مقامة.
لجلال الدين السيوطي.
المتوفى سنة 911.
رد فيها رواية رجل من أهل عصره.
قهر: القَهْرُ: الغَلَبة والأَخذ من فوق. والقَهَّارُ: من صفات الله عز
وجل. قال الأَزهري: والله القاهرُ القَهّار، قَهَرَ خَلْقَه بسلطانه
وقدرته وصَرَّفهم على ما أَراد طوعاً وكرهاً، والقَهَّار للمبالغة. وقال ابن
الأَثير: القاهر هو الغالب جميع الخلق. وقَهَرَه يَقْهَرُه قَهْراً:
غلبه. وتقول: أَخَذْتُهُم قَهْراً أَي من غير رضاهم. وأَقْهَرَ الرجلُ: صار
أَصحابُه مَقْهُورين. وأَقْهَرَ الرجلَ: وَجَدَه مقهوراً؛ وقال المُخَبَّل
السَّعْدِي يهجو الزِّبْرِقانَ وقومه وهم المعروفون بالجِذاع:
تَمَنَّى حُصَيْنٌ أَن يَسُودَ جِذاعَه،
فأَمْسَى حُصَيْنٌ قد أُذلَّ وأُقْهِرا
على ما لم يسم فاعله أَي وجد كذلك، والأَصمعي يرويه: قد أَذَلَّ
وأَقْهَر أَي صار أَمره إِلى الذل والقَهْر. وفي الأَزهري: أَي صار أَصحابُه
أَذِلاءَ مقهورين، وهو من قياس قولهم أَحْمَدَ الرجلُ صار أَمره إِلى الحمد.
وحُصَين: اسم الزِّبْرِقانِ، وجِذاعُه: رَهْطُه من تميم. وقُهِرَ:
غُلِبَ.
وفخذٌ قَهِرَةٌ: قليلة اللحم. والقَهِيرة: مَحْضٌ يلقى فيه الرَّضْفُ
فإِذا غَلى ذُرَّ عليه الدقيقُ وسِيطَ به ثم أُكل؛ قال ابن سيده: وجدناه في
بعض نسخ لإِصلاح ليعقوب.
والقَهْر: موضع ببلاد بني جَعْدة؛ قال المُسَيَّبُ بن عَلَسٍ:
سُفلى العراق وأَنتَ بالقَهْرِ
ويقال: أَخَذْتُ فلاناً قُهْرَةً، بالضم، أَي اضطراراً. وقُهِرَ اللحمُ
إِذا أَخذته النار وسال ماؤه؛ وقال: فلما أَن تَلَهْوَجْنا شِواءً،
به اللَّهْبانُ مقهوراً ضَبِيحا
يقال: ضبَحَتْه النارُ وضَبَتْه وقَهَرَتْه إِذا غيرته.
ربب: الرَّبُّ: هو اللّه عزّ وجل، هو رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وله الرُّبوبيَّة على جميع الخَلْق، لا شريك له، وهو رَبُّ الأَرْبابِ، ومالِكُ الـمُلوكِ والأَمْلاكِ. ولا يقال الربُّ في غَير اللّهِ، إِلاّ بالإِضافةِ، قال: ويقال الرَّبُّ، بالأَلِف واللام، لغيرِ اللّهِ؛ وقد قالوه في الجاهلية للـمَلِكِ؛ قال الحرث ابن حِلِّزة:
وهو الرَّبُّ، والشَّهِـيدُ عَلى يَوْ * مِ الـحِـيارَيْنِ، والبَلاءُ بَلاءُ
والاسْم: الرِّبابةُ؛ قال:
يا هِنْدُ أَسْقاكِ، بلا حِسابَهْ، * سُقْيَا مَلِـيكٍ حَسَنِ الرِّبابهْ
والرُّبوبِـيَّة: كالرِّبابة.
وعِلْمٌ رَبُوبيٌّ: منسوبٌ إِلى الرَّبِّ، على غير قياس. وحكى أَحمد بن يحيـى: لا وَرَبْيِـكَ لا أَفْعَل. قال: يريدُ لا وَرَبِّكَ، فأَبْدَلَ الباءَ ياءً، لأَجْل التضعيف.
وربُّ كلِّ شيءٍ: مالِكُه ومُسْتَحِقُّه؛ وقيل: صاحبُه. ويقال: فلانٌ
رَبُّ هذا الشيءِ أَي مِلْكُه له. وكُلُّ مَنْ مَلَك شيئاً، فهو رَبُّه.
يقال: هو رَبُّ الدابةِ، ورَبُّ الدارِ، وفلانٌ رَبُّ البيتِ، وهُنَّ رَبَّاتُ الـحِجالِ؛ ويقال: رَبٌّ، مُشَدَّد؛ ورَبٌ، مخفَّف؛ وأَنشد المفضل:
وقد عَلِمَ الأَقْوالُ أَنْ ليسَ فوقَه * رَبٌ، غيرُ مَنْ يُعْطِـي الـحُظوظَ، ويَرْزُقُ
وفي حديث أَشراط الساعة: وأَن تَلِدَ الأَمَـةُ رَبَّها، أَو رَبَّـتَها. قال: الرَّبُّ يُطْلَق في اللغة على المالكِ، والسَّـيِّدِ، والـمُدَبِّر، والـمُرَبِّي، والقَيِّمِ، والـمُنْعِمِ؛ قال: ولا يُطلَق غيرَ مُضافٍ إِلاّ على اللّه، عزّ وجلّ، وإِذا أُطْلِق على غيرِه أُضِـيفَ، فقيلَ: ربُّ كذا. قال: وقد جاءَ في الشِّعْر مُطْلَقاً على غيرِ اللّه تعالى،
وليس بالكثيرِ، ولم يُذْكَر في غير الشِّعْر. قال: وأَراد به في هذا
الحديثِ الـمَوْلَى أَو السَّيِّد، يعني أَن الأَمَةَ تَلِدُ لسيِّدها ولَداً، فيكون كالـمَوْلى لها، لأَنـَّه في الـحَسَب كأَبيه. أَراد: أَنَّ السَّبْـي يَكْثُر، والنِّعْمة تظْهَر في الناس، فتكثُر السَّراري. وفي حديث إِجابةِ الـمُؤَذِّنِ: اللهُمَّ رَبَّ هذه الدعوةِ أَي صاحِـبَها؛ وقيل: المتَمِّمَ لَـها، والزائدَ في أَهلها والعملِ بها، والإِجابة لها. وفي حديث أَبي هريرة، رضي اللّه عنه: لا يَقُل الـمَمْلُوكُ لسَـيِّده: ربِّي؛ كَرِهَ أَن يجعل مالكه رَبّاً له، لـمُشاركَةِ اللّه في الرُّبُوبيةِ؛ فأَما قوله تعالى: اذْكُرْني عند ربك؛ فإِنه خاطَـبَهم على الـمُتَعارَفِ عندهم، وعلى ما كانوا يُسَمُّونَهم به؛ ومنه قَولُ السامِرِيّ: وانْظُرْ إِلى إِلهِكَ أَي الذي اتَّخَذْتَه إِلهاً. فأَما الحديث في ضالَّةِ الإِبل: حتى يَلْقاها رَبُّها؛ فإِنَّ البَهائم غير مُتَعَبَّدةٍ ولا مُخاطَبةٍ، فهي بمنزلة الأَمْوالِ التي تَجوز إِضافةُ مالِكِـيها إِليها، وجَعْلُهم أَرْباباً لها. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: رَبُّ الصُّرَيْمة ورَبُّ الغُنَيْمةِ.
وفي حديث عروةَ بن مسعود، رضي اللّه عنه: لـمَّا أَسْلَم وعادَ إِلى قومه، دَخل منزله، فأَنكَر قَومُه دُخُولَه، قبلَ أَن يأْتِـيَ الربَّةَ،
يعني اللاَّتَ، وهي الصخرةُ التي كانت تَعْبُدها ثَقِـيفٌ بالطائفِ. وفي حديث وَفْدِ ثَقِـيفٍ: كان لهم بَيْتٌ يُسَمُّونه الرَّبَّةَ، يُضاهِئُونَ
به بَيْتَ اللّه تعالى، فلما أَسْلَمُوا هَدَمَه الـمُغِـيرةُ. وقوله عزّ
وجلّ: ارْجِعِـي إِلى رَبِّكِ راضِـيةً مَرْضِـيَّةً، فادْخُلي في عَبْدي؛ فيمن قرأَ به، فمعناه، واللّه أَعلم: ارْجِعِـي إِلى صاحِـبِكِ الذي
خَرَجْتِ منه، فادخُلي فيه؛ والجمعُ أَربابٌ ورُبُوبٌ. وقوله عزّ وجلّ: إِنه ربِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ؛ قال الزجاج: إِن العزيز صاحِـبِـي أَحْسَنَ مَثْوايَ؛ قال: ويجوز أَنْ يكونَ: اللّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ.
والرَّبِـيبُ: الـمَلِكُ؛ قال امرؤُ القيس:
فما قاتلُوا عن رَبِّهم ورَبِـيبِـهم، * ولا آذَنُوا جاراً، فَيَظْعَنَ سالمَا
أَي مَلِكَهُمْ.
ورَبَّهُ يَرُبُّهُ رَبّاً: مَلَكَه. وطالَتْ مَرَبَّـتُهم الناسَ ورِبابَـتُهم أَي مَمْلَكَتُهم؛ قال علقمةُ بن عَبَدةَ:
وكنتُ امْرَأً أَفْضَتْ إِليكَ رِبابَتِـي، * وقَبْلَكَ رَبَّـتْنِـي، فَضِعتُ، رُبوبُ(1)
(1 قوله «وكنت امرأً إلخ» كذا أنشده الجوهري وتبعه المؤلف. وقال الصاغاني والرواية وأنت امرؤ. يخاطب الشاعر الحرث بن جبلة، ثم قال والرواية المشهورة أمانتي بدل ربابتي.)
ويُروى رَبُوب؛ وعندي أَنه اسم للجمع.
وإِنه لَـمَرْبُوبٌ بَيِّنُ الرُّبوبةِ أَي لَـمَمْلُوكٌ؛ والعِـبادُ
مَرْبُوبونَ للّهِ، عزّ وجلّ، أَي مَمْلُوكونَ. ورَبَبْتُ القومَ: سُسْـتُهم أَي كنتُ فَوْقَهم. وقال أَبو نصر: هو من الرُّبُوبِـيَّةِ، والعرب
تقول: لأَنْ يَرُبَّنِـي فلان أَحَبُّ إِليَّ من أَنْ يَرُبَّنِـي فلان؛ يعني أَن يكونَ رَبّاً فَوْقِـي، وسَـيِّداً يَمْلِكُنِـي؛ وروي هذا عن صَفْوانَ بنِ أُمَـيَّةَ، أَنه قال يومَ حُنَيْنٍ، عند الجَوْلةِ التي كانت من المسلمين، فقال أَبو سفيانَ: غَلَبَتْ واللّهِ هَوازِنُ؛ فأَجابه صفوانُ وقال: بِـفِـيكَ الكِثْكِثُ، لأَنْ يَرُبَّنِـي رجلٌ من قريش أَحَبُّ إِليَّ من أَن يَرُبَّني رجلٌ من هَوازِنَ.
ابن الأَنباري: الرَّبُّ يَنْقَسِم على ثلاثة أَقسام: يكون الرَّبُّ
المالِكَ، ويكون الرَّبُّ السّيدَ المطاع؛
قال اللّه تعالى: فيَسْقِـي ربَّه خَمْراً، أَي سَيِّدَه؛ ويكون الرَّبُّ الـمُصْلِـحَ. رَبَّ الشيءَ إِذا أَصْلَحَه؛ وأَنشد:
يَرُبُّ الذي يأْتِـي منَ العُرْفِ أَنه، * إِذا سُئِلَ الـمَعْرُوفَ، زادَ وتَمَّما
وفي حديث ابن عباس مع ابن الزبير، رضي اللّه عنهم: لأَن يَرُبَّنِـي بَنُو عَمِّي، أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَن يَرُبَّنِـي غيرُهم، أَي يكونون
عليَّ أُمَراءَ وسادةً مُتَقَدِّمين، يعني بني أُمَيَّةَ، فإِنهم إِلى ابنِ
عباسٍ في النَّسَبِ أَقْرَبُ من ابن الزبير.
يقال: رَبَّهُ يَرُبُّه أَي كان له رَبّاً.
وتَرَبَّـبَ الرَّجُلَ والأَرضَ: ادَّعَى أَنه رَبُّهما.
والرَّبَّةُ: كَعْبَةٌ كانت بنَجْرانَ لِـمَذْحِج وبني الـحَرث بن كَعْب، يُعَظِّمها الناسُ. ودارٌ رَبَّةٌ: ضَخْمةٌ؛ قال حسان بن ثابت:
وفي كلِّ دارٍ رَبَّةٍ، خَزْرَجِـيَّةٍ، * وأَوْسِـيَّةٍ، لي في ذراهُنَّ والِدُ
ورَبَّ ولَدَه والصَّبِـيَّ يَرُبُّهُ رَبّاً، ورَبَّـبَه تَرْبِـيباً وتَرِبَّةً، عن اللحياني: بمعنى رَبَّاه. وفي الحديث: لكَ نِعْمةٌ تَرُبُّها، أَي تَحْفَظُها وتُراعِـيها وتُرَبِّـيها، كما يُرَبِّي الرَّجُلُ ولدَه؛ وفي حديث ابن ذي يزن:
أُسْدٌ تُرَبِّبُ، في الغَيْضاتِ، أَشْبالا
أَي تُرَبِّي، وهو أَبْلَغ منه ومن تَرُبُّ، بالتكرير الذي فيه.
وتَرَبَّـبَه، وارْتَبَّه، ورَبَّاه تَرْبِـيَةً، على تَحْويلِ التَّضْعيفِ، وتَرَبَّاه، على تحويل التضعيف أَيضاً: أَحسَنَ القِـيامَ عليه، وَوَلِـيَه حتى يُفارِقَ الطُّفُولِـيَّةَ، كان ابْـنَه أَو لم يكن؛ وأَنشد اللحياني:
تُرَبِّـبُهُ، من آلِ دُودانَ، شَلّةٌ * تَرِبَّةَ أُمٍّ، لا تُضيعُ سِخَالَها
وزعم ابن دريد: أَنَّ رَبِـبْتُه لغةٌ؛ قال: وكذلك كل طِفْل من الحيوان، غير الإِنسان؛ وكان ينشد هذا البيت:
كان لنا، وهْوَ فُلُوٌّ نِرْبَبُهْ
كسر حرف الـمُضارعةِ ليُعْلَم أَنّ ثاني الفعل الماضي مكسور، كما ذهب إِليه سيبويه في هذا النحو؛ قال: وهي لغة هذيل في هذا الضرب من الفعل.
والصَّبِـيُّ مَرْبُوبٌ ورَبِـيبٌ، وكذلك الفرس؛ والـمَرْبُوب:
الـمُرَبَّى؛ وقول سَلامَة بن جندل:
ليس بأَسْفَى، ولا أَقْنَى، ولا سَغِلٍ، * يُسْقَى دَواءَ قَفِـيِّ السَّكْنِ، مَرْبُوبِ
يجوز أَن يكون أَراد بمربوب: الصبـيّ، وأَن يكون أَراد به الفَرَس؛ ويروى: مربوبُ أَي هو مَرْبُوبٌ. والأَسْفَى: الخفيفُ الناصِـيَةِ؛ والأَقْنَى: الذي في أَنفِه احْديدابٌ؛ والسَّغِلُ: الـمُضْطَرِبُ الخَلْقِ؛ والسَّكْنُ: أَهلُ الدار؛ والقَفِـيُّ والقَفِـيَّةُ: ما يُؤْثَرُ به الضَّيْفُ والصَّبِـيُّ؛ ومربوب من صفة حَتٍّ في بيت قبله، وهو:
مِنْ كلِّ حَتٍّ، إِذا ما ابْتَلَّ مُلْبَدهُ، * صافِـي الأَديمِ، أَسِـيلِ الخَدِّ، يَعْبُوب
الـحَتُّ: السَّريعُ. واليَعْبُوب: الفرسُ الكريمُ، وهو الواسعُ
الجَـِرْي.وقال أَحمد بن يَحيـى للقَوْمِ الذين اسْتُرْضِعَ فيهم النبـيُّ، صلّى اللّه عليه وسلّم: أَرِبَّاءُ النبـيِّ، صلّى اللّه عليه وسلّم، كأَنه
جمعُ رَبِـيبٍ، فَعِـيلٍ بمعنى
فاعل؛ وقولُ حَسَّانَ بن ثابت:
ولأَنْتِ أَحسنُ، إِذْ بَرَزْتِ لنا * يَوْمَ الخُروجِ، بِساحَةِ القَصْرِ،
مِن دُرَّةٍ بَيْضاءَ، صافيةٍ، * مِـمَّا تَرَبَّب حائرُ البحرِ
يعني الدُّرَّةَ التي يُرَبِّـيها الصَّدَفُ في قَعْرِ الماءِ.
والحائرُ: مُجْتَمَعُ الماءِ، ورُفع لأَنه فاعل تَرَبَّبَ، والهاءُ العائدةُ على مِـمَّا محذوفةٌ، تقديره مِـمَّا تَرَبَّـبَه حائرُ البحرِ. يقال:
رَبَّـبَه وتَرَبَّـبَه بمعنى: والرَّبَبُ: ما رَبَّـبَه الطّينُ، عن ثعلب؛ وأَنشد:
في رَبَبِ الطِّينِ وماء حائِر
والرَّبِـيبةُ: واحِدةُ الرَّبائِب من الغنم التي يُرَبّيها الناسُ في البُيوتِ لأَلبانها. وغَنمٌ ربائِبُ: تُرْبَطُ قَريباً مِن البُـيُوتِ، وتُعْلَفُ لا تُسامُ، هي التي ذَكَر ابراهيمُ النَّخْعِـي أَنه لا صَدَقةَ فيها؛ قال ابن الأَثير في حديث النخعي: ليس في الرَّبائبِ صَدَقةٌ.
الرَّبائبُ: الغَنَمُ التي تكونُ في البَيْتِ، وليست بِسائمةٍ، واحدتها
رَبِـيبَةٌ، بمعنى مَرْبُوبَةٍ، لأَن صاحِبَها يَرُبُّها. وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: كان لنا جِـيرانٌ مِن الأَنصار لهم رَبائِبُ، وكانوا يَبْعَثُونَ إِلينا مِن أَلبانِها.
وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: لا تَأْخُذِ الأَكُولَة، ولا الرُّبَّـى،
ولا الماخضَ؛ قال ابن الأَثير: هي التي تُرَبَّـى في البيت من الغنم لأَجْل اللَّبن؛ وقيل هي الشاةُ القَريبةُ العَهْدِ بالوِلادة، وجمعها رُبابٌ، بالضم. وفي الحديث أَيضاً: ما بَقِـيَ في غَنَمِـي إِلاّ فَحْلٌ، أَو شاةٌ رُبَّـى.
والسَّحَابُ يَرُبُّ الـمَطَر أَي يَجْمَعُه ويُنَمِّيهِ.
والرَّبابُ، بالفتح: سَحابٌ أَبيضُ؛ وقيل: هو السَّحابُ، واحِدَتُه
رَبابةٌ؛ وقيل: هو السَّحابُ الـمُتَعَلِّقُ الذي تراه كأَنه دُونَ السَّحاب.
قال ابن بري: وهذا القول هو الـمَعْرُوفُ، وقد يكون أَبيضَ، وقد يكون أَسْودَ. وفي حديث النبـيّ، صلّى اللّه عليه وسلّم: أَنه نَظَرَ في الليلةِ التي أُسْرِيَ به إِلى قَصْرٍ مِثْلِ الرَّبابةِ البَيْضاء. قال أَبو
عبيد: الرَّبابةُ، بالفتح: السَّحابةُ التي قد رَكِبَ بعضُها بَعْضاً،
وجمعها رَبابٌ، وبها سمّيت الـمَرْأَةُ الرَّبابَ؛ قال الشاعر:
سَقَى دارَ هِنْدٍ، حَيْثُ حَلَّ بِها النَّوَى، * مُسِفُّ الذُّرَى، دَانِـي الرَّبابِ، ثَخِـينُ
وفي حديث ابن الزبير، رضي اللّه عنهما: أَحْدَقَ بِكُم رَبابه. قال
الأَصمعي: أَحسنُ بيت، قالته العرب في وَصْفِ الرَّبابِ، قولُ عبدِالرحمن بن حَسَّان، على ما ذكره الأَصمعي في نِسْبَةِ البيت إِليه؛ قال ابن بري: ورأَيت من يَنْسُبُه لعُروة بنَ جَلْهَمةَ المازِنيّ:
إِذا اللّهُ لم يُسْقِ إِلاّ الكِرام، * فَـأَسْقَى وُجُوهَ بَنِـي حَنْبَلِ
أَجَشَّ مُلِثّاً، غَزيرَ السَّحاب، * هَزيزَ الصَلاصِلِ والأَزْمَلِ
تُكَرْكِرُه خَضْخَضاتُ الجَنُوب، * وتُفْرِغُه هَزَّةُ الشَّـمْـأَلِ
كأَنَّ الرَّبابَ، دُوَيْنَ السَّحاب، * نَعامٌ تَعَلَّقَ بالأَرْجُلِ
والمطر يَرُبُّ النباتَ والثَّرى ويُنَمِّـيهِ. والـمَرَبُّ:
الأَرضُ التي لا يَزالُ بها ثَـرًى؛ قال ذو الرمة:
خَناطِـيلُ يَسْتَقْرِينَ كلَّ قرارَةٍ، * مَرَبٍّ، نَفَتْ عنها الغُثاءَ الرَّوائسُ
وهي الـمَرَبَّةُ والـمِرْبابُ. وقيل: الـمِرْبابُ من الأَرضِـين التي
كَثُرَ نَبْتُها ونَـأْمَتُها، وكلُّ ذلك مِنَ الجَمْعِ. والـمَرَبُّ: الـمَحَلُّ، ومكانُ الإِقامةِ والاجتماعِ. والتَّرَبُّبُ: الاجْتِـماعُ.
ومَكانٌ مَرَبٌّ، بالفتح: مَجْمَعٌ يَجْمَعُ الناسَ؛ قال ذو الرمة:
بأَوَّلَ ما هاجَتْ لكَ الشَّوْقَ دِمْنةٌ، * بِأَجرَعَ مِحْلالٍ، مَرَبٍّ، مُحَلَّلِ
قال: ومن ثَـمَّ قيل للرّبابِ: رِبابٌ، لأَنهم تَجَمَّعوا. وقال أَبو عبيد: سُمُّوا رباباً، لأَنهم جاؤُوا برُبٍّ، فأَكلوا منه، وغَمَسُوا فيه أَيدِيَهُم، وتَحالفُوا عليه، وهم: تَيْمٌ، وعَدِيٌّ، وعُكْلٌ.
والرِّبابُ: أَحْياء ضَبّـةَ، سُمُّوا بذلك لتَفَرُّقِهم، لأَنَّ الرُّبَّة الفِرقةُ، ولذلك إِذا نَسَبْتَ إِلى الرَّباب قلت: رُبِّـيٌّ، بالضم، فَرُدَّ إِلى واحده وهو رُبَّةٌ، لأَنك إِذا نسبت الشيءَ إِلى الجمع رَدَدْتَه إِلى الواحد، كما تقول في المساجِد: مَسْجِدِيٌّ، إِلا أَن تكون سميت به رجلاً، فلا تَرُدَّه إِلى الواحد، كما تقول في أَنْمارٍ: أَنْمارِيٌّ، وفي كِلابٍ: كِلابِـيٌّ. قال: هذا قول سيبويه، وأَما أَبو عبيدة فإِنه قال: سُمُّوا بذلك لتَرابِّهِم أَي تَعاهُدِهِم؛ قال الأَصمعي: سموا بذلك لأَنهم أَدخلوا أَيديهم في رُبٍّ، وتَعاقَدُوا، وتَحالَفُوا عليه.
وقال ثعلب: سُموا(1)
(1 قوله «وقال ثعلب سموا إلخ» عبارة المحكم وقال ثعلب
سموا رباباً لأنهم اجتمعوا ربة ربة بالكسر أي جماعة جماعة ووهم ثعلب في جمعه فعلة (أي بالكسر) على فعال وإنما حكمه أن يقول ربة ربة اهـ أي بالضم.)
رِباباً، بكسر الراءِ، لأَنهم تَرَبَّـبُوا أَي تَجَمَّعوا رِبَّةً رِبَّةً، وهم خَمسُ قَبائلَ تَجَمَّعُوا فصاروا يداً واحدةً؛ ضَبَّةُ، وثَوْرٌ، وعُكْل، وتَيْمٌ، وعَدِيٌّ.
(يتبع...)
(تابع... 1): ربب: الرَّبُّ: هو اللّه عزّ وجل، هو رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وله... ...
وفلان مَرَبٌّ أَي مَجْمعٌ يَرُبُّ الناسَ ويَجْمَعُهم. ومَرَبّ الإِبل:
حيث لَزِمَتْه.
وأَرَبَّت الإِبلُ بمكان كذا: لَزِمَتْه وأَقامَتْ به، فهي إِبِلٌ مَرابُّ، لَوازِمُ. ورَبَّ بالمكان، وأَرَبَّ: لَزِمَه؛ قال:
رَبَّ بأَرضٍ لا تَخَطَّاها الـحُمُرْ
وأَرَبَّ فلان بالمكان، وأَلَبَّ، إِرْباباً، وإِلباباً إِذا أَقامَ به، فلم يَبْرَحْه. وفي الحديث: اللهمّ إِني أَعُوذُ بك من غِنًى مُبْطِرٍ،
وفَقْرٍ مُرِبٍّ. وقال ابن الأَثير: أَو قال: مُلِبٍّ، أَي لازِمٍ غير
مُفارِقٍ، مِن أَرَبَّ بالمكانِ وأَلَبَّ إِذا أَقامَ به ولَزِمَه؛ وكلّ
لازِمِ شيءٍ مُرِبٌّ. وأَرَبَّتِ الجَنُوبُ: دامَت. وأَرَبَّتِ السَّحابةُ:
دامَ مَطَرُها. وأَرَبَّتِ الناقةُ أَي لَزِمَت الفحلَ وأَحَبَّتْه.
وأَرَبَّتِ الناقةُ بولدها: لَزِمَتْه وأَحَبَّتْه؛ وهي مُرِبٌّ كذلك، هذه
رواية أَبي عبيد عن أَبي زيد.
ورَوْضاتُ بني عُقَيْلٍ يُسَمَّيْن: الرِّبابَ.
والرِّبِّـيُّ والرَّبَّانِـيُّ: الـحَبْرُ، ورَبُّ العِلْم، وقيل: الرَّبَّانِـيُّ الذي يَعْبُد الرَّبَّ، زِيدت الأَلف والنون للمبالغة في النسب. وقال سيبويه: زادوا أَلفاً ونوناً في الرَّبَّاني إِذا أَرادوا تخصيصاً بعِلْم الرَّبِّ دون غيره، كأَن معناه: صاحِبُ عِلم بالرَّبِّ دون غيره
من العُلوم؛ وهو كما يقال: رجل شَعْرانِـيٌّ، ولِحْيانِـيٌّ، ورَقَبانِـيٌّ إِذا خُصَّ بكثرة الشعر، وطول اللِّحْيَة، وغِلَظِ الرَّقبةِ؛ فإِذا
نسبوا إِلى الشَّعر، قالوا: شَعْرِيٌّ، وإِلى الرَّقبةِ قالوا:
رَقَبِـيٌّ، وإِلى اللِّحْيةِ: لِـحْيِـيٌّ. والرَّبِّـيُّ: منسوب إِلى الرَّبِّ.
والرَّبَّانِـيُّ: الموصوف بعلم الرَّبِّ. ابن الأَعرابي:
الرَّبَّانِـيُّ العالم الـمُعَلِّم، الذي يَغْذُو الناسَ بِصغارِ العلم قبلَ كِـبارها.
وقال محمد بن عليّ ابن الحنفية لَـمّا ماتَ عبدُاللّه بن عباس، رضي اللّه عنهما: اليومَ ماتَ رَبّانِـيُّ هذه الأُمـَّة. ورُوي عن علي، رضي اللّه عنه، أَنه قال: الناسُ ثلاثةٌ: عالِـمٌ ربَّانيٌّ، ومُتَعَلِّمٌ على سَبيلِ نَجاةٍ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أَتْباعُ كلِّ ناعق. قال ابن الأَثير: هو منسوب إِلى الرَّبِّ، بزيادة الأَلف والنون للمبالغة؛ قال وقيل: هو من الرَّبِّ، بمعنى التربيةِ، كانوا يُرَبُّونَ الـمُتَعَلِّمينَ بِصغار العُلوم، قبلَ كبارِها. والرَّبَّانِـيُّ: العالم الرَّاسِخُ في العِلم والدين، أَو الذي يَطْلُب بِعلْمِه وجهَ اللّهِ، وقيل: العالِم، العامِلُ،
الـمُعَلِّمُ؛ وقيل: الرَّبَّانِـيُّ: العالي الدَّرجةِ في العِلمِ. قال أَبو
عبيد: سمعت رجلاً عالماً بالكُتب يقول: الرَّبَّانِـيُّون العُلَماءُ
بالـحَلال والـحَرام، والأَمْرِ والنَّهْي. قال: والأَحبارُ أَهلُ المعرفة
بأَنْباءِ الأُمَم، وبما كان ويكون؛ قال أَبو عبيد: وأَحْسَب الكلمَة ليست بعربية، إِنما هي عِـبْرانية أَو سُرْيانية؛ وذلك أَن أَبا عبيدة زعم أَن العرب لا تعرف الرَّبَّانِـيّين؛ قال أَبو عبيد: وإِنما عَرَفَها الفقهاء وأَهل العلم؛ وكذلك قال شمر: يقال لرئيس الـمَلاَّحِـينَ رُبَّانِـيٌّ(1)
(1 قوله «وكذلك قال شمر يقال إلخ» كذا بالنسخ وعبارة التكملة ويقال لرئيس الملاحين الربان بالضم وقال شمر الرباني بالضم منسوباً وأنشد للعجاج صعل وبالجملة فتوسط هذه العبارة بين الكلام على الرباني بالفتح ليس على ما ينبغي إلخ.)؛ وأَنشد:
صَعْلٌ مِنَ السَّامِ ورُبَّانيُّ
ورُوي عن زِرِّ بن عبدِاللّه، في قوله تعالى: كُونوا رَبَّانِـيِّـينَ،
قال: حُكَماءَ عُلَماءَ. غيره: الرَّبَّانيُّ الـمُتَـأَلِّه، العارِفُ باللّه تعالى؛ وفي التنزيل: كُونوا رَبَّانِـيِّـين.
والرُّبَّـى، على فُعْلى، بالضم: الشاة التي وضعَت حديثاً، وقيل: هي الشاة إِذا ولدت، وإِن ماتَ ولدُها فهي أَيضاً رُبَّـى، بَيِّنةُ الرِّبابِ؛ وقيل: رِبابُها ما بَيْنها وبين عشرين يوماً من وِلادتِها، وقيل: شهرين؛ وقال اللحياني: هي الحديثة النِّتاج، مِن غير أَنْ يَحُدَّ وَقْتاً؛ وقيل: هي التي يَتْبَعُها ولدُها؛ وقيل: الرُّبَّـى من الـمَعز، والرَّغُوثُ من الضأْن، والجمع رُبابٌ، بالضم، نادر. تقول: أَعْنُزٌ رُبابٌ، والمصدر رِبابٌ، بالكسر، وهو قُرْبُ العَهْد بالولادة. قال أَبو زيد: الرُّبَّـى من المعز، وقال غيره: من المعز والضأْن جميعاً، وربما جاءَ في الإِبل أَيضاً. قال الأَصمعي: أَنشدنا مُنْتَجع ابن نَبْهانَ:
حَنِـينَ أُمِّ البَوِّ في رِبابِها
قال سيبويه: قالوا رُبَّـى ورُبابٌ، حذفوا أَلِف التأْنيث وبَنَوْه على
هذا البناءِ، كما أَلقوا الهاءَ من جَفْرة، فقالوا جِفارٌ، إِلاَّ أَنهم
ضموا أَوَّل هذا، كما قالوا ظِئْرٌ وظُؤَارٌ، ورِخْلٌ ورُخالٌ.
وفي حديث شريح: إِنّ الشاةَ تُحْلَبُ في رِبابِها. وحكى اللحياني: غَنَمٌ رِبابٌ، قال: وهي قليلة. وقال: رَبَّتِ الشاةُ تَرُبُّ رَبّاً إِذا
وَضَعَتْ، وقيل: إِذا عَلِقَتْ، وقيل: لا فعل للرُّبَّـى.
والمرأَةُ تَرْتَبُّ الشعَر بالدُّهْن؛ قال الأَعشى:
حُرَّةٌ، طَفْلَةُ الأَنامِل، تَرْتَبُّ * سُخاماً، تَكُفُّه بخِلالِ
وكلُّ هذا من الإِصْلاحِ والجَمْع.
والرَّبِـيبةُ: الحاضِنةُ؛ قال ثعلب: لأَنها تُصْلِـحُ الشيءَ، وتَقُوم
به، وتَجْمَعُه.
وفي حديث الـمُغِـيرة: حَمْلُها رِبابٌ. رِبابُ المرأَةِ: حِدْثانُ
وِلادَتِها، وقيل: هو ما بين أَن تَضَعَ إِلى أَن يأْتي عليها شهران، وقيل: عشرون يوماً؛ يريد أَنها تحمل بعد أَن تَلِد بيسير، وذلك مَذْمُوم في النساءِ، وإِنما يُحْمَد أَن لا تَحْمِل بعد الوضع، حتى يَتِمَّ رَضاعُ ولدها.والرَّبُوبُ والرَّبِـيبُ: ابن امرأَةِ الرجل مِن غيره، وهو بمعنى مَرْبُوب. ويقال للرَّجل نَفْسِه: رابٌّ. قال مَعْنُ بن أَوْس، يذكر امرأَته، وذكَرَ أَرْضاً لها:
فإِنَّ بها جارَيْنِ لَنْ يَغْدِرا بها: * رَبِـيبَ النَّبـيِّ، وابنَ خَيْرِ الخَلائفِ
يعني عُمَرَ بن أَبي سَلَمة، وهو ابنُ أُمِّ سَلَـمةَ زَوْجِ النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، وعاصِمَ بن عمر ابن الخَطَّاب، وأَبوه أَبو سَلَمَة،
وهو رَبِـيبُ النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم؛ والأُنثى رَبِـيبةٌ.
الأَزهري: رَبِـيبةُ الرجل بنتُ امرأَتِه من غيره. وفي حديث ابن عباس، رضي اللّه عنهما: إِنما الشَّرْطُ في الرَّبائبِ؛ يريد بَناتِ الزَّوْجاتِ من غير أَزواجِهن الذين معهن. قال: والرَّبِـيبُ أَيضاً، يقال لزوج الأُم لها ولد من غيره. ويقال لامرأَةِ الرجل إِذا كان له ولدٌ من غيرها: رَبيبةٌ، وذلك معنى رابَّةٍ ورابٍّ. وفي الحديث: الرَّابُّ كافِلٌ؛ وهو زَوْجُ أُمِّ اليَتيم، وهو اسم فاعل، مِن رَبَّه يَرُبُّه أَي إِنه يَكْفُل بأَمْرِه. وفي حديث مجاهد: كان يكره أَن يتزوَّج الرجلُ امرأَةَ رابِّه، يعني امرأَة زَوْج أُمـِّه، لأنه كان يُرَبِّيه. غيره: والرَّبيبُ والرَّابُّ زوجُ الأُم. قال أَبو الحسن الرماني: هو كالشَّهِـيدِ، والشاهِد، والخَبِـير، والخابِرِ.
والرَّابَّةُ: امرأَةُ الأَبِ.
وَرَبَّ المعروفَ والصَّنِـيعةَ والنِّعْمةَ يَرُبُّها رَبّاً ورِباباً ورِبابةً، حكاهما اللحياني، ورَبَّـبها: نَمَّاها، وزادَها، وأَتَمَّها، وأَصْلَحَها. ورَبَبْتُ قَرابَتَهُ: كذلك.
أَبو عمرو: رَبْرَبَ الرجلُ، إِذا رَبَّـى يَتيماً.
وَرَبَبْتُ الأَمْرَ، أَرُبُّهُ رَبّاً ورِبابةً: أَصْلَحْتُه ومَتَّنْـتُه. ورَبَبْتُ الدُّهْنَ: طَيَّبْتُه وأَجدتُه؛ وقال اللحياني: رَبَبْتُ الدُّهْنَ: غَذَوْتُه بالياسَمينِ أَو بعض الرَّياحِـينِ؛ قال: ويجوز فيه رَبَّـبْتُه.
ودُهْنٌ مُرَبَّبٌ إِذا رُبِّبَ الـحَبُّ الذي اتُّخِذَ منه بالطِّيبِ.
والرُّبُّ: الطِّلاءُ الخاثِر؛ وقيل: هو دبْسُ كل ثَمَرَة، وهو سُلافةُ
خُثارَتِها بعد الاعتصار والطَّبْخِ؛ والجمع الرُّبُوبُ والرِّبابُ؛
ومنه: سقاءٌ مَرْبُوبٌ إِذا رَبَبْتَه أَي جعلت فيه الرُّبَّ، وأَصْلَحتَه
به؛ وقال ابن دريد: رُبُّ السَّمْنِ والزَّيْتِ: ثُفْلُه الأَسود؛ وأَنشد:
كَشائطِ الرُّبّ عليهِ الأَشْكَلِ وارْتُبَّ العِنَبُ إِذا طُبِـخَ حتى يكون رُبّاً يُؤْتَدَمُ به، عن أَبي حنيفة. وَرَبَبْتُ الزِّقَّ بالرُّبِّ، والـحُبَّ بالقِـير والقارِ، أَرُبُّه رَبّاً ورُبّاً، ورَبَّبْتُه: متَّنْتُه؛ وقيل: رَبَبْتُه
دَهَنْتُه وأَصْلَحْتُه. قال عمرو بن شأْس يُخاطِبُ امرأَته، وكانت تُؤْذِي ابنه عِراراً:
فَإِنَّ عِراراً، إِن يَكُنْ غيرَ واضِحٍ، * فإِني أُحِبُّ الجَوْنَ، ذا الـمَنْكِبِ العَمَمْ
فإِن كنتِ مِنِّي، أَو تُريدينَ صُحْبَتي، * فَكُوني له كالسَّمْنِ، رُبَّ له الأَدَمْ
أَرادَ بالأَدَم: النُّحْي. يقول لزوجته: كُوني لوَلدي عِراراً كَسَمْنٍ
رُبَّ أَدِيمُه أَي طُلِـيَ برُبِّ التمر، لأَنَّ النِّحْي، إِذا أُصْلِـحَ بالرُّبِّ، طابَتْ رائحتُه، ومَنَعَ السمنَ مِن غير أَن يفْسُد طَعْمُه أَو رِيحُه.
يقال: رَبَّ فلان نِحْيه يَرُبُّه رَبّاً إِذا جَعل فيه الرُّبَّ ومَتَّنه به، وهو نِحْيٌ مَرْبُوب؛ وقوله:
سِلاءَها في أَديمٍ، غيرِ مَرْبُوبِ
أَي غير مُصْلَحٍ. وفي صفة ابن عباس، رضي اللّه عنهما: كأَنَّ على صَلَعَتِهِ الرُّبَّ من مسْكٍ أَو عَنْبرٍ. الرُّبُّ: ما يُطْبَخُ من التمر، وهو الدِّبْسُ أَيضاً. وإِذا وُصِفَ الإِنسانُ بحُسْنِ الخُلُق، قيل: هو السَّمْنُ لا يَخُمُّ.
والـمُربَّـبَاتُ: الأَنْبِجاتُ، وهي الـمَعْمُولاتُ بالرُّبِّ، كالـمُعَسَّلِ، وهو المعمول بالعسل؛ وكذلك الـمُرَبَّـياتُ، إِلا أَنها من التَّرْبيةِ، يقال: زنجبيل مُرَبّـًى ومُرَبَّبٌ.
والإِربابُ: الدُّنوُّ مِن كل شيءٍ.
والرِّبابةُ، بالكسر، جماعةُ السهام؛ وقيل: خَيْطٌ تُشَدُّ به السهامُ؛
وقيل: خِرْقةٌ تُشَدُّ فيها؛ وقال اللحياني: هي السُّلْفةُ التي تُجْعَلُ
فيها القِداحُ، شبيهة بالكِنانة، يكون فيها السهام؛ وقيل هي شبيهة
بالكنانةِ، يجمع فيها سهامُ الـمَيْسرِ؛ قال أَبو ذؤَيب يصف الحمار
وأُتُنَه:
وكأَنهنَّ رِبابةٌ، وكأَنه * يَسَرٌ، يُفِـيضُ على القِداح، ويَصْدَعُ
والرِّبابةُ: الجِلدةُ التي تُجْمع فيها السِّهامُ؛ وقيل: الرِّبابةُ: سُلْفَةٌ يُعْصَبُ بها على يَدِ الرَّجُل الـحُرْضَةِ، وهو الذي تُدْفَعُ إِليه الأَيسارُ للقِدح؛ وإِنما يفعلون ذلك لِكَيْ لا يَجِدَ مَسَّ قِدْحٍ يكون له في صاحِـبِه هَـوًى. والرِّبابةُ والرِّبابُ: العَهْدُ والـمِـيثاقُ؛ قال عَلْقَمَةُ بن عَبَدةَ:
وكنتُ امْرَأً أَفْضَتْ إِليكَ رِبابَتِـي، * وقَبْلَكَ رَبَّتْني، فَضِعْتُ، رُبُوبُ
ومنه قيل للعُشُور: رِبابٌ.
والرَّبِـيبُ: الـمُعاهَدُ؛ وبه فسر قَوْلُ امرِئِ القيس:
فما قاتَلوا عن رَبِّهِم ورَبِـيبِـهِمْ
وقال ابن بري: قال أَبو علي الفارسي: أَرِبَّةٌ جمع رِبابٍ، وهو العَهْدُ. قال أَبو ذؤَيب يذكر خَمْراً:
تَوَصَّلُ بالرُّكْبانِ، حِـيناً، وتُؤْلِفُ * الجِوارَ، ويُعْطِـيها الأَمانَ رِبابُها
قوله: تُؤْلِفُ الجِوار أَي تُجاوِرُ في مَكانَيْنِ. والرِّبابُ: العَهْدُ الذي يأْخُذه صاحِـبُها من الناس لإِجارتِها. وجَمْعُ الرَّبِّ رِبابٌ. وقال شمر: الرِّبابُ في بيت أَبي ذؤَيب جمع رَبٍّ، وقال غيره: يقول:
إِذا أَجار الـمُجِـيرُ هذه الخَمْر أَعْطَى صاحِـبَها قِدْحاً ليَعْلَموا
أَنه قد أُجِـيرَ، فلا يُتَعَرَّض لها؛ كأَنَّـه ذُهِبَ بالرِّبابِ إِلى رِبابةِ سِهامِ الـمَيْسِر. والأَرِبَّةُ: أَهلُ الـمِـيثاق. قال أَبو ذُؤَيْب:
كانت أَرِبَّـتَهم بَهْزٌ، وغَرَّهُمُ * عَقْدُ الجِوار، وكانوا مَعْشَراً غُدُرا
قال ابن بري: يكون التقدير ذَوِي أَرِبَّتِهِم(1)
(1 قوله «التقدير ذوي إلخ» أي داع لهذا التقدير مع صحة الحمل بدونه.)؛ وبَهْزٌ: حَيٌّ من سُلَيْم؛ والرِّباب: العُشُورُ؛ وأَنشد بيت أَبي ذؤَيب:
ويعطيها الأَمان ربابها
وقيل: رِبابُها أَصحابُها.
والرُّبَّةُ: الفِرْقةُ من الناس، قيل: هي عشرة آلافٍ أَو نحوها، والجمع رِبابٌ.
وقال يونس: رَبَّةٌ ورِبابٌ، كَجَفْرَةٍ وجِفار، والرَّبـَّةُ كالرُّبـَّةِ؛ والرِّبِّـيُّ واحد الرِّبِّـيِّـين: وهم الأُلُوف من الناس، والأَرِبَّةُ مِن الجَماعاتِ: واحدتها رَبَّةٌ. وفي التنزيلِ العزيز: وكأَيِّنْ مِن نَبـيِّ قاتَلَ معه رِبِّـيُّون كثير؛ قال الفراءُ: الرِّبِّـيُّونَ الأُلوف. وقال أَبو العباس أَحمد بن يحيـى: قال الأَخفش: الرِّبيون منسوبون إِلى الرَّبِّ. قال أَبو العباس: ينبغي أَن تفتح الراءُ، على قوله، قال: وهو على قول الفرّاء من الرَّبَّةِ، وهي الجماعة. وقال الزجاج:
رِبِّـيُّون، بكسر الراء وضمّها، وهم الجماعة الكثيرة. وقيل: الربيون العلماء الأَتقياءُ الصُّـبُر؛ وكلا القولين حَسَنٌ جميلٌ. وقال أَبو طالب: الربيون الجماعات الكثيرة، الواحدة رِبِّـيٌّ. والرَّبَّانيُّ: العالم، والجماعة الرَّبَّانِـيُّون. وقال أَبو العباس: الرَّبَّانِـيُّون الأُلوفُ، والرَّبَّانِـيُّون: العلماءُ. و قرأَ الحسن: رُبِّـيُّون، بضم الراء. وقرأَ ابن عباس: رَبِّـيُّون، بفتح الراءِ.
والرَّبَبُ: الماءُ الكثير المجتمع، بفتح الراءِ والباءِ، وقيل: العَذْب؛ قال الراجز:
والبُرَّةَ السَمْراء والماءَ الرَّبَبْ
وأَخَذَ الشيءَ بِرُبَّانه ورَبَّانِه أَي بأَوَّله؛ وقيل: برُبَّانِه: بجَمِـيعِه ولم يترك منه شيئاً. ويقال: افْعَلْ ذلك الأَمْرَ بِرُبَّانه أَي بِحِدْثانِه وطَراءَتِه وجِدَّتِه؛ ومنه قيل: شاةٌ رُبَّـى.
ورُبَّانُ الشَّبابِ: أَوَّله؛ قال ابن أَحمر:
وإِنَّما العَيْشُ بِرُبَّانِه، * وأَنْتَ، من أَفنانِه، مُفْتَقِر
ويُروى: مُعْتَصِر؛ وقول الشاعر:
(يتبع...)
(تابع... 2): ربب: الرَّبُّ: هو اللّه عزّ وجل، هو رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وله... ...
خَلِـيلُ خَوْدٍ، غَرَّها شَبابُه، * أَعْجَبَها، إِذْ كَبِرَتْ، رِبابُه
أَبو عمرو: الرُّبَّـى أَوَّلُ الشَّبابِ؛ يقال: أَتيته في رُبَّـى شَبابِه، ورُبابِ شَبابِه، ورِبابِ شَبابِه، ورِبَّان شَبابه. أَبو عبيد: الرُّبَّانُ من كل شيءٍ حِدْثانُه؛ ورُبّانُ الكَوْكَب: مُعْظَمُه. وقال أَبو عبيدة: الرَّبَّانُ، بفتح الراءِ: الجماعةُ؛ وقال الأَصمعي: بضم الراءِ.
وقال خالد بن جَنْبة: الرُّبَّةُ الخَير اللاَّزِمُ، بمنزلة الرُّبِّ الذي يَلِـيقُ فلا يكاد يذهب، وقال: اللهم إِني أَسأَلُك رُبَّةَ عَيْشٍ مُبارَكٍ، فقيل له: وما رُبَّةُ عَيْشٍ؟ قال: طَثْرَتَهُ وكَثْرَتُه.
وقالوا: ذَرْهُ بِرُبَّان؛ أَنشد ثعلب:
فَذَرْهُمْ بِرُبّانٍ، وإِلاّ تَذَرْهُمُ * يُذيقُوكَ ما فيهم، وإِن كان أَكثرا
قال وقالوا في مَثَلٍ: إِن كنتَ بي تَشُدُّ ظَهْرَك، فأَرْخِ، بِرُبَّانٍ، أَزْرَكَ. وفي التهذيب: إِن كنتَ بي تشدُّ ظَهْرَكَ فأَرْخِ، مِن
رُبَّـى، أَزْرَكَ. يقول: إِن عَوّلْتَ عَليَّ فَدَعْني أَتْعَبْ، واسْتَرْخِ
أَنتَ واسْتَرِحْ. ورُبَّانُ، غير مصروف: اسم رجل.
قال ابن سيده: أَراه سُمي بذلك.
والرُّبَّـى: الحاجةُ، يقال: لي عند فلان رُبَّـى. والرُّبَّـى: الرَّابَّةُ. والرُّبَّـى: العُقْدةُ الـمُحْكَمةُ. والرُّبَّـى: النِّعْمةُ والإِحسانُ.
والرِّبَّةُ، بالكسرِ: نِبْتةٌ صَيْفِـيَّةٌ؛ وقيل: هو كل ما اخْضَرَّ، في القَيْظِ، مِن جميع ضُروب النبات؛ وقيل: هو ضُروب من الشجر أَو النبت فلم يُحَدَّ، والجمع الرِّبَبُ؛ قال ذو الرمة، يصف الثور الوحشي:
أَمْسَى، بِوَهْبِـينَ، مُجْتازاً لِـمَرْتَعِه، * مِن ذِي الفَوارِسِ، يَدْعُو أَنْفَه الرِّبَبُ
والرِّبَّةُ: شجرة؛ وقيل: إِنها شجرة الخَرْنُوب. التهذيب: الرِّبَّةُ
بقلة ناعمةٌ، وجمعها رِبَبٌ. وقال: الرِّبَّةُ اسم لِعدَّةٍ من النبات، لا
تَهِـيج في الصيف، تَبْقَى خُضْرَتُها شتاءً وصَيْفاً؛ ومنها: الـحُلَّبُ، والرُّخَامَى، والـمَكْرُ، والعَلْقى، يقال لها كلها: رِبَّةٌ.التهذيب: قال النحويون: رُبَّ مِن حروف الـمَعاني، والفَرْقُ بينها وبين كَمْ، أَنَّ رُبَّ للتقليل، وكَمْ وُضِعت للتكثير، إِذا لم يُرَدْ بها الاسْتِفهام؛ وكلاهما يقع على النَّكِرات، فيَخْفِضُها. قال أَبو حاتم: من
الخطإِ قول العامة: رُبَّـما رأَيتُه كثيراً، ورُبَّـما إِنما وُضِعَتْ
للتقليل. غيره: ورُبَّ ورَبَّ: كلمة تقليل يُجَرُّ بها، فيقال: رُبَّ رجلٍ قائم، ورَبَّ رجُلٍ؛ وتدخل عليه التاء، فيقال: رُبَّتَ رجل، ورَبَّتَ رجل. الجوهري: ورُبَّ حرفٌ خافض، لا يقع إِلاَّ على النكرة، يشدَّد ويخفف، وقد يدخل عليه التاء، فيقال: رُبَّ رجل، ورُبَّتَ رجل، ويدخل عليه ما، ليُمْكِن أَن يُتَكَلَّم بالفعل بعده، فيقال: رُبما. وفي التنزيل العزيز: رُبَّـما يَوَدُّ الذين كفروا؛ وبعضهم يقول رَبَّـما، بالفتح، وكذلك رُبَّتَما ورَبَّتَما، ورُبَتَما وَرَبَتَما، والتثقيل في كل ذلك أَكثر في كلامهم، ولذلك إِذا صَغَّر سيبويه رُبَّ، من قوله تعالى رُبَّـما يودّ، ردَّه إِلى الأَصل، فقال: رُبَيْبٌ. قال اللحياني: قرأَ الكسائي وأَصحاب عبداللّه والحسن: رُبَّـما يودُّ، بالتثقيل، وقرأَ عاصِمٌ وأَهلُ المدينة وزِرُّ بن حُبَيْش: رُبَما يَوَدُّ، بالتخفيف. قال الزجاج: من قال إِنَّ رُبَّ يُعنى بها التكثير، فهو ضِدُّ ما تَعرِفه العرب؛ فإِن قال قائل: فلمَ جازت رُبَّ في قوله: ربما يود الذين كفروا؛ ورب للتقليل؟ فالجواب في هذا: أَن العرب خوطبت بما تعلمه في التهديد. والرجل يَتَهَدَّدُ الرجل، فيقول له: لَعَلَّكَ سَتَنْدَم على فِعْلِكَ، وهو لا يشك في أَنه يَنْدَمُ، ويقول: رُبَّـما نَدِمَ الإِنسانُ مِن مِثْلِ ما صَنَعْتَ، وهو يَعلم أَنَّ الإِنسان يَنْدَمُ كثيراً، ولكنْ مَجازُه أَنَّ هذا لو كان مِـمَّا
يُوَدُّ في حال واحدة من أَحوال العذاب، أَو كان الإِنسان يخاف أَن يَنْدَمَ على الشيءِ، لوجَبَ عليه اجْتِنابُه؛ والدليل على أَنه على معنى التهديد قوله: ذَرْهُم يأْكُلُوا ويَتَمَتَّعُوا؛ والفرق بين رُبَّـما ورُبَّ: أَن رُبَّ لا يليه غير الاسم، وأَما رُبَّـما فإِنه زيدت ما، مع رب، ليَلِـيَها الفِعْلُ؛ تقول: رُبَّ رَجُلٍ جاءَني، وربما جاءَني زيد، ورُبَّ يوم بَكَّرْتُ فيه، ورُبَّ خَمْرةٍ شَرِبْتُها؛ ويقال: ربما جاءَني فلان، وربما حَضَرني زيد، وأَكثرُ ما يليه الماضي، ولا يَلِـيه مِن الغابرِ إِلاَّ ما كان مُسْتَيْقَناً، كقوله تعالى: رُبَـما يَوَدُّ الذين كفروا، ووَعْدُ اللّهِ حَقٌّ، كأَنه قد كان فهو بمعنى ما مَضَى، وإِن كان لفظه مُسْتَقْبَلاً. وقد تَلي ربما الأَسماءَ وكذلك ربتما؛
وأَنشد ابن الأَعرابي:
ماوِيّ ! يا رُبَّتَما غارةٍ * شَعْواءَ، كاللَّذْعَةِ بالمِـيسَمِ
قال الكسائي: يلزم مَن خَفَّف، فأَلقى إِحدى الباءَين، أَن يقول رُبْ
رجل، فيُخْرِجَه مُخْرَجَ الأَدوات، كما تقول: لِـمَ صَنَعْتَ؟ ولِـمْ
صَنَعْتَ؟ وبِـأَيِّمَ جِئْتَ؟ وبِـأَيِّمْ جئت؟ وما أَشبه ذلك؛ وقال: أَظنهم
إِنما امتنعوا من جزم الباءِ لكثرة دخول التاءِ فيها في قولهم: رُبَّتَ رجل، ورُبَتَ رجل. يريد الكسائي: أَن تاءَ التأْنيث لا يكون ما قبلها إِلاَّ مفتوحاً، أَو في نية الفتح، فلما كانت تاءُ التأْنيث تدخلها كثيراً، امتنعوا من إِسكان ما قبل هاءِ التأْنيث، وآثروا النصب، يعني بالنصب: الفتح. قال اللحياني: وقال لي الكسائي: إِنْ سَمِعتَ بالجزم يوماً، فقد أَخبرتك. يريد: إِن سمعت أَحداً يقول: رُبْ رَجُلٍ، فلا تُنْكِرْه، فإِنه وجه القياس. قال اللحياني: ولم يقرأْ أَحد رَبَّـما، بالفتح، ولا رَبَما.
وقال أَبو الهيثم: العرب تزيد في رُبَّ هاءً، وتجعل الهاءَ اسماً مجهولاً لا يُعرف، ويَبْطُل معَها عملُ رُبَّ، فلا يخفض بها ما بعد الهاءِ، وإِذا فَرَقْتَ بين كَمِ التي تَعْمَلُ عَمَلَ رُبَّ بشيءٍ، بطل عَمَلُها؛ وأَنشد:
كائِنْ رَأَبْتُ وَهايا صَدْعِ أَعْظُمِه، * ورُبَّه عَطِـباً، أَنْقَذْتُ مِ العَطَبِ
نصب عَطِـباً مِن أَجْل الهاءِ المجهولة. وقولهم: رُبَّه رَجُلاً،
ورُبَّها امرأَةً، أَضْمَرت فيها العرب على غير تقدّمِ ذِكْر، ثم أَلزَمَتْه التفسير، ولم تَدَعْ أَنْ تُوَضِّح ما أَوْقَعت به الالتباسَ، ففَسَّروه بذكر النوع الذي هو قولهم رجلاً وامرأَة. وقال ابن جني مرة: أَدخلوا رُبَّ على المضمر، وهو على نهاية الاختصاص؛ وجاز دخولها على المعرفة في هذا الموضع، لـمُضارَعَتِها النَّكِرَة، بأَنها أُضْمِرَت على غير تقدّم ذكر، ومن أَجل ذلك احتاجت إِلى التفسير بالنكرة المنصوبة، نحو رجلاً وامرأَةً؛
ولو كان هذا المضمر كسائر المضمرات لَـمَا احتاجت إِلى تفسيره. وحكى الكوفيون: رُبَّه رجلاً قد رأَيت، ورُبَّهُما رجلين، ورُبَّهم رجالاً، ورُبَّهنَّ نساءً، فَمَن وَحَّد قال: إِنه كناية عن مجهول، ومَن لم يُوَحِّد قال: إِنه ردّ كلام، كأَنه قيل له: ما لكَ جَوَارٍ؟ قال: رُبَّهُنّ جَوارِيَ قد مَلَكْتُ. وقال ابن السراج: النحويون كالـمُجْمعِـينَ على أَن رُبَّ جواب. والعرب تسمي جمادى الأُولى رُبّاً ورُبَّـى، وذا القَعْدةِ رُبَّة؛ وقال كراع: رُبَّةُ ورُبَّـى جَميعاً: جُمادَى الآخِرة، وإِنما كانوا يسمونها بذلك في الجاهلية.
والرَّبْرَبُ: القَطِـيعُ من بقر الوحش، وقيل من الظِّباءِ، ولا واحد
له؛ قال:
بأَحْسَنَ مِنْ لَيْلى، ولا أُمَّ شادِنٍ، * غَضِـيضَةَ طَرْفٍ، رُعْتَها وَسْطَ رَبْرَبِ
وقال كراع: الرَّبْرَبُ جماعة البقر، ما كان دون العشرة.
رأس: رَأْسُ كلّ شيء: أَعلاه، والجمع في القلة أَرْؤُسٌ وآراسٌ على
القلب، ورُؤوس في الكثير، ولم يقلبوا هذه، ورؤْسٌ: الأَخيرة على الحذف؛ قال
امرؤ القيس:
فيوماً إِلى أَهلي، ويوماً إِليكمُ،
ويوماً أَحُطُّ الخَيْلَ من رُؤْسِ أَجْبالِ
وقال ابن جني: قال بعض عُقَبْل: القافية رأْس البيت؛ وقوله:
رؤسُ كَبِيرَيْهِنَّ يَنْتَطِحان
أَراد بالرؤس الرأْسين، فجعل كل جزء منها رأْساً ثم قال ينتطحان، فراجع
المعنى.
ورأْسَه يَرْأَسَه رَأْساً: أَصاب رَأْسَه. ورُئِسَ رَأْساً: شكا رأْسه.
ورَأَسْتُه، فهو مرؤوسٌ ورئيس إِذا أَصبت رأْسه؛ وقول لبيد:
كأَنَّ سَحِيلَه شَكْوَى رَئيسٍ،
يُحاذِرُ من سَرايا واغْتِيالِ
يقال: الرئيس ههنا الذي شُدَّ رأْسه. ورجل مرؤوس: أَصابه البِرْسامُ.
التهذيب: ورجل رئيسٌ ومَرْؤُوسٌ، وهو الذي رَأْسَه السِّرْسامُ فأَصاب
رأْسه. وقوله في الحديث: إِنه، صلى اللَّه عليه وسلم، كان يصيب من الرأْس وهو
صائم؛ قال: هذا كتابه عن القُبْلة.
وارْتَأَسَ الشيءَ: رَكب رأْسه؛ وقوله أَنشده ثعلب:
ويُعْطِي الفَتَى في العَقْلِ أَشْطارَ مالِه،
وفي الحَرْب يَرْتاسُ السِّنانَ فَيَقْتُل
أَراد: يرتئس، فحذف الهمزة تخفيفاً بدليّاً. الفراء: المُرائِسُ
والرَّؤوسُ من الإِبل الذي لم يَبْقَ له طِرْقٌ إِلا في رأْسه. وفي نوادر
الأَعراب: ارْتَأَسَني فلان واكْتَسَأَني أَي شَغَلَني، وأَصله أَخذ بالرَّقَبة
وخفضها إِلى الأَرض، ومثله ارْتَكَسَني واعْتَكَسني. وفحل أَرْأَسُ: وهو
الضَّخْمُ الرأْس. والرُّؤاسُ والرُّؤاسِيُّ والأَرْأَسُ: العظيم
الرأْس، والأُنثى رَأْساءُ؛ وشاة رأْساءُ: مُسْوَدَّة الرأْس. قال أَبو عبيد:
إِذا اسْوَدَّ رأْس الشاة، فهي رأْساء، فإِن ابيض رأْسها من بين جسدها،
فهي رَخْماء ومُخَمَّرَةٌ. الجوهري: نعجة رأْساء أَي سوداء الرأْس والوجه
وسائرها أَبيض. غيره: شاة أَرْأَسُ ولا تقل رؤاسِيٌّ؛ عن ابن السكيت. وشاة
رَئِيسٌ: مُصابة الرأْس، والجمع رَآسَى بوزن رَعاسَى مثل حَباجَى
ورَماثَى.
ورجل رَأْآسٌ بوزن رَعَّاسٍ: يبيع الرؤوس، والعامة تقول: رَوَّاسٌ.
والرَّائِسُ: رأْسُ الوادي. وكل مُشْرِفٍ رائِسٌ. ورَأَسَ السَّيْلُ
الغُثَاءَ: جَمَعَه؛ قال ذو الرمة:
خَناطيلُ، يَسْتَقرِبْنَ كلَّ قَرارَةٍ
ومَرْتٍ نَفَتْ عنها الغُثاءَ الرَّوائِسُ
وبعض العرب يقول: إِن السيل يَرْأَسُ الغثاء، وهو جمعه إِياه ثم يحتمله.
والرَّأْسُ: القوم إِذا كثروا وعَزُّوا؛ قال عمرو بن كلثوم:
بِرَأْسٍ من بني جُشَمِ بنِ بَكْرٍ،
نَدُقُّ به السُّهُولَةَ والخُزونا
قال الجوهري: وأَنا أَرى أَنه أَراد الرَّئيسَ لأَنه قال ندق به ولم يقل
ندق بهم. ويقال للقوم إِذا كثروا وعَزُّوا: هم رَأْسٌ. ورَأَسَ القومَ
يَرْأَسُهم، بالفتح، رَآسَةً وهو رئيسهم: رَأَسَ عليهم فَرَأَسَهم
وفَضَلهم، ورَأَسَ عليهم كأَمَر عليهم، وتَرَأَّسَ عليهم كَتَأَمَّرَ،
ورَأَّسُوه على أَنفسهم كأَمَّروه، ورَأَسْتُه أَنا عليهم تَرْئِيساً فَتَرَأَّسَ
هو وارْتَأَسَ عليهم. قال الأَزهري: ورَوَّسُوه على أَنفسهم، قال: وهكذا
رأَيته في كتاب الليث، وقال: والقياس رَأَّسوه لا رَوَّسُوه. ابن السكيت:
يقال قد تَرَأَّسْتُ على القوم وقد رَأَّسْتُك عليهم وهو رَئيسُهم وهم
الرُّؤَساء، والعامَّة تقول رُيَساء.
والرَّئِيس: سَيِّدُ القوم، والجمع رُؤَساء، وهو الرَّأْسُ أَيضاً،
ويقال رَيِّسٌ مثل قَيِّم بمعنى رَئيس؛ قال الشاعر:
تَلْقَ الأَمانَ على حِياضِ محمدٍ
تَوْلاءُ مُخْرِفَةٌ، وذِئْبٌ أَطْلَسُ
لا ذي تَخافُ ولا لِهذا جُرْأَة،
تُهْدى الرَّعِيَّةُ ما اسْتَقامَ الرَّيِّسُ
قال ابن بري: الشعر للكميت يمدح محمد بن سليمان الهاشمي. والثَّوْلاء:
النعجة التي بها ثَوَلٌ. والمُخْرِفَةُ: التي لها خروف يتبعها. وقوله لا
ذي: إِشارة إِلى الثولاء، ولا لهذا: إِشارة إِلى الذئب أَي ليس له جُرأَة
على أَكلها مع شدة جوعه؛ ضرب ذلك مثلاً لعدله وإِنصافه وإِخافته الظالم
ونصرته المظلوم حتى إِنه ليشرب الذئب والشاة من ماء واحد. وقوله تهدى
الرعية ما استقام الريس أَي إِذا استقام رئيسهم المدبر لأُمورهم صلحت
أَحوالهم باقتدائهم به. قال ابن الأَعرابي: رَأَسَ الرجلُ يَرْأَسُ رَآسَة إِذا
زاحم عليها وأَراجها، قال: وكان يقال إِن الرِّياسَة تنزل من السماء
فيُعَصَبُ بها رأْسُ من لا يطلبها؛ وفلان رأَسُ القوم ورَئيس القوم. وفي حديث
القيامة: أَلم أَذَرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَعُ؟ رَأَسَ القومَ: صار رئيسَهم
ومُقَدَّمَهم؛ ومنه الحديث: رَأْس الكفر من قِبَلِ المشرق، ويكون إِشارة
إِلى الدجال أَو غيره من رؤَساء الضلال الخارجين بالمشرق. ورَئيسُ
الكلاب ورائِسها: كبيرها الذي لا تَتَقَدَّمُه في القَنَص، تقول: رائس الكلاب
مثلُ راعِسٍ أَي هو في الكلاب بمنزلة الرئيس في القوم. وكلبة رائِسَة:
تأْخذ الصيد برأْسه. وكلبة رَؤوس: وهي التي تُساوِرُ رأْسَ الصيد. ورائس
النهر والوادي: أَعلاه مثل رائس الكلاب. ورَوائس الوادي: أَعاليه. وسحابة
مُرائس ورائِس: مُتَقَدِّمَة السحاب. التهذيب: سحابة رائِسَةٌ وهي التي
تَقَدَّمُ السحابَ، وهي الرَّوائِس. ويقال: أَعطني رَأْساً من ثُومٍ.
والضَّبُّ ربما رَأَسَ الأَفْعَى وربما ذَنَبها، وذلك أَن الأَفعى تأْتي
جُحْرَ الضب فتَحْرِشُه فيخرج أَحياناً برأْسه مُسْتَقْبِلها فيقال: خَرَجَ
مُرَئِّساً، وربما احْتَرَشَه الرجل فيجعل عُوداً في فم جَحْره فيَحْسَبُه
أَفْعَى فيخرج مُرَئِّساً أَو مُذَنِّباً. قال ابن سيده: خرج الضَّبُّ
مُرائِساً اسْتَبَقَ برأْسه من جحره وربما ذَنَّبَ. ووَلَدَتْ وَلَها على
رَأْسٍ واحدٍ، عن ابن الأَعرابي، أَي بعضُهم في إِثر بعض، وكذلك ولدت
ثلاثة أَولاد رأْساَ على رأْس أَي واحداً في إِثر آخر.
ورَأْسُ عَينٍ ورأْسُ العين، كلاهما: موضع؛ قال المُخَبَّلُ يهجو
الزِّبْرِقان حين زَوّجَ هَزَّالاً أُخته خُلَيْدَةَ:
وأَنكحتَ هَزَّالا خُلَيْدَةَ، بعدما
زَعَمْتَ برأْسِ العين أَنك قاتٍلُهْ
وأَنكَحْتَه رَهْواً كأَنَّ عِجانَها
مَشَقُّ إِهابٍ، أَوسَعَ الشَّقَّ ناجِلُهْ
وكان هَزَّال قتل ابن مَيَّة في جوار الزبرقان وارتحل إِلى رأْس العين،
فحلف الزبرقان ليقتلنه ثم إِنه بعد ذلك زوّجه أُخته، فقالت امرأَة
المقتول تهجو الزبرقان:
تَحَلَّلَ خِزْيَها عَوْفُ بن كعبٍ،
فليس لخُلْفِهامنه اعْتِذارُ
برأْسِ العينِ قاتِلُ من أَجَرْتُمْ
من الخابُورِ، مَرْتَعُه السَّرارُ
وأَنشد أَبو عبيدة في يوم رأْس العين لسُحَيْم بنْ وثَيْلٍ
الرِّياحِيِّ:وهم قََتَلوا عَمِيدَ بني فِراسٍ،
برأْسِ العينِ في الحُجُج الخَوالي
ويروى أَن المخبل خرج في بعض أَسفاره فنزل على بيت خليدة امرأَة هزال
فأَضافته وأَكرمته وزَوَّدَتْه، فلما عزم على الرحيل قال: أَخبريني باسمك.
فقالت: اسمي رَهْوٌ، فقال: بئس الاسم الذي سميت به فمن سماك به؟ قالت
له: أَنت، فقال: واأَسفاه واندماه ثم قال:
لقد ضَلَّ حِلْمِي في خُلَيْدَةَ ضَلَّةً،
سَأُعْتِبُ قَوْمي بعدها وأَتُوبُ
وأَشْهَدُ، والمُسْتَغْفَرُ اللَّهُ، أَنَّني
كَذَبْتُ عليها، والهِجاءُ كَذُوبُ
الجوهري: قَدِمَ فلان من رأْس عين وهوموضع، والعامَّة تقول من رأْس
العين. قال ابن بري: قال علي بن حمزة إِنما يقال جاء فلان من رأْس عين إِذا
كانت عيناً من العيون نكرة، فأَما رأْس عين هذه التي في الجزيرة فلا يقال
فيها إِلا رأْس العين.
ورائِسٌ: جبل في البحر؛ وقول أُمية بن أَبي عائذ الهُذَلّي:
وفي غَمْرَةِ الآلِ خِلْتُ الصُّوى
عُرُوكاً على رائِسٍ يَقْسِمونا
قيل: عنى هذا الجبل. ورائِسٌ ورَئيسُ منهم، وأَنت على رأْسِ أَمْرِكَ
ورئاسهِ أَي على شَرَفٍ منه؛ قال الجوهري: قولهم أَنت على رِئاسِ أَمرك أَي
أَوله، والعامة تقول على رأْسِ أَمرك. ورِئاسُ السيف: مَقْبِضُه وقيل
قائمه كأَنه أُخِذَ من الرأْسِ رِئاسٌ؛ قال ابن مقبل:
وليلةٍ قد جَعَلْتُ الصُّبْحَ مَوْعِدَها
بصُدْرَةِ العَنْسِ حتى تَعْرِفَ السَّدَفا
ثم اضْطَغَنْتُ سِلاحي عند مَغْرِضِها،
ومِرْفَقٍ كَرِئاسِ السيف إِذ سَشَفَا
وهذا البيت الثاني أَنشده الجوهري: إِذا اضطغنت سلاحي، قال ابن بري
والصواب: ثم اضطغنت سلاحي. والعنْسُ: الناقة القوية، وصُدْرَتُها: ما أَشرف
من أَعلى صدرها. والسِّدَفُ ههنا: الضوء. واضْطَغَنْتُ سلاحي: جعلته تحت
حِضْني. والحِضنُ: ما دون الإِبطِ إِلى الكَشْحِ، ويروى: ثم احْتَضَنْتُ.
والمَغْرِضُ للبعير كالمَحْزِم من الفرس، وهو جانب البطن من أَسفل
الأَضلاع التي هي موضع الغُرْضَة. والغُرْضَة للرحْل: بمنزلة الحزام للسرج.
وشَسَفَ أَي ضَمَرَ يعني المِرْفَق. وقال شمر: لم أَسمع رِئاساَ إِلا ههنا؛
قال ابن سيده: ووجدناه في المُصَنَّف كرياس السيف، غير مهموز، قال: فلا
أَدري هل هو تخفيف أَم الكلمة من الياء. وقولهم: رُمِيَ فلان منه في
الرأْس أَي أَعرض عنه ولم يرفع به رأْساً واستثقله؛ تقول: رُمِيتُ منك في
الرأْس على ما لم يسمَّ فاعله أَي ساء رأْيُك فيَّ حتى لا تقدر أَن تنظر
إِليَّ. وأَعِدْ عليّ كلامَك من رأْسٍ ومن الرأْسِ، وهي أَقل اللغتين وأَباها
بعضهم وقال: لا تقل من الرأْس، قال: والعامة تقوله.
وبيتُ رأْسٍ: اسم قرىة بالشام كانت تباع فيها الخمور؛ قال حسان:
كأَنَّ سَبِيئةً من بيتِ رأْسٍ،
يكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وماءُ
قال: نصب مزاجها على أَنه خبر كان فجعل الاسم نكرة والخبر معرفة، وإِنما
جاز ذلك من حيث كان اسْمَ جنس، ولو كان الخبر معرفة محضة لَقَبُحَ.
وبنو رؤاسٍ: قبيلة، وفي التهذيب: حَيٌّ من عامر ابن صعصعة، منهم أَبو
جعفر الرُّؤاسِي وأَبو دُؤادٍ الرُّؤاسِي اسمه يزيد بن معاوية بن عمرو بن
قيس بن عبيد بن رُؤاسِ بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكان أَبو عمر
الزاهد يقول في الرُّؤاسِي أَحد القراء والمحدّثين: إِنه الرَّواسِي،
بفتح الراء وبالواو من غير همز، منسوب إِلى رَوَاسٍ قبيلة من سُلَيْم وكان
ينكر أَن يقال الرُّؤاسِي، بالهمز، كما يقوله المحدّثون وغيرهم.
شيأ: الـمَشِيئةُ: الإِرادة. شِئْتُ الشيءَ أَشاؤُه شَيئاً ومَشِيئةً
ومَشاءة ومَشايةً(1)
(1 قوله «ومشاية» كذا في النسخ والمحكم وقال شارح
القاموس مشائية كعلانية.): أَرَدْتُه، والاسم الشِّيئةُ، عن اللحياني.
التهذيب: الـمَشِيئةُ: مصدر شاءَ يَشاءُ مَشِيئةً. وقالوا: كلُّ شيءٍ بِشِيئةِ اللّه، بكسر الشين، مثل شِيعةٍ أَي بمَشِيئتِه.
وفي الحديث: أَن يَهُوديّاً أَتى النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فقال:
إِنَّكم تَنْذِرُون وتُشْرِكُون؛ تقولون: ما شاءَ اللّهُ وشِئتُ. فأَمَرَهم
النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم أَن يقولوا: ما شاءَ اللّه ثم شِئْتُ.
الـمَشِيئةُ، مهموزة: الإِرادةُ. وقد شِئتُ الشيءَ أَشاؤُه، وإِنما فَرَق بين قوله ما شاءَ
<ص:104>
اللّهُ وشِئتُ، وما شاءَ اللّهُ ثم شِئتُ، لأَن الواو تفيد
الجمع دون الترتيب، وثم تَجْمَعُ وتُرَتِّبُ، فمع الواو يكون قد جمع بَيْنَ اللّهِ وبينه في الـمَشِيئةِ، ومَع ثُمَّ يكون قد قَدَّمَ مشِيئَة اللّهِ
على مَشِيئتِه.
والشَّيءُ: معلوم. قال سيبويه حين أَراد أَن يجعل الـمُذَكَّر أَصلاً
للمؤَنث: أَلا ترى أَن الشيءَ مذكَّر، وهو يَقَعُ على كل ما أُخْبِرُ عنه.
فأَما ما حكاه سيبويه أَيضاً من قول العَرَب: ما أَغْفَلَه عنك شَيْئاً،
فإِنه فسره بقوله أَي دَعِ الشَّكَّ عنْكَ، وهذا غير مُقْنِعٍ. قال ابن
جني: ولا يجوز أَن يكون شَيئاً ههنا منصوباً على المصدر حتى كأَنه قال: ما أَغْفَلَه عنك غُفُولاً، ونحو ذلك، لأَن فعل التعجب قد استغنى بما بما حصل فيه من معنى المبالغة عن أَن يؤَكَّد بالمَصْدر. قال: وأَما قولهم هو أَحْسَنُ منك شَيْئاً، فإِنَّ شيئاً هنا منصوب على تقدير بشَيءٍ، فلما حَذَف حرفَ الجرِّ أَوْصَلَ إِليه ما قبله، وذلك أَن معنى هو أَفْعَلُ منه في الـمُبالغَةِ كمعنى ما أَفْعَله، فكما لم يَجُزْ ما أَقْوَمَه قِياماً، كذلك لم يَجُز هو أَقْوَمُ منه قِياماً. والجمع: أَشياءُ، غير مصروف، وأَشْياواتٌ وأَشاواتٌ وأَشايا وأَشاوَى، من باب جَبَيْتُ الخَراجَ جِباوةً.
وقال اللحياني: وبعضهم يقول في جمعها: أَشْيايا وأَشاوِهَ؛ وحكَى أَن شيخاً أَنشده في مَجْلِس الكسائي عن بعض الأَعراب:
وَذلِك ما أُوصِيكِ، يا أُّمَّ مَعْمَرٍ، * وبَعْضُ الوَصايا، في أَشاوِهَ، تَنْفَعُ
قال: وزعم الشيخ أَن الأَعرابي قال: أُريد أَشايا، وهذا من أَشَذّ
الجَمْع، لأَنه لا هاءَ في أَشْياءَ فتكون في أَشاوِهَ. وأَشْياءُ: لَفْعاءُ
عند الخليل وسيبويه، وعند أَبي الحسن الأَخفش أَفْعِلاءُ. وفي التنزيل العزيز: يا أَيها الذين آمَنُوا لا تَسأَلوا عن أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لكم تَسُؤْكم.
قال أَبو منصور: لم يختلف النحويون في أَن أَشْياء جمع شيء، وأَنها غير مُجراة.
قال: واختلفوا في العِلة فكَرِهْتُ أَن أَحكِيَ مَقالة كل واحد
منهم، واقتصرتُ على ما قاله أَبو إِسحق الزجاج في كتابه لأَنه جَمَعَ أَقاوِيلَهم على اخْتِلافها، واحتج لأَصْوَبِها عنده، وعزاه إِلى الخليل، فقال قوله: لا تَسْأَلُوا عن أَشياءَ، أَشْياءُ في موضع الخفض، إِلاَّ أَنها فُتحت لأَنها لا تنصرف.
قال وقال الكسائي: أَشْبَهَ آخِرُها آخِرَ حَمْراءَ، وكَثُر استعمالها،
فلم تُصرَفْ. قال الزجاج: وقد أَجمع البصريون وأَكثر الكوفيين على أَنَّ قول الكسائي خطأٌ في هذا، وأَلزموه أَن لا يَصْرِف أَبناء وأَسماء. وقال الفرّاءُ والأَخفش: أَصل أَشياء أَفْعِلاء كما تقول هَيْنٌ وأَهْوِناء، إِلا أَنه كان الأَصل أَشْيِئاء، على وزن أَشْيِعاع، فاجتمعت همزتان بينهما أَلف فحُذِفت الهمزة الأُولى. قال أَبو إِسحق: وهذا القول أَيضاً غلط لأَن شَيْئاً فَعْلٌ، وفَعْلٌ لا يجمع أَفْعِلاء، فأَما هَيْنٌ فأَصله هَيِّنٌ، فجُمِعَ على أَفْعِلاء كما يجمع فَعِيلٌ على أَفْعِلاءَ، مثل نَصِيب وأَنْصِباء. قال وقال الخليل: أَشياء اسم للجمع كان أَصلُه فَعْلاءَ شَيْئاءَ، فاسْتُثْقل الهمزتان، فقلبوا الهمزة الاولى إِلى أَول الكلمة، فجُعِلَت لَفْعاءَ، كما قَلَبُوا أَنْوُقاً فقالوا أَيْنُقاً. وكما قلبوا قُوُوساً قِسِيّاً.
قال: وتصديق قول الخليل جمعُهم أَشْياءَ أَشاوَى وأَشايا، قال: وقول الخليل هو مذهب سيبويه والمازني وجميع البصريين، إلاَّ الزَّيَّادِي منهم، فإِنه كان يَمِيل إِلى قول الأَخفش. وذُكِر أَن المازني ناظَر الأَخفش في هذا، فقطَع المازِنيُّ الأَخفشَ، وذلك أَنه سأَله كيف تُصغِّر أَشياء، فقال له أَقول: أُشَيَّاء؛ فاعلم، ولو كانت أَفعلاء لردَّت في التصغير إِلى واحدها فقيل: شُيَيْئات. وأَجمع البصريون أَنَّ تصغير أَصْدِقاء، إِن كانت للمؤَنث:
صُدَيْقات، وإِن كان للمذكرِ: صُدَيْقُون. قال أَبو منصور: وأَما
الليث، فإِنه حكى عن الخليل غير ما حكى عنه الثقات، وخَلَّط فيما حكى وطوَّلَ تطويلاً دل عل حَيْرته، قال: فلذلك تركته، فلم أَحكه بعينه. وتصغير الشيءِ: شُيَيْءٌ وشِيَيْءٌ بكسر الشين وضمها. قال: ولا تقل شُوَيْءٌ.
قال الجوهري قال الخليل: إِنما ترك صرف أَشياءَ لأَن أَصله فَعْلاء جُمِعَ على غير واحده، كما أَنَّ الشُّعراءَ جُمعَ على غير واحده، لأَن الفاعل لا يجمع على فُعَلاء، ثم استثقلوا الهمزتين في آخره، فقلبوا الاولى أَوَّل الكلمة، فقالوا: أَشياء، كما قالوا: عُقابٌ بعَنْقاة، وأَيْنُقٌ وقِسِيٌّ، فصار تقديره لَفْعاء؛ يدل على صحة ذلك أَنه لا يصرف، وأَنه يصغر على أُشَيَّاء، وأَنه يجمع على أَشاوَى، وأَصله أَشائِيُّ قلبت الهمزة ياءً، فاجتمعت ثلاث ياءات، فحُذفت الوُسْطى وقُلِبت الأَخيرة أَلِفاً، وأُبْدِلت من الأُولى واواً، كما قالوا: أَتَيْتُه أَتْوَةً. وحكى الأَصمعي: أَنه سمع رجلاً من أَفصح العرب يقول لخلف الأَحمر: إِنَّ عندك لأَشاوى، مثل الصَّحارى، ويجمع أَيضاً على أَشايا وأَشْياوات.
وقال الأَخفش: هو أَفْعلاء، فلهذا لم يُصرف، لأَن أَصله أَشْيِئاءُ، حذفت الهمزة التي بين الياءِ والأَلِف للتخفيف. قال له المازني: كيف تُصغِّر العربُ أَشياءَ؟ فقال:
أُشَيَّاء. فقال له: تركت قولك لأَنَّ كل جمع كُسِّرَ على غير واحده، وهو من أَبنية الجمع، فإِنه يُردُّ في التصغير إِلى واحده، كما قالوا: شُوَيْعِرون في تصغير الشُّعَراءِ، وفيما لا يَعْقِلُ بالأَلِف والتاءِ، فكان يجب أَن يقولوا شُيَيْئَات. قال: وهذا القول لا يلزم الخليل، لأَنَّ فَعْلاء ليس من ابنية الجمع. وقال الكسائي: أَشياء أَفعالٌ مثل فَرْخٍ وأَفْراخٍ، وإِنما تركوا صرفها لكثرة استعمالهم لها لأَنها شُبِّهت بفَعْلاء. وقال الفرّاء: أَصل شيءٍ شَيِّئٌ، على مثال شَيِّعٍ، فجمع على أَفْعِلاء مثل هَيِّنٍ وأَهْيِناء ولَيِّنٍ وأَلْيِناء، ثم خفف، فقيل شيءٌ، كما قالوا هَيْنٌ ولَيْنٌ، وقالوا أَشياء فَحَذَفُوا الهمزة الأُولى وهذا القول يدخل عليه أَن لا يُجْمَع على أَشاوَى، هذا نص كلام الجوهري.
قال ابن بري عند حكاية الجوهري عن الخليل: ان أَشْياءَ فَعْلاء جُمِع على غير واحده، كما أَنَّ الشعراء جُمِعَ على غيره واحده؛ قال ابن بري:
حِكايَتُه عن الخليل أَنه قال: إِنها جَمْع على غير واحده كشاعِر وشُعراءٍ، وَهَمٌ منه، بل واحدها شيء. قال: وليست أَشياء عنده بجمع مكسَّر، وإِنما هي اسم واحد بمنزلة الطَّرْفاءِ والقَصْباءِ والحَلْفاءِ، ولكنه يجعلها بدلاً من جَمع مكسر بدلالة إِضافة العدد القليل إِليها كقولهم: ثلاثة أَشْياء، فأَما جمعها على غير واحدها، فذلك مذهب الأَخفش لأَنه يَرى أَنَّ أَشْياء وزنها أَفْعِلاء، وأَصلها أَشْيِئاء، فحُذِفت الهمزة تخفيفاً. قال: وكان أَبو علي يجيز قول أَبي الحسن على أَن يكون واحدها شيئاً ويكون أَفْعِلاء جمعاً لفَعْل في هذا كما جُمِعَ فَعْلٌ على فُعَلاء في نحو سَمْحٍ وسُمَحاء. قال: وهو وهَم من أَبي علي لأَن شَيْئاً اسم وسَمْحاً صفة بمعنى سَمِيحٍ لأَن اسم الفاعل من سَمُحَ قياسه سَمِيحٌ، وسَمِيح يجمع على سُمَحاء كظَرِيف وظُرَفاء، ومثله خَصْم وخُصَماء لأَنه في معنى خَصِيم. والخليل وسيبويه يقولان: أَصلها شَيْئاءُ، فقدمت الهمزة التي هي لام الكلمة إِلى أَوَّلها فصارت أَشْياء، فوزنها لَفْعاء.
قال: ويدل على صحة قولهما أَن العرب قالت في تصغيرها: أُشَيَّاء. قال:
ولو كانت جمعاً مكسراً، كما ذهب إِليه الأخفش: لقيل في تصغيرها: شُيَيْئات، كما يُفعل ذلك في الجُموع الـمُكَسَّرة كجِمالٍ وكِعابٍ وكِلابٍ،تقول في تصغيرها: جُمَيْلاتٌ وكُعَيْباتٌ وكُلَيْباتٌ، فتردها إِلى الواحد، ثم تجمعها بالالف والتاء. وقال ابن <ص:106>
بري عند قول الجوهري: إِن أَشْياء يجمع على أَشاوِي، وأَصله أَشائِيُّ فقلبت الهمزة أَلفاً، وأُبدلت من الاولى واواً، قال: قوله أَصله أَشائِيُّ سهو، وانما أَصله أَشايِيُّ بثلاث ياءات.
قال: ولا يصح همز الياء الاولى لكونها أَصلاً غير زائدة، كما تقول في جَمْع أَبْياتٍ أَبايِيت، فلا تهمز الياء التي بعد الأَلف، ثم خففت الياء المشدّدة، كما قالوا في صَحارِيّ صَحارٍ، فصار أَشايٍ، ثم أُبْدِلَ من الكسرة فتحةٌ ومن الياءِ أَلف، فصار أَشايا، كما قالوا في صَحارٍ صَحارَى، ثم أَبدلوا من الياء واواً، كما أَبدلوها في جَبَيْت الخَراج جِبايةً وجِباوةً.وعند سيبويه: أَنَّ أَشاوَى جمع لإِشاوةٍ، وإِن لم يُنْطَقْ بها.
وقال ابن بري عند قول الجوهري إِن المازني قال للأَخفش: كيف تصغِّر العرب أَشياء، فقال أُشَيَّاء، فقال له: تركت قولك لأَن كل جمع كسر على غير واحده، وهو من أَبنية الجمع، فإِنه يُردُّ بالتصغير إِلى واحده. قال ابن بري: هذه الحكاية مغيرة لأَنَّ المازني إِنما أَنكر على الأَخفش تصغير أَشياء، وهي جمع مكسر للكثرة، من غير أَن يُردَّ إِلى الواحد، ولم يقل له إِن كل جمع كسر على غير واحده، لأَنه ليس السببُ الـمُوجِبُ لردِّ الجمع إِلى واحده عند التصغير هو كونه كسر على غير واحده، وإِنما ذلك لكونه جَمْعَ كَثرة لا قلة. قال ابن بري عند قول الجوهري عن الفرّاء: إِن أَصل شيءٍ شَيِّئٌ، فجمع على أَفْعِلاء، مثل هَيِّنٍ وأَهْيِناء، قال: هذا سهو، وصوابه أَهْوناء، لأَنه من الهَوْنِ، وهو اللِّين.
الليث: الشَّيء: الماء، وأَنشد:
تَرَى رَكْبَه بالشيءِ في وَسْطِ قَفْرةٍ
قال أَبو منصور: لا أَعرف الشيء بمعنى الماء ولا أَدري ما هو ولا أَعرف البيت. وقال أَبو حاتم: قال الأَصمعي: إِذا قال لك الرجل: ما أَردت؟ قلتَ:
لا شيئاً؛ وإِذا قال لك: لِمَ فَعَلْتَ ذلك؟ قلت: للاشَيْءٍ؛ وإِن قال:
ما أَمْرُكَ؟ قلت: لا شَيْءٌ، تُنَوِّن فيهن كُلِّهن.
والـمُشَيَّأُ: الـمُخْتَلِفُ الخَلْقِ الـمُخَبَّله(1)
(1 قوله «المخبله» هو هكذا في نسخ المحكم بالباء الموحدة.) القَبِيحُ. قال:
فَطَيِّئٌ ما طَيِّئٌ ما طَيِّئُ؟ * شَيَّأَهُم، إِذْ خَلَقَ، الـمُشَيِّئُ
وقد شَيَّأَ اللّه خَلْقَه أَي قَبَّحه. وقالت امرأَة من العرب:
إِنّي لأَهْوَى الأَطْوَلِينَ الغُلْبا، * وأُبْغِضُ الـمُشَيَّئِينَ الزُّغْبا
وقال أَبو سعيد: الـمُشَيَّأُ مِثل الـمُؤَبَّن. وقال الجَعْدِيُّ:
زَفِير الـمُتِمِّ بالـمُشَيَّإِ طَرَّقَتْ * بِكاهِلِه، فَما يَرِيمُ الـمَلاقِيَا
وشَيَّأْتُ الرَّجلَ على الأَمْرِ: حَمَلْتُه عليه. ويا شَيْء: كلمة يُتَعَجَّب بها. قال:
يا شَيْءَ ما لي! مَنْ يُعَمَّرْ يُفْنِهِ * مَرُّ الزَّمانِ عَلَيْهِ، والتَّقْلِيبُ
قال: ومعناها التأَسُّف على الشيء يُفُوت. وقال اللحياني: معناه يا عَجَبي، وما: في موضع رفع. الأَحمر: يا فَيْءَ ما لِي، ويا شَيْءَ ما لِي، ويا هَيْءَ ما لِي معناه كُلِّه الأَسَفُ والتَّلَهُّفُ والحزن. الكسائي: يا فَيَّ ما لي ويا هَيَّ ما لي، لا يُهْمَزان، ويا شيء ما لي، يهمز ولا يهمز؛ وما، في كلها في موضع رفع تأْويِلُه يا عَجَبا ما لي، ومعناه التَّلَهُّف والأَسَى. قال الكسائي: مِن العرب من
يتعجب بشيَّ وهَيَّ وَفيَّ، ومنهم من يزيد ما، فيقول: يا شيَّ ما، ويا هيّ ما، ويا فيَّ ما أَي ما أَحْسَنَ هذا. وأَشاءَه لغة في أَجاءه أَي أَلْجَأَه. وتميم تقول: شَرٌّ ما يُشِيئُكَ إِلى مُخَّةِ عُرْقُوبٍ أَي يُجِيئُك. قال زهير ابن ذؤيب العدوي:
فَيَالَ تَمِيمٍ! صابِرُوا، قد أُشِئْتُمُ * إِليه، وكُونُوا كالـمُحَرِّبة البُسْل
ورث: الوارث: صفة من صفات الله عز وجل، وهو الباقي الدائم الذي يَرِثُ
الخلائقَ، ويبقى بعد فنائهم، والله عز وجل، يرث الأَرض ومَن عليها،وهو خير
الوارثين أَي يبقى بعد فناء الكل، ويَفْنى مَن سواه فيرجع ما كان مِلْكَ
العِباد إِليه وحده لا شريك له. وقوله تعالى: أُولئك هم الوارثون الذين
يرثون الفردوس؛ قال ثعلب: يقال إِنه ليس في الأَرضِ إِنسانٌ إِلاّ وله
منزل في الجنة، فإِذا لم يدخله هو وَرِثَهُ غيره؛ قال: وهذا قول ضعيف.
وَرِثَهُ مالَهُ ومَجْدَهُ، وَوَرِثَه عنه وِرْثاً وَرِثَةً وَوِراثَةً
وإِراثَةً. أَبو زيد: وَرِثَ فلانٌ أَباه يَرِثُهُ وِراثَةً ومِيراثاً
ومَيراثاً. وأَوْرَثَ الرجلُ وَلَدَهُ مالاً إِيراثاً حَسَناً. ويقال:
وَرِثْتُ فلاناً مالاً أَرِثُه وِرْثاً وَوَرْثاً إُذا ماتَ مُوَرِّثُكَ،
فصار ميراثه لك. وقال الله تعالى إِخباراً عن زكريا ودعائه إِيّاه: هب لي من
لدنك وَلِيًّا يَرِثُني ويَرِثُ من آل يعقوب؛ أَي يبقى بعدي فيصير له
ميراثي؛ قال ابن سيده: إِنما أَراد يرثني ويرث من آل يعقوب النبوة، ولا
يجوز أَن يكون خاف أَن يَرِثَهُ أَقرِباؤُه المالَ، لقول النبي، صلى الله
عليه وسلم، إِنَّا معاشرَ الأَنبياءِ لا نُورثُ ما تركنا، فهو صدقة؛ وقوله
عز جل: وورث سليمان داود؛ قال الزجاج: جاء في التفسير أَنه ورَّثهُ
نُبوَّتَه ومُلْكَه. وروي أَنه كان لداود، عليه السلام، تسعة عشر ولداً،
فَوَرِثَه سليمانُ، عليه السلام، من بينهم، النبوةَ والمُلكَ. وتقول: وَرِثْتُ
أَبي وَوَرِثْتُ الشيءَ من أَبي أَرِثُه، بالكسر فيهما، وِرْثاً
وَوِراثَةً وإِرْثاً، الأَلفُ منقلبةٌ من الواو، ورِثَةً، الهاءُ عِوَضٌ من
الواو، وإِنما سقطت الواو من المستقبل لوقوعها بين ياء وكسرة، وهما متجانسان
والواو مضادَّتهما، فحذفت لاكتنافهما إِياها، ثم جعل حكمها مع الأَلف
والتاء والنون كذلك، لأَنهن مبدلات منها، والياء هي الأَصل، يدلك على ذلك
أَن فَعِلْتُ وفَعِلْنا وفَعِلْتَِ مبنيات على فَعِلَ، ولم تسقط الواو مِن
يَوْجَلُ لوقوعها بين ياء وفتحة، ولم تسقط الياء من يَيْعَرُ ويَيْسَرُ،
لتقَوِّي إِحدى الياءين بالأُخرى؛ وأَما سقوطها مِن يَطَأُ ويَسَعُ
فَلِعِلَّةٍ أُخرى مذكورة في باب الهمز، قال: وذلك لا يوجب فساد ما قلناه،
لأَنه لا يجوز تماثل الحكمين مع اختلاف العلتين.
وتقول: أَوْرَثَه الشيءَ أَبُوهُ، وهم وَرَثَةُ فلان، وَوَرَّثَهُ
توريثاً أَي أَدخله في ماله على وَرَثَتِهِ، وتوارثوه كابراً عن كابر. وفي
الحديث: أَنه أَمرَ أَنْ تُوَرَّثَ، دُورَ المهاجرين، النساءُ. تَخْصِيصُ
النساءِ بتوريث الدور؛ قال ابن الأَثير: يشبه أَن يكون على معنى القسمة بين
الورثةِ، وخصصهن بها لأَنهنَّ بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن، فاختار لهن
المنازل للسُّكْنَى؛ قال: ويجوز أَن تكون الدور في أَيديهن على سبيل
الرفق بهنّ، لا للتمليك كما كانت حُجَرُ النبي، صلى الله عليه وسلم، في أَيدي
نسائه بعده.
ابن الأَعرابي: الوِرْثُ والوَرْثُ والإِرْثُ والوِرَاثُ والإِرَاثُ
والتُّراثُ واحد.
الجوهري: المِيراثُ أَصله مِوْراثٌ، انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها،
والتُّراثُ أَصل التاء فيه واو. ابن سيده: والوِرْثُ والإِرْثُ
والتُّرَاثُ والمِيراثُ: ما وُرِثَ؛ وقيل: الوِرْث والميراثُ في المال، والإِرْثُ
في الحسَب.
وقال بعضهم: وَرِثْتُهُ ميراثاً؛ قال ابن سيده: وهذا خطأٌ لأَنَّ
مِفْعَالاً ليس من أَبنية المصادر، ولذلك ردَّ أَبو علي قول من عزا إِلى ابن
عباس ان المِحالَ من قوله عز وجل: وهو شديد المحال، مِن الحَوْلِ قال:
لأَنه لو كان كذلك لكان مِفْعَلاً، ومِفْعَلٌ ليس من أَبنية المصادر، فافهم.
وقوله عز وجل: ولله ميراثُ السموات والأَرض أَي الله يُفْني أَهلهما
فتبقيان بما فيهما، وليس لأَحد فيهما مِلْكٌ، فخوطب القوم بما يعقلون لأَنهم
يجعلون ما رجع إِلى الإِنسان ميراثاً له إِذ كان ملكاً له وقد
أَوْرَثَنِيه. وفي التنزيل العزيز: وأَوْرَثَنَا الأَرضَ أَي أَوْرَثَنَا أَرضَ
الجنة، نتبوّأُ منها من المنازل حيث نشاء.
وَوَرَّثَ في ماله: أَدخل فيه مَن ليس من أَهل الوراثة. الأَزهري:
وَرَّثَ بني فلان ما له توريثاً، وذلك إِذا أَدخل على ولده وورثته في ماله مَن
ليس منهم، فجعل له نصيباً.
وأَورَثَ وَلَدَه: لم يُدْخِلْ أَحداً معه في ميراثه، هذه عن أَبي زيد.
وتَوارثْناهُ: وَرِثَه بعضُنا عن بعض قِدْماً. ويقال: وَرَّثْتُ فلاناً
من فلان أَي جعلت ميراثه له. وأَوْرَثَ الميتُ وارِثَهُ مالَه أَي تركه
له.
وفي الحديث في دعاءِ النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: اللهم
أَمْتِعْني بسمعي وبَصَري، واجعلهما الوارثَ مني؛ قال ابن شميل: أَي أَبْقِهما
معي صحيحين سليمين حتى أَموت؛ وقيل: أَراد بقاءَهما وقوَّتهما عند الكبر
وانحلال القُوى النفسانية، فيكون السمع والبصر وارِثَيْ سائر القُوى
والباقِيَيْنِ بعدها؛ وقال غيره: أَراد بالسمع وَعْيَ ما يَسْمَعُ والعملَ
به، وبالبصر الاعتبارَ بما يَرى ونُور القلب الذي يخرج به من الحَيْرَة
والظلمة إِلى الهدى؛ وفي رواية: واجعله الوارث مني؛ فَرَدَّ الهاءَ إِلى
الإِمْتاع،ة فلذلك وَحَّدَهُ. وفي حديث الدعاءِ أَيضاً: وإِليكَ مآبي ولك
تُراثي؛ التُّراثُ: ما يخلفه الرجل لورثته، والتاءُ فيه بدل من الواو.
وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنيه قال: بعث
(* «أنه قال: بعث»
كذا بالأصل المعول عليه بأَيدينا.) ابن مِرْبَعٍ الأَنصاري إِلى أَهل
عرفة، فقال: اثْبُتيوا على مَشاعِركم هذه، فإِنكم على إِرْثٍ من إِرث
إِبراهيم. قال أَبو عبيد: الإِرْث أَصله من الميراث، إِنما هو وِرْثٌ فقلبت
الواو أَلفاً مكسورة لكسرة الواو، كما قالوا للوِسادة إِسادة، وللوِكافِ
إِكاف، فكأَنَّ معنى الحديث: أَنكم على بقية من وِرْثِ إِبراهيم الذي ترك
الناس عليه بعد موته، وهو الإِرْثُ؛ وأَنشد:
فإِنْ تَكُ ذا عِزٍّ حَدِيثٍ، فإِنَّهُمْ
لَهُمْ إِرْثُ مَجْدٍ، لم تَخُنْه زَوافِرُه
وقول بدر بن عامر الهذلي:
ولَقَدْ تَوارَثُني الحوادثُ واحداً،
ضَرَعاً صَغيراً، ثم لا تَعْلُوني
أَراد أَن الحوادث تتداوله، كأَنها ترثه هذه عن هذه. وأَوْرَثَه الشيءَ:
أَعقبه إِياه. وأَورثه المرض ضعفاً والحزنُ هَمّاً، كذلك. وأَوْرَث
المَطَرُ النباتَ نَعْمَةً،وكُلُّه على الاستعارة والتشبيه بِوِراثَةِ المال
والمجد.
ووَرَّثَ النارَ: لغة في أَرَّثَ، وهي الوِرْثَةُ.
وبنو وِرْثَةَ: ينسبون إِلى أُمهم.
ووَرْثانُ: موضع؛ قال الراعي:
فغدا من الأَرض التي لم يَرْضَها،
واختار وَرْثاناً عليها مَنْزِلا
ويروى: أَرْثاناً على البدل المطرد في هذا الباب.
وحد: الواحدُ: أَول عدد الحساب وقد ثُنِّيَ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
فلما التَقَيْنا واحِدَيْنِ عَلَوْتُه
بِذي الكَفِّ، إِني للكُماةِ ضَرُوبُ
وجمع بالواو والنون؛ قال الكميت:
فَقَدْ رَجَعُوا كَحَيٍّ واحدِدِينا
التهذيب: تقول: واحد واثنان وثلاثة إِلى عشرة فإِن زاد قلت أَحد عشر
يجري أَحد في العدد مجرى واحد، وإِن شئت قلت في الابتداء واحد اثنان ثلاثة
ولا يقال في أَحد عشر غير أَحد، وللتأْنيث واحدة، وإِحدى في ابتداء العدد
تجري مجرى واحد في قولك أَحد وعشرون كما يقال واحد وعشرون، فأَما إِحدى
عشرة فلا يقال غيرها، فإِذا حملوا الأَحد على الفاعل أُجري مجرى الثاني
والثالث، وقالوا: هو حادي عِشْريهم وهو ثاني عشريهم، والليلة الحاديةَ
عشْرَةَ واليوم الحادي عشَر؛ قال: وهذا مقلوب كما قالوا جذب وجبذ، قال ابن
سيده: وحادي عشر مقلوبٌ موضِع الفاء إِلى اللام لا يستعمل إِلا كذلك، وهو
فاعِل نقل إِلى عالف فانقلبت الواو التي هي الأَصل ياءً لانكسار ما قبلها.
وحكى يعقوب: معي عشرة فأَحِّدْهُنَّ لِيَهْ أَي صَيِّرْهُنَّ لي أَحد
عشر. قال أَبو منصور: جعل قوله فأَحِّدْهُنَّ ليه، من الحادي لا من أَحد،
قال ابن سيده: وظاهر ذلك يؤنس بأَن الحادي فاعل، قال: والوجه إِن كان هذا
المروي صحيحاً أَن يكون الفعل مقلوباً من وحَدْت إِلى حَدَوْت، وذلك
أَنهم لما رأَوا الحادي في ظاهر الأَمر على صورة فاعل، صار كأَنه جارٍ على
حدوث جَرَيانَ غازٍ على غزوت؛ وإِحدى صيغة مضروبة للتأْنيث على غير بناء
الواحد كبنت من ابن وأُخت من أَخ. التهذيب: والوُحْدانُ جمع الواحِدِ ويقال
الأُحْدانُ في موضع الوُحْدانِ. وفي حديث العيد: فصلينا وُحداناً أَي
منفردين جمع واحد كراكب ورُكْبان. وفي حديث حذيفة: أَوْ لَتُصَلُّنّ
وُحْداناً. وتقول: هو أَحدهم وهي إِحداهنّ، فإِن كانت امرأَة مع رجال لم يستقم
أَن تقول هي إِحداهم ولا أَحدهم ولا إِحداهنّ إِلاّ أَن تقول هي كأَحدهم
أَو هي واحدة منهم. وتقول: الجُلوس والقُعود واحد، وأَصحابي وأَصحابك
واحد. قال: والمُوَحِّدُ كالمُثَنِّي والمُثَلِّث. قال ابن السكيت: تقول هذا
الحاديَ عَشَرَ وهذا الثانيَ عَشَرَ وهذا الثالثَ عَشَرَ مفتوح كله إِلى
العشرين؛ وفي المؤَنث: هذه الحاديةَ عَشْرة والثانيةَ عشرة إِلى العشرين
تدخل الهاء فيها جميعاً. قال الأَزهري: وما ذكرت في هذا الباب من
الأَلفاظ النادرة في الأَحد والواحد والإِحدى والحادي فإِنه يجري على ما جاء عن
العرب ولا يعدّى ما حكي عنهم لقياس متوهّم اطراده، فإِن في كلام العرب
النوادر التي لا تنقاس وإِنما يحفظها أَهل المعرفة المعتنون بها ولا
يقيسون عليها؛ قال: وما ذكرته فإِنه كله مسموع صحيح. ورجل واحد: مُتَقَدِّم في
بَأْس أَو علم أَو غير ذلك كأَنه لا مثل له فهو وحده لذلك؛ قال أَبو
خراش:
أَقْبَلْتُ لا يَشْتَدُّ شَدِّيَ واحِدٌ،
عِلْجٌ أَقَبُّ مُسَيَّرُ الأَقْرابِ
والجمع أُحْدانٌ ووُحْدانٌ مثل شابٍّ وشُبّانٍ وراع ورُعْيان. الأَزهري:
يقال في جمع الواحد أُحْدانٌ والأَصل وُحْدان فقلبت الواو همزة
لانضمامها؛ قال الهذلي:
يَحْمِي الصَّريمةَ، أُحْدانُ الرجالِ له
صَيْدٌ، ومُجْتَرِئٌ بالليلِ هَمّاسُ
قال ابن سيده: فأَما قوله:
طارُوا إِليه زَرافاتٍ وأُحْدانا
فقد يجوز أَن يُعْنى أَفراداً، وهو أَجود لقوله زرافات، وقد يجوز أَن
يعنى به الشجعان الذين لا نظير لهم في البأْس؛ وأَما قوله:
لِيَهْنِئ تُراثي لامْرئٍ غيرِ ذِلّةٍ،
صَنابِرُ أُحْدانٌ لَهُنَّ حَفِيفُ
سَريعاتُ مَوتٍ رَيِّثاتُ إِفاقةٍ،
إِذا ما حُمِلْنَ، حَمْلُهُنَّ خَفِيفُ
فإِنه عنى بالأُحْدانِ السهام الأَفْراد التي لا نظائر لها، وأَراد
لامْرئٍ غير ذي ذِلّةٍ أَو غير ذليل. والصَّنابِرُ: السِّهامُ الرِّقاقُ.
والحَفِيف: الصوتُ. والرَّيِّثاتُ: البِطاءُ. وقوله: سَرِيعاتُ موت
رَيِّثاتُ إِفاقة، يقول: يُمِتْنَ مَن رُميَ بهن لا يُفيق منهن سريعاً، وحملهن
خفيف على من يَحْمِلُهُنَّ.
وحكى اللحياني: عددت الدراهم أَفْراداً ووِحاداً؛ قال: وقال بعضهم:
أَعددت الدراهم أَفراداً ووِحاداً، ثم قال: لا أَدري أَعْدَدْتُ أَمن العَدَد
أَم من العُدّة. والوَحَدُ والأَحَدُ: كالواحد همزته أَيضاً بدل من واو،
والأَحَدُ أَصله الواو. وروى الأَزهري عن أَبي العباس أَنه سئل عن
الآحاد: أَهي جمع الأَحَدِ؟ فقال: معاذ الله ليس للأَحد جمع، ولكن إِن جُعلت
جمعَ الواحد، فهو محتمل مثل شاهِد وأَشْهاد. قال: وليس للواحد تثنية ولا
لللاثنين واحد من جنسه. وقال أَبو إِسحق النحوي: الأَحَد أَن الأَحد شيء
بني لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد اسم لمفتتح العدد، وأَحد يصلح في
الكلام في موضع الجحود وواحد في موضع الإِثبات. يقال: ما أَتاني منهم
أَحد، فمعناه لا واحد أَتاني ولا اثنان؛ وإِذا قلت جاءني منهم واحد فمعناه
أَنه لم يأْتني منهم اثنان، فهذا حدُّ الأَحَد ما لم يضف، فإِذا أُضيف
قرب من معنى الواحد، وذلك أَنك تقول: قال أَحد الثلاثة كذا وكذا وأَنت تريد
واحداً من الثلاثة؛ والواحدُ بني على انقطاع النظير وعَوَزِ المثل،
والوحِيدُ بني على الوَحْدة والانفراد عن الأَصحاب من طريق بَيْنُونته عنهم.
وقولهم: لست في هذا الأَمر بأَوْحَد أَي لست بعادم فيه مثلاً أَو
عِدْلاً. الأَصمعي: تقول العرب: ما جاءَني من أَحد ولا تقول قد جاءَني من أَحد،
ولا يقال إِذا قيل لك ما يقول ذلك أَحد: بَلى يقول ذلك أَحد. قال: ويقال:
ما في الدّار عَريبٌ، ولا يقال: بلى فيها عريب. الفراء قال: أَحد يكون
للجمع والواحد في النفي؛ ومنه قول الله عز وجل: فما منكم من أَحد عنه
حاجزين؛ جُعِل أَحد في موضع جمع؛ وكذلك قوله: لا نفرّق بين أَحد من رسله؛
فهذا جمع لأَن بين لا تقع إِلا على اثنين فما زاد.
قال: والعرب تقول: أَنتم حَيّ واحد وحي واحِدون، قال: ومعنى واحدين
واحد. الجوهري: العرب تقول: أَنتم حيّ واحد وحيّ واحدون كما يقال شِرْذِمةٌ
قليلون؛ وأَنشد للكميت:
فَضَمَّ قَواصِيَ الأَحْياءِ منهم،
فَقَدْ رَجَعوا كَحَيٍّ واحِدينا
ويقال: وحَّدَه وأَحَّدَه كما يقال ثَنَّاه وثَلَّثه. ابن سيده: ورجل
أَحَدٌ ووَحَدٌ ووَحِدٌ ووَحْدٌ ووَحِيدٌ ومُتَوَحِّد أَي مُنْفَرِدٌ،
والأُنثى وَحِدةٌ؛ حكاه أَبو علي في التذكرة، وأَنشد:
كالبَيْدانةِ الوَحِدهْ
الأَزهري: وكذلك فَريدٌ وفَرَدٌ وفَرِدٌ. ورجل وحِيدٌ: لا أَحَدَ معه
يُؤنِسُه؛ وقد وَحِدَ يَوْحَدُ وَحادةً ووَحْدةً وَوَحْداً. وتقول: بقيت
وَحيداً فَريداً حَريداً بمعنى واحد. ولا يقال: بقيت أَوْحَدَ وأَنت تريد
فَرْداً، وكلام العرب يجيء على ما بني عليه وأُخذ عنهم، ولا يُعَدّى به
موضعُه ولا يجوز أَن يتكلم فيه غير أَهل المعرفة الراسخين فيه الذين أَخذوه
عن العرب أَو عمن أَخذ عنهم من ذوي التمييز والثقة. وواحدٌ ووَحَد
وأَحَد بمعنى؛ وقال:
فلَمَّا التَقَيْنا واحدَيْن عَلَوْتُهُ
اللحياني: يقال وَحِدَ فلان يَوْحَدُ أَي بقي وحده؛ ويقال: وَحِدَ
وَوَحُدَ وفَرِدَ وفَرُدَ وفَقِهَ وفَقُهَ وسَفِهَ وسَفُهَ وسَقِمَ وسَقُمَ
وفَرِعَ وفَرُعَ وحَرِضَ وحَرُضَ. ابن سيده: وحِدَ ووحُدَ وحادةً وحِدةً
ووَحْداً وتَوَحَّدَ: بقي وحده يَطَّرد إِلى العشرة؛ عن الشيباني.
وفي حديث ابن الحنظلية: وكان رجلا مُتوحّداً أَي مُنْفرداً لا يُخالِط
الناس ولا يُجالِسهم. وأَوحد الله جانبه أَي بُقِّي وَحْدَه. وأَوْحَدَه
للأَعْداء: تركه. وحكى سيبويه: الوَحْدة في معنى التوَحُّد. وتَوَحَّدَ
برأْيه: تفرّد به، ودخل القوم مَوْحَدَ مَوْحَدَ وأُحادَ أُحادَ أَي فُرادى
واحداً واحداً، معدول عن ذلك. قال سيبويه: فتحوا مَوْحَد إِذ كان اسماً
موضوعاً ليس بمصدر ولا مكان. ويقال: جاؤوا مَثْنَى مَثنى ومَوْحَدَ
مَوْحد، وكذلك جاؤوا ثُلاثَ وثُناءَ وأُحادَ. الجوهري: وقولهم أُحادَ وَوُحادَ
ومَوْحَد غير مصروفات للتعليل المذكور في ثُلاثَ. ابن سيده: مررت به
وحْدَه، مصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يُغَيّر عن المصدر، وهو بمنزلة قولك
إِفْراداً وإِن لم يتكلم به، وأَصله أَوْحَدْتُه بِمُروري إِيحاداً ثم حُذِفت
زياداته فجاءَ على الفعل؛ ومثله قولهم: عَمْرَكَ اللَّهَ إِلاَّ فعلت
أَي عَمَّرتُك الله تعميراً. وقالوا: هو نسيجُ وحْدِه وعُيَبْرُ وحْدِه
وجْحَيْشُ وحْدِه فأَضافوا إِليه في هذه الثلاثة، وهو شاذّ؛ وأَما ابن
الأَعرابي فجعل وحْدَه اسماً ومكنه فقال جلس وحْدَه وعلا وحْدَه وجلَسا على
وحْدَيْهِما وعلى وحْدِهما وجلسوا على وَحْدِهم، وقال الليث: الوَحْد في كل
شيء منصوب جرى مجرى المصدر خارجاً من الوصف ليس بنعت فيتبع الاسم، ولا
بخبر فيقصد إِليه، فكان النصب أَولى به إِلا أَن العرب أَضافت إِليه
فقالت: هو نَسيجُ وحْدِه، وهما نَسِيجا وحْدِهما، وهم نُسَجاءُ وحدِهم، وهي
نَسِيجةُ وحدِها، وهنَّ نسائج وحْدِهنَّ؛ وهو الرجل المصيب الرأْي. قال:
وكذلك قَريعُ وحْدِه، وكذلك صَرْفُه، وهو الذي لا يقارعه في الفضل أَحد.
قال أَبو بكر: وحده منصوب في جميع كلام العرب إِلا في ثلاثة مواضع، تقول:
لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، ومررت بزيد وحده؛ وبالقوم وحدي. قال:
وفي نصب وحده ثلاثة أَقوال: قال جماعة من البصريين هو منصوب على الحال،
وقال يونس: وحده هو بمنزلة عنده، وقال هشام: وحده منصوب على المصدر، وحكى
وَحَدَ يَحِدُ صَدَر وَحْدَه على هذا الفعل. وقال هشام والفراء: نَسِيجُ
وحدِه وعُيَيْرُ وحدِه وواحدُ أُمّه نكرات، الدليل على هذا أَن العرب
تقول: رُبَّ نَسِيجِ وحدِه قد رأَيت، وربّ واحد أُمّه قد أَسَرْتُ؛ وقال
حاتم:
أَماوِيّ إِني رُبَّ واحِدِ أُمِّه
أَخَذْتُ، فلا قَتْلٌ عليه، ولا أَسْرُ
وقال أَبو عبيد في قول عائشة، رضي الله عنها، ووصْفِها عمر، رحمه الله:
كان واللهِ أَحْوذِيّاً نَسِيجَ وحدِه؛ تعني أَنه ليس له شبيه في رأْيه
وجميع أُموره؛ وقال:
جاءَتْ به مُعْتَجِراً بِبُرْدِه،
سَفْواءُ تَرْدي بِنَسيجِ وحدِه
قال: والعرب تنصب وحده في الكلام كله لا ترفعه ولا تخفضه إِلا في ثلاثة
أَحرف: نسيج وحده، وعُيَيْر وحده، وجُحَيْش وحده؛ قال: وقال البصريون
إِنما نصبوا وحده على مذهب المصدر أَي تَوَحَّد وحدَه؛ قال: وقال أَصحابنا
إِنما النصْبُ على مذهب الصفة؛ قال أَبو عبيد: وقد يدخل الأَمران فيه
جميعاً؛ وقال شمر: أَما نسيج وحده فمدح وأَما جحيش وحده وعيير وحده فموضوعان
موضع الذمّ، وهما اللذان لا يُشاوِرانِ أَحداً ولا يُخالِطانِ، وفيهما مع
ذلك مَهانةٌ وضَعْفٌ؛ وقال غيره: معنى قوله نسيج وحده أَنه لا ثاني له
وأَصله الثوب الذي لا يُسْدى على سَداه لِرِقّة غيره من الثياب. ابن
الأَعرابي: يقال نسيجُ وحده وعيير وحده ورجلُ وحده. ابن السكيت: تقول هذا رجل
لا واحد له كما تقول هو نسيج وحده. وفي حديث عمر: من يَدُلُّني على نسيج
وحده؟ الجوهري: الوَحْدةُ الانفراد. يقال: رأَيته وحده وجلس وحده أَي
منفرداً، وهو منصوب عند أَهل الكوفة على الظرف، وعند أَهل البصرة على المصدر
في كل حال، كأَنك قلت أَوحدته برؤْيتي إِيحاداً أَي لم أَرَ غيره ثم
وضَعْت وحده هذا الموضع. قال أَبو العباس: ويحتمل وجهاً آخر، وهو أَن يكون
الرجل بنفسه منفرداً كأَنك قلت رأَيت رجلاً منفرداً انفراداً ثم وضعت وحده
موضعه، قال: ولا يضاف إِلا في ثلاثة مواضع: هو نسيج وحده، وهو مدح،
وعيير وحده وجحيش وحده، وهما ذم، كأَنك قلت نسيج إِفراد فلما وضعت وحده موضع
مصدر مجرور جررته، وربما قالوا: رجيل وحده. قال ابن بري عند قول الجوهري
رأَيته وحده منصوب على الظرف عند أَهل الكوفة وعند أَهل البصرة على
المصدر؛ قال: أَما أَهل البصرة فينصبونه على الحال، وهو عندهم اسم واقع موقع
المصدر المنتصب على الحال مثل جاء زيد رَكْضاً أَي راكضاً. قال: ومن
البصريين من ينصبه على الظرف، قال: وهو مذهب يونس. قال: وليس ذلك مختصاً
بالكوفيين كما زعم الجوهري. قال: وهذا الفصل له باب في كتب النحويين
مُسْتَوْفًى فيه بيان ذلك.
التهذيب: والوحْد خفِيفٌ حِدةُ كلِّ شيء؛ يقال: وَحَدَ الشيءُ، فهو
يَحِدُ حِدةً، وكلُّ شيء على حِدةٍ فهو ثاني آخَرَ. يقال: ذلك على حِدَتِه
وهما على حِدَتِهما وهم على حِدَتِهم. وفي حديث جابر ودَفْنِ أَبيه: فجعله
في قبر على حِدةٍ أَي منفرداً وحدَه، وأَصلها من الواو فحذفت من أَولها
وعوّضت منها الهاء في آخرها كعِدة وزِنةٍ من الوعْد والوَزْن؛ والحديث
الآخر: اجعل كلَّ نوع من تمرك على حِدةٍ. قال ابن سيده: وحِدةُ الشيء
تَوَحُّدُه وهذا الأَمر على حِدته وعلى وحْدِه. وحكى أَبو زيد: قلنا هذا الأَمر
وحْدينا، وقالتاه وحْدَيْهِما، قال: وهذا خلاف لما ذكرنا.
وأَوحده الناس تركوه وحده؛ وقول أَبي ذؤَيب:
مُطَأْطَأَة لم يُنْبِطُوها، وإِنَّها
لَيَرْضَى بها فُرِّاطُها أُمَّ واحِدِ
أَي أَنهم تَقَدَّمُوا يَحْفِرونها يَرْضَوْن بها أَن تصير أُمّاً لواحد
أَي أَن تَضُمَّ واحداً، وهي لا تضم أَكثر من واحد؛ قال ابن سيده: هذا
قول السكري. والوحَدُ من الوَحْش: المُتَوَحِّد، ومن الرجال: الذي لا يعرف
نسبه ولا أَصله. الليث: الوحَدُ المنفرد، رجل وحَدٌ وثَوْر وحَد؛ وتفسير
الرجل الوَحَدِ أَن لا يُعرف له أَصل؛ قال النابغة:
بِذي الجَلِيلِ على مُسْتَأْنِسٍ وحَدِ
والتوحيد: الإِيمان بالله وحده لا شريك له. والله الواحِدُ الأَحَدُ: ذو
الوحدانية والتوحُّدِ. ابن سيده: والله الأَوحدُ والمُتَوَحِّدُ وذُو
الوحْدانية، ومن صفاته الواحد الأَحد؛ قال أَبو منصور وغيره: الفرق بينهما
أَن الأَحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، تقول ما جاءَني أَحد، والواحد
اسم بني لِمُفْتَتَح العدد، تقول جاءني واحد من الناس، ولا تقول جاءني
أَحد؛ فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير، والأَحد منفرد بالمعنى؛
وقيل: الواحد هو الذي لا يتجزأُ ولا يثنى ولا يقبل الانقسام ولا نظير له
ولا مثل ولا يجمع هذين الوصفين إِلا الله عز وجل؛ وقال ابن الأَثير: في
أَسماء الله تعالى الواحد، قال: هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه
آخر؛ قال الأَزهري: وأَما اسم الله عز وجل أَحد فإِنه لا يوصف شيء
بالأَحدية غيره؛ لا يقال: رجل أَحَد ولا درهم أَحَد كما يقال رجل وحَدٌ أَي فرد
لأَن أَحداً صفة من صفات الله عز وجل التي استخلصها لنفسه ولا يشركه فيها
شيء؛ وليس كقولك الله واحد وهذا شيء واحد؛ ولا يقال شيء أَحد وإِن كان
بعض اللغويين قال: إِن الأَصل في الأَحَد وحَد؛ قال اللحياني: قال
الكسائي: ما أَنت من الأَحد أَي من الناس؛ وأَنشد:
وليس يَطْلُبُني في أَمرِ غانِيَةٍ
إِلا كَعَمرٍو، وما عَمرٌو من الأَحَدِ
قال: ولو قلت ما هو من الإِنسان، تريد ما هو من الناس، أَصبت. وأَما قول
الله عز وجل: قل هو الله أَحد الله الصمَد؛ فإِن أَكثر القراء على تنوين
أَحد. وقد قرأَه بعضهم بترك التنوين وقرئَ بإِسكان الدال: قل هو الله
أَحَدْ، وأَجودها الرفع بإِثبات التنوين في المرور وإِنما كسر التنوين
لسكونه وسكون اللام من الله، ومن حذف التنوين فلالتقاء الساكنين أَيضاً.
وأَما قول الله تعالى: هو الله، فهو كناية عن ذكر الله المعلوم قبل نزول
القرآن؛ المعنى: الذي سأَلتم تبيين نسبه هو الله، وأَحد مرفوع على معنى هو
الله أَحد، وروي في التفسير: أَن المشركين قالوا للنبي، صلى الله عليه
وسلم: انْسُبْ لنا ربَّك، فأَنزل الله عز وجل: قل هو الله أَحد الله الصمد.
قال الأَزهري: وليس معناه أَنّ لله نَسَباً انْتَسَبَ إِليه ولكن معناه
نفي النسب عن اللهِ تعالى الواحدِ، لأَن الأَنْسابَ إِنما تكون للمخلوقين،
والله تعالى صفته أَنه لم يلد ولداً ينسب إِليه، ولم يولد فينتسب إِلى
ولد، ولم يكن له مثل ولا يكون فيشبه به تعالى الله عن افتراء المفترين،
وتقدَّس عن إِلحادِ المشركين، وسبحانه عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا
كبيراً. قال الأَزهري: والواحد من صفات الله تعالى، معناه أَنه لا ثاني
له، ويجوز أَن ينعت الشيء بأَنه واحد، فأَما أَحَد فلا ينعت به غير الله
تعالى لخلوص هذا الاسم الشريف له، جل ثناؤه. وتقول: أَحَّدْتُ الله تعالى
ووحَّدْته، وهو الواحدُ الأَحَد. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم،
أَنه قال لرجل ذَكَرَ اللَّهَ وأَومَأَ بإِصْبَعَيْهِ فقال له: أَحِّدْ
أَحِّدْ أَي أَشِرْ بِإِصْبَعٍ واحدة. قال: وأَما قول الناس: تَوَحَّدَ الله
بالأَمر وتفرّد، فإِنه وإِن كان صحيحاً فإِني لا أُحِبُّ أَن أَلْفِظَ به
في صفة الله تعالى في المعنى إِلا بما وصف به نفسه في التنزيل أَو في
السُّنَّة، ولم أَجد المُتَوَحِّدَ في صفاته ولا المُتَفَرِّدَ، وإِنما
نَنْتَهِي في صفاته إِلى ما وصف به نفسه ولا نُجاوِزُه إِلى غيره لمَجَازه
في العربية. وفي الحديث: أَن الله تعالى لم يرض بالوَحْدانيَّةِ لأَحَدٍ
غيره، شَرُّ أُمَّتي الوَحْدانيُّ المُعْجِبُ بدينه المُرائي بعَمَلِه،
يريد بالوحْدانيِّ المُفارِقَ للجماعة المُنْفَرِدَ بنفسه، وهو منسوب إِلى
الوَحْدةِ والانفرادِ، بزيادة الأَلف والنون للمبالغة.
والمِيحادُ: من الواحدِ كالمِعْشارِ، وهو جزء واحد كما أَن المِعْشارَ
عُشْرٌ، والمَواحِيدُ جماعة المِيحادِ؛ لو رأَيت أَكَماتٍ مُنْفَرِداتٍ كل
واحدة بائنة من الأُخرى كانت مِيحاداً ومواحِيدَ. والمِيحادُ: الأَكمة
المُفْرَدةُ. وذلك أَمر لَسْتُ فيه بأَوْحَد أَي لا أُخَصُّ به؛ وفي
التهذيب: أَي لست على حِدةٍ. وفلانٌ واحِدُ دَهْرِه أَي لا نَظِيرَ له.
وأَوحَدَه اللَّهُ: جعله واحد زمانه؛ وفلانٌ أَوْحَدُ أَهل زمانه وفي حديث
عائشة تصف عمر، رضي الله تعالى عنهما: للهِ أُمٌّ
(* قوله «لله أم إلخ» هذا
نص النهاية في وحد ونصها في حفل: لله أم حفلت له ودرت عليه أي جمعت اللبن
في ثديها له.) حَفَلَتْ عليه ودَرَّتْ لقد أَوْحَدَت به أَي ولَدَتْه
وحِيداً فَرِيداً لا نظير له، والجمع أُحْدان مثل أَسْوَدَ وسُودان؛ قال
الكميت:
فباكَرَه، والشمسُ لم يَبْدُ قَرْنُها،
بِأُحْدانِه المُسْتَوْلِغاتِ، المُكَلِّبُ
يعني كلابَه التي لا مثلها كلاب أَي هي واحدة الكلاب. الجوهري: ويقال:
لست في هذا الأَمر بأَوْحَد ولا يقال للأُنثى وَحْداء. ويقال: أَعْطِ كل
واحد منهم على حِدَة أَي على حِيالِه، والهاء عِوَضٌ من الواو كما قلنا.
أَبو زيد: يقال: اقتضيت كل درهم على وَحْدِه وعلى حِدته. تقول: فعل ذلك من
ذاتِ حدته ومن ذي حدته بمعنى واحد. وتَوَحَّده الله بعِصْمته أَي عَصَمه
ولم يَكِلْه إِلى غيره. وأَوْحَدَتِ الشاةُ فهي مُوحِدٌ أَي وَضَعَتْ
واحِداً مثل أَفَذَّتْ. ويقال: أَحَدْتُ إِليه أَي عَهِدْتُ إِليه؛ وأَنشد
الفراء:
سارَ الأَحِبَّةُ بالأَحْدِ الذي أَحَدُوا
يريد بالعَهْدِ الذي عَهِدُوا؛ وروى الأَزهري عن أَبي الهيثم أَنه قال
في قوله:
لقدْ بَهَرْتَ فما تَخْفَى على أَحَدٍ
قال: أَقام أَحداً مقام ما أَو شيءٍ وليس أَحد من الإِنس ولا من الجن،
ولا يتكَلَّمُ بأَحَد إِلا في قولك ما رأَيت أَحداً، قال ذلك أَو تكلم
بذلك من الجن والإِنس والملائكة. وإِن كان النفي في غيرهم قلت: ما رأَيت
شيئاً يَعْدِلُ هذا وما رأَيت ما يعدل هذا، ثم العَربُ تدخل شيئاً على أَحد
وأَحداً على شيء. قال الله تعالى: وإِن فاتكم شيء من أَزواجكم (الآية)
وقرأَ ابن مسعود: وإن فاتكم أَحد من أَزواجكم؛ وقال الشاعر:
وقالتْ: فلَوْ شَيءٌ أَتانا رَسُوله
سِواكَ، ولكنْ لم نَجِدْ لكَ مَدْفَعا
أَقام شيئاً مقام أَحَدٍ أَي ليس أَحَدٌ مَعْدُولاً بك. ابن سيده: وفلان
لا واحد له أَي لا نظير له. ولا يقوم بهذا الأَمرِ إِلا ابن إِحداها أَي
كريم الآباءِ والأُمهاتِ من الرجال والإِبل؛ وقال أَبو زيد: لا يقوم
بهذا الأَمرِ إِلا ابن إِحداها أَي الكريم من الرجال؛ وفي النوادر: لا
يستطيعها إِلا ابن إِحْداتها يعني إِلا ابن واحدة منها؛ قال ابن سيده
وقوله:حتى اسْتثارُوا بيَ إِحْدَى الإِحَدِ،
لَيْثاً هِزَبْراً ذا سِلاحٍ مُعْتَدِي
فسره ابن الأَعرابي بأَنه واحد لا مثل له؛ يقال: هذا إِحْدَى الإِحَدِ
وأَحَدُ الأَحَدِين وواحِدُ الآحادِ. وسئل سفيان الثوري عن سفيان بن عيينة
قال: ذلك أَحَدُ الأَحَدِين؛ قال أَبو الهيثم: هذا أَبلغ المدح. قال:
وأَلف الأَحَد مقطوعة وكذلك إِحدى، وتصغير أَحَد أُحَيْدٌ وتصغير إِحْدَى
أُحَيدَى، وثبوت الأَلِف في أَحَد وإِحْدى دليل على أَنها مقطوعة، وأَما
أَلِف اثْنا واثْنَتا فأَلِف وصل، وتصغير اثْنا ثُنَيَّا وتصغير اثْنَتا
ثُنَيَّتا.
وإِحْدَى بناتِ طَبَقٍ: الدّاهِيةُ، وقيل: الحَيَّةُ سميت بذلك
لِتَلَوِّيها حتى تصير كالطَّبَق.
وبَنُو الوَحَدِ: قوم من بني تَغْلِب؛ حكاه ابن الأَعرابي؛ قال وقوله:
فَلَوْ كُنتُمُ مِنَّا أَخَذْنا بأَخْذِكم،
ولكِنَّها الأَوْحادُ أَسْفَلُ سافِلِ
أَراد بني الوَحَد من بني تَغْلِبَ، جعل كل واحد منهم أَحَداً. وقوله:
أَخَذْنا بأَخْذِكم أَي أَدْرَكْنا إِبلكم فرددناها عليكم.
قال الجوهري: وبَنُو الوَحِيدِ بطْنٌ من العرب من بني كلاب بن ربيعة بن
عامر بن صَعْصَعةَ.
والوَحِيدُ: موضع بعينه؛ عن كراع. والوحيد: نَقاً من أَنْقاء
الدَّهْناءِ؛ قال الراعي:
مَهارِيسُ، لاقَتْ بالوَحِيدِ سَحابةً
إِلى أُمُلِ الغَرّافِ ذاتِ السَّلاسِلِ
والوُحْدانُ: رِمال منقطعة؛ قال الراعي:
حتى إِذا هَبَطَ الوُحْدانُ، وانْكَشَفَتْ
مِنْه سَلاسِلُ رَمْلٍ بَيْنَها رُبَدُ
وقيل: الوُحْدانُ اسم أَرض. والوَحِيدانِ: ماءانِ في بلاد قَيْس
معروفان. قال: وآلُ الوَحِيدِ حيٌّ من بني عامر. وفي حديث بلال: أَنه رَأَى
أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ يقول يوم بدر: يا حَدْراها؛ قال أَبو عبيد: يقول هل أَحد
رأَى مثل هذا؟ وقوله عز وجل: إِنما أَعظُكم بواحدة هي هذه أَنْ تقوموا
لله مَثْنَى وفُرادَى؛ وقيل: أَعظُكم أَنْ تُوَحِّدُوا الله تعالى. وقوله:
ذَرْني ومَن خَلَقْتُ وحِيداً؛ أَي لم يَشْرَكْني في خلقه أَحَدٌ، ويكون
وحيداً من صفة المخلوق أَي ومَنْ خَلَقْتُ وحْدَه لا مال له ولا وَلد ثم
جَعَلْت له مالاً وبنين. وقوله: لَسْتُنَّ كأَحَد من النساءِ، لم يقل
كَواحِدة لأَن أَحداً نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة.
فني: الفَناء: نَقِيض البقاء، والفعل فَنى يَفْنَى نادر؛ عن كراع، فَناء
فهو فانٍ، وقيل: هي لغة بلحرث ابن كعب؛ وقال في ترجمة قرع:
فلما فَنى ما في الكنائن، ضارَبُوا
إلى القُرْعِ من جِلْدِ الهِجانِ المُجَوَّبِ
أَي ضربوا بأَيديهم إِلى التِّرَسةِ لما فَنِيت سهامهم. قال: وفَنى
بمعنى فَنِيَ في لغات طيّء، وأَفْناه هو. وتَفانى القومُ قتلاً: أَفنى بعضهم
بعضاً، وتفانوا أَي أَفنى بعضهم بعضاً في الحرب. وفَنِيَ يَفْنى فَناء:
هَرِمَ وأَشرف على الموت هَرَماً، وبذلك فسر أَبو عبيد حديث عمر، رضي الله
عنه، أَنه قال: حَجَّةً ههنا ثم احْدِجْ ههنا حتى تَفْنى يعني الغزو؛
قال لبيد يصف الإنسان وفَناءه:
حَبائِلُه مَبْثوثةٌ بسَبِيلِه،
ويَفْنى إِذا ما أَخْطَأَتْه الحَبائلُ
يقول: إِذا أَخطأَه الموت فإِنه يفنى أَي يَهْرَمُ فيموت لا بدَّ منه
إِذا أَخطأَته المنِيَّةُ وأَسبابها في شَبِيبَته وقُوَّته. ويقال للشيخ
الكبير: فانٍ.
وفي حديث معاوية: لو كنتُ من أَهل البادِيةِ بعت الفانِيةَ واشتريت
النامِيةَ؛ الفانِيةُ: المُسِنَّة من الإِبل وغيرها، والنامِيةُ: الفَتِيَّةُ
الشابَّة التي هي في نموّ وزيادة.
والفِناء: سَعةٌ أَمامَ الدار، يعني بالسعة الاسم لا المصدر، والجمع
أَفْنِيةٌ، وتبدل الثاء من الفاء وهو مذكور في موضعه؛ وقال ابن جني: هما
أَصلان وليس أَحدهما بدلاً من صاحبه لأَن الفِناء من فَنِيَ يَفْنى، وذلك
أَن الدار هنا تَفْنى لأَنك إِذا تناهيت إِلى أَقصى حدودها فَنِيَتْ، وأَما
ثِناؤها فمن ثَنى يَثْني لأَنها هناك أَيضاً تنثني عن الانبساط لمجيء
آخرها واسْتِقْصاء حدودها؛ قال ابن سيده: وهمزتها بدل من ياء لأَن إِبدال
الهمز من الياء إِذا كانت لاماً أَكثر من إِبدالها من الواو، وإن كان بعض
البغداديين قد قال: يجوز أَن يكون أَلفه واواً لقولهم شجرة فَنْواء أَي
واسِعة فِناء الظل، قال: وهذا القول ليس بقوي لأَنا لم نسمع أَحداً يقول
إِن الفَنْواء من الفِناء، إنما قالوا إِنها ذات الأَفنان أَو الطويلة
الأَفنان. والأَفْنِية: السَّاحات على أَبواب الدور؛ وأَنشد:
لا يُجْتَبى بِفناء بَيْتِك مثْلهم
وفناء الدار: ما امْتدَّ من جوانبها.
ابن الأَعرابي: بها أَعناء من الناس وأَفْناء أَي أَخْلاط، الواحد
عِنْوٌ وفِنْوٌ. ورجل من أَفْناء القبائل أَي لا يُدرى من أَيّ قبيلة هو،
وقيل: إِنما يقال قوم من أَفناء القبائل، ولا يقال رجل، وليس للأَفْناء واحد.
قالت أُم الهيثم: يقال هؤلاء من أَفناء الناس ولا يقال في الواحد رجل من
أَفناء الناس، وتفسيره قوم نُزَّاعٌ من ههنا وههنا. والجوهري: يقال هو
من أَفناء الناس إِذا لم يُعلم من هو. قال ابن بري: قال ابن جني واحد
أَفناء الناس فَناً ولامه واو، لقولهم شجرة فَنْواء إِذا اتسعت وانتشرت
أَغصانها، قال: وكذلك أَفناء الناس انتشارهم وتشعبهم. وفي الحديث: رجل من
أَفناء الناس أَي لم يُعلم ممن هو، الواحد فِنْوٌ، وقيل: هو من الفِناء وهو
المُتَّسَعُ أَمام الدار، ويجمع الفِناء على أَفْنية. والمُفاناة:
المُداراة. وأَفْنى الرجلُ إِذا صَحِب أَفناء الناس. وفانَيْت الرجل: دارَيْته
وسَكَّنْته؛ قال الكميت يذكر هموماً اعترته:
تُقِيمُه تارةً وتُقْعِدُه،
كما يُفاني الشَّمُوسَ قائِدُها
قال أِبو تراب: سمعت أَبا السميدع يقول بنو فلان ما يُعانُون مالهم ولا
يُفانُونه أَي ما يقومون عليه ولا يُصْلِحونه. والفَنا، مقصور، الواحدة
فَناة: عنب الثَّعلب، ويقال: نبت آخر؛ قال زهير:
كأَنّ فُتاتَ العِهْنِ، في كلِّ مَنْزِلٍ
نَزَلْنَ، به حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّمِ
وقيل: هو شجر ذو حب أَحمر ما لم يُكسَّر، يتخذ منه قراريط يوزن بها كل
حبة قيراط، وقيل: يتخذ منه القَلائد، وقيل: هي حشيشة تنبت في الغَلْظ
ترتفع على الأَرض قِيسَ الإِصْبع وأَقل يَرعاها المالُ، وأَلفها ياء لأَنها
لام؛ وروى أَبو العباس عن ابن الأَعرابي أَنه أَنشده قول الراجز:
صُلْبُ العَصا بالضَّرْبِ قد دَمَّاها،
يقولُ: لَيْتَ الله قد أَفْناها
(* قوله« صلب العصا» في التكملة: ضخم العصا.)
قال يصف راعي غنم وقال فيه معنيان: أَحدهما أَنه جعل عصاه صُلبة لأَنه
يحتاج إِلى تقويمها ودَعا عليها فقال ليت اللهَ قد أَهلكها ودمَّاها أَي
سيَّلَ دَمها بالضرب لخِلافِها عليه، والوجه الثاني في قوله صُلْبُ العصا
أَي لا تحوجه إِلى ضربها فعصاه باقية، وقوله: بالضرب قد دمَّاها أَي
كساها السِّمَن كأَنه دمَّمها بالشحم لأَنه يُرَعِّيها كل ضرب من النبات،
وأَما قوله ليت اللهَ قد أَفناها أَي أَنبت لها الفَنا، وهو عنب الذئب، حتى
تغزر وتَسْمَن.
والأَفاني: نبت ما دام رطباً، فإِذا يبس فهو الحَماط، واحدتها أَفانِيةٌ
مثال ثمانية، ويقال أَيضاً: هو عنب الثعلب. وفي حديث القِيامة:
فيَنْبُتُون كما يَنْبُت الفَنا؛ هو عنب الثعلب. وقيل: شجرته وهي سريعة النبات
والنموّ؛ قال ابن بري شاهد الأَفاني النبت قول النابغة:
شَرَى أَسْتاهِهِنَّ من الأَفاني
وقال آخر:
فَتِيلانِ لا يَبْكِي المَخاضُ عليها،
إِذا شَبِعا مِنْ قَرْمَلٍ وأَفاني
(* قوله« فتيلان» كذا بالأصل، ولعله مصغر مثنى الفتل. ففي القاموس:
الفتل ما لم ينبسط من النبات، أو شبه الشاعر النبت الحقير بالفتيل الذي يفتل
بالاصبعين. وعلى كلا الاحتمالين الافاني فحق شبعا شبعت ومقتضى أن واحد
الافاني كثمانية أن تكون الافاني مكسورة، وضبطت في القاموس هنا بالكسر
ووزنه المجد في أفن بسكارى.)
وقال آخر:
يُقَلِّصْن عن زُغْبٍ صِغارٍ كأَنَّها،
إِذا دَرَجَتْ تَحتَ الظِّلالِ، أَفاني
وقال ضباب بن وَقْدان السَّدُوسِي:
كأَنَّ الأَفانَي شَيْبٌ لها،
إِذا التَفَّ تحتَ عَناصِي الوَبْرْ
قال ابن بري: وذكر ابن الأَعرابي أن هذا البيت لضباب بن واقد
الطَّهَوِي، قال: والأَفاني شجر بيض، واحدته أَفانِيةٌ، وإِذا كان أَفانية مثل
ثمانية على ما ذكر الجوهري فصوابه أَن يذكر في فصل أَفن، لأَن الياء زائدة
والهمزة أَصل.
والفَناة: البقَرة، والجمع فَنَوات؛ وأَنشد ابن بري قول الشاعر:
وفَناة تَبْغِي، بحَرْبةَ، طِفْلاً
مِن ذَبِيحٍ قَفَّى عليه الخَبالُ
وشعَر أَفْنَى: في معنى فَيْنان، قال: وليس من لفظة. وامرأَة فَنْواء:
أَثِيثة الشعَر منه؛ روى ذلك ابن الأَعرابي، قال: وأَما جمهور أَهل اللغة
فقالوا امرأَة فَنْواء أَي لشَعَرها فُنُون كأَفْنان الشِّعْر، وكذلك
شجرة فَنْواء إِنما هي ذات الأَفْنان، بالواو. وروي عن ابن الأَعرابي:
امرأَة فَنْواء وفَنْياء. وشعَر أَفْنَى وفَيْنانٌ أَي كثير. التهذيب: والفنوة
المرأَة العربية؛ وفي ترجمة قنا قال قَيْس بن العَيْزار الهُذَلي:
بما هي مَقْناةٌ، أَنِيقٌ نَباتُها،
مِرَبٌّ، فَتَهْواها المَخاضُ النَّوازِعُ
قال: مَقْناةٌ أَي مُوافِقة لكل مَن نَزَلها من قوله مُقاناةِ البياض
بصُفْرَةٍ أَي يوافق بياضُها صفرتها، قال الأَصمعي: ولغة هذيل مَفْناةٌ
بالفاءِ، والله أَعلم.
برز: البَرازُ، بالفتح: المكان الفَضاء من الأَرض البعيدُ الواسعُ.
وإِذا خرج الإِنسان إِلى ذلك الموضع قيل: قد بَرَزَ يَبْرُزُ بُرُوزاً أَي
خرج إِلى البَرازِ. والبَرازُ، بالفتح أَيضاً: الموضع الذي ليس به خَمَر من
شجر ولا غيره. وفي الحديث:كان إِذا أَراد البَراز أَبْعَدَ؛ البراز،
بالفتح: اسم للفضاء الواسع فَكَنَوْا به عن قضاء الغائط كما كَنَوْا عنه
بالخلاء لأَنهم كانوا يَتَبَرَّزُون في الأَمكنة الخالية من الناس. قال
الخطابي: المحدّثون يروونه بالكسر، وهو خطأٌ لأَنه بالكسر مصدر من
المُبارَزَةِ في الحرب. وقال الجوهري بخلافه: وهذا لفظه البِرازُ المُبارَزَةُ في
الحرب، والبِرازُ أَيضاً كناية عن ثُفْلِ الغذاء، وهو الغائط، ثم قال:
والبَرازُ، بالفتح، الفضاء الواسع. وتَبَرَّزَ الرجلُ: خرج إِلى البَراز
للحاجة، وقد تكرر المكسور في الحديث، ومن المَفْتُوحِ حديث عليّ، كرم الله
وجهه: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، رأَى رجلاً يغتسل بالبَرازِ،
يريد الموضع المنكشف بغير سُتْرَةٍ. والمَبْرَزُ: المُتَوَضَّأُ. وبَرَزَ
إِليه وأَبْرَزَهُ غيره وأَبْرَزَ الكتابَ: أَخرجه، فهو مَبْرُوزٌ.
وأَبْرَزَهُ: نَشَرَه، فهو مُبْرَزٌ، ومَبْرُوزٌ شاذ على غير قياس جاء على حذف
الزائد؛ قال لبيد:
أَوْ مُذْهَبٌ جَدَدٌ على أَلواحِهِ،
أَلنَّاطِقُ المَبْرُوزُ والمَخْتُومُ
قال ابن جني: أَراد المَبْرُوزَ به ثم حذف حرف الجر فارتفع الضمير
واستتر في اسم المفعول به؛ وعليه قول الآخر:
إِلى غيرِ مَوْثُوقٍ من الأَرض يَذْهَبُ
أَراد موثوق به؛ وأَنشد بعضهم المُبْرَزُ على احتمال الخَزْلِ في
متفاعلن؛ قال أَبو حاتم في قول لبيد إِنما هو:
أَلنَّاطقُ المُبْرَزُ والمَخْتُومُ
مزاحف فغيره الرواة فراراً من الزحاف. الصحاح: أَلناطق بقطع الأَلف وإِن
كان وصلاً، قال وذلك جائز في ابتداء الأَنصاف لأَن التقدير الوقف على
النصف من الصدر، قل: وأَنكر أَبو حاتم المبروز قال: ولعله المَزْبُورُ وهو
المكتوب؛ وقال لبيد أَيضاً في كلمة له أُخرى:
كما لاحَ عُنْوانُ مَبْرُوزَةٍ،
يَلُوحُ مع الكَفِّ عُنْوانُها
قال: فهذا يدل على أَنه لغته، قال: والرواة كلهم على هذا، قال: فلا معنى
لإِنكار من أَنكره، وقد أَعطوه كتاباً مَبْرُوزاً، وهو المنشور. قال
الفراء: وإِنما أَجازوا المبروز وهو من أَبرزت لأَن يبرز لفظه واحد من
الفعلين. وكلُّ ما ظهر بعد خفاء، فقد بَرَزَ.
وبَرَّزَ الرجلُ: فاق على أصحابه، وكذلك الفرس إِذا سَبَقَ.
وبارَزَ القِرْنَ مُبارَزَةً وبِرازاً: بَرَزَ إِليه، وهما
يَتَبارَزانِ.وامرأَة بَرْزَةٌ: بارِزَةُ المَحاسِنِ. قال ابن الأَعرابي: قال
الزبيري: البَرْزَة من النساء التي ليست بالمُتَزايِلَةِ التي تُزايِلُك بوجهها
تستره عنك وتَنْكَبُّ إِلى الأَرض، والمُخْرَمِّقَةُ التي لا تتكلم إِن
كُلِّمَتْ، وقيل: امرأَة بَرْزَةٌ مُتَجالَّةٌ تَبْرُزُ للقوم يجلسون
إِليها ويتحدَّثون عنها. وفي حديث أُم مَعْبَدٍ: وكانت امرأَةً بَرْزَةً
تَخْتَبِئُ بِفِناءِ قُبَّتِها؛ أَبو عبيدة: البَرْزَةُ من النساءِ الجليلة
التي تظهر للناس ويجلس إِليها القوم. وامرأَة بَرْزَة: موثوق برأْيها
وعفافها. ويقال: امرأَة بَرْزَة إِذا كانت كَهْلَةً لا تحتجب احتجابَ
الشَّوابِّ، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدِّثهم، من البُروزِ وهو
الظهور والخروج. ورجلٌ بَرْزٌ: ظاهر الخلقِ عَفِيفٌ؛ قال العجاج:
بَرْزٌ وذو العَفَافَةِ البَرْزِيُّ
وقال غيره: بَرْزٌ أَراد أَنه متكشف الشأْن ظاهر. ورجل بَرْزٌ وامرأَة
بَرْزَةٌ: يوصفان بالجَهارَة والعقل؛ وأَما قول جرير:
خَلِّ الطَّرِيقَ لمن يَبْنِي المَنارَ به،
وابْرُزْ ببَرْزَةَ حيثُ اضْطَرَّكَ القَدَرُ
فهو اسم أُم عمر بن لَجَإٍ التَّيْمِيِّ. ورجل بَرْزٌ وبَرْزِيٌّ:
مَوثوق بفضله ورأْيه، وقد بَرُزَ بَرازَةً. وبَرَّزَ الفرسُ على الخيل:
سَبَقها، وقيل كلُّ سابق مُبَرِّزٌ. وبَرَّزَه فرسُه: نَجَّاه؛ قال
رؤْبة:لو لم يُبَرِّزْهُ جَوادٌ مِرْأَسُ
وإِذا تسابقت الخيل قيل لسابقها: قد بَرَّزَ عليها، وإِذا قيل بَرَزَ،
مخففٌ، فمعناه ظهر بعد الخفاء، وإِنما قيل في التَّغَوُّطِ تَبَرَّزَ فلان
كناية أَي خرج إِلى بَرازٍ من الأَرض للحاجة. والمُبارَزَةُ في الحرب
والبِرازُ من هذا أُخذ، وقد تَبارَزَ القِرْنانِ. وأَبْرَزَ الرجلُ إِذا
عزم على السفر، وبَرَزَ إِذا ظهر بعد خُمول، وبَرَزَ إِذا خرج إِلى
البرازِ، وهو الغائط. وقوله تعالى: وتَرى الأَرضَ بارِزَةً، أَي ظاهرة بلا جبل
ولا تَلٍّ ولا رمل.
وذَهَبٌ إِبْرِيزٌ: خالص؛ عربي؛ قال ابن جني: هو إِفْعِيلٌ من بَرَزَ.
وفي الحديث: ومنه ما يَخْرُجُ كالذهب الإِبْرِيزِ أَي الخالص، وهو
الإِبْرِزِيُّ أَيضاً، والهمزة والياء زائدتان. ابن الأَعرابي: الإِبْريزُ
الحَلْيُ الصافي من الذهب. وقد أَبْرَزَ الرجلُ إِذا اتخذ الإِبْرِيزَ وهو
الإِبْرِزِيُّ؛ قال النابغة:
مُزَيَّنَةٌ بالإِبْرِزِيِّ وجشْوُها
رَضِيعُ النَّدَى، والمُرْشِفاتِ الحَوَاضِنِ
وروى أَبو أُمامة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: إِنَّ الله
لَيُجَرِّبُ أَحدَكم بالبلاءِ كما يُجَرِّبُ أَحدُكم ذهبَه بالنار، فمنه
ما يخرج كالذهب الإِبْرِيزِ، فذلك الذي نجاه الله من السيِّئات، ومنهم من
يخرج من الذهب دون ذلك وهو الذي يشك بعض الناس، ومنهم من يخرج كالذهب
الأَسود وذلك الذي أُفْتِن؛ قال شمر: الإِبْرِيزُ من الذهب الخالص وهو
الإِبْرِزيُّ والعِقْيانُ والعَسْجَدُ.
النهاية لابن الأَثير: في حديث أَبي هريرة، رضي الله عنه: لا تقوم
الساعة حتى تقاتلوا قوماً يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ وهم البازَرُ؛ قيل: بازَرُ
ناحية قريبة من كِرْمانَ بها جبال، وفي بعض الروايات هم الأَكراد، فإِن
كان من هذا فكأَنه أَراد أَهل البازر أَو يكون سُمُّوا باسم بلادهم، قال:
هكذا أَخرجه أَبو موسى في حرف الباء والزاي من كتابه وشَرَحَه، قال:
والذي رويناه في كتاب البخاري عن أَبي هريرة، رضي الله عنه: سمعت رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، يقول: بين يدي الساعة تُقاتِلُون قوماً نعالهم الشعر
وهو هذا البازر؛ وقال سفيانُ مَرَّةً: هم أَهلُ البارِز، يعني بأَهل
البارز أَهل فارس، هكذا هو بلغتهم وهكذا جاءَ في لفظ الحديث كأَنه أَبدل
السين زاياً، فيكون من باب الباء والراء وهو هذا الباب لا من باب الباء
والزاي؛ قال: وقد اختلف في فتح الراء وكسرها، وكذلك اختلف مع تقديم الزاي،
وقد ذكر أَيضاً في موضعه متقدماً، والله أَعلم.
ملك: الليث: المَلِكُ هو الله، تعالى ونقدّس، مَلِكُ المُلُوك له
المُلْكُ وهو مالك يوم الدين وهو مَلِيكُ الخلق أي ربهم ومالكهم. وفي التنزيل:
مالك يوم الدين؛ قرأ ابن كثير ونافع وأَبو عمرو وابن عامر وحمزة: مَلِك
يوم الدين، بغير أَلف، وقرأَ عاصم والكسائي ويعقوب مالك، بأَلف، وروى عبد
الوارث عن أَبي عمرو: مَلْكِ يوم الدين، ساكنة اللام، وهذا من اختلاس أبي
عَمرو، وروى المنذر عن أَبي العباس أَنه اختار مالك يوم الدين، وقال: كل
من يَمْلِك فهو مالك لأنه بتأْويل الفعل مالك الدراهم، ومال الثوب،
ومالكُ يوم الدين، يَمْلِكُ إقامة يوم الدين؛ ومنه قوله تعالى: مالِكُ
المُلْكِ، قال: وأما مَلِكُ الناس وسيد الناس ورب الناس فإنه أَراد أَفضل من
هؤلاء، ولم يريد أَنه يملك هؤلاء، وقد قال تعالى: مالِكُ المُلْك؛ أَلا ترى
أنه جعل مالكاً لكل شيءٍ فهذا يدل على الفعل؛ ذكر هذا بعقب قول أَبي
عبيد واختاره.
والمُلْكُ: معروف وهو يذكر ويؤنث كالسُّلْطان؛ ومُلْكُ الله تعالى
ومَلَكُوته: سلطانه وعظمته. ولفلان مَلَكُوتُ العراق أي عزه وسلطانه ومُلْكه؛
عن اللحياني، والمَلَكُوت من المُلْكِ كالرَّهَبُوتِ من الرَّهْبَةِ،
ويقال للمَلَكُوت مَلْكُوَةٌ، يقال: له مَلَكُوت العراق ومَلْكُوةُ العراق
أَيضاً مثال التَّرْقُوَةِ، وهو المُلْكُ والعِزُّ. وفي حديث أَبي سفيان:
هذا مُلْكُ هذه الأُمة قد ظهر، يروى بضم الميم وسكون اللام وبفتحها وكسر
اللام وفي الحديث: هل كان في آبائه مَنْ مَلَكَ؟ يروى بفتح الميمين
واللام وبكسر الميم الأُولى وكسر اللام. والْمَلْكُ والمَلِكُ والمَلِيكُ
والمالِكُ: ذو المُلْكِ. ومَلْك ومَلِكٌ، مثال فَخْذٍ وفَخِذٍ، كأن المَلْكَ
مخفف من مَلِك والمَلِك مقصور من مالك أو مَلِيك، وجمع المَلْكِ مُلوك،
وجمع المَلِك أَمْلاك، وجمع المَلِيك مُلَكاء، وجمع المالِكِ مُلَّكٌ
ومُلاَّك، والأُمْلُوك اسم للجمع. ورجل مَلِكٌ وثلاثة أَمْلاك إلى العشرة،
والكثير مُلُوكٌ، والاسم المُلْكُ، والموضع مَمْلَكَةٌ. وتَمَلَّكه أي
مَلَكه قهراً. ومَلَّكَ القومُ فلاناً على أَنفسهم وأَمْلَكُوه: صَيَّروه
مَلِكاً؛ عن اللحياني. ويقال: مَلَّكَه المالَ والمُلْك، فهو مُمَلَّكٌ؛ قال
الفرزدق في خال هشام بن عبد الملك:
وما مثلُه في الناس إلاّ مُمَلَّكاً،
أَبو أُمِّه حَيٌّ أَبوه يُقارِبُه
يقول: ما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملَّك أَبو أُم ذلك المُمَلَّكِ
أَبوه، ونصب مُمَلَّكاً لأنه استثناء مقدّم، وخال هشام هو إبراهيم بن
إسماعيل المخزومي. وقال بعضهم: المَلِكُ والمَلِيكُ لله وغيره، والمَلْكُ
لغير الله. والمَلِكُ من مُلوك الأرض، ويقال له مَلْكٌ، بالتخفيف، والجمع
مُلُوك وأَمْلاك، والمَلْكُ: ما ملكت اليد من مال وخَوَل. والمَلَكة:
مُلْكُكَ، والمَمْلَكة: سلطانُ المَلِك في رعيته. ويقال: طالت مَمْلَكَتُه
وساءت مَمْلَكَتُه وحَسُنَت مَمْلَكَتُه وعَظُم مُلِكه وكَثُر مُلِكُه.
أَبو إسحق في قوله عزّ وجل: فسبحان الذي بيده مَلَكُوتُ كل شيء؛ مَعناه
تنزيه الله عن أن يوصف بغير القدرة، قال: وقوله تعالى ملكوت كل شيء أي القدرة
على كل شيء وإليه ترجعون أي يبعثكم بعد موتكم. ويقال: ما لفلان مَولَى
مِلاكَةٍ دون الله أي لم يملكه إلا الله تعالى. ابن سيده: المَلْكُ
والمُلْكُ والمِلْك احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به، مَلَكه يَمْلِكه
مَلْكاً ومِلْكاً ومُلْكاً وتَمَلُّكاً؛ الأخيرة عن اللحياني، لم يحكها
غيره. ومَلَكَةً ومَمْلَكَة ومَمْلُكة ومَمْلِكة: كذلك. وما له مَلْكٌ
ومِلْكٌ ومُلْكٌ ومُلُكٌ أي شيء يملكه؛ كل ذلك عن اللحياني، وحكي عن الكسائي:
ارْحَمُوا هذا الشيخ الذي ليس له مُلْكٌ ولا بَصَرٌ أي ليس له شيء؛ بهذا
فسره اللحياني، وقال ليس له شيء يملكه. وأَمْلَكه الشيءَ ومَلَّكه إياه
تَمْليكاً جعله مِلْكاً له يَمْلِكُه. وحكى اللحياني: مَلِّكْ ذا أَمْرٍ
أَمْرَه، كقولك مَلِّك المالَ رَبَّه وإن كان أَحمق، قال هذا نص قوله: ولي
في هذا الوادي مَلْكٌ وملْك ومُلْك ومَلَكٌ يعني مَرْعًى ومَشْرباً
ومالاً وغير ذلك مما تَمْلِكه، وقيل: هي البئر تحفرها وتنفرد بها. وجاء في
التهذيب بصورة النفي: حكي عن ابن الأعرابي قال ما له مَلْكٌ ولا نَفْرٌ،
بالراء غير معجمة، ولا مِلْكٌ ولا مُلْك ولا مَلَكٌ؛ يريد بئراً وماء أي ما
له ماء. ابن بُزُرْج: مياهنا مُلُوكنا. ومات فلانٌ عن مُلُوك كثيرة،
وقالوا: الماء مَلَكُ أَمْرٍ أي إذا كان مع القوم ماء مَلَكُوا أَمْرَهم أي
يقوم به الأمر؛ قال أَبو وَجْزَة السَّعْدي:
ولم يكن مَلَكٌ للقوم يُنْزِلُهم،
إلا صَلاصِلُ لا تُلْوَى على حَسَبِ
أي يُقْسَم بينهم بالسوية لا يُؤثَرُ به أَحدٌ. الأُمَوِيُّ: ومن
أَمثالهم: الماءُ مَلَكُ أَمْرِه أي أن الماء مِلاكُ الأشياء، يضرب للشيء الذي
به كمال الأمر. وقال ثعلب: يقال ليس لهم مِلْك ولا مَلْكٌ ولا مُلْكٌ إذا
لم يكن لهم ماء. ومَلَكَنا الماءُ: أرْوانا فقَوِينا على مَلْكِ
أَمْرِنا. وهذا مِلْك يَميني ومَلْكُها ومُلْكُها أي ما أَملكه؛ قال الجوهري:
والفتح أفصح. وفي الحديث: كان آخر كلامه الصلاة وما مَلَكَتْ أَيمانكم،
يريد الإحسانَ إلى الرقيق، والتخفيفَ عنهم، وقيل: أَراد حقوق الزكاة
وإخراجها من الأموال التي تملكها الأَيْدي كأَنه علم بما يكون من أَهل الردة،
وإنكارهم وجوب الزكاة وامتناعهم من أَدائها إلى القائم بعده فقطع حجتهم بأن
جعل آخر كلامه الوصية بالصلاة والزكاة فعقل أَبو بكر، رضي الله عنه، هذا
المعنى حين قال: لأَقْتُلَنَّ من فَرَّق بين الصلاة والزكاة. وأَعطاني
من مَلْكِه ومُلْكِه؛ عن ثعلب، أي مما يقدر عليه. ابن السكيت: المَلْكُ ما
مُلِكَ. يقال: هذا مَلْكُ يدي ومِلْكُ يدي، وما لأَحدٍ في هذا مَلْكٌ
غيري ومِلْكٌ، وقولهم: ما في مِلْكِه شيء ومَلْكِه شيء أي لا يملك شيئاً.
وفيه لغة ثالثة ما في مَلَكَته شيء، بالتحريك؛ عن ابن الأَعرابي. ومَلْكُ
الوَليِّ المرأَةَ ومِلْكُه ومُلْكه: حَظْرُه إياها ومِلْكُه لها.
والمَمْلُوك: العبد. ويقال: هو عَبْدُ مَمْلَكَةٍ ومَمْلُكة ومَمْلِكة؛ الأخيرة
عن ابن الأعرابي، إذا مُلِكَ ولم يُمْلَكْ أَبواه. وفي التهذيب: الذي
سُبيَ ولم يُمْلَكْ أَبواه. ابن سيده: ونحن عَبِيدُ مَمْلَكَةٍ لا قِنٍّ أي
أَننا سُبِينا ولم نُمْلَكْ قبلُ. ويقال: هم عبِيدُ مَمْلُكة، وهو أَن
يُغْلَبَ عليهم ويُستْعبدوا وهم أَحرار. والعَبْدُ القنّ: الذي مُلِك هو
وأَبواه، ويقال: القِنُّ المُشْتَرَى. وفي الحديث: أن الأَشْعَثَ بن
قَيْسٍ خاصم أَهل نَجْرانَ إلى عمر في رِقابهم وكان قد استعبدهم في الجاهلية،
فلما أَسلموا أَبَوْا عليه، فقالوا: يا أَمير المؤمنين إنا إنما كنا عبيد
مَمْلُكة ولم نكن عبيدَ قِنٍّ؛ المَمْلُكة، بضم اللام وفتحها، أَن
يَغْلِبَ عليهم فيستعبدَهم وهم في الأصل أَحرار. وطال مَمْلَكَتُهم الناسَ
ومَمْلِكَتُهم إياهم أي مِلْكهم إياهم؛ الأخيرة نادرة لأن مَفْعِلاً
ومَفْعِلَةً قلما يكونان مصدراً. وطال مِلْكُه ومُلْكه ومَلْكه ومَلَكَتُه؛ عن
اللحياني، أَي رِقُّه. ويقال: إنه حسن المِلْكَةِ والمِلْكِ؛ عنه أَيضاً.
وأَقرّ بالمَلَكَةِ والمُلُوكةِ أي المِلْكِ. وفي الحديث: لا يدخل الجنةَ
سَيءُ المَلَكَةِ، متحرّك، أي الذي يُسيءُ صُحْبة المماليك. ويقال: فلان
حَسَنُ المَلَكة إذا كان حسن الصُّنْع إلى مماليكه. وفي الحديث: حُسْنُ
المَلَكة نماء، هو من ذلك. ومُلُوك النحْل: يَعاسيبها التي يزعمون أنها
تقتادها، على التشبيه، واحدها مَلِيكٌ؛ قال أَبو ذؤيب الهذلي:
وما ضَرَبٌ بَيْضاءُ يأْوي مَلِيكُها
إلى طَنَفٍ أََعْيَا بِراقٍ ونازِلِ
يريد يَعْسُوبَها، ويَعْسُوبُ النحل أَميره. والمَمْلَكة والمُمْلُكة:
سلطانُ المَلِكِ وعَبيدُه؛ وقول ابن أَحمر:
بَنَّتْ عليه المُلْكُ أَطْنابها،
كأْسٌ رَنَوْناةٌ وطِرْفًٌ طِمِرّ
قال ابن الأَعرابي: المُلْكُ هنا الكأْس، والطِّرْف الطِّمِرُّ، ولذلك
رفع الملك والكأْس معاً بجعل الكأْس بدلاً من الملك؛ وأَنشد غيره:
بنَّتُ عليه المُلْكَ أَطنابَها
فنصب الملك على أنه مصدر موضوع موضع الحال كأَنه قال مُمَلَّكاً وليس
بحال، ولذلك ثبتت فيه الألف واللام، وهذا كقوله: فأَرْسَلَها العِرَاكَ أي
مُعْتَرِكةً وكأْسٌ حينئذ رفع ببنَّت، ورواه ثعلب بنت عليه الملك، مخفف
النون، ورواه بعضهم مدَّتْ عليه الملكُ، وكل هذا من المِلْكِ لأَن
المُلْكَ مِلْكٌ، وإنما ضموا الميم تفخيماً له. ومَلَّكَ النَّبْعَةَ:
صَلَّبَها، وذلك إذا يَبَّسَها في الشمس مع قشرها. وتَمالَكَ عن الشيء: مَلَكَ
نَفْسَه. وفي الحديث: امْلِكْ عليك لسانَك أي لا تُجْرِه إلا بما يكون لك لا
عليك. وليس له مِلاكٌ أي لا يَتَمالك. وما تَمالَك أن قال ذلك أي ما
تَماسَك ولا يَتَماسَك. وما تَمالَكَ فلان أن وقع في كذا إذا لم يستطع أَن
يحبس نفسه؛ قال الشاعر:
فلا تَمَلَك عن أَرضٍ لها عَمَدُوا
ويقال: نفسي لا تُمالِكُني لأن أَفعلَ كذا أَي لا تُطاوعني. وفلان ما له
مَلاكٌ، بالفتح، أي تَماسُكٌ. وفي حديث آدم: فلما رآه أَجْوَفَ عَرَفَ
أَنه خَلق لا يَتَمالَك أي لا يَتَماسَك. وإذا وصف الإنسان بالخفة
والطَّيْش قيل: إنه لا يَتَمالَكُ. ومِلاكُ الأمر ومَلاكُه: قِوامُه الذي
يُمْلَكُ به وصَلاحُه. وفي التهذيب: ومِلاكُ الأمر الذي يُعْتَمَدُ عليه،
ومَلاكُ الأمر ومِلاكُه ما يقوم به. وفي الحديث: مِلاكُ الدين الورع؛ الملاك،
بالكسر والفتح: قِوامُ الشيء ونِظامُه وما يُعْتَمَد عليه فيه، وقالوا:
لأَذْهَبَنَّ فإما هُلْكاً وإما مُلْكاً ومَلْكاً ومِلْكاً أي إما أن
أَهْلِكَ وإما أن أَمْلِكَ. والإمْلاك: التزويج. ويقال للرجل إذا تزوّج: قد
مَلَكَ فلانٌ يَمْلِكُ مَلْكاً ومُلْكاً ومِلْكاً. وشَهِدْنا إمْلاك فلان
ومِلاكَه ومَلاكه؛ الأخيرتان عن اللحياني، أي عقده مع امرأته. وأَمْلكه
إياها حتى مَلَكَها يَمْلِكها مُلْكاً ومَلْكاً ومِلْكاً: زوَّجه إياها؛
عن اللحياني. وأُمْلِكَ فلانُ يُمْلَكُ إمْلاكاً إذا زُوِّج؛ عنه أَيضاً.
وقد أَمْلَكْنا فلاناً فلانَة إذا زَوَّجناه إياها؛ وجئنا من إمْلاكه ولا
تقل من مِلاكِه. وفي الحديث: من شَهِدَ مِلاكَ امرئ مسلم؛ نقل ابن
الأثير: المِلاكُ والإمْلاكُ التزويجُ وعقد النكاح. وقال الجوهري: لا يقال
مِلاك ولا يقال مَلَك بها
(* قوله «ولا يقال ملك بها إلخ» نقل شارح القاموس
عن شيخه ابن الطيب أن عليه أكثر أهل اللغة حتى كاد أن يكون اجماعاً منهم
وجعلوه من اللحن القبيح ولكن جوزه صاحب المصباح والنووي محافظة على
تصحيح كلام الفقهاء.) ولا أُمْلِك بها. ومَلَكْتُ المرأَة أي تزوّجتها.
وأُمْلِكَتْ فلانةُ أَمرها: طُلّقَتْ؛ عن اللحياني، وقيل: جُعِل أَمر طلاقها
بيدها. قال أَبو منصور: مُلِّكَتْ فلانةُ أَمرها، بالتشديد، أكثر من
أُمْلِكَت؛ والقلب مِلاكُ الجسد. ومَلَك العجينَ يَمْلِكُه مَلْكاً
وأَمْلَكَه: عجنه فأَنْعَمَ عجنه وأَجاده. وفي حديث عمر: أَمْلِكُوا العجين فإِنه
أَحد الرَّيْعَينِ أَي الزيادتين؛ أَراد أَن خُبْزه يزيد بما يحتمله من
الماء لجَوْدة العجْن. ومَلَكَ العجينَ يَمْلِكه مَلْكاً: قَوِيَ عليه.
الجوهري: ومَلَكْتُ العجين أَمْلِكُه مَلْكاً، بالفتح، إِذا شَدَدْتَ عجنه؛
قال قَيْسُ بن الخطيم يصف طعنة:
مَلَكْتُ بها كَفِّي، فأَنْهَرْتُ فَتْقَها،
يَرى قائمٌ مِنْ دُونها ما وَراءَها
يعني شَدَدْتُ بالطعنة. ويقال: عجَنَت المرأَة فأَمْلَكَتْ إِذا بلغت
مِلاكَتَهُ وأَجادت عجنه حتى يأْخذ بعضه بعضاً، وقد مَلَكَتْه تَمْلِكُه
مَلْكاً إِذا أَنعمت عَجنه؛ وقال أَوْسُ بن حَجَر يصف قوساً:
فَمَلَّك بالليِّطِ التي تَحْتَ قِشْرِها،
كغِرْقِئ بيضٍ كَنَّهُ القَيْضُ من عَلُ
قال: مَلَّكَ كما تُمَلِّكُ المرأَةُ العجينَ تَشُدُّ عجنه أَي ترك من
القشر شيئاً تَتمالك القوسُ
به يَكُنُّها لئلا يبدو قلب القوس فيتشقق، وهو يجعلون عليها عَقَباً
إِذا لم يكن عليها قشر، يدلك على ذلك تمثيله إِياه بالقَيْض للغِرْقِئ؛
الفراء عن الدُّبَيْرِيَّة: يقال للعجين إِذا كان متماسكاً متيناً
مَمْلُوكٌ ومُمْلَكٌ ومُمَلَّكٌ، ويروى فمن لك، والأَول أَجود؛ أَلا ترى إِلى
قول الشماخ يصف نَبْعَةً:
فَمَصَّعَها شهرين ماءَ لِحائها،
وينْظُرُ منها أَيَّها هو غامِزُ
والتَّمْصِيع: أَن يترك عليها قشرها حتى يَجِفَّ عليها لِيطُها وذلك
أَصلب لها؛ قال ابن بري: ويروى فمظَّعَها، وهو أَن يبقي قشرها عليها حتى
يجف. ومَلَكَ الخِشْفُ أُمَّه إِذا قَوِيَ وقدَر أَن يَتْبَعها؛ عن ابن
الأَعرابي. وناقةٌ مِلاكُ الإِبل إِذا كانت تتبعها؛ عنه أَيضاً. ومَلْكُ
الطريق ومِلْكُه ومُلْكه: وسطه ومعظمه، وقيل حدّه؛ عن اللحياني. ومِلْكُ
الوادي ومَلْكه ومُلْكه: وسطه وحَدّه؛ عنه أَيضاً. ويقال: خَلِّ عن مِلْكِ
الطريق ومِلْكِ الوادي ومَلْكِه ومُلْكه أَي حَدِّه ووسطه. ويقال: الْزَمْ
مَلْكَ الطريق أَي وسطه؛ قال الطِّرمّاح:
إِذا ما انْتَحتْ أُمَّ الطريقِ، توَسَّمَتْ
رَتِيمَ الحَصى من مَلْكِها المُتَوَضِّحِ
وفي حديث أَنس: البَصْرةُ إِحْدى المؤتفكات فانْزلْ في ضَواحيها، وإِياك
والمَمْلُكَةَ، قال شمر: أَراد بالمَمُلُكة وَسَطَها. ومَلْكُ ا لطريق
ومَمْلُكَتُه: مُعْظمه ووسطه؛ قال الشاعر:
أَقامَتْ على مَلْكِ الطريقِ، فمَلْكُه
لها ولِمَنْكُوبِ المَطايا جَوانِبُهْ
ومُلُك الدابة، بضم الميم واللام: قوائمه وهاديه؛ قال ابن سيده: وعليه
أُوَجِّه ما حكاه اللحياني عن الكسائي من قول الأَعرابي: ارْحَمُوا هذا
الشيخ الذي ليس له مُلُكٌ ولا بَصَرٌ أَي يدان ولا رجلان ولا بَصَرٌ،
وأَصله من قوائم الدابة فاستعاره الشيخ لنفسه. أَبو عبيد: جاءنا تَقُودُه
مُلُكُه يعني قوائمه وهاديه، وقوام كل دابة مُلُكُه؛ ذكره عن الكسائي في كتاب
الخيل، وقال شمر: لم أَسمعه لغيره، يعني المُلُك بمعنى القوائم.
والمُلَيْكَةُ: الصحيفة.
والأُمْلُوك: قوم من العرب من حِمْيَرَ، وفي التهذيب: مَقاوِلُ من حمير
كتب إِليهم النبي، صلى الله عليه وسلم: إِلى أُمْلُوك رَدْمانَ،
ورَدْمانُ موضع باليمن. والأُمْلُوك: دُوَيبَّة تكون في الرمل تشبه العَظاءة.
ومُلَيْكٌ ومُلَيْكَةُ ومالك ومُوَيْلِك ومُمَلَّكٌ ومِلْكانُ، كلها:
أَسماء؛ قال ابن سيده: ورأَيت في بعض الأَشعار مالَكَ الموتِ في مَلَكِ الموت
وهو قوله:
غدا مالَكٌ يبغي نِسائي كأَنما
نسائي، لسَهْمَيْ مالَكٍ، غرَضانِ
قال: وهذا عندي خطأ وقد يجوز أَن يكون من جفاء الأَعراب وجهلهم لأَن
مَلَك الموت مخفف عن مَلأَك، الليث: المَلَكُ واحد الملائكة إِنما هو تخفيف
المَلأَك، واجتمعوا على حذف همزه، وهو مَفْعَلٌ من الأَلُوكِ، وقد ذكرناه
في المعتل. والمَلَكُ من الملائكة: واحد وجمع؛ قال الكسائي: أَصله
مَأْلَكٌ بتقديم الهمزة من الأَلُوكِ، وهي الرسالة، ثم قلبت وقدمت اللام فقيل
مَلأَكٌ؛ وأَنشد أَبو عبيدة لرجل من عبد القَيْس جاهليّ يمدح بعض الملوك
قيل هو النعمان وقال ابن السيرافي هو لأَبي وَجْزة يمدح به عبد الله بن
الزبير:
فَلَسْتَ لإِِنْسِيٍّ، ولكن لِمَلأَكٍ
تَنَزَّلَ من جَوِّ السَّماءِ يَصُوبُ
ثم تركت همزته لكثرة الاستعمال فقيل مَلَكٌ، فلما جمعوه رَدُّوها إِليه
فقالوا مَلائكة ومَلائك أَيضاً؛ قال أُمية بن أَبي الصَّلْتِ:
وكأَنَّ بِرْقِعَ، والملائكَ حَوْلَه،
سَدِرٌ تَواكَلَهُ القوائمُ أَجْرَبُ
قال ابن بري: صوابه أَجْرَدُ بالدال لأَن القصيدة دالية؛ وقبله:
فأَتَمَّ سِتّاًّ، فاسْتَوَتْ أَطباقُها،
وأَتى بِسابعةٍ فأَنَّى تُورَدُ
وفيها يقول في صفة الهلال:
لا نَقْصَ فيه، غير أَن خَبِيئَه
قَمَرٌ وساهورٌ يُسَلُّ ويُغْمَدُ
وفي الحديث: لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة؛ قال ابن الأَثير:
أَراد الملائكة السَّيَّاحِينَ غير الحفظة والحاضرين عند الموت. وفي
الحديث: لقد حَكَمْت بحكم المَلِكِ؛ يريد الله تعالى، ويروى بفتح اللام،
يعني جبريل، عليه السلام، ونزوله بالوحي. قال ابن بري: مَلأَكٌ مقلوب من
مَأْلَكٍ، ومَأْلَكٌ وزنه مَفْعَل في الأَصل من الأَلوك، قال: وحقه أَن
يذكر في فصل أَلك لا في فصل ملك.
ومالِكٌ الحَزينُ: اسم طائر من طير الماء.
والمالِكان: مالك بن زيد ومالك بن حنظلة. ابن الأَعرابي: أَبو مالك كنية
الكِبَر والسِّنّ كُنِيَ به لأَنه مَلَكه وغلبه؛ قال الشاعر:
أَبا مالِكٍ إِنَّ الغَواني هَجَرْنَني،
أَبا مالِك إِني أَظُنُّكَ دائبا
ويقال للهَرَمِ أَبو مالك؛ وقال آخر:
بئسَ قرينُ اليَفَنِ الهالِكِ:
أُمُّ عُبَيْدٍ وأَبو مالِكِ
وأَبو مالك: كنية الجُوعِ؛ قال الشاعر:
أَبو مالكٍ يَعْتادُنا في الظهائرِ،
يَجيءُ فيُلْقِي رَحْلَه عند عامِرِ
ومِلْكانُ: جبل بالطائف. وحكى ابن الأَنباري عن أَبيه عن شيوخه قال: كل
ما في العرب مِلْكان، بكسر الميم، إِلاَّ مَلْكان بن حزم بن زَبَّانَ
فإِنه بفتحها. ومالك: اسم رمل؛ قال ذو الرمة:
لعَمْرُك إِني يومَ جَرْعاءِ مالِك * لَذو عَبْرةٍ، كَلاً تَفِيضُ وتخْنُقُ