لأبي الوليد: سليمان بن خلف الأندلسي، الباجي، المالكي.
المتوفى: سنة 474، أربع وسبعين وأربعمائة.
جرح: الجَرْح: الفعلُ: جَرَحه يَجْرَحُه جَرْحاً: أَثَّرَ فيه بالسلاح؛
وجَرَّحَه: أَكثر ذلك فيه؛ قال الحطيئة:
مَلُّوا قِراه، وهَرَّتْه كلابُهُمُ،
وجَرَّحُوه بأَنْيابٍ وأَضْراسِ
والاسم الجُرْح، بالضم، والجمع أَجْراح وجُرُوحٌ وجِراحٌ؛ وقيل: لم
يقولوا أَجْراح إِلا ما جاء في شعر، ووجدت في حواشي بعض نسخ الصحاح الموثوق
بها: قال الشيخ، ولم يسمِّه، عنى بذلك قوله
(* قوله «عنى بذلك قوله» أي
قول عبدة بن الطبيب كما في شرح القاموس.):
وَلَّى، وصُرِّعْنَ، من حيثُ التَبَسْنَ به،
مُضَرَّجاتٍ بأَجْراحٍ، ومَقْتُولِ
قال: وهو ضرورة كما قال من جهة السماع.
والجِراحَة: اسم الضربة أَو الطعنة، والجمع جِراحاتٌ وجِراحٌ، على حدّ
دِجاجَة ودِجاج، فإِما أَن يكون مكسَّراً على طرح الزائد، وإِما أَن يكون
من الجمع الذي لا يفارق واحده إِلا بالهاء. الأَزهري: قال الليث
الجِراحَة الواحدة من طعنة أَو ضربة؛ قال الأَزهري: قول الليث الجراحة الواحدة
خطأٌ، ولكن جُرْحٌ وجِراحٌ وجِراحة، كما يقال حجارة وجِمالة وحِبالة لجمع
الحَجَرِ والجَمَل والحبل.
ورجل جَريح من قوم جَرْحى، وامرأَة جَريح، ولا يجمع جمع السلامة لأَن
مؤنثة لا تدخله الهاء، ونِسْوة جَرْحى كرجال جَرْحى. وجَرَّحَه: شُدِّد
للكثرة. وجَرَحَه بلسانه: شتمه؛ ومنه قوله:
لا تَمْضَحَنْ عِرْضي، فإِني ماضِحُ
عِرْضَك، إِن شاتمتني، وقادِحُ
في ساقِ من شاتَمَني، وجارِحُ
وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: العَجْماءُ جَرْحُها جُبار؛ فهو بفتح
الجيم لا غير على المصدر؛ ويقال: جَرَح الحاكمُ الشاهدَ إِذا عَثر منه على
ما تَسْقُطُ به عدالته مِن كذب وغيره؛ وقد قيل ذلك في غير الحاكم، فقيل:
جَرَحَ الرجلَ غَضَّ شهادته؛ وقد اسْتُجْرحَ الشاهدُ.
والاستجراحُ: النقصانُ والعيب والفساد، وهو مِنه، حكاه أَبو عبيد قال:
وفي خطبة عبد الملك: وَعَظْتُكم فلم تَزْدادُوا على الموعظة إِلا
استجراحاً أَي فساداً؛ وقيل: معناه إِلا ما يُكْسِبُكُم الجَرْحَ والطعن عليكم؛
وقال ابن عَوْن: اسْتَجْرَحَتْ هذه الأَحاديثُ؛ قال الأَزهري: ويروى عن
بعض التابعين أَنه قال: كثرت هذه الأحاديث واسْتَجْرَحَتْ أَي فَسَدَت
وقلَّ صِحاحُها، وهو اسْتَفْعَل من جَرَح الشاهدَ إِذا طعن فيه ورَدَّ قوله؛
أَراد أَن الأَحاديث كثرت حتى أَحوجت أَهل العلم بها إِلى جَرْحِ بعض
رواتها، ورَدِّ روايته.
وجَرَح الشيءَ واجْتَرَحَه: كَسَبه؛ وفي التنزيل: وهو الذي يتوفاكم
بالليل ويعلم ما جَرَحْتُمْ بالنهار. الأَزهري: قال أَبو عمرو: يقال لإِناث
الخيل جَوارِحُ، واحدتها جارِحَة لأَنها تُكسب أَربابَها نِتاجَها؛ ويقال:
ما له جارِحَة أَي ما له أُنثى ذاتُ رَحِمٍ تَحْمِلُ؛ وما له جارحة أَي
ما له كاسِبٌ. وجَوارحُ المال: ما وَلَد؛ يقال: هذه الجارية وهذه الفرس
والناقة والأَتان من جوارح المال أَي أَنها شابَّة مُقْبِلَة الرَّحِم
والشباب يُرجَى وَلدُها. وفلان يَجْرَحُ لعياله ويَجْتَرِحُ ويَقْرِشُ
ويَقْتَرِشُ، بمعنى؛ وفي التنزيل: أَم حَسِبَ الذين اجْتَرَحُوا السيِّئات؛
أَي اكتسبوها. فلان جارحُ أَهلِه وجارِحَتُهم أَي كاسِبُهم.
والجوارح من الطير والسباع والكلاب: ذواتُ الصيد لأَنها تَجْرَحُ
لأَهلها أَي تَكْسِبُ لهم، الواحدة جارحة؛ فالبازي جارحة، والكلب الضاري جارحة؛
قال الأَزهري: سمِّيت بذلك لأَنها كواسِبُ أَنفُسِها مِن قولك: جَرَح
واجْترَح؛ وفي التنزيل: يسأَلونك ماذا أُحلَّ لهم قل أُحلَّ لكم الطيباتُ
وما عَلَّمْتُمْ من الجوارح مُكَلِّبينَ؛ قال الأَزهري: فيه محذوف، أَراد
الله عز وجل: وأُحِلَّ لكم صيدُ ما علمتم من الجوارح، فحذف لأَن في
الكلام دليلاً عليه. وجَوارِحُ الإِنسان: أَعضاؤُه وعَوامِلُ جسده كيديه
ورجليه، واحدتها جارحة. لأَنهن يَجْرَحْن الخير والشر أَي يكسبنه.
وجَرَح له من ماله: قطَع له منه قطعة؛ عن ابن الأَعرابي، ورَدَّ عليه
ثعلبٌ ذلك فقال: إِنما هو جَزَح، بالزاي، وكذلك حكاه أَبو عبيد.
وقد سَمَّوْا جَرَّاحاً، وكَنَوْا بأَبي الجَرَّاح.
وقر: الوَقْرُ: ثِقَلٌ في الأُذن، بالفتح، وقيل: هو أَن يذهب السمع كله،
والثِّقَلُ أَخَفُّ من ذلك. وقد وَقِرَتْ أُذنه، بالكسر، تَوْقَرُ
وقْراً أَي صَمَّتْ، ووَقَرَتْ وَقْراً. قال الجوهري: قياس مصدره التحريك إِلا
أَنه جاء بالتسكين، وهو موقور، ووَقَرَها الله يَقِرُها وَقْراً؛ ابن
السكيت: يقال منه وُقِرَتْ أُذُنُه على ما لم يسم فاعله تُوقَرُ وَقْراً،
بالسكون، فهي موقورة، ويقال: اللهم قِرْ أُذُنَه. قال الله تعالى: وفي
آذاننا وَقْرٌ. وفي حديث علي، عليه السلام: تَسْمَعُ به بعد الوَقْرَةِ؛ هي
المرّة من الوَقْرِ، بفتح الواو: ثِقَلُ السمع.
والوِقْرُ: بالكسر: الثِّقْلُ يحمل على ظهر أَو على رأْس. يقال: جاء
يحمل وِقْرَه، وقيل: الوِقَرُ الحِمْل الثقيل، وعَمَّ بعضهم به الثقيل
والخفيف وما بينهما، وجمعه أَوقارٌ. وقد أَوقَرَ بعيرَه وأَوْقَرَ الدابة
إِيقاراً وقِرَةً شديدةً، الأَخيرة شاذة، ودابَّةٌ وَقْرَى: مُوقَرَةٌ؛ قال
النابغة الجعدي:
كما حُلَّ عن وَقْرَى، وقد عَضَّ حِنْوُها
بغارِبها حتى أَرادَ ليَجْزِلا
قال ابن سيده: أَرى وَقْرَى مصدراً على فَعْلى كحَلْقى وعَقْرَى،
وأَراد: حُلَّ عن ذات وَقْرَى، فحذف المضاف وأَقام المضاف إِليه مقامه. قال:
وأَكثر ما استعمل الوِقْرُ في حِمل البغل والحمار والوَسْقُ في حمل
البعير. وفي حديث عمر والمجوس: فأَلْقَوْا وِقْرَ بَغْلٍ أَو بغلين من
الوَرِقِ؛ الوِقْرُ، بكسر الواو: الحِمْلُ يريد حمل بغل أَو حملين أَخِلَّةً من
الفضة كانوا يأْكلون بها الطعام فأَعْطَوْها ليُمَكَّنُوا من عادتهم في
الزَّمْزَمَةِ؛ ومنه الحديث: لعله أَوقَرَ راحلته ذهباً أَي حَمَّلَها
وِقْراً. ورجل مُوقَرٌ: ذو وِقْرٍ؛ أَنشد ثعلب:
لقد جَعَلَتْ تَبْدُو شَواكِلُ منكما،
كأَنَّكما بي مُوقَرانِ من الجَمْرِ
وامرأَةٌ مُوقَرَةٌ: ذاتُ وِقْرٍ. الفراء: امرأَة مُوقَرَة، بفتح القاف،
إِذا حملت حملاً ثقيلاً. وأَوْقَرَتِ النخلةُ أَي كَثُرَ حَمْلُها؛
ونخلة مُوقِرَة ومُوقِرٌ وموقَرة ومُوقَر ومِيقار؛ قال:
من كُلِّ بائنة تَبِينُ عُذُوقُها
منها، وخاصِبَةٍ لها مِيقارِ
قال الجوهري: نخلة مُوقَرٌ على غير القياس لأَن الفعل ليس للنخلة،
وإِنما قيل مُوقِر، بكسر القاف، على قياس قولك امرأَة حامل لأَن حمل الشجر
مشبه بحمل النساء، فأَما موقَر، بالفتح، فشاذ، قد روي في قول لبيد يصف
نخلاً:عَصَبٌ كَوارِعُ في خَليج مُحَلِّمٍ
حَمَلَتْ، فمنها موقَر مَكْمُومُ
والجمع مَواقِر؛ وأَما قول قُطْبَة بن الخضراء من بني القَيْنِ:
لمن ظُعُنٌ تَطالَعُ من سِتارِ،
مع الإِشْراقِ، كالنَّخْلِ الوِقارِ
قال ابن سيده: ما أَدري ما واحده، قال: ولعله قَدَّرَ نخلة واقِراً أَو
وَقِيراً فجاء به عليه.
واسْتَوْقَرَ وِقْرَه طعاماً: أَخذه. واسْتَوْقَرَ إِذا حَمَلَ حِمْلاً
ثقيلاً. واسْتَوْقَرَتِ الإِبلُ: سمنت وحملت الشُّحُوم؛ قال:
كأَنها من بُدُنٍ واسْتِيقارْ
دَبَّتْ عليها عَرِماتُ الأَنْبارْ
وقوله عز وجل: فالحاملاتِ وِقْراً، يعني السحاب يحمل الماء الذي
أَوْقَرها.
والوَقار: الحلم والرَّزَانة؛ وَقَرَ يَقِرُ وَقاراً ووَقارَةً ووَقَرَ
قِرَةً وتَوَقَّرَ واتَّقَرَ: تَرَزَّنَ. وفي الحديث: لم يَسْبِقْكم أَبو
بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكنه بشيء وَقَرَ في القلب، وفي رواية: لِسِرٍّ
وقَرَ في صدره أَي سكن فيه وثبت من الوَقارِ والحلم والرزانة، وقد
وَقَرَ يَقِرُ وَقاراً؛ والتَّيْقُور: فَيْعُول منه، وقيل: لغة في
التَّوْقِير، قال: والتيقور الوَقارُ وأَصله وَيْقُور، قلبت الواو تاء؛ قال
العجاج:فإِن يكن أَمْسى البِلى تَيْقُوري
أَي أَمسى وَقاري، ويروى:
فإِن أَكن أُمْسي البِلى تَيْقُوري
وفي يكن على هذا ضمير الشأْن والحديث، والتاء فيه مبدلة من واو، قيل:
كان في الأَصل وَيْقُوراً فأَبدل الواو تاء حمله على فَيْعُول، ويقال حمله
على تفعول، مثل التَّذْنُوب ونحوه، فكره الواو مع الواو، فأَبدلها تاء
لئلا يشتبه بفَوْعُول فيخالف البناء، أَلا ترى أَنهم أَبدلوا الواو حين
أَعربوا فقالوا نَيْروزٌ؟ ورجل وَقارٌ ووَقُورٌ ووَقَرٌ
(* قوله« ووقر» في
القاموس أنه بضم القاف) ؛ قال العجاج يمدح عمر بن عبيد الله بن مَعمَر:
هذا أَوانُ الجِدِّ، إِذ جَدَّ عُمَرْ،
وصَرَّحَ ابنُ مَعْمَرٍ لمن ذَمَرْ
منها:
بِكُلّ أَخلاق الشُّجاعِ قد مَهَرْ
ثَبْتٌ، إِذا ما صِيحَ بالقوم وَقَرْ
(* قوله « ثبت إذا ما صيح إلخ» استشهد به الجوهري على أن وقر فيه فعل
حيث قال ووقر الرجل إذا ثبت يقر وقاراً وقرة فهو وقور، قال العجاج: «ثبت
إذا ما صيح بالقوم وقر».)
قوله ثبت أَي هو ثبت الجنان في الحرب وموضع الخوف.
ووَقَرَ الرجل من الوَقار يَقِرُ، فهو وَقُورٌ، ووَقُرَ يَوْقُرُ،
ومَرَةٌ وَقُورٌ. ووَقَرَ وَقْراً: جلس. وقوله تعالى: وَقِرْنَ في بيوتكن،
قيل: هو من الوَقارِ، وقيل: هو من الجلوس، وقد قلنا إِنه من باب قَرَّ
يَقِرُّ ويَقَرُّ، وعللناه في موضعه من المضاعف. الأَصمعي: يقال وَقَرَ يَقِرُ
وَقاراً إِذا سكن. قال الأَزهري: والأَمْرُ قِرْ، ومنه قوله تعالى:
وقِرْنَ في بيوتكن. قال: وَوَقُرَ يَوْقُرُ والأَمر منه اوْقُرْ، وقرئ:
وقَرْنَ، بالفتح، فهذا من القَرار كأَنه يريد اقْرَرْنَ، فتحذف الراء الأُولى
للتخفيف وتلقى فتحتها على القاف، ويستغنى عن الأَلف بحركة ما بعدها،
ويحتمل قراءة من قرأَ بالكسر أَيضاً أَن يكون من اقْرِرْنَ، بكسر الراء، على
هذا كما قرئ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ، بفح الظاء وكسرها، وهو من شواذ
التخفيف.
ووَقَّرَ الرجلَ: بحَّلَهُ. وتُعَزِّرُوه وتُوَقِّرُوه؛ والتوقير:
التعظيم والتَّرْزِينُ. التهذيب: وأَما قوله تعالى: ما لكم لا تَرْجُونَ لله
وقاراً؛ فإِن الفرّاء قال: ما لكم لا تخافون لله عظمة. ووَقَّرْتُ الرجل
إِذا عظمته. وفي التنزيل العزيز: وتعزروه وتوقروه. والوَقار: السكينة
والوَداعَةُ. ورجل وَقُورٌ ووقارٌ ومُتَوَقِّر: ذو حلم ورَزانَة. ووَقَّر
الدابة: سَكَّنَها؛ قال:
يَكادُ يَنْسَلُّ من التَّصْدِيرِ
على مُدَالاتِيَ والتَّوْقِيرِ
والوَقْرُ: الصَّدْعُ في الساق. والوقْرُ والوَقْرَةُ: كالوَكْتَةِ أَو
الهَزْمَةِ تكون في الحجر أَو العين أَو الحافر أَو العظم، والوَقْرَةُ
أَعظم من الوَكْتَةِ. الجوهري: الوَقْرَةُ أَن يصيب الحافرَ حَجَرٌ أَو
غيره فيَنْكُبَه، تقول منه: وَقِرَت الدابةُ، بالكسر، وأَوْقَرَها الله
مثلَ رَهِصَتْ وأَرْهَصَها الله؛ قال العجاج:
وَأْباً حَمَتْ نُسُورُه الأَوْقارا
ويقال في الصبر على المصيبة: كانتْ وَقْرَةً في صَخْرة يعني ثَلْمَةً
وهَزْمَةً أَي أَنه احتمل المصيبة ولم تؤثر فيه إِلا مثلَ تلك الهزمة في
الصخرة. ابن سيده: وقد وُقِرَ العظمُ وَقْراً، فهو موقور ووقِير. ورجل
وَقِير: به وَقرة في عظمه أَي هَزْمَة؛ أَنشد ابن الأعرابي:
حَياء لنَفْسي أَن أُرى مُتَخَشِّعاً
لوَقْرَةِ دَهْرٍ يَسْتَكِينُ وَقِيرُها
لِوَقْرَةِ دَهْرٍ أَي لخَطْبٍ شديد أُتَيَفَّنُ في حالة كالوَقْرَةِ في
العظْمِ. الأَصمعي: يقال ضربه ضربة وَقَرَتْ في عظمه أَي هَزَمَتْ،
وكَلَّمته كلمةً وَقَرَتْ في أُذنه أَي ثبتت. والوَقْرَةُ تصيب الحافر، وهي
أَن تَهْزِمَ العظمَ. والوَقْرُ في العظم: شيء من الكسر، وهو الهَزْمُ،
وربما كُسِرَتْ يَدُ الرجل أَو رجلُه إِذا كان بها وَقْرٌ ثم تُجْبَرُ فهو
أَصلب لها، والوَقْرُ لا يزال واهِناً أَبداً. وَوقَرْتُ العظم أَقِرُه
وقْراً: صَدَعْتُه؛ قال الأَعشى:
يا دَهْرُ، قد أَكْثَرْتَ فَجْعَتَنا
بِسَراتِنا، ووَقَرْتَ في العَظْمِ
والوَقير والوَقِيرَةُ: النُّقْرَةُ العظيمة في الصخرة تُمْسِكُ الماء،
وفي التهذيب: النقرة في الصخرة العظيمة تمسك الماء، وفي الصحاح: نقرة في
الجبل عظيمة. وفي الحديث: التَّعَلُّمُ في الصِّبا كالوَقْرَةِ في الحجر؛
الوَقْرَةُ: النقرة في الصخرة، أَراد أَنه يثبت في القلب ثبات هذه
النُّقْرَةِ في الحجر.
ابن سيده: تَرَكَ فلان قِرَةً أَي عِيالاً، وإِنه عليه لَقِرَةٌ أَي
عيال، وما علي منك قِرَةٌ أَي ثِقَلٌ؛ قال:
لما رأَتْ حَلِيلَتي عَيْنَيَّه،
ولِمَّتي كأَنها حَلِيَّه
تقولُ: هذا قِرَةٌ عَلَيَّه،
يا ليتني بالبَحْرِ أَو بِلِيَّه
والقِرَةُ والوَقِيرُ: الصغار من الشاء، وقيل: القِرَةُ الشاء والمال.
والوَقِير: الغنم، وفي المحكم: الضخم من الغنم؛ قال اللحياني: زعموا
أَنها خمسمائة، وقيل: هي الغنم عامة؛ وبه فسر ابن الأَعرابي قول جرير:
كأَنَّ سَليطاً في جَواشِنِها الحَصى،
إِذا حَلَّ بين الأَمْلَحَيْنِ وََقِيرُها
وقيل: هي غنم أَهل السواد، وقيل: إِذا كان فيها كلابها ورُعاؤُها فهي
وَقِير؛ قال ذو الرمة يصف بقرة الوحش:
مُوَلَّعَةً خَنْساءَ ليستْ بِنَعجَةٍ،
يُدَمِّنُ أَجوافَ المِياه وَقِيرُها
وكذلك القِرَةُ، والهاء عوض الواو؛ وقال الأَغلب العجلي:
ما إِنْ رأَينا مَلِكاً أَغارا،
أَكثَرَ منه قِرَةً وقارا
قال الرَّمادي: دخلت على الأَصمعي في مرضه الذي مات فيه فقلت: يا أَبا
سعيد ما الوَقِير؟ فأَجابني بضعف صوت فقال: الوَقِيرُ الغنم بكلبها
وحمارها وراعيها، لا يكون وَقِيراً إِلا كذلك. وفي حديث طَهْفَةَ: ووَقِير
كثيرُ الرَّسَلِ؛ الوَقِيرُ: الغَنَمُ، وقيل: أَصحابها، وقيل: القطيع من
الضأْن خاصة، وقيل: الغنم والكلاب والرُّعاءُ جميعاً، أَي أَنها كثيرة
الإِرْسال في المَرْعى. والوَقَرِيُّ: راعي الوَقِير، نسب على غير قياس؛ قال
الكميت:
ولا وَقَرِيِّينَ في ثَلَّةٍ،
يُجاوِبُ فيها الثُّؤَاجُ اليُعارا
ويروى: ولا قَرَوِيِّينَ، نسبة إِلى القرية التي هي المصر. التهذيب:
والوَقِيرُ الجماعة من الناس وغيرهم. ورجل مُوَقَّر أَي مُجَرَّبٌ، ورجل
مُوَقَّر إِذا وقَّحَتْه الأُمورُ واستمر عليها. وقد وَقَّرَتني الأَسفار
أَي صَلَّبَتْني ومَرَّنَتْني عليها؛ قال ساعدة الهذلي يصف شهدة:
أُتِيحَ لها شَتْنُ البَراثِنِ مُكْزَمٌ،
أَخُو حُزَنٍ قد وَقَّرَتْه كُلُومُها
لها: للنخل. مكزم قصير. حُزَنٌ من الأَرض: واحدتها حُزْنَةٌ. وفقير
وَقِيرٌ: جعل آخره عماداً لأَوّله، ويقال: يعني به ذِلَّته مَهانته كما أَن
الوقير صغار الشاء؛ قال أَبو النجم:
نَبحَ كِلاب الشاءِ عن وَقِيرِها
وقال ابن سيده: يُشَبَّه بصغار الشاءِ في مَهانته، وقيل: هو الذي قد
أَوْقَرَه الدِّيْنُ أَي أَثقله، وقيل: هو من الوَقْرِ الذي هو الكسر، وقيل
هو إِتباع. وفي صدره وَقْرٌ عليك، بسكون القاف؛ عن اللحياني، والمعروف
وَغْرٌ. الأَصمعي: بينهم وَقْرَةٌ ووَغْرَةٌ أَي ضِغْنٌ وعداوة.
وواقِرَةُ والوَقِيرُ: موضعان؛ قال أَبو ذؤيب:
فإِنك حَقًّا أَيّ نَظْرَةِ عاشِقٍ
نَظَرْتَ، وقُدْسٌ دونَها ووَقِيرُ
والمُوَقَّرُ: موضع بالشام؛ قال جرير:
أَشاعتْ قُرَيْشٌ للفَرَزْدَقِ خَزْيَةً،
وتلك الوُفُودُ النازلونَ المُوَقَّرا
نصب: النَّصَبُ: الإِعْياءُ من العَناءِ. والفعلُ نَصِبَ الرجلُ،
بالكسر،نَصَباً: أَعْيا وتَعِبَ؛ وأَنْصَبه هو، وأَنْصَبَني هذا الأَمْرُ.وهَمٌّ ناصِبٌ مُنْصِبٌ: ذو نَصَبٍ، مثل تامِرٍ ولابِنٍ، وهو فاعلٌ بمعنى مفعول، لأَنه يُنْصَبُ فيه ويُتْعَبُ.
وفي الحديث: فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُنْصِـبُني ما أَنْصَبَها أَي
يُتْعِـبُني ما أَتْعَبَها.
والنَّصَبُ: التَّعَبُ؛ قال النابغة:
كِليني لـهَمٍّ، يا أُمَيْمَةَ، ناصِبِ
قال: ناصِب، بمعنى مَنْصُوب؛ وقال الأَصمعي: ناصِب ذي نَصَبٍ، مثلُ لَيْلٌ نائمٌ ذو نومٍ يُنامُ فيه، ورجل دارِعٌ ذو دِرْعٍ؛ ويقال: نَصَبٌ ناصِبٌ، مثل مَوْتٌ مائِت، وشعرٌ شاعر؛ وقال سيبويه: هَمٌّ ناصبٌ، هو على النَّسَب. وحكى أَبو علي في التَّذْكرة: نَصَبه الـهَمُّ؛ فناصِبٌ إِذاً على الفِعْل. قال الجوهري: ناصِبٌ فاعل بمعنى مفعول فيه، لأَنه يُنْصَبُ فيه ويُتْعَبُ، كقولهم: لَيْلٌ نائمٌ أَي يُنامُ فيه، ويوم عاصِفٌ أَي تَعْصِفُ فيه الريح. قال ابن بري: وقد قيل غير هذا القول، وهو الصحيح، وهو أَن يكون ناصِبٌ بمعنى مُنْصِبٍ، مثل مكان باقلٌ بمعنى مُبْقِل، وعليه قول النابغة؛ وقال أَبو طالب:
أَلا مَنْ لِـهَمٍّ، آخِرَ اللَّيْلِ، مُنْصِبِ
قال: فناصِبٌ، على هذا، ومُنْصِب بمعنًى. قال: وأَما قوله ناصِبٌ بمعنى مَنْصوب أَي مفعول فيه، فليس بشيءٍ. وفي التنزيل العزيز: فإِذا فَرَغْتَ فانْصَبْ؛ قال قتادة: فإِذا فرغتَ من صَلاتِكَ، فانْصَبْ في الدُّعاءِ؛ قال الأَزهري: هو من نَصِبَ يَنْصَبُ نَصَباً إِذا تَعِبَ؛ وقيل: إِذا فرغت من الفريضة، فانْصَبْ في النافلة.
ويقال: نَصِبَ الرجلُ، فهو ناصِبٌ ونَصِبٌ؛ ونَصَبَ لـهُمُ الـهَمُّ،
وأَنْصَبَه الـهَمُّ؛ وعَيْشٌ ناصِبٌ: فيه كَدٌّ وجَهْدٌ؛ وبه فسر الأَصمعي قول أَبي ذؤيب:
وغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بعيشٍ ناصِبٍ، * وإِخالُ أَني لاحِقٌ مُسْتَتْبِـعُ
قال ابن سيده: فأَما قول الأُمَوِيِّ إِن معنى ناصِبٍ تَرَكَني مُتَنَصِّباً، فليس بشيءٍ؛ وعَيْشٌ ذو مَنْصَبةٍ كذلك. ونَصِبَ الرجلُ: جَدَّ؛ وروي بيتُ ذي الرمة:
إِذا ما رَكْبُها نَصِـبُوا
ونَصَبُوا. وقال أَبو عمرو في قوله ناصِب: نَصَبَ نَحْوي أَي جَدَّ.
قال الليث: النَّصْبُ نَصْبُ الدَّاءِ؛ يقال: أَصابه نَصْبٌ من
الدَّاءِ.والنَّصْبُ والنُّصْبُ والنُّصُبُ: الداءُ والبَلاءُ والشرُّ. وفي
التنزيل العزيز: مَسَّني الشيطانُ بنُصْبٍ وعَذابٍ. والنَّصِبُ: المريضُ الوَجِـعُ؛ وقد نَصَبه المرض وأَنْصَبه. والنَّصْبُ: وَضْعُ الشيءِ ورَفْعُه، نَصَبه يَنْصِـبُه نَصْباً، ونَصَّبَه فانْتَصَبَ؛ قال:
فباتَ مُنْتَصْـباً وما تَكَرْدَسا
أَراد: مُنْتَصِـباً، فلما رأَى نَصِـباً من مُنْتَصِبٍ، كفَخِذٍ، خففه
تخفيف فَخِذٍ، فقال: مُنْتَصْباً. وتَنَصَّبَ كانْتَصَبَ.
والنَّصِـيبةُ والنُّصُبُ: كلُّ ما نُصِبَ، فجُعِلَ عَلَماً. وقيل: النُّصُب جمع نَصِـيبةٍ، كسفينة وسُفُن، وصحيفة وصُحُفٍ. الليث: النُّصُبُ
جماعة النَّصِـيبة، وهي علامة تُنْصَبُ للقوم.
والنَّصْبُ والنُّصُبُ: العَلَم الـمَنْصُوب. وفي التنزيل العزيز:
كأَنهم إِلى نَصْبٍ يُوفِضُونَ؛ قرئ بهما جميعاً، وقيل: النَّصْبُ الغاية، والأَول أَصحّ. قال أَبو إِسحق: مَن قرأَ إِلى نَصْبٍ، فمعناه إِلى عَلَمٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُون إِليه؛ ومن قرأَ إِلى نُصُبٍ، فمعناه إِلى أَصنام كقوله: وما ذُبِحَ على النُّصُب، ونحو ذلك قال الفراء؛ قال: والنَّصْبُ واحدٌ، وهو مصدر، وجمعه الأَنْصابُ.
واليَنْصُوبُ: عَلم يُنْصَبُ في الفلاةِ. والنَّصْبُ والنُّصُبُ: كلُّ ما عُبِدَ من دون اللّه تعالى، والجمع أَنْصابٌ. وقال الزجاج: النُّصُبُ جمع، واحدها نِصابٌ. قال: وجائز أَن يكون واحداً، وجمعه أَنْصاب. الجوهري: النَّصْبُ ما نُصِبَ فعُبِدَ من دون اللّه تعالى، وكذلك النُّصْب، بالضم، وقد يُحَرّكُ مثل عُسْر؛ قال الأَعشى
يمدح سيدنا رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم:
وذا النُّصُبَ الـمَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ * لعافيةٍ، واللّهَ رَبَّكَ فاعْبُدا(1)
(1 قوله «لعافية» كذا بنسخة من الصحاح الخط وفي نسخ الطبع كنسخ شارح القاموس لعاقبة.)
أَراد: فاعبدنْ، فوقف بالأَلف، كما تقول: رأَيت زيداً؛ وقوله: وذا النُّصُبَ، بمعنى إِياك وذا النُّصُبَ؛ وهو للتقريب، كما قال لبيد:
ولقد سَئِمْتُ من الـحَياةِ وطولِها، * وسُؤَالِ هذا الناسِ كيف لَبيدُ!
ويروى عجز بيت الأَعشى:
ولا تَعْبُدِ الشيطانَ، واللّهَ فاعْبُدا
التهذيب، قال الفراء: كأَنَّ النُّصُبَ الآلهةُ التي كانت تُعْبَدُ من
أَحجار. قال الأَزهري: وقد جَعَلَ الأَعشى النُّصُبَ واحداً حيث يقول:
وذا النُّصُبَ الـمَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّه
والنَّصْبُ واحد، وهو مصدر، وجمعه الأَنْصابُ؛ قال ذو الرمة:
طَوَتْها بنا الصُّهْبُ الـمَهاري، فأَصْبَحَتْ * تَناصِـيبَ، أَمثالَ الرِّماحِ بها، غُبْرا
والتَّناصِـيبُ: الأَعْلام، وهي الأَناصِـيبُ، حجارةٌ تُنْصَبُ على رؤوس القُورِ، يُسْتَدَلُّ بها؛ وقول الشاعر:
وَجَبَتْ له أُذُنٌ، يُراقِبُ سَمْعَها * بَصَرٌ، كناصِـبةِ الشُّجاعِ الـمُرْصَدِ
يريد: كعينه التي يَنْصِـبُها للنظر.
ابن سيده: والأَنْصابُ حجارة كانت حول الكعبة، تُنْصَبُ فيُهَلُّ عليها، ويُذْبَحُ لغير اللّه تعالى.
وأَنْصابُ الحرم: حُدوده.
والنُّصْبةُ: السَّارِية.
والنَّصائِبُ: حجارة تُنْصَبُ حَولَ الـحَوض، ويُسَدُّ ما بينها من
الخَصاص بالـمَدَرة المعجونة، واحدتها نَصِـيبةٌ؛ وكلُّه من ذلك.
وقوله تعالى: والأَنْصابُ والأَزْلامُ، وقوله: وما ذُبِحَ على
النُّصُبِ؛ الأَنْصابُ: الأَوثان. وفي حديث زيد بن حارثة قال: خرج رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، مُرْدِفي إِلى نُصُبٍ من الأَنْصاب، فذَبحنا له شاةً، وجعلناها في سُفْرتِنا، فلَقِـيَنا زيدُ بن عَمْرو، فقَدَّمْنا له السُّفرةَ، فقال: لا آكل مما ذُبحَ لغير اللّه. وفي رواية: أَن زيد بن عمرو مَرَّ برسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، فدعاه إِلى الطعام، فقال زيدٌ:إِنَّا لا نأْكل مما ذُبحَ على النُّصُب. قال ابن الأَثير، قال الحربيُّ: قوله ذَبحنا له شاةً له وجهان:
أَحدهما أَن يكون زيد فعله من غير أَمر النبي، صلى اللّه عليه وسلم، ولا رِضاه، إِلاَّ أَنه كان معه، فنُسِب إِليه، ولأَنَّ زيداً لم يكن معه من العِصْمة، ما كان مع سيدنا رسول اللّه، صلى
اللّه عليه وسلم. والثاني أَن يكون ذبحها لزاده في خروجه، فاتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده، لا أَنه ذبحها للصنم، هذا إِذا جُعِلَ النُّصُب الصَّنم، فأَما إِذا جُعِلَ الحجر الذي يذبح عنده، فلا كلام فيه، فظن زيد بن عمرو أَن ذلك اللحم مما كانت قريش تذبحه لأَنصابها، فامتنع لذلك، وكان زيد يخالف قريشاً في كثير من أُمورها، ولم يكن الأَمْرُ كما ظَنَّ زيد.
القُتَيْبـيُّ: النُّصُب صَنَم أَو حَجَرٌ، وكانت الجاهلية تَنْصِـبُه،
تَذْبَحُ عنده فيَحْمَرُّ للدمِ؛ ومنه حديث أَبي ذرّ في إِسلامه، قال:
فخَررْتُ مَغْشِـيّاً عليّ ثم ارْتَفَعْتُ كأَني نُصُبٌ أَحمر؛ يريد أَنهم
ضَرَبُوه حتى أَدْمَوْه، فصار كالنُّصُب الـمُحْمَرِّ بدم الذبائح. أَبو
عبيد: النَّصائِبُ ما نُصِبَ حَوْلَ الـحَوْضِ من الأَحْجار؛ قال ذو
الرمة:
هَرَقْناهُ في بادي النَّشِـيئةِ داثرٍ، * قَديمٍ بعَهْدِ الماءِ، بُقْعٍ نَصائِـبُهْ
والهاءُ في هَرَقْناه تَعُودُ على سَجْلٍ تقدم ذكره. الجوهري:
والنَّصِـيبُ الـحَوْضُ.
وقال الليث: النَّصْبُ رَفْعُك شيئاً تَنْصِـبُه قائماً مُنْتَصِـباً،
والكلمةُ الـمَنْصوبةُ يُرْفَعُ صَوْتُها إِلى الغار الأَعْلى، وكلُّ شيءٍ
انْتَصَبَ بشيءٍ فقد نَصَبَهُ. الجوهري: النَّصْبُ مصدر نَصَبْتُ الشيءَ إِذا أَقَمته.
وصَفِـيحٌ مُنَصَّبٌ أَي نُصِبَ بعضُه على بعض. ونَصَّبَتِ الخيلُ آذانَها: شُدِّد للكثرة أَو للمبالغة. والـمُنَصَّبُ من الخَيلِ: الذي يَغْلِبُ على خَلْقه كُلِّه نَصْبُ عِظامه، حتى يَنْتَصِبَ منه ما يحتاج إِلى عَطْفه. ونَصَبَ السَّيْرَ يَنْصِـبه نَصْباً: رَفَعه.
وقيل: النَّصْبُ أَن يسيرَ القومُ يَوْمَهُم، وهو سَيْرٌ لَيِّنٌ؛ وقد نَصَبوا نَصْباً. الأَصمعي: النَّصْبُ أَن يسير القومُ يومَهم؛ ومنه قول
الشاعر:
كأَنَّ راكِـبَها، يَهْوي بمُنْخَرَقٍ * من الجَنُوبِ، إِذا ما رَكْبُها نَصَبوا
قال بعضهم: معناه جَدُّوا السَّيْرَ.
وقال النَّضْرُ: النَّصْبُ أَوَّلُ السَّيْر، ثم الدَّبيبُ، ثم العَنَقُ، ثم التَّزَيُّدُ، ثم العَسْجُ، ثم الرَّتَكُ، ثم الوَخْدُ، ثم الـهَمْلَجَة. ابن سيده: وكلُّ شيءٍ رُفِعَ واسْتُقْبِلَ به شيءٌ، فقد نُصِبَ.
ونَصَبَ هو، وتَنَصَّبَ فلانٌ، وانْتَصَبَ إِذا قام رافعاً رأْسه. وفي حديث الصلاة: لا يَنْصِبُ رأْسه ولا يُقْنِعُه أَي لا يرفعه؛ قال ابن الأَثير: كذا في سنن أَبي داود، والمشهور: لا يُصَبِّـي ويُصَوِّبُ، وهما مذكوران في مواضعهما.
وفي حديث ابن عمر: مِنْ أَقْذَرِ الذُّنوبِ رجلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً
صَداقَها؛ قيل للَّيْثِ: أَنَصَبَ ابنُ عمر الحديثَ إِلى رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: وما عِلْمُه، لولا أَنه سمعه منه أَي أَسنَدَه إِليه ورَفَعَه.
والنَّصْبُ: إِقامةُ الشيءِ ورَفْعُه؛ وقوله:
أَزَلُّ إِنْ قِـيدَ، وإِنْ قامَ نَصَبْ
هو من ذلك، أَي إِن قام رأَيتَه مُشْرِفَ الرأْس والعُنُق.
قال ثعلب: لا يكون النَّصْبُ إِلا بالقيام.
وقال مرة: هو نُصْبُ عَيْني، هذا في الشيءِ القائم
الذي لا يَخْفى عليَّ، وإِن كان مُلْـقًى؛ يعني بالقائم، في هذه الأَخيرة: الشيءَ الظاهرَ.القتيبي: جَعَلْتُه نُصْبَ عيني، بالضم، ولا تقل نَصْبَ عيني. ونَصَبَ له الحربَ نَصْباً: وَضَعَها. وناصَبَه الشَّرَّ والحربَ والعَداوةَ مُناصبةً: أَظهَرَهُ له ونَصَبه، وكلُّه من الانتصابِ.
والنَّصِـيبُ: الشَّرَكُ الـمَنْصوب. ونَصَبْتُ للقَطا شَرَكاً.
ويقال: نَصَبَ فلانٌ لفلان نَصْباً إِذا قَصَدَ له، وعاداه، وتَجَرَّدَ
له. وتَيْسٌ أَنْصَبُ: مُنْتَصِبُ القَرْنَيْنِ؛ وعَنْزٌ نَصْباءُ: بَيِّنةُ
النَّصَب إِذا انْتَصَبَ قَرْناها؛ وتَنَصَّبَتِ الأُتُنُ حَوْلَ الـحِمار. وناقة نَصْباءُ: مُرْتَفِعةُ الصَّدْر. وأُذُنٌ نَصْباءُ: وهي التي تَنْتَصِبُ، وتَدْنُو من الأُخرى. وتَنَصَّبَ الغُبار: ارْتَفَعَ. وثَـرًى مُنَصَّبٌ: جَعْدٌ. ونَصَبْتُ القِدْرَ نَصْباً.
والـمِنْصَبُ: شيءٌ من حديد، يُنْصَبُ عليه القِدْرُ؛ ابن الأَعرابي:
الـمِنْصَبُ ما يُنْصَبُ عليه القِدْرُ إِذا كان من حديد.
قال أَبو الحسن الأَخفش: النَّصْبُ، في القَوافي، أَن تَسْلَمَ القافيةُ
من الفَساد، وتكونَ تامَّـةَ البناءِ، فإِذا جاءَ ذلك في الشعر
المجزوءِ، لم يُسَمَّ نَصْباً، وإِن كانت قافيته قد تَمَّتْ؛ قال: سمعنا ذلك من العربِ، قال: وليس هذا مما سَمَّى الخليلُ، إِنما تؤْخَذ الأَسماءُ عن العرب؛ انتهى كلام الأَخفش كما حكاه ابن سيده. قال ابن سيده، قال ابن جني: لما كان معنى النَّصْبِ من الانْتِصابِ، وهو الـمُثُولُ والإِشْرافُ والتَّطاوُل، لم يُوقَعْ على ما كان من الشعر مجزوءاً، لأَن جَزْأَه عِلَّةٌ وعَيْبٌ لَحِقَه، وذلك ضِدُّ الفَخْرِ والتَّطاوُل. والنَّصِـيبُ: الـحَظُّ من كلِّ شيءٍ. وقوله، عز وجل: أُولئك يَنالُهم نَصيبُهم من الكتاب؛ النَّصِـيب هنا: ما أَخْبَرَ اللّهُ من جَزائهم، نحو قوله تعالى: فأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى؛ ونحوُ قوله تعالى: يَسْلُكْه عذاباً صَعَداً؛ ونحو قوله تعالى: إِن المنافقين في الدَّرْكِ الأَسْفل من النار؛ ونحو قوله تعالى: إِذا الأَغْلالُ في أَعْناقِهِم والسَّلاسِلُ، فهذه أَنْصِـبَتُهم من الكتاب، على قَدْرِ ذُنُوبِهم في كفرهم؛ والجمع أَنْصِـباءُ وأَنْصِـبةٌ.
والنِّصْبُ: لغة في النَّصِـيبِ. وأَنْصَبَه: جَعَلَ له نَصِـيباً. وهم يَتَناصَبُونَه أَي يَقْتَسمونه. والـمَنْصِبُ والنِّصابُ: الأَصل والـمَرْجِـع.
والنِّصابُ: جُزْأَةُ السِّكِّين، والجمع نُصُبٌ.
وأَنْصَبَها: جَعَلَ لها نِصاباً، وهو عَجْزُ السكين. ونِصابُ السكين:
مَقْبِضُه. وأَنْصَبْتُ السكين: جَعَلْتُ له مَقْبِضاً. ونِصابُ كلِّ
شيءٍ: أَصْلُه. والـمَنْصِبُ: الأَصلُ، وكذلك النِّصابُ؛ يقال: فلانٌ
يَرْجِـعُ إِلى نِصاب صِدْقٍ، ومَنْصِبِ صِدْقٍ، وأَصْلُه مَنْبِتُه
ومَحْتِدُه.وهَلَكَ نِصابُ مالِ فلانٍ أَي ما اسْتَطْرفه. والنِّصابُ من المال: القَدْرُ الذي تجب فيه الزكاة إِذا بَلَغَه، نحو مائَتَيْ درهم، وخَمْسٍ من الإِبل. ونِصابُ الشَّمْسِ: مَغِـيبُها ومَرْجِعُها الذي تَرْجِـعُ إِليه. وثَغْرٌ مُنَصَّبٌ: مُسْتَوي النِّبْتةِ كأَنه نُصبَ فسُوِّيَ.
والنَّصْبُ: ضَرْبٌ من أَغانيّ الأَعراب. وقد نَصَبَ الراكبُ نَصْباً إِذا غَنَّى النَّصْبَ. ابن سيده: ونَصْبُ العربِ ضَرْبٌ من أَغانِـيّها.
وفي حديث نائل (1)
(1 قوله «وفي حديث نائل» كذا بالأصل كنسخة من النهاية بالهمز وفي أخرى منها نابل بالموحدة بدل الهمز.) ، مولى عثمان: فقلنا لرباحِ بن الـمُغْتَرِفِ: لو نَصَبْتَ لنا نَصْبَ
العَرب أَي لو تَغَنَّيْتَ؛ وفي الصحاح: لو غَنَّيْتَ لنا غِناءَ
العَرَب، وهو غِناءٌ لهم يُشْبِه الـحُداءَ، إِلا أَنه أَرَقُّ منه. وقال أَبو
عمرو: النَّصْبُ حُداءٌ يُشْبِهُ الغِناءَ. قال شمر: غِناءُ النَّصْبِ هو
غِناءُ الرُّكْبانِ، وهو العَقِـيرةُ؛ يقال: رَفَعَ عَقيرته إِذا غَنَّى
النَّصْبَ؛ وفي الصحاح: غِناءُ النَّصْبِ ضَرْب من الأَلْحان؛ وفي حديث السائبِ بن يزيد: كان رَباحُ بنُ الـمُغْتَرِفِ يُحْسِنُ غِناءَ
(يتبع...)
(تابع... 1): نصب: النَّصَبُ: الإِعْياءُ من العَناءِ. والفعلُ نَصِبَ الرجلُ،... ...
النَّصْبِ، وهو ضَرْبٌ من أَغانيّ العَرب، شَبيهُ الـحُداءِ؛ وقيل: هو الذي أُحْكِمَ من النَّشِـيد، وأُقِـيمَ لَحْنُه ووزنُه. وفي الحديث: كُلُّهم كان يَنْصِبُ أَي يُغَنِّي النَّصْبَ. ونَصَبَ الحادي: حَدا ضَرْباً من الـحُداءِ.
والنَّواصِبُ: قومٌ يَتَدَيَّنُونَ ببِغْضَةِ عليّ، عليه السلام. ويَنْصُوبُ: موضع.
ونُصَيْبٌ: الشاعر، مصغَّر. ونَصيبٌ ونُصَيْبٌ: اسمان.
ونِصابٌ: اسم فرس.
والنَّصْبُ، في الإِعْراب: كالفتح، في البناءِ، وهو من مُواضَعات
النحويين؛ تقول منه: نَصَبْتُ الحرفَ، فانْتَصَبَ.
وغُبار مُنْتَصِبٌ أَي مُرْتَفِـع.
ونَصِـيبينَ: اسمُ بلد، وفيه للعرب مذهبان: منهم مَن يجعله اسماً
واحداً، ويُلْزِمُه الإِعرابَ، كما يُلْزم الأَسماءَ المفردةَ التي لا تنصرف، فيقول: هذه نَصِـيبينُ، ومررت بنَصِـيبينَ، ورأَيتُ نَصِـيبينَ، والنسبة نَصِـيبـيٌّ، ومنهم مَن يُجْريه مُجْرى الجمع، فيقول هذه نَصِـيبُونَ، ومررت بنَصِـيبينَ، ورأَيت نَصِـيبينَ. قال: وكذلك القول في يَبْرِينَ، وفِلَسْطِـينَ، وسَيْلَحِـينَ، وياسمِـينَ، وقِنَّسْرينَ، والنسبة إِليه، على هذا: نَصِـيبينيٌّ، ويَبْرينيٌّ، وكذلك أَخواتها. قال ابن بري، رحمه اللّه: ذكر الجوهري أَنه يقال: هذه نَصِـيبينُ ونَصِـيبون، والنسبة إِلى قولك نَصِـيبين، نصيبـيٌّ، وإِلى قولك نصيبون، نصيبينيّ؛ قال: والصواب عكس هذا، لأَن نَصِـيبينَ اسم مفرد معرب بالحركات، فإِذا نسبتَ إِليه أَبقيته على حاله، فقلت: هذا رجلٌ نَصِـيبينيٌّ؛ ومن قال نصيبون، فهو معرب إِعراب جموع السلامة، فيكون في الرفع بالواو، وفي النصب والجر بالياءِ، فإِذا نسبت إِليه، قلت: هذا رجل نَصِـيبـيّ، فتحذف الواو والنون؛ قال: وكذلك كلُّ ما جمعته جمع السلامة، تَرُدُّه في النسب إِلى الواحد، فتقول في زيدون، اسم رجل أَو بلد: زيديّ، ولا تقل زيدونيّ، فتجمع في الاسم الإِعرابَين، وهما الواو والضمة.
قرب: القُرْبُ نقيضُ البُعْدِ.
قَرُبَ الشيءُ، بالضم، يَقْرُبُ قُرْباً وقُرْباناً وقِرْباناً أَي دَنا، فهو قريبٌ، الواحد والاثنان والجميع في ذلك سواء. وقوله تعالى: ولو تَرَى إِذ فَزِعُوا فلا فَوْتَ وأُخِذُوا من مكانٍ قريبٍ؛ جاءَ في التفسير:أُخِذُوا من تحتِ أَقدامهم. وقوله تعالى: وما يُدْرِيكَ لعلَّ الساعةَ قريبٌ؛ ذَكَّر قريباً لأَن تأْنيثَ الساعةِ غيرُ حقيقيّ؛ وقد يجوز أَن يُذَكَّر لأَن الساعةَ في معنى البعث. وقوله تعالى: واستمع يوم يُنادي المنادِ من مكانٍ قريبٍ؛ أَي يُنادي بالـحَشْرِ من مكانٍ قريب، وهي الصخرة التي في بيت الـمَقْدِس؛ ويقال: إِنها في وسط الأَرض ؛ قال سيبويه: إِنَّ قُرْبَك زيداً، ولا تقول إِنَّ بُعْدَك زيداً، لأَن القُرب أَشدُّ تَمكُّناً في الظرف من البُعْد؛ وكذلك: إِنَّ قريباً منك زيداً، وأَحسنُه أَن تقول: إِن زيداً قريب منك، لأَنه اجتمع معرفة ونكرة، وكذلك البُعْد في الوجهين؛ وقالوا: هو قُرابتُك أَي قَريبٌ منك في المكان؛ وكذلك: هو قُرابَتُك في
العلم؛ وقولهم: ما هو بشَبِـيهِكَ ولا بِقُرَابة مِن ذلك، مضمومة القاف، أَي ولا بقَريبٍ من ذلك. أَبو سعيد: يقول الرجلُ لصاحبه إِذا اسْتَحَثَّه: تَقَرَّبْ أَي اعْجَلْ؛ سمعتُه من أَفواههم؛ وأَنشد:
يا صاحِـبَيَّ تَرحَّلا وتَقَرَّبا، فلَقَد أَنى لـمُسافرٍ أَن يَطْرَبا
التهذيب: وما قَرِبْتُ هذا الأَمْرَ، ولا قَرَبْتُه؛ قال اللّه تعالى:
ولا تَقْرَبا هذه الشجرة؛ وقال: ولا تَقْرَبُوا الزنا؛ كل ذلك مِنْ
قَرِبتُ أَقْرَبُ.
ويقال: فلان يَقْرُبُ أَمْراً أَي يَغْزُوه، وذلك إِذا فعل شيئاً أَو
قال قولاً يَقْرُبُ به أَمْراً يَغْزُوه؛ ويُقال: لقد قَرَبْتُ أَمْراً ما
أَدْرِي ما هو. وقَرَّبَه منه، وتَقَرَّب إِليه تَقَرُّباً وتِقِرَّاباً، واقْتَرَب وقاربه. وفي حديث أَبي عارِمٍ: فلم يَزَلِ الناسُ مُقارِبينَ
له أَي يَقْرُبُونَ حتى جاوزَ بلادَ بني عامر، ثم جَعل الناسُ يَبْعُدونَ منه.
وافْعَلْ ذلك بقَرابٍ، مفتوحٌ، أَي بقُرْبٍ؛عن
ابن الأَعرابي. وقوله تعالى: إِنَّ رحمةَ اللّه قَريبٌ من المحسنين؛ ولم يَقُلْ قَريبةٌ، لأَنه أَراد بالرحمة الإِحسانَ ولأَن ما لا يكون تأْنيثه حقيقيّاً، جاز تذكيره؛ وقال الزجاج: إِنما قيل قريبٌ، لأَن الرحمة، والغُفْرانَ، والعَفْو في معنًى واحد؛ وكذلك كل تأْنيثٍ ليس بحقيقيّ؛ قال: وقال الأَخفش جائز أَن تكون الرحمة ههنا بمعنى الـمَطَر؛ قال: وقال بعضُهم هذا ذُكِّر ليَفْصِلَ بين القريب من القُرْب، والقَريبِ من القَرابة؛ قال: وهذا غلط، كلُّ ما قَرُبَ من مكانٍ أَو نَسَبٍ، فهو جارٍ على ما يصيبه من التذكير والتأْنيث؛ قال الفراءُ: إِذا كان القريبُ في معنى المسافة، يذكَّر ويؤَنث، وإِذا كان في معنى النَّسَب، يؤَنث بلا اختلاف بينهم. تقول: هذه المرأَة قَريبتي أَي ذاتُ قَرابتي؛ قال ابن بري: ذكر الفراءُ أَنَّ العربَ تَفْرُقُ بين القَريب من النسب، والقَريب من المكان، فيقولون: هذه قَريبتي من النسب، وهذه قَرِيبي من المكان؛ ويشهد بصحة قوله قولُ امرئِ القيس:
له الوَيْلُ إِنْ أَمْسَى، ولا أُمُّ هاشمٍ * قَريبٌ، ولا البَسْباسةُ ابنةُ يَشْكُرا
فذكَّر قَريباً، وهو خبر عن أُم هاشم، فعلى هذا يجوز: قريبٌ مني، يريد قُرْبَ الـمَكان، وقَريبة مني، يريد قُرْبَ النَّسب. ويقال: إِنَّ فَعِـيلاً قد يُحْمل على فَعُول، لأَنه بمعناه، مثل رَحيم ورَحُوم، وفَعُول لا تدخله الهاءُ نحو امرأَة صَبُور؛ فلذلك قالوا: ريح خَريقٌ، وكَنِـيبة خَصِـيفٌ، وفلانةُ مني قريبٌ. وقد قيل: إِن قريباً أَصلهُ في هذا أَن يكونَ صِفةً لمكان؛ كقولك: هي مني قَريباً أَي مكاناً قريباً، ثم اتُّسِـعَ في الظرف فَرُفِـع وجُعِلَ خبراً.
التهذيب: والقَريبُ نقيضُ البَعِـيد يكون تَحْويلاً، فيَستوي في الذكر والأُنثى والفرد والجميع، كقولك: هو قَريبٌ، وهي قريبٌ، وهم قريبٌ، وهنَّ قَريبٌ. ابن السكيت: تقول العرب هو قَريبٌ مني، وهما قَريبٌ مني، وهم قَرِيبٌ مني؛ وكذلك المؤَنث: هي قريب مني، وهي بعيد مني، وهما بعيد، وهنّ بعيد مني، وقريب؛ فتُوَحِّدُ قريباً وتُذَكِّرُه لأَنه إِن كان مرفوعاً، فإِنه في تأْويل هو في مكان قريب مني. وقال اللّه تعالى: إِن رحمة اللّه
قريب من المحسنين. وقد يجوز قريبةٌ وبَعيدة، بالهاءِ، تنبيهاً على قَرُبَتْ، وبَعُدَتْ، فمن أَنثها في المؤَنث، ثَنَّى وجَمَع؛ وأَنشد:
لياليَ لا عَفْراءُ، منكَ، بعيدةُ * فتَسْلى، ولا عَفْراءُ منكَ قَريبُ
واقْتَرَبَ الوعدُ أَي تَقارَبَ. وقارَبْتُه في البيع مُقاربة.
والتَّقارُبُ: ضِدُّ التَّباعد. وفي الحديث: إِذا تَقاربَ الزمانُ، وفي
رواية: إِذا اقْترَبَ الزمان، لم تَكَدْ رُؤْيا المؤْمِن تَكْذِبُ؛ قال
ابن الأَثير: أَراد اقترابَ الساعة، وقيل اعتدالَ الليل والنهار؛ وتكون الرؤْيا فيه صحيحةً لاعْتِدالِ الزمان. واقْتَربَ: افْتَعَلَ، من القُرْب.
وتَقارَب: تَفاعَلَ، منه، ويقال للشيءِ إِذا وَلَّى وأَدْبَر: تَقارَبَ.
وفي حديث الـمَهْدِيِّ: يَتَقارَبُ الزمانُ حتى تكون السنةُ كالشهر؛
أَراد: يَطِـيبُ الزمانُ حتى لا يُسْتَطالَ؛ وأَيام السُّرور والعافية
قَصيرة؛ وقيل: هو كناية عن قِصَر الأَعْمار وقلة البركة.
ويقال: قد حَيَّا وقَرَّب إِذا قال: حَيَّاكَ اللّه، وقَرَّبَ دارَك.
وفي الحديث: مَنْ تَقَرَّب إِليَّ شِـبْراً تَقَرَّبْتُ إِليه ذِراعاً؛ المرادُ بقُرْبِ العَبْدِ
منَ اللّه، عز وجل، القُرْبُ بالذِّكْر والعمل الصالح، لا قُرْبُ الذاتِ والمكان، لأَن ذلك من صفات الأَجسام، واللّه يَتَعالى عن ذلك ويَتَقَدَّسُ. والمراد بقُرْبِ اللّه تعالى من العبد، قُرْبُ نعَمِه وأَلطافه منه، وبِرُّه وإِحسانُه إِليه، وتَرادُف مِنَنِه عنده، وفَيْضُ مَواهبه عليه.
وقِرابُ الشيءِ وقُرابُه وقُرابَتُه: ما قاربَ قَدْرَه. وفي الحديث: إِن
لَقِـيتَني بقُراب الأَرضِ خطيئةً أَي بما يقارِبُ مِلأَها، وهو مصدرُ قارَبَ يُقارِبُ. والقِرابُ: مُقاربة الأَمر؛ قال عُوَيْفُ القَوافي يصف نُوقاً:
هو ابن مُنَضِّجاتٍ، كُنَّ قِدْماً * يَزِدْنَ على العَديد قِرابَ شَهْرِ
وهذا البيت أَورده الجوهري: يَرِدْنَ على الغَديرِ قِرابَ شهر. قال ابن بري: صواب إِنشاده يَزِدْنَ على العَديد، مِنْ معنى الزيادة على العِدَّة، لا مِنْ معنى الوِرْدِ على الغَدير. والـمُنَضِّجةُ: التي تأَخرت ولادتها عن حين الولادة شهراً، وهو أَقوى للولد.
قال: والقِرابُ أَيضاً إِذا قاربَ أَن يمتلئَ الدلوُ؛ وقال العَنْبَرُ
بن تميم، وكان مجاوراً في بَهْراءَ:
قد رابني منْ دَلْوِيَ اضْطِرابُها،
والنَّـأْيُ من بَهْراءَ واغْتِرابُها،
إِلاَّ تَجِـي مَلأَى يَجِـي قِرابُها
ذكر أَنه لما تزوَّجَ عمرو بن تميم أُمَّ خارجةَ، نقَلَها إِلى بلده؛
وزعم الرواةُ أَنها جاءَت بالعَنْبَر معها صغيراً فأَولدها عَمرو بن تميم أُسَيْداً، والـهُجَيْم، والقُلَيْبَ، فخرجوا ذاتَ يوم يَسْتَقُون، فَقَلَّ
عليهم الماءُ، فأَنزلوا مائحاً من تميم، فجعل المائح يملأُ دَلْوَ
الـهُجَيْم وأُسَيْد والقُلَيْبِ، فإِذا وردَتْ دلو العَنْبر تركها تَضْطَربُ،
فقال العَنْبَر هذه الأَبيات.
وقال الليث: القُرابُ والقِرابُ مُقارَبة الشيءِ. تقول: معه أَلفُ درهم أَو قُرابه؛ ومعه مِلْءُ قَدَح ماءٍ أَو قُرابُه. وتقول: أَتيتُه قُرابَ العَشِـيِّ، وقُرابَ الليلِ.
وإِناءٌ قَرْبانُ: قارَب الامْتِلاءَ، وجُمْجُمةٌ قَرْبَـى: كذلك. وقد أَقْرَبَه؛ وفيه قَرَبُه وقِرابُه. قال سيبويه: الفعل من قَرْبانَ قارَبَ.
قال: ولم يقولوا قَرُبَ استغناء بذلك. وأَقْرَبْتُ القَدَحَ، مِنْ قولهم: قَدَح قَرْبانُ إِذا قارَبَ أَن يمتلئَ؛ وقَدَحانِ قَرْبانانِ والجمع قِرابٌ، مثل عَجْلانَ وعِجالٍ؛ تقول: هذا قَدَحٌ قَرْبانُ ماءً، وهو الذي
قد قارَبَ الامتِلاءَ.
ويقال: لو أَنَّ لي قُرابَ هذا ذَهَباً أَي ما يُقارِبُ مِـْلأَه.
والقُرْبانُ، بالضم: ما قُرِّبَ إِلى اللّه، عز وجل. وتَقَرَّبْتَ به،
تقول منه: قَرَّبْتُ للّه قُرْباناً. وتَقَرَّبَ إِلى اللّه بشيءٍ أَي طَلَبَ به القُرْبة عنده تعالى.
والقُرْبانُ: جَلِـيسُ الملك وخاصَّتُه، لقُرْبِه منه، وهو واحد
القَرابِـينِ؛ تقول: فلانٌ من قُرْبان الأَمير، ومن بُعْدانِه. وقَرابينُ
الـمَلِكِ: وُزَراؤُه، وجُلساؤُه، وخاصَّتُه. وفي التنزيل العزيز: واتْلُ عليهم نَبأَ ابْنَيْ آدمَ بالحق إِذ قَرَّبا قُرْباناً. وقال في موضع آخر: إِن اللّه عَهِدَ إِلينا أَن لا نُؤْمِن لرسولٍ حتى يأْتِـيَنا بقُرْبانٍ
تأْكُلُه النارُ. وكان الرجلُ إِذا قَرَّبَ قُرْباناً، سَجَد للّه، فتنزل النارُ فتأْكل قُرْبانَه، فذلك علامةُ قبول القُرْبانِ، وهي
ذبائح كانوا يذبحونها. الليث: القُرْبانُ ما قَرَّبْتَ إِلى اللّه، تبتغي بذلك قُرْبةً ووسيلة. وفي الحديث صفة هذه الأُمَّةِ في التوراة: قُرْبانُهم دماؤُهم.
القُرْبان مصدر قَرُبَ يَقْرُب أَي يَتَقَرَّبُون إِلى اللّه بـإِراقة دمائهم في الجهاد. وكان قُرْبان الأُمَم السالفةِ ذَبْحَ البقر، والغنم، والإِبل. وفي الحديث: الصّلاةُ قُرْبانُ كلِّ تَقِـيٍّ أَي إِنَّ الأَتْقِـياءَ من الناس يَتَقَرَّبونَ بها إِلى اللّه تعالى أَي يَطْلُبون القُرْبَ منه بها. وفي حديث الجمعة: مَن رَاحَ في الساعةِ الأُولى، فكأَنما قَرَّبَ بدنةً أَي كأَنما أَهْدى ذلك إِلى اللّه تعالى كما يُهْدى القُرْبانُ إِلى بيت اللّه الحرام. الأَحمر: الخيلُ الـمُقْرَبة التي تكون قَريبةً مُعَدَّةً. وقال شمر: الإِبل الـمُقْرَبة التي حُزِمَتْ للرُّكوب، قالَـها أَعرابيٌّ مِن غَنِـيٍّ. وقال: الـمُقْرَباتُ من الخيل: التي ضُمِّرَتْ للرُّكوب. أَبو سعيد: الإِبل الـمُقْرَبةُ التي عليها رِحالٌ مُقْرَبة بالأَدَمِ، وهي مَراكِبُ الـمُلوك؛ قال: وأَنكر الأَعرابيُّ هذا التفسير.
وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: ما هذه الإِبلُ الـمُقْرِبةُ؟ قال: هكذا رُوي، بكسر الراءِ، وقيل: هي بالفتح، وهي التي حُزِمَتْ للرُّكوب، وأَصلُه من القِرابِ. ابن سيده: الـمُقْرَبةُ والـمُقْرَب من الخيل: التي تُدْنَى، وتُقَرَّبُ، وتُكَرَّمُ، ولا تُتْرَكُ أَن تَرُودَ؛ قال ابن دريد: إِنما يُفْعَلُ ذلك بالإِناث، لئلا يَقْرَعَها فَحْلٌ لئيم.
وأَقْرَبَتِ الحاملُ، وهي مُقْرِبٌ: دنا وِلادُها، وجمعها مَقاريبُ،
كأَنهم توهموا واحدَها على هذا، مِقْراباً؛ وكذلك الفرس والشاة، ولا يقال للناقةِ إِلاّ أَدْنَتْ، فهي مُدْنٍ؛ قالت أُمُّ تأَبـَّطَ شَرّاً،
تُؤَبِّنُه بعد موته:
وابْناه! وابنَ اللَّيْل،
ليس بزُمَّيْل شَروبٍ للقَيْل،
يَضْرِبُ بالذَّيْل كمُقْرِبِ الخَيْل
لأَنها تُضَرِّجُ من دَنا منها؛ ويُرْوى كمُقْرَب الخيل، بفتح الراءِ،
وهو الـمُكْرَم.
الليث: أَقْرَبَتِ الشاةُ والأَتانُ، فهي مُقْرِبٌ، ولا يقال للناقة إِلاّ أَدْنَتْ، فهي مُدْنٍ. العَدَبَّسُ الكِنانيُّ: جمع الـمُقْرِبِ من الشاءِ: مَقاريبُ؛ وكذلك هي مُحْدِثٌ وجمعُه مَحاديثُ.
التهذيب: والقَريبُ والقَريبة ذو القَرابة، والجمع مِن النساءِ
قَرائِبُ، ومِن الرجال أَقارِبُ، ولو قيل قُرْبَـى، لجاز.
والقَرابَة والقُرْبَـى: الدُّنُوُّ في النَّسب، والقُرْبَـى في الرَّحِم، وهي في الأَصل مصدر. وفي التنزيل العزيز: والجار ذي القُرْبَـى.وما بينهما مَقْرَبَةٌ ومَقْرِبَة ومَقْرُبة أَي قَرابةٌ. وأَقارِبُ
الرجلِ، وأَقْرَبوه: عَشِـيرَتُه الأَدْنَوْنَ. وفي التنزيل العزيز:
وأَنْذِرْ عَشِـيرَتَك الأَقْرَبِـين. وجاءَ في التفسير أَنه لما نَزَلَتْ هذه
الآية، صَعِدَ الصَّفا، ونادى الأَقْرَبَ فالأَقْرَبَ، فَخِذاً فَخِذاً.
يا بني عبدالمطلب، يا بني هاشم، يا بني عبدمناف، يا عباسُ، يا صفيةُ: إِني لا أَملك لكم من اللّه شيئاً، سَلُوني من مالي ما شئتم؛ هذا عن الزجاج.وتقول: بيني وبينه قَرابة، وقُرْبٌ، وقُرْبَـى، ومَقْرَبة، ومَقْرُبة، وقُرْبَة، وقُرُبَة، بضم الراءِ، وهو قَريبي، وذو قَرابَتي، وهم أَقْرِبائي، وأَقارِبي. والعامة تقول: هو قَرابَتي، وهم قَراباتي. وقولُه تعالى: قل لا أَسْـأَلُكم عليه أَجْراً إِلا الـمَوَدَّة في القُرْبَـى؛ أَي إِلا أَن تَوَدُّوني في قَرابتي أَي في قَرابتي منكم. ويقال: فلانٌ ذو قَرابتي، وذو
قَرابةٍ مِني، وذو مَقْرَبة، وذو قُرْبَـى مني. قال اللّه تعالى:
يَتيماً ذا مَقْرَبَةٍ. قال: ومِنهم مَن يُجيز فلان قَرابتي؛ والأَوَّلُ
أَكثر. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: إِلاَّ حامَى على قَرابته؛ أَي أَقارِبه، سُمُّوا بالمصدر كالصحابة.
والتَّقَرُّبُ: التَّدَنِّي إِلى شَيءٍ، والتَّوَصُّلُ إِلى إِنسان بقُرْبةٍ، أَو بحقٍّ.
والإِقْرابُ: الدُّنُوُّ.
وتَقارَبَ الزرعُ إِذا دَنا إِدراكُه.
ابن سيده: وقارَبَ الشيءَ داناه. وتَقَارَبَ الشيئانِ: تَدانَيا.
وأَقْرَبَ الـمُهْرُ والفصيلُ وغيرُه إِذا دنا للإِثناءِ أَو غير ذلك من
الأَسْنانِ.
والـمُتَقارِبُ في العَروض: فَعُولُن، ثماني مرات، وفعولن فعولن فَعَلْ، مرتين، سُمِّي مُتَقارِباً لأَنه ليس في أَبنية الشعر شيءٌ تَقْرُبُ أَوْتادُه من أَسبابه، كقُرْبِ المتقارِبِ؛ وذلك لأَن كل أَجزائه مَبْنِـيٌّ على وَتِدٍ وسببٍ.
ورجلٌ مُقارِبٌ، ومتاعٌ مُقارِبٌ: ليس بنَفيسٍ. وقال بعضهم: دَيْنٌ
مُقارِبٌ، بالكسر، ومتاعٌ مُقارَبٌ، بالفتح. الجوهري: شيءٌ مقارِبٌ، بكسرالراءِ، أَي وَسَطٌ بين الجَيِّدِ والرَّدِيءِ؛ قال: ولا تقل مُقارَبٌ، وكذلك إِذا كان رَخيصاً.
والعرب تقول: تَقارَبَتْ إِبلُ فلانٍ أَي قَلَّتْ وأَدْبَرَتْ؛ قال جَنْدَلٌ:
(يتبع...)
(تابع... 1): قرب: القُرْبُ نقيضُ البُعْدِ.... ...
غَرَّكِ أَن تَقارَبَتْ أَباعِري، * وأَنْ رَأَيتِ الدَّهْرَ ذا الدَّوائِر
ويقال للشيءِ إِذا وَلى وأَدبر: قد تَقارَبَ. ويقال للرجل القصير:
مُتقارِبٌ، ومُتَـآزِفٌ.
الأَصمعي: إِذا رفَعَ الفَرَسُ يَدَيْه معاً ووَضَعَهما معاً، فذلك
التقريبُ؛ وقال أَبو زيد: إِذا رَجَمَ الأَرضَ رَجْماً، فهو التقريبُ. يقال: جاءَنا يُقَرِّبُ به فرسُه.
وقارَبَ الخَطْوَ: داناه.
والتَّقريبُ في عَدْوِ الفرس: أَن يَرْجُمَ الأَرض بيديه، وهما
ضَرْبانِ: التقريبُ الأَدْنَى، وهو الإِرْخاءُ، والتقريبُ الأَعْلى، وهو
الثَّعْلَبِـيَّة. الجوهري: التقريبُ ضَربٌ من العَدْوِ؛ يقال: قَرَّبَ الفرسُ إِذا رفع يديه معاً ووضعهما معاً، في العدو، وهو دون الـحُضْر. وفي حديث الهجرة: أَتَيْتُ فرسِي فركبتها، فرفَعْتُها تُقَرِّبُ بي. قَرَّبَ الفرسُ، يُقَرِّبُ تقريباً إِذا عَدا عَدْواً دون الإِسراع.
وقَرِبَ الشيءَ، بالكسر، يَقْرَبُه قُرْباً وقُـِرْباناً: أَتاه، فقَرُبَ ودنا منه. وقَرَّبْتُه تقريباً: أَدْنَيْتُه. والقَرَبُ: طلبُ الماءِ ليلاً؛ وقيل: هو أَن لا يكون بينك وبين الماءِ إِلا ليلة. وقال ثعلب: إِذا كان بين الإِبل وبين الماءِ يومان، فأَوَّلُ يوم تَطلبُ فيه الماءَ هو القَرَبُ، والثاني الطَّلَقُ.
قَرِبَتِ الإِبلُ تَقْرَبُ قُرْباً، وأَقْرَبَها؛ وتقول: قَرَبْتُ أَقْرُبُ قِرابةً، مثلُ كتبتُ أَكْتُبُ كتابةً، إِذا سِرْتَ إِلى الماءِ، وبينك وبينه ليلة. قال الأَصمعي: قلتُ لأَعْرابِـيٍّ ما القَرَبُ؟ فقال: سير الليل لِورْدِ الغَدِ؛ قلتُ: ما الطَّلَق؟ فقال: سير الليل لِوِرْدِ الغِبِّ. يقال: قَرَبٌ بَصْباصٌ، وذلك أَن القوم يُسِـيمُونَ الإِبلَ، وهم في ذلك يسيرون نحو الماءِ، فإِذا بقيَت بينهم وبين الماءِ عشيةٌ، عَجَّلوا نحوهُ، فتلك الليلةُ ليلةُ القَرَب.
قال الخليل: والقارِبُ طالِبُ الماءِ ليلاً، ولا يقال ذلك لِطالِب
الماءِ نهاراً. وفي التهذيب: القارِبُ
الذي يَطلُبُ الماءَ، ولم يُعَيِّنْ وَقْتاً.
الليث: القَرَبُ أَن يَرْعَى القومُ بينهم وبين الموْرد؛ وفي ذلك يسيرون بعضَ السَّيْر، حتى إِذا كان بينهم وبين الماءِ ليلةٌ أَو عَشِـيَّة، عَجَّلُوا فَقَرَبُوا، يَقْرُبونَ قُرْباً؛ وقد أَقْرَبُوا إِبلَهم،
وقَرِبَتِ الإِبلُ.
قال: والحمار القارِب، والعانَةُ القَوارِبُ: وهي التي تَقْرَبُ
القَرَبَ أَي تُعَجِّلُ ليلةَ الوِرْدِ. الأَصمعي: إِذا خَلَّى الراعي وُجُوهَ
إِبله إِلى الماءِ، وتَرَكَها في ذلك تَرْعى ليلَتَئذٍ، فهي ليلةُ الطَّلَق؛ فإِن كان الليلةَ الثانية، فهي ليلةُ القَرَب، وهو السَّوْقُ الشديد.
وقال الأَصمعي: إِذا كانتْ إِبلُهم طَوالقَ، قيل أَطْلَقَ القومُ، فهم
مُطْلِقُون، وإِذا كانت إِبلُهم قَوارِبَ، قالوا: أَقْرَبَ القومُ، فهم
قارِبون؛ ولا يقال مُقْرِبُون، قال: وهذا الحرف شاذ. أَبو زيد: أَقْرَبْتُها حتى قَرِبَتْ تَقْرَبُ. وقال أَبو عمرو في الإِقْرابِ والقَرَب مثله؛ قال لبيد:
إِحْدَى بَني جَعْفَرٍ كَلِفْتُ بها، * لم تُمْسِ مِني نَوْباً ولا قَرَبا
قال ابن الأَعْرابي: القَرَبُ والقُرُبُ واحد في بيت لبيد. قال أَبو
عمرو: القَرَبُ في ثلاثة أَيام أَو أَكثر؛ وأَقْرَب القوم، فهم قارِبُون، على غير قياس، إِذا كانت إِبلُهم مُتَقارِبةً، وقد يُستعمل القَرَبُ في الطير؛ وأَنشد ابن الأَعرابي لخَليج الأَعْيَويّ:
قد قلتُ يوماً، والرِّكابُ كأَنـَّها * قَوارِبُ طَيْرٍ حانَ منها وُرُودُها
وهو يَقْرُبُ حاجةً أَي يَطلُبها، وأَصلها من ذلك.
وفي حديث ابن عمر: إِنْ كنا لنَلتَقي في اليوم مِراراً، يسأَل بعضُنا بعضاً، وأَن نَقْرُبَ بذلك إِلى أَن نحمد اللّه تعالى؛ قال الأَزهري: أَي ما نَطلُبُ بذلك إِلاَّ حمدَ اللّه تعالى. قال الخَطَّابي: نَقرُبُ أَي نَطلُب، والأَصلُ فيه طَلَبُ الماء، ومنه ليلةُ القَرَبِ: وهي الليلة التي يُصْبِحُونَ منها على الماءِ، ثم اتُّسِـعَ فيه فقيل: فُلانٌ يَقْرُبُ حاجتَه أَي يَطلُبها؛ فأَن الأُولى هي المخففة من الثقيلة، والثانية نافية.
وفي الحديث قال له رجل: ما لي هارِبٌ ولا قارِبٌ أَي ما له وارِدٌ يَرِدُ الماء، ولا صادِرٌ يَصدُرُ عنه. وفي حديث عليّ، كرّم اللّه وجهه: وما كنتُ إِلاَّ كقارِبٍ وَرَدَ، وطالبٍ وَجَد.
ويقال: قَرَبَ فلانٌ أَهلَه قُرْباناً إِذا غَشِـيَها.
والـمُقارَبة والقِرابُ: الـمُشاغَرة للنكاح، وهو رَفْعُ الرِّجْلِ.
والقِرابُ: غِمْدُ السَّيف والسكين، ونحوهما؛ وجمعُه قُرُبٌ. وفي
الصحاح: قِرابُ السيفِ غِمْدُه وحِمالَتُه. وفي المثل: الفِرارُ بقِرابٍ أَكْيَسُ؛ قال ابن بري: هذا المثل ذكره الجوهري بعد قِرابِ السيف على ما تراه، وكان صواب الكلام أَن يقول قبل المثل: والقِرابُ القُرْبُ، ويستشهد بالمثل عليه. والمثلُ لجابر بن عمرو الـمُزَنِـيّ؛ وذلك أَنه كان يسير في طريق، فرأَى أَثرَ رَجُلَيْن، وكان قائفاً، فقال: أَثَرُ رجلين شديدٍ كَلَبُهما، عَزيزٍ سَلَبُهما، والفِرارُ بقِرابٍ أَكْيَسُ أَي بحيث يُطْمَعُ في السلامة من قُرْبٍ. ومنهم مَن يَرويه بقُراب، بضم القاف. وفي التهذيب
الفِرارُ قبلَ أَن يُحاطَ بك أَكْيَسُ لك. وقَرَبَ قِراباً، وأَقرَبَهُ:
عَمِلَهُ.
وأَقْرَبَ السيفَ والسكين: عَمِل لها قِراباً. وقَرَبَهُ: أَدْخَلَه في
القِرابِ. وقيل: قَرَبَ السيفَ جعلَ له قِراباً؛ وأَقْرَبَه: أَدْخَله في
قِرابِه. الأَزهري: قِرابُ السيفِ شِبْه جِرابٍ من أَدَمٍ،
يَضَعُ الراكبُ فيه سيفَه بجَفْنِه، وسَوْطه، وعصاه، وأَداته. وفي كتابه لوائل بن حُجْرٍ: لكل عشر من السَّرايا ما يَحْمِلُ القِرابُ من التمر. قال ابن الأَثير: هو شِـبْه الجِراب، يَطْرَحُ فيه الراكبُ سيفه بغِمْدِه وسَوْطِه، وقد يَطْرَحُ فيه زادَه مِن تمر وغيره؛ قال ابن الأَثير: قال الخطابي الرواية بالباءِ؛ هكذا قال ولا موضع له ههنا. قال: وأُراه القِرافَ جمع قَرْفٍ، وهي أَوْعِـيَةٌ من جُلُود يُحْمَلُ فيها الزادُ للسفر، ويُجْمَع على قُروف أَيضاً.
والقِرْبةُ من الأَساقي. ابن سيده: القِرْبةُ الوَطْبُ من اللَّبَن، وقد
تكون للماءِ؛ وقيل: هي الـمَخْروزة من جانبٍ واحد؛ والجمع في أَدْنى العدد: قِرْباتٌ وقِرِباتٌ وقِرَباتٌ، والكثير قِرَبٌ؛ وكذلك جمعُ كلِّ ما كان على فِعْلة، مثل سِدْرة وفِقْرَة، لك أَن تفتح العينَ وتكسر وتسكن.
وأَبو قِرْبةَ: فَرَسُ عُبَيْدِ بن أَزْهَرَ.
والقُرْبُ: الخاصِرة، والجمع أَقرابٌ؛ وقال الشَّمَرْدَلُ: يصف فرساً:
لاحِقُ القُرْبِ، والأَياطِلِ نَهْدٌ، * مُشْرِفُ الخَلْقِ في مَطَاه تَمامُ
التهذيب: فرسٌ لاحِقُ الأَقْراب، يَجْمَعُونه؛ وإِنما له قُرُبانِ لسَعته، كما يقال شاة ضَخْمَةُ الخَواصِر، وإِنما لها خاصرتانِ؛ واستعاره
بعضُهم للناقة فقال:
حتى يَدُلَّ عليها خَلْقُ أَربعةٍ، * في لازِقٍ لاحِقِ الأَقْرابِ فانْشَمَلا
أَراد: حتى دَلَّ، فوضعَ الآتي موضعَ الماضي؛ قال أَبو ذؤيب يصف الحمارَ والأُتُنَ:
فبَدا له أَقْرابُ هذا رائِغاً * عنه، فعَيَّثَ في الكِنَانةِ يُرْجِـعُ
وقيل: القُرْبُ والقُرُبُ، من لَدُنِ الشاكلةِ إِلى مَرَاقِّ البطن، مثل
عُسْرٍ وعُسُرٍ؛ وكذلك من لَدُنِ الرُّفْغ إِلى الإِبْطِ قُرُبٌ من كلِّ
جانب.
وفي حديث الـمَوْلِدِ: فخرَجَ عبدُاللّه بن عبدالمطلب أَبو النبي، صلى اللّه عليه وسلم، ذاتَ يوم مُتَقَرِّباً، مُتَخَصِّراً بالبَطْحاءِ،
فبَصُرَتْ به ليلى العَدَوِيَّة؛ قوله مُتَقَرِّباً أَي واضعاً يده على
قُرْبِه أَي خاصِرَته وهو يمشي؛ وقيل: هو الموضعُ الرقيقُ أَسفل من السُّرَّة؛ وقيل: مُتَقَرِّباً أَي مُسْرِعاً عَجِلاً، ويُجْمَع على أَقراب؛ ومنه قصيدُ كعب بن زهير:
يمشي القُرادُ عليها، ثم يُزْلِقُه * عنها لَبانٌ وأَقرابٌ زَهالِـيلُ
التهذيب: في الحديث ثلاثٌ لَعيناتٌ: رجلٌ غَوَّرَ الماءَ الـمَعِـينَ
الـمُنْتابَ، ورجلٌ غَوَّرَ طريقَ الـمَقْرَبةِ، ورجل تَغَوَّطَ تحت
شَجرةٍ؛ قال أَبو عمرو: الـمَقْرَبةُ المنزل، وأَصله من القَرَبِ وهو السَّيْر؛ قال الراعي:
في كلِّ مَقْرَبةٍ يَدَعْنَ رَعِـيلا
وجمعها مَقارِبُ. والـمَقْرَبُ: سَير الليل؛ قال طُفَيْلٌ يصف الخيل:
مُعَرَّقَة الأَلْحِي تَلُوحُ مُتُونُها، * تُثِـير القَطا في مَنْهلٍ بعدَ مَقْرَبِ
وفي الحديث: مَن غَيَّر الـمَقْرَبةَ والـمَطْرَبة، فعليه لعنةُ اللّه.
المَقْرَبةُ: طريقٌ صغير يَنْفُذُ إِلى طريق كبير، وجمعُها الـمَقارِبُ؛
وقيل: هو من القَرَب، وهو السير بالليل؛ وقيل: السير إِلى الماءِ.
التهذيب، الفراء جاءَ في الخبر: اتَّقُوا قُرابَ الـمُؤْمن أَو قُرابَتَه، فإِنه يَنْظُر بنُور اللّه، يعني فِراسَتَه
وظَنَّه الذي هو قَريبٌ من العِلم والتَّحَقُّقِ لصِدْقِ حَدْسِه وإِصابتِه.
والقُراب والقُرابةُ: القريبُ؛ يقال: ما هو بعالم، ولا قُرابُ عالم، ولا قُرابةُ عالمٍ، ولا قَريبٌ من عالم.
والقَرَبُ: البئر القريبة الماء، فإِذا كانت بعيدةَ الماء، فهي النَّجاءُ؛ وأَنشد:
يَنْهَضْنَ بالقَوْمِ عَلَيْهِنَّ الصُّلُبْ، * مُوَكَّلاتٌ بالنَّجاءِ والقَرَبْ
يعني: الدِّلاء.
وقوله في الحديث: سَدِّدوا وقارِبُوا؛ أَي اقْتَصِدوا في الأُمورِ
كلِّها، واتْرُكوا الغُلُوَّ فيها والتقصير؛ يقال: قارَبَ فلانٌ في أُموره
إِذا اقتصد.
وقوله في حديث ابن مسعود: إِنه سَلَّم على النبي، صلى اللّه عليه وسلم، وهو في الصلاة، فلم يَرُدَّ عليه، قال: فأَخذني ما قَرُبَ وما بَعُدَ؛ يقال للرجُل إِذا أَقْلَقَه الشيءُ وأَزْعَجَه: أَخذه ما قَرُبَ وما بَعُدَ، وما قَدُمَ وما حَدُثَ؛ كأَنه يُفَكِّرُ ويَهْتَمُّ في بَعيدِ أُمورِه وقَريـبِها، يعني أَيـُّها كان سَبَباً في الامتناع من ردِّ السلام
عليه.وفي حديث أَبي هريرة، رضي اللّه عنه: لأُقَرِّبَنَّ بكم صلاةَ رسولِ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، أَي لآتِـيَنَّكم بما يُشْبِهُها، ويَقْرُبُ منها.
وفي حديثه الآخر: إِني لأَقْرَبُكم شَبَهاً بصلاةِ رسول اللّه، صلى
اللّه عليه وسلم.
والقارِبُ: السَّفينةُ الصغيرة، مع أَصحاب السُّفُنِ الكبار البحرية،
كالجَنائب لها، تُسْتَخَفُّ لحوائجهم، والجمعُ القَوارِبُ. وفي حديث
الدجال: فجلسوا في أَقْرُبِ السفينة، واحدُها قارِبٌ، وجمعه قَوارِب؛ قال: فأَما أَقْرُبٌ، فإِنه غير معروف في جمع قارِب، إِلاَّ أَن يكون على غير قياس؛ وقيل: أَقْرُبُ السفينةِ أَدانِـيها أَي ما قارَبَ إِلى الأَرض منها.والقَريبُ: السَّمَك الـمُمَلَّحُ، ما دام في طَراءَته. وقَرَبَتِ الشمسُ للمغيب: ككَرَبَتْ؛ وزعم يعقوب أَن القاف بدل مِن الكاف.
والـمَقارِبُ: الطُّرُقُ.
وقُرَيْبٌ: اسم رجل.
وقَرِيبةُ: اسم امرأَة.
وأَبو قَرِيبةَ: رجل من رُجَّازِهم.
والقَرَنْبَـى: نذكره في ترجمة قرنب.
كلم: القرآنُ: كلامُ الله وكَلِمُ الله وكَلِماتُه وكِلِمته، وكلامُ
الله لا يُحدّ ولا يُعدّ، وهو غير مخلوق، تعالى الله عما يقول المُفْتَرُون
علُوّاً كبيراً. وفي الحديث: أَعوذ بِكلماتِ الله التامّاتِ؛ قيل: هي
القرآن؛ قال ابن الأَثير: إنما وَصَف كلامه بالتَّمام لأَنه لا يجوز أَن
يكون في شيء من كلامه نَقْص أَو عَيْب كما يكون في كلام الناس، وقيل: معنى
التمام ههنا أَنها تنفع المُتَعَوِّذ بها وتحفظه من الآفات وتَكْفِيه. وفي
الحديث: سبحان الله عَدَد كلِماتِه؛ كِلماتُ الله أي كلامُه، وهو صِفتُه
وصِفاتُه لا تنحصر بالعَدَد، فذِكر العدد ههنا مجاز بمعنى المبالغة في
الكثرة، وقيل: يحتمل أَن يريد عدد الأَذْكار أَو عدد الأُجُور على ذلك،
ونَصْبُ عدد على المصدر؛ وفي حديث النساء: اسْتَحْلَلْتم فُرُوجَهن بكلمة
الله؛ قيل: هي قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحْسان، وقيل: هي
إباحةُ الله الزواج وإذنه فيه. ابن سيده: الكلام القَوْل، معروف، وقيل:
الكلام ما كان مُكْتَفِياً بنفسه وهو الجملة، والقول ما لم يكن مكتفياً بنفسه،
وهو الجُزْء من الجملة؛ قال سيبويه: اعلم أَنّ قُلْت إنما وقعت في
الكلام على أَن يُحكى بها ما كان كلاماً لا قولاً، ومِن أَدلّ الدليل على
الفرق بين الكلام والقول إجماعُ الناس على أَن يقولوا القُرآن كلام الله ولا
يقولوا القرآن قول الله، وذلك أَنّ هذا موضع ضيِّق متحجر لا يمكن تحريفه
ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه، فَعُبِّر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون
إلا أَصواتاً تامة مفيدة؛ قال أَبو الحسن: ثم إنهم قد يتوسعون فيضعون كل
واحد منهما موضع الآخر؛ ومما يدل على أَن الكلام هو الجمل المتركبة في
الحقيقة قول كثيِّر:
لَوْ يَسْمَعُونَ كما سمِعتُ كلامَها،
خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُودا
فمعلوم أَن الكلمة الواحدة لا تُشجِي ولا تُحْزِنُ ولا تَتملَّك قلب
السامع، وإنما ذلك فيما طال من الكلام وأَمْتَع سامِعِيه لعُذوبة
مُسْتَمَعِه ورِقَّة حواشيه، وقد قال سيبويه: هذا باب أَقل ما يكون عليه الكلم،
فدكر هناك حرف العطف وفاءه ولام الابتداء وهمزة الاستفهام وغير ذلك مما هو
على حرف واحد، وسمى كل واحدة من ذلك كلمة. الجوهري: الكلام اسم جنس يقع
على القليل والكثير، والكَلِمُ لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأَنه جمع كلمة
مثل نَبِقة ونَبِق، ولهذا قال سيبويه: هذا باب علم ما الكلِمُ من العربية،
ولم يقل ما الكلام لأنه أَراد نفس ثلاثة أَشياء: الاسم والفِعْل
والحَرف، فجاء بما لا يكون إلا جمعاً وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة،
وتميم تقول: هي كِلْمة، بكسر الكاف، وحكى الفراء فيها ثلاث لُغات: كَلِمة
وكِلْمة وكَلْمة، مثل كَبِدٍ وكِبْدٍ وكَبْدٍ، ووَرِقٍ ووِرْقٍ ووَرْقٍ،
وقد يستعمل الكلام في غير الإنسان؛ قال:
فَصَبَّحَتْ، والطَّيْرُ لَمْ تَكَلَّمِ،
جابِيةً حُفَّتْ بِسَيْلٍ مُفْعَمِ
(* قوله «مفعم» ضبط في الأصل والمحكم هنا بصيغة اسم المفعول وبه أيضاً
ضبط في مادة فعم من الصحاح).
وكأَنّ الكلام في هذا الاتساع إنما هو محمول على القول، أَلا ترى إلى
قلة الكلام هنا وكثرة القول؟ والكِلْمَة: لغةٌ تَميمِيَّةٌ، والكَلِمة:
اللفظة، حجازيةٌ، وجمعها كَلِمٌ، تذكر وتؤنث. يقال: هو الكَلِمُ وهي
الكَلِمُ. التهذيب: والجمع في لغة تميم الكِلَمُ؛ قال رؤبة:
لا يَسْمَعُ الرَّكْبُ به رَجْعَ الكِلَمْ
وقالل سيبويه: هذا باب الوقف في أَواخر الكلم المتحركة في الوصل، يجوز
أن تكون المتحركة من نعت الكَلِم فتكون الكلم حينئذ مؤنثة، ويجوز أن تكون
من نعت الأَواخر، فإذا كان ذلك فليس في كلام سيبويه هنا دليل على تأْنيث
الكلم بل يحتمل الأَمرين جميعاً؛ فأَما قول مزاحم العُقَيليّ:
لَظَلّ رَهِيناً خاشِعَ الطَّرْفِ حَطَّه
تَحَلُّبُ جَدْوَى والكَلام الطَّرائِف
فوصفه بالجمع، فإنما ذلك وصف على المعنى كما حكى أَبو الحسن عنهم من
قولهم: ذهب به الدِّينار الحُمْرُ والدِّرْهَمُ البِيضُ؛ وكما قال:
تَراها الضَّبْع أَعْظَمهُنَّ رَأْسا
فأَعادَ الضمير على معنى الجنسية لا على لفظ الواحد، لما كانت الضبع هنا
جنساً، وهي الكِلْمة، تميمية وجمعها كِلْم، ولم يقولوا كِلَماً على
اطراد فِعَلٍ في جمع فِعْلة. وأما ابن جني فقال: بنو تميم يقولون كِلْمَة
وكِلَم كَكِسْرَة وكِسَر. وقوله تعالى: وإذ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّه
بكَلِمات؛ قال ثعلب: هي الخِصال العشر التي في البدن والرأْس. وقوله تعالى:
فتَلَقَّى آدمُ من ربه كَلِماتٍ؛ قال أَبو إسحق: الكَلِمات، والله أَعلم،
اعْتِراف آدم وحواء بالذَّنب لأَنهما قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنْفُسَنا. قال
أَبو منصور: والكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظة
مؤلفة من جماعة حروفٍ ذَاتِ مَعْنىً، وتقع على قصيدة بكمالها وخطبة
بأَسْرها. يقال: قال الشاعر في كَلِمته أَي في قصيدته. قال الجوهري: الكلمة
القصيدة بطُولها.
وتَكلَّم الرجل تَكلُّماً وتِكِلاَّماً وكَلَّمه كِلاَّماً، جاؤوا به
على مُوازَنَة الأَفْعال، وكالمَه: ناطَقَه. وكَلِيمُك: الذي يُكالِمُك.
وفي التهذيب: الذي تُكَلِّمه ويُكَلِّمُك يقال: كلَّمْتُه تَكلِيماً
وكِلاَّماً مثل كَذَّبْته تَكْذيباً وكِذَّاباً. وتَكلَّمْت كَلِمة وبكَلِمة.
وما أَجد مُتكَلَّماً، بفتح اللام، أي موضع كلام. وكالَمْته إذا حادثته،
وتَكالَمْنا بعد التَّهاجُر. ويقال: كانا مُتَصارِمَيْن فأَصبحا
يَتَكالَمانِ ولا تقل يَتَكَلَّمانِ. ابن سيده: تَكالَمَ المُتَقاطِعانِ كَلَّمَ
كل واحد منهما صاحِبَه، ولا يقال تَكَلَّما. وقال أَحمد بن يحيى في قوله
تعالى: وكَلَّم الله موسى تَكْلِيماً؛ لو جاءت كَلَّمَ الله مُوسَى مجردة
لاحتمل ما قلنا وما قالوا، يعني المعتزلة، فلما جاء تكليماً خرج الشك
الذي كان يدخل في الكلام، وخرج الاحتمال للشَّيْئين، والعرب تقول إذا وُكِّد
الكلامُ لم يجز أن يكون التوكيد لغواً، والتوكيدُ بالمصدر دخل لإخراج
الشك. وقوله تعالى: وجعلها كَلِمة باقِيةً في عَقِبه؛ قال الزجاج: عنى
بالكلمة هنا كلمة التوحيد، وهي لا إله إلا الله، جَعلَها باقِيةً في عَقِب
إبراهيم لا يزال من ولده من يوحِّد الله عز وجل. ورجل تِكْلامٌ وتِكْلامة
وتِكِلاَّمةٌ وكِلِّمانيٌّ: جَيِّدُ الكلام فَصِيح حَسن الكلامِ
مِنْطِيقٌٌ. وقال ثعلب: رجل كِلِّمانيٌّ كثير الكلام، فعبر عنه بالكثرة، قال:
والأُنثى كِلِّمانيَّةٌ، قال: ولا نظير لِكِلِّمانيٍّ ولا لِتِكِلاَّمةٍ. قال
أَبو الحسن: وله عندي نظير وهو قولهم رجل تِلِقَّاعةٌ كثير الكلام.
والكَلْمُ: الجُرْح، والجمع كُلُوم وكِلامٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
يَشْكُو، إذا شُدَّ له حِزامُه،
شَكْوَى سَلِيم ذَرِبَتْ كِلامُه
سمى موضع نَهْشة الحية من السليم كَلْماً، وإنما حقيقته الجُرْحُ، وقد
يكون السَّلِيم هنا الجَرِيحَ، فإذا كان كذلك فالكلم هنا أَصل لا مستعار.
وكَلَمَه يَكْلِمُه
(* قوله «وكلمه يكلمه» قال في المصباح: وكلمه يكلمه
من باب قتل ومن باب ضرب لغة ا هـ. وعلى الأخيرة اقتصر المجد. وقوله «وكلمة
كلماً جرحه» كذا في الأصل وأصل العبارة للمحكم وليس فيها كلماً) كَلْماً
وكَلَّمه كَلْماً: جرحه، وأَنا كالِمٌ ورجل مَكْلُوم وكَلِيم؛ قال:
عليها الشَّيخُ كالأَسَد الكَلِيمِ
والكَلِيمُ، فالجر على قولك عليها الشيخ كالأَسدِ الكليم إذا جُرِح
فَحَمِي أَنْفاً، والرفع على قولك عليها الشيخُ الكلِيمُ كالأَسد، والجمع
كَلْمى. وقوله تعالى: أَخرجنا لهم دابّة من الأَرض تُكَلِّمهم؛ قرئت:
تَكْلِمُهم وتُكَلِّمُهم، فتَكْلِمُهم: تجرحهم وتَسِمهُم، وتُكَلِّمُهم: من
الكلام، وقيل: تَكْلِمهم وتُكَلِّمهم سواء كما تقول تَجْرحهُم وتُجَرِّحهم،
قال الفراء: اجتمع القراء على تشديد تُكَلِّمهم وهو من الكلام، وقال أَبو
حاتم: قرأَ بعضهم تَكْلِمهُم وفسر تَجْرحهُم، والكِلام: الجراح، وكذلك
إن شدد تُكلِّمهم فذلك المعنى تُجَرِّحهم، وفسر فقيل: تَسِمهُم في وجوههم،
تَسِمُ المؤمن بنقطة بيضاء فيبيضُّ وجهه، وتَسِم الكافر بنقطة سوداء
فيسودّ وجهه. والتَّكْلِيمُ: الــتَّجْرِيح؛ قال عنترة:
إذ لا أَزال على رِحالةِ سابِحٍ
نَهْدٍ، تَعاوَرَه الكُماة، مُكَلَّمِ
وفي الحديث: ذهَب الأَوَّلون لم تَكْلِمهم الدنيا من حسناتهم شيئاً أي
لم تؤثِّر فيهم ولم تَقْدح في أَديانهم، وأَصل الكَلْم الجُرْح. وفي
الحديث: إنا نَقُوم على المَرْضى ونُداوي الكَلْمَى؛ جمع كَلِيم وهو الجَريح،
فعيل بمعنى مفعول، وقد تكرر ذكره اسماً وفعلاً مفرداً ومجموعاً. وفي
التهذيب في ترجمة مسح في قوله عز وجل: بِكَلِمةٍ منه اسمه المَسِيح؛ قال أَبو
منصور: سمى الله ابتداء أَمره كَلِمة لأَنه أَلْقَى إليها الكَلِمة ثم
كَوَّن الكلمة بشَراً، ومعنى الكَلِمة معنى الولد، والمعنى يُبَشِّرُك
بولد اسمه المسيح؛ وقال الجوهري: وعيسى، عليه السلام، كلمة الله لأَنه لما
انتُفع به في الدّين كما انتُفع بكلامه سمي به كما يقال فلان سَيْفُ الله
وأَسَدُ الله.
والكُلام: أَرض غَليظة صَليبة أو طين يابس، قال ابن دريد: ولا أَدري ما
صحته، والله أَعلم.