Academy of the Arabic Language in Cairo, al-Muʿjam al-Wasīṭ (1998) المعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=64759#db0646
(تثاءب)
أَصَابَته الثؤباء
أَصَابَته الثؤباء
ثأب: ثَئِبَ الرَّجُل(1)
(1 قوله «ثئب الرجل» قال شارح القاموس هو كفرح عازياً ذلك للسان، ولكن الذي في المحكم والتكملة وتبعهما المجد ثأب كعنى.)
ثَأَباً وتَثاءَبَ وتَثَأّبَ: أَصابَه كَسَلٌ وتَوصِيمٌ، وهي الثُّؤَباءُ، مَـمْدود.
والثُّؤَباءُ من التَّثاؤُب مثل الـمُطَواءِ من التَّمَطِّي. قال الشاعِر في صفة مُهْر:
فافْتَرَّ عن قارِحِه تَثاؤُبُهْ
وفي المثل: أَعْدَى مِن الثُّؤَباءِ.
ابن السكيت: تَثاءَبْــتُ على تَفاعَلْتُ ولا تقل تَثاوَبْتُ.
والتَّثاؤُبُ: أَن يأْكُلَ الإِنْسان شيئاً أَو يَشْربَ شيئاً تَغْشاهُ له فَتْرة
كَثَقْلةِ النُّعاس من غَير غَشْيٍ عليه. يقال: ثُئِبَ فلان.
قال أَبو زيد: تَثَأّبَ يَتَثَأّبُ تثَؤُّباً من الثُّؤَباءِ، في كتاب الهمز. وفي الحديث: التَّثاؤُبُ من الشَّيْطان؛ وإِنما جعله من الشَّيْطانِ كَراهِيةً له لأَنه إِنما يكون مِن ثِقَلِ البَدَنِ وامْتِلائه واستِرخائِه ومَيْلِه إِلى الكَسَل والنوم، فأَضافه إِلى الشيطان، لأَنه الذي يَدْعُو إِلى إِعطاء النَّفْس شَهْوَتَها؛ وأَرادَ به التَحْذِيرَ من السبَب الذي يَتَولَّدُ منه، وهو التَّوَسُّع في الـمَطْعَمِ والشِّبَعِ، فيَثْقُل عن الطَّاعاتِ ويَكْسَلُ عن الخَيْرات.
والأَثْأَبُ: شجر يَنْبُتُ في بُطُون الأَوْدية بالبادية، وهو على ضَرْب التِّين يَنْبُت ناعِماً كأَنه على شاطئِ نَهر، وهو بَعِيدٌ من الماءِ، يَزْعُم النَّاسُ أَنها شجرة سَقِيَّةٌ؛ واحدتُه أَثْأَبةٌ. قال الكُمَيْتُ:
وغادَرْنا الـمَقاوِلَ في مَكَرٍّ، * كَخُشْبِ الأَثْأَبِ الـمُتَغَطْرسِينا
قال الليث: هي شَبِيهةٌ بشَجَرة تسميها العجم النَّشْك، وأَنشد:
في سَلَمٍ أَو أَثْأَبٍ وغَرْقَدِ
قال أَبو حنيفة: الأَثْأَبةُ: دَوْحةٌ مِحْلالٌ واسِعةٌ، يَسْتَظِلُّ تَحتَها الأُلُوفُ من الناسِ تَنْبُتُ نباتَ شجَر الجَوْز، ووَرَقُها أَيضاً كنحو وَرقِه، ولها ثمَر مثلُ التين الأَبْيَضِ يُؤْكل، وفيه كَراهةٌ، وله حَبٌّ مثل حَبِّ التِّين،وزِنادُه جيدة. وقيل: الأَثْأَبُ شِبْه القَصَبِ له رؤوسٌ كَرؤُوس القَصَب وشَكِير كشَكِيرِه، فأَمـّا قوله: قُلْ لأَبي قَيْسٍ خَفِيفِ الأَثَبَهْ فعلى تخفيف الهمزة، إِنما أَراد خَفِيفَ الأَثْأَبة. وهذا الشاعر كأَنه ليس من لغته الهمز، لأَنه لو همز لم ينكسر البيت، وظنَّه قوم لغة، وهو خَطَأٌ. وقال أَبو حنيفة: قال بعضهم الأَثْب، فاطَّرَح الهمزة، وأَبْقى الثاءَ على سُكونها، وأَنشد:
ونَحْنُ مِنْ فَلْجٍ بأَعْلى شِعْبِ، * مُضْطَرِب الْبانِ، أَثِيثِ الأَثْبِ
فوه: الليث: الفُوهُ أَصلُ بناء تأْسِيسِ الفمِ. قال أَبو منصور: ومما
يَدُّلُّك على أَن الأَصل في فمٍ وفُو وفا وفي هاءٌ حُذِفَت من آخرها
قولُهم للرجل الكثيرِ الأَكلِ فَيِّهٌ، وامرأَة فَيِّهةٌ. ورجل أَفْوَهُ:
عظيمُ الفَم طويلُ الاسنان. ومَحالةٌ فَوْهاء إذا طالت أَسنانها التي
يَجْري الرِّشاءُ فيها. ابن سيده: الفاهُ والفُوهُ والفِيهُ والفَمُ
سواءٌ، والجمعُ أَفواهٌ. وقوله عزَّ وجل: ذلك قولُهم بأَفْواهِهم؛ وكلُّ قولٍ
إنما هو بالفم، إنما المعنى ليس فيه بيانٌ ولا بُرْهانٌ، إنما هو قولٌ
بالفمِ ولا معنى صحيحاً تَحْتَه، لأَنهم معترفون بأَنّ اللهَ لم يتَّخِذْ
صاحبةً فكيف يَزْعُمون أَنَّ له ولداً؟ أَما كونُه جمعَ فُوهٍ فبَيِّنٌ،
وأَما كونه جمع فِيهٍ فَمِنْ باب ريحٍ وأَرْواحٍ إذ لم نسْمَعْ
أَفْياهاً؛ وأَما كونُه جمعَ فاهٍ فإن الاشتقاق يؤْذن أَن فاهاً من الواو لقولهم
مُفَوَّةٌ، وأَما كونه جمع فِمٍ فلأَنَّ أَصلَ فَمٍ فَوَهٌ، فحُذِفت
الهاء كما حذفت مِنْ سَنةٍ فيمن قال عامَلْتُ مُسانَهةً، وكما حُذِفت من
شاةٍ ومن شَفَةٍ ومن عِضَةٍ ومن اسْتٍ، وبقيت الواو طرفاً متحركة فوجب
إبدالُها أَلفاً لانفتاح ما قبلها فبقي فاً، ولا يكون الاسم على حرفين
أَحدُهما التنوينُ، فأُبْدل مكانَها حرفٌ جَلْدٌ مُشاكِلٌ لها، وهو الميمُ
لأَنهما شَفَهِيَّتان، وفي الميم هُوِيٌّ في الفَمِ يُضارِعُ امتدادَ
الواوِ. قال أَبو الهيثم: العربُ تستثقل وُقوفاً على الهاءِ والحاءِ والواوِ
والياءِ إذا سَكَنَ ما قبلَها، فتَحْذِفُ هذه الحروفَ وتُبْقي الاسمَ
على حرفين كما حذفوا الواوَ من أَبٍ وأَخٍ وغَدٍ وهَنٍ، والياءَ من يَدٍ
ودَمٍ، والحاءَ من حِرٍ، والهاءَ من فُوهٍ وشَفةٍ وشاةٍ، فلما حذفوا
الهاءَ من فُوهٍ بقيت الواو ساكنة، فاستثقلوا وقوفاً عليها فحذفوها، فبقي
الاسم فاءً وحدها فوصلوها بميم ليصيرَ حرفين، حرفٌ يُبْتَدأُ به فيُحرَّك،
وحرفٌ يُسْكَت عليه فيُسَكِّن، وإنما خَصُّوا الميم بالزيادة لِمَا كان
في مَسْكَنٍ، والميمُ من حروف الشَّفَتين تنطبقان بها، وأَما ما حكي من
قولهم أَفْمامٌ فليس بجمع فَمٍ، إنما هو من باب مَلامِحَ ومَحاسِنَ،
ويدل على أَن فَماً مفتوحُ الفاء وُجُودك إياها مفتوحةً في هذا اللفظ، وأَما
ما حكى فيها أَبو زيد وغيرهُ من كسْرِ الفاء وضمِّها فضرْبٌ من التغيير
لَحِقَ الكلمةَ لإعْلالِها بحذف لامِها وإبدال عيْنِها؛ وأَما قول
الراجز:
يا لَيْتَها قد خَرَجَتْ مِنْ فُمِّهِ،
حتى يَعودَ المُلْك في أُسْطُمِّهِ
يُرْوَى بضم الفاء من فُمِّه، وفتحِها؛ قال ابن سيده: القول في تشديد
الميم عندي أَنه ليس بلغة في هذه الكلمة، أَلا ترى أَنك لا تجد لهذه
المُشدِّدةِ الميمِ تصَرُّفاً إنما التصرُّفُ كله على ف و ه؟ من ذلك قولُ
الله تعالى: يقولون بأَفْواهِهم ما ليْسَ في قُلوبِهم؛ وقال الشاعر:
فلا لَغْوٌ ولا تأْثِيمَ فيها،
وما فاهُوا به أَبداً مُقِيمُ
وقالوا: رجلٌ مُفَوَّه إذا أَجادَ القولَ؛ ومنه الأفْوَهُ للواسعِ
الفمِ، ولم نسْمَعْهم قالوا أَفْمام ولا تفَمَّمت، ولا رجل أَفَمّ، ولا شيئاً
من هذا النحو لم نذكره، فدل اجتماعهم على تصَرُّفِ الكلمة بالفاء والواو
والهاء على أَن التشديد في فَمٍّ لا أَصل له في نفس المثال، إنما هو
عارضٌ لَحِقَ الكلمة، فإن قال قائل: فإذا ثبت بما ذَكَرْتَه أَن التشديد
في فَمٍّ عارض ليس من نفس الكلمة، فمِنْ أَيْنَ أَتَى هذا التشديد وكيف
وجهُ دخولهِ إياها؟ فالجواب أَن أَصل ذلك أَنهم ثَقَّلوا الميمَ في الوقف
فقالوا فَمّ، كما يقولون هذا خالِدّ وهو يَجْعَلّ، ثم إنهم أَجْرَوُا
الوصل مُجْرَى الوقف فقالوا هذا فَمٌّ ورأَيت فَمّاً، كما أَجْرَوُا
الوصلَ مُجْرَى الوقف فيما حكاه سيبويه عنهم من قولهم:
ضَخْمٌ يُحِبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا
وقولهم أَيضاً:
ببازِلٍ وَجْنَاءَ أَو عَيْهَلِّ،
كأَنَّ مَهْواها، على الكَلْكَلِّ،
مَوْقِعُ كَفِّيْ راهِبٍ يُصَلِّي
يريد: العَيْهَلَ والكَلْكَلَ. قال ابن جني: فهذا حكم تشديد الميم عندي،
وهو أَقوى من أَن تَجْعَل الكلمةَ من ذوات التضعيف بمنزلة همٍّ وحمٍّ،
قال: فإن قلت فإذا كان أَصلُ فَمٍ عندك فَوَه فما تقول في قول
الفرزدق:هما نَفَثا في فيَّ مِنْْ فَمَوَيْهِما،
على النّابِحِ العاوِي، أَشدَّ رِجام
وإذا كانت الميم بدلاً من الواو التي هي عَيْنٌ فكيف جاز له الجمع
بينهما؟ فالجواب: أَن أَبا عليٍّ حكى لنا عن أَبي بكر وأَبي إسحق أَنهما
ذهبا إلى أَن الشاعر جمعَ بين العِوَض والمُعَوَّض عنه، لأَن الكلمة
مَجْهورة منقوصة، وأَجاز أَبو علي فيها وجهاً آخرَ، وهوأَن تكون الواوُ في
فمَوَيْهِما لاماً في موضع الهاء من أَفْواه، وتكون الكلمة تَعْتَفِبُ عليها
لامانِ هاءٌ مرة وواوٌ أُخرى، فجرى هذا مَجْرى سَنةٍ وعِضَةٍ، أَلا ترى
أَنهما في قول سيبويه سَنَوات وأَسْنَتُوا ومُساناة وعِضَوات واوانِ؟
وتَجِدُهما في قول من قال ليست بسَنْهاء وبعير عاضِهٌ هاءين، وإذا ثبت بما
قدَّمناه أَن عين فَمٍ في الأصل واوٌ فينبغي أََن تقْضِيَ بسكونها، لأَن
السكون هو الأَصل حتى تَقومَ الدلالةُ على الحركةِ الزائدة. فإن قلت:
فهلاَّ قضَيْتَ بحركة العين لِجَمْعِك إياه على أَفْواهٍ، لأَن أَفْعالاً
إنما هو في الأَمر العامّ جمعُ فَعَلٍ نحو بَطَلٍ وأَبْطالٍ وقَدَمٍ
وأَقْدامٍ ورَسَنٍ وأَرْسانٍ؟ فالجواب: أَن فَعْلاً مما عينُه واوٌ بابُه
أَيضاً أَفْعال، وذلك سَوْطٌ وأَسْواطٌ، وحَوْض وأَحْواض، وطَوْق
وأَطْواق، ففَوْهٌ لأن عينَه واوٌ أَشْبَهُ بهذا منه بقَدَمٍ ورَسَنٍ. قال
الجوهري: والفُوه أَصلُ قولِنا فَم لأَن الجمع أَفْواهٌ، إلا أَنهم
استثقلوا اجتماعَ الهاءين في قولك هذا فُوهُه بالإضافة، فحذفوا منه الهاء فقالوا
هذا فُوه وفُو زيدٍ ورأَيت فا زيدٍ، وإذا أَضَفْتَ إلى نفسك قلت هذا
فِيَّ، يستوي فيه حالُ الرفع والنصبِ والخفضِ، لأَن الواوَ تُقُلَبُ
ياءً فتُذْغَم، وهذا إنما يقال في الإضافة، وربما قالوا ذلك في غير
الإضافة، وهو قليل؛ قال العجاج:
خالَطَ، مِنْ سَلْمَى، خياشِيمَ وفا
صَهْباءَ خُرْطوماً عُقاراً قَرْقَفَا
وصَفَ عُذوبةَ ريقِها، يقول: كأَنها عُقارٌ خالَط خَياشِيمَها وفاها
فكَفَّ عن المضاف إليه؛ قال ابن سيده: وأَما قول الشاعر أَنشده الفراء:
يا حَبَّذَا عَيْنا سُلَيْمَى والفَما
قال الفراء: أَراد والفَمَانِ يعني الفمَ والأَنْفَ، فثَنَّاهُما بلفظ
الفمِ للمُجاوَرةِ، وأَجاز أَيضاً أَن يَنْصِبَه على أَنه مفعول معَه
كأَنه قال مع الفم؛ قال ابن جني: وقد يجوز أَن يُنصَب بفعل مضمر كأَنه قال
وأُحِبُّ الفمَ، ويجوز أَن يكون الفمُ في موضع رفع إلا أَنه اسم مقصورٌ
بمنزلة عَصاً، وقد ذكرنا من ذلك شيئاً في ترجمة فمم. وقالوا: فُوك وفُو
زيدٍ، في حدِّ الإضافة وذلك في حد الرفع، وفا زيدٍ وفي زيدِ في حدِّ
النصب والجر، لأَن التنوين قد أُمِنَ ههنا بلزوم الإضافة، وصارت كأَنها من
تمامه؛ وأَما قول العجاج:
خالطَ مِنْ سَلْمَى خَياشِيمَ وفا
فإنه جاءَ به على لغة من لم ينون، فقد أُمِنَ حذْف الأَلف لالتقاء
الساكنين كما أُمِنع في شاةٍ وذا مالٍ، قال سيبويه: وقالوا كلَّمْتُه فاهُ
إلى فِيَّ، وهي من الأسماء الموضوعة مَوْضِعَ المصادر ولا ينفردُ مما
بعده، ولو قلتَ كلَّمتُه فاهُ لم يَجُزْ، لأَنك تُخْبِر بقُرْبِك منه، وأَنك
كلَّمْتَه ولا أَحَدَ بينك وبينَه، وإن شئت رفعت أَي وهذه حالُه. قال
الجوهري: وقولهم كلَّمتُه فاه إلى فِيَّ أَي مُشافِهاً، ونصْبُ فاهٍ على
الحال، وإذا أَفْرَدُوا لم يحتمل الواوُ التنوين فحذفوها وعوَّضوا من
الهاءِ ميماً، قالوا هذا فمٌ وفَمَانِ وفَمَوان، قال: ولو كان الميمُ عِوَضاً
من الواو لما اجتمعتا، قال ابن بري: الميمُ في فَمٍ بدلٌ من الواو،
وليست عِوَضاً من الهاءِ كما ذكره الجوهري، قال: وقد جاء في الشعر فَماً
مقصور مثل عصاً، قال: وعلى ذلك جاء تثنيةُ فَمَوانِ؛ وأَنشد:
يا حَبَّذا وَجْهُ سُلَيْمى والفَما،
والجِيدُ والنَّحْرُ وثَدْيٌ قد نَما
وفي حديث ابن مسعود: أَقْرَأَنِيها رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم،
فاهُ إلى فِيَّ أَي مُشافَهةً وتَلْقِيناً، وهو نصبٌ على الحال بتقدير
المشتق، ويقال فيه: كلَّمني فُوهُ إلى فِيَّ بالرفع، والجملة في موضع الحال،
قال: ومن أَمثالهم في باب الدعاء على الرجُل العرب تقول: فاهَا لِفِيك؛
تريد فا الداهية، وهي من الأَسماء التي أُجْرِيت مُجْرَى المصدر المدعوّ
بها على إضمار الفعل غير المستعمل إظهارهُ؛ قال سيبويه: فاهَا لِفِيك،
غير منون، إنما يريد فا الداهيةِ، وصار بدلاً من اللفظ بقول دَهاكَ اللهُ،
قال: ويَدُلُّك على أَنه يُريدُ الداهيةَ قوله:
وداهِية مِنْ دَواهي المَنو
نِ يَرْهَبُها الناسُ لا فا لها
فجعل للداهية فماً، وكأَنه بدلٌ من قولهم دَهاكَ الله، وقيل: معناه
الخَيْبة لَكَ. وأَصله أَنه يريدُ جَعَل اللهُ بفِيك الأَرضَ، كما يقال بفيك
الحجرُ، وبفيك الأَثْلبُ؛ وقال رجل من بَلْهُجَيْم:
فقلتُ له: فاهَا بفِيكَ، فإنها
قَلوصُ امرئٍ قارِيكَ ما أَنتَ حاذِرهُ
يعني يَقْرِيك من القِرَى، وأَورده الجوهري: فإنه قلوصُ امرئ؛ قال
ابن بري: وصواب إنشاده فإنها، والبيت لأَبي سِدْرة الأَسَديّ، ويقال
الهُجَيْميّ. وحكي عن شمر قال: سمعت ابن الأَعرابي يقول فاهاً بفِيك، منوَّناً،
أَي أَلْصَقَ اللهُ فاكَ بالأَرضِ، قال: وقال بعضهم فاهَا لفِيكَ، غير
مُنوَّن، دُعاء عليه بكسر الفَمِ أَي كَسَر الله فَمَك. قال: وقال سيبويه
فاهَا لفِيكَ، غيرُ منوَّن، إنما يريد فا الداهيةِ وصار الضميرُ بدلاً من
اللفظ بالفعل، وأُضْمِرَ كما أُضمر للتُّرب والجَنْدَل، وصار بدلاً من
اللفظ بقوله دَهاكَ الله، وقال آخر:
لئِنْ مالكٌ أَمْسَى ذليلاً، لَطالَما
سَعَى للَّتي لا فا لها، غير آئِبِ
أَراد لا فَمَ لها ولا وَجْه أَي للداهية؛ وقال الآخر:
ولا أَقولُ لِذِي قُرْبَى وآصِرةٍ:
فاها لِفِيكَ على حالٍ من العَطَبِ
ويقال للرجل الصغير الفمِ: فُو جُرَذٍ وفُو دَبَى، يُلَقَّب به الرجل.
ويقال للمُنْتِن ريحِ الفمِ: فُو فَرَسٍ حَمِرٍ. ويقال: لو وَجَدتُ إليه
فَا كَرِشٍ أَي لو وجدت إليه سبيلاً. ابن سيده: وحكى ابن الأَعرابي في
تثنية الفمِ فَمَانِ وفَمَيانِ وفَموانِ، فأَما فَمانِ فعلى اللفظ،
وأَما فَمَيانِ وفَمَوانِ فنادر؛ قال: وأَما سيبويه فقال في قول
الفرزدق:هُما نَفَثا في فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِما
إنه على الضرورة.
والفَوَهُ، بالتحريك: سَعَةُ الفمِ وعِظَمُه. والفَوَهُ أَيضاً: خُروجُ
الأَسنانِ من الشَّفَتينِ وطولُها، فَوِهَ يَفْوَهُ فَوَهاً، فهو
أَفْوَهُ، والأُنثى فَوْهاء بيِّنا الفَوَهِ، وكذلك هو في الخَيْل. ورجل
أَفْوَهُ: واسعُ الفمِ؛ قال الراجز يصف الأَسد:
أَشْدَق يَفْتَرُّ افْتِرارَ الأَفْوَهَِ
وفرس فَوْهاءِ شَوْهاء: واسعة الفم في رأْسها طُولٌ. والفَوَهُ في بعض
الصفات: خروجُ الثَّنايا العُلْيا وطولُها. قال ابن بري: طول الثنايا
العليا يقال له الرَّوَقُ، فأَما الفَوَهُ فهو طول الأَسنانِ كلِّها.
ومَحالةٌ فَوْهاء: طالت أَسنانُها التي يَجْري الرِّشاءُ بينها. ويقال
لمحالة السانِيةِ إذا طالت أَسْنانُها: إنها لَفَوْهاءُ بيِّنة الفَوَهِ؛ قال
الراجز:
كَبْداء فَوْهاء كجَوْزِ المُقْحَم
وبئر فَوْهاء: واسَعةُ الفمِ. وطَعْنةٌ فَوْهاءُ: واسعةٌ. وفاهَ بالكلام
يَفُوهُ: نَطَقَ ولَفَظَ به؛ وأَنشد لأُمَيَّةَ:
وما فاهُوا به لَهُمُ مُقيمُ
قال ابن سيده: وهذه الكلمة يائيَّة وواويَّة. أَبو زيد: فاهَ الرجل
يَفُوه فَوْهاً إذا كان مُتكلِّماً. وقالوا: هو فاهٌ
بجُوعِه إذا أَظْهَرَه وباحَ به، والأَصل فائِهٌ بجُوعِه فقيل فاهٌ
كما قالوا جُرُفٌ هارٌ وهائرٌ. ابن بري: وقال الفراء رجل فاوُوهةٌ
يَبُوح بكلِّ ما في نفسه وفاهٌ وفاهٍ. ورجل مُفَوَّهٌ: قادرٌ على
المَنْطِق والكلام، وكذلك فَيِّهٌ. ورجلٌ فَيِّهٌ: جَيِّدُ الكلامِ. وفَوهَه
اللهُ: جعَلَه أَفْوََِهَ. وفاهَ بالكلام يَفُوه: لَفَظَ به. ويقال: ما
فُهْتُ بكلمةٍ وما تَفَوَّهْتُ بمعنى أَي ما فتَحْتُ
فمِي بكلمة. والمُفَوَّهُ: المِنْطِيقُ. ورجل مُفَوَّهُ بها. وإِنه لذُو
فُوَّهةٍ أَي شديدُ الكلامِ بَسِيطُ اللِّسان.
وفاهاهُ إذا ناطَقَه وفاخَرَه، وهافاهُ إذا مايَلَه إلى هَواه.
والفَيِّهُ أَيضاً: الجيِّدُ الأَكلِ. وقيل: الشديدُ الأَكلِ من الناس وغيرهم،
فَيْعِل، والأُنثى فَيِّهةٌ كثيرةُ الأَكل. والفَيِّهُ: المُفَوَّهُ
المِنْطِيقُ أَيضاً. ابن الأَعرابي: رجل فَيِّهٌ
ومُفَوَّهٌ إذا كان حسَنَ الكلامِ بليغاً في كلامه. وفي حديث
الأَحْنَفِ: خَشِيت أَن يكون مُفَوَّهاً أَي بليغاً مِنْطِيقاً، كأنه مأْخوذ من
الفَوَهِ وهو سَعةُ الفمِ.
ورجل فَيِّهٌ ومُسْتَفِيهٌ في الطعام إذا كان أَكُولاً. الجوهري:
الفَيِّهُ الأَكولُ، والأَصْلُ فَيْوِهٌ
فأُدْغم، وهو المِنْطيقُ أَيضاً، والمرأَةُ فَيِّهةٌ. واستَفاهَ الرجلُ
اسْتِفاهةً واسْتِفاهاً؛ الأَخيرة عن اللحياني، فهو مُسْتَفِيهٌ: اشتَدَّ
أَكْلُه بعد قِلَّة، وقيل: اسْتَفاهَ في الطعام أَكثَرَ منه؛ عن ابن
الأَعرابي ولم يخصَّ هل ذلك بعدَ قلَّةٍ أَم لا؛ قال أَبو زبيد يصف
شِبْلَيْن:
ثم اسْتَفاها فلمْ تَقْطَعْ رَضاعَهما
عن التَّصَبُّب لا شَعْبٌ ولا قَدْعُ
اسْتَفاها: اشتَدَّ أَكْلِهما، والتَّصَبُّبُ: اكْتساءُ اللحمِ
للسِّمَنِ بعد الفِطامِ، والتَّحلُّم مثلُه، والقَدْعُ: أَن تُدْفَعَ عن الأَمر
تُريدُه، يقال: قَدَعْتُه فقُدِعَ قَدْعاً. وقد اسْتَفاهَ في الأَكل وهو
مُسْتَفِيهٌ، وقد تكون الاسْتِفاهةُ في الشَّرابِ. والمُفَوَّهُ:
النَّهِمُ الذي لا يَشْبَع. ورجل مُفَوَّهٌ ومُسْتَفِيهٌ
أَي شديدُ الأَكلِ. وشَدَّ ما فَوَّهْتَ في هذا الطعام وتفَوَّهْتَ
وفُهْتَ أَي شَدَّ ما أَكَلْتَ. وإِنه لمُفَوَّه ومُسْتَفِيهٌ
في الكلام أَيضاً، وقد اسْتَفاهَ اسْتِفاهةً في الأَكل، وذلك إذا كنت
قليلَ الطَّعْم ثم اشتَدَّ أَكْلُك وازْدادَ. ويقال: ما أَشَدَّ فُوَّهَةَ
بعيرِك في هذا الكَلإ، يريدون أَكْلَه، وكذلك فُوّهة فرَسِك ودابَّتِك،
ومن هذا قولهم: أَفْواهُها مَجاسُّها؛ المعنى أَن جَوْدةَ أَكْلِها تَدُلك
على سِمَنِها فتُغْنيك عن جَسِّها، والعرب تقول: سَقَى فلانٌ
إِبلَه على أَفْواهِها، إذا لم يكن جَبَي لها الماءَ في الحوض قبل
ورُودِها، وإِنما نزَعَ عليها الماءَ حين وَرَدَتْ، وهذا كما يقال: سَقَى
إبلَه قَبَلاً. ويقال أَيضاً: جَرَّ فلانٌ إبلَه على أَفْواهِها إذا تركها
تَرْعَى وتسِير؛ قاله الأَصمعي؛ وأَنشد:
أَطْلَقَها نِضْوَ بُلَيٍّ طِلْحِ،
جَرّاً على أَفْواهِها والسُّجْحِ
(* قوله «على أفواهها والسجح» هكذا في الأصل والتهذيب هنا، وتقدم إنشاده
في مادة جرر أفواههن السجح).
بُلَيّ: تصغير بِلُوٍ، وهو البعير الذي بَلاه السفر، وأَراد بالسُّجْحِ
الخراطيمَ الطِّوال. ومن دُعائِهم: كَبَّهُ اللهُ لِمَنْخِرَيْه وفَمِه؛
ومنه قول الهذلي:
أَصَخْرَ بنَ عبدِ الله، مَنْ يَغْوِ سادِراً
يَقُلْ غَيْرَ شَكٍّ لليَدْينِ وللفَمِ
وفُوَّهةُ السِّكَّةِ والطَّريقِ والوادي والنهرِ: فَمُه، والجمع
فُوَّهاتٌ وفَوائِهُ. وفُوهةُ الطريقِ: كفُوَّهَتِه؛ عن ابن الأَعرابي. والزَمْ
فُوهةَ الطريقِ وفُوَّهَتَهوفَمَه. ويقال: قَعَد على فُوَّهةِ الطريق
وفُوَّهةِ النهر، ولا تقل فَم النهر ولا فُوهة، بالتخفيف، والجمع أَفْواه
على غير قياس؛ وأَنشد ابن بري:
يا عَجَباً للأَفْلقِ الفَليقِ
صِيدَ على فُوَّهةِ الطَّريقِ
(* قوله «للأفاق الفليق» هو هكذا بالأصل).
ابن الأَعرابي: الفُوَّهةُ مصَبُّ النهر في الكِظَامةِ، وهي السِّقاية.
الكسائي: أَفْواهُ الأَزِقَّةِ والأَنْهار واحدتها فُوَّهةٌ، بتشديد
الواو مثل حُمَّرة، ولا يقال فَم. الليث: الفُوَّهةُ فمُ النهر ورأْسُ
الوادي. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، خرج فما تفَوَّهَ البَقيعَ
قال: السلامُ عليكم؛ يريد لما دَخَل فمَ البَقِيعِ، فشَبَّهه بالفم
لأَنه أَول ما يُدْخَل إلى الجوفِ منه. ويقال لأَوَّل الزُّقاقِ والنهر:
فُوَّهَتُه، بضم الفاء وتشديد الواو. ويقال: طَلع علينا فُوَّهةُ إبِلك أَي
أَوَّلُها بمنزلة فُوَّهةِ الطريق.
وأَفْواهُ المكان: أَوائُله، وأَرْجُلُه أَواخِرُه؛ قال ذو الرمة:
ولو قُمْتُ ما قامَ ابنُ لَيْلى لقد هَوَتْ
رِكابي بأَفْواهِ السَّماوةِ والرِّجْلِ
يقول: لو قُمْتُ مَقامه انْقَطَعَتْ رِكابي: وقولهم: إنَّ رَدَّ
الفُوَّهَةِ لَشَديدٌ أَي القالةِ، وهو من فُهْتُ بالكلام. ويقال: هو يخاف
فُوَّهَة الناسِ أَي فُهْتُ بالكلام. ويقال: هو يخاف فُوَّهةَ الناسِ أَي
قالتَهم. والفُوهةُ والفُوَّهةُ: تقطيعُ المسلمين بعضهم بعضاً بالغِيبة.
ويقال: مَنْ ذا يُطِيق رَدَّ الفُوَّهةِ. والفُوَّهةُ: الفمُ. أَبو
المَكَارم: ما أحْسَنْتُ شيئاً قطُّ كَثَغْرٍ في فُوَّهَةِ جاريةٍ حَسْناء أَي ما
صادَفْت شيئاً حسناً. وأَفْواهُ الطيب: نَوافِحُه، واحدُها فوه. الجوهري:
الأفْواهُ ما يُعالج به الطِّيبُ كما أَنَّ التَّوابِلَ ما تُعالَج به
الأَطْعمة. يقال: فُوهٌ وأَفْواه مثل سُوقٍ وأَسْواق، ثم أفاويهُ وقال
أَبو حنيفة: الأَفْواهُ أَلْوانُ النَّوْرِ وضُروبُه؛ قال ذو الرمة:
تَرَدَّيْتُ مِنْ أَفْواهِ نَوْرٍ كأَنَّها
زَرابيُّ، وارْتَجَّتْ عليها الرَّواعِدُ
وقال مرَّة: الأَفْواهُ ما أُعِدَّ للطِّيبِ من الرياحين، قال: وقد تكون
الأَفْواه من البقول؛ قال جميل:
بها قُضُبُ الرَّيْحانِ تَنْدَى وحَنْوَةٌ،
ومن كلِّ أَفْواه البُقول بها بَقْلُ
والأَفْواهُ: الأَصْنافُ والأَنواعُ. والفُوَّهةُ: عروقٌ
يُصْبَغ بها، وفي التهذيب: الفُوَّهُ عروقٌ يصبغ بها. قال الأَزهري: لا
أَعرف الفُوَّهَ بهذا المعنى. والفُوَّهةُ: اللبَنُ ما دامَ فيه طعمُ
الحلاوةِ، وقد يقال بالقاف، وهو الصحيح.
والأَفْوه الأَوْدِيُّ: مِنْ شُعَرائهم، والله تعالى أَعلم.
هيه: هِيهِ وهِيهَ، بالكسر والفتح:
(* قوله «بالكسر والفتح» أَي كسر
الهاء الثانية وفتحها، فأَما الهاء الأولى فمكسورة فقط كما ضبط كذلك في
التكملة والمحكم). في موضع إيهِ وإيهَ. وفي حديث أُميَّةَ وأَبي سفيانَ قال:
يا صَخْرُ هِيهٍ، فقلت: هِيْهاً؛ هِيهٍ: بمعنى إيهٍ فأَبدل من الهمزة
هاء، وإيهٍ اسم سمي به الفعل، ومعناه الأَمر، تقول للرجل إيهِ، بغير
تنوين، إذا استزدته من الحديث المعهود بينكما، فإن نوَّنْتَ استزدتَهُ من
حديثٍ مَّا غير معهود، لأَن التنوين للتنكير، فإذا سكَّنْتَهُ وكففته قلت
إيهاً، بالنصب، فالمعنى أَن أُميَّةَ قال له: زِدْني من حديثك، فقال له
أَبو سفيان: كُفَّ عن ذلك. ابن سيده: إيهٍ كلمة استزادة لكلام، وهاهْ كلمة
وعيدٍ، وهي أَيضاً حكايةُ الضحك والنَّوْحِ. وروى الأَزهري عن أَبي هريرة
قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إن الله يحب العُطاسَ
ويَكْرَهُ التَّثاؤُبَ، فإذا تَثاءَبَ أَحدُكم فلْيَرُدَّه ما استطاع ولا
يقولَنَّ هاهْ هاهْ، فإنما ذلِكُمُ الشيطانُ يضحكُ منه. وفي حديث علي، رضوان
الله عليه، وذكر العلماء الأَتقياء فقال: أُولئك أَولياءُ اللهِ من خلقه
ونُصَحاؤُهُ في دِينِه والدُّعاةُ إلى أَمره، هاهْ هاهْ شَوْقاً إليهم.
قال ابن سيده: وإنما قضيت على أَلف هاه أَنها ياء بدليل قولِهم هِيهِ في
معناه.
وهَيْهَيْتُ بالإبل وهاهَيْتُ بها: دعوتها وزجرتها فقلت لها هَاهَا،
فقلبت الياء أَلفاً لغير علة إلا طَلَب الخفة، لأَن الهاء لخفائها كأَنها
لم تَحْجُزْ بينهما، فالتقى مِثْلانِ. وهاهَيْتُ بالإبل أَي شايَعْتُ
بها. وهاهَيْتُ الكلاب: زجرتها؛ وقال:
أَرَى شَعَراتٍ، على حاجبيـْ
يَ، بِيضاً نَبَتْنَ جميعاً تُؤَامَا
ظَلِلْتُ أُهاهي بِهنَّ الكِلا
بَ، أَحْسِبُهُنَّ صُواراً قِيامَا
فأَما قوله:
قد أَخْصِمُ الخَصْمَ وآتي بالرُّبُعْ،
وأَرْفَعُ الجفنةَ بالهَيْهِ الرَّتِعْ
فإن أَبا علي فسره بأَنه الذي يُنَحَّى ويُطْرَدُ لدنس ثيابه فلا
يُطْعَمُ، يقال له هَيَهْ هِيَهْ. وحكى ابن الأَعرابي: أَن الهَيْه هو الذي
يُنَحَّى لدنس ثيابه يقال له هَيْه هَيْه؛ وأَنشد البيت:
وأَرْقَعُ الجَفْنَةَ بالهَيْهِ الرَّئِعْ
قوله: آتي بالرُّبُع أَي بالرُّتْعِ من الغنيمة، ومن قال بالرُّبَعِ،
فمعناه أَقتاده وأَسوقه. وقوله:
وأَرْقَعِ الجفنة بالهيه الرتِع
الرَّتِعُ: الذي لا يبالي ما أَكل وما صنع، فيقول أَنا أُدنيه وأُطعمه
وإن كان دنس الثياب؛ وأَنشد الأَزهري هذا البيت عن الأَعرابي وفسره فقال:
يقول إذا كان خَلَلاً سَددته بهذا، وقال: الهَيْهُ الذي يُنَحَّى.
يقال: هَيْه هَيْه لشيء يُطْرَدُ ولايُطعَمُ، يقول: فأَنا أُدنيه واطعمه.
وهَيَاهٌ: من أَسماء الشياطين.
وهَيْهاتَ وهَيْهاتِ: كلمة معناها البُعْدُ، وقيل: هَيْهاتَ كلمة
تبعيد؛ قال جريرٌ:
فهَيْهاتَ هَيْهاتَ العَقِيقُ وأَهْلُهُ
وهَيْهاتَ خِلٌّ بالعَقيقِ نُحاولُهْ
والتاء مفتوحة مثل كيف، وأَصلها هاء، وناس يكسرونها على كل حال بمنزلة
نون التثنية؛ قال حُمَيدٌ الأَرْقَطُ يصف إبلاً قطعت بلاداً حتى صارت في
القِفار:
يُصْبِحْنَ بالقَفْزِ أَتاوِيَّاتِ،
هَيْهاتِ من مُصْبَحِها هَيْهاتِ
هَيْهاتِ حَجْرٌ من صُنَيْبِعاتِ
وقد تبدل الهاء همزة فيقال أَيهاتَ مثل هَراقَ وأَراقَ؛ قال الشاعر:
أَيْهاتَ مِنْكَ الحياةُ أَيْهاتَا
وقد تكرر ذكر هيهات في الحديث، واتفق أََهل اللغة أَن التاء من هيهات
ليست بأَصلية، أَصلها هاء. قال أَبوعمرو بن العلاء: إذا وصَلْتَ هَيْهاتَ
فَدَعِ التاء على حالها، وإذا وَقَفْتَ فقل هَيْهات هَيْهاه، قال ذلك في
قول الله عز وجل: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لما توعَدُونَ. قال: وقال سيبويه
من كسر التاء فقال هَيْهاتِ هَيْهاتِ فهي بمنزلة عِرْقاتٍ، تقول
اسْتأْصلَ الله عِرْقاتِهم، فمن كسر التاء جعلها جمعاً واحدَتُها عِرْقَةٌ،
وواحدَةُ هَيْهاتِ على ذلك اللفظ هَيْهَةٌ، ومن نصب التاء جعلها كلمة واحدة،
قال: ويقال هَيْهاتَ ما قُلْتَ وهَيْهاتَ لِما قُلْتَ، فمَنْ أَدخل
اللام فمعناه البُعْدُ لقولك. ابن الأَنباري: في هَيْهاتَ سبع لغاتٍ: فمن
قال هَيْهاتَ بفتح التاء بغير تنوين شَبَّه التاء بالهاء ونصبها على
مَذْهَب الأَداةِ، ومن قال هَيْهاتاً بالتنوين شَبَّهه بقوله فقليلاً ما
يُؤْمنون أَي فقليلاً إيمانُهم، ومن قال هَيْهاتِ شَبَّهه بحذامِ وقطامِ، ومن
قال هَيْهاتٍ بالتنوين شَبَّهه بالأَصوات كقولهم غاقٍ وطاقٍ، ومن قال
هَيْهاتُ لك بالرفع ذهب بها إلى الوصف فقال هي أَداة والأَدَواتُ معرفةٌ،
ومن رفعها ونَوَّنَ شَبَّهَ التاء بتاء الجمع كقوله من عَرَفاتٍ، قال: ومن
العرب من يقول أَيْهات في اللغات التي ذكرتها كلها، ومنهم من يقول
أَيهان، بالنون، قال الشاعر:
أَيْهانَ منكَ الحياةُ أَيْهانا
ومنهم من يقول أَيْها، بلا نونٍ، ومن قال أَيْها حذف التاء كما حذفت
الياء من حاشَى فقالوا حاشَ؛ وأَنشد:
ومن دُونَي الأَعراضُ والقِنْعُ كلُّه،
وكُتْمانُ أَيْهَا ما أَشَتَّ وأَبْعَدَا
وهي في هذه اللغات كلها معناها البُعْدُ، والمستعمل منها استعمالاً
عالياً الفتح بلا تنوين. الفراء: نصب هيهات بمنزلة نَصْبِ رُبَّتَ
وثُمَّتَ، والأَصل رُبَّهْ وثُمَّهْ؛ وأَنشد:
ماوِيَّ، يا رُبَّتَما غارةٍ
شَعْواءَ، كاللَّذْعَةِ بالمِيسمِ
قال: ومن كسر التاء لم يجعلها هاء تأْنيث، وجعلها بمنزلة دَراكِ
وقَطامِ. أَبو حيان: هَيْهاتَ هيهاتَ لما توعدون، فأَلحق الهاء الفتحة؛
قال:هَيْهاتَ من عَبْلَةَ ما هَيْهاتا،
هَيْهاتَ إلا ظَعَناً قد فاتا
قال ابن جني كان أَبو علي يقول في هَيْهاتَ أَنا أُفْتي مرةً بكونها
اسماً سمي به الفعل كصَهْ ومَهْ، وأُفْتِي مرةً بكونها ظرفاً على قدر
ما يَحْضُرُني في الحال، قال: وقال مرة أُخرى إنها وإن كانت ظرفاً فغير
ممتنع أَن تكون مع ذلك اسماً سمي به الفعل كعِنْدَكَ ودونَك. وقال ابن جني
مرة: هَيْهاتٍ وهيهاتِ، مصروفة وغير مصروفة، جمع هَيْهة، قال: وهَيْهات
عندنا رباعية مكررة، فاؤُها ولامُها الأُولى هاء، وعينها ولامها الثانية
ياء، فهي لذلك من باب صِيصِيَةٍ، وعَكسُها يَلْيَلُ ويَهْياهٌ، من
ضَعَّفَ الياء بمنزلة المَرْمَرَة والقَرْقَرَة. ابن سيده: أَيْهاتَ لغة في
هَيْهاتَ، كأَنّ الهمزة بدل من الهاء؛ هذا قول بعض أَهل اللغة، قال:
وعندي أَن إحداهما ليست بدلاً من الأُخرى إنما هما لغتان. قال الأَخفش:
يجوز في هَيْهاتَ أَن يكون جماعة، فتكون التاء التي فيها تاء الجمع التي
للتأْنيث، قال: ولا يجوز ذلك في اللات والعُزَّى لأَن لاتَ وكيْتَ لا
يكون مثلُهما جَماعةً، لأَن التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف، وإن
جعلت الأَلف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد، قال ابن بري عند قول
الجوهري: يجوز في هَيْهاتَ أَن يكون جماعة وتكون التاءُ التي فيها تاءَ
الجمع، قال: صوابه يجوز في هيهات بكسر التاء، وقد ينوّن فيقال هَيْهاتٍ
وهَيْهاتاً؛ قال الأَحْوَصُ:
تَذكَّرُ أَيَّاماً مَضَيْنَ من الصِّبَا،
وهَيْهاتِ هَيْهاتاً إليكَ رُجُوعُها
وقول العجاج:
هَيْهاتَ من مُنْخرقٍ هَيْهاؤُه
قال ابن سيده: أَنشده ابن جني ولم يفسره، قال: ولا أَدري ما معنى
هَيْهاؤُه. وقال غيره: معناها البعد والشيء الذي لا يُرْجَى. وقال ابن بري:
قوله هَيْهاؤُه يدل على أَن هَيْهاتَ من مضاعف الأَربعة، وهَيْهاؤه فاعل
بهَيْهات، كأَنه قال بَعُدَ بُعْدُه، ومن متعلقة بهيهات، وقد تكلم عليه
أَبو علي في أَول الجزء الثاني والعشرين من التَّذْكَرة. قال ابن بري: قال
أَبو علي من فتح التاء وقف عليها بالهاء لأَنها في اسم مفرد، ومن كسر
التاء وقف عليها بالتاء لأَنها جمع لهَيْهاتَ المفتوحة، قال: وهذا خلاف ما
حكاه الجوهري عن الكسائي، وهو سهو منه، وهذا الذي رده ابن بري على
الجوهري ونسبه إلى السهو فيه هو بعينه في المحكم لابن سيده.
الأَزهري في أَثناء كلامه على وَهَى: أَبو عمرو التَّهيِيتُ الصَّوْتُ
بالناس. قال أَبو زيد: هو أَن تقول له يا هَيَاهِ.
كظم: الليث: كَظَم الرجلُ غيظَه إذا اجترعه. كَظَمه يَكْظِمه كَظْماً:
ردَّه وحبَسَه، فهو رجل كَظِيمٌ، والغيظ مكظوم. وفي التنزيل العزيز:
والكاظمين الغيظ؛ فسره ثعلب فقال: يعني الخابسين الغيظ لا يُجازُون عليه، وقال
الزجاج: معناه أُعِدَّتِ الجنة للذين جرى ذكرهم وللذي يَكْظِمون الغيظ.
وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ما من جُرْعة يَتَجَرَّعُها
الإنسان أَعظم أَجراً من جُرْعة غيظ في الله عز وجل. ويقال: كَظَمْت
الغيظ أَكْظِمه كَظْماً إذا أَمسكت على ما في نفسك منه. وفي الحديث: من
كَظَم غيظاً فله كذا وكذا؛ كَظْمُ الغيظ: تجرُّعُه واحتمال سببه والصبر عليه.
وفي الحديث: إذا تثاءب أَحدكم فليَكْظِمْ ما استطاع أي ليحبسْه مهما
أَمكنه. ومنه حديث عبد المطلب: له فَخْرٌ يَكْظِم عليه أي لا يُبْديه
ويظهره، وهو حَسَبُه. ويقال: كَظَم البعيرُ على جِرَّته إذا ردَّدها في حلقه.
وكَظَم البعيرُ يَكْظِم كُظوماً إذا أَمسك عن الجِرّة، فهو كاظِمٌ. وكَظَم
البعيرُ إذا لم يَجْتَرَّ؛ قال الراعي:
فأَفَضْنَ بعد كُظومِهنَّ بِجِرَّةٍ
مِنْ ذي الأَبارِقِ، إذ رَعَيْنَ حَقِيلا
ابن الأنباري في قوله:
فأَفضن بعد كظومهن بجِرّة
أي دفعت الإبل بجرتّها بعد كظومها، قال: والكاظم منها العطشان اليابس
الجوف، قال: والأصل في الكَظْم الإمساك على غيظ وغمٍّ، والجِرَّة ما تخرجه
من كروشها فتَجْتَرُّ، وقوله: من ذي الأَبارق معناه أن هذه الجِرّة
أَصلها ما رعت بهذا الموضع، وحَقِيل: اسم موضع. ابن سيده: كظَم البعير جِرَّته
ازْذَرَدَها وكفّ عن الاجترار. وناقة كَظُوم ونوق كُظوم: لا تجتَرُّ،
كَظَمت تَكْظِم كُظوماً، وإبل كُظوم. تقول: أرى الإبل كُظوماً لا تجترّ؛
قال ابن بري: شاهد الكُظوم جمع كاظم قول المِلْقَطي:
فهُنَّ كظُومٌ ما يُفِضْنَ بجِرَّةٍ،
لَهُنَّ بمُسْتَنِ اللُّغام صَرِيف
والكظم: مَخْرَج النفس. يقال: كَظَمني فلان وأَخذ بكَظَمي. أَبو زيد:
يقال أَخذت بكِظام الأمر أي بالثقة، وأَخذ بكَظَمه أي بحلقه؛ عن ابن
الأَعرابي. ويقال: أَخذت بكَظَمه أي بمَخْرجَ نَفَسه، والجمع كِظام. وفي
الحديث: لعلَّ الله يصلح أَمر هذه الأُمة ولا يؤخذ بأَكْظامها؛ هي جمع كَظَم،
بالتحريك، وهو مخرج النفَس من الحلق؛ ومنه حديث النخعي: له التوبة ما لم
يؤخذ بكَظَمه أي عند خروج نفْسه وانقطاع نَفَسه. وأَخَذَ الأَمرُ بكَظَمه
إذا غمَّه؛ وقول أَبي خِراش:
وكلُّ امرئ يوماً إلى الله صائر
قضاءً، إذا ما كان يؤخذ بالكَظْم
أَراد الكَظَم فاضطرّ، وقد دفع ذلك سيبويه فقال: ألا ترى أَن الذين
يقولون في فَخِذ فَخْذ وفي كَبِد كَبْد لا يقولون في جَمَل جَمْل؟ ورجل مكظوم
وكَظِيم: مكروب قد أَخذ الغمُّ بكَظَمه. وفي التنزيل العزيز: ظَلَّ
وجهُه مُسْوَدّاً وهو كَظِيم. والكُظوم: السُّكوت. وقوم كُظَّم أي ساكنون؛
قال العجاج:
ورَبِّ أَسرابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ
عنِ اللَّغا، ورَفَثِ التَّكَلُّمِ
وقد كُظِمَ وكَظَمَ على غيظه يَكْظِم كَظْماً، فهو كاظِمٌ وكَظيم: سكت.
وفلان لا يَكْظِم على جِرَّتِه أي لا يسكت على ما في جوفه حتى يتكلم به؛
وقول زياد بن عُلْبة الهذلي:
كَظِيمَ الحَجْلِ واضِحةَ المُحَيَّا،
عَديلةَ حُسْنِ خَلْقٍ في تَمامِ
عَنى أَنَّ خَلخاها لا يُسْمع له صوت لامتلائه. والكَظيمُ: غَلَق الباب.
وكَظَمَ البابَ يَكْظِمه كَظْماً: قام عليه فأَغلقَه بنفسه أو بغير
نفسه. وفي التهذيب: كَظَمْتُ البابَ أَكْظِمهُ إذا قُمت عليه فسددته بنفسك أو
سددته بشيء غيرك. وكلُّ ما سُدَّ من مَجْرى ماء أو باب أو طَريق كَظْمٌ،
كأَنه سمي بالمصدر.
والكِظامةُ والسِّدادةُ: ما سُدَّ به. والكِظامةُ: القَناة التي تكون في
حوائط الأَعناب، وقيل: الكِظامة رَكايا الكَرْم وقد أَفضى بعضُها إلى
بعض وتَناسقَت كأنها نهر. وكَظَمُوا الكِظامة: جَدَروها بجَدْرَين،
والجَدْر طِين حافَتِها، وقيل: الكِظامة بئر إلى جنبها بئر، وبينهما مجرى في بطن
الوادي، وفي المحكم: بطن الأرض أينما كانت، وهي الكَظِيمة. غيره:
والكِظامة قَناة في باطن الأَرض يجري فيها الماء. وفي الحديث: أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَتى كِظامةَ قوم فتوضَّأَ منها ومسَح على خُفَّيْه؛
الكِظامةُ: كالقَناة، وجمعها كَظائم. قال أَبو عبيدة: سأَلت الأَصمعي عنها
وأهل العلم من أَهل الحجاز فقالوا: هي آبار متناسقة تُحْفَر ويُباعَد ما
بينها، ثم يُخْرق ما بين كل بئرين بقناة تؤَدِّي الماء من الأُولى إلى التي
تليها تحت الأَرض فتجتمع مياهها جارية، ثم تخرج عند منتهاها فتَسِحُّ على
وجه الأَرض، وفي التهذيب: حتى يجتمع الماء إلى آخرهن، وإنما ذلك من
عَوَزِ الماء ليبقى في كل بئر ما يحتاج إليه أَهلُها للشرب وسَقْيِ الأَرض،
ثم يخرج فضلها إلى التي تليها، فهذا معروف عند أهل الحجاز، وقيل:
الكِظامةُ السَِّقاية. وفي حديث عبد الله بن عَمْرو: إذا رأَيت مكة قد بُعِجَتْ
كَظائَم وساوى بِناؤُها رؤوسَ الجبال فاعلم أن الأمر قد أَظَلَّك؛ وقال
أَبو إسحق: هي الكَظيمة والكِظامةُ معناه أي حُفِرت قَنَوات. وفي حديث آخر:
أنه أَتى كِظامةَ قوم فبال؛ قال ابن الأَثير: وقيل أَراد بالكِظامة في
هذا الحديث الكُناسة. والكِظامةُ من المرأة: مخرج البول. والكِظامةُ: فَمُ
الوادي الذي يخرج منه الماء؛ حكاه ثعلب. والكِظامةُ: أَعلى الوادي بحيث
ينقطع والكِظامةُ: سير يُوصَل بطرَف القَوْس العربية ثم يُدار بطرَف
السِّيةِ العُليا. والكِظامة: سير مَضفْور موصول بوتر القوس العربية ثم يدار
بطرف السية. والكِظامة: حبل يَكْظِمون به خَطْمَ البعير. والكِظامةُ:
العَقَب الذي على رؤُُوس القُذَذ العليا من السهم، ويل: ما يلي حَقْو
السَّهم، وهو مُسْتَدَقُّه مما يلي الرِّيش، وقيل: هو موضع الريش؛ وأَنشد ابن
بري لشاعر:
تَشُدُّ على حَزّ الكِظامة بالكُظْر
(* قوله «بالكظر» كذا ضبط في الأصل، والذي في القاموس: الكظر بالضم محز
القوس تقع فيه حلقة الوتر، والكظر بالكسر عقبة تشد في أصل فوق السهم).
وقال أَبو حنيفة: الكِظامة العَقَبُ الذي يُدْرَج على أَذناب الريش
يَضْبِطها على أَيْ نَحوٍ ما كان التركيب، كلاهما عبر فيه بلفظ الواحد عن
الجمع. والكِظامةُ: حبْل يُشدُّ به أَنف البعير، وقد كظَمُوه بها. وكِظامةُ
المِيزان: مسمارُه الذي يدور فيه اللسان، وقيل: هي الحلقة التي يجتمع
فيها خيوط الميزان في طَرَفي الحديدة من الميزان.
وكاظِمةُ مَعرفة: موضع؛ قال امرؤُ القيس:
إذْ هُنَّ أَقساطٌ كَرِجْلِ الدَّبى،
أَو كَقَطا كاظِمةَ النّاهِلِ
وقول الفرزدق:
فَيا لَيْتَ دارِي بالمدِينة أَصْبَحَتْ
بأَعفارِ فَلْجٍ، أو بسِيفِ الكَواظِمِ
فإنه أَراد كاظِمةَ وما حَولها فجمع لذلك. الأَزهري: وكاظِمةُ جَوٌّ على
سِيفِ البحر من البصرة على مرحلتين، وفيها رَكايا كثيرة وماؤُها شَرُوب؛
قال: وأَنشدني أَعرابي من بني كُلَيْب بن يَرْبوع:
ضَمنْت لَكُنَّ أَن تَهْجُرْن نَجْداً،
وأَن تَسْكُنَّ كاظِمةَ البُحورِ
وفي بعض الحديث ذكر كاظِمة، وهو اسم موضع، وقيل: بئر عُرِف الموضع بها.
عرا: عَرَاهُ عَرْواً واعْتَراه، كلاهما: غَشِيَه طالباً معروفه، وحكى
ثعلب: أَنه سمع ابن الأَعرابي يقول إِذا أَتيْت رجُلاً تَطْلُب منه حاجة
قلتَ عَرَوْتُه وعَرَرْتُه واعْتَرَيْتُه واعْتَرَرْتُه؛ قال الجوهري:
عَرَوْتُه أَعْرُوه إِذا أَلْمَمْتَ به وأَتيتَه طالباً، فهو مَعْرُوٌّ. وفي
حديث أَبي ذرّ: ما لَك لا تَعْتَريهمْ وتُصِيبُ منهم؟ هو من قَصْدِهم
وطَلَبِ رِفْدِهم وصِلَتِهِم. وفلان تَعْرُوه الأَضْيافُ وتَعْتَرِيهِ أَي
تَغْشاهُ؛ ومنه قول النابغة:
أَتيتُكَ عارِياً خَلَقاً ثِيابي،
على خَوْفٍ، تُظَنُّ بيَ الظُّنونُ
وقوله عز وجل: إِنْ نقولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بعض ألِهَتِنا بسُوءٍ؛ قال
الفراء: كانوا كَذَّبوه يعني هُوداً، ثم جعَلوه مُخْتَلِطاً وادَّعَوْا
أَنَّ آلهَتَهم هي التي خَبَّلَتْه لعَيبِه إِيَّاها، فهُنالِكَ قال: إِني
أُشْهِدُ اللهَ واشْهَدُوا أَني بريء مما تُشْرِكون؛ قال الفراء: معناه
ما نقول إِلا مَسَّكَ بعضُ أَصْنامِنا بجُنون لسَبِّكَ إِيّاها. وعَراني
الأَمْرُ يَعْرُوني عَرْواً واعْتَراني: غَشِيَني وأَصابَني؛ قال ابن بري:
ومنه قول الراعي:
قالَتْ خُلَيْدةُ: ما عَراكَ؟ ولمْ تكنْ
بَعْدَ الرُّقادِ عن الشُّؤُونِ سَؤُولا
وفي الحديث: كانت فَدَكُ لِحُقوقِ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التي
تَعْرُوه أَي تغشاه وتَنْتابُه. وأَعْرَى القومُ صاحِبَهُم: تركوه في
مكانه وذَهَبُوا عنه.
والأَعْراءُ: القوم الذين لا يُهِمُّهم ما يُهِمُّ أَصحابَهم.ويقال:
أعْراه صَدِيقُه إِذا تباعد عنه ولم يَنْصُرْه. وقال شمر: يقال لكلِّ شيء
أَهْمَلْتَه وخَلَّيْتَه قد عَرَّيْته؛ وأَنشد:
أَيْجَعُ ظَهْري وأُلَوِّي أَبْهَرِي،
ليس الصحيحُ ظَهْرُه كالأَدْبَرِ،
ولا المُعَرَّى حِقْبةً كالمُوقَرِ
والمُعَرَّى: الجَمَل الذي يرسَلُ سُدًى ولا يُحْمَل عليه؛ ومنه قول
لبيد يصف ناقة:
فكَلَّفْتُها ما عُرِّيَتْ وتأَبَّدَتْ،
وكانت تُسامي بالعَزيبِ الجَمَائِلا
قال: عُرِّيت أُلْقي عنها الرحْل وتُرِكت من الحَمْل عليها وأُرْسِلَتْ
تَرْعى. والعُرَواءُ: الرِّعْدَة، مثل الغُلَواء. وقد عَرَتْه الحُمَّى،
وهي قِرَّة الحُمَّى ومَسُّها في أَوَّلِ ما تأْخُذُ بالرِّعْدة؛ قال ابن
بري ومنه قول الشاعر:
أَسَدٌ تَفِرُّ الأُسْدُ من عُرَوائِه،
بمَدَافِعِ الرَّجَّازِأَو بِعُيُون
الرَّجَّازُ: واد، وعُيُونٌ: موضعٌ، وأَكْثَرُ ما يُسْتَعْمل فيه صيغة
ما لم يُسَمَّ فاعِلُه. ويقال: عَراه البَرْدُ وعَرَتْه الحُمَّى، وهي
تَعْرُوه إِذا جاءَته بنافضٍ، وأَخَذَتْه الحُمَّى بعُرَوائِها، واعْتراهُ
الهمُّ، عامٌّ في كل شيء. قال الأَصمعي: إِذا أَخَذَتِ المحمومَ قِرَّةٌ
ووَجَدَ مسَّ الحُمَّى فتلك العُرَواء، وقد عُرِيَ الرجلُ، على ما لم
يُسَمَّ فاعله،فهو مَعْرُوٌّ، وإِن كانت نافضاً قيل نَفَضَتْه، فهو
مَنْفُوضٌ، وإِن عَرِقَ منها فهي الرُّحَضاء. وقال ابن شميل: العُرَواء قِلٌّ
يأْخذ الإِنسانَ من الحُمَّى ورِعدَة. وفي حديث البراء بن مالك: أَنه كان
تُصيبُه العُرَواءُ، وهي في الأَصْل بَرْدُ الحُمَّى. وأَخَذَتْه الحُمَّى
بنافضٍ أَي برِعْدة وبَرْد. وأَعْرى إِذا حُمَّ العُرَواء. ويقال: حُمَّ
عُرَواء وحُمَّ العُرَواء وحُمَّ عُرْواً
(* قوله« وحم عرواً» هكذا في
الأصل.) . والعَراة: شدة البرْد. وفي حديث أَبي سلمة: كنتُ أَرى الرُّؤْيا
أُعْرَى منها أَي يُصيبُني البَرْدُ والرِّعْدَة من الخَوْف. والعُرَواء:
ما بينَ اصْفِرارِ الشَّمْسِ إِلى اللَّيْلِ إِذا اشْتَدَّ البَرْدُ
وهاجَتْ رِيحٌ باردةٌ. ورِيحٌ عَرِيٌّ وعَرِيَّةٌ: بارِدَة، وخص الأَزهري بها
الشِّمالَ فقال: شَمال عَرِيَّةٌ باردة، وليلة عَريَّةٌ باردة؛ قال ابن
بري: ومنه قول أَبي دُواد:
وكُهولٍ، عند الحِفاظ، مَراجِيـ
ـح يُبارُونَ كلَّ ريح عَرِيَّة
وأَعْرَيْنا: أَصابنا ذلك وبلغنا بردَ العشيّ. ومن كلامِهم: أَهْلَكَ
فقَدْ أَعْرَيْتَ أَي غابت الشمس وبَرَدَتْ. قال أَبو عمرو: العَرَى
البَرْد، وعَرِيَت لَيْلَتُنا عَرىً؛ وقال ابن مقبل:
وكأَنَّما اصْطَبَحَتْ قَرِيحَ سَحابةٍ
بِعَرًى، تنازعُه الرياحُ زُلال
قال: العَرَى مكان بارد.
وعُرْوَةُ الدَّلْوِ والكوزِ ونحوهِ: مَقْبِضُهُ.
وعُرَى المَزادة: آذانُها. وعُرْوَةُ القَمِيص: مَدْخَلُ زِرِّه.
وعَرَّى القَمِيص وأَعْراه: جَعَلَ له عُرًى. وفي الحديث: لا تُشَدُّ العُرى
إلا إِلى ثلاثة مَساجِدَ؛ هي جمعُ عُرْوَةٍ، يريدُ عُرَى الأَحْمالِ
والرَّواحِلِ. وعَرَّى الشَّيْءَ: اتَّخَذَ له عُرْوةً. وقوله تعالى: فقَدِ
اسْتَمْسَكَ بالعُرْوةِ الوُثْقَى لا انْفِصامَ لها؛ شُبِّه بالعُرْوَة التي
يُتَمسَّك بها. قال الزجاج: العُرْوة الوُثْقَى قولُ لا إِلهَ إلا الله،
وقيل: معناه فقد عَقَدَ لنَفْسِه من الدِّين عَقْداً وثيقاً لا تَحُلُّه
حُجَّة. وعُرْوَتا الفَرْجِ: لحْمٌ ظاهِرٌ يَدِقُّ فيَأْخُذُ يَمْنَةً
ويَسْرةً مع أَسْفَلِ البَطْنِ، وفَرْجٌ مُعَرىً إذا كان كذلك. وعُرَى
المَرْجان: قلائدُ المَرْجان. ويقال لطَوْق القِلادة: عُرْوةٌ. وفي النوادر:
أَرضٌ عُرْوَةٌ وذِرْوَة وعِصْمة إِذا كانت خَصيبة خصباً يَبْقَى.
والعُرْوة من النِّباتِ: ما بَقِي له خضْرة في الشتاء تَتعلَّق به الإبلُ حتى
تُدرِكَ الرَّبيع، وقيل: العُروة الجماعة من العِضاهِ خاصَّةً يرعاها
الناسُ إذا أَجْدَبوا، وقيل: العُرْوةُ بقية العِضاهِ والحَمْضِ في
الجَدْبِ، ولا يقال لشيء من الشجر عُرْوةٌ إلا لها، غيرَ أَنه قد يُشْتَقُّ لكل
ما بَقِيَ من الشجر في الصيف. قال الأَزهري: والعُرْوة من دِقِّ الشجر ما
له أَصلٌ باقٍ في الأَرض مثل العَرْفَج والنَّصِيِّ وأَجناسِ الخُلَّةِ
والحَمْضِ، فأذا أَمْحَلَ الناسُ عَصَمت العُرْوةُ الماشيةَ فتبلَّغَت
بها، ضربها اللهُ مثلاً لما يُعْتَصَم به من الدِّين في قوله تعالى: فقد
اسْتمْسَك بالعُرْوة الوُثْقى؛ وأَنشد ابن السكيت:
ما كان جُرِّبَ، عندَ مَدِّ حِبالِكُمْ،
ضَعْفٌ يُخافُ، ولا انْفِصامٌ في العُرى
قوله: انفصام في العُرى أَي ضَعْف فيما يَعْتَصِم به الناس. الأَزهري:
العُرى ساداتُ الناس الذين يَعْتَصِم بهم الضُّعفاء ويَعيشون بعُرْفِهم،
شبِّهوا بعُرَى الشَّجَر العاصمة الماشيةَ في الجَدْب. قال ابن سيده:
والعُروة أَيضاً الشجر المُلْتَفُّ الذي تَشْتُو فيه الإبل فتأْكلُ منه،
وقيل: العُروة الشيءُ من الشجرِ الذي لا يَزالُ باقياً في الأرض ولا يَذْهَب،
ويُشَبَّه به البُنْكُ من الناس، وقيل: العُروة من الشجر ما يَكْفِي
المالَ سَنَته، وهو من الشجر ما لا يَسْقُط وَرَقُه في الشِّتاء مثل
الأَراكِ والسِّدْرِ الذي يُعَوِّلُ الناسُ عليه إِذا انقطع الكلأ، ولهذا قال
أَبو عبيدة إنه الشجر الذي يَلجأُ إليه المالُ في السنة المُجْدبة
فيَعْصِمُه من الجَدْبِ، والجمعُ عُرًى؛ قال مُهَلْهِل:
خَلَع المُلوكَ وسارَ تحت لِوائِه
شجرُ العُرَى، وعُراعِرُ الأَقوامِ
يعني قوماً يُنتَفَع بهم تشبيهاً بذلك الشجر. قال ابن بري: ويروى البيت
لشُرَحْبِيل بنِ مالكٍ يمدَحُ معديكرب بن عكب. قال: وهو الصحيح؛ ويروى
عُراعِر وْضراعِر، فمن ضَمَّ فهو واحد، ومن فتَح جعله جمعاً، ومثلُه
جُوالِق وجَوالِق وقُماقِم وقَماقِم وعُجاهِن وعَجاهِن، قال: والعُراعِرُ هنا
السيِّد؛ وقول الشاعر:
ولمْ أَجِدْ عُرْوةَ الخلائقِ إلا
الدِّينَ، لمَّا اعْتَبَرْتُ، والحَسبَا
أَي عِمادَه. ورَعَيْنا عُرْوة مكَّةَ لِما حولَها. والعُروة: النفيسُ
من المالِ كالفَرَسِ الكريم ونحوه.والعُرْيُ: خلافُ اللُّبْسِ. عَرِيَ من
ثَوْبه يَعْرَى عُرْياً وعُرْيَةً فهو عارٍ، وتَعَرَّى هو عُرْوة شديدة
أَيضاً وأعراهُ وعرَّاه، وأَعراهُ من الشيءِ وأَعراه إِياهُ؛ قال ابن
مُقْبلٍ في صفة قِدْحٍ:
به قَرَبٌ أَبْدَى الحَصَى عن مُتونِه،
سَفاسقُ أَعراها اللِّحاءَ المُشَبِّحُ
ورَجلٌ عُريانٌ، والجمع عُرْيانون، ولا يُكسَّر، ورجل عارٍ من قومٍ
عُراةٍ وامرأَة عُرْيانةٌ وعارٍ وعاريةٌ. قال الجوهري: وما كان على فُعْلانٍ
فَمُؤَنَّثُه بالهاء. وجاريةٌ حسَنة العُرْيةِ والمُعَرَّى والمُعَرَّاةِ
أي المُجَرَّدِ أَي حَسَنَة عندَ تَجْريدِها من ثيابها، والجمع
المَعاري، والمَحاسِرُ من المرأةِ مِثْلُ المَعاري، وعَريَ البَدَن من اللَّحْم
كذلك؛ قال قيس بنُ ذَريح:
وللحُبِّ آيات تُبَيّنُ بالفَتى
شُحوباً، وتَعْرَى من يَدَيْه الأَشاجعُ
ويروى: تَبَيَّنُ شُحُوبٌ. وفي الحديث في صفته، صلى الله عليه وسلم:
عارِي الثَّدْيَيْن، ويروى: الثَّنْدُوَتَيْن؛ أَراد أَنه لم يكن عليهما
شعر، وقيل: أَرادَ لم يكن عليهما لحم، فإنه قد جاء في صفته، صلى الله عليه
وسلم ، أَشْعَر الذراعَيْن والمَنْكِبَين وأَعْلى الصَّدرِ. الفراء:
العُرْيانُ من النَّبْتِ الذي قد عَرِيَ عُرْياً إذا اسْتَبانَ لك. والمَعاري:
مبادي العِظامِ حيثُ تُرى من اللَّحْمِ، وقيل: هي الوَجْهُ واليَدَانِ
والرِّجْلانِ لأَنها باديةٌ أَبداً؛ قال أَبو كبِيرٍ الهُذَليّ يصف قوماً
ضُرِبُوا فسَقَطوا على أَيْديهم وأَرْجُلِهمْ:
مُتَكَوِّرِينَ على المَعاري، بَيْنَهُم
ضَرْبٌ كتَعْطاطِ المَزادِ الأَثْجَلِ
ويروى: الأَنْجَلِ، ومُتَكَوِّرينَ أَي بعضُهم على بَعْضٍ. قال
الأَزهري: ومَعاري رؤوس العظام حيث يُعَرَّى اللحمُ عن العَظْم. ومَعاري المرأة:
ما لا بُدَّ لها من إظْهاره، واحدُها مَعْرًى. ويقال: ما أَحْسَنَ
مَعارِيَ هذه المرأَة، وهي يَدَاها ورِجْلاها ووجهُها، وأَورد بيت أَبي كبير
الهذلي. وفي الحديث: لا يَنْظُر الرجل إلى عِرْيَة المرأَةِ؛ قال ابن
الأَثير: كذا جاء في بعض روايات مسلم، يريد ما يَعْرَى منها ويَنْكَشِفُ،
والمشهور في الرواية لا يَنْظُر إلى عَوْرَة المرأَةِ؛ وقول الراعي:
فإنْ تَكُ ساقٌ من مُزَيْنَة قَلَّصَتْ
لِقَيْسٍ بحَرْبٍ لا تُجِنُّ المَعَارِيا
قيل في تفسيره: أَراد العورةَ والفَرْجَ؛ وأَما قول الشاعر الهُذَلي:
أَبِيتُ على مَعارِيَ واضِحَاتٍ،
بِهِنَّ مُلَوَّبٌ كَدَمِ العِباطِ
فإنما نَصَبَ الياءَ لأنه أَجْراها مُجْرى الحَرْفِ الصحيح في ضَرُورةِ
الشِّعْرِ، ولم يُنَوّن لأنه لا يَنْصرِف، ولو قال مَعارٍ لم ينكَسر
البيتُ ولكنه فرَّ من الزحاف. قال ابن سيده: والمَعَارِي الفُرُش، وقيل: إنَّ
الشاعر عَناها، وقيل: عَنى أَجْزاءَ جِسْمِها واخْتار مَعَارِيَ على
مَعَارٍ لأنه آثَرَ إتْمامَ الوَزْنِ، ولو قال معارٍ لمَا كُسر الوزن لأنه
إنما كان يصير من مُفاعَلَتُن إلى مَفاعِيلن، وهو العَصْب؛ ومثله قول
الفرزدق:
فلَوْ كانَ عبدُ اللهِ مَولىً هَجَوْتُه،
ولكِنَّ عبدَ اللهِ مَولى مَوَالِياَ
قال ابن بري: هو للمُتَنَخّل الهذلي. قال: ويقال عَرِيَ زيدٌ ثوبَه
وكسِي زيدٌ ثَوْباً فيُعَدِّيه إلى مفعول؛ قال ضَمْرة بنُ ضمرة:
أَرَأَيْتَ إنْ صَرَخَتْ بلَيلٍ هامَتي،
وخَرَجْتُ مِنْها عارياً أَثْوابي؟
وقال المحدث:
أَمَّا الثِّيابُ فتعرْى من مَحاسِنِه،
إذا نَضاها ،ويُكْسَى الحُسْنَ عُرْيانا
قال: وإذا نَقَلْتَ أَعرَيْت، بالهمز، قُلْتَ أَعْرَيْتُه أَثْوَابَه،
قال: وأَما كَسِيَ فتُعَدِّيه من فَعِل فتقول كسوته ثوباً، قال
الجوهري:وأَعْرَيْته أَنا وعَرَّيْتُه تَعْرية فتَعَرَّى. أَبو الهيثم: دابة عُرْيٌ
وخَيْلٌ أَعْرَاءٌ ورَجلٌ عُرْيان وامرأَةٌ عُرْيانةٌ إذا عَرِيا من
أَثوابهما، ولا يقال رجلٌ عُرْيٌ. ورجلٌ عارٍ إذا أَخْلَقَت أَثوابُه؛
وأَنشد الأزهري هنا بيت التابغة:
أَتَيْتُك عارِياً خَلَقاً ثِيابي
وقد تقدم.
والعُرْيانُ من الرَّمْل: نقاً أَو عَقِدٌ ليس عليه شجر. وفَرَسٌ
عُرْيٌ: لا سَرْجَ عليه، والجمع أَعْراءٌ. قال الأزهري: يقال: هو عِرْوٌ من هذا
الأَمر كما يقال هو خِلْوٌ منه. والعِرْوُ: الخِلْو، تقول أَنا عِرْوٌ
منه، بالكسر، أي خِلْو. قال ابن سيده: ورجلٌ عِرْوٌ من الأَمْرِ لا
يَهْتَمُّ به، قال: وأُرَى عِرْواً من العُرْيِ على قولهم جَبَيْتُ جِباوَةً
وأَشاوَى في جمع أَشْياء، فإن كان كذلك فبابُه الياءُ، والجمعُ أَعْراءٌ؛
وقول لبيد:
والنِّيبُ إنْ تُعْرَ منِّي رِمَّةً خَلَقاً،
بَعْدَ المَماتِ، فإني كُنتُ أَتَّئِرُ
ويروى: تَعْرُ مِنِّي أَي تَطْلُب لأنها ربما قَضِمت العظامَ؛ قال ابن
بري: تُعْرَ منِّي من أَعْرَيْتُه النخلةَ إذا أَعطيته ثمرتها، وتَعْرُ
مني تَطْلُب، من عَرَوْتُه، ويروى: تَعْرُمَنِّي، بفتح الميم، من عَرَمْتُ
العظمَ إذا عَرَقْت ما عليه من اللحم. وفي الحديث: أنه أُتيَ بفرس
مُعْرَوْرٍ؛ قال ابن الأَثير: أَى لا سَرْجٍ عليه ولا غيره. واعْرَوْرَى فرسَه:
رَكبه عُرْياً، فهو لازم ومتعدّ، أَو يكون أُُتي بفرس مُعْرَوْرىً على
المفعول. قال ابن سيده: واعْرَوْرَى الفرسُ صارَ عُرْياً. واعْرَوْرَاه:
رَكبَه عُرْياً، ولا يُسْتَعْمل إلا مزيداً، وكذلك اعْرَوْرى البعير؛ ومنه
قوله:
واعْرَوْرَتِ العُلُطَ العُرْضِيَّ، تَرْكُضُه
أُمُّ الفوارس بالدِّئْداء والرَّبَعَهْ
وهو افعَوْعَل؛ واسْتَعارَه تأَبَّطَ شرّاً للمَهْلَكة فقال:
يَظَلُّ بمَوْماةٍ ويُمْسِي بغيرِها
جَحِيشاً، ويَعْرَوْرِي ظُهورَ المَهالكِ
ويقال: نحن نُعاري أَي نَرْكَبُ الخيل أَعْرَاءً، وذلك أَخفُّ في الحرب.
وفي حديث أَنس: أَن أَهل المدينة فَزِعوا ليلاً، فركب النبي، صلى الله
عليه وسلم، فرساً لأبي طلحة عُرْياً. واعْرَوْرَى مِنِّي أَمراً قبيحاً:
رَكِبَه، ولم يَجِئ في الكلامِ افْعَوْعَل مُجاوِزاً غير اعْرَ وْرَيْت،
واحْلَوْلَيْت المكانَ إذا اسْتَحْلَيْته.
ابن السكيت في قولهم أَنا النَّذير العُريان: هو رجل من خَثْعَم، حَمَل
عليه يومَ ذي الخَلَصة عوفُ بنُ عامر بن أبي عَوْف بن عُوَيْف بن مالك بن
ذُبيان ابن ثعلبة بن عمرو بن يَشْكُر فقَطع يدَه ويد امرأَته، وكانت من
بني عُتْوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وفي الحديث:
أَن النبي، صلى الله عليه وسلم ، قال إنما مَثَلي ومَثَلُكم كمثل رجل
أَنْذَر قومَه جَيْشاً فقال: أَنا النَّذير العُرْيان أُنْذِركم جَيْشاً؛ خص
العُرْيان لأنه أَبْيَنُ للعين وأَغرب وأَشنع عند المُبْصِر، وذلك أَن
رَبيئة القوم وعَيْنَهم يكون على مكان عالٍ، فإذا رأى العَدُوَّ وقد أَقبل
نَزَع ثوبه وأَلاحَ به ليُنْذِرَ قومَه ويَبْقى عُرْياناً. ويقال: فلان
عُرْيان النَّجِيِّ إذا كان يُناجي امرأَتَه ويُشاوِرها ويصَدُرُ عن
رَأْيها؛ ومنه قوله:
أَصاخَ لِعُرْيانِ النَّجِيِّ، وإنَّه
لأزْوَرُ عن بَعْض المَقالةِ جانِبُهْ
أَي اسْتَمع إلى امرأته وأَهانني. وأَعْرَيتُ المَكانَ: ترَكْتُ حضُوره؛
قال ذو الرمة:
ومَنْهَل أَعْرى حَياه الحضر
والمُعَرَّى من الأسماء: ما لمْ يدخُلْ عَلَيه عاملٌ كالمُبْتَدإ.
والمُعَرَّى من الشِّعْر: ما سَلِمَ من الترْفِيلِ والإذالةِ والإسْباغِ.
وعَرَّاهُ من الأمرِ: خَلَّصَه وجَرَّده. ويقال: ما تَعَرَّى فلان من هذا
الأَمر أَي ما تخلَّص. والمَعاري: المواضع التي لا تُنْبِتُ. وروى الأزهري
عن ابن الأعرابي: العَرَا الفِناء، مقصور، يكتب بالألف لأن أُنْثاه
عَرْوَة؛ قال: وقال غيره العَرَا الساحةُ والفِناء، سمي عَراً لأَنه عَرِيَ من
الأنبية والخِيام. ويقال: نزل بِعَراء وعَرْوَتِه وعَقْوَتِه أَي نزَل
بساحَتهِ وفنائه، وكذلك نَزَل بِحَراه، وأَما العَراء، ممدوداً، فهو ما
اتَّسَع من فضاء الأرض؛ وقال ابن سيده: هو المكانُ الفَضاءُ لا يَسْتَتِرُ
فيه شيءٌ، وقيل: هي الأرضُ الواسعة. وفي التنزيل: فنَبَذْناه بالعَراءِ
وهو سَقيمٌ، وجَمْعُه أَعْراءٌ؛ قال ابن جني: كَسَّروا فَعالاً على
أَفْعالٍ حتى كأنهم إنما كسَّروا فَعَلاً، ومثله جَوادٌ وأَجوادٌ وعَياءٌ
وأَعْياءٌ، وأَعْرَى: سارَ فِيها
(* قوله: سار فيها أي سار في الأرض العراء.)؛
وقال أَبو عبيدة: إنما قيل له عَراءٌ لأنه لا شجر فيه ولا شيء يُغَطِّيه،
وقيل: إن العَراء وَجْه الأَرض الخالي؛ وأَنشد:
وَرَفَعْتُ رِجلاً لا أَخافُ عِثارَها،
ونَبَذْتُ بالبَلَدِ العَراء ِثيابي
وقال الزجاج: العَراء على وجْهين: مقصور، وممدود، فالمقصور الناحية،
والممدود المكان الخالي. والعَراء: ما اسْتَوَى من ظَهْر الأَرض وجَهَر.
والعَراء: الجَهراء، مؤنثة غير مصروفة. والعَراء: مُذكَّر مصروف، وهُما
الأَرض المستوية المُصْحرة وليس بها شجر ولا جبالٌ ولا آكامٌ ولا رِمال، وهما
فَضاء الأرض، والجماعة الأعْراء. يقال: وَطِئْنا عَراءَ الأرض
والأَعْراية. وقال ابن شميل: العَرَا مثل العَقْوَة، يقال: ما بِعَرانا أَحَدٌ
أَي مابعَقْوَتنا أَحدٌ. وفي الحديث: فكَرِهَ أَن يُعْرُوا المدينة، وفي
رواية: أَن تَعْرَى أَي تخلو وتصير عَرَاءً، وهو الفضاء، فتصير دُورهُم في
العَراء. والعَراء: كلُّ شيءٍ أُعْرِيَ من سُتْرَتِه. وتقول: اسُتُرْه عن
العَراء. وأَعْراءُ الأَرض: ما ظَهَر من مُتُونِها وظُهورِها، واحدُها
عَرًى؛ وأَنشد:
وبَلَدٍ عارِيةٍ أَعْراؤه
والعَرَى: الحائطُ، وقبلَ كلُّ ما سَتَرَ من شيءٍ عَرًى. والعِرْو:
الناحيةُ، والجمع أَعْراءٌ. والعَرى والعَراةُ: الجنابُ والناحِية والفِناء
والساحة. ونزَل في عَراه أَي في ناحِيَتِه؛ وقوله أَنشده ابن جني:
أو مُجْزَ عنه عُرِيَتْ أَعْراؤُه
(* قوله «أو مجز عنه» هكذا في الأصل، وفي المحكم: أو مجن عنه.)
فإنه يكونُ جمعَ عَرىً من قولك نَزَل بِعَراهُ، ويجوز أَن يكون جَمْعَ
عَراءٍ وأَن يكون جَمع عُرْيٍ.
واعْرَوْرَى: سار في الأرضِ وَحْدَه
وأَعْراه النخلة: وَهَبَ له ثَمرَة عامِها. والعَرِيَّة: النخلة
المُعْراةُ؛ قال سُوَيدُ بن الصامت الأنصاري:
ليست بسَنْهاء ولا رُجَّبِيَّة،
ولكن عَرايا في السِّنينَ الجَوائحِ
يقول: إنَّا نُعْرِيها الناسَ. والعَرِيَّةُ أَيضاً: التي تُعْزَلُ عن
المُساومةِ عند بيع النخلِ، وقيل: العَرِيَّة النخلة التي قد أكِل ما
عليها. وروي عن النبي،صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: خَفِّفوا في الخَرْصِ
فإنّ في المال العَرِيَّة والوَصِيَّة، وفي حديث آخر: أنه رَخَّص في
العَريَّة والعرايا؛ قال أَبو عبيد: العَرايا واحدتها عَرِيَّة، وهي النخلة
يُعْرِيها صاحبُها رجلاً محتاجاً، والإعراءُ: أن يجعلَ له ثَمرَة عامِها.
وقال ابن الأعرابي: قال بعض العرب مِنَّا مَنْ يُعْرِي، قال: وهو أَن يشتري
الرجل النخلَ ثم يستثني نخلة أَو نخلتين. وقال الشافعي: العرايا ثلاثة
أَنواع، واحدتها أَن يجيء الرجل إلى صاحب الحائط فيقول له: بِعْني من
حائطك ثَمَرَ نَخلاَت بأَعيانها بِخرْصِها من التَّمْر، فيبيعه إياها ويقبض
التَّمر ويُسَلِّم إليه النخَلات يأْكلها ويبيعها ويُتَمِّرها ويفعل بها
ما يشاء، قال: وجِماعُ العرايا كلُّ ما أُفْرِد ليؤكل خاصَّة ولم يكن في
جملة المبيع من ثَمَر الحائط إذا بيعَتْ جُمْلتُها من واحد، والصنف الثاني
أَن يَحْضُر رَبَّ الحائط القومُ فيعطي الرجلَ النخلة والنخلتين وأَكثر
عرِيَّةً يأْكلها، وهذه في معنى المِنْحة، قال: وللمُعْرَى أَن يبيع
ثَمرَها ويُتَمِّره ويصنع به ما يصنع في ماله لأنه قد مَلَكه، والصنف الثالث
من العرايا أَن يُعْرِي الرجلُ الرجلَ النَّخلةَ وأَكثر من حائطه ليأْكل
ثمرها ويُهْدِيه ويُتَمِّره ويفعل فيه ما أَحبَّ ويبيع ما بقي من ثمر
حائطه منه، فتكون هذه مُفْرَدة من المبيع منه جملة؛ وقال غيره: العَرايا أَن
يقول الغنيُّ للفقير ثَمَرُ هذه النخلة أَو النَّخلات لك وأَصلُها لي،
وأَما تفسير قوله، صلى الله عليه وسلم، إنه رخَّص في العَرايا، فإن
الترخيص فيها كان بعد نهي النبي، صلى الله عليه وسلم عن المُزابَنة، وهي بيع
الثمر في رؤوس النخل بالتمر، ورخَّصَ من جملة المزابنة في العرايا فيما دون
خمسة أَوسُق، وذلك للرجل يَفْضُل من قوت سَنَته التَّمْرُ فيُدْرِك
الرُّطَب ولا نَقْدَ بيده يشتري به الرُّطَب، ولا نخل له يأْكل من رُطَبه،
فيجيء إلى صاحب الحائط فيقول له بِعْنِي ثمر نخلة أَو نخلتين أَو ثلاث
بِخِرْصِها من التَّمْر، فيعطيه التمر بثَمَر تلك النَّخلات ليُصيب من
رُطَبها مع الناس، فرَخَّص النبيُّ،صلى الله عليه وسلم، من جملة ما حَرَّم من
المُزابَنة فيما دون خمسة أَوْسُق، وهو أَقلُّ مما تجب فيه الزكاة، فهذا
معنى ترخيص النبي،صلى الله عليه وسلم، في العَرايا لأن بيع الرُّطَب
بالتَّمْر محرَّم في الأصل، فأَخرج هذا المقدار من الجملة المُحَرَّمة لحاجة
الناس إليه؛ قال الأزهري: ويجوز أَن تكون العَرِيَّة مأْخوذة من عَرِيَ
يَعْرَى كأَنها عَرِيَتْ من جملة التحريم أَي حَلَّتْ وخَرَجَتْ منها، فهي
عَرِيَّة، فعيلة بمعنى فاعلة، وهي بمنزلة المستثناةِ من الجملة. قال
الأزهري: وأَعْرَى فلان فلاناً ثمر نخلةٍ إذا أَعطاه إياها يأْكل رُطَبها،
وليس في هذا بيعٌ، وإنما هو فضل ومعروف. وروى شَمِرٌ عن صالح بن أَحمد عن
أَبيه قال: العَرايا أَن يُعْرِي الرجلُ من نخله ذا قرابته أَو جارَه ما
لا تجب فيه الصدقة أَي يَهبَها له، فأُرْخص للمُعْرِي في بيع ثمر نخلة في
رأسها بِخِرْصِها من التمر، قال: والعَرِيَّة مستثناةٌ من جملة ما نُهِي
عن بيعه من المُزابنَة، وقيل: يبيعها المُعْرَى ممن أَعراه إيَّها، وقيل:
له أَن يبيعها من غيره. وقال الأزهري: النخلة العَرِيَّة التي إذا
عَرَضْتَ النخيلَ على بَيْع ثَمَرها عَرَّيْت منها نخلة أَي عَزَلْتها عن
المساومة. والجمع العَرايا، والفعل منه الإعراء، وهو أَن تجعل ثمرتها
لِمُحْتاج أَو لغير محتاج عامَها ذلك. قال الجوهري: عَرِيَّة فعيلة بمعنى
مفعولة، وإنما أُدخلت فيها الهاء لأنها أُفردت فصارت في عداد الأسماء مثل
النَّطِيحة والأكيلة، ولو جئت بها مع النخلة قلت نخلة عرِيٌّ؛ وقال: إن
ترخيصه في بيع العَرايا بعد نهيه عن المُزابنة لأنه ربَّما تأَذَّى بدخوله
عليه فيحتاج إلى أَن يشتريها منه بتمر فرُخِّص له في ذلك. واسْتعْرَى الناسُ
في كلِّ وجهٍ، وهو من العَرِيَّة: أَكلوا الرُّطَبَ من ذلك، أَخَذَه من
العَرايا. قال أبو عدنان: قال الباهلي العَرِية من النخل الفارِدَةُ التي
لا تُمْسِك حَمْلَها يَتَناثر عنها؛ وأَنشدني لنفسه:
فلما بَدَتْ تُكْنَى تُضِيعُ مَوَدَّتي،
وتَخْلِطُ بي قوماً لِئاماً جُدُودُها
رَدَدْتُ على تُكْنَى بقية وَصْلِها
رَمِيماً، فأمْسَتْ وَهيَ رثٌّ جديدُها
كما اعْتكرَتْ للاَّقِطِين عَرِيَّةٌ
من النَّخْلِ، يُوطَى كلِّ يومٍ جَريدُها
قال: اعْتِكارُها كثرةُ حَتِّها، فلا يأْتي أَصلَها دابَّةٌ إلا وَجَدَ
تحتها لُقاطاً من حَمْلِها، ولا يأتي حَوافيها إلا وَجَد فيها سُقاطاً من
أَي ما شاءَ. وفي الحديث: شَكا رجلٌ إلى جعفر بن محمد، رضي الله عنه،
وَجَعاً في بطنه فقال: كُلْ على الريق سَبْعَ تَمَرات من نَخْلٍ غير
مُعَرّىً؛ قال ثعلب: المُعرَّى المُسَمَّد، وأَصله المُعَرَّر من العُرَّة، وقد
ذكر في موضعه في عرر.
والعُرْيان من الخيل: الفَرَس المُقَلِّص الطويل القوائم. قال ابن سيده:
وبها أَعراءٌ من الناسِ أَي جماعةٌ، واحدُهُم عِرْوٌ. وقال أَبو زيد:
أَتَتْنا أَعْراؤُهم أَي أَفخاذهم. وقال الأصمعي: الأعراء الذين ينزلون
بالقبائل من غيرهم، واحدهم عُرْيٌ؛ قال الجعدي:
وأَمْهَلْت أَهْلَ الدار حتى تَظاهَرُوا
عَليَّ، وقال العُرْيُ مِنْهُمْ فأَهْجَرَا
وعُرِيَ إلى الشيء عَرْواً: باعه ثم اسْتَوْحَش إليه. قال الأزهري: يقال
عُريتُ إلى مالٍ لي أَشدَّ العُرَواء إذا بِعْته ثم تَبِعَتْه نفسُكَ.
وعُرِيَ هَواه إلى كذا أَي حَنَّ إليه؛ وقال أَبو وَجْزة:
يُعْرَى هَواكَ إلى أَسْماءَ، واحْتَظَرَتْ
بالنأْيِ والبُخْل فيما كان قَد سَلَفا
والعُرْوة: الأَسَدُ، وبِه سُمِّي الرجل عُروَة.
والعُرْيان: اسم رجل. وأَبو عُرْوَةَ: رجلٌ زَعَموا كان يصيح بالسَّبُعِ
فيَموت، ويَزْجُرُ الذِّئْبَ والسَّمْعَ فيَموتُ مكانَه، فيُشَقُّ
بَطْنُه فيوجَدُ قَلْبُه قد زالَ عن مَوْضِعِهِ وخرَجَ من غِشائه؛ قال النابغة
الجعدي:
وأَزْجُرُ الكاشِحَ العَدُوَّ، إذا اغْـ
ـتابَك، زَجْراً مِنِّي على وَضَمِ
زَجْرَ أَبي عُرْوَةَ السِّباعَ، إذا
أَشْفَقَ أَنْ يَلْتَبِسْنَ بالغَنَمِ
وعُرْوَةُ: اسمٌ. وعَرْوَى وعَرْوانُ: موضعان؛ قال ساعِدَة بن جُؤيَّة:
وما ضَرَبٌ بَيْضاءُ يَسْقِي دَبُوبَها
دُفاقٌ ، فعَرْوانُ الكَراثِ، فَضِيمُها؟
وقال الأَزهري: عَرْوَى اسم جبل، وكذلك عَرْوانُ، قال ابن بري: وعَرْوَى
اسم أَكَمة، وقيل: موضع؛ قال الجعدي:
كَطاوٍ بعَرْوَى أَلْجَأَتْهُ عَشِيَّةٌ،
لها سَبَلٌ فيه قِطارٌ وحاصِبُ
وأَنشد لآخر:
عُرَيَّةُ ليسَ لها ناصرٌ،
وعَرْوَى التي هَدَمَ الثَّعْلَبُ
قال: وقال عليّ بن حَمزة وعَرْوَى اسم أَرْضٍ؛ قال الشاعر:
يا وَيْحَ ناقتي، التي كَلَّفْتُها
عَرْوَي ، تَصِرُّ وبِارُها وتُنَجِّم
أَي تَحْفِرُ عن النَّجْمِ، وهو ما نَجَم من النَّبْت.
قال: وأَنْشَدَه المُهَلَّبي في المَقصور ملَّفْتها عَرَّى، بتشديد
الراءِ، وهو غلط، وإنما عَرَّى وادٍ. وعَرْوى: هَضْبَة. وابنُ عَرْوانَ:
جبَل؛ قال ابن هَرْمة:
حِلْمُه وازِنٌ بَناتِ شَمامٍ،
وابنَ عَرْوانَ مُكْفَهِرَّ الجَبينِ
والأُعْرُوانُ: نَبْتٌ، مثَّل به سيبويه وفسَّره السيرافي. وفي حديث
عروةٍ بن مسعود قال: والله ما كلَّمتُ مسعودَ بنَ عَمْروٍ منذ عَشْرِ سِنين
والليلةَ أُكَلِّمُه، فخرج فناداه فقال: مَنْ هذا؟ قال: عُرْوَة،
فأَقْبَل مسعودٌ وهو يقول:
أَطَرَقَتْ عَراهِيَهْ،
أَمْ طَرَقَتْ بِداهِيهْ؟
حكى ابن الأَثير عن الخطابي قال: هذا حرفٌ مُشْكِل، وقد كَتَبْتُ فيه
إلى الأَزهري، وكان من جوابه أَنه لم يَجِدْه في كلام العرب، والصوابُ
عِنْده عَتاهِيَهْ، وهي الغَفْلة والدَّهَش أَي أَطَرَقْت غَفْلَةً بلا
روِيَّة أَو دَهَشاً؛ قال الخطابي: وقد لاح في هذا شيءٌ، وهو أَنْ تكون
الكَلِمة مُركَّبةً من اسْمَيْن: ظاهرٍ، ومكْنِيٍّ، وأَبْدَل فيهما حَرْفاً،
وأَصْلُها إماَّ من العَراءِ وهو وجه الأَرض، وإِما منَ العَرا مقصورٌ،
وهو الناحيَِة، كأَنه قال أَطَرَقْتَ عَرائي أَي فِنائي زائراً وضَيْفاً
أَم أَصابتك داهِيَةٌ فجئْتَ مُسْتَغِيثاً، فالهاءُ الأُولى من عَراهِيَهْ
مُبدلَة من الهمزة، والثانية هاءُ السَّكْت زيدت لبيان الحركة؛ وقال
الزمخشري: يحتمِل أَن يكونَ بالزاي، مصدرٌ من عَزِه يَعْزَهُ فهو عَزِةٌ إذا
لم يكن له أَرِبٌ في الطَّرَب، فيكون .معناه أَطَرَقْت بلا أَرَبٍ وحاجةٍ
أَم أَصابَتْك داهية أَحوجَتْك إلى الاستغاثة؟ وذكر ابن الأثير في ترجمة
عَرَا حديث المَخْزومية التي تَسْتَعِيرُ المَتاع وتَجْحَدُه، وليس هذا
مكانَه في ترتيبِنا نحن فذكرناه في ترجمة عَوَر.
هوه: هَهْ: كلمة تَذَكُّرٍ وتكون بمعنى التحذير أَيضاً، ولا يُصَرَّفُ
منه فعل لثقله على اللسان وقبحه في المنطق، إلا أَن يضطر شاعر. قال
الليث: هَهْ تَذْكِرَةٌ في حال، وتحذيرٌ في حال، فإذا مدَدْتَها وقلتَ هاهْ
كانت كانت وعيداً في حال، وحكاية لضحك الضاحك في حال، تقول: ضحك فلان
فقال هاهْ هاهْ؛ قال: وتكون هاهْ في موضع آهْ من التَّوَجُّعِ من قوله:
إذا ما قُمْتُ أَرْحَلُها بلَيْلٍ،
تأَوَّهُ آهَةَ الرجلِ الحَزينِ
ويروى:
تَهَوَّهُ هاهَةَ الرجلِ الحزين
قال: وبيان القطع أَحسن. ابن السكيت: الآهةُ من التَّأَوُّهِ، وهو
التوجع. يقال: تأَوَّهْتُ آهةً، وكذلك قولهم في الدعاء آهةً وأَمِيهَةً،
وتفسيرهما مذكور في موضعه. والهَوْهاءةُ والهَوْهاءُ: البئر التي لا
مُتَعَلَّقَ بها ولا موضع لرِجْلِ نازِلها لبُعْدِ جالَيْها؛ قال:
بهُوَّة هَوْهاءةِ التَّرَجُّلِ
ورجل هَوْهاءٌ وهَوْهاءةٌ وهَوْهاةٌ: ضعيف الفؤاد جبان من ذلك. قال ابن
بري: وحكى ابن السكيت هوَاهِيةً أَيضاً للجبان. ورجل هُوهَةٌ، بالضم،
أَي جبان. وفي حديث عمرو بن العاص: كنتَ الهَوْهاةَ الهُمَزَةَ؛
الهَوْهاةُ: الأَحمق. أَبو عبيد: المَوْماةُ والهَوْهاةُ واحد، والجمع المَوَامي
والهَياهي.
وتَهَوَّهَ الرجلُ: تفَجَّعَ.
والهَواهي: ضرب من السير، واحدتها هَوْهاةٌ. ويقال: إن الناقة لَتَسِير
هَواهِيَ من السير؛ قال الشاعر:
تَغالَتْ يداها بالنَّجاءِ وتَنْتهِي
هَواهِيَ من سَيرٍ، وعُرْضَتُها الصَّبرُ
ابن السكيت: رجل هَواهِيَةٌ وهَوْهاءةٌ إذا كان منْخُوبَ الفؤاد، وأَصل
الهواهاءة البئر لا مُتعلَّقَ بها، كما تقدم. ويقال: جاء فلان
بالهَواهِي أَي بالتخاليط والأَباطيل. والهَواهِي: اللغو من القول والأَباطيل؛
قال ابن أَحمر:
وفي كل يومٍ يَدْعُوانِ أَطِبَّةً
إليَّ، وما يُجْدُونَ إلا هَوَاهِيا
وسمعتُ هَواهِيَةَ القومِ: وهو مثل عَزِيف الجِنِّ وما أَشبهه. ورجل
هُوهٌ: كهَوْهاءةٍ. وهُوهْ: اسم لقارَبْتَ. والعرب تقول عند
التَّوَجُّعِ والتَّلَهُّفِ: هاهْ وهاهِيه؛ وأَنشد الأَصمعي:
قال الغَوَاني: قد زَهاهُ كِبَرُهْ،
وقُلْنَ: يا عَمِّ فما أُغَيِّرُهْ،
وقلتُ: هاهٍ لحديثٍ أُكْثِرُهْ
الهاء في أُْكْثِرُهُ لِهاهٍ. وفي حديث عذاب القبر: هاهْ هاهْ. قال: هذه
كلمة تقال في الإيعاد وفي حكاية الضحك، وقد تقال للتوجع، فتكون الهاء
الأُولى مبدلة من همزة آه، وهو الأَليق بمعنى هذا الحديث. يقال:
تأَوَّهَ وتَهَوَّهَ آهَةً وهاهةً.
ثوب: ثابَ الرَّجُلُ يَثُوبُ ثَوْباً وثَوَباناً: رجَع بعد ذَهابه.
ويقال: ثابَ فلان إِلى اللّه، وتابَ، بالثاء والتاء، أَي عادَ ورجعَ إِلى طاعته، وكذلك: أَثابَ بمعناه.
ورجلٌ تَوّابٌ أَوّابٌ ثَوّابٌ مُنيبٌ، بمعنى واحد. ورجل ثَوّابٌ: للذي يَبِيعُ الثِّيابَ.
وثابَ الناسُ: اجْتَمَعُوا وجاؤُوا. وكذلك الماءُ إِذا اجْتَمَعَ في
الحَوْضِ. وثابَ الشيءُ ثَوْباً وثُؤُوباً أَي رَجَعَ.قال:
وزَعْتُ بِكالهِراوةِ أعْوَجِيٍّ، * إِذا وَنَتِ الرِّكابُ جَرَى وَثابا
ويروى وِثابا، وهو مذكور في موضعه.
وثَوَّبَ كثابَ. أَنشد ثعلب لرجل يصف ساقِيَيْنِ:
إِذا اسْتَراحا بَعْدَ جَهْدٍ ثَوَّبا
والثَّوابُ: النَّحْلُ لأَنها تَثُوبُ. قالَ ساعِدةُ بن جُؤَيَّةَ:
من كل مُعْنِقَةٍ وكُلِّ عِطافةٍ * منها، يُصَدِّقُها ثَوابٌ يَرْعَبُ
وثابَ جِسْمُه ثَوَباناً، وأَثابَ: أَقْبَلَ، الأَخيرة عن ابن قتيبة.
وأَثابَ الرَّجلُ : ثابَ إِليه جِسْمُه وصَلَح بَدَنُهُ .التهذيب :ثابَ إِلى العَلِيلِ جِسْمُه إِذا حسُنَتْ حالُه بعْدَ تَحوُّلِه ورجَعَتْ إِليه صِحَّتُه. وثابَ الحَوْضُ يَثُوبُ ثَوْباً وثُؤُوباً: امْتَلأَ أَو قارَبَ، وثُبةُ الحَوْض ومَثابُه: وَسَطُه الذي يَثُوبُ إِليه الماءُ إِذا اسْتُفرِغَ حُذِفَتْ عَينُه. والثُّبةُ: ما اجْتَمع إِليه الماءُ في الوادي أَو في الغائِط. قال: وإِنما سميت ثُبةً لأَن الماءَ يَثُوبُ إِليها، والهاء عوض من الواو الذاهبة من عين الفعل كما عوّضوا من قولهم أَقام إِقامةً، وأَصله إِقْواماً.
ومَثابُ البئر: وَسَطها. ومَثابُها: مقامُ السَّاقي من عُرُوشها على فَم البئر. قال القطامي يصف البِئر وتَهَوُّرَها:
وما لِمَثاباتِ العُرُوشِ بَقِيَّةٌ، * إِذا اسْتُلَّ، مِنْ تَحْتِ العُرُوشِ، الدَّعائُم
ومَثابَتُها: مَبْلَغُ جُمُومِ مائِها. ومَثابَتُها: ما أَشْرَفَ من الحجارة حَوْلَها يَقُوم عليها الرَّجل أَحياناً كي لا تُجاحِفَ الدَّلْوَ الغَرْبَ، ومَثابةُ البِئْرِ أَيضاً: طَيُّها، عن ابن الأَعرابي. قال ابن سيده: لا أَدري أَعَنَى بطَيّها موضِعَ طَيِّها أَم عَنى الطَّيَّ الذي هو بِناؤُها بالحجارة. قال: وقَلَّما تكون الـمَفْعَلةُ مصدراً. وثابَ الماءُ: بَلَغ إِلى حاله الأَوّل بعدما يُسْتَقَى.
التهذيب: وبِئْرٌ ذاتُ ثَيِّبٍ وغَيِّثٍ إِذا اسْتُقِيَ منها عادَ مكانَه ماءٌ آخَر. وثَيّبٌ كان في الأَصل ثَيْوِبٌ. قال: ولا يكون الثُّؤُوبُ أَوَّلَ الشيءِ حتى يَعُودَ مَرَّةً بعد أُخرى. ويقال: بِئْر لها ثَيْبٌ أَي يَثُوبُ الماءُ فيها.
والـمَثابُ: صَخْرة يَقُوم السَّاقي عليها يثوب إِليها الماء،
قال الراعي: مُشْرفة الـمَثاب دَحُولا.
قال الأَزهري: وسمعت العرب تقول: الكَلأُ بمَواضِعِ كذا وكذا مثل ثائِبِ البحر: يَعْنُون أَنه غَضٌّ رَطْبٌ كأَنه ماءُ البحر إِذا فاضَ بعد جزْرٍ.وثابَ أَي عادَ ورَجَع إِلى مَوْضِعِه الذي كان أَفْضَى إِليه. ويقال: ثابَ ماءُ البِئر إِذا عادَتْ جُمَّتُها. وما أَسْرَعَ ثابَتَها.
والمَثابةُ: الموضع الذي يُثابُ إِليه أَي يُرْجَعُ إِليه مرَّة بعد أُخرى. ومنه قوله تعالى: وإِذ جَعَلْنا البيتَ مَثابةً للناسِ وأَمْناً. وإِنما قيل للمنزل مَثابةٌ لأَنَّ أَهلَه يَتَصَرَّفُون في أُمُورهم ثم يَثُوبون إِليه، والجمع الـمَثابُ.
قال أَبو إِسحق: الأَصل في مَثابةٍ مَثْوَبةٌ ولكن حركةَ الواو نُقِلَت
إِلى الثاء وتَبِعَت الواوُ الحركةَ، فانقَلَبَتْ أَلفاً. قال: وهذا إِعلال
باتباع باب ثابَ، وأَصل ثابَ ثَوَبَ، ولكن الواو قُلبت أَلفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها. قال: لا اختلاف بين النحويين في ذلك.
والـمَثابةُ والـمَثابُ: واحد، وكذلك قال الفرَّاءُ. وأَنشد الشافعي بيت أَبي طالب:
مَثاباً لأَفْناءِ القَبائِلِ كلِّها، * تَخُبُّ إِليه اليَعْمَلاَتُ الذَّوامِلُ
وقال ثعلب: البيتُ مَثابةٌ. وقال بعضهم: مَثُوبةٌ ولم يُقرأْ بها.
ومَثابةُ الناسِ ومثابُهم: مُجتَمَعُهم بعد التَّفَرُّق. وربما قالوا لموضع حِبالة الصائد مَثابة. قال الراجز:
مَتَى مَتَى تُطَّلَعُ الـمَثابا، لَعَلَّ شَيْخاً مُهْتَراً مُصابَا
يعني بالشَّيْخِ الوَعِلَ.
والثُّبةُ: الجماعةُ من الناس، من هذا. وتُجْمَعُ ثُبَةٌ ثُبًى، وقد اختلف أَهل اللغة في أَصلها، فقال بعضهم: هي من ثابَ أَي عادَ ورَجَعَ، وكان أَصلها ثَوُبةً، فلما ضُمت الثاءُ حُذفت الواو، وتصغيرها ثُوَيْبةٌ. ومن هذا أُخذ ثُبةُ الحَوْض. وهو وسَطُه الذي يَثُوب إِليه بَقِيَّةُ الماءِ.
وقوله عز وجل: فانْفِرُوا ثُباتٍ أَو انْفروا جميعاً. قال الفرّاءُ:
معناه فانْفِرُوا عُصَباً، إِذا دُعِيتم إِلى السَّرايا، أَو دُعِيتم لتَنْفِروا جميعاً. وروي أَنَّ محمد بن سلام سأَل يونس عن قوله عز وجل: فانْفِروا ثُباتٍ أَو انْفِرُوا جميعاً. قال: ثُبَةٌ وثُباتٌ أَي فِرْقةٌ وفِرَقٌ. وقال زهير:
وقد أَغْدُو على ثُبَةٍ كِرامٍ، * نَشاوَى، واجِدِينَ لِما نَشاءُ
قال أَبو منصور: الثُّباتُ جَماعاتٌ في تَفْرِقةٍ، وكلُّ فِرْقةٍ ثُبةٌ،
وهذا من ثابَ. وقال آخرون: الثُّبةُ من الأَسْماءِ الناقصة، وهو في الأَصل ثُبَيةٌ، فالساقط لام الفعل في هذا القول، وأَما في القول الأَوّل، فالساقِطُ عين الفعل. ومَن جعل الأَصل ثُبَيةً، فهو من ثَبَّيْتُ على الرجل إِذا أَثْنَيْتَ عليه في حياتِه، وتأْوِيلُه جَمْعُ مَحاسِنِهِ، وإِنما الثُّبةُ الجماعةُ.
وثاب القومُ: أَتَوْا مُتواتِرِين، ولا يقالُ للواحد.
والثَّوابُ: جَزاءُ الطاعةِ، وكذلك الـمَثُوبةُ. قال اللّه تعالى: لَمَثُوبةٌ مِن عندِ اللّهِ خَيْرٌ. وأَعْطاه ثَوابَه ومَثُوبَتَهُ ومَثْوَبَتَه أَي جَزاءَ ما عَمِلَه.
وأَثابَه اللّهُ ثَوابَه وأَثْوَبَه وثوَّبَه مَثُوبَتَه: أَعْطاه إِيّاها. وفي التنزيل العزيز: هل ثُوِّبَ الكُفَّارُ ما
كانوا يَفْعلون. أَي جُوزُوا. وقال اللحياني: أَثابَهُ اللّهُ مَثُوبةً حَسَنَةً. ومَثْوَبةٌ، بفتح الواو، شاذ، منه. ومنه قراءة مَن قرأَ: لـمَثْوَبةٌ من عند اللّه خَيْرٌ. وقد أَثْوَبه اللّهُ مَثْوَبةً حسَنةً، فأَظْهر الواو على الأَصل.
وقال الكلابيون: لا نَعرِف الـمَثْوبةَ، ولكن الـمَثابة.
وثَوَّبه اللّهُ مِن كذا: عَوَّضه، وهو من ذلك.
واسْتَثابَه: سأَله أَن يُثِيبَه.
وفي حديث ابن التَّيِّهانِ، رضي اللّه عنه: أَثِيبُوا أَخاكم أَي جازُوه
على صَنِيعِهِ. يقال: أَثابَه يُثِيبه إِثابةً، والاسم الثَّوابُ، ويكون في الخير والشرِّ، إِلا أَنه بالخير أَخَصُّ وأَكثر استِعمالاً. وأَما قوله في حديث عمر، رضي اللّه عنه: لا أَعرِفَنَّ أَحداً انْتَقَص مِن
سُبُلِ الناسِ إِلى مَثاباتِهم شيئاً. قال ابن شميل: إِلى مَثاباتِهم أَي إِلىمَنازِلهم، الواحد مَثابةٌ، قال: والـمَثابةُ الـمَرْجِعُ. والـمَثابةُ:
الـمُجْتمَعُ والـمَنْزِلُ، لأَنَّ أَهلَه يَثُوبُون إِليه أَي يرجِعُون. وأَراد
عُمر، رضي اللّه عنه، لا أَعْرِفَنَّ أَحداً اقْتَطع شيئاً من طُرُق
المسلمين وأَدخله دارَه. ومنه حديث عائشة، رضي اللّه عنها، وقولُها في الأَحْنَف: أَبي كانَ يَسْتَجِمُّ مَثابةَ سَفَهِه. وفي حديث عَمْرو ابن العاص، رضي اللّه عنه، قِيلَ له في مَرَضِه الذي مات فيه: كَيْفَ تَجِدُكَ؟
قال: أَجِدُني أَذُوبُ ولا أَثُوبُ أَي أَضْعُفُ ولا أَرجِعُ إِلى الصِّحة.
ابن الأَعرابي: يقال لأَساس البَيْتِ مَثاباتٌ. قال: ويقال لتُراب
الأَساس النَّثِيل. قال: وثابَ إِذا انْتَبَه، وآبَ إِذا رَجَعَ، وتابَ إِذا
أَقْلَعَ.
والـمَثابُ: طَيُّ الحجارة يَثُوبُ بَعْضُها على بعض من أَعْلاه إِلى
أَسْفَلِه. والـمَثابُ: الموضع الذي يَثُوبُ منه الماءُ، ومنه بِئْر ما لها ثائِبٌ. والثَّوْبُ: اللِّباسُ، واحد الأَثْوابِ، والثِّيابِ، والجمع
أَثْوُبٌ، وبعض العرب يهمزه فيقول أَثْؤُبٌ، لاستثقال الضمة على الواو، والهمزةُ أَقوى على احتمالها منها، وكذلك دارٌ وأَدْؤُرٌ وساقٌ وأَسْؤُقٌ، وجميع ما جاءَ على هذا المثال. قال معروف بن عبدالرحمن:
لكُلِّ دَهْرٍ قد لَبِسْتُ أَثْؤُبـــــــــا،
حتى اكْتَسَى الرأْسُ قِناعاً أَشْيَبا،
أَمْلَـــــحَ لا لَـــذًّا، ولا مُحَبَّبـــــــا
وأَثْوابٌ وثِيابٌ. التهذيب: وثلاثةُ أَثْوُبٍ، بغير همز، وأَما الأَسْؤُقُ والأَدْؤُرُ فمهموزان، لأَنَّ صرف أَدْؤُرٍ على دار، وكذلك أَسْؤُق
على ساقٍ، والأَثْوبُ حُمِل الصَّرْفُ فيها على الواو التي في الثَوْب نَفْسِها، والواو تحتمل الصرف من غير انهماز. قال: ولو طرح الهمز من أَدْؤُر وأَسْؤُق لجاز على أَن تردّ تلك الأَلف إِلى أَصلها، وكان أَصلها الواو، كما قالوا في جماعة النابِ من الإِنسان أَنْيُبٌ، همزوا لأَنَّ أَصل الأَلف في الناب ياء(1)
(1 قوله «همزوا لأَن أصل الألف إلخ» كذا في النسخ ولعله
لم يهمزوا كما يفيده التعليل بعده.) ، وتصغير نابٍ نُيَيْبٌ، ويجمع
أَنْياباً.
ويقال لصاحب الثِّياب: ثَوَّابٌ. وقوله عز وجل: وثيابَكَ فَطَهِّرْ. قال ابن عباس، رضي اللّه عنهما، يقول: لا تَلْبَسْ ثِيابَك على مَعْصِيةٍ، ولا على فُجُورِ كُفْرٍ، واحتجَّ بقول الشاعر:
إِني بِحَمْدِ اللّهِ، لا ثَوْبَ غادِرٍ * لَبِسْتُ، وَلا مِنْ خَزْيةٍ أَتَقَنَّعُ
وقال أَبو العباس: الثِّيابُ اللِّباسُ، ويقال للقَلْبِ. وقال الفرَّاءُ: وثِيابَك فَطَهِّرْ: أَي لا تكن غادِراً فَتُدَنِّسَ ثِيابَك، فإِنَّ الغادِرَ دَنِسُ الثِّيابِ، ويقال: وثِيابَك فطَهِّرْ. يقول: عَمَلَكَ فأَصْلِحْ. ويقال: وثِيابَكَ فطهر أَي قَصِّرْ، فإِن تَقْصِيرها طُهْرٌ.
وقيل: نَفْسَكَ فطَهِّر، والعرب تَكْني بالثِّيابِ عن النَفْسِ، وقال:
فَسُلِّي ثيابي عن ثِيابِكِ تَنْسَلِي
وفلان دَنِسُ الثِّيابِ إِذا كان خَبيثَ الفِعْل والـمَذْهَبِ خَبِيثَ
العِرْض. قال امْرُؤُ القَيْس:
ثِيابُ بَني عَوْفٍ طَهارَى، نَقِيّةٌ، * وأَوْجُهُهُمْ بِيضُ الـمَسافِرِ، غُرّانُ
وقال:
رَمَوْها بأَثْوابٍ خِفافٍ، ولا تَرَى * لها شَبَهاً، الا النَّعامَ الـمُنَفَّرا.
رَمَوْها يعني الرّكابَ بِأَبْدانِهِم. ومثله قول الراعي:
فقامَ إِليها حَبْتَرٌ بِسلاحِه، * وللّه ثَوْبا حَبْتَرٍ أَيّما فَتَى
يريد ما اشْتَمَل عليه ثَوْبا حَبْتَرٍ من بَدَنِه.
وفي حديث الخُدْرِيِّ لَـمَّا حَضَره الـمَوتُ دَعا بِثيابٍ جُدُدٍ، فَلَبِسَها ثم ذكر عن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال: إِن المَيّتَ يُبْعَثُ في ثِيابِه التي يَموتُ فيها. قال الخطابي: أَما أَبو سعيد فقد
استعمل الحديث على ظاهرهِ، وقد رُوي في تحسين الكَفَنِ أَحاديثُ. قال: وقد تأَوّله بعضُ العلماء على المعنى وأَراد به الحالةَ التي يَمُوت عليها من الخَير والشرّ وعَمَلَه الذي يُخْتَم له به. يقال فلان طاهِرُ الثيابِ إِذا وَصَفُوه بِطَهارةِ النَّفْسِ والبَراءةِ من العَيْبِ. ومنه قوله تعالى: وثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وفلان دَنِسُ الثّياب إِذا كان خَبِيثَ الفعل والـمَذْهبِ. قال: وهذا كالحديث الآَخَر: يُبْعَثُ العَبْدُ على ما مات عليه. قال الهَروِيُّ: وليس قَولُ من ذَهَبَ به إِلى الأَكْفانِ بشيءٍ لأَنَّ الإِنسان إِنما يُكَفَّنُ بعد الموت. وفي الحديث: مَن لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرةٍ أَلْبَسَه اللّهُ تعالى ثَوْبَ مَذَلَّةٍ؛ أَي يَشْمَلُه بالذلِّ كما يشملُ الثوبُ البَدَنَ بأَنْ يُصَغِّرَه في العُيون ويُحَقِّرَه في القُلوب. والشهرة: ظُهور الشيء في شُنْعة حتى يُشْهِره الناسُ.
وفي الحديث: المُتَشَبِّعُ بما لم يُعْطَ كلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ. قال ابن الأَثير: الـمُشْكِلُ من هذا الحديث تثنية الثوب. قال الأَزهريّ:
معناه أَن الرجل يَجعَلُ لقَميصِه كُمَّيْنِ أَحدُهما فوق الآخر لِيُرَى أَن عليه قَميصَين وهما واحد، وهذا إِنما يكونُ فيه أَحدُ الثَّوْبَيْن زُوراً لا الثَّوْبانِ. وقيل معناه أَن العرب أَكثر ما كانت تَلْبَسُ عند
الجِدَّةِ والـمَقْدُرةِ إِزاراً ورداءً، ولهذا حين سُئل النبي، صلى اللّه عليه وسلم، عن الصلاة في الثوب الواحد قال: أَوكُلُّكُم يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟
وفسره عمر، رضي اللّه عنه، بإِزارٍ ورِداء، وإِزار وقميص، وغير ذلك.
وروي عن إِسحق بن راهُويه قال: سأَلتُ أَبا الغَمْرِ الأَعرابيَّ، وهو ابنُ ابنةِ ذي الرُّمة، عن تفسير ذلك، فقال: كانت العربُ إِذا اجتَمَعوا في المحافِلِ كانت لهم جماعةٌ يَلْبَسُ أَحدُهم ثوبين حَسَنَيْن. فإِن احتاجوا إِلى شَهادةٍ شَهِدَ لهم بِزُور، فيُمْضُون شَهادتَه بثَوْبَيْهِ، فيقولون: ما أَحْسَنَ
ثِيابَه، وما أَحسنَ هَيْئَتَه، فَيُجيزون شهادته لذلك.
قال: والأَحسن أَن يقال فيه إِنَّ المتشبّعَ بما لم يُعْطَ هو الذي يقول
أُعْطِيتُ كذا لشيءٍ لم يُعْطَه، فأَمـّا أَنه يَتَّصِفُ بصِفاتٍ ليست
فيه، يريدُ أَنَّ اللّه تعالى منَحَه إِيّاها، أَو يُريد أَنّ بعضَ الناسِ
وصَلَهُ بشيءٍ خَصَّه به، فيكون بهذا القول قد جمع بين كذبين أَحدهما اتّصافُه بما ليس فيه، أَو أَخْذُه ما لم يأْخُذْه، والآخَر الكَذِبُ على الـمُعْطِي، وهو اللّهُ، أَو الناسُ. وأَراد بثوبي زُورٍ هذين الحالَيْن اللَّذَيْنِ ارْتَكَبَهما، واتَّصفَ بهما، وقد سبق أَن الثوبَ يُطلق على الصفة المحمودة والمذمومة، وحينئذ يصح التشبيه في التثنية لإِنه شَبَّه اثنين باثنين، واللّه أَعلم.
ويقال: ثَوَّبَ الدَّاعِي تَثْوِيباً إِذا عاد مرَّة بعد أُخرى. ومنه
تَثْوِيبُ المؤذّن إِذا نادَى بالأَذانِ للناس إِلى الصلاة ثم نادَى بعد
(يتبع...)
(تابع... 1): ثوب: ثابَ الرَّجُلُ يَثُوبُ ثَوْباً وثَوَباناً: رجَع بعد ذَهابه.... ...
التأْذين، فقال: الصلاةَ، رَحمكم اللّه، الصلاةَ، يَدْعُو إِليها عَوْداً بعد بَدْء. والتَّثْوِيبُ: هو الدُّعاء للصلاة وغيرها، وأَصله أَنَّ الرجلَ إِذا جاءَ مُسْتَصْرِخاً لوَّحَ بثوبه لِيُرَى ويَشْتَهِر، فكان ذلك
كالدُّعاء، فسُمي الدعاء تثويباً لذلك، وكلُّ داعٍ مُثَوِّبٌ. وقيل: إِنما سُمِّي الدُّعاء تَثْوِيباً من ثاب يَثُوبُ إِذا رجَع، فهو رُجُوعٌ إِلى الأَمر بالـمُبادرة إِلى الصلاة، فإِنّ المؤَذِّن إِذا قال: حَيَّ على الصلاة، فقد دَعاهم إِليها، فإِذا قال بعد ذلك: الصلاةُ خيرٌ من النَّوْم، فقد رجَع إِلى كلام معناه المبادرةُ إِليها. وفي حديث بِلال: أَمرَني رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، أَنْ لا أُثَوِّبَ في شيءٍ من الصلاةِ، إِلاَّ في صلاةِ الفجر، وهو قوله: الصلاةُ خيرٌ من النَّوْم، مرتين. وقيل: التَّثْويبُ تثنية الدعاء. وقيل: التثويب في أَذان الفجر أَن يقول المؤَذِّن بعد قوله حيّ على الفلاح: الصلاةُ خير من النَّوْم، يقولها مرتين، كما يُثوِّب بين الأَذانين: الصلاةَ، رحمكم اللّه، الصلاةَ. وأَصلُ هذا كلِّه من تَثْوِيب الدعاء مرة بعدَ اخرى. وقيل: التَّثوِيبُ الصلاةُ بعدَ الفَريضة. يقال: تَثَوَّبت أَي تَطَوَّعْت بعد المكتُوبة، ولا يكون التَّثْوِيبُ إِلا بعد المكتوبة، وهو العود للصلاة بعد الصلاة. وفي الحديث: إِذا ثُوِّبَ بالصلاة
فأْتُوها وعليكم السَّكِينةُ والوَقارُ. قال ابن الأَثير: التَّثْويبُ
ههنا إِقامةُ الصلاة.
وفي حديث أُم سلمة أَنها قالت لعائشة، رضي اللّه عنها، حين أَرادت الخُروجَ إِلى البصرة: إِنَّ عَمُودَ الدِّين لا يُثابُ بالنساءِ إِنْ مالَ.
تريد: لا يُعادُ إِلى اسْتِوائه، من ثابَ يَثُوبُ إِذا رجَع. ويقال: ذَهَبَ
مالُ فلانٍ فاسْتَثابَ مالاً أَي اسْتَرْجَع مالاً. وقال الكميت:
إِنّ العَشِيرةَ تَسْتَثِيبُ بمالِه، * فتُغِيرُ، وهْوَ مُوَفِّرٌ أَمْوالَها
وقولهم في المثلِ هو أَطْوَعُ من ثَوابٍ: هو اسم رجل كان يُوصَفُ بالطَّواعِيةِ. قال الأَخفش بن شهاب:
وكنتُ، الدَّهْرَ، لَسْتُ أُطِيع أُنْثَى، * فَصِرْتُ اليومَ أَطْوَعَ مِن ثَوابِ
التهذيب: في النوادر أَثَبْتُ الثَّوْبَ إِثابةً إِذا كَفَفْتَ مَخايِطَه،
ومَلَلْتُه: خِطْتُه الخِياطَة الأُولى بغير كَفٍّ.
والثائبُ: الرّيحُ الشديدةُ تكونُ في أَوّلِ الـمَطَر.
وثَوْبانُ: اسم رجل.
نعس: قال اللَّه تعالى: إِذ يَغْشاكم النعاس أَمَنَةً منه؛ النُّعاسُ:
النوم، وقيل: هو مقاربته، وقيل: ثَقْلَتُه. نَعَس
(* قوله «نعس» من باب قتل
كما في المصباح والبصائر لصاحب القاموس، ومن باب منع كما في القاموس.)
يَنْعُس نُعاساً، وهو ناعِس ونَعْسانُ. وقيل: لا يقال نَعْسانُ، قال
الفراء: ولا أَشتهيها، وقال الليث: رجل نَعْسانُ وامرأَة نَعْسى، حملوا ذلك
على وسْنان ووَسْنى، وربما حملوا الشيءَ على نظائره وأَحسن ما يكون ذلك في
الشعر. والنُّعاس: الوَسَنُ؛ قال الأَزهري: وحقيقة النُّعاس السِّنَةُ من
غير نوم كما قال عدي بن الرقاع:
وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ
في عَيْنِه سِنَةٌ، ولَيْس بنائِمِ
ونَعَسْنا نَعْسَة واحدة وامرأَة ناعِسَة ونَعَّاسَةٌ ونَعْسى ونَعُوسٌ.
وناقة نَعُوسٌ: غزيرة تَنْعُس إِذا حُلبت؛ وقال الأَزهري: تُغَمِّضُ
عينها عند الحلب؛ قال الراعي يصف ناقة بالسَّماحة بالدَّرِّ وأَنها إِذا
دَرَّتْ نَعَسَت:
نَعُوسٌ إِذا دَرَّتْ، جَرُوزٌ إِذا غَدَتْ،
بُوَيْزِلُ عامٍ أَو سَديسٌ كَبازِلِ
الجَرُوزُ: الشديدة الأَكل، وذلك أَكثَرُ لِلَبَنِها. وبُوَيْزِلُ عامٍ
أَي بزلت حديثا، والبازل من الإِبل: الذي له تسع سنين، وقوله أَو سديد
كبازل، السديس دون البازل بسنة، يقول: هي سديس، وفي المنظر كالبازل.
والنَّعْسَةُ: الخَفْقَةُ.والكلب يوصف بكثرة النُّعاس؛ وفي المثل: مَطْلٌ
كنُعاس الكَلْبِ أي متصل دائم. ابن الأَعرابي: النَّعْس لين الرأْي والجسم
وضَعْفُهُما.
أَبو عمرو: أَنْعَسَ الرَّجُل إِذا جاء بِبَنِينَ كُسالى. ونَعَسَت
السوق إِذا كَسَدَتْ، وفي الحديث: إِن كلماته بَلغَتْ ناعُوسَ البَحْر؛ قال
ابن الأَثير: قال أَبو موسى كذا وقع في صحيح مسلم وفي سائر الروايات
قاموسَ البحر، وهو وسطه ولُجَّته، ولعله لم يجوِّد كَتْبتَه فصحَّفه بعضهم،
قال: وليست هذه اللفظة أَصلاً في مسند إِسحق الذي روى عنه مسلم هذا الحديث
غير أَنه قَرنَه بأَبي موسى وروايته، فلعلها فيها قال: وإِنما أُورِدُ
نحوَ هذه الأَلفاظ لأَن الإِنسان إِذا طلبه لم يجده في شيء من الكتب فيتحير
فإِذا نظر في كتابنا عرف أَصله ومعناه.
جبذ: جَبَذَ جَبْذاً: لغة في جَذَبَ. وفي الحديث: فَجَبَذَني رجل من
خلفي، وظنه أَبو عبيد مقلوباً عنه؛ قال ابن سيده: وليس ذلك بشيء. وقال: قال
ابن جني ليس أَحدهما مقلوباً عن صاحبه وذلك أَنهما جميعاً يتصرفان تصرفاً
واحداً، تقول: جَذَبَ يَجْذِبُ جَذْباً، فهو جاذب، وجَبَذَ يَجبذُ
جَبْذاً، فهو جابذ، فإِن جعلت مع هذا أَحدهما أَصلاً لصاحبه فسد ذلك لأَنك لو
فعلته لم يكن أَحدُهما أَسعَدَ بهذه الحال من الآخر، فإِذا وقَفْتَ
الحالَ بهما ولم تُؤْثِِرْ بالمزية أَحدَهما عن تصرف صاحبه فلم يُساوه فيه كان
أَوسعهُما تَصَرُّفاً أَصلاً لصاحبه، وذلك نحو قولهم: أَنى الشيءُ يأْني
وآنَ يَئِينُ، فآنَ مقلوب عن أَنَى والدليل على ذلك وجودك مصدَرَ أَنى
يأْنِي أَنًى، ولا تجد لآن مصدراً، كذا قال الأَصمعي، فأَما الأَيْن فليس
من هذا في شيء، إِنما الأَيْنُ الإِعْياءُ والتعبُ، فلما عَدِمَ آن
المصدرَ الذي هو أَصل الفعل علم أَنه مقلوب عن أَنَى يأْنى. قال الله سبحانه
وتعالى: إِلا أَن يؤذن لكم إِلى طعام غير ناظرين أَناه، أَي بلوغَه
وإِداركَهُ، غير أَن أَبا زيد قد حكى لآن مصدراً، وهو الأَيْنُ، فإِن كان
الأَمر كذلك فهما إِذاً أَصلان متساويان متساوقان. وجَبَذَ العنبُ يَجْبِذُ:
صَغُر وقَفَّ.