إِذَا تَوَجَّسَ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا وَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ الْمُشْكِلِ: قَوْلُهُمْ: لَا أَفْعَلُهُ سَجِيسَ الْأَوْجَسِ: الدَّهْرُ. وَمَا ذُقْتُ عِنْدَهُ أَوْجَسَ، أَيْ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ.
يبس: اليُبْس، بالضم: نقيض الرطوبة، وهو مصدر قولك يَبِسَ الشيءُ
يَيْبِسُ ويَيْبَس، الأَول بالكسر نادر، يَبْساً ويُبْساً وهو يابِسٌ، والجمع
يُبَّس؛ قال:
أَوْرَدَها سَعْدٌ عَلَيَّ مُخْمِسا،
بِئْراً عَضُوضاً وشِناناً يُبَّسا
واليَبْسُ، بالفتح: اليابِسُ. يقال: حطب يَبْس؛ قال ثعلب: كأَنه خِلْفة؛
قال علقمة:
تُخَشْخِشُ أَبْدانُ الحَديدِ عَلَيهمُ،
كما خَشْخَشَتْ يَبْسَ الحَصادِ جَنُوبُ
وقال ابن السكيت: هو جمع يابِس مثل راكِب ورَكْب؛ قال ابن سيده:
واليَبْس واليَبَس اسمان للجميع.
وتَيْبيسُ الشيء: تجفيفه، وقد يَبَّسْتُه فاتَّبَس، وهو افْتَعَل
فأُدغم، وهو مُتَّبِس؛ عن ابن السراج. وشيء يَبُوسٌ: كَيابسٍ؛ قال عبيد بن
الأَبرص:
أَمَّا إِذا اسْتَقْبَلْتَها، فكأَنَّها
ذَبُلَتْ منَ الهِنْديِّ غَيْر يَبُوسِ
أَراد عَصاً ذَبُلَتْ أَو قَناة ذَبُلَتْ فحذف الموصوف. واتَّبَس
يَتَّبِس، أَبدلوا التاء من الياء، ويَأْتَبِس كله كيَبِس، وأَيْبَسْتُه. ومكان
يَبْسٌ ويَبيس: يابِسٌ كذلك. وأَرض يَبْس ويَبَسٌ، وقيل: أَرض يَبْسٌ قد
يَبِس ماؤُها وكلؤها، ويَبَسَ: صُلبة شديدة. واليَبَس، بالتحريك: المكان
يكون رطباً ثم يَيْبَس؛ ومنه قوله تعالى: فاضرب لهم طريقاً في البحر
يَبَساً. ويقال أَيضاً: امرأَة يَبَسٌ لا تُنيلُ خَيراً؛ قال الراجز:
إِلى عَجُوزٍ شَنَّةِ الوجه يَبَس
ويقال لكل شيء كانت النُّدُوَّة والرُّطُوبة فيه خِلْقة: فهو يَيْبَس
فيه يُبْساً
(* قوله «فهو ييبس فيه يبساً» كذا بالأصل مضبوطاً.)، وما كان
فيه عَرَضاً قلت: جَّفّ. وطريق يَبَسٌ: لا نُدُوَّة فيه ولا بلل.
واليَبَسُ من الكَلإِ: الكثير اليَابِسُ، وقد أَيْبَسَت الخُضْر وأَرض
مُوبِسَة. الأَصمعي: يقال لما يَبِسَ من أَحرار البقول وذكورها اليَبِيسُ
والجَفِيفُ والقَفِيفُ، وأَما يَبِيسُ البُهْمَى، فهو العرقوب
(* قوله
«العرقوب» كذا بالأصل.) والصُّفارُ. قال أَبو منصور: ولا يقال لما يَبِس من
الحَلِيِّ والصِّلِّيَان والحَلَمَة يَبيسٌ، وإِنما اليَبِيسُ ما يَبِس
من العُشْب والبُقول التي تتناثر إِذا يَبِسَت، وهو اليُبْس واليَبيسُ
أَيضاً
(* قوله «واليبيس أَيضاً» كذا بالأصل ولعله واليبس بفتح الياء وسكون
الباء.)؛ ومنه قول ذي الرمة:
ولمْ يَبْقَ بالخَلْصاءِ ممَّا عَنَتْ به
مِنَ الرُّطْبِ، إِلا يُبْسُها وهَجِيرُها
ويروى يَبْسها، بالفتح، وهما لغتان. واليَبِيس من النبات: ما يَبِس منه.
يقال: يَبِس، فهو يَبِيس، مثل سَلِمَ، فهو سَلِيمٌ.
وأَيْبَسَت الأَرض: يَبِس بقلها، وأَيْبَسَ القومُ أَيضاً كما يقال
أَجْرَزُوا من الأَرض الجُرْزِ. ويقال للحطب: يَبْسٌ، وللأَرض إِذا يَبِسَت:
يَبْسٌ. ابن الأَعرابي: يَبَاسِ، هي السَّوْأَة والفُندُورة. والشَّعَرُ
اليابِس: أَرْدَؤُه ولا يرى فيه سَحْجٌ ولا دُهْن ووجه يابِسٌ: قليل
الخير. وشاة يَبَسٌ ويَبْس: انقطع لبنها فيَبِسَ ضَرْعها ولم يكن فيها لبن.
وأَتان يَبْسة ويَبَسَة، يابسة ضامرة؛ السكون عن ابن الأَعرابي، والفتح عن
ثعلب، وكلأ يابس، وقد استعمل في الحيوان. حكى اللحياني أَن نساء العرب
يَقُلْن في الأُخَذ: أَخَّذْتُه بالدَّرْدَبيس تَدِر العِرق اليَبِيس.
قال: تعني الذَّكر. ويَبِسَت الأَرض: ذهب ماؤُها ونَدَاها. وأَيْبَسَت: كثر
يَبيسُها. والأَيْبَسانِ: عَظْمَا الوَظِيفَيْن من اليد والرجل، وقيل: ما
ظهر منهما وذلك لِيُبْسِهما. والأَيابِسُ: ما كان مثل عُرْقوب وساقٍ.
والأَيْبَسان: ما لا لحم عليه من الساقَيْن. قال أَبو عبيدة: في ساق الفرس
أَيْبَسان وهما ما يَبِس علنيه اللحم من السَّاقَين؛ وقال الراعي:
فقلت له: أَلْصِقْ بأَيْبَس سَاقِها،
فإِن تَجَْبُر العُرْقُوبَ لا تَجْبُر النَّسَا
قال أَبو الهيثم: الأَيْبَس هو العظم الذي يقال له الظُّنْبُوب الذي
إِذا غَمَزْته في وسط ساقك آلمَك، وإِذا كُسِر فقد ذهبت الساق، قال: وهو اسم
ليس بنعت، والجمع الأَيابِس. ويَبِيسُ الماء: العَرَق، وقيل: العَرَق
إِذا جَفَّ؛ قال بشر بن أَبي خازم يصف خيلاً:
تَراها من يَبِيسِ الماء شُهْباً،
مُخالِطُ دِرَّةٍ منها غِرارُ
الغِرار: انقطاع الدِّرَّة؛ يقول: تُعْطِي أَحياناً وتمنع أَحياناً،
وإِنما قال شَهْباً لأَن العَرَق يجف عليها فتَبْيَضُّ. ويقال للرجل:
إِيبَسْ يا رجل أَي اسكتْ. وسَكْرانُ يابِس: لا يتكلم من شدَّة السكر كأَن
الخمر أَسكتته بحرارتها. وحكى أَبو حنيفة: رجل يابِس من السُّكْر، قال ابن
سيده: وعندي أَنه سَكِر جدّاً حتى كأَنه مات فَجفّ.
دمي: الدَّمُ من الأَخْلاطِ: معروف. قال أَبو الهيثم: الدَّمُ اسم على
حَرْفَين، قال الكسائي: لا أَعرف أَحداً يُثَقِّل الدمَ؛ فأَما قول
الهُذَلي:
وتَشْرَقُ من تَهْمالِها العَيْنُ بالدَّمِّ
مع قوله: فالعَينُ دائِمَةُ السَّجْمِ، فهو على أَنه ثَقَّل في الوَقْفِ
فقال الدمّ فشدَّد، ثم اضطر فأَجْرى الوَصْل مُجْرى الوَقْفِ؛ كما قال:
بِبازِلٍ وجْنَاءَ أَو عَيْهَلِّ
قال ابن سيده: ولا يجوز لأَحد أَن يقول إن الهذلي إنما قال بالدَّمِ،
بالتخفيف، لأَن القصيدة من الضرب الأَول من الطويل؛ وأَوّلها:
أَرِقْتُ لِهَمٍّ ضافَني بَعْدَ هَجْعَةٍ
على خالِدٍ، فالْعَيْنُ دائِمَةُ السَّجْمِ
فقوله: مَةُ السَّجْمِ مَفَاعِيلُنْ، وقوله: نُ بالدَّمِّ مفاعيلُنْ،
ولو قال: نُ بالدَّمِ لجاء مفاعِلُنْ وهو لا يجيء مع مفاعيلن، وتثنيته
دَمانِ ودَمَيانِ؛ قال الشاعر:
لعَمْرُك إنَّني وأَبا رَباحٍ،
على طولِ التَّجاوُرِ مُنذُ حِينِ
ليُبْغِضُني وأُبْغِضُه، وأَيْضاً
يَراني دُونَهُ، وأَراه دُوني
فلَوْ أَنَّا على حَجَرٍ ذُبِحْنا،
جَرى الدَّميانِ بالخَبَرِ اليَقِينِ
فثناه بالياء، وأَما الدَّمَوانِ فشاذ سماعاً. قال: وتزعم العرب أَن
الرجُلَين المتعاديين إذا ذُبِحا لم تختلط دِمَاؤُهُما. قال: وقد يقال
دَمَوانِ على المُعاقبة، وهي قليلة لأَن أَكثرَ حكمِ المُعاقَبة إنما هو قلب
الواو لأَنهم إنما يطلبون الأَخف، والجمع دِماءٌ
ودُمِيٌّ. والدَّمَة أَخَصُّ من الدَّمِ كما قالوا بيَاضٌ وبَياضَة؛ قال
ابن سيده: القطعة من الدَّمِ دَمَةٌ واحدة. قال: وحكى ابن جني دَمٌ
ودَمَةٌ
مع كَوْكَبٍ وكَوْكَبَةٍ فأَشعر أَنَّهما لغتان. وقال أَبو إسحق: أَصله
دَمَيٌ، قال: ودليل ذلك قوله دَمِيَتْ يَدُه؛ وقوله:
جَرَى الدَّمَيانِ بالخَبَرِ اليَقِين
ويقال في تصريفه: دَمِيَتْ يَدي تَدْمى دَمىً، فيُظْهِرون في دَمِيَتْ
وتَدْمى الياءَ والأَلفَ اللتين لم يَجِدُوهُما في دَمٍ، قال: ومثله
يَدٌأَصْلُها يَدَيٌ؛ قال ابن سيده: وقال قوم أَصله دَمْيٌ إلا أَنه لما
حُذِف وردّ إليه ما حذف منه حركت الميم لتدل الحركة على أَنه اسْتُعْمِلَ
محذوفاً. الجوهري: قال سيبويه: الدَّمُ أَصله دَمْيٌ
على فَعْلٍ، بالتسكين، لأَنه يُجْمع على دِماءٍ ودُمِيٍّ مثل ظَبْيٍ
وظِباء وظُبِيٍّ، ودَلْوٍ ودِلاءٍ ودُلِيٍّ، قال: ولو كان مثل قَفاً وعَصاً
لم يُجْمع على ذلك. قال ابن بري: قوله في فُعُول إنه مختص بجمع فَعْلٍ
نحو دَمٍ ودُمِيٍّ ودَلْوٍ ودُلِيٍّ ليس بصحيح، بل قد يكون جمعاً لفَعَلٍ
نحو عَصاً وعُصِيٍّ وقَفاً وقُفِيٍّ وصفَاً وصُفِيٍّ. قال الجوهري:
الدَّمُأَصله دَمَوٌ، بالتحريك، وإنما قالوا دَمِيَ يَدْمَى لِحالِ الكسرة التي
قبل الواو كما قالوا رَضِيَ يَرْضَى وهو من الرِّضوان. قال ابن بري:
الدَّمُ لامُه ياء بدليل قول الشاعر:
جَرَى الدَّمَيان بالخَبَرِ اليَقِينِ
قال الجوهري: وقال المبرد أَصله فَعَلٌ وإن جاء جمعه مخالفاً لنظائره،
والذاهب منه الياء، والدليل عليها قولهم في تثنيته دَمَيان، أَلا ترى أَن
الشاعر لما اضْطُرَّ أَخرجه على أَصله فقال:
فَلَسْنا عَلى الأَعْقابِ تَدْمَى كُلُومُنا،
ولَكِنْ على أَعْقابِنا يَقْطُرُ الدَّما
فأَخرجه على الأَصل. قال: ولا يلزم على هذا قولهم يَدْيانِ، وإن اتفقوا
على أَن تَقديرَ يَدٍ فَعْلٌ ساكنَة العين، لأَنه إنما ثُنِّيَ على لغة
من يقول لِلْيَد يَدَا، قال: وهذا القول أَصح. قال ابن بري: قائل فَلَسْنا
على الأَعقاب هو الحُصَين بنُ الحَمامِ المُرِّي؛ قال: ومثله قول جرير:
عَوى ما عَوى من غَيْرِ شيءٍ رَمَيْته
بقارِعَة أَنْفاذُها تَقْطُر الدَّما
قال: أَنْفاذُها جمع نَفَذٍ من قول قيس بن الخَطِيم:
لها نَفَذٌ لَوْلا الشُّعاعُ أَضاءَها
وقال اللَّعِينُ المِنْقَري:
وأُخْذَلُ خِذْلاناً بِتَقْطِيعِيَ الصُّوى
إليكَ، وخُفٍّ راعِفٍ يَقْطُرُ الدَّما
قال: ومثله قول علي، كرم الله وجهه:
لِمَنْ رايَةٌ سوداء يَخْفِقُ ظِلُّها،
إذا قِيلَ: قَدَّمْها حُضَيْنُ، تَقَدَّما
ويُورِدُها للطَّعْنِ، حتى يُعِلَّها
حِياضَ المَنايا تَقْطُر المَوْتَ والدِّما
وتصغير الدَّمِ دُمَيٌّ، والنسبة إليه دَمِيٌّ، وإن شئت دَمَويٌّ.
ويقال: دَمِيَ الشيءُ يَدْمى دَمىً
ودُمِيّاً فهو دَمٍ، مثل فَرِقَ يَفْرَقُ فَرَقاً فهو فَرِقٌ، والمصدر
متفق عليه أَنه بالتحريك وإنما اختلفوا في الاسم. وأَدْمَيْته ودَمَّيْته
تَدْمِيَةً إذا ضَرَبْتَه حتى خرج منه دَمٌ. قال ابن سيده: وقد دَمِيَ
دَمىً وأَدْمَيْته ودَمَّيْته؛ أَنشد ثعلب قول رؤبة:
فلا تَكُوني، يا ابْنَةَ الأَشَمِّ،
وَرْقاءَ دَمَّى ذِئْبُها المُدَمِّي
ثم فسره فقال: الذئب إذا رأَى لصاحبه دماً أَقبل عليه ليأْكله فيقول: لا
تكوني أَنتِ مثل ذلك الذئب؛ ومثله قول الآخر:
وكُنْت كذِئْبِ السُّوء لمَّا رأَى دَماً
بِصاحِبِه يوماً، أَحالَ على الدَّمِ
وفي المثل: ولدُكَ مَنْ دمَّى عَقِبَيْك. وفي حديث عمر، رضي الله عنه،
أَنه قال لأَبي مَريمَ الحَنَفِيِّ: لأَنا أَشدُّ بُغْضاً لكَ من
الأَرْضللدَّمِ؛ يعني أَنَّ الدم لا تشربه الأَرض ولا يَغُوص فِيها فجعَلَ
امْتِناعها منه بُغْضاً مجازاً. ويقال: إن أَبا مريم كان قَتَل أَخاه زيداً
يوم اليمامة. والدَّامِيَة من الشِّجاجِ: التي دَمِيَتْ ولم يَسِلْ بعدُ
منها دمٌ، والدامِعَة هي التي يَسِيلُ منها الدَّمُ. وفي حديث زيد بن
ثابت: في الدَّامِيَة بَعيرٌ؛ الدَّامِيةُ: شَجَّة تَشُقُّ الجِلْد حتى
يَظْهَر منها الدَّمُ، فإن قَطَر منها فهي دامِعةٌ. واسْتَدْمى الرَّجلُ:
طَأْطَأْ رأْسَه يقْطُر منه الدَّم. الأَصمعي: المُسْتَدْمي الذي يَقْطُر من
أَنْفِه الدَّمُ المُطَأْطِئُ رأسَه، والمُسْتَدْمي الذي يستخرج منْ
غَريمهِ دَيْنَه بالرِّفْق. وفي حديث العَقيقة: يُحْلَقُ من رأْسِه
ويُدَمَّى، وفي رواية: ويُسَمَّى. وكان قتادة إذا سئل عن الدَّمِ كيف يُصْنَعُ
به؟ قال: إذا ذُبِحَت العقيقة أُخِذَتْ منها صُوفة واسْتُقْبِلَتْ بها
أَوْداجُها، ثم تُوضَع على يافُوخِ الصَّبِيّ ليَسِيلَ على رأْسه مثلُ
الخَيْط، ثم يُغْسل رأْسُه بعدُ ويُحْلَقُ؛ قال ابن الأَثير: أَخرجه أَبو داود
في السنن وقال هذا وَهَمٌ
من هَمَّامٍ، وجاءَ بتفسيره عن قتادة وهو مَنسوخ، وكان من فِعْلِ
الجاهلية، وقال: ويُسَمَّى أَصَحُّ. قال الخطابي: إذا كان أَمَرهم بإماطَة
الأَذى اليابِس عن رأْس الصبي فكيف يأْمُرُهم بتَدْمِية رأْسِه والدم
نِجِسٌنجاسَة غليظة؟ وفي الحديث: أَن رجلاً جاءَ ومَعَه أَرْنَبٌ
فوَضعَها بينَ يَديِ النبيّ، صلى الله عليه وسلم، فقال إنِّي وجَدْتُها
تَدْمى أَي أَنَّها ترى الدَّمَ، وذلك لأَن الأَرْنَب تَحِيضُ كما تحيض
المرأَة.
والمُدَمَّى: الثوبُ الأَحْمَر. والمُدمَّى: الشديد الشُّقْرة. وفي
التهذيب: من الخَيْلِ الشديدُ الحُمْرَة شبه لَوْنِ الدَّمِ. وكلُّ شيءٍ في
لوْْنِهِ سَوادٌ وحُمْرة فهو مُدَمّىً. وكل أَحْمَرَ شديد الحمرة فهو
مُدَمّىً. ويقال: كُمَيْتٌ مُدَمّىً؛ قال طفيل:
وكُمْتاً مُدَمَّاةً كأَنَّ مُتُونَها
جَرى فَوْقَها، واسْتَشْعَرَتْ لون مُذْهَب
يقول: تضرب حُمْرَتُها إلى الكُلْفة ليست بشديدة الحمرة. قال أَبو
عُبيدَةَ: كُمَيْتٌ مُدَمّىً إذا كان سوادُه شديدَ الحُمرة إلى مَراقِّه.
والأَشْقَرُ المُدَمَّى: الذي لَوْنُ أَعلى شعْرَتِه يَعْلُوها صُفْرَةٌ
كَلوْنِ الكُمَيْت الأَصْفَرِ. والمُدَمَّى من الأَلْوانِ: ما كان فيه
سوادٌ. والمُدَمَّى من السِّهام: الذي تَرْمي به عَدُوَّك ثم يَرْمِيكَ
به؛ وكان الرجل إذا رمى العَدُوَّ بسَهْمٍ فأَصاب ثم رماه به العَدُوُّ
وعَلَيْه دَمٌ
جَعَله في كِنانَتِه تَبَرُّكاً به. ويقال: المُدَمَّى السهم الذي
يَتَعاوَرُه الرُّماة بينَهُم وهو راجِع إلى ما تَقدَّم. وفي حديث سعد قال:
رَمَيْتُ يوْمَ أُحْدٍ رَجلاً بِسهْمٍ فقَتَلْتُه ثم رُمِيت بذلك السَّهْم
أَعْرِفُه حتى فَعَلْتُ ذلك وفعلُوه ثلاث مرات، فقلت: هذا سَهْمٌ مبارك
مُدَمّىً فجعلته في كِنانَتي، فكان عنده حتى مات؛ المُدَمَّى من
السِّهامِ: الذي أَصابه الدَّمُ فحصَل في لوْنِه سَوادٌ وحمرة مما رُمِيَ به
العَدُوّ؛ قال: ويطلق على ما تَكَرّر به الرمي، والرماة يتَبرَّكون به؛ وقال
بعضهم: هو مأخُوذٌ
من الدَّامياء وهي البَرَكَة؛ قال شمر: المُدَمَّى الذي يرمي به الرجلُ
العدُوَّ ثم يرْميه العَدُوّ بذلك السهم بعينه: قال: كأَنه دُمِّيَ
بالدَّمِ حين وقَع بالمَرْمِيِّ. والمُدمَّى: السهم الذي عليه حُمْرة الدَّمِ
وقد جَسِدَ به حتى يضرِبَ إلى السَّواد. ويقال: سُمِّيَ مُدَمّىً لأَنه
احْمَرَّ من الدَّمِ. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، في بَيْعة
الأَنْصار، رضي الله عنهم: أَنَّ الأنْصار لمَّا أَرادُوا أَن يُبايعُوه
بَيْعَةَ العَقَبَة بمَكَّة قال أَبو الهَيْثَمِ بنُ التِّيَّهان إنَّ بينَنا
وبينَ القَوْم حِبالاً ونَحْنُ قاطِعُوها، ونَخْشى إنِ اللهُ أَعَزَّك
وأَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إلى قَوْمِكَ، فتَبَسَّمَ النبيُّ، صلى الله
عليه وسلم، وقال: بَلِ الدَّمُ الدَّمُ والهَدْمُ الهَدْمُ، أُحارِبُ مَنْ
حارَبْتُمْ وأُسالِمُ منْ سالَمْتُمْ، ورواه بعضهم: بَل اللَّدَمُ
اللَّدَمُ والهَدَمُ الهَدَمُ، فمن رواه بل الدَّمُ فإن ابن الأَعرابي قال:
العرب تقول دَمي دَمُكَ وهَدْمي هَدْمُك في النُّصْرَة أَي إِن ظِلَمْت فقد
ظُلِمْت؛ وأَنشد للعُقَيْلي:
دَماً طَيِّباً يا حَبَّذا أَنتَ مِنْ دَمِ
قال أَبو منصور: وقال الفراء العرب تدخل الأَلف واللام اللتين للتعريف
على الإسم فتقومان مقام الإضافة كقول الله عز وجل: فأَمَّا مَنْ طَغى
وآثَرَ الحياة الدُّنْيا فإنَّ الجحيمَ هي المَأْوى؛ أَي أَنَّ الجحيم
مَأْواهُ؛ وكذلك قوله: فإنَّ الجنَّة هي المَأْوى؛ المعنى فإن الجنةَ مأْواه،
وقال الزجاج: معناه فإن الجنة هي المأْوى له، قال: وكذلك هذا في كل
اسْمَيْن يدلان على مثل هذا الإضمار، فعلى قول الفراء قوله الدَّمُ الدَّمُ أَي
دَمُكُمْ دمِي وهَدْمُكُم هَدْمي وأَنْتُمْ تُطْلَبُون بدَمي وأطْلَبُ
بدَمِكم ودَمِي ودمُكُمْ شيء واحد، وأَما من رواه بَل اللَّدَمُ اللَّدَمُ
والهَدَمُ الهَدَمُ فكل منهما مذكور في بابه. وفي حديث ثُمامة بنِ
أُثالٍ: إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذا دَمٍ أَي مَنْ هو مُطالَبٌ
بدمٍ أَو صاحب دمٍ مَطْلُوبٍ، ويروى: ذا ذِمٍّ، بالذال المعجمة، أَي
ذِمامٍ وحُرْمة في قومه، وإذا عَقَد ذِمَّة وُفِّي له. وفي حديث قتل كَعْب
بن الأَشْرفِ: إنِّي لأَسْمَع صوتاً كأَنه صَوْتُ دمٍ أَي صَوْتُ طالِبٍ
دَمٍ يَسْتَشْفي بقتله. وفي حديث الوليد بن المُغِيرَة: والدَّمِ ما هو
بشاعر، يعني النبي، صلى الله عليه وسلم؛ هذه يَمينٌ
كانوا يحلفون بها في الجاهلية يعني دَمَ ما يُذْبَح على النُّصُبِ. ومنه
الحديث: لا والدِّماءِ أَي دماءِ الذِّبائِحِ، ويُرْوى: لا والدُّمى،
جمع دُمْيَةٍ وهي الصورة ويريد بها الأَصْنام. والدَّمُ: السِّنَّوْرُ؛
حكاه النَّضْر في كتاب الوُحوش؛ وأَنشد كراع:
كَذاك الدَّمُّ يأْدُو للْعَكابِرْ
العَكابِرْ: ذكور اليرابيع. ورجلٌ دامي الشِّفَة: فقِيرٌ؛ عن أَبي
العَمَيْثل الأَعرابي.
ودَمُ الغِزْلان: بَقْلَةٌ
لها زهرة حَسَنة. وبناتُ دَم: نَبْتٌ. والدُّمْيَةُ: الصَّنَم، وقيل:
الصورة المُنَقَّشة العاجُ ونحوه، وقال كُراع: هي الصورة فعَمَّ بها. ويقال
للمرأََة: الدُّمْيَةُ، يكنى عن المرأة بها، عربية، وجمع الدُّمْيةِ
دُمىً؛ وقول الشاعر:
والبِيضَ يَرْفُلْنَ في الدُّمى
والرَّيْطِ والمُذْهَبِ المَصُونِ
يعني ثياباً فيها تصاوير؛ قال ابن بري: الذي في الشعر كالدُّمى، والبيضَ
منصوب على العطف على اسم إن في البيت قبله، وهو:
إنَّ شِوَاءً ونَشْوَةً
وخَبَبَ البازِلِ الأَمُونِ
ودَمَّى الراعي الماشِيَةَ: جعَلَها كالدُّمَى؛ وأَنشد أَبو العلاء:
صُلْبُ العَصا بِرَعْيِه دَمَّاها،
يَوَدُّ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْناها
أَي أَرعاها فسمنت حتى صارت كالدُّمى، وفي صفته، صلى الله عليه وسلم:
كأَن عُنُقَه عُنُقُ دُمْيةٍ؛ الدُّمْية: الصورة المصورة لأَنها
يُتَنَوَّقُ في صَنْعتِها ويُِبالَغُ في تَحْسِينِها. وخُذْ ما دَمَّى لك أَي
ظَهَرَ لك. ودَمَّى له في كذا وكذا إذا قَرَّب؛ كلاهما عن ثعلب.
الليث: وبَقْلَةٌ
لها زَهْرة يقال لها دُمْيةُ الغِزْلانِ. وساتي دَمَا: اسم جبل: يقال:
سُمِّي بذلك لأَنه ليس من يوم إلا ويُسْفَكُ عليه دَمٌ
كأَنهما إسمان جعلا إسماً واحداً؛ وأَنشد سيبويه لعمرو بن قميئة:
لمَّا رأَتْ ساتي دَمَا اسْتَعْبرَتْ،
للهِ دَرُّ، اليَوْمَ، مَنْ لامَها
وقال الأَعشى:
وهِرَقْلاً، يَوْمَ ذي ساتي دَمَا،
مِنْ بَني بُرْجانَ ذي البَأْسِ رُجُحْ
(* قوله «ذي البأس» هكذا في الأصل والصحاح، قال في التكملة: والرواية في
الناس بالنون، ويروى رجح بالتحريك أي رجح عليهم).
وقد حذف يزيدُ بن مفرّغ الحِمْيَري منه الميم بقوله:
فَدَيْرُ سُوىً فساتي دا فبُصْرَى
وهم الأَخَويْنِ: العَنْدَمُ.
ذبح: الذَّبْحُ: قَطْعُ الحُلْقُوم من باطنٍ عند النَّصِيل، وهو موضع
الذَّبْحِ من الحَلْق. والذَّبْحُ: مصدر ذَبَحْتُ الشاة؛ يقال: ذَبَحه
يَذْبَحُه ذَبْحاً، فهو مَذْبوح وذَبِيح من قوم ذَبْحَى وذَباحَى، وكذلك
التيس والكبش من كِباشٍ ذَبْحَى وذَباحَى.
والذَّبِيحة: الشاة المذبوحة. وشاة ذَبِيحة، وذَبِيحٌ من نِعاج ذَبْحَى
وذَباحَى وذَبائح، وكذلك الناقة، وإِنما جاءَت ذبيحة بالهاء لغلبة الاسم
عليها؛ قال الأَزهري: الذبيحة اسم لما يذبح من الحيوان، وأُنث لأَنه ذهب
به مذهب الأَسماء لا مذهب النعت، فإِن قلت: شاة ذَبيحٌ أَو كبش ذبيح أَو
نعجة ذبيح لم تدخل فيه الهاء لأَن فَعِيلاً إِذا كان نعتاً في معنى مفعول
يذكَّر، يقال: امرأَة قتيل وكفٌّ خضيب؛ وقال الأَزهري: الذبيح المذبوح،
والأُنثى ذبيحة وإِنما جاءت بالهاء لغلبة الاسم عليها.
وفي حديث القضاء: من وَليَ قاضياً
(* قوله «من ولي قاضياً إلخ» كذا
بالأصل والنهاية.) فكأَنما ذُبِحَ بغير سكين؛ معناه التحذير من طلب القضاء
والحِرصِ عليه أَي من تَصَدَّى للقضاء وتولاه فقد تَعَرَّضَ للذبح فليحذره؛
والذبح ههنا مجاز عن الهلاك فإِنه من أَسْرَعِ أَسبابِه، وقوله: بغير
سكين، يحتمل وجهين: أَحدهما أَن الذبح في العُرْف إِنما يكون بالسكين، فعدل
عنه ليعلم أَن الذي أَراد به ما يُخافُ عليه من هلاك دينه دون هلاك
بدنه، والثاني أَن الذَّبْحَ الذي يقع به راحة الذبيحة وخلاصها من الأَلم
إِنما يكون بالسكين، فإِذا ذُبِحَ بغير السكين كان ذبحه تعذيباً له، فضرب به
المثل ليكون أَبلغَ في الحَذَرِ وأَشَدَّ في التَّوَقِّي منه.
وذَبَّحَه: كذَبَحَه، وقيل: إِنما ذلك للدلالة على الكثرة؛ وفي التنزيل:
يُذَبِّحُون أَبناءَكم؛ وقد قرئ: يَذْبَحُون أَبناءَكم؛ قال أَبو
إِسحق: القراءة المجتمع عليها بالتشديد، والتخفيف شاذ، والقراءة المجتمع عليها
بالتشديد أَبلغ لأَن يُذَبِّحُون للتكثير، ويَذْبَحُون يَصْلُح أَن يكون
للقليل والكثير، ومعنى التكثير أَبلغ.
والذِّبْحُ: اسم ما ذُبِحَ؛ وفي التنزيل: وفديناه بِذِبْح عظيم؛ يعني
كبش إِبراهيم، عليه السلام. الأَزهري: معناه أَي بكبش يُذْبَحُ، وهو الكبش
الذي فُدِيَ به إِسمعيلُ بن خليل الله، صلى الله عليهما وسلم. الأَزهري:
الذِّبْحُ ما أُعِدَّ للذَّبْح، وهو بمنزلة الذَّبِيح والمذبوح.
والذِّبْحُ: المذبوح، هو بمنزلة الطِّحْن بمعنى المطحون، والقِطْفِ بمعنى
المَقْطُوف؛ وفي حديث الضحية: فدعا بِذِبْحٍ فذَبَحَه؛ الذبح، بالكسر: ما
يُذْبَحُ من الأَضاحِيّ وغيرها من الحيوان، وبالفتح الفعل منه.
واذَّبَحَ القومُ: اتخذوا ذبيحة، كقولك اطَّبَخُوا إِذا اتخذوا طبيخاً.
وفي حديث أُمِّ زَرْع: فأَعطاني من كل ذابحة زَوْجاً؛ هكذا في رواية أَي
أَعطاني من كل ما يجوز ذَبْحُه من الإِبل والبقر والغنم وغيرها، وهي
فاعلة بمعنى مفعولة، والرواية المشهورة بالراء والياء من الرواح.
وذَبائحُ الجنّ: أَن يشتري الرجل الدار أَو يستخرج ماء العين وما أَشبهه
فيذبح لها ذبيحة للطِّيَرَة؛ وفي الحديث: أَنه، صلى الله عليه وسلم، نهى
عن ذبائح الجن؛ كانوا إِذا اشْتَرَوْا داراً أَو استخرجوا عيناً أَو
بَنَوْا بُنياناً ذبحوا ذبيحة، مخافة أَن تصيبهم الجن فأُضيفت الذبائح
إِليهم لذلك؛ معنى الحديث أَنهم يتطيرون إِلى هذا الفعل، مخافة أَنهم إِن لم
يذبحوا أَو يطعموا أَن يصيبهم فيها شيء من الجن يؤذيهم، فأَبطل النبي، صلى
الله عليه وسلم، هذا ونهى عنه.
وفي الحديث: كلُّ شيء في البحر مَذْبوحُ أَي ذَكِيّ لا يحتاج إِلى
الذبح.وفي حديث أَبي الدرداء: ذَبْحُ الخَمْرِ المِلْحُ والشمسُ والنِّينانُ؛
النِّينان: جمع نون، وهي السمكة؛ قال ابن الأَثير: هذه صفة مُرِّيٍّ يعمل
في الشام، يؤْخذ الخَمْرُ فيجعل فيه الملح والسمك ويوضع في الشمس،
فتتغير الخمر إِلى طعم المُرِّيِّ، فتستحيل عن هيئتها كما تستحيل إِل
الخَلِّيَّة؛ يقول: كما أَن الميتة حرام والمذبوحة حلال فكذلك هذه الأَشياء
ذَبَحَتِ الخَمْرَ فحلّت، واستعار الذَّبْحَ للإِحْلال. والذَّبْحُ في الأَصل:
الشَّقُّ.
والمِذْبَحُ: السكين؛ الأَزهري: المِذْبَحُ: ما يُذْبَحُ به الذبيحة من
شَفْرَة وغيرها.
والمَذْبَحُ: موضع الذَّبْحِ من الحُلْقوم.
والذَّابحُ: شعر ينبت بين النَّصِيل والمَذْبَح.
والذُّباحُ والذِّبَحَةُ والذُّبَحَةُ: وَجَع الحَلْق كأَنه يَذْبَحُ،
ولم يعرف الذَّبْحَة بالتسكين
(* قوله «ولم يعرف الذبحة بالتسكين» أي مع
فتح الذال. واما بضمها وكسرها مع سكون الباء وكسرها وفتحها فمسموعة
كالذباح بوزن غراب وكتاب كما في القاموس.) الذي عليه العامة. الأَزهري:
الذَّبَحَة، بفتح الباء، داء يأْخذ في الحَلقِ وربما قتل؛ يقال أَخذته الذُّبَحة
والذِّبَحة. الأَصمعي: الذُّبْحةُ، بتسكين الباء: وجع في الحلق؛ وأَما
الذُّبَحُ، فهو نبت أَحمر. وفي الحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، كَوى أَسْعَدَ بنَ زُرَارَة في حَلْقِه من الذُِّبْحة؛ وقال: لا أَدَعُ
في نفسي حَرَجاً من أَسْعَدَ؛ وكان أَبو زيد يقول: الذِّبَحَةُ
والذُّبَحة لهذا الداء، ولم يعرفه باسكان الباء؛ ويقال: كان ذلك مثل الذِّبْحة
على النَّحْر؛ مثل يضرب للذي تِخالُه صديقاً فإِذا هو عدوّ ظاهر العداوة؛
وقال ابن شميل: الذِّبْحَة قَرْحة تخرج في حلق الإِنسان مثل الذِّئْبَةِ
التي تأْخذ الحمار؛ وفي الحديث: أَنه عاد البَرَاءَ بن مَعْرُور وأَخذته
الذُّبَحة فأَمر مَن لَعَطَه بالنار؛ الذُّبَحة: وجع يأْخذ في الحلق من
الدَّمِ، وقيل: هي قَرْحَة تظهر فيه فينسدّ معها وينقطع النفَس
فَتَقْتُل.والذَّبَاح: القتل أَيّاً كان. والذِّبْحُ: القتيل. والذَّبْحُ: الشَّق.
وكل ما شُقَّ، فقد ذُبِح؛ قال منظور بن مَرْثَدٍ الأَسَدِيُّ:
يا حَبَّذا جاريةٌ من عَكِّ
تُعَقِّدُ المِرْطَ على مِدَكِّ،
شِبْه كثِيبِ الرَّمْلِ غَيْرَ رَكِّ،
كأَنَّ بين فَكِّها والفَكِّ،
فَأْرَةَ مِسْكٍ، ذُبِحَتْ في سُكِّ
أَي فُتِقَتْ، وقوله: غير رَكَّ، لأَنه خالٍ من الكثيب.
وربما قالوا: ذَبَحْتُ الدَّنَّ أَي بَزَلْتُه؛ وأَما قول أَبي ذؤيب في
صفة خمر:
إِذا فُضَّتْ خَواتِمُها وبُجَّتْ،
يقال لها: دَمُ الوَدَجِ الذَّبيح
فإِنه أَراد المذبوح عنه أَي المشقوق من أَجله، هذا قول الفارسي؛ وقول
أَبي ذؤيب أَيضاً:
وسِرْبٍ تَطَلَّى بالعبيرِ كأَنه
دماءُ ظِباءٍ، بالنُّحورِ، ذَبِيحُ
ذبيح: وصف للدماء،وفيه شيئان: أَحدهما وصف الدم بأَنه ذبيح، وإِنما
الذبيح صاحب الدم لا الدم، والآخر أَنه وصف الجماعة بالواحد؛ فأَما وصفه الدم
بالذبيح فإِنه على حذف المضاف أَي كأَنه دماء ظِباء بالنُّحور ذبيح
ظباؤُه، ثم حذف المضاف وهو الظباء فارتفع الضمير الذي كان مجروراً لوقوعه
موقع المرفوع المحذوف لما استتر في ذبيح، وأَما وصفه الدماء وهي جماعة
بالواحد فِلأَن فعيلاً يوصف به المذكر والمؤَنث والواحد وما فوقه على صورة
واحدة؛ قال رؤبة:
دَعْها فما النَّحْوِيُّ من صَديقِها
وقال تعالى: إِنَّ رحمة الله قريب من المحسنين.
والذَّبِيحُ: الذي يَصْلُح أَن يذبح للنُّسُك؛ قال ابن أَحمر:
تُهْدَى إِليه ذِراعُ البَكْرِ تَكْرِمَةً،
إِمَّا ذَبِيحاً، وإِمَّا كانَ حُلاَّما
ويروى حلاَّنا. والحُلاَّنُ: الجَدْيُ الذي يؤخذ من بطن أُمه حيّاً
فيذبح، ويقال: هو الصغير من أَولاد المعز؛ ابن بري: عَرَّضَ ابنُ أَحمر في
هذا البيت برجل كان يَشْتِمه ويعيبه يقال له سفيان، وقد ذكره في أَوّل
المقطوع فقال:
نُبِّئْتُ سُفْيانَ يَلْحانا ويَشْتِمنا،
واللهُ يَدْفَعُ عنَّا شَرَّ سُفْيانا
وتذابحَ القومُ أَي ذبَحَ بعضُهم بعضاً. يقال: التَّمادُح التَّذابُحُ.
والمَذْبَحُ: شَقٌّ في الأَرض مِقْدارُ الشِّبْر ونحوه. يقال: غادَرَ
السَّيْلُ في الأَرض أَخاديدَ ومَذابحَ. والذَّبائِحُ: شقوق في أُصول
أَصابع الرِّجْل مما يلي الصدر، واسم ذلك الداء الذُّباحُ، وقيل: الذُّبَّاح،
بالضم والتشديد. والذُّباحُ: تَحََزُّز وتَشَقُّق بين أَصابع الصبيان من
التراب؛ ومنه قولهم: ما دونه شوكة ولا ذُباح، الأَزهري عن ابن بُزُرْج:
الذُّبَّاحُ حَزٌّ في باطن أَصابع الرِّجْل عَرْضاً، وذلك أَنه ذَبَحَ
الأَصابع وقطعها عَرْضاً، وجمعه ذَبابيحُ؛ وأَنشد:
حِرٌّ هِجَفٌّ مُتَجافٍ مَصْرَعُهْ،
به ذَبابِيحُ ونَكْبٌ يَظْلَعُهْ
وكان أَبو الهيثم يقول: ذُباحٌ، بالتخفيف، وينكر التشديد؛ قال الأَزهري:
والتشديد في كلام العرب أَكثر، وذهب أَبو الهيثم إِلى أَنه من الأَدواء
التي جاءت على فُعَال.
والمَذَابِحُ: من المسايل، واحدها مَذْبَح، وهو مَسِيل يسيل في سَنَدٍ
أَو على قَرارِ الأَرض، إِنما هو جريُ السيل بعضه على أَثر بعض، وعَرْضُ
المَذْبَحِ فِتْرٌ أَو شِبْرٌ، وقد تكون المَذابح خِلْقَةً في الأَرض
المستوية لها كهيئة النهر يسيل فيه ماؤُها فذلك المَذْبَحُ، والمَذَابِحُ
تكون في جميع الأَرض في الأَودية وغير الأَودية وفيما تواطأَ من الأَرض؛
والمَذْبَحُ من الأَنهار: ضَرْبٌ كأَنه شَقٌّ أَو انشق. والمَذَابِحُ:
المحاريبُ سميت بذلك للقَرابين.
والمَذْبَحُ: المِحْرَابُ والمَقْصُورة ونحوهما؛ ومنه الحديث: لما كان
زَمَنُ المُهَلَّب أُتِيَ مَرْوانُ برجل ارْتَدَّ عن الإِسلام وكَعْبٌ
شاهد، فقال كَعْبٌ: أَدْخِلوه المَذْبَحَ وضعوا التوراة وحَلِّفوه بالله؛
حكاه الهَرَوِيُّ في الغَريبَيْنِ؛ وقيل: المَذابحُ المقاصير، ويقال: هي
المحاريب ونحوها. ومَذَابحُ النصارى: بيُوتُ كُتُبهم، وهو المَذْبَح لبيت
كتبهم. ويقال: ذَبَحْتُ فَأْرَة المِسْكِ إِذا فتقتها وأَخرجت ما فيها من
المسك؛ وأَنشد شعر منظور بن مَرْثَدٍ الأَسَدِيِّ:
فَأْرَةَ مِسْكٍ ذُبِحَتْ في سُكِّ
أَي فُتِقَتْ في الطيب الذي يقال له سُكُّ المِسْك. وتُسمَّى المقاصيرُ
في الكنائس: مَذابِحَ ومَذْبَحاً لأَنهم كانوا يذبحون فيها القُرْبانَ؛
ويقال: ذَبَحَتْ فلاناً لِحْيَتُه إِذا سالت تحت ذَقَنه وبدا مُقَدَّمُ
حَنكه، فهو مذبوح بها؛ قال الراعي:
من كلِّ أَشْمَطَ مَذْبُوحٍ بِلِحْيَتِه،
بادِي الأَداةِ على مَرْكُوِّهِ الطَّحِلِ
يصف قَيِّمَ الماء مَنَعَه الوِرْدَ.
ويقال: ذَبَحَتْه العَبْرَةُ أَي خَنَقَتْه.
والمَذْبَحُ: ما بين أَصل الفُوق وبين الرِّيش.
والذُّبَحُ: نباتٌ
(* قوله «والذبح نبات إلخ» كصرد وعنب، وقوله: والذبح
الجزر إلخ كصرف فقط كما في القاموس.) له أَصل يُقْشَرُ عنه قِشرٌ أَسودُ
فيخرج أَبيض، كأَنه خَرَزَة بيضاءُ حُلْو طيب يؤكل، واحدته ذُبَحَةٌ
وذِبَحَةٌ؛ حكاه أَبو حنيفة عن الفراء؛ وقال أَبو حنيفة أَيضاً: قال أَبو
عمرو الذِّبَحة شجرة تنبت على ساق نَبتاً كالكُرَّاث، ثم يكون لها زَهْرة
صفراء، وأَصلها مثلُ الجَزَرة، وهي حُلْوة ولونها أَحمر. والذُّبَحُ:
الجَزَر البَرِّيُّ وله لون أَحمر؛ قال الأَعشى في صفة خمر:
وشَمولٍ تَحْسِبُ العَيْنُ، إِذا
صَفَقَتْ في دَنِّها، نَوْرَ الذُّبَحْ
ويروى: بُرْدَتها لون الذُّبَحْ. وبردتها: لونها وأَعلامها، وقيل: هو
نبات يأْكله النعام. ثعلب: الذُّبَحَة والذُّبَحُ هو الذي يُشبه الكَمأَةَ؛
قال: ويقال له الذِّبْحَة والذِّبَحُ، والضم أَكثر، وهو ضَربٌ من
الكمأَة بيض؛ ابن الأَثير: وفي شعر كعب بن مُرَّة:
إِني لأَحْسِبُ قولَه وفِعالَه
يوماً، وإِن طال الزمانُ، ذُباحا
قال: هكذا جاء في رواية. والذُّباحُ: القتل، وهو أَيضاً نبت يَقْتُل
آكله، والمشهور في الرواية رياحا. والذُّبَحُ والذُّباحُ: نبات من السَّمِّ؛
وأَنشد:
ولَرُبَّ مَطْعَمَةٍ تكونُ ذُباحا
(* قوله «ولرب مطعمة إلخ» صدره كما في الأَساس «واليأس مما فات يعقب
راحة» والشعر للنابغة.)
وقال رؤبة:
يَسْقِيهمُ، من خِلَلِ الصِّفاحِ،
كأْساً من الذِّيفان والذُّباحِ
وقال الأَعشى:
ولكنْ ماءُ عَلْقَمَةٍ بسَلْعٍ،
يُخاضُ عليه من عَلَقِ الذُّباحِ
وقال آخر:
إِنما قولُكَ سَمٌّ وذُبَحْ
ويقال: أَصابه موت زُؤام وذُواف وذُباحٌ؛ وأَنشد لبيد:
كأْساً من الذِّيفانِ والذُّباحِ
وقال: الذُّباحُ الذُّبَحُ؛ يقال: أَخذهم بنو فلان بالذُّباحِ أَي
ذَبَحُوهم.
والذُّبَحُ أَيضاً: نَوْرٌ أَحمر. وحَيَّا الله هذه الذُّبَحة أَي هذه
الطلعة.
وسَعْدٌ الذَّابِحُ: منزل من منازل القمر، أَحد السعود، وهما كوكبان
نَيِّرَان بينهما مقدارُ ذِراعٍ في نَحْر واحد، منهما نَجْمٌ صَغير قريبٌ
منه كأَنه يذبحه، فسمي لذلك ذابحاً؛ والعرب تقول: إِذا طلع الذابح انْحَجَر
النابح.
وأَصلُ الذَّبْح: الشَّق؛ ومنه قوله:
كأَنَّ عَينَيَّ فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ
أَي مشقوق معصور.
وذَبَّح الرجلُ: طأْطأَ رأْسه للركوع كَدبَّحَ، حكاه الهروي في
الغريبين، والمعروف الدال. وفي الحديث: أَنه نهى عن التذبيح في الصلاة، هكذا جاء
في روايةٍ، والمشهور بالدال المهملة؛ وحكى الأَزهري عن الليث، قال: جاء
عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه نهى عن أَن يُذَبِّحَ الرجلُ في صلاته
كما يُذَبِّحُ الحمارُ، قال: وقوله أَن يُذَبِّحَ، هو أَن يطأْطئ رأْسه
في الركوع حتى يكون أَخفض من ظهره؛ قال الأَزهري: صحَّف الليث الحرف،
والصحيح في الحديث: أَن يدبِّح الرجل في الصلاة، بالدال غير معجمة كما رواه
أَصحاب أَبي عبيد عنه في غريب الحديث، والذال خطأٌ لا شك فيه.
والذَّابح: مِيسَمٌ على الحَلْق في عُرْض العُنُق. ويقال للسِّمَةِ:
ذابحٌ.
روح: الرِّيحُ: نَسِيم الهواء، وكذلك نَسيم كل شيء، وهي مؤنثة؛ وفي
التنزيل: كَمَثَلِ رِيحٍ فيها صِرٌّ أَصابت حَرْثَ قوم؛ هو عند سيبويه
فَعْلٌ، وهو عند أَبي الحسن فِعْلٌ وفُعْلٌ.
والرِّيحةُ: طائفة من الرِّيح؛ عن سيبويه، قال: وقد يجوز أَن يدل الواحد
على ما يدل عليه الجمع، وحكى بعضهم: رِيحٌ ورِيحَة مع كوكب وكَوكَبَةٍ
وأَشعَر أَنهما لغتان، وجمع الرِّيح أَرواح، وأَراوِيحُ جمع الجمع، وقد
حكيت أَرْياحٌ وأَرايِح، وكلاهما شاذ، وأَنكر أَبو حاتم على عُمارة بن عقيل
جمعَه الرِّيحَ على أَرْياح، قال فقلت له فيه: إِنما هو أَرْواح، فقال:
قد قال الله تبارك وتعالى: وأَرسلنا الرِّياحَ؛ وإِنما الأَرْواحُ جمعُ
رُوح، قال: فعلمت بذلك أَنه ليس ممن يؤْخذ عنه. التهذيب: الرِّيح ياؤُها
واو صُيِّرت ياء لانكسار ما قبلها، وتصغيرها رُوَيْحة، وجمعها رِياحٌ
وأَرْواحٌ. قال الجوهري: الرِّيحُ واحدة الرِّياح، وقد تجمع على أَرْواح لأَن
أَصلها الواو وإِنما جاءَت بالياء لانكسار ما قبلها، وإِذا رجعوا إِلى
الفتح عادت إِلى الواو كقولك: أَرْوَحَ الماءُ وتَرَوَّحْتُ بالمِرْوَحة؛
ويقال: رِيحٌ ورِيحَة كما قالوا: دارٌ ودارَةٌ. وفي الحديث: هَبَّتْ
أَرواحُ النَّصْر؛ الأَرْواحُ جمع رِيح. ويقال: الرِّيحُ لآِل فلان أَي
النَّصْر والدَّوْلة؛ وكان لفلان رِيحٌ. وفي الحديث: كان يقول إِذا هاجت
الرِّيح: اللهم اجعلها رِياحاً ولا تجعلها ريحاً؛ العرب تقول: لا تَلْقَحُ
السحابُ إِلاَّ من رياح مختلفة؛ يريج: اجْعَلْها لَقاحاً للسحاب ولا تجعلها
عذاباً، ويحقق ذلك مجيءُ الجمع في آيات الرَّحمة، والواحد في قِصَصِ
العذاب: كالرِّيح العَقِيم؛ ورِيحاً صَرْصَراً. وفي الحديث: الرِّيحُ من
رَوْحِ الله أَي من رحمته بعباده.
ويومٌ راحٌ: شديد الرِّيح؛ يجوز أَن يكون فاعلاً ذهبت عينه، وأَن يكون
فَعْلاً؛ وليلة راحةٌ. وقد راحَ يَراحُ رَيْحاً إِذا اشتدّت رِيحُه. وفي
الحديث: أَن رجلاً حضره الموت، فقال لأَِولاده: أَحْرِقوني ثم انظروا
يوماً راحاً فأَذْرُوني فيه؛ يومٌ راحٌ أَي ذو رِيح كقولهم: رجلٌ مالٌ.
ورِيحَ الغَدِيرُ وغيرُه، على ما لم يُسَمَّ فاعله: أَصابته الرِّيحُ،
فهو مَرُوحٌ؛ قال مَنْظُور بنُ مَرْثَدٍ الأَسَدِيُّ يصف رَماداً:
هل تَعْرِفُ الدارَ بأَعْلى ذي القُورْ؟
قد دَرَسَتْ غيرَ رَمادٍ مَكْفُورْ
مُكْتَئِبِ اللَّوْنِ مَرُوحٍ مَمْطُورْ
القُور: جُبَيْلات صغار، واحدها قارَة. والمكفور: الذي سَفَتْ عليه
الريحُ الترابَ، ومَرِيح أَيضاً؛ وقال يصف الدمع:
كأَنه غُصْنٌ مَرِيح مَمْطُورْ
مثل مَشُوب ومَشِيب بُنِيَ على شِيبَ.
وغُصْنٌ مَرِيحٌ ومَرُوحٌ: أَصابته الريح؛ وكذلك مكان مَريح ومَرُوحٌ،
وشجرة مَرُوحة ومَريحة: صَفَقَتْها الريحُ فأَلقت ورقها.
وراحَتِ الريحُ الشيءَ: أَصابته؛ قال أَبو ذؤيب يصف ثوراً:
ويَعُوذ بالأَرْطَى، إِذا ما شَفَّهُ
قَطْرٌ، وراحَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ
وراحَ الشجرُ: وجَدَ الريحَ وأَحَسَّها؛ حكاه أَبو حنيفة؛ وأَنشد:
تَعُوجُ، إِذا ما أَقْبَلَتْ نَحْوَ مَلْعَبٍ،
كما انْعاجَ غُصْنُ البانِ راحَ الجَنائبا
ويقال: رِيحَتِ الشجرةُ، فهي مَرُوحة. وشجرة مَرُوحة إِذا هبَّت بها
الريح؛ مَرُوحة كانت في الأَصل مَرْيوحة. ورِيحَ القومُ وأَراحُوا: دخلوا في
الريح، وقيل: أَراحُوا دخلوا في الريح، ورِيحُوا: أَصابتهم الريحُ
فجاحَتْهم.
والمَرْوَحة، بالفتح: المَفازة، وهي الموضع الذي تَخْترقُه الريح؛ قال:
كأَنَّ راكبها غُصْنٌ بمَرْوَحةٍ،
إِذا تَدَلَّتْ به، أَو شارِبٌ ثَمِلْ
والجمع المَراوِيح؛ قال ابن بري: البيت لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه،
وقيل: إِنه تمثل به، وهو لغيره قاله وقد ركب راحلته في بعض المفاوز
فأَسرعت؛ يقول: كأَنَّ راكب هذه الناقة لسرعتها غصن بموضع تَخْتَرِقُ فيه
الريح، كالغصن لا يزال يتمايل يميناً وشمالاً، فشبّه راكبها بغصن هذه حاله أَو
شارِبٍ ثَمِلٍ يتمايلُ من شدّة سكره، وقوله إِذا تدلت به أَي إِذا هبطت
به من نَشْزٍ إِلى مطمئن، ويقال إِن هذا البيت قديم.
وراحَ رِيحَ الروضة يَراحُها، وأَراح يُريحُ إِذا وجد ريحها؛ وقال
الهُذَليُّ:
وماءٍ ورَدْتُ على زَوْرَةٍ،
كمَشْيِ السَّبَنْتَى يَراحُ الشَّفِيفا
الجوهري: راحَ الشيءَ يَراحُه ويَرِيحُه إِذا وجَدَ رِيحَه، وأَنشد
البيت «وماءٍ ورَدتُ» قال ابن بري: هو لصَخرْ الغَيّ، والزَّوْرةُ ههنا:
البعد؛ وقيل: انحراف عن الطريق. والشفيف: لذع البرد. والسَّبَنْتَى:
النَّمِرُ.
والمِرْوَحَةُ، بكسر الميم: التي يُتَرَوَّحُ بها، كسرة لأَنها آلة؛
وقال اللحياني: هي المِرْوَحُ، والجمع المَرَاوِحُ؛ وفي الحديث: فقد رأَيتهم
يَتَرَوَّحُون في الضُّحَى أَي احتاجوا إِلى التَّرْويحِ من الحَرِّ
بالمِرْوَحة، أَو يكون من الرواح: العَودِ إِلى بيوتهم، أَو من طَلَب
الراحة.والمِرْوَحُ والمِرْواحُ: الذي يُذَرَّى به الطعامُ في الريح.
ويقال: فلان بِمَرْوَحةٍ أَي بمَمَرِّ الريحِ.
وقالوا: فلان يَميلُ مع كل ريح، على المثل؛ وفي حديث عليّ: ورَعاعُ
الهَمَج يَميلون على كلِّ ريح. واسْتَرْوح الغصنُ: اهتزَّ بالريح.
ويومٌ رَيِّحٌ ورَوْحٌ ورَيُوحُ: طَيِّبُ الريح؛ ومكانٌ رَيِّحٌ أَيضاً،
وعَشَيَّةٌ رَيِّحةٌ ورَوْحَةٌ، كذلك. الليث: يوم رَيِّحٌ ويوم راحٌ: ذو
ريح شديدة، قال: وهو كقولك كَبْشٌ صافٍ، والأَصل يوم رائح وكبش صائف،
فقلبوا، وكما خففوا الحائِجةَ، فقالوا حاجة؛ ويقال: قالوا صافٌ وراحٌ على
صَوِفٍ ورَوِحٍ، فلما خففوا استنامت الفتحة قبلها فصارت أَلفاً. ويومٌ
رَيِّحٌ: طَيِّبٌ، وليلة رَيِّحة. ويوم راحٌ إِذا اشتدَّت ريحه. وقد راحَ،
وهو يرُوحُ رُؤُوحاً وبعضهم يَراحُ، فإِذا كان اليوم رَيِّحاً طَيِّباً،
قيل: يومٌ رَيِّحٌ وليلة رَيِّحة، وقد راحَ، وهو يَرُوحُ رَوْحاً.
والرَّوْحُ: بَرْدُ نَسِيم الريح؛ وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: كان
الناسُ يسكنون العالية فيحضُرون الجمعةَ وبهم وَسَخٌ، فإِذا أَصابهم
الرَّوْحُ سطعت أَرواحهم فيتأَذى به الناسُ، فأُمروا بالغسل؛ الرَّوْح،
بالفتح: نسيم الريح، كانوا إِذا مَرَّ عليهم النسيمُ تَكَيَّفَ بأَرْواحِهم،
وحَمَلها إِلى الناس. وقد يكون الريح بمعنى الغَلَبة والقوة؛ قال تَأَبَط
شرًّا، وقيل سُلَيْكُ بنُ سُلَكَةَ:
أَتَنْظُرانِ قليلاً رَيْثَ غَفْلَتِهمْ،
أَو تَعْدُوانِ، فإِنَّ الرِّيحَ للعادِي
ومنه قوله تعالى: وتَذْهَبَ رِيحُكُم؛ قال ابن بري: وقيل الشعر لأَعْشى
فَهْمٍ، من قصيدة أَولها:
يا دارُ بينَ غُباراتٍ وأَكْبادِ،
أَقْوَتْ ومَرَّ عليها عهدُ آبادِ
جَرَّتْ عليها رياحُ الصيفِ أَذْيُلَها،
وصَوَّبَ المُزْنُ فيها بعدَ إِصعادِ
وأَرَاحَ الشيءَ إِذا وجَد رِيحَه. والرائحةُ: النسيم طيِّباً كان أَو
نَتْناً. والرائحة: ريحٌ طيبة تجدها في النسيم؛ تقول لهذه البقلة رائحة
طيبة. ووَجَدْتُ رِيحَ الشيء ورائحته، بمعنًى.
ورِحْتُ رائحة طيبة أَو خبيثة أَراحُها وأَرِيحُها وأَرَحْتُها
وأَرْوَحْتُها: وجدتها. وفي الحديث: من أَعانَ على مؤمن أَو قتل مؤمناً لم يُرِحْ
رائحةَ الجنة، من أَرَحْتُ، ولم يَرَحْ رائحة الجنة من رِحْتُ أَراحُ؛
ولم يَرِحْ تجعله من راحَ الشيءَ يَرِيحُه. وفي حديث النبي، صلى الله عليه
وسلم: من قتل نفساً مُعاهدةً لم يَرِحْ رائحةَ الجنة أَي لم يَشُمَّ
ريحها؛ قال أَبو عمرو: هو من رِحْتُ الشيءَ أَرِيحه إِذا وجَدْتَ ريحه؛ وقال
الكسائي: إِنما هو لم يُرِحْ رائحة الجنة، مِن أَرَحْتُ الشيء فأَنا
أُرِيحَه إِذا وجدت ريحه، والمعنى واحد؛ وقال الأَصمعي: لا أَدري هو مِن
رِحْتُ أَو من أَرَحْتُ؛ وقال اللحياني: أَرْوَحَ السبُعُ الريحَ وأَراحها
واسْتَرْوَحَها واستراحها: وَجَدَها؛ قال: وبعضهم يقول راحَها بغير أَلف،
وهي قليلة. واسْتَرْوَحَ الفحلُ واستراح: وجد ريح الأُنثى. وراحَ الفرسُ
يَراحُ راحةً إِذا تَحَصَّنَ أَي صار فحلاً؛ أَبو زيد: راحت الإِبلُ
تَراحُ رائحةً؛ وأَرَحْتُها أَنا. قال الأَزهري: قوله تَرَاحُ رائحةً مصدر
على فاعلة؛ قال: وكذلك سمعته من العرب، ويقولون: سمعتُ راغِيةَ الإِبل
وثاغِيةَ الشاء أَي رُغاءَها وثُغاءَها. والدُّهْنُ المُرَوَّحُ:
المُطَيَّبُ؛ ودُهْن مُطَيَّب مُرَوَّحُ الرائحةِ، ورَوِّحْ دُهْنَكَ بشيء تجعل فيه
طيباً؛ وذَرِيرَةٌ مُرَوَّحة: مُطَيَّبة، كذلك؛ وفي الحديث: أَنه أَمرَ
بالإِثْمِد المُرَوَّحِ عند النوم؛ وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه
وسلم، نَهَى أَن يَكْتَحِلَ المُحْرِمُ بالإِثْمِدِ المُرَوَّح؛ قال أَبو
عبيد: المُرَوَّحُ المُطَيَّبُ بالمسك كأَنه جُعل له رائحةٌ تَفُوحُ بعد
أَن لم تكن له رائحة، وقال: مُرَوَّحٌ، بالواو، لأَن الياءَ في الريح
واو، ومنه قيل: تَرَوَّحْتُ بالمِرْوَحة.
وأَرْوَحَ اللحمُ: تغيرت رائحته، وكذلك الماءُ؛ وقال اللحياني وغيره:
أَخذتْ فيه الريح وتَغَيَّر. وفي حديث قَتَادةَ: سُئِل عن الماء الذي قد
أَروَحَ، أَيُتَوَضَّأُ منه؟ فقال: لا بأْس. يقال: أَرْوَحَ الماءُ وأَراحَ
إِذا تغيرت ريحه؛ وأَراح اللحمُ أَي أَنْتَنَ. وأَرْوَحَنِي الضَّبُّ:
وجد ريحي؛ وكذلك أَرْوَحَني الرجلُ. ويقال: أَراحَني الصيدُ إِذا وجَدَ
رِيحَ الإِنْسِيِّ. وفي التهذيب: أَرْوَحَنِي الصيدُ إِذا وجد ريحَك؛ وفيه:
وأَرْوَحَ الصيدُ واسْتَرْوَحَ واستراح إِذا وجد ريح الإِنسان؛ قال أَبو
زيد: أَرْوَحَنِي الصيجُ والضبُّ إِرْواحاً، وأَنْشاني إِنشاءً إِذا وجد
ريحَك ونَشْوَتَك، وكذلك أَرْوَحْتُ من فلان طِيباً، وأَنْشَيْتُ منه
نَشْوَةً.
والاسْتِرْواحُ: التَّشَمُّمُ.
الأَزهري: قال أَبو زيد سمعت رجلاً من قَيْس وآخر من تميم يقولان:
قَعَدْنا في الظل نلتمس الراحةَ؛ والرَّوِيحةُ والراحة بمعنى واحد. وراحَ
يَرَاحُ رَوْحاً: بَرَدَ وطابَ؛ وقيل: يومٌ رائحٌ وليلة رائحةٌ طيبةُ الريح؛
يقال: رَاحَ يومُنا يَرَاحُ رَوْحاً إِذا طابَت رِيحهُ؛ ويوم رَيِّحٌ؛
قال جرير:
محا طَلَلاً، بين المُنِيفَةِ والنِّقا،
صَباً راحةٌ، أَو ذو حَبِيَّيْنِ رائحُ
وقال الفراء: مكانٌ راحٌ ويومٌ راحٌ؛ يقال: افتح البابَ حتى يَراحَ
البيتُ أَي حتى يدخله الريح؛ وقال:
كأَنَّ عَيْنِي، والفِراقُ مَحْذورْ،
غُصْنٌ من الطَّرْفاءِ، راحٌ مَمْطُورْ
والرَّيْحانُ: كلُّ بَقْل طَيِّب الريح، واحدته رَيْحانة؛ وقال:
بِرَيْحانةٍ من بَطْنِ حَلْيَةَ نَوَّرَتْ،
لها أَرَجٌ، ما حَوْلها، غيرُ مُسْنِتِ
والجمع رَياحين. وقيل: الرَّيْحانُ أَطراف كل بقلة طيبة الريح إِذا خرج
عليها أَوائلُ النَّوْر؛ وفي الحديث: إِذا أُعْطِيَ أَحدُكم الرَّيْحانَ
فلا يَرُدَّه؛ هو كل نبت طيب الريح من أَنواع المَشْمُوم. والرَّيْحانة:
الطَّاقةُ من الرَّيحان؛ الأَزهري: الريحان اسم جامع للرياحين الطيبة
الريح، والطاقةُ الواحدةُ: رَيْحانةٌ. أَبو عبيد: إِذا طال النبتُ قيل: قد
تَرَوَّحتِ البُقُول، فهي مُتَرَوِّحةٌ. والريحانة: اسم للحَنْوَة
كالعَلَمِ. والرَّيْحانُ: الرِّزْقُ، على التشبيه بما تقدم.
وقوله تعالى: فَرَوْحٌ ورَيْحان أَي رحمة ورزق؛ وقال الزجاج: معناه
فاستراحة وبَرْدٌ، هذا تفسير الرَّوْح دون الريحان؛ وقال الأَزهري في موضع
آخر: قوله فروح وريحان، معناه فاستراحة وبرد وريحان ورزق؛ قال: وجائز أَن
يكون رَيحانٌ هنا تحيَّة لأَهل الجنة، قال: وأَجمع النحويون أَن رَيْحاناً
في اللغة من ذوات الواو، والأَصل رَيْوَحانٌ
(* قوله «والأصل ريوحان» في
المصباح، أصله ريوحان، بياء ساكنة ثم واو مفتوحة، ثم قال وقال جماعة: هو
من بنات الياء وهو وزان شيطان، وليس تغيير بدليل جمعه على رياحين مثل
شيطان وشياطين.) فقلبت الواو ياء وأُدغمت فيها الياء الأُولى فصارت
الرَّيَّحان، ثم خفف كما قالوا: مَيِّتٌ ومَيْتٌ، ولا يجوز في الرَّيحان التشديد
إِلاَّ على بُعْدٍ لأَنه قد زيد فيه أَلف ونون فخُفِّف بحذف الياء وأُلزم
التخفيف؛ وقال ابن سيده: أَصل ذلك رَيْوَحان، قلبت الواو ياء لمجاورتها
الياء، ثم أُدغمت ثم خففت على حدّ مَيْتٍ، ولم يستعمل مشدَّداً لمكان
الزيادة كأَنَّ الزيادة عوض من التشديد فَعْلاناً على المعاقبة
(* قوله
«فعلاناً على المعاقبة إلخ» كذا بالأصل وفيه سقط ولعل التقدير وكون أصله
روحاناً لا يصح لان فعلاناً إلخ أَو نحو ذلك.) لا يجيء إِلا بعد استعمال
الأَصل ولم يسمع رَوْحان. التهذيب: وقوله تعالى: فروح وريحان؛ على قراءة من
ضم الراء، تفسيره: فحياة دائمة لا موت معها، ومن قال فَرَوْحٌ فمعناه:
فاستراحة، وأَما قوله: وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ منه؛ فمعناه برحمة منه، قال:
كذلك قال المفسرون؛ قال: وقد يكون الرَّوْح بمعنى الرحمة؛ قال الله تعالى:
لا تَيْأَسُوا من رَوْح الله أَي من رحمة الله؛ سماها رَوْحاً لأَن
الرَّوْحَ والراحةَ بها؛ قال الأَزهري: وكذلك قوله في عيسى: ورُوحٌ منه أَي
رحمة منه، تعالى ذكره.
والعرب تقول: سبحان الله ورَيْحانَه؛ قال أَهل اللغة: معناه واسترزاقَه،
وهو عند سيبويه من الأَسماء الموضوعة موضع المصادر، تقول: خرجت أَبتغي
رَيْحانَ الله؛ قال النَّمِرُ بنُ تَوْلَب:
سلامُ الإِله ورَيْحانُه،
ورَحْمَتُه وسَماءٌ دِرَرْ
غَمَامٌ يُنَزِّلُ رِزْقَ العبادِ،
فأَحْيا البلادَ، وطابَ الشَّجَرْ
قال: ومعنى قوله وريحانه: ورزقه؛ قال الأَزهري: قاله أَبو عبيدة وغيره؛
قال: وقيل الرَّيْحان ههنا هو الرَّيْحانُ الذي يُشَمّ. قال الجوهري:
سبحان الله ورَيْحانَه نصبوهما على المصدر؛ يريدون تنزيهاً له واسترزاقاً.
وفي الحديث: الولد من رَيْحانِ الله. وفي الحديث: إِنكم لتُبَخِّلُون
(*
قوله «انكم لتبخلون إلخ» معناه أن الولد يوقع أباه في الجبن خوفاً من أن
يقتل، فيضيع ولده بعده، وفي البخل ابقاء على ماله، وفي الجهل شغلاً به عن
طلب العلم. والواو في وانكم للحال، كأنه قال: مع انكم من ريحان الله أي
من رزق الله تعالى. كذا بهامش النهاية.) وتُجَهِّلُون وتُجَبِّنُونَ
وإِنكم لمن رَيْحانِ الله؛ يعني الأَولادَ. والريحان يطلق على الرحمة والرزق
والراحة؛ وبالرزق سمي الولد رَيْحاناً.
وفي الحديث: قال لعليّ، رضي الله عنه: أُوصيك بِرَيْحانَتَيَّ خيراً قبل
أَن يَنهَدَّ رُكناك؛ فلما مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: هذا
أَحدُ الركنين، فلما ماتت فاطمة قال: هذا الركن الآخر؛ وأَراد بريحانتيه
الحسن والحسين، رضي الله تعالى عنهما. وقوله تعالى: والحَبُّ ذو
العَصْفِ والرَّيحانُ؛ قيل: هو الوَرَقُ؛ وقال الفراء: ذو الوَرَق والرِّزقُ،
وقال الفرّاء: العَصْفُ ساقُ الزرعِ والرَّيْحانُ ورَقهُ.
وراحَ منك معروفاً وأَرْوَحَ، قال: والرَّواحُ والراحةُ والمُرايَحةُ
والرَّوِيحَةُ والرَّواحة: وِجْدَانُك الفَرْجَة بعد الكُرْبَة.
والرَّوْحُ أَيضاً: السرور والفَرَحُ، واستعاره عليّ، رضي الله عنه،
لليقين فقال: فباشِرُوا رَوْحَ اليقين؛ قال ابن سيده: وعندي أَنه أَراد
الفَرْحة والسرور اللذين يَحْدُثان من اليقين. التهذيب عن الأَصمعي:
الرَّوْحُ الاستراحة من غم القلب؛ وقال أَبو عمرو: الرَّوْحُ الفَرَحُ،
والرَّوْحُ؛ بَرْدُ نسيم الريح. الأَصمعي: يقال فلان يَراحُ للمعروف إِذا أَخذته
أَرْيَحِيَّة وخِفَّة.
والرُّوحُ، بالضم، في كلام العرب: النَّفْخُ، سمي رُوحاً لأَنه رِيحٌ
يخرج من الرُّوحِ؛ ومنه قول ذي الرمة في نار اقْتَدَحَها وأَمر صاحبه
بالنفخ فيها، فقال:
فقلتُ له: ارْفَعْها إِليك، وأَحْيِها
برُوحكَ، واجْعَله لها قِيتَةً قَدْرا
أَي أَحيها بنفخك واجعله لها؛ الهاء للرُّوحِ، لأَنه مذكر في قوله:
واجعله، والهاء التي في لها للنار، لأَنها مؤنثة. الأَزهري عن ابن الأَعرابي
قال: يقال خرج رُوحُه، والرُّوحُ مذكر.
والأَرْيَحِيُّ: الرجل الواسع الخُلُق النشيط إِلى المعروف يَرْتاح لما
طلبت ويَراحُ قَلْبُه سروراً. والأَرْيَحِيُّ: الذي يَرْتاح للنَّدى.
وقال الليث: يقال لكل شيء واسع أَرْيَحُ؛ وأَنشد:
ومَحْمِل أَرْيَح جَحاحِي
قال: وبعضهم يقول ومحمل أَرْوَح، ولو كان كذلك لكان قد ذمَّه لأَن
الرَّوَحَ الانبطاح، وهو عيب في المَحْمِلِ. قال: والأَرْيَحِيُّ مأْخوذ من
راحَ يَرَاحُ، كما يقال للصَّلْتِ المُنْصَلِتِ: أَصْلَتِيٌّ،
وللمُجْتَنِبِ: أَجْنَبِيٌّ، والعرب تحمل كثيراً من النعت على أَفْعَلِيّ فيصر كأَنه
نسبة. قال الأَزهري: وكلام العرب تقول رجل أَجْنَبُ وجانِبٌ وجُنُبٌ، ولا
تكاد تقول أَجْنَبِيٌّ. ورجل أَرْيَحِيٌّ: مُهْتَزٌّ للنَّدى والمعروف
والعطية واسِعُ الخُلُق، والاسم الأَرْيَحِيَّة والتَّرَيُّح؛ عن
اللحياني؛ قال ابن سيده: وعندي أَن التَّرَيُّح مصدر تَريَّحَ، وسنذكره؛ وفي شعر
النابغة الجعدي يمدح ابن الزبير:
حَكَيْتَ لنا الصِّدِّيقَ لمّا وَلِيتَنا،
وعُثمانَ والفارُوقَ، فارْتاحَ مُعْدِمُ
أَي سَمَحَت نفسُ المُعْدِم وسَهُلَ عليه البَذل.
يقال: رِحْتُ المعروف أَراحُ رَيْحاً وارْتَحْتُ أَرْتاحُ ارْتِياحاً
إِذا مِلْتَ إِليه وأَحببته؛ ومنه قولهم: أَرْيَحِيٌّ إِذا كان سخيّاً
يَرْتاحُ للنَّدَى. وراحَ لذلك الأَمر يَراحُ رَواحاً ورُؤُوحاً، وراحاً
وراحةً وأَرْيَحِيَّةً ورِياحةً: أَشْرَق له وفَرِحَ به وأَخَذَتْه له
خِفَّةٌ وأَرْيَحِيَّةٌ؛ قال الشاعر:
إِنَّ البخيلَ إِذا سأَلْتَ بَهَرْتَه،
وتَرَى الكريمَ يَراحُ كالمُخْتالِ
وقد يُستعارُ للكلاب وغيرها؛ أَنشد اللحياني:
خُوصٌ تَراحُ إِلى الصِّياحِ إِذا غَدَتْ
فِعْلَ الضِّراءِ، تَراحُ للكَلاَّبِ
ويقال: أَخذته الأَرْيَحِيَّة إِذا ارتاح للنَّدَى. وراحتْ يَدُه بكذا
أَي خَفَّتْ له. وراحت يده بالسيف أَي خفت إِلى الضرب به؛ قال أُمَيَّةُ
بنُ أَبي عائذ الهذلي يصف صائداً:
تَراحُ يَداه بِمَحْشُورة،
خَواظِي القِداحِ، عِجافِ النِّصال
أَراد بالمحشورة نَبْلاَ، للُطْفِ قَدِّها لأَنه أَسرع لها في الرمي عن
القوس. والخواظي: الغلاظ القصار. وأَراد بقوله عجاف النصال: أَنها
أُرِقَّتْ. الليث: راحَ الإِنسانُ إِلى الشيء يَراحُ إِذا نَشِطَ وسُرَّ به،
وكذلك ارتاحَ؛ وأَنشد:
وزعمتَ أَنَّك لا تَراحُ إِلى النِّسا،
وسَمِعْتَ قِيلَ الكاشِحَ المُتَرَدِّدِ
والرِّياحَة: أَن يَراحَ الإِنسانُ إِلى الشيء فيَسْتَرْوِحَ ويَنْشَطَ
إِليه.والارتياح: النشاط. وارْتاحَ للأَمر: كراحَ؛ ونزلت به بَلِيَّةٌ
فارْتاحَ اللهُ له برَحْمَة فأَنقذه منها؛ قال رؤبة:
فارْتاحَ رَبي، وأَرادَ رَحْمَتي،
ونِعْمَةً أَتَمَّها فتَمَّتِ
أَراد: فارتاح نظر إِليَّ ورحمني. قال الأَزهري: قول رؤبة في فعل الخالق
قاله بأَعرابيته، قال: ونحن نَسْتَوْحِشُ من مثل هذا اللفظ لأَن الله
تعالى إِنما يوصف بما وصف به نفسه، ولولا أَن الله، تعالى ذكره، هدانا
بفضله لتمجيده وحمده بصفاته التي أَنزلها في كتابه، ما كنا لنهتدي لها أَو
نجترئ عليها؛ قال ابن سيده: فأَما الفارسي فجعل هذا البيت من جفاء
الأَعراب، كما قال:
لا هُمَّ إِن كنتَ الذي كعَهْدِي،
ولم تُغَيِّرْكَ السِّنُونَ بَعْدِي
وكما قال سالمُ بنُ دارَةَ:
يا فَقْعَسِيُّ، لِمْ أَكَلْتَه لِمَهْ؟
لو خافَكَ اللهُ عليه حَرَّمَهْ،
فما أَكلتَ لَحْمَه ولا دَمَهْ
والرَّاحُ: الخمرُ، اسم لها. والراحُ: جمع راحة، وهي الكَفُّ. والراح:
الارْتِياحُ؛ قال الجُمَيحُ ابنُ الطَّمَّاح الأَسَدِيُّ:
ولَقِيتُ ما لَقِيَتْ مَعَدٌّ كلُّها،
وفَقَدْتُ راحِي في الشَّبابِ وخالي
والخالُ: الاختيال والخُيَلاءُ، فقوله: وخالي أَي واختيالي.
والراحةُ: ضِدُّ التعب. واسْتراحَ الرجلُ، من الراحة. والرَّواحُ
والراحة مِن الاستراحة. وأَراحَ الرجل والبعير وغيرهما، وقد أَراحَني، ورَوَّح
عني فاسترحت؛ ويقال: ما لفلان في هذا الأَمر من رَواح أَي من راحة؛ وجدت
لذلك الأَمر راحةً أَي خِفَّةً؛ وأَصبح بعيرك مُرِيحاً أَي مُفِيقاً؛
وأَنشد ابن السكيت:
أَراحَ بعد النَّفَسِ المَحْفُوزِ،
إِراحةَ الجِدَايةِ النَّفُوزِ
الليث: الراحة وِجْدانُك رَوْحاً بعد مشقة، تقول: أَرِحْنُ إِراحةً
فأَسْتَريحَ؛ وقال غيره: أَراحهُ إِراحةً وراحةً، فالإِراحةُ المصدرُ،
والراحةُ الاسم، كقولك أَطعته إِطاعة وأَعَرْتُه إِعَارَةً وعارَةً. وفي
الحديث: قال النبي، صلى الله عليه وسلم، لمؤذنه بلال: أَرِحْنا بها أَي أَذّن
للصلاة فتَسْتَريحَ بأَدائها من اشتغال قلوبنا بها؛ قال ابن الأَثير: وقيل
كان اشتغاله بالصلاة راحة له، فإِنه كان يَعُدُّ غيرها من الأَعمال
الدنيوية تعباً، فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى، ولذا
قال: وقُرَّة عيني في الصلاة، قال: وما أَقرب الراحة من قُرَّة العين.
يقال: أَراحَ الرجلُ واسْتراحَ إِذا رجعت إِليه نفسه بعد الإِعياء؛ قال: ومنه
حديث أُمِّ أَيْمَنَ أَنها عَطِشَتْ مُهاجِرَةً في يوم شديد الحرّ
فَدُلِّيَ إِليها دَلْوٌ من السماء فشربت حتى أَراحتْ. وقال اللحياني: أَراحَ
الرجلُ اسْتراحَ ورجعت إِليه نفسه بعد الإِعياء، وكذلك الدابة؛ وأَنشد:
تُرِيحُ بعد النَّفَسِ المَحْفُوزِ
أَي تَسترِيحُ. وأَراحَ: دخل في الرِّيح. وأَراحَ إِذا وجد نسيم الريح.
وأَراحَ إِذا دخل في الرَّواحِ. وأَراحَ إِذا نزل عن بعيره لِيُرِيحه
ويخفف عنه. وأَراحه الله فاستَراحَ، وأَراحَ تنفس؛ وقال امرؤ القيس يصف
فرساً بسَعَةِ المَنْخَرَيْنِ:
لها مَنْخَرٌ كوِجارِ السِّباع،
فمنه تُريحُ إِذا تَنْبَهِرْ
وأَراحَ الرجلُ: ماتَ، كأَنه استراحَ؛ قال العجاج:
أَراحَ بعد الغَمِّ والتَّغَمْغُمِ
(* قوله «والتغمغم» في الصحاح ومثله بهامش الأصل والتغمم.)
وفي حديث الأَسود بن يزيد: إِن الجمل الأَحمر لَيُرِيحُ فيه من الحرّ؛
الإِراحةُ ههنا: الموتُ والهلاك، ويروى بالنون، وقد تقدم.
والتَّرْوِيحةُ في شهر رمضان: سمِّيت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أَربع
ركعات؛ وفي الحديث: صلاة التراويح؛ لأَنهم كانوا يستريحون بين كل
تسليمتين. والتراويح: جمع تَرْوِيحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، تَفْعِيلة
منها، مثل تسليمة من السَّلام. والراحةُ: العِرْس لأَنها يُسْتراح إِليها.
وراحةُ البيت: ساحتُه.وراحةُ الثوب: طَيُّه. ابن شميل: الراحة من الأَرض:
المستويةُ، فيها ظَهورٌ واسْتواء تنبت كثيراً، جَلَدٌ من الأَرض، وفي
أَماكن منها سُهُولٌ وجَراثيم، وليست من السَّيْل في شيء ولا الوادي،
وجمعها الرَّاحُ، كثيرة النبت.
أَبو عبيد: يقال أَتانا فلان وما في وجهه رائحةُ دَمٍ من الفَرَقِ، وما
في وجهه رائحةُ دَمٍ أَي شيء. والمطر يَسْتَرْوِحُ الشجرَ أَي يُحْييه؛
قال:
يَسْتَرْوِحُ العِلمُ مَنْ أَمْسَى له بَصَرٌ
وكان حَيّاً كما يَسْتَرْوِحُ المَطَرُ
والرَّوْحُ: الرحمة؛ وفي الحديث عن أَبي هريرة قال: سمعت رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، يقول: الريحُ من رَوْحِ الله تأْتي بالرحمة وتأْتي
بالعذاب، فإِذا رأَيتموها فلا تَسُبُّوها واسأَلوا من خيرها، واستعذوا بالله
من شرِّها؛ وقوله: من روح الله أَي من رحمة الله، وهي رحمة لقوم وإِن كان
فيها عذاب لآخرين. وفي التنزيل: ولا تَيْأَسُوا من رَوْحِ الله؛ أَي من
رحمة الله، والجمع أَرواحٌ.
والرُّوحُ: النَّفْسُ، يذكر ويؤنث، والجمع الأَرواح. التهذيب: قال أَبو
بكر بنُ الأَنْباريِّ: الرُّوحُ والنَّفْسُ واحد، غير أَن الروح مذكر
والنفس مؤنثة عند العرب. وفي التنزيل: ويسأَلونك عن الرُّوح قل الروح من
أَمر ربي؛ وتأْويلُ الروح أَنه ما به حياةُ النفْس. وروى الأَزهري بسنده عن
ابن عباس في قوله: ويسأَلونك عن الروح؛ قال: إِن الرُّوح قد نزل في
القرآن بمنازل، ولكن قولوا كما قال الله، عز وجل: قل الروح من أَمر ربي وما
أُوتيتم من العلم إِلا قليلاً. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَن
اليهود سأَلوه عن الروح فأَنزل الله تعالى هذه الآية. وروي عن الفراء أَنه
قال في قوله: قل الروح من أَمر ربي؛ قال: من عِلم ربي أَي أَنكم لا
تعلمونه؛ قال الفراء: والرُّوح هو الذي يعيش به الإِنسان، لم يخبر الله تعالى
به أَحداً من خلقه ولم يُعْطِ عِلْمَه العباد. قال: وقوله عز وجل:
ونَفَخْتُ فيه من رُوحي؛ فهذا الذي نَفَخَه في آدم وفينا لم يُعْطِ علمه أَحداً
من عباده؛ قال: وسمعت أَبا الهيثم يقول: الرُّوحُ إِنما هو النَّفَسُ
الذي يتنفسه الإِنسان، وهو جارٍ في جميع الجسد، فإِذا خرج لم يتنفس بعد
خروجه، فإِذا تَتامَّ خروجُه بقي بصره شاخصاً نحوه، حتى يُغَمَّضَ، وهو
بالفارسية «جان» قال: وقول الله عز وجل في قصة مريم، عليها السلام: فأَرسلنا
إِليها روحَنا فتمثل لها بَشَراً سَوِيّاً؛ قال: أَضافِ الروحَ المُرْسَلَ
إِلى مريم إِلى نَفْسه كما تقول: أَرضُ الله وسماؤه، قال: وهكذا قوله
تعالى للملائكة: فإِذا سوَّيته ونَفَخْتُ فيه من روحي؛ ومثله: وكَلِمَتُه
أَلقاها إِلى مريم ورُوحٌ منه؛ والرُّوحُ في هذا كله خَلْق من خَلْق الله
لم يعط علمه أَحداً؛ وقوله تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ من أَمره على من يشاء
من عباده؛ قال الزجاج: جاء في التفسير أَن الرُّوح الوَحْيُ أَو أَمْرُ
النبوّة؛ ويُسَمَّى القرآنُ روحاً. ابن الأَعرابي: الرُّوحُ الفَرَحُ.
والرُّوحُ: القرآن. والرُّوح: الأَمرُ. والرُّوح: النَّفْسُ. قال أَبو
العباس
(* قوله «قال أبو العباس» هكذا في الأصل.): وقوله عز وجل: يُلْقي
الرُّوحَ من أَمره على من يشاء من عباده ويُنَزِّلُ الملائكةَ بالرُّوحِ من
أَمره؛ قال أَبو العباس: هذا كله معناه الوَحْيُ، سمِّي رُوحاً لأَنه حياة
من موت الكفر، فصار بحياته للناس كالرُّوح الذي يحيا به جسدُ الإِنسان؛
قال ابن الأَثير: وقد تكرر ذكر الرُّوح في الحديث كما تكرَّر في القرآن
ووردت فيه على معان، والغالب منها أَن المراد بالرُّوح الذي يقوم به
الجسدُ وتكون به الحياة، وقد أُطلق على القرآن والوحي والرحمة، وعلى جبريل في
قوله: الرُّوحُ الأَمين؛ قال: ورُوحُ القُدُس يذكَّر ويؤنث. وفي الحديث:
تَحابُّوا بذكر الله ورُوحِه؛ أَراد ما يحيا به الخلق ويهتدون فيكون حياة
لكم، وقيل: أَراد أَمر النبوَّة، وقيل: هو القرآن. وقوله تعالى: يوم
يَقُومُ الرُّوحُ والملائكةُ صَفّاً؛ قال الزجاج: الرُّوحُ خَلْقٌ كالإِنْسِ
وليس هو بالإِنس، وقال ابن عباس: هو ملَك في السماء السابعة، وجهه على
صورة الإنسان وجسده على صورة الملائكة؛ وجاء في التفسير: أَن الرُّوحَ
ههنا جبريل؛ ورُوحُ الله: حكمُه وأَمره. والرُّوحُ: جبريل عليه السلام. وروى
الأَزهري عن أَبي العباس أَحمد بن يحيى أَنه قال في قول الله تعالى:
وكذلك أَوحينا إِليك رُوحاً من أَمرنا؛ قال: هو ما نزل به جبريل من الدِّين
فصار تحيا به الناس أَي يعيش به الناس؛ قال: وكلُّ ما كان في القرآن
فَعَلْنا، فهو أَمره بأَعوانه، أَمر جبريل وميكائيل وملائكته، وما كان
فَعَلْتُ، فهو ما تَفَرَّد به؛ وأَما قوله: وأَيَّدْناه برُوح القُدُس، فهو
جبريل، عليه السلام. والرُّوحُ: عيسى، عليه السلام. والرُّوحُ: حَفَظَةٌ على
الملائكة الحفظةِ على بني آدم، ويروى أَن وجوههم مثل وجوه الإِنس.
وقوله: تَنَزَّلُ الملائكةُ والرُّوحُ؛ يعني أُولئك.
والرُّوحانيُّ من الخَلْقِ: نحوُ الملائكة ممن خَلَقَ اللهُ رُوحاً بغير
جسد، وهو من نادر معدول النسب. قال سيبويه: حكى أَبو عبيدة أَن العرب
تقوله لكل شيء كان فيه رُوحٌ من الناس والدواب والجن؛ وزعم أَبو الخطاب
أَنه سمع من العرب من يقول في النسبة إِلى الملائكة والجن رُوحانيٌّ، بضم
الراء، والجمع روحانِيُّون. التهذيب: وأَما الرُّوحاني من الخلق فإِنَّ
أَبا داود المَصاحِفِيَّ روى عن النَّضْر في كتاب الحروف المُفَسَّرةِ من
غريب الحديث أَنه قال: حدثنا عَوْفٌ الأَعرابي عن وَرْدانَ بن خالد قال:
بلغني أَن الملائكة منهم رُوحانِيُّون، ومنه مَن خُلِقَ من النور، قال: ومن
الرُّوحانيين جبريل وميكائيل وإِسرافيل، عليهم السلام؛ قال ابن شميل:
والرُّوحانيون أَرواح ليست لها أَجسام، هكذا يقال؛ قال: ولا يقال لشيء من
الخلق رُوحانيٌّ إِلا للأَرواح التي لا أَجساد لها مثل الملائكة والجن وما
أَشبههما، وأَما ذوات الأَجسام فلا يقال لهم رُوحانيون؛ قال الأَزهري:
وهذا القول في الرُّوحانيين هو الصحيح المعتمد لا ما قاله ابن المُظَفَّر
ان الرُّوحانيّ الذي نفخ فيه الرُّوح. وفي الحديث: الملائكة
الرُّوحانِيُّونَ، يروى بضم الراء وفتحها، كَأَنه نسب إِلى الرُّوح أَو الرَّوْح، وهو
نسيم الريح، والَلف والنون من زيادات النسب، ويريد به أَنهم أَجسام
لطيفة لا يدركها البصر.
وفي حديث ضِمامٍ: إِني أُعالج من هذه الأَرواح؛ الأَرواح ههنا: كناية عن
الجن سمُّوا أَرواحاً لكونهم لا يُرَوْنَ، فهم بمنزلة الأَرواح. ومكان
رَوْحانيٌّ، بالفتح، أَي طَيِّب. التهذيب: قال شَمرٌ: والرِّيحُ عندهم
قريبة من الرُّوح كما قالوا: تِيهٌ وتُوهٌ؛ قال أَبو الدُّقَيْش: عَمَدَ
مِنَّا رجل إِلى قِرْبَةٍ فملأَها من رُوحِه أَي من رِيحِه ونَفَسِه.
والرَّواحُ: نقيضُ الصَّباح، وهو اسم للوقت، وقيل: الرَّواحُ العَشِيُّ،
وقيل: الرَّواحُ من لَدُن زوال الشمس إِلى الليل. يقال: راحوا يفعلون
كذا وكذا ورُحْنا رَواحاً؛ يعني السَّيْرَ بالعَشِيِّ؛ وسار القوم رَواحاً
وراحَ القومُ، كذلك. وتَرَوَّحْنا: سِرْنا في ذلك الوقت أَو عَمِلْنا؛
وأَنشد ثعلب:
وأَنتَ الذي خَبَّرْتَ أَنك راحلٌ،
غَداةً غَدٍ، أَو رائحُ بهَجِيرِ
والرواح: قد يكون مصدر قولك راحَ يَرُوحُ رَواحاً، وهو نقيض قولك غدا
يَغْدُو غُدُوًّا. وتقول: خرجوا بِرَواحٍ من العَشِيِّ ورِياحٍ، بمعنًى.
ورجل رائحٌ من قوم رَوَحٍ اسم للجمع، ورَؤُوحٌ مِن قوم رُوحٍ، وكذلك
الطير.وطير رَوَحٌ: متفرقة؛ قال الأَعشى:
ماتَعِيفُ اليومَ في الطيرِ الرَّوَحْ،
من غُرابِ البَيْنِ، أَو تَيْسٍ سَنَحْ
ويروى: الرُّوُحُ؛ وقيل: الرَّوَحُ في هذا البيت: المتفرّقة، وليس بقوي،
إِنما هي الرائحة إِلى مواضعها، فجمع الرائح على رَوَحٍ مثل خادم
وخَدَمٍ؛ التهذيب: في هذا البيت قيل: أَراد الرَّوَحةَ مثل الكَفَرَة
والفَجَرة، فطرح الهاء. قال: والرَّوَحُ في هذا البيت المتفرّقة.
ورجل رَوَّاحٌ بالعشي، عن اللحياني: كَرَؤُوح، والجمع رَوَّاحُون، ولا
يُكَسَّر.
وخرجوا بِرِياحٍ من العشيّ، بكسر الراءِ، ورَواحٍ وأَرْواح أَي بأَول.
وعَشِيَّةٌ: راحةٌ؛ وقوله:
ولقد رأَيتك بالقَوادِمِ نَظْرَةً،
وعليَّ، من سَدَفِ العَشِيِّ، رِياحُ
بكسر الراء، فسره ثعلب فقال: معناه وقت.
وقالوا: قومُك رائحٌ؛ عن اللحياني حكاه عن الكسائي قال: ولا يكون ذلك
إِلاَّ في المعرفة؛ يعني أَنه لا يقال قوم رائحٌ.
وراحَ فلانٌ يَرُوحُ رَواحاً: من ذهابه أَو سيره بالعشيّ. قال الأَزهري:
وسمعت العرب تستعمل الرَّواحَ في السير كلَّ وقت، تقول: راحَ القومُ
إِذا ساروا وغَدَوْا، ويقول أَحدهم لصاحبه: تَرَوَّحْ، ويخاطب أَصحابه
فيقول: تَرَوَّحُوا أَي سيروا، ويقول: أَلا تُرَوِّحُونَ؟ ونحو ذلك ما جاء في
الأَخبار الصحيحة الثابتة، وهو بمعنى المُضِيِّ إِلى الجمعة والخِفَّةِ
إِليها، لا بمعنى الرَّواح بالعشي. في الحديث: مَنْ راحَ إِلى الجمعة في
الساعة الأُولى أَي من مشى إِليها وذهب إِلى الصلاة ولم يُرِدْ رَواحَ آخر
النهار. ويقال: راحَ القومُ وتَرَوَّحُوا إِذا ساروا أَيَّ وقت كان.
وقيل: أَصل الرَّواح أَن يكون بعد الزوال، فلا تكون الساعات التي عدَّدها في
الحديث إِلاَّ في ساعة واحدة من يوم الجمعة، وهي بعد الزوال كقولك: قعدت
عندك ساعة إِنما تريد جزءاً من الزمن، وإِن لم يكن ساعة حقيقة التي هي
جزء من أَربعة وعشرين جزءاً مجموع الليل والنهار،وإِذا قالت العرب: راحت
الإِبل تَرُوحُ وتَراحُ رائحةً، فَرواحُها ههنا أَن تأْوِيَ بعد غروب
الشمس إِلى مُراحِها الذي تبيت فيه. ابن سيده: والإِراحةُ رَدُّ الإِبل
والغنم من العَشِيِّ إِلى مُرَاحها حيث تأْوي إِليه ليلاً، وقد أَراحها راعيها
يُرِيحُها. وفي لغة: هَراحَها يُهْرِيحُها. وفي حديث عثمان، رضي الله
عنه: رَوَّحْتُها بالعشيّ أَي رَدَدْتُها إِلى المُراحِ. وسَرَحَتِ الماشية
بالغداة وراحتْ بالعَشِيِّ أَي رجعت. وتقول: افعل ذلك في سَراحٍ ورَواحٍ
أَي في يُسرٍ بسهولة؛ والمُراحُ: مأْواها ذلك الأَوانَ، وقد غلب على
موضع الإِبل.
والمُراحُ، بالضم: حيث تأْوي إِليه الإِبل والغنم بالليل.
وقولهم: ماله سارِحةٌ ولا رائحةٌ أَي شيء؛ راحتِ الإِبلُ وأَرَحْتُها
أَنا إِذا رددتُها إِلى المُراحِ؛ وقي حديث سَرِقَة الغنم: ليس فيه قَطْعٌ
حتى يُؤْوِيَهُ المُراح؛ المُراحُ، بالضم: الموضع الذي تَرُوحُ إِليه
الماشية أَي تأْوي إِليه ليلاً، وأَما بالفتح، فهو الموضع الذي يروح إِليه
القوم أَو يَروحُونَ منه، كالمَغْدَى الموضع الذي يُغْدَى منه.
وفي حديث أُمِّ زَرْعٍ: وأَراحَ عَلَيَّ نَعَماً ثَرِيّاً أَي أَعطاني،
لأَنها كانت هي مُراحاً لِنَعَمِه، وفي حديثها أَيضاً: وأَعطاني من كل
رائحة زَوْجاً أَي مما يَرُوحُ عليه من أَصناف المال أَعطاني نصيباً
وصِنْفاً، ويروى: ذابِحةٍ، بالذال المعجمة والباء، وقد تقدم. وفي حديث أَبي
طلحة: ذاك مالٌ رائحٌ أَي يَرُوحُ عليك نَفْعُه وثوابُه يعني قُرْبَ وُصوله
إِليه، ويروى بالباء وقد تقدم.
والمَراحُ، بالفتح: الموضع الذي يَرُوحُ منه القوم أَو يَرُوحُون إِليه
كالمَغْدَى من الغَداةِ؛ تقول: ما ترك فلانٌ من أَبيه مَغدًى ولا مَراحاً
إِذا أَشبهه في أَحوالِه كلها.
والتَّرْوِيحُ: كالإِراحةِ؛ وقال اللحياني: أَراحَ الرجل إِراحةً
وإِراحاً إِذا راحت عليه إِبلُه وغنمه وماله ولا يكون ذلك إِلاّ بعد الزوال؛
وقول أَبي ذؤيب:
كأَنَّ مَصاعِيبَ، زُبَّ الرُّؤُو
سِ، في دارِ صِرْمٍ، تُلاقس مُرِيحا
يمكن أَن يكون أَراحتْ لغة في راحت، ويكون فاعلاً في معنى مفعول، ويروى:
تُلاقي مُرِيحاً أَي الرجلَ الذي يُرِيحُها. وأَرَحْتُ على الرجل حَقَّه
إِذا رددته عليه؛ وقال الشاعر:
أَلا تُرِيحي علينا الحقَّ طائعةً،
دونَ القُضاةِ، فقاضِينا إِلى حَكَمِ
وأَرِحْ عليه حَقَّه أَي رُدَّه. وفي حديث الزبير: لولا حُدُودٌ
فُرِضَتْ وفرائضُ حُدَّتْ تُراحُ على أَهلها أَي تُرَدُّ إِليهم وأَهلُها هم
الأَئمة، ويجوز بالعكس وهو أَن الأَئمة يردُّونها إِلى أَهلها من الرعية؛
ومنه حديث عائشة: حتى أَراحَ الحقَّ على أَهله.
ورُحْتُ القومَ رَوْحاً ورَواحاً ورُحْتُ إِليهم: ذهبت إِليهم رَواحاً
أَو رُحْتُ عندهم. وراحَ أَهلَه ورَوَّحَهم وتَرَوَّحَهم: جاءهم
رَواحاً.وفي الحديث: على رَوْحةٍ من المدينة أَي مقدار رَوْحةٍ، وهي المرَّة من
الرَّواح.
والرَّوائح: أَمطار العَشِيّ، واحدتُها رائحة، هذه عن اللحياني. وقال
مرة: أَصابتنا رائحةٌ أَي سَماء.
ويقال: هما يَتَراوحان عَمَلاً أَي يتعاقبانه، ويَرْتَوِحان مثلُه؛
ويقال: هذا الأَمر بيننا رَوَحٌ ورَِوِحٌ وعِوَرٌ إِذا تَراوَحُوه
وتَعاوَرُوه. والمُراوَحَةُ: عَمَلانِ في عَمَل، يعمل ذا مرة وذا مرة؛ قال
لبيد:ووَلَّى عامِداً لَطَياتِ فَلْجٍ،
يُراوِحُ بينَ صَوْنٍ وابْتِذالِ
يعني يَبْتَذِل عَدْوَه مرة ويصون أُخرى أَي يكُفُّ بعد اجتهاد.
والرَّوَّاحةُ: القطيعُ
(* قوله «والرواحة القطيع إلخ» كذا بالأصل بهذا
الضبط.) من الغنم.
ورَواحَ الرجلُ بين جنبيه إِذا تقلب من جَنْب إِلى جَنْب؛ أَنشد يعقوب:
إِذا اجْلَخَدَّ لم يَكَدْ يُراوِحُ،
هِلْباجةٌ حَفَيْسَأٌ دُحادِحُ
وراوَحَ بين رجليه إِذا قام على إِحداهما مرَّة وعلى الأَخرى مرة. وفي
الحديث: أَنه كان يُراوِحُ بين قدميه من طول القيام أَي يعتمد على
إِحداهما مرة وعلى الأُخرى مرة ليُوصِلَ الراحةَ إِلى كلٍّ منهما؛ ومنه حديث ابن
مسعود: أَنه أَبْصَرَ رجلاً صافًّا قدميه، فقال: لو راوَحَ كان أَفضلَ؛
ومنه حديث بكر بن عبد الله: كان ثابتٌ يُراوِحُ بين جَبْهَتِه وقَدَمَيه
أَي قائماً وساجداً، يعني في الصلاة؛ ويقال: إِن يديه لتَتراوَحانِ
بالمعروف؛ وفي التهذيب: لتَتَراحانِ بالمعروف.
وناقة مُراوِحٌ: تَبْرُكُ من وراء الإِبل؛ الأَزهري: ويقال للناقة التي
تبركُ وراءَ الإِبلِ: مُراوِحٌ ومُكانِفٌ، قال: كذلك فسره ابن الأَعرابي
في النوادر.
والرَّيِّحةُ من العضاه والنَّصِيِّ والعِمْقَى والعَلْقى والخِلْبِ
والرُّخامَى: أَن يَظْهَر النبتُ في أُصوله التي بقيت من عامِ أَوَّلَ؛
وقيل: هو ما نبت إِذا مسَّه البَرْدُ من غير مطر، وحكى كراع فيه الرِّيحة على
مثال فِعْلَة، ولم يَلْحك مَنْ سِواه إِلاَّ رَيِّحة على مِثال فَيِّحة.
التهذيب: الرَّيِّحة نبات يَخْضَرُّ بعدما يَبِسَ ورَقُه وأَعالي
أَغصانه.
وتَرَوَّحَ الشجرُ وراحَ يَراحُ: تَفَطَّرَ بالوَرَقِ قبل الشتاء من غير
مطر، وقال الأَصمعي: وذلك حين يَبْرُدُ الليل فيتفطر بالورق من غير مطر؛
وقيل: تَرَوَّحَ الشجر إِذا تَفَطَّرَ بوَرَقٍ بعد إِدبار الصيف؛ قال
الراعي:
وخالَفَ المجدَ أَقوامٌ، لهم وَرَقٌ
راحَ العِضاهُ به، والعِرْقُ مَدْخولُ
وروى الأَصمعي:
وخادَعَ المجدُ أَقواماً لهم وَرِقٌ
أَي مال. وخادَعَ: تَرَكَ، قال: ورواه أَبو عمرو: وخادَعَ الحمدَ أَقوام
أَي تركوا الحمد أَي ليسوا من أَهله، قال: وهذه هي الرواية الصحيحة. قال
الأَزهري: والرَّيِّحة التي ذكرها الليث هي هذه الشجرة التي تَتَرَوَّحُ
وتَراحُ إِذا بَرَدَ عليها الليلُ فتتفطرُ بالورق من غير مطر، قال: سمعت
العرب تسمِّيها الرَّيِّحة. وتَرَوُّحُ الشجر: تَفَطُّره وخُروجُ ورقه
إِذا أَوْرَق النبتُ في استقبال الشتاء، قال: وراحَ الشجر يَراحُ إِذا
تفطر بالنبات. وتَرَوَّحَ النبتُ والشجر: طال. وتَرَوَّحَ الماءُ إِذا أَخذ
رِيحَ غيره لقربه منه.وتَرَوَّحَ بالمِرْوَحةِ وتَرَوَّحَ أَي راحَ من
الرَّواحِ. والرَّوَحُ، بالتحريك: السَّعَةُ؛ قال المتنخل الهُذَليّ:
لكنْ كبيرُ بنُ هِنْدٍ، يومَ ذَلِكُمُ،
فُتْحُ الشَّمائل، في أَيْمانِهِم رَوَحْ
وكبير بن هند: حيٌّ من هذيل. والفتخ: جمع أَفْتَخَ، وهو اللَّيِّنُ
مَفْصِلِ اليدِ؛ يريد أَن شمائلهم تَنْفَتِخُ لشدَّة النَّزْعِ، وكذلك قوله:
في أَيمانهم رَوَح؛ وهو السَّعَة لشدَّة ضربها بالسيف، وبعده:
تَعْلُو السُّيوفُ بأَيْدِيهِم جَماجِمَهُم،
كما يُفَلَّقُ مَرْوُ الأَمْعَز الصَّرَحُ
والرَّوَحُ: اتساعُ ما بين الفخذين أَو سَعَةٌ في الرجلين، وهو دون
الفَحَج، إِلاَّ أَن الأَرْوح تتباعَدُ صدورُ قدميه وتَتَدانى عَقِباه.
وكل نعامة رَوْحاء؛ قال أَبو ذؤيب:
وزَفَّتِ الشَّوْلُ من بَرْدِ العَشِيِّ، كما
زَفَّ النَّعامُ إِلى حَفَّانِه الرُّوحِ
وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه كان أَرْوَحَ كأَنه راكبٌ والناس
يمشونَ؛ الأَروَحُ: الذي تتدانى عَقِباه ويتباعد صدرا قدميه؛ ومنه الحديث:
لكأَنِّي أَنْظُرُ إِلى كِنانةَ بن عبدِ يالِيلَ قد أَقبلَ يضرِبُ دِرْعُه
رَوْحَتَيْ رجليه.
والرَّوَحُ: انقلابُ القَدَمِ على وَحْشِيِّها؛ وقيل: هو انبساط في صدر
القدم.
ورجل أَرْوَحٌ، وقد رَوِحَتْ قَدَمُه رَوَحاً، وهي رَوْحاءُ. ابن
الأَعرابي: في رجله رَوَحٌ ثم فَدَحٌ ثم عَقَلٌ، وهو أَشدّها؛ قال الليث:
الأَرْوَحُ الذي في صدر قدميه انبساط، يقولون: رَوِحَ الرجلُ يَرْوَحُ
رَوَحاً. وقصعة رَوْحاءُ: قريبة القَعْر، وإِناءٌ أَرْوَحُ. وفي الحديث: أَنه
أُتيَ بقدحٍ أَرْوَحَ أَي مُتَّسع مبطوح.
واسْتراحَ إِليه أَي اسْتَنامَ، وفي الصحاح: واسْتَرْوَحَ إِليه أَي
استنام. والمُسْتَراحُ: المَخْرَجُ. والرَّيْحانُ: نبت معروف؛ وقول
العجاج:عالَيْتُ أَنْساعِي وجَلْبَ الكُورِ،
على سَراةِ رائحٍ مَمْطُورِ
يريد بالرائِح: الثورَ الوحشي، وهو إِذا مُطِرَ اشتدَّ عَدْوُه.
وذو الراحة: سيف كان للمختار بن أَبي عُبَيْد. وقال ابن الأَعرابي قي
قوله دَلَكَتْ بِراحِ، قال: معناه استُريح منها؛ وقال في قوله:
مُعاوِيَ، من ذا تَجْعَلُونَ مَكانَنا،
إِذا دَلَكَتْ شمسُ النهارِ بِراحِ
يقول: إِذا أَظلم النهار واسْتُريحَ من حرّها، يعني الشمس، لما غشيها من
غَبَرة الحرب فكأَنها غاربة؛ كقوله:
تَبْدُو كَواكِبُه، والشمسُ طالعةٌ،
لا النُّورُ نُورٌ، ولا الإِظْلامُ إِظْلامُ
وقيل: دَلَكَتْ براح أَي غَرَبَتْ، والناظرُ إِليها قد تَوَقَّى
شُعاعَها براحته.
وبنو رَواحةَ: بطنٌ.
ورِياحٌ: حَيٌّ من يَرْبُوعٍ. ورَوْحانُ: موضع. وقد سَمَّتْ رَوْحاً
ورَواحاً. والرَّوْحاءُ: موضع، والنسب إِليه رَوْحانيٌّ، على غير قياس:
الجوهري: ورَوْحاء، ممدود، بلد.
وهم: الوَهْمُ: من خَطَراتِ القلب، والجمع أَوْهامٌ، وللقلب وَهْمٌ.
وتَوَهَّمَ الشيءَ: تخيَّله وتمثَّلَه، كان في الوجود أَو لم يكن. وقال:
تَوهَّمْتُ الشيءَ وتفَرَّسْتُه وتَوسَّمْتُه وتَبَيَّنْتُه بمعنى واحد؛
قال زهير في معنى التوَهُّم:
فَلأْياً عَرَفْتُ الدار بعدَ تَوهُّمِ
(* صدر البيت:
وقَفْتُ بها من بعدِ عشرين حِجَّةً).
والله عز وجل لا تُدْرِكُه أَوْهامُ العِبادِ. ويقال: تَوَهَّمْت فيَّ
كذا وكذا. وأَوْهَمْت الشيء إذا أَغفَلْته. ويقال: وَهِمْتُ في كذا وكذا
أي غلِطْتُ. ثعلب: وأَوْهَمْتُ الشيءَ تركتُه كلَّه أُوهِمُ. وفي حديث
النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه صلَّى فأَوْهَم في صلاتِه، فقيل: كأَنك
أَوْهَمْت في صلاتِك، فقال: كيف لا أُوهِمُ ورُفغُ أَحدِكم بين ظُفُره
وأَنْمُلَتِه؟ أي أَسقَط من صلاته شيئاً. الأَصمعي: أَوْهَمَ إذا أَسقَط،
وَوَهِمَ إذا غَلِط. وفي الحديث: أنه سجَد للوَهَمِ وهو جالس أي للغلط.
وأَورد ابنُ الأَثير بعضَ هذا الحديث أَيضاً فقال: قيل له كأَنك وَهِمْتَ،
قال: وكيف لا أَيهَمُ؟ قال: هذا على لغة بعضهم، الأَصلُ أَوْهَمُ بالفتح
والواوِ، فكُسِرت الهمزةُ لأَنَّ قوماً من العرب يكسِرون مُسْتقبَل فَعِل
فيقولون إعْلَمُ وتِعْلَم، فلما كسر همزة أوْهَمُ انقلبت الواوُ ياءً.
ووَهَمَ إليه يَهِمُ وَهْماً: ذَهب وهْمُه إليه. ووَهَمَ في الصلاة وَهْماً
ووهِِمَ، كلاهما: سَهَا. ووَهِمْتُ في الصلاة: سَهَوْتُ فأَنا أَوْهَمُ.
الفراء: أَوْهَمْتُ شيئاً ووَهَمْتُه، فإذا ذهب وَهْمُك إلى الشيء قلت
وَهَمْت إلى كذا وكذا أَهِمُ وَهْماً. وفي الحديث: أَنه وَهَم في تزويج
ميمونةَ أي ذهَب وَهْمُه. ووَهَمْت إلى الشيءِ إذا ذهب قلبُك إليه وأَنت تريد
غيرَهُ أَهِمُ وَهْماً. الجوهري: وَهَمْتُ في الشيء، بالفتح، أَهِمُ
وَهْماً إذا ذهَبَ وَهْمُك إليه وأَنت تريد غيره، وتوَهَّمْتُ أي ظننت،
وأَوْهَمْتُ غيري إيهاماً، والتَّوْهِيمُ مثلُه؛ وأَنشد ابن بري لحُميد
الأَرْقط يصف صَقْراً:
بَعِيد توْهِيم الوِقاع والنَّظَرْ
وَوَهِمَ، بكسر الهاء: غَلِط وسَها. وأَوْهَم من الحساب كذال: أَسقط،
وكذلك في الكلام والكتاب. وقال ابن الأَعرابي: أَوْهَم ووَهِمَ ووَهَمَ
سواء؛ وأَنشد:
فإن أَخْطَأْتُ أَو أَوْهَمْتُ شيئاً،
فقد يَهِمُ المُصافي الحَبيبِ
قوله شيئاً منصوب على المصدر؛ وقال الزِّبْرِقان بن بَدْر:
فبِتِلك أَقْضي الهَمَّ إذ وَهِمَتْ به
نَفْسي، ولستُ بِنَأْنإٍ عَوّارِ
شمر: أَوْهَمَ ووَهِمَ وَوَهَمَ بمعنى، قال: ولا أَرى الصحيح إلاَّ هذا.
الجوهري: أَوْهَمْتُ الشيءَ إذا تركته كلَّه. يقال: أَوْهَمَ من الحساب
مائةً أي أَسقَط، وأَوْهَمَ من صلاته ركعةً، وقال أبو عبيد: أَوْهَمْتُ
أَسقطتُ من الحساب شيئاً، فلم يُعَدِّ أَوْهَمْتُ. وأَوْهَم الرجلُ في
كتابه وكلامه إذا أَسقَط.
ووَهِمْتُ في الحساب وغيره أَوْهَم وَهَماً إذا غَلِطت فيه وسَهَوْت.
ويقال: لا وَهْمَ من كذا أي لا بُدَّ منه.
والتُّهَمةُ: أصلها الوُهَمةُ من الوَهْم، ويقال اتَّهَمْتُه افتِعال
منه. يقال: اتَّهَمْتُ فلاناً، على بناء افتعَلْت، أي أَدخلتُ عليه
التُّهَمة. الجوهري: اتَّهَمْتُ فلاناً بكذا، والاسم التُّهَمةُ، بالتحريك،
وأَصل التاء فيه واوٌ على ما ذكر في وَكلَ. ابن سيده: التُّهَمةُ الظنُّ،
تاؤه مبدلةٌ من واوٍ كما أبدلوها في تُخَمةٍ؛ سيبويه: الجمع تُهَمٌ، واستدل
على أَنه جمع مكسر بقول العرب: هي التُّهَمُ، ولم يقولوا هو التُّهمُ،
كما قالوا هو الرُّطَبُ، حيث لم يجعلوا الرُّطَبَ تكسيراً، إنما هو من باب
شَعيرة وشَعير. واتَّهَمَ الرجلَ وأَتْهَمه وأَوْهَمَه: أَدخلَ عليه
التُّهمةَ أي ما يُتَّهَم عليه، واتَّهَم هو، فهو مُتَّهمٌ وتَهيمٌ؛ وأَنشد
أَبو يعقوب:
هُما سَقياني السُّمَّ من غيرِ بِغضةٍ،
على غيرِ جُرْمٍ في إناءِ تَهِيمِ
وأَتْهَم الرجُل، على أَفْعَل، إذا صارت به الرِّيبةُ. أبو زيد: يقال
للرجل إذا اتَّهَمْتَه: أَتْهَمْتُ إتْهاماً، مثل أَدْوَأْتُ إدْواءً. وفي
الحديث: أَنه حُبس في تُهْمةٍ؛ التُّهْمةُ: فُعْلةٌ من الوَهْم، والتاء
بدل من الواو وقد تفتح الهاء. واتَّهَمْتُه: ظننتُ فيه ما نُسب إليه.
والوَهْمُ: الطريق الواسع، وقال الليث: الوَهْمُ الطريقُ الواضح الذي
يَرِدُ المَوارِدَ ويَصْدُرُ المَصادِرَ؛ قال لبيد يصف بعيرهَ وبعيرَ
صاحبه:ثم أَصْدَرْناهُما في واردٍ
صادرٍ، وَهْمٍ صُواهُ، كالمُثُلْ
أَراد بالوَهْمِ طريقاً واسعاً؛ قال ذو الرمة يصف ناقته:
كأَنها جَمَلٌ وَهْمٌ، وما بَقِيتْ
إِلاَّ النَّحيرةُ والأَلْواحُ والعَصَبُ
أَراد بالوَهْم جملاً ضَخْماً، والأُنثى وَهْمةٌ؛ قال الكميت:
يَجْتابُ أَرْدِيَةَ السَّرابِ، وتارةً
قُمُصَ الظّلامِ، بوَهْمةٍ شِمْلالِ
والوَهْم: العظيمُ من الرجال والجمالِ، وقيل: هو من الإِبل الذَّلولُ
المُنْقادُ مع ضِخَمٍ وقوّةٍ، والجمع أَوهامٌ ووُهومٌ ووُهُمٌ. وقال الليث:
الوَهْمُ الجملُ الضخم الذَّلُولُ.
رقد: الرُّقاد: النَّوْم. والرَّقْدَة: النومة. وفي التهذيب عن الليث:
الرُّقود النوم بالليل، والرُّقادُ: النوم بالنهار؛ قال الأَزهري:
الرُّقاد والرُّقُود يكون بالليل والنهار عند العرب؛ ومنه قوله تعالى: قالوا يا
ويلنا من بعثنا من مَرْقدِنا؛ هذا قول الكفار إِذا بعثوا يوم القيامة
وانقطع الكلام عند قوله من مرقدنا، ثم قالت لهم الملائكة: هذا ما وعَد
الرحمنُ، ويجوز أَن يكون هذا من صفة المَرْقَد، وتقول الملائكة: حق ما وعَد
الرحمن؛ ويحتمل أَن يكون المَرْقَد مصدراً، ويحتمل أَن يكون موضعاً وهو
القبر، والنوم أَخو الموت.
ورَقَدَ يَرْقُدُ رَقْداً ورُقُوداً ورُقاداً: نام. وقوم رُقُود أَي
رُقَّد. والمَرْقَد، بالفتح: المضجع. وأَرْقَدَهُ: أَنامه. والرَّقُود
والمِرْقِدَّى: الدائم الرُّقاد؛ أَنشد ثعلب:
ولقد رَقَيْتَ كِلابَ أَهلِكَ بالرُّقَى،
حتى تَرَكْتَ عَقُورَهُنَّ رَقُودا
ورجل مِرْقِدَّى مثل مِرْعِزَّى أَي يَرْقَدُّ في أُموره.
والمُرْقِدُ: شيء يُشرب فينوِّم مَن شربه ويُرْقِدُه.
والرَّقْدَة: هَمْدة ما بين الدنيا والآخرة. ورَقَدَ الحَرُّ: سكن.
والرَّقْدَة: أَن يصيبك الحرّ بعد أَيام ريح وانكسار من الوَهَج.
ورَقَدَ الثوبُ رَقْداً ورُقاداً: أَخلق. وحكى الفارسي عن ثعلب:
رَقَدَتِ السوقُ كَسَدت، وهو كقولهم في هذا المعنى نامت. وأَرْقَد بالمكان:
أَقام به. ابن الأَعرابي: أَرْقَدَ الرجل بأَرض كذا إِرْقاداً إِذا أَقام
بها. والارقِدادُ والارْمِدادُ: السير، وكذلك الإِغْذاذُ. ابن سيده:
الارقداد سرعة السير؛ تقول منه: ارْقَدَّ ارْقِداداً أَي أَسرع؛ وقيل: الارقداد
عدو الناقِزِ كأَنه نَفَرَ من شيء فهو يَرْقَدُّ. يقال: أَتيتك
مُرْقَدّاً؛ وقيل: هو أَن يذهب على وجهه؛ قال العجاج يصف ثوراً:
فظلَّ يَرْقَدُّ من النَّشاط،
كالبَرْبَريّ لَجَّ في انخِراط
وقول ذي الرمة يصف ظليماً:
يَرْقَدُّ في ظِلِّ عَرَّاصٍ، ويَتْبَعُه
حَفِيفُ نافجَة، عُثْنُونها حَصِب
يرقدّ: يسرع في عدوه؛ قال ابن سيده: وروي عن الأَصمعي المُرْقِدُ مخفف،
قال: ولا أَدري كيف هو.
والراقُودُ: دَنٌّ طويل الأَسفل كهيئة الإِرْدَبَّة يُسَيَّع داخله
بالقار، والجمع الرواقيد معرَّب، وقال ابن دريد: لا أَحسبه عربيّاً. وفي حديث
عائشة: لا يشرب في راقود ولا جرَّة؛ الراقُود: إِناءُ خزف مستطيل
مقيَّر، والنهي عنه كالنهي عن الشرب في الحناتم والجرار المقيرة.
ورُقاد والرُّقاد: اسم رجل؛ قال:
أَلا قُلْ للأَمير: جُزِيتَ خيراً
أَجِرْنا من عُبَيدةَ والرُّقادِ
ورَقْد: موضع، وقيل: واد في بلاد قيس، وقيل: جبل وراء إِمَّرَةَ في بلاد
بني أَسد؛ قال ابن مقبل:
وأَظْهَرَ في عِلانِ رَقْدٍ، وسَيْلُه
عَلاجِيمُ، لا ضَحْلٌ ولا مُتَضَحْضِحُ
وقيل: هو جبل تنحت منه الأَرْحِية؛ قال ذو الرمة يصف كِرْكِرَة البعير
ومَنْسِمَه:
تَفُضُّ الحَصَى عن مُجْمِرات وَقِيعِه،
كَأَرْحاءِ رَقْدٍ، زَلَّمَتْها المَناقِرُ
قال ابن بري: إِنما وصف ذو الرمة مناسم الإِبل لا كركرة البعير كما ذكر
الجوهري. وتَفُضُّ: تفرّق أَي تفرق الحصى عن مناسمها. والمجمرات:
المجتمعات الشديدات. وزَلَّمَتها المناقر: أَخَذت من حافاتها. والرُّقادُ: بطن
من جَعْدة؛ قال:
مُحافَظَةً على حَسَبي، وأَرْعَى
مَساعِي آلِ ورْدٍ والرُّقاد
شرر: الشَّرُّ: السُّوءُ والفعل للرجل الشِّرِّيرِ، والمصدر
الشَّرَارَةُ، والفعل شَرَّ يَشُِرُّ. وقوم أَشْرَارٌ: ضد الأَخيار. ابن سيده:
الشَّرُّ ضدّ الخير، وجمعه شُرُورٌ، والشُّرُّ لغة فيه؛ عن كراع. وفي حديث
الدعاء: والخيرُ كُلُّه بيديك والشَّرُّ ليس إِليك؛ أَي أَن الشر لا يُتقرّب
به إِليك ولا يُبْتَغَى به وَجْهُكَ، أَو أَن الشر لا يصعد إِليك وإِنما
يصعد إِليك الطيب من القول والعمل، وهذا الكلام إِرشاد إِلى استعمال
الأَدب في الثناء على الله، تعالى وتقدس، وأَن تضاف إِليه، عز وعلا، محاسن
الأَشياء دون مساوئها، وليس المقصود نفي شيء عن قدرته وإِثباته لها، فإِن
هذا في الدعاء مندوب إِليه، يقال: يا رب السماء والأَرض، ولا يقال: يا رب
الكلاب والخنازير وإِن كان هو ربها؛ ومنه قوله تعالى: ولله الأَسماء
الحسنى فادعوه بها. وقد شَرَّ يَشِرُّ ويَشُرُّ شَرّاً وشَرَارَةً، وحكى
بعضهم: شَرُرْتُ بضم العين. ورجل شَرِيرٌ وشِرِّيرٌ من أَشْرَارٍ
وشِرِّيرِينَ، وهو شَرٌّ منك، ولا يقال أَشَرُّ، حذفوه لكثرة استعمالهم إِياه، وقد
حكاه بعضهم. ويقال: هو شَرُّهُم وهي شَرُّهُنَّ ولا يقال هو أَشرهم.
وشَرَّ إِنساناً يَشُرُّه إِذا عابه. اليزيدي: شَرَّرَنِي في الناس وشَهَّرني
فيهم بمعنى واحد، وهو شَرُّ الناس؛ وفلان شَرُّ الثلاثة وشَرُّ الاثنين.
وفي الحديث: وَلَدُ الزنا شَرُّ الثلاثة؛ قيل: هذا جاء في رجل بعينه كان
موسوماً بالشَّرّ، وقيل: هو عامٌّ وإِنما صار ولد الزنا شَرّاً من
والديه لأَنه شَرُّهم أَصلاً ونسباً وولادة، لأَنه خلق من ماء الزاني
والزانية، وهو ماء خبيث، وقيل: لأَن الحدّ يقام عليهما فيكون تمحيصاً لهما وهذا
لا يدرى ما يفعل به في ذنوبه. قال الجوهري: ولا يقال أَشَرُّ الناس إِلا
في لغة رديئة؛ ومنه قول امرأَة من العرب: أُعيذك بالله من نَفْسٍ حَرَّى
وعَيْنٍ شُرَّى أَي خبيثة من الشر، أَخرجته على فُعْلَى مثل أَصغر
وصُغْرَى؛ وقوم أَشْرَارٌ وأَشِرَّاءٌ. وقال يونس: واحدُ الأَشْرَارِ رَجُلٌ
شَرٌّ مثل زَنْدٍ وأَزْنَادٍ، قال الأَخفش: واحدها شَرِيرٌ، وهو الرجل ذو
الشَّرِّ مثل يتيم وأَيتام. ورجل شِرِّيرٌ، مثال فِسِّيقٍ، أَي كثير
الشَّرِّ. وشَرَّ يَشُِرُّ إِذا زاد شَرُّهُ. يقال: شَرُرْتَ يا رجل وشَرِرْتَ،
لغتان، شَرّاً وشَرَراً وشَرارَةً. وأَشررتُ الرجلَ: نسبته إِلى الشَّر،
وبعضهم ينكره؛ قال طرفة:
فما زال شُرْبِي الرَّاحَ حتى أَشَرَّنِي
صَدِيقِي، وحتى سَاءَنِي بَعْضُ ذلِكا
فأَما ما أَنشده ابن الأَعرابي من قوله:
إِذا أَحْسَنَ ابنُ العَمّ بَعْدَ إِساءَةٍ،
فَلَسْتُ لِشَرّي فِعْلَهِ بحَمُول.
إِنما أَراد لِشَرّ فِعْلِهِ فقلب.
وهي شَرَّة وشُرَّى: يذهب بهما إِلى المفاضلة؛ وقال كراع: الشُّرَّى
أُنثى الشَّر الذي هو الأَشَرُّ في التقدير كالفُضْلَى الذي هو تأْنيث
الأَفضل، وقد شَارَّهُ. ويقال: شَارَّاهُ وشَارَّهُ، وفلان يُشَارُّ فلاناً
ويُمَارُّهُ ويُزَارُّهُ أَي يُعاديه. والمُشَارَّةُ: المخاصمة. وفي
الحديث: لا تُشَارِّ أَخاك؛ هو تُفَاعِل من الشر، أَي لا تفعل به شرّاً فتحوجه
إِلى أَن يفعل بك مثله، ويروى بالتخفيف؛ ومنه حديث أَبي الأَسود: ما
فَعَلَ الذي كانت امرأَته تُشَارُه وتُمارُه. أَبو زيد: يقال في مثل: كلَّمَا
تَكْبَرُ تَشِرّ. ابن شميل: من أَمثالهم: شُرَّاهُنَّ مُرَّاهُنَّ. وقد
أَشَرَّ بنو فلان فلاناً أَي طردوه وأَوحدوه.
والشِّرَّةُ: النَّشاط. وفي الحديث: إِن لهذا القرآن شِرَّةً ثم إِن
للناس عنه فَتْرَةً؛ الشِّرَّةُ: النشاط والرغبة؛ ومنه الحديث الآخر: لكل
عابد شِرَّةٌ. وشِرَّةُ الشباب: حِرْصُه ونَشاطه. والشِّرَّةُ؛ مصدر
لِشَرَّ.
والشُّرُّ، بالضم: العيب. حكى ابن الأَعرابي: قد قبلتُ عطيتك ثم رددتها
عليك من غير شُرِّكَ ولا ضُرِّكَ، ثم فسره فقال: أَي من غير ردّ عليك ولا
عيب لك ولا نَقْصٍ ولا إِزْرَاءٍ. وحكى يعقوب: ما قلت ذلك لشُرِّكَ
وإِنما قلته لغير شُرِّكَ أَي ما قلته لشيء تكرهه وإِنما قلته لغير شيء
تكرهه، وفي الصحاح: إِنما قلته لغير عيبك. ويقال: ما رددت هذا عليك من شُرٍّ
به أَي من عيب ولكني آثرتك به؛ وأَنشد:
عَيْنُ الدَّلِيلِ البُرْتِ من ذي شُرِّهِ
أَي من ذي عيبه أَي من عيب الدليل لأَنه ليس يحسن أَن يسير فيه
حَيْرَةً.وعينٌ شُرَّى إِذا نظرت إِليك بالبَغْضَاء. وحكي عن امرأَة من بني عامر
في رُقْيَةٍ: أَرْقيك بالله من نفس حَرَّى وعَين شُرَّى؛ أَبو عمرو:
الشُّرَّى: العَيَّانَةُ من النساء.
والشَّرَرُ: ما تطاير من النار. وفي التنزيل العزيز: إِنها ترمي
بِشَرَرٍ كالقَصْرِ؛ واحدته شَرَرَةٌ وهو الشَّرَارُ واحدته شَرَارَةٌ؛ وقال
الشاعر:
أَوْ كَشَرَارِ الْعَلاَةِ يَضْرِبُها الْـ
ـقَيْنُ، عَلَى كُلِّ وَجْهِهِ تَثِبُ
وشَرَّ اللحْمَ والأَقِطَ والثوبَ ونحوَها يَشُرُّه شَرّاً وأَشَرَّه
وشَرَّرَهُ وشَرَّاهُ على تحويل التضعيف: وضعه على خَصفَةٍ أَو غيرها
ليَجِفَّ؛ قال ثعلب وأَنشد بعض الرواة للراعي:
فأَصْبَحَ يَسْتافُ البِلادَ، كَأَنَّهُ
مُشَرَّى بأَطرافِ البُيوتِ قَديدُها
قال ابن سيده: وليس هذا البيت للراعي إِنما هو للحَلال ابن عمه.
والإِشْرَارةُ: ما يبسط عليه الأَقط وغيره، والجمع الأَشارِيرُ. والشَّرُّ:
بَسْطُك الشيء في الشمس من الثياب وغيره؛ قال الراجز:
ثَوْبٌ على قامَةٍ سَحْلٌ، تَعَاوَرَهُ
أَيْدِي الغَوَاسِلِ، للأَرْوَاحِ مَشْرُورُ
وشَرَّرْتُ الثوبَ واللحم وأَشْرَرْتُ؛ وشَرَّ شيئاً يَشُرُّه إِذا بسطه
ليجف. أَبو عمرو: الشِّرَارُ صفائح بيض يجفف عليها الكَرِيصُ وشَرَّرْتُ
الثوب: بسطته في الشمس، وكذلك التَّشْرِيرُ. وشَرَّرْتُ الأَقِطَ
أَشُرُّهُ شَرّاً إِذا جعلته على خَصِفَةٍ ليجف، وكذلك اللحم والملح ونحوه.
والأَشَارِيرُ: قِطَع قَدِيد. والإِشْرَارَةُ: القَدِيدُ المَشْرُورُ
والإشْرَارَةُ: الخَصَفَةُ التي يُشَرُّ عليها الأَقِطُ، وقيل: هي شُقَّة من
شُقَقِ البيت يُشَرَّرُ عليها؛ وقول أَبي كاهل اليَشْكُرِيِّ:
لها أَشارِيرُ مِنْ لَحْمٍ تُتَمِّرُهُ،
من الثَّعالِي، وَوَخْزٌ منْ أَرَانِيها
قال: يجوز أَن يعني به الإِشْرَارَة من القَديد، وأَن يعني به الخَصَفَة
أَو الشُّقَّة. وأَرانيها أَي الأَرانب. والوَخْزُ: الخَطِيئَةُ بعد
الخَطيئَة والشيءُ بعد الشيء أَي معدودة؛ وقال الكميت:
كأَنَّ الرَّذاذَ الضَّحْكَ، حَوْلَ كِناسِهِ،
أَشارِيرُ مِلْحٍ يَتَّبِعْنَ الرَّوامِسا
ابن الأَعرابي: الإِشْرَارَةُ صَفِيحَةٌ يُجَفَّفُ عليها القديد، وجمعها
الأَشارِيرُ وكذلك قال الليث: قال الأَزهري: الإِشْرَارُ ما يُبْسَطُ
عليه الشيء ليجف فصح به أَنه يكون ما يُشَرَّرُ من أَقِطٍ وغيره ويكون ما
يُشَرَّرُ عليه. والأَشارِيرُ: جمع إِشْرارَةٍ، وهي اللحم المجفف.
والإِشْرارة: القِطْعة العظيمة من الإِبل لانتشارها وانبثاثها. وقد اسْتَشَرَّ
إِذا صار ذا إِشرارة من إِبل، قال:
الجَدْبُ يَقْطَعُ عَنْكَ غَرْبَ لِسانِهِ،
فإِذا اسْتَشَرَّ رَأَيتَهُ بَرْبَارا
قال ابن بري: قال ثعلب اجتمعت مع ابن سَعْدانَ الراوية فقال لي:
أَسأَلك؟ فقلت: نعم، فقال: ما معنى قول الشاعر؟ وذكر هذا البيت، فقلت له: المعنى
أَن الجدب يفقره ويميت إِبله فيقل كلامه ويذل؛ والغرب: حِدَّة اللسان.
وغَرْبُ كل شيء: حدّته. وقوله: وإِذا استشر أَي صارت له إِشْرَارَةٌ من
الإِبل، وهي القطعة العظيمة منها، صار بَرْباراً وكثر كلامه. وأَشَرَّ
الشيءَ: أَظهره؛ قال كَعْبُ بن جُعَيْلٍ، وقيل: إِنه للحُصَيْنِ بن الحمام
المُرِّيِّ يَذكُرُ يوم صِفِّين:
فما بَرِحُوا حَتَّى رأَى اللهُ صَبْرَهُمْ،
وحَتَّى أُشِرَّتْ بالأَكُفِّ المصاحِفُ
أَي نُشِرَتْ وأُظهرت؛ قال الجوهري والأَصمعي: يروى قول امرئ القيس:
تَجَاوَزْتُ أَحْراساً إِليها ومَعْشَراً
عَلَيَّ حِراصاً، لو يُشِرُّونَ مَقْتَلِي
(* في معلقة امرئ القيس: لو يُسِرّون).
على هذا قال، وهو بالسين أَجود.
وشَرِيرُ البحر: ساحله، مخفف؛ عن كراع. وقال أَبو حنيفة: الشَّرِيرُ مثل
العَيْقَةِ، يعني بالعيقة ساحلَ البحر وناحيته؛ وأَنشد للجَعْدِي:
فَلا زَالَ يَسْقِيها، ويَسْقِي بلادَها
من المُزْنِ رَجَّافٌ، يَسُوقُ القَوارِيَا
يُسَقِّي شَرِيرَ البحرِ حَوْلاً، تَرُدُّهُ
حَلائبُ قُرْحٌ، ثم أَصْبَحَ غَادِيَا
والشَّرَّانُ على تقدير فَعْلانَ: دَوابُّ مثل البعوض، واحدتها
شَرَّانَةٌ، لغة لأَهل السواد؛ وفي التهذيب: هو من كلام أَهل السواد، وهو شيء
تسميه العرب الأَذى شبه البعوض، يغشى وجه الإِنسان ولا يَعَضُّ.
والشَّرَاشِرُ: النَّفْسُ والمَحَبَّةُ جميعاً. وقال كراع: هي محبة النفس، وقيل: هو
جميع الجسد، وأَلقى عليه شَرَاشِرَهُ، وهو أَن يحبه حتى يستهلك في حبه؛
وقال اللحياني: هو هواه الذي لا يريد أَن يدعه من حاجته؛ قال ذو الرمة:
وكائِنْ تَرى مِنْ رَشْدةٍ في كَرِيهَةٍ،
ومِنْ غَيَّةٍ تُلْقَى عليها الشَّراشِرُ
قال ابن بري: يريد كم ترى من مصيب في اعتقاده ورأْيه، وكم ترى من مخطئ
في أَفعاله وهو جادّ مجتهد في فعل ما لا ينبغي أَن يفعل، يُلْقِي
شَرَاشِرَهُ على مقابح الأُمور وينهَمِك في الاستكثار منها؛ وقال الآخر:
وتُلْقَى عَلَيْهِ، كُلَّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ،
شَرَاشِرُ مِنْ حَيَّيْ نِزَارٍ وأَلْبُبُ
الأَلْبُبُ: عروق متصلة بالقلب. يقال: أَلقى عليه بنات أَلْبُبه إِذا
أَحبه؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
وما يَدْرِي الحَرِيصُ عَلامَ يُلْقي
شَرَاشِرَهُ، أَيُخْطِئُ أَم يُصِيبُ؟
والشَّرَاشِرُ: الأَثقال، الواحدةُ شُرْشُرَةٌ
(* قوله: «الواحدة شرشرة»
بضم المعجمتين كما في القاموس، وضبطه الشهاب في العناية بفتحهما). يقال:
أَلقى عليه شراشره أَي نفسه حرصاً ومحبة، وقيل: أَلقى عليه شَراشره أَي
أَثقاله.
وشَرْشَرَ الشيءَ: قَطَّعَهُ، وكل قطعة منه شِرْشِرَةٌ. وفي حديث
الرؤيا: فَيُشَرْشِرُ بِشِدْقِهِ إِلى قَفاه؛ قال أَبو عبيد: يعني يُقَطِّعُهُ
ويُشَقِّقُهُ؛ قال أَبو زبيد يصف الأَسد:
يَظَلُّ مُغِبّاً عِنْدَهُ مِنْ فَرَائِسٍ،
رُفَاتُ عِظَامٍ، أَو عَرِيضٌ مُشَرشَرُ
وشَرْشَرَةُ الشيء: تَشْقِيقُهُ وتقطيعه. وشَرَاشِرُ الذنَب:
ذَباذِبُهُ. وشَرْشَرَتْهُ الحية: عَضَّتْهُ، وقيل: الشَّرْشَرَةُ أَن تَعَضَّ
الشيء ثم تنفضه. وشَرْشَرَتِ الماشِيَةُ النباتَ: أَكلته؛ أَنشد ابن دريد
لجُبَيْها الأَشْجَعِيِّ:
فَلَوْ أَنَّهَا طافَتْ بِنَبْتٍ مُشَرْشَرٍ،
نَفَى الدِّقَّ عنه جَدْبُه، فَهْوَ كَالحُ
وشَرْشَرَ السِّكِّين واللحم: أَحَدَّهما على حجر. والشُّرْشُور: طائر
صغير مثل العصفور؛ قال الأَصمعي: تسميه أَهل الحجاز الشُّرْشُورَ، وتسميه
الأَعراب البِرْقِشَ، وقيل: هو أَغبر على لطافة الحُمَّرَةِ، وقيل: هو
أَكبر من العصفور قليلاً.
والشَّرْشَرُ: نبت. ويقال: الشَّرْشِرُ، بالكسر. والشَّرْشِرَةُ:
عُشْبَة أَصغر من العَرْفَج، ولها زهرة صفراء وقُضُبٌ وورق ضخام غُبْرٌ،
مَنْبِتُها السَّهْلُ تنبت متفسحة كأَن أَقناءها الحِبالُ طولاً، كَقَيْسِ
الإِنسان قائماً، ولها حب كحب الهَرَاسِ، وجمعها شِرْشِرٌ؛ قال:
تَرَوَّى مِنَ الأَحْدَابِ حَتَّى تَلاحَقَتْ
طَرَائِقُه، واهْتَزَّ بالشِّرْشِرِ المَكْرُ
قال أَبو حنيفة عن أَبي زياد: الشِّرْشِرُ يذهب حِبالاً على الأَرض
طولاً كما يذهب القُطَبُ إِلا أَنه ليس له شوك يؤذي أَحداً؛ الليث في ترجمة
قسر:
وشَِرْشَرٌ وقَسْوَرٌ نَصْرِيُّ
قال الأَزهري: فسره الليث فقال: والشرشر الكلب، والقسور الصياد؛ قال
الأَزهري: أَخطأَ الليث في تفسيره في أَشياء فمنها قوله الشرشر الكلب وإِنما
الشرشر نبت معروف، قال: وقد رأَيته بالبادية تسمن الإِبل عليه
وتَغْزُرُ، وقد ذكره ابن الأَعرابي: من البقول الشَّرْشَرُ. قال: وقيل للأَسدية
أَو لبعض العرب: ما شجرة أَبيك؟ قال: قُطَبٌ وشَرْشَرٌ ووَطْبٌ جَشِرٌ؛
قال: الشِّرْشِرُ خير من الإِسْلِيح والعَرْفَج.
أَبو عمرو: الأَشِرَّةُ واحدها شَرِيرٌ: ما قرب من البحر، وقيل:
الشَّرِيرُ شجر ينبت في البحر، وقيل: الأَشِرَّةُ البحور؛ وقال الكميت:
إِذا هو أَمْسَى في عُبابِ أَشِرَّةٍ،
مُنِيفاً على العَبْرَيْنِ بالماء، أَكْبَدا
وقال الجعدي:
سَقَى بِشَرِيرِ البَحْر حَوْلاً، يَمُدُّهُ
حَلائِبُ قُرْحٌ ثم أَصْبَحَ غادِيا
(* قوله: «سقى بشرير إلخ» الذي تقدم: «تسقي شرير البحر حولاً تردّه»
وهما روايتان كما في شرح القاموس).
وشِوَاءٌ شَرْشَرٌ: يتقاطر دَسَمُه، مثل سَلْسَلٍ. وفي الحديث: لا يأْتي
عليكم عام إِلاَّ والذي بعده شَرٌّ منه. قال ابن الأَثير: سئل الحسن عنه
فقيل: ما بال زمان عمر بن عبد العزيز بعد زمان الحجاج؟ فقال: لا بد
للناس من تنفيس، يعني أَن الله تعالى ينفس عن عباده وقتاً ما ويكشف البلاء
عنهم حيناً. وفي حديث الحجاج: لها كِظَّةٌ تَشْتَرُّ؛ قال ابن الأَثير:
يقال اشْتَرَّ البعير كاجْتَرَّ، وهي الجِرَّةُ لما يخرجه البعير من جوفه
إِلى فمه يمضغه ثم يبتلعه، والجيم والشين من مخرج واحد.
وشُرَاشِرٌ وشُرَيْشِرٌ وشَرْشَرَةُ: أَسماء. والشُّرَيْرُ: موضع، هو من
الجار على سبعة أَميال؛ قال كثير عزة:
دِيارٌ بَأَعْنَاءٍ الشُّرَيْرِ، كَأَنَّمَا
عَلَيْهِنَّ في أَكْنافِ عَيْقَةَ شِيدُ
شرك: الشِّرْكَةُ والشَّرِكة سواء: مخالطة الشريكين. يقال: اشترَكنا
بمعنى تَشارَكنا، وقد اشترك الرجلان وتَشارَكا وشارَك أَحدُهما الآخر؛ فأَما
قوله:
عَلى كُلِّ نَهْدِ العَصْرَيَيْنِ مُقَلِّصٌ
وجَرْداءَ يَأْبى رَبُّها أَن يُشارَكا
فمعناه أَنه يغزو على فرسه ولا يدفعه إلى غيره، ويُشارَك يعني يشاركه في
الغنيمة. والشَّريكُ: المُشارِك. والشِّرْكُ: كالشَّريك؛ قال المُسَيِّب
أَو غيره:
شِرْكاً بماء الذَّوْبِ يَجْمَعهُ
في طَوْد أَيْمَنَ،في قُرى قَسْرِ
والجمع أَشْراك وشُرَكاء؛ قال لبيد:
تَطيرُ عَدائدُ الأشراكِ شَفْعاً
ووِتْراً، والزَّعامَةُ للغُلامِ
قال الأَزهري: يقال شَريك وأَشْراك كما يقال يتيم وأَيتام ونصير
وأَنصار، وهو مثل شريف وأَشراف وشُرفاء. والمرأة شَريكة والنساء شَرائك. وشاركت
فلاناً: صرت شريكه. واشْتركنا وتَشاركنا في كذا وشَرِكْتُه في البيع
والميراث أَشْرَكُه شَرِكةً، والإسم الشِّرْك؛ قال الجعدي:
وشارَكْنا قُرَيْشاً في تُقاها،
وفي أَحْسابها شِرْكَ العِنان
والجمع أَشْراك مثل شِبْر وأَشبار، وأَنشد بيت لبيد. وفي الحديث: من
أَعتق شِرْكاً له في عبد أَي حصة ونصيباً. وفي حديث معاذ: أَنه أَجاز بين
أَهل اليمن الشِّرْكَ أَي الإشتراكَ في الأرض، وهو أن يدفعها صاحبها إلى
آخر بالنصف أو الثلث أو نحو ذلك. وفي حديث عمر بن عبد العزيز: إن الشِّركَ
جائز، هو من ذلك؛ قال: والأشْراكُ أَيضاً جمع الشِّرْك وهو النصيب كما
يقال قِسْمٌ وأقسام، فإن شئت جعلت الأَشْراك في بيت لبيد جمع شريك، وإن
شئت جعلته جمع شِرْك، وهو النصيب. ويقال: هذه شَرِيكَتي، وماء ليس فيه
أَشْراك أَي ليس فيه شُركاء، واحدهما شِرْك، قال: ورأَيت فلاناً مُشتركاً إذا
كان يُحَدِّث نفسه أن رأيه مُشْتَرَك ليس بواحد. وفي الصحاح: رأيت
فلاناً مُشْتَرَكاً إذا كان يحدِّث نفسه كالمهموم. وروي عن النبي، صلى الله
عليه وسلم، أَنه قال: الناسُ شُرَكاء في ثلاث: الكَلإ والماء والنار؛ قال
أَبو منصور: ومعنى النار الحَطَبُ الذي يُستوقد به فيقلع من عَفْوِ
البلاد، وكذلك الماء الذي يَنْبُع والكلأُ الذي مَنْبته غير مملوك والناس فيه
مُسْتَوُون؛ قال ابن الأثير: أَراد بالماء ماء السماء والعيون والأَنهار
الذي لا مالك له، وأراد بالكلإِ المباحَ الذي لا يُخَصُّ به أَحد، وأَراد
بالنار الشجَر الذي يحتطبه الناس من المباح فيوقدونه؛ وذهب قوم إلى أن
الماء لا يملك ولا يصح بيعه مطلقاً، وذهب آخرون إلى العمل بظاهر الحديث في
الثلاثة، والصحيح الأول؛ وفي حديث أم معبد:
تَشارَكْنَ هَزْلى مُخُّهنَّ قَليلُ
أَي عَمَّهنَّ الهُزال فاشتركن فيه. وفَريضة مُشتَرَكة: يستوي فيها
المقتسمون، وهي زوج وأُم وأَخوان لأم، وأخوان لأَب وأُم، للزوج النصف، وللأم
السدس، وللأخوين للأم الثلث، ويَشْرَكُهم بنو الأب والأُم لأن الأَب لما
سقط سقط حكمه، وكان كمن لم يكن وصاروا بني أم معاً؛ وهذا قول زيد. وكان
عمر، رضي الله عنه، حكم فيها بأن جعل الثلث للإخوة للأُم، ولم يجعل للإخوة
للأَب والأُم شيئاً، فراجعه الإخوة للأَب والأُم وقالوا له: هب أَن
أَبانا كان حماراً فأَشْرِكْنا بقرابة أُمنا، فأَشَرَكَ بينهم، فسميت
الفريضةُ مُشَرَّكةً ومُشَرَّكةً، وقال الليث: هي المُشْتَرَكة. وطريق
مُشْتَرَك: يستوي فيه الناس. واسم مُشْتَرَك: تشترك فيه معان كثيرة كالعين ونحوها
فإنه يجمع معاني كثيرة؛ وقوله أنشده ابن الأَعرابي:
ولا يَسْتَوِي المَرْآنِ: هذا ابنُ حُرَّةٍ،
وهذا ابنُ أُخُرى، ظَهْرُها مُتَشَرَّكُ
فسره فقال: معناه مُشْتَرَك.
وأَشْرَك بالله: جعل له شَريكاً في ملكه، تعالى الله عن ذلك، والإسم
الشِّرْكُ. قال الله تعالى حكاية عن عبده لقمان أنه قال لإبنه: يا بُنَيَّ
لا تُشْرِكْ بالله إن الشِّرْكَ لَظُلم عظيم. والشِّرْكُ: أَن يجعل لله
شريكاً في رُبوبيته، تعالى الله عن الشُّرَكاء والأنداد، وإِنما دخلت التاء
في قوله لا تشرك بالله لأن معناه لا تَعْدِلْ به غيره فتجعله شريكاً
له، وكذلك قوله تعالى: وأَن تُشْرِكوا بالله ما لم يُنَزِّل به سُلْطاناً؛
لأن معناه عَدَلُوا به، ومن عَدَلَ به شيئاً من خَلقه فهو كافرّ مُشرِك،
لأن الله وحده لا شريكَ له ولا نِدَّ له ولا نَديدَ. وقال أَبو العباس في
قوله تعالى: والذين هم مُشْرِكون؛ معناه الذين هم صاروا مشركين بطاعتهم
للشيطان، وليس المعنى أنهم آمنوا بالله وأَشركوا بالشيطان، ولكن عبدوا
الله وعبدوا معه الشيطان فصاروا بذلك مُشْركين، ليس أَنهم أَشركوا بالشيطان
وآمنوا بالله وحده؛ رواه عنه أَبو عُمر الزاهد، قال: وعَرَضَه على
المُبرِّد فقال مُتْلَئِبٌّ صحيح. الجوهري: الشِّرْك الكفر. وقد أَشرك فلان
بالله، فهو مُشْرِك ومُشْرِكيٌّ مثل دَوٍّ ودَوِّيٍّ وسَكٍّ وسَكِّيّ
وقَعْسَرٍ قَعْسَريّ بمعنى واحد؛ قال الراجز:
ومُشْرِكِيٍّ كافرٍ بالفُرْقِ
أَي بالفُرقان. وفي الحديث: الشّرْك أَخْفَى في أُمتي من دبيب النمل؛
قال ابن الأثير: يريد به الرياء في العمل فكأنه أشرك في عمله غير الله؛
ومنه قوله تعالى: ولا يُشْرِكْ بعبادة ربه أَحداً. وفي الحديث: من حلف بغير
الله فقد أَشْرَك حيث جعل ما لا يُحْلَفُ به محلوفاً به كاسم الله الذي
به يكون القَسَم. وفي الحديث: الطِّيَرةُ شِرْكٌ ولكنّ الله يذهبه
بالتوكل؛ جعل التَطَيُّرَ شِرْكاً به في اعتقاد جلب النفع ودفع الضرر، وليس
الكفرَ بالله لأنه لو كان كفراً لما ذهب بالتوكل. وفي حديث تَلْبية الجاهلية:
لبيك لا شريك لك إلاَّ شريك هُوَ لك تملكه وما مَلكَ، يَعْنون بالشريك
الصنم، يريدون أَن الصنم وما يملكه ويختص به من الآلات التي تكون عنده
وحوله والنذور التي كانوا يتقرّبون بها إليه كلها ملك لله عز وجل، فذلك معنى
قوله تملكه وما ملك. قال محمد بن المكرم: اللهم إنا نسألك صحة التوحيد
والإخلاص في الإيمان، أنظر إلى هؤلاء لم ينفعهم طوافهم ولا تلبيتهم ولا
قولهم عن الصنم هُوَلَكَ، ولا قولهم تملك وما مع تسميتهم الصنم شريكاً، بل
حَبِطَ عَمَلهُم بهذه التسمية، ولم يصح لهم التوحيد مع الإستثناء، ولا
نفعتهم معذرتهم بقولهم: إلا ليقرّبونا إلى الله زُلْفى، وقوله تعالى:
وأَشْرِكْهُ في أَمْري؛ أَي اجعله شريكي فيه. ويقال في المُصاهرة: رَغِبْنا في
شِرككم وصِهْرِكم أَي مُشاركتكم في النسب. قال الأَزهري: وسمعت بعض
العرب يقول: فلان شريك فلان إذا كان متزوجاً بابنته أَو بأُخته، وهو الذي
تسميه الناس الخَتَنَ، قال: وامرأة الرجل شَرِيكَتُه وهي جارته، وزوجها
جارُها، وهذا يدل على أَن الشريك جار، وأَنه أَقرب الجيران. وقد شَرِكه في
الأَمر بالتحريك، يَشْرَكُه إذا دخل معه فيه وأَشْرَكه معه فيه. وأَشْرَك
فلانٌ فلاناً في البيع إذا أَدخله مع نفسه فيه. واشْتَرَكَ الأَمرُ:
التبس.والشَّرَكُ: حبائل الصائد وكذلك ما ينصب للطير، واحدته شَرَكَة وجمعها
شُرُكٌ، وهي قليلة نادرة. وشَرَكُ الصائد: حبالَتَه يَرْتَبِك فيها الصيد.
وفي الحديث: أَعوذ بك من شر الشيطان وشِرْكِه أي ما يدعو إليه ويوسوس به
من الإشراك بالله تعالى، ويروى بفتح الشين والراء، أَي حَبائله
ومَصايده، واحدتها شَرَكَة. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: كالطير الحَذِر يَرى أَن
له في كل طريق شَرَكاً. وشَرَكُ الطريق: جَوادُّه، وقيل: هي الطُّرُقُ
التي لا تخفى عليك ولا تَسْتَجْمِعُ لك فأنت تراها وربما انقطعت غير أَنها
لا تخفى عليك، وقيل: هي الطُّرق التي تخْتَلجُ، والمعنيان متقاربان،
واحدته شَرَكَة. الأصمعي: الْزَمْ شَرَك الطريق وهي أَنْساع الطريق، الواحدة
شَرَكَة، وقال غيره: هي أَخاديد الطريق ومعناهما واحد، وهي ما حَفَرَت
الدوابُّ بقوائمها في متن الطريق شَرَكَة ههنا وأُخرى بجانبها. شمر: أُمُّ
الطريق مَعْظَمُه، وبُنَيَّاتُه أَشْراكُه صِغارٌ تتشعب عنه ثم تنقطع.
الجوهري: الشَّرَكة معظم الطريق ووسطه، والجمع شَرَك؛ قال ابن بري: شاهده
قول الشَّمَّاخ:
إذا شَرَكُ الطريقِ تَوَسَّمَتْهُ،
بخَوْصاوَيْنِ في لُحُجٍ كَنِينِ
وقال رؤبة:
بالعِيسِ فَوْقَ الشَّرَكِ الرِّفاضِ
والكلأُ في بني فلان شُرُكٌ أَي طرائق، واحدها شِراك. وقال أَبو حنيفة:
إذا لم يكن المرعى متصلاً وكان طرائق فهو شُرُكٌ. والشِّراكُ: سير النعل،
والجمعُ شُرُك. وأَشْركَ النعلَ وشَرَّكها: جعل لها شِراكاً،
والتَّشْرِيك مثله. ابن بُزُرْج: شَرِكَت النعلُ وشَسِعَتْ وزَمَّتْ إذا انقطع كل
ذلك منها. وفي الحديث: أَنه صلى الظهر حين زالت الشمس وكان الفَيْءُ بقدر
الشِّراكِ؛ هو أَحد سُيور النعل التي تكون على وجهها؛ قال ابن الأَثير:
وقدره ههنا ليس على معنى التحديد، ولكن زوال الشمس لا يبين إلا بأقل ما
يُرى من الظل، وكان حينئد بمكة، هذا القَدْر والظل يختلف باختلاف الأزمنة
والأمكنة وإنما يبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يَقِلّ فيها الظل،
فإذا كان أَطول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة لم يُرَ لشيء من جوانبها
ظلّ، فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومُعْتَدل النهار يكون الظل فيه
أَقصر، وكلما بَعُدَ عنهما إلى جهة الشَّمال يكون الظل فيه أَطول.
ولطْمٌ شُرَكِيّ: متتابع. يقال: لطمه لطْماً شُرَكِيّاً، بضم الشين وفتح
الراء، أَي سريعاً متتابعاً كلَطْمِ المُنْتَقِشِ من البعير؛ قال أَوس
بن حَجَر:
وما أنا إلا مُسْتَعِدٌّ كما تَرى،
أَخُو شُرَكيّ الوِرْدِ غَيْرُ مُعَتِّمِ
أَي وِرْد بعد وِرْدٍ متتابع؛ يقول: أَغْشاك بما تكره غير مُبْطِئ
بذلك. ولطمه لطمَ المُنْتَفِش وهو البعير تدخل في يده الشوكة فيضرب بها الأرض
ضرباً شديداً، فهو مُنْتَقِش.
والشُّرَكِيّ والشُّرَّكِيُّ، بتخفيف الراء وتشديدها: السريع من السير.
وشِرْكٌ: اسم موضع؛ قال حسان بن ثابت:
إذا عَضَلٌ سِيقَت إلينا كأنَّهم
جِدايَةُ شِرْكٍ، مُعْلَماتُ الحَواجِب
ابن بري: وشَرْكٌ اسم موضع؛ قال عُمارة:
هل تَذكُرون غَداةَ شَرْك، وأَنتُمُ
مثل الرَّعيل من النَّعامِ النَّافِرِ؟
وبنو شُرَيْك: بطنٌ. وشَريك: اسم رجل.
شكل: الشَّكْلُ، بالفتح: الشِّبْه والمِثْل، والجمع أَشكالٌ وشُكُول؛
وأَنشد أَبو عبيد:
فلا تَطلُبَا لي أَيِّماً، إِن طَلَبْتُما،
فإِن الأَيَامَى لَسْنَ لي بشُكُولٍ
وقد تَشَاكَلَ الشَّيْئَانِ وشَاكَلَ كُلُّ واحد منهما صاحبَه. أَبو
عمرو: في فلان شَبَهٌ من أَبيه وشَكْلٌ وأَشْكَلَةٌ وشُكْلَةٌ وشَاكِلٌ
ومُشَاكَلَة. وقال الفراء في قوله تعالى: وآخَرُ من شَكْلِه أَزواجٌ ؛ قرأَ
الناس وآخَرُ إِلاَّ مجاهداً فإِنه قرأَ: وأُخَرُ؛ وقال الزجاج: من قرأَ
وآخَرُ من شَكْلِه؛ فآخَرُ عطف على قوله حَمِيمٌ وغَسَّاقٌ أَي وعَذاب
آخَرُ من شَكْلِه أَي من مِثْل ذلك الأَول، ومن قرأَ وأُخَرُ فالمعنى
وأَنواع أُخَرُ من شَكْلِه لأَن معنى قوله أَزواج أَنواع. والشَّكْل: المِثْل،
تقول: هذا على شَكْل هذا أَي على مِثَاله. وفلان شَكْلُ فلان أَي مِثْلُه
في حالاته. ويقال: هذا من شَكْل هذا أَي من ضَرْبه ونحوه، وهذا أَشْكَلُ
بهذا أَي أَشْبَه. والمُشَاكَلَة: المُوافَقة، والتَّشاكُلُ مثله.
والشاكِلةُ: الناحية والطَّريقة والجَدِيلة. وشاكِلَةُ الإِنسانِ: شَكْلُه
وناحيته وطريقته. وفي التنزيل العزيز: قُلْ كُلُّ يَعْمَل على شاكِلَته؛ أَي
على طريقته وجَدِيلَته ومَذْهَبه؛ وقال الأَخفش: على شَاكِلته أَي على
ناحيته وجهته وخَلِيقته. وفي الحديث: فسأَلت أَبي عن شَكْل النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَي عن مَذْهَبه وقَصْده، وقيل: عما يُشَاكلُ أَفعالَه.
والشِّكْل، بالكسر: الدَّلُّ، وبالفتح: المِثْل والمَذْهب. وهذا طَرِيقٌ ذو
شَواكِل أَي تَتَشَعَّب منه طُرُقٌ جماعةٌ. وشَكْلُ الشيء: صورتُه
المحسوسة والمُتَوَهَّمة، والجمع كالجمع.
وتَشَكَّل الشيءُ: تَصَوَّر، وشَكَّلَه: صَوَّرَه. وأَشْكَل الأَمْرُ:
الْتَبَس. وأُمورٌ أَشْكالٌ: ملتبسة، وبَيْنَهم أَشْكَلَة أَي لَبْسٌ. وفي
حديث عليٍّ، عليه السلام: وأَن لا يَبِيعَ من أَولاد نَخْل هذه القُرَى
وَدِيَّةً حتى تُشْكِل أَرْضُها غِرَاساً أَي حتى يكثُرَ غِراسُ النَّخْل
فيها فيراها الناظر على غير الصفة التي عَرَفها بها فيُشْكِل عليه
أَمْرُها.
والأَشْكَلَة والشَّكْلاءُ: الحاجةُ. الليث: الأَشْكال الأُمورُ
والحوائجُ المُخْتَلِفة فيما يُتكَلَّف منها ويُهْتَمُّ لها؛ وأَنشد
للعَجَّاج:وتَخْلُجُ الأَشْكالُ دُونَ الأَشْكال
الأَصمعي: يقال لنا عند فلان رَوْبَةٌ وأَشْكَلَةٌ وهما الحاجة، ويقال
للحاجة أَشْكَلَة وشَاكِلةٌ وشَوْكَلاءُ بمعنى واحد. والأَشكل من الإِبل
والغنم: الذي يَخْلِط سوادَه حُمْرةٌ أَو غُبْرةٌ كأَنه قد أَشْكَل عليك
لونُه، وتقول في غير ذلك من الأَلوان: إِنَّ فيه لَشُكْلَةً من لون كذا
وكذا، كقولك أَسْمر فيه شُكْلَة من سواد؛ والأَشْكَل في سائر الأَشياء:
بياضٌ وحُمْرة قد اخْتَلَطَا؛ قال ذو الرمة:
يَنْفَحْنَ أَشْكَلَ مخلوطاً تَقَمَّصَه
مَناخِرُ العَجْرَفِيَّاتِ المَلاجِيج
وقول الشاعر:
فما زالَتِ القَتْلى تَمُور دِماؤها
بِدِجْلَة، حَتَّى ماءُ دِجْلَة أَشْكَلُ
قال أَبو عبيدة: الأَشكل فيه بياضٌ وحُمْرة. ابن الأَعرابي: الضَّبُع
فيها غُثْرة وشُكْلة لَوْنا فيه سَوادٌ وصُفْرة سَمِجَة. وقال شَمِر:
الشُّكْلة الحُمْرة تختلط بالبياض. وهذا شيءٌ أَشْكَلُ، ومنه قيل للأَمر
المشتَبه مُشْكِلٌ. وأَشْكَل عَلَيَّ الأَمُر
(* قوله «وأَشكل عليّ الأمر» في
القاموس: وأشكل الأمر التبس كشكل وشكل) إِذا اخْتَلَط، وأَشْكَلَتْ عليَّ
الأَخبار وأَحْكَلَتْ بمعنىً واحد. والأَشْكَل عند العرب: اللونان
المختلطان. ودَمٌ أَشْكَلُ إِذا كان فيه بياض وحُمْرَة؛ قال ابن دريد: إِنما
سُمِّي الدم أَشْكَلَ للحمرة والبياض المُخْتَلَطَيْن فيه. قال ابن سيده:
والأَشْكَلُ من سائر الأَشياء الذي فيه حمرة وبياض قد اختلط، وقيل: هو
الذي فيه بياضٌ يَضْرِب إِلى حُمْرة وكُدْرة؛ قال:
كَشَائطِ الرُّبِّ عليه الأَشْكَلِ
وَصَفَ الرُّبَّ بالأَشْكَل لأَنه من أَلْوانِه، واسم اللون الشُّكْلة،
والشُّكْلة في العين منه، وقد أَشْكَلَتْ. ويقال: فيه شُكْلة من سُمْرة
وشُكْلة من سواد، وعَيْنٌ شَكْلاءُ بَيِّنة الشَّكَلِ، ورَجُل أَشْكَلُ
العين. وفي حديث علي
(* قوله «وفي حديث علي إلخ» في التهذيب: وفي حديث علي
في صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، إلخ) رضي الله عنه: في عَيْنيه
شُكْلةٌ؛ قال أَبو عبيد: الشُّكْلة كهيئة الحُمْرة تكون في بياض العين، فإِذا
كانت في سواد العين فهي شُهْلة؛ وأَنشد:
ولا عَيْبَ فيها غَير شُكْلة عَيْنِها،
كذاك عِتَاقُ الطَّيْر شُكْلٌ عُيُونُها
(* قوله «شكل عيونها» في التهذيب شكلاً بالنصب).
عِتَاقُ الطَّيرِ: هي الصُّقُور والبُزَاة ولا توصف بالحُمْرة، ولكن
توصف بزُرقة العين وشُهْلتها. قال: ويروى هذا البيت: غَيْرَ شُهْلةِ
عَيْنها؛ وقيل: الشُّكْلة في العين الصُّفْرة التي تُخَالِط بياض العين الذي
حَوْلَ الحَدَقة على صِفَة عين الصَّقْر، ثم قال: ولَكِنَّا لم نسمع
الشُّكْلَة إِلا في الحُمْرة ولم نسمعها في الصُّفْرة؛ وأَنشد:
ونَحْنُ حَفَزْنَا الحَوْفَزَان بطَعْنَةٍ،
سَقَتْه نَجِيعاً، من دَمِ الجَوْف، أَشْكلا
قال: فهو هَهُنَا حُمْرة لا شَكَّ فيه. وقوله في صفة سيدنا رسول الله،
صلى الله عليه وسلم: كان ضَلِيعَ الفَم أَشْكَلَ العين مَنْهُوسَ
العَقِبين؛ فسره سِمَاك ابن حَرْب بأَنه طويل شَقِّ العَيْن؛ قال ابن سيده: وهذا
نادر، قال: ويمكن أَن يكون من الشُّكْلة المتقدمة، وقال ابن الأَثير في
صفة أَشْكَلَ العين قال: أَي في بياضها شيء من حُمْرة وهو مَحْمود
مَحْبوب؛ يقال: ماء أَشْكَلُ إِذا خالطه الدَّمُ. وفي حديث مَقْتَل عُمَر، رضي
الله عنه: فَخَرج النَّبِيذُ مُشْكِلاً أَي مختلطاً بالدم غير صريح، وكل
مُخْتَلِطٍ مُشْكِلٌ.
وتَشَكَّلَ العِنَبُ: أَيْنَعَ بعضُه. المحكم: شَكَّلَ
(* قوله «المحكم
شكل إلخ» في القاموس: شكل العنب مخففاً ومشدداً وتشكل) العِنَبُ
وتَشَكَّلَ اسْوَدَّ وأَخَذَ في النُّضْج؛ فأَما قوله أَنشده ابن
الأَعرابي:ذَرَعَتْ بهم دَهْسَ الهِدَمْلَةِ أَيْنُقٌ
شُكْلُ الغُرورِ، وفي العُيون قُدُوحُ
فإنه عَنَى بالشُّكْلة هنا لون عَرَقها، والغُرور هنا: جمع غَرٍّ وهو
تَثَنِّي جُلودها
(* قوله «وهو تثني جلودها» زاد في المحكم: هكذا قال
والصحيح ثني جلودها) وفيه شُكْلَةٌ من دَمٍ أَي شيء يسير.
وشَكَل الكِتابَ يَشْكُله شَكْلاً وأَشْكَله: أَعجمه. أَبو حاتم:
شَكَلْت الكتاب أَشكله فهو مَشْكُول إِذا قَيَّدْتَه بالإِعْراب، وأَعْجَمْت
الكِتابَ إِذا نَقَطَتْه. ويقال أَيضاً: أَشْكَلْت الكتابَ بالأَلف كأَنك
أَزَلْت به عنه الإِشْكال والالتباس؛ قال الجوهري: وهذا نقلته من كتاب من
غير سماع. وحَرْف مُشْكِلٌ: مُشْتَبِهٌ ملتَبِس.
والشِّكَال: العِقَال، والجمع شُكْلٌ؛ وشَكَلْت الطائرَ وشَكَلْت الفرسَ
بالشَّكَال. وشَكَل الدَّابَّة يَشْكُلها شَكْلاً وشَكَّلَها: شَدَّ
قوائمها بحَبْل، واسم ذلك الحَبْلِ الشِّكَالُ، والجمع شُكُلٌ. والشِّكَال
في الرَّحْل: خَيط يوضع بين الحَقَبِ والتَّصْدِيرِ لئلاّ يُلِحَّ
الحَقَبُ على ثِيلِ البَعِيرِ فيَحْقَب أَي يَحْتبس بولُه، وهو الزِّوار أَيضاً.
والشِّكال أَيضاً: وِثَاقٌ بين الحَقَب والبِطَان، وكذلك الوثاق بين
اليد والرجل. وشَكَلْت عن البعير إِذا شَدَدت شِكَاله بين التصدير والحَقَب،
أَشْكُلُ شَكْلاً.
والمَشْكُولُ من العَرُوض: ما حُذف ثانيه وسابعُه نحو حذفك أَلفَ
فاعلاتن والنونَ منها، سُمِّي بذلك لأَنك حذفت من طرفه الآخِر ومن أَوّله فصار
بمنزلة الدابَّة الذي شُكِلَت يَدُه ورجلُه.
والمُشاكِلُ من الأُمور: ما وافق فاعِلَه ونظيرَه. ويقال: شَكَلْت
الطيرَ وشَكَلْت الدَّابَّة. والأَشْكَالُ: حَلْيٌ يُشاكِلُ بعضُه بعضاً
يُقَرَّط به النساءُ؛ قال ذو الرمة:
سَمِعْت من صَلاصِل الأَشْكَالِ
أَدْباً على لَبَّاتِها الحَوَالي،
هَزَّ السَّنَى في ليلة الشَّمَالِ
وشَكَّلَتِ المرأَةُ
(* قوله «وشكلت المرأة» ضبط مشدداً في المحكم
والتكملة وتبعهما القاموس، قال شارحه: والصواب أنه من حد نصر كما قيده ابن
القطاع) شَعَرَها: ضَفَرَت خُصْلَتين من مُقَدَّم رأْسها عن يمين وعن شمال
ثم شَدَّت بها سائر ذوائبها. والشِّكَال في الخيل: أَن تكون ثلاثُ قَوائم
منه مُحَجَّلةً والواحدة مُطْلَقة؛ شُبِّه بالشِّكال وهو العِقال، وإِنما
أُخِذ هذا من الشِّكَال الذي تُشْكَل به الخيل، شُبِّه به لأَن
الشِّكَال إِنما يكون في ثلاث قوائم، وقيل: هو أَن تكون الثلاثُ مُطْلَقة
والواحدة مُحَجَّلة، ولا يكون الشِّكَال إِلا في الرِّجْل ولا يكون في اليد،
والفرسُ مَشْكُولٌ، وهو يَكْرَه. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه
وسلم، كَرِه الشِّكال في الخيل؛ وهو أَن تكون ثلاثُ قوائم مُحَجَّلة وواحدة
مُطْلَقة تشبيهاً بالشَّكَال الذي تُشْكَل به الخيلُ لأَنه يكون في ثلاث
قوائم غالباً، وقيل: هو أَن تكون الواحدة محجَّلة والثلاث مُطْلَقة، وقيل:
هو أَن تكون إِحدى يديه وإِحدى رجليه من خلاف مُحَجَّلتين، وإِنما
كَرِهه لأَنه كالمشكول صورةً تفاؤلاً، قال: ويمكن أَن يكون جَرَّب ذلك الجنس
فلم يكن فيه نَجَابة، وقيل: إِذا كان مع ذلك أَغَرَّ زالت الكراهة لزوال
شبه الشِّكَال. ابن الأَعرابي: الشِّكَال أَن يكون البياض في رجليه وفي
إِحدى يديه. وفَرَسٌ مَشْكُول: ذو شِكَال. قال أَبو منصور: وقد روى أَبو
قتادة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: خَيْرُ الخَيْلِ الأَدْهَمُ
الأَقْرَحُ المُحَجَّل الثلاث طَلْقُ اليُمْنى أَو كُمَيْتٌ مثله؛ قال
الأَزهري: والأَقْرَحُ الذي غُرَّتُه صغيرة بين عينيه، وقوله طَلْق اليمنى
ليس فيها من البياض شيء، والمُحَجَّل الثلاث التي فيها بياض. وقال أَبو
عبيدة: الشِّكَال أَن يكون بياض التحجيل في رِجْل واحدة ويَدٍ من خِلافٍ
قَلَّ البياضُ أَو كَثُر، وهو فرس مَشْكُول.
ابن الأَعرابي: الشَّاكِل البياض الذي بين الصُّدْغِ والأُذُنِ. وحُكي
عن بعض التابعين: أَنه أَوْصَى رَجُلاً في طَهارته فقال تَفَقَّدِ
المَنْشَلَة والمَغْفَلة والرَّوْمَ والفَنِيكَيْن والشَّاكِلَ والشَّجْر. وورد
في الحديث أَيضاً: تَفَقَّدوا في الطُّهور الشاكِلَة والمَغْفَلة
والمَنْشَلة؛ المَغْفَلة: العَنْفَقة نفسُها، والمَنْشَلةُ: ما تحت حَلْقة
الخاتَم من الإِصْبَع، والرَّوْمُ: شَحْمَة الأُذُن، والشَّاكِل: ما بين
العِذَار والأُذُن من البياض. وشاكِلَة الشيء: جانبُه؛ قال ابن مقبل:
وعَمْداً تَصدَّت، يوم شَاكِلة الحِمى،
لِتَنْكأَ قَلْباً قد صَحَا وتَنَكَّرا
وشاكِلةُ الفَرس: الذي بين عَرْض الخاصرة والثَّفِنة، وهو مَوْصِلُ
الفَخِذ في الساق. والشَّاكِلَتان: ظاهرُ الطَّفْطَفَتين من لَدُنْ مَبْلَغ
القُصَيْرَى إِلى حَرْف الحَرْقَفة من جانبي البطن. والشَّاكِلةُ:
الخاصِرةُ، وهو الطَّفْطَفة. وفي الحديث: أَن ناضِحاً تَرَدَّى في بِئر فُذكِّي
من قِبَل شاكِلته أَي خاصِرِته. والشَّكْلاء من النِّعاج: البيضاءُ
الشَّاكِلة. ونَعْجة شَكْلاء إِذا ابْيَضَّتْ شاكِلَتاها وسائرُها أَسودُ وهي
بَيِّنَة الشَّكَل. والأَشْكَل من الشاء: الأَبيضُ الشاكِلة.
والشَّواكِلُ من الطُّرُق: ما انْشَعَب عن الطريق الأَعظم.
والشِّكْل: غُنْجُ المرأَة وغَزَلُها وحُسْن دَلِّها؛ شَكِلَتْ شَكَلاً،
فهي شَكِلةٌ؛ يقال: إِنها شَكِلة مُشْكِلةٌ حَسَنة الشِّكْل؛ وفي تفسير
المرأَة العَرِبَة أَنها الشَّكِلَة، بفتح الشين وكسر الكاف، وهي ذاتُ
الدَّلّ. والشَّكْل: المِثْل. والشِّكْل، بالكسر: الدَّلُّ، ويجوز هذا في
هذا وهذا في هذا. والشِّكْلُ للمرأَة: ما تَتَحسَّن به من الغُنْج. يقال:
امرأَة ذات شِكْل. وأَشْكَلَ النَّخلُ: طاب رُطَبُه وأَدْرَك.
والأَشْكَل: السِّدْر الجَبَليُّ، واحدته أَشْكَلَة. قال أَبو حنيفة:
أَخبرني بعض العرب أَن الأَشْكَلَ شجر مثل شجر العُنَّاب في شَوْكه وعَقَف
أَغْصانه، غير أَنه أَصغر وَرَقاً وأَكثر أَفْناناً، وهو صُلْبٌ جِدّاً
وله نُبَيْقَةٌ حامضة شديدة الحُمُوضة، مَنابِته شواهقُ الجبال تُتَّخَذ
منه القِسِيُّ، وإِذا لم تكن شجرته عَتِيقة مُتقادِمة كان عُودُها أَصفر
شديد الصُّفْرة، وإِذا تقادَمَتْ شجرتُه واسْتَتمَّت جاء عودُها نصفين:
نصفاً شديد الصفرة، ونصفاً شديد السواد؛ قال العَجَّاج ووَصَفَ المَطايا
وسُرْعَتَها:
مَعْجَ المَرامي عن قِياس الأَشْكَلِ
قال: ونَبات الأَشْكَل مثل شجر الشَّرْيان؛ وقد أَوردوا هذا الشعر الذي
للعجاج:
يَغْلُو بها رُكْبانُها وتَغْتَلي
عُوجاً، كما اعْوَجَّتْ قِياسُ الأَشْكَل
قال ابن بري: الذي في شعره:
مَعْجَ المَرامي عن قِياس الأَشْكَل
والمَعْجُ: المَرُّ، والمَرامي السِّهامُ، الواحدة مِرْماةٌ؛ وقال آخر:
أَو وَجْبَة من جَناةِ أَشْكَلَةٍ
يعني سِدْرة جَبَلِيَّة. ابن الأَعرابي: الشَّكْلُ ضَرْب من النبات
أَصفر وأَحمر.
وشَكْلةُ: اسم امرأَة. وبَنُو شَكَل: بطن من العرب. والشَّوْكَل:
الرَّجَّالَةُ، وقيل المَيْمنة والمَيْسَرة؛ كلُّ ذلك عن الزَّجَّاجي. الفراء:
الشَّوْكَلَةُ الرَّجَّالَةُ، والشَّوْكَلَةُ النَّاحِية، والشَّوْكَلَةُ
العَوْسَجَة.
وجد: وجَد مطلوبه والشيء يَجِدُه وُجُوداً ويَجُده أَيضاً، بالضم، لغة
عامرية لا نظير لها في باب المثال؛ قال لبيد وهو عامريّ:
لو شِئْت قد نَقَعَ الفُؤادُ بِشَرْبةٍ،
تَدَعُ الصَّوادِيَ لا يَجُدْنَ غَلِيلا
بالعَذبِ في رَضَفِ القِلاتِ مَقِيلةً
قَِضَّ الأَباطِحِ، لا يَزالُ ظَلِيلا
قال ابن بريّ: الشعر لجرير وليس للبيد كما زعم. وقوله: نَقَعَ الفؤادُ
أَي روِيَ. يقال نَقَعَ الماءُ العطشَ أَذْهبه نَقْعاً ونُقوعاً فيهما،
والماء الناقعُ العَذْبُ المُرْوي. والصَّادِي: العطشان. والغليل: حَرُّ
العطش. والرَّضَفُ: الحجارة المرضوفةُ. والقِلاتُ: جمع قَلْت، وهو نقرة في
الجبل يُستَنْقَعُ فيها ماء السماء. وقوله: قَِضّ الأَباطِحِ، يريد أَنها
أَرض حَصِبةٌ وذلك أَعذب للماء وأَصفى.
قال سيبويه: وقد قال ناس من العرب: وجَدَ يَجُدُ كأَنهم حذفوها من
يَوْجُد؛ قال: وهذا لا يكادُ يوجَدُ في الكلام، والمصدر وَجْداً وجِدَةً
ووُجْداً ووجُوداً ووِجْداناً وإِجْداناً؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي،
وأَنشد:وآخَر مُلْتاث، تَجُرُّ كِساءَه،
نَفَى عنه إِجْدانُ الرِّقِين المَلاوِيا
قال: وهذا يدل على بَدَل الهمزة من الواو المكسورة كما قالوا إِلْدةٌ في
وِلْدَة.
وأَوجَده إِياه: جَعَلَه يَجِدُه؛ عن اللحياني؛ ووَجَدْتَني فَعَلْتُ
كذا وكذا، ووَجَدَ المالَ وغيرَه يَجِدُه وَجْداً ووُجْداً وجِدةً.
التهذيب: يقال وجَدْتُ في المالِ وُجْداً ووَجْداً ووِجْداً ووِجْداناً وجِدَةً
أَي صِرْتُ ذا مال؛ ووَجَدْت الضَّالَّة وِجْداناً. قال: وقد يستعمل
الوِجْدانُ في الوُجْد؛ ومنه قول العرب: وِجْدانُ الرِّقِين يُغَطِّي أَفَنَ
الأَفِين. وفي حديث اللقطة: أَيها الناشدُ، غيرُك الواجِدُ؛ مِن وَجَدَ
الضَّالّة يَجِدُها. وأَوجده الله مطلوبَه أَي أَظفره به.
والوُجْدُ والوَجْدُ والوِجْدُ: اليسار والسَّعةُ. وفي التنزيل العزيز:
أَسكِنُوهُنَّ من حيثُ سكَنْتم من وَجْدِكم؛ وقد قرئ بالثلاث، أَي من
سَعَتكم وما ملكتم، وقال بعضهم: من مساكنكم.
والواجِدُ: الغنِيُّ؛ قال الشاعر:
الحمدُ للَّه الغَنِيِّ الواجِد
وأَوجَده الله أَي أَغناه. وفي أَسماء الله عز وجل: الواجدُ، هو الغني
الذي لا يفتقر. وقد وجَدَ تَجِدُ جِدة أَي استغنى غنًى لا فقر بعده. وفي
الحديث: لَيُّ الواجِدِ يُحِلّ عُقُوبَتَه وعِرْضَه أَي القادرِ على قضاء
دينه. وقال: الحمد لله الذي أَوْجَدَني بعد فقر أَي أَغناني، وآجَدَني
بعد ضعف أَي قوّاني. وهذا من وَجْدِي أَي قُدْرتي. وتقول: وجَدْت في الغِنى
واليسار وجْداً ووِجْداناً
(* قوله «وجداً ووجداناً» واو وجداً مثلثة،
أفاده القاموس.) وقال أَبو عبيد: الواجدُ الذي يَجِدُ ما يقضي به دينه.
ووُجِدَ الشيءُ عن عدَم، فهو موجود، مثل حُمّ فهو محموم؛ وأَوجَدَه الله
ولا يقال وجَدَه، كما لا يقال حَمّه.
ووَجَد عليه في الغَضب يَجُدُ ويَجِدُ وَجْداً وجِدَةً وموجَدةً
ووِجْداناً: غضب. وفي حديث الإِيمان: إِني سائلك فلا تَجِدْ عليّ أَي لا
تَغْضَبْ من سؤالي؛ ومنه الحديث: لم يَجِدِ الصائمُ على المُفْطر، وقد تكرَّرَ
ذكره في الحديث اسماً وفعلاً ومصدراً وأَنشد اللحياني قول صخر الغيّ:
كِلانا رَدَّ صاحِبَه بِيَأْسٍ
وتَأْنِيبٍ، ووِجْدانٍ شَديدِ
فهذا في الغضب لأَن صَخْرَ الغيّ أَيأَسَ الحَمامَة من ولدها فَغَضِبَتْ
عليه، ولأَن الحمامة أَيْأَسته من ولده فغَضِبَ عليها. ووَجَدَ به
وَجْداً: في الحُبِّ لا غير، وإِنه ليَجِدُ بفلانة وَجْداً شديداً إِذا كان
يَهْواها ويُحِبُّها حُبّاً شديداً. وفي الحديث، حديث ابن عُمر وعُيينة بن
حِصْن: والله ما بطنها بوالد ولا زوجها بواجد أَي أَنه لا يحبها؛ وقالت
شاعرة من العرب وكان تزوجها رجل من غير بلدها فَعُنِّنَ عنها:
مَنْ يُهْدِ لي مِن ماءٍ بَقْعاءَ شَرْبةً،
فإِنَّ له مِنْ ماءِ لِينةَ أَرْبعَا
لقد زادَني وَجْداً بِبَقْعاءَ أَنَّني
وَجَدْتُ مَطايانا بِلِينةَ ظُلَّعا
فَمَنْ مُبْلِغٌ تِرْبَيَّ بالرَّمْلِ أَنني
بَكَيْتُ، فلم أَترُكْ لِعَيْنَيَّ مَدْمَعا؟
تقول: من أَهدى لي شربة من ماءِ بَقْعاءَ على ما هو من مَرارة الطعم
فإِن له من ماءِ لِينةَ على ما هو به من العُذوبةِ أَربعَ شربات، لأَن بقعاء
حبيبة إِليَّ إِذ هي بلدي ومَوْلِدِي، ولِينةُ بَغِيضَةٌ إِليّ لأَن
الذي تزوجني من أَهلها غير مأْمون عليّ؛ وإِنما تلك كناية عن تشكيها لهذا
الرجل حين عُنِّنَ عنها؛ وقولها: لقد زادني حبّاً لبلدتي بقعاء هذه أَن هذا
الرجل الذي تزوجني من أَهل لينة عنن عني فكان كالمطية الظالعة لا تحمل
صاحبها؛ وقولها: فمن مبلغ تربيّ
(البيت) تقول: هل من رجل يبلغ صاحِبَتَيَّ بالرمل أَن بعلي ضعف عني
وعنن، فأَوحشني ذلك إِلى أَن بكيت حتى قَرِحَتْ أَجفاني فزالت المدامع ولم
يزل ذلك الجفن الدامع؛ قال ابن سيده: وهذه الأَبيات قرأْتها على أَبي
العلاء صاعد بن الحسن في الكتاب الموسوم بالفصوص. ووجَد الرجلُ في الحزْن
وَجْداً، بالفتح، ووَجِد؛ كلاهما عن اللحياني: حَزِنَ. وقد وَجَدْتُ فلاناً
فأَنا أَجِدُ وَجْداً، وذلك في الحزن.
وتَوَجَّدْتُ لفلان أَي حَزِنْتُ له. أَبو سعيد: تَوَجَّد فلان أَمر كذا
إِذا شكاه، وهم لا يَتَوَجَّدُون سهر ليلهم ولا يَشْكون ما مسهم من
مشقته.
وخز: الوَخْزُ: الشيءُ القليل من الخُضْرَة في العِذْقِ والشيب في
الرأْس، وقد وَخَزَهُ وَخْزاً. وقيل: كلُّ قليل وَخْزٌ؛ قال أَبو كاهل
اليَشْكُرِيُّ يُشَبِّه ناقته بالعُقابِ:
لها أَشارِيرُ من لَحْمٍ تُتَمِّرُه
من الثَّعالي، ووَخْزٌ من أَرانيها
الوَخْزُ: شيءٌ منه ليس بالكثير. قال اللحياني: الوَخْزُ الخطيئةُ بعد
الخطيئةِ، قال أَبو منصور: ومعنى الخطيئة القليلُ بين ظَهْرانَيِ الكثير؛
وقال ثعلب: هو الشيء بعد الشيء، قال: وقالوا هذه أَرض بني تميم وفيها
وَخْزٌ من بني عامر أَي قليل؛ وأَنشد:
سِوَى أَنَّ وَخْزاً من كلابِ بن مُرَّةٍ
تَنَزَّوْا إلينا من نَقِيعَةِ جابِرِ
ووَخَزَه بالرُّمْح والخَنْجَرِ يَخِزُه وَخْزاً: طعنه طعناً غير نافذ،
وقيل: هو الطعن النافذ في جنب المطعون. وفي الحديث: فإِنه وَخْزُ
إِخوانكم من الجن؛ الوَخْزُ طَعْنٌ ليس بنافِذٍ. وفي حديث عمرو بن العاص، وذكر
الطاعونَ فقال: إِنما هو وَخْزٌ من الشيطان، وفي رواية: رِجْزٌ. أَبو
عدنان: الطعن الوَخْزُ التَّبْزِيغُ؛ قال: التبزيغ والتغزيب واحد غَزَبَ
وبَزَغَ. يقال: بَزَغَ البَيْطارُ الحافِرَ إِذا عَمَدَ إِلى أَشاعره
بِمِبْضَع فَوَخَزَه به وَخْزاً خفيفاً لا يبلغ العَصَبَ فيكونُ دَواءً له؛ ومنه
قول الطِّرِمَّاح:
كَبَزْغِ البِيَطْرِ الثَّقْفِ رَهْصَ الكَوادِنِ
وأَما فَصْدُ عِرْقِ الدابة وإِخراج الدم منه فيقال له التَّوْدِيجُ؛
يقال: وَدِّجْ فَرَسَكَ ووَدِّجْ حمارك. قال خالد بن جَنْبَةَ: وَخَزَ في
سَنامِها بِمِبْضَعِه، قال: والوَخْزُ كالنَّخْس يكون من الطعن الخفيف
الضعيف؛ وقول الشاعر:
قد أَعْجَلَ القومَ عن حاجاتِهم سَفَرٌ
من وَخْزِ جِنٍّ، بأَرض الرُّومِ، مذكورِ
يعني بالوَخْزِ الطاعونَ ههنا. ويقال: إِني لأَجد في يدي وَخْزاً أَي
وجعاً؛ عن ابن الأَعرابي. ووَخَزَه الشَّيْبُ أَي خالطه. ويقال: وَخَزَه
القَتِيرُ وَخْزاً ولَهَزَه لَهْزاً بمعنى واحد إِذا شَمَط مواضعَ من
لحيته، فهو مَوْخُوزٌ. قال: وإِذا دُعِيَ القومُ إِلى طعام فجاؤُوا أَربعة
أَربعة قالوا: جاؤُوا وَخْزاً وَخْزاً، وإِذا جاؤوا عُصْبة قيل: جاؤُوا
أَفائج أَي فَوْجاً فَوْجاً؛ قال سليمان بن المغيرة: قلت للحسن: أَرأَيت
التمر والبُسْرَ انْجَمَعَ بينما؟ قال: لا، قلت: البسر الذي يكون فيه
الوَخْزُ، قال: اقطع ذلك، الوَخْزُ: القليل من الإِرْطابِ، فشبه ما أَرْطَبَ من
البُسْر في قلته بالوَخْزِ.
وجف: الوَجْفُ: سُرْعة السير. وجَفَ البعيرُ والفرس يَجِف وجْفاً
ووجِيفاً: أَسْرعَ. والوجِيف: دون التقريب من السير. الجوهري: الوجِيفُ ضرب من
سير الإبل والخيل، وقد وجف البعير يجف وجفاً ووجيفاً. وأَوجف دابته إذا
حثَّها، وأَوجفْته أَنا. وفي الحديث: ليس البِرُّ بالإيجاف. وفي حديث
عليّ، كرم اللّه وجهه: وأَوجَفَ الذِّكْرَ بلسانه أَي حرَّكه، وأَوجفَه
راكبُه. وحديث علي، عليه السلام: أَهونُ سيرِها فيه الوَجِيف؛ هو ضرب من السير
سريع.و ناقة مِيجاف: كثيرة الوجيف.وراكب البعير يُوضِع وراكب الفرس
يُوجِف. قال الأَزهري: الوجيف يصلح للبعير والفرس.
ووَجَف الشيءُ إذا اضطرب. ووجَف القلب وجِيفاً: خَفَق، وقلب واجِف. وفي
التنزيل العزيز: قلوبٌ يومئذ واجفة؛ قال الزجاج: شديدة الاضطراب؛ قال
قتادة: وجفَت عما عاينت، وقال ابن الكلبي: خائفة. وقوله تعالى: فما أَوجفتم
عليه من خيل ولا رِكاب؛ أَي ما أَعملتم يعني ما أَفاء اللّه على رسوله من
أَموال بني النضير مما لم يُوجف المسلمون عليه خيلاً ولا رِكاباً،
والرِّكاب الإبل. وفي الحديث: لم يُوجِفوا عليه بخيل ولا ركاب؛ الإيجاف: سُرعة
السير؛ ويقال أَوجف فأَعجَف؛ قال العجاج:
ناجٍ طَواه الأَيْنُ مما وَجَفا،
طَيَّ اللَّيالي زُلَفاً فَزُلَفا،
سَماوَةَ الهِلالِ حتى احْقَوْقَفا
ويقال: استوْجَف الحُبُّ فُؤاده إذا ذهب به؛ وأَنشد:
ولكنّ هذا القلبَ قلبٌ مُضَلَّلٌ،
هَفا هَفْوةً فاسْتَوْجَفَته المَقادِرُ