِزَّى من أَجوده. والإِضْريجُ: ضرب من الأَكسية أَصفر.
وضَرَجَ الشيءَ ضَرْجاً فانْضَرَج، وضَرَّجه فتَضَرَّج: شقَّه.
والضَّرْج: الشَّقُّ؛ قال ذو الرُّمة يصف نساء:
ضَرَجْنَ البُرُودَ عن تَرائب حُرَّةٍ
أَي شَقَقْنَ، ويروى بالحاء أَي أَلقين. وفي حديث المرأَة: صاحبة
المَزادَتَيْن تَكاد تَتَضَرَّجُ من المِلْءِ أَي تنشقُّ. وتَضَرَّج الثوبُ:
انشقَّ؛ وقال هميان يصف أَنياب الفَحل:
أَوْسَعْنَ من أَنيابه المَضارِجِ
والمَضَارِج: المَشاقُّ. وتَضَرَّح الثوب إِذا تَشَقَّقَ. وضَرَّجْت
الثوب تَضْريجاً إِذا صَبَغْته بالحرة، وهو دون المُشْبَع وفوق المُوَرَّدِ.
وفي الحديث: وعَلَيَّ رَيْطَة مُضَرَّجَة أَي ليس صِبْغها بالمُشْبَع.
والمَضارِجُ: الثياب الخُلْقان تبتذل مثل المَعاوِز؛ قاله أَبو عبيد:
واحدُها مِضْرَج. وعينٌ مَضْرُوجة: واسعة الشَّقِّ نَجْلاء؛ قال ذو
الرمة:تَبَسَّمْنَ عن نَوْرِ الأَقاحِيِّ في الثَّرَى،
وفَتَّرْنَ عن أَبصارِ مَضْرُوجَةٍ نُجْلِ
وانْضَرَجَت لنا الطريق: اتَّسَعت. والانْضِراج: الاتِّساع؛ قال الشاعر:
أَمَرْتُ له بِرَاحِلةٍ وبُرْدٍ
كَريمٍ، في حَواشِيه انْضِرَاجُ
وانْضَرَج ما بين القوم: تَباعد ما بينهم. وانْضَرَج الشجر: انشقَّت
عُيونُ ورَقِه وبَدَتْ أطرافه. وتَضَرَّجَتْ عن البَقْل لَفائِفُه إِذا
انفتحت، وإِذا بَدَتْ ثمار البُقول من أَكْمامِها، قيل: انْضَرَجَتْ عنها
لفائفُها أَي انْفتحتْ. والانْضِراج: الانْشقاق؛ قال ذو الرمة:
مِمَّا تَعالَتْ مِنَ البُهْمَى ذَوَائِبُها
بالصَّيْفِ، وانْضَرَجَتْ عنه الأَكامِيمُ
تَعالَت: ارتفعت. وذَوائبها: سَفاها. والأَكامِيم جمع أَكْمام، وأَكْمام
جمع كِمٍّ، وهو الذي يكون فيه الزَّهْرُ.
وضَرَجَ النار يَضْرِجها: فتح لها عيناً؛ رواه أَبو حنيفة.
وانضَرَجَتِ العُقاب: انحطَّت من الجَوِّ كاسرةً. وانْضَرَج البازي عن
الصيد إِذا انْقَضَّ؛ قال امرؤ القيس:
كَتَيْسِ الظِّباء الأَعْفَرِ، انْضَرَجَتْ لَهُ
عُقابٌ، تَدَلَّتْ من شَمارِيخ ثَهْلانِ
وقيل: انْضَرَجَتْ انْبَرَتْ له؛ وقيل: أَخَذَتْ في شِقٍّ. أَبو سعيد:
تَضْريج الكلام في المَعاذِير هو تَزْوِيقُه وتحسينه. ويقال: خير ما
ضُرِّج به الصدقُ، وشَرُّ ما ضُرِّج به الكذِب. وفي النوادر: أَضْرَجَتِ
المرأَة جَيْبَها إِذا أَرْخَتْه. وضُرِّجتِ الإِبل أَي رَكَضْناها في
الغَارَة؛ وضَرَجتِ الناقة بِجِرَّتِها وجَرَضَتْ.
والإِضْريج: الجَيِّد من الخيل. أَبو عبيدة: الإِضريج من الخيل الجَواد
الكثير العَرَق؛ قال أَبو دُواد:
ولقد أَغْتَدِي، يُدافِع رُكْنِي
أَجْوَلِيٌّ ذُو مَيْعَةٍ، إِضْرِيجُ
وقال: الإِضْريج الواسِع اللَّبَان؛ وقيل: الإِضْريجُ الفرس الجَواد
الشديد العَدْوِ. وعَدْوٌ ضَرِيجٌ: شديد؛ قال أَبو ذؤيب:
جِرَاءٌ وَشَدٌّ كالحَريق ضَرِيجُ
والضَّرْجَة والضَّرَجَة: ضَرْب من الطير.
وضَارِج: اسم موضع معروف؛ قال امرؤ القيس:
تَيَمَّمَتِ العَيْنَ التي عند ضارِجٍ،
يَفِيءُ عليها الظِّلُّ، عَرْمَضُها طامي
قال ابن بَرِّي: ذكر النحاس أَن الرواية في البيت يفيءُ عليها
الطَّلْحُ، ورَوَى بإِسناد ذكره أَنه وفَدَ قوم من اليَمَن على النبي، صلى الله
عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، أَحيانا الله ببيتين من شعر امرئ القيس
ابن حُجْر، قال: وكيف ذلك؟ قالوا: أَقبلنا نريدك فضَلَلْنا الطريق فبقينا
ثَلاثاً بغير ماء، فاستظللنا بالطَّلْح والسَّمُرِ، فأَقبل راكب متلثِّم
بعمامة وتمثل رجل ببيتين، وهما:
ولَّمَّا رأَتْ أَن الشَّرِيعة هَمُّها،
وأَنَّ البَياض من فَرائِصِها دَامي،
تيَمَّمتِ العَين التي عند ضارِج،
يفيءُ عليها الطّلح، عَرمَضها طامي
فقال الراكب: من يقول هذا الشعر؟ قال: امرؤ القيس بن حجر، قال: والله ما
كذب، هذا ضارِج عندكم، قال: فَجَثَوْنا على الرُّكَب إِلى ماء، كما
ذكَر، وعليه العَرْمَض يفيء عليه الطَّلْح، فشربْنا رِيَّنا، وحملْنا ما
يكفينا ويُبَلِّغُنا الطريق، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ذاك رجل مذكور
في الدنيا شريف فيها، منسيٌّ في الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة معه
لواء الشعراء إِلى النار؛ وقوله:
ولما رأَتْ أَن الشَّريعة هَمُّها
الشَّريعة: مورد الماء الذي تَشْرَع فيه الدَّوابُّ. وهمُّها: طلبها،
والضمير في رأَتْ للحُمُر؛ يريد أَن الحمر لما أَرادت شَرِيعة الماء وخافت
على أَنفسها من الرُّماة، وأَن تَدْمَى فرائصها من سهامها، عدلت إِلى
ضارِج لعدم الرُّماة على العَيْنِ التي فيه. وضارِج: موضع في بلاد بني
عَبْس. والعَرْمَض: الطُّحْلُب. وطامي: مرتفع.
غور: غَوْرُ كلِّ شيء: قَعْرُه. يقال: فلان بعيد الغَوْر. وفي الحديث:
أَنه سَمِع ناساً يذكرون القَدَرَ فقال: إنكم قد أُخذتم في شِعْبَين
بَعيدَي الغَوْرِ؛ غَوْرُ كل شيء: عُمْقه وبُعْده، أَي يَبْعُد أَن تدركوا
حقيقةَ علمه كالماء الغائرِ الذي لا يُقْدَر عليه؛ ومنه حديث الدعاء: ومن
أَبْعَدُ غَوْراً في الباطل مني. وغَوْرُ تهامةَ: ما بين ذات عرْق والبحرِ
وهو الغَوْرُ، وقيل: الغَوْرُ تهامةُ وما يلي اليمنَ. قال الأَصمعي: ما
بين ذات عرق إلى البحر غَوْرٌ وتهامة. وقال الباهلي: كل ما انحدر مسيله،
فهو غَوْرٌ.
وغارَ القومُ غَوْراً وغُؤُوراً وأَغارُوا وغَوَّرُوا وتَغَوَّرُوا:
أَتَوا الغَوْرَ؛ قال جرير:
يا أُمَّ حزْرة ، ما رأَينا مِثْلَكم
في المُنْجدِينَ ، ولا بِغَوْرِ الغائِرِ
وقال الأَعشى:
نَبيّ يَرَى ما لا تَرَون، وذِكْرُه
أَغارَ ، لَعَمْري ، في البلاد وأَنْجدا
وقيل: غارُوا وأَغاروا أَخذوا نَحْوَ الغَوْر. وقال الفراء: أَغارَ لغة
بمعنى غارَ، واحتج ببيت الأَعشى. قال محمد بن المكرم: وقد روي بيتَ
الأَعشى مخروم النصف:
غارَ ، لَعَمْرِي ، في البلاد وأَنْجَدا
وقال الجوهري: غارَ يَغُورُ غَوْراً أَي أَتى الغَور، فهو غائِرٌ. قال:
ولا يقال أَغارَ؛ وقد اختلف في معنى قوله:
أَغار، لعمرِي ، في البلاد وأَنجدا
فقال الأَصمعي: أَغارَ بمعنى أَسرع وأَنجد أَي ارتفع ولم يرد أَتى
الغَوْرَ ولا نَجْداً؛ قال: وليس عنده في إتيان الغَوْر إلا غارَ؛ وزعم الفراء
أَنها لغة واحتج بهذا البيت، قال: وناسٌ يقولون أَغارَ وأَنجد، فإِذا
أَفْرَدُوا قالوا: غارَ، كما قالوا: هَنَأَني الطعامُ ومَرَأَني، فإِذا
أَفردوا قالوا: أَمْرَأَنِي. ابن الأَعرابي: تقول ما أَدري أَغارَ فلانٌ أَم
مار؛ أَغارَ: أَتَى الغَوْرَ، ومارَ: أَتَى نجداً. وفي الحديث: أَنه
أَقطع بلالَ ابنَ الحرث مَعادِنَ القَبَلِيَّة جَلْسِيَّها وغَوْرِيَّها؛
قال ابن الأَثير: الغَورُ ما انخفض من الأَرض، والجَلْسُ ما ارتفع منها.
يقال: غارَ إذا أَتى الغَوْرَ، وأَغارَ أَيضاً، وهي لغة قليلة؛ وقال جميل:
وأَنتَ امرؤٌ من أَهل نَجْدٍ، وأَهْلُنا
تِهامٌ، وما النَّجْدِيّ والمُتَغَوّرُ؟
والتَّغْوِيرُ: إتيان الغَوْر. يقال: غَوَّرْنا وغُرْنا بمعنى.
الأَصمعي: غارَ الرجلُ يَغُورُ إذا سارَ في بلاد الغَورِ؛ هكذا قال الكسائي؛
وأَنشد بيت جرير أَيضاً:
في المنْجِدينَ ولا بِغَوْر الغائر
وغارَ في الشيء غَوْراً وغُؤوراً وغِياراً، عن سيبويه: دخل. ويقال: إنك
غُرْتَ في غير مَغارٍ؛ معناه طَلَبْتَ في غير مطْلَبٍ. ورجل بعيد
الغَوْرِ أَي قَعِيرُ الرأْي جيّدُه. وأَغارَ عَيْنَه وغارَت عينُه تَغُورُ
غَوْراً وغُؤوراً وغَوَّرَتْ: دخلت في الرأْس، وغَارت تَغارُ لغة فيه؛ وقال
الأَحمر:
وسائلة بظَهْر الغَيْبِ عنّي:
أَغارَت عينُه أَم لم تَغارا؟
ويروى:
ورُبَّتَ سائلٍ عنِّي خَفِيٍّ:
أَغارت عينهُ أَمْ لم تَغارا؟
وغار الماءُ غَوْراً وغُؤوراً وغَوَّرَ: ذهب في الأَرض وسَفَلَ فيها.
وقال اللحياني: غارَ الماءُ وغَوَّرَ ذهب في العيون. وماءٌ غَوْرٌ: غائر،
وصف بالمصدر. وفي التنزيل العزيز: قل أَرأَيتم إِنْ أَصبَحَ ماؤُكم
غَوْراً؛ سمي بالمصدر، كا يقال: ماءٌ سَكْبٌ وأُذُنٌ حَشْرٌ ودرهم ضَرْبٌ أَي
ضُرب ضرباً. وغارَت الشمسُ تَغُور غِياراً وغُؤوراً وغَوَّرت: غربت،
وكذلك القمر والنجوم؛ قال أَبو ذؤيب:
هل الدَّهْرُ إلا لَيْلةٌ ونَهارُها،
وإلا طلُوع الشمس ثم غِيارُها؟
والغارُ: مَغارةٌ في الجبل كالسَّرْب، وقيل: الغارُ كالكَهْف في الجبل،
والجمع الغِيرانُ؛ وقال اللحياني: هو شِبْهُ البيت فيه، وقال ثعلب: هو
المنخفض في الجبل. وكل مطمئن من الأَرض:غارٌ؛ قال:
تؤمُّ سِناناً، وكم دُونه
من الأَرض مُحْدَوْدِباً غارُها
والغَوْرُ: المطمئن من الأَرض. والغارُ: الجُحْرُ الذي يأْوي إليه
الوحشيّ، والجمع من كل ذلك، القليل: أَغوارٌ؛ عن ابن جني، والكثيرُ: غِيرانٌُ.
والغَوْرُ: كالغار في الجبل. والمَغارُ والمَغارةُ: كالغارِ؛ وفي
التنزيل العزيز: لويَجِدون مَلْجأً أَو مَغارات مُدَّخَلاً؛ وربما سَمَّوْا
مكانِسَ الظباء مَغاراً؛ قال بشر:
كأَنَّ ظِباءَ أَسْنُمةٍ عليها
كَوانِس ، قالصاً عنها المَغارُ
وتصغير الغارِ غُوَيْرٌ. وغارَ في الأَرض يَغُورُ غَوْراً وغُؤوراً:
دخل. والغارُ: ما خلف الفَراشة من أَعلى الفم، وقيل: هو الأُخدود الذي بين
اللَّحْيين، وقيل: هو داخل الفم، وقيل: غارُ الفم نِطْعا في الحنكين. ابن
سيده: الغارانِ العَظْمان اللذان فيهما العينان، والغارانِ فمُ الإِنسان
وفرجُه، وقيل: هما البطن والفرج؛ ومنه قيل: المرء يسعى لِغارَيْه؛ وقال:
أَلم تر أَنَّ الدهْرَ يومٌ وليلة،
وأَنَّ الفتَى يَسْعَىْ لِغارَيْهِ دائبا؟
والغارُ: الجماعة من الناس. ابن سيده: الغارُ الجمع الكثير من الناس،
وقيل: الجيش الكثير؛ يقال: الْتَقَى الغاران أَي الجيشان؛ ومنه قول
الأَحْنَفِ في انصراف الزبير عن وقعة الجمل: وما أَصْنَعُ به إن كان جَمَعَ بين
غارَيْنِ من الناس ثم تركهم وذهب؟ والغارُ: وَرَقُ الكَرْمِ؛ وبه فسر
بعضهم قول الأَخطل:
آلَتْ إلى النِّصف مِنْ كَلفاءَ أَترَعَها
عِلْجٌ، ولَثَّمها بالجَفْنِ والغارِ
والغارُ: ضَرْبٌ من الشجر، وقيل: شجر عظام له ورق طوال أَطول من ورق
الخِلاف وحَمْلٌ أَصغر من البندق، أَسود يقشر له لب يقع في الدواء، ورقُه
طيب الريح يقع في العِطر، يقال لثمره الدهمشت، واحدته غارةٌ، ومنه دُهْنُ
الغارِ؛ قال عدي بن زيد:
رُبَّ نارٍ بِتُّ أَرْمُقُها،
تَقْضَمُ الهِنْدِيَّ والغارا
الليث: الغارُ نبات طيب الريح على الوُقود، ومنه السُّوس. والغار:
الغبار؛ عن كراع.
وأَغارَ الرجلُ: عَجِلَ في الشيء وغيّره. وأَغار في الأَرض: ذهب، والاسم
الغارة. وعَدَا الرجلُ غارةَ الثعلب أَي عَدْوِه فهو مصدر كالصَّماء، من
قولهم اشْتَملَ الصَّماءَ؛ قال بشر بن أَبي خازم:
فَعَدِّ طِلابَها، وتَعَدَّ عنها
بِحَرْفٍ، قد تُغِيرُ إذا تَبُوعُ
والاسم الغَويِرُ ؛ قال ساعدة يبن جؤية:
بَساقٍ إذا أُولى العَديِّ تَبَدَّدُوا،
يُخَفِّضُ رَيْعانَ السُّعاةِ غَوِيرُها
والغارُ: الخَيْل المُغِيرة؛ قال الكميت بن معروف:
ونحنُ صَبَحْنا آلَ نَجْرانَ غارةً:
تَمِيمَ بنَ مُرٍّ والرِّماحَ النَّوادِسا
يقول: سقيناهم خَيْلاً مُغِيرة، ونصب تميم بن مر على أَنه بدل من غارة؛
قال ابن بري: ولا يصح أَن يكون بدلاً من آل نجران لفساد المعنى، إِذ
المعنى أَنهم صَبَحُوا أَهلَ نجران بتميم بن مُرٍّ وبرماح أَصحابه، فأَهل
نجران هم المطعونون بالرماح، والطاعن لهم تميم وأًصحابه، فلو جعلته بدلاً من
آل نَجْران لا نقلب المعنى فثبت أَنها بدل من غارة. وأَغار على القوم
إِغارَةً وغارَةً: دفع عليهم الخيل، وقيل: الإِغاة المصدر والغارة الاسم من
الإِغارة على العدوّ؛ قال ابن سيده: وهو الصحيح. وتغاوَرَ القوم: أَغار
بعضهم على بعض. وغاوَرَهم مُغاورة، وأَغار على العدوّ يُغير إِغارة
ومُغاراً.
وفي الحديث: مَنْ دخل إلى طعامٍ لم يُدْعَ إِليه دَخل سارقاً وخرج
مُغيراً؛ المُغير اسم فاعل من أَغار يُغير إِذا نَهَب، شبَّه دُخوله عليهم
بدُخول السارق وخروجَه بمَن أَغارَ على قوم ونَهَبَهُم.وفي حديث قيس بن
عاصم: كنت أُغاوِرُهم في الجاهلية أَي أُغِير عليهم ويُغِيرُون عليّ،
والمُغاورَة مُفاعلة؛ وفي قول عمرو بن مرة:
وبيض تَلالا في أَكُفِّ المَغاوِرِ
المَغاوِرُ، بفتح الميم: جمعُ مُغاوِر بالضم، أَو جمع مِغْوار بحذف
الأَلف أَو حذْفِ الياء من المَغاوِير. والمِغْوارُ: المبالِغُ في الغارة.
وفي حديث سهل، رضي الله عنه: بَعثَنا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، في
غَزارةٍ فلما بَلَغْنا المُغارَ اسْتَحْثَثْتُ فرَسِي، قال ابن الأَثير:
المُغارُ، بالضم، موضع الغارةِ كالمُقامِ موضع الإِقامة، وهي الإِغارةُ نفسها
أَيضاً. وفي حديث عليّ: قال يومَ الجمل: مل ظَنُّكَ بامرئٍ جمعَ بين
هذين الغارَيْنِ؟ أَي الجَيّشين؛ قال ابن الأَثير: هكذا أَخرجه أَبو موسى في
الغين والواو؛ وذكره الهروي في الغين والياء، وذكر حديث الأَحْنَف
وقولهفي الزبير، رضي الله عنه، قال: والجوهري ذكره في الواو، قال: والواوُ
والياءُ متقاربان في الانقلاب؛ ومنه حديث فِتْنة الأَزْدِ: ليَجْمعا بين هذين
الغارَيْن. والغَارَةُ: الجماعة من الخيل إِذا أَغارَتْ. ورجلِ مغْوار
بيّن الغِوار: مقاتل كثير الغاراتِ على أَعدائِه، ومٌغاورٌ كذلك؛ وقومٌ
مَغاوِيرُ وخيل مغيرةٌ. وفرسٌ مِغْوارٌ: سريع؛ وقال اللحياني: فرسٌ
مِعْوارٌ شديد العَدْوِ؛ قال طفيل:
عَناجِيج من آل الوَجِيه، ولاحِقٍ،
مَغاويرُ فيها للأَريب مُعَقَّبُ
الليث: فرس مُغارٌ شديد المفاصل. قال الأَزهري: معناه شدَّة الأَسْر
كأَنه فَتِل فَتْلاً. الجوهري: أَغارَ أَي شدَّ العَدْوَ وأَسرع. وأَغارَ
الفرسُ إِغارةً وغارةً: اشْتدّ عَدْوُه وأَسرع في الغارةِ وغيرها،
والمُغِيرة والمِغىرة: الخيل التي تُغِير. وقالوا في حديث الحج: أَشْرِقْ ثَبِير
كَيْما نُغِير أَي نَنْفِر ونُسْرِع للنحر وندفع للحجارة؛ وقال يعقوب:
الإِغارةُ هنا الدفع أَي ندفع للنفر، وقيل: أَرادَ نُغِير على لُحوم
الأَضاحي، من الإِغارة: النهبِ، وقيل: نَدْخل في الغَوْرِ، وهو المنخفض من
الأَرض على لغة من قال أَغارَ إِذا أَتى الغَوْرَ؛ ومنه قولهم: أَغارَ
إِغارَة الثعلبِ إِذا أَسْرع ودفع في عَدْوِه. ويقال للخيل المُغِيرة: غارةٌ.
وكانت العرب تقول للخيل إذا شُنَّت على حيٍّ نازلين: فِيحِي فَياحِ أَي
اتَّسِعي وتفرّقي أَيتُها الخيل بالحيّ، ثم قيل للنهب غارة، وأَصلها
الخيل المُغيرة؛ وقال امرؤ القيس:
وغارةُ سِرْحانٍ وتقرِيبُ تَتْفُل
والسِّرحان: الذئب، وغارتهُ: شدَّةُ عَدْوِه. وفي التنزيل العزيز:
فالمُغيرات صُبْحاً. وغارَني الرجلُ يَغيرُني ويَغُورُني إذا أَعطاه الدّية؛
رواه ابن السكيت في باب الواو والياء. وأَغارَ فلانٌ بني فلان: جاءهم
لينصروه، وقد تُعَدَّى وقد تُعَدَّى بإلى. وغارَهُ بخير يَغُورُه ويَغِيرُه
أَي نفعه. ويقال: اللهم غُِرْنا منك بغيث وبخير أَي أَغِثّنا به. وغارَهم
الله بخير يَغُورُهم ويَغِيرُهم: أَصابهم بِخصْب ومطر وسقاهم. وغارَهم
يَغُورُهم غَوْراً ويَغِيرُهم: مارَهُم.
واسْتَغْوَرَ اللهَ: سأَله الغِيرةَ؛ أَنشد ثعلب:
فلا تَعْجلا، واسْتَغْوِرا اللهَ، إِنّه
إذا الله سَنَّى عقْد شيء تَيَسَّرا
ثم فسّره فقال: اسْتَغْوِرا من الميرَةِ؛ قال ابن سيده: وعندي أَن
معناه اسأَلوه الخِصْبَ إِذ هو مَيْرُ الله خَلْقه هذه يائية واوية. وغار
النهار أَي اشتدّ حرّه.
والتَّغْوِير: القَيْلولة. يقال: غوِّروا أَي انزلوا للقائلة. والغائرة:
نصف النهار. والغائرة: القائلة. وغَوَّر القوم تَغْويراً: دخلوا في
القائلة. وقالوا: وغَوَّروا نزلوا في القائلة؛ قال امرؤ القيس يصف الكلاب
والثور:
وغَوَّرْنَ في ظِلِّ الغضا، وتَرَكْنَه
كقَرْم الهِجان القادِرِ المُتَشَمِّس
وغَوَّروا: ساروا في القائلة. والتغوير: نوم ذلك الوقت. ويقال: غَوِّروا
بنا فقد أَرْمَضْتُمونا أَي انزلوا وقت الهاجرة حتى تَبْرُد ثم
تَرَوّحوا. وقال ابن شميل: التغوير أَن يسير الراكب إلى الزّوال ثم ينزل. ابن
الأَعرابي: المُغَوِّر النازل نصف النهار هُنَيْهة ثم يرحل. ابن بزرج:
غَوَّر النهار إذا زالت الشمس. وفي حديث السائب: لما ورد على عمر، رضي الله
عنه، بِفَتْحِ نَهاوَنْدَ قال: وَيْحَك ما وراءك؟ فوالله ما بِتُّ هذه الليلة
إلا تَغْوِيراً؛ يريد النومة القليلة التي تكون عند القائلة. يقال:
غَوَّر القوم إذا قالوا، ومن رواه تَغْرِيراً جعله من الغِرار، وهو النوم
القليل. ومنه حديث الإفْك: فأَتينا الجيش مُغَوِّرِين؛ قال ابن الأَثير:
هكذا جاء في روايةٍ، أَي وقد نزلوا للقائلة. وقال الليث: التَّغْوِير يكون
نُزولاً للقائلة ويكون سيراً في ذلك الوقت؛ والحجةُ للنزول قولُ الراعي:
ونحْن إلى دُفُوفِ مُغَوِّراتٍ،
يَقِسْنَ على الحَصى نُطَفاً لقينا
وقال ذو الرمة في التَّغْوير فجعله سيراً:
بَرَاهُنَّ تَغْوِيري، إذا الآلُ أَرْفَلَتْ
به الشمسُ أَزْرَ الحَزْوَراتِ العَوانِكِ
ورواه أَبو عمرو: أَرْقَلَت، ومعناه حركت. وأَرفلَت: بلغت به الشمس
أَوساط الحَزْوَراتِ؛ وقول ذي الرمة:
نزلنا وقد غَارَ النهارُ ، وأَوْقَدَتْ،
علينا حصى المَعزاءِ، شمسٌ تَنالُها
أَي من قربها كأَنك تنالها. ابن الأَعرابي: الغَوْرَة هي الشمس. وقالت
امرأَة من العرب لبنت لها: هي تشفيني من الصَّوْرَة، وتسترني من الغَوْرة؛
والصَّوْرة: الحكة. الليث: يقال غارَتِ الشمس غِياراً؛وأَنشد: فلمَّا
أَجَنَّ الشَّمْسَ عنيّ غيارُها والإِغارَة: شدة الفَتْل. وحبل مُغارٌ:
محكم الفَتْل، وشديد الغَارَةِ أَي شديد الفتل. وأَغَرْتُ الحبلَ أَي
فتلته، فهو مُغارٌ؛ أَشد غارَتَه والإِغارَةُ مصدر حقيقي، والغَارَة اسم يقوم
المصدر؛ ومثله أَغَرْتُ الشيء إِغارَةً وغارَة وأَطعت الله إِطاعةً
وطاعةً. وفرس مُغارٌ: شديد المفاصل. واسْتَغار فيه الشَّحْم: استطار وسمن.
واسْتغارت الجَرْحَةُ والقَرْحَةُ: تورَّمت؛ وأَنشد للراعي:
رَعَتْهُ أَشهراً وحَلا عليها،
فطارَ النِّيُّ فيها واسْتَغارا ويروى: فسار النِّيُّ فيها أَي ارتفع،
واستغار أَي هبط؛ وهذا كما يقال:
تَصَوَّبَ الحسنُ عليها وارْتَقَى
قال الأَزهري: معنى اسْتَغار في بيت الراعي هذا أَي اشتد وصَلُب، يعني
شحم الناقة ولحمها إذا اكْتَنَز، كما يَسْتَغير الحبلُ إذا أُغِيرَ أَي
شدَّ فتله. وقال بعضهم: اسْتَغارُ شحم البعير إِذا دخل جوفه ،قال: والقول
الأَول. الجوهري: اسْتغار أي سمن ودخل فيه الشحمُ.
ومُغِيرة: اسم. وقول بعضهم: مِغِيرَةُ، فليس اتباعُه لأَجل حرف الحلق
كشِعِيرٍ وبِعِيرٍ؛ إِنما هو من باب مِنْتِن، ومن قولهم: أَنا أُخْؤُوك
وابنؤُوك والقُرُفُصاء والسُّلُطان وهو مُنْحُدُر من الجبل.
والمغيرية: صنف من السبائية نسبوا إلى مغيرة بن سعيد مولى بجيلة.
والغار: لغة في الغَيْرَة؛ وقال أَبو ذؤيب يشّبه غَلَيان القدور بصخب
الضرائر:لَهُنّ نَشِيجٌ بالنَّشِيل كأَنها
ضَرائر حِرْميٍّ، تَفَاحشَ غارُها
قوله لهن، هو ضمير قُدورٍ قد تقدم ذكرها. ونَشِيجٌ غَلَيانٌ أَي تَنْشِج
باللحم. وحِرْميّ: يعني من أَهل الحَرَم؛ شبّه غليان القُدُور وارتفاعَ
صوتها باصْطِخاب الضرائر، وإنما نسبهنّ إلى الحَرم لأَن أَهل الحَرم أَول
من اتخذ الضرائر. وأَغار فلانٌ أَهلَه أَي تزوّج عليها؛ حكاه أَبو عبيد
عن الأصمعي. ويقال: فلان شديد الغَارِ على أَهله، من الغَيْرَة. ويقال:
أَغار الحبْلَ إغارة وغارَة إذا شدَّ فَتْله. والغارُ موضع بالشام،
والغَوْرة والغوَيْر: ماء لكلب في ناحية السَّماوَة مَعْروف. وقال ثعلب: أُتِيَ
عمر بمَنْبُوذٍ؛ فقال:
عَسَى الغُوَيْر أَبْؤُسَا
أَي عسى الريبة من قَبَلِكَ، قال: وهذا لا يوافق مذهب سيبويه. قال
الأَزهري: وذلك أَن عمر اتَّهَمَه أَن يكون صاحب المَنْبوذ حتى أَثْنَى على
الرجُل عَرِيفُهُ خيراً، فقال عمر حينئذٍ: هو حُرٌّ وَوَلاؤه لك. وقال
أَبو عبيد: كأَنه أَراد عسى الغُوَيْر أَن يُحْدِث أَبؤُساً ؤأَن يأْتي
بأَبؤُس؛ قال الكميت:
قالوا: أَساءَ بَنُو كُرْزٍ، فقلتُ لهم:
عسى الغُوَيْرُ بِإِبْآسٍ وإِغْوارِ
وقيل: إِن الغُوَير تصغير غارٍ. وفي المثل: عسى الغُوَيْر أَبؤُسا؛ قال
الأَصمعي: وأَصله أَنه كان غارٌ فيه ناس فانهارَ أَو أَتاهم فيه عدوّ
فقتلوهم فيه، فصار مثلاً لكل شيءٍ يُخاف أَن يأْتي منه شرّ ثم صغَّر الغارُ
فقيل غُوَير؛ قال أَبو عبيد: وأَخبرني الكلبي بغير هذا، زعم أَن
الغُوَيْر ماء لكلب معروف بناحية السَّماوَة، وهذا المثل إِنما تكلَّمت به
الزِّباء لما وجَّهَت قَصِيراً اللَّخْمِيَّ بالعِير إلى العِراق ليَحْمل لها
من بَزِّه، وكان قَصِير يطلُبها بثأْر جذِيمَة الأَبْرَش فحمَّل الأَجْمال
صناديقَ فيها الرجالُ والسلاح، ثم عدَل عن الجادَّة المأْلوفة وتَنَكَّب
بالأَجْمال الطَّريقَ المَنْهَج، وأَخذ على الغُوَيْر فأَحسَّت الشرَّ
وقالت: عسى الغُوَيْر أَبؤُسا، جمع بأُس، أَي عَساه أَن يأْتي بالبأْس
والشرِّ، ومعنى عسى ههنا مذكور في موضعه. وقال ابن الأَثير في المَنْبُوذ
الذي قال له عمر: عَسَى الغُوَيْر أَبؤُسا، قال: هذا مثَل قديم يقال عند
التُّهَمة، والغُوَيْر تصغير غار، ومعنى المثَل: ربما جاء الشرّ من مَعْدن
الخير، وأَراد عمر بالمثَل لعلَّك زَنَيت بأُمِّه وادّعيته لَقِيطاً،
فشهد له جماعة بالسَّتْر فتركه. وفي حديث يحيى بن زكريا، عليهما السلام:
فَسَاحَ ولَزِم أَطراف الأَرض وغِيرانَ الشِّعاب؛ الغِيران جمع غارٍ وهو
الكَهْف، وانقلبت الواو ياء لكسرة الغين. وأَما ما ورد في حديث عمر، رضي الله
عنه: أَههنا غُرْت، فمعناه إِلى هذا ذهبت، واللَّه أَعلم.
هنأ: الهَنِيءُ والـمَهْنَأُ: ما أَتاكَ بلا مَشَقَّةٍ، اسم كالـمَشْتَى.وقد هَنِئَ الطَّعامُ وهَنُؤَ يَهْنَأُ هَنَاءة: صار هَنِيئاً، مثل فَقِهَ وفَقُهَ. وهَنِئْتُ الطَّعامَ أَي تَهَنَّأْتُ به. وهَنَأَنِي الطَّعامُ وهَنَأَ لي يَهْنِئُنِي ويَهْنَؤُنِي هَنْأً وهِنْأً، ولا نظير له في المهموز. ويقال: هَنَأَنِي خُبْزُ فُلان أَي كان هَنِيئاً بغير تَعَبٍ ولا مَشَقَّةٍ. وقد هَنَأَنا اللّهُ الطَّعامَ، وكان طَعاماً اسْتَهْنَأْناه أَي اسْتَمْرَأْناهُ. وفي حديث سُجُود السهو: فَهَنَّأَه ومَنَّاه، أَي ذَكَّره الـمَهانِئَ والأَمانِي، والمراد به ما يَعْرِضُ للإِنسان في صَلاتِه من أَحاديثِ النَّفْس وتَسْوِيل الشيطان. ولك الـمَهْنَأُ والـمَهْنا، والجمع الـمَهانِئُ، هذا هو الأَصل بالهمز، وقد يخفف، وهو في الحديث أَشْبه لأَجل مَنَّاه. وفي حديث ابن مسعود في إِجابةِ صاحب الرِّبا إِذا دَعا إِنساناً وأَكَل طَعامه، قال: لك الـمَهْنَأُ وعليه الوِزْرُ أَي يكون أَكْلُكَ له هَنِيئاً لا تُؤَاخَذُ به ووِزْرُه على من كَسَبَه. وفي حديث النخعي في طعام العُمَّالِ الظَّلَمةِ: لهم الـمَهْنَأُ وعليهم الوِزر.
وهَنَأَتْنِيهِ العافِيةُ وقد تَهَنَّأْتُه وهَنِئْتُ الطعامَ، بالكسر، أَي تَهَنَّأْتُ به. فأَما ما أَنشده سيبويه من قوله:
فَارْعَيْ فَزارةُ، لا هَناكِ الـمَرْتَعُ
فعلى البدل للضرورة، وليس على التخفيف؛ وأَمـّا ما حكاه أَبو عبيد من قول المــتمثل من العرب: حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ وأَنَّى لكِ مَقْرُوع، فأَصله الهمز، ولكنّ المثل يجري مَجْرى الشِّعر، فلما احتاج إِلى الـمُتابَعةِ أَزْوَجَها حَنَّتْ. يُضْرَبُ هذا المثل لمن يُتَّهَم في حَديثه ولا يُصَدَّقُ. قاله مازِنُ بن مالك بن عَمرو بن تَمِيم لابنةِ أَخيه الهَيْجُمانة بنتِ العَنْبَرِ ابن عَمْرو بن تَمِيم حين قالت لأَبيها: إِنّ عبدشمس بنَ سعدِ بن زيْدِ مَناةَ يريد أَن يُغِيرَ عَليهم، فاتَّهمها مازِنٌ لأَنَّ عبدَشمس كان يَهْواها وهي تَهْواه، فقال هذه المقالة. وقوله: حَنَّتْ أَي حنَّت إِلى عبدشمس ونَزَعَتْ إليه. وقوله: ولات هَنَّتْ أَي ليس الأَمْرُ حيث ذَهَبَتْ. وأَنشد الأَصمعي:
لاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيْرةَ، أَمْ مَنْ * جاءَ مِنها بطائِفِ الأَهْوالِ
يقول ليس جُبَيْرةُ حَيْثُ ذَهَبْتَ، ايأَسْ منها ليس هذا موضِعَ
ذِكْرِها. وقوله: أَمْ مَنْ جاءَ منها: يستفهم، يقول مَنْ ذا الذي دَلَّ علينا خَيالَها. قال الرَّاعي:
نَعَمْ لاتَ هَنَّا، إِنَّ قَلْبَكَ مِتْيَحُ
يقول: ليس الأَمْرُ حيث ذَهَبْتَ إِنما قلبك مِتْيَحٌ في غير ضَيْعةٍ.
وكان ابن الأَعرابي يقول: حَنَّتْ إِلى عاشِقِها، وليس أَوانَ حَنِينٍ،
وإِنما هو ولا، والهاءُ: صِلةٌ جُعِلَتْ تاءً، ولو وَقَفْتَ عليها لقلت لاه، في القياس، ولكن يقفون عليها بالتاءِ. قال ابن الأَعرابي: سأَلت الكِسائي، فقلتُ: كيف تَقِف على بنت؟ فقال: بالتاءِ اتباعاً للكتاب، وهي في الأَصل هاءٌ. الأَزهريّ في قوله ولاتَ هَنَّتْ: كانت هاءَ الوقفة ثم صُيِّرت تاءً ليُزاوِجُوا به حَنَّتْ، والأَصل فيه هَنَّا، ثمَّ قيل هَنَّهْ للوقف. ثمَّ صيرت تاءً كما قالوا ذَيْتَ وذَيْتَ وكَيْتَ وكَيْتَ.
ومنه قول العجاج:
وكانَتِ الحَياةُ حِينَ حُبَّتِ، * وذِكْرُها هَنَّتْ، ولاتَ هَنَّتِ
أَي ليس ذا موضعَ ذلك ولا حِينَه، والقصيدة مجرورة لَـمَّا أَجْراها جَعَل هاءَ الوقفة تاءً، وكانت في الأَصل هَنَّهْ بالهاءِ، كما يقال أَنا وأَنـَّهْ، والهاءُ تصير تاءً في الوصْل. ومن العرب من يَقْلِب هاءَ التأْنيث تاءً إِذا وقف عليها كقولهم: ولاتَ حِينَ مَناصٍ. وهي في الأَصل ولاةَ.
ابن شميل عن الخليل في قوله:
لاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيْرَة أَمْ مَنْ
يقول: لا تُحْجِمُ عن ذكْرها، لأَنه يقول قد فعلت وهُنِّيتُ، فيُحْجِمُ
عن شيءٍ، فهو من هُنِّيتُ وليس بأَمر، ولو كان أَمْراً لكان جزماً، ولكنه خبر يقول: أَنتَ لا تَهْنَأُ ذِكْرَها.
وطَعامٌ هَنِيءٌ: سائغ، وما كان هَنِيئاً، ولقد هَنُؤَ هَناءة وهَنَأَةً وهِنْأً، على مثال فَعالةٍ وفَعَلة وفِعْلٍ. الليث: هَنُؤَ الطَّعامُ يَهْنُؤُ هَنَاءة، ولغة أُخرى هَنِيَ يَهْنَى، بلا همز.
والتَّهْنِئةُ: خلاف التَّعْزِية. يقال: هَنَأَهُ بالأَمْرِ والولاية هَنْأً وهَنَّأَه تَهْنِئةً وتَهْنِيئاً إِذا قلت له ليَهْنِئْكَ. والعرب تقول: ليَهْنِئْكَ الفارِسُ، بجزم الهمزة، وليَهْنِيكَ الفارِسُ، بياءٍ ساكنة، ولا يجوز ليَهْنِكَ كما تقول العامة.
وقوله، عز وجل: فَكُلُوه هَنِيئاً مَرِيئاً. قال الزجاج تقول: هَنَأَنِي
الطَّعامُ ومَرَأَني. فإِذا لم يُذكَر هَنَأَنِي قلت أَمْرَأَني. وفي المثل: تَهَنَّأَ فلان بكذا وتَمَرَّأَ وتَغَبَّطَ وتَسَمَّنَ وتَخَيَّلَ وتَزَيَّنَ، بمعنى واحد. وفي الحديث: خَيْرُ الناسِ قَرْني ثمَّ الَّذِين يَلُونَهُمْ ثمَّ يَجِيءُ قوم يَتَسَمَّنُونَ. معناه: يَتَعَظَّمُونَ ويَتَشَرَّفُونَ ويَتَجَمَّلُون بكثرة المال، فيجمعونه ولا يُنْفِقُونه.
وكلوه هَنِيئاً مَريئاً. وكلُّ أمْرٍ يأْتيكَ مِنْ غَيْر تَعَبٍ، فهو
هَنِيءٌ.الأَصمعي: يقال في الدُّعاءِ للرَّجل هُنِّئْتَ ولاتُنْكَهْ أَي
أَصَبْتَ خَيْراً ولا أَصابك الضُّرُّ، تدعُو له. أَبو الهيثم: في قوله
هُنِّئْتَ، يريد ظَفِرْتَ، على الدُّعاءِ له. قال سيبويه: قالوا هَنِيئاً
مَرِيئاً، وهي من الصفات التي أُجْرِيَتْ مُجْرى الـمَصادِر الـمَدْعُوِّ بها في نَصْبها على الفِعْل غَير المُسْتَعْمَلِ إِظْهارُه، واختزاله لدلالته عليه، وانْتِصابه على فعل من غير لفظه، كأَنـَّه ثَبَتَ له ما ذُكِرَ له هَنِيئاً. وأَنشد الأَخطل:
إِلى إِمامٍ، تُغادِينا فَواضِلُه، * أَظْفَرَه اللّه فَلْيَهْنِئْ لهُ الظَّفَرُ
قال الأَزهريُّ: وقال المبرد في قول أَعْشَى باهِلةَ:
أَصَبْتَ في حَرَمٍ مِنَّا أَخاً ثِقةً، * هِنْدَ بْنَ أَسْماءَ! لا يَهْنِئْ لَكَ الظَّفَرُ
قال: يقال هَنَأَه ذلك وهَنَأَ له ذلك، كما يقال هَنِيئاً له، وأَنشد
بيت الأَخطَل.
وهَنَأَ الرجلَ هَنْأً: أَطْعَمَه. وهَنَأَه يَهْنَؤُه ويَهْنِئُه هَنْأً، وأَهْنَأَه: أَعْطاه، الأَخيرة عن ابن الأَعرابي.
ومُهَنَّأٌ: اسم رجل.
ابن السكيت يقال: هذا مُهَنَّأٌ قد جاءَ، بالهمز، وهو اسم رجل.
وهُنَاءة: اسم، وهو أَخو مُعاوية بن عَمرو بن مالك أَخي هُنَاءة
ونِواءٍ وفَراهِيدَ وجَذِيمةَ الأَبْرَشِ.
وهانِئٌ: اسم رجل، وفي المثل: إِنما سُمِّيتَ هانِئاً لِتَهْنِئَ ولِتَهْنَأَ أَي لِتُعْطِي. والهِنْءُ: العَطِيَّةُ،
الاسم: الهِنْءُ، بالكسر، وهو العَطاء.
ابن الأَعرابي: تَهَنَّأَ فلان إِذا كَثُرً عَطاؤُه، مأْخوذ من الهِنْءِ،
وهو العَطاء الكثير. وفي الحديث أَنه قال لأَبي الهَيثمِ بن التَّيِّهانِ: لا أَرَى لك هانِئاً. قال الخطابي: المشهور في الرواية ماهِناً، هو
الخادِمُ، فإِن صح، فيكون اسمَ فاعِلٍ من هَنَأْتُ الرجلَ أَهْنَؤُه هَنْأَ
إِذا أَعطَيْتَه. الفرَّاءُ يقال: إِنما سُمِّيتَ هانِئاً لِتَهْنِئَ ولِتَهْنَأَ أَي لِتُعطِيَ لغتان. وهَنَأْتُ القَوْمَ إِذا عُلْتَهم وكَفَيْتَهم وأَعْطَيْتَهم. يقال: هَنَأَهُم شَهْرَينِ يَهْنَؤُهم إِذا عالَهم.
ومنه المثل: إِنما سُمِّيتَ هانِئاً لِتَهْنَأَ أَي لِتَعُولَ وتَكْفِيَ، يُضْرَبُ لمن عُرِفَ بالاحسانِ، فيقال له: أَجْرِ على عادَتِكَ ولا تَقْطَعْها. الكسائي: لِتَهْنِئَ.
وقال الأُمَوِيُّ: لِتَهْنِئَ، بالكسر، أَي لِتُمْرِئَ.
ابن السكيت: هَنَأَكَ اللّهُ ومَرَأَكَ وقد هَنَأَنِي ومَرَأَنِي، بغير أَلف، إِذا أَتبعوها هَنَأَنِي، فإِذا أَفْرَدُوها قالوا أَمْرَأَنِي.
والهَنِيءُ والـمَرِيءُ: نَهرانِ أَجراهما بعضُ الملوك. قال جَريرٌ يمدح بعضَ الـمَرْوانِيَّةِ:
أُوتِيتَ مِنْ حَدَبِ الفُراتِ جَوارِياً، * مِنْها الهَنِيءُ، وسائحٌ في قَرْقَرَى
وقَرْقَرَى: قَرْيةٌ باليَمامةِ فيها سَيْحٌ لبعض الملوك.
واسْتَهْنَأَ الرجلَ: اسْتَعْطاه. وأَنشد ثعلب:
نُحْسِنُ الهِنْءَ، إِذا اسْتَهْنَأْتَنا، * ودِفاعاً عَنْكَ بالأَيْدِي الكِبارِ
يعني بالأَيْدِي الكِبارِ المِنَنَ. وقوله أَنشده الطُّوسِي عن ابن الأَعرابي:
وأَشْجَيْتُ عَنْكَ الخَصْمَ، حتى تَفُوتَهُمْ * مِنَ الحَقِّ، إِلاَّ ما اسْتَهانُوك نائلا
قال: أراد اسْتَهْنَؤُوك، فقَلَب، وأرى ذلك بعد أَن خفَّف الهمزة
تخفيفاً بدلياً. ومعنى البيت أَنه أَراد: مَنَعْتُ خَصْمَكَ عنك حتى فُتَّهم بحَقِّهم، فهَضَمْتَهُم إِيَّاه، إِلاَّ ما سَمَحُوا لَك به من بعضِ
حُقُوقِهم، فتركوه عليك، فسُمِّيَ تَرْكُهم ذلك عليه اسْتِهْناءً؛ كلُّ ذلك من تذكرة أَبي علي. ويقال: اسْتَهْنَأَ فلان بني فلان فلم يُهنِؤُوه أَي سأَلَهم، فلم يُعْطُوه. وقال عروة بن الوَرْد:
ومُسْتَهْنِئٍ، زَيْدٌ أَبُوه، فَلَمْ أَجِدْ * لَه مَدْفَعاً، فاقْنَيْ حَيَاءَكِ واصْبِري
ويقال: ما هَنِئَ لي هذا الطَّعامُ أَي ما اسْتَمْرَأْتُه. الأَزهري
وتقول: هَنأَنِي الطَّعام، وهو يَهْنَؤُني هَنْأً وهِنْاً، ويَهْنِئُني.
وهَنَأَ الطَّعامَ هَنْأً وهِنْأً وهَناءة: أَصْلَحَه.
والهِنَاءُ: ضَرْبٌ من القَطِران. وقد هَنَأَ الإِبِلَ يَهْنَؤُها ويَهْنِئُها ويَهْنُؤُها هَنْأً وهِنَاءً: طَلاها(1)
(1 قوله «هنأ وهناء طلاها» قال في التكملة والمصدر الهنء والهناء بالكسر والمد ولينظر من أين لشارح القاموس ضبط الثاني كجبل.) بالهِناءِ. وكذلك: هَنَأَ البعيرَ. تقول: هَنَأْتُ البعيرَ، بالفتح، أَهْنَؤُه إِذا طَلَيْتَه بالهِناءِ، وهو القَطِرانُ. وقال الزجاج: ولَم نَجِد فيما لامه همزة فَعَلْتُ أَفْعُلُ إِلاَّ هَنَأْتُ أَهْنُؤُ وقَرَأْتُ أَقْرُؤُ.
والاسم: الهِنْءُ، وإِبل مَهْنُوءةٌ.
وفي حديث ابن مسعود، رضي اللّه عنه: لأَنْ أُزاحِمَ جَملاً قد هُنِئَ بِقَطِران أَحِبُّ إِليَّ مِن أَنْ أُزاحِمَ امْرأَةً عَطِرةً.
الكسائي: هُنِئَ: طُلِيَ، والهِنَاءُ الاسم، والهَنْءُ المصدر. ومن
أَمثالهم: ليس الهِنَاءُ بالدَّسِّ؛ الدَّسُّ أَن يَطْلِيَ الطّالي مَساعِرَ
البعير، وهي الـمَواضِعُ التي يُسْرِعُ اليها الجَرَبُ من الآباطِ
والأَرْفاغِ ونحوها، فيقال: دُسَّ البَعِيرُ، فهو مَدْسُوسٌ. ومنه قول ذي الرمَّة:
قَرِيعُ هِجانٍ دُسَّ منها الـمَساعِرُ
فإِذا عُمَّ جَسَدُ البعيرِ كلُّه بالهِناءِ، فذلك التَّدْجِيلُ. يُضرب مثلاً للذي لا يُبالِغ في إِحكامِ الأَمْرِ، ولا يَسْتَوثِقُ منه، ويَرْضَى باليَسِير منه. وفي حديث ابن عبَّاس، رضي اللّه عنهما، في مال
اليَتِيم: إِن كنتَ تَهْنَأُ جَرْباها أَي تُعالِجُ جَرَبَ إِبِلِه بالقَطِران.وهَنِئَتِ الماشيةُ هَنَأً وهَنْأً: أَصابَتْ حَظًّا من البَقْل من غير أَن تَشْبَعَ منه.
والهِناءُ: عِذْقُ النَّخلة، عن أَبي حنيفة، لغة في الإِهانِ.
وهَنِئْتُ الطَّعامَ أَي تَهَنَّأْتُ به وهَنَأْتُه شهراً أَهْنَؤُه أَي عُلْتُه. وهَنِئَتِ الإِبلُ من نبت أَي شَبِعَتْ. وأَكلْنا من هذا الطَّعامِ حتى هَنِئْنا منه أَي شَبِعْنا.
هجر: الهَجْرُ: ضد الوصل. هَجَره يَهْجُرُه هَجْراً وهِجْراناً:
صَرَمَه، وهما يَهْتَجِرانِ ويَتَهاجَرانِ، والاسم الهِجْرَةُ. وفي الحديث: لا
هِجْرَةَ بعد ثلاثٍ؛ يريد به الهَجْر َ ضدَّ الوصلِ، يعني فيما يكون بين
المسلمين من عَتْبٍ ومَوْجِدَةٍ أَو تقصير يقع في حقوق العِشْرَة
والصُّحْبَةِ دون ما كان من ذلك في جانب الدِّين، فإِن هِجْرَة أَهل الأَهواء
والبدع دائمة على مَرِّ الأَوقات ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إِلى الحق،
فإِنه، عليه الصلاة والسلام، لما خاف على كعب ابن مالك وأَصحابه النفاق
حين تخلفوا عن غزوة تَبُوكَ أَمر بِهِجْرانهم خمسين يوماً، وقد هَجَر
نساءه شهراً، وهجرت عائشة ابنَ الزُّبَيْرِ مُدَّةً، وهَجَر جماعة من
الصحابة جماعة منهم وماتوا متهاجرين؛ قال ابن الأَثير: ولعل أَحد الأَمرين
منسوخ بالآخر، ومن ذلك ما جاء في الحديث: ومن الناس من لا يذكر الله إِلا
مُهاجِراً؛ يريد هِجْرانَ القلب وتَرْكَ الإِخلاص في الذكر فكأَنَّ قلبه
مهاجر للسانه غير مُواصِلٍ له؛ ومنه حديث أَبي الدرداء، رضي الله عنه: ولا
يسمعون القرآن إِلا هَجْراً؛ يريد الترك له والإِعراض عنه. يقال: هَجَرْتُ
الشيء هَجْراً إِذا تركته وأَغفلته؛ قال ابن الأَثير: رواه ابن قتيبة في
كتابه: ولا يسمعون القول إِلا هُجْراً، بالضم، وقال: هو الخنا والقبيح
من القول، قال الخطابي: هذا غلط في الرواية والمعنى، فإِن الصحيح من
الرواية ولا يسمعون القرآن، ومن رواه القول فإِنما أَراد به القرآن، فتوهم
أَنه أَراد به قول الناس، والقرآنُ العزيز مُبَرَّأٌ عن الخنا والقبيح من
القول. وهَجَر فلان الشِّرْك هَجْراً وهِجْراناً وهِجْرَةً حَسَنَةً؛ حكاه
عن اللحياني.
والهِجْرَةُ والهُجْرَةُ: الخروج من أَرض إِلى أَرض. والمُهاجِرُونَ:
الذين ذهبوا مع النبي، صلي الله عليه وسلم، مشتق منه. وتَهَجَّرَ فلان أَي
تشبه بالمهاجرين. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: هاجِرُوا ولا
تَهَجَّروا؛ قال أَبو عبيد: يقول أَخْلِصُوا الهِجْرَةَ لله ولا تَشَبَّهُوا
بالمهاجِرِينَ على غير صحة منكم، فهذا هو التَّهَجُّر، وهو كقولك فلان
يَتَحَلَّم وليس بحليم ويَتَشَجَّع أَي أَنه يظهر ذلك وليس فيه. قال
الأَزهري: وأَصل المُهاجَرَةِ عند العرب خروجُ البَدَوِيّ من باديته إِلى
المُدنِ؛ يقال: هاجَرَ الرجلُ إِذا فعل ذلك؛ وكذلك كل مُخْلٍ بِمَسْكَنِه
مُنْتَقِلٍ إِلى قوم آخرين بِسُكناهُ، فقد هاجَرَ قومَه. وسمي المهاجرون
مهاجرين لأَنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نَشَؤُوا بها لله، ولَحِقُوا بدار
ليس لهم بها أَهل ولا مال حين هاجروا إِلى المدينة؛ فكل من فارق بلده من
بَدَوِيٍّ أَو حَضَرِيٍّ أَو سكن بلداً آخر، فهو مُهاجِرٌ، والاسم منه
الهِجْرة. قال الله عز وجل: ومن يُهاجِرْ في سبيل الله يَجِدْ في الأَرض
مُراغَماً كثيراً وسَعَةً. وكل من أَقام من البوادي بِمَنادِيهم ومَحاضِرِهم
في القَيْظِ ولم يَلْحَقُوا بالنبي، صلي الله عليه وسلم، ولم يتحوّلوا
إِلى أَمصار المسلمين التي أُحدثت في الإِسلام وإِن كانوا مسلمين، فهم غير
مهاجرين، وليس لهم في الفَيْءِ نصيب ويُسَمَّوْنَ الأَعراب. الجوهري:
الهِجْرَتانِ هِجْرَةٌ إِلى الحبشة وهجرة إِلى المدينة. والمُهاجَرَةُ من
أَرض إِلى أَرض: تَرْكُ الأُولى للثانية. قال ابن الأَثير: الهجرة هجرتان:
إِحداهما التي وعد الله عليها الجنةَ في قوله تعالى: إِن الله اشترى من
المؤمنين أَنْفُسَهم وأَموالَهم بأَن لهم الجنَّة، فكان الرجل يأْتي
النبي، صلي الله عليه وسلم، ويَدَعُ أَهله وماله ولا يرجع في شيء منه وينقطع
بنفسه إِلى مُهاجَرِه، وكان النبي، صلي الله عليه وسلم، يكره أَن يموت
الرجل بالأَرض التي هاجر منها، فمن ثم قال: لكن البائِسُ سَعْدُ بن
خَوْلَةَ، يَرْثي له أَن ماتَ بمكة، وقال حين قدم مكة: اللهم لا يَجْعَلْ
مَنايانا بها؛ فلما فتحت مكة صارت دار إِسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة؛ والهجرة
الثانية من هاجر من الأَعراب وغزا مع المسلمين ولم يفعل كما فعل أَصحاب
الهجرة الأُولى، فهو مهاجر، وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة، وهو
المراد بقوله: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، فهذا وجه الجمع بين
الحديثين، وإِذا أَطلق ذكر الهجرتين فإِنما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة
المدينة. وفي الحديث: سيكون هِجْرَةٌ بعد هِجْرَة، فخيار أَهل الأَرض
أَلْزَمُهُمْ مُهاجَرَ إِبراهيمَ؛ المُهاجَرُ، بفتح الجيم: موضع المُهاجَرَةِ،
ويريد به الشام لأَن إِبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لما خرج
من أَرض العراق مضى إِلى الشام وأَقام به. وفي الحديث: لا هِجْرَةَ بعد
الفتح ولكن جهادٌ ونِيَّةٌ. وفي حديث آخر: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع
التوبة. قال ابن الأَثير: الهِجْرة في الأَصل الاسم من الهَجْرِ ضدِّ الوصلِ،
وقد هاجَرَ مُهاجَرَةً، والتَّهاجُرُ التَّقاطُعُ، والهِجِرُّ
المُهاجَرَةُ إِلى القُرَى؛ عن ثعلب؛ وأَنشد:
شَمْطاءُ جاءتْ من بِلادِ الحَرِّ،
قد تَرَكَتْ حَيَّهْ وقالت: حَرِّ
ثم أَمالتْ جانِبَ الخِمِرِّ،
عَمْداً على جانِبِها الأَيْسَرِّ،
تَحْسَبُ أَنَّا قُرُبَ الهِجِرِّ
وهَجَرَ الشيءَ وأَهْجَرَه. تركه؛ الأَخيرة هذلية؛ قال أُسامة:
كأَني أُصادِيها على غُبْرِ مانِعٍ
مُقَلَّصَةً، قد أَهْجَرَتْها فُحُولُها
وهَجَر الرجلُ هَجْراً إِذا تباعد ونَأَى. الليث: الهَجْرُ من
الهِجْرانِ، وهو ترك ما يلزمك تعاهده. وهَجَر في الصوم يَهْجُرُ هِجْراناً: اعتزل
فيه النكاح. ولقيته عن هَجْرٍ أَي بعد الحول ونحوه؛ وقيل: الهَجْر
السَّنَةُ فصاعداً، وقيل: بعد ستة أَيام فصاعداً، وقيل: الهَجْرُ المَغِيب
أَيّاً كان؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
لمَّا أَتاهمْ، بعد طُولِ هَجْرِه،
يَسْعَى غُلامُ أَهْلِه بِبِشْرِه
يبشره أَي يبشرهم به. أَبو زيد: لقيت فلاناً عن عُفْرٍ: بعد شهر ونحوه،
وعن هَجْرٍ: بعد الحول ونحوه. ويقال للنخلة الطويلة: ذهبت الشجرة هَجْراً
أَي طولاً وعِظماً. وهذا أَهْجَرُ من هذا أَي أَطول منه وأَعظم. ونخلة
مُهْجِرٌ ومُهْجِرَةٌ: طويلة عظيمة، وقال أَبو حنيفة: هي المُفْرِطَةُ
الطول والعِظَم. وناقة مُهْجِرَةٌ: فائقة في الشحم والسَّيْرِ، وفي التهذيب:
فائقة في الشحم والسِّمَنِ. وبعير مُهْجِرٌ: وهو الذي يَتَناعَتُه الناس
ويَهْجُرون بذكره أَي يَنْتَعِتُونه؛ قال الشاعر:
عَرَكْرَكٌ مُهْجِرُ الضُّوبانِ أَوَّمَه
رَوْضُ القِذافِ رَبيعاً أَيَّ تَأْوِيمِ
قال أَبو زيد: يقال لكل شيء أَفْرَطَ في طول أَو تمام وحُسْنٍ: إِنه
لمُهْجِرٌ. ونخلة مُهْجِرَةٌ إِذا أَفْرَطَتْ في الطول؛ وأَنشد:
يُعْلى بأَعلى السَّحْق منها
غشاش الهُدْهُدِ القُراقر*قوله «يعلى إلخ» هكذا بالأصل.
قال: وسمعت العرب تقول في نعت كل شيء جاوز حَدَّه في التمام: مُهْجِرٌ.
وناقة مُهْجِرَةٌ إِذا وصفت بِنَجابَةٍ أَو حُسْنٍ. الأَزهري: وناقة
هاجِرَة فائقة؛ قال أَبو وَجْزَةَ:
تُبارِي بأَجْيادِ العَقِيقِ، غُدَيَّةً،
على هاجِراتٍ حانَ منها نُزولُها
والمُهْجِرُ: النجيب الحَسَنُ الجميل يَتَناعَتُه الناسُ ويَهْجُرون
بكره أَي يتناعَتُونه. وجارية مُهْجِرَةٌ إِذا وُصِفَتْ بالفَراهَةِ
والحُسْنِ، وإِنما قيل ذلك لأَن واصفها يخرج من حد المقارب الشكل للموصوف إِلى
صفة كأَنه يَهْجُر فيها أَي يَهْذِي. الأَزهري: والهُجَيرة تصغير
الهَجْرة، وهي السمينة التامة.
وأَهْجَرَتِ الجاريةُ: شَبَّتْ شباباً حسناً. والمُهْجِر: الجيد الجميل
من كل شيء، وقيل: الفائق الفاضل على غيره؛ قال:
لما دَنا من ذاتِ حُسْنٍ مُهْجِر
والهَجِيرُ: كالمُهْجِرِ؛ ومنه قول الأَعرابية لمعاوية حين قال لها: هل
من غَدَاء؟ فقالت: نعم، خُبْزٌ خَمِير ولَبَنٌ هَجِير وماءٌ نَمِير أَي
فائق فاضل.
وجَمَلٌ هَجْر وكبشٌ هَجْر: حسن كريم. وهذا المكان أَهْجَر من هذا أَي
أَحسن؛ حكاه ثعلب؛ وأَنشد:
تَبَدَّلْتُ داراً من دِيارِكِ أَهْجَرَا
قال ابن سيده: ولم نسمع له بفعل فعسى أَن يكون من باب أَحنك الشاتين
وأَحنك البعيرين. وهذا أَهْجَرُ من هذا أَي أَكرم، يقال في كل شيء؛
وينشد:وماء يَمانٍ دونه طَلَقٌ هَجْرُ
يقول: طَلَقٌ لا طَلَقَ مثله. والهَاجِرُ: الجَيِّدُ الحَسَنُ من كل
شيء.والهُجْرُ: القبيح من الكلام، وقد أَهْجَرَ في منطقه إِهْجاراً
وهُجْراً؛ عن كراع واللحياني، والصحيح أَن الهُجْر، بالضم، الاسم من الإِهْجار
وأَن الإِهْجارَ المصدر. وأَهْجَرَ به إِهْجاراً: استهزأَ به وقال فيه
قولاً قبيحاً. وقال: هَجْراً وبَجْراً وهُجْراً وبُجْراً، إِذا فتح فهو مصدر،
وإِذا ضم فهو اسم. وتكلم بالمَهاجِر أَي بالهُجْر، ورماه بِهاجِرات
ومُهْجِرات، وفي التهذيب: بِمُهَجِّرات أَي فضائح. والهُجْرُ: الهَذيان.
والهُجْر، بالضم: الاسم من الإِهْجار، وهو الإِفحاش، وكذلك إِذا أَكثر الكلام
فيما لا ينبغي. وهَجَرَ في نومه ومرضه يَهْجُرُ هَجْراً وهِجِّيرَى
وإِهْجِيرَى: هَذَى. وقال سيبويه: الهِجِّيرَى كثرة الكلام والقول السيّء.
الليث: الهِجِّيرَى اسم من هَجَر إِذا هَذَى. وهَجَر المريضُ يَهْجُر
هَجْراً، فهو هاجِرٌ، وهَجَرَ به في النوم يَهْجُر هَجْراً: حَلَمَ وهَذَى.
وفي التنزيل العزيز: مستكبرين به سامِراً تَهْجُرُونَ وتُهْجِرُون؛
فَتُهْجِرُون تقولون القبيح، وتَهْجُرُونَ تَهْذُون. الأَزهري قال: الهاء في
قوله عز وجل للبيت العتيق تقولون نحن أَهله، وإِذا كان الليلُ سَمَرْتم
وهَجَرْتُمُ النبيَّ، صلي الله عليه وسلم، والقرآنَ، فهذا من الهَجْر
والرَّفْضِ، قال: وقرأَ ابن عباس، رضي الله عنهما: تُهْجِرُون، من أَهْجَرْتُ،
وهذا من الهُجْر وهو الفُحْش، وكانوا يسبُّون النبي، صلي الله عليه وسلم،
إِذا خَلَوْا حولَ البيت ليلاً؛ قال الفراء: وإِن قُرئَ تَهْجُرون، جعل
من وقولك هَجَرَ الرجلُ في منامه إِذا هَذَى، أَي أَنكم تقولون فيه ما
ليس فيه وما لا يضره فهو كالهَذيان. وروي عن أَبي سعيد الخدري، رضي الله
عنه، أَنه كان يقول لبنيه: إِذا طفتم بالبيت فلا تَلْغُوا ولا تهْجُروا،
يروى بالضم والفتح، من الهُجْر الفُحْش والتخليط؛ قال أَبو عبيد: معناه ولا
تَهْذُوا، وهو مثل كلام المحموم والمُبَرْسَمِ. يقال: هَجَر يَهْجُر
هَجْراً، والكلام مَهْجُور، وقد هَجَر المريضُ. وروي عن إِبراهيم أَنه قال
في قوله عز وجل: إِنَّ قومي اتَّخَذُوا هذا القرآنَ مَهْجُوراً، قال:
قالوا فيه غير الحق، أَلم ترَ إِلى المريض إِذا هجر قال غير الحق؟ وعن مجاهد
نحوه. وأَما قول النبي، صلي الله عليه وسلم: إِني كنت نَهَيْتُكم عن
زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هُجْراً، فإِنَّ أَبا عبيد ذكر عن الكسائي
والأَصمعي أَنهما قالا: الهُجْرُ الإِفحاش في المنطق والخنا، وهو بالضم،
من الإِهْجار، يقال منه: يُهْجِرُ؛ كما قال الشماخ:
كماجِدَةِ الأَعْراقِ قال ابنُ ضَرَّةٍ
عليها كلاماً، جارَ فيه وأَهْجَرا
وكذلك إِذا أَكثر الكلام فيما لا ينبغي. ومعنى الحديث: لا تقولوا
فُحْشاً. هَجَر يَهْجُر هَجْراً، بالفتح، إِذا خلط في كلامه وإِذا هَذَى. قال
ابن بري: المشهور في رواية البيت عند أَكثر الرواة: مُبَرَّأَة الأَخلاق
عوضاً من قوله: كماجدة الأَعراق، وهو صفة لمخفوض قبله، وهو:
كأَنَّ ذراعيها ذِراعَا مُدِلَّةٍ،
بُعَيْدَ السِّبابِ، حاوَلَتْ أَن تَعَذَّرا
يقول: كأَنّ ذراعي هذه الناقة في حسنهما وحسن حركتهما ذراعا امرأَة
مُدِلَّة بحسن ذراعيها أَظهرتهما بعد السباب لمن قال فيها من العيب ما ليس
فيها، وهو قول ابن ضرتها، ومعنى تعَذَّر أَي تَعتذر من سوءِ ما رميت به؛
قال: ورأَيت في الحاشية بيتاً جُمِعَ فيه هُجْر على هواجِر، وهو من الجموع
الشاذة عن القياس كأَنه جمع هاجِرَةٍ، وهو:
وإِنَّكَ يا عامِ بنَ فارِس قُرْزُلٍ
مُعِيدٌ على قِيل الخنا والهَواجِرِ
قال ابن بري: هذا البيت لسلمة بن الخُرْشُبِ الأَنماري يخاطب عامر بن
طفيل. وقُرْزُلُ: اسم فرس للطفيل. والمعيد: الذي يعاود الشيءَ مرة بعد مرة.
قال: وكان عثمان بن جني يذهب إِلى أَن الهواجر جمع هُجْر كما ذكر غيره،
ويرى «أَنه من الجموع الشاذة كأَنَّ واحدها هاجرة، كما قالوا في جمع حاجة
حوائج، كأَنَّ واحدها حائجة، قال: والصحيح في هواجر أَنها جمع هاجرة
بمعنى الهُجْر، ويكون من المصادر التي جاءَت على فاعلة مثل العاقبة والكاذبة
والعافية؛ قال: وشاهد هاجرة بمعنى الهُجْر قول الشاعر أَنشده المفضل:
إِذا ما شئتَ نالَكَ هاجِراتِي،
ولم أُعْمِلْ بِهِنَّ إِليك ساقِي
فكما جُمِعَ هاجِرَةٌ على هاجِرات جمعاً مُسَلَّماً كذلك تُجْمَعُ هاجرة
على هواجر جمعاً مكسراً. وفي الحديث: قالوا ما شَأْنُه أَهَجَرَ؟ أَي
اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام، أَي هل تغير كلامه واختلط
لأَجل ما به من المرض. قال ابن الأَثير: هذا أَحسن ما يقال فيه ولا يجعل
إِخباراً فيكون إِما من الفُحْشِ أَو الهَذَيانِ، قال: والقائلُ كان عُمَر
ولا يظن به ذلك.
وما زال ذلك هِجِّيراه وإِجْرِيَّاه وإِهْجِيراهُ وإِهْجِيراءَه، بالمد
والقصر، وهِجِّيره وأُهْجُورَتَهُ ودَأْبَه ودَيْدَنَهُ أَي دأْبه وشأْنه
وعادته. وما عنده غَناءُ ذلك ولا هَجْراؤُه بمعنى. التهذيب: هِجِّيرَى
الرجل كلامه ودأْبه وشأْنه؛ قال ذو الرمة:
رَمَى فأَخْطَأَ، والأَقدارُ غالِبةٌ
فانْصَعْنَ، والويلُ هِجِّيراه والحَرَبُ
الجوهري: الهِجِّير، مثال الفِسِّيق، الدَّأْبُ والعادة، وكذلك
الهِجِّيرى والإِهْجِيرَى. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: ما له هِجِّيرى غيرها؛ هي
الدَّأْبُ والعادةُ والدِّيْدَنُ.
والهَجِير والهَجِيرة والهَجْر والهاجِرَةُ: نصف النهار عند زوال الشمس
إِلى العصر، وقيل في كل ذلك: إِنه شدة الحر؛ الجهري: هو نصف النهار عند
اشتداد الحر؛ قال ذو الرمة:
وبَيْداءَ مِقْفارٍ، يكَادُ ارتِكاضُها
بآلِ الضُّحى، والهَجْرُ بالطَّرْفِ يَمْصَحُ
والتَّهْجِير والتَّهَجُّر والإِهْجارُ: السير في الهاجرة. وفي الحديث:
أَنه كان، صلي الله عليه وسلم، يصلي الهَجِيرَ حين تَدْحَضُ الشمسُ؛
أَراد صلاة الهَجِير يعني الظهر فحذف المضاف. وقد هَجَّرَ النهارُ وهَجَّرَ
الراكبُ، فهو مُهَجِّرٌ. وفي حديث زيد بن عمرو: وهل مُهَجِّر كمن قالَ أَي
هل من سار في الهاجرة كمن أَقام في القائلة. وهَجَّرَ القومُ
وأَهْجَرُوا وتَهَجَّرُوا: ساروا في الهاجرة؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:بأَطْلاحِ مَيْسٍ قد أَضَرَّ بِطِرْقِها
تَهَجُّرُ رَكْبٍ، واعْتِسافُ خُرُوقِ
وتقول منه: هَجَّرَ النهارُ؛ قال امرؤ القيس:
فَدَعْ ذا، وسَلِّ الهَمَّ عنك بِجَسْرَةٍ
ذَمُولٍ، وإِذا صامَ النهارُ وهَجَّرا
وتقول: أَتَيْنا أَهْلَنا مُهْجِرين كما يقالُ مُوصِلين. أَي في وقت
الهاجرة والأَصِيل. الأَزهري عن أَبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول
الله، صلي الله عليه وسلم: لو يعلم الناسُ ما في التهجير لاسْتَبَقُوا
إِليه. وفي حديث آخر مرفوع: المُهَجِّرُ إِلى الجمعة كالمُهْدي بَدَنَةً. قال
الأَزهري: يذهب كثير من الناس إِلى أَن التَّهْجِيرَ في هذه الأَحاديث
من المُهاجَرَة وقت الزوال، قال: وهو غلط والصواب فيه ما روى أَبو داود
المَصاحِفي عن النضر بن شميل أَنه قال: التَّهجير إِلى الجمعة وغيرها
التبكير والمبادرة إِلى كل شيء، قال: وسمعت الخليل يقول ذلك، قاله في تفسير
هذا الحديث. يقال: هَجَّرَ يُهَجِّرُ تَهْجِيراً، فهو مُهَجِّر، قال
الأَزهري: وهذا صحيح وهي لغة أَهل الحجاز ومن جاورهم من قيس؛ قال لبيد:
رَاحَ القَطِينُ بهَجْرٍ بَعْدَما ابْتَكَرُوا
فقرن الهَجْرَ بالابتكار. والرواحُ عندهم: الذهابُ والمُضيُّ. يقال: راح
القوم أَي خَفُّوا ومَرُّوا أَيَّ وقت كان. وقوله، صلي الله عليه وسلم:
لو يعلم الناس ما في التَّهْجِير لاسْتَبَقُوا إِليه، أَراد التَّبْكِيرَ
إِلى جميع الصلوات، وهو المضيّ إِليها في أَوَّل أَوقاتها. قال
الأَزهري: وسائر العرب يقولون: هَجَّر الرجل إِذا خرج بالهاجرة، وهي نصف النهار.
ويقال: أَتيته بالهَجِير وبالهَجْرِ؛ وأَنشد الأَزهري عن ابن الأَعرابي
في نوادره قال: قال جِعْثِنَةُ بن جَوَّاسٍ الرَّبَعِيّ في ناقته:
هلَْ تَذْكُرين قَسَمِي ونَذْري،
أَزْمانَ أَنتِ بِعَرُوضِ الجَفْرِ،
إِذ أَنتِ مِضْرارٌ جَوادُ الحُضْرِ،
عَلَيَّ، إِن لم تَنْهَضي بِوِقْري،
بأَربعين قُدِّرَتْ بِقَدْرِ،
بالخالديّ لا بصاعِ حَجْرِ،
وتُصْبِحي أَيانِقاً في سَفْرِ،
يُهَجِّرُونَ بَهَجِيرِ الفَجْرِ،
ثُمَّتَ تَمْشي لَيْلَهُمْ فَتَسْري،
يَطْوُونَ أَعْراضَ الفِجاج الغُبْرِ،
طَيَّ أَخي التَّجْرِ بُرُودَ التَّجْرِ
قال: المِضْرارُ التي تَنِدُّ وتَرْكَبُ شِقَّها من النشاط. قال
الأَزهري: قوله يُهَجِّرُون بهجير الفجر أَي يبكرون بوقت الفجر. وحكى ابن السكيت
عن النضر أَنه قال: الهاجِرَة إِنما تكون في القيظ، وهي قبل الظهر بقليل
وبعدها بقليل؛قال: الظهيرة نصف النهار في القيظ حين تكون الشمس بِحِيال
رأْسك كأَنها لا تريد أَن تبرح. وقال الليث: أَهْجَرَ القومُ إِذا صاروا
في ذلك الوقت، وهَجَّرَ القومُ إِذا ساروا في وقته. قال أَبو سيعد:
الهاجرة من حين نزول الشمس، والهُوَيْجِرَةُ بعدها بقليل. قال الأَزهري: وسمعت
غير واحد من العرب يقول: الطعام الذي يؤْكل نصف النهار الهَجُورِيُّ.
والهَجير: الحوض العظيم؛ وأَنشد القَناني:
يَفْري الفَريَّ بالهَجِير الواسِع
وجمعه هُجُرٌ، وعَمَّ به ابن الأَعرابي فقال: الهَجِير الحوض، وفي
التهذيب: الحوض المَبْنِيّ؛ قالت خَنْساء تصف فرساً:
فمال في الشَّدِّ حثِيثاً، كما
مال هَجِيرُ الرجُل الأَعْسَرِ
تعني بالأَعسر الذي أَساء بناء حوضه فمال فانهدم؛ شبهت الفرس حين مال في
عدوه وجَدَّ في حُضْرِه بحوض مُلِئَ فانْثَلَم فسال ماؤه. والهَجِيرُ:
ما يَبِس من الحَمْضِ. والهَجِيرُ: المتروك. وقال الجوهري: والهَجِيرُ
يَبِيسُ الحَمْضِ الذي كَسَرَتْهُ الماشية وهُجِر أَي تُرِكَ؛ قال ذو
الرمة:ولم يَبْقَ بالخَلْصاءِ، مما عَنَتْ به
من الرُّطْبِ، إِلاَّ يَبْسُها وهَجِيرُها
والهِجارُ: حَبْل يُعْقَدُ في يد البعير ورجله في أَحد الشِّقَّيْنِ،
وربما عُقِدَ في وَظِيفِ اليَدِ ثم حُقِبَ بالطَّرَفِ الآخر؛ وقيل:
الهِجارُ حبل يُشد في رُسْغ رجله ثم يُشَدُّ إِلى حَقْوِه إِن كان عُرْياناً،
وإِن كان مَرْحُولاً شُدَّ إِلى الحَقَبِ. وهَجَرَ بعيرَه يَهْجُرُه
هَجْراً وهُجُوراً: شَدَّه بالهِجارِ.
الجوهري: المَهْجُورُ الفحل يُشَدُّ رأْسه إِلى رجله. وقال الليث:
تُشَدُّ يد الفحل إِلى إِحدى رجليه، يقال فحل مَهْجُورٌ؛ وأَنشد:
كأَنَّما شُدَّ هِجاراً شاكِلا
الليث: والهِجارُ مخالف الشِّكالِ تُشَدُّ به يد الفحل إِلى إِحدى
رجليه؛ واستشهد بقوله:
كأَنما شُدّ هجاراً شاكلا
قال الأَزهري: وهذا الذي حكاه الليث في الهِجار مقارب لما حكيته عن
العرب سماعاً وهو صحيح، إِلا أَنه يُهْجَرُ بالهِجار الفَحْلُ وغيره. وقال
أَبو الهيثم: قال نُصَيْرٌ هَجَرْتُ البَكْرَ إِذا ربطت في ذراعه حبلاً
إِلى حقوه وقصَّرته لئلا يقدر على العَدْوِ؛ قال الأَزهري: والذي سمعت من
العرب في الهِجار أَن يؤْخذ فحل ويسوّى له عُرْوتانِ في طرفيه وزِرَّانِ ثم
تُشَدَّ إِحدى العروتين في رُسْغ رجل الفرس وتُزَرَّ، وكذلك العُرْوَة
الأُخرى في اليد وتُزَرَّ، قال: وسمعتهم يقولون: هَجِّرُوا خيلكم. وقد
هَجَّرَ فلان فرسه. والمهجور: الفحل يُشدّ رأْسه إِلى رجله. وعَدَدٌ
مُهْجِر: كثير؛ قال أَبو نُخَيْلَةَ:
هذاك إِسحق، وَقِبْصٌ مُهْجِرُ
الأَزهري في الرباعي: ابن السكيت التَّمَهْجُرُ التَّكَبُّر مع الغنى؛
وأَنشد:
تَمَهْجَرُوا، وأَيُّما تَمَهْجُرِ
وهم بَنُو العَبْدِ اللَّئِيمِ العُنْصُرِ
والهاجِرِيُّ: البَنَّاءُ؛ قال لبيد:
كعَقْرِ الهاجِرِيِّ، إِذا بَناه
بأَشْباهٍ حُذِينَ على مِثالِ
وهِجارُ القوس: وَتَرُها. والهِجارُ: الوَتَرُ؛ قال:
على كل (كذا بياض بالأصل.) من ركوض لها
هِجاراً تُقاسِي طائِفاً مُتَعادِيا
والهجار: خاتم كانت تتخذه الفُرْسُ غَرَضاً؛ قال الأَغلب:
ما إِنْ رَأَيْنا مَلِكاً أَغارَا،
أَكْثَرَ منه قِرَةً وقارَا،
وفارِساً يَسْتَلِبُ الهِجَارَا
يصفه بالحِذْق. ابن الأَعرابي: يقال للخاتم الهِجار والزينة؛ وقول
العجاج:
وغِلْمَتي منهم سَحِيرٌ وبَحِرْ،
وآبِقٌ من جَذْبِ دَلْوَيْها هَجِرْ
فسره ابن الأَعرابي فقال: الهَجِر الذي يمشي مُثْقَلاً ضعيفاً متقارِبَ
الخَطْوِ كأَنه قد شدّ بهِجار لا ينبسط مما به من الشر والبلاء، وفي
المحكم: وذلك من شدة السقي. وهَجَرٌ: اسم بد مذكر مصروف، وفي المحكم: هَجَرُ
مدينة تصرف ولا تصرف؛ قال سيبويه: سمعنا من العرب من يقول: كجالب التمر
إِلى هَجَرٍ يا فَتى، فقوله يا فتى من كلام العربي، وإِنما قال يا فتى
لئلا يقف على التنوين وذلك لأَنه لو لم يقل له يا فتى للزمه أَن يقول كجالب
التمر إِلى هجر، فلم يكن سيبويه يعرف من هذا أَنه مصروف أَو غير مصروف.
الجوهري: وفي المثل: كَمُبْضِع تمر إِلى هَجَرَ. وفي حديث عمر: عَجِبْتُ
لتاجِر هَجَرَ وراكب البحر؛ قال ابن الأَثير: هَجَرٌ بلد معروف بالبحرين
وإِنما خصها لكثرة وبائها، أَي تاجرها وراكب البحر سواء في الخَطَرِ،
فأَما هَجَرُ التي ينسب إِليها القلال الهَجَرِيَّة فهي قرية من قرى المدينة،
والنسب إِلى هَجَرَ هَجَرِيٌّ على القياس، وهاجِرِيٌّ على غير قياس؛
قال:ورُبَّتَ غارَةٍ أَوْضَعْتُ فيها،
كَسَحِّ الهاجِرِيِّ جَرِيمَ تمْرِ
ومنه قيل للبَنَّاءِ: هاجِرِيٌّ. والهَجْرُ والهَجِيرُ: موضعان.
وهاجَرُ: قبيلة؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
إِذا تَرَكَتْ شُرْبَ الرَّثِيئَةِ هاجَرٌ
وهَكَّ الخَلايا، لم تَرِقَّ عُيُونُها
وبنو هاجَرَ: بطن من ضَبَّة. غيره: هاجَرُ أَوَّلُ امرأَة جَرَّتْ ذيلها
وأَوّل من ثَقَبَتْ أُذنيها وأَوّل من خُفِضَ؛ قال: وذلك أَن سارة غضبت
عليها فحلفت أَن تقطع ثلاثة أَعضاء من أَعضائها، فأَمرها إِبراهيم، عليه
السلام، أَن تَبَرَّ قَسَمَها بِثَقْبِ أُذنَيْها وخَفْضِها، فصارت
سُنَّةً في النساء.
همس: الهَمْس: الخفيّ من الصوت والوطء والأَكل، وقد هَمَسُوا الكلام
هَمْساً. وفي التنزيل: فلا تَسْمَعُ إِلا هَمْساً؛ في التهذيب: يعني به،
واللَّه أَعلم، خَفْقَ الأَقدام على الأَرض، وقال الفراء: يقال إِنه نَقْل
الأَقْدام إِلى المحشر، ويقال: إَنه الصوت الخفيّ؛ وروي عن ابن عباس أَنه
تَمَثَّل فأَنشد:
وهُنَّ يَمشِين بِنا هَمِيسَا
قال: وهو صوت نَقْل أَخفاف الإِبل، وروي عن ابن الأَعرابي قال: ويقال
اهمِسْ وصَهْ أَي امْشِ خَفِيّاً واسكت. ويقال: هَمْساً وصَهْ وهَسّاً
وصَهْ، قال: وهذا سارق قال لصاحبه: امش خفيّاً واسكت. وفي الحديث: فجعل
بعضُنا يَهْمِس إِلى بعضٍ؛ الهَمْس: الكلام الخفي لا يكاد يفهم؛ ومنه الحديث:
كان إِذا صلى العَصر هَمَسَ. الجوهري: هَمْسُ الأَقدام أَخفى ما يكون من
صوت الوطء. والأَسد الهَمُوس: الخفيّ الوطء؛ قال رؤبة يصف نفسه بالشدة:
لَيْثٌ يدُقّ الأَسَدَ الهَمُوسا،
والأَقْهَبَيْنِ الفِيلَ والجاموسَا
والشيطان يُوَسْوِس فيَهْمِس بوسواسه في صدر ابن آدم. وروي عن النَّبي،
صلى اللَّه عليه وسلم، أَنه كان يتعوذ باللَّه من هَمْزِ الشيطان
ولَمْزِه وهَمْسه؛ هو ما يُوَسْوِسُه في الصدر. والهمز: كلام من وراء القَفَا
كالاستهزاء، واللمز: مُواجَهَة. قال أَبو الهيثم: إِذا أَسرَّ الكلام
وأَخفاه فذلك الهَمْس من الكلام. قال شمر: الهَمْسُ من الصوت والكلامِ ما لا
غَوْر له في الصدر، وهو ما هُمِس في الفم.
والهَمُوس والهَمِيس، جميعاً: كالهَمْس في جميع هذه الأَشياء، وقيل:
الهَمِيسُ المضْغُ الذي لا يُفْغَر به الفم، وكذلك المشْي الخفيّ الحِسِّ،
وإِذا مضَغ الرجل من الطعام وفُوه منضمٌّ، قيل: هَمَسَ يَهْمِسُ هَمْساً؛
وأَنشد:
يأْكُلن ما في رَحْلِهنَّ هَمْسا
والهَمْس: أَكل العجوز الدَّرْداء. والهَمْسُ والهَمِيسُ: حِسّ الصوت في
الفم مما لا إَشْرابَ له من صوت الصدر ولا جهارَة في المنطق ولكنه كلام
مَهْمُوس في الفم كالسِّرِّ.
وتَهَامَسَ القومُ: تسارُّوا؛ قال:
فَتَهامَسوا سِرّاً وقالوا: عَرِّسُوا
في غَير تَمْئِنَةٍ بغير مُعَرَّسِ
والحروف المَهْموسة عشرة أَحرف يجمعها قولك «حَثَّه شَخْصٌ فَسَكَت» وفي
المحكم: يجمعها في اللفظ قولك «سَتَشْحَثُك خَصَفَه» وهي الهاء والحاء
والخاء والكاف والشين والصاد والتاء والسين والثاء والفاء؛ قال سيبويه:
وأَما المَهْمُوس فحرف ضَعُف الاعتمادُ من موضعه حتى جرى معه النَّفَس؛ قال
بعض النحويين: وأَنت تعتبر ذلك بأَنه قد يمكنك تكرير الحرف مع جَرْي
الصوت نحو «سسس كككك هههه» ولو تكلفت ذلك في المجهور لما أَمكنك. قال ابن
جني: فأَما حروف الهَمْس فإِن الصوت الذي يخرج معها نَفَس وليس من صوت
الصدر، إِنما يخرج مُنْسلاً وليس كنفخ الزاي والظاء والذالِ والصادِ والراءُ
شبيهة بالضاد.
الأَزهري: وأَخذته أَخذاً هَمْساً أَي شديداً، ويقال: عَصْراً. وهَمَسَه
إِذا عَصره؛ وقال الكميت فجعل الناقة هَمُوساً:
غُرَيْرِيَّة الأَنْسَابِ أَو شَدْقَمِيَّة،
هَمُوساً تُبارِي اليَعْمَلاتِ الهَوامِسا
وفي رجز مسيلمة: والذئبُ الهامِس والليل الدَّامس؛ الهامِس: الشديد.
وأَسد هَمُوس وهَمَّاس: شديد الغَمْز بضرسه؛ قال الهذلي:
يَحْمِي الصَّرِيمَةَ، أُحْدانُ الرجالِ له
صَيْدٌ، ومُجْتَرِئٌ باللَّيْل هَمَّاس
والهَمُوس: من أَسماء الأَسد لأَنه يَهْمِس في الظلمة ثم جُعل ذلك اسماً
يعرف به؛ يقال: أَسد هَمُوس؛ قال أَبو زبيد:
بَصِيرٌ بالدُّجَى هادٍ هَمُوس
قال أَبو الهيثم: سمي الأَسد هَمُوساً لأَنه يَهْمِس هَمْساً أَي يمشي
مشياً بخُفْيَة فلا يُسْمَع صوتُ وطئه. وأَسد هَمُوس: يمشي قليلاً قليلاً.
يقال: هَمَسَ لَيْلَه أَجمع.
هوس: الهَوْس: الطَّوَفان بالليل والطلب بِجُرْأَة. هاسَ يَهُوس
هَوْساً: طاف بالليل في جرْأَة. وأَسد هَوَّاس وكذلك النَّمِر؛ قال:
وفي يَدِي مِثْلُ ماء الثَّغْبِ ذُو شُطَبٍ،
أَنَّى نَحَيْتُ يَهُوسُ اللَّيْثُ والنَّمِرُ
قال ابن الأَعرابي: أَراد الثَّغَب فسكن للضرورة، وأَما سيبويه فقال:
الثَّغْب، بسكون الغين، الغَدير.
ورجل هَوَّاس وهَوَّاسَةٌ: شجاع مجرَّب.
والهَوْس: الإِفساد، هاسَ الذئب في الغنم هَوْساً. والهَوْس: الدَّقُّ،
هاسَه يَهُوسُه وهَوَّسه. الأَصمعي: هُسْتُه هَوْساً وهِسْتُه هيساً وهو
الكسر والدقُّ؛ وأَنشد:
إِنَّ لنَا هَوَّاسَةً عَرِيضَا
والتَّهَوُّس: المشي الثقيل في الأَرض الليِّنَة. وهَوِسَ الناس
هَوَساً: وقعوا في اختلاط وفساد. وهَوِسَت الناقة هَوَساً، فهي هَوِسَةٌ: اشتدت
ضَبَعَتُها، وقيل: ترددت فيها الضَّبَعَة. وضَبَعٌ هَوَّاس: شديد؛ قال:
يُوشِك أَن يُؤْنَسَ في الإِينَاسِ،
في مَنْبِتِ البَقْل وفي اللُّسَاسِ،
منها هَدِيمُ ضَبَعٍ هَوَّاسِ
والهَوِيس: النظر والفكر. والهَوْس: الأَكل الشديد. والهَوْس: شديد
الأَكل. والعرب تقول: الناس هَوْسَى والزمان أَهْوَس؛ قال: الناس يأْكلون
طيّبات الزمان، والزمانُ يأْكلهم بالموت. والهَوَّاس: الأَسد؛ قال
الكميت:هُوَ الأَضْبَطُ الهَوَّاسُ فينا شَجَاعَةً،
وفيمَنْ يُعادِيهِ الهِجَفُّ المُثَّقَّل
والهَوْس: المَشي الذي يعتمد فيه صاحبه على الأَرض اعتماداً شديداً،
ومنه سمي الأَسد الهَوَّاس. والهَوْس: السوق اللين. يقال: هُسْت الإِبل
فَهَاست أَي ترعى وتسير، وإِنما شبه هَوَسان الناقة بهَوَان الأَسد لأَنها
تمشي خَطْوة خطوة وهي ترعى.
والهَوَس، بالتحريك: طَرف من الجنون. وفي حديث أَبي الأَسود: فإِنه
أَهْيَسُ أَلْيَسُ، يذكر في ترجمة هيس، واللَّه أَعلم.
جنب: الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وغيره. تقول:
قعَدْتُ إِلى جَنْب فلان وإِلى جانِبه، بمعنى، والجمع جُنُوبٌ وجَوانِبُ وجَنائبُ، الأَخيرة نادرة. وفي حديث أَبي هريرة، رضي اللّه عنه، في الرجل الذي أَصابَتْه الفاقةُ: فخرج إِلى البَرِّية، فدَعا، فإِذا الرَّحى تَطْحَنُ، والتَّنُّورُ مَمْلُوءٌ جُنوبَ شِواءٍ؛ هي جمع جَنْبٍ، يريد جَنْبَ الشاةِ أَي إِنه كان في التَّنُّور جُنوبٌ كثيرة لا جَنْبٌ واحد. وحكى اللحياني: إِنه لـمُنْتَفِخُ الجَوانِبِ. قال: وهو من الواحد الذي فُرِّقَ فجُعل جَمْعاً.
وجُنِب الرَّجُلُ: شَكا جانِبَه. وضَرَبَه فجنَبَه أَي كسَرَ جَنْبَه أَو أَصاب جَنْبَه.
ورجل جَنِيبٌ كأَنه يَمْشِي في جانِبٍ مُتَعَقِّفاً، عن ابن الأَعرابي،
وأَنشد:
رَبا الجُوعُ في أَوْنَيْهِ، حتَّى كأَنـَّه * جَنِيبٌ به، إِنَّ الجَنِيبَ جَنِيبُ
أَي جاعَ حتى كأَنـَّه يَمْشِي في جانِبٍ مُتَعَقِّفاً. وقالوا: الحَرُّ
جانِبَيْ سُهَيْلٍ أَي في ناحِيَتَيْه، وهو أَشَدُّ الحَرِّ.
وجانَبَه مُجانَبةً وجِناباً: صار إِلى جَنْبِه. وفي التنزيل العزيز:
أَنْ تقولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللّهِ. قال
الفرَّاءُ: الجَنْبُ: القُرْبُ. وقوله: على ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللّهِ
أَي في قُرْبِ اللّهِ وجِوارِه.
والجَنْبُ: مُعْظَمُ الشيءِ وأَكثرهُ، ومنه قولهم: هذا قَليل في جَنْبِ
مَوَدّتِكَ. وقال ابن الأَعرابي في قوله في جنبِ اللّهِ: في قُرْبِ اللّهِ
منَ الجَنةِ. وقال الزجاج: معناه على ما فَرَّطْتُ في الطَّريقِ الذي هو طَريقُ اللّهِ الذي دعاني إِليه، وهو توحيدُ اللّهِ والإِقْرارُ بنُبوَّةِ
رسوله وهو محمدٌ، صلى اللّه عليه وسلم. وقولهم: اتَّقِ اللّهَ في جَنْبِ أَخِيك،
ولا تَقْدَحْ في ساقِه، معناه: لا تَقْتُلْه(1)
(1 قوله «لا تقتله» كذا في بعض نسخ المحكم بالقاف من القتل، وفي بعض آخر منه لا تغتله بالغين من الاغتيال.) ولا تَفْتِنْه، وهو على الـمَثَل. قال: وقد فُسِّر الجَنْبُ ههنا بالوَقِيعةِ والشَّتمِ. وأَنشد ابن الأَعرابي:
خَلِيليَّ كُفَّا، واذكُرا اللّهَ في جَنْبي
أَي في الوَقِيعة فيَّ. وقوله تعالى: والصاحِبِ بالجَنْبِ وابنِ
السَّبِيلِ، يعني الذي يَقْرُبُ منك ويكونُ إِلى جَنْبِك. وكذلك جارُ الجُنُبِ أَي اللاَّزِقُ بك إِلى جَنْبِك. وقيل: الصاحِبُ بالجَنْبِ صاحِبُك في السَّفَر، وابنُ السَّبِيل الضَّيفُ. قال سيبويه وقالوا: هُما خَطَّانِ جَنابَتَيْ أَنْفِها، يعني الخَطَّينِ اللَّذَين اكْتَنَفا جنْبَيْ أَنْفِ
الظَّبْيةِ. قال: كذا وقع في كتاب سيبويه. ووقع في الفرخ: جَنْبَيْ
أَنـْفِها.والـمُجَنِّبتانِ من الجَيْش: الـمَيْمَنةُ والـمَيْسَرَةُ.
والـمُجَنَّبةُ، بالفتح: الـمُقَدَّمةُ. وفي حديث أَبي هريرة، رضِي
اللّه عنه: أَنَّ النبيَّ، صلى اللّه عليه وسلم، بَعَثَ خالِدَ بنَ الوَلِيدِ
يومَ الفَتْح على الـمُجَنِّبةِ اليُمْنى، والزُّبَيرَ على الـمُجَنِّبةِ اليُسْرَى، واستعمل أَبا عُبَيْدةَ على البَياذِقةِ، وهُمُ الحُسَّرُ.وجَنَبَتا الوادي: ناحِيَتاهُ، وكذلك جانِباهُ.
ابن الأَعرابي يقال: أَرْسَلُوا مُجَنِّبَتَينِ أَي كَتيبَتَين أَخَذَتا ناحِيَتَي الطَّريقِ. والـمُجَنِّبةُ اليُمْنى: هي مَيْمَنةُ العسكر، والـمُجَنِّبةُ اليُسْرى: هي الـمَيْسَرةُ، وهما مُجَنِّبَتانِ، والنون مكسورة. وقيل: هي الكَتِيبةُ التي تأْخذ إِحْدَى ناحِيَتي الطَّريق. قال: والأَوَّل أَصح. والحُسَّرُ: الرَّجَّالةُ. ومنه الحَديث في الباقِياتِ الصَّالحاتِ: هُنَّ مُقَدِّماتٌ وهُنَّ مُجَنِّباتٌ وهُنَّ مُعَقِّباتٌ.
وجَنَبَ الفَرَسَ والأَسيرَ يَجْنُبُه جَنَباً. بالتحريك، فهو مَجْنُوبٌ
وجَنِيبٌ: قادَه إلى جَنْبِه. وخَيْلٌ جَنائبُ وجَنَبٌ، عن الفارسي. وقيل: مُجَنَّبةٌ. شُدِّدَ للكثرة.
وفَرَسٌ طَوعُ الجِنابِ، بكسر الجيم، وطَوْعُ الجَنَبِ، إِذا كان سَلِسَ
القِيادِ أَي إِذا جُنِبَ كان سَهْلاً مُنْقاداً. وقولُ مَرْوانَ(2)
(2 قوله «وقول مروان إلخ» أورده في المحكم بلصق قوله وخيل جنائب وجنب.) بن الحَكَم: ولا نَكُونُ في هذا جَنَباً لِمَنْ بَعْدَنا، لم يفسره ثعلب. قال: وأُراه من هذا، وهو اسم للجمع. وقوله:
جُنُوح، تُباريها ظِلالٌ، كأَنـَّها، * مَعَ الرَّكْبِ، حَفَّانُ النَّعامِ الـمُجَنَّب(3)
(3 قوله «جنوح» كذا في بعض نسخ المحكم، والذي في البعض الآخر منه جنوحاً بالنصب.)
الـمُجَنَّبُ: الـمَجْنُوبُ أَي الـمَقُودُ. ويقال جُنِبَ فلان وذلك إِذا
ما جُنِبَ إِلى دَابَّةٍ.
والجَنِيبَة: الدَّابَّةُ تُقادُ، واحدة الجَنائِبِ، وكلُّ طائِعٍ مُنْقادٍ جَنِيبٌ.
والأَجْنَبُ: الذي لا يَنْقادُ.
وجُنَّابُ الرَّجلِ: الذي يَسِير معه إِلى جَنْبِه.
وجَنِيبَتا البَعِير: ما حُمِلَ على جَنْبَيهِ. وجَنْبَتُه: طائِفةٌ من جَنْبِه.
والجَنْبةُ: جِلْدة من جَنْبِ البَعير يُعْمل منها عُلْبةٌ، وهي فوق
المِعْلَقِ من العِلابِ ودُونَ الحَوْأَبةِ. يقال: أَعْطِني جَنْبةً أَتَّخِذْ مِنْها عُلْبةً. وفي التهذيب: أَعْطِني جَنْبةً، فيُعْطِيه جِلْداً فيَتَّخِذُه عُلْبة.
والجَنَبُ، بالتحريك: الذي نُهِيَ عنه أَن يُجْنَبَ خَلْفَ الفَرَسِ
فَرَسٌ، فإِذا بَلَغَ قُرْبَ الغايةِ رُكِبَ. وفي حديث الزَّكاةِ والسِّباقِ:
لا جَلَبَ ولا جَنَبَ، وهذا في سِباقِ الخَيْل. والجَنَبُ في السباق،
بالتحريك: أَن يَجْنُبَ فَرَساً عُرْياً عند الرِّهانِ إِلى فَرَسِه الذي
يُسابِقُ عَلَيْهِ، فإِذا فَتَر الـمَرْكُوبُ تحَوَّلَ إِلى الـمَجْنُوبِ، وذلك إِذا خاف أَن يُسْبَقَ على الأَوَّلِ؛ وهو في الزكاة: أَن يَنزِل العامِلُ بأَقْصَى مواضع أَصحاب الصدقة ثم يأْمُرَ بالأَموال أَن تُجْنَبَ
إِليه أَي تُحْضَرَ فَنُهُوا عن ذلك. وقيل: هو أَن يُجْنِبَ رَبُّ المالِ
بمالِه أَي يُبْعِدَه عن موضِعه، حتى يَحْتاجَ العامِلُ إِلى الإِبْعاد في
اتِّباعِه وطَلَبِه. وفي حديث الحُدَيْبِيَةِ: كانَ اللّهُ قد قَطَعَ جَنْباً مِنَ المشْركين. أَراد بالجَنْبِ الأَمْرَ، أَو القِطْعةَ مِنَ الشيءِ.
يقال: ما فَعَلْتَ في جَنْبِ حاجَتي أَي في أَمْرِها. والجَنْبُ: القِطْعة من الشيءِ تكون مُعْظَمَه أَو شيئاً كَثِيراً منه.
وجَنَبَ الرَّجلَ: دَفَعَه.
ورَجل جانِبٌ وجُنُبٌ: غَرِيبٌ، والجمع أَجْنابٌ. وفي حديث مُجاهد في تفسير السيارة قال: هم أَجْنابُ الناس، يعني الغُرَباءَ، جمع جُنُبٍ، وهو الغَرِيبُ، وقد يفرد في الجميع ولا يؤَنث. وكذلك الجانِبُ والأَجْنَبيُّ والأَجْنَبُ. أَنشد ابن الأَعرابي:
هل في القَضِيَّةِ أَنْ إِذا اسْتَغْنَيْتُمُ * وأَمِنْتُمُ، فأَنا البعِيدُ الأَجْنَبُ
وفي الحديث: الجانِبُ الـمُسْتَغْزِرُ يُثابُ من هِبَتِه الجانبُ الغَرِيبُ أَي إِنَّ الغَرِيبَ الطالِبَ، إِذا أَهْدَى لك هَدِيَّةً ليَطْلُبَ أَكثرَ منها، فأَعْطِه في مُقابَلة هدِيَّتِه. ومعنى الـمُسْتَغْزِر: الذي يَطْلُب أَكثر مـما أَعْطَى.
ورجل أَجْنَبُ وأَجْنَبيٌّ وهو البعيد منك في القَرابةِ، والاسم
الجَنْبةُ والجَنابةُ. قال:
إِذا ما رَأَوْني مُقْبِلاً، عن جَنابةٍ، * يَقُولُونَ: مَن هذا، وقد عَرَفُوني
وقوله أَنشده ثعلب:
جَذْباً كَجذْبِ صاحِبِ الجَنابَهْ
فسره، فقال: يعني الأَجْنَبيَّ.
والجَنِيبُ: الغَرِيبُ. وجَنَبَ فلان في بني فلان يَجْنُبُ جَنابةً ويَجْنِبُ إِذا نَزَلَ فيهم غَرِيباً، فهو جانِبٌ، والجمع جُنَّابٌ، ومن ثَمَّ
قيل: رجلٌ جانِبٌ أَي غرِيبٌ، ورجل جُنُبٌ بمعنى غريب، والجمع أَجْنابٌ.
وفي حديث الضَّحَّاك أَنه قال لجارِية: هل من مُغَرِّبةِ خَبَرٍ؟ قال:
على جانِبٍ الخَبَرُ أَي على الغَرِيبِ القادِمِ. ويقال: نِعْم القَوْمُ
هُمْ لجارِ الجَنابةِ أَي لِجارِ الغُرْبةِ.
والجَنابةُ: ضِدّ القَرابةِ، وقول عَلْقَمَة بن عَبَدةَ:
وفي كلِّ حيٍّ قد خَبَطْتَ بِنِعْمةٍ، * فَحُقَّ لشأْسٍ، مِن نَداكَ، ذَنُوبُ
فلا تَحْرِمَنِّي نائِلاً عن جَنابةٍ، * فإِني امْرُؤٌ، وَسْطَ القِبابِ،
غرِيبُ
عن جَنابةٍ أَي بُعْدٍ وغُربة. قاله يُخاطِبُ به الحَرِثَ ابنَ جَبَلةَ
يمدحه، وكان قد أَسَرَ أَخاه شَأْساً. معناه: لا تَحْرِمَنِّي بعدَ
غُرْبةٍ وبُعْدٍ عن دِياري. وعن،في قوله عن جنابةِ، بمعنى بَعْدَ، وأَراد بالنائلِ إِطْلاقَ أَخِيهِ شَأْسٍ من سِجْنِه، فأَطْلَقَ له أَخاه
شأْساً ومَن أُسِرَ معه من بني تميم.
وجَنَّبَ الشيءَ وتجَنَّبَه وجانَبَه وتجَانَبَه واجْتَنَبَهُ: بَعُد عنه.
وجَنَبَه الشيءَ وجَنَّبَه إِيَّاه وجَنَبَه يَجْنُبُه وأَجْنَبَه: نَحَّاهُ عنه. وفي التنزيل العزيز إِخباراً عن إِبراهيم، على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام: واجْنُبْني وبَنيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنام؛ أَي نَجِّني.
وقد قُرئَ: وأَجْنِبْني وبَنيَّ، بالقَطْع. ويقال: جَنَبْتُه الشَّرَّ وأَجْنَبْتُه وجَنَّبْتُه، بمعنى واحد، قاله الفرّاءُ والزجاج.
ويقال: لَجَّ فلان في جِنابٍ قَبيحٍ إِذا لَجَّ في مُجانَبَةِ أَهلِه.
ورجل جَنِبٌ: يَتَجنَّبُ قارِعةَ الطريق مَخافةَ الأَضْياف.
والجَنْبة، بسكون النون: الناحية. ورَجُل ذو جَنْبة أَي اعْتزالٍ عن
الناس مُتَجَنِّبٌ لهم. وقَعَدَ جَنْبَةً أَي ناحِيةً واعْتَزَل الناسَ.
ونزل فلان جَنْبةً أَي ناحِيةً. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: عليكم بالجَنْبةِ فإِنها عَفافٌ. قال الهروي: يقول اجْتَنِبُوا النساءَ والجُلُوسَ إِلَيْهنَّ، ولا تَقْرَبُوا ناحِيَتَهنَّ.
وفي حديث رقيقة: اسْتَكَفُّوا جَنابَيْه أَي حَوالَيْه، تثنية جَناب، وهي الناحِيةُ. وحديث الشعبي: أَجْدَبَ بِنا الجَنابُ. والجَنْبُ: الناحِيةُ. وأَنشد الأَخفش:
الناسُ جَنْبٌ والأَمِيرُ جَنْبُ
كأَنه عَدَلَه بجميع الناس. ورجل لَيِّنُ الجانِبِ والجَنْبِ أَي سَهْلُ
القُرْب. والجانِبُ: الناحِيةُ، وكذلك الجَنَبةُ. تقول: فلان لا يَطُورُ
بِجَنَبَتِنا. قال ابن بري: هكذا قال أَبو عبيدة وغيره بتحريك النون.
قال، وكذا رَوَوْه في الحديث: وعلى جَنَبَتَيِ الصِّراطِ أَبْوابٌ
مُفَتَّحةٌ. وقال عثمان بن جني: قد غَرِيَ الناسُ بقولهم أَنا في ذَراكَ وجَنَبَتِك بفتح النون. قال: والصواب إِسكانُ النون، واستشهد على ذلك بقول أَبي صَعْتَرةَ البُولانيِّ:
فما نُطْفةٌ مِنْ حَبِّ مُزْنٍ تقاذَفَتْ * به جَنْبَتا الجُوديِّ، والليلُ دامِسُ
وخبر ما في البيت الذي بعده، وهو:
بأَطْيَبَ مِنْ فِيها، وما ذُقْتُ طَعْمَها، * ولكِنَّني، فيما تَرَى العينُ، فارِسُ
أَي مُتَفَرِّسٌ. ومعناه: اسْتَدْلَلْتُ بِرِقَّته وصفَائِه على عُذوبَتِه وبَرْدِه. وتقول: مَرُّوا يَسِيرُونَ جَنابَيْه وجَنابَتَيْه وجَنْبَتَيْه أَي ناحِيَتَيْهِ.
والجانِبُ الـمُجْتَنَبُ: الـمَحْقُورُ.
وجارٌ جُنُبٌ: ذو جَنابةٍ مِن قوم آخَرِينَ لا قَرابةَ لهم، ويُضافُ
فيقال: جارُ الجُنُبِ. التهذيب: الجارُ الجُنُب هو الذي جاوَرَك، ونسبُه في قوم آخَرِينَ. والمُجانِبُ: الـمُباعِدُ. قال:
وإِني، لِما قد كان بَيْني وبيْنَها، * لـمُوفٍ، وإِنْ شَطَّ الـمَزارُ الـمُجانِبُ
وفرَسٌ مُجَنَّبٌ: بَعِيدُ ما بين الرِّجْلَين من غير فَحَجٍ، وهو مدح.
والتَّجْنِيبُ: انحِناءٌ وتَوْتِيرٌ في رِجْلِ الفَرَس، وهو مُسْتَحَبٌّ.
قال أَبو دُواد:
وفي اليَدَيْنِ، إِذا ما الماءُ أَسْهَلَها، ثَنْيٌ قَلِيلٌ، وفي الرِّجْلَينِ تَجْنِيبُ(1)
(1 قوله «أسهلها» في الصاغاني الرواية أسهله يصف فرساً. والماء أراد به العرق. وأسهله أي أساله. وثني أي يثني يديه.)
قال أَبو عبيدة: التَّجْنِيبُ: أَن يُنَحِّيَ يديه في الرَّفْعِ والوَضْعِ. وقال الأَصمعي: التَّجْنِيبُ، بالجيم، في الرجلين، والتحنيب، بالحاء
في الصلب واليدين.
وأَجْنَبَ الرجلُ: تَباعَدَ.
والجَنابةُ: الـمَنِيُّ. وفي التنزيل العزيز: وإِن كُنْتم جُنُباً فاطَّهَّروا. وقد أَجْنَبَ الرجلُ وجَنُبَ أَيضاً، بالضم، وجَنِبَ وتَجَنَّبَ.
قال ابن بري في أَماليه على قوله جَنُبَ، بالضم، قال: المعروف عند أَهل اللغة أَجْنَبَ وجَنِبَ بكسر النون، وأَجْنَبَ أَكثرُ من جَنِبَ. ومنه قول ابن عباس، رضي اللّه عنهما: الإِنسان لا يُجْنِبُ، والثوبُ لا يُجْنِبُ، والماءُ لا يُجْنِبُ، والأَرضُ لا تُجْنِبُ. وقد فسر ذلك الفقهاءُ وقالوا أَي لا يُجْنِبُ الإِنسانُ بمُماسَّةِ الجُنُبِ إِيَّاه، وكذلك الثوبُ إِذا لَبِسَه الجُنُب لم يَنْجُسْ، وكذلك الأَرضُ إِذا أَفْضَى إِليها الجُنُبُ لم تَنْجُسْ، وكذلك الماءُ إِذا غَمَس الجُنُبُ فيه يدَه لم يَنْجُسْ.
يقول: إِنَّ هذه الأَشياءَ لا يصير شيءٌ منها جُنُباً يحتاج إلى الغَسْلِ لمُلامَسةٍ الجُنُبِ إِيَّاها. قال الأَزهري: إِنما قيل له جُنُبٌ لأَنه نُهِيَ أَن يَقْرَبَ مواضعَ الصلاةِ ما لم يَتَطهَّرْ، فتَجَنَّبَها وأَجْنَبَ عنها أَي تَنَحَّى عنها؛ وقيل: لـمُجانَبَتِه الناسَ ما لم يَغْتَسِلْ.
والرجُل جُنُبٌ من الجَنابةِ، وكذلك الاثْنانِ والجميع والمؤَنَّث، كما يقال رجُلٌ رِضاً وقومٌ رِضاً، وإِنما هو على تأْويل ذَوِي جُنُبٍ، فالمصدر يَقُومُ مَقامَ ما أُضِيفَ إِليه. ومن العرب من يُثَنِّي ويجْمَعُ ويجْعَلُ المصدر بمنزلة اسم الفاعل. وحكى الجوهري: أَجْنَبَ وجَنُبَ، بالضم.
وقالوا: جُنُبانِ وأَجْنابٌ وجُنُبُونَ وجُنُباتٌ. قال سيبويه: كُسِّرَ
(يتبع...)
(تابع... 1): جنب: الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وغيره. تقول:... ...
على أَفْعالٍ كما كُسِّرَ بَطَلٌ عليه، حِينَ قالوا أَبْطالٌ، كما اتَّفَقا في الاسم عليه، يعني نحو جَبَلٍ وأَجْبالٍ وطُنُبٍ وأَطْنابٍ. ولم يقولوا جُنُبةً. وفي الحديث: لا تَدْخُلُ الملائكةُ بَيْتاً فيه جُنُبٌ. قال ابن الأَثير: الجُنُب الذي يَجِبُ عليه الغُسْل بالجِماع وخُروجِ المَنّي. وأَجْنَبَ يُجْنِبُ إِجْناباً، والاسم الجَنابةُ، وهي في الأَصْل البُعْدُ. وأَراد بالجُنُبِ في هذا الحديث: الذي يَترُك الاغْتِسالَ مِن الجَنابةِ عادةً، فيكونُ أَكثرَ أَوقاتِه جُنُباً، وهذا يدل على قِلّة دِينِه وخُبْثِ باطِنِه. وقيل: أَراد بالملائكة ههُنا غيرَ الحَفَظةِ. وقيل: أَراد لا تحْضُره الملائكةُ بخير. قال: وقد جاءَ في بعض الرِّوايات
كذلك.والجَنابُ، بالفتح، والجانِبُ: النّاحِيةُ والفِناءُ وما قَرُبَ مِن
مَحِلَّةِ القوْمِ، والجمع أَجْنِبةٌ. وفي الحديث: وعلى جَنَبَتي الصِّراطِ
داعٍ أَي جانِباهُ.
وجَنَبَةُ الوادي: جانِبُه وناحِيتُه، وهي بفتح النون. والجَنْبةُ،
بسكون النون: النّاحِيةُ، ويقال أَخْصَبَ جَنابُ القوم، بفتح الجيم، وهو ما حَوْلَهم، وفلان خَصِيبُ الجَنابِ وجَديبُ الجَنابِ، وفُلانٌ رَحْبُ الجَنابِ أَي الرَّحْل، وكُنا عنهم جَنابِينَ وجَناباً أَي
مُتَنَحِّينَ.والجَنِيبةُ: العَلِيقةُ، وهي الناقةُ يُعْطِيها الرّجُلُ القومَ
يَمتارُونَ عليها له. زاد المحكم: ويُعْطِيهم دَراهِمَ ليَمِيرُوه عليها. قال الحسن بن مُزَرِّدٍ:
قالَتْ لَه مائِلَةُ الذَّوائِبِ:
كَيْفَ أَخِي في العُقَبِ النَّوائِبِ؟ * أَخُوكَ ذُو شِقٍّ عَلى الرَّكائِبِ
رِخْوُ الحِبالِ، مائلُ الحَقائِبِ، * رِكابُه في الحَيِّ كالجَنائِبِ
يعني أَنها ضائعةٌ كالجَنائِب التي ليس لها رَبٌّ يَفْتَقِدُها. تقول:
إِنَّ أَخاكَ ليس بِمُصْلِحٍ لمالِه، فمالُهُ كَمالٍ غابَ عنْه رَبُّه وسَلَّمه لِمَن يَعْبَثُ فِيهِ؛ ورِكابُه التي هو مَعَها كأَنها جَنائِبُ في الضُّرِّ وسُوءِ الحالِ. وقوله رِخْوُ الحِبالِ أَي هو رِخْوُ الشَّدِّ لرَحْلِه فحقائبُه مائلةٌ لِرخاوةِ الشَّدِّ.
والجَنِيبةُ: صُوفُ الثَّنِيِّ عن كراع وحده. قال ابن سَيده: والذي حكاه يعقوب وغيره من أَهل اللغة: الخَبِيبةُ، ثم قال في موضع آخر: الخَبِيبةُ صُوفُ الثَّنِيِّ مثل الجَنِيبةِ، فثبت بهذا أَنهما لُغَتانِ صَحيحتانِ.
والعَقِيقةُ: صُوفُ الجَذَعِ، والجَنِيبةُ من الصُّوفِ أَفْضلُ من العَقِيقة وأَبْقَى وأَكثر.
والـمَجْنَبُ، بالفتح: الكَثِيرُ من الخَيرِ والشَّرِّ. وفي الصحاح:
الشيءُ الكثير. يقال: إِن عندنا لخيراً مَجْنَباً أَي كثيراً. وخَصَّ به أَبو عبيدة الكَثِير من الخَيرِ. قال الفارسي: وهو مِـمّا وَصفُوا به،
فقالوا: خَيرٌ مَجْنَبٌ. قال الفارسي: وهذا يقال بكسر الميم وفتحها. وأَنشد شمر لكثير:
وإِذْ لا ترَى في الناسِ شَيْئاً يَفُوقُها، * وفِيهنَّ حُسْنٌ، لو تَأَمَّلْتَ، مَجْنَبُ
قال شمر: ويقال في الشَّرِّ إِذا كَثُر، وأَنشد:
وكُفْراً ما يُعَوَّجُ مَجْنَبَا(1)
(1 قوله «وكفراً إلخ» كذا هو في التهذيب أيضاً.)
وطَعامٌ مَجْنَبٌ: كثير. والمِجْنَبُ: شَبَحَةٌ مِثْلُ الـمُشْطِ إِلاّ أَنها ليست لها أَسْنانٌ، وطَرَفُها الأَسفل مُرْهَفٌ يُرْفَعُ بها التُّرابُ على الأَعْضادِ والفِلْجانِ. وقد جَنَبَ الأَرْضَ بالمِجْنَبِ.والجَنَبُ: مصدر قولك جَنِبَ البعير، بالكسر، يَجْنَبُ جَنَباً إِذا ظَلَعَ من جَنْبِه. والجَنَبُ: أَن يَعطَشَ البعِيرُ عَطَشاً شديداً حتى تَلْصَقَ رِئَتُه بجَنْبِه من شدَّة العَطَشِ، وقد جَنِب جَنَباً. قال ابن السكيت قالت الأَعراب: هو أَن يَلْتَوِيَ من شِدّة العطش. قال ذوالرمة يصف حماراً:
وَثْبَ المُسَحَّجِ مِن عاناتِ مَعْقُلَةٍ، * كأَنـَّه مُسْتَبانُ الشَّكِّ، أَو جَنِبُ
والـمُسَحَّجُ: حِمارُ الوَحْشِ، والهاءُ في كأَنه تَعُود على حِمار
وحْشٍ تقدم ذكره. يقول: كأَنه من نَشاطِه ظالِعٌ، أَو جَنِبٌ، فهو يَمشي في شِقٍّ وذلك من النَّشاطِ. يُشَبِّه جملَه أَو ناقَتَه بهذا الحمار. وقال أَيضاً:
هاجَتْ به جُوَّعٌ، غُضْفٌ، مُخَصَّرةٌ، * شَوازِبٌ، لاحَها التَّغْرِيثُ والجَنَبُ
وقيل الجَنَبُ في الدابة: شِبْهُ الظَّلَعِ، وليس بِظَلَعٍ، يقال:
حِمارٌ جَنِبٌ. وجَنِبَ البعير: أَصابه وجعٌ في جَنْبِه من شِدَّةِ العَطَش.
والجَنِبُ: الذئْبُ لتَظالُعِه كَيْداً ومَكْراً من ذلك.
والجُنابُ: ذاتُ الجَنْبِ في أَيِّ الشِّقَّينِ كان، عن الهَجَرِيِّ.
وزعَم أَنه إِذا كان في الشِّقِّ الأَيْسَرِ أَذْهَبَ صاحِبَه. قال:
مَريضٍ، لا يَصِحُّ، ولا أُبالي، * كأَنَّ بشِقِّهِ وجَعَ الجُنابِ
وجُنِبَ، بالضم: أَصابه ذاتُ الجَنْبِ.
والـمَجْنُوبُ: الذي به ذاتُ الجَنْب، تقول منه: رَجُلٌ مَجْنُوب؛ وهي قَرْحَةٌ تُصِيبُ الإِنسانَ داخِلَ جَنْبِه، وهي عِلَّة صَعْبة تأْخُذُ في الجَنْب. وقال ابن شميل: ذاتُ الجَنْب هي الدُّبَيْلةُ، وهي على تَثْقُبُ البطن ورُبَّما كَنَوْا عنها فقالوا: ذاتُ الجَنْب. وفي الحديث:
الـمَجْنُوبُ في سَبِيلِ اللّهِ شَهِيدٌ. قيل: الـمَجْنُوبُ الذي به ذاتُ
الجَنْبِ. يقال: جُنِبَ فهو مَجْنُوب، وصُدِرَ فهو مَصْدُورٌ. ويقال: جَنِبَ جَنَباً إِذا اشْتَكَى جَنْبَه، فهو جَنِبٌ، كما يقال رَجُلٌ فَقِرٌ وظَهِرٌ إِذا اشْتَكَى ظَهْرَه وفَقارَه. وقيل: أَراد بالـمَجْنُوبِ الذي
يَشْتَكِي جَنْبَه مُطْلَقاً. وفي حديث الشُّهَداءِ: ذاتُ الجَنْب شَهادةٌ. وفي حديث آخر: ذُو الجَنْبِ شَهِيدٌ؛ هو الدُّبَيْلةُ والدُّمَّل الكبيرة
التي تَظْهَر في باطن الجَنْب وتَنْفَجِر إِلى داخل، وقَلَّما يَسْلَمُ
صاحِبُها. وذُو الجَنْبِ: الذي يَشْتَكي جَنْبَه بسبب الدُّبيلة، إِلاّ أَنَّ
ذو للمذكر وذات للمؤَنث، وصارت ذات الجنب علماً لها، وإِن كانت في الأَصل صفة مضافة.
والـمُجْنَب، بالضم، والمِجْنَبُ، بالكسر: التُّرْس، وليست واحدة منهما على الفعل. قال ساعدة بن جُؤَيَّةَ:
صَبَّ اللَّهِيفُ لَها السُّبُوبَ بِطَغْيةٍ، * تُنْبي العُقابَ، كما يُلَطُّ المِجْنَبُ
عَنَى باللَّهِيفِ المُشْتارَ. وسُبُوبُه: حِبالُه التي يَتَدلَّى بها إِلى العَسَلِ. والطَّغْيةُ: الصَّفاةُ الـمَلْساءُ. والجَنْبةُ: عامَّة الشَّجَر الذي يَتَرَبَّلُ في الصَّيْفِ.
وقال أَبو حنيفة: الجَنْبةُ ما كان في نِبْتَتِه بين البَقْل والشَّجر،
وهما مـما يبقى أَصله في الشتاءِ ويَبِيد فَرْعه. ويقال: مُطِرْنا
مَطَراً كَثُرتْ منه الجَنْبةُ. وفي التهذيب: نَبَتَتْ عنه الجَنْبةُ،
والجَنْبَةُ اسم لكل نَبْتٍ يَتَرَبَّلُ في الصَّيف. الأَزهري: الجَنْبةُ اسم
واحد لنُبُوتٍ كثيرة، وهي كلها عُرْوةٌ، سُميت جَنْبةً لأَنها صَغُرت عن الشجر الكبار وارْتَفَعَتْ عن التي أَرُومَة لها في الأَرض؛ فمِنَ الجَنْبةِ النَّصِيُّ والصِّلِّيانُ والحَماطُ والـمَكْرُ والجَدْرُ والدَّهْماءُ
صَغُرت عن الشجر ونَبُلَتْ عن البُقُول. قال: وهذا كله مسموع من العرب.
وفي حديث الحجاج: أَكَلَ ما أَشْرَفَ من الجَنْبَةِ؛ الجَنْبَةُ، بفتح
الجيم وسكون النون: رَطْبُ الصِّلِّيانِ من النبات، وقيل: هو ما فَوْقَ البَقْلِ ودُون الشجر. وقيل: هو كلُّ نبْت يُورِقُ في الصَّيف من غير مطر.والجَنُوبُ: ريح تُخالِفُ الشَّمالَ تأْتي عن يمِين القِبْلة. وقال ثعلب: الجَنُوبُ مِن الرِّياحِ: ما اسْتَقْبَلَكَ عن شِمالك إِذا وقَفْت في القِبْلةِ.
وقال ابن الأَعرابي: مَهَبُّ الجَنُوب مِن مَطْلَعِ سُهَيلٍ إِلى مَطْلَعِ الثُرَيَّا. الأَصمعي: مَجِيءُ الجَنُوبِ ما بين مَطْلَعِ سُهَيْلٍ إِلى مَطْلَعِ الشمس في الشتاءِ. وقال عُمارةُ: مَهَبُّ الجَنُوبِ ما بين مَطلع سُهَيْل إِلى مَغْرِبه. وقال الأَصمعي: إِذا جاءَت الجَنُوبُ جاءَ معها
خَيْرٌ وتَلْقِيح، وإِذا جاءَت الشَّمالُ نَشَّفَتْ. وتقول العرب للاثنين،
إِذا كانا مُتصافِيَيْنِ: رِيحُهما جَنُوبٌ، وإِذا تفرَّقا قيل: شَمَلَتْرِيحُهما، ولذلك قال الشاعر:
لَعَمْري، لَئِنْ رِيحُ الـمَودَّةِ أَصبَحَتْ * شَمالاً، لقد بُدِّلْتُ، وهي جَنُوبُ
وقول أَبي وجزة:
مَجْنُوبةُ الأُنْسِ، مَشْمُولٌ مَواعِدُها، * مِن الهِجانِ، ذواتِ الشَّطْبِ والقَصَبِ
يعني: أَن أُنسَها على مَحَبَّتِه، فإِن التَمَس منها إِنْجازَ مَوْعِدٍ
لم يَجِدْ شيئاً. وقال ابن الأَعرابي: يريد أَنها تَذْهَب مَواعِدُها مع
الجَنُوبِ ويَذْهَبُ أُنـْسُها مع الشَّمالِ.
وتقول: جَنَبَتِ الرِّيحُ إِذا تَحَوَّلَتْ جَنُوباً. وسَحابةٌ مَجْنُوبةٌ إِذا هَبَّتْ بها الجَنُوب.
التهذيب: والجَنُوبُ من الرياحِ حارَّةٌ، وهي تَهُبُّ في كلِّ وَقْتٍ،
ومَهَبُّها ما بين مَهَبَّي الصَّبا والدَّبُورِ مِمَّا يَلي مَطْلَعَ سُهَيْلٍ. وجَمْعُ الجَنُوبِ: أَجْنُبٌ. وفي الصحاح: الجَنُوبُ الريح التي تُقابِلُ الشَّمال. وحُكي عن ابن الأَعرابي أَيضاً أَنه قال: الجَنُوب في كل
موضع حارَّة إِلا بنجْدٍ فإِنها باردة، وبيتُ كثير عَزَّةَ حُجَّة له:
جَنُوبٌ، تُسامِي أَوْجُهَ القَوْمِ، مَسُّها * لَذِيذٌ، ومَسْراها، من الأَرضِ، طَيِّبُ
وهي تكون اسماً وصفة عند سيبويه، وأَنشد:
رَيحُ الجَنُوبِ مع الشَّمالِ، وتارةً * رِهَمُ الرَّبِيعِ، وصائبُ التَّهْتانِ
وهَبَّتْ جَنُوباً: دليل على الصفة عند أَبي عثمان.
قال الفارسي: ليس بدليل، أَلا ترى إِلى قول سيبويه: إِنه قد يكون حالاً ما لا يكون صفة كالقَفِيز والدِّرهم. والجمع: جَنائبُ. وقد جَنَبَتِ الرِّيحُ تَجْنُبُ جُنُوباً، وأَجْنَبَتْ أَيضاً، وجُنِبَ القومُ: أَصابَتْهم
الجَنُوبُ أَي أَصابَتْهم في أَمـْوالِهِمْ. قال ساعدة بن جُؤَيَّةَ:
سادٍ، تَجَرَّمَ في البَضِيعِ ثَمانِياً، * يُلْوَى بِعَيْقاتِ البِحارِ، ويُجْنَبُ
أَي أَصابَتْه الجَنُوبُ.
وأَجْنَبُوا: دَخلوا في الجَنُوبِ.
وجُنِبُوا: أَصابَهُم الجَنُوبُ، فهم مَجْنُوبُونَ، وكذلك القول في
الصَّبا والدَّبُورِ والشَّمالِ.
وجَنَبَ إِلى لِقائِه وجَنِبَ: قَلِقَ، الكسر عن ثعلب، والفتح عن ابن
الأَعرابي. تقول: جَنِبْتُ إِلى لِقائكَ، وغَرِضْتُ إِلى لِقائكَ جَنَباً
وغَرَضاً أَي قَلِقْتُ لشدَّة الشَّوْقِ إِليك. وقوله في الحديث: بِعِ
الجَمْعَ بالدَّراهم ثم ابْتَعْ به جَنِيباً، هو نوع جَيِّد مَعْروف من أَنواع التمر، وقد تكرَّر في الحديث.
وجَنَّبَ القومُ، فهم مُجَنِّبُونَ، إِذا قلَّتْ أَلبانُ إِبلهم؛ وقيل: إِذا لم يكن في إِبلهم لَبَنٌ. وجَنَّبَ الرَّجلُ إِذا لم يكن في إِبله ولا غنمه دَرٌّ: وجَنَّبَ الناسُ: انْقَطَعَتْ أَلبانُهم، وهو عام تَجْنِيب. قال الجُمَيْحُ بنُ مُنْقِذ يذكر امرأَته:
لَـمَّا رَأَتْ إِبِلي قَلَّتْ حَلُوبَتُها، * وكُلُّ عامٍ عَلَيها عامُ تَجْنِيبِ
يقُول: كلُّ عامٍ يَمُرُّ بها، فهو عامُ تَجْنِيبٍ. قال أَبو زيد: جَنَّبَتِ الإِبلُ إِذا لم تُنْتَجْ منها إِلا الناقةُ والناقَتانِ. وجَنَّبها هو، بشدِّ النون أَيضاً. وفي حديث الحَرِثِ بن عَوْف: إِن الإِبل جَنَّبَتْ قِبَلَنا العامَ أَي لم تَلْقَحْ، فيكون لها أَلبان. وجنَّب إِبلَه وغَنَمه: لم يُرْسِلْ فيها فحلاً.
والجَأْنـَبُ، بالهمز: الرجل القَصِيرُ الجافي الخِلْقةِ.
وخَلْقٌ جَأْنَبٌ إِذا كان قَبِيحاً كَزّاً. وقال امرؤُ القيس:
ولا ذاتُ خَلْقٍ، إِنْ تَأَمَّلْتَ، جَأْنَبِ
والجَنَبُ: القَصِيرُ؛ وبه فُسِّرَ بيت أَبي العيال:
فَتًى، ما غادَرَ الأَقْوامُ، * لا نِكْسٌ ولا جَنَبُ
وجَنِبَتِ الدَّلْوُ تَجْنَبُ جَنَباً إِذا انْقَطَعَتْ منها وذَمَةٌ أَو وَذَمَتانِ. فمالَتْ.
والجَناباءُ والجُنابى: لُعْبةٌ للصِّبْيانِ يَتَجانَبُ الغُلامانِ فَيَعْتَصِمُ كُلُّ واحِدٍ من الآخر.
وجَنُوبُ: اسم امرأَة. قال القَتَّالُ الكِلابِيُّ:
أَباكِيَةٌ، بَعْدي، جَنُوبُ، صَبابةً، * عَليَّ، وأُخْتاها، بماءِ عُيُونِ؟
وجَنْبٌ: بَطْن من العرب ليس بأَبٍ ولا حَيٍّ، ولكنه لَقَبٌ، أَو هو
حَيٌّ من اليمن. قال مُهَلْهِلٌ:
زَوَّجَها فَقْدُها الأَراقِمَ في * جَنْبٍ، وكانَ الحِباءُ من أَدَمِ
وقيل: هي قَبِيلةٌ من قَبائِل اليَمَن.
والجَنابُ: موضع.
والمِجْنَبُ: أَقْصَى أَرضِ العَجَم إِلى أَرض العَرَبِ، وأَدنى أَرضِ
العَرَب إِلى أَرض العجم. قال الكميت:
وشَجْو لِنَفْسِيَ، لم أَنـْسَه، * بِمُعْتَرَك الطَّفِّ والمِجْنَبِ
ومُعْتَرَكُ الطَّفِّ: هو الموضع الذي قُتِلَ فيه الحُسَين بن عليّ، رضي اللّه عنهما.
التهذيب: والجِنابُ، بكسر الجيم: أَرض معروفة بِنَجْد. وفي حديث ذي المِعْشارِ: وأَهلِ جِنابِ الهَضْبِ هو، بالكسر، اسم موضع.