Academy of the Arabic Language in Cairo, al-Muʿjam al-Wasīṭ (1998) المعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=85502#371719
(امحى) الشَّيْء ذهب أَثَره
طمس: الطُّمُوس: الدروس والانْمِحاء. وطَمَس الطريقُ وطَسَمَ يَطْمِسُ
ويَطْمُسُ طُموساً: درَسَ وامَّحى أَثَرُه؛ قال العجاج:
وإِن طَمَسَ الطريقُ تَوَهَّمَتْه
بخَوْصاوَيْنِ في لَحِجٍ كَنِينِ
وطَمَسْتُه طَمْساً، يَتَعَدَّى ولا يتعدَّى. وانْطَمَس الشيءُ
وتَطَمَّسَ: امَّحَى ودَرَسَ.
قال شمر: طُموسُ البصر ذهاب نوره وضوئه، وكذلك طُمُوس الكواكب ذهاب
ضَوْئها؛ قال ذو الرمة:
فلا تَحْسِبي شَجِّي بك البيدَ كلما
تَلأْلأَ بالغَوْرِ النجومُ الطَّوامِسُ
وهي التي تخفى وتغيب. ويقال: طَمَسْتُه فطَمَس طُمُوساً إِذا ذهب بصره.
وطُمُوس القلب: فسادُه. أَبو زيد: طَمَس الرجلُ الكتابَ طُموساً إِذا
دَرَسه. وفي صفة الدَّجَّال: أَنه مَطْموسُ العين أَي مَمْسُوحها من غير
فحش. والطَّمْسُ: استئصال أَثر الشيء. وفي حديث وَفْدِ مَذْحِج: ويُمْسي
سَرابُها طامِساً أَي يذهب مرة ويجيء أُخرى. قال ابن الأَثير: قال الخطابي
كان الأَشبه أَن يكون سَرابُها طامياً ولكن كذا يروى. وطَمَس اللَّهُ عليه
يَطْمِسُ وطَمَسَه، وطُمِسَ النجمُ والقمر والبصر: ذهب ضوءُه. وقال
الزجاج: المَطْموس الأَعمى الذي لا يبين حَرْفُ جَفْنِ عينه فلا يرى شُفْرُ
عينيه. وفي التنزيل العزيز: ولو نشاء لطَمَسْنا على أَعينهم؛ يقول: لو
نشاء لأَعميناهم، ويكون الطموس بمنزلة المسخ للشيء، وكذلك قوله عز وجل: من
قبل أَن تَطْمِسَ وُجُوهاً، قال الزجاج: فيه ثلاثة أَقوال: قال بعضهم يجعل
وجوههم كأَقفيتهم،وقال بعضهم يجعل وجوههم منابت الشعر كأَقفيتهم، وقيل:
الوجوه ههنا تمثيل بأَمر الدين؛ المعنى من قبل أَن نضلهم مجازاة لما هم
عليه من العناد فنضلهم إِضلالاً لا يؤمنون معه أَبداً. قال وقوله تعالى:
ولو نشاء لطمسنا على أَعينهم؛ المعنى لو نشاء لأَعميناهم، وقال في قوله
تعالى: ربنا اطْمِسْ على أَموالهم، أَي غَيِّرْها، قيل: إِنه جعل سُكَّرَهم
حجارة. وتأْويل طَمْسِ الشيء: ذهابُه عن صورته. والطَّمْسُ: آخر الآيات
التسع التي أُوتيها موسى، عليه السلام، حين طُمِسَ على مال فرعون بدعوته
فصارت حجارة. جاء في التفسير: أَنه صير سُكَّرَهم حجارة. وأَرْبُعٌ
طِماسٌ: دارِسَة.والطَّامِسُ: البعيدُ. وطَمَسَ الرجلُ يَطْمُس طُمُوساً:
بَعُدَ. وخَرْقٌ طامِسٌ: بعيد لا مَسْلك فيه؛ وأَنشد شمر لابن مَيَّادة:
ومَوْماةٍ يَحارُ الطِّرْفُ فيها،
صَمُوتِ الليلِ طامِسَةِ الجِبالِ
قال: طامسة بعيدة لا تتبين من بُعد، وتكون الطَّامِسة التي غطاها
السَّراب فلا ترى. وطَمَسَ بعينه: نظر نظراً بعيداً.
والطَّامِسِيَّة: موضع؛ قال الطِّرِمَّاح بن الجَهْم:
انْظُرْ بعينِك هل تَرَى أَظْعانَهُم؟
فالطَّامِسِيَّةُ دُونَهُنَّ فَثَرْمَدُ
الأَزهري: قال أَبو تراب سمعت أَعرابيّاً يقول طَمَسَ في الأَرض وطَهَسَ
إِذا دخَل فيها إِما راسخاً وإِما واغلاً، وقال شجاع بالهاء؛ ويقال: ما
أَدري أَين طَمَسَ وأَين طَوَّسَ أَي أَين ذهب. الفراء في كتاب المصادر:
الطَّماسَةُ كالحَزْرِ، وهو مصدر. يقال: كم يكفي داري هذه من آجُرَّةٍ؟
قال: اطْمِسْ أَي احْزُِرْ.
محا: مَحا الشيءَ يَمْحُوه ويَمْحاه مَحْواً ومَحْياً: أَذْهَبَ
أَثَرَه. الأَزهري: المَحْوُ لكل شيء يذهب أَثرُه، تقول: أَنا أَمْحُوه
وأَمْحاه، وطيِّء تقول مَحَيْتُه مَحْياً ومَحْواً. وامَّحى الشيءُ يَمَّحِي
امِّحاءً، انْفَعَلَ، وكذلك امتَحى إِذا ذهب أَثرُه، وكره بعضهم امْتَحى،
والأَجود امَّحى، والأَصل فيه انْمَحى، وأَما امْتَحى فلغة رديئة. ومحَا
لَوْحَه يَمْحُوه مَحْواً ويَمْحِيه مَحْياً، فهو مَمْحُوٌّ ومَمْحِيٌّ،
صارت الواو ياء لكسرة ما قلبها فأُدغمت في الياء التي هي لام الفعل؛ وأَنشد
الأَصمعي:
كما رأَيتَ الوَرَقَ المَمْحِيَّا
قال الجوهري: وامْتَحى لغة ضعيفة.
والماحي: من أَسماء سيدنا رسول الله،صلى الله عليه وسلم، مَحا الله به
الكفرَ وآثارَه، وقيل: لأَنه يَمحُو الكفرَ ويُعَفِّي آثارَه بإِذن
الله.والمَحْوُ: السواد الذي في القمر كأَن ذلك كان نَيِّراً فمُحِي.
والمَحْوة: المَطْرة تمحُو الجَدْبَ؛ عن ابن الأَعرابي. وأَصبحت الأَرض
مَحْوةً واحدة إِذا تَغَطَّى وجْهُها بالماء حتى كأَنها مُحِيَتْ. وتركتُ
الأَرضَ مَحْوةً واحدة إِذا طَبَّقَها المطرُ، وفي المحكم: إِذا جِيدَتْ
كلُّها، كانت فيها غُدْرانٌ أَو لم تكن. أَبو زيد: تَرَكْتِ السماءُ
الأَرضَ مَحْوةً واحدة إِذا طَبَّقَها المطرُ. ومَحوَة: الدَّبُورُ لأَنها
تمحو السحابَ معرفة، فإِن قلت: إِنَّ الأَعلام أَكثر وقوعها في كلامهم
إِنما هو على الأَعيان المرئِيَّاتِ، فالريح وإِن لم تكن مرئية فإِنها على
كل حال جسم، أَلا ترى أَنها تُصادِمُ الأَجرام، وكلُّ ما صادَمَ الجِرْم
جِرْمٌ لا مَحالة، فإِن قيل: ولم قَلَّتِ الأَعلام في المعاني وكثرت في
الأَعيان نحو زيد وجعفر وجميع ما علق عليه علم وهو شخص؟ قيل: لأَن الأَعيان
أَظهر للحاسة وأَبدى إِلى المشاهدة فكانت أَشبه بالعَلَمِية مما لا يُرى
ولا يشاهد حسّاً، وإِنما يعلم تأَمُّلاً واستدلالاً، وليست من معلوم
الضرورة للمشاهدة، وقيل: مَحْوةُ اسم للدَّبُور لأَنها تَمْحُو الأَثَرَ؛
وقال الشاعر:
سَحابات مَحَتْهُنَّ الدَّبُورُ
وقيل: هي الشَّمال. قال الأَصمعي وغيره: من أَسماء الشَّمال مَحْوةُ،
غير مصروفة. قال ابن السكيت: هَبَّتْ مَحْوةُ اسمُ الشَّمال مَعْرِفة؛
وأَنشد:
قَدْ بكَرَتْ مَحْوةُ بالعَجَاجِ،
فَدَمَّرَتْ بَقِيَّةَ الرَّجَاجِ
وقيل: هو الجَنوب، وقال غيره: سُمِّيت الشَّمالُ مَحْوةَ لأَنها تَمْحُو
السحابَ وتَذْهَبُ بها. ومَحْوة: ريح الشَّمَال لأَنها تَذْهَبُ
بالسحاب، وهي معرفة لا تنصرف ولا تدخلها أَلف ولام؛ قال ابن بري: أَنكر علي بن
حمزة اختصاص مَحْوَة بالشَّمال لكونها تَقْشَعُ السحابَ وتَذْهَب به، قال:
وهذا موجود في الجَنوب؛ وأَنشد للأَعشى:
ثمَّ فاؤوا على الكَريهَةِ والصَّبْـ
رِ، كما تَقْشَعُ الجَنُوبُ الجَهاما
ومَحْوٌ: اسم موضع بغير أَلف ولام. وفي المحكم: والمَحْوُ اسم بلد؛ قالت
الخنساء:
لِتَجْرِ الحَوادِثُ بَعْدَ الفَتَى الْـ
ـمُغَادَرِ، بالمَحْو، أَذْلالهَا
والأَذْلالُ: جمع ذِلّ، وهي المسالك والطُّرُق. يقال: أُمورُ الله
تَجْري على أَذْلالها أَي على مجَاريها وطُرُقِها.
والمِمْحاةُ: خِرْقة يزال بها المَنيُّ ونحوه.
عفا: في أَسماءِ الله تعالى: العَفُوُّ، وهو فَعُولٌ من العَفْوِ، وهو
التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقابِ عليه، وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس،
وهو من أَبْنِية المُبالَغةِ. يقال: عَفَا يَعْفُو عَفْواً، فهو عافٍ
وعَفُوٌّ، قال الليث: العَفْوُ عَفْوُ اللهِ، عز وجل، عن خَلْقِه، والله تعالى
العَفُوُّ الغَفُور. وكلُّ من اسْتحقَّ عُقُوبةً فَتَرَكْتَها فقد عَفَوْتَ
عنه. قال ابن الأَنباري في قوله تعالى: عَفَا الله عنكَ لمَ أَذِنْتَ
لهُم؛ مَحا اللهُ عنكَ، مأْخوذ من قولهم عفَت الرياحُ الآثارَ إِذا دَرَسَتْها
ومَحَتْها، وقد عَفَت الآثارُ تَعْفُو عُفُوّاً، لفظُ اللازم
والمُتَعدِّي سواءٌ. قال الأَزهري: قرأْت بخَطّ شمر لأَبي زيد عَفا الله تعالى عن
العبد عَفْواً، وعَفَتِ الريحُ الأَثر عفاءً فعَفَا الأَثَرُ عُفُوّاً. وفي
حديث أَبي بكر، رضي الله عنه: سَلُوا اللهَ العَفْو والعافية والمُعافاة،
فأَما العَفْوُ فهو ما وصفْناه من مَحْو الله تعالى ذُنوبَ عبده عنه، وأَما
العافية فهو أَن يُعافيَهُ الله تعالى من سُقْمٍ أَو بَلِيَّةٍ وهي الصِّحَّةُ
ضدُّ المَرَض. يقال: عافاهُ الله وأَعْفاه أَي وهَب له العافية من العِلَل
والبَلايا. وأَما المُعافاةُ فأَنْ يُعافِيَكَ اللهُ من الناس ويُعافِيَهم
منكَ أَي يُغْنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أَذاهم عنك وأَذاك عنهم، وقيل:
هي مُفاعَلَة من العفوِ، وهو أَن يَعْفُوَ عن الناس ويَعْفُوا هُمْ
عنه. وقال الليث: العافية دِفاعُ الله تعالى عن العبد. يقال: عافاه اللهُ
عافيةً، وهو اسم يوضع موضِع المصدر الحقيقي، وهو المُعافاةُ، وقد جاءَت مصادرُ
كثيرةٌ على فاعلة، تقول سَمعْت راغِيَة الإِبل وثاغِيَة الشاءِ أَي سمعتُ
رُغاءَها وثُغاءَها. قال ابن سيده: وأَعْفاهُ الله وعافاهُ مُعافاةً
وعافِيَةً مصدرٌ، كالعاقِبة والخاتِمة، أَصَحَّه وأَبْرأَه. وعَفا عن ذَنْبِه
عَفْواً: صَفَح، وعَفا الله عنه وأَعْفاه. وقوله تعالى: فمَن عُفِيَ له من
أَخيه شيءٌ فاتِّباعٌ بالمعروف وأَداءٌ إِليه بإِحسانٍ؛ قال الأَزهري:
وهذه آية مشكلة، وقد فسَّرها ابن عباس ثم مَنْ بعدَه تفسيراً قَرَّبوه على
قَدْر أَفْهام أَهل عصرهم، فرأَيتُ أَن أَذكُر قولَ ابن عباس وأُؤَيِّدَه
بما يَزيدهُ بياناً ووُضوحاً، روى مجاهد قال: سمعت ابنَ عباسٍ يقول كان
القصاصُ في بني إِسرائيلَ ولم تكن فيهم الدِّيَة، فقال الله عز وجل لهذه
الأُمَّة: كتِب عليكم القِصاصُ في القَتْلى الحرُّ بالحُرِّ والعبدُ
بالعبدِ والأُنثْى بالأُنْثى فمن عُفِيَ له من أَخيه شيءٌ فاتّباع بالمعروف
وأَداءٌ إِليه بإِحسان؛ فالعَفْوُ: أَن تُقْبَلَ الديَةُ في العَمْدِ، ذلك
تخفيفٌ من ربِّكم مما كُتِبَ على من كان قَبْلَكم، يطلُب هذا بإِحسانٍ
ويُؤَدِّي هذا بإحسانٍ. قال الأَزهري: فقول ابن عباس العَفْوُ أَن تُقْبَل
الديَة في العَمْد، الأَصلُ فيه أَنَّ العَفْو في موضوع اللغة الفضلُ،
يقال: عَفا فلان لفلان بماله إِذا أَفضَلَ له، وعفَا له عَمَّا له عليه إِذا
تَرَكه، وليس العَفْو في قوله فمن عُفِيَ له من أَخيه عَفْواً من وليِّ
الدَّمِ، ولكنه عفوٌ من الله عز وجل، وذلك أَنَّ سائرَ الأُمَم قبلَ هذه
الأُمَّة لم يكن لهم أَخذُ الدِّية إِذا قُتِلَ قتيل، فجعَله الله لهذه
الأُمة عَفْواً منه وفَضْلاً مع اختيار وَليِّ الدمِ ذلك في العمْد، وهو قوله
عز وجل: فمن عُفِيَ له من أَخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف؛ أَي مَن عَفا
اللهُ جَلَّ اسمُه بالدّية حين أَباحَ له أَخْذَها، بعدما كانت مَحْظُورةً
على سائر الأُمم مع اختياره إِيَّاها على الدَّمِ، فعليه اتِّباع بالمعروف
أَي مطالبَة للدِّية بمعرُوف، وعلى القاتل أَداءُ الديَةِ إِليه
بإحْسانٍ، ثم بَيَّنَ ذلك فقال: ذلك تخفيفٌ من ربكم لكم يا أُمَّة محمدٍ، وفَضْل
جعله الله لأَوْلِياءِ الدم منكم، ورحمةٌ خصَّكم بها، فمن اعْتَدَى أَي فمن
سَفَك دَمَ قاتل وليِّه بعدَ قبولِه الدِّيَة فله عذاب أَليم، والمعنى
الواضح في قوله عز وجل: فمن عُفِيَ له من أَخيه شيء؛ أي من أُحِلَّ لَه
أَخذُ الدِّية بدلَ أَخيه المَقتول عفْواً من الله وفَضْلاً مع اختياره،
فلْيطالِبْ بالمَعْروف، ومِن في قوله مِنْ أَخيه معناها البدل، والعَرَبُ
تقولُ عرَضْتُ له من حَقِّه ثَوْباً أَي أَعْطَيْته بدَل حقّه ثوباً؛ ومنه
قول الله عز وجل: ولو نَشاءُ لَجَعَلْنا منكُم ملائكَة في الأَرض
يَخْلُقُون؛ يقول: لو نشاء لجعلنا بدلكم ملائكة في الأَرض، والله أَعلم. قال
الأَزهري: وما علمت أَحداً أَوضَح من مَعْنى هذه الآية ما أَوْضَحْتُه. وقال ابن
سيده: كان الناسُ من سائِر الأُمَمِ يَقْتُلون الواحدَ بالواحدِ، فجعل الله
لنا نحنُ العَفْوَ عَمَّن قتل إِن شِئْناه، فعُفِيَ على هذا مُتَعَدٍّ،
أَلا تراه مُتَعَدِّياً هنا إِلى شيء؟ وقوله تعالى: إِلاَّ أَنْ يَعْفُون
أَو يَعْفُوَ الذي بيده عُقْدَة النِّكاح؛ معناه إِلا أَن يَعْفُوَ
النساء أَو يعفُوَ الذي بيده عُقْدَة النكاح، وهو الزَّوْجُ أَو الوَليُّ إِذا
كان أَباً، ومعنى عَفْوِ المَرْأَة أَن تَعْفُوَ عن النِّصْفِ الواجبِ
لها فتَتْرُكَه للزوج، أَو يَعْفُوَ الزوج بالنّصفِ فيُعْطِيَها الكُلَّ؛
قال الأَزهري: وأَما قولُ الله عزَّ وجلَّ في آية ما يجبُ للمرأَة من نصف
الصَّداق إِذا طُلِّقَت قبل الدخول بها فقال: إِلاَّ أَن يعفُونَ أَو
يَعْفُوَ الذي بيده عُقْدَة النكاحِ، فإن العَفْوَ ههنا معناهُ الإِفْضالُ
بإعْطاء ما لا يَجبُ عليه، أَو تركُ المرأَة ما يَجبُ
لها؛ يقال: عَفَوْتُ لِفلان بمالي إِذا أَفْضَلْت له فأَعْطَيْته،
وعَفَوْت له عمَّا لي عليه إِذا تركْتَه له؛ وقوله: إِلاَّ أَن يَعْفُونَ
فِعْلٌ لجَماعَةِ النِّساءِ يطلِّقُهُنَّ أَزْواجُهُنَّ قبل أَن
يَمَسُّوهُنَّ مع تسمية الأَزْواجِ لهنَّ مُهورَهُنَّ، فيَعْفُون لأَزْواجِهِنَّ بما
وَجَب لهن من نِصفِ المْهرِ ويَتْرُكْنَه لَهُم، أَو يَعْفُوَ الذي بيدِه
عُقْدةُ النكاحِ، وهو الزوج، بأَن يُتَمِّمَ لها المَهْر كله ، وإِنما
وَجَبَ لها نصْفُه، وكلُّ واحد من الزَّوْجين عافٍ أَي مُفْضِلٌ، أَما
إِفْضالُ المرأَةِ فأَن تتركَ للزوج المُطَلِّق ما وجَبَ لها عليه من نِصف
المَهْر، وأَما إِفْضاله فأَنْ يُتِمَّ لها المَهْرَ كَمَلاً، لأَنَّ
الواجِبَ عليه نصْفُه فيُفْضِلُ مُتَبَرِّعاً بالكلِّ، والنونُ من قوله
يعفُون نونُ فِعلِ جماعةِ النساءِ في يَفْعُلْنَ، ولو كان للرجال لوجَبَ أَن
يقال إِلاَّأَن يعفُوا، لأَنَّ أَن تنصب المستقبلَ وتحذف النونَ، وإِذا لم
يكن مع فعلِ الرجال ما ينْصِب أَو يجزِم قيل هُم يَعْفُونَ، وكان في
الأَصل يَعْفُوُون، فحُذِفت إِحْدى الواوينِ استثقالاً للجمع بينهما، فقيل
يَعْفُونَ، وأَما فِعلُ النساء فقِيلَ لهُنَّ يَعْفُونَ لأَنه على تقدير
يَفْعُلْنَ. ورجل عَفُوٌّ عن الذَّنْبِ: عافٍ. وأَعْفاهُ من الأَمرِ:
بَرَّأَه. واسْتَعْفاه: طَلَب ذلك منه. والاسْتِعْفاءُ: أَن تَطْلُب إِلى مَنْ
يُكَلِّفُكَ أَمراً أَن يُعْفِيَكَ مِنْه. يقال: أَعْفِني منَ الخرُوجِ
مَعَك أَي دَعْني منه. واسْتَعْفاهُ من الخُروجِ مَعَه أَي سأَله
الإِعفاءَ منه. وعَفَت الإِبلُ المَرعى: تَناولَتْه قَريباً. وعَفاه يَعْفُوه:
أَتاه، وقيل: أَتاه يَطْلُب معروفه، والعَفْوُ المَعْروف، والعَفْوُ
الفضلُ. وعَفَوْتُ الرجلَ إذا طَلَبْتَ فضلَه. والعافية والعُفاةُ والعُفَّى:
الأَضْيافُ وطُلاَّب المَعْرُوف، وقيل: هم الذين يَعْفُونك أي يأْتونك
يَطْلبُون ما عندك. وعافيةُ الماء: وارِدَتُه، واحدهم عافٍ. وفلان تَعْفُوه
الأَضْيافُ وتَعْتَفيه الأَضْيافُ وهو كثير العُفَاةِ وكثيرُ العافية
وكثيرُ العُفَّى. والعافي: الرائدُ والوارِدُ لأَن ذلك كلَّه طلبٌ؛ قال
الجُذامي يصف ماءً :
ذا عَرْمَضٍ تَخْضَرُّ كَفُّ عافِيهْ
أَي وارِدِه أَو مُسْتَقِيه. والعافيةُ: طُلاَّبُ الرزقِ من الإِنسِ
والدوابِّ والطَّيْر؛ أَنشد ثعلب:
لَعَزَّ عَلَيْنا، ونِعْمَ الفَتى
مَصِيرُك يا عَمْرُو، والعافِيهْ
يعني أَنْ قُتِلْتَ فصِرْتَ أُكْلةً للطَّيْر والضِّباعِ وهذا كلُّه
طَلَب. وفي الحديث: مَن أَحْيا أَرضاً مَيِّتَةً فهي له، وما أَكَلَتِ
العافيةُ منها فهو له صَدقةٌ، وفي رواية: العَوافي. وفي الحديث في ذكرِ
المدينة: يتْرُكُها أَهلُها على أَحسنِ ما كانت مُذَلَّلة للعَوافِي؛ قال أَبو
عبيد: الواحدُ من العافية عافٍ، وهو كلُّ من جاءَك يطلُب فضلاً أَو رزقاً
فهو عافٍ ومُعْتَفٍ، وقد عَفَاك يَعْفُوكَ، وجمعه عُفاةٌ ؛ وأَنشد قول
الأَعشى:
تطوفُ العُفاةُ بأَبوابِه،
كطَوْفِ النصارى ببَيْتِ الوَثنْ
قال: وقد تكونُ العافيةُ في هذا الحديث من الناسِ وغيرهم، قال: وبيانُ
ذلك في حديث أُمّ مُبَشِّرٍ الأَنصارية قالت: دخل عَليَّ رسُول الله،صلى
الله عليه وسلم، وأَنا في نَخْلٍ لي فقال: مَن غَرَسَه أَمُسْلِمٌ أَم
كافرٌ؟قلت: لا بَلْ مُسْلِمٌ، فقال: ما من مُسْلِمٍ يَغْرِس غَرْساً أَو يزرَع
زرعاً فيأْكلُ منه إِنسانٌ أَو دابَةٌ أَو طائرٌ أَو سَبُعٌ إِلا كانت
له صدقةً . وأَعطاه المالَ عَفْواً بغير مسألةٍ؛ قال الشاعر:
خُذِي العَفْوَ مني تَسْتَديمي مَوَدّتي،
ولا تَنْطِقِي في سَوْرَتي حين أَغضَبُ
وأَنشدَ ابن بري:
فتَمْلأُ الهَجْمَ عَفْواً، وهْي وادِعَة،
حتى تكادَ شِفاهُ الهَجْمِ تَنْثَلِمُ
وقال حسان بن ثابت:
خُذْ ما أَتى منهمُ عَفْواً، فإن مَنَعُوا،
فلا يَكُنْ هَمَّكَ الشيءُ الذي مَنَعُوا
قال الأَزهري: والمُعْفِي الذي يَصْحَبُكَ ولا يَتَعَرَّضُ لمَعْروفِك،
تقولُ: اصْطَحَبْنَا وكلُّنا مُعْفٍ؛ وقال ابن مقبل:
فإنَّكَ لا تَبْلُو امْرَأً دونَ صُحْبةٍ،
وحتى تَعيشا مُعْفِيَيْنِ وتَجْهَدا
وعَفْوُ الملِ: ما يُفْضُلُ عن النَّفَقة. وقوله تعالى: ويَسْأَلونك
ماذا يُنُفِقون قُلِ العَغْوَ؛ قال أَبو إسحق: العَفْوُ الكثرة والفَضْلُ،
فأُمِرُوا أَن يُنُفِقوا الفَضْل إلى أَن فُرِضَت الزكاةُ. وقوله تعالى:
خُذِ العَفْوَ؛ قيل: العَفْو الفَضْلُ الذي يجيءُ بغيرِ كُلْفَةٍ، والمعنى
اقْبَلِ المَيْسُورَ مِنْ أَخْلاقِ الناسِ ولا تَسْتَقْصِ عليهم
فيَسْتَقْصِيَ اللهُ عليك مع ما فيه من العَداوة والبَغْضاءِ. وفي حديث ابن الزبير:
أَمَرَ اللهُ نَبيَّه أَن يأَخُذ العَفْوَ من أَخْلاقِ الناسِ؛ قال: هو
السَّهْل المُيَسَّر، أَي أَمرَه أَن يَحْتَمِل أَخْلاقَهُم ويَقْبَلَ
منها ما سَهُل وتَيَسَّر ولا يستَقْصِيَ عليهم. وقال الفراء في قوله تعالى:
يسأَلونك ماذا يُنْفِقون قل العَفْو؛ قال: وجه الكلام فيه النصبُ، يريدُ
قل يُنْفِقُون العَفْوَ، وهو فضلُ المال؛ وقال أَبو العباس: مَنْ رَفَع
أَراد الذي يُنْفِقون العَفْوُ، قال: وإنما اختار الفراء النصبَ لأن ماذا
عندنا حَرْفٌ واحد أَكثرُ في الكلام، فكأنه قال: ما يُنْفِقُون، فلذلك
اخْتِيرَ النَّصبُ، قال: ومَنْ جَعلَ ذا بمَعْنى الذي رَفَعَ، وقد يجوز أن
يكونَ ماذا حرفاً، ويُرْفَع بالائتناف ؛ وقال الزجاج: نَزَلَت هذه
الآية قبلَ فرض الزكاة فأُمروا أَن يُنْفِقوا الفَضْلَ إلى أَن فُرضَت
الزكاةُ، فكان أَهلُ المَكاسِب يأْخذُ الرجلُ ما يُحْسِبه في كل يوم أَي ما
يَكْفِيه ويَتَصَدَّقُ بباقيِه، ويأخذُ أَهلُ الذَّهَب والفِضَّة ما
يَكْفِيهم في عامِهِمْ وينفِقُون باقيَهُ، هذا قد روي في التفسير، والذي عليه
الإجماع أَنَّ الزَّكاةَ في سائرِ الأشياء قد بُيِّنَ ما يَجْبُ فيها،
وقيل: العَفْوُ ما أَتَى بغَيرِ مسألةٍ. والعافي: ما أَتى على ذلك من غير
مسأَلةٍ أَيضاً؛ قال:
يُغْنِيكَ عافِيه وعِيدَ النَّحْزِ
النَّحْزُ: الكَدُّ والنَّخْس، يقول: ما جاءَكَ منه عَفْواً أَغْناكَ
عن غيره. وأَدْرَكَ الأَمْرَ عَفْواً صَفْواً أَي في سُهُولة وسَراحٍ.
ويقال: خُذْ من مالِه ما عَفا وصَفا أَي ما فَضَل ولم يَشُقَّ عليه. وابن
الأعرابي: عَفا يَعْفُو إذا أَعطى، وعَفَا يَعْفُو إذا تَرَكَ حَقّاً،
وأَعْفَى إذا أَنْفَقَ العَفْوَ من ماله، وهو الفاضِلُ عن نَفَقَتِه. وعَفا
القومُ: كَثُرُوا. وفي التنزيل: حتى عَفَوْا؛ أَي كَثُرُوا. وعَفا
النَّبتُ والشَّعَرُ وغيرُه يَعْفُو فهو عافٍ: كثُرَ وطالَ. وفي الحديث :
أَنهصلى الله عليه وسلم، أَمَرَ بإعْفاء اللِّحَى؛ هو أَن يُوفَّر شَعَرُها
ويُكَثَّر ولا يُقَصَر كالشَّوارِبِ، من عَفا الشيءُ إذا كَثُرَ وزاد. يقال:
أَعْفَيْتُه وعَفَّيْتُه لُغتان إذا فعَلتَ به كذلك. وفي الصحاح:
وعَفَّيْتُه أَنا وأَعْفَيْتُه لغتان إذا فعَلْتَ به ذلك؛ ومنه حديث القصاص: لا
أَعْفَى مَنْ قَتَل بعدَ أَخْذِ الدِّيَةِ؛ هذا دُعاء عليه أَي لا كَثُر
مالُه ولا اسْتَغنى؛ ومنه الحديث: إذا دخَل صَفَرُ وعَفا الوَبَرُ
وبَرِئَ الدَّبَر حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ، أَي كَثُرَ وبرُ
الإبلِ، وفي رواية: وعَفا الأَثَرُ، بمعنى دَرَس وامَّحَى. وفي حديث مُصْعَبِ
بن عُمَير: إنه غلامٌ عافٍ أَي وافي اللَّحم كثيرُه. والعافي: الطويلُ
الشَّعَر. وحديث عمر، رضي الله عنه: إنَّ عامِلَنا ليسَ بالشَّعِثِ ولا
العافي، ويقال للشَّعَرِ إذا طال ووَفى عِفاءٌ؛ قال زهير:
أَذلِكَ أَمْ أَجَبُّ البَطْنِ جَأْبٌ،
عَلَيْهِ، مِنْ عَقِيقَتِهِ، عِفاءُ؟
وناقةٌ ذاتُ عِفاءٍ: كثيرةُ الوَبَر. وعَفا شَعْرُ ظَهْرِ البعيرِ:
كَثُرَ وطالَ فغَطَّى دَبَرَه؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
هَلاَّ سَأَلْت إذا الكَواكِبُ أَخْلَفَت،
وعَفَتْ مَطِيَّة طالِبِ الأَنْسابِ
فسره فقال: عَفَت أَي لم يَجِد أَحدٌ كريماً يرحلُ إليه فعَطَّل
مَطِيَّته فسَمِنت وكَثُر وَبَرُها. وأَرضٌ عافيةٌ: لم يُرْعَ نَبْتُها فوَفَرَ
وكثر. وعَفْوَةُ المَرْعَى: ما لم يُرْعَ فكان كثيراً. وعَفَتِ الأَرضُ
إذا غَطَّاها النبات؛ قال حُمَيْد يصف داراً:
عَفَتْ مثلَ ما يَعْفُو الطَّلِيحُ فأَصْبَحَتْ
بها كِبرياءُ الصَّعْبِ، وهيَ رَكُوبُ
يقول: غَطاها العشْبُ كما طَرَّ وَبَرُ البعيرِ وبَرَأَ دَبَرُه.
وعَفْوَةُ الماءِ: جُمَّتُه قبل أَن يُسْتَقَى منه، وهو من الكثرة. قال الليث:
ناقةٌ عافيةُ اللَّحْمِ * كثيرةُ اللحم، ونوقٌ عافياتٌ؛ وقال لبيد:
بأَسْوُقِ عافياتِ اللحمِ كُوم
ويقالُ: عَفُّوا ظَهْرَ هذا البعيرِ أَي دَعُوه حتى يَسْمَن. ويقال:
عَفَا فلانٌ على فلان في العلمِ إذا زاد عليه؛ قال الراعي:
إذا كان الجِراءُ عَفَتْ عليه
أَي زادت عليه في الجَرْيِ؛ وروى ابن الأعرابي بيت البَعيث:
بَعِيد النَّوَى جالَتْ بإنسانِ عَيْنه
عِفاءَةُ دَمْعٍ جالَ حتى تَحَدَّرا
يعني دَمْعاً كَثُرَ وعَفَا فسالَ. ويقال: فلانٌ يعفُو على مُنْيةِ
المتَمَنِّي وسؤالِ السائلِ أَي يزيد عطاؤُه عليهما؛ وقال لبيد:
يَعْفُو على الجهْدِ والسؤالِ، كما
يَعْفُو عِهادُ الأمْطارِ والرَّصَد
أَي يزيدُ ويُفْضُلُ. وقال الليث: العَفْوُ أَحلُّ المالِ وأَطْيَبُه.
وعَفْوُ كلِّ شيءٍ: خِيارُه وأَجْوَدُه وما لا تَعَب فيه، وكذلك عُفاوَتُه
وعِفاوتُه. وعَفا الماءُ إذا لم يَطأْهُ شيءٌ يُكَدِّرُه.
وعَفْوةُ المالِ والطعامِ والشَّرابِ وعِفْوَتُه؛ الكسر عن كراعٍ: خياره
وما صفا منه وكَثُرَ، وقد عَفا عَفْواً وعُفُوّاً.
وفي حديث ابن الزبير أَنه قال للنابغة: أَمَّا صَفْوُ أَموالِنا فلآلِ
الزُّبَيْرِ، وأما عَفْوُه فإن تَيْماً وأَسَداً تَشْغَلُه عنكَ. قال
الحَرْبي: العَفْوُ أَحَلُّ المالِ وأَطيَبُه، وقيل: عَفْوُ المالِ ما
يَفْضُلُ عن النَّفَقة؛ قال ابن الأثير: وكِلاهما جائزٌ في اللغة، قال :
والثاني أشبَه بهذا الحديث. وعَفْوُ الماءِ: ما فَضَل عن الشَّارِبَةِ وأُخذَ
بغيرِ كُلْفةٍ ولا مزاحمة عليه. ويقال: عفَّى على ما كان منه إذا أَصلَح
بعد الفساد.
أبو حنيفة: العُفْوَة، بضم العين، من كل النبات لَيِّنُه وما لا مَؤُونة
على الراعية فيه.
وعَفْوة كلّ شيء وعِفَاوتُه؛ الضم عن اللحياني: صَفْوُه وكثرَتُه، يقال:
ذَهَبَتْ عِفْوَة هذا النَّبْت أَي لِينُه وخَيرُه؛ قال ابن بري: ومنه
قول الأخطل :
المانعينَ الماءَ حتى يَشْرَبوا
عِفْواتِه، ويُقَسِّمُوه سِِجالا
والعِفاوةُ: ما يرفع للإنسان من مَرَقٍ. والعافي: ما يُرَدُّ في
القِدْرِ من المَرَقةِ إذا اسْتُعِيرَتْ. قال ابن سيده: وعافِي القِدْرِ ما
يُبْقِي فيها المُسْتَعِير لمُعِيرِها؛ قال مُضَرِّس الأَسَدي:
فلا تَسْأَليني، واسأَ ما خَلِيقَتي،
إذا رَدَّ عافي القِدْرِ مَن يَسْتَعيرُها
قال ابن السكيت: عافي في هذا البيت في موضع الرَّفْع لأَنه فاعل، ومَن
في موضع النَّصْب لأنه مفعول به، ومعناه أَنَّ صاحبَ القِدرِ إذا نَزَلَ
به الضَّيْفُ نَصَبَ لهم قِدْراً، فإذا جاءهُ مَنْ يستعير قِدْرهُ فرآها
منصوبَةً لهُم رجَعَ ولم يَطْلُبْها، والعافي: هو الضَّيْفُ، كأَنه
يرُدُّ المُسْتَعِير لارْتِدادِه دونَ قضاءِ حاجَته، وقال غيرُه: عافي
القِدْرِ بقِيَّة المَرَقة يردُّها المستَعيرُ، وهو في موضع النَّصْبِ، وكانَ
وجه الكلام عافِيَ القدر فترَك الفتح للضرورة. قال ابن بري: قال ابن السكيت
العافي والعَفْوة والعِفاوة ما يَبْقَى في أَسْفَلِ القِدْرِ من مَرَقٍ
وما اخْتَلَط به، قال: وموضِعُ عافي رَفْعٌ لأَنه هو الذي رَدَّ
المُسْتَعِير، وذلك لكلَب الزمان وكونه يمنَع إعارَة القِدْرِ لتِلك البَقِيَّة.
والعِفاوةُ: الشيءُ يُرْفَع من الطَّعام للجارية تُسَمَّنُ فَتُؤثَرُ به؛
وقال الكميت:
وظَلَّ غُلامُ الحَيّ طَيّانَ ساغِباً،
وكاعِبُهُم ذاتُ العِفاوَةِ أَسْغَبُ
قال الجوهري: والعِفارة، بالكسر، ما يُرْفَعُ من المَرَقِ أَوَّلاً
يُخَصُّ به مَنْ يُكْرَم، وأَنشد بيت الكميت أَيضاً، تقول منه: عَفَوْت له
منَ المَرَق إذا غَرَفْتَ له أَوَّلاً وآثَرْتَهُ به، وقيل: العفاوة،
بالكسر، أَوّل المَرَقِ وأَجودُه، والعُفاوة، بالضم، آخِرهُ يردُّها
مُسْتَعِيرُ القِدْرِ مع القِدْرِ؛ يقال منه: عَفَوْت القِدْرَ إذا تركت ذلك في
أَسفلها.
والعِفاء، بالمدِّ والكَسْر: ما كَثُر من الوَبَر والرِّيشِ،الواحِدَةُ
عِفاءَةٌ؛ قال ابن بري: ومنه قول ساعدة بن جؤية يصف الضبع:
كمَشْيِ الأَفْتَلِ السَّارِي عليه
عِفاءٌ، كالعَباءَةِ، عَفْشَلِيلُ
وعِفَاءُ النَّعام وغيره: الريشُ الذي على الزِّفِّ الصِّغار، وكذلك
عِفاءُ الدِّيكِ ونحوه من الطير، الواحدة عِفاءَةٌ، ممدودة. وناقةٌ ذاتِ
عِفاءٍ، وليست همزة العِفاءِ والعِفاءَةِ أَصْلِيَّة، إنما هي واو قلبتْ
أَلِفاً فمُدَّت مثل السماء، أَصلُ مَدَّتِها الواو، ويقال في الواحدة:
سَماوَة وسَماءَة، قال: ولا يقال للرِّيشة الواحدة عِفاءَةٌ حتى تكون كثيرة
كَثيفة؛ وقال بعضُهم في همزة العِفاء: إنَّها أَصلِيَّة؛ قال الأزهري:
وليست همزتها أَصليَّة عند النحويين الحُذَّاقِ، ولكنها همزةٌ ممدودة،
وتصغيرها عُفَيٌّ. وعِفاءُ السَّحابِ: كالخَمْل في وجْهِه لا يَكادُ يُخْلِفُ.
وعِفْوَةُ الرجُل وعُفْوَتُه: شَعَر رَأْسِه.
وعَفا المَنزِلُ يَعْفُو وعَفَت الدارُ ونحوُها عَفاءً وعُفُوّاً
وعَفَّت وتَعَفَّت تَعَفِّياً: دَرَسَت، يَتَعدَّى ولا يَتَعَدَّى، وعَفَتْها
الرِّيحُ وعَفَّتْها، شدّد للمبالغة؛ وقال:
أَهاجَكَ رَبْعٌ دارِسُ الرَّسْمِ، باللِّوَى،
لأَسماءَ عَفَّى آيَةُ المُورُ والقَطْرُ؟
ويقال: عَفَّى اللهُ على أَثَرِ فلان وعَفا الله عليه وقَفَّى الله على أَثَرِ
فلانٍ وقَفا عليه بمعنًى واحدٍ. والعُفِيُّ: جمع عافٍ وهو الدارسُ.
وفي حديث الزكاة: قد عَفَوْتُ عن الخَيل والرَّقيقِ فأَدُّوا زَكَاةَ
أَموالِكم أَي ترَكْتُ لكم أَخْذَ زكاتها وتجاوَزْت عنه، من قولهم عَفَت
الريحُ الأَثَرَ إذا طَمَسَتْه ومَحَتْه؛ ومنه حديث أَُم سلمة: قالت
لعثمان، رضي الله عنهما: لا تُعَفِّ سبيلاً كان رسول الله،صلى الله عليه وسلم ،
لَحَبَها أَي لا تَطْمِسْها؛ ومنه الحديث: تَعافَوُا الحُدُود فيما بينكم؛
أَي تجاوَزُوا عنها ولا تَرْفَعُوها إ فإني متى علمْتُها أَقَمْتُها. وفي
حديث ابن عباس: وسُئل عما في أَموال أَهلِ الذِّمَّةِ فقال العَفْو أَي
عُفِيَ لهم عَمَّا فيها من الصَّدَقَة وعن العُشْرِ في غَلاَّتهم. وعَفا
أَثَرهُ عَفاءً: هَلَك، على المَثَل؛ قال زهير يذكر داراً:
تَحَمَّلَ أَهلُها منها فبانُوا،
على آثارِ مَن ذَهَبَ العَفاءُ
والعَفاءُ، بالفتح: التُرابُ؛ روى أَبو هريرة، رضي الله عنه، عن
النبيِّ،صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إذا كان عندك قوتُ يومِكَ فعَلى الدنيا
العَفاءُ. قال أَبو عبيدة وغيرُه: العَفاءُ التراب، وأَنشد بيتَ زهير يذكر
الدارَ، وهذا كقولهم: عليه الدَّبارُ إذا دَعا عليه أَنْ يُدْبِرَ فلا
يَرْجِع. وفي حديث صفوانَ ابنِ مُحْرِزٍ: إذا دَخَلْتُ بَيْتي فأَكَلْتُ
رغيفاً وشَرِبْتُ عليه ماءً فعَلى الدُّنْيا العَفاءُ. والعَفاءُ: الدُّرُوس
والهَلاكُ وذهاب الأَثَر . وقال الليث: يقال في السَّبِّ بِفيِهِ
العَفاءُ،وعليه العَفاءُ، والذئبُ العَوّاءُ؛ وذلك أَنَّ الذئب يَعْوِي في إثْرِ
الظاعِنِ إذا خَلَت الدار عليه، وأَما ما ورد في الحديث: إنَّ
المُنافِقَ إذا مَرِضَ ثم أُعْفِيَ كان كالبعير عَقَلَه أَهلُه ثم أَرْسَلوه فلم
يَدْرِ لِمَ عَقَلُوه ولا لِمَ أَرسَلوه؛ قال ابن الأثير: أَُعْفِيَ
المريض بمعنى عُوفِيَ. والعَفْوُ: الأَرضُ الغُفْل لم تُوطَأْ وليست بها
آثارٌ. قال ابن السكيت: عَفْوُ البلاد ما لا أَثَرَ لأَحدٍ فيها بِمِلْكٍ.
وقال الشافعي في قول النبي،صلى الله عليه وسلم من أَحْيا أَرْضاً ميتَة فهي
له: إنما ذلك في عَفْوِ البلادِ التي لم تُمْلَكْ؛ وأَنشد ابن السكيت:
قَبيلةٌ كَشِراكِ النَّعْلِ دارِجةٌ،
إنْ يَهْبِطُوا العَفْوَ لا يُوجَدْ لهم أَثَرُ
قال ابن بري: الشِّعْر للأَخطَل؛ وقبله:
إنَّ اللَّهازِمَ لا تَنْفَكُّ تابِعَةً،
هُمُ الذُّنابَى وشِرْبُ التابِع الكَدَرُ
قال: والذي في شعره:
تَنْزُو النِّعاجُ عليها وهْي بارِكة،
تَحْكي عَطاءَ سُويدٍ من بني غُبَرا
قبيلةٌ كشِراكِ النَّعْل دارجةٌ،
إنْ يَهْبِطُوا عَفْوَ أَرضٍ لا ترى أَثرَا
قال الأزهري: والعَفَا من البلاد، مقصورٌ، مثلُ العَفْو الذي لا ملْك
لأَحد فيه. وفي الحديث: أَنه أَقْطَعَ من أَرض المدينة ما كان عَفاً أَي
ما ليس لأحد فيه أَثَرٌ، وهو من عَفا الشيءُ إذا دَرَس أو ما ليس لأحد فيه
مِلْكٌ، من عفا الشيءُ يَعْفُو إذا صَفا وخلُص. وفي الحديث: ويَرْعَوْن
عَفاها أَي عَفْوَها.
والعَفْوُ والعِفْو والعَفا والعِفا، بقصرهما: الجَحشُ، وفي التهذيب:
وَلَد الحِمار: وَلَد الحِمار؛ وأَنشد ابن السكيت والمُفَصَّل لأَبي
الطَّمحان حَنْظَلة بن شَرْقيِّ:
بضَرْبٍ يُزيلُ الهامَ عن سَكِناتِه،
وطَعْنٍ كتَشْهاقِ العَفَا هَمَّ بالنَّهْقِ
والجمع أَعْفاءٌ وعِفاءٌ وعِفْوةٌ. والعِفاوة، بكسر العين: الأَتانُ
بعَينِها؛ عن ابن الأعرابي. أَبو زيد: يقال عِفْوٌ وثلاثة عِفَوَةٍ مثلُ
قِرَطَةٍ، قال: وهو الجَحْشُ والمُهْرُ أَيضاً، وكذلك العِجَلَة والظِّئَبة
جمع الظَّأْبِ، وهو السلْفُ. أَبو زيد: العِفَوَةُ أَفْتاءُ الحُمُر،
قال: ولا أَعلم في جميع كلام العرب واواً متحركة بعد حرف متحرك في آخر
البناء غيرَ واوِ عِفَوَةٍ، قال: وهي لغة لقَيس، كَرهُوا أَن يقولوا عفاة في
موضع فِعَلة، وهم يريدون الجماعة، فتَلْتَبس بوُحْدانِ الأَسماء، وقال :
ولو متكَلِّف أَن يَبنيَ من العفو اسماً مفْرداً على بناء فِعَلة لقال
عِفاة. وفي حديث أبي ذرّ، رضي الله عنه: أَنه ترك أَتانَيْن وعِفْواً؛
العِفْو، بالكسر والضم والفتح: الجَحْش، قال ابن الأثير: والأُنثى عُفٌوة
وعِفْوَة. ومعافًى: اسم رجل؛ عن ثعلب.
طلس: الطَّلْسُ: لغة في الطِّرْس. والطَّلْسُ: المَحْوُ، وطَلَسَ الكتاب
طَلْساً وطَلَّسه فتَطَلَّسَ: كطَرَّسه. ويقال للصحيفة إِذا محيت: طِلْس
وطِرْسٌ؛ وأَنشد:
وجَوْنِ خَرْقٍ يَكْتَسي الطُّلُوسا
يقول: كأَنما كُسِيَ صُحُفاً قد محيت مرة لدُرُوس آثارها. والطِّلسُ:
كتاب قد مُحِيَ ولم يُنعَمْ مَحْوُه فيصير طِلْساً. ويقال لجِلْدِ فَخِذِ
البعير: طِلْسٌ لتساقط شعره ووَبَرِه، وإِذا محوت الكتاب لتفسد خطه قلت:
طَلَسْتُ، فإِذا أَنعمت محوه قلت: طَرَسْتُ. وفي الحديث عن النبي، صلى
اللَّه عليه وسلم، أَنه أَمَرَ بطَلْس الصُّوَرِ التي في الكعبة؛ قال شمر:
معناه بطَمْسِها ومَحْوِها. ويقال: اطْلِسِ الكتابَ أَي امْحُه، وطَلَسْت
الكِتابَ أَي محوته. وفي الحديث: قولُ لا إِله إِلا اللَّه يَطْلِس ما
قبله من الذنوب. وفي حديث عليّ، رضي اللَّه عنه: قال له لا تَدَعْ
تِمْثالاً إِلا طَلَسْتَه أَي مَحَوْتَه، وقيل: الأَصل فيه الطُّلْسَةُ وهي
الغُبْرَةُ إِلى السواد.
والأَطْلَسُ: الأَسودُ والوَسَخُ. والأَطْلَسُ: الثوب الخَلَقُ، وكذلك
الطِلَسُ بالكسر، والجمع أَطْلاسٌ. يقال رجل أَطْلَسُ الثوب؛ قال ذو
الرمة:
مُقَزَّعٌ أَطْلَسُ الأَطْمارِ، ليس له
إِلا الضِّراءُ وإِلا صَيْدُها نَشَبُ
وذئب أَطْلَسُ: في لونه غُبْرةٌ إِلى السواد؛ وكل ما كان على لونه، فهو
أَطْلَسُ، والأُنثى طَلْساءُ، وهو الطِّلْسُ، ابن شُمَيْل: الأَطْلَسُ
اللِّصُّ يشبَّه بالذئب. والطَّلَسُ والطَّلَسةُ: مصدر الأَطْلَسِ من
الذئاب، وهو الذي تساقط شعره، وهو أَخبث ما يكون. والطِّلْسُ: الذئب
الأَمْعَطُ، والجمع الطُّلْسُ. التهذيب: والطَّلْسُ والطَّمْسُ واحدٌ. وفي حديث
أَبي بكر، رضي اللَّه عنه: أَن مُوَلِّداً أَطْلَس سرق فقطع يده. قال شمر:
الأَطْلَسُ الأَسود كالحَبَشِيِّ ونحوه؛ قال لبيد:
فأَطارَني منه بِطِرْسٍ ناطِقٍ،
وبِكُلِّ أَطْلَسَ جَوْبُه في المَنْكِبِ
أَطْلَس: عبدٌ حَبَشِيّ أَسود، وقيل: الأَطْلَسُ اللِّصُّ، شبه بالذئب
الذي تساقط شعره. والطِّلْسُ والأَطْلَسُ من الرجال: الدَّنِسُ الثياب،
شبه بالذئب في غُبْرة ثِيابه؛ قال الراعي:
صادَفْتُ أَطْلَسَ مَشَّاءً بأَكْلُبِه،
إِثْرَ الأَوابِدِ لا يَنْمِي له سَبَدُ
ورجل أطْلَسُ الثياب وَسِخُها. وفي الحديث: تأْتي رجالاً طُلْساً أَي
مُغْبَرَّةَ الأَلوان، جمع أَطْلَسَ. وفلان عليه ثوب أَطْلَسُ إِذا رُمِيَ
بقبيح؛ وأَنشد أَبو عبيد:
ولَسْتُ بأَطْلَسِ الثَّوْبَيْنِ يُصْبي
حَلِيلَتَه، إِذا هَدَأَ النِّيامُ
لم يرد بحليلته امرأَته ولكن أَراد جارته التي تُحالُّه في حِلَّتِه.
وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: أَن عاملاً له وَفَدَ عليه أَشْعَثَ
مُغْبَرّاً عليه أَطْلاسٌ، يعني ثياباً وَسِخَةً. يقال: رجل أَطْلَسُ الثوب
بَيِّنُ الطُّلْسةِ، ويقال للثوب الأَسودِ الوَسِخ: أَطْلَسُ؛ وقال في قول ذي
الرمة:
بطَلْساءَ لم تَكْمُل ذِراعاً ولا شِبْرا
يعني خِرْقَةً وَسِخَةً ضَمَّنها النارَ حين اقْتدح.
والطَّيْلَسُ والطَّيْلَسانُ: ضرب من الأَكسية
(* قوله «ضرب من الأَكسية»
أَي أَسود، قال المرار بن سعيد الفقعسي: فرفعت رأسي للخيال فما أَرى
غير المطي وظلمة كالطيلس كذا في التكملة.)؛ قال ابن جني: جاء مع الأَلف
والنون فَيْعَلٌ في الصحيح على أَن الأَصمعي قد أَنكر كسرة اللام، وجَمع
الطَّيلَس والطَّيْلَِسان والطّيلُسان طَيالِس وطَيالِسة، دخلت فيه الهاء
في الجمع للعجمة لأَنه فارسي معرّب، والطَّالِسانُ لغة فيه، قال: ولا
أَعرف للطَّالسان جمعاً، وقد تَطَلْيَسْتُ بالطَّيْلَسان وتَطَيْلَسْتُ.
التهذيب: الطَّيْلسان تفتح اللام فيه وتكسر؛ قال الأَزهري: ولم أَسمع
فَيْعِلان، بكسر العين، إِنما يكون مضموماً كالخَيْزُرانِ والحَيْسُمانِ، ولكن
لما صارت الضمة والكسرة أُختين واشتركتا في مواضع كثيرة دخلت الكسرة
موضع الضمة، وحكي عن الأَصمعي أَنه قال: الطيلسان ليس بعربي، قال: وأَصله
فارسي إِنما هو تالشان فأُعرب. قال الأَزهري: لم أَسمع الطَّيْلِسان، بكسر
اللام، لغير الليث.وروى أَبو عبيد عن الأَصمعي أَنه قال: السُّدُوسُ
الطَّيْلَسان، هكذا رواه الجوهري والعامة تقول الطَّيْلِسانُ، ولو رخَّمت هذا
في موضع النداء لم يجز لأَنه ليس في كلامهم فَيْعِل بكسر العين إِلا
معتلاًّ نحو سَيِّدٍ ومَيِّتٍ، واللَّه أَعلم.
بلا: بَلَوْتُ الرجلَ بَلْواً وبَلاءً وابْتَلَيْته: اخْتَبَرْته،
وبَلاهُ يَبْلُوه بَلْواً إذا جَرَّبَه واخْتَبَره. وفي حديث حذيفة: لا أُبْلي
أَحداً بَعْدَك أَبداً. وقد ابْتَلَيْتُه فأَبْلاني أَي اسْتَخْبَرْتُه
فأَخْبَرني. وفي حديث أُم سلمة: إنَّ مِنْ أَصْحابي مَنْ لا يَراني بَعدَ
أَن فارَقَني، فقال لها عمر: بالله أَمِنْهم أَنا؟ قالت: لا ولن
أُبْلِيَ أَحداً بعدَكَ أَي لا أُخبِر بعدَك أَحداً، وأَصله من قولهم أَبْلَيتُ
فُلاناً يميناً إذا حلفتَ له بيمين طَيَّبْتَ بها نفسه. وقال ابن
الأَعرابي: أَبْلى بمعنى أَخْبَر. وابْتَلاه الله: امْتَحَنَه، والاسم
البَلْوَى والبِلْوَةُ والبِلْيَةُ والبَلِيَّةُ والبَلاءُ، وبُلِيَ بالشيء
بَلاءً وابْتُلِيَ؛ والبَلاءُ يكون في الخير والشر. يقال: ابْتَلَيته بلاءً
حسناً وبَلاءً سيِّئاً، والله تعالى يُبْلي العبدَ بَلاءً حسناً ويُبْلِيه
بلاءً سيِّئاً، نسأَل الله تعالى العفو والعافية، والجمع البَلايا،
صَرَفُوا فَعائِلَ إلى فَعالى كما قيل في إداوة. التهذيب: بَلاه يَبْلُوه
بَلْواً، إذا ابتَلاه الله ببَلاء، يقال: ابْتَلاه الله ببَلاء. وفي الحديث:
اللهم لا تُبْلنا إلاّ بالتي هي أَحسن، والاسم البَلاء، أَي لا
تَمْتَحِنَّا. ويقال: أَبْلاه الله يُبْلِيه إبْلاءً حسناً إذا صنع به صُنْعاً
جميلاً. وبَلاه اللهُ بَلاء وابْتَلاه أَي اختَبره. والتَّبالي: الاختبار.
والبَلاء: الاختبار، يكون بالخير والشر. وفي كتاب هرقل: فَمَشى قَيْصر إلى
إيلِياء لمَّا أَبْلاهُ الله. قال القتيبي: يقال من الخير أَبْلَيْته
إبْلاء، ومن الشر بَلَوْته أَبْلُوه بَلاءً، قال: والمعروف أَن الابتلاء
يكون في الخير والشر معاً من غير فرق بين فعليهما؛ ومنه قوله تعالى:
ونَبْلُوكم بالشر والخير فتنة؛ قال: وإنما مشى قيصر شكراً لاندفاع فارس عنه.
قال ابن بري: والبَلاء الإنعام؛ قال الله تعالى: وآتيناهم من الآيات ما فيه
بَلاء مبين؛ أَي إنعام بَيِّن. وفي الحديث: مَنْ أُبْليَ فَذَكَرَ فَقَد
شَكَرَ؛ الإبلاء: الإنعام والإحسان. يقال: بَلَوْت الرجلَ وأَبْلَيْت
عندَه بَلاء حسناً. وفي حديث كعب بن مالك: ما عَلِمْتُ أَحداً أَبْلاه الله
أَحسنَ مِمَّا أَبْلاني، والبَلاءُ الاسم، ممدودٌ. يقال: أَبْلاه اللهُ
بَلاءً حسناً وأَبْلَيْته معروفاً؛ قال زهير:
جَزَى اللهُ بالإحسانِ ما فَعَلا بِكُمْ،
وأَبْلاهما خيرَ البَلاء الَّذي يَبْلُو
أَي صَنَع بهما خيرَ الصَّنِيع الذي يَبْلُو به عباده. ويقال: بُلِيَ
فلانٌ وابْتُلِيَ إذا امْتُحِنَ. والبلوَى: اسم من بَلاه الله يَبْلُوه.
وفي حديث حذيفة: أَنه أُقِيمَتِ الصلاةُ فَتَدافَعوها فَتَقدَّمَ حذيفة
فلما سَلَّم من صلاته قال: لتَبْتَلُنَّ لَها إماماً أَو لَتُصَلُّنَّ
وُحْداناً؛ قال شمر: قوله لتَبْتَلُنَّ لها إماماً يقول لتَخْتارُنَّ، وأَصله
من الابتلاء الاختبار من بلاه يبلوه، وابتلاه أَي جَرَّبه؛ قال: وذكره
غيره في الباء والتاء واللام وهو مذكور في موضعه وهو أشبه. ونزلت بلاءِ على
الكفار مثل قَطامِ: يعني البلاءَ. وأَبْلَيْت فلاناً عُذراً أَي بَيَّنت
وجه العذر لأُزيل عني اللوم. وأَبْلاه عُذراً: أَدَّاه إليه فقبله،
وكذلك أَبْلاه جُهْدَه ونائِلَه. وفي الحديث: إنما النذْرُ ما ابْتُلِيَ به
وجه الله أَي أُريد به وجههُ وقُصِدَ به. وقوله في حديث برّ الوالدين:
أَبْلِ الله تعالى عُذْراً في بِرِّها أَي أَعْطِه وأَبْلِغ العُذرَ فيها
إليه؛ المعنى أَحسن فيما بينك وبين الله ببرك إياها. وفي حديث سعد يوم بدر:
عَسَى أَن يُعْطَى هذا مَن لا يُبْلي بَلائي أَي يعملُ مثلَ عملي في
الحرب، كأَنه يريد أَفعل فعلاً أُخْتَبَر به فيه ويظهر به خيري وشري. ابن
الأَعرابي: ويقال أَبْلَى فلان إذا اجتهد في صفة حرب أَو كرم. يقال :
أَبْلَى ذلك اليومَ بَلاءً حسناً، قال: ومثله بالَى يُبالي مُبالاةً؛
وأَنشد:ما لي أَراكَ قائماً تُبالي،
وأَنتَ قد قُمْتَ من الهُزالِ؟
قال: سمعه وهو يقول أَكلْنا وشربْنا وفعَلْنا، يُعَدِّد المكارمَ وهو في
ذلك كاذب؛ وقال في موضع آخر: معناه تبالي تنظر أَيهم أَحسن بالاً وأَنت
هالك. قال: ويقال بالَى فلانٌ فلاناً مُبالاةً إذا فاخَرَه، وبالاهُ
يُباليهِ إذا ناقَصَه، وبالَى بالشيء يُبالي به إذا اهْتَمَّ به، وقيل:
اشتقاقُ بالَيْتُ من البَالِ بالِ النفسِ، وهو الاكْتِراثُ؛ ومنه أَيضاً: لم
يَخْطُرْ بِبالي ذلك الأَمر أَي لم يُكْرِثْني. ورجلٌ بِلْوُ شَرٍّ
وبِلْيُ خَيرٍ أَي قَوِيٌّ عليه مبتَلًى به. وإنه لَبِلْوٌ وبِلْيٌ من أَبْلاء
المالِ أَي قَيِّمٌ عليه. ويقال للراعي الحسنِ الرِّعْيَة: إنه لَبِلْوٌ
من أَبْلائها، وحِبْلٌ من أَحْبالِها، وعِسْلٌ من أَعسالها، وزِرٌّ من
أَزرارِها؛ قال عمر بن لَجَإ:
فصادَفَتْ أَعْصَلَ من أَبْلائها،
يُعْجِبُه النَّزْعُ على ظمائها
قلبت الواو في كل ذلك ياء للكسرة وضعف الحاجز فصارت الكسرة كأَنها باشرت
الواو. وفلان بِلْيُ أَسفارٍ إذا كان قد بَلاهُ السفر والهَمُّ ونحوهما.
قال ابن سيده: وجعل ابن جني الياء في هذا بدلاً من الواو لضعف حجز اللام
كما ذكرناه في قوله فلان من عِلْيَةِ الناس. وبَلِيَ الثوبُ يَبْلَى
بِلًى وبَلاء وأَبْلاه هو؛ قال العجاج:
والمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاءَ السِّربالْ
كرُّ الليالي وانْتِقالُ الأَحوالْ
أَراد: إبلاء السربال، أَو أَراد: فيَبْلى بَلاء السِّربال، إذا فَتَحتَ
الباء مَدَدْتَ وإذا كَسرْتَ قَصَرْتَ، ومثله القِرى والقَراءُ والصِّلى
والصَّلاءُ. وبَلاَّه: كأَبْلاهُ؛ قال العُجَير السلولي:
وقائِلَةٍ: هذا العُجَيْرُ تَقَلَّبَتْ
به أَبْطُنٌ بَلَّيْنَهُ وظُهور
رَأَتْني تجاذَبْتُ الغَداةَ، ومَن يَكُنْ
فَتًى عامَ عامَ الماء، فَهْوَ كَبير
وقال ابن أَحمر:
لَبِسْتُ أَبي حتى تَبَلَّيْتُ عُمْرَه،
وبَلَّيْتُ أَعْمامِي وبَلَّيْتُ خالِيا
يريد أَي عشت المدة التي عاشها أَبي، وقيل: عامَرتُه طُول حياتي،
وأَبْلَيْتُ الثَّوبَ. يقال للمُجِدِّ: أَبْلِ ويُخْلِفُ الله، وبَلاَّهُ
السَّفَرُ وبَلَّى عليه وأَبْلاه؛ أَنشد ابن الأَعرابي؛
قَلُوصانِ عَوْجاوانِ، بَلَّى عَليهِما
دُؤوبُ السُّرَى، ثم اقْتِداحُ الهَواجِر
وناقَةٌ بِلْوُ سفرٍ، بكسر الباء: أَبلاها السفر، وفي المحكم: قد
بَلاَّها السفر، وبِلْيُ سَفَر وبِلْوُ شَرّ وبِلْيُ شرّ ورَذِيَّةُ سَفَرٍ
ورَذِيُّ سَفَر ورَذاةُ سَفَرٍ، ويجمع رَذِيَّات، وناقة بَلِيَّة: يموت
صاحبها فيحفر لديها حفرة وتشدّ رأْسها إلى خلْفها وتُبْلَى أَي تترك هناك لا
تعلف ولا تسقى حتى تموت جوعاً وعطشاً. كانوا يزعمون أَن الناس يحشرون يوم
القيامة ركباناً على البلايا، أَو مُشاة إذا لم تُعْكسَ مَطاياهم على
قبورهم، قلت: في هذا دليل على أَنهم كانوا يرون في الجاهلية البعث والحشر
بالأَجساد، تقول منه: بَلَّيتُ وأَبْلَيْت؛ قال الطرماح:
مَنازِل لا تَرَى الأَنْصابَ فيها،
ولا حُفَرَ المُبَلّي لِلمَنون
أَي أَنها منازل أَهل الإسلام دون الجاهلية. وفي حديث عبد الرزاق: كانوا
في الجاهلية يَعْقِرُون عندَ القبر بَقَرة أَو ناقة أَو شاةً ويُسمُّون
العَقِيرَة البَلِيَّة، كان إذا مات لهم من يَعِزّ عليهم أَخذوا ناقة
فعقلوها عند قبره فلا تعلف ولا تسقى إلى أَن تموت، وربما حفروا لها حفيرة
وتركوها فيها إلى أَن تموت. وبَلِيَّة: بمعنى مُبْلاةٍ أَو مُبَلاَّة،
وكذلك الرَّذِيَّة بمعنى مُرَذَّاة، فعِيلة بمعنى مُفْعَلة، وجمعُ
البَلِيَّةِ الناقةِ بَلايا، وكان أَهل الجاهلية يفعلون ذلك. ويقال: قامت
مُبَلِّيات فلان يَنُحْنَ عليه، وهن النساء اللواتي يقمن حول راحلته فيَنُحْنَ إذا
مات أَو قُتل؛ وقال أَبو زُبيد:
كالبَلايا رُؤُوسُها في الوَلايا،
مانِحاتِ السَّمومِ حُرَّ الخُدود
المحكم: ناقة بِلْوُ سفر قد بلاها السفر، وكذلك الرجل والبعير، والجمع
أَبلاءٌ؛ وأَنشد الأَصمعي لجَندَل بن المثنى:
ومَنْهَلٍ من الأَنيس ناء،
شَبيهِ لَوْنِ الأَرْضِ بالسَّماءِ،
داوَيْتُه بِرُجَّعٍ أَبْلاءِ
ابن الأَعرابي: البَلِيُّ والبَلِيَّةُ والبَلايا التي قد أَعْيت وصارت
نِضْواً هالكاً. ويقال: فاقتك بِلْوُ سفر إذا أَبلاها السفر. المحكم:
والبَلِيَّة الناقة أَو الدابة التي كانت تُعْقَلُ في الجاهلية، تُشدّ عند
قبر صاحبها لا تعلف ولا تسقى حتى تموت، كانوا يقولون إن صاحبها يحشر
عليها؛ قال غَيْلان بن الرَّبعِي:
باتَتْ وباتُوا، كَبَلايا الأَبْلاءُ،
مُطْلَنْفِئِينَ عِندَها كالأَطْلاءْ
يصف حَلْبة قادها أَصحابها إلى الغاية، وقد بُلِيت. وأَبْلَيْت الرجلَ:
أَحلفته. وابْتَلَى هو: استَحْلف واستَعْرَف؛ قال:
تُبَغّي أَباها في الرِّفاقِ وتَبْتَلي،
وأَوْدَى به في لُجَّةِ البَحرِ تمسَحُ
أَي تسأَلهم أَن يحلفوا لها، وتقول لهم: ناشدتكم الله هل تعرفون لأَبي
خبراً؟ وأَبْلى الرجلَ: حَلَف له؛ قال:
وإني لأُبْلي الناسَ في حُبّ غَيْرها،
فأَمَّا على جُمْلٍ فإنَي لا أُبْلي
أَي أَحلف للناس إذا قالوا هل تحب غيرها أَني لا أُحب غيرها، فأَما
عليها فإني لا أَحلف؛ قال أَبو سعيد: قوله تبتلي في البيت الأَول تختبر،
والابتلاء الاختبار بيمين كان أَو غيرها. وأَبلَيْت فلاناً يميناً إبْلاء إذا
حلفت له فطيَّبت بها نفسه، وقول أَوس بن حَجَر:
كأَنَّ جديدَ الأَرضِ، يُبْليكَ عنهُمُ،
تَقِيُّ اليَمينِ، بعدَ عَهْدكَ، حالِفُ
أَي يحلف لك؛ التهذيب: يقول كأَن جديد أَرض هذه الدار وهو وجهها لما عفا
من رسومها وامَّحَى من آثارها حالفٌ تَقِيّ اليمين، يحلف لك أَنه ما حل
بهذه الدار أَحد لِدُروس معاهدها ومعالمها. وقال ابن السكيت في قوله
يبليك عنهم: أَراد كأَنّ جديد الأَرض في حال إبلائه إياك أَي تطييبه إياك
حالفٌ تقيّ اليمين. ويقال: أَبْلى الله فلانٌ إذا حلف؛ قال الراجز:
فَأَوْجِع الجَنْبَ وأَعْرِ الظَّهْرا،
أَو يُبْلِيَ الله يَميناً صَبْرا
ويقال: ابتَلَيْت أَي استَحْلَفتُ؛ قال الشاعر:
تُسائِلُ أَسْماءُ الرِّفاقَ وتَبْتَلي،
ومنْ دُونِ ما يَهْوَيْنَ بابٌ وحاجبُ
أَبو بكر: البِلاءُ هو أَن يقول لا أُبالي ما صَنَعْتُ مُبالاةً
وبِلاءً، وليس هو من بَليَ الثوبُ. ومن كلام الحسن: لم يُبالِهِمُ اللهُ بالَةً.
وقولهم: لا أُباليه لا أَكْتَرِثُ له. ويقال: ما أُباليهِ بالةً وبالاً؛
قال ابن أَحمر:
أَغَدْواً واعَدَ الحَيّ الزِّيالا،
وشَوْقاً لا يُبالي العَيْنَ بالا
وبِلاءً ومُبالاةً ولم أُبالِ ولم أُبَلْ، على القصر. وفي الحديث:
وتَبْقَى حُثالَةٌ لا يُباليهمُ اللهُ بالةً، وفي رواية: لا يُبالي بهم بالةً
أَي لا يرفع لهم قدراً ولا يقيم لهم وزناً، وأَصل بالةً باليةً مثل عافاه
عافيةً، فحذفوا الياء منها تخفيفاً كما حذفوا من لم أُبَلْ. يقال: ما
بالَيته وما باليت به أَي لم أَكترث به. وفي الحديث: هؤلاء في الجنة ولا
أُبالي وهؤلاء في النار ولا أُبالي؛ وحكى الأَزهري عن جماعة من العلماء:
أَن معناه لا أَكره. وفي حديث ابن عباس: ما أُباليه بالةً. وحديث الرجل مع
عَمَله وأَهلِه ومالِهِ قال: هو أَقَلُّهم به بالةً أَي مبالاة. قال
الجوهري: فإذا قالوا لم أُبَلْ حذفوا الأَلف تخفيفاً لكثرة الاستعمال كما
حذفوا الياء من قولهم لا أَدْر، كذلك يفعلون بالمصدر فيقولون ما أُبالِيه
بالةً، والأَصل فيه بالية. قال ابن بري: لم يحذف الأَلف من قولهم لم أَبل
تخفيفاً، وإنما حذفت لالتقاء الساكنين. ابن سيده: قال سيبويه وسأَلت
الخليل عن قولهم لَمْ أُبَلْ فقال: هي من باليت، ولكنهم لما أَسكنوا اللام
حذفوا الأَلف لئلا يلتقي ساكنان، وإنما فعلوا ذلك بالجزم لأَنه موضع حذف،
فلما حذفوا الياء التي هي من نفس الحرف بعد اللام صارت عندهم بمنزلة نون
يكن حيث أُسكنت، فإسكان اللام هنا بمنزلة حذف النون من يكن، وإنما فعلوا
هذا بهذين حيث كثر في كلامهم حذف النون والحركات، وذلك نحو مذ ولد وقد علم،
وإنما الأَصل منذ ولدن وقد علم، وهذا من الشواذ وليس مما يقاس عليه
ويطرد، وزعم أَن ناساً من العرب يقولون لَمْ أُبَلِهِ، لا يزيدون على حذف
الأَلف كما حذفوا عُلَبِطاً، حيث كثر الحذف في كلامهم كما حذفوا أَلف
احمَرَّ وأَلف عُلَبِطٍ وواو غَدٍ، وكذلك فعلوا بقولهم بَلِيّة كأَنها بالية
بمنزلة العافية، ولم يحذفوا لا أُبالي لأَن الحذف لا يقوى هنا ولا يلزمه
حذف، كما أَنهم إذا قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحرك لم تحذف، وجعلوا
الأَلف تثبت مع الحركة، أَلا ترى أَنها لا تحذف في أُبالي في غير موضع
الجزم، وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة؟
وهو بِذِي بِلِّيٍّ وبَلَّى وبُلَّى وبِلَّى وبَلِيٍّ وبِلِيّانٍ
وبَلَيانٍ، بفتح الباء واللام إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه. وقال ابن جني:
قولهم أَتى على ذي بِلِيّانَ غير مصروف وهو علم البعد. وفي حديث خالد بن
الوليد: أَنه قال إن عمر استعملني على الشام وهو له مُهِمٌّ، فلما أَلْقَى
الشامُ بَوانِيَهُ وصار ثنيه
(* قوله «وصار ثنيه» كذا بالأصل). عزلني
واستعمل غيري، فقال رجل: هذا والله الفِتْنةُ؛ فقال خالد: أَما وابنُ الخطاب
حيٌّ فلا، ولكن ذاك إذا كان الناس بِذِي بِلِّيٍّ وذِي بَلَّى؛ قوله:
أَلْقَى الشامُ بَوانِيَهُ وصار ثنيه أَي قَرَّ قَرارُهُ واطْمَأَنَّ
أَمرُه،. وأَما قوله إذا كان الناس بذي بِلِّيٍّ فإن أَبا عبيد قال: أَراد
تفرّق الناس وأَن يكونوا طوائف وفرقاً من غير إمام يجمعهم، وكذلك كل من بعد
عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بلَّيّ، وهو من بَلَّ في الأَرض إذا ذهب،
أَراد ضياع أُمور الناس بعده، وفيه لغة أُخرى: بذي بِلِّيان؛ قال: وكان
الكسائي ينشد هذا البيت في رجل يطيل النوم:
تَنامُ ويَذْهبُ الأَقْوامُ حَتَّى
يُقالَ: أُتَوا على ذي بِلِّيانِ
يعني أَنه أَطال النوم ومضى أَصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى الموضع الذي
لا يعرف مكانهم من طول نومه؛ قال ابن سيده: وصرفه على مذهبه. ابن
الأَعرابي: يقال فلان بذي بليّ وذي بليّان إذا كان ضائعاً بعيداً عن
أَهله.وتَبْلى وبَلِيٌّ: اسما قبيلتين. وبَلِيٌّ: حي من اليمن، والنسبة إليهم
بَلَوِيٌّ. الجوهري: بَلِيٌّ، على فعيل، قبيلة من قضاعة، والنسبة إليهم
بَلَوِيّ. والأَبْلاءُ: موضع. قال ابن سيده: وليس في الكلام اسم على
أَفعال إلاّ الأَبواء والأَنْبار والأَبْلاء.
وبَلَى: جواب استفهام فيه حرف نفي كقولك أَلم تفعل كذا؟ فيقول: بلى.
وبلى: جواب استفهام معقود بالجحد، وقيل: يكون جواباً للكلام الذي فيه الجحد
كقوله تعالى: أَلستُ بربكم قالوا بلى. التهذيب: وإنما صارت بلى تتصل
بالجحد لأَنها رجوع عن الجحد إلى التحقيق، فهو بمنزله بل، وبل سبيلها أَن
تأَتي بعد الجحد كقولك: ما قام أَخوك بل أَبوك، وما أَكرمت أَخاك بل أَباك،
قال: وإذا قال الرجل للرجل أَلا تقوم؟ فقال له: بلى، أَراد بل أَقوم،
فزادوا الأَلف على بل ليحسن السكوت عليها، لأَنه لو قال بل كان يتوقع كلاماً
بعد بل، فزادوا الأَلف ليزول عن المخاطَب هذا التوهم. قال الله تعالى:
وقالوا لن تمسنا النار إلا أَياماً معدودة، ثم قال: بلى من كسب سيئة؛
والمعنى بل من كسب سيئة؛ وقال المبرد: بل حكمها الاستدراك أَينما وقعت في جحد
أَو إيجاب، قال: وبلى يكون إيجاباً للمنفي لا غير. الفراء قال: بل تأْتي
لمعنيين: تكون إضراباً عن الأَول وإيجاباً للثاني كقولك عندي له دينار
لا بل ديناران، والمعنى الآخر أَنها توجب ما قبلها وتوجب ما بعدها وهذا
يسمى الاستدراك لأَنه أَراده فنسيه ثم استدركه. قال الفراء: والعرب تقول
بَلْ والله لا آتيك وبَنْ والله، يجعلون اللام فيها نوناً؛ قال: وهي لغة
بني سعد ولغة كلب، قال: وسمعت الباهليين يقولون لا بَنْ بمعنى لا بَلْ. ابن
سيده: وقوله عز وجل: بَلَى قد جاءتك آياتي؛ جاء ببلى التي هي معقودة
بالجحد، وإن لم يكن في الكلام لفظ جحد، لأَن قوله تعالى: لو أَن الله هداني؛
في قوّة الجحد كأَنه قال ما هُدِيتُ، فقيل بلى قد جاءتك آياتي؛ قال ابن
سيده: وهذا محمول على الواو لأَن الواو أَظهر هنا من الياء، فحملت ما لم
تظهر فيه عى ما ظهرت فيه؛ قال: وقد قيل إن الإمالة جائزة في بلى، فإذا
كان ذلك فهو من الياء. وقال بعض النحويين: إنما جازت الإمالة في بلى لأَنها
شابهت بتمام الكلام واستقلاله بها وغنائها عما بعدها الأَسماء المستقبلة
بأَنفسها، فمن حيث جازت إمالة الأَسماء جازت أَيضاً إمالة بلى، أَلا ترى
أَنك تقول في جواب من قال أَلم تفعل كذا وكذا: بلى، فلا تحتاج لكونها
جواباً مستقلاً إلى شيء بعدها، فلما قامت بنفسها وقويت لحقت في القوة
بالأَسماء في جواز إمالتها كما أُميل أنَّى ومتى. الجوهري: بلى جواب للتحقيق
يوجب ما يقال لك لأَنها ترك للنفي، وهي حرف لأَنها نقيضة لا، قال سيبويه:
ليس بلى ونعم اسمين، وقال: بلْ مخففٌ حرفٌ، يعطف بها الحرف الثاني على
الأَول فيلزمه مثل إعرابه، وهو الإضراب عن الأَول للثاني، كقولك: ما جاءني
زيد بل عمرو، وما رأَيت زيداً بل عمراً، وجاءني أَخوك بل أَبوك، تعطف بها
بعد النفي والإثبات جميعاً؛ وربما وضعوه موضع رب كقول الراجز:
بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهِ
يعني رب مهمه، كما يوضع الحرف موضع غيره اتساعاً؛ وقال آخر:
بَلْ جَوْز تَيْهاءَ كظَهْرِ الحَجَفَتْ
وقوله عز وجل: ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق؛ قال
الأَخفش عن بعضهم: إن بل ههنا بمعنى إنّ، فلذلك صار القسم عليها؛ قال: وربما
استعملته العرب في قطع كلام واستئناف آخر فينشد الرجل منهم الشعر فيقول:
بل ما هاجَ أَحزاناً وشَجْواً قَدْ شَجَا
ويقول:
بل وبَلْدَةٍ ما الإنسُ منْ آهالِها
درس: دَرَسَ الشيءُ والرَّسْمُ يَدْرُسُ دُرُوساً: عفا. ودَرَسَته
الريح، يتعدَّى ولا يتعدَّى، ودَرَسه القوم: عَفَّوْا أَثره. والدَّرْسُ: أَثر
الدِّراسِ. وقال أَبو الهيثم: دَرَسَ الأَثَرُ يَدْرُسُ دُروساً
ودَرَسَته الريحُ تَدْرُسُه دَرْساً أَي محَتْه؛ ومن ذلك دَرَسْتُ الثوبَ
أَدْرُسُه دَرْساً، فهو مَدْرُوسٌ ودَرِيسٌ، أَي أَخْلَقْته. ومنه قيل للثوب
الخَلَقِ: دَرِيس، وكذلك قالوا: دَرَسَ البعيرُ إِذا جَرِبَ جَرَباً شديداً
فَقُطِرَ؛ قال جرير:
رَكِبَتْ نَوارُكُمُ بعيراً دارساً،
في السَّوقِ، أَفْصَح راكبٍ وبَعِيرِ
والدَّرْسُ: الطريق الخفيُّ. ودَرَسَ الثوبُ دَرْساً أَي أَخْلَقَ؛ وفي
قصيد كعب بن زهير:
مُطَّرَحُ البَزِّ والدِّرْسانِ مَأْكُولُ
الدِّرْسانُ: الخُلْقانْ من الثياب، واحدها دِرْسٌ. وقد يقع على السيف
والدرع والمِغْفَرِ. والدِّرْسُ والدَّرْسُ والدَّريسُ، كله: الثوب
الخَلَقُ، والجمع أَدْراسٌ ودِرْسانٌ؛ قال المُتَنَخِّلُ:
قد حال بين دَرِيسَيْهِ مُؤَوِّبَةٌ،
نِسْعٌ لها بِعِضاهِ الأَرضِ تَهْزِيزُ
ودِرعٌ دَرِيسٌ كذلك؛ قال:
مَضَى وَورِثْناهُ دَرِيسَ مُفاضَةٍ،
وأَبْيَضَ هِنْدِيّاً طويلاً حَمائِلُهْ
ودَرَسَ الطعامَ يَدْرُسُه: داسَه؛ يَمانِيَةٌ. ودُرِسَ الطعامُ يُدْرسُ
دِراساً إِذا دِيسَ. والدِّراسُ: الدِّياسُ، بلغة أَهل الشام، ودَرَسُوا
الحِنْطَة دِراساً أَي داسُوها؛ قال ابنُ مَيَّادَة:
هلاَّ اشْتَرَيْتَ حِنْطَةً بالرُّسْتاقْ،
سَمْراء مما دَرَسَ ابنُ مِخْراقْ
ودَرَسَ الناقة يَدْرُسُها دَرْساً: راضها؛ قال:
يَكفيكَ من بعضِ ازْدِيارِ الآفاقْ
حَمْراءُ، مما دَرَسَ ابنُ مِخْراقْ
قيل: يعني البُرَّة، وقيل: يعني الناقة، وفسر الأَزهري هذا الشعر فقال:
مما دَرَسَ أَي داسَ، قال: وأَراد بالحمراء بُرَّةً حمراء في لونها.
ودَرَسَ الكتابَ يَدْرُسُه دَرْساً ودِراسَةً ودارَسَه، من ذلك، كأَنه عانده
حتى انقاد لحفظه. وقد قرئ بهما: وليَقُولوا دَرَسْتَ، وليقولوا
دارَسْتَ، وقيل: دَرَسْتَ قرأَتَ كتبَ أَهل الكتاب، ودارَسْتَ: ذاكَرْتَهُم،
وقرئ: دَرَسَتْ ودَرُسَتْ أَي هذه أَخبار قد عَفَتْ وامَّحَتْ، ودَرُسَتْ
أَشدّ مبالغة.
وروي عن ابن العباس في قوله عز وجل: وكذلك نُصَرِّفُ الآيات وليقولوا
دَرَسْتَ؛ قال: معناه وكذلك نبين لهم الآيات من هنا ومن هنا لكي يقولوا
إِنك دَرَسْتَ أَي تعلمت أَي هذا الذي جئت به عُلِّمْتَ. وقرأَ ابن عباس
ومجاهد: دارَسْتَ، وفسرها قرأْتَ على اليهود وقرأُوا عليك. وقرئ: وليقولوا
دُرِسَتْ؛ أَي قُرِئَتْ وتُلِيَتْ، وقرئَ دَرَسَتْ أَي تقادمت أَي هذا
الذي تتلوه علينا شيء قد تطاول ومرَّ بنا. ودَرَسْتُ الكتاب أَدْرُسُه
دَرْساً أَي ذللته بكثرة القراءة جتى خَفَّ حفظه عليَّ، من ذلك؛ قال كعب بن
زهير:
وفي الحِلم إِدْهانٌ وفي العَفْوِ دُرْسَةٌ،
وفي الصِّدْقِ مَنْجاةٌ من الشَّرِّ فاصْدُقِ
قال: الدُّرْسَةُ الرِّياضَةُ، ومنه دَرَسْتُ السورةَ أَي حَفظتها.
ويقال: سمي إِدْرِيس، عليه السلام، لكثرة دِراسَتِه كتابَ اللَّه تعالى،
واسمه أَخْنُوخُ. ودَرَسْتُ الصَّعْبَ حتى رُضْتُه. والإِذهانُ: المذَلَّة
واللِّين. والدِّراسُ: المُدارَسَةُ. ابن جني: ودَرَّسْتُه إِياه
وأَدْرَسْتُه؛ ومن الشاذ قراءة ابن حَيْوَةَ: وبما كنتم تُدْرِسُونَ.
والمِدْراسُ والمِدْرَسُ: الموضع الذي يُدْرَسُ فيه. والمَدْرَسُ:
الكتابُ؛ وقول لبيد:
قَوْمِ إلا يَدْخُلُ المُدارِسُ في الرَّحْـ
ْمَةِ، إِلاَّ بَراءَةً واعْتِذارا
والمُدارِسُ: الذي قرأَ الكتب ودَرَسَها، وقيل: المُدارِسُ الذي قارَفَ
الذنوب وتلطخ بها، من الدَّرْسِ، وهو الجَرَبُ. والمِدْراسُ: البيت الذي
يُدْرَسُ فيه القرآن، وكذلك مَدارِسُ اليهود. وفي حديث اليهودي الزاني:
فوضع مِدْراسُها كَفَّه على آيةِ الرَّجمِ؛ المِدْراسُ صاحب دِراسَةِ
كتبهم، ومِفْعَل ومِفْعالٌ من أَبنية المبالغة؛ ومنه الحديث الآخر: حتى أَتى
المِدْراسَ؛ هو البيت الذي يَدْرسون فيه؛ قال: ومِفْعالٌ غريب في المكان.
ودارَسْت الكتبَ وتَدارَسْتُها وادَّارَسْتُها أَي دَرَسْتُها. وفي
الحديث: تَدارَسُوا القرآن؛ أَي اقرأُوه وتعهدوه لئلا تَنْسَوْهُ. وأَصل
الدِّراسَةِ: الرياضة والتَّعَهُّدُ للشيء. وفي حديث عكرمة في صفة أَهل
الجنة: يركبون نُجُباً أَلينَ مَشْياً من الفِراشِ المَدْرُوس أَي المُوَطَّإِ
المُمَهَّد. ودَرَسَ البعيرُ يَدْرُسُ دَرْساً: جَرِبَ جَرَباً قليلاً،
واسم ذلك الجرب الدَّرْسُ. الأَصمعي: إِذا كان بالبعير شيء خفيف من الجرب
قيل: به شيء من دَرْسٍ، والدَّرْسُ: الجَرَبُ أَوَّلُ ما يظهر منه، واسم
ذلك الجرب الدَّرْسُ أَيضاً؛ قال العجاج:
يَصْفَرُّ لليُبْسِ اصْفِرارَ الوَرْسِ،
من عَرَقِ النَّضْحِ عَصِيم الدَّرْسِ
من الأَذى ومن قِرافِ الوَقْسِ
وقيل: هو الشيء الخفيف من الجرب، وقيل: من الجرب يبقى في البعير.
والدَّرْسُ: الأكل الشديد. ودَرَسَتِ المرأَةُ تَدْرُسُ دَرْساً ودُرُوساً، وهي
دارِسٌ من نسوة دُرَّسٍ ودَوارِسَ: حاضت؛ وخص اللحياني به حيض الجارية.
التهذيب: والدُّرُوس دُروسُ الجارية إِذا طَمِثَتْ؛ وقال الأَسودُ بن
يَعْفُر يصف جَواريَ حين أَدْرَكْنَ:
الَّلاتِ كالبَيْضِ لما تَعْدُ أَن دَرَسَتْ،
صُفْرُ الأَنامِلِ من نَقْفِ القَوارِيرِ
ودَرَسَتِ الجارية تَدْرُسُ دُرُوساً.
وأَبو دِراسٍ: فرج المرأَة. وبعير لم يُدَرَّسْ أَي لم يركب.
والدِّرْواسُ: الغليظ العُنُقِ من الناس والكلاب. والدِّرْواسُ: الأَسد
الغليظ، وهو العظيم أَيضاً. والدِّرْواس: العظيم الرأْس، وقيل: الشديد؛
عن السيرافي، وأَنشد له:
بِتْنا وباتَ سَقِيطُ الطَّلِّ يَضْرِبُنا،
عند النَّدُولِ، قِرانا نَبْحُ دِرْواسِ
يجوز أَن يكون واحداً من هذه الأَشياء وأَولاها بذلك الكلب لقوله قرانا
نبح درواس لأَن النبح إِنما هو في الأَصل للكلاب. التهذيب: الدِّرْواسُ
الكبير الرأْس من الكلاب. والدِّرْباسُ، بالباء، الكلب العَقُور؛ قال:
أَعْدَدْتُ دِرْواساً لِدِْرباسِ الحُمُتْ
قال: هذا كلب قد ضَرِيَ في زِقاقِ السَّمْن يأْكلها فأَعَدَّ له كلباً
يقال له دِرْواسٌ. وقال غيره: الدِّراوِسُ من الإِبل الذلُلُ الغِلاظُ
الأَعناق، واحِدها دِرْواسٌ. قال الفراء: الدِّرواسُ العِظامُ من الإِبل؛
قال ابن أَحمر:
لم تَدْرِ ما نَسْجُ اليَرَنْدَجِ قَبْلَها،
ودِراسُ أَعْوَصَ دَارِسٍ مُتَخَّدِّدِ
قال ابن السكيت: ظن أَن اليَرَنْدَجَ عَمَلٌ وإِنما اليَرَنْدَج جلود
سود. وقوله ودِراسُ أَعوصَ أَي لم تُدارِس الناسَ عَويص الكلام. وقوله دارس
متخدد أَي يَغْمُضُ أَحياناً فلا يرى، ويروى متجدد، بالجيم، ومعناه أَي
ما ظهر منه جديد وما لم يظهر دارس.
دسم: الدَّسَمُ: الوَدكُ، وفي التهذيب: كل شيء له ودَكٌ من اللحم
والشحم، وشيء دَسِمٌ وقد دَسِمَ، بالكسر، يَدْسَمُ فهو دَسِمٌ
وتَدَسّمَ؛ أَنشد سيبويه لابن مُقْبِلٍ:
وقِدْر ككَفِّ القِرْدِ لا مُسْتَعِيرُها
يُعارُ، ولا مَنْ يَأتِها يَتَدَسَّمُ
والدِّسَمُ: الوَضَرُ والدَّنَسُ؛ قال:
لاهُمَّ، إنَّ عامِرَ بن جَهْمِ
أَوْذَمَ حَجّاً في ثِيابٍ دُسْمِ
يعني أَنه حَجَّ وهو مُتَدَنِّسٌ بالذنوب، وأَوْذَمَ الحَجَّ: أَوجبه.
وتَدْسِيم الشيء: جَعْلُ الدَّسَمِ عليه. وثياب دُسْمٌ: وَسِخَةٌ. ويقال
للرجل إذا تَدَنَّسَ بمَذامِّ الأَخلاق: إنه لَدَسِمُ الثوبِ، وهو كقولهم:
فلان أَطْلَسُ الثوبِ. وفلان أدْسَم الثوب ودَنِسُ الثوب إذا لم يكن
زاكياً؛ وقول رؤبة يصف سَيْحَ ماءٍ:
مُنْفَجِرَ الكَوْكَبِ أَو مَدْسُوما،
فَخِمْنَ، إذْ هَمَّ بأنْ يَخِيما
المُنْفَجِرُ: المُنْفَتِحُ الكثير الماء، وكَوْكَبُ كلِّ شيء: معظمه،
والمَدْسُومُ: المَسْدُودُ، والدَّسْمُُ: حَشْوُ الجوف. ودَسَمَ الشيءَ
يَدْسُمُهُ، بالضم، دَسْماً: سَدَّهُ؛ قال رؤبة يصف جُرْحاً:
إذا أَرَدْنا دَسْمَهُ تَنَفَّقا،
بناجِشات المَوْتِ، أَو تَمطَّقا
ويروى: إذا أَرادوا دَسْمَهُ، وتَنَفَّقَ: تشقق من جوانبه وعَمِل في
اللحم كهيئة الأنْفاقِ، الواحد نَفَقٌ، وهو كالسَّرَبِ، ومنه اشْتُقَّ
نافِقاءُ اليَرْبُوع، والناجِشاتُ: التي تُظْهِرُ الموتَ ونستخرجه، وناجِشُ
الصَّيد: مُسْتَخْرِجُهُ منموضعه، والتَّمَطُّقُ: التَّلَمُّظُ.
والدِّسامُ: ما دُسِمَ به. ما دُسِمَ به. الجوهري: الدِّسامُ، بالكسر،
ما تُسَدُّ به الأُذن والجرح ونحو ذلك، تقول منه: دَسَمْتُهُ أَدْسُمُهُ،
بالضم، دَسْماً. والدِّسامُ: السِّدادُ، وهو ما يُسَد به رأس القارورة
ونحوها. وفي بعض الأحاديث: إن للشيطان لَعُوقاً ودِساماً؛ الدِّسامُ: ما
تسد به الأُذن فلا تَعِي ذِكْراً ولا موعظة، يعني أَن له سِداداً يمنع به
من رؤية الحق؛ وكل شيء سَدَدْتَهُ فقد دَسَمْتَهُ دَسْماً، يعني أَن
وَساوِسَ الشيطان مهْما وَجَدتْ مَنْفَذاً دخلتْ فيه. ودَسَمَ القارورة
دَسْماً: شدَّ رأسها.
والدُّسْمَةُ: ما يُشَدُّ به خَرْقُ السِّقاء. وفي حديث الحسن في
المُسْتَحاضة: تغتسل من الأُولى إلى الأُولى وتَدْسُمُ ما تحتها، قال أَي
تَسُدّ فَرْجَها وتحتشي من الدِّسامِ السِّدادِ.
والدُّسْمَةُ: غُبْرَةٌ إلى السواد، دَسِمَ وهو أَدْسَمُ. ابن
الأَعرابي: الدُّسْمَةُ السواد، ومنه قيل للحَبشيّ: أَبو دُسْمَةَ. وفي حديث
عثمان: رأَى صَبِيّاً تأْخذه العينُ جَمالاً، فقال: دَسِّمُوا نُونَتَهُ أَي
سَوِّدُوها لئلا تصيبه العين، قال: ونُونَتُهُ الدائرة المَليحةُ التي في
حَنَكه، لتردّ العين عنه.وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه خطب
وعلى رأْسه عمامة دَسْماء أَي سوداء؛ وفي حديث آخر: خرج وقد عَصَبَ رأسه
بعمامة دَسِمَةٍ. وفي حديث هند: قالت يوم الفتح لأَبي سُفْيان اقتلوا هذا
الدَّسِمَ الأَحْمَشَ أَي الأَسود الدنيء. والدُّسْمَةُ: الرَّديء من
الرجال، وقيل: الدَّنيء من الرجال، وقيل: الدُّسْمَةُ الرَّديء الرَّذْلُ؛
أَنشد أَبو عمرو لبشير الفِرَبْريّ:
شَنِئْتُ كلَّ دُسْمَةٍ قِرْطَعْنِ
ابن الأَعرابي: الدَّسِيمُ القليلُ الذِّكْرِ، وفي حديث أَبي
الدَّرْداء: أَرَضِيتمْ إن شبعتم عاماً لا تَذْكرون الله إلا دَسْماً، يريد ذِكْراً
قليلاً، من التَّدْسِيم وهو السواد الذي يُجْعَلُ خلف أُذن الصبيِّ
لكيلا تصيبه العين، ولا يكون إلا قليلاً؛ وقال الزمخشري: هو من دَسَمَ
المطرُ الأرْضَ إذا لم يبلغ أن يَبُلَّ الثَّرَى. والدَّسِيمُ: القليل الذكر،
ومنه قوله لا تذكرون الله إلا دَسْماً؛ قال ابن الأَعرابي: يكون هذا
مَدْحاً ويكون ذمّاً، فإذا كان مدحاً فالذكر حَشْوُ قلوبِهِمْ وأَفواهِهِمْ،
وإن كان ذمّاً فإنما هم يذكرون الله ذكراً قليلاً من التَّدْسِيم، قال:
ومثله أَن رجلاً بين يَدَيْ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال:
ذاك رجل لا يَتَوَسَّدُ القرآن؛ يكون هذا أيضاً مدحاً وذمّاً، فالمدح أَنه
لا ينام الليل فلا يَتَوَسَّدُ فيكون القرآن مُتَوَسَّداً معه، والذم
أنه لا يَحْفَطُ من القرآن شيئاً، فإذا نام لم يَتَوَسَّدُ معه القرآن، قال
الأَزهري: والقول هو الأول، وقيل: معناه لا يذكرون الله إلا دَسْماً أي
ما لهم هَمٌّ إلا الأَكل ودَسْم الأَجواف، قال: ونصب دَسْماً على
الخلاف.ودَسَمَ المطرُ الأرضَ: بَلَّها ولم يُبالِغْ.
ويقال: ما أَنت إلاَّ دُسْمَةٌ أي لا خير فيه.
ويقال للرجل إذا غَشِيَ جاريَتَهُ: قد دَسَمها. ودَسَم المرأَة دَسْماً:
نكحها؛ عن كراع. ودُسْمانُ: موضع.
والدَّيْسَمُ: الثعلب، وقيل: وَلَدُ الثعلب من الكَلْبَة. والدَّيْسَمُ:
ولد الذئْب من الكلبة، وقيل: ولد الدُّبِّ، وقيل: قَرْخُ النحل
(* قوله
«فرخ النحل» بالحاء المهملة كما في القاموس والتكملة والمحكم)، وقال ابن
الأَعرابي: الدَّيْسَمُ الدُّبُّ؛ وأَنشد:
إذا سَمعَتْ صَوْتَ الوَبِيل، تَشَنَّعَتْ
تَشَنُّعَ فُدْسِ الغارِ، أو دَيْسَمٍ ذَكَر
وقال المبرد: الدَّيْسَمُ ولد الكلبة من الذئب، والسِّمْعُ ولد الضبع من
الذئب. الجوهري: الدَّيْسَمُ ولد الدُّبِّ، قال: وقلت لأَبي الغَوْث
يقال إنه ولد الذِّئْبِ من الكلبة فقال: ما هو إلا ولد الدُّبِّ. ودَسَمَ
الأَثَرُ: مثل طَسَمَ. والدَّيْسَمُ: الظُّلْمةُ. ودَيْسَم: اسم؛ أَنشد ابن
دُرَيْدٍ:
أَخشى على دَيْسَمَ من بَردِ الثَّرَى،
أَبى قَضاءُ الله إلا ما تَرَى
تَرَكَ صَرْفه للضرورة. وسُئِلَ أَبو الفتح صاحِبُ قُطْرُبٍ، واسم أبي
الفتح دَيْسَم، فقال: الدَّيْسَمُ
(* قوله «ديسم فقال ديسم إلخ» هكذا في
الأصل ومثله في التهذيب، وعبارة التكلمة: واسم أبي الفتح ديسم ما الديسم؟
فقال إلخ) الذُّرَة. وفي الصحاح: الدَّيْسمَةُ الذرة. والدَّيْسَمُ:
نبات.
هرمع: الهَرَمَّعُ: السُّرْعةُ والخِفَّةُ في المَشْي. وقد اهْرَمَّعَ
الرجل أَي أَسْرَعَ في مَشْيَتِه، وكذلك إِذا كان سَرِيعَ البُكاءِ
والدُّمُوعِ، واهْرَمَّعَتِ العين بالدَّمْعِ كذلك. ورجل هَرَمَّعٌ: سَرِيعُ
البُكاء. واهْرَمَّعَ إِليه: تبَاكى إِليه، قال ابن سيده: وأَظن الميم
زائدة. ابن الأَعرابي: نَشَأَتْ سَحابةٌ فاهْرَمَّعَ قَطْرُها إِذا كان
جَوْداً. ابن الأَعرابي، وذكر غيثاً قال: فاهْرَمَّعَ مَطَرُه حتى رأَينا ما
نَرَى عين السماءِ مِن الماء؛ اهْرَمَّعَ أَي سالَ بكثرة ماء؛ وأَنشد:
وقَصَباً رأَيته عُرْهُوما
(* قوله« وقصباً إلخ» كذا بالأصل، وأورده في مادة عفهم وعرهم:
وقصباً عفاهما عرهوما)
وقال الليث: اهْرَمَّعَ الرجلُ في مَنْطِقِه وحَدِيثِه إِذا انهمَل فيه،
والنعت مُهْرَمِّعٌ، قال: والعين تَهْرَمِّعُ إِذا أَذْرَتِ الدَّمْعَ
سَرِيعاً. قال ابن بري: اهْرَمَّعَ بمنزلة احْرَنْجَمَ ووزنه افْعَنْلَلَ
وأَصله اهْرَنْمَعَ، فأُدغمت النون في الميم، وهذا في الأَربعة نظير
امَّحَى من باب الثلاثة الأَصل فيه انْمَحَى، فأُدغمت نونه في الميم، وذلك
لعدم اللبس.
مغط: المَغْط: مدّ الشيء يستطيله وخص بعضهم به مدّ الشيء الليِّن
كالمُصْرانِ ونحوه، مغَطَه يَمْغُطه مَغْطاً فامَّغَط وامْتَغَط.
والمُمَّغِطُ: الطويل ليس بالبائن الطول، وقيل: الطويل مطلقاً كأَنه
مدَّ مدّاً من طوله. ووصف علي، عليه السلام، النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم،
فقال: لم يكن بالطويل الممَّغِط ولا القصير المتردّد؛ يقول: لم يكن
بالطويل البائن ولكنه كان رَبْعة.
الأَصمعي: المُمَّغِط، بتشديد الميم الثانية، المتناهي الطول. وامَّغط
النهار امِّغاطاً: طال وامتدَّ. ومغَط في القوس يَمْغَطُ
(* قوله «يمغط»
كذا ضبط في الأصل، ومقتضى اطلاق المجد انه من باب كتب.) مغْطاً مثل مخط:
نزع فيها بسهم أَو بغيره. ومغَط الرجلُ القوس مغطاً إِذا مدَّها بالوتر.
وقال ابن شميل: شدَّ ما مغَطَ في قوسه إِذا أَغرق في نزْع الوتر ومدّه
ليُبْعِد السهم. ومَغَطْت الحبل وغيره إِذا مددته، وأَصله مُنْمغِط والنون
للمطاوعة فقلبت ميماً وأُدغمت في الميم، ويقال بالعين المهملة بمعناه.
والمغط: مدّ البعير يديه في السير؛ قال:
مَغْطاً يَمُدُّ غَضَنَ الآباطِ
وقد تمغَّط، وكذلك في عدْو الفرس أَن يمُدَّ ضبْعيه. قال أَبو عبيدة:
فرس مُتَمَغِّطٌ والأُنثى مُتَمغِّطةٌ. والتمغُّطُ: أَن يمُدّ ضَبْعَيْه
حتى لا يجد مَزيداً في جَرْيِه ويَحْتَشِيَ رجليه في بطنه حتى لا يجد
مَزيداً للإلحاق ثم يكون ذلك منه في غير احْتلاط، يسْبَح بيديه ويَضْرَحُ
برجليه في اجتماع. وقال مرة: التمغُّطُ أَن يمدّ قَوائمه ويتمَطَّى في
جَرْيِه. وامْتَغَطَ النهارُ أَي ارتفع. وسقط البيت عليه فتمَغَّط فمات أَي
قتله الغُبار، قال ابن دريد: وليس بِمُسْتَعْمَل.
عمس: حَرْبٌ عَماسٌ: شديدة، وكذلك ليلة عَماس. ويوم عَماس: مُظلِم؛
أَنشد ثعلب:
إِذا كَشَف اليومُ العَماسُ عن اسْتِهِ،
فلا يَرْتَدي مِثْلي ولا يَتَعَمَّمُ
والجمع عُمُس؛ قال العجاج:
ونَزَلُوا بالسَّهْلِ بعد الشَّأْسِ،
ومُرِّ أَيامٍ مَضَيْنَ عُمْسِ
وقد عَمُِسَ عَمَساً وعَمْساً وعُمُوساً وعَماسَة وعُمُوسَة؛ وأَمْرٌ
عَمْسٌ وعَمُوس وعَماس ومُعَمَّس: شديد مُظلم لا يُدرَى من أَين يُؤْتى له؛
ومنه قيل: أَتانا بأُمور مُعَمَّسات ومُعَمِّسات، بنصب الميم وجرّها،
أَي مَلْوِيَّات عن جِهَتِها مظلمة. وأَسَدٌ عَماسٌ: شديد؛ وقال:
قَبِيلَتانِ كالحَذَفِ المُنَدَّى،
أَطافَ بِهِنّ ذُو لِبَدِ عَماسُ
والعَمَسُ: كالحَمَس، وهي الشِّدَّة؛ حكاها ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
إِنَّ أَخْوالي، جَمِيعاً من شَقِرْ،
لَبِسُوا لي عَمَساً جِلْدَ النَّمِرْ
وعَمَسَ عليه الأَمرَ يَعْمِسُه وعَمَّسَه: خَلَّطه ولبَّسه ولم
يُبيِّته. والعَمَاس: الدَّاهِية. وكلُّ ما لا يهتدَى له: عَمَاسٌ. والعَمُوسُ:
الذي يَتعَسَّف الأَشياء كالجاهل.
وتَعَامَسَ عن الأَمر: أَرى أَنه لا يَعْلَمه. والعَمْس: أَن تُرِي أَنك
لا تعرِف الأَمر وأَنت عارِفٌ. به وفي حديث عليّ: أَلا وإِنَّ معاوية
قادَ لِمَّةً من الغُواة وعَمَسَ عليهم الخَبَر، من ذلك، ويروى بالغين
المعجمة. وتَعامس عنه: تغافل وهو به عالم. قال الأَزهري: ومن قال يَتَغامَس،
بالغين المعجمة، فهو مخطئ. وتَعامَس عَلَيّ: تَعامَى فتركني في شُبهة من
أَمره. والعَمْسُ: الأَمر المغطَّى. ويقال: تَعامَسْت على الأَمر
وتعامَشْت وتَعامَيْت بمعنى واحد. وعامَسْت فلاناً مُعامَسَة إِذا ساترتَه ولم
تُجاهِرْه بالعَداوة. وامرأَة مُعامِسَة: تتستر في شَبِيبَتِها ولا
تَتَهَتَّك؛ قال الراعي:
إِنْ الحَلالَ وخَنْزَراً ولَدَتْهُما
أُمٌّ مُعامِسَة على الأَطْهارِ
أَي تأْتي ما لا خير فيه غير مُعالنة به. والمُعامَسَة: السِّرار.
وفي النوادر: حَلَف فلان على العَمِيسَة والعُمَيْسَة؛ أَي على يمين غير
حق. ويقال: عَمَسَ الكِتابُ أَي دَرَس.
وطاعون عَمْواس: أَوَّل طاعون كان في الإِسلام بالشام. وعُمَيْس: اسم
رجل. وفي الحديث ذِكْر عَمِيس، بفتح العين وكسر الميم، وهو واد بين مكة
والمدينة نزله النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، في ممرِّه إِلى بدر.