لزين المشايخ، أبي الفضل: محمد بن أبي القاسم البقالي، الخوارزمي.
المتوفى: سنة ست وسبعين وخمسمائة.
فخر: الفَخْرُ والفَخَرُ، مثل نَهْرٍ ونَهَرٍ، والفُخْر والفَخار
والفَخارةُ والفِخِّيرَى والفِخِّيراءُ: التمدُّح بالخصال والــافتِخارُ وعَدُّ
القديم؛ وقد فَخَرَ يَفْخَرُ فَخْراً وفَخْرَةً حسنة؛ عن اللحياني، فهو
فاخِرٌ وفَخُورٌ، وكذلك افْتَخَرَ. وتَفاخَرَ القومُ: فَخَرَ بعضُهم على
بعض. والتفاخُرُ: التعاظم. والتَّفَخُّر: التعظم والتكبر. ويقال: فلان
مُتَفَخِّرٌ مُتَفَجِّسٌ. وفاخَرَه مُفاخَرَةً وفِخاراً: عارضه بالفَخْر
فَفَخَره؛ أَنشد ثعلب:
فأَصْمَتُّ عَمْراً وأَعْمَيْتُه،
عن الجودِ والفَخْرِ، يومَ الفِخار
كذا أَنشده بالكسر، وهو نشر المناقب وذكر الكرام بالكَرَمِ.
وفَخِيرُكَ: الذي يُفاخِرُك، ومثاله الخَصِيمُ والفِخِّير: الكثير
الفَخْر، ومثاله السِّكِّير. وفِخِّيرٌ: كثير الــافتخار؛ وأَنشد:
يَمْشِي كَمَشْيِ الفَرِحِ الفِخِّير
وقوله تعالى: إِن الله لا يحب كل مُخْتال فَخُور؛ الفَخُور: المتكبر.
وفاخَرَه ففَخَره يَفْخُره فَخْراً: كان أَفْخَرَ منه وأَكرم أَباً وأُمّاً.
وفَخَره عليه يَفْخَره فَخْراً وأَفْخَره عليه: فَضَّله عليه في الفَخْر.
ان السكيت: فَخَرَ فلان اليوم على فلان في الشرف والجَلَد والمنطق أَي
فَضَل عليه. وفي الحديث: أَنا سيد ولد آدم ولا فَخْرَ؛ الفَخْرُ: ادّعاء
العظم والكبر والشرف، أَي لا أَقوله تَبَجُّحاً، ولكن شكراً وتحدثاً
بنعمه. والفَخِيرُ: المغلوب بالفَخْر.
والمَفْخَرَة والمَفْخُرة، بفتح الخاء وضمها: المَأْثُرة وما فُخِرَ به.
وفيه فُخْرَة أَي فَخْرٌ. وإِنه لذو فُخْرةٍ عليهم أَي فَخْرٍ. وما لك
فُخْرَةُ هذا أَي فَخْرُه؛عن اللحياني، وفَخَر الرجلُ: تكبر بالفَخْر؛
وقول لبيد:
حتى تَزَيَّنَت الجِواءُ بفاخِرٍ
قَصِفٍ، كأَلوان الرِّحال، عَميمِ
عنى بالفاخر الذي بلغ وجاد من النبات فكأَنه فَخَرَ على ما حوله.
والفاخرُ من البسر: الذي يعْظُم ولا نوى له. والفاخر: الجيد من كل شيء.
واسْتَفْخَر الشيءَ: اشتراه فاخراً، وكذلك في التزويج. واسْتَفْخَر فلان ما شاء
وأَفْخَرَت المرأَةُ إِذا لم تلد إِلا فاخراً. وقد يكون في الفَخْر من
الفعل ما يكون في المَجْد إِلا أَنك لا تقول فَخِيرٌ مكان مَجيد، ولكن
فَخُور، ولا أَفْخَرْتُه مكان أَمْجَدْته.
والفَخُور من الإِبل: العظيمة الضرع القليلة اللبن، ومن الغنم كذلك،
وقيل: هي التي تعطيك ما عندنا من اللبن ولا بقاء للبنها، وقيل: الناقة
الفَخُورُ العظيمة الضَّرْع الضيّقة الأَحاليل: وضَرْع فَخُورٌ: غليظ ضيِّق
الأَحاليل قليل اللبن، والاسم الفُخْر والفُخُرُ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
حَنْدَلَسٌ غَلْباءُ مِصْباح البُكُرْ،
واسعة الأَخْلافِ في غير فُخُرْ
ونخلة فَخُورٌ: عظيمة الجِذْع غليظة السَّعَف. وفرس فَخور: عظيم
الجُرْدانِ طويله. وغُرْمُول فَيْخَر: عظيم. ورجل فَيْخَر: عظم ذلك منه، وقد
يقال بالزاي، وهي قليلة. الأَصمعي: يقال من الكِبْر والفَخْر فَخِزَ الرجلُ،
بالزاي؛ قال أَبو منصور: فجعل الفَخْر والفَخْز واحداً. قال أَبو عبيدة:
فرس فَيْخَر وفَيْخَزٌ، بالراء والزاي، إِذا كان عظيم الجُرْدانِ. ابن
الأَعرابي: فَخِرَ الرجل يَفْخَر إِذا أَنِفَ؛ وقول الشاعر:
وتَراه يَفْخَرُ أَنْ تَحُلّ بيوتُه،
بمَحَلَّة الزَّمِر القصيرِ، عِنانا
وفسره ابن الأَعرابي فقال: معناه يأْنَفُ.
والفَخَّار: الخَزَف. وفي الحديث: أَنه خرج يَتَبَرَّز فاتبعه عمر
بإِداوةٍ وفَخَّارة؛ الفَخَّار: ضرب من الخَزَف معروف تعمل منه الجِرادُ
والكِيزان وغيرها. والفَخَّارةُ: الجَرَّة، وجمعها فَخَّار معروف. وفي
التنزيل: من صَلْصال كالفَخَّار.
والفاخُور: نبت طيب الريح، وقيل: ضرب من الرياحين؛ قال أَبو حنيفة: هو
المَرْوُ العريض الورقِ، وقيل: هو الذي خرجت له جَمامِيحُ في وسطه كأَنه
أَذناب الثعالب، عليها نَوْرٌ أَحمر في وسطه، طيب الريح، يسميه أَهْل
البصرة رَيْحان الشيوخ، زعم أَطباؤهم أَنه يقطع الشُّبابَ؛ وأَما قول
الراجز:إِنَّ لنا لجَارَةً فُناخِره،
تَكْدَحُ للدنيا وتَنْسى الآخره
فيقال: هي المرأَة التي تتدحرج في مشيتها.
رغس: الرَّغْسُ: النَّماء والكثرة والخير والبركة، وقد رَغَسَه اللَّه
رَغْساً. ووجهٌ مَرْغُوسٌ: طَلْق مبارك ميمون؛ قال رؤبة يمدح إِيادَ بنَ
الوليد البَجَليّ:
دَعَوتُ رَبَّ العِزَّةِ القُدُّوسا،
دُعاءَ من لا يَقْرَعُ النَّاقُوسا،
حتى أَراني وَجْهك المَرْغُوسا
وأَنشد ثعلب:
ليس بمَحْمُودٍ ولا مَرْغُوسِ
ورجل مرغوس: مبارك كثير الخير مرزوق. ورَغَسَه اللَّهُ مالاً وولداً:
أَعطاه مالاً وولداً كثيراً. وفي الحديث: أَن رجلاً رَغَسَه اللَّه مالاً
وولداً؛ قال الأُمَويُّ: أَكثر له منهما وبارك له فيهما. ويقال: رَغَسَهُ
اللَّهُ يَرغَسُه رَغْساً إِذا كان ماله نامياً كثيراً، وكذلك في الحَسَب
وغيره. والرَّغْسُ: السَّعَةُ في النعمة. وتقول: كانوا قليلاً فرَغَسَهم
اللَّه أَي كَثَّرهم وأَنْماهم، وكذلك هو في الحسب وغيره؛ قال العجاج
يمدح بعض الخلفاء:
أَمامَ رَغْسٍ في نِصابٍ رَغْسِ،
خَلِيفةً ساسَ بغير تَعْسِ
وصفه بالمصدر فلذلك نونَّه. والنصاب: الأَصل. وصواب إِنشاد هذا الرجز
أَمامَ، بالفتح، لأَن قبله:
حتى احْتَضَرنا بعد سَيْرٍ حَدْسِ،
أَمام رَغْسٍ في نِصابٍ رَغْسِ،
خليفةً ساسَ بغيرٍ فَجْسِ
يمدح بهذا الرجز الوليد بن عبد الملك بن مروان. والفَجْسُ: الــافتخار.
وامرأَة مَرْغُوسَة: ولود. وشاة مَرْغُوسَة: كثيرة الولد؛ قال:
لَهْفي على شاةِ أَبي السَّباقِ،
عَتِيقَةٍ من غَنَمٍ عِتاقِ،
مَرْغُوسَةٍ مأْمورةٍ مِعْناقِ
معناق: تلد العُنُوقَ، وهي الإِناث من أَولاد المعز. والرَّغْسُ:
النكاح؛ هذه عن كراع. ورَغَسَ الشيءَ: مقلوبٌ عن غَرَسَه؛ عن يعقوب.
والأَرْغاسُ: الأَغْراسُ التي تخرج على الولد، مقلوب عنه أَيضاً.
بثن: البَثْنَةُ والبِثْنَةُ: الأَرضُ السَّهْلَةُ اللَّينة، وقيل:
الرَّملة، والفتح أَعلى؛ وأَنشد ابن بَري لجميل:
بَدَتْ بَدْوةً لمَّا اسْتَقَلَّت حُمولُها
بِبَثْنةَ، بين الجُرْفِ والحاج والنُّجْلِ.
وبها سميت المرأَة بَثْنة، وبتصغيرها سميت بُثَيْنة. والبَثَنِيّةُ:
الزُّبْدةُ. والبَثَنِيَّةُ: ضَرْبٌ من الحنطة. والبَثَنِيَّةُ: بلادٌ
بالشأْم. وقول خالد بن الوليد لمَّا عَزَلَه عمرُ عن الشام حين خطَبَ الناسَ
فقال: إنَّ عُمَر اسْتَعْمَلني على الشام وهو له مُهِمٌّ، فلما أَلْقَى
الشامُ بَوانِيَه وصارَ بَثَنِيَّةً وعسلاً عزَلني واستعمل غيري؛ فيه
قولان: قيل البَثَنِيَّة حِنْطَةٌ منسوبةٌ إلى بلدة معروفةٍ بالشام من أَرض
دِمَشق، قال ابن الأَثير: وهي ناحية من رُسْتاقِ دِمشق يُقال لها
البَثَنِيَّة، والآخر أَنه أَراد البَثَنِيَّة الناعمة من الرملة اللَّينة يقال
لها بَثْنة، وتصغيرها بُثَيْنَة، فأَراد خالدٌ أَن الشأْم لمَّا سكن وذهبت
شَوْكَتُه، وصار ليّناً لا مكْروهَ فيه، خِصْباً كالحِنْطة والعسلِ،
عزلني، قال: والبَثْنةُ الزُّبْدة الناعمة أَي لما صار زُبْدة ناعمة وعسلاً
صِرْفَيْن لأَنها صارت تجبى أَموالها من غير تعب، قال: وينبغي أَن يكون
بُثَيْنةُ اسم المرأَة تصغيرَها أَعني الزبدة فقال جميل:
أُحِبُّكَ أَنْ نَزَلْتَ جِبال حِسْمَى،
وأَنْ ناسَبْتَ بَثْنةَ من قريبٍ
(* هنا جميل يخاطب أخا بثينة لا بثينة نفسها). البَثْنةُ ههنا: الزبدةُ.
والبَثْنةُ: النَّعْمةُ في النِّعْمةِ. والبَثْنَةُ: الرَّملةُ
اللَّيِّنة. والبَثْنةُ: المرأَةُ الحَسْناء البضّة؛ قال الأَزهري: قرأْتُ بخط
شمر وتقييده: البِثْنة، بكسر الباء، الأَرض اللينة، وجمعُها بِثَنٌ؛ ويقال:
هي الأَرض الطيبة، وقيل: البُثُنُ الرياض؛ وأَنشد قول الكميت:
مباؤكَ في البُثُنِ النَّاعِمَاْ
تِ عَيْناً، إذا رَوَّحَ المؤْصِل
يقول: رِياضُك تَنْعَمُ أَعْيُنَ الناسِ أَي تُقِرُّ عيونَهم إذا أَراحَ
الراعي نَعَمَه أَصيلاً، والمَباءُ والمَباءةُ: المنزلُ. قال الغنوي:
بَثَنِيَّةُ الشام حنطةٌ أَو حبّة مُدَحْرجَةٌ، قال: ولم أَجد حَبّةً
أَفضلَ منها؛ وقال ابن رُوَيشد الثقفي:
فأَدْخَلْتُها لا حِنْطةً بَثَنِيَّةً
تُقَابِلُ أَطْرافَ البيوتِ، ولا حُرْفا
قال: بَثَنِيّة
منسوبةٌ إلى قرية بالشام بين دمشق وأَذْرِعات، وقال أَبو الغوث: كلُّ
حِنْطَةٍ تَنْبُت في الأَرض السَّهْلة فهي بَثَنيَّة خلاف الجبَليَّة،
فجعله من الأَول.
غمر: الغَمْرُ: الماء الكثير. ابن سيده وغيره: ماء غَمْر كثيرٌ
مُغَرِّقٌ بيّن الغُمورةِ، وجمعه غِمار وغُمور. وفي الحديث: مَثَلُ الصلوات
الخَمْسِ كمَثَلِ نهْرٍ غَمْر؛ الغَمْرُ، بفتح الغين وسكون الميم: الكثيرُ،
أَي يَغْمُر مَنْ دخله ويُغطِّيه. وفي الحديث: أَعوذ بك من مَوْتِ الغَمْر
أَي الغرَق. ورجل غَمْرُ الرِّداء وغَمْرُ الخُلُقِ أَي واسع الخلُق كثير
المعروف سخيّ، وإِن كان رداؤه صغيراً، وهو بيّن الغُمورة من قوم غِمارٍ
وغُمورٍ؛ قال كثيِّر:
غَمْر الرِّداء، إِذا تبَسَّمَ ضاحِكاً
غَلِقَتْ لِضَحْكَتِه رِقابُ المالِ
وكله على المثل، وبَحْر غَمْر. يقال: ما أَشدّ غُمورةَ هذا النهر وبحار
غِمارٌ وغُمورٌ. وغَمْرُ البحر: معظمه، وجمعه غِمارٌ وغُمورٌ؛ وقد
غَمُرَ الماءُ
(* قوله« وقد غمر الماء» ضبط في الأصل بضم الميم وعبارة القاموس
وشرحه «وغمر الماء» يغمر من حد نصر كما في سائر النسخ ووجد في بعض أمهات
اللغة مضبوطاً بضم الميم) .غَمارةً وغُمورةً، وكذلك الخلُق.
وغَمَره الماء يَغْمُرُه غَمْراً واغْتَمَره: عَلاه وغَطّاه؛ ومنه قيل
للرجل: غَمَرَه القومُ يَغْمُرونه إِذا عَلَوْه شرفاً. وجيش يَغْتَمرُ
كلَّ شيء: يُغطِّيه ويستغرقه، على المثل. والمَغْمورُ من الرجال: الذي ليس
بمشهور. ونخل مُغْتَمِر: يشرب في الغَمْرة؛ عن أَبي حنيفة؛ وأَنشد قول
لبيد في صفة نخل:
يَشْرَبْنَ رِفْهاً عِراكاً غيرَ صادِرةٍ
فكلُّها كارِعٌ، في الماء، مُغْتَمِرُ
وفي حديث معاوية: ولا خُضْتُ برجل غَمْرةً إِلاَّ قَطَعْتُها عَرْضاً؛
الغَمْرة: الماء الكثير؛ فضربه مثلا لقوّة رأْيه عند الشدائد، فإِن من
خاضَ الماءَ فقطَعَه عرضاً ليس كمن ضَعُفَ واتَّبَع الجِرْيةَ حتى يخرج
بعيداً من الموضع الذي دخل فيه. أَبو زيد: يقال للشيء إِذا كثر: هذا كثير
غَميرٌ.
والغَمْرُ: الفرس الجواد. وفرس غَمْرٌ: جواد كثير العَدْو واسع الجَرْي؛
قال العجاج:
غَمْرَ الأَجارِيِّ مِسَحًّا مِهْرَجا
والغَمْرةُ: الشدة. وغَمْرةُ كل شيء: مُنْهَمَكه وشدَّتُه كغَمْرةِ
الهمّ والموت ونحوهما. وغَمَراتُ الحَرْب والموت وغِمارُها: شدائدها؛
قال:وفارِس في غِمارِ المَوْتِ مُنْغَمِس،
إِذا تَأَلَّى على مَكْروهةٍ صَدَقا
وجمع الغَمْرة غُمَرٌ مثل نَوْبة ونُوَب؛ قال القطامي يصف سفينة نوح،
على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ويذكر قصته مع قومه ويذكر الطوفان:
ونادى صاحبُ التَّنُّورِ نوحٌ،
وصُبَّ عليهمُ منه البَوارُ
وضَجُّوا عند جَيْئَتِه وفَرُّوا،
ولا يُنْجِي من القدَرِ الحِذارُ
وجاشَ الماءُ مُنْهَمِراً إِليهم،
كأَن غُثاءه خِرَقٌ تُسارُ
وعامَتْ، وهي قاصِدةٌ، بإِذْنٍ،
ولولا اللّه جارَ بها الجَوارُ
إِلى الجوديّ حتى صارَ حِجْراً،
وحانَ لِتَالِكَ الغُمَرِ انْحِسارُ
فهذا فيه مَوْعِظةٌ وحكْم،
ولكنِّي امرؤٌ فيَّ افْتِخارُ
الحِجْر: الممنوع الذي له حاجز، قال ابن سيده: وجمع السلامة أَكثر.
وشجاع مُغامِرٌ: يَغْشَى غَمَراتِ الموت. وهو في غَمْرةٍ من لَهْوٍ وشَبِيبة
وسُكْرٍ، كله على المثل. وقوله تعالى: وذَرْهُم في غَمْرَتِهم حتى حِين؛
قال الفراء أَي في جهلهم. وقال الزجاج: وقرئ في غَمَراتِهم أَي في
عَمايَتِهم وحَيْرتِهم؛ وكذلك قوله تعالى: بل قلوبُهم في غَمْرة مِنْ هذا؛
يقول: بل قلوب هؤلاء في عَمايةٍ من هذا. وقال القتيبي: أَي في غطاء وغفلة.
والغَمْرةُ: حَِيْرةُ الكفّار. وقال الليث: الغَمْرةُ مُنْهَمَك الباطل،
ومُرْتَكضُ الهولِ غَمْرةُ الحَرْب. ويقال: هو يضرب في غَمْرَةِ اللَّهْو
ويَتَسَكَّع في غمرة الفتنة، وغَمْرةُ الموت: شدّة همومِه؛ قال ذو
الرمة:كأَنَّني ضاربٌ في غَمْرةٍ لَعِبُ
أَي سابح في ماء كثير. وفي حديث القيامة: فيقذِفُهم في غَمَراتِ جهنَّم
أَي المواضع التي تكثر فيها النار. وفي حديث أَبي طالب: وجَدْتُه في
غَمَراتٍ من النار، واحدتها غَمْرةٌ. والمُغامِرُ والمُغَمِّرُ: المُلْقي
بنفسه في الغَمَراتِ. والغَمْرة: الزَّحْمةُ من الناس والماء، والجمع
غِمارٌ. وفي حديث أُويس: أَكُون في غِمارِ الناس أَي جَمْعِهم المتكاثف. وفي
حديث أَبي بكر، رضي اللّه عنه: أَمّا صاحِبُكم فقد غامَرَ أَي خاصَم غيرَه،
ومعناه دخل في غَمْرةِ الخصومة وهي معظمها. والمُغامِرُ: الذي رمى بنفسه
في الأُمور المُهْلكة، وقيل: هو من الغِمْر، بالكسر، وهو الحِقْد، أَي
حاقد غيره؛ وفي حديث خيبر:
شاكي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغامِرُ
أَي مُخاصِمٌ أَو مُحاقِدٌ. وفي حديث الشهادة: ولا ذي غِمْرٍ على أخيه
أَي ضِغْنٍ وحقد.
وغَمْرةُ الناس والماء وغَمْرُهم وغُمارُهم وغِمارهم: جماعتهم ولَفيفُهم
وزحمتهم. ودخلت في غُمارِ الناس وغَمارِهم، يضم ويفتح، وخُمارِهم
وخَمارِهم وغَمَرِهم وخَمَرِهم أَي في زحمتهم وكثرتهم.
واغْتَمَر في الشيء: اغْتَمَس. والاغْتِمارُ: الاغْتِماسُ.
والانْغِمارُ: الانْغِماسُ في الماء. وطعامٌ مُغْتَمِرٌ إِذا كان بقشره.
والغَمِيرُ: شيء يخرج في البُهْمَى في أَول المطر رطباً في يابس، ولا
يعرف الغَميرُ في غير البهمي. قال أَبو حنيفة: الغَميرُ حبُّ البهمى الساقط
من سنبله حين يَيْبَس، وقيل: الغَميرُ ما كان في الأَرض من خُضْرة
قليلاً إِمَّا ريحةً وإِمَّا نباتاً، وقيل: الغَميرُ النبت ينبت في أَصل النبت
حتى يَغْمُره الأَول، وقيل: هو الأَخضر الذي غَمَرَه اليبيس يذهبون إِلى
اشتقاقه، وليس بقويّ، والجمع أَغْمِراء. أَبو عبيدة: الغَميرة الرَّطْبة
والقتُّ اليابس والشعير تعلفه الخيل عند تضميرها. الجوهري: الغَميرُ
نبات قد غَمَره اليَبِيس؛ قال زهير يصف وحشاً:
ثَلاثٌ كأَقْواسِ السَّراءِ وناشِطٌ،
قد اخْضَرَّ من لَسِّ الغَمير جَحافِلُهْ
وفي حديث عمرو بن حُرَيْثٍ: أَصابَنا مطرٌ ظهر منه الغَميرُ، بفتح الغين
وكسر الميم، هو نبت البقل عن المطر بعد اليُبْس، وقيل: هو نبات أَخْضَر
قد غَمَرَ ما قبله من اليَبِيس. وفي حديث قُسٍّ: وغَميرُ حَوْذانٍ، وقيل:
هو المستور بالحَوْذان لكثرة نباته. وتَغَمَّرت الماشيةُ: أَكلت
الغَمير. وغَمَرَه: علاه بفضله وغطّاه. ورجل مَغْمورٌ: خامل. وفي حديث صفته: إذا
جاء مع القوم غَمَرَهم أَي كان فوق كلِّ مَنْ معه؛ وفي حديث حُجَيْر:
إِنِّي لمَغْمورٌ فيهم أَي لست بمشهور كأَنّهم قد غَمَرُوه؛ وفي حديث
الخندق: حتى أَغْمَزَ بَطْنَه أَي وارَى التُّرابُ جِلْدَه وستَره؛ وفي حديث
مَرَضِه: أَنه اشتدّ به حتى غُمِرَ عليه أَي أُغْمِيَ عليه حتى كأَنه
غُطِّي على عقله وسُتِر.
والغِمْرُ، بالكسر: العطش؛ قال العجاج:
حتى إذا ما بَلَّت الأَغْمارا
والغُمَرُ: قَدَحٌ صغير يَتصافَنُ به القومُ في السفر إِذا لم يكن معهم
من الماء إلا يسيرٌ على حصاة يُلْقونها في إِناء ثم يصبّ فيه من الماء
قدر ما يَغْمُر الحصاة فيعطاها كلُّ رجل منهم. وفي الحديث: أَنه كان في
سَفَرٍ فشُكِيَ إِليه العَطَشُ، فقال: أَطْلقوا لي غُمَرِي أَي ائتوني به،
وقيل: الغُمَرُ أَصغر الأَقداح؛ قال أَعشى باهلة يرثي أَخاه المُنتَشِر
بن وهب الباهلي:
يَكْفِيه حُزّةُ فِلْذٍ، إن أَلَمَّ بها،
من الشِّواءِ ، ويُرْوِي شُرْبَه الغُمَرُ
وقيل: الغُمَر القَعْبُ الصغير. وفي الحديث: لا تجعلوني كغُمَرِ الراكب،
صَلُّوا عليَّ أَوّلَ الدعاء وأَوْسَطَه وآخرَه؛ الغُمَرُ، بضم الغين
وفتح الميم: القدح الصغير؛ أَراد أَن الراكب يحمل رَحْلَه وأَزوادَه ويترك
قَعْبَه إلى آخر تَرْحالِه ثم يعلّقه على رحله كالعِلاوة فليس عنده
بمُهمٍّ، فنهاهم أَن يجعلوا الصلاة عليه كالغُمَرِ الذي لا يُقدَّم في
المُهامّ ويجعل تبعاً. ابن شميل: الغُمَرُ يأْخذ كَيْلَجَتيْنِ أَو ثلاثاً،
والقَعْب أَعظمُ منه وهو يُرْوي الرجلَ، وجمع الغُمَرِ أَغْمارٌ. وتَغَمّرْت
أَي شربت قليلاً من الماء؛ قال العجاج:
حتى إذا ما بَلّت الأَغْمارا
رِيٍّا ولمَّا، يَقْصَعِ الاصْرارا
وفي الحديث: أَمَّا الخيلُ فغَمِّروها وأَما الرجالُ فأَرْوُوهم؛ وقال
الكميت:
بها نَقْعُ المُغَمَّرِ والعَذُوبِ
المُغَمَّر: الذي يشرب في الغُمَر إذا ضاق الماء. والتَّغَمُّر الشرب
بالغُمَرِ، وقيل: التَّغَمُّر أَقل الشُّرْب دون الريّ، وهو منه. ويقال:
تَغَمَّرْت، من الغُمَرِ، وهو القَدَح الصغير. وتغَمَّر البعيرُ: لم يَرْوَ
من الماء، وكذلك العَيْر، وقد غَمَّرَه الشُّرْب؛ قال:
ولست بصادِرٍ عن بَيْت جارِي،
صُدورَ العَيْر غَمَّرَه الوُرودُ
قال ابن سيده: وحكى ابن الأَعرابي غَمَّره أَصْحُناً سقاه إِياها،
فعدَّاه إِلى مفعولين.
وقال أَبو حنيفة: الغامِرةُ النخلُ التي لا تحتاج إِلى السقي، قال: ولم
أَجد هذا القول معروفاً.
وصبيّ غُمْرٌ وغَمْرٌ وغَمَرٌ وغَمِرٌ ومُغَمَّر: لم يُجرِّب الأُمور
بيّنُ الغمارة من قوم أَغْمارٍ، وقد غَمُر، بالضم، يَغْمُر غَمارةً؛ وكذلك
المُغَمَّر من الرجال إِذا استجهله الناس، وقد غُمِّرَ تَغْميراً. وفي
حديث ابن عباس، رضي الله عنهما: أَن اليهود قالوا للنبي، صلى الله عليه
وسلم: لا يَغُرّك أَن قَتَلْتَ نَفَراً من قُريش أَغْماراً؛ الأَغْمارُ جمع
غُمْر، بالضم، وهو الجاهل الغِرُّ الذي لم يُجَرِّب الأُمور؛ قال ابن
سيده: ويُقْتاس من ذلك لكل من لا غَناء عنده ولا رَأْي. ورجل غُمْر وغَمِر:
لا تجربة له بحرب ولا أَمر ولم تحنِّكه التَّجارب؛ وقد روي بيت الشماخ:
لا تَحْسَبَنّي ، وإِن كُنْتُ امْرأً غَمِراً،
كحيّة الماء بين الصَّخْرِ والشِّيدِ
قال ابن سيده: فلا أَدري أَهو إِتباع أَم لغة؛ وهم الأَغمار. وامرأَة
غَمِرَةٌ: غِرٌّ. وغامَرَه أَي باطَشَه وقاتَلَه ولم يبال الموت. قال أَبو
عمرو:
رجل مُغامِرٌ إذا كان يقتحم المهالك. والغُمْرة: تَطْلى به العروس يتخذ
من الورس. قال أَبو العميثل: الغُمْرة والغُمْنة واحد. قال أَبو سعيد: هو
تمر ولبن يطلى به وجه المرأَة ويداها حتى ترِقَّ بشرتها، وجمعها الغُمَر
والغُمَنُ؛ وقال ابن سيده في موضع آخر: والغُمْرة والغُمْرُ الزعفران،
وقيل: الورس، وقيل: الجِصّ، وقيل: الكُرْكُم. وثوب مُغَمَّرُ: مصبوغ
بالزعفران. وجارية مُغَمَّرةٌ: مطلية. ومغْتَمِرة ومُتَغَمِّرة: مُتَطلّية.
وقد غَمَّرت المرأَةُ وجهها تَغْمِيراً أَي طلت به وجهها ليَصْفُو لونها،
وتَغَمَّرَت مثله؛ وغَمَّر فلانٌ جاريته.
والغَمَرُ، بالتحريك: السَّهَكُ وريحُ اللحم وما يَعْلَق باليد من
دَسَمِه. وقد غَمِرَت يدُه من اللحم غَمَراً، فهي غَمِرةٌ أَي زَهِمةٌ، كما
تقول من السَّهَك: سَهِكةٌ؛ ومنه منديل الغَمَر، ويقال لمنديل الغَمَرِ:
المَشُوش. وفي الحديث: مَنْ باتَ وفي يده غَمَرٌ؛ هو الدسم، بالتحريك، وهو
الزهومة من اللحم كالوَضَرِ من السَّمْن. والغِمْرُ والغَمَرُ: الحقد
والغلّ، والجمع غُمورٌ. وقد غَمِرَصدرُه عليّ، بالكسر، يَغْمَرُ غِمْراً
وغَمَراً. والغامر من الأَرض والدور: خلافُ العامِر. وقال أَبو حنيفة:
الغامِرُ من الأَرض كلِّها ما لم يستخرج حتى يصلح للزرع والغرس، وقيل:
الغامِرُ من الأَرض ما لم يزرع مما يحتمل الزراعة، وإنما قيل له غامِرٌ لأَن
الماء يبلغه فيَغْمُره، وهو فاعلٌ بمعنى مفعول، كقولهم: سرٌّ كاتمٌ وماءٌ
دافقٌ، وإنما بني على فاعِلٍ ليقاَبل به العامر، وما لا يبلغه الماء من
موات الأَرض لا يقال له غامِرٌ. قال أَبو عبيد: المعروف في الغامِر المعاشُ
الذي أَهله بخير، قال: والذي يقول الناسُ إِن الغامِرَ الأَرض التي
تُعْمَر، لا أَدري ما هو، قال: وقد سأَلت عنه فلم يبينه لي أَحد؛ يريد قولهم
العامِر والغامِر. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه مَسَحَ السَّوادَ
عامِرَه وغامِرَه، فقيل: إنه أَراد عامِرَه وخرابه. وفي حديث آخر: أَنه جعل
على كلِّ جَرِيبٍ عامِرٍ أَو غامِرٍ دِرْهماً وقفيزاً، وإنما فعل عمر، رضي
ا عنه، ذلك لئلا يُقَصِّرَ الناسُ في المُزارعةِ. قال أَبو منصور: قيل
للخراب غامِرٌ لأَن الماء قد غَمَرَه فلا تمكن زراعتُه أَو كَبَسَه الرمل
والتراب، أَو غَلب عليه النَّزُّ فنبت فيه الأَباءُ والبَرْدِيّ فلا
ينبت شيئاً، وقيل له غامِرٌ لأَنه ذو غَمْرٍ من الماء وغيره للذي غَمَره،
كما يقال: همٌّ ناصبٌ أَي ذو نصَب؛ قال ذو الرمة:
تَرَى قُورَها يَغْرَقْن في الآلِ مَرَّةً،
وآوِنةً يَخْرُجْنَ من غامِرٍ ضَحْلِ
أي من سراب قد غَمَرَها وعلاها.
والغَمْرُ وذات الغَمْر وذو الغَمْر: مواضع، وكذلك الغُمَيرْ؛ قال:
هَجَرْتُك أَيّاماً بذي الغَمْرِ، إنَّني
على هَجْرِ أَيّامٍ بذي الغَمْرِ نادِمُ
وقال امرؤ القيس:
كأَثْلٍ منَ الأَعْراضِ من دون بِئْشةٍ
ودُون الغُمَيرِ عامِدات لِغَضْوَرا
وغَمْرٌ وغُمَيْرٌ وغامِرٌ: أَسماء. وغَمْرة: موضع بطريق مكة؛ قال
الأزهري: هو منزل من مَناهِل طريق مكة، شرفها الله تعالى، وهو فَصْلُ ما بين نجد
وتهامة. وفي الحديث ذكر غَمْر، بفتح الغين وسكون الميم، بئر قديمة بمكة
حفرها بنو سَهْمٍ.
والمَغْمورُ: المقهورُ.والمَغْمورُ: المَمْطورُ. وليل غَمرٌ: شديد
الظلمة؛ قال الراجز يصف إبلاً:
يَجتَبْنَ أَثْناءَ بَهيِمٍ غَمْرِ،
داجي الرِّواقَيْنِ غُدافِ السِّتْرِ
وثوب غَمْرٌ إذا كان ساتراً.
نشد: نَشَدْتُ الضَّالَّةَ إِذا ناديتَ وسَأَلتَ عنها. ابن سيده: نَشَدَ
الضَّالَّةَ يَنْشُدُها نِشْدَةً ونِشْداناً طَلَبَها وعرَّفَها.
وأَنْشَدَها: عَرَّفَها؛ ويقال أَيضاً: نَشَدْتُها إِذا عَرَّفْتها؛ قال أَبو
دواد:
ويُصِيخُ أَحْياناً، كما اسْـ
ـتَمَعَ المُضِلُّ لِصَوتِ ناشِدْ
أَضَلَّ أَي ضَلَّ له شيء، فهو يَنْشُدُه. قال: ويقال في الناشد: إِنه
المُعَرِّفُ. قال شمر: وروي عن المفضل الضبِّي أَنه قال: زعموا أَن امرأَة
قالت لابنتها: احفظي بنتك ممن لا تَنْشُدِين أَي لا تَعْرِفين. قال
الأَصمعي: كان أَبو عمرو بن العلاء يَعْجَبُ من قول أَبي دُواد:
كما اسْتَمَعَ المُضِلُّ لِصَوْتِ ناشِد
قال: أَحسبه قال هذا وغيره أَراد بالناشد أَيضاً رجلاً قد ضَلَّتْ
دابَّتُه، فهو يَنْشُدُها أَي يَطلبها لِيَتَعَزَّى بذلك؛ وأَما ابن المُظفر
فإِنه جعل الناشد المعرِّف في هذا البيت؛ قال: وهذا من عجيب كلامهم أَن
يكون الناشِدُ الطالِبَ والمُعَرِّفَ جميعاً، وقيل: أَنْشَدَ الضَّالة
اسْترشَدَ عنها، وأَنشد بيت أَبي دواد أَيضاً. قال ابن سيده: الناشِدُ هنا
المُعَرِّفُ، قال: وقيل الطالب لأَن المُضِلَّ يشتهي أَن يجد مُضِلاً مثله
ليتعزى به، وهذا كقولهم الثَّكْلَى تُحِبُّ الثَّكْلَى. والناشدون: الذين
يَنْشُدُون الإِبل ويطلبون الضوالَّ فيأْخذونها ويحْبِسونها على
أَربابها؛ قال ابن عرس:
عِشْرُونَ أَلفاً هَلَكُوا ضَيْعَةً،
وأَنْتَ مِنْهُمْ دَعْوَةُ الناشِدِ
يعني قوله: أَين ذَهَبَ أَهلُ الدارِ أَن انْتَوَوْا كما يقول صاحب
الضَّالّ: مَنْ أَصابَ؟ مَنْ أَصابَ؟ فالناشِدُ الطالب، يقال منه: نَشَدْتُ
الضَّالَّة أَنشُدُها وأَنْشِدُها نَشْداً ونِشْداناً إِذا طَلَبْتها،
فأَنا ناشِدٌ، وأَنْشَدْتُها فأَنا مُنْشِدٌ إِذا عَرَّفْتَها. وفي حديث
النبي، صلى الله عليه وسلم، وذِكْرِه حَرَمَ مَكَّةَ فقال: لا يُخْتلى
خَلاها ولا تَحِلُّ لُقَطَتُها إِلا لمُنْشِد؛ قال أَبو عبيد: المُنْشِدُ
المُعَرِّفُ. قال: والطالب هو الناشد. قال: ومما يُبَيِّنُ لك أَن الناشدَ هو
الطالبُ حديثُ النبي، صلى الله عليه وسلم، حين سمع رجلاً يَنْشُد ضالَّة
في المَسْجِد فقال: يا أَيها الناشِدُ، غيرك الواجِد؛ معناه لا وجَدْت
وقال ذلك تأْديباً له حيث طلب ضالته في المسجد، وهو من النَّشِيدِ رفْع
الصَّوْتِ. قال أَبو منصور: وإِنما قيل للطالب ناشد لرفع صوته بالطلب.
والنَّشِيدُ: رَفْعُ الصَّوْت، وكذلك المعَرِّفُ يرفع صوته بالتعريف فسمي
مُنْشِداً؛ ومن هذا إِنشاد الشعر إِنما هو رفع الصوت. وقولهم: نَشَدْتُك
بالله وبالرَّحِم، معناه: طلبت إِليك بالله وبحق الرَّحِم برفع نشيدي أَي
صوتي. وقال أَبو العباس في قولهم: نشدتك الله، قال: النشيد الصوت، أَي
سأَلتك بالله برفع نشيدي أَي صوتي. قال: وقولهم نشدت الضالة أَي رفعت نشيدي
أَي صوتي بطلبها. قال: ومنه نَشَدَ الشِّعْر وأَنشده، فنَشده: أَشاد
بذكره، وأَنشده إِذا رفعه، وقيل في معنى قوله، صلى الله عليه وسلم: ولا تحل
لقطتها إِلا لمنشد، قال: إِنه فَرَقَ بقوله هذا بين لُقَطةِ الحرم ولقطة
سائر البُلْدانِ لأَنه جعل الحُكْم في لقطة سائر البلاد أَنَّ ملتقطها
إِذا عرّفها سنة حلَّ له الانتفاع بها، وجَعَلَ لُقَطَةَ حَرمِ الله محظوراً
على مُلْتَقِطِها الانتفاعُ بها وإِن طال تعريفه لها، وحَكَمَ أَنه لا
يحل لأَحد التقاطها إِلا بنيَّة تعريفها ما عاشَ، فأَما أَن يأْخذها من
مكانها وهو ينوي تعريفها سنة ثم ينتفع بها كما ينتفع بلقطة سائر الأَرض
فلا؛ قال الأَزهري: وهذا معنى ما فسره عبد الرحمن بن مهديّ وأَبو عبيد وهو
الأَثر. غيره: ونَشَدْتُ فلاناً أَنْشُدُه نَشْداً إِذا قلت له نَشَدْتُك
اللَّهَ أَي سأَلتك بالله كأَنك ذكَّرْتَه إِياه فَنَشَدَ أَي تَذَكَّرَ؛
وقول الأَعشى:
رَبِّي كَرِيمٌ لا يُكَدِّرُ نِعْمَةً،
وإِذا تُنُوشِدَ في المَهارِقِ أَنْشَدَا
قال أَبو عبيد: يعني النعمان بن المنذر إِذا سئل بكَتْبِ الجَوائِز
أَعْطى. وقوله تُنُوشِدَ هو في موضع نُشِدَ أَي سُئِلَ. التهذيب: الليث: يقال
نشد ينشد فلان فلاناً إِذا قال نَشَدْتُكَ باللهِ والرَّحِم. وتقول:
ناشَدْتُكَ اللَّهَ. وفي المحكم: نَشَدْتُكَ الله نَشْدَةً ونِشْدَةً
ونِشْداناً اسْتَحْلَفْتُكَ بالله، وأَنشدُك بالله إِلا فَعَلْتَ:
أَستَحْلِفُكَ بالله. ونَشْدَكَ الله أَي أَنْشُدُكَ بالله؛ وقد ناشَدَه مُناشَدةً
ونِشاداً. وفي الحديث: نَشَدْتك الله والرَّحِم أَي سأَلتُكَ بالله
والرَّحِمِ. يقال: نَشَدْتُكَ الله وأَنْشُدُك الله وبالله وناشَدتُك اللَّهَ
وبالله أَي سأَلتُك وأَقْسَمْتُ عليك. ونَشَدْتُه نِشْدَةً ونِشْداناً
ومِناشَدَةً، وتَعْدِيَتُه إِلى مفعولين إِما لأَنه بمنزلة دعوت، حيث قالوا
نشدتك الله وبالله، كما قالوا دَعَوْتُه زيداً وبزيد إِلا أَنهم ضمَّنوه
معنى ذكَّرْت. قال: فأَما أَنشدتك بالله فخطأٌ: ومنه حديث قَيْلَة: فنشدت
عليه
(* قوله «فنشدت عليه إلخ» كذا بالأصل والذي في نسخة من النهاية يوثق
بها فنشدت عنه أي سألت عنه) فسأَلتُه الصُّحْبَة أَي طَلَبْتُ منه. وفي
حديث أَبي سعيد: أَنَّ الأَعضاء كلَّها تُكَفِّرُ اللسانَ تقول: نِشْدَكَ
الله فينا؛ قال ابن الأَثير: النِّشْدَةُ مصدر وأَما نِشْدَك فقيل إِنه
حَذَفَ منها التاء وأَقامها مُقامَ الفِعْل، وقيل: هو بناء مرتجل
كقِعْدَك اللَّهَ وعَمْرَكَ الله. قال سيبويه: قولهم عَمْرَكَ الله وقِعدَك
اللَّهَ بمنزلة نِشْدَك الله، وإِن لم يُتَكلم بِنِشْدَك، ولكن زعم الخليل
أَن هذا تمثيل تُمُثِّل به
(* قوله «تمثل به» في نسخة النهاية التي بأيدينا
يمثل به) قال: ولعل الراوي قد حرف الرواية عن نَنْشُدُكَ الله، أَو
أَراد سيبويه والخليل قلة مجيئه في الكلام لا عدمه، أَولم يبلغْهما مَجِيئُه
في الحديث فحُذِفَ الفِعْلُ الذي هو أَنشدك الله وَوُضِعَ المصْدَرُ
موضعه مضافاً إِلى الكاف الذي كان مفعولاً أَول. وفي حديث عثمان: فأَنْشَدَ
له رِجالٌ أَي أَجابوه. يقال: نَشَدْتُه فأَنْشَدَني وأَنْشَدَ لي أَي
سأَلْتُه فأَجابني، وهذه الأَلِف تسمى أَلِفَ الإِزالة. يقال: قَسَطَ الرجل
إِذا جارَ، وأَقْسَطَ إِذا عَدَلَ، كأَنه أَزال جَوْرَه وأَزال نَشِيدَه،
وقد تكرّرت هذه اللفظة في الأَحاديث على اختلاف تصرُّفها؛ وناشَدَه
الأَمرَ وناشَدَه فيه. وفي الخبر: أَن أُمّ قيس بن ذريح أَبْغَضَتْ لُبْنَى
فناشَدَتْه في طَلاقِها، وقد يجوز أَن تكون عَدَّتْ بفي لأَنَّ في
ناشَدَتْ مَعْنى طَلَبَتْ ورَغِبَتْ وتَكَلَّمَتْ؛ وأَنشد الشعر. وتناشدوا:
أَنشد بعضهم بعضاً.
والنَّشِيدُ: فَعِيلٌ بمعنى مُفْعَل. والنشيدُ: الشعر المتناشد بين
القوم ينشد بعضهم بعضاً؛ قال الأُقيشر الأَسدي:
ومُسَوّف نَشَدَ الصَّبُوحَ صَبَحْتُه،
قَبْلَ الصَّباح، وقَبْلَ كلِّ نِداءِ
قال: المسوّف الجائع ينظر يَمْنَةً ويَسْرَةً. نَشَدَه: طلبه؛ قال
الجعدي:
أَنْشُدُ الناسَ ولا أُنْشِدُهم،
إِنَّما يَنْشُدُ مَنْ كانَ أَضَلْ
قال: لا أُنْشِدُهم أَي لا أَدُلُّ عليهم. ويَنْشُدُ: يَطْلُبُ.
والنَّشِيدُ من الأَشعار: ما يُتناشَدُ. وأَنْشَدَ بِهِمْ. هَجَاهُمْ. وفي الخبر
أَن السَّليطِيِّينَ قالوا لِغَسَّانَ: هذا جرير يُنْشِدُ بنا أَي
يَهْجُونا؛ واسْتَنْشَدْتُ فلاناً شعره فأَنشدنيه. ومِنْشِدٌ: اسم موضع؛ قال
الراعي:
إِذا ما انْجَلَتْ عنهُ غَدَاةً ضَبابةٌ،
غَدا وهو في بَلْدٍ خَرانِقِ مُنْشِدِ
نبط: النَّبَط: الماء الذي يَنْبُطُ من قعر البئر إِذا حُفرت، وقد نبَطَ
ماؤها ينْبِطُ ويَنْبُطُ نَبْطاً ونُبوطاً. وأَنبطنا الماءَ أَي
استنبطناه وانتهينا إِليه. ابن سيده: نبَطَ الرَّكِيّةَ نَبْطاً وأَنْبَطها
واسْتَنْبَطها ونبّطها؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي: أَماهَها. واسم الماء
النُّبْطةُ والنَّبَطُ، والجمع أَنْباط ونُبوط. ونبطَ الماءُ ينْبُطُ
وينْبِط نُبوطاً: نبع؛ وكل ما أُظهر، فقد أُنْبِط.
واسْتَنْبَطه واستنبط منه علماً وخبراً ومالاً: استخرجه. والاسْتنْباطُ:
الاستخراج. واستنبَطَ الفَقِيهُ إِذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده
وفهمِه. قال اللّه عزّ وجلّ: لعَلِمَه الذين يستنبطونه منهم؛ قال الزجّاج:
معنى يستنبطونه في اللغة يستخرجونه، وأَصله من النبَط، وهو الماء الذي يخرج
من البئر أَوّل ما تحفر؛ ويقال من ذلك: أَنْبَطَ في غَضْراء أَي استنبطَ
الماء من طين حُرّ. والنَّبَطُ والنَّبِيطُ: الماء الذي يَنْبُِطُ من
قعر البئر إِذا حُفرت؛ قال كعب بن سعد الغَنَوِيُّ:
قَريبٌ ثَراه ما يَنالُ عَدُوُّه
له نَبَطاً، عِند الهَوانِ قَطُوبُ
(* قوله «عند الهوان» هو هكذا في الصحاح، والذي في الاساس: آبي الهوان.)
ويروى: قريب نَداه. ويقال للرِكيّة: هي نَبَطٌ إِذا أُميهتْ. ويقال:
فلان لا يُدْرَكُ له نَبَطٌ أَي لا يُعْلَمُ قَدْرُ علمه وغايَتُه. وفي
الحديث: مَن غَدا مِن بَيتِه يَنْبِطُ عِلماً فَرَشَتْ له الملائكةُ
أَجْنِحَتَها، أَي يُظهره ويُفْشِيه في الناس، وأَصله مِن نَبَطَ الماءُ ينبط
إِذا نَبعَ. ومنه الحديث: ورجلٌ ارْتَبط فرساً ليَسْتَنْبِطَها أَي يَطلُب
نَسْلها ونِتاجَها، وفي رواية: يَسْتَبْطِنها أَي يطلب ما في بطنها. ابن
سيده: فلان لا يُنالُ له نَبَطٌ إِذا كان داهياً لا يُدْرَك له غَوْر.
والنبَط: ما يتَحَلَّبُ من الجَبل كأَنه عَرَق يخرج من أَعْراض الصخر. أَبو
عمرو: حفَرَ فَأَثْلَجَ إِذا بلَغ الطين، فإِذا بلغ الماء قيل أَنْبَطَ،
فإِذا كثُر الماء قيل أَماهَ وأَمْهَى، فإِذا بلغ الرّملَ قيل أَسْهَبَ.
وأَنبَط الحَفّارُ: بلغ الماء. ابن الأَعرابي: يقال للرجل إِذا كان
يَعِدُ ولا يُنْجِزُ: فلان قريب الثَّرَى بعيدُ النَّبَطِ. وفي حديث بعضهم وقد
سُئل عن رجل فقال: ذلك قريب الثرى بعيدُ النَبط، يريد أَنه داني
المَوْعِد بعيدُ الإِنْجاز. وفلان لا يُنال نَبَطُه إِذا وُصف بالعزّ والمَنَعةِ
حتى لا يجد عدوُّه سبيلاً لأَن يتَهَضَّمَه.
ونَبْطٌ: واد بعينه؛ قال الهذلي:
أَضَرَّ به ضاحٍ فَنَبْطا أُسالةٍ،
فَمَرٌّ، فأَعلى حَوْزِها، فَخُصورُها
والنَّبَطُ والنُّبْطةُ، بالضم: بَياض تحت إِبْط الفَرس وبطنِه وكلّ
دابّة وربما عَرُضَ حتى يَغْشَى البطن والصدْر. يقال: فرس أَنْبَطُ بيِّن
النَّبَط، وقيل الأَنْبطُ الذي يكون البياض في أَعلى شِقّي بطنه مما يليه
في مَجْرى الحِزام ولا يَصعَد إِلى الجنب، وقيل: هو الذي ببطنه بياضٌ، ما
كان وأَين كان منه، وقيل هو الأَبيض البطن والرُّفْغ ما لم يصعَد الى
الجنبين، قال أَبو عبيدة: إِذا كان الفرسُ أَبيضَ البطن والصدر فهو أَنبط؛
وقال ذو الرمة يصف الصبح:
وقد لاحَ للسّارِي الذي كَمَّل السُّرَى،
على أُخْرَياتِ الليْل، فَتْقٌ مُشَهَّرُ
كَمِثْل الحِصانِ الأَنْبَطِ البَطْنِ قائماً،
تَمايَل عنه الجُلُّ، فاللَّوْنُ أَشْقَرُ
شبّه بياضَ الصبح طالعاً في احْمِرار الأُفُق بفرس أَشْقَر قد مال عنه
جُلُّه فبان بياضُ إِبْطه. وشاة نَبْطاء: بيضاء الشاكلة. ابن سيده: شاةٌ
نَبطاء بيضاء الجنبين أَو الجنب، وشاة نبطاء مُوشَّحةٌ أَو نَبْطاءُ
مُحْوَرَّةٌ، فإِن كانت بيضاء فهي نبطاء بسواد، وإِن كانت سوداء فهي نبطاء
ببياض.
والنَّبِيطُ والنَبطُ كالحَبِيشِ والحَبَشِ في التقدير: جِيلٌ
يَنْزِلُون السواد، وفي المحكم: ينزلون سواد العراق، وهم الأَنْباطُ، والنَّسَبُ
إِليهم نَبَطِيٌّ، وفي الصحاح: ينزلون بالبَطائِح بين العِراقين. ابن
الأَعرابي: يقال رجل نُباطيّ، بضم النون
(* قوله «بضم النون» حكى المجد
تثليثها.)، ونَباطِيٌّ ولا تقل نَبَطِيٌّ. وفي الصحاح: رجل نَبَطيٌّ
ونَباطِيٌّ ونَباطٍ مثل يَمنيّ ويمَانيّ ويمان، وقد استنبطَ الرجلُ. وفي كلام
أَيُّوبَ بن القِرِّيّةِ: أَهل عُمان عَرَبٌ اسْتَنْبَطُوا، وأَهل
البَحْرَيْن نَبِيطٌ اسْتَعْرَبُوا. ويقال: تَنَبَّطَ فلان إِذا انْتَمى إِلى
النَّبَط، والنَّبَطُ إِنما سُموا نَبَطاً لاسْتِنْباطِهم ما يخرج من
الأَرضين. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: تَمَعْدَدُوا ولا تَسْتَنْبِطُوا أَي
تَشبَّهوا بمَعَدٍّ ولا تشبَّهوا بالنَّبط. وفي الحديث الآخر: لا
تَنَبَّطُوا في المدائن أَي لا تَشَبَّهوا بالنَّبط في سكناها واتخاذ العَقارِ
والمِلْك. وفي حديث ابن عباس: نحن مَعاشِر قُريْش من النَّبط من أَهل كُوثَى
رَبّاً، قيل: إِن إِبراهيم الخليل ولد بها وكان النَّبطُ سكّانَها؛ ومنه
حديث عمرو بن مَعْدِيكَرِب: سأَله عُمر عن سَعْد بن أَبي وقّاص، رضي
اللّه عنهم، فقال: أَعرابيٌّ في حِبْوتِه، نَبَطِيٌّ في جِبْوتِه؛ أَراد أَنه
في جِبايةِ الخَراج وعِمارة الأَرضين كالنَّبط حِذقاً بها ومَهارة فيها
لأَنهم كانُوا سُكَّانَ العِراقِ وأَرْبابَها. وفي حديث ابن أَبي أَوْفى:
كنا نُسْلِف نَبِيط أَهل الشام، وفي رواية: أَنْباطاً من أَنْباط الشام.
وفي حديث الشعبي: أَن رجلاً قال لآخر: يا نَبَطيّ فقال: لا حَدّ عليه
كلنا نَبطٌ يريد الجِوارَ والدار دُون الوِلاة. وحكى أَبو علي: أَن
النَّبط واحد بدلالة جمعهم إِيَّاه في قولهم أَنباط، فأَنباط في نَبَط كأَجْبال
في جبَل. والنبِيطُ كالكليب. وعِلْكُ الأَنْباطِ: هو الكامان المذاب
يجعل لَزُوقاً للجرح. والنَّبْطُ: الموْتُ. وفي حديث علي: وَدَّ السُّراةُ
المُحكِّمةُ أَن النَّبْطَ قد أَتى علينا كلِّنا؛ قال ثعلب: النَّبْطُ
الموت.
وَوَعْساء النُّبَيْطِ: رملة معروفة بالدّهْناء، ويقال وعساء
النُّمَيْطِ. قال الأَزهري: وهكذا سماعي منهم. وإِنْبِط: اسم موضع بوزن إِثْمِد؛
وقال ابن فَسْوةَ:
فإِنْ تَمْنَعُوا مِنها حِماكُم، فإِنّه
مُباحٌ لها، ما بين إِنْبِطَ فالكُدْرِ
ربب: الرَّبُّ: هو اللّه عزّ وجل، هو رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وله الرُّبوبيَّة على جميع الخَلْق، لا شريك له، وهو رَبُّ الأَرْبابِ، ومالِكُ الـمُلوكِ والأَمْلاكِ. ولا يقال الربُّ في غَير اللّهِ، إِلاّ بالإِضافةِ، قال: ويقال الرَّبُّ، بالأَلِف واللام، لغيرِ اللّهِ؛ وقد قالوه في الجاهلية للـمَلِكِ؛ قال الحرث ابن حِلِّزة:
وهو الرَّبُّ، والشَّهِـيدُ عَلى يَوْ * مِ الـحِـيارَيْنِ، والبَلاءُ بَلاءُ
والاسْم: الرِّبابةُ؛ قال:
يا هِنْدُ أَسْقاكِ، بلا حِسابَهْ، * سُقْيَا مَلِـيكٍ حَسَنِ الرِّبابهْ
والرُّبوبِـيَّة: كالرِّبابة.
وعِلْمٌ رَبُوبيٌّ: منسوبٌ إِلى الرَّبِّ، على غير قياس. وحكى أَحمد بن يحيـى: لا وَرَبْيِـكَ لا أَفْعَل. قال: يريدُ لا وَرَبِّكَ، فأَبْدَلَ الباءَ ياءً، لأَجْل التضعيف.
وربُّ كلِّ شيءٍ: مالِكُه ومُسْتَحِقُّه؛ وقيل: صاحبُه. ويقال: فلانٌ
رَبُّ هذا الشيءِ أَي مِلْكُه له. وكُلُّ مَنْ مَلَك شيئاً، فهو رَبُّه.
يقال: هو رَبُّ الدابةِ، ورَبُّ الدارِ، وفلانٌ رَبُّ البيتِ، وهُنَّ رَبَّاتُ الـحِجالِ؛ ويقال: رَبٌّ، مُشَدَّد؛ ورَبٌ، مخفَّف؛ وأَنشد المفضل:
وقد عَلِمَ الأَقْوالُ أَنْ ليسَ فوقَه * رَبٌ، غيرُ مَنْ يُعْطِـي الـحُظوظَ، ويَرْزُقُ
وفي حديث أَشراط الساعة: وأَن تَلِدَ الأَمَـةُ رَبَّها، أَو رَبَّـتَها. قال: الرَّبُّ يُطْلَق في اللغة على المالكِ، والسَّـيِّدِ، والـمُدَبِّر، والـمُرَبِّي، والقَيِّمِ، والـمُنْعِمِ؛ قال: ولا يُطلَق غيرَ مُضافٍ إِلاّ على اللّه، عزّ وجلّ، وإِذا أُطْلِق على غيرِه أُضِـيفَ، فقيلَ: ربُّ كذا. قال: وقد جاءَ في الشِّعْر مُطْلَقاً على غيرِ اللّه تعالى،
وليس بالكثيرِ، ولم يُذْكَر في غير الشِّعْر. قال: وأَراد به في هذا
الحديثِ الـمَوْلَى أَو السَّيِّد، يعني أَن الأَمَةَ تَلِدُ لسيِّدها ولَداً، فيكون كالـمَوْلى لها، لأَنـَّه في الـحَسَب كأَبيه. أَراد: أَنَّ السَّبْـي يَكْثُر، والنِّعْمة تظْهَر في الناس، فتكثُر السَّراري. وفي حديث إِجابةِ الـمُؤَذِّنِ: اللهُمَّ رَبَّ هذه الدعوةِ أَي صاحِـبَها؛ وقيل: المتَمِّمَ لَـها، والزائدَ في أَهلها والعملِ بها، والإِجابة لها. وفي حديث أَبي هريرة، رضي اللّه عنه: لا يَقُل الـمَمْلُوكُ لسَـيِّده: ربِّي؛ كَرِهَ أَن يجعل مالكه رَبّاً له، لـمُشاركَةِ اللّه في الرُّبُوبيةِ؛ فأَما قوله تعالى: اذْكُرْني عند ربك؛ فإِنه خاطَـبَهم على الـمُتَعارَفِ عندهم، وعلى ما كانوا يُسَمُّونَهم به؛ ومنه قَولُ السامِرِيّ: وانْظُرْ إِلى إِلهِكَ أَي الذي اتَّخَذْتَه إِلهاً. فأَما الحديث في ضالَّةِ الإِبل: حتى يَلْقاها رَبُّها؛ فإِنَّ البَهائم غير مُتَعَبَّدةٍ ولا مُخاطَبةٍ، فهي بمنزلة الأَمْوالِ التي تَجوز إِضافةُ مالِكِـيها إِليها، وجَعْلُهم أَرْباباً لها. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: رَبُّ الصُّرَيْمة ورَبُّ الغُنَيْمةِ.
وفي حديث عروةَ بن مسعود، رضي اللّه عنه: لـمَّا أَسْلَم وعادَ إِلى قومه، دَخل منزله، فأَنكَر قَومُه دُخُولَه، قبلَ أَن يأْتِـيَ الربَّةَ،
يعني اللاَّتَ، وهي الصخرةُ التي كانت تَعْبُدها ثَقِـيفٌ بالطائفِ. وفي حديث وَفْدِ ثَقِـيفٍ: كان لهم بَيْتٌ يُسَمُّونه الرَّبَّةَ، يُضاهِئُونَ
به بَيْتَ اللّه تعالى، فلما أَسْلَمُوا هَدَمَه الـمُغِـيرةُ. وقوله عزّ
وجلّ: ارْجِعِـي إِلى رَبِّكِ راضِـيةً مَرْضِـيَّةً، فادْخُلي في عَبْدي؛ فيمن قرأَ به، فمعناه، واللّه أَعلم: ارْجِعِـي إِلى صاحِـبِكِ الذي
خَرَجْتِ منه، فادخُلي فيه؛ والجمعُ أَربابٌ ورُبُوبٌ. وقوله عزّ وجلّ: إِنه ربِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ؛ قال الزجاج: إِن العزيز صاحِـبِـي أَحْسَنَ مَثْوايَ؛ قال: ويجوز أَنْ يكونَ: اللّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ.
والرَّبِـيبُ: الـمَلِكُ؛ قال امرؤُ القيس:
فما قاتلُوا عن رَبِّهم ورَبِـيبِـهم، * ولا آذَنُوا جاراً، فَيَظْعَنَ سالمَا
أَي مَلِكَهُمْ.
ورَبَّهُ يَرُبُّهُ رَبّاً: مَلَكَه. وطالَتْ مَرَبَّـتُهم الناسَ ورِبابَـتُهم أَي مَمْلَكَتُهم؛ قال علقمةُ بن عَبَدةَ:
وكنتُ امْرَأً أَفْضَتْ إِليكَ رِبابَتِـي، * وقَبْلَكَ رَبَّـتْنِـي، فَضِعتُ، رُبوبُ(1)
(1 قوله «وكنت امرأً إلخ» كذا أنشده الجوهري وتبعه المؤلف. وقال الصاغاني والرواية وأنت امرؤ. يخاطب الشاعر الحرث بن جبلة، ثم قال والرواية المشهورة أمانتي بدل ربابتي.)
ويُروى رَبُوب؛ وعندي أَنه اسم للجمع.
وإِنه لَـمَرْبُوبٌ بَيِّنُ الرُّبوبةِ أَي لَـمَمْلُوكٌ؛ والعِـبادُ
مَرْبُوبونَ للّهِ، عزّ وجلّ، أَي مَمْلُوكونَ. ورَبَبْتُ القومَ: سُسْـتُهم أَي كنتُ فَوْقَهم. وقال أَبو نصر: هو من الرُّبُوبِـيَّةِ، والعرب
تقول: لأَنْ يَرُبَّنِـي فلان أَحَبُّ إِليَّ من أَنْ يَرُبَّنِـي فلان؛ يعني أَن يكونَ رَبّاً فَوْقِـي، وسَـيِّداً يَمْلِكُنِـي؛ وروي هذا عن صَفْوانَ بنِ أُمَـيَّةَ، أَنه قال يومَ حُنَيْنٍ، عند الجَوْلةِ التي كانت من المسلمين، فقال أَبو سفيانَ: غَلَبَتْ واللّهِ هَوازِنُ؛ فأَجابه صفوانُ وقال: بِـفِـيكَ الكِثْكِثُ، لأَنْ يَرُبَّنِـي رجلٌ من قريش أَحَبُّ إِليَّ من أَن يَرُبَّني رجلٌ من هَوازِنَ.
ابن الأَنباري: الرَّبُّ يَنْقَسِم على ثلاثة أَقسام: يكون الرَّبُّ
المالِكَ، ويكون الرَّبُّ السّيدَ المطاع؛
قال اللّه تعالى: فيَسْقِـي ربَّه خَمْراً، أَي سَيِّدَه؛ ويكون الرَّبُّ الـمُصْلِـحَ. رَبَّ الشيءَ إِذا أَصْلَحَه؛ وأَنشد:
يَرُبُّ الذي يأْتِـي منَ العُرْفِ أَنه، * إِذا سُئِلَ الـمَعْرُوفَ، زادَ وتَمَّما
وفي حديث ابن عباس مع ابن الزبير، رضي اللّه عنهم: لأَن يَرُبَّنِـي بَنُو عَمِّي، أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَن يَرُبَّنِـي غيرُهم، أَي يكونون
عليَّ أُمَراءَ وسادةً مُتَقَدِّمين، يعني بني أُمَيَّةَ، فإِنهم إِلى ابنِ
عباسٍ في النَّسَبِ أَقْرَبُ من ابن الزبير.
يقال: رَبَّهُ يَرُبُّه أَي كان له رَبّاً.
وتَرَبَّـبَ الرَّجُلَ والأَرضَ: ادَّعَى أَنه رَبُّهما.
والرَّبَّةُ: كَعْبَةٌ كانت بنَجْرانَ لِـمَذْحِج وبني الـحَرث بن كَعْب، يُعَظِّمها الناسُ. ودارٌ رَبَّةٌ: ضَخْمةٌ؛ قال حسان بن ثابت:
وفي كلِّ دارٍ رَبَّةٍ، خَزْرَجِـيَّةٍ، * وأَوْسِـيَّةٍ، لي في ذراهُنَّ والِدُ
ورَبَّ ولَدَه والصَّبِـيَّ يَرُبُّهُ رَبّاً، ورَبَّـبَه تَرْبِـيباً وتَرِبَّةً، عن اللحياني: بمعنى رَبَّاه. وفي الحديث: لكَ نِعْمةٌ تَرُبُّها، أَي تَحْفَظُها وتُراعِـيها وتُرَبِّـيها، كما يُرَبِّي الرَّجُلُ ولدَه؛ وفي حديث ابن ذي يزن:
أُسْدٌ تُرَبِّبُ، في الغَيْضاتِ، أَشْبالا
أَي تُرَبِّي، وهو أَبْلَغ منه ومن تَرُبُّ، بالتكرير الذي فيه.
وتَرَبَّـبَه، وارْتَبَّه، ورَبَّاه تَرْبِـيَةً، على تَحْويلِ التَّضْعيفِ، وتَرَبَّاه، على تحويل التضعيف أَيضاً: أَحسَنَ القِـيامَ عليه، وَوَلِـيَه حتى يُفارِقَ الطُّفُولِـيَّةَ، كان ابْـنَه أَو لم يكن؛ وأَنشد اللحياني:
تُرَبِّـبُهُ، من آلِ دُودانَ، شَلّةٌ * تَرِبَّةَ أُمٍّ، لا تُضيعُ سِخَالَها
وزعم ابن دريد: أَنَّ رَبِـبْتُه لغةٌ؛ قال: وكذلك كل طِفْل من الحيوان، غير الإِنسان؛ وكان ينشد هذا البيت:
كان لنا، وهْوَ فُلُوٌّ نِرْبَبُهْ
كسر حرف الـمُضارعةِ ليُعْلَم أَنّ ثاني الفعل الماضي مكسور، كما ذهب إِليه سيبويه في هذا النحو؛ قال: وهي لغة هذيل في هذا الضرب من الفعل.
والصَّبِـيُّ مَرْبُوبٌ ورَبِـيبٌ، وكذلك الفرس؛ والـمَرْبُوب:
الـمُرَبَّى؛ وقول سَلامَة بن جندل:
ليس بأَسْفَى، ولا أَقْنَى، ولا سَغِلٍ، * يُسْقَى دَواءَ قَفِـيِّ السَّكْنِ، مَرْبُوبِ
يجوز أَن يكون أَراد بمربوب: الصبـيّ، وأَن يكون أَراد به الفَرَس؛ ويروى: مربوبُ أَي هو مَرْبُوبٌ. والأَسْفَى: الخفيفُ الناصِـيَةِ؛ والأَقْنَى: الذي في أَنفِه احْديدابٌ؛ والسَّغِلُ: الـمُضْطَرِبُ الخَلْقِ؛ والسَّكْنُ: أَهلُ الدار؛ والقَفِـيُّ والقَفِـيَّةُ: ما يُؤْثَرُ به الضَّيْفُ والصَّبِـيُّ؛ ومربوب من صفة حَتٍّ في بيت قبله، وهو:
مِنْ كلِّ حَتٍّ، إِذا ما ابْتَلَّ مُلْبَدهُ، * صافِـي الأَديمِ، أَسِـيلِ الخَدِّ، يَعْبُوب
الـحَتُّ: السَّريعُ. واليَعْبُوب: الفرسُ الكريمُ، وهو الواسعُ
الجَـِرْي.وقال أَحمد بن يَحيـى للقَوْمِ الذين اسْتُرْضِعَ فيهم النبـيُّ، صلّى اللّه عليه وسلّم: أَرِبَّاءُ النبـيِّ، صلّى اللّه عليه وسلّم، كأَنه
جمعُ رَبِـيبٍ، فَعِـيلٍ بمعنى
فاعل؛ وقولُ حَسَّانَ بن ثابت:
ولأَنْتِ أَحسنُ، إِذْ بَرَزْتِ لنا * يَوْمَ الخُروجِ، بِساحَةِ القَصْرِ،
مِن دُرَّةٍ بَيْضاءَ، صافيةٍ، * مِـمَّا تَرَبَّب حائرُ البحرِ
يعني الدُّرَّةَ التي يُرَبِّـيها الصَّدَفُ في قَعْرِ الماءِ.
والحائرُ: مُجْتَمَعُ الماءِ، ورُفع لأَنه فاعل تَرَبَّبَ، والهاءُ العائدةُ على مِـمَّا محذوفةٌ، تقديره مِـمَّا تَرَبَّـبَه حائرُ البحرِ. يقال:
رَبَّـبَه وتَرَبَّـبَه بمعنى: والرَّبَبُ: ما رَبَّـبَه الطّينُ، عن ثعلب؛ وأَنشد:
في رَبَبِ الطِّينِ وماء حائِر
والرَّبِـيبةُ: واحِدةُ الرَّبائِب من الغنم التي يُرَبّيها الناسُ في البُيوتِ لأَلبانها. وغَنمٌ ربائِبُ: تُرْبَطُ قَريباً مِن البُـيُوتِ، وتُعْلَفُ لا تُسامُ، هي التي ذَكَر ابراهيمُ النَّخْعِـي أَنه لا صَدَقةَ فيها؛ قال ابن الأَثير في حديث النخعي: ليس في الرَّبائبِ صَدَقةٌ.
الرَّبائبُ: الغَنَمُ التي تكونُ في البَيْتِ، وليست بِسائمةٍ، واحدتها
رَبِـيبَةٌ، بمعنى مَرْبُوبَةٍ، لأَن صاحِبَها يَرُبُّها. وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: كان لنا جِـيرانٌ مِن الأَنصار لهم رَبائِبُ، وكانوا يَبْعَثُونَ إِلينا مِن أَلبانِها.
وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: لا تَأْخُذِ الأَكُولَة، ولا الرُّبَّـى،
ولا الماخضَ؛ قال ابن الأَثير: هي التي تُرَبَّـى في البيت من الغنم لأَجْل اللَّبن؛ وقيل هي الشاةُ القَريبةُ العَهْدِ بالوِلادة، وجمعها رُبابٌ، بالضم. وفي الحديث أَيضاً: ما بَقِـيَ في غَنَمِـي إِلاّ فَحْلٌ، أَو شاةٌ رُبَّـى.
والسَّحَابُ يَرُبُّ الـمَطَر أَي يَجْمَعُه ويُنَمِّيهِ.
والرَّبابُ، بالفتح: سَحابٌ أَبيضُ؛ وقيل: هو السَّحابُ، واحِدَتُه
رَبابةٌ؛ وقيل: هو السَّحابُ الـمُتَعَلِّقُ الذي تراه كأَنه دُونَ السَّحاب.
قال ابن بري: وهذا القول هو الـمَعْرُوفُ، وقد يكون أَبيضَ، وقد يكون أَسْودَ. وفي حديث النبـيّ، صلّى اللّه عليه وسلّم: أَنه نَظَرَ في الليلةِ التي أُسْرِيَ به إِلى قَصْرٍ مِثْلِ الرَّبابةِ البَيْضاء. قال أَبو
عبيد: الرَّبابةُ، بالفتح: السَّحابةُ التي قد رَكِبَ بعضُها بَعْضاً،
وجمعها رَبابٌ، وبها سمّيت الـمَرْأَةُ الرَّبابَ؛ قال الشاعر:
سَقَى دارَ هِنْدٍ، حَيْثُ حَلَّ بِها النَّوَى، * مُسِفُّ الذُّرَى، دَانِـي الرَّبابِ، ثَخِـينُ
وفي حديث ابن الزبير، رضي اللّه عنهما: أَحْدَقَ بِكُم رَبابه. قال
الأَصمعي: أَحسنُ بيت، قالته العرب في وَصْفِ الرَّبابِ، قولُ عبدِالرحمن بن حَسَّان، على ما ذكره الأَصمعي في نِسْبَةِ البيت إِليه؛ قال ابن بري: ورأَيت من يَنْسُبُه لعُروة بنَ جَلْهَمةَ المازِنيّ:
إِذا اللّهُ لم يُسْقِ إِلاّ الكِرام، * فَـأَسْقَى وُجُوهَ بَنِـي حَنْبَلِ
أَجَشَّ مُلِثّاً، غَزيرَ السَّحاب، * هَزيزَ الصَلاصِلِ والأَزْمَلِ
تُكَرْكِرُه خَضْخَضاتُ الجَنُوب، * وتُفْرِغُه هَزَّةُ الشَّـمْـأَلِ
كأَنَّ الرَّبابَ، دُوَيْنَ السَّحاب، * نَعامٌ تَعَلَّقَ بالأَرْجُلِ
والمطر يَرُبُّ النباتَ والثَّرى ويُنَمِّـيهِ. والـمَرَبُّ:
الأَرضُ التي لا يَزالُ بها ثَـرًى؛ قال ذو الرمة:
خَناطِـيلُ يَسْتَقْرِينَ كلَّ قرارَةٍ، * مَرَبٍّ، نَفَتْ عنها الغُثاءَ الرَّوائسُ
وهي الـمَرَبَّةُ والـمِرْبابُ. وقيل: الـمِرْبابُ من الأَرضِـين التي
كَثُرَ نَبْتُها ونَـأْمَتُها، وكلُّ ذلك مِنَ الجَمْعِ. والـمَرَبُّ: الـمَحَلُّ، ومكانُ الإِقامةِ والاجتماعِ. والتَّرَبُّبُ: الاجْتِـماعُ.
ومَكانٌ مَرَبٌّ، بالفتح: مَجْمَعٌ يَجْمَعُ الناسَ؛ قال ذو الرمة:
بأَوَّلَ ما هاجَتْ لكَ الشَّوْقَ دِمْنةٌ، * بِأَجرَعَ مِحْلالٍ، مَرَبٍّ، مُحَلَّلِ
قال: ومن ثَـمَّ قيل للرّبابِ: رِبابٌ، لأَنهم تَجَمَّعوا. وقال أَبو عبيد: سُمُّوا رباباً، لأَنهم جاؤُوا برُبٍّ، فأَكلوا منه، وغَمَسُوا فيه أَيدِيَهُم، وتَحالفُوا عليه، وهم: تَيْمٌ، وعَدِيٌّ، وعُكْلٌ.
والرِّبابُ: أَحْياء ضَبّـةَ، سُمُّوا بذلك لتَفَرُّقِهم، لأَنَّ الرُّبَّة الفِرقةُ، ولذلك إِذا نَسَبْتَ إِلى الرَّباب قلت: رُبِّـيٌّ، بالضم، فَرُدَّ إِلى واحده وهو رُبَّةٌ، لأَنك إِذا نسبت الشيءَ إِلى الجمع رَدَدْتَه إِلى الواحد، كما تقول في المساجِد: مَسْجِدِيٌّ، إِلا أَن تكون سميت به رجلاً، فلا تَرُدَّه إِلى الواحد، كما تقول في أَنْمارٍ: أَنْمارِيٌّ، وفي كِلابٍ: كِلابِـيٌّ. قال: هذا قول سيبويه، وأَما أَبو عبيدة فإِنه قال: سُمُّوا بذلك لتَرابِّهِم أَي تَعاهُدِهِم؛ قال الأَصمعي: سموا بذلك لأَنهم أَدخلوا أَيديهم في رُبٍّ، وتَعاقَدُوا، وتَحالَفُوا عليه.
وقال ثعلب: سُموا(1)
(1 قوله «وقال ثعلب سموا إلخ» عبارة المحكم وقال ثعلب
سموا رباباً لأنهم اجتمعوا ربة ربة بالكسر أي جماعة جماعة ووهم ثعلب في جمعه فعلة (أي بالكسر) على فعال وإنما حكمه أن يقول ربة ربة اهـ أي بالضم.)
رِباباً، بكسر الراءِ، لأَنهم تَرَبَّـبُوا أَي تَجَمَّعوا رِبَّةً رِبَّةً، وهم خَمسُ قَبائلَ تَجَمَّعُوا فصاروا يداً واحدةً؛ ضَبَّةُ، وثَوْرٌ، وعُكْل، وتَيْمٌ، وعَدِيٌّ.
(يتبع...)
(تابع... 1): ربب: الرَّبُّ: هو اللّه عزّ وجل، هو رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وله... ...
وفلان مَرَبٌّ أَي مَجْمعٌ يَرُبُّ الناسَ ويَجْمَعُهم. ومَرَبّ الإِبل:
حيث لَزِمَتْه.
وأَرَبَّت الإِبلُ بمكان كذا: لَزِمَتْه وأَقامَتْ به، فهي إِبِلٌ مَرابُّ، لَوازِمُ. ورَبَّ بالمكان، وأَرَبَّ: لَزِمَه؛ قال:
رَبَّ بأَرضٍ لا تَخَطَّاها الـحُمُرْ
وأَرَبَّ فلان بالمكان، وأَلَبَّ، إِرْباباً، وإِلباباً إِذا أَقامَ به، فلم يَبْرَحْه. وفي الحديث: اللهمّ إِني أَعُوذُ بك من غِنًى مُبْطِرٍ،
وفَقْرٍ مُرِبٍّ. وقال ابن الأَثير: أَو قال: مُلِبٍّ، أَي لازِمٍ غير
مُفارِقٍ، مِن أَرَبَّ بالمكانِ وأَلَبَّ إِذا أَقامَ به ولَزِمَه؛ وكلّ
لازِمِ شيءٍ مُرِبٌّ. وأَرَبَّتِ الجَنُوبُ: دامَت. وأَرَبَّتِ السَّحابةُ:
دامَ مَطَرُها. وأَرَبَّتِ الناقةُ أَي لَزِمَت الفحلَ وأَحَبَّتْه.
وأَرَبَّتِ الناقةُ بولدها: لَزِمَتْه وأَحَبَّتْه؛ وهي مُرِبٌّ كذلك، هذه
رواية أَبي عبيد عن أَبي زيد.
ورَوْضاتُ بني عُقَيْلٍ يُسَمَّيْن: الرِّبابَ.
والرِّبِّـيُّ والرَّبَّانِـيُّ: الـحَبْرُ، ورَبُّ العِلْم، وقيل: الرَّبَّانِـيُّ الذي يَعْبُد الرَّبَّ، زِيدت الأَلف والنون للمبالغة في النسب. وقال سيبويه: زادوا أَلفاً ونوناً في الرَّبَّاني إِذا أَرادوا تخصيصاً بعِلْم الرَّبِّ دون غيره، كأَن معناه: صاحِبُ عِلم بالرَّبِّ دون غيره
من العُلوم؛ وهو كما يقال: رجل شَعْرانِـيٌّ، ولِحْيانِـيٌّ، ورَقَبانِـيٌّ إِذا خُصَّ بكثرة الشعر، وطول اللِّحْيَة، وغِلَظِ الرَّقبةِ؛ فإِذا
نسبوا إِلى الشَّعر، قالوا: شَعْرِيٌّ، وإِلى الرَّقبةِ قالوا:
رَقَبِـيٌّ، وإِلى اللِّحْيةِ: لِـحْيِـيٌّ. والرَّبِّـيُّ: منسوب إِلى الرَّبِّ.
والرَّبَّانِـيُّ: الموصوف بعلم الرَّبِّ. ابن الأَعرابي:
الرَّبَّانِـيُّ العالم الـمُعَلِّم، الذي يَغْذُو الناسَ بِصغارِ العلم قبلَ كِـبارها.
وقال محمد بن عليّ ابن الحنفية لَـمّا ماتَ عبدُاللّه بن عباس، رضي اللّه عنهما: اليومَ ماتَ رَبّانِـيُّ هذه الأُمـَّة. ورُوي عن علي، رضي اللّه عنه، أَنه قال: الناسُ ثلاثةٌ: عالِـمٌ ربَّانيٌّ، ومُتَعَلِّمٌ على سَبيلِ نَجاةٍ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أَتْباعُ كلِّ ناعق. قال ابن الأَثير: هو منسوب إِلى الرَّبِّ، بزيادة الأَلف والنون للمبالغة؛ قال وقيل: هو من الرَّبِّ، بمعنى التربيةِ، كانوا يُرَبُّونَ الـمُتَعَلِّمينَ بِصغار العُلوم، قبلَ كبارِها. والرَّبَّانِـيُّ: العالم الرَّاسِخُ في العِلم والدين، أَو الذي يَطْلُب بِعلْمِه وجهَ اللّهِ، وقيل: العالِم، العامِلُ،
الـمُعَلِّمُ؛ وقيل: الرَّبَّانِـيُّ: العالي الدَّرجةِ في العِلمِ. قال أَبو
عبيد: سمعت رجلاً عالماً بالكُتب يقول: الرَّبَّانِـيُّون العُلَماءُ
بالـحَلال والـحَرام، والأَمْرِ والنَّهْي. قال: والأَحبارُ أَهلُ المعرفة
بأَنْباءِ الأُمَم، وبما كان ويكون؛ قال أَبو عبيد: وأَحْسَب الكلمَة ليست بعربية، إِنما هي عِـبْرانية أَو سُرْيانية؛ وذلك أَن أَبا عبيدة زعم أَن العرب لا تعرف الرَّبَّانِـيّين؛ قال أَبو عبيد: وإِنما عَرَفَها الفقهاء وأَهل العلم؛ وكذلك قال شمر: يقال لرئيس الـمَلاَّحِـينَ رُبَّانِـيٌّ(1)
(1 قوله «وكذلك قال شمر يقال إلخ» كذا بالنسخ وعبارة التكملة ويقال لرئيس الملاحين الربان بالضم وقال شمر الرباني بالضم منسوباً وأنشد للعجاج صعل وبالجملة فتوسط هذه العبارة بين الكلام على الرباني بالفتح ليس على ما ينبغي إلخ.)؛ وأَنشد:
صَعْلٌ مِنَ السَّامِ ورُبَّانيُّ
ورُوي عن زِرِّ بن عبدِاللّه، في قوله تعالى: كُونوا رَبَّانِـيِّـينَ،
قال: حُكَماءَ عُلَماءَ. غيره: الرَّبَّانيُّ الـمُتَـأَلِّه، العارِفُ باللّه تعالى؛ وفي التنزيل: كُونوا رَبَّانِـيِّـين.
والرُّبَّـى، على فُعْلى، بالضم: الشاة التي وضعَت حديثاً، وقيل: هي الشاة إِذا ولدت، وإِن ماتَ ولدُها فهي أَيضاً رُبَّـى، بَيِّنةُ الرِّبابِ؛ وقيل: رِبابُها ما بَيْنها وبين عشرين يوماً من وِلادتِها، وقيل: شهرين؛ وقال اللحياني: هي الحديثة النِّتاج، مِن غير أَنْ يَحُدَّ وَقْتاً؛ وقيل: هي التي يَتْبَعُها ولدُها؛ وقيل: الرُّبَّـى من الـمَعز، والرَّغُوثُ من الضأْن، والجمع رُبابٌ، بالضم، نادر. تقول: أَعْنُزٌ رُبابٌ، والمصدر رِبابٌ، بالكسر، وهو قُرْبُ العَهْد بالولادة. قال أَبو زيد: الرُّبَّـى من المعز، وقال غيره: من المعز والضأْن جميعاً، وربما جاءَ في الإِبل أَيضاً. قال الأَصمعي: أَنشدنا مُنْتَجع ابن نَبْهانَ:
حَنِـينَ أُمِّ البَوِّ في رِبابِها
قال سيبويه: قالوا رُبَّـى ورُبابٌ، حذفوا أَلِف التأْنيث وبَنَوْه على
هذا البناءِ، كما أَلقوا الهاءَ من جَفْرة، فقالوا جِفارٌ، إِلاَّ أَنهم
ضموا أَوَّل هذا، كما قالوا ظِئْرٌ وظُؤَارٌ، ورِخْلٌ ورُخالٌ.
وفي حديث شريح: إِنّ الشاةَ تُحْلَبُ في رِبابِها. وحكى اللحياني: غَنَمٌ رِبابٌ، قال: وهي قليلة. وقال: رَبَّتِ الشاةُ تَرُبُّ رَبّاً إِذا
وَضَعَتْ، وقيل: إِذا عَلِقَتْ، وقيل: لا فعل للرُّبَّـى.
والمرأَةُ تَرْتَبُّ الشعَر بالدُّهْن؛ قال الأَعشى:
حُرَّةٌ، طَفْلَةُ الأَنامِل، تَرْتَبُّ * سُخاماً، تَكُفُّه بخِلالِ
وكلُّ هذا من الإِصْلاحِ والجَمْع.
والرَّبِـيبةُ: الحاضِنةُ؛ قال ثعلب: لأَنها تُصْلِـحُ الشيءَ، وتَقُوم
به، وتَجْمَعُه.
وفي حديث الـمُغِـيرة: حَمْلُها رِبابٌ. رِبابُ المرأَةِ: حِدْثانُ
وِلادَتِها، وقيل: هو ما بين أَن تَضَعَ إِلى أَن يأْتي عليها شهران، وقيل: عشرون يوماً؛ يريد أَنها تحمل بعد أَن تَلِد بيسير، وذلك مَذْمُوم في النساءِ، وإِنما يُحْمَد أَن لا تَحْمِل بعد الوضع، حتى يَتِمَّ رَضاعُ ولدها.والرَّبُوبُ والرَّبِـيبُ: ابن امرأَةِ الرجل مِن غيره، وهو بمعنى مَرْبُوب. ويقال للرَّجل نَفْسِه: رابٌّ. قال مَعْنُ بن أَوْس، يذكر امرأَته، وذكَرَ أَرْضاً لها:
فإِنَّ بها جارَيْنِ لَنْ يَغْدِرا بها: * رَبِـيبَ النَّبـيِّ، وابنَ خَيْرِ الخَلائفِ
يعني عُمَرَ بن أَبي سَلَمة، وهو ابنُ أُمِّ سَلَـمةَ زَوْجِ النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، وعاصِمَ بن عمر ابن الخَطَّاب، وأَبوه أَبو سَلَمَة،
وهو رَبِـيبُ النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم؛ والأُنثى رَبِـيبةٌ.
الأَزهري: رَبِـيبةُ الرجل بنتُ امرأَتِه من غيره. وفي حديث ابن عباس، رضي اللّه عنهما: إِنما الشَّرْطُ في الرَّبائبِ؛ يريد بَناتِ الزَّوْجاتِ من غير أَزواجِهن الذين معهن. قال: والرَّبِـيبُ أَيضاً، يقال لزوج الأُم لها ولد من غيره. ويقال لامرأَةِ الرجل إِذا كان له ولدٌ من غيرها: رَبيبةٌ، وذلك معنى رابَّةٍ ورابٍّ. وفي الحديث: الرَّابُّ كافِلٌ؛ وهو زَوْجُ أُمِّ اليَتيم، وهو اسم فاعل، مِن رَبَّه يَرُبُّه أَي إِنه يَكْفُل بأَمْرِه. وفي حديث مجاهد: كان يكره أَن يتزوَّج الرجلُ امرأَةَ رابِّه، يعني امرأَة زَوْج أُمـِّه، لأنه كان يُرَبِّيه. غيره: والرَّبيبُ والرَّابُّ زوجُ الأُم. قال أَبو الحسن الرماني: هو كالشَّهِـيدِ، والشاهِد، والخَبِـير، والخابِرِ.
والرَّابَّةُ: امرأَةُ الأَبِ.
وَرَبَّ المعروفَ والصَّنِـيعةَ والنِّعْمةَ يَرُبُّها رَبّاً ورِباباً ورِبابةً، حكاهما اللحياني، ورَبَّـبها: نَمَّاها، وزادَها، وأَتَمَّها، وأَصْلَحَها. ورَبَبْتُ قَرابَتَهُ: كذلك.
أَبو عمرو: رَبْرَبَ الرجلُ، إِذا رَبَّـى يَتيماً.
وَرَبَبْتُ الأَمْرَ، أَرُبُّهُ رَبّاً ورِبابةً: أَصْلَحْتُه ومَتَّنْـتُه. ورَبَبْتُ الدُّهْنَ: طَيَّبْتُه وأَجدتُه؛ وقال اللحياني: رَبَبْتُ الدُّهْنَ: غَذَوْتُه بالياسَمينِ أَو بعض الرَّياحِـينِ؛ قال: ويجوز فيه رَبَّـبْتُه.
ودُهْنٌ مُرَبَّبٌ إِذا رُبِّبَ الـحَبُّ الذي اتُّخِذَ منه بالطِّيبِ.
والرُّبُّ: الطِّلاءُ الخاثِر؛ وقيل: هو دبْسُ كل ثَمَرَة، وهو سُلافةُ
خُثارَتِها بعد الاعتصار والطَّبْخِ؛ والجمع الرُّبُوبُ والرِّبابُ؛
ومنه: سقاءٌ مَرْبُوبٌ إِذا رَبَبْتَه أَي جعلت فيه الرُّبَّ، وأَصْلَحتَه
به؛ وقال ابن دريد: رُبُّ السَّمْنِ والزَّيْتِ: ثُفْلُه الأَسود؛ وأَنشد:
كَشائطِ الرُّبّ عليهِ الأَشْكَلِ وارْتُبَّ العِنَبُ إِذا طُبِـخَ حتى يكون رُبّاً يُؤْتَدَمُ به، عن أَبي حنيفة. وَرَبَبْتُ الزِّقَّ بالرُّبِّ، والـحُبَّ بالقِـير والقارِ، أَرُبُّه رَبّاً ورُبّاً، ورَبَّبْتُه: متَّنْتُه؛ وقيل: رَبَبْتُه
دَهَنْتُه وأَصْلَحْتُه. قال عمرو بن شأْس يُخاطِبُ امرأَته، وكانت تُؤْذِي ابنه عِراراً:
فَإِنَّ عِراراً، إِن يَكُنْ غيرَ واضِحٍ، * فإِني أُحِبُّ الجَوْنَ، ذا الـمَنْكِبِ العَمَمْ
فإِن كنتِ مِنِّي، أَو تُريدينَ صُحْبَتي، * فَكُوني له كالسَّمْنِ، رُبَّ له الأَدَمْ
أَرادَ بالأَدَم: النُّحْي. يقول لزوجته: كُوني لوَلدي عِراراً كَسَمْنٍ
رُبَّ أَدِيمُه أَي طُلِـيَ برُبِّ التمر، لأَنَّ النِّحْي، إِذا أُصْلِـحَ بالرُّبِّ، طابَتْ رائحتُه، ومَنَعَ السمنَ مِن غير أَن يفْسُد طَعْمُه أَو رِيحُه.
يقال: رَبَّ فلان نِحْيه يَرُبُّه رَبّاً إِذا جَعل فيه الرُّبَّ ومَتَّنه به، وهو نِحْيٌ مَرْبُوب؛ وقوله:
سِلاءَها في أَديمٍ، غيرِ مَرْبُوبِ
أَي غير مُصْلَحٍ. وفي صفة ابن عباس، رضي اللّه عنهما: كأَنَّ على صَلَعَتِهِ الرُّبَّ من مسْكٍ أَو عَنْبرٍ. الرُّبُّ: ما يُطْبَخُ من التمر، وهو الدِّبْسُ أَيضاً. وإِذا وُصِفَ الإِنسانُ بحُسْنِ الخُلُق، قيل: هو السَّمْنُ لا يَخُمُّ.
والـمُربَّـبَاتُ: الأَنْبِجاتُ، وهي الـمَعْمُولاتُ بالرُّبِّ، كالـمُعَسَّلِ، وهو المعمول بالعسل؛ وكذلك الـمُرَبَّـياتُ، إِلا أَنها من التَّرْبيةِ، يقال: زنجبيل مُرَبّـًى ومُرَبَّبٌ.
والإِربابُ: الدُّنوُّ مِن كل شيءٍ.
والرِّبابةُ، بالكسر، جماعةُ السهام؛ وقيل: خَيْطٌ تُشَدُّ به السهامُ؛
وقيل: خِرْقةٌ تُشَدُّ فيها؛ وقال اللحياني: هي السُّلْفةُ التي تُجْعَلُ
فيها القِداحُ، شبيهة بالكِنانة، يكون فيها السهام؛ وقيل هي شبيهة
بالكنانةِ، يجمع فيها سهامُ الـمَيْسرِ؛ قال أَبو ذؤَيب يصف الحمار
وأُتُنَه:
وكأَنهنَّ رِبابةٌ، وكأَنه * يَسَرٌ، يُفِـيضُ على القِداح، ويَصْدَعُ
والرِّبابةُ: الجِلدةُ التي تُجْمع فيها السِّهامُ؛ وقيل: الرِّبابةُ: سُلْفَةٌ يُعْصَبُ بها على يَدِ الرَّجُل الـحُرْضَةِ، وهو الذي تُدْفَعُ إِليه الأَيسارُ للقِدح؛ وإِنما يفعلون ذلك لِكَيْ لا يَجِدَ مَسَّ قِدْحٍ يكون له في صاحِـبِه هَـوًى. والرِّبابةُ والرِّبابُ: العَهْدُ والـمِـيثاقُ؛ قال عَلْقَمَةُ بن عَبَدةَ:
وكنتُ امْرَأً أَفْضَتْ إِليكَ رِبابَتِـي، * وقَبْلَكَ رَبَّتْني، فَضِعْتُ، رُبُوبُ
ومنه قيل للعُشُور: رِبابٌ.
والرَّبِـيبُ: الـمُعاهَدُ؛ وبه فسر قَوْلُ امرِئِ القيس:
فما قاتَلوا عن رَبِّهِم ورَبِـيبِـهِمْ
وقال ابن بري: قال أَبو علي الفارسي: أَرِبَّةٌ جمع رِبابٍ، وهو العَهْدُ. قال أَبو ذؤَيب يذكر خَمْراً:
تَوَصَّلُ بالرُّكْبانِ، حِـيناً، وتُؤْلِفُ * الجِوارَ، ويُعْطِـيها الأَمانَ رِبابُها
قوله: تُؤْلِفُ الجِوار أَي تُجاوِرُ في مَكانَيْنِ. والرِّبابُ: العَهْدُ الذي يأْخُذه صاحِـبُها من الناس لإِجارتِها. وجَمْعُ الرَّبِّ رِبابٌ. وقال شمر: الرِّبابُ في بيت أَبي ذؤَيب جمع رَبٍّ، وقال غيره: يقول:
إِذا أَجار الـمُجِـيرُ هذه الخَمْر أَعْطَى صاحِـبَها قِدْحاً ليَعْلَموا
أَنه قد أُجِـيرَ، فلا يُتَعَرَّض لها؛ كأَنَّـه ذُهِبَ بالرِّبابِ إِلى رِبابةِ سِهامِ الـمَيْسِر. والأَرِبَّةُ: أَهلُ الـمِـيثاق. قال أَبو ذُؤَيْب:
كانت أَرِبَّـتَهم بَهْزٌ، وغَرَّهُمُ * عَقْدُ الجِوار، وكانوا مَعْشَراً غُدُرا
قال ابن بري: يكون التقدير ذَوِي أَرِبَّتِهِم(1)
(1 قوله «التقدير ذوي إلخ» أي داع لهذا التقدير مع صحة الحمل بدونه.)؛ وبَهْزٌ: حَيٌّ من سُلَيْم؛ والرِّباب: العُشُورُ؛ وأَنشد بيت أَبي ذؤَيب:
ويعطيها الأَمان ربابها
وقيل: رِبابُها أَصحابُها.
والرُّبَّةُ: الفِرْقةُ من الناس، قيل: هي عشرة آلافٍ أَو نحوها، والجمع رِبابٌ.
وقال يونس: رَبَّةٌ ورِبابٌ، كَجَفْرَةٍ وجِفار، والرَّبـَّةُ كالرُّبـَّةِ؛ والرِّبِّـيُّ واحد الرِّبِّـيِّـين: وهم الأُلُوف من الناس، والأَرِبَّةُ مِن الجَماعاتِ: واحدتها رَبَّةٌ. وفي التنزيلِ العزيز: وكأَيِّنْ مِن نَبـيِّ قاتَلَ معه رِبِّـيُّون كثير؛ قال الفراءُ: الرِّبِّـيُّونَ الأُلوف. وقال أَبو العباس أَحمد بن يحيـى: قال الأَخفش: الرِّبيون منسوبون إِلى الرَّبِّ. قال أَبو العباس: ينبغي أَن تفتح الراءُ، على قوله، قال: وهو على قول الفرّاء من الرَّبَّةِ، وهي الجماعة. وقال الزجاج:
رِبِّـيُّون، بكسر الراء وضمّها، وهم الجماعة الكثيرة. وقيل: الربيون العلماء الأَتقياءُ الصُّـبُر؛ وكلا القولين حَسَنٌ جميلٌ. وقال أَبو طالب: الربيون الجماعات الكثيرة، الواحدة رِبِّـيٌّ. والرَّبَّانيُّ: العالم، والجماعة الرَّبَّانِـيُّون. وقال أَبو العباس: الرَّبَّانِـيُّون الأُلوفُ، والرَّبَّانِـيُّون: العلماءُ. و قرأَ الحسن: رُبِّـيُّون، بضم الراء. وقرأَ ابن عباس: رَبِّـيُّون، بفتح الراءِ.
والرَّبَبُ: الماءُ الكثير المجتمع، بفتح الراءِ والباءِ، وقيل: العَذْب؛ قال الراجز:
والبُرَّةَ السَمْراء والماءَ الرَّبَبْ
وأَخَذَ الشيءَ بِرُبَّانه ورَبَّانِه أَي بأَوَّله؛ وقيل: برُبَّانِه: بجَمِـيعِه ولم يترك منه شيئاً. ويقال: افْعَلْ ذلك الأَمْرَ بِرُبَّانه أَي بِحِدْثانِه وطَراءَتِه وجِدَّتِه؛ ومنه قيل: شاةٌ رُبَّـى.
ورُبَّانُ الشَّبابِ: أَوَّله؛ قال ابن أَحمر:
وإِنَّما العَيْشُ بِرُبَّانِه، * وأَنْتَ، من أَفنانِه، مُفْتَقِر
ويُروى: مُعْتَصِر؛ وقول الشاعر:
(يتبع...)
(تابع... 2): ربب: الرَّبُّ: هو اللّه عزّ وجل، هو رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وله... ...
خَلِـيلُ خَوْدٍ، غَرَّها شَبابُه، * أَعْجَبَها، إِذْ كَبِرَتْ، رِبابُه
أَبو عمرو: الرُّبَّـى أَوَّلُ الشَّبابِ؛ يقال: أَتيته في رُبَّـى شَبابِه، ورُبابِ شَبابِه، ورِبابِ شَبابِه، ورِبَّان شَبابه. أَبو عبيد: الرُّبَّانُ من كل شيءٍ حِدْثانُه؛ ورُبّانُ الكَوْكَب: مُعْظَمُه. وقال أَبو عبيدة: الرَّبَّانُ، بفتح الراءِ: الجماعةُ؛ وقال الأَصمعي: بضم الراءِ.
وقال خالد بن جَنْبة: الرُّبَّةُ الخَير اللاَّزِمُ، بمنزلة الرُّبِّ الذي يَلِـيقُ فلا يكاد يذهب، وقال: اللهم إِني أَسأَلُك رُبَّةَ عَيْشٍ مُبارَكٍ، فقيل له: وما رُبَّةُ عَيْشٍ؟ قال: طَثْرَتَهُ وكَثْرَتُه.
وقالوا: ذَرْهُ بِرُبَّان؛ أَنشد ثعلب:
فَذَرْهُمْ بِرُبّانٍ، وإِلاّ تَذَرْهُمُ * يُذيقُوكَ ما فيهم، وإِن كان أَكثرا
قال وقالوا في مَثَلٍ: إِن كنتَ بي تَشُدُّ ظَهْرَك، فأَرْخِ، بِرُبَّانٍ، أَزْرَكَ. وفي التهذيب: إِن كنتَ بي تشدُّ ظَهْرَكَ فأَرْخِ، مِن
رُبَّـى، أَزْرَكَ. يقول: إِن عَوّلْتَ عَليَّ فَدَعْني أَتْعَبْ، واسْتَرْخِ
أَنتَ واسْتَرِحْ. ورُبَّانُ، غير مصروف: اسم رجل.
قال ابن سيده: أَراه سُمي بذلك.
والرُّبَّـى: الحاجةُ، يقال: لي عند فلان رُبَّـى. والرُّبَّـى: الرَّابَّةُ. والرُّبَّـى: العُقْدةُ الـمُحْكَمةُ. والرُّبَّـى: النِّعْمةُ والإِحسانُ.
والرِّبَّةُ، بالكسرِ: نِبْتةٌ صَيْفِـيَّةٌ؛ وقيل: هو كل ما اخْضَرَّ، في القَيْظِ، مِن جميع ضُروب النبات؛ وقيل: هو ضُروب من الشجر أَو النبت فلم يُحَدَّ، والجمع الرِّبَبُ؛ قال ذو الرمة، يصف الثور الوحشي:
أَمْسَى، بِوَهْبِـينَ، مُجْتازاً لِـمَرْتَعِه، * مِن ذِي الفَوارِسِ، يَدْعُو أَنْفَه الرِّبَبُ
والرِّبَّةُ: شجرة؛ وقيل: إِنها شجرة الخَرْنُوب. التهذيب: الرِّبَّةُ
بقلة ناعمةٌ، وجمعها رِبَبٌ. وقال: الرِّبَّةُ اسم لِعدَّةٍ من النبات، لا
تَهِـيج في الصيف، تَبْقَى خُضْرَتُها شتاءً وصَيْفاً؛ ومنها: الـحُلَّبُ، والرُّخَامَى، والـمَكْرُ، والعَلْقى، يقال لها كلها: رِبَّةٌ.التهذيب: قال النحويون: رُبَّ مِن حروف الـمَعاني، والفَرْقُ بينها وبين كَمْ، أَنَّ رُبَّ للتقليل، وكَمْ وُضِعت للتكثير، إِذا لم يُرَدْ بها الاسْتِفهام؛ وكلاهما يقع على النَّكِرات، فيَخْفِضُها. قال أَبو حاتم: من
الخطإِ قول العامة: رُبَّـما رأَيتُه كثيراً، ورُبَّـما إِنما وُضِعَتْ
للتقليل. غيره: ورُبَّ ورَبَّ: كلمة تقليل يُجَرُّ بها، فيقال: رُبَّ رجلٍ قائم، ورَبَّ رجُلٍ؛ وتدخل عليه التاء، فيقال: رُبَّتَ رجل، ورَبَّتَ رجل. الجوهري: ورُبَّ حرفٌ خافض، لا يقع إِلاَّ على النكرة، يشدَّد ويخفف، وقد يدخل عليه التاء، فيقال: رُبَّ رجل، ورُبَّتَ رجل، ويدخل عليه ما، ليُمْكِن أَن يُتَكَلَّم بالفعل بعده، فيقال: رُبما. وفي التنزيل العزيز: رُبَّـما يَوَدُّ الذين كفروا؛ وبعضهم يقول رَبَّـما، بالفتح، وكذلك رُبَّتَما ورَبَّتَما، ورُبَتَما وَرَبَتَما، والتثقيل في كل ذلك أَكثر في كلامهم، ولذلك إِذا صَغَّر سيبويه رُبَّ، من قوله تعالى رُبَّـما يودّ، ردَّه إِلى الأَصل، فقال: رُبَيْبٌ. قال اللحياني: قرأَ الكسائي وأَصحاب عبداللّه والحسن: رُبَّـما يودُّ، بالتثقيل، وقرأَ عاصِمٌ وأَهلُ المدينة وزِرُّ بن حُبَيْش: رُبَما يَوَدُّ، بالتخفيف. قال الزجاج: من قال إِنَّ رُبَّ يُعنى بها التكثير، فهو ضِدُّ ما تَعرِفه العرب؛ فإِن قال قائل: فلمَ جازت رُبَّ في قوله: ربما يود الذين كفروا؛ ورب للتقليل؟ فالجواب في هذا: أَن العرب خوطبت بما تعلمه في التهديد. والرجل يَتَهَدَّدُ الرجل، فيقول له: لَعَلَّكَ سَتَنْدَم على فِعْلِكَ، وهو لا يشك في أَنه يَنْدَمُ، ويقول: رُبَّـما نَدِمَ الإِنسانُ مِن مِثْلِ ما صَنَعْتَ، وهو يَعلم أَنَّ الإِنسان يَنْدَمُ كثيراً، ولكنْ مَجازُه أَنَّ هذا لو كان مِـمَّا
يُوَدُّ في حال واحدة من أَحوال العذاب، أَو كان الإِنسان يخاف أَن يَنْدَمَ على الشيءِ، لوجَبَ عليه اجْتِنابُه؛ والدليل على أَنه على معنى التهديد قوله: ذَرْهُم يأْكُلُوا ويَتَمَتَّعُوا؛ والفرق بين رُبَّـما ورُبَّ: أَن رُبَّ لا يليه غير الاسم، وأَما رُبَّـما فإِنه زيدت ما، مع رب، ليَلِـيَها الفِعْلُ؛ تقول: رُبَّ رَجُلٍ جاءَني، وربما جاءَني زيد، ورُبَّ يوم بَكَّرْتُ فيه، ورُبَّ خَمْرةٍ شَرِبْتُها؛ ويقال: ربما جاءَني فلان، وربما حَضَرني زيد، وأَكثرُ ما يليه الماضي، ولا يَلِـيه مِن الغابرِ إِلاَّ ما كان مُسْتَيْقَناً، كقوله تعالى: رُبَـما يَوَدُّ الذين كفروا، ووَعْدُ اللّهِ حَقٌّ، كأَنه قد كان فهو بمعنى ما مَضَى، وإِن كان لفظه مُسْتَقْبَلاً. وقد تَلي ربما الأَسماءَ وكذلك ربتما؛
وأَنشد ابن الأَعرابي:
ماوِيّ ! يا رُبَّتَما غارةٍ * شَعْواءَ، كاللَّذْعَةِ بالمِـيسَمِ
قال الكسائي: يلزم مَن خَفَّف، فأَلقى إِحدى الباءَين، أَن يقول رُبْ
رجل، فيُخْرِجَه مُخْرَجَ الأَدوات، كما تقول: لِـمَ صَنَعْتَ؟ ولِـمْ
صَنَعْتَ؟ وبِـأَيِّمَ جِئْتَ؟ وبِـأَيِّمْ جئت؟ وما أَشبه ذلك؛ وقال: أَظنهم
إِنما امتنعوا من جزم الباءِ لكثرة دخول التاءِ فيها في قولهم: رُبَّتَ رجل، ورُبَتَ رجل. يريد الكسائي: أَن تاءَ التأْنيث لا يكون ما قبلها إِلاَّ مفتوحاً، أَو في نية الفتح، فلما كانت تاءُ التأْنيث تدخلها كثيراً، امتنعوا من إِسكان ما قبل هاءِ التأْنيث، وآثروا النصب، يعني بالنصب: الفتح. قال اللحياني: وقال لي الكسائي: إِنْ سَمِعتَ بالجزم يوماً، فقد أَخبرتك. يريد: إِن سمعت أَحداً يقول: رُبْ رَجُلٍ، فلا تُنْكِرْه، فإِنه وجه القياس. قال اللحياني: ولم يقرأْ أَحد رَبَّـما، بالفتح، ولا رَبَما.
وقال أَبو الهيثم: العرب تزيد في رُبَّ هاءً، وتجعل الهاءَ اسماً مجهولاً لا يُعرف، ويَبْطُل معَها عملُ رُبَّ، فلا يخفض بها ما بعد الهاءِ، وإِذا فَرَقْتَ بين كَمِ التي تَعْمَلُ عَمَلَ رُبَّ بشيءٍ، بطل عَمَلُها؛ وأَنشد:
كائِنْ رَأَبْتُ وَهايا صَدْعِ أَعْظُمِه، * ورُبَّه عَطِـباً، أَنْقَذْتُ مِ العَطَبِ
نصب عَطِـباً مِن أَجْل الهاءِ المجهولة. وقولهم: رُبَّه رَجُلاً،
ورُبَّها امرأَةً، أَضْمَرت فيها العرب على غير تقدّمِ ذِكْر، ثم أَلزَمَتْه التفسير، ولم تَدَعْ أَنْ تُوَضِّح ما أَوْقَعت به الالتباسَ، ففَسَّروه بذكر النوع الذي هو قولهم رجلاً وامرأَة. وقال ابن جني مرة: أَدخلوا رُبَّ على المضمر، وهو على نهاية الاختصاص؛ وجاز دخولها على المعرفة في هذا الموضع، لـمُضارَعَتِها النَّكِرَة، بأَنها أُضْمِرَت على غير تقدّم ذكر، ومن أَجل ذلك احتاجت إِلى التفسير بالنكرة المنصوبة، نحو رجلاً وامرأَةً؛
ولو كان هذا المضمر كسائر المضمرات لَـمَا احتاجت إِلى تفسيره. وحكى الكوفيون: رُبَّه رجلاً قد رأَيت، ورُبَّهُما رجلين، ورُبَّهم رجالاً، ورُبَّهنَّ نساءً، فَمَن وَحَّد قال: إِنه كناية عن مجهول، ومَن لم يُوَحِّد قال: إِنه ردّ كلام، كأَنه قيل له: ما لكَ جَوَارٍ؟ قال: رُبَّهُنّ جَوارِيَ قد مَلَكْتُ. وقال ابن السراج: النحويون كالـمُجْمعِـينَ على أَن رُبَّ جواب. والعرب تسمي جمادى الأُولى رُبّاً ورُبَّـى، وذا القَعْدةِ رُبَّة؛ وقال كراع: رُبَّةُ ورُبَّـى جَميعاً: جُمادَى الآخِرة، وإِنما كانوا يسمونها بذلك في الجاهلية.
والرَّبْرَبُ: القَطِـيعُ من بقر الوحش، وقيل من الظِّباءِ، ولا واحد
له؛ قال:
بأَحْسَنَ مِنْ لَيْلى، ولا أُمَّ شادِنٍ، * غَضِـيضَةَ طَرْفٍ، رُعْتَها وَسْطَ رَبْرَبِ
وقال كراع: الرَّبْرَبُ جماعة البقر، ما كان دون العشرة.
خرف: الخَرَفُ، بالتحريك: فَسادُ العَقْلِ من الكِبَرِ. وقد خَرِفَ
الرجُل، بالكسر، يَخْرَفُ خَرَفاً، فهو خَرِفٌ: فَسَدَ عَقْلُه من الكِبَرِ،
والأُنثى خَرِفةٌ، وأَخْرَفَه الهَرَمُ؛ قال أَبو النَّجْم العِجْليّ:
أَقْبَلْتُ من عِنْدِ زِيادٍ كالخَرِفْ، تَخُطُّ رِجْلايَ بخَطٍّ
مُخْتَلِفْ،
وتَكْتُبانِ في الطَّريقِ لام الِف
(* قوله «وتكتبان» رواه في الصحاح بدون واو من التكتيب.)
نَقَلَ حركةَ الهمزة من الأَلف على الميم الساكنة من لام فانفتحت، ومثله
قولهم في العدد: ثلاثةَ اربعة. والخَريفُ: أَحَدُ فُصُولِ السنةِ، وهي
ثلاثة أَشْهر من آخر القَيْظِ وأَوَّل الشتاء، وسمي خَريفاً لأَنه
تُخْرَفُ فيه الثِّمار أَي تُجْتَنى. والخَريفُ: أَوَّلُ ما يَبدأُ من المطر في
إقْبالِ الشتاء. وقال أَبو حنيفة: ليس الخريفُ في الأَصل باسم الفصل،
وإنما هو اسم مطر القيظ، ثم سمي الزمن به، والنَّسَبُ إليه خَرْفيٌّ
وخَرَفيٌّ، بالتحريك، كلاهما على غير قياس.
وأَخْرَفَ القومُ: دخلوا في الخريف، وإذا مُطِرَ القومُ في الخريف قيل:
قد خُرِفُوا، ومَطَرُ الخريف خَرْفيٌّ. وخُرِفَتِ الأَرضُ خَرْفاً:
أَصابها مطرُ الخريف، فهي مَخْروفةٌ، وكذلك خُرِفَ الناسُ. الأَصمعي: أَرضٌ
مخْروفةٌ أَصابها خَريفُ المطر، ومَرْبُوعةٌ أَصابها الربيعُ وهو المطر،
ومَصِيفةٌ أَصابها الصيفُ. والخَريفُ: المطر في الخريف؛ وخُرِفَتِ البهائم:
أَصابها الخريفُ أَو أَنْبَتَ لها ما تَرْعاه؛ قال الطِّرمَّاح:
مِثْلَ ما كافَحْتَ مَخْرُوفةً
نَصَّها ذاعِرُ رَوْعٍ مُؤام
يعني الظبْيةَ التي أَصابها الخَريفُ. الأَصمعي: أَوّل ماء المطر في
إقْبالِ الشتاء اسمه الخرِيفُ، وهو الذي يأْتي عند صِرامِ النخْل، ثم الذي
يَلِيه الوَسْميّ وهو أَوَّلُ الرَّبيعِ، وهذا عند دخول الشتاء، ثم يليه
الرَّبيع ثم الصيفُ ثم الحَمِيمُ، لأَن العرب تجعل السنة ستة أَزْمِنة.
أَبو زيد الغَنَوِيُّ: الخَريفُ ما بين طُلُوعِ الشِّعْرى إلى غُرُوبِ
العَرْقُوَتَيْنِ، والغَوْرُ ورُكْبةُ والحِجازُ، كله يُمْطَرُ بالخريف،
ونَجْدٌ لا تُمْطَرُ في الخَريف، أَبو زيد: أَوّلُ المطر الوسْمِيّ ثم
الشَّتْوِيُّ ثم الدَّفَئِيُّ ثم الصيفُ ثم الحَمِيمُ ثم الخَريفُ، ولذلك
جُعِلت السنةُ ستةَ أَزْمِنةٍ. وأَخْرَفوا: أَقامُوا بالمكان خَرِيفَهم.
والـمَخْرَفُ: موضع إقامَتِهم ذلك الزَّمَنَ كأَنه على طَرْحِ الزائد؛ قال
قَيْسُ بن ذُرَيْح:
فَغَيْقةُ فالأَخْيافُ، أَخْيافُ ظَبْيةٍ،
بها من لُبَيْنى مَخْرَفٌ ومَرابِعُ
وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: إذا رأَيت قوماً خَرَفُوا في حائطِهم أَي
أَقامُوا فيه وقْتَ اخْتِرافِ الثِّمارِ، وهو الخريف، كقولك صافُوا
وشَتَوْا إذا أَقاموا في الصيْف والشتاء، وأَما أَخْرَفَ وأَصافَ وأَشْتَى
فمعناه أَنه دخل في هذه الأَوقات. وفي حديث الجارود: قلت يا رسول اللّه
ذَوْدٌ نأْتي عليهنّ في خُرُف فَنَسْتَمْتِعُ من ظُهورِهنَّ وقد عَلِمْتَ ما
يَكْفِينا من الظَّهْر، قال: ضالَّةُ المؤْمِن حَرَقُ النارِ؛ قيل: معنى
قوله في خُرُف أَي في وقت خُروجهنَّ إلى الخريف.
وعامَلَه مُخارَفةً وخِرافاً من الخَريفِ؛ الأَخيرة عن اللحياني،
كالـمُشاهَرَةِ من الشهر. واسْتَأْجَره مُخارَفةً وخِرافاً؛ عنه أَيضاً. وفي
الحديث: فُقَراءُ أُمتي يدخلون الجنة قبل أَغنيائهم بأَربعين خريفاً؛ قال
ابن الأَثير: وهو الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيْف والشتار،
ويريد به أَربعين سنة لأَن الخريف لا يكون في السنة إلا مرَّة واحدة، فإذا
انقضى أَربعون خريفاً فقد مضت أَربعون سنة؛ ومنه الحديث: إن أَهل النار
يَدْعون مالكاً أَربعين خريفاً؛ وفي حديث سَلَمَة بن الأَكوع ورجزه:
لم يَغْذُها مُدٌّ ولا نَصِيفُ،
ولا تُمَيْراتٌ ولا رَغِيفُ،
لكِنْ غَذاها لَبَنُ الخَريفِ
(* في هذا الشطر إقواء.)
قال الأَزهري: اللبن يكون في الخَريفِ أَدْسَمَ. وقال الهروي: الرّواية
اللبنُ الخَريفُ، قال: فيُشْبِه أَنه أَجْرى اللبن مُجْرى الثِّمار التي
تُخْتَرَفُ على الاستعارة، يريد الطَّريَّ الحَديثَ العَهْدِ بالحَلَبِ.
والخَريفُ: الساقِيةُ. والخريفُ: الرُّطَبُ الـمَجْنيّ. والخَريف: السنةُ
والعامُ. وفي الحديث: ما بين مَنْكِبَي الخازِنِ من خَزَنة جهنم خَريفٌ؛
أَراد مسافةً تُقْطَعُ من الخريف إلى الخريف وهو السنة.
والـمُخْرِفُ: الناقة التي تُنْتَجُ في الخريف. وقيل: هي التي نُتِجَتْ
في مثل الوقت الذي حَمَلَتْ فيه من قابل، والأَوّل أَصحّ لأَن الاشْتِقاق
يَمُدُّه، وكذلك الشاة؛ قال الكميت يمدح محمد بن سليمان الهاشميّ:
تَلْقى الأَمانَ، على حِياضِ مُحمدٍ،
ثَوْلاءُ مُخْرِفةٌ، وذِئْبٌ أَطْلَسُ
لا ذِي تَخافُ، ولا لذلِك جُرْأَةٌ،
تُهْدى الرَّعِيّةُ ما اسْتَقامَ الرَّيِّسُ
وقد أَخْرَفَتِ الشاةُ: وَلَدَتْ في الخَريف، فهي مُخْرِفٌ. وقال شمر:
لا أَعرف أَخرفت بهذا المعنى إلا من الخريف، تَحْمِلُ الناقةُ فيه وتَضَعُ
فيه.
وخَرَفَ النخلَ يَخْرُفُه خَرْفاً وخَرافاً وخِرافاً واخْتَرَفَه:
صَرَمَه واجْتَناه. والخَرُوفَةُ: النخلة يُخْرَفُ ثمَرُها أَي يُصْرَمُ،
فَعُولةٌ بمعنى مَفْعولة. والخرائفُ: النخل اللاَّئي تُخْرَصُ. وخَرَفْتُ
فلاناً أَخرفُه إذا لَقَطْتَ له الثَّمرَ. أَبو عمرو: اخْرُفْ لنا ثمَرَ
النخلِ، وخَرَفْتُ الثِّمار أَخْرُفُها، بالضم، أَي اجْتَنَيْتُها، الثمر
مَخْرُوفٌ وخَريف. والمِخْرَف: النخلة نَفْسُها، والاخْتِرافُ: لَقْطُ
النخل، بُسْراً كان أَو رُطَباً؛ عن أَبي حنيفة. وأَخْرَفَ النخلُ: حانَ
خِرافُه. والخارِفُ: الحافِظُ في النخلِ، والجمع خُرّافٌ. وأَرسلوا
خُرَّافَهم أَي نُظَّارَهم. وخَرَفَ الرجلُ يَخْرُفُ: أَخَذَ من طُرَفِ
الفَواكِهِ، والاسم الخُرْفةُ. يقال: التمْرُ خُرْفة الصائم. وفي الحديث: إن
الشجَرَ أَبْعَدُ من الخارِف، وهو الذي يَخْرُفُ الثَّمَر أَي يَجْتَنِيه.
والخُرْفةُ، بالضم: ما يُجْتَنى من الفَواكِه. وفي حديث أَبي عَمْرةَ: النخلة
خُرْفةُ الصائم أَي ثَمَرتُه التي يأْكلها، ونَسَبَها إلى الصائم لأَنه
يُسْتَحَبُّ الإفْطارُ عليه. وأَخْرَفَه نَخلةً: جعلَها له خُرْفةً
يَخْتَرِفُها. والخَرُوفةُ: النخلةُ. والخَريفةُ: النخلة التي تُعْزَلُ
للخُرْفةِ. والخُرافةُ: ما خُرِفَ من النخل.
والـمَخْرَفُ: القِطْعة الصغيرة من النخل سِتّ أَو سبْعٌ يشتريها الرجل
للخُرْفةِ، وقيل هي جماعة النخل ما بَلَغَتْ. التهذيب: روى ثوْبانُ عن
النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال: عائدُ الـمَريضِ في مَخْرَفَةِ
الجنة حتى يَرْجِعَ. قال شمر: الـمَخْرَفةُ سِكّةٌ بين صَفَّيْن من نخل
يَخْتَرِفُ من أَيِّهِما شاء أَي يجتني، وجمعها الـمَخارِفُ. قال ابن الأَثير:
الـمَخارِفُ جمع مَخْرَفٍ، بالفتح، وهو الحائطُ من النخل أَي أَنّ
العائدَ فيما يَحُوزُه من الثواب كأَنـَّه على نخل الجنة يَخْتَرِفُ
ثِمارَها.والمِخْرَفُ، بالكسر: ما يُجْتَنى فيه الثِّمارُ، وهي الـمَخارِفُ،
وإنما سمِّي مِخْرَفاً لأَنه يُخْتَرَفُ فيه أَي يُجْتَنَى. ابن سيده:
المِخْرَفُ زَبيلٌ صغير يُخْتَرَفُ فيه من أَطايِبِ الرُّطَب. وفي الحديث: أَنه
أَخذ مِخْرَفاً فأَتَى عِذْقاً؛ المِخْرَفُ، بالكسر: ما يجتنى فيه
الثمر، والـمَخْرَفُ: جَنَى النخلِ. وقال ابن قُتيبة فيما ردَّ على أَبي عبيد:
لا يكون الـمَخْرفُ جَنى النخل، وإنما الـمَخْرُوفُ جنَى النخل، قال:
ومعنى الحديث عائدُ المريض في بساتين
(* قوله «في بساتين إلخ» هذا يناسب
رواية النهاية عائد المريض على مخارف الجنة بصيغة الجمع لا الرواية هنا في
مخرفة الجنة بالافراد.) الجنة؛ قال ابن الأَنباري: بل هو الـمُخْطئُ
لأَن الـمَخْرَفَ يقع على النخل وعلى الـمَخْرُوفِ من النخل كما يقع
المشْرَب على الشُرْبِ والموضعِ والـمَشْرُوبِ، وكذلك الـمَطْعَمُ يقع على
الطعام المأْكول، والـمَرْكَبُ يقعُ على المركوب، فإذا جاز ذلك جاز أَن تقع
الـمَخارِفُ على الرطب الـمَخْرُوف، قال: ولا يجهل هذا إلا قليل التفتيش
لكلام العرب؛ قال نُصَيْبٌ:
وقد عادَ عَذْبُ الماءِ بَحْراً، فزادَني
إلى ظَمَئي أَنْ أَبْحَرَ الـمَشْرَبُ العَذْبُ
وقال آخر:
وأُعْرِضُ عن مَطاعِمَ قَدْ أَراها
تُعَرَّضُ لي، وفي البَطْنِ انْطواء
قال: وقوله عائد المريض على بساتين الجنة لأَن على لا تكون بمعنى في، لا
يجوز أَن يقال الكِيسُ على كُمِّي يريد في كُمِّي، والصِّفاتُ لا
تُحْمَلُ على أَخواتها إلا بأَثر، وما روى لُغَوِيّ قطُّ أَنهم يَضَعُون على
موضع في. وفي حديث آخر: على خُرْفةِ الجنة؛ والخُرفة، بالضم: ما يُخْتَرَفُ
من النخل حين يُدْرِكُ ثمره. ولما نزلت: مَن ذا الذي يُقْرِضُ اللّه
قرضاً حسناً، الآية؛ قال أَبو طلحة: إنَّ لي مَخْرَفاً وإني قد جعلته
صَدَقَةً أَي بُسْتاناً من نخل. والمخرف، بالفتح: يقع على النخل والرطب. وفي
حديث أَبي قَتَادة: فابْتَعْتُ به مَخْرَفاً أَي حائطاً يُخْرَفُ منه
الرطب. ويقال للنخلة التي يأْخذها الرجل للخُرْفَة يَلقُطُ ما عليها من
الرُّطَب: الخَرُوفَةُ. وقد اشْتَمَلَ فلان خَرائفَه إذا لَقَطَ ما عليها من
الرطب إلا قلِيلاً، وقيل: معنى الحديث عائد المريض على طريق الجنة أَي
يؤدِّيه ذلك إلى طرقها؛ وقال أَبو كبير الهذلي يصف رجلاً ضربه ضربة:
ولقد تُحِينُ الخِرْقَ يَرْكُدُ عِلْجُه،
فَوْقَ الإِكامِ، إدامَةَ الـمُسْتَرْعِفِ
فأجَزْتُه بأَفَلَّ تَحْسَبُ أَثْرَه
نَهْجاً، أَبانَ بِذِي فَريغٍ مَخْرَفِ
فَريغ: طريق واسع. وروي أَيضاً عن عليّ، عليه السلام، قال: سمعت النبي،
صلى اللّه عليه وسلم، يقول: مَن عادَ مَريضاً إيماناً باللّه ورسوله
وتصديقاً لكِتابه كان ما كان قاعِداً في خِرافِ الجنةِ، وفي رواية أُخرى:
عائدُ المريضِ في خِرافة الجنة أَي في اجْتِناء ثمرها من خَرَفْت النخلةَ
أَخْرُفُها، وفي رواية أُخرى: عائد المريض له خَرِيفٌ في الجنة أَي
مَخْرُوفٌ من ثمرها، فَعِيلٌ بمعنى مَفْعُولٍ.
والـمَخْرَفةُ: البستان. والـمَخْرَفُ والـمَخْرَفَةُ: الطريق الواضحُ.
وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: تركتكم على مَخْرَفةِ
(* قوله «تركتكم على
مخرفة» الذي في النهاية: تركتم على مثل مخرفة.) النَّعَمِ أَي على مِثْلِ
طريقِها التي تُمَهِّدُها بأَخْفافِها. ثعلب: الـمَخارِفُ الطُّرُقُ ولم
يعين أَية الطُّرُق هي.
والخُرافةُ: الحديثُ الـمُسْتَمْلَحُ من الكذِبِ. وقالوا: حديث خُرافةَ،
ذكر ابن الكلبي في قولهم حديثُ خُرافة أَنَّ خُرافةَ من بني عُذْرَةَ
أَو من جُهَيْنةَ، اخْتَطَفَتْه الجِنُّ ثم رجع إلى قومه فكان يُحَدِّثُ
بأَحاديثَ مـما رأى يَعْجَبُ منها الناسُ فكذَّبوه فجرى على أَلْسُنِ
الناس. وروي عن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال: وخُرافَةُ حَقٌّ. وفي
حديث عائشة، رضي اللّه عنها: قال لها حَدِّثِيني، قالت: ما أُحَدِّثُكَ
حَدِيثَ خُرافةَ، والراء فيه مخففة، ولا تدخله الأَلف واللام لأَنه معرفة
إلا أَن يريد به الخُرافاتِ الموضوعةَ من حديث الليل، أَجْرَوْه على كل ما
يُكَذِّبُونَه من الأَحاديث، وعلى كل ما يُسْتَمْلَحُ ويُتَعَجَّبُ منه.
والخَرُوفُ: ولد الحَمَلِ، وقيل: هو دونَ الجَذَعِ من الضأْنِ خاصّة،
والجمع أَخْرفةٌ وخِرفان، والأَنثى خَرُوفَةٌ، واشْتِقاقُه أَنه يَخْرُفُ
من ههنا وههنا أَي يَرْتَعُ. وفي حديث المسيح: إنما أَبْعَثُكُم كالكِباشِ
تَلْتَقِطون خِرْفان بني إسرائيل؛ أَراد بالكِباش الكِبارَ العُلَماء،
وبالخِرْفان الصِّغارَ الجُهّالَ. والخَرُوفُ من الخيل ما نُتِجَ في
الخَريفِ. وقال خالد بن جَبَلَة: ما رَعى الخَريفَ، وقيل: الخَرُوفُ ولَدُ
الفرس إذا بلغ ستة أَشْهر أَو سبعة؛ حكاه الأَصمعي في كتاب الفَرس؛ وأَنشد
لرجل من بني الحرث:
ومُسْتَنّةٍ كاسْتِنانِ الخَرُو
فِ، قد قَطَعَ الحَبْلَ بالمِرْوَدِ
دَفُوعِ الأَصابعِ، ضَرْحَ الشَّمُو
سِ نَجْلاء، مُؤيسة العُوَّدِ
أَرادَ مع المِرْودِ. وقوله ومُسْتَنَّةٍ يعني طَعْنة فار دَمُها
باسْتِنانٍ. والاسْتِنانُ والسَّنُّ: الـمَرُّ على وجهه، يريد أَن دَمَها مرَّ
على وجهه كما يمضي الـمُهْرُ الأَرِنُ؛ قال الجوهري: ولم يعرفه أَبو
الغوث؛ وقوله دَفُوع الأَصابع أَي إذا وضَعْتَ أَصابعكَ على الدَّم دَفَعها
الدم كضَرْحِ الشَّمُوسِ برِجْلِه؛ يقول: يَئِسَ العُوّادُ من صَلاحِ هذه
الطَّعْنة، والمِرْوَدُ: حديدة تُوتَدُ في الأَرض يُشَدُّ فيها حبلُ
الدابةِ؛ فأَما قول امرئ القيس:
جَوادَ الـمَحَثّةِ والمَرْوَدِ
(* قوله «جواد إلخ» صدره كما في رود من الصحاح:
وأعددت للحرب وثابة)
والـمَرْوِد أَيضاً، فإنه يريد جَواداً في حالتَيْها إذا
اسْتَحْثَثْتَها وإذا رفَقْتَ بها. والـمُرْوَدُ: مُفْعَلٌ من الرَّوْدِ وهو الرِّفْقُ،
والـمَرْوَدُ مَفْعَلٌ منه، وجمعه خُرُفٌ؛ قال:
كأَنـَّها خُرُفٌ وافٍ سَنابِكُها،
فَطأْطَأَتْ بُؤَراً في صَهْوَةٍ جَدَدِ
ابن السكيت: إذا نُتِجَت الفرَسُ يقال لولدها مُهْر وخَروف، فلا يزال
كذلك حتى يحول عليه الحول.
والخَرْفى مَقْصُورٌ: الجُلْبانُ والخُلَّرُ؛ قال أَبو حنيفة: هو فارسي.
وبنو خارِفٍ: بَطْنان. وخارِفٌ ويامٌ: قَبيلَتان من اليمن، واللّه
أَعلم.
عزا: العَزَاءُ: الصَّبْرُ عن كل ما فَقَدْت، وقيل: حُسْنُه، عَزِي
يَعْزى عَزَاءً، ممدود، فهو عَزٍ. ويقال: إنه لعَزِيٌّ صَبُورٌ إذا كان
حَسَنَ العَزَاء على المَصائِب. وعَزَّاه تَعْزِيةً، على الحذف والعِوَض،
فتَعَزَّى؛ قال سيبويه: لا يجوز غيرُ ذلك. قال أَبو زيد: الإتمامُ أَكثر في
لِسان العرب، يعني التفعيل من هذا النحو، وإنما ذكَرْت هذا ليُعْلَمَ
طريقُ القِياس فيه، وقيل: عَزَّيتُه من باب تَظَنَّيْت، وقد ذكر تعليله في
موضعه. وتقول: عَزَّيتُ فلاناً أُعَزِّيه تَعْزِيَةً أَي أَسَّيْته
وضَرَبْت له الأُسى، وأَمَرْتُه بالعَزَاء فتَعَزَّى تَعَزِّياً أَي تَصَبَّرَ
تَصَبُّراً. وتَعازى القومُ: عَزَّى بعضهم بعضاً؛ عن ابن جني.
والتَّعْزُوَةُ: العَزاءُ؛ حكاه ابن جني عن أَبي زيد، اسم لا مصدرٌ لأَن تَفْعُلَة
ليستْ من أَبْنِية المصادر، والواو ههنا ياءٌ، وإنما انقلبت للضَّمَّة
قبلَها كما قالوا الفُتُوّة.
وعَزَا الرجلَ إلى أبيه عَزْواً: نسبه، وإنه لحَسَن العِزْوةِ. قال ابن
سيده: وعزاه إلى أَبيه عَزْياً نَسَبه، وإنه لحَسَنُ العِزْيَة؛ عن
اللحياني. يقال: عَزَوْتُه إلى أَبيه وعزيتُه، قال الجوهري: والاسم العَزَاء.
وعَزَا فلانٌ نفسَه إلى بني فلانٍ يَعْزُوها عَزْواً وعَزَا واعْتَزَى
وتَعَزَّى، كله: انتَسَب، صِدْقاً أَو كَذباً، وانْتَمى إليهم مثله،
والاسمُ العِزْوَة والنِّمْوَة، وهي بالياء أَيضاً. والاعتزاءُ: الادِّعاءُ
والشِّعارُ في الحَرْبِ منه. والاعتزاءُ: الانْتِماءُ. ويقال: إلى من
تَعْزي هذا الحديث؟ أَي إلى مَن تَنْمِيه. قال ابن جريج: حدَّث عطاءٌ بحديث
فقيل له: إلى مَن تَعْزِيه؟ أَي إلى مَنْ تُسْنِدُه، وفي رواية: فقُلْتُ له
أَتَعْزِيهِ إلى أَحد؟ وفي الحديث: مَن تَعَزَّى بعَزاء الجاهلية
فأَعِضُّوه بِهَنِ أَبيه ولا تَكْنُوا؛ قوله تَعَزَّى أَي انْتَسَبَ وانْتَمى.
يقال: عَزَيْتُ الشيءَ وعَزَوْتُه أَعْزيه وأَعْزُوه إذا أَسْنَدْتَه إلى
أَحدٍ، ومعنى قوله ولا تَكْنُوا أَي قولوا له اعضَضْ بأَيْرِ أَبيك، ولا
تَكْنُوا عن الأَيْرِ بالْهَنِ.
والعَزَاءُ والعِزْوَة: اسم لدَعْوَى المُسْتَغِيثِ، وهو أَن يقول: يا
لَفُلانٍ، أَو يا لَلأَنصار، أَو يا لَلْمُهاجرينَ قال الراعي:
فَلَمَّا الْتَقَتْ فُرْسانُنا ورجالُهم،
دَعَوْا: يا لَكَعْبٍ واعْتَزَيْنا لعامِرِ
وقول بشرِ بن أَبي خازِمٍ:
نَعْلُو القَوانِسَ بالسيُّوف ونَعْتَزِي،
والخَيلُ مُشْعَرَة النُّحورِ من الدَّمِ
وفي الحديث: مَن لمْ يَتَعَزَّ بعزَاءِ الله فليس منّا أَي مَن لم
يَدْعُ بدَعْوَى الإسلامِ فيقولَ:يا لله أَو يا لَلإسلامِ أَو يا
لَلْمُسْلِمِينَ وفي حديث عمر، رضي الله عنه، أَنه قال: يا للهِ لِلْمُسْلِمِينَ
قال الأَزهري: له وَجْهان: أَحدهما أَنّ لا يَتَعَزَّى بعَزاء الجاهِليَّة
ودَعْوَى القَبائل، ولكن يقول يا لَلْمُسْلِمِينَ فتكون دَعْوَة
المُسْلِمِينَ واحدةً غيرَ مَنْهِيٍّ عنها، والوجه الثاني أَن مَعْنى التَّعَزِّي
في هذا الحديث التَّأَسِّي والصَّبرُ، فإذا أَصاب المُسْلِمَ مصيبةٌ
تَفْجَعُه قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، كما أَمَره الله ، ومَعنى
قوله بعَزَاءِ الله أَي بتَعْزِيَةِ الله إيّاه؛ فأَقام الاسمَ مُقامَ
المَصْدرِ الحقيقي، وهو التَّعْزية، مِنْ عَزَّيْتُ كما يقال أَعْطَيْته
عَطاءً ومعناه أَعْطَيته إعطاءً. وفي الحديث: سَيَكون للْعَرَبِ دَعْوَى
قَبائِلَ، فإذا كان كذلك، فالسَّيفَ السَّيفَ حتى يَقُولوا يا لَلْمُسلمين
وقال الليث: الاعْتِزاءُ الاتّصالُ في الدَّعوَى إذا كانت حربٌ فكلُّ مَنِ
ادَّعى في شعارِهِ أَنا فلانٌ ابنُ فُلانٍ أَو فلانٌ الفُلانيُّ فقدِ
اعْتَزَى إليه.
والعِزَةُ: عُصْبَة من الناس، والجمع عِزُونَ. الأصمعي: يقال في الدارِ
عِزُونَ أَي أَصنافٌ من النَّاسِ. والعِزَة: الجماعةُ والفِرْقَةُ من
الناسِ، والهاءُ عِوَضٌ من الياء، والجَمع عِزًى على فِعَل وعِزُون، وعُزون
أَيضاً بالضم، ولم يقولوا عِزات كما قالوا ثُبات؛ وأَنشد ابن بري
للكميت:ونحنُ، وجَنْدَلٌ باغٍ، تَرَكْنا
كَتائبَ جَنْدَلٍ شَتىً عِزِينا
وقوله تعالى: عن اليَميِن وعن الشِّمالِ عِزِينَ؛ معنى عِزين حِلَقاً
حِلَقاً وجَماعةً جماعةً، وعِزُونَ: جَمْعِ عِزَةٍ فكانوا عن يَمِينِه وعن
شِماله جماعاتٍ في تَفْرِقَة. وقال الليث: العِزَةُ عُصْبَة من الناس
فَوْقَ الحَلْقَة ونُقَصانُها واو. وفي الحديث: ما لي أَراكم عِزِينَ؟
قالوا: هي الحَلْقَة المُجْتَمِعَة من الناس كأَنَّ كلَّ جماعةٍ اعْتِزَاؤها
أَي انْتِسابُها واحِدٌ، وأَصلها عِزْوَة، فحذفت الواو وجُمِعَت جمعَ
السلامَةِ على غَيْر قياسٍ كثُبِين وبُرِينَ في جمع ثُبَةٍ وبُرَةٍ.
وعِزَةٌ، مثلُ عِضَةٍ: أَصْلُها عِضْوَة، وسنذكرها في موضعها. قال ابن بري:
ويَأْتي عِزين بمعنى مُتَفَرِّقِين ولا يلزم أَن يكون من صفَة الناس
بمَنْزِلَة ثُبِين؛ قال: وشاهده ما أَنشده الجوهري:
فلما أَنْ أَتَيْنَ على أُضاخٍ،
ضَرَحْنَ حَصاهُ أَشْتاتاً عِزِينا
لأنه يريد الحَصى؛ ومثله قول ابن أَحمر البجلي:
حُلِقَتْ لَهازِمُه عِزينَ ورأْسُه،
كالقُرْصِ فُرْطِحَ من طَحِينِ شَعِيرِ
وعِزْوِيتٌ فِعْلِيتٌ؛ قال ابن سيده: وإنما حكمنا عليه بأَنَّه
فِعْلِيتٌ لوجود نَظيره وهو عِفْرِيت ونِفْريتٌ، ولا يكون فِعْويلاً لأَنه لا
نَظِيرَ له؛ قال ابن بري: جَعَلَه سيبويه صفَة وفسَّره ثعلب بأَنه القصير.
وقال ابن دُرَيد: هو اسم مَوْضِع. وبَنو عَزْوانَ: حَيٌّ من الجِنِّ؛ قال
ابن أَحمر يصف الظَّلِيمَ والعربُ تقول إن الظِّلِيمَ من مَراكِبِ
الجنِّ:
حَلَقَتْ بَنُو عَزْوَانَ جُؤْجُؤْهُ
والرأْسَ، غيرَ قَنازِعٍ زُعْرِ
قال الليث: وكلمة شَنْعاءُ من لغة أَهل الشحر، يقولون يَعْزَى ما كان
كذا وكذا، كما نقولُ نحن: لعَمْري لقد كان كذا وكذا، ويَعْزِيكَ ما كان
كذا، وقال بعضهم: عَزْوَى، كأَنهم كلمة يُتَلَطَّف بها. وقيل: بِعِزِّي، وقد
ذُكِرَ في عزز؛ قال ابن دريد: العَزْوُ لغة مرغوبٌ عنها يَتكلم بها
بَنُو مَهْرَة بن حَيْدَانَ، يقولون عَزْوَى كأَنها كلمة يُتَلَطّفُ بها،
وكذلك يقولون يَعْزى.
ذكر: الذِّكْرُ: الحِفْظُ للشيء تَذْكُرُه. والذِّكْرُ أَيضاً: الشيء
يجري على اللسان. والذِّكْرُ: جَرْيُ الشيء على لسانك، وقد تقدم أَن
الذِّكْرَ لغة في الذكر، ذَكَرَهُ يَذْكُرُه ذِكْراً وذُكْراً؛ الأَخيرة عن
سيبويه. وقوله تعالى: واذكروا ما فيه؛ قال أَبو إِسحق: معناه ادْرُسُوا ما
فيه. وتَذَكَّرَهُ واذَّكَرَهُ وادَّكَرَهُ واذْدَكَرَهُ، قلبوا تاء
افْتَعَلَ في هذا مع الذال بغير إِدغام؛ قال:
تُنْحي على الشَّوكِ جُرَازاً مِقْضَبا،
والهَمُّ تُذْرِيهِ اذْدِكاراً عَجَبَا
(* قوله: «والهم تذريه إلخ» كذا بالأَصل والذي في شرح الأَشموني:
«والهرم وتذريه اذدراء عجبا» أَتى به شاهداً على جواز الإِظهار بعد قلب تاء
الافتعال دالاً بعد الذال. والهرم، بفتح الهاء فسكون الراء المهملة: نبت
وشجر أَو البقلة الحمقاء كما في القاموس، والضمير في تذريه للناقة، واذدراء
مفعول مطلق لتذريه موافق له في الاشتقاق، انظر الصبان).
قال ابن سيده: أَما اذَّكَرَ وادَّكَر فإِبدال إِدغام، وأَما الذِّكْرُ
والدِّكْرُ لما رأَوها قد انقلبت في اذَّكَرَ الذي هو الفعل الماضي
قلبوها في الذِّكْرِ الذي هو جمع ذِكْرَةٍ.
واسْتَذْكَرَهُ: كاذَّكَرَه؛ حكى هذه الأَخيرة أَبو عبيد عن أَبي زيد
فقال: أَرْتَمْتُ إِذا ربطتَ في إِصبعه خيطاً يَسْتَذْكِرُ به حاجَتَه.
وأَذْكَرَه إِياه: ذَكَّرَهُ، والاسم الذِّكْرَى. الفراء: يكون الذِّكْرَى
بمعنى الذِّكْرِ، ويكون بمعنى التَّذَكُّرِ في قوله تعالى: وذَكِّرْ فإِن
الذِّكْرَى تنفع المؤمنين. والذِّكْرُ والذِّكْرى، بالكسر: نقيض النسيان،
وكذلك الذُّكْرَةُ؛ قال كعب بن زهير:
أَنَّى أَلَمَّ بِكَ الخَيالُ يَطِيفُ،
ومَطافُه لَكَ ذُكْرَةٌ وشُعُوفُ
يقال: طاف الخيالُ يَطِيفُ طَيْفاً ومَطَافاً وأَطافَ أَيضاً.
والشُّعُوفُ: الولُوعُ بالشيء حتى لا يعدل عنه. وتقول: ذَكَّرْتُه ذِكْرَى؛ غير
مُجْرَاةٍ. ويقال: اجْعَلْه منك على ذُكْرٍ وذِكْرٍ بمعنى. وما زال ذلك مني
على ذِكْرٍ وذُكْرٍ، والضم أَعلى، أَي تَذَكُّرٍ. وقال الفراء:
الذِّكْرُ ما ذكرته بلسانك وأَظهرته. والذُّكْرُ بالقلب. يقال: ما زال مني على
ذُكْرٍ أَي لم أَنْسَه. واسْتَذْكَرَ الرجلَ: ربط في أُصبعه خيطاً
ليَذْكْرَ به حاجته. والتَّذكِرَةُ: ما تُسْتَذْكُرُ به الحاجة. وقال أَبو حنيفة
في ذِكْرِ الأَنْواء: وأَما الجَبْهَةُ فَنَوْؤُها من أَذْكَرِ الأَنْواء
وأَشهرها؛ فكأَن قوله من أَذْكَرِها إِنما هو على ذِكُرَ وإِن لم يلفظ
به وليس على ذَكِرَ، لأَن أَلفاظ فعل التعجب إِنما هي من فِعْلِ الفاعل لا
من فِعْلِ المفعول إِلاَّ في أَشياء قليلة. واسْتَذْكَرَ الشيءَ:
دَرَسَةَ للذِّكْرِ. والاسْتِذْكارُ: الدِّرَاسَةُ للحفظ. والتَّذَكُّر: تذكر
ما أُنسيته. وذَكَرْتُ الشيء بعد النسيان وذَكْرتُه بلساني وبقلبي
وتَذَكَّرْتُه وأَذْكَرْتُه غيري وذَكَّرْتُه بمعنًى. قال الله تعالى: وادَّكَرَ
بعد أُمَّةٍ؛ أَي ذَمَرَ بعد نِسْيان، وأَصله اذْتَكَرَ فَأُدغم.
والتذكير: خلاف التأْنيث، والذَّكَرُ خلاف الأُنثى، والجمع ذُكُورٌ
وذُكُورَةٌ وذِكَارٌ وذِكَارَةٌ وذُكْرانٌ وذِكَرَةٌ. وقال كراع: ليس في
الكلام فَعَلٌ يكسر على فُعُول وفُعْلان إِلاَّ الذَّكَرُ. وامرأَة ذَكِرَةٌ
ومُذَكَّرَةٌ ومُتَذَكِّرَةٌ: مُتَشَّبَهةٌ بالذُّكُورِ. قال بعضهم:
إِياكم وكُلَّ ذَكِرَة مُذَكَّرَةٍ شَوْهاءَ فَوْهاءَ تُبْطِلُ الحَقِّ
بالبُكاء، لا تأْكل من قِلَّةٍ ولا تَعْتَذِرُ من عِلَّة، إِن أَقبلت
أَعْصَفَتْ وإِن أَدْبَرَتْ أَغْبَرَتْ. وناقة مُذَكَّرَةٌ: مُتَشَبِّهَةٌ
بالجَمَلِ في الخَلْقِ والخُلُقِ؛ قال ذو الرمة:
مُذَكَّرَةٌ حَرْفٌ سِنَادٌ، يَشُلُّها
وَظِيفٌ أَرَحُّ الخَطْوِ، ظَمْآنُ سَهْوَقُ
ويوم مُذَكَّرٌ: إِذا وُصِفَ بالشِّدّةِ والصعوبة وكثرة القتل؛ قال
لبيد:فإِن كنتِ تَبْغِينَ الكِرامَ، فأَعْوِلِي
أَبا حازِمٍ، في كُلِّ مُذَكَّرِ
وطريق مُذَكَّرٌ: مَخُوفٌ صَعْبٌ.
وأَذْكَرَتِ المرأَةُ وغَيْرُها فهي مُذْكِرٌ: ولدت ذَكَراً. وفي الدعاء
للحُبْلَى: أَذْكَرَتْ وأَيْسَرَتْ أَي ولدت ذَكَراً ويُسِّرَ عليها.
وامرأَة مُذْكِرٌ: ولدت ذَكَراً، فإِذا كان ذلك لها عادة فهي مِذْكارٌ،
وكذلك الرجل أَيضاً مِذْكارٌ؛ قال رؤْبة:
إِنَّ تَمِيماً كان قَهْباً من عادْ،
أَرْأَسَ مِذْكاراً، كثيرَ الأَوْلادْ
ويقال: كم الذِّكَرَةُ من وَلَدِك؟ أَي الذُّكُورُ وفي الحديث: إِذا غلب
ماءُ الرجل ماءَ المرأَة أَذْكَرَا؛ أَي ولدا ذكراً، وفي رواية: إِذا
سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأَة أَذْكَرَتْ بإِذن الله أَي ولدته ذكراً. وفي
حديث عمر: هَبِلَتِ الوَادِعِيَّ أُمُّهُ لقد أَذْكَرَتْ به أَي جاءت به
ذكراً جَلْداً. وفي حديث طارق مولى عثمان: قال لابن الزبير حين صُرِعَ:
والله ما ولدت النساء أَذْكَرَ منك؛ يعني شَهْماً ماضياً في الأُمور. وفي
حديث الزكاة: ابن لبون ذكر؛ ذكر الذكر تأْكيداً، وقيل: تنبيهاً على نقص
الذكورية في الزكاة مع ارتفاع السن، وقيل: لأَن الابن يطلق في بعض
الحيوانات على الذكر والأُنثى كابن آوى وابن عُرْسٍ وغيرهما، لا يقال فيه بنت آوى
ولا بنت عرس فرفع الإِشكال بذكر الذَّكَرِ. وفي حديث الميراث: لأَوْلَى
رجل ذَكَرٍ؛ قيل: قاله احترازاً من الخنثى، وقيل: تنبيهاً على اختصاص
الرجال بالتعصيب للذكورية. ورجل ذَكَرٌ: إِذا كان قويّاً شجاعاً أَنِفاً
أَبِيّاً. ومطر ذَكَرٌ: شديدٌ وابِلٌ؛ قال الفرزدق:
فَرُبَّ ربيعٍ بالبَلالِيق قد، رَعَتْ
بِمُسْتَنِّ أَغْياثٍ بُعاق ذُكُورُها
وقَوْلٌ ذَكَرٌ: صُلْبٌ مَتِين. وشعر ذَكَرٌ: فَحْلٌ. وداهية مُذْكِرٌ:
لا يقوم لها إِلاَّ ذُكْرانُ الرجال، وقيل: داهية مُذْكِرٌ شديدة؛ قال
الجعدي:
وداهِيَةٍ عَمْياءَ صَمَّاءَ مُذْكِرٍ،
تَدِرُّ بِسَمٍّ من دَمٍ يَتَحَلَّبُ
وذُكُورُ الطِّيبِ: ما يصلح للرجال دون النساء نحو المِسْكِ والغالية
والذَّرِيرَة. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: أَنه كان يتطيب بِذِكارَةِ
الطِّيبِ؛ الذكارة، بالكسر: ما يصلح للرجال كالمسك والعنبر والعود، وهي
جمع ذُكَرٍ، والذُّكُورَةُ مثله؛ ومنه الحديث: كانوا يكرهون المُؤَنِّثَ من
الطيب ولا يَرَوْنَ بِذُكْورَتِه بأْساً؛ قال: هو ما لا لَوْنَ له
يَنْفُضُ كالعُود والكافور والعنبر، والمؤنَّث طيب النساء كالخَلُوق
والزعفران. وذُكورُ العُشْبِ: ما غَلُظ وخَشُنَ. وأَرض مِذْكارٌ: تُنْبِتُ ذكورَ
العُشْبِ، وقيل: هي التي لا تنبت، والأَوّل أَكثر؛ قال كعب:
وعَرَفْتُ أَنِّي مُصْبِحٌ بِمَضِيعةٍ
غَبْراءَ، يَعْزِفُ جِنُّها، مِذكارِ
الأَصمعي: فلاة مِذْكارٌ ذات أَهوال؛ وقال مرة: لا يسلكها إِلاّ
الذَّكَرُ من الرجال. وفَلاة مُذْكِرٌ: تنبت ذكور البقل، وذُكُورُه: ما خَشُنَ
منه وغَلُظَ، وأَحْرَارُ البقول: ما رَقَّ منه وطاب. وذُكُورُ البقل: ما
غلظ منه وإِلى المرارة هو.
والذِّكْرُ: الصيتُ والثناء. ابن سيده: الذِّكْرُ الصِّيتُ يكون في
الخير والشر. وحكي أَبو زيد: إِن فلاناً لَرَجُلٌ لو كان له ذُكْرَةٌ أَي
ذِكْرٌ. ورجل ذَكِيرٌ وذِكِّيرٌ: ذو ذِكْرٍ؛ عن أَبي زيد. والذِّكْرُ:
ذِكْرُ الشرف والصِّيت. ورجل ذَكِيرٌ: جَيِّدٌ الذِّكْره والحِفْظِ.
والذِّكْرُ: الشرف. وفي التنزيل: وإِنه لَذِكْرٌ لك ولقومك؛ أَي القرآن شرف لك
ولهم. وقوله تعالى: ورَفَعْنَا لك ذِكْرَكَ؛ أَي شَرَفَكَ؛ وقيل: معناه
إِذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ معي. والذِّكْرُ: الكتاب الذي فيه تفصيل الدِّينِ
ووَضْعُ المِلَلِ، وكُلُّ كتاب من الأَنبياء، عليهم السلام، ذِكْرٌ.
والذِّكْرُ: الصلاةُ لله والدعاءُ إِليه والثناء عليه. وفي الحديث: كانت
الأَنبياء، عليهم السلام، إِذا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ فَزِعُوا إِلى الذكر، أَي
إِلى الصلاة يقومون فيصلون. وذِكْرُ الحَقِّ: هو الصَّكُّ، والجمع ذُكُورُ
حُقُوقٍ، ويقال: ذُكُورُ حَقٍّ. والذِّكْرَى: اسم للتَّذْكِرَةِ. قال أَبو
العباس: الذكر الصلاة والذكر قراءة القرآن والذكر التسبيح والذكر الدعاء
والذكر الشكر والذكر الطاعة.
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: ثم جلسوا عند المَذْكَر حتى بدا حاجِبُ
الشمس؛ المَذْكَر موضع الذِّكْرِ، كأَنها أَرادت عند الركن الأَسود أَو
الحِجْرِ، وقد تكرر ذِكْرُ الذّكْرِ في الحديث ويراد به تمجيد الله
وتقديسه وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده. وفي الحديث: القرآنُ
ذَكَرٌ فَذَكِّرُوه؛ أَي أَنه جليل خَطِيرٌ فأَجِلُّوه. ومعنى قوله تعالى:
ولَذِكْرُ الله أَكْبَرُ؛ فيه وجهان: أَحدهما أَن ذكر الله تعالى إِذا ذكره
العبد خير للعبد من ذكر العبد للعبد، والوجه الآخر أَن ذكر الله ينهى عن
الفحشاء والمنكر أَكثر مما تنهى الصلاة. وقول الله عز وجل: سَمِعْنا
فَتًى يَذْكُرُهُمْ يقال له إِبراهيم؛ قال الفراء فيه وفي قول الله تعالى:
أَهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ، قال: يريد يَعِيبُ آلهتكم، قال: وأَنت
قائل للرجل لئن ذَكَرْتَنِي لَتَنْدَمَنَّ، وأَنت تريد بسوء، فيجوز ذلك؛
قال عنترة:
لا تَذْكُرِي فَرَسي وما أَطْعَمْتُه،
فيكونَ جِلْدُكِ مثلَ جِلْدِ الأَجْرَبِ
أَراد لا تَعِيبي مُهْري فجعل الذِّكْرَ عيباً؛ قال أَبو منصور: وقد
أَنكر أَبو الهيثم أَن يكون الذِّكْرُ عيباً؛ وقال في قول عنترة لا تذكري
فرسي: معناه لا تولعي بِذِكْرِهِ وذِكْرِ إِيثاري إِياه دون العيال. وقال
الزجاج نحواً من قول الفراء، قال: ويقال فلان يَذْكُر الناسَ أَي يغتابهم
ويذكر عيوبهم، وفلان يذكر الله أَي يصفه بالعظمة ويثني عليه ويوحده،
وإِنما يحذف مع الذِّكْرِ ما عُقِلَ معناه. وفي حديث عليّ: أَن عليّاً
يَذْكُرُ فاطمة يخطبها، وقيل: يَتَعَرَّضُ لخِطْبَتِها، ومنه حديث عمر: ما
حلفتُ بها ذَاكِراً ولا آثراً أَي ما تكلمت بها حالفاً، من قولك: ذكرت لفلان
حديث كذا وكذا أَي قلته له، وليس من الذِّكْر بعد النسيان.
والذُّكَارَةُ: حمل النخل؛ قال ابن دريد: وأَحسب أَن بعض العرب يُسَمِّي
السِّمَاكَ الرَّامِحَ الذَّكَرَ. والذَّكَرُ: معروف، والجمع ذُكُورٌ
ومَذاكِيرُ، على غير قياس، كأَنهم فرقوا بين الذَّكَرِ الذي هو الفحل وبين
الذَّكَرِ الذي هو العضو. وقال الأَخفش: هو من الجمع الذي ليس له واحد
مثل العَبَاديد والأَبابيل؛ وفي التهذيب: وجمعه الذِّكارَةُ ومن أَجله يسمى
ما يليه المَذَاكِيرَ، ولا يفرد، وإِن أُفرد فَمُذَكَّرٌ مثل مُقَدَّمٍ
ومَقَادِيم. وفي الحديث: أَن عبداً أَبصر جارية لسيدة فغار السيدُ
فَجَبَّ مَذَاكِيرَه؛ هي جمع الذَّكَرِ على غير قياس. ابن سيده: والمذاكير
منسوبة إِلى الذَّكَرِ، واحدها ذَكَرٌ، وهو من باب مَحاسِنَ ومَلامِحَ.
والذَّكَرُ والذَّكِيرُ من الحديد: أَيْبَسُه وأَشَدُّه وأَجْوَدُه، وهو خلافُ
الأَنِيثِ، وبذلك يسمى السيف مُذَكَّراً ويذكر به القدوم والفأْس ونحوه،
أَعني بالذَّكَرِ من الحديد.
ويقال: ذهبتْ ذُكْرَهُ السيف وذُكْرَهُ الرَّجُلِ أَي حِدَّتُهما. وفي
الحديث: أَنه كان يطوف في ليلة على نسائه ويغتسل من كل واحدة منهن غُسْلاً
فسئل عن ذلك فقال: إِنه أَذْكَرُ؛ أَي أَحَدُّ. وسيفٌ ذو ذُكْرَةٍ أَي
صارِمٌ، والذُّكْرَةُ: القطعة من الفولاذ تزاد في رأْس الفأْس وغيره، وقد
ذَكَّرْتُ الفأْسَ والسيفَ؛ أَنشد ثعلب:
صَمْصَامَةٌ ذُكْرَةٌ مُذَكَّرَةٌ،
يُطَبّقُ العَظْمَ ولا يَكْسِرُهْ
وقالوا لخِلافهِ: الأَنِيثُ. وذُكْرَهُ السيف والرجل: حِدَّتُهما. ورجل
ذَكِيرٌ: أَنِفٌ أَبِيُّ. وسَيْف مُذَكَّرٌ: شَفْرَتُه حديد ذَكَرٌ
ومَتْنُه أَنِيثٌ، يقول الناس إِنه من عمل الجن. الأَصمعي: المُذَكَّرَةُ هي
السيوف شَفَرَاتُها حديد ووصفها كذلك. وسيف مُذَكَّرٌ أَي ذو ماء.
وقوله تعالى: ص والقرآن ذي الذِّكْرِ؛ أَي ذي الشَّرَفِ. وفي الحديث:
إِن الرجل يُقَاتِلُ ليُذْكَر ويقاتل ليُحْمَدَ؛ أَي ليذكر بين الناس ويوصف
بالشجاعة. والذِّكْرُ: الشرف والفخر. وفي صفة القرآن: الذِّكْر الحكيم
أَي الشرف المحكم العاري من الاختلاف.
وتذكر: بطن من ربيعة، والله عز وجل أَعلم.