الجذر: س و ل
مثال: أَعْطَيت المــتسول بعض النقود
الرأي: مرفوضة عند الأكثرين
السبب: لأنها لم ترد في المعاجم القديمة بهذا المعنى.
المعنى: السائل والمستجدي للناس
الصواب والرتبة: -أعطيت المــتسوِّل بعض النقود [صحيحة]
التعليق: (انظر: تسوَّل).
سول: سَوَّلَتْ له نفسه كذا: زَيَّنَتْه له. وسَوَّل له الشيطانُ:
أَغْواه. وأَنا سَوِيلُكَ في هذا الأَمر: عَدِيلُك. وفي حديث عمر، رضي الله
عنه: اللَّهُمَّ إِلا أَن تُسَوِّلَ لي نفسي عند الموت شيئاً لا أَجِدُه
الآن؛ التسويل: تحسين الشيء وتزيينُه وتَحْبِيبُه إِلى الإِنسان ليفعله أَو
يقوله. وفي التنزيل العزيز: بل سَوَّلَتْ لكم أَنْفُسُكم أَمْراً
فصَبْرٌ جَمِيل؛ هذا قول يعقوب، عليه السلام، لولده حين أَخبروه بأَكل الذئب
يوسفَ فقال لهم: ما أَكَلَهُ الذئْب بل سَوَّلَتْ لكم أَنفسكم في شأْنه
أَمراً أَي زَيَّنَتْ لكم أَنفسكم أَمراً غير ما تَصِفُون، وكأَنَّ التسويل
تَفْعِيلٌ من سُولِ الإِنسان، وهو أُمْنِيَّته أَن يَتَمَنَّاها
فتُزَيِّن لطالبها الباطلَ وغيرَه من غُرور الدنيا، وأَصل السُّول مهموز عند
العرب، استثقلوا ضَغْطة الهمزة فيه فتكلموا به على تخفيف الهمز؛ قال الراعي
فيه فلم يَهْمِزه:
اخْتَرْنَك الناسُ، إِذ رَثَّتْ خَلائِقُهُم،
واعْتَلَّ مَنْ كان يُرْجى عِنْدَه السُّولُ
(* قوله «اخترنك» هكذا في الأصل، والصواب اختارك).
والدليل على أَن أَصل السُّول همز قراءةُ القُرَّاء قوله عز وجل: قد
أُوتيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى؛ أَي أُعْطِيت أُمْنِيَّتك التي سَأَلْتَها.
والــتَّسَوُّلُ: استرخاءُ البطن، والتَّسَوُّنُ مثله. والسَّوَلُ:
استرخاءُ ما تحت السُّرَّة من البطن، ورجُل أَسْوَلُ وامرأَة سَوْلاء قوم
سُولٌ. ابن سيده: الأَسْوَلُ الذي في أَسفله استرخاء؛ قال المُتَنَخِّل
الهُذلي:
كالسُّحُل البيضِ، جَلا لَوْنَها
سَحُّ نِجاءِ الحَمَل الأَسْوَل
أَراد بالحَمَل السَّحابَ الأَسود. وسَحابٌ أَسْوَلُ أَي مُسْتَرْخٍ
بَيِّنُ السَّوَل، وقد سَوِلَ يَسْوَلُ سَوَلاً، وامرأَة سَوْلاء.
والأَسْوَل من السحاب: الذي في أَسفله استرخاء ولهُدْبهِ إِسْبالٌ. ودَلْوٌ
سَوْلاء: ضَخْمة؛ قال:
سَوْلاء مَسْك فارضٍ نَهِيٍّ
وسَلْتُ أَسالُ سُولاً: لغة في سأَلْت؛ حكاها سيبويه، وقال ثعلب:
سُوالاً وسِوالاً كجُوَارٍ وجِوار، وحكى أَبو زيد: هما يَتَساوَلانِ، فهذا يدل
على أَنها واو في الأَصل على هذه اللغة، وليس على بدل الهمز. ورَجُل
سَوَلةٌ على هذه اللغة: سَؤول، وحكى ابن جني سُوَال وأَسْوِلة.
سوف: سوف: كلمة معناها التنفيس والتأْخير؛ قال سيبويه: سوف كلمة تنفيس
فيما لم يكن بعد، أَلا ترى أَنك تقول سَوَّفْتُه إذا قلت له مرة بعد
مَرَّة سَوْفَ أَفْعل؟ ولا يُفْصل بينها وبين أَفعل لأَنها بمنزلة السين في
سيَفْعَل. ابن سيده: وأَما قوله تعالى ولسوف يُعْطيك ربُّك فترضى، اللام
داخلة فيه على الفعل لا على الحرف، وقال ابن جني: هو حرف واشتقُّوا منه
فِعْلاً فقالوا سَوَّفْتُ الرجل تسويفاً، قال: وهذا كما ترى مأْخوذ من
الحرف؛ أَنشد سيبويه لابن مقبل:
لو ساوَفَتْنا بِسَوْف من تَجَنُّبِها
سَوْفَ العَيُوفِ لراحَ الرَّكْبُ قد قَنِعُوا
انتصب سوف العَيُوفِ على المصدر المحذوف الزيادة.
وقد قالوا: سو يكون، فحذفوا اللام، وسا يكون، فحذفوا اللام وأَبدلوا
العين طَلَبَ الخِفَّةِ، وسَفْ يكون، فحذفوا العين كما حذفوا اللام.
التهذيب: والسَّوْفُ الصبر. وإنه لَمُسَوِّفٌ أَي صَبُور؛ وأَنشد
المفضل:هذا، ورُبَّ مُسَوِّفينَ صَبَحْتُهُمْ
من خَمْرِ بابِلَ لَذَّة للشارِبِ
أَبو زيد: سَوَّفْت الرجل أَمْري تَسْويفاً أَي ملَّكته، وكذلك
سَوَّمْته. والتَّسْويف: التأْخير من قولك سوف أَفعل. وفي الحديث: أَن النبي، صلى
اللّه عليه وسلم، لعن المُّسَوِّفَة من النساء وهي التي لا تُجِيبُ
زوجَها إذا دعاها إلى فراشه وتُدافِعُه فيما يريد منها وتقول سوف أَفْعَلُ.
وقولهم: فلان يَقْتاتُ السَّوْفَ أَي يَعِيشُ بالأَماني. والتَسْوِيفُ:
المَطْلُ. وحكى أَبو زيد: سَوَّفْت الرجلَ أَمري إذا ملَّكته أَمرَك
وحَكَّمته فيه يَصْنَعُ ما يشاء.
وسافَ الشيءَ يَسُوفُه ويَسافُه سَوْفاً وساوَفَه واسْتافه، كلُّه:
شَمَّه؛ قال الشماخ:
إذا ما اسْتافَهُنَّ ضَرَبْنَ منه
مكانَ الرُّمْحِ من أَنْفِ القَدُوعِ
والاسْتِيافُ: الاشْتِمامُ. ابن الأعرابي: سافَ يَسُوفُ سَوْفاً إذا
شمَّ؛ وأَنشد:
قالت وقد سافَ مِجَذَّ المِرْوَدِ
قال: المِرْوَدُ المِيلُ، ومِجَذُّه طرَفُه، ومعناه أَن الحسناء إذا
كَحَلت عينيها مَسَحَتْ طَرَفَ الميل بشفتيها ليزداد حُمَّةً أَي
سواداً.والمسافة: بُعْدُ المَفازةِ والطريق، وأَصله من الشَّمِّ، وهو أَن
الدليل كان إذا ضَلَّ في فلاة أَخذ التراب فشمه فعلم أَنه على هِدْية؛ قال
رؤبة:
إذا الدليلُ اسْتافَ أَخْلاقَ الطُّرُقْ
ثم كثر استعمالهم لهذه الكلمة حتى سموا البعد مسافةً، وقيل: سمي مسافة
لأَن الدليل يستدل على الطريق في الفلاة البعيدة الطرفين بِسَوْفِه
تُرابَها ليعلم أَعَلى قَصْدٍ هو أَم على جَوْرٍ؛ وقال امرؤ القيس:
على لاحِبٍ لا يُهْتَدى بِمَنارِه،
إذا سافَهُ العَوْدُ الدِّيافيُّ جَرْجَرا
وقوله لا يُهْتَدى بِمَناره يقول: ليس به مَنار فَيُهْتَدى به، وإذا
سافَ الجملُ تُرْبَتَه جَرْجَر جَزَعاً من بُعْده وقلة مائه.
والسَّوْفَةُ والسَّائفةُ: أَرض بين الرَّمل والجَلَد. قال أَبو زياد:
السائفةُ: جانِبٌ من الرمل أَلينُ ما يكون منه، والجمع سَوائفُ؛ قال ذو
الرمة:
وتَبْسِم عن أَلْمَى اللِّثاتِ، كأَنه
ذَرا أُقْحُوانٍ من أَقاحي السَّوائفِ
وقال جابر بن جبلة: السائفة الحبل من الرمل. غيره: السائفة الرملة
الرقيقة؛ قال ذو الرمة يصف فِراخَ النعامة:
كأَنَّ أَعْناقَها كُرَّاثُ سائفةٍ،
طارَتْ لفائِفُه، أَو هَيْشَرٌ سُلُبُ
الهَيْشَرَةُ: شجرة لها ساقٌ وفي رأْسها كُعْبُرة شَهْباء، والسُّلُبُ:
الذي لا وَرَقَ عليه، والسائفة: الشَّطُّ من السَّنام؛ قال ابن سيده: هو
من الواو لكون الأَلف عيناً.
والسَّوافُ والسُّوافُ: الموتُ في الناسِ والمال، سافَ سَوْفاً وأَسافَه
اللّه، وأَسافَ الرجلُ: وقَع في ماله السَّوافُ أَي الموت؛ قال طُفَيْل:
فأَبَّلَ واسْتَرْخى به الخَطْبُ بعدما
أَسافَ. ولولا سَعْيُنا لم يُؤَبَّلِ
ابن السكيت: أَسافَ الرجلُ فهو مُسِيف إذا هلَك مالُه. وقد سافَ المال
نَفْسُه يَسُوفُ إذا هلَك. ويقال: رماه اللّه بالسَّواف، كذا رواه بفتح
السين. قال ابن السكيت: سمعت هِشاماً المَكْفُوفَ يقول لأَبي عمرو: إنَّ
الأَصمعي يقول السُّواف، بالضم، ويقول: الأدْواء كلها جاءت بالضم نحو
النُّحازِ والدُّكاعِ والزُّكامِ والقُلابِ والخُمالِ. وقال أَبو عمرو: لا، هو
السَّوافُ، بالفتح، وكذلك قال عُمارة بن عَقِيل بن بلال بن جرير؛ قال
ابن بري: لم يروه بالفتح غير أَبي عمرو وليس بشيء. وسافَ يَسُوفُ أَي هلَك
ماله. يقال: أَسافَ حتى ما يَتَشَكى السُّوافَ إذا تعوَّد الحوادثَ، نعوذ
باللّه من ذلك؛ ومنه قولُ حميد بن ثور:
فيا لَهما من مُرسَلَيْنِ لِحاجَةٍ
أَسافا من المالِ التِّلادِ وأَعْدَما
وأَنشد ابن بري للمَرَّارِ شاهداً على السُّوافِ مَرَضِ المالِ:
دَعا بالسُّوافِ له ظالماً،
فذا العَرْشِ خَيْرَهما أَن يسوفا
أَي احفظ خَيْرهما من أَن يسوف أَي يَهْلِك؛ وأَنشد ابن بري لأَبي
الأَسود العِجْلي:
لَجَذْتَهُمُ، حتى إذا سافَ مالُهُمْ،
أَتَيْتَهُمُ في قابِلٍ تَتَجَدَّفُ
والتَّجَدُّفُ: الافتِقارُ. وفي حديث الدُّؤلي: وقف عليه أَعرابي فقال:
أَكلَني الفَقْرُ ورَدَّني الدهرُ ضعيفاً مُسِيفاً؛ هو الذي ذهب مالُه من
السُّوافِ وهو داء يأْخذ الإبل فَيُهْلِكُها. قال ابن الأَثير: وقد تفتح
سينه خارجاً عن قِياس نَظائِره، وقيل: هو بالفتح الفَناءُ. أَبو حنيفة:
السُّوافُ مَرَضُ المالِ، وفي المحكم: مرض الإبل، قال: والسَّوافُ، بفتح
السين، الفَناء. وأَسافَ الخارِزُ يُسِيفُ إسافةً أَي أَثْأَى
فانْخَرَمَتِ الخُرْزَتانِ. وأَسافَ الخَرَزَ: خَرمَه؛ قال الراعي:
مَزَائِدُ خَرْقاء اليَدَيْنِ مُسِيفَةٍ،
أَخَبَّ بِهِنَّ المُخْلِفانِ وأَحْفَدا
قال ابن سيده: كذا وجدناه بخط عليّ بن حمزة مزائد، مهموز. وإنها
لَمُساوِفةُ السَّيْر أَي مُطِيقَتُه.
والسافُ في البناء: كلُّ صَفٍّ من اللَّبِن؛ يقال: سافٌ من البناء
وسافانِ وثلاثة آسُف وهي السفوف. وقال الليث: السافُ ما بين سافات البناء،
أَلفه واو في الأَصل، وقال غيره: كل سَطْر من اللَّبِن والطين في الجدارِ
سافٌ ومِدْماكٌ. الجوهري: السافُ كلُّ عَرَقٍ من الحائط. والسافُ: طائر
يَصِيدُ؛ قال ابن سيده: قَضينا على مجهول هذا الباب بالواو لكونها
عيناً.والأَسْوافُ: موضع بالمدينة بعينه. وفي الحديث: اصْطَدْتُ نُهَساً
بالأَسْوافِ. ابن الأَثير: هو اسم لحَرَمِ المدينة الذي حَرَّمه سيدنا رسول
اللّه، صلى اللّه عليه وسلم. والنُّهَسُ: طائر يشبه الصُّرَدَ، مذكور في
موضعه.
شحذ: الليث: الشَّحْذُ التحديد.
شحَذ السكينَ والسيفَ ونحوهما يَشْحَذُه شَحْذاً: أَحَدَّه بالمِسَنِّ
وغيره مما يُخرج حَدَّه، فهو شحيذ ومشحوذ؛ وأَنشد:
يَشْحَذُ لَحْيَيْهِ بِنابٍ أَعْصَلِ
والمِشْحَذُ: المِسَنُّ. وفي الحديث: هلمي المُدْيَةَ واشْحَذيها. ورجل
شُحْذُوذٌ: حديد نَزِقٌ. وشَحَذَ الجوعُ مَعِدَتَه: ضرّمها وقوّاها على
الطعام وأَحَدَّها. ابن سيده: الشحذان، بالتحريك، الجائع، وهو من ذلك.
وشَحَذَه بعينه: أَحَدَّها إِليه ورماه بها حتى أَصابه بها؛ قال وكذلك
ذَرَقْتُه وحَدَجْتُه وشَحَذْتُه أَي سُقْتَهُ سَوْقاً شديداً؛ وسائق مِشْحَذ؛
قال أَبو نُخَيلة:
قلت لإِبليس وهامان: خذا
سُوقا بني الجَعْراءِ سَوْقاً مِشْحَذا
واكْتَنِفاهُم من كذا ومن كذا،
تَكَنُّفَ الريح الجَهَامَ الرَّذَذَا
ومَرَّ يَشْحَذُهم أَي يطردهم. ورجل شَحْذَانُ: سَوَّاقٌ. وفلان مشحوذ
عليه أَي مغضوب عليه؛ قال الأَخطل:
خيال لأَرْوى والرَّباب، ومن يكن له عند أَرْوَى والرَّباب تُبُولُ
يَبِتْ، وهو مَشْحُوذٌ عليه، ولا يَرى
إِلى بَيْضَتَيْ وَكْرِ الأَنُوقِ سبيل
ابن شميل: المِشْحاذُ الأَرض المستوية فيها حصى نحو حصى المسجد ولا جبل
فيها؛ قال: وأَنكر أَبو الدُّقيش المِشْحاذَ؛ وقال غيره: المِشْحاذ
الأَكَمَةُ القَرْوَاءُ التي ليست بِضَرِسَة الحجارة ولكنها مستطيلة في الأَرض
وليس فيها شجر ولا سهل. أَبو زيد: شَحَذَتِ السماءُ تَشْحَذُ شَحْذاً
وحلبت حلباً، وهي فوق البَغْشَة. وفي النوادر: تَشَحَّذَني فلانٌ
وتَرَعَّفَني أَي طردني وعَنَّاني.
قصد: القصد: استقامة الطريق. قَصَد يَقْصِدُ قصداً، فهو قاصِد. وقوله
تعالى: وعلى الله قَصْدُ السبيل؛ أَي على الله تبيين الطريق المستقيم
والدعاءُ إِليه بالحجج والبراهين الواضحة، ومنها جائر أَي ومنها طريق غير
قاصد. وطريقٌ قاصد: سهل مستقيم. وسَفَرٌ قاصدٌ: سهل قريب. وفي التنزيل
العزيز: لو كان عَرَضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك؛ قال ابن عرفة: سفراً
قاصداً أَي غيرَ شاقٍّ. والقَصْدُ: العَدْل؛ قال أَبو اللحام التغلبي، ويروى
لعبد الرحمن بن الحكم، والأَول الصحيح:
على الحَكَمِ المأْتِيِّ، يوماً إِذا قَضَى
قَضِيَّتَه، أَن لا يَجُورَ ويَقْصِدُ
قال الأَخفش: أَراد وينبغي أَن يقصد فلما حذفه وأَوقع يَقْصِدُ موقع
ينبغي رفعه لوقوعه موقع المرفوع؛ وقال الفراء: رفعه للمخالفة لأَن معناه
مخالف لما قبله فخولف بينهما في الإِعراب؛ قال ابن بري: معناه على الحكم
المرْضِيِّ بحكمه المأْتِيِّ إِليه ليحكم أَن لا يجور في حكمه بل يقصد أَي
يعدل، ولهذا رفعه ولم ينصبه عطفاً على قوله أَن لا يجور لفساد المعنى
لأَنه يصير التقدير: عليه أَن لا يجور وعليه أَن لا يقصد، وليس المعنى على
ذلك بل المعنى: وينبغي له أَن يقصد وهو خبر بمعنى الأَمر أَي وليقصد؛ وكذلك
قوله تعالى: والوالداتُ يُرْضِعْنَ أَولادهُنَّ؛ أَي ليرضعن. وفي
الحديث: القَصدَ القصدَ تبلغوا أي عليكم بالقصد من الأمور في القول والفعل، وهو
الوسط بين الطرفين، وهو منصوب على المصدر المؤكد وتكراره للتأكيد. وفي
الحديث: عليكم هَدْياً قاصداً أَي طريقاً معتدلاً. والقَصْدُ: الاعتمادُ
والأَمُّ. قَصَدَه يَقْصِدُه قَصْداً وقَصَدَ له وأَقْصَدَني إِليه
الأَمرُ، وهو قَصْدُكَ وقَصْدَكَ أَي تُجاهَك، وكونه اسماً أَكثر في كلامهم.
والقَصْدُ: إِتيان الشيء. تقول: قصَدْتُه وقصدْتُ له وقصدْتُ إِليه بمعنى.
وقد قَصُدْتَ قَصادَةً؛ وقال:
قَطَعْتُ وصاحِبي سُرُحٌ كِنازٌ
كَرُكْنِ الرَّعْنِ ذِعْلِبَةٌ قصِيدٌ
وقَصَدْتُ قَصْدَه: نحوت نحوه.
والقَصْد في الشيء: خلافُ الإِفراطِ وهو ما بين الإِسراف والتقتير.
والقصد في المعيشة: أَن لا يُسْرِفَ ولا يُقَتِّر. يقال: فلان مقتصد في
النفقة وقد اقتصد. واقتصد فلان في أَمره أَي استقام. وقوله: ومنهم مُقْتَصِدٌ؛
بين الظالم والسابق. وفي الحديث: ما عالَ مقتصد ولا يَعِيلُ أَي ما
افتقر من لا يُسْرِفُ في الانفاقِ ولا يُقَتِّرُ. وقوله تعالى: واقْصِدْ في
مشيك واقصد بذَرْعِك؛ أَي ارْبَعْ على نفسِك. وقصد فلان في مشيه إِذا مشى
مستوياً، ورجل قَصْد ومُقْتَصِد والمعروف مُقَصَّدٌ: ليس بالجسيم ولا
الضئِيل.
وفي الحديث عن الجُرَيْرِيِّ قال: كنت أَطوف بالبيت مع أَبي الطفيل،
فقال: ما بقي أَحد رأَى رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، غيري، قال: قلت له:
ورأَيته؟ قال: نعم، قلت: فكيف كان صفته؟ قال: كان أَبيضَ مَلِيحاً
مُقَصَّداً؛ قال: أَراد بالمقصد أَنه كان رَبْعة بين الرجلين وكلُّ بَيْن
مستوٍ غيرِ مُشْرفٍ ولا ناقِص فهو قَصْد، وأَبو الطفيل هو واثلة بن الأَسقع.
قال ابن شميل: المُقَصَّدُ من الرجال يكون بمعنى القصد وهو الربعة. وقال
الليث: المقصَّد من الرجال الذي ليس بجسيم ولا قصير وقد يستعمل هذا النعت
في غير الرجال أَيضاً؛ قال ابن الأَثير في تفسير المقصد في الحديث: هو
الذي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم كأَنَّ خَلْقه يجيءُ به القَصْدُ من
الأُمور والمعتدِلُ الذي لا يميل إِلى أَحد طرفي التفريط والإِفراط.
والقَصْدَةُ من النساء: العظيمة الهامةِ التي لا يراها أَحد إِلاَّ
أَعجبته. والمَقْصَدَةُ: التي إِلى القِصَر.
والقاصد: القريب؛ يقال: بيننا وبين الماء ليلة قاصدة أَي هينة السير لا
تَعَب ولا بُطء.
والقَصِيدُ من الشِّعْر: ما تمَّ شطر أَبياته، وفي التهذيب: شطر ابنيته،
سمي بذلك لكماله وصحة وزنه. وقال ابن جني: سمي قصيداً لأَنه قُصِدَ
واعتُمِدَ وإِن كان ما قَصُر منه واضطرب بناؤُه نحو الرمَل والرجَز شعراً
مراداً مقصوداً، وذلك أَن ما تمَّ من الشِّعْر وتوفر آثرُ عندهم وأَشَدُّ
تقدماً في أَنفسهم مما قَصُر واختلَّ، فسَمُّوا ما طال ووَفَرَ قَصِيداً
أَي مُراداً مقصوداً، وإِن كان الرمل والرجز أَيضاً مرادين مقصودين، والجمع
قصائد، وربما قالوا: قَصِيدَة. الجوهري: القَصِيدُ جمع القَصِيدة
كسَفِين جمع سفينة، وقيل: الجمع قصائدُ وقصِيدٌ؛ قال ابن جني: فإِذا رأَيت
القصيدة الواحدة قد وقع عليها القصيد بلا هاء فإِنما ذلك لأَنه وُضِعَ على
الواحد اسمُ جنس اتساعاً، كقولك: خرجت فإِذا السبع، وقتلت اليوم الذئب،
وأَكلت الخبز وشربت الماء؛ وقيل: سمي قصيداً لأَن قائله احتفل له فنقحه
باللفظ الجيِّد والمعنى المختار، وأَصله من القصيد وهو المخ السمين الذي
يَتَقَصَّد أَي يتكسر لِسِمَنِه، وضده الرِّيرُ والرَّارُ وهو المخ السائل
الذائب الذي يَمِيعُ كالماء ولا يتقصَّد، إِذا نُقِّحَ وجُوِّدَ وهُذِّبَ؛
وقيل: سمي الشِّعْرُ التامُّ قصيداً لأَن قائله جعله من باله فَقَصَدَ له
قَصْداً ولم يَحْتَسِه حَسْياً على ما خطر بباله وجرى على لسانه، بل
رَوَّى فيه خاطره واجتهد في تجويده ولم يقتَضِبْه اقتضاباً فهو فعيل من
القصد وهو الأَمُّ؛ ومنه قول النابغة:
وقائِلةٍ: مَنْ أَمَّها واهْتَدَى لها؟
زيادُ بنُ عَمْرٍو أَمَّها واهْتَدَى لها
أَراد قصيدته التي يقول فيها:
يا دارَ مَيَّةَ بالعَلْياءِ فالسَّنَدِ
ابن بُزُرج: أَقصَدَ الشاعرُ وأَرْملَ وأَهْزَجَ وأَرْجَزَ من القصيد
والرمَل والهَزَج والرَّجَزِ. وقَصَّدَ الشاعرُ وأَقْصَدَ: أَطال وواصل عمل
القصائد؛ قال:
قد وَرَدَتْ مِثلَ اليماني الهَزْهاز،
تَدْفَعُ عن أَعْناقِها بالأَعْجاز،
أَعْيَتْ على مُقْصِدِنا والرَّجَّاز
فَمُفْعِلٌ إِنما يراد به ههنَا مُفَعِّل لتكثير الفعل، يدل على أَنه
ليس بمنزلة مُحْسِن ومُجْمِل ونحوه مما لا يدل على تكثير لأَنه لا تكرير
عين فيه أَنه قرنه بالرَّجَّاز وهو فعَّال، وفعَّال موضوع للكثرة. وقال
أَبو الحسن الأَخفش: ومما لا يكاد يوجد في الشعر البيتان المُوطَآن ليس
بينهما بيت والبيتان المُوطَآن، وليست القصيدة إِلا ثلاثة أَبيات فجعل
القصيدة ما كان على ثلاثة أَبيات؛ قال ابن جني: وفي هذا القول من الأَخفش جواز،
وذلك لتسميته ما كان على ثلاثة أَبيات قصيدة، قال: والذي في العادة أَن
يسمى ما كان على ثلاثة أَبيات أَو عشرة أَو خمسة عشر قطعة، فأَما ما زاد
على ذلك فإِنما تسميه العرب قصيدة. وقال الأَخفش: القصيد من الشعر هو
الطويل والبسيط التامّ والكامل التامّ والمديد التامّ والوافر التامّ والرجز
التامّ والخفيف التامّ، وهو كل ما تغنى به الركبان، قال: ولم نسمعهم
يتغنون بالخفيف؛ ومعنى قوله المديد التامُّ والوافر التامّ يريد أَتم ما جاء
منها في الاستعمال، أَعني الضربين الأَوّلين منها، فأَما أَن يجيئا على
أَصل وضعهما في دائرتيهما فذلك مرفوض مُطَّرَحٌ. قال ابن جني: أَصل «ق ص
د» ومواقعها في كلام العرب الاعتزام والتوجه والنهودُ والنهوضُ نحو
الشيء، على اعتدال كان ذلك أَو جَوْر، هذا أَصله في الحقيقة وإن كان قد يخص في
بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل، أَلا ترى أَنك تَقْصِد الجَوْرَ
تارة كما تقصد العدل أُخرى؟ فالاعتزام والتوجه شامل لهما جميعاً.
والقَصْدُ: الكسر في أَيّ وجه كان، تقول: قصَدْتُ العُود قَصْداً كسَرْتُه،
وقيل: هو الكسر بالنصف قَصَدْتُهُ أَقْصِدُه وقَصَدْتُه فانْقَصَدَ
وتَقَصَّدَ؛ أَنشد ثعلب:
إِذا بَرَكَتْ خَوَّتْ على ثَفِناتِها
على قَصَبٍ، مِثلِ اليَراعِ المُقَصَّدِ
شبه صوت الناقة بالمزامير؛ والقِصْدَةُ: الكِسْرة منه، والجمع قِصَد.
يقال: القنا قِصَدٌ، ورُمْحٌ قَصِدٌ وقَصِيدٌ مكسور. وتَقَصَّدَتِ الرماحُ:
تكسرت. ورُمْحٌ أَقصادٌ وقد انْقَصَدَ الرمحُ: انكسر بنصفين حتى يبين،
وكل قطعة قِصْدة، ورمح قَصِدٌ بَيِّنُ القَصَد، وإِذا اشتقوا له فِعْلاً
قالوا انْقَصَدَ، وقلما يقولون قَصِدَ إِلا أَنَّ كل نعت على فَعِلٍ لا
يمتنع صدوره من انْفَعَلَ؛ وأَنشد أَبو عبيد لقيس بن الخطيم:
تَرَى قِصَدَ المُرَّانِ تُلْقَى كأَنها
تَذَرُّعُ خُرْصانٍ بأَيدي الشَّواطِبِ
وقال آخر:
أَقْرُو إِليهم أَنابِيبَ القَنا قِصَدا
يريد أَمشي إِليهم على كِسَرِ الرِّماحِ. وفي الحديث: كانت المُداعَسَةُ
بالرماح حتى تَقَصَّدَتْ أَي تَكسَّرَت وصارت قِصَداً أَي قطعاً.
والقِصْدَةُ، بالكسر: القِطْعة من الشيء إِذا انكسر؛ ورمْحٌ أَقْصادٌ. قال
الأَخفش: هذا أَحد ما جاء على بناء الجمع. وقَصَدَ له قِصْدَةً من عَظْم وهي
الثلث أَو الربُع من الفَخِذِ أَو الذراعِ أَو الساقِ أَو الكَتِفِ.
وقَصَدَ المُخَّةَ قَصْداً وقَصَّدَها: كَسَرَها وفَصَّلَها وقد انقَصَدَتْ
وتَقَصَّدَتْ.
والقَصِيدُ: المُخُّ الغليظُ السمِينُ، واحدته قَصِيدَةٌ. وعَظْمٌ
قَصِيدٌ: مُمخٌّ؛ أَنشد ثعلب:
وهمْ تَرَكُوكمْ لا يُطَعَّمُ عَظْمُكُمْ
هُزالاً، وكان العَظْمُ قبْلُ قَصِيدَا
أَي مُمِخًّا، وإِن شئت قلت: أَراد ذا قَصِيدٍ أَي مُخٍّ. والقَصِيدَةُ:
المُخَّةُ إِذا خرجت من العظم، وإِذا انفصلت من موضعها أَو خرجت قيل:
انقَصَدَتْ. أَبو عبيدة: مُخٌّ قَصِيدٌ وقَصُودٌ وهو دون السمين وفوق
المهزول. الليث: القَصِيدُ اليابس من اللحم؛ وأَنشد قول أَبي زبيد:
وإِذا القَوْمُ كان زادُهُمُ اللحـ
ـمَ قَصِيداً منه وغَيرَ قَصِيدِ
وقيل: القَصِيدُ السمين ههنا. وسنام البعير إِذا سَمِنَ: قَصِيدٌ؛ قال
المثقب:
سَيُبْلِغُني أَجْلادُها وقَصِيدُهَا
ابن شميل: القَصُودُ من الإِبل الجامِسُ المُخِّ، واسم المُخِّ الجامِس
قَصِيدٌ. وناقة قَصِيدٌ وقصِيدَةٌ: سمينة ممتلئة جسيمة بها نِقْيٌ أَي
مُخٌّ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وخَفَّتْ بَقايا النِّقْيِ إِلا قَصِيبَةً،
قَصِيدَ السُّلامى أَو لَمُوساً سَنامُها
والقَصيدُ أَيضاً والقَصْدُ: اللحمُ اليابس؛ قال الأَخطل:
وسيرُوا إِلى الأَرضِ التي قَدْ عَلِمْتُمُ،
يَكُنْ زادُكُمْ فيها قَصِيدُ الإِباعِرِ
والقَصَدَةُ: العُنُقُ، والجمع أَقْصادٌ؛ عن كراع: وهذا نادر؛ قال ابن
سيده: أَعني أَن يكون أَفعالٌ جمع فَعَلَةٍ إِلا على طرح الزائد والمعروف
القَصَرَةُ والقِصَدُ والقَصَدُ والقَصْدُ؛ الأَخيرة عن أَبي حنيفة: كل
ذلك مَشْرَةُ العِضاهِ وهي بَراعيمُها وما لانَ قبْلَ أَن يَعْسُوَ، وقد
أَقصَدتِ العِضاهُ وقصَّدَتْ. قال أَبو حنيفة: القَصْدُ ينبت في الخريف
إِذا بَرَدَ الليل من غير مَطَرٍ. والقَصِيدُ: المَشْرَةُ؛ عن أَبي حنيفة؛
وأَنشد:
ولا تَشْعفاها بالجِبالِ وتَحْمِيا
عليها ظَلِيلاتٍ يَرِفُّ قَصِيدُها
الليث: القَصَدُ مَشْرَةُ العِضاهِ أَيامَ الخَريفِ تخرج بعد القيظ
الورق في العضاه أَغْصان رَطْبة غَضَّةٌ رِخاصٌ، فسمى كل واحدة منها قَصَدة.
وقال ابن الأَعرابي: القَصَدَةُ من كل شجرة ذات شوك أَن يظهر نباتها
أَوَّلَ ما ينبت.
الأَصمعي: والإِقْصادُ القَتْل على كل حال؛ وقال الليث: هو القتل على
المكان، يقال: عَضَّتْه حيَّةٌ فأَقْصَدَتْه. والإِقْصادُ: أَن تَضْرِبَ
الشيءَ أَو تَرْمِيَه فيموتَ مكانه. وأَقصَد السهمُ أَي أَصاب فَقَتَلَ
مكانَه. وأَقْصَدَتْه حية: قتلته؛ قال الأَخطل:
فإِن كنْتِ قد أَقْصَدْتِني إِذْ رَمَيتِنِي
بِسَهْمَيْكِ، فالرَّامي يَصِيدُ ولا يَدري
أَي ولا يخْتُِلُ. وفي حديث عليّ: وأَقْصَدَت بأَسْهُمِها؛ أَقْصَدْتُ
الرجلَ إِذا طَعَنْتَه أَو رَمَيتَه بسهم فلم تُخْطئْ مَقاتلَه فهو
مُقْصَد؛ وفي شعر حميد ابن ثور:
أَصْبَحَ قَلْبي مِنْ سُلَيْمَى مُقْصَدا،
إِنْ خَطَأً منها وإِنْ تَعَمُّدا
والمُقْصَدُ: الذي يَمْرَضُ ثم يموت سريعاً. وتَقَصَّدَ الكلبُ وغيره
أَي مات؛ قال لبيد:
فَتَقَصَّدَتْ منها كَسابِ وضُرِّجَتْ
بِدَمٍ، وغُودِرَ في المَكَرِّ سُحامُها
وقَصَدَه قَصْداً: قَسَرَه. والقصيدُ: العصا؛ قال حميد:
فَظَلَّ نِساء الحَيِّ يَحْشُونَ كُرْسُفاً
رُؤُوسَ عِظامٍ أَوْضَحَتْها القصائدُ
سمي بذلك لأَنه بها يُقْصَدُ الإِنسانُ وهي تَهدِيهِ وتَو مُّه، كقول
الأَعشى:
إِذا كانَ هادِي الفَتى في البِلا
دِ صَدْرَ القناةِ، أَطاعَ الأَمِيرا
والقَصَدُ: العَوْسَجُ، يَمانِيةٌ.
سأل: سَأَلَ يَسْأَلُ سُؤَالاً وسَآلَةً ومَسْأَلةً وتَسْآلاً وسَأَلَةً
(* قوله «وسأله» ضبط في الأصل بالتحريك وهو كذلك في القاموس وشرحه؛
وقوله قال أبو ذؤيب: أساءلت، كذا في الأصل، وفي شرح القاموس: وساءله مساءلة،
قال أبو ذؤيب إلخ) قال أَبو ذؤيب:
أَساءَلْتَ رَسْمَ الدَّار، أَم لم تُسائِل
عن السَّكْنِ، أَم عن عَهْده بالأَوائِل؟
وسَأَلْتُ أَسْأَل وسَلْتُ أَسَلُ، والرَّجُلانِ يَتَساءَلانِ
ويَتَسايَلانِ، وجمع المَسْأَلة مَسائِلُ بالهمز، فإِذا حذفوا الهمزة قالوا
مَسَلَةٌ. وتَساءلوا: سَأَل بعضُهم بعضاً. وفي التنزيل العزيز: واتَّقُوا الله
الذي تَسَّاءََلون به والأَرحام، وقرئ: تَساءَلُون به، فمن قرأَ
تَسَّاءَلون فالأَصل تَتَساءَلون قلبت التاء سيناً لقرب هذه من هذه ثم أُذغمت
فيها، قال: ومن قرأَ تَسَاءَلون فأَصله أَيضاً تَتَساءَلون حذفت التاء
الثانية كراهية للإِعادة، ومعناه تَطْلُبون حقوقَكم به. وقوله تعالى: كان على
ربك وَعْداً مَسْؤولاً؛ أَراد قولَ الملائكة: رَبَّنا وأَدْخِلْهُم
جَنَّات عَدْنٍ التي وعَدْتَهم (الآية)؛ وقال ثعلب: معناه وَعْداً مسؤولاً
إِنْجازُه، يقولون ربنا قد وعَدْتَنا فأَنْجِزْ لنا وعدَك. وقوله عز وجل:
وقَدَّر فيها أَقواتَها في أَربعة أَيام سَواءً للسائلين؛ قال الزجاج:
إِنما قال سَواءً للسائلين لأَن كُلاًّ يطلب القُوتَ ويَسْأَله، وقد يجوز
أَن يكون للسائلين لمن سَأَل في كم خُلِقَت السمواتُ والأَرضُ، فقيل خلقت
الأَرض في أَربعة أَيام سواءً لا زيادة ولا نقصان، جواباً لمن سَأَل.
وقوله عز وجل: وسوف تُسأَلون؛ معناه سوف تُسأَلون عن شكر ما خلقه الله لكم من
الشرف والذكر، وهما يَتَساءلان. قال: فأَما ما حكاه أَبو علي عن أَبي
زيد من قولهم اللهم أَعْطنا سَأَلاتِنا، فإِنما ذلك على وَضْع المصدر موضَع
الاسم، ولذلك جُمِع، وقد يخفف على البدل فيقولون سَال يَسال، وهما
يَتَساوَلانِ، وقرأَ نافع وابن عمر سال، غير مَهموز، سائلٌ، وقيل: معناه بغير
همز: سال والدٍ بعذاب واقع، وقرأَ ابن كثير وأَبو عمرو والكوفيون: سَأَل
سائلٌ، مهموز على معنى دَعا داعٍ. الجوهري: سَأَلَ سائِلٌ بعذاب واقع؛
أَي عن عذاب واقع. قال الأَخفش: يقال خَرَجْنا نَسْأَل عن فلان وبفلان، وقد
يخفف فيقال سالَ يَسال؛ قال الشاعر:
ومُرْهَقٍ، سالَ إِمْتاعاً بأُصْدتِه،
لم يَسْتَعِنْ وحَوامي الموتِ تَغْشاهُ
والأَمر منه سَلْ بحركة الحرف الثاني من المستقبل، ومن الأَول اسْأَل؛
قال ابن سيده: والعرب قاطبة تحذف الهمز منه في الأَمر، فإِذا وصلوا بالفاء
أَو الواو هَمَزوا كقولك فاسْأَلْ واسْأَلْ؛ قال: وحكى الفارسي أَن أَبا
عثمان سَمع من يقول إِسَلْ، يريد اسْأَلْ، فيحذف الهمزة ويُلقى حركتها
على ما قبلها، ثم يأْتي بأَلف الوصل لأَن هذه السين وإِن كانت متحرّكة فهي
في نية السكون، وهذا كقول بعض العرب الاحْمَر فيخفف الهمزة بأَن يحذفها
ويلقي حركتها على اللام قبلها؛ فأَما قول بلال بن جرير:
إِذا ضِفْتَهُم أَو سايَلْتَهُمْ،
وجَدْتَ بهم عِلَّةً حاضِرَه
فإِن أَحمد بن يحيى لم يَعْرِفْه، فلما فَهِم قال: هذا جَمْعٌ بين
اللغتين، فالهمزة في هذا هي الأَصل، وهي التي في قولك سأَلْت زيداً، والياء هي
العوض والفرع، وهي التي في قولك سايَلْت زيداً، فقد تراه كيف جمع بينهما
في قوله سايَلْتَهم قال: فوزنه على هذا فَعايَلْتَهم، قال: وهذا مثال لا
يُعْرَف له في اللغة نظير. وقوله عز وجل: وَقِفُوهم إِنهم مسؤولون؛ قال
الزجاج: سُؤَالُهم سُؤَالُ توبيخ وتقرير لإِيجاب الحجة عليهم لأَن الله
جل ثناؤه عالم بأَعمالهم. وقوله: فيومئذ لا يُسْأَل عن ذنبه إِنس ولا
جانٌّ؛ أَي لا يُسْأَل ليُعْلم ذلك منه لأَن الله قد علم أَعمالهم. والسُّول:
ما سأَلَتْه. وفي التنزيل العزيز: قال قد أُوتِيتَ سُؤْلَك يا موسى؛ أَي
أُعْطِيت أُمْنِيَّتك التي سَأَلْتها، قرئ بالهمز وغير الهمز.
وأَسْأَلْته سُولَتَه ومَسْأَلته أَي قَضَيت حاجته؛ والسُّولة: كالسُّول؛ عن ابن
جني، وأَصل السُّول الهمز عند العرب، اسْتَثْقَلوا ضَغْطَة الهمزة فيه
فتكلموا به على تخفيف الهمزة، وسنذكره في سول، وسَأَلْته الشيءَ وسَأَلْته
عن الشيء سُؤالاً ومَسْأَلة؛ قال ابن بري: سَأَلته الشيءَ بمعنى
اسْتَعْطَيته إِياه، قال الله تعالى: ولا يَسْأَلْكم أَمْوالكم. وسأَلْته عن
الشيء: استخبرته، قال: ومن لم يهمز جعله مثل خاف، يقول: سِلْته أَسْالُه فهو
مَسُولٌ مثلِ خِفْتُه أَخافه فهو مَخُوف، قال: وأَصله الواو بدليل قولهم
في هذ اللغة هما يَتَساولان. وفي الحديث: أَعْظَمُ المسلمين في المسلمين
جُرْماً من سَأَلَ عن أَمر لم يُحَرَّم فحُرِّم على الناس من أَجل
مَسْأَلته؛ قال ابن الأَثير: السؤال في كتاب الله والحديث نوعان: أَحدهما ما
كان على وجه التبيين والتعلم مما تَمَسُّ الحاجة إِليه فهو مباح أَو مندوب
أَو مأْمور به، والآخر ما كان على طريق التكلف والتعنُّت فهو مكروه
ومَنْهِيٌّ عنه، فكل ما كان من هذا الوجه ووقع السكوت عن جوابه فإِنما هو
رَدْعٌ وزَجْرٌ للسائل، وإِن وقع الجواب عنه فهو عقوبة وتغليظ. وفي الحديث:
كَرِه المسائلَ وعابَها؛ أَراد المسائل الدقيقة التي لا يُحتاج إِليها.
وفي حديث المُلاعَنة: لما سأَله عاصم عن أَمر من يجد مع أَهله رَجُلاً
فأَظْهَر النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، الكراهة في ذلك إِيثاراً لستر العورة
وكراهة لهَتْك الحُرْمة. وفي الحديث: أَنه نهى عن كثرة السُّؤال؛ قيل: هو
من هذا، وقيل: هو سُؤال الناس أَموالهم من غير حاجة.
ورجُلٌ سُؤَلةٌ: كثير السُّؤال. والفقير يسمى سائلاً، وجَمْعُ السائل
(*
قوله «وجمع السائل إلخ» عبارة شرح القاموس: وجمع السائل سألة ككاتب
وكتبة وسؤال كرمّان) الفقير سُؤّال. وفي الحديث: للسائِل حَقٌّ وإِن جاء على
فَرَس؛ السائل: الطالب، معناه الأَمر بحُسْن الظن بالسائل إِذا تَعَرَّض
لك، وأَن لا تجيبه
(* قوله «وأن لا تجيبه» هكذا في الأصل، وفي النهاية:
وأن لا تجيبه) بالتكذيب والردِّ مع إِمكان الصدق أَي لا تُخَيِّب السائلَ
وإِن رابَك مَنْظَرُه وجاء راكباً على فرس، فإِنه قد يكون له فرس ووراءه
عائلة أَو دَيْن يجوز معه أَخذ الصَّدَقة، أَو يكون من الغُزاة أَو من
الغارمين وله في الصدقة سَهْم.
زجر: الزَّجْرُ: المَنْعُ والنهيُ والانْتِهارُ. زَجَرَهُ يَزْجُرُه
زَجْراً وازْدَجَرَهُ فانْزَجَرَ وازْدَجَرَ. قال الله تعالى: وازْدُجِرَ
فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوب فانْتَصِرْ. قال: يوضع الازْدِجارُ
مَوْضِعَ الانْزِجارِ فيكون لازماً، وازدجر كان في الأَصل ازتجر، فقلبت التاء
دالاً لقرب مخرجيهما واختيرت الدال لأَنها أَليق بالزاي من التاء. وفي حديث
العَزْلِ: كأَنه زَجَرَ؛ أَي نَهَى عنه، وحيث وقع الزَّجْرُ في الحديث
فإِنما يراد به النهي. وزَجَرَ السَّبُعَ والكلبَ وزَجَرَ به: نَهْنَهَهُ.
قال سيبويه: وقالوا هو مِنِّي مَزْجَرَ الكلب أَي بتلك المنزلة فحذف
وأَوصل، وهو من الظروف المختصة التي أُجريت مجرى غير المختصة. قال: ومن
العرب من يرفع بجعل الآخر هو الأَوّل، وقوله:
مَنْ كانَ لا يَزْعُمُ أَنِّي شاعِرُ،
فَلْيَدْنُ منِّي تَنهَهُ المَزاجِرُ
عنى الأَسباب التي من شأْنها أَن تَزْجُرَ، كقولك نَهَتْهُ النَّواهِي،
ويروى:
من كان لا يزعم أَني شاعر،
فيدن مني تنهه المزاجر
أَراد فَلْيَدْنُ فحذف اللام، وذلك أَن الخبن في مثل هذا أَخف على
أَلسنتهم والإِتمام عربيّ. وزَجَرْتُ البعير حتى ثَارَ ومَضَى أَزْجُرُهُ
زَجْراً، وزَجَرْتُ فلاناً عن السُّوءِ فانْزَجَرَ، وهو كالرَّدْع للإِنسان،
وأَما للبعير فهو كالحث بلفظ يكون زَجْراً له. قال الزجاج: الزَّجْرُ
النَّهْرُ، والزَّجْرُ للطير وغيرها التَّيَمُّنُ بِسُنُوحِها والتَّشَاؤُمُ
بِبُروحِها، وإِنما سمي الكاهنُ زَاجِراً لأَنه إِذا رَأَى ما يظن أَنه
يتشاءم به زَجَرَ بالنهي عن المُضِيِّ في تلك الحاجة برفع صوت وشدّة،
وكذلك الزَّجْرُ للدواب والإِبل والسباع. الليث: الزَّجْرُ أَن تَزْجُرَ
طائراً أَو ظَبْياً سانِحاً أَو بارِحاً فَتَطَيَّرَ منه، وقد نُهِيَ عن
الطِّيَرَةِ. والزَّجْرُ: العِيافَةُ، وهو ضرب من التَّكَهُّن؛ تقول:
زَجَرْتُ أَنه يكون كذا وكذا. وفي الحديث: كان شُرَيْحٌ زَاجِراً شاعِراً؛
الزَّجْرُ للطير هو التَّيَّمُّنُ والتَّشَاؤُمَ بها والتَّفَؤُّلُ بطيرانها
كالسَّانِحِ والبارِحِ، وهو نوع من الكَهَانَة والعِيَافَةِ. وزَجَرَ
البعير أَي ساقه. وفي حديث ابن مسعود: من قرأَ القرآن في أَقَلَّ من ثلاثٍ،
فهو زَاجِرٌ؛ من زَجَرَ الإِبلَ يَزْجُرُها إِذا حَثَّها وحَمَلها على
السُّرْعَةِ، والمحفوظ رَاجِزٌ، وسنذكره في موضعه؛ ومنه الحديث: فسمع وراءه
زَجْراً؛ أَي صِياحاً على الإِبل وحَثّاً. قال الأَزهري: وزَجْرُ البعير
أَن يقال له: حَوْبٌ، وللناقة: حَلْ. وأَما البغلُ فَزَجْرُه: عَدَسْ،
مَجْزُومٌ؛ ويُزْجَرُ السبع فيقال له: هَجْ هَجْ وجَهْ جَهْ وجَاه جَاه.
ابن سيده: وزَجَرَ الطائِرَ يَزْجُرُه زَجْراً وازْدَجَرَهُ تفاءل به
وتَطَيَّر فنهاه ونَهَرَهُ؛ قال الفرزدق:
وليس ابنُ حَمْراءِ العِجَانِ بِمُفْلِتِي،
ولم يَزْدَجِرْ طَيْرَ النُّحوسِ الأْشَائم
والزَّجُورُ من الإِبل: التي تَدِرُّ على الفصيل إِذا ضُرِبَتْ، فإِذا
تُرِكَتْ مَنَعَتْهُ، وقيل: هي التي لا تَدِرُّ حتى تُزْجَرَ وتُنْهَرَ.
ابن الأَعرابي: يقال للناقة العَلُوقِ زَجُورٌ؛ قال الأَخطل:
والحَرْبُ لاقِحَةٌ لهُنَّ زَجُورُ
وهي التي تَرْأَمُ بأَنفها وتَمْنَعُ دَرَّها. الجوهري: الزَّجُورُ من
الإِبل التي تَعْرِفُ بعَيْنِها وتُنْكِرُ بأَنفها. وبعير أَزْجَرُ: في
فَقَارِه انْخِزَالٌ من داءٍ أَو دَبَرٍ. وزَجَرَتِ الناقةُ بما في بطنها
زَجْراً رمت به ودفعته.
والزَّجْرُ: ضَرْبٌ من السَّمَكِ عِظامٌ صِغارُ الحَرْشَفِ، والجمع
زُجُورٌ، يتكلم به أَهل العراق؛ قال ابن دُرَيْدٍ: ولا أَحسبه عربيّاً، والله
أَعلم.
فلت: أَفْلَتَني الشيءُ، وتَفَلَّت مني، وانْفَلَت، وأَفْلَتَ فلانٌ
فلاناً: خَلَّصه. وأَفْلَتَ الشيءُ وتَفَلَّتَ وانْفَلَتَ، بمعنى؛
وأَفْلَتَه غيرُه.
وفي الحديث: تَدارَسُوا القرآنَ، فَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتاً مِن الإِبل
من عُقُلِها. التَّفَلُّتُ، والإِفْلاتُ، والانْفِلاتُ: التَّخَلُّص من
الشيء فَجْأَةً، من غير تَمَكُّثٍ؛ ومنه الحديث: أَن عِفْريتاً من الجن
تَفَلَّتَ عليّ البارحةَ أَي تَعَرَّضَ لي في صَلاتي فَجْأَة. وفي الحديث:
أَن رجلاً شرب خمراً فسَكِرَ، فانْطُلِقَ به إِلى النبي، صلى الله عليه
وسلم، فلما حاذى دار العباس، انْفَلَتَ فدخل عليه، فذَكَر ذلك له، فضحِكَ
وقال: أَفَعَلَها؟ ولم يأْمر فيه بشيء. ومنه الحديث: فأَنا آخُذُ
بحُجَزكم، وأَنتم تَفَلَّتُونَ من يدي أَي تَتَفَلَّتُونَ، فحذف إِحدى التاءَين
تخفيفاً.
ويقال: أَفْلَتَ فلانٌ بِجُرَيْعة الذَّقَن. يُضْرَبُ مثلاً للرجل
يُشْرِفُ على هَلَكة، ثم يُفْلِتُ، كأَنه جَرَع الموتَ جَرْعاً، ثم أَفْلَتَ
منه. والإِفْلاتُ: يكون بمعنى الانْفِلاتِ، لازماً، وقد يكون واقعاً.
يقال: أَفْلَتُّه من الهَلَكة أَي خَلَّصْتُه؛ وأَنشد ابن السكيت:
وأَفْلَتَني منها حِماري وجُبَّتي،
جَزى اللهُ خيراً جُبَّتي وحِماريا
أَبو زيد، من أَمثالهم في إِفْلاتِ الجَبانِ: أَفْلَتَني جُرَيْعةَ
الذَّقَنِ؛ إِذا كان قريباً كقُرْبِ الجُرْعةِ من الذَّقَن، ثم أَفْلَتَه.
قال أَبو منصور: معنى أَفْلَتَني أَي انْفَلَت مني.
ابن شميل: يقال ليس لك من هذا الأَمر فَلْتٌ أَي لا تَنْفَلِتُ منه.
وقد أَفْلَتَ فلانٌ من فلان، وانْفَلَتَ، ومرَّ بنا بعيرٌ مُنْفَلِتٌ،
ولا يقال: مُفْلِتٌ. وفي الحديث عن أَبي موسى: قال رسول الله، صلى الله
عليه وسلم: إِن الله يُمْلي للظالم حتى إِذا أَخَذَه لم يُفْلِتْه، ثم
قرأَ: وكذلك أَخْذُ رَبّك إِذا أَخَذَ القُرى وهي ظالمة. قوله: لم يُفْلِتْه
أَي لم يَنْفَلتْ منه، ويكون معنى لم يُفْلِتْه، لم يُفْلتْه أَحدٌ أَي
لم يُخَلِّصْه شيءٌ. وتَفَلَّتَ إِلى الشيءِ وأَفْلَتَ: نازع.
والفَلَتانُ: المُتَفَلِّتُ إِلى الشرِّ؛ وقيل: الكثير اللحم.
والفَلَتانُ: السريعُ، والجمع فِلْتانٌ؛ عن كراع. وفرس فَلَتانٌ أَي نَشيطٌ، حديد
الفؤَاد مثلُ الصَّلَتانِ. التهذيب: الفَلَتانُ والصَّلَتان، من
التَّفَلُّتِ والانْفِلاتِ، يقال ذلك للرجل الشديد الصُّلْبِ. ورجل فَلَتانٌ:
نَشِيطٌ، حديد الفؤَاد. ورجل فَلَتانٌ أَي جريءٌ وامرأَة فَلَتانَةٌ.
وافْتَلَتَ الشيءَ: أَخَذَه في سُرْعة؛ قال قيس ابن ذُرَيْح:
إِذا افْتَلَتَتْ منك النَّوى ذا مَوَدَّةٍ
حَبيباً، بتَصْداعٍ من البَيْنِ ذي شَعْبِ،
أَذاقَتْكَ مُرَّ العَيْشِ، أَو مُتَّ حَسْرَةً،
كما ماتَ مَسْقِيُّ الضَّياحِ على الأَلْب
وكان ذلك فَلْتةً أَي فَجْأَة. يقال: كان ذلك الأَمرُ فَلْتةً أَي
فَجأَة إِذا لم يكن عن تَدَبُّر ولا تَرَدُّدٍ. والفَلْتة: الأَمر يقع من غير
إِحكام. وفي حديث عمر: أَنَّ بيعة أَبي بكر كانت فَلْتةً، وَقى اللهُ
شَرَّها. قال ابن سيده: قال أَبو عبيد: أَراد فجأَة،وكانت كذلك لأَنها لم
يُنْتَظَرْ بها العوامُّ، إِنما ابْتَدَرَها أَكابرُ أَصحاب سيدنا محمد
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من المهاجرين وعامّة الأَنصار، إِلا تلك
الطِّيرةَ التي كانت من بعضهم، ثم أَصْفَقَ الكلُّ له، بمعرفتهم أَن ليس
لأَبي بكر، رضي الله عنه، مُنازع ولا شريك في الفضل، ولم يكن يحتاج في أَمره
إِلى نظر، ولا مُشاورة؛ وقال الأَزهري: إِنما معنى فَلْتةً البَغْتَة؛
قال: وإِنما عُوجل بها، مُبادَرةً لانْتشارِ الأَمر، حتى لا يَطْمَعَ فيها
من ليس لها بموضع؛ وقال حُصَيبٌ الهُذَليُّ:
كانوا خَبيئةَ نَفْسي، فافْتُلِتُّهمُ،
وكلُّ زادٍ خَبيءٍ، قَصْرُه النَّفَدُ
قال: افْتُلِتُّهم، أُخِذوا مني فَلْتة. زادٌ خبيءٌ: يُضَنُّ به. وقال
ابن الأَثير في تفسير حديث عمر، رضي الله عنه، قال: أَراد بالفَلْتةِ
الفَجْأَة، ومثلُ هذه البَيْعةِ جَديرةٌ بأَن تكونَ مُهَيِّجةً للشرِّ
والفِتنة، فعَصَم اللهُ تعالى من ذلك ووَقى. قال: والفَلْتةُ كل شيءٍ فُعِلَ من
غير رَوِيَّةٍ، وإِنما بوُدِرَ بها خَوْفَ انتشار الأَمر؛ وقيل: أَراد
بالفَلْتة الخَلْسةَ أَي أَن الإِمامة يوم السَّقيفةِ، مالَت الأَنْفُسُ
إِلى تَوَلِّيها، ولذلك كَثُرَ فيها التشاجُر، فما قُلِّدَها أَبو بكر
إِلا انْتِزاعاً من الأَيْدي واختِلاساً؛ وقيل: الفَلْتَةُ هنا مشتقة من
الفَلْتة، آخر ليلةٍ من الأَشْهُر الحُرُم، فيَخْتَلِفون فيها أَمِنَ
الحِلِّ هي أَم من الحَرَم؟ فيُسارِعُ المَوْتُور إِلى دَرْكِ الثأْر، فيكثر
الفساد، وتُسْفَكُ الدماءُ؛ فشبَّه أَيام النبي، صلى الله عليه وسلم،
بالأَشهر الحرم، ويوم موته بالفَلْتة في وُقوع الشَّرّ، من ارتداد العرب،
وتوقف الأَنصار عن الطاعة، ومَنْع من منع الزكاة والجَرْي، على عادة العرب في
أَن لا يَسُودَ القبيلةَ إِلا رجلٌ منها. والفَلْتة: آخرُ ليلةٍ من
الشهر. وفي الصحاح: آخر ليلة من كل شهر؛ وقيل: الفَلْتة آخر يوم من الشهر
الذي بعده الشهرُ الحرام، كآخر يوم من جُمادى الآخرة؛ وذلك أَن يَرى فيه
الرجل ثأْرَه، فربما تَوانَى فيه، فإِذا كان الغَدُ، دَخَلَ الشهرُ الحرامُ،
ففاتَه. قال أَبو الهيثم: كان للعرب في الجاهلية ساعة يقال لها:
الفَلْتة، يُغِيرون فيها، وهي آخر ساعة من آخر يوم من أَيام جُمادى الآخرة،
يُغيرون تلك الساعة، وإِن كان هلالُ رَجَب قد طَلَع تلك الساعةَ، لأَن تلك
الساعة من آخر جُمادى الآخرة، ما لم تَغِبِ الشَّمسُ؛ وأَنشد:
والخيلُ ساهِمةُ الوُجُوهِ،
كأَنما يَقْمُصْنَ مِلْحا،
صادَفْنَ مُنْصُلَ أَلَّةٍ
في فَلْتَةٍ، فَحَوَيْنَ سَرْحا
وقيل: ليلةٌ فَلْتة، هي التي يَنْقُصُ بها الشهرُ ويَتم، فرما رأَى قومٌ
الهلالَ، ولم يُبْصِرْه آخرون، فيُغِير هؤُلاءِ على أُولئك، وهم
غارُّونَ، وذلك في الشهر؛ وسميت فَلْتةً، لأَنها كالشيءِ المُنْفَلِتِ بعد
وَثاق؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وغارة، بينَ اليَوْم والليلِ، فَلْتَة،
تَدارَكْتُها رَكْضاً بسِيدٍ عَمَرَّدِ
شبه فرسه بالذِّئب؛ وقال الكميت:
بفَلْتةٍ، بين إِظلامٍ وإِسْفار
والجمع فَلَتاتٌ، لا يُتَجاوَزُ بها جمع السلامة. وفي حديث صفةِ مَجْلِس
النبي، صلى الله عليه وسلم: ولا تُنْثى فلَتاتُه أَي زَلاَّتُه.
الفَلَتاتُ: الزَّلاَّتُ؛ والمعنى أَنه، صلى اللهُ عليه وسلم، لم يكن في مجلسه
فَلَتاتٌ أَي زَلاَّتٌ فَتُنْثى أَي تُذْكَرَ أَو تُحْفَظَ وتُحْكى، لأَن
مجلسه كان مَصُوناً عن السَّقَطاتِ واللَّغْو، وإِنما كان مَجْلِسَ
ذِكْرٍ حَسَنٍ، وحِكَمٍ بالغةٍ، وكلامٍ لا فُضُولَ فيه.
وافْتُلِتَتْ نَفْسُه: ماتَ فَلْتةً.
ابن الأَعرابي: يقال للموت الفَجْأَةِ الموتُ الأَبْيضُ، والجارفُ،
واللافِتُ، والفاتِلُ.
يقال: لَفَته الموتُ، وفَتَله، وافْتَلَتَه؛ وهو الموتُ الفَوات
والفُوات: وهو أَخْذةُ الأَسف، وهو الوَحيُّ؛ والموتُ الأَحْمر: القتلُ بالسيف.
والموتُ الأَسْود: هو الغَرَقُ والشَّرَقُ.
وافْتُلِتَ فلانٌ، على ما لم يُسَمَّ فاعلهُ، أَي مات فجْأَةً. وفي حديث
النبي، صلى الله عليه وسلم: أَن رجلاً أَتاه، فقال: يا رسول الله، إِن
أُمي افْتُلِتَتْ نَفْسُها فماتَتْ، ولم تُوصِ، أَفأَتَصَدَّقُ عنها؟
فقال: نعم؛ قال أَبو عبيد: افْتُلِتَتْ نفسُها، يعني ماتَتْ فجأَة، ولم
تَمْرَضْ فتُوصِيَ، ولكنها أُخِذَتْ نَفْسُها فَلْتةً. يقال: افْتَلَتَه إِذا
اسْتَلَبه. وافْتُلِتَ فلانٌ بكذا أَي فوجِئَ به قبل أَن يَسْتَعِدَّ
له. ويروى بنصب النفس ورفعها؛ فمعنى النصب افْتَلَتها اللهُ نَفْسها،
يتعدّى إِلى مفعولين، كما تقول اخْتَلَسه الشيءَ واسْتَلَبَه إِياه، ثم بُني
الفعل لِما لم يسمَّ فاعله، فتحوّل المفعول الأَول مضمراً، وبقي الثاني
منصوباً، وتكون التاءُ الأَخيرة ضمير الأُم أَي افْتُلِتَتْ هي نَفْسَها؛
وأَما الرفع فيكون متعدّياً إِلى مفعول واحد أَقامه مقام الفاعل،وتكون
التاءُ للنفس أَي أُخِذَتْ نفسُها فَلْتةً، وكلُّ أَمر فُعِلَ على غيرِ
تَلَبُّثٍ وتَمَكُّثٍ، فقد افْتُلِتَ، والاسم الفَلْتة.
وكِساءٌ فَلُوت: لا ينضم طرفاه على لابسه من صغره. وثوب فَلوت: لا ينضم
طرفاه في اليد؛ وقول مُتَمِّم في أَخيه مالك:
عليه الشَّمْلةُ الفَلُوتُ
يعني التي لا تَنْضَمُّ بين المَزادتين. وفي حديث ابن عمر: أَنه شهد فتح
مكة، ومعه جَمَل جَزورٌ وبُرْدة فَلُوتٌ. قال أَبو عبيد: أَراد أَنها
صغيرة، لا ينضم طرفاها، فهي تُفْلِتُ من يده إِذا اشتمل بها. ابن
الأَعرابي: الفَلُوتُ الثوبُ الذي لا يثبت على صاحبه، للِينه أَو خُشُونته. وفي
الحديث: وهو في بُرْدةٍ له فَلْتةٍ أَي ضيقة صغيرى لا ينضم طرفاها، فهي
تَفَلَّتُ من يده إِذا اشتمل بها، فسماها بالمَرَّة من الانْفلات؛ يقال:
بُرْد فَلْتة وفَلُوتٌ.
وافْتَلَتَ الكلامَ واقْتَرحه إِذا ارْتَجله، وافْتَلَتَ عليه: قضَى
الأَمْر دونَه.
والفَلَتان: طائر زعموا أَنه يصيد القِرَدة.
وأَفْلَتُ وفُلَيْتٌ: اسمان.
شرد: شَرَدَ البعيرُ والدابة يَشْرُدُ شَرْداً وشِراداً وشُروداً:
نَفَرَ، فهو شارِدٌ، والجمع شَرَدٌ. وشَرُودٌ في المذكر والمؤَنث، والجمع
شُرُودٌ؛ قال:
ولا أُطيق البَكَراتِ الشَّرَدا
قال ابن سيده: هكذا رواه ابن جني شَرَدا على مثال عَجَلٍ وكُتُبٍ
استَعْصَى وذَهَبَ على وجْهه؛ الجوهري: الجمع شَرَدٌ على مثال خادِمٍ وخَدَم
وغائِب وغَيَب، وجمع الشَّرُود شُرُدٌ مِثْلُ زَبُورٍ وَزُبُر؛ وأَنشد أَبو
عبيدة لعبد مناف بن ربيع الهذلي:
حتى إِذا أَسْلَكوهُمْ في قُتائِدَةٍ
شَلاًّ، كما تَطْرُد الجمَّالةُ الشُّرُدا
ويروى الشَّرَدا. والتَّشْريدُ: الطَّرْد. وفي الحديث: لَتَدْخُلُنَّ
الجنةَ أَجمعون أَكتعون إِلا من شَرَدَ على الله أَي خرج عن طاعته وفارق
الجماعة من شَرَدَ البعيرُ إِذا نفر وذهب في الأَرض. وفرس شَرُود: وهو
المُسْتَعْصي على صاحبه. وقافَيَةٌ شَرُودٌ: عائِرَةٌ سائِرَةٌ في البلاد
تَشْرُدُ كمن يشرد البعير؛ قال الشاعر:
شَرُودٌ، إِذا الرَّاؤُونَ حَلُّوا عِقالَها،
مُحَجَّلةٌ، فيها كلامٌ مُحَجَّلُ
وشَرَدَ الجمل شُروداً، فهو شارد، فإِذا كان مُشَرَّداً فهو شَريد
طَريد.وتقول: أَشْرَدْتُه وأَطْرَدْتُهُ إِذا جعلته شَريداً طَريداً لا
يُؤْوى. وشَرَدَ الرجلُ شُروداً: ذهب مَطْرُِوداً. وأَشْرَدَه وشَرَّدَه:
طَردَه. وشَرَّدَ به: سَمَّع بعيوبه؛ قال:
أُطَوِّفُ بالأَباطِحِ كُلَّ يَوْم،
مَخافةَ أَنْ يُشَرِّدَ بِي حَكِيمُ
معناه أَن يُسَمِّعَ بي. وأُطَوِّفُ: أَطُوفُ. وحَكِيمٌ: رجل من بني
سُلَيْم كانت قريش ولته الأَخذ على أَيدي السفهاء. ورجل شَريدٌ: طَرِيدٌ.
وقوله عز وجل: فَشَرِّدْ بهمْ مَنْ خَلْفَهم؛ أَي فَرِّق وبَدِّدْ جمعهم.
وقال الفراء: يقول إِن أَسرتهم يا محمد فَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهم
ممن تَخافُ نَقْضَهُ العهد لعلهم يذكرون فلا ينقضون العهد. وأَصل التشريد
التَّطْريدُ، وقيل: معناه سَمِّعْ بهم من خَلْفَهم، وقيل: فَزِّعْ بهم
مَنْ خلفهم. وقال أَبو بكر في قولهم: فلان طريد شريد: أَمَّا الطَّريدُ
فمعناه المَطْرود، والشريد فيه قولان: أَحدهما الهارب من قولهم شَرَدَ البعير
وغيرُه إِذا هرب؛ وقال الأَصمعي: الشريد المُفْرَدُ؛ وأَنشد اليمامي:
تَراهُ أَمامَ النَّاجِياتِ كأَنه
شرَيدُ نَعانٍ، شَذَّ عَنه صَواحِبُه
قال: وتَشَرَّدَ القَوْمُ ذَهبوا.
وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لَخوَّات بن جُبَيْر:
ما فَعَلَ شِرادُك؟ يُعَرِّضُ بقضيّته مع ذات النِّحْيَيْن في الجاهلية،
وأَراد بشِراده أَنه لما فزع تَشَرَّد في الأَرض خوفاً من التَّبَعة؛ قال
ابن الأَثير: كذا رواه الهرويّ والجوهريّ في الصحاح وذكر القصة؛ وقيل:
إِن هذا وهمٌ من الهروي والجوهري، ومن فَسَّرَه بذلك قال: والحديث له قصة
مَرْويَّةٌ عن خَوَّات أَنه قال: نزلت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
بِمَرِّ الظَّهْرانِ فخرجت من خِبائي فإِذا نسوة يتَحَدّثن فأَعجبنني،
فرجعت فأَخرجت حُلَّةً من عَيْبَتي فَلبسْتُها ثم جلست إِليهن، فمرّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فهِبتُه فقلت: يا رسول الله جمل لي شَرُود
وأَنا أَبْتَغِي له قَيْداً فمضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتَبِعْتُه
فأَلقى إِليَّ رداءه ثم دخل الأَراكَ فقضى حاجته وتوضأَ، ثم جاء فقال:
يا أَبا عبد الله ما فعل شَروُدُك؟ ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني إِلا قال:
السلام عليكم، يا أَبا عبد الله، ما فعل شِرادُ جَملك؟ قال: فتعجلت إِلى
المدينة واجتنبت المسجدَ ومُجالَسة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما
طال ذلك عليّ تَحَيّنْتُ ساعةَ خَلْوَةِ المسجد ثم أَتيت المسجد فجعلت
أُصلي، فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من بعض حُجَرِه فجاء فصلى
ركعتين خفيفتين وطوّلت الصلاة رجاءَ أَن يذهبَ ويدَعَني، فقال: طوِّلْ يا أَبا
عبد الله ما شئت فلستُ بقائم حتى تنصرف، فقلت: والله لأَعتذرن إِليه،
فانصرفت، فقال: السلام عليكم أَبا عبد الله ما فعل شِرادُ الجمل؟ فقلت:
والذي بعثك بالحق ما شَرَدَ ذلك الجمل مُنْذُ أَسلمت، فقال: رحمك الله
مرتين أَو ثلاثاً ثم أَمسك عني فلم يعد.
والشَّريدُ: البقية من الشيء. ويقال: في إِداواهُمْ شَريدٌ من ماء أَي
بقية. وأَبْقَتِ السَّنَةُ عليهم شَرائِدَ من أَموالهم أَي بقايا، فإِما
أَن يكون شَرائِدُ جمع شَريد على غير قياس كَفيلٍ
(* قوله «كفيل» كذا
بالأَصل المعوّل عليه، ولعل الأَولى كأفيل بالهمز، وهو الفصيل من الإبل كما
في القاموس.) وأَفائِلَ، وإِما أَن يكون شَريدَةٌ لغة في شَريد. وينو
الشَّريدِ: حَيٌّ، منهم صخر أَخو الخنساء؛ وفيهم يقول:
أَبَعْدَ ابنِ عَمْرٍو من آلِ الشَّر يـ
ـدِ، حَلَّتْ به الأَرضُ أَثْقالَها
وبنو الشَّريدِ: بَطْنٌ مِنْ سُلَيْم.