Academy of the Arabic Language in Cairo, al-Muʿjam al-Wasīṭ (1998) المعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=62398#dd6b01
(الــأكاف) صانع الأكف
أكف: الإكافُ والــأُكاف من المراكب: شبه الرِّحالِ والأَقْتابِ، وزعم
يعقوب أَن همزته بدل من واو وُكافٍ ووِكافٍ، والجمع آكِفةٌ وأُكُفٌ كإزارٍ
وآزِرةٍ وأُزُرٍ. غيره: أُكافُ الحمار وإكافُه ووِكافُه ووُكافه، والجمع
أُكُفٌ، وقيل في جمعه وَكُفٌ؛ وأَنشد في الــأُكِافِ لراجز:
إنَّ لَنا أَحْمِرةً عِجافا،
يأْكُلْنَ كلَّ لَيْلةٍ أُكِافــا
أَي يأْكلن ثَمَنَ أُكافٍ أَي يُباعُ أُكِافٌ ويُطْعَم بثمنه؛ ومثله:
نُطْعِمُها إذا شَتَتْ أَولادَها
أَي ثمن أَولادها، ومنه الـمَثَل: تَجُوعُ الحُرَّةُ ولا تأْكلُ
ثَدْيَيْها أَي أُجرة ثَدْيَيْها.
وآكَفَ الدابّةَ: وضع عليها الإكاف كأَوْكَفَها أَي شدَّ عليها الإكاف؛
قال اللحياني: آكَفَ البغلَ لغة بني تميم وأَوْكَفَه لغة أَهل الحجاز.
وأَكَّفَ أُكافــاً وإكافاً: عَمِلَه.
وكف: وكَف الدمعُ والماء وكْفاً ووَكِيفاً ووُكوفاً ووَكَفاناً: سال.
ووَكَفَت العينُ الدمْعَ وكْفاً ووَكيفاً: أَسالته. اللحياني: وكفَت العينُ
تَكِفُ وكْفاً ووَكِيفاً، وسحاب وَكُوف إذا كانت تَسِيل قليلاً قليلاً.
ووكَفَت الدلْوُ وكْفاً ووَكِيفاً: قطرت، وقيل: الوكْف المصدر،
والوَكِيفُ القطر نفسه. وفي الحديث: أَن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، توضأَ
فاستوكف ثلاثاً؛ قال غير واحد: معناه أَنه غسل يديه ثلاثاً وبالغ في صبّ الماء
على يديه حتى وكف الماءُ من يديه أَي قطر؛ قال حميد بن ثور يصف الخَمر:
إذا اسْتوْكَفَتْ باتَ الغَوِيُّ يَسُوفُها،
كما جَسَّ أَحْشاءَ السَّقِيمِ طَبِيبُ
أَراد إذا استقْطرتْ. واستوكَفْت الشيء: استَقْطَرْته: ووكَف البيتُ
وكْفاً ووَكِيفاً ووُكوفاً ووكَفاناً وتَوْكافاً وأَوكَف وتَوَكَّفَ: هَطَلَ
وقطَر، وكذلك السطْح، ومصدره الوَكِيف والوَكْف. وشاة وَكُوف: غَزيرة
اللبن وكذلك مِنْحةٌ وَكُوف وناقة وَكُوف أَي غزيرة. وفي الحديث: أَنه، صلى
اللّه عليه وسلم، قال: من مَنَحَ مِنْحةَ وَكُوفاً فله كذا وكذا؛ قال
أَبو عبيد: الوكوف الغزيرة الكثيرة الدَّرِّ، ومن هذا قيل: وَكَفَ البيتُ
بالمطر، ووكفَتِ العينُ بالدمع إذا تقاطَر. وقال ابن الأَعرابي: الوكوف
التي لا ينقطع لبنها سنَتها جَمْعاء. وأَوْكَفت المرأَة: قارَبت أَن تلد.
والوَكْف: النِّطَعُ؛ قال أَبو ذؤيب:
ومُدَّعَسٍ فيه الأَنِيضُ اخْتَفَيْتُه
بجَرْداء، مِثْلِ الوكْفِ، يَكْبُو غُرابها
بجَرْداء يعني أَرضاً مَلْساء لا تُنبت شيئاً يكبو غراب الفأْس عنها
لصَلابتها إذا حُفِرت؛ والبيت الذي أَورده الجوهري:
تَدَلَّى عليها بين سِبٍّ وخَيْطةٍ
بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها
والوَكَفُ: وكَفُ البيت مثل الجَناح في البيت يكون على الكُنَّةِ أَو
الكَنِيف. وفي الحديث: خيارُ الشُّهداء عند اللّه أَصحابُ الوَكَف؛ قيل:
ومن أَصحابُ الوَكَف؟ قال: قوم تُكْفأُ عليهم مراكبهم في البحر؛ قال ابن
الأَثير: الوَكَفُ في البيت مثل الجناح يكون عليه الكَنِيف؛ المعنى أَن
مراكبهم انقلبت بهم فصارت فوقهم مثل أَوكاف البيوت، قال: وأَصل الوَكَف في
اللغة المَيْل والجَوْرُ. والوَكَف، بالتحريك: الإِثم، وقيل: العيب
والنقْص. وقد وَكِفَ الرجل يَوْكَفُ وكَفاً إذا أَثِمَ. وقد وَكِفَ يَوْكَفُ
وأَوكَفَه: أَوقعه في إثْم. ويقال: ما عليك في هذا وكَفٌ. والوَكَفُ:
العيب؛ أَنشد ابن السكيت لعمرو بن امرئ القيس، ويقال لقيس بن الخطيم:
الحافِظُو عَوْرَةِ العشيرةِ، لا يَأْ
تيهِمُ من ورائهمْ وَكَفُ
قال ابن بري: وأَنكر عليّ بن حمزة أَن يكون الوكَف بمعنى الإثم، وقال:
هو بمعنى العَيْب فقط.وليس في هذا الأَمر وكْف ولا وكَف أَي فساد. وفي
الحديث: ليَخْرُجَنَّ ناسٌ من قُبورهم في صورة
(*
قوله «في صورة» في النهاية: على صورة.) القِرَدة بما داهَنُوا أَهل
المعاصي ثم وكَفُوا عن عِلْمهم وهم يَستطيعون؛ قال الزجاج: وكَفوا عن عِلمهم
أَي قصَّروا عنه ونقَصُوا. يقال: عليك في هذا الأَمر وكَف أَي نقص.
ويقال: ليس عليك في هذا الأَمر وكَف أَي ليس عليك فيه مكروه ولا نقص. وفي حديث
عمر، رضي اللّه عنه: البَخيل في غير وكَفٍ؛ الوكَفُ: الوقوع في المأْثَم
والعيب. وفي عقله ورأْيِه وكَفٌ أَي فساد؛ عن ابن الأَعرابي وثعلب.
التهذيب: يقال إني لأَخشى عليك وكَفَ فلان أَي جَوْرَه ومَيْله؛ قال
الكميت:بكَ يَعْتَلي وكَفَ الأُمُو
ر، ويَحْمِلُ الأَثْقالَ حامِلْ
وقال أَبو عمرو: الوكَفُ الثِّقلُ والشدَّةُ. وقالت الكِلابية: يقال
فلان على وكَفٍ من حاجته إذا كان لا يدري على ما هو منها، قال: وكل هذا ليس
بخارج مما جاء مفسَّراً في الحديث لأَن التكفي
(* قوله التكفي: هكذا في
الأصل ولعلها الوكْف.) هو المَيْل. والوكَفُ من الأَرض: ما انهبط عن
المرتفع؛ عن ابن الأَعرابي؛ قال العجاج يصف ثوراً:
يَعْلو الدَّكاديكَ ويَعْلُو الوَكَفا
وقال الجوهري: هو سَفْح الجبل، وقال ثعلب: هو المكان الغَمْضُ في أَصل
شَرف. ابن شميل: الوَكَفُ من الأَرض القِنْع يتَّسع وهو جَلَد طين وحصى،
وجمعه أَوْكاف.
وتَوَكَّف الأَثَر: تتبَّعه. والتوكُّف: التوقُّع والانتظار. وفي حديث
ابن عمير: أَهلُ القبور يتوكَّفُون الأَخْبار أَي ينتظرونها ويسأَلون
عنها، وفي التهذيب: أَي يتوقعونها، فإذا مات الميت سأَلوه: ما فعل فلان وما
فعل فلان؟ يقال: هو يتوكَّف الخبر أَي يتوقَّعه. وتقول: ما زلت أَتوكَّفُه
حتى لقِيته. ويقال: واكَفْت الرجل مُواكفةً في الحرب وغيرها إذا
واجَهْتَه وعارَضْته؛ قال ذو الرمة:
متى ما يُواكِفْها ابن أُنْثَى، رَمَتْ به
مع الجَيْشِ يَبْغِيها المَغانِمَ، تنكل
(* قوله «تنكل» كذا في الأصل بالنون، وفي شرح القاموس: بثاء مثلثة.)
وتوكَّف عيالَه وحشَمه: تعهَّدهم، وهو يتوكَّفهم: يتعهَّدهم وينظر في
أُمورهم.
والوُكاف والوِكاف والــأُكاف والإكاف: يكون للبعير والحمار والبغل؛ قال
يعقوب وكان رؤبة ينشد:
كالكَوْدَن المَشدُودِ بالوكاف
والجمع وُكُف؛ وأَوْكَفَ الدابةَ، حِجازيّة. الجوهري: يقال آكفْت البغل
وأَوْكَفْته. ووكَّفَ الدابةَ: وضع عليها الوكاف. ووكَّف وكافاً: عمله،
اللحياني: أَوكَفْت البغل أُوكِفُه إيكافاً، وهي لغة أَهل الحجاز وتميم،
تقول: آكفْته أُوكِفُه إيكافاً، وقال بعضهم: وكَّفْته توكيفاً وأَكَّفْته
تأْكيفاً، والاسم الوكاف والإكاف.
حرم: الحِرْمُ، بالكسر، والحَرامُ: نقيض الحلال، وجمعه حُرُمٌ؛ قال
الأَعشى:
مَهادي النَّهارِ لجاراتِهِمْ،
وبالليل هُنَّ عليهمْ حُرُمْ
وقد حَرُمَ عليه الشيء حُرْماً وحَراماً وحَرُمَ الشيءُ، بالضم،
حُرْمَةً وحَرَّمَهُ الله عليه وحَرُمَتِ الصلاة على المرأة حُرُماً وحُرْماً،
وحَرِمَتْ عليها حَرَماً وحَراماً: لغة في حَرُمَت. الأَزهري: حَرُمَت
الصلاة على المرأة تَحْرُمُ حُروماً، وحَرُمَتِ المرأةُ على زوجها تَحْرُمُ
حُرْماً وحَراماً، وحَرُمَ عليه السَّحورُ حُرْماً، وحَرِمَ لغةٌ.
والحَرامُ: ما حَرَّم اللهُ. والمُحَرَّمُ: الحَرامُ. والمَحارِمُ: ما حَرَّم
اللهُ. ومَحارِمُ الليلِ: مَخاوِفُه التي يَحْرُم على الجَبان أَن يسلكها؛
عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
مَحارِمُ الليل لهُنَّ بَهْرَجُ،
حين ينام الوَرَعُ المُحَرَّجُ
(* قوله «المحرج» كذا هو بالأصل والصحاح، وفي المحكم؛ المزلج كمعظم).
ويروى: مخارِمُ الليل أَي أَوائله. وأَحْرَمَ الشيء: جَعله حَراماً.
والحَريمُ: ما حُرِّمَ فلم يُمَسَّ. والحَريمُ: ما كان المُحْرِمون
يُلْقونه من الثياب فلا يَلْبَسونه؛ قال:
كَفى حَزَناً كَرِّي عليه كأَنه
لَقىً، بين أَيْدي الطائفينَ، حَريمُ
الأَزهري: الحَريمُ الذي حَرُمَ مسه فلا يُدْنى منه، وكانت العرب في
الجاهلية إذا حَجَّت البيت تخلع ثيابها التي عليها إذا دخلوا الحَرَمَ ولم
يَلْبسوها ما داموا في الحَرَم؛ ومنه قول الشاعر:
لَقىً، بين أَيدي الطائفينَ، حَريمُ
وقال المفسرون في قوله عز وجل: يا بني آدم خذوا زينَتكم عند كل مَسْجد؛
كان أَهل الجاهلية يطوفون بالبيت عُراةً ويقولون: لا نطوف بالبيت في ثياب
قد أَذْنَبْنا فيها، وكانت المرأة تطوف عُرْيانَةً أَيضاً إلاّ أنها
كانت تَلْبَس رَهْطاً من سُيور؛ وقالت امرأة من العرب:
اليومَ يَبْدو بعضُه أَو كلُّهُ،
وما بَدا منه فلا أُْحِلُّهُ
تعني فرجها أَنه يظهر من فُرَجِ الرَّهْطِ الذي لبسته، فأَمَرَ اللهُ عز
وجل بعد ذكره عُقوبة آدمَ وحوّاء بأَن بَدَتْ سَوْآتُهما بالإستتار
فقال: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد؛ قال الأَزهري: والتَّعَرِّي
وظهور السوءة مكروه، وذلك مذ لَدُنْ آدم. والحَريمُ: ثوب المُحْرم، وكانت العرب
تطوف عُراةً وثيابُهم مطروحةٌ بين أَيديهم في الطواف. وفي الحديث: أَن
عِياضَ بن حِمار المُجاشِعيّ كان حِرْميَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فكان إذا حج طاف في ثيابه؛ كان أشراف العرب الذي يتَحَمَّسونَ على دينهم
أَي يتشدَّدون إذا حَج أحدهم لم يأكل إلاّ طعامَ رجلٍ من الحَرَم، ولم
يَطُفْ إلاَّ في ثيابه فكان لكل رجل من أَشرافهم رجلٌ من قريش، فيكون كل
واحدٍ منهما حِرْمِيَّ صاحبه، كما يقال كَرِيٌّ للمُكْري والمُكْتَري،
قال: والنَّسَبُ في الناس إلى الحَرَمِ حِرْمِيّ، بكسر الحاء وسكون الراء.
يقال: رجل حِرْمِيّ، فإذا كان في غير الناس قالوا ثوب حَرَمِيّ.
وحَرَمُ مكة: معروف وهو حَرَمُ الله وحَرَمُ رسوله. والحَرَمانِ: مكة
والمدينةُ، والجمع أَحْرامٌ. وأَحْرَمَ القومُ: دخلوا في الحَرَمِ. ورجل
حَرامٌ: داخل في الحَرَمِ، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث، وقد جمعه بعضهم
على حُرُمٍ.
والبيت الحَرامُ والمسجد الحَرامُ والبلد الحَرام. وقوم حُرُمٌ
ومُحْرِمون. والمُحْرِمُ: الداخل في الشهر الحَرام، والنَّسَبُ إلى
الحَرَم حِرْمِيٌّ، والأُنثى حِرْمِيَّة، وهو من المعدول الذي يأتي على غير
قياس، قال المبرد: يقال امرأة حِرْمِيَّة وحُرْمِيَّة وأَصله من قولهم:
وحُرْمَةُ البيت وحِرْمَةُ البيت؛ قال الأَعشى:
لا تأوِيَنَّ لحِرْمِيٍّ مَرَرْتَ به،
بوماً، وإنْ أُلْقِيَ الحِرْميُّ في النار
وهذا البيت أَورده ابن سيده في المحكم، واستشهد به ابن بري في أَماليه
على هذه الصورة، وقال: هذا البيت مُصَحَّف، وإنما هو:
لا تَأوِيَنَّ لِجَرْمِيٍّ ظَفِرْتَ به،
يوماً، وإن أُلْقِيَ الجَرْميُّ في النّار
الباخِسينَ لِمَرْوانٍ بذي خُشُبٍ،
والدَّاخِلين على عُثْمان في الدَّار
وشاهد الحِرْمِيَّةِ قول النابغة الذبياني:
كادَتْ تُساقِطُني رَحْلي ومِيثَرَتي،
بذي المَجازِ، ولم تَحْسُسْ به نَغَما
من قول حِرْمِيَّةٍ قالت، وقد ظَعنوا:
هل في مُخْفِّيكُمُ مَنْ يَشْتَري أَدَما؟
وقال أَبو ذؤيب:
لَهُنَّ نَشيجٌ بالنَّشيلِ، كأَنها
ضَرائرُ حِرْميٍّ تفاحشَ غارُها
قال الأَصمعي: أَظنه عَنى به قُرَيْشاً، وذلك لأَن أَهل الحَرَمِ أَول
من اتخذ الضرائر، وقالوا في الثوب المنسوب إليه حَرَمِيّ، وذلك للفرق الذي
يحافظون عليه كثيراً ويعتادونه في مثل هذا. وبلد حَرامٌ ومسجد حَرامٌ
وشهر حرام.
والأَشهُر الحُرُمُ أَربعة: ثلاثة سَرْدٌ أَي متتابِعة وواحد فَرْدٌ،
فالسَّرْدُ ذو القَعْدة وذو الحِجَّة والمُحَرَّمُ، والفَرْدُ رَجَبٌ. وفي
التنزيل العزيز: منها أَربعة حُرُمٌ؛ قوله منها، يريد الكثير، ثم قال:
فلا تَظْلِموا فيهنَّ أَنفسكم لما كانت قليلة.
والمُحَرَّمُ: شهر الله، سَمَّتْه العرب بهذا الإسم لأَنهم كانوا لا
يستَحلُّون فيه القتال، وأُضيف إلى الله تعالى إعظاماً له كما قيل للكعبة
بيت الله، وقيل: سمي بذلك لأَنه من الأشهر الحُرُمِ؛ قال ابن سيده: وهذا
ليس بقوي. الجوهري: من الشهور أَربعة حُرُمٌ كانت العرب لا تستحل فيها
القتال إلا حَيّان خَثْعَم وطَيِّءٌ، فإنهما كانا يستَحِلاَّن الشهور، وكان
الذين يَنْسؤُون الشهور أَيام المواسم يقولون: حَرّمْنا عليكم القتالَ في
هذه الشهور إلاَّ دماء المُحِلِّينَ، فكانت العرب تستحل دماءهم خاصة في
هذه الشهور، وجمع المُحَرَّم مَحارِمُ ومَحاريمُ ومُحَرَّماتٌ. الأَزهري:
كانت العرب تُسَمِّي شهر رجب الأَصَمَّ والمُحَرَّمَ في الجاهلية؛ وأَنشد
شمر قول حميد بن ثَوْر:
رَعَيْنَ المُرارَ الجَوْنَ من كل مِذْنَبٍ،
شهورَ جُمادَى كُلَّها والمُحَرَّما
قال: وأَراد بالمُحَرَّمِ رَجَبَ، وقال: قاله ابن الأَعرابي؛ وقال
الآخر:أَقَمْنا بها شَهْرَيْ ربيعٍ كِليهما،
وشَهْرَيْ جُمادَى، واسْتَحَلُّوا المُحَرَّما
وروى الأَزهري بإسناده عن أُم بَكْرَةَ: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم،
خَطَبَ في صِحَّته فقال: أَلا إنَّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق
السموات والأرض، السَّنَة اثنا عشر شهراً، منها أَربعة حُرُمٌ، ثلاثةٌ
مُتَوالِياتٌ: ذو القَعْدة وذو الحِجَّة والمحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين
جُمادَى وشعبان. والمُحَرَّم: أَول الشهور. وحَرَمَ وأَحْرَمَ: دخل في
الشهر الحرام؛ قال:
وإذْ فَتَكَ النُّعْمانُ بالناس مُحْرِماً،
فَمُلِّئَ من عَوْفِ بن كعبٍ سَلاسِلُهْ
فقوله مُحْرِماً ليس من إحْرام الحج، ولكنه الداخل في الشهر الحَرامِ.
والحُرْمُ، بالضم: الإحْرامُ بالحج. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: كنت
أُطَيِّبُه، صلى الله عليه وسلم، لحِلِّهِ ولِحُرْمِه أَي عند إِحْرامه؛
الأَزهري: المعنى أَنها كانت تُطَيِّبُه إذا اغْتسل وأَراد الإِحْرام
والإهْلالَ بما يكون به مُحْرِماً من حج أَو عمرة، وكانت تُطَيِّبُه إذا
حَلّ من إحْرامه؛ الحُرْمُ، بضم الحاء وسكون الراء: الإحْرامُ بالحج،
وبالكسر: الرجل المُحْرِمُ؛ يقال: أَنتَ حِلّ وأَنت حِرْمٌ. والإِحْرامُ: مصدر
أَحْرَمَ الرجلُ يُحْرِمُ إحْراماً إذا أَهَلَّ بالحج أَو العمرة
وباشَرَ أَسبابهما وشروطهما من خَلْع المَخِيط، وأَن يجتنب الأشياء التي منعه
الشرع منها كالطيب والنكاح والصيد وغير ذلك، والأَصل فيه المَنْع، فكأنَّ
المُحْرِم ممتنع من هذه الأَشياء. ومنه حديث الصلاة: تَحْرِيمُها
التكبير، كأن المصلي بالتكبير والدخول في الصلاة صار ممنوعاً من الكلام
والأَفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأَفعالِها، فقيل للتكبير تَحْرِيمٌ
لمنعه المصلي من ذلك، وإنما سميت تكبيرَة الإحْرام أَي الإِحرام
بالصلاة.والحُرْمَةُ: ما لا يَحِلُّ لك انتهاكه، وكذلك المَحْرَمَةُ
والمَحْرُمَةُ، بفتح الراء وضمها؛ يقال: إن لي مَحْرُماتٍ فلا تَهْتِكْها، واحدتها
مَحْرَمَةٌ ومَحْرُمَةٌ، يريد أن له حُرُماتٍ. والمَحارِمُ: ما لا يحل
إستحلاله.
وفي حديث الحُدَيْبية: لا يسألوني خُطَّةً يعَظِّمون فيها حُرُماتِ الله
إلا أَعْطيتُهم إياها؛ الحُرُماتُ جمع حُرْمَةٍ كظُلْمَةٍ وظُلُماتٍ؛
يريد حُرْمَةَ الحَرَمِ، وحُرْمَةَ الإحْرامِ، وحُرْمَةَ الشهر الحرام.
وقوله تعالى: ذلك ومن يُعَظِّمْ حُرُماتِ الله؛ قال الزجاج: هي ما وجب
القيامُ به وحَرُمَ التفريطُ فيه، وقال مجاهد: الحُرُماتُ مكة والحج
والعُمْرَةُ وما نَهَى الله من معاصيه كلها، وقال عطاء: حُرُماتُ الله معاصي
الله.وقال الليث: الحَرَمُ حَرَمُ مكة وما أَحاط إلى قريبٍ من الحَرَمِ، قال
الأَزهري: الحَرَمُ قد ضُرِبَ على حُدوده بالمَنار القديمة التي بَيَّنَ
خليلُ الله، عليه السلام، مشَاعِرَها وكانت قُرَيْش تعرفها في الجاهلية
والإسلام لأَنهم كانوا سُكان الحَرَمِ، ويعملون أَن ما دون المَنارِ إلى
مكة من الحَرَمِ وما وراءها ليس من الحَرَمِ، ولما بعث الله عز وجل
محمداً، صلى الله عليه وسلم، أَقرَّ قُرَيْشاً على ما عرفوه من ذلك، وكتب مع
ابن مِرْبَعٍ الأَنصاري إلى قريش: أَن قِرُّوا على مشاعركم فإنكم على إرْثٍ
من إرْثِ إبراهيم، فما كان دون المنار، فهو حَرَم لا يحل صيده ولا
يُقْطَع شجره، وما كان وراء المَنار، فهو من الحِلّ يحِلُّ صيده إذا لم يكن
صائده مُحْرِماً. قال: فإن قال قائل من المُلْحِدين في قوله تعالى: أَوَلم
يَرَوْا أَنَّا جعلنا حَرَماً آمناً ويُتَخَطَّف الناس من حولهم؛ كيف
يكون حَرَماً آمناً وقد أُخِيفوا وقُتلوا في الحَرَمِ؟ فالجواب فيه أَنه عز
وجل جعله حَرَماً آمناً أَمراً وتَعَبُّداً لهم بذلك لا إخباراً، فمن آمن
بذلك كَفَّ عما نُهِي عنه اتباعاً وانتهاءً إلى ما أُمِرَ به، ومن
أَلْحَدَ وأَنكر أَمرَ الحَرَمِ وحُرْمَتَهُ فهو كافر مباحُ الدمِ، ومن
أَقَرَّ وركب النهيَ فصاد صيد الحرم وقتل فيه فهو فاسق وعليه الكفَّارة فيما
قَتَلَ من الصيد، فإن عاد فإن الله ينتقم منه. وأَما المواقيت التي يُهَلُّ
منها للحج فهي بعيدة من حدود الحَرَمِ، وهي من الحلّ، ومن أَحْرَمَ منها
بالحج في الأَشهر الحُرُمِ فهو مُحْرِمٌ مأْمور بالانتهاء ما دام
مُحْرِماً عن الرَّفَثِ وما وراءَه من أَمر النساء، وعن التَّطَيُّبِ بالطيبِ،
وعن لُبْس الثوب المَخيط، وعن صيد الصيد؛ وقال الليث في قول الأَعشى:
بأَجْيادِ غَرْبيِّ الصَّفا والمُحَرَّمِ
قال: المُحَرَّمُ هو الحَرَمُ. وتقول: أَحْرَمَ الرجلُ، فهو مُحْرِمٌ
وحَرامٌ، ورجل حَرامٌ أَي مُحْرِم، والجمع حُرُم مثل قَذالٍ وقُذُلٍ،
وأَحْرَم بالحج والعمرة لأَنه يَحْرُم عليه ما كان له حَلالاً من قبلُ كالصيد
والنساء. وأَحْرَمَ الرجلُ إذا دخل في الإحْرام بالإِهلال، وأَحْرَمَ إذا
صار في حُرَمِه من عهد أَو ميثاق هو له حُرْمَةٌ من أَن يُغار عليه؛
وأََما قول أُحَيْحَة أَنشده ابن الأَعرابي:
قَسَماً، ما غيرَ ذي كَذِبٍ،
أَن نُبيحَ الخِدْن والحُرَمَه
(* قوله «أن نبيح الخدن» كذا بالأصل، والذي في نسختين من المحكم: أن
نبيح الحصن).
قال ابن سيده: فإني أَحسب الحُرَمَةَ لغة في الحُرْمَةِ، وأَحسن من ذلك
أَن يقول والحُرُمَة، بضم الراء، فتكون من باب طُلْمة وظُلُمَةٍ، أَو
يكون أَتبع الضم الضم للضرورة كما أتبع الأَعشى الكسر الكسر أَيضاً
فقال:أَذاقَتْهُمُ الحَرْبُ أَنْفاسَها،
وقد تُكْرَهُ الحربُ بعد السِّلِمْ
إلاَّ أن قول الأَعشى قد يجوز أَن يَتَوَجَّه على الوقف كما حكاه سيبويه
من قولهم: مررت بالعِدِلْ.
وحُرَمُ الرجلِ: عياله ونساؤه وما يَحْمِي، وهي المَحارِمُ، واحدتها
مَحْرَمَةٌ ومَحْرُمة مَحْرُمة. ورَحِمٌ مَحْرَمٌ: مُحَرَّمٌ
تَزْويجُها؛ قال:
وجارةُ البَيْتِ أَراها مَحْرَمَا
كما بَراها الله، إلا إنما
مكارِهُ السَّعْيِ لمن تَكَرَّمَا
كما بَراها الله أَي كما جعلها. وقد تَحَرَّمَ بصُحْبته؛ والمَحْرَمُ:
ذات الرَّحِم في القرابة أَي لا يَحِلُّ تزويجها، تقول: هو ذو رَحِمٍ
مَحْرَمٍ، وهي ذاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ؛ الجوهري: يقال هو ذو رَحِمٍ منها إذا لم
يحل له نكاحُها. وفي الحديث: لا تسافر امرأة إلا مع ذي مَحْرَمٍ منها،
وفي رواية: مع ذي حُرْمَةٍ منها؛ ذو المَحْرَمِ: من لا يحل له نكاحها من
الأَقارب كالأب والإبن والعم ومن يجري مجراهم.
والحُرْمَة: الذِّمَّةُ. وأَحْرَمَ الرجلُ، فهو مُحْرِمٌ
إذا كانت له ذمة؛ قال الراعي:
قَتَلوا ابنَ عَفّان الخليفةَ مُحْرِماً،
ودَعا فلم أَرَ مثلَهُ مَقْتولا
ويروى: مَخْذولا، وقيل: أَراد بقوله مُحْرِماً أَنهم قتلوه في آخر ذي
الحِجَّةِ؛ وقال أَبو عمرو: أَي صائماً. ويقال: أَراد لم يُحِلَّ من نفسه
شيئاً يوقِعُ به فهو مُحْرِمٌ. الأزهري: روى شمر لعُمَرَ أَنه قال الصيام
إحْرامٌ، قال: وإنما قال الصيامُ إحْرام لامتناع الصائم مما يَثْلِمُ
صيامَه، ويقال للصائم أَيضاً
مُحْرِمٌ؛ قال ابن بري: ليس مُحْرِماً في بيت الراعي من الإحْرام ولا من
الدخول في الشهر الحَرام، قال: وإنما هو مثل البيت الذي قبله، وإنما
يريد أَن عثمان في حُرْمةِ الإسلام وذِمَّته لم يُحِلَّ من نفسه شيئاً
يُوقِعُ به، ويقال للحالف مُحْرِمٌ لتَحَرُّمِه به، ومنه قول الحسن في الرجل
يُحْرِمُ في الغضب أَي يحلف؛ وقال الآخر:
قتلوا كِسْرى بليلٍ مُحْرِماً،
غادَرُوه لم يُمَتَّعْ بكَفَنْ
يريد: قَتَلَ شِيرَوَيْهِ أَباه أَبْرَوَيْز بنَ هُرْمُزَ. الأَزهري:
الحُرْمة المَهابة، قال: وإذا كان بالإنسان رَحِمٌ وكنا نستحي مه قلنا: له
حُرْمَةٌ، قال: وللمسلم على المسلم حُرْمةٌ ومَهابةٌ. قال أَبو زيد: يقال
هو حُرْمَتُك وهم ذَوو رَحِمِه وجارُه ومَنْ يَنْصره غائباً وشاهداً ومن
وجب عليه حَقُّه. ويقال: أَحْرَمْت عن الشيء إذا أَمسكتَ عنه، وذكر أَبو
القاسم الزجاجي عن اليزيدي أَنه قال: سألت عمي عن قول النبي، صلى الله
عليه وسلم: كلُّ مُسْلم عن مسلم مُحْرِمٌ، قال: المُحْرِمُ الممسك، معناه
أَن المسلم ممسك عن مال المسلم وعِرْضِهِ ودَمِهِ؛ وأَنشد لمِسْكين
الدارميّ:
أَتتْني هَناتٌ عن رجالٍ، كأَنها
خَنافِسُ لَيْلٍ ليس فيها عَقارِبُ
أَحَلُّوا على عِرضي، وأَحْرَمْتُ عنهُمُ،
وفي اللهِ جارٌ لا ينامُ وطالِبُ
قال: وأَنشد المفضل لأَخْضَرَ بن عَبَّاد المازِنيّ جاهليّ:
لقد طال إعْراضي وصَفْحي عن التي
أُبَلَّغُ عنكْم، والقُلوبُ قُلوبُ
وطال انْتِظاري عَطْفَةَ الحِلْمِ عنكمُ
ليَرْجِعَ وُدٌّ، والمَعادُ قريبُ
ولستُ أَراكُمْ تُحْرِمونَ عن التي
كرِهْتُ، ومنها في القُلوب نُدُوبُ
فلا تأمَنُوا مِنّي كَفاءةَ فِعْلِكُمْ،
فيَشْمَتَ قِتْل أَو يُساءَ حبيبُ
ويَظْهَرَ مِنّاً في المَقالِ ومنكُُمُ،
إذا ما ارْتَمَيْنا في المَقال، عُيوبُ
ويقال: أَحْرَمْتُ الشيء بمعنى حَرَّمْتُه؛ قال حُمَيْدُ بن ثَوْرٍ:
إلى شَجَرٍ أَلْمَى الظِّلالِ، كأنها
رواهِبُ أَحْرَمْنَ الشَّرابَ عُذُوبُ
قال: والضمير في كأنها يعود على رِكابٍ تقدم ذكرها. وتَحَرَّم منه
بحُرْمَةٍ: تَحَمّى وتَمَنَّعَ. وأََحْرَمَ القومُ إذا دخلوا في الشهر
الحَرامِ؛ قال زهير:
جَعَلْنَ القَنانَ عن يَمينٍ وحَزْنَهُ،
وكم بالقَنانِ من مُحِلٍّ ومُحْرِمِ
وأَحْرَمَ الرجلُ إذا دخل في حُرْمة لا تُهْتَكُ؛ وأَنشد بيت زهير:
وكم بالقنانِ من مُحِلٍّ ومُحْرِمِ
أي ممن يَحِلُّ قتالُه وممن لا يَحِلُّ ذلك منه. والمُحْرِمُ:
المُسالمُ؛ عن ابن الأَعرابي، في قول خِداش بن زهير:
إذا ما أصابَ الغَيْثُ لم يَرْعَ غَيْثَهمْ،
من الناس، إلا مُحْرِمٌ أَو مُكافِلُ
هكذا أَنشده: أَصاب الغَيْثُ، برفع الغيث، قال ابن سيده: وأَراها لغة في
صابَ أَو على حذف المفعول كأنه إذا أَصابَهُم الغَيثُ أَو أَصاب الغيث
بلادَهُم فأَعْشَبَتْ؛ وأَنشده مرة أُخرى:
إذا شَرِبوا بالغَيْثِ
والمُكافِلُ: المُجاوِرُ المُحالِفُ، والكَفيلُ من هذا أُخِذَ.
وحُرْمَةُ الرجل: حُرَمُهُ وأَهله. وحَرَمُ الرجل وحَريمُه: ما يقاتِلُ عنه
ويَحْميه، فجمع الحَرَم أَحْرامٌ، وجمع الحَريم حُرُمٌ. وفلان مُحْرِمٌ بنا أَي
في حَريمنا. تقول: فلان له حُرْمَةٌ أَي تَحَرَّمَ بنا بصحبةٍ أَو بحق
وذِمَّةِ. الأَزهري: والحَريمُ
قَصَبَةُ الدارِ، والحَريمُ فِناءُ المسجد. وحكي عن ابن واصل الكلابي:
حَريم الدار ما دخل فيها مما يُغْلَقُ عليه بابُها وما خرج منها فهو
الفِناءُ، قال: وفِناءُ البَدَوِيِّ ما يُدْرِكُهُ حُجْرَتُه وأَطنابُهُ، وهو
من الحَضَرِيّ إذا كانت تحاذيها دار أُخرى، ففِناؤُهما حَدُّ ما بينهما.
وحَريمُ الدار: ما أُضيف إليها وكان من حقوقها ومَرافِقها. وحَريمُ
البئر: مُلْقى النَّبِيثَة والمَمْشى على جانبيها ونحو ذلك؛ الصحاح: حَريم
البئر وغيرها ما حولها من مَرافقها وحُقوقها. وحَريمُ النهر: مُلْقى طينه
والمَمْشى على حافتيه ونحو ذلك. وفي الحديث: حَريمُ البئر أَربعون ذراعاً،
هو الموضع المحيط بها الذي يُلْقى فيه ترابُها أَي أَن البئر التي يحفرها
الرجل في مَواتٍ فَحريمُها ليس لأَحد أَن ينزل فيه ولا ينازعه عليها،
وسمي به لأَنه يَحْرُمُ منع صاحبه منه أَو لأَنه مُحَرَّمٌ على غيره
التصرفُ فيه.
الأَزهري: الحِرْمُ المنع، والحِرْمَةُ الحِرْمان، والحِرْمانُ نَقيضه
الإعطاء والرَّزْقُ. يقال: مَحْرُومٌ ومَرْزوق. وحَرَمهُ الشيءَ
يَحْرِمُهُ وحجَرِمَهُ حِرْماناً وحِرْماً
(* قوله «وحرماً» أي بكسر فسكون، زاد في
المحكم: وحرماً ككتف) وحَريماً وحِرْمَةً وحَرِمَةً وحَريمةً،
وأَحْرَمَهُ لغةٌ ليست بالعالية، كله: منعه العطيّة؛ قال يصف امرأة:
وأُنْبِئْتُها أَحْرَمَتْ قومَها
لتَنْكِحَ في مَعْشَرٍ آخَرِينا
أَي حَرَّمَتْهُم على نفسها. الأَصمعي: أَحْرَمَتْ قومها أَي
حَرَمَتْهُم أَن ينكحوها. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: كل مُسلمٍ
عن مسلم مُحْرِمٌ أَخَوانِ نَصيرانِ؛ قال أَبو العباس: قال ابن الأَعرابي
يقال إنه لمُحْرِمٌ عنك أَي يُحَرِّمُ أَذاكَ عليه؛ قال الأَزهري: وهذا
بمعنى الخبر، أَراد أَنه يَحْرُمُ على كل واحد منهما أَن يُؤْذي صاحبَهُ
لحُرْمة الإسلام المانِعَتِه عن ظُلْمِه. ويقال: مُسلم مُحْرِمٌ وهو الذي
لم يُحِلَّ من نفسه شيئاً يُوقِعُ به، يريد أَن المسلم مُعْتَصِمٌ
بالإسلام ممتنع بحُرْمتِهِ ممن أَراده وأَراد ماله.
والتَّحْرِيمُ: خلاف التَّحْليل. ورجل مَحْروم: ممنوع من الخير. وفي
التهذيب: المَحْروم الذي حُرِمَ الخيرَ حِرْماناً. وقوله تعالى: في أَموالهم
حقٌّ معلوم للسائل والمَحْروم؛ قيل: المَحْروم الذي لا يَنْمِي له مال،
وقيل أَيضاً: إِنه المُحارِفُ الذي لا يكاد يَكْتَسِبُ. وحَرِيمةُ
الربِّ: التي يمنعها من شاء من خلقه. وأَحْرَمَ الرجلَ: قَمَرَه، وحَرِمَ في
اللُّعبة يحْرَمُ حَرَماً: قَمِرَ ولم يَقْمُرْ هو؛ وأَنشد:
ورَمَى بسَهْمِ حَريمةٍ لم يَصْطَدِ
ويُخَطُّ خَطٌّ
فيدخل فيه غِلمان وتكون عِدَّتُهُمْ في خارج من الخَطّ فيَدْنو هؤلاء من
الخط ويصافحُ أَحدُهم صاحبَهُ، فإن مسَّ الداخلُ الخارجَ فلم يضبطه
الداخلُ قيل للداخل: حَرِمَ وأَحْرَمَ الخارِجُ الداخلَ، وإن ضبطه الداخلُ
فقد حَرِمَ الخارِجُ وأَحْرَمَه الداخِلُ. وحَرِمَ الرجلُ حَرماً: لَجَّ
ومَحَكَ. وحَرِمَت المِعْزَى وغيرُها من ذوات الظِّلْف حِراماً
واسْتحْرَمَتْ: أَرادت الفحل، وما أَبْيَنَ حِرْمَتَها، وهي حَرْمَى، وجمعها حِرامٌ
وحَرامَى، كُسِّرَ على ما يُكَسَّرُ عليه فَعْلَى التي لها فَعْلانُ نحو
عَجْلان وعَجْلَى وغَرْثان وغَرْثى، والاسم الحَرَمةُ والحِرمةُ؛ الأَول
عن اللحياني، وكذلك الذِّئْبَةُ والكلبة وأكثرها في الغنم، وقد حكي ذلك
في الإبل. وجاء في بعض الحديث: الذين تقوم عليهم الساعةُ تُسَلَّطُ عليهم
الحِرْمَةُ أَي الغُلْمَةُ ويُسْلَبُون الحياءَ، فاسْتُعْمِل في ذكور
الأَناسِيِّ، وقيل: الإسْتِحْرامُ لكل ذات ظِلْفٍ خاصةً. والحِرْمَةُ،
بالكسر: الغُلْمةُ. قال ابن الأثير: وكأنها بغير الآدمي من الحيوان أَخَصُّ.
وقوله في حديث آدم، عليه السلام: إنه اسْتَحْرَمَ بعد موت ابنه مائةَ سنةٍ
لم يَضْحَكْ؛ هو من قولهم: أَحْرَمَ الرجلُ إذا دخل في حُرْمَةٍ لا
تهْتَكُ، قال: وليس من اسْتِحْرام الشاة. الجوهري: والحِرْمةُ في الشاء
كالضَّبْعَةِ في النُّوقِ، والحِنَاء في النِّعاج، وهو شهوة البِضاع؛ يقال:
اسْتَحْرَمَت الشاةُ وكل أُنثى من ذوات الظلف خاصةً إذا اشتهت الفحل. وقال
الأُمَوِيُّ: اسْتَحْرَمتِ الذِّئبةُ والكلبةُ
إذا أَرادت الفحل. وشاة حَرْمَى وشياه حِرامٌ وحَرامَى مثل عِجالٍ
وعَجالى، كأَنه لو قيل لمذكَّرِهِ لَقِيل حَرْمانُ، قال ابن بري: فَعْلَى
مؤنثة فَعْلان قد تجمع على فَعالَى وفِعالٍ نحو عَجالَى وعِجالٍ، وأَما شاة
حَرْمَى فإنها، وإن لم يستعمل لها مذكَّر، فإنها بمنزلة ما قد استعمل لأَن
قياس المذكر منه حَرْمانُ، فلذلك قالوا في جمعه حَرامَى وحِرامٌ، كما
قالوا عَجالَى وعِجالٌ.
والمُحَرَّمُ من الإبل مثل العُرْضِيِّ: وهو الذَّلُول الوَسَط
(* قوله
«وهو الذلول الوسط» ضبطت الطاء في القاموس بضمة، وفي نسختين من المحكم
بكسرها ولعله أقرب للصواب) الصعبُ التَّصَرُّفِ حين تصَرُّفِه. وناقة
مُحَرَّمةٌ: لم تُرَضْ؛ قال الأَزهري: سمعت العرب تقول ناقة مُحَرَّمَةُ
الظهرِ إذا كانت صعبةً لم تُرَضْ ولم تُذَلَّْلْ، وفي الصحاح: ناقة
مُحَرَّمةٌ أَي لم تَتِمَّ رياضتُها بَعْدُ. وفي حديث عائشة: إنه أَراد البَداوَة
فأَرسل إليَّ ناقة مُحَرَّمةً؛ هي التي لم تركب ولم تُذَلَّل.
والمُحَرَّمُ من الجلود: ما لم يدبغ أَو دُبغ فلم يَتَمَرَّن ولم يبالغ، وجِلد
مُحَرَّم: لم تتم دِباغته. وسوط مُحَرَّم: جديد لم يُلَيَّنْ بعدُ؛ قال
الأَعشى:
تَرَى عينَها صَغْواءَ في جنبِ غَرْزِها،
تُراقِبُ كَفِّي والقَطيعَ المُحَرَّما
وفي التهذيب: في جنب موقها تُحاذر كفِّي؛ أَراد بالقَطيع سوطه. قال
الأَزهري: وقد رأَيت العرب يُسَوُّون سياطَهم من جلود الإبل التي لم تدبغ،
يأخذون الشَّريحة العريضة فيقطعون منها سُيوراً عِراضاً ويدفنونها في
الثَّرَى، فإذا نَدِيَتْ ولانت جعلوا منها أَربع قُوىً، ثم فتلوها ثم علَّقوها
من شِعْبَي خشبةٍ يَرْكُزونها في الأَرض فتُقِلُّها من الأَرض ممدودةً
وقد أَثقلوها حتى تيبس.
وقوله تعالى: وحِرْم على قرية أهلكناها أَنهم لا يرجعون؛ روى قَتادةُ عن
ابن عباس: معناه واجبٌ عليها إذا هَلَكَتْ أن لا ترجع إلى دُنْياها؛
وقال أَبو مُعاذٍ النحويّ: بلغني عن ابن عباس أَنه قرأَها وحَرمَ على قرية
أَي وَجَب عليها، قال: وحُدِّثْت عن سعيد بن جبير أَنه قرأَها: وحِرْمٌ
على قرية أَهلكناها؛ فسئل عنها فقال: عَزْمٌ عليها. وقال أَبو إسحق في
قوله تعالى: وحرامٌ
على قرية أَهلكناها؛ يحتاج هذا إلى تَبْيين فإنه لم يُبَيَّنْ، قال:
وهو، والله أَعلم، أَن الله عز وجل لما قال: فلا كُفْرانَ لسعيه إنا له
كاتبون، أَعْلَمنا أَنه قد حَرَّمَ أعمال الكفار، فالمعنى حَرامٌ على قرية
أَهلكناها أَن يُتَقَبَّل منهم عَمَلٌ، لأَنهم لا يرجعون أَي لا يتوبون؛
وروي أَيضاً عن ابن عباس أَنه قال في قوله: وحِرْمٌ على قرية أَهلكناها،
قال: واجبٌ على قرية أَهلكناها أَنه لا يرجع منهم راجع أَي لا يتوب منهم
تائب؛ قال الأَزهري: وهذا يؤيد ما قاله الزجاج، وروى الفراء بإسناده عن ابن
عباس: وحِرْمٌ؛ قال الكسائي: أَي واجب، قال ابن بري: إنما تَأَوَّلَ
الكسائي وحَرامٌ في الآية بمعنى واجب، لتسلم له لا من الزيادة فيصير المعنى
عند واجبٌ على قرية أَهلكناها أَنهم لا يرجعون، ومن جعل حَراماً بمعنى
المنع جعل لا زائدة تقديره وحَرامٌ على قرية أَهلكناها أَنهم يرجعون،
وتأويل الكسائي هو تأْويل ابن عباس؛ ويقوّي قول الكسائي إن حَرام في الآية
بمعنى واجب قولُ عبد الرحمن بن جُمانَةَ المُحاربيّ جاهليّ:
فإنَّ حَراماً لا أَرى الدِّهْرَ باكِياً
على شَجْوِهِ، إلاَّ بَكَيْتُ على عَمْرو
وقرأ أَهل المدينة وحَرامٌ، قال الفراء: وحَرامٌ أَفشى في القراءة.
وحَرِيمٌ: أَبو حَيّ. وحَرامٌ: اسم. وفي العرب بُطون ينسبون إلى آل
حَرامٍ
(* قوله «إلى آل حرام» هذه عبارة المحكم وليس فيها لفظ آل) بَطْنٌ من
بني تميم وبَطْنٌ في جُذام وبطن في بكر بن وائل. وحَرامٌ: مولى كُلَيْبٍ.
وحَريمةُ: رجل من أَنجادهم؛ قال الكَلْحَبَةُ اليَرْبوعيّ:
فأَدْرَكَ أَنْقاءَ العَرَادةِ ظَلْعُها،
وقد جَعَلَتْني من حَريمةَ إصْبَعا
وحَرِيمٌ: اسم موضع؛ قال ابن مقبل:
حَيِّ دارَ الحَيِّ لا حَيَّ بها،
بِسِخالٍ فأُثالٍ فَحَرِمْ
والحَيْرَمُ: البقر، واحدتها حَيْرَمة؛ قال ابن أَحمر:
تَبَدَّلَ أُدْماً من ظِباءٍ وحَيْرَما
قال الأَصمعي: لم نسمع الحَيْرَمَ إلا في شعر ابن أَحمر، وله نظائر
مذكورة في مواضعها. قال ابن جني: والقولُ في هذه الكلمة ونحوها وجوبُ قبولها،
وذلك لما ثبتتْ به الشَّهادةُ من فَصاحة ابن أَحمر، فإما أَن يكون شيئاً
أَخذه عمن نَطَقَ بلغة قديمة لم يُشارَكْ في سماع ذلك منه، على حدّ ما
قلناه فيمن خالف الجماعة، وهو فصيح كقوله في الذُّرَحْرَح الذُّرَّحْرَحِ
ونحو ذلك، وإما أَن يكون شيئاً ارتجله ابن أَحمر، فإن الأَعرابي إذا
قَوِيَتْ فصاحتُه وسَمَتْ طبيعتُه تصرَّف وارتجل ما لم يسبقه أَحد قبله، فقد
حكي عن رُؤبَة وأَبيه: أَنهما كانا يَرْتَجِلان أَلفاظاً لم يسمعاها ولا
سُبِقا إليها، وعلى هذا قال أَبو عثمان: ما قِيس على كلام العَرَب فهو من
كلام العرب. ابن الأَعرابي: الحَيْرَمُ البقر، والحَوْرَمُ المال الكثير
من الصامِتِ والناطق.
والحِرْمِيَّةُ: سِهام تنسب إلى الحَرَمِ، والحَرَمُ قد يكون الحَرامَ،
ونظيره زَمَنٌ وزَمانٌ.
وحَريمٌ الذي في شعر امرئ القيس: اسم رجل، وهو حَريمُ بن جُعْفِيٍّ
جَدُّ الشُّوَيْعِر؛ قال ابن بري يعني قوله:
بَلِّغا عَنِّيَ الشُّوَيْعِرَ أَني،
عَمْدَ عَيْنٍ، قَلَّدْتُهُنَّ حَريما
وقد ذكر ذلك في ترجمة شعر. والحرَيمةُ: ما فات من كل مَطْموع فيه.
وحَرَمَهُ الشيء يَحْرِمُه حَرِماً مثل سَرَقَه سَرِقاً، بكسر الراء،
وحِرْمَةً
وحَريمةً وحِرْماناً وأَحْرَمَهُ أَيضاً إذا منعه إياه؛ وقال يصف إمرأة:
ونُبِّئْتُها أَحْرَمَتْ قَوْمَها
لتَنْكِحَ في مَعْشَرٍ آخَرِينا
(* قوله «ونبئتها» في التهذيب: وأنبئتها)
قال ابن بري: وأَنشد أَبو عبيد شاهداً على أَحْرَمَتْ بيتين متباعد
أَحدهما من صاحبه، وهما في قصيدة تروى لشَقِيق بن السُّلَيْكِ، وتروى لابن
أَخي زِرّ ابن حُبَيْشٍ الفقيه القارئ، وخطب امرأَة فردته فقال:
ونُبِّئْتُها أَحْرَمَتْ قومها
لتَنكِح في معشرٍ آخَرينا
فإن كنتِ أَحْرَمْتِنا فاذْهَبي،
فإن النِّساءَ يَخُنَّ الأَمينا
وطُوفي لتَلْتَقِطي مِثْلَنا،
وأُقْسِمُ باللهِ لا تَفْعَلِينا
فإمّا نَكَحْتِ فلا بالرِّفاء،
إذا ما نَكَحْتِ ولا بالبَنِينا
وزُوِّجْتِ أَشْمَطَ في غُرْبة،
تُجََنُّ الحَلِيلَة منه جُنونا
خَليلَ إماءٍ يُراوِحْنَهُ،
وللمُحْصَناتِ ضَرُوباً مُهِينا
إذا ما نُقِلْتِ إلى دارِهِ
أَعَدَّ لظهرِكِ سوطاً مَتِينا
وقَلَّبْتِ طَرْفَكِ في مارِدٍ،
تَظَلُّ الحَمامُ عليه وُكُونا
يُشِمُّكِ أَخْبَثَ أَضْراسِه،
إذا ما دَنَوْتِ فتسْتَنْشِقِينا
كأَن المَساويكَ في شِدْقِه،
إذا هُنَّ أُكرِهن، يَقلَعنَ طينا
كأَنَّ تَواليَ أَنْيابِهِ
وبين ثَناياهُ غِسْلاً لَجِينا
أَراد بالمارِدِ حِصْناً أَو قَصراً مما تُُعْلى حيطانُه وتُصَهْرَجُ
حتى يَمْلاسَّ فلا يقدر أَحد على ارتقائه، والوُكُونُ: جمع واكِنٍ مثل جالس
وجُلوسٍ، وهي الجاثِمة، يريد أَن الحمام يقف عليه فلا يُذْعَرُ
لارتفاعه، والغِسْل: الخطْمِيُّ، واللَّجِينُ: المضروب بالماء، شبَّه ما رَكِبَ
أَسنانَه وأنيابَِ من الخضرة بالخِطميّ المضروب بالماء. والحَرِمُ، بكسر
الراء: الحِرْمانُ؛ قال زهير:
وإنْ أَتاه خليلٌ يوم مَسْأَلةٍ
يقولُ: لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ
وإنما رَفَعَ يقولُ، وهو جواب الجزاء، على معنى التقديم عند سيبويه
كأَنه قال: يقول إن أَتاه خليل لا غائب، وعند الكوفيين على إضمار الفاء؛ قال
ابن بري: الحَرِمُ الممنوع، وقيل: الحَرِمُ الحَرامُ. يقال: حِرْمٌ
وحَرِمٌ وحَرامٌ بمعنى. والحَريمُ: الـصديق؛ يقال: فلان حَريمٌ
صَريح أَي صَديق خالص. قال: وقال العُقَيْلِيُّونَ حَرامُ
الله لا أَفعلُ ذلك، ويمينُ الله لا أَفعلُ ذلك، معناهما واحد. قال:
وقال أَبو زيد يقال للرجل: ما هو بحارِم عَقْلٍ، وما هو بعادِمِ عقل،
معناهما أَن له عقلاً. الأزهري: وفي حديث بعضهم إذا اجتمعت حُرْمتانِ طُرِحت
الصُّغْرى للكُبْرى؛ قال القتيبي: يقول إذا كان أَمر فيه منفعة لعامَّة
الناس ومَضَرَّةٌ على خاصّ منهم قُدِّمت منفعة العامة، مثال ذلك: نَهْرٌ
يجري لشِرْب العامة، وفي مَجْراه حائطٌ لرجل وحَمَّامٌ يَضُرُّ به هذا
النهر، فلا يُتْرَكُ إجراؤه من قِبَلِ هذه المَضَرَّة، هذا وما أَشبهه، قال:
وفي حديث عمر، رضي الله عنه: في الحَرامِ كَفَّارةُ يمينٍ؛ هو أَن يقول
حَرامُ الله لا أَفعلُ كما يقول يمينُ اللهِ، وهي لغة العقيلِييّن، قال:
ويحتمل أَن يريد تَحْريمَ الزوجة والجارية من غير نية الطلاق؛ ومنه قوله
تعالى: يا أَيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لك، ثم قال عز وجل:
قد فرض الله لكم تَحِلَّةَ أَيْمانِكم؛ ومنه حديث عائشة، رضي الله عنها:
آلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من نسائه وحَرَّمَ فجعل الحَرامَ
حلالاً، تعني ما كان حَرّمهُ على نفسه من نسائه بالإيلاء عاد فأَحَلَّهُ
وجعل في اليمين الكفارةَ. وفي حديث عليّ
(* قوله «وفي حديث عليّ إلخ» عبارة
النهاية: ومنه حديث عليّ إلخ) في الرجل يقول لامرأته: أَنتِ عليَّ
حَرامٌ، وحديث ابن عباس: من حَرّمَ امرأَته فليس بشيءٍ، وحديثه الآخر: إذا
حَرَّمَ الرجل امرأَته فهي يمينٌ يُكَفِّرُها. والإحْرامُ والتَّحْريمُ
بمعنى؛ قال يصف بعيراً:
له رِئَةٌ قد أَحْرَمَتْ حِلَّ ظهرِهِ،
فما فيه للفُقْرَى ولا الحَجِّ مَزْعَمُ
قال ابن بري: الذي رواه ابن وَلاَّد وغيره: له رَبَّة، وقوله مَزْعَم
أَي مَطْمع. وقوله تعالى: للسائل والمَحْرُوم؛ قال ابن عباس: هو
المُحارِف.أَبو عمرو: الحَرُومُ الناقة المُعْتاطةُ الرَّحِمِ، والزَّجُومُ التي
لا تَرْغُو، والخَزُوم المنقطعة في السير، والزَّحُوم التي تزاحِمُ على
الحوض.
والحَرامُ: المُحْرِمُ. والحَرامُ: الشهر الحَرامُ. وحَرام: قبيلة من
بني سُلَيْمٍ؛ قال الفرزدق:
فَمَنْ يَكُ خائفاً لأذاةِ شِعْرِي،
فقد أَمِنَ الهجاءَ بَنُو حَرامِ
وحَرَام أَيضاً: قبيلة من بني سعد بن بكر.
والتَّحْرِيمُ: الصُّعوبة؛ قال رؤبة:
دَيَّثْتُ من قَسْوتِهِ التَّحرِيما
يقال: هو بعير مُحَرَّمٌ أَي صعب. وأَعرابيّ مُحَرَّمٌ
أَي فصيح لم يخالط الحَضَرَ. وقوله في الحديث: أَما عَلِمْتَ أَن الصورة
مُحَرَّمةٌ؟ أَي مُحَرَّمَةُ الضربِ أَو ذات حُرْمةٍ، والحديث الآخر:
حَرَّمْتُ الظلمَ على نفسي أَي تَقَدَّسْتُ عنه وتعالَيْتُ، فهو في حقه
كالشيء المُحَرَّم على الناس. وفي الحديث الآخر: فهو حَرامٌ بحُرمة الله أَي
بتحريمه، وقيل: الحُرْمةُ الحق أَي بالحق المانع من تحليله. وحديث
الرضاع: فَتَحَرَّمَ بلبنها أَي صار عليها حَراماً. وفي حديث ابن عباس:
وذُكِرَ عنده قولُ عليٍّ أَو عثمان في الجمع بين الأَمَتَيْن الأُختين:
حَرَّمَتْهُنَّ آيةٌ وأَحَلَّتْهُنَّ آيةٌ، فقال: يُحَرِّمُهُنَّ عليَّ قرابتي
منهن ولا يُحرِّمُهُنَّ قرابةُ بعضهن من بعض؛ قال ابن الأَثير: أَراد ابن
عباس أَن يخبر بالعِلَّة التي وقع من أجلها تَحْريمُ الجمع بين الأُختين
الحُرَّتَين فقال: لم يقع ذلك بقرابة إحداهما من الأخرى إذ لو كان ذلك لم
يَحِلَّ وطءُ الثانية بعد وطء الأولى كما يجري في الأُمِّ مع البنت،
ولكنه وقع من أجل قرابة الرجل منهما فَحُرمَ عليه أَن يجمع الأُختَ إلى
الأُخت لأَنها من أَصْهاره، فكأَن ابن عباس قد أَخْرَجَ الإماءَ من حكم
الحَرائر لأَنه لا قرابة بين الرجل وبين إمائِه، قال: والفقهاء على خلاف ذلك
فإنهم لا يجيزون الجمع بين الأُختين في الحَرائر والإماء، فالآية
المُحَرِّمةُ قوله تعالى: وأَن تجمعوا بين الأُختين إلاَّ ما قد سلف، والآية
المُحِلَّةُ قوله تعالى: وما مَلكتْ أَيْمانُكُمْ.
كفأ: كافَأَهُ على الشيء مُكافأَةً وكِفَاءً: جازاه. تقول: ما لي بهِ
قِبَلٌ ولا كِفاءٌ أَي ما لي به طاقةٌ على أَن أُكافِــئَه. وقول حَسَّانَ بن
ثابت:
وَرُوحُ القُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
أَي جبريلُ، عليه السلام، ليس له نَظِير ولا مَثيل.
وفي الحديث: فَنَظَر اليهم فقال: مَن يُكافِئُ هؤُلاء. وفي حديث
الأَحنف: لا أُقاوِمُ مَن لا كِفَاء له، يعني الشيطانَ. ويروى: لا
أُقاوِلُ.والكَفِيءُ: النَّظِيرُ، وكذلك الكُفْءُ والكُفُوءُ، على فُعْلٍ
وفُعُولٍ. والمصدر الكَفَاءةُ، بالفتح والمدّ.
وتقول: لا كِفَاء له، بالكسر، وهو في الأَصل مصدر، أَي لا نظير له.
والكُفْءُ: النظير والمُساوِي. ومنه الكفَاءةُ في النِّكاح، وهو أَن
يكون الزوج مُساوِياً للمرأَة في حَسَبِها ودِينِها ونَسَبِها وبَيْتِها وغير ذلك.
وتَكافَأَ الشَّيْئانِ: تَماثَلا.
وَكافَأَه مُكافَأَةً وكِفَاءً: ماثَلَه. ومن كلامهم: الحمدُ للّه كِفاءَ
الواجب أَي قَدْرَ ما يكون مُكافِئاً له. والاسم: الكَفاءة والكَفَاءُ. قال:
فَأَنْكَحَها، لا في كَفَاءٍ ولا غِنىً، * زِيادٌ، أَضَلَّ اللّهُ سَعْيَ زِيادِ
وهذا كِفَاءُ هذا وكِفْأَتُه وكَفِيئُه وكُفْؤُه وكُفُؤُه وكَفْؤُه، بالفتح عن كراع، أَي مثله، يكون هذا في كل شيء. قال أَبو زيد: سمعت امرأَة من عُقَيْل وزَوجَها يَقْرآن: لم يَلِدْ ولم يُولَدْ ولم يكن له كُفىً
أَحَدٌ، فأَلقى الهمزة وحَوَّل حركتها على الفاء. وقال الزجاج: في قوله تعالى: ولم يَكُنْ له كُفُؤاً أَحَدٌ؛ أَربعةُ أَوجه القراءة، منها ثلاثة: كُفُؤاً، بضم الكاف والفاء، وكُفْأً، بضم الكاف وإِسكان الفاء، وكِفْأً، بكسر الكاف وسكون الفاء، وقد قُرئ بها، وكِفاءً، بكسر الكاف والمدّ، ولم يُقْرَأْ بها. ومعناه: لم يكن أَحَدٌ مِثْلاً للّه، تعالى ذِكْرُه. ويقال: فلان كَفِيءُ فلان وكُفُؤُ فلان.
وقد قرأَ ابن كثير وأَبو عمرو وابن عامر والكسائي وعاصم كُفُؤاً، مثقلاً مهموزاً. وقرأَ حمزة كُفْأً، بسكون الفاء مهموزاً، وإِذا وقف قرأَ كُفَا، بغير همز. واختلف عن نافع فروي عنه: كُفُؤاً، مثل أَبي عَمْرو، وروي: كُفْأً، مثل حمزة.
والتَّكافُؤُ: الاسْتِواء.
وفي حديث النبي، صلى اللّه عليه وسلم: الـمُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ
دِماؤُهم. قال أَبو عبيد: يريد تَتساوَى في الدِّياتِ والقِصاصِ، فليس لشَرِيف على وَضِيعٍ فَضْلٌ في ذلك.
وفلان كُفْءُ فلانةَ إِذا كان يَصْلُح لها بَعْلاً، والجمع من كل ذلك:
أَكْفَاء.
قال ابن سيده: ولا أَعرف للكَفْءِ جمعاً على أَفْعُلٍ ولا فُعُولٍ.
وحَرِيٌّ أَن يَسَعَه ذلك، أَعني أَن يكون أَكْفَاء جمعَ كَفْءٍ، المفتوحِ
الأَول أَيضاً.
وشاتان مُكافَأَتانِ: مُشْتَبِهتانِ، عن ابن الأَعرابي. وفي حديث
العَقِيقةِ عن الغلام: شاتانِ مُكافِئَتانِ أَي مُتَساوِيَتانِ في السِّنِّ أَي
لا يُعَقُّ عنه إِلاّ بمُسِنَّةٍ، وأَقلُّه أَن يكون جَذَعاً، كما يُجْزِئُ في الضَّحايا. وقيل: مُكافِئَتانِ أَي مُسْتوِيتانِ أَو مُتقارِبتانِ.
واختار الخَطَّابِيُّ الأَوَّلَ، قال: واللفظة مُكافِئَتانِ، بكسر الفاء، يقال: كافَأَه يُكافِئهُ فهو مُكافِئهُ أَي مُساوِيه.
قال: والمحدِّثون يقولون مُكافَأَتَانِ، بالفتح. قال: وأَرى الفتح أَولى
لإِنه يريد شاتين قد سُوِّيَ بينهما أَي مُساوًى بينهما. قال: وأَما
بالكسر فمعناه أَنهما مُساوِيتَان، فيُحتاجُ أَن يذكر أَيَّ شيء ساوَيَا،
وإِنما لو قال مُتكافِئتان كان الكسر أَولى.
وقال الزمخشري: لا فَرْق بين المكافِئَتيْنِ والمُكافَأَتَيْنِ، لأَن كل
واحدة إِذا كافَأَتْ أُختَها فقد كُوفِئَتْ، فهي مُكافِئة ومُكافَأَة، أَو يكون معناه: مُعَادَلَتانِ، لِما يجب في الزكاة والأُضْحِيَّة من
الأَسنان. قال: ويحتمل مع الفتح أَن يراد مَذْبُوحَتان، من كافَأَ الرجلُ بين البعيرين إِذا نحر هذا ثم هذا مَعاً من غير تَفْريق؛ كأَنه يريد شاتين يَذْبحهما في وقت واحد. وقيل: تُذْبَحُ إِحداهما مُقابلة الأُخرى، وكلُّ شيءٍ ساوَى شيئاً، حتى يكون مثله، فهو مُكافِئٌ له. والمكافَأَةُ بين الناس من هذا.
يقال: كافَأْتُ الرجلَ أَي فَعَلْتُ به مثلَ ما فَعَلَ بي. ومنه الكُفْءُ من الرِّجال للمرأَة، تقول: إِنه مثلها في حَسَبها.
وأَما قوله، صلى اللّه عليه وسلم: لا تَسْأَلِ المرأَةُ طَلاقَ أُختها
لتَكْتَفِئَ ما في صَحْفَتها فإِنما لها ما كُتِبَ لها. فإِن معنى قوله
لِتَكْتَفِئَ: تَفتَعِلُ، من كَفَأْتُ القِدْرَ وغيرها إِذا كَبَبْتها لتُفْرِغَ ما فيها؛ والصَّحْفةُ: القَصْعةُ. وهذا مثل لإِمالةِ الضَّرَّةِ حَقَّ صاحِبَتها من زوجها إِلى نَفْسِها إِذا سأَلت طلاقَها ليَصِير حَقُّ الأُخرى كلُّه من زوجِها لها. ويقال: كافَأَ الرجلُ بين فارسين برُمْحِه إِذا والَى بينهما فَطَعنَ هذا ثم هذا. قال الكميت:
نَحْر الـمُكافِئِ، والـمَكْثُورُ يَهْتَبِلُ
والـمَكْثُورُ: الذي غَلَبه الأََقْرانُ بكثرتهم. يهْتَبلُ: يَحْتالُ للخلاص. ويقال: بَنَى فلان ظُلَّةً يُكافِئُ بها عينَ الشمسِ ليَتَّقيَ حَرَّها.
قال أَبو ذرّ، رضي اللّه عنه، في حديثه: ولنا عَباءَتانِ نُكافِئُ بهما عَنَّا عَيْنَ الشمسِ أَي نُقابِلُ بهما الشمسَ ونُدافِعُ، من
الـمُكافَأَة: الـمُقاوَمة، وإِنِّي لأَخْشَى فَضْلَ الحِساب.
وكَفَأَ الشيءَ والإِنَاءَ يَكْفَؤُه كَفْأً وكَفَّأَهُ فَتَكَفَّأَ، وهو مَكْفُوءٌ، واكْتَفَأَه مثل كَفَأَه: قَلَبَه. قال بشر بن أَبي خازم:
وكأَنَّ ظُعْنَهُم، غَداةَ تَحَمَّلُوا، * سُفُنٌ تَكَفَّأُ في خَلِيجٍ مُغْرَبِ
وهذا البيت بعينه استشهد به الجوهري على تَكَفَّأَتِ المرأَةُ في
مِشْيَتِها: تَرَهْيَأَتْ ومادَتْ، كما تَتَكَفَّأُ النخلة العَيْدانَةُ.
الكسائي: كَفَأْتُ الإِناءَ إِذا كَبَبْتَه، وأَكْفَأَ الشيءَ: أَمَاله، لُغَيّة، وأَباها الأَصمعي.
ومُكْفِئُ الظُّعْنِ: آخِرُ أَيام العَجُوزِ.
والكَفَأُ: أَيْسَرُ المَيَلِ في السَّنام ونحوه؛ جملٌ أَكْفَأُ وناقة كَفْآءُ. ابن شميل: سَنامٌ أَكْفَأُ وهو الذي مالَ على أَحَدِ جَنْبَي البَعِير، وناقة كَفْآءُ وجَمَل أَكْفَأُ، وهو من أَهْوَنِ عُيوب البعير، لأَنه إِذا سَمِنَ اسْتَقامَ سَنامُه. وكَفَأْتُ الإِناءَ: كَبَبْته. وأَكْفَأَ الشيءَ: أَمالَه، ولهذا قيل: أَكْفَأْتُ القَوْسَ إِذا أَملْتَ رأْسَها ولم تَنْصِبْها نَصْباً حتى تَرْمِيَ عنها. غيره: وأَكْفَأَ القَوْسَ : أَمَالَ رأْسَها ولم يَنْصِبْها نَصْباً حين يَرْمِي عليها(1)
(1 قوله «حين يرمي عليها» هذه عبارة المحكم وعبارة الصحاح حين يرمي عنها.). قال ذو الرمة:
قَطَعْتُ بها أَرْضاً، تَرَى وَجْهَ رَكْبِها، * إِذا ما عَلَوْها، مُكْفَأً، غيرَ ساجِعِ
أَي مُمالاً غيرَ مُستَقِيمٍ. والساجِعُ: القاصِدُ الـمُسْتَوِي الـمُسْتَقِيمُ. والـمُكْفَأُ: الجائر، يعني جائراً غير قاصِدٍ؛ ومنه السَّجْعُ في القول.
وفي حديث الهِرّة: أَنه كان يُكْفِئُ لها الإِناءَ أَي يُمِيلُه لتَشْرَب منه بسُهولة.
وفي حديث الفَرَعَة: خيرٌ مِنْ أَن تَذْبَحَه يَلْصَقُ لحمه بوَبَرِه،
وتُكْفِئُ إِناءَك، وتُولِهُ ناقَتَكَ أَي تَكُبُّ إِناءَكَ لأَنه لا يَبْقَى لك لَبن تحْلُبه فيه. وتُولِهُ ناقَتَكَ أَي تَجْعَلُها والِهَةً بِذبْحِك ولَدَها.
وفي حديث الصراط: آخِرُ مَن يَمرُّ رجلٌ يَتَكَفَّأُ به الصراطُ، أَي
يَتَميَّل ويَتَقَلَّبُ.
وفي حديث دُعاء الطّعام: غيرَ مُكْفَإٍ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنىً
عنه رَبَّنا، أَي غير مردود ولا مقلوب، والضمير راجع إِلى الطعام. وفي رواية غيرَ مَكْفِيٍّ، من الكفاية، فيكون من المعتلِّ. يعني: أنَّ اللّه تعالى هو الـمُطْعِم والكافي، وهو غير مُطْعَم ولا مَكْفِيٍّ، فيكون الضمير راجعاً إِلى اللّه عز وجل. وقوله: ولا مُوَدَّعٍ أَي غيرَ متروك الطلب إِليه والرَّغْبةِ فيما عنده. وأَما قوله: رَبَّنا، فيكون على الأَول منصوباً على النداء المضاف بحذف حرف النداء، وعلى الثاني مرفوعاً على الابتداءِ المؤَخَّر أَي ربُّنا غيرُ مَكْفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ، ويجوز أَن يكون الكلام راجعاً إِلى الحمد كأَنه قال: حمداً كثيراً مباركاً فيه غير مكفيٍّ ولا مُودَّعٍ ولا مُسْتَغْنىً عنه أَي عن الحمد.
وفي حديث الضحية: ثم انْكَفَأَ إِلى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فذبحهما،
أَي مالَ ورجع.
وفي الحديث: فأَضَعُ السيفَ في بطنِه ثم أَنْكَفِئُ عليه. وفي حديث
القيامة: وتكون الأَرضُ خُبْزةً واحدة يَكْفَؤُها الجَبَّار بيده كما يَكْفَأُ أَحدُكم خُبْزَته في السَّفَر. وفي رواية: يَتَكَفَّؤُها، يريد الخُبْزة التي يَصْنَعُها الـمُسافِر ويَضَعُها في الـمَلَّة، فإِنها لا تُبْسَط كالرُّقاقة، وإِنما تُقَلَّب على الأَيدي حتى تَسْتَوِيَ.
وفي حديث صفة النبي، صلى اللّه عليه وسلم: أَنه كان إِذا مشَى تَكَفَّى تَكَفِّياً. التَّكَفِّي: التَّمايُلُ إِلى قُدَّام
كما تَتَكَفَّأُ السَّفِينةُ في جَرْيها. قال ابن الأَثير: روي مهموزاً وغير مهموز. قال: والأَصل الهمز لأَن مصدر تَفَعَّلَ من الصحيح تَفَعُّلٌ كَتَقَدَّمَ تَقَدُّماً، وتَكَفَّأَ تَكَفُّؤاً، والهمزة حرف صحيح، فأَما إِذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه نحو تَحَفَّى تَحَفِّياً، وتَسَمَّى تَسَمِّياً، فإِذا خُفِّفت الهمزةُ التحقت بالمعتل وصار تَكَفِّياً بالكسر. وكلُّ شيءٍ أَمَلْته فقد كَفَأْتَه، وهذا كما جاءَ أَيضاً أَنه كان إِذا مَشَى كأَنَّه يَنْحَطُّ في صَبَبٍ. وكذلك قوله: إِذا مَشَى تَقَلَّع، وبعضُه مُوافِقٌ بعضاً ومفسره. وقال ثعلب في تفسير قوله: كأَنما يَنْحَطُّ في صَبَبٍ: أَراد أَنه قَوِيُّ البَدَن، فإِذا مَشَى فكأَنما يَمْشِي على صُدُور قَدَمَيْه من القوَّة، وأَنشد:
الواطِئِينَ على صُدُورِ نِعالِهِمْ، * يَمْشُونَ في الدَّفَئِيِّ والأَبْرادِ
والتَّكَفِّي في الأَصل مهموز فتُرِك همزه، ولذلك جُعِل المصدر
تَكَفِّياً. وأَكْفَأَ في سَيره: جارَ عن القَصْدِ. وأَكْفَأَ في الشعر: خالَف
بين ضُروبِ إِعْرابِ قَوافِيه، وقيل: هي الـمُخالَفةُ بين هِجاءِ
قَوافِيهِ، إِذا تَقارَبَتْ مَخارِجُ الحُروفِ أَو تَباعَدَتْ. وقال بعضهم:
الإِكْفَاءُ في الشعر هو الـمُعاقَبَةُ بين الراء واللام، والنون والميم. قال الأَخفش: زعم الخليل أَنَّ الإِكْفَاءَ هو الإِقْواءُ، وسمعته من غيره من أَهل العلم.
قال: وسَأَلتُ العَربَ الفُصَحاءَ عن الإِكْفَاءِ، فإِذا هم يجعلونه الفَسادَ في آخِر البيت والاخْتِلافَ من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئاً، إِلاَّ أَني رأَيت بعضهم يجعله اختلاف الحُروف، فأَنشدته:
كأَنَّ فا قارُورةٍ لم تُعْفَصِ،
منها، حِجاجا مُقْلةٍ لم تُلْخَصِ،
كأَنَّ صِيرانَ الـمَها الـمُنَقِّزِ
فقال: هذا هو الإِكْفَاءُ. قال: وأَنشد آخَرُ قوافِيَ على حروف مختلفة، فعابَه، ولا أَعلمه إِلاَّ قال له: قد أَكْفَأْتَ. وحكى الجوهريّ عن الفرَّاءِ: أَكْفَأَ الشاعر إِذا خالَف بين حَركات الرَّوِيّ، وهو مثل الإِقْواءِ. قال ابن جني: إِذا كان الإِكْفَاءُ في الشِّعْر مَحْمُولاً على الإِكْفاءِ في غيره، وكان وَضْعُ الإِكْفَاءِ إِنما هو للخلافِ ووقُوعِ الشيءِ على غير وجهه، لم يُنْكَر أَن يسموا به الإِقْواءَ في اخْتلاف حُروف الرَّوِيِّ جميعاً، لأَنَّ كلَّ واحد منهما واقِعٌ على غير اسْتِواءٍ. قال الأَخفش: إِلا أَنِّي رأَيتهم، إِذا قَرُبت مَخارِجُ الحُروف، أَو كانت من مَخْرَج واحد، ثم اشْتَدَّ تَشابُهُها، لم تَفْطُنْ لها عامَّتُهم، يعني عامَّةَ العرب. وقد عاب الشيخ أَبو محمد بن بري على الجوهريّ قوله: الإِكْفَاءُ في الشعر أَن يُخالَف بين قَوافِيه، فيُجْعَلَ بعضُها ميماً وبعضها
طاءً، فقال: صواب هذا أَن يقول وبعضها نوناً لأَن الإِكْفَاءَ إِنما يكون في الحروف الـمُتقارِبة في المخرج، وأَما الطاء فليست من مخرج الميم. والـمُكْفَأُ في كلام العرب هو الـمَقْلُوب، وإِلى هذا يذهبون. قال الشاعر:
ولَمَّا أَصابَتْنِي، مِنَ الدَّهْرِ، نَزْلةٌ، * شُغِلْتُ، وأَلْهَى الناسَ عَنِّي شُؤُونُها
إِذا الفارِغَ الـمَكْفِيَّ مِنهم دَعَوْتُه، * أَبَرَّ، وكانَتْ دَعْوةً يَسْتَدِيمُها
فَجَمَعَ الميم مع النون لشبهها بها لأَنهما يخرجان من الخَياشِيم. قال وأَخبرني من أَثق به من أَهل العلم أَن ابنة أَبِي مُسافِعٍ قالت تَرْثِي أَباها، وقُتِلَ،
وهو يَحْمِي جِيفةَ أَبي جَهْل بن هِشام:
وما لَيْثُ غَرِيفٍ، ذُو * أَظافِيرَ، وإِقْدامْ
كَحِبِّي، إِذْ تَلاَقَوْا، و * وُجُوهُ القَوْمِ أَقْرانْ
وأَنتَ الطَّاعِنُ النَّجلا * ءَ، مِنْها مُزْبِدٌ آنْ
وبالكَفِّ حُسامٌ صا * رِمٌ، أَبْيَضُ، خَدّامْ
وقَدْ تَرْحَلُ بالرَّكْبِ، * فما تُخْنِي بِصُحْبانْ
قال: جمعوا بين الميم والنون لقُرْبهما، وهو كثير. قال: وقد سمعت من العرب مثلَ هذا ما لا أُحْصِي.
قال الأَخفش: وبالجملة فإِنَّ الإِكْفاءَ الـمُخالَفةُ. وقال في قوله:
مُكْفَأً غير ساجِعِ: الـمُكْفَأُ ههنا: الذي ليس بِمُوافِقٍ. وفي حديث
النابغة أَنه كان يُكْفِئُ في شِعْرِه: هو أَن يُخالَفَ بين حركات الرَّويّ رَفْعاً ونَصباً وجرّاً. قال: وهو كالإِقْواء، وقيل: هو أَن يُخالَف بين قَوافِيه، فلا يلزم حرفاً واحداً.
وكَفَأَ القومُ: انْصَرَفُوا عن الشيءِ. وكَفَأَهُم عنه كَفْأً: صَرَفَهم. وقيل: كَفَأْتُهُم كَفْأً إِذا أَرادوا وجهاً فَصَرَفْتَهم عنه إِلى غيره، فانْكَفَؤُوا أَي رَجَعُوا.
ويقال: كان الناسُ مُجْتَمِعِينَ فانْكَفَؤُوا وانْكَفَتُوا، إِذا
انهزموا. وانْكَفَأَ القومُ: انْهَزَمُوا.
(يتبع...)
(تابع... 1): كفأ: كافَأَهُ على الشيء مُكافأَةً وكِفَاءً: جازاه. تقول: ما لي بهِ... ...
وكَفَأَ الإِبلَ: طَرَدَها. واكْتَفَأَها: أَغارَ عليها، فذهب بها.
وفي حديث السُّلَيْكِ بن السُّلَكةِ: أَصابَ أَهْلِيهم وأَموالَهم، فاكْتَفَأَها.
والكَفْأَةُ والكُفْأَةُ في النَّخل: حَمْل سَنَتِها، وهو في الأَرض زِراعةُ سنةٍ. قال:
غُلْبٌ، مَجالِيحُ، عنْدَ الـمَحْلِ كُفْأَتُها، * أَشْطانُها، في عِذابِ البَحْرِ، تَسْتَبِقُ (1)
(1 قوله «عذاب» هو في غير نسخة من المحكم بالذال المعجمة مضبوطاً كما ترى وهو في التهذيب بالدال المهملة مع فتح العين.)
أَراد به النخيلَ، وأَرادَ بأَشْطانِها عُرُوقَها؛ والبحرُ ههنا: الماءُ
الكَثِير، لأَن النخيل لا تشرب في البحر.
أَبو زيد يقال: اسْتَكْفَأْتُ فلاناً نخلةً إِذا سأَلته ثمرها سنةً، فجعل
للنخل كَفْأَةً، وهو ثَمَرُ سَنَتِها، شُبِّهت بكَفْأَةِ الإِبل.
واسْتَكْفَأْتُ فلاناً إِبِلَه أَي سأَلتُه نِتاجَ إِبِلِه سَنةً، فَأَكْفَأَنِيها أَي أَعْطاني لَبَنها ووبرَها وأَولادَها منه. والاسم: الكَفْأَة والكُفْأَة، تضم وتفتح. تقول: أَعْطِني كَفْأَةَ ناقَتِك وكُفْأَةَ ناقَتِك.
غيره: كَفْأَةُ الإِبل وكُفْأَتُها: نِتاجُ عامٍ.
ونَتَجَ الإِبلَ كُفْأَتَيْنِ. وأَكْفأَها إِذا جَعَلَها كَفْأَتين، وهو أَن يَجْعَلَها نصفين يَنْتِجُ كل عام نصفاً، ويَدَعُ نصفاً، كما يَصْنَعُ بالأَرض بالزراعة، فإِذا كان العام الـمُقْبِل أَرْسَلَ الفحْلَ في النصف الذي لم يُرْسِله فيه من العامِ الفارِطِ، لأَنَّ أَجْوَدَ الأَوقاتِ، عند العرب في نِتاجِ الإِبل، أَن تُتْرَكَ الناقةُ بعد نِتاجِها سنة لا يُحْمَل عليها الفَحْل ثم تُضْرَبُ إِذا أَرادت الفحل. وفي الصحاح: لأَنّ أَفضل النِّتاج أن تُحْمَلَ على الإِبل الفُحولةُ عاماً،
وتُتْرَكَ عاماً، كما يُصْنَع بالأَرض في الزّراعة، وأَنشد قول ذي الرمة:
تَرَى كُفْأَتَيْها تُنْفِضَانِ، ولَم يَجِدْ * لَها ثِيلَ سَقْبٍ، في النِّتاجَيْنِ، لامِسُ
وفي الصحاح: كِلا كَفْأَتَيْها، يعني: أَنها نُتِجَتْ كلها إِناثاً، وهو
محمود عندهم. وقال كعب بن زهير:
إِذا ما نَتَجْنا أَرْبَعاً، عامَ كُفْأَةٍ، * بَغاها خَناسِيراً، فأَهْلَكَ أَرْبَعا
الخَناسِيرُ: الهَلاكُ. وقيل: الكَفْأَةُ والكُفْأَةُ: نِتاجُ الإِبل بعد حِيالِ سَنةٍ. وقيل: بعدَ حِيالِ سنةٍ وأَكثرَ. يقال من ذلك: نَتَجَ فلان إِبله كَفْأَةً وكُفْأَةً، وأَكْفَأْتُ في الشاءِ: مِثلُه في الإِبل.
وأَكْفَأَتِ الإِبل: كَثُر نِتاجُها. وأَكْفَأَ إِبلَه وغَنَمَهُ فلاناً: جَعل له أَوبارَها وأصْوافَها وأَشْعارَها وأَلْبانَها وأَوْلادَها.
وقال بعضهم: مَنَحَه كَفْأَةَ غَنَمِه وكُفْأَتَها: وَهَب له أَلبانَها
وأَولادها وأصوافَها سنةً ورَدَّ عليه الأُمَّهاتِ. ووَهَبْتُ له كَفْأَةَ
ناقتِي وكُفْأَتها، تضم وتفتح، إِذا وهبت له ولدَهَا ولبنَها ووبرها سنة.
واسْتَكْفَأَه، فأَكْفَأَه: سَأَلَه أَن يجعل له ذلك. أَبو زيد: اسْتَكْفَأَ زيدٌ عَمراً ناقَتَه إِذا سأَله أَن يَهَبَها له وولدها ووبرها سنةً. وروي عن الحرث بن أَبي الحَرِث الأَزْدِيِّ من أَهل نَصِيبِينَ: أَن أَباه اشْتَرَى مَعْدِناً بمائةِ شاة مُتْبِع، فأَتَى أُمَّه، فاسْتَأْمَرها، فقالت: إِنك اشتريته بثلثمائة شاة: أُمُّها مائةٌ، وأَولادُها مائة شاة، وكُفْأَتُها مائة شاة، فَنَدِمَ، فاسْتَقالَ صاحِبَه، فأَبَى أنْ يُقِيلَه، فَقَبَضَ الـمَعْدِنَ، فأَذابَه وأَخرج منه ثَمَنَ ألف شاةٍ، فأَثَى به صاحِبُه إِلى عليّ، كَرُّم اللّه وجهه، فقال: إِنَّ أَبا الحرث أَصابَ رِكازاً؛ فسأَله عليّ، كرّم اللّه وجهه، فأَخبره أَنه اشتراه بمائة شاة مُتْبِع. فقال عليّ: ما أَرَى الخُمُسَ إِلاّ على البائِعِ، فأَخذَ الخُمُس من الغنم؛ أَراد بالـمُتْبِع: التي يَتْبَعُها أَولادُها. وقوله أَثَى به أَي وَشَى به وسَعَى به، يَأْثُوا أَثْواً.
والكُفْأَةُ أَصلها في الإِبل: وهو أَن تُجْعَلَ الإِبل قَطْعَتَيْن يُراوَحُ بينهما في النِّتاجِ، وأَنشد شمر:
قَطَعْتُ إِبْلي كُفْأَتَيْنِ ثِنْتَيْن، * قَسَمْتُها بقِطْعَتَيْنِ نِصْفَيْن
أَنْتِجُ كُفْأَتَيْهِما في عامَيْن، * أَنْتِجُ عاماً ذِي، وهذِي يُعْفَيْن
وأَنْتِجُ الـمُعْفَى مِنَ القَطِيعَيْن، * مِنْ عامِنا الجَائي، وتِيكَ يَبْقَيْن
قال أَبو منصور: لمْ يزد شمر على هذا التفسير. والمعنى: أَنَّ أُمَّ
الرجل جعلَت كُفْأَةَ مائةِ شاةٍ في كل نِتاجٍ مائةً. ولو كانت إِبلاً كان كُفْأَةُ مائةٍ من الإِبلِ خَمْسين، لأَن الغنمَ يُرْسَلُ الفَحْلُ فيها
وقت ضِرابِها أَجْمَعَ، وتَحْمِلُ أَجْمَع، وليستْ مِثلَ الإِبلِ يُحْمَلُ
عليها سَنةً، وسنةً لا يُحْمَلُ عليها. وأَرادتْ أُمُّ الرجل تَكْثِيرَ
ما اشْتَرى به ابنُها، وإعلامَه أَنه غُبِنَ فيما ابْتاعَ، فَفَطَّنَتْه أَنه كأَنه اشْتَرَى الـمَعْدِنَ بِثلثمائة شاةٍ، فَنَدِمَ الابنُ واسْتَقالَ بائعَه، فأَبَى، وبارَكَ اللّهُ له في الـمَعْدِن، فَحَسَده البائع على كثرة الرِّبح، وسَعَى به إِلى عَليٍّ، رضي اللّه عنه، ليأْخذ منه الخمس، فَأَلْزَمَ الخُمُسَ البائِعَ، وأَضرَّ السَّاعِي بِنَفْسِه في
سِعايَته بصاحِبِه إليه.
والكِفاءُ، بالكسر والمَدّ: سُتْرةٌ في البيت مِنْ أَعْلاه إِلى أَسْفَلِه من مُؤَخَّرِه. وقيل: الكِفاءُ الشُّقَّة التي تكون في مُؤَخَّرِ الخِبَاءِ. وقيل: هو شُقَّةٌ أَو شُقَّتان يُنْصَحُ إحداهما بالأُخرى ثم يُحْمَلُ به مُؤَخَّر الخبَاءِ. وقيل: هو كِساءٌ يُلْقَى على الخِبَاءِ كالإِزارِ حتى يَبْلُغَ الأَرضَ. وقد أَكْفَأَ البيتَ إِكْفاءً، وهو مُكْفَأٌ، إِذا عَمِلْتَ له كِفَاءً. وكِفَاءُ البيتِ: مؤَخَّرُه. وفي حديث أُمِّ مَعْبَدٍ: رأَى شاةً في كِفَاءِ البيت، هو من ذلك، والجمعُ أَكْفِئةٌ، كَحِمارٍ وأَحْمِرةٍ.
ورجُلٌ مُكْفَأُ الوجهِ: مُتَغَيِّرُه ساهِمُه. ورأَيت فلاناً مُكْفَأَ الوَجْهِ إِذا رأَيتَه كاسِفَ اللَّوْنِ ساهِماً. ويقال: رأَيته مُتَكَفِّئَ اللَّوْنِ ومُنْكَفِتَ اللّوْنِ(1)
(1 قوله «متكفّئ اللون ومنكفت اللون» الأول من التفعل والثاني من الأنفعال كما يفيده ضبط غير نسخة من التهذيب.)
أَي مُتَغَيِّرَ اللّوْنِ.
وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: أَنه انْكَفَأَ لونُه عامَ الرَّمادة أَي تَغَيّر لونُه عن حاله. ويقال: أَصْبَحَ فلان كَفِيءَ اللّونِ مُتَغَيِّرَه، كأَنه كُفِئَ، فهو مَكْفُوءٌ وكَفِيءٌ. قال دُرَيْدُ بن الصِّمَّة:
وأَسْمَرَ، من قِداحِ النَّبْعِ، فَرْعٍ، * كَفِيءِ اللّوْنِ من مَسٍّ وضَرْسِ
أَي مُتَغَيِّرِ اللونِ من كثرة ما مُسِحَ وعُضَّ. وفي حديث
الأَنصاريِّ: ما لي أَرى لَوْنَك مُنْكَفِئاً؟ قال: من الجُوعِ. وقوله في الحديث:
كان لا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا من مُكافِئٍ. قال القتيبي: معناه إِذا أَنْعَمَ على رجل نِعْمةً فكافَأَه بالثَّنَاءِ عليه قَبِلَ ثَنَاءَه، وإِذا أَثْنَى قَبْلَ أَن يُنْعِمَ عليه لم يَقْبَلْها. قال ابن الأَثير، وقال ابن الأَنباري: هذا غلط، إِذ كان أَحد لا يَنْفَكُّ من إِنْعام النبيِّ، صلى اللّه عليه وسلم، لأَنَّ اللّه، عز وجل، بَعَثَه رَحْمةً للناس كافَّةً، فلا يَخرج منها مُكافِئٌ ولا غير مُكافِئٍ، والثَّنَاءُ عليه فَرْضٌ لا يَتِمُّ الإِسلام إِلا به. وإنما المعنى: أَنه لا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ عليه إِلا من رجل يعرف حقيقة إِسلامه، ولا يدخل عنده في جُمْلة الـمُنافِقين الذين يَقولون بأَلسنتهم ما ليس في قلوبهم.
قال: وقال الأَزهريّ: وفيه قول ثالث: إِلاّ من مُكافِئٍ أَي مُقارِبٍ
غير مُجاوِزٍ حَدَّ مثلِه، ولا مُقصِّر عما رَفَعَه اللّه إليه.
كفف: كفّ الشيءَ يكُفُّه كَفّاً: جمعه. وفي حديث الحسن: أَنَّ رجلاً
كانت به جِراحة فسأَله: كيف يتوضأُ؟ فقال: كُفَّه بخِرْقة أَي اجمَعها حوله.
والكفُّ: اليد، أُنثى. وفي التهذيب: والكف كفّ اليد، والعرب تقول: هذه
كفّ واحدة؛ قال ابن بري: وأَنشد الفراء:
أُوفِّيكما ما بلَّ حَلْقيَ رِيقتي،
وما حَمَلَت كَفَّايَ أَنْمُليَ العَشْرا
قال: وقال بشر بن أَبي خازم:
له كَفَّانِ: كَفٌّ كَفُّ ضُرٍّ،
وكَفُّ فَواضِلٍ خَضِلٌ نَداها
وقال زهير:
حتى إذا ما هَوَتْ كَفُّ الولِيدِ لها،
طارَتْ، وفي يدِه من ريشَِها بِتَك
قال: وقال الأَعشى:
يَداكَ يَدا صِدْقٍ: فكفٌّ مُفِيدةٌ،
وأُخرى، إذا ما ضُنَّ بالمال، تُنْفِق
وقال أَيضاً:
غَرَّاءُ تُبْهِجُ زَوْلَه،
والكفُّ زَيَّنها خَضابه
قال: وقال الكميت:
جَمَعْت نِزاراً، وهي شَتَّى شُعوبها،
كما جَمَعَت كَفٌّ إليها الأَباخِسا
وقال ذو الإصبع:
زَمان به للّهِ كَفٌّ كَريمةٌ
علينا، ونُعْماه بِهِنَّ تَسِير
وقالت الخنساء:
فما بَلَغَتْ كَفُّ امْرِئٍ مُتَناوِلٍ
بها المَجْدَ، إلا حيث ما نِلتَ أَطْولُ
وما بَلَغَ المُهْدُون نَحْوَكَ مِدْحَةً،
وإنْ أَطْنَبُوا، إلا وما فيكَ أَفضَلُ
ويروى:
وما بلغ المهدون في القول مدحة
فأَما قول الأَعشى:
أَرَى رجُلاً منهم أَسِيفاً، كأَنما
يضمُّ إلى كَشْحَيْه كَفّاً مُخَضَّبا
فإنه أَراد الساعد فذكَّر، وقيل: إنما أَراد العُضو، وقيل: هو حال من
ضمير يضمّ أَو من هاء كشحيه، والجمع أَكُفٌّ. قال سيبويه: لم يجاوزوا هذا
المثال، وحكى غيره كُفوف؛ قال أَبو عمارةَ بن أَبي طرفَة الهُذلي يدعو
اللّه عز وجل:
فصِلْ جَناحِي بأَبي لَطِيفِ،
حتى يَكُفَّ الزَّحْفَ بالزُّحوفِ
بكلِّ لَينٍ صارِمٍ رهِيفِ،
وذابِلٍ يَلَذّ بالكُفُوفِ
أَبو لطيف يعني أَخاً له أَصغر منه؛ وأَنشد ابن بري لابن أَحمر:
يَداً ما قد يَدَيْتُ على سُكَيْنٍ
وعبدِ اللّه، إذ نُهِشَ الكُفُوفُ
وأَنشد لليلى الأَخْيَلِيّة:
بقَوْلٍ كَتَحْبير اليماني ونائلٍ،
إذا قُلِبَتْ دون العَطاء كُفوفُ
قال ابن بري: وقد جاء في جمع كفٍّ أَكْفاف؛ وأَنشد علي بن حمزة:
يُمسون مما أَضْمَرُوا في بُطُونهم
مُقَطَّعَةً أَكْفافُ أَيديهمُ اليُمْن
وفي حديث الصدقة: كأَنما يَضَعُها في كفِّ الرحمن؛ قال ابن الأَثير: هو
كناية عن محل القَبول والإثابة وإلا فلا كفّ للرحمن ولا جارِحةَ، تعالى
اللّه عما يقول المُشَبِّهون عُلُوّاً كبيراً. وفي حديث عمر، رضي اللّه
عنه: إن اللّه إن شاء أَدخل خلْقه الجنة بكفّ واحدة، فقال النبي، صلى اللّه
عليه وسلم: صدق عمر. وقد تكرر ذكر الكف والحفْنة واليد في الحديث
وكلُّها تمثيل من غير تشبيه، وللصقر وغيره من جوارح الطير كّفانِ في رِجْليه،
وللسبع كفّان في يديه لأَنه يَكُفُّ بهما على ما أَخذ. والكفُّ الخَضيب:
نجم. وكفُ الكلب: عُشْبة من الأَحرار، وسيأْتي ذكرها.
واسْتَكفَّ عينَه: وضع كفّه عليها في الشمس ينظر هل يرى شيئاً؛ قال ابن
مقبل يصف قِدْحاً له:
خَرُوجٌ من الغُمَّى، إذا صُكَّ صَكّةً
بدا، والعُيونُ المُسْتَكِفَّةُ تَلْمَحُ
الكسائي: اسْتَكْفَفْت الشيء واسْتَشْرَفْته، كلاهما: أَن تضع يدك على
حاجبك كالذي يَسْتَظِل من الشمس حتى يَستبين الشيء. يقال: اسْتَكفَّت عينه
إذا نظرت تحت الكفّ. الجوهري: اسْتَكفَفْت الشيء اسْتَوْضَحْته، وهو أَن
تضع يدك على حاجبك كالذي يَستظل من الشمس تنظر إلى الشيء هل تراه. وقال
الفراء: استكفّ القومُ حول الشيء أَي أَحاطوا به ينظرون إليه؛ ومنه قول
ابن مقبل:
إذا رَمَقَتْه من مَعَدٍّ عِمارةٌ
بدا، والعُيونُ المستكفَّة تلمح
واستكفّ السائل: بَسط كفَّه. وتكَفَّفَ الشيءَ: طلبه بكفِّه وتكَفَّفَه.
وفي الحديث: أَن رجلاً رأَى في المنام كأَن ظُلَّة تَنْطِف عَسلاً
وسمناً وكأَنَّ الناس يتَكفَّفُونه؛ التفسير للهروي في الغريبين والاسم منها
الكفَف. وفي الحديث: لأَن تَدَعَ ورَثتَك أَغنياء خير من أَن تَدعهم عالةً
يتَكفَّفون الناس؛ معناه يسأَلون الناس بأَكُفِّهم يمدُّونها إليهم.
ويقال: تكفَّف واستكفَّ إذا أَخذ الشي بكفِّه؛ قال الكميت:
ولا تُطْمِعوا فيها يداً مُسْتَكِفّةً
لغيركُمُ، لو تَسْتَطِيعُ انْتِشالَها
الجوهري: واستكفَّ وتكفَّفَ بمعنى وهو أَن يمد كفَّه يسأَل الناس. يقال:
فلان يَتكَفَّف الناس، وفي الحديث: يتصدَّق بجميع ماله ثم يَقْعُد
يستكِفُّ الناسَ. ابن الأَثير: يقال استكفَّ وتكَفَّفَ إذا أَخذ ببطن كفه أَو
سأَل كفّاً من الطعام أَو ما يكُفُّ الجوع.
وقولهم: لقيته كَفَّةَ كَفَّةَ، بفتح الكاف، أَي كفاحاً، وذلك إذا
استقْبلته مُواجهة، وهما اسمان جُعلا واحداً وبنيا على الفتح مثل خمسة عشر.
وفي حديث الزبير: فتلقّاه رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، كفّةَ كَفّةَ
أَي مُواجهة كأَنَّ كل واحد منهما قد كفَّ صاحبه عن مجاوزته إلى غيره أَي
مَنَعَه. والكَفّة: المرة من الكفّ. ابن سيده: ولَقِيتُه كفَّةَ كفَّةَ
وكفَّةَ كفَّةٍ على الإضافة أَي فُجاءة مواجهة؛ قال سيبويه: والدليل على
أَن الآخر مجرور أَنَّ يونس زعم أَن رؤبة كان يقول لقيته كفّةً لِكفّةً
أَو كفّةً عن كفّةٍ، إنما جعل هذا هكذا في الظرف والحال لأَن أَصل هذا
الكلام أَن يكون ظرفاً أَو حالاً.
وكفَّ الرجلَ عن الأَمر يكُفُّه كَفّاً وكفْكَفَه فكفَّ واكتفَّ
وتكفَّف؛ الليث: كَفَفْت فلاناً عن السوء فكفّ يكُفّ كَفّاً، سواء لفظُ اللازم
والمُجاوز. ابن الأَعرابي: كَفْكَفَ إذا رَفَق بغرِيمه أَو ردَّ عنه من
يؤذيه. الجوهري: كَفَفْت الرجل عن الشيء فكفّ، يتعدّى ولا يتعدى، والمصدر
واحد. وكفْكَفْت الرجل: مثل كفَفْته؛ ومنه قول أَبي زبيد:
أَلم تَرَني سَكَّنْتُ لأْياً كِلابَكُم،
وكَفْكَفْتُ عنكم أَكْلُبي، وهي عُقَّر؟
واستكفَّ الرجلُ الرجلَ: من الكفِّ عن الشيء. وتكَفَّف دمعُه: ارتدّ،
وكَفْكَفَه هو؛ قال أَبو منصور: وأَصله عندي من وكَفَ يَكِفُ، وهذا كقولك
لا تعِظيني وتَعظْعَظي. وقالوا: خَضْخضتُ الشيءَ في الماء وأَصله من
خُضْت. والمكفوف: الضَّرير، والجمع المكافِيفُ. وقد كُفَّ بصرُه وكَفَّ بصرُه
كَفّاً: ذهَب. ورجل مَكْفوف أَي أَعمى، وقد كُفَّ. وقال ابن الأَعرابي:
كَفَّ بصرُه وكُفَّ. والكَفْكفة: كفُّك الشيء أَي ردُّك الشيء عن الشيء،
وكفْكَفْت دمْع العين. وبعير كافٌّ: أُكلت أَسنانه وقَصُرَت من الكِبَر
حتى تكاد تذهب، والأُنثى بغير هاء، وقد كُفَّت أَسنانها، فإذا ارتفع عن ذلك
فهو ماجٌّ. وقد كَفَّت الناقة تَكُفُّ كُفوفاً.
والكَفُّ في العَرُوض: حذف السابع من الجزء نحو حذفك النون من مفاعيلن
حتى يصير مفاعيلُ ومن فاعلاتن حتى يصير فاعلات، وكذلك كلُّ ما حُذف سابعه
على التشبيه بكُفّة القميص التي تكون في طرف ذيله، قال ابن سيده: هذا قول
ابن إسحق. والمَكفوف في عِلل العروض مفاعيلُ كان أَصله مفاعيلن، فلما
ذهبت النون قال الخليل هو مكفوف.
وكِفافُ الثوب: نَواحِيه. ويُكَفُّ الدِّخْريصُ إذا كُفَّ بعد خِياطة
مرة. وكَفَفْت الثوبَ أَي خِطْت حاشيته، وهي الخِياطةُ الثانية بعد
الشَّلِّ. وعَيْبةٌ مَكْفوفة أَي مُشْرَجةٌ مَشْدودة. وفي كتاب النبي، صلى اللّه
عليه وسلم، بالحديْبِية لأَهل مكة: وإنَّ بيننا وبينكم عَيبةً مكفوفةً؛
أَراد بالمكفوفة التي أُشْرِجَت على ما فيها وقُفِلت وضَربها مثلاً
للصدور أَنها نَقِيَّة من الغِلِّ والغِشّ فيما كتبوا واتَّفَقُوا عليه من
الصُّلْح والهُدْنة، والعرب تشبه الصدور التي فيها القلوب بالعِياب التي
تُشْرَج على حُرِّ الثياب وفاخِر المتاع، فجعل النبي، صلى اللّه عليه وسلم،
العِياب المُشْرجة على ما فيها مثلاً للقلوب طُوِيَت على ما تعاقدوا؛
ومنه قول الشاعر:
وكادَت عِيابُ الوُدِّ بيني وبينكم،
وإن قيل أَبْناءُ العُمومةِ، تَصْفَرُ
فجعل الصُّدور عِياباً للوُدِّ. وقال أَبو سعيد في قوله: وإنَّ بيننا
وبينكم عَيبةً مكفوفة: معناه أَن يكون الشر بينهم مكفوفاً كما تُكَفُّ
العَيبة إذا أُشْرِجَت على ما فيها من مَتاع، كذلك الذُّحُول التي كانت بينهم
قد اصطلحوا على أَن لا يَنْشُروها وأَن يَتكافُّوا عنها، كأَنهم قد
جعلوها في وِعاء وأَشرجوا عليها. الجوهري: كُفّةُ القَمِيص، بالضم، ما استدار
حول الذَّيل، وكان الأَصمعي يقول: كلُّ ما استطال فهو كُفة، بالضم، نحو
كفة الثوب وهي حاشيته، وكُفَّةِ الرمل، وجمعه كِفافٌ، وكلُّ ما استدار
فهو كِفّة، بالكسر، نحو كِفَّة الميزان وكِفَّة الصائد، وهي حِبالته،
وكِفَّةِ اللِّثةِ، وهو ما انحدرَ منها. قال: ويقال أَيضاً كَفّة الميزان،
بالفتح، والجمع كِفَفٌ؛ قال ابن بري: شاهد كِفَّةِ الحابِل قول الشاعر:
كأَنَّ فِجاجَ الأَرضِ، وهي عَرِيضةٌ
على الخائفِ المَطْلوبِ، كِفّةُ حابِلِ
وفي حديث عطاء: الكِفَّةُ والشَّبكةُ أَمرهما واحد؛الكُفَّة، بالكسر:
حِبالة الصائد. والكِفَفُ في الوَشْم: داراتٌ تكون فيه. وكِفافُ الشيء:
حِتارُه. ابن سيده: والكِفة، بالكسر، كل شيء مستدير كدارة الوشم وعُود
الدُّفّ وحبالة الصيْد، والجمع كِفَفٌ وكِفافٌ. قال: وكفة الميزان الكسر فيها
أَشهر، وقد حكي فيها الفتح وأَباها بعضهم. والكُفة: كل شيء مستطيل ككُفة
الرمل والثوب والشجر وكُفّة اللِّثةِ، وهي ما سال منها على الضِّرس. وفي
التهذيب: وكِفَّة اللثة ما انحدر منها على أُصول الثغْر، وأَمّا كُفَّةُ
الرمْل والقميص فطُرّتهما وما حولهما. وكُفة كل شيء، بالضم: حاشيته
وطرَّته. وفي حديث عليّ، كرَّم اللّه وجهه، يصف السحاب: والتَمع بَرْقُه في
كُفَفِه أَي في حواشيه؛ وفي حديثه الآخر: إذا غَشِيكم الليلُ فاجعلوا
الرِّماح كُفّة أَي في حواشي العسكر وأَطرافه. وفي حديث الحسن: قال له رجل
إنَّ برِجْلي شُقاقاً، فقال: اكفُفه بخِرْقة أَي اعْصُبْه بها واجعلها حوله.
وكُفة الثوب: طُرَّته التي لا هُدب فيها، وجمع كل ذلك كُفَف وكِفافٌ.
وقد كَفَّ الثوبَ يكُفه كَفّاً: تركه بلا هُدب. والكِفافُ من الثوب: موضع
الكف. وفي الحديث: لا أَلبس القميص المُكَفَّف بالحرير أَي الذي عُمِل على
ذَيْله وأَكمامه وجَيْبه كِفاف من حرير، وكلُّ مَضَمِّ شيء كِفافُه،
ومنه كِفافُ الأُذن والظفُر والدبر، وكِفّة الصائد، مكسور أَيضاً.
والكِفَّة: حبالة الصائد، بالكسر. والكِفَّةُ: ما يُصاد به الظِّباء يجعل كالطوْق.
وكُفَفُ السحاب وكِفافُه: نواحيه. وكُفَّة السحاب: ناحيته. وكِفافُ
السحاب: أَسافله، والجمع أَكِفَّةٌ. والكِفافُ: الحوقة والوَتَرَةُ.
واسْتكَفُّوه: صاروا حَواليْه. والمستكِفّ: المستدير كالكِفّة.
والكَفَفُ: كالكِفَفِ، وخصَّ بعضهم به الوَشم. واستكفَّت الحيَّة إذا ترَحَّتْ
كالكِفَّةِ. واستكَفَّ به الناسُ إذا عَصبوا به. وفي الحديث: المنفِقُ على
الخيل كالمسْتَكِفّ بالصدقة أَي الباسطِ يدَه يُعطِيها، من قولهم استكفَّ
به الناسُ إذا أَحدَقوا به، واستكَفُّوا حوله ينظرون إليه، وهو من كِفاف
الثوب، وهي طُرَّته وحَواشِيه وأَطرافُه، أَو من الكِفّة، بالكسر، وهو
ما استدار ككفة الميزان. وفي حديث رُقَيْقَة: فاستكفُّوا جَنابَيْ عبدِ
المطلب أَي أَحاطوا به واجتمعوا حوله. وقوله في الحديث: أُمرتُ أَن لا
أَكُفَّ شَعراً ولا ثوباً، يعني في الصلاة يحتمل أَن يكون بمعنى المنع، قال
ابن الأَثير: أَي لا أَمنَعهما من الاسترسال حال السجود ليَقَعا على
الأَرض، قال: ويحتمل أَن يكون بمعنى الجمع أَي لا يجمعهما ولا يضمهما. وفي
الحديث: المؤمن أَخو المؤمن يَكُفُّ عليه ضَيْعَته أَي يجمع عليه مَعِيشتَه
ويَضُمُّها إليه؛ ومنه الحديث: يَكُفُّ ماء وجهه أَي يصُونُه ويجمعه عن
بَذْلِ السؤال وأَصله المنع؛ ومنه حديث أُم سلمة: كُفِّي رأْسي أَي
اجمعِيه وضُمِّي أَطرافه، وفي رواية: كفِّي عن رأْسي أَي دَعيه واتركي
مَشْطَه.والكِفَفُ: النُّقَر التي فيها العيون؛ وقول حميد:
ظَلَلْنا إلى كَهْفٍ، وظلَّت رِحالُنا
إلى مُسْتَكِفَّاتٍ لهنَّ غُروبُ
قيل: أَراد بالمُسْتَكِفّات الأَعين لأَنها في كِفَفٍ، وقيل: أَراد
الإبل المجتمعة، وقيل: أَراد شجراً قد استكفَّ بعضُها إلى بعض، وقوله لهنَّ
غُروب أَي ظِلال.
والكافَّةُ: الجماعة، وقيل: الجماعة من الناس. يقال: لَقِيتهم كافَّةً
أَي كلَّهم. وقال أبو إسحق في قوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا ادْخلُوا
في السلم كافَّةً، قال: كافة بمعنى الميع والإحاطة، فيجوز أَن يكون معناه
ادخلوا في السِّلْمِ كلِّه أَي في جميع شرائعه، ومعنى كافةً في اشتقاق
اللغة: ما يكفّ الشيء في آخره، من ذلك كُفَّة القميص وهي حاشيته، وكلُّ
مستطيل فحرفه كُفة، وكل مستدير كِفة نحو كِفة الميزان. قال: وسميت كُفَّة
الثوب لأَنها تمنعه أَن ينتشر، وأَصل الكَفّ المنع، ومن هذا قيل لطَرف
اليد كَفٌّ لأَنها يُكَفُّ بها عن سائر البدن، وهي الراحة مع الأَصابع، ومن
هذا قيل رجل مَكْفوف أَي قد كُفَّ بصرُه من أَن ينظر، فمعنى الآية
ابْلُغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائعه فَتُكَفُّوا من أَن تعدُو شرائعه
وادخلوا كلُّكم حتى يُكَفَّ عن عدد واحد لم يدخل فيه. وقال في قوله تعالى:
وقاتلوا المشركين كافة، منصوب على الحال وهو مصدر على فاعلة كالعافية
والعاقبة، وهو في موضع قاتلوا المشركين محيطين، قال: فلا يجوز أَن يثنى ولا
يجمع لا يقال قاتلوهم كافَّات ولا كافّين، كما أَنك إذا قلت قاتِلْهم
عامّة لم تثنِّ ولم تجمع، وكذلك خاصة وهذا مذهب النحويين؛ الجوهري: وأَما قول
ابن رواحة الأَنصاري:
فسِرْنا إليهم كافَةً في رِحالِهِمْ
جميعاً، علينا البَيْضُ لا نَتَخَشَّعُ
فإنما خففه ضرورة لأَنه لا يصح الجمع بين ساكِنين في حشو البيت؛ وكذلك
قول الآخر:
جَزى اللّهُ الروابَ جزاء سَوْءٍ،
وأَلْبَسَهُنّ من بَرَصٍ قَمِيصا
كوف: كوَّف الأَدِيم: قَطَعه؛ عن اللحياني، ككَيَّفه، وكَوَّف الشيءَ:
نحّاه، وكوَّفه: جمعه. والتكَوُّف: التجمع.
والكُوفة: الرملة المجتمعة، وقيل: الكوفة الرملة ما كانت، وقيل: الكوفة
الرملة الحمراء وبها سميت الكوفة. الأزهري: الليث كُوفانُ اسم أَرض وبها
سميت الكوفة. ابن سيده: الكوفة بلد سميت بذلك لأَن سعداً لما أَراد أَن
يبني الكوفة ارتادها لهم وقال: تكوَّفوا في هذا المكان أَي اجتمعوا فيه،
وقال المفضل: إنما قال كوِّفُوا هذا الرمل أي نَحُّوه وانزلوا، ومنه سميت
الكُوفة. وكُوفان: اسم الكوفة؛ عن اللحياني، قال: وبها كانت تدعى قبل،
قال الكسائي: كانت الكوفة تُدْعى كُوفانَ.
وكوَّفَ القومُ: أَتوا الكوفة؛ قال:
إذا ما رأَتْ يوماً من الناس راكباً
يُبَصِّر من جِيرانها، ويُكوِّفُ
وكوَّفْت تكويفاً أَي صرت إلى الكوفة؛ عن يعقوب. وتكوَّفَ الرجلُ أَي
تشبّه بأَهل الكوفة أَو انتسب إليهم. وتكوَّفَ الرملُ والقومُ أَي
استداروا.والكُوفانُ والكُوَّفان: الشرُّ الشديد. وتَرك القومَ في كَوفان أَي في
أَمر مستدير. وإنَّ بني فلان من بني فلان لفي كُوفان وكَوَّفان أَي في
أَمر شديد، ويقال في عَناء ومَشَقَّة ودَوَران؛ وأَنشد ابن بري:
فما أَضْحى وما أَمْسَيْتُ إلا
وإني منكُم في كَوَّفانِ
وإنه لفي كُوفان من ذلك أَي حِرْز ومَنَعة. الكسائي: والناس في كُوفان
من أَمرهم وفي كُوَّفان وكَوْفان أَي في اختلاط. والكُوفانُ: الدَّغَل بين
القصَب والخشب.
والكاف: حرف يذكر ويؤنث، قال: وكذلك سائر حروف الهجاء؛ قال الراعي:
أَشاقَتْكَ أَطْلالٌ تَعَفَّتْ رُسُومُها،
كما بيّنت كاف تلُوح ومِيمها؟
والكاف أَلفها واو؛ قال ابن سيده: وهي من الحروف حرف مهموس يكون أَصلاً
وبدلاً وزائداً ويكون اسماً، فإذا كانت اسماً ابتدئ بها فقيل كزيد
جاءني، يريد مثل زيد جاءني، وكبكر غلامٌ لزيد، يريد مثل بكر غلام لزيد، فإن
أَدخلت إنَّ على هذا قلت إنَّ كبكر غلامٌ لمحمد فرفعت الغلام لأَنه خبر
إنَّ، والكاف في موضع نصب لأَنها اسم إن، وتقول إذا جعلت الكاف خبراً مقدماً
إنَّ كبكر أَخاك تريد إن أَخاك كبكر كما تقول إن من الكرام زيداً، وإذا
كانت حرفاً لم تقع إلا متوسطة فتقول مررت بالذي كزيد، فالكاف هنا حرف لا
محالة، واعلم أَن هذه الكاف التي هي حرف جر كما كانت غير زائدة فيما
قدمنا ذكرها، فقد تكون زائدة مؤكدة بمنزلة الباء في خبر ليس وفي خبر ما ومِن
وغيرها من الحروف الجارّة، وذلك نحو قوله عز وجل: ليس كمثله شيء؛ تقديره
واللّه أَعلم: ليس مثلَه شيء، ولا بد من اعتقاد زيادة الكاف ليصح المعنى
لأَنك إن لم تعتقد ذلك أَثبتَّ له عزّ اسمه مثلاً، وزعمت أَنه ليس كالذي
هو مثله شيء، فيفسد هذا من وجهين: أَحدهما ما فيه من إثبات المثل لمن لا
مثل له عز وعلا علوّاً كبيراً، والآخر أَن الشيء إذا أَثبَتَّ له مثلاً
فهو مِثل مثله لأَن الشيء إذا ماثله شيء فهو أَيضاً مُماثل لما ماثله، ولو
كان ذلك كذلك على فساد اعتقاد اعتقاد معتقده لما جاز أَن يقال ليس كمثله
شيء، لأَنه تعالى مِثلُ مِثله وهو شيء لأَنه تبارك اسمه قد سمى نفسه
شيئاً بقوله: قل أَيُّ شيء أَكبر شَهادة قل اللّه شَهيد بيني وبينكم؛ وذلك
أَن أَيّاً إذا كانت استفهاماً لا يجوز أَن يكون جوابها إلا من جنس ما
أُضيفت إليه، أَلا ترى أَنك لو قال لك قائل أيُّ الطعام أَحب إليك لم يجز
أَن تقول له الركوب ولا المشي ولا غيره مما ليس من جنس الطعام؟ فهذا كله
يؤكد عندك أَن الكاف في كمثله لا بدَّ أَن تكون زائدة؛ ومثله قول رؤبة:
لَواحِقُ الأَقْرابِ فيها كالمَقَقْ
والمَقَقُ: الطُّول، ولا يقال في هذا الشيء كالطول إنما يقال في هذا
الشيء طول، فكأَنه قال فيها مَقَق أَي طول، وقد تكون الكاف زائدة في نحو ذلك
وذاك وتِيك وتلك وأُولئك، ومن العرب من يقول لَيْسَكَ زيداً أَي ليس
زيداً والكاف لتوكيد الخطاب، ومن كلام العرب إذا قيل لأَحدهم كيف أَصبحت أَن
يقول كخيرٍ، والمعنى على خير، قال الأَخفش: فالكاف في معنى على؛ قال ابن
جني: وقد يجوز أَن تكون في معنى الباء أَي بخير، قال الأَخفش ونحو منه
قولهم: كن كما أَنت. الجوهري الكاف حرف جر وهي للتشبيه؛ قال: وقد تقع موقع
اسم فيدخل عليها حرف الجر كما قال امرؤ القيس يصف فرساً:
ورُحْنا بِكابنِ الماء يُجْنَبُ وسْطَنا،
تَصَوَّبُ فيه العَيْنُ طَوراً وتَرْتَقي
قال:؛ وقد تكون ضميراً للمُخاطب المجرور والمنصوب كقولك غلامك وضَربك،
وتكون للخطاب ولا موضع لها من الإعراب كقولك ذلك وتلك وأُولئك ورُوَيْدَك،
لأَنها ليست باسم ههنا وإنما هي للخطاب فقط تفتح للمذكر وتكسر للمؤنث.
وكوَّفَ الكاف: عَمِلها. وكوَّفْت كافاً حسناً أَي كتبت كافاً. ويقال:
ليست عليه تُوفة ولا كوفة، وهو مثل المَزْرِيةِ. وقد تافَ وكافَ.
والكُوَيْفةُ: موضع يقال له كُويفة عمرو، وهو عمرو بن قيس من الأزْد كان
أَبْرويز لما انهزم من بَهرام جُور نزل به فقراه وحمله، فلما رجع إلى
ملكه أَقطعه ذلك الموضع.
قتب: القِتْبُ والقَتَبُ: إِكافُ البعير، وقد يؤنث، والتذكير أَعم،
ولذلك أَنثوا التصغير، فقالوا: قُتَيبة. قال الأَزهري: ذهب الليث إِلى أَن قُتَيْبة مأْخوذ من القِتْب. قال: وقرأْتُ في فُتوحِ خُراسانَ: أَن قُتَيبة بن مسلم، لما أَوقع بأَهل خُوارَزْمَ، وأَحاط بهم، أَتاه رسولهم، فسأَله عن اسمه، فقال: قُتَيبة، فقال له: لستَ تفتَحها، إِنما يفتحُها رجل اسمه إِكاف، فقال قُتَيبة: فلا يفتحها غيري، واسمي إِكاف. قال: وهذا يوافق ما قال الليث. وقال الأَصمعي: قَتَبُ البعير مُذكَّر لا يؤنث، ويقال له: القِتْبُ، وإِنما يكون للسانية؛ ومنه قول لبيد:
وأُلْقِـيَ قِتْبُها الـمَخْزومُ
ابن سيده: القِتْبُ والقَتَبُ إِكاف البعير؛ وقيل: هو الإِكاف الصغير
الذي على قَدْرِ سَنام البعير. وفي الصحاح: رَحْلٌ صغيرٌ على قَدْر السَّنام.
وأَقْتَبَ البعيرَ إِقْتاباً إِذا شَدَّ عليه القَتَبَ. وفي حديث عائشة،
رضي اللّه عنها: لا تمنع المرأَة نفسها من زوجها، وإِن كانت على ظَهْرِ قَتَبٍ؛ القَتَبُ للجمَل كالإِكافِ لغيره؛ ومعناه: الـحَثُّ لهنَّ على مطاوَعة أَزواجهن، وأَنه لا يَسَعُهُنَّ الامتناع في هذه الحال، فكيف في غيرها. وقيل: إِن نساء العرب كُنَّ إِذا أَرَدْنَ الوِلادَةَ، جَلَسْنَ على قَتَبٍ، ويَقُلْنَ: إِنه أَسْلَسُ لخروج الولد، فأَرادت تلك الحالةَ.
قال أَبو عبيد: كنا نَرى أَن المعنى وهي تسير على ظَهْرِ البعير، فجاءَ التفسير بعد ذلك.
والقِتْبُ، بالكسر: جميعُ أَداة السانية من أَعلاقها وحبالها؛ والجمعُ
من كل ذلك: أَقتابٌ؛ قال سيبويه: لم يجاوِزوا به هذا البناء.
والقَتُوبةُ من الإِبل: الذي يُقْتَبُ بالقَتَبِ إِقْتاباً؛ قال اللحياني: هو ما أَمكنَ أَن يوضع عليه القَتَب، وإِنما جاءَ بالهاءِ، لأَنها للشيءِ مما يُقْتَبُ. وفي الحديث: لا صدقة في الإِبل القَتوبة؛ القَتُوبة، بالفتح: الإِبل التي توضَعُ الأَقْتابُ على ظهورها، فَعولة بمعنى مفعولة،
كالرَّكُوبة والـحَلوبة. أَراد: ليس في الإِبل العوامل صدقة. قال
الجوهري: وإِن شئت حذفت الهاء، فقلت القَتُوبُ. ابن سيده: وكذلك كل فعولة من هذا الضرب من الأَسماءِ. والقَتُوب: الرَّجل الـمُقْتِبُ. التهذيب: أَقْتَبْتُ زيداً يميناً إِقتاباً إِذا غَلَّظْتَ عليه اليمينَ، فهو مُقْتَبٌ عليه. ويقال: ارْفُقْ به، ولا تُقْتِبْ عليه في اليمين؛ قال الراجز:
إِليكَ أَشْكو ثِقْلَ دَينٍ أَقْتَبا
ظَهْرِي بأَقْتابٍ تَرَكْنَ جُلَبا
ابن سيده: القِتْبُ والقَتَبُ: الـمِعَى، أُنثى، والجمع أَقْتابٌ؛ وهي
القِتْبَةُ، بالهاءِ، وتصغيرها قُتَيْبةٌ. وقُتَيْبةُ: اسم رجل، منها؛
والنسبة إِليه قُتَبِـيّ، كما تقول جُهَنِـيّ. وقيل: القِتْبُ ما تحَوَّى من
البطن، يعني استدار، وهي الـحَوايا. وأَما الأَمْعاء، فهي الأَقْصاب.
وجمعُ القِتْب: أَقْتابٌ. وفي الحديث: فَتَنْدَلِقُ أَقتابُ بطنِه؛ وقال
الأَصمعي: واحدها قِتْبَة، قال: وبه سُمِّيَ الرجل قُتَيْبةَ، وهو
تصغيرها.
قرا: القَرْو: من الأَرض الذي لا يكاد يَقْطعه شيء، والجمع قُرُوٌّ
والقَرْوُ: شبه حَوْض. التهذيب: والقَرْوُ شِبه حوضٍ ممْدود مستطيل إِلى جنب
حوض ضَخْم يُفرغ فيه من الحوض الضخم ترده الإِبل والغنم، وكذلك إِن كان
من خشب؛ قال الطرماح:
مُنْتَأًىً كالقَرْو رهْن انْثِلامِ
شبه النؤْيَ حول الخَيْمة بالقَرْو، وهو حوض مستطيل إِلى جنب حوض ضخم.
الجوهري: والقَرْوُ حوض طويل مثل النهر ترده الإِبْل. والقَرْوُ: قدَحٌ من
خشب. وفي حديث أُم معبد: أَنها أَرسلت إِليه بشاة وشَفْرةٍ فقال ارْدُدِ
الشَّفْرة وهاتِ لي قَرْواً؛ يعني قدَحاً من خشب. والقَرْوُ: أَسْفَلُ
النخلة ينقر وينبذ فيه، وقيل: القَرْوُ يردّد إناء صغير، في الحوائج. ابن
سيده: القَرْوُ أَسفَلُ النخلة، وقيل: أَصلها يُنْقَرُ ويُنْبَذُ فيه،
وقيل: هو نَقِيرٌ يجعل فيه العصير من أَي خشب كان. والقَرْوُ: القَدح،
وقيل: هو الإِناء الصغير. والقَرْوُ: مَسِيل المِعْصَرةِ ومَثْعَبُها والجمع
القُرِيُّ والأَقْراء، ولا فِعْل له؛ قال الأَعشى:
أَرْمي بها البَيْداءَ، إِذ أَعْرَضَتْ،
وأَنْتَ بَيْنَ القَرْوِ والعاصِرِ
وقال ابن أَحمر:
لَها حَبَبٌ يُرى الرَّاوُوقُ فيها،
كما أَدْمَيْتَ في القَرْوِ الغَزالا
يصف حُمْرة الخَمْر كأَنه دَم غَزال في قَرْو النخل. قال الدِّينَوري:
ولا يصح أَن يكون القدحَ لأَن القدح لا يكون راووقاً إِنما هو مِشْربةٌ؛
الجوهري: وقول الكميت:
فاشْتَكَّ خُصْيَيْهِ إِيغالاً بِنافِذةٍ،
كأَنما فُجِرَتْ مِنْ قَرْو عَصَّارِ
(* قوله« فاشتك» كذا في الأصل بالكاف، والذي في الصحاح وتاج العروس:
فاستل، من الاستلال.)
يعني المعصرة؛ وقال الأَصمعي في قول الأَعشى:
وأَنت بين القَرْو والعاصر
إِنه أسفل النخلة يُنْقَرُ فيُنبذ فيه. والقَرْوُ: مِيلَغةُ الكلب،
والجمع في ذلك كله أَقْراء وأَقْرِ وقُرِيٌّ. وحكى أَبو زيد: أَقْرِوةٌ، مصحح
الواو، وهو نادر من جهة الجمع والتصحيح.
والقَرْوةُ غير مهموز: كالقَرْوِ الذي هو مِيلَغةُ الكلب. ويقال: ما في
الدار لاعِي قَرْوٍ. ابن الأَعرابي: القِرْوَةُ والقَرْوةُ والقُرْوةُ
مِيلغة الكلب. والقَرْوُ والقَرِيُّ: كل شيء على طريق واحد. يقال: ما زال
على قَرْوٍ واحد وقَرِيٍّ واحد. ورأَيت القوم على قَرْوٍ واحد أَي على
طريقة واحدة. وفي إسلام أَبي ذر: وضعت قوله على أَقْراء الشِّعر فليس هو
بشعر؛ أَقْراءُ الشعرِ: طَرائقُه وأَنواعُه، واحدها قَرْوٌ وقِرْيٌ
وقَرِيٌّ. وفي حديث عُتبة ابن ربيعة حين مدَح القرآن لما تَلاه رسولُ الله، صلى
الله عليه وسلم، فقالت له قريش: هو شعر، قال: لا لأَني عَرضْته على
أَقْراء الشعر فليس هو بشعر، هو مِثل الأَوَّل. وأَصبحت الأَرض قَرْواً واحداً
إِذا تَغَطى وجْهُها بالماء. ويقال: ترَكتُ الأَرض قَرْواً واحداً إِذا
طَبَّقَها المطر. وقَرَا إِليه قَرْواً: قَصَد. الليث: القَرْوُ مصدر قولك
قَرَوْتُ إِليهم أَقْرُو قَرْواً، وهو القَصْدُ نحو الشيء؛ وأَنشد:
أَقْرُو إِليهم أَنابيبَ القَنا قِصَدا
وقَراه: طعَنه فرمى به؛ عن الهجري؛ قال ابن سيده: وأُراه من هذا كأَنه
قَصَدَه بين أَصحابه؛ قال:
والخَيْل تَقْرُوهم على اللحيات
(* قوله «على اللحيات» كذا في الأصل والمحكم بحاء مهملة فيهما .)
وقَرَا الأَمر واقْتَراه: تَتَبَّعَه. الليث: يقال الإِنسان يَقْترِي
فلاناً بقوله ويَقْتَرِي سَبيلاً ويَقْرُوه أَي يَتَّبعه؛ وأَنشد:
يَقْتَرِي مَسَداً بِشِيقِ
وقَرَوْتُ البلاد قَرْواً وقَرَيْتُها قَرْياً واقْتَرَيْتها
واسْتَقْرَيتها إِذا تتبعتها تخرج من أَرض إِلى أَرض. ابن سيده: قَرا الأَرضَ
قَرْواً واقْتراها وتَقَرَّاها واسْتَقْراها تَتَبَّعها أَرضاً أَرضاً وسار
فيها ينظر حالهَا وأَمرها. وقال اللحياني: قَرَوْت الأَرض سرت فيها، وهو
أَن تمرّ بالمكان ثم تجوزه إِلى غيره ثم إِلى موضع آخر. وقَرَوْت بني فلان
واقْتَرَيْتهم واسْتَقْرَيتهم: مررت بهم واحداً واحداً، وهو من الإِتباع،
واستعمله سيبويه في تعبيره فقال في قولهم أَخذته بدرهم فصاعداً: لم ترد
أَن تخبر أَن الدرهم مع صاعد ثمن لشيء، كقولهم بدرهم وزيادة، ولكنك
أَخبرت بأَدنى الثمن فجعلته أَوّلاً، ثم قَرَوْت شيئاً بعد شيء لأَثمان شتى.
وقال بعضهم: ما زلت أَسْتَقْرِي هذه الأَرض قَرْيَةً قرْية. الأَصمعي:
قَرَوْتُ الأَرض إِذا تَتَبَّعت ناساً بعد ناس فأَنا أَقْرُوها قَرْواً.
والقَرَي: مجرى الماء إِلى الرياض، وجمعه قُرْيانٌ وأَقْراء؛ وأَنشد:
كأَنَّ قُرْيانَها الرِّجال
وتقول: تَقَرَّيْتُ المياه أَي تتبعتها. واسْتَقْرَيْت فلاناً: سأَلته
أَن يَقْرِيَني. وفي الحديث: والناسُ قَوارِي الله في أَرضه أَي شُهَداء
الله، أُخذ من أَنهم يَقْرُون الناس يَتَتَبَّعونهم فينظرون إِلى
أَعمالهم، وهي أَحد ما جاء من فاعل الذي للمذكر الآدمي مكسراً على فواعل نحو
فارِسٍ وفوارِسَ وناكِس ونواكِسَ. وقيل: القارِيةُ الصالحون من الناس. وقال
اللحياني: هؤلاء قَوارِي الله في الأَرض أَي شهود الله لأَنه يَتَتَبَّع
بعضهم أَحوال بعض، فإِذا شهدوا لإِنسان بخير أَو فقد شر وجب، واحدهم قارٍ،
وهو جمع شاذ حيث هو وصف لآدمي ذكَر كفوارِسَ؛ ومنه حديث أَنس:
فَتَقَرَّى حُجَرَ نسائه كُلِّهِنَّ، وحديث ابن سلام: فما زال عثمان يَتَقَرَّاهم
ويقول لهم ذلك ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: بلغني عن أُمهات المؤمنين
شيء فاسْتَقْرَيْتُهنَّ أَقول لَتَكْفُفنَ عن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أَو ليُبَدِّلَنَّه الله خيراً منكن؛ ومنه الحديث: فجعل يَسْتَقْرِي
الرِّفاقَ؛ قال: وقال بعضهم هم الناس الصالحون، قال: والواحد قارِيَةٌ
بالهاء.
والقَرا: الظهر؛ قال الشاعر:
أُزاحِمُهُمْ بالبابِ، إِذ يَدْفَعُونَني،
وبالظَّهْرِ منِي مِنْ قَرا الباب عاذِرُ
وقيل: القَرا وسط الظهر، وتثنيته قَرَيان وقرَوان؛ عن اللحياني، وجمعه
أَقْراء وقِرْوانٌ؛ قال مالك الهذلي يصف الضبع:
إِذا نفَشَتْ قِرْوانَها ،وتَلَفَّتَتْ،
أَشَبَّ بها الشُّعْرُ الصُّدورِ القراهبُ
(* قوله« أشب» كذا في الأصل والمحكم، والذي في التهذيب: أشت.)
أَراد بالقَراهِب أَولادها التي قد تَمَّت، الواحد قرهَب، أَراد أَن
أَولادها تُناهِبها لحُوم القَتْلى وهو القَرَوْرَى. والقِرْوانُ: الظهر،
ويجمع قِرْواناتٍ. وجمل أَقرَى: طويل القَرا، وهو الظهر، والأُنثى قَرْواء.
الجوهري: ناقة قَرْواء طويلة السنام؛ قال الراجز:
مَضْبُورَةٌ قَرْواءُ هِرْجابٌ فُنُقْ
ويقال للشديدة الظهر: بيِّنة القَرا، قال: ولا تقل جمل أَقْرَى. وقد قال
ابن سيده: يقال كما ترى وما كان أَقْرَى، ولقد قَريَ قَرًى، مقصور؛ عن
اللحياني. وقَرا الأَكَمةِ: ظهرها. ابن الأَعرابي: أَقْرَى إِذا لزم الشيء
وأَلَحَّ عليه، وأَقْرَى إِذا اشتكى قَراه، وأَقْرَى لزِم القُرَى،
وأَقْرَى طلب القِرَى. الأَصمعي: رجع فلان إِلى قَرْواه أَي عادَ إِلى طريقته
الأُولى. الفراء: هو القِرى والقَراء ،والقِلى والقَلاء والبِلى
والبَلاء والإِيا والأَياء ضوء الشمس.
والقَرْواء، جاء به الفراء ممدوداً في حروف ممدودة مثل المَصْواء: وهي
الدبر.
ابن الأَعرابي: القَرا القرع الذي يؤكل. ابن شميل: قال لي أَعرابي
اقْتَرِ سلامي حتى أَلقاك، وقال: اقْتَرِ سلاماً حتى أَلقاك أَي كن في سَلام
وفي خَير وسَعة.
وقُرَّى، على فُعْلى: اسم ماء بالبادية.
والقَيْرَوان: الكثرة من الناس ومعظم الأَمر، وقيل: هو موضع الكَتيبة،
وهو معرَّب أَصله كاروان، بالفارسية، فأُعرب وهو على وزن الحَيْقُطان. قال
ابن دريد: القَيْرَوان، بفتح الراء الجيش، وبضمها القافلة؛ وأَنشد ثعلب
في القَيْرَوان بمعنى الجيش:
فإِنْ تَلَقَّاكَ بِقَيرَوانِه،
أَو خِفْتَ بعضَ الجَوْرِ من سُلْطانِه،
فاسْجُد لقِرْدِ السُّوء في زمانِه
وقال النابغة الجعدي:
وعادِيةٍ سَوْم الجَرادِ شَهِدْتها،
لهَا قَيْرَوانٌ خَلْفَها مُتَنَكِّبُ
قال ابن خالويه: والقَيْرَوان الغبار، وهذا غريب ويشبه أَن يكون شاهده
بيت الجعدي المذكور؛ وقال ابن مفرغ:
أَغَرّ يُواري الشمسَ، عِندَ طُلُوعِها،
قَنابِلُه والقَيْرَوانُ المُكَتَّبُ
وفي الحديث عن مجاهد: إِن الشيطانَ يَغْدُو بقَيْرَوانه إِلى الأَسواق.
قال الليث: القَيْرَوان دخيل، وهو معظم العسكر ومعظم القافلة؛ وجعله امرؤ
القيس الجيش فقال:
وغارةٍ ذاتِ قَيْرَوانٍ،
كأَنَّ أَسْرابَها الرِّعالُ
وقَرَوْرى: اسم موضع؛ قال الراعي:
تَرَوَّحْن مِنْ حَزْمِ الجُفُولِ فأَصْبَحَتْ
هِضابُ قَرَوْرى، دُونها، والمُضَيَّخُ
(* قوله« قرورى» وقع في مادة جفل: شرورى بدله.)
الجوهري: والقَرَوْرى موضع على طريق الكوفة، وهو مُتَعَشًّى بين
النُّقْرة والحاجر؛ قال:
بين قَرَوْرى ومَرَوْرَيانِها
وهو فَعَوْعَلٌ؛ عن سيبويه. قال ابن بري: قَرَوْرًى منونة لأَن وزنها
فَعَوْعَلٌ. وقال أَبو علي: وزنها فَعَلْعَل من قروت الشيء إذا تتبعته،
ويجوز أن يكون فَعَوْعَلاً من القرية، وامتناع الصرف فيه لأَنه اسم بقعة
بمنزلة شَرَوْرَى؛ وأَنشد:
أَقولُ إِذا أَتَيْنَ على قَرَوْرى،
وآلُ البِيدِ يَطْرِدُ اطِّرادا
والقَرْوةُ: أَنْ يَعظُم جلد البيضتين لريح فيه أَو ماء أَو لنزول
الأَمعاء، والرجل قَرْواني. وفي الحديث: لا ترجع هذه الأُمة على قَرْواها أَي
على أَوّل أَمرها وما كانت عليه، ويروى على قَرْوائها، بالمد. ابن سيده:
القَرْية والقِرْية لغتان المصر الجامع؛ التهذيب: المكسورة يمانية، ومن
ثم اجتمعوا في جمعها على القُرى فحملوها على لغة من يقول كِسْوة وكُساً،
وقيل: هي القرية، بفتح القاف لا غير، قال: وكسر القاف خطأٌ، وجمعها قُرّى،
جاءَت نادرة. ابن السكيت: ما كان من جمع فَعْلَة يفتح الفاء معتلاًّ من
الياء والواو على فِعال كان ممدوداً مثل رَكْوة ورِكاء وشَكْوة وشِكاء
وقَشْوة وقِشاء، قال: ولم يسمع في شيء من جميع هذا القصرُ إِلاَّ كَوَّة
وكُوًى وقَرْية وقُرًى، جاءَتا على غير قياس. الجوهري: القَرْية معروفة،
والجمع القُرى على غير قياس. وفي الحديث: أَن نبيّاً من الأَنبياء أَمر
بقَرية النمل فأُحْرقتْ؛ هي مَسْكَنُها وبيتها، والجمع قُرًى، والقَرْية من
المساكن والأَبنية والضِّياع وقد تطلق على المدن. وفي الحديث: أُمِرْتُ
بقَرْية تأْكل القُرى؛ وهي مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومعنى
أَكلها القرى ما يُفتح على أَيدي أَهلها من المدن ويصيبون من غَنائمها، وقوله
تعالى: واسأَل القرية التي كنّا فيها؛ قال سيبويه: إِنما جاء على اتساع
الكلام والاختصار، وإنما يريد أَهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية
كما كان عاملاً في الأَهل لو كان ههنا؛ قال ابن جني: في هذا ثلاثة معانٍ:
الاتساع والتشبيه والتوكيد، وأَما الاتساع فإِنه استعمل لفظ السؤال مع ما
لا يصح في الحقيقة سؤاله، أَلا تراك تقول وكم من قرية مسؤولة وتقول القرى
وتسآلك كقولك أَنت وشأْنُك فهذا ونحوه اتساع، وأَما التشبيه فلأَنها
شبهت بمن يصح سؤاله لما كان بها ومؤالفاً لها، وأَما التوكيد فلأَنه في ظاهر
اللفظ إِحالة بالسؤال على من ليس من عادته الإِجابة، فكأَنهم تضمنوا
لأَبيهم، عليه السلام، أَنه إِن سأَل الجمادات والجِمال أَنبأَته بصحة
قولهم، وهذا تَناهٍ في تصحيح الخبر أي لو سأَلتها لأَنطقها الله بصدقنا فكيف
لو سأَلت ممن عادته الجواب؟ والجمع قُرًى. وقوله تعالى: وجعلنا بينهم وبين
القُرى التي باركْنا فيها قُرًى ظاهرة؛ قال الزجاج: القُرَى المبارك
فيها بيت المقدس، وقيل: الشام، وكان بين سبَإٍ والشام قرى متصلة فكانوا لا
يحتاجون من وادي سبإٍ إِلى الشام إِلى زاد، وهذا عطف على قوله تعالى: لقد
كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ جُنّتان وجعلنا بينهم. والنسب إِلى قَرْية
قَرْئيٌّ، في قول أَبي عمرو، وقَرَوِيٌّ، في قول يونس. وقول بعضهم: ما رأَيت
قَرَوِيّاً أَفصَح من الحجاج إِنما نسبه إِلى القرية التي هي المصر؛ وقول
الشاعر أَنشده ثعلب:
رَمَتْني بسَهْمٍ ريشُه قَرَوِيَّةٌ،
وفُوقاه سَمْنٌ والنَّضِيُّ سَوِيقُ
فسره فقال: القروية التمرة. قال ابن سيده: وعندي أَنها منسوبة إِلى
القرية التي هي المصر، أَو إِلى وادي القُرى، ومعنى البيت أَن هذه المرأَة
أَطعمته هذا السمن بالسويق والتمر.
وأُمُّ القُرى: مكة، شرفها الله تعالى، لأَن أَهل القُرى يَؤُمُّونها
أَي يقصدونها. وفي حديث علي، كرم الله وجهه: أَنه أُتي بضَبّ فلم يأْكله
وقال إِنه قَرَوِيٌّ أَي من أَهل القُرى، يعني إِنما يأْكله أَهل القُرى
والبَوادي والضِّياع دون أَهل المدن. قال: والقَرَوِيُّ منسوب إِلى
القَرْية على غير قياس، وهو مذهب يونس، والقياس قَرْئيٌّ. والقَرْيَتَين، في
قوله تعالى: رجلٍ من القَرْيَتَيْن عظيمٍ؛ مكة والطائف. وقَرْية النمل: ما
تَجمعه من التراب، والجمع قُرى؛ وقول أَبي النجم:
وأَتَتِ النَّملُ القُرى بِعِيرها،
من حَسَكِ التَّلْع ومن خافُورِها
والقارِيةُ والقاراةُ: الحاضرة الجامعة. ويقال: أَهل القارِية للحاضرة،
وأَهل البادية لأَهل البَدْوِ. وجاءني كل قارٍ وبادٍ أَي الذي ينزل
القَرْية والبادية. وأَقْرَيْت الجُلَّ على ظهر الفرس أَي أَلزمته
إِياه.والبعير يَقْري العَلَف في شِدْقه أَي يجمعه. والقَرْيُ: جَبْيُ الماء
في الحوض. وقَرَيتُ الماء في الحوض قَرْياً وقِرًى
(* قوله« وقرى» كذا ضبط
في الأصل والمحكم والتهذيب بالكسر كما ترى، وأطلق المجد فضبط بالفتح.) :
جمعته. وقال في التهذيب: ويجوز في الشعر قِرًى فجعله في الشعر خاصة،
واسم ذلك الماء القِرى، بالكسر والقصر، وكذلك ما قَرَى الضيفَ قِرًى.
والمِقْراة: الحوض العظيم يجتمع فيه الماء، وقيل: المِقْراة والمِقْرَى
ما اجتمع فيه الماء من حوض وغيره. والمِقْراةُ والمِقْرى: إِناء يجمع فيه
الماء. وفي التهذيب: المِقْرَى الإِناء العظيم يُشرب به الماء.
والمِقْراة: الموضع الذي يُقْرَى فيه الماء. والمِقْراة: شبه حوض ضخم يُقْرَى فيه
من البئر ثم يُفرغ في المِقْراة، وجمعها المَقارِي. وفي حديث عمر، رضي
الله عنه: ما وَلِيَ أَحدٌ إِلاَّ حامَى على قَرابَته وقَرَى في عَيْبَتِه
أَي جَمَع؛ يقال: قَرَى الشيءَ يَقْرِيه قَرياً إِذا جمعه، يريد أَنه
خانَ في عَمَله. وفي حديث هاجر، عليها السلام، حين فَجَّرَ الله لها
زَمْزَم: فَقَرَتْ في سِقاء أَو شَنَّةٍ كانت معها. وفي حديث مُرَّة بن
شراحيلَ: أَنه عُوتِبَ في ترك الجمعة فقال إِنَّ بي جُرْحاً يَقْرِي ورُبَّما
ارْفَضَّ في إِزاري، أَي يَجْمع المِدَّة ويَنْفَجِرُ. الجوهري:
والمِقْراةُ المَسيل وهو الموضع الذي يجتمع فيه ماء المطر من كُلِّ جانب. ابن
الأَعرابي: تَنَحَّ عن سَنَنِ الطريق وقَريِّه وقَرَقِه بمعنى واحد. وقَرَتِ
النملُ جِرَّتها: جَمَعَتْها في شِدْقها. قال اللحياني: وكذلك البعير
والشاة والضائنة والوَبْرُ وكل ما اجْتَرَّ. يقال للناقة: هي تَقْرِي إِذا
جمعت جِرَّتها في شِدقِها، وكذلك جمعُ الماء في الحوض. وقَرَيْتُ في شِدقي
جَوْزةً: خَبَأْتُها. وقَرَتِ الظبيةُ تَقْرِي إِذا جمعت في شِدْقها
شيئاً، ويقال للإِنسان إِذا اشتكى شدقَه: قَرَى يَقْرِي. والمِدَّةُ تَقْرِي
في الجرح: تَجْتَمع. وأَقْرَتِ الناقة تُقْرِي، وهي مُقْرٍ: اجتمع الماء
في رحمها واستقرّ. والقَرِيُّ، على فَعِيل: مَجْرَى الماءِ في الروض،
وقيل: مجرى الماء في الحوض، والجمع أَقْرِيةٌ وقُرْيانٌ؛ وشاهد الأَقْرِية
قول الجعدي:
ومِنْ أَيَّامِنا يَوْمٌ عَجِيبٌ،
شَهِدْناه بأَقْرِيةِ الرّداع
وشاهد القُربانِ قول ذي الرمة:
تَسْتَنُّ أَعْداءَ قُرْيانٍ، تَسَنَّمَها
غُرُّ الغَمامِ ومُرْتَجَّاتُه السُّودُ
وفي حديث قس: ورَوْضَة ذات قُرْيانٍ، ويقال في جمع قَرِيٍّ أَقْراء. قال
معاوية بن شَكَل يَذُمُّ حَجْلَ بن نَضْلَة بين يدي النعمان: إِنه
مُقْبَلُ النعلين مُنْتَفِخُ الساقين قَعْوُ الأَلْيَتَين مَشَّاء بأَقْراء
قَتَّال ظِباء بَيَّاع إِماء، فقال له النعمان: أَردت أَن تَذِيمَه
فَمَدَحْتَه؛ القَعْو: الخُطَّاف من الخشب مما يكون فوق البئر، أَراد أَنه إِذا
قعد التزقت أَليتاه بالأَرض فهما مثل القَعْو، وصفه بأَنه صاحب صيد وليس
بصاحب إِبل. والقَرِيُّ: مَسِيلُ الماء من التِّلاع: وقال اللحياني:
القَرِيُّ مَدْفَعُ الماء من الرَّبْوِ إِلى الرَّوْضة؛ هكذا قال الربو، بغير
هاء، والجمع أَقْرِيةٌ وأَقْراء وَقُرْيان، وهو الأَكثر. وفي حديث ابن
عمر: قام إِلى مَقْرى بستان فقعد يَتَوَضَّأُ؛ المَقْرَى والمقْراة: الحوض
الذي يجتمع فيه الماء. وفي حديث ظبيان: رَعَوْا قُرْيانه أَي مَجارِيَ
الماء، واحدها قَرِيٌّ بوزن طَرِيٍّ. وقَرى الضيف قِرّىًّ وقَراء:
أَضافَه. واسْتَقْراني واقتراني وأَقْراني: طلب مني القِرى. وإِنه لقَرِيٌّ
للضيف، والأُنْثى قَرِيَّةٌ؛ عن اللحياني. وكذلك إِنه لمِقْرىً للضيف
ومِقْراءٌ، والأُنثى مِقْراةٌ ومِقْراء؛ الأَخيرة عن اللحياني. وقال: إِنه
لمِقْراء للضيف وإِنه لمِقْراء للأَضْياف، وإِنه لقَرِيٌّ للضيف وإِنها
لقَرِيَّة للأَضْياف. الجوهري: قرَيت الضيف قِرًى، مثال قَلَيْتُه قِلًى،
وقَراء: أَحسنت إِليه، إِذا كسرت القاف قصرت، وإِذا فتحت مددت. والمِقْراةُ:
القصعة التي يُقْرى الضيف فيها. وفي الصحاح: والمِقْرَى إِناء يُقْرَى فيه
الضيف. والجَنْفَةُ مِقْراة؛ وأَنشد ابن بري لشاعر:
حتى تَبُولَ عَبُورُ الشِّعْرَيَيْنِ دَماً
صَرْداً، ويَبْيَضَّ في مِقْراتِه القارُ
والمَقارِي: القُدور؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
تَرَى فُصْلانَهم في الوِرْدِ هَزْلَى،
وتَسْمَنُ في المَقارِي والجِبالِ
يعني أَنهم يَسْقُون أَلبان أُمَّهاتها عن الماء، فإِذا لم يفعلوا ذلك
كان عليهم عاراً، وقوله: وتسمن في المَقارِي والحِبال أَي أَنهم إِذا
نَحروا لم يَنحروا إِلا سميناً، وإِذا وهبوا لم يَهبوا إِلا كذلك؛ كل ذلك عن
ابن الأَعرابي. وقال اللحياني: المِقْرى، مقصور بغير هاء، كل ما يؤتى به
من قِرى الضيف قصْعَة أَو جَفْنة أَو عُسٍّ؛ ومنه قول الشاعر:
ولا يَضَنُّون بالمِقْرَى وإِن ثَمِدُوا
قال: وتقول العرب لقد قَرَوْنا في مِقْرًى صالح. والمَقارِي: الجِفان
التي يُقْرَى فيها الأَضْيافُ؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
وأَقضِي قُروضَ الصّالِحينَ وأَقْتَرِي
فسره فقال: أَنَّى أَزِيدُ
(* قوله« أنى أزيد» هذا ضبط المحكم.) عليهم
سوى قَرْضهم. ابن سيده: والقَرِيَّةُ، بالكسر، أَن يُؤْتَى بعُودين طولهما
ذراع ثم يُعرَض على أَطرافهما عُوَيدٌ يُؤْسَرُ إِليهما من كل جانب
بقِدٍّ، فيكون ما بين العُصَيَّتين قدر أَربع أَصابع، ثم يؤْتى بعُوَيد فيه
فَرْض فيُعْرض في وسط القَرِيّة ويشد طرفاه إِليهما بقِدّ فيكون فيه رأْس
العمود؛ هكذا حكاه يعقوب، وعبر عن القرِيّةِ بالمصدر الذي هو قوله أَن
يؤْتى، قال: وكان حكمه أَن يقول القَرِيَّةُ عُودان طولهما ذراع يصنع بهما
كذا. وفي الصحاح: والقرِيَّةُ على فَعيلة خَشبات فيها فُرَض يُجعل فيها
رأْس عمود البيت؛ عن ابن السكيت.
وقَرَيْتُ الكتاب: لغة في قرأْت؛ عن أَبي زيد، قال: ولا يقولون في
المستقبل إِلا يَقرأ. وحكى ثعلب: صحيفة مَقْرِيَّة؛ قال ابن سيده: فدلّ هذا
على أَن قَرَيْت لغة كما حكى أَبو زيد، وعلى أَنه بَناها على قُرِيَت
المغيَّرة بالإِبدال عن قُرِئت، وذلك أَن قُرِيت لما شاكلت لفظ قُضِيت قيل
مَقْرِيَّة كما قيل مَقْضِيَّة.
والقارِيةُ: حدّ الرمح والسيف وما أَشبه ذلك، وقيل: قارِيةُ السِّنان
أَعلاه وحَدّه. التهذيب: والقاريةُ هذا الطائر القصير الرجل الطويل المنقار
الأَخضر الظهر تحبه الأَعراب، زاد الجوهري: وتَتَيَمَّن به ويُشَبِّهون
الرجل السخيَّ به، وهي مخففة؛ قال الشاعر:
أَمِنْ تَرْجيعِ قارِيَةٍ تَرَكْتُمْ
سَباياكُمْ، وأُبْتُمْ بالعَناق؟
والجمع القَواري. قال يعقوب: والعامة تقول قارِيَّة، بالتشديد. ابن
سيده: والقاريةُ طائر أَخضر اللون أَصفر المِنقار طويل الرجل؛ قال ابن
مقبل:لِبَرْقٍ شآمٍ كُلَّما قلتُ قد وَنَى
سَنَا، والقَواري الخُضْرُ في الدِّجْنِ جُنَّحُ
وقيل: القارية طير خضر تحبها الأَعراب، قال: وإنما قضيت على هاتين
الياءَين أَنهما وضع ولم أَقض عليهما أَنهما منقلبتان عن واو لأَنهما لام،
والياء لاماً أَكثر منها واواً.
وقَرِيُّ: اسم رجل. قال ابن جني: تحتْمل لامه أَن تكون من الياء ومن
الواو ومن الهمزة، على التخفيف. ويقال: أَلقه في قِرِّيَّتِك.
والقِرِّيَّةُ: الحَوْصَلة، وابن القِرِّيَّةِ مشتق منه؛ قال: وهذان قد يكونان
ثنائيين، والله أَعلم.
رصد: الراصِدُ بالشيء: الراقب له. رَصَدَه بالخير وغيره يَرْصُدُه
رَصْداً ورَصَداً: يرقبه، ورصَدَه بالمكافأَة كذلك. والتَّرَصُّدُ: الترقب.
قال الليث: يقال أَنا لك مُرْصِدٌ بإِحسانك حتى أُكافــئك به؛ قال:
والإِرصاد في المكافأَة بالخير، وقد جعله بعضهم في الشر أَيضاً؛ وأَنشد:
لاهُمَّ، رَبَّ الراكب المسافر،
احْفَظْه لي من أَعيُنِ السواحر،
وحَيَّةٍ تُرْصِدُ بالهواجر
فالحية لا تُرْصِدُ إِلا بالشر. ويقال للحية التي تَرْصُد المارة على
الطريق لتلسع: رصيد. والرَّصِيدُ: السبع الذي يَرْصُد لِيَثِب. والرَّصُود
من الإِبل: التي تَرْصُد شرب الإِبل ثم تشرب هي. والرَّصَدُ: القوم
يَرْصُدون كالحَرَس، يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث، وربما قالوا أَرصاد.
والرُّصْدَة، بالضم: الزُّبْية. وقال بعضهم: أَرصَدَ له بالخير والشر، لا
يقال إِلا بالأَلف، وقيل: تَرَصَّدَه ترقبه. وأَرصَدَ له الأَمر: أَعدّه.
والارتصاد: الرَّصْد. والرَّصَد: المرتَصِدُون، وهو اسم للجمع. وقال الله
عز وجل: والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين
وإِرصاداً لمن حارب الله ورسوله؛ قال الزجاج: كان رجل يقال له أَبو عامر
الراهب حارَب النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، ومضى إِلى هِرَقْلَ وكان أَحد
المنافقين، فقال المنافقون الذين بنوا مسجد الضرار: نبني هذا المسجد وننتظر
أَبا عامر حتى يجيء ويصلي فيه. والإِرصاد: الانتظار. وقال غيره: الإِرصاد
الإِعداد، وكانوا قد قالوا نَقْضي فيه حاجتنا ولا يعاب علينا إِذا
خلونا، ونَرْصُده لأَبي عامر حتى مجيئه من الشام أَي نعدّه؛ قال الأَزهري:
وهذا صحيح من جهة اللغة. روى أَبو عبيد عن الأَصمعي والكسائي: رصَدْت فلاناً
أَرصُدُه إِذا ترقبته. وأَرْصَدْت له شيئاً أُرْصِدُه: أَعددت له. وفي
حديث أَبي ذر: قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: ما أُحِبُّ عِندي
(*
قوله «ما أحب عندي» كذا بالأصل ولعله ما أحب ان عندي والحديث جاء بروايات
كثيرة) . مِثلَ أُحُدٍ ذهباً فَأُنفِقَه في سبيل الله، وتمُسي ثالثةٌ وعندي
منه دينارٌ إِلاَّ دينار أُرْصِدُه أَي أُعِدُّه لدين؛ يقال: أَرصدته
إِذا قعدت له على طريقه ترقبه. وأَرْصَدْتُ له العقوبة إِذا أَعددتها له،
وحقيقتُه جعلتها له على طريقه كالمترقبة له؛ ومنه الحديث: فأَرْصَدَ الله
على مَدْرجته ملَكاً أَي وكله بحفظ المدرجة، وهي الطريق. وجعله رَصَداً
أَي حافظاً مُعَدّاً. وفي حديث الحسن بن علي وذكر أَباه فقال: ما خَلَّف
من دنياكم إِلا ثلثمائة درهم كان أَرصَدَها لشراء خادم. وروي عن ابن سيرين
أَنه قال: كانوا لا يَرْصُدون الثمار في الدَّيْن وينبغي أَن يُرْصَد
العينُ في الدَّيْن؛ قال: وفسره ابن المبارك فقال إِذا كان على الرجل دين
وعنده من العين مثله لم تجب الزكاة عليه، وإِن كان عليه دين وأَخرجت أَرضه
ثمرة يجب فيها العشر لم يسقط العشر عنه من أَجل ما عليه من الدين،
لاختلاف حكمهما وفيه خلاف. قال أَبو بكر: قولهم فلان يَرْصُد فلاناً معناه
يقعد له على طريقه.
قال: والمَرْصَدُ والمِرْصادُ عند العرب الطريق؛ قال الله عز وجل:
واقعدوا لهم كل مَرصد؛ قال الفراء: معناه واقعدوا لهم على طريقهم إِلى البيت
الحرام، وقيل: معناه أَي كونوا لهم رَصَداً لتأْخذوهم في أَيّ وجه توجهوا؛
قال أَبو منصور: على كل طريق؛ وقال عز وجل: إِنَّ ربك لبالمرصاد؛ معناه
لبالطريق أَي بالطريق الذي ممرّك عليه؛ وقال عديّ:
وإِنَّ المنايا للرجالِ بِمَرْصَد
وقال الزجاج: أَي يرصد من كفر به وصدّ عنه بالعذاب؛ وقال ابن عرفة: أَي
يَرْصُد كل إِنسان حتى يجازِيَه بفعله. ابن الأَنباري: المِرصاد الموضع
الذي ترصد الناس فيه كالمضمار الموضع الذي تُضَمَّر فيه الخيل من ميدان
السباق ونحوه، والمَرْصَدُ: مثل المِرصاد، وجمعه المراصد، وقيل: المرصاد
المكان الذي يُرْصَدُ فيه العدوّ. وقال الأَعمش في قوله: إِنَّ ربك
لبالمرصاد؛ قال: المرصاد ثلاثة جسور خلف الصراط: جسر عليه الأَمانة، وجسر عليه
الرحم، وجسر عليه الربّ؛ وقال تعالى: إِن جهنم كانت مرصاداً، أَي تَرْصُد
الكفار. وفي التنزيل العزيز: فإِنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً أَي
إِذا نزل الملَك بالوحي أَرسل الله معه رصداً يحفظون الملك من أَن يأْتي
أَحد من الجنّ، فيستمع الوحي فيخبر به الكهنة ويخبروا به الناس، فيساووا
الأَنبياء. والمَرْصَد: كالرصَد. والمرصاد والمَرْصَد: موضع الرصد.
ومراصد الحيات: مكامنها؛ قال الهذلي:
أَبا مَعْقَلٍ لا يُوطِئَنْكَ بغاضَتي
رُؤوسَ الأَفاعي في مَراصِدِها العُرْم
وليث رصيد: يَرْصُدُ ليثب؛ قال:
أَسليم لم تعد،
أَم رصِيدٌ أَكلَكْ؟
والرَّصْد والرَّصَد: المطر يأْتي بعد المطر، وقيل: هو المطر يقع
أَوّلاً لما يأْتي بعده، وقيل: هو أَوّل المطر. الأَصمعي: من أَسماء المطر
الرصْد. ابن الأَعرابي: الرصَد العهاد تَرْصُد مطراً بعدها، قال: فإِن
أَصابها مطر فهو العشب، واحدتها عِهْدَة، أَراد: نَبَت العُشْب أَو كان العشب.
قال: وينبت البقل حينئذ مقترحاً صُلْباً، واحدته رَصَدَة ورَصْدة؛
الأَخيرة عن ثعلب؛ قال أَبو عبيد: يقال قد كان قبل هذا المطر له رَصْدَة؛
والرَّصْدة، بالفتح: الدُّفعة من المطر، والجمع رصاد، وتقول منه: رُصِدَت
الأَرض، فهي مرصودة.
وقال أَبو حنيفة: أَرض مُرصِدة مطرت وهي ترجى لأَن تنبت، والرصد حينئذ:
الرجاء لأَنها ترجى كما ترجى الحائل
(* قوله «ترجى الحائل» مرة قالها
بالهمز ومرة بالميم، وكلاهما صحيح.) وجمع الرصد أَرصاد. وأَرض مرصودة
ومُرْصَدة: أَصابتها الرَّصْدة. وقال بعض أَهل اللغة: لا يقال مرصودة ولا
مُرْصَدَة، إِنما يقال أَصابها رَصْد ورَصَد. وأَرض مُرصِدة إِذا كان بها شيء
من رصَد. ابن شميل: إِذا مُطرت الأَرض في أَوّل الشتاء فلا يقال لها
مَرْت لأَنّ بها حينئذ رصداً، والرصد حينئذ الرجاء لها كما ترجى الحامل. ابن
الأَعرابي: الرَّصْدة ترصد وَلْياً من المطر. الجوهري: الرصَد، بالتحريك،
القليل من الكلإِ والمطر. ابن سيده: الرصد القليل من الكلإِ في أَرض
يرجى لها حَيَا الربيع. وأَرض مُرْصِدة: فيها رَصَدٌ من الكلإِ. ويقال: بها
رصد من حيا.
وقال عرّام: الرصائد والوصائد مصايدُ تُعدّ للسباع.
شنذ: النهاية لابن الأَثير في حديث سعد بن معاذ: لما حكم في بني قريظة
حملوه على شَنَذَة من ليف، هي بالتحريك شبه إِكاف يجعل لمقدِّمته حِنْوٌ؛
قال الخطابي: ولست أَدري بأَيّ لسان هي.
شوف: شافَ الشيءَ شَوْفاً: جلاه. والشَّوْفُ: الجَلْوُ. والمَشُوفُ:
المَجْلُوُّ. ودينار مَشُوفٌ أَي مَجْلُوٌّ؛ قال عنترة:
ولقد شَرِبْتُ من المُدامةِ بَعْدما
ركدَ الهَواجِرُ بالمَشُوفِ المُعْلَمِ
يعني الدينار المَجْلُوَّ، وأَراد بذلك ديناراً شافَه ضاربُه أَي جلاه،
وقيل: عنى به قَدَحاً صافياً مُنَقَّشاً. والمَشُوفُ من الإبل:
المَطْلِيُّ بالقَطران لأَن الهناء يشُوفه أَي يجلوه. وقال أَبو عبيد: المشوف
الهائج، قال: ولا أَدري كيف يكون الفاعل عبارة عن المفعول؛ وقول لبيد:
بِخَطِيرةٍ تُوفي الجَدِيلَ سَرِيحَةٍ،
مِثْلِ المَشُوفِ هَنَأْته بِعصِيمِ
(* قوله «بخطيرة» في شرح القاموس: الخطيرة التي تخطر بذنبها نشاطاً،
والسريحة: السريعة السهلة السير.)
يحتمل المعنيين. وقال أَبو عمرو: المَشُوفُ الجمل الهائجُ في قول لبيد،
ويروى المسُوفُ، بالسين، يعني المشموم إذا جَرِبَ البعير فطُلِيَ
بالقَطِران شمَّتْه الإبل، وقيل: المَشُوف المزين بالعُهُون وغيرها.
والمُشَوَّفةُ من النساء: التي تُظْهِر نَفسَها ليراها الناسُ؛ عن أَبي
علي. وتَشَوَّفَتِ المرأَةُ: تزينت. ويقال: شِيفتِ الجاريةُ تُشافُ
شَوْفاً إذا زُيِّنَتْ. وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: أَنها شَوَّفَتْ
جارية فطافَتْ بها وقالت لعلَّنا نَصِيدُ بها بعضَ فِتْيان قُريش، أَي
زَيَّنَتْها.
واشْتافَ فلان يَشْتافُ اشْتِيافاً إذا تَطاوَلَ ونظر. وتَشَوَّفْتُ إلى
الشيء أَي تطَلَّعْتُ. ورأَيت نساء يَتَشَوَّفْن من السُّطُوح أَي
يَنْظرن ويَتطاوَلْنَ. ويقال: اشْتافَ البرقَ أَي شامَه، ومنه قول
العجاج:واشْتافَ من نحوِ سُهَيْلٍ بَرْقا
وتَشَوَّفَ الشيءُ وأَشافَ: ارتفع. وأَشافَ على الشيء وأَشْفى: أَشْرَفَ
عليه. وفي الصحاح: هو قلب أَشْفى عليه. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه:
ولكن انْظُرُوا إلى ورَعِه إذا أَشافَ أَي أَشْرَفَ على الشيء، وهو بمعنى
أَشْفى؛ وقال طُفَيْل:
مُشيفٌ على إحْدى ابْنَتَيْنِ بنفسه،
فُوَيْتَ العَوالي بَيْنَ أَسْرٍ ومَقْتَلِ
(* قوله «ابنتين» في شرح القاموس اثنتين.)
وتمثّل المخْتارُ لما أُحِيطَ به بهذا البيت:
إما مُشِيف على مجْدٍ ومَكْرُمةٍ،
وأُسْوةٌ لك فيمن يَهْلِكُ الوَرَقُ
والشَّيِّفةُ: الطَّلِيعةُ؛ قال قَيْسُ بن عَيزارة:
ورَدْنا الفُضاضَ، قَبْلَنا شَيِّفاتُنا،
بأَرْعَنَ يَنْفي الطيرَ عن كلِّ مَوْقِعِ
وشَيِّفةُ القوم: طَلِيعَتُهم الذي يَشْتافُ لهم. ابن الأَعرابي: بعث
القومُ شَيِّفةً أَي طَليعةً.
قال: والشَّيِّفانُ الدَّيْدَبانُ. وقال أَعرابي: تَبَصَّرُوا
الشَّيِّفانَ فإنه يَصُوكُ على شَعَفَةِ المَصادِ أَي يلزمها.
واشْتافَ الفرسُ والظَّبْيُ وتَشَوَّفَ: نَصَب عُنُقَه وجعل ينظر؛ قال
كثير عزة:
تَشَوّفَ من صَوْتِ الصَّدى كلَّ ما دَعا،
تَشَوُّفَ جَيْداء المُقَلَّدِ مُغْيِبِ
الليث: تشوَّفتِ الأَوْعالُ إذا ارتفعت على معاقِلِ الجبال فأَشْرفت؛
وأَنشد ابن الأَعرابي:
يَشْتَفْنَ للنظرِ البعيد، كأَنما
إرنانُها ببَوائِن الأَشْطانِ
(* راجع هذا البيت في مادة شنف فقد ورد فيه يَشنَفْن بدل يشتفن.
يصف خيلاً نَشِيطة إذا رأَتْ شخصاً بعيداً طَمَحَتْ إليه ثم صَهَلَت،
فكأَنَّ صَهِيلها في آبار بعيدة الماء لسعَةِ أَجْوافها. وفي حديث
سُبَيْعةَ: أَنها تَشَوَّفت للخُطّاب أَي طَمَحَتْ وتَشَرَّفَتْ.
واسْتَشافَ الجُرحُ، فهو مُسْتَشِيفٌ، بغير همز إذا غَلُظَ.
وفي الحديث: خرجت بآدم شافةٌ في رجله؛ قال: والشافةُ جاءت بالهمز وغير
الهمز، وهي قُرحة تخرج بباطن القدم وقد ذكرت في شأَف، واللّه أَعلم.
صدر: الصَّدْر: أَعلى مقدَّم كل شيء وأَوَّله، حتى إِنهم ليقولون: صَدْر
النهار والليل، وصَدْر الشتاء والصيف وما أَشبه ذلك مذكّراً؛ فأَما قول
الأَعشى:
وتَشْرَقُ بالقَوْل الذي قد أَذَعْتَه،
كما شَرِقَتْ صَدْر القَناة من الدَّمِ
قال ابن سيده: فإِن شئت قلت أَنث لأَنه أَراد القناة، وإِن شئت قلت إِن
صَدْر القَناة قَناة؛ وعليه قوله:
مَشَيْنَ كما اهْتَزَّت رِماح، تَسَفَّهَتْ
أَعالِيها مَرُّ الرِّياح النَّواسِم
والصَّدْر: واحد الصُّدُور، وهو مذكر، وإِنما أَنثه الأَعشى في قوله كما
شَرِقَتْ صَدْر القَناة على المعنى، لأَن صَدْر القَناة من القَناة، وهو
كقولهم: ذهبت بعض أَصابعه لأَنهم يؤنِّثُون الاسم المضاف إِلى المؤنث،
وصَدْر القناة: أَعلاها. وصَدْر الأَمر: أَوّله. وصَدْر كل شيء: أَوّله.
وكلُّ ما واجهك: صَدْرٌ، وصدر الإِنسان منه مذكَّر؛ عن اللحياني، وجمعه
صُدُور ولا يكسَّر على غير ذلك. وقوله عز وجل: ولكن تَعْمَى القُلوب التي
في الصُّدُور؛ والقلب لا يكون إِلاَّ في الصَّدْر إِنما جرى هذا على
التوكيد، كما قال عز وجل: يقولون بأَفواههم؛ والقول لا يكون إِلاَّ بالفَمِ
لكنه أَكَّد بذلك، وعلى هذا قراءة من قرأَ: إِن أَخي له تِسْعٌ وتسعون
نَعْجَةً أُنثى. والصُّدُرة: الصَّدْر، وقيل: ما أَشرف من أَعلاه. والصَّدْر:
الطائفة من الشيء. التهذيب: والصُّدْرة من الإِنسان ما أَشرف من أَعلى
صدْره؛ ومنه الصُّدْرة التي تُلبَس؛ قال الأَزهري: ومن هذا قول امرأَة
طائيَّة كانت تحت امرئ القيس، فَفَرِ كَتْهُ وقالت: إِني ما عَلِمْتُكَ
إِلاَّ ثَقِيل الصُّدْرة سريع الهِدافَةَ بَطِيء الإِفاقة.
والأَصْدَر: الذي أَشرفت صَدْرته.
والمَصْدُور: الذي يشتكي صدره؛ وفي حديث ابن عبد العزيز: قال لعبيدالله
بن عبدالله بن عتبة: حتى متَى تقولُ هذا الشعر؟ فقال:
لا بُدَّ للمَصْدُور من أَن يَسْعُلا
المَصْدُور: الذي يشتكي صَدْره، صُدِرَ فهو مصدور؛ يريد: أَن من أُصيب
صَدْره لا بدّ له أَن يَسْعُل، يعني أَنه يَحْدُث للإِنسان حال يتمثَّل
فيه بالشعر ويطيِّب به نفسه ولا يكاد يمتنع منه. وفي حديث الزهري: قيل له
إِن عبيد الله يقول الشِّعْر، قال: ويَسْتَطَيعُ المَصْدُور أَن لا
يَنْفُِثَ أَي لا يَبْزُق؛ شَبَّه الشِّعْر بالنَّفْث لأَنهما يخرجان من
الفَمِ. وفي حديث عطاء: قيل له رجل مَصْدُور يَنْهَزُ قَيْحاً أَحَدَثٌ هُوَ؟
قال: لا، يعني يَبزُق قَيْحاً. وبَنَات الصدر: خَلَل عِظامه.
وصُدِرَ يَصْدَرُ صَدْراً: شكا صَدْرَه؛ وأَنشد:
كأَنما هُوَ في أَحشاء مَصْدُورِ
وصَدَرَ فلان فلاناً يَصْدُرُه صَدْراً: أَصاب صَدْرَه. ورجل أَصْدَرُ:
عظيم الصَّدْرِ، ومُصَدَّر: قويّ الصَّدْر شديده؛ وكذلك الأَسَد والذئب.
وفي حديث عبد الملك: أُتِيَ بأَسِير مُصَدَّر؛ هو العظيم الصَّدْر. وفَرس
مُصَدَّرٌ: بَلَغ العَرَق صَدْرَه. والمُصَدَّرُ من الخيل والغنم:
الأَبيض لَبَّةِ الصَّدْرِ، وقيل: هو من النِّعاج السَّوداء الصدر وسائرُها
أَبيضُ؛ ونعجة مُصَدَّرَة. ورجل بعيد الصَّدْر: لا يُعطَف، وهو على
المثَل.والتَّصَدُّر: نصْب الصَّدْر في الجُلوس. وصَدَّر كتابه: جعل له
صَدْراً؛ وصَدَّره في المجلس فتصدَّر. وتصدَّر الفرسُ وصَدَّر، كلاهما: تقدَّم
الخيلَ بِصَدره. وقال ابن الأَعرابي: المُصَدَّرُ من الخيل السابق، ولم
يذكر الصَّدْرَ؛ ويقال: صَدَّرَ الفرسُ إِذا جاء قد سبق وبرز بِصَدْرِه
وجاء مُصَدَّراً؛ وقال طفيل الغَنَوِيّ يصف فرساً:
كأَنه بَعْدَما صَدَّرْنَ مِنْ عَرَقٍ
سِيدٌ، تَمَطَّرَ جُنْحَ الليل، مَبْلُولُ
كأَنه: الهاءُ لَفَرسِهِ. بعدما صَدَّرْنَ: يعني خَيْلاَ سَبَقْنَ
بصُدُورِهِنَّ. والعَرَق: الصفُّ من الخيل؛ وقال دكين:
مُصَدَّرٌ لا وَسَطٌ ولا بَالي
(* قوله: «مصدر إِلخ» كذا بالأَصل).
وقال أَبو سعيد في قوله: بعدما صَدَّرْنَ من عرق أَي هَرَقْنَ صَدْراً
ومن العَرَق ولن يَسْتَفْرِغْنَه كلَّه؛ ور وي عن ابن الأَعرابي أَنه قال:
رواه بعدما صُدِّرْنَ، على ما لم يسمَّ فاعله، أَي أَصاب العَرَقُ
صُدُورهُنَّ بعدما عَرِقَ؛ قال: والأَول أَجود؛ وقول الفرزدق يخاطب
جريراً:وحَسِبتَ خيْلَ بني كليب مَصْدَراً،
فَغَرِقْتَ حين وَقَعْتَ في القَمْقَامِ
يقول: اغْتَرَرْتَ بخيْل قومك وظننت أَنهم يخلِّصونك من بحر فلم يفعلوا.
ومن كلامِ كُتَّاب الدَّواوِين أَن يقال: صُودِرَ فلانٌ العامل على مالٍ
يؤدِّيه أَي فُورِقَ على مالٍ ضَمِنَه.
والصِّدَارُ: ثَوْبٌ رأْسه كالمِقْنَعَةِ وأَسفلُه يُغَشِّى الصَّدْرَ
والمَنْكِبَيْنِ تلبَسُه المرأَة؛ قال الأَزهري: وكانت المرأَة الثَّكْلَى
إِذا فقدت حميمها فأَحَدّتْ عليه لبست صِدَاراً من صُوف؛ وقال الراعي
يصف فلاة:
كَأَنَّ العِرْمِسَ الوَجْناءَ فيها
عَجُولٌ، خَرَّقَتْ عنها الصَّدارَا
ابن الأَعرابي: المِجْوَلُ الصُّدْرَة، وهي الصِّدار والأُصْدَة.
والعرَب تقول للقميص الصغير والدِّرْع القصيرة: الصُّدْرَةُ، وقال الأَصمعي:
يقال لِمَا يَلي الصَّدْر من الدِّرْعِ صِدارٌ. الجوهري: الصِّدارُ. بكسر
الصاد، قميص صغير يَلي الجسد. وفي المثل: كلُّ ذات صِدارٍ خالَةٌ أَي من
حَقِّ الرجل أَن يَغارَ على كل امرأَة كما يَغارُ على حُرَمِهِ. وفي حديث
الخَنْساء: دخلتْ على عائشة وعليها خِمارٌ مُمَزَّق وصِدار شعَر؛
الصِّدار: القميص القصير كما وَصَفناه أَوَّلاً.
وصَدْرُ القَدَمِ: مُقَدَّمُها ما بين أَصابعها إِلي الحِمارَة. وصَدْرُ
النعل: ما قُدَّام الخُرْت منها. وصَدْرُ السَّهْم: ما جاوز وسَطَه إِلى
مُسْتَدَقِّهِ، وهو الذي يَلي النَّصْلَ إِذا رُمِيَ به، وسُمي بذلك
لأَنه المتقدِّم إِذا رُمِي، وقيل: صَدْرُ السهم ما فوق نصفه إِلى المَرَاش.
وسهم مُصَدَّر: غليظ الصَّدْر، وصَدْرُ الرمح: مثله. ويومٌ كصَدْرِ
الرمح: ضيِّق شديد. قال ثعلب: هذا يوم تُخَصُّ به الحرْب؛ قال وأَنشدني ابن
الأَعرابي:
ويوم كصَدْرِ الرُّمْحِ قَصَّرْت طُولَه
بِلَيْلي فَلَهَّانِي، وما كُنْتُ لاهِيَا
وصُدُورُ الوادي: أَعاليه ومَقادمُه، وكذلك صَدَائرُهُ؛ عن ابن
الأَعرابي، وأَنشد.
أَأَنْ غَرَّدَتْ في بَطْنِ وادٍ حَمامَةٌ
بَكَيْتَ، ولم يَعْذِرْكَ في الجهلِ عاذِرف؟
تَعَالَيْنَ في عُبْرِيَّةٍ تَلَعَ الضُّحى
على فَنَنٍ، قد نَعَّمَتْهُ الصَّدائِرُ
واحدها صَادِرَة وصَدِيرَة.
(* قوله: «واحدها صادرة وصديرة» هكذا في
الأَصل وعبارة القاموس جمع صدارة وصديرة). والصَّدْرُْ في العَروضِ: حَذْف
أَلِفِ فاعِلُنْ لِمُعاقَبَتِها نون فاعِلاتُنْ؛ قال ابن سيده: هذا قول
الخليل، وإِنما حكمه أَن يقول الصَدْر الأَلف المحذوفة لِمُعاقَبَتها نون
فاعِلاتُنْ. والتَّصْدِيرُ؛ حزام الرَّحْل والهَوْدَجِ. قال سيبويه: فأَما
قولهم التَّزْدِيرُ فعلى المُضارعة وليست بلُغَة؛ وقد صَدَّرَ عن
البعير. والتَّصْدِيرُ: الحِزام، وهو في صَدْرِ البعير، والحَقَبُ عند الثِّيل.
والليث: التَّصْدِيرُ حبل يُصَدَّرُ به البعير إِذا جرَّ حِمْله إِلى
خلْف، والحبلُ اسمه التَّصْدِيرُ، والفعل التَّصْدِيرُ. قال الأَصمعي: وفي
الرحل حِزامَةٌ يقال له التَّصْدِيرُ، قال: والوَضِينُ والبِطان
لِلْقَتَبِ، وأَكثر ما يقال الحِزام للسَّرج. وقال الليث: يقال صَدِّرْ عن
بَعِيرك، وذلك إِذا خَمُصَ بطنُه واضطرب تَصْدِيُرهُ فيُشدُّ حبل من
التَّصْدِيرِ إِلى ما وراء الكِرْكِرَة، فيثبت التَّصْدِير في موضعه، وذلك الحبل
يقال له السِّنافُ. قال الأَزهري: الذي قاله الليث أَنَّ التَّصدْيِر حبل
يُصَدَّر به البعير إِذا جرَّ حِمْله خَطَأٌ، والذي أَراده يسمَّى
السِّناف، والتَّصْديرُ: الحزام نفسُه. والصِّدارُ: سِمَةٌ على صدر
البعير.والمُصَدَّرُ: أَول القداح الغُفْل التي ليست لها فُروضٌ ولا أَنْصباء،
إِنما تثقَّل بها القداح كراهِيَة التُّهَمَة؛ هذا قول اللحياني.
والصَّدَرُ، بالتحريك: الاسم، من قولك صَدَرْت عن الماء وعن البِلاد.
وفي المثل: تَرَكْته على مِثْل ليلَة الصَّدَرِ؛ يعني حين صَدَرَ الناس من
حَجِّهِم. وأَصْدَرْته فصدَرَ أَي رَجَعْتُهُ فرَجَع، والموضع مَصْدَر
ومنه مَصادِر الأَفعال. وصادَرَه على كذا. والصَّدَرُ: نقِيض الوِرْد.
صَدَرَ عنه يَصْدُرُ صَدْراً ومَصْدراً ومَزْدَراً؛ الأَخيرة مضارِعة؛
قال:ودَعْ ذا الهَوَى قبل القِلى؛ تَرْكُ ذي الهَوَى،
مَتِينِ القُوَى، خَيْرٌ من الصَّرْمِ مَزْدَرَا
وقد أَصْدَرَ غيرَه وصَدَرَهُ، والأَوَّل أَعلى. وفي التنزيل العزيز:
حتى يَصْدُرَ الرِّعاءُ؛ قال ابن سيده: فإِمَّا أَن يكون هذا على نِيَّةِ
التعدَّي كأَنه قال حتى يَصْدُر الرِّعاء إِبِلَهم ثم حذف المفعول،
وإِمَّا أَن يكون يَصدرُ ههنا غير متعدٍّ لفظاً ولا معنى لأَنهم قالوا صَدَرْتُ
عن الماء فلما يُعَدُّوه. وفي الحديث: يَهْلِكُونَ مَهْلَكاً واحداً
ويَصْدُرُون مَصادِر شَتَّى؛ الصَّدَرُ، بالتحريك: رُجوع المسافر من مَقصِده
والشَّارِبةِ من الوِرْدِ. يقال: صَدَرَ يَصْدُرُ صُدُوراً وصَدَراً؛
يعني أَنه يُخْسَفُ بهم جميعهم فَيْهلكون بأَسْرِهم خِيارهم وشِرارهم، ثم
يَصْدُرون بعد الهَلَكَة مَصادِرَ متفرِّقة على قدْر أَعمالهم
ونِيَّاتِهم، ففريقٌ في الجنة وفريق في السعير. وفي الحديث: لِلْمُهاجِرِ إِقامَةُ
ثلاثٍ بعد الصَّدَر؛ يعني بمكة بعد أَن يقضي نُسُكَه. وفي الحديث: كانت له
رَكْوة تسمَّى الصادِرَ؛ سمِّيت به لأَنه يُصْدَرُ عنها بالرِّيّ؛ ومنه:
فأَصْدَرْنا رِكابَنَا أَي صُرِفْنا رِواءً فلم نحتج إِلى المُقام بها
للماء. وما له صادِرٌ ولا وارِدٌ أَي ما له شيء. وقال اللحياني: ما لَهُ
شيء ولا قوْم. وطريق صادِرٌ: معناه أَنه يَصْدُر بِأَهْله عن الماء.
ووارِدٌ: يَرِدُهُ بِهم؛ قال لبيد يذكر ناقَتَيْن:
ثم أَصْدَرْناهُما في وارِدٍ
صادِرٍ وَهْمٍ، صُوَاهُ قد مَثَلْ
أَراد في طريق يُورد فيه ويُصْدَر عن الماء فيه. والوَهْمُ: الضَّخْمُ،
وقيل: الصَّدَرُ عن كل شيء الرُّجُوع. الليث: الصَّدَرُ الانصراف عن
الوِرْد وعن كل أَمر. يقال: صَدَرُوا وأَصْدَرْناهم. ويقال للذي يَبْتَدِئُ
أَمْراً ثم لا يُتِمُّه: فُلان يُورِد ولا يُصْدِر، فإِذا أَتَمَّهُ قيل:
أَوْرَدَ وأَصْدَرَ. قال أَبو عبيد: صَدَرْتُ عن البِلاد وعن الماء
صَدَراً، وهو الاسم، فإِذا أَردت المصدر جزمت الدال؛ وأَنشد لابن مقبل:
وليلةٍ قد جعلتُ الصبحَ مَوْعِدَها
صَدْرَ المطِيَّة حتء تعرف السَّدَفا
قال ابن سيده: وهذا منه عِيٌّ واختلاط، وقد وَضَعَ منه بهذه المقالة في
خطبة كتابِه المحكَم فقال: وهل أَوحَشُ من هذه العبارة أَو أَفحشُ من هذه
الإِشارة؟ الجوهري: الصَّدْرُ، بالتسكين، المصدر، وقوله صَدْرَ
المطِيَّة مصدر من قولك صَدَرَ يَصْدُرُ صَدْراً. قال ابن بري: الذي رواه أَبو
عمرو الشيباني السَّدَف، قال: وهو الصحيح، وغيره يرويه السُّدَف جمع
سُدْفَة، قال: والمشهور في شعر ابن مقبل ما رواه أَبو عمرو، والله أَعلم.
والصَّدَر: اليوم الرابع من أَيام النحر لأَن الناس يَصْدُرون فيه عن مكة إِلى
أَماكنهم. وتركته على مِثْل ليلة الصَّدَر أَي لا شيء له. والصَّدَر:
اسم لجمع صادر؛ قال أَبو ذؤيب:
بِأَطْيَبَ منها، إِذا مال النُّجُو
مُ أَعْتَقْنَ مثلَ هَوَادِي الصَّدَرْ
والأَصْدَرَانِ: عِرْقان يضربان تحت الصُّدْغَيْنِ، لا يفرد لهما واحد.
وجاء يضرِب أَصْدَرَيْه إِذا جاء فارِغاً، يعنى عِطْفَيْهِ، ويُرْوَى
أَسْدَرَيْهِ، بالسين، وروى أَبو حاتم: جاء فلان يضرب أَصْدَرِيْهِ
وأَزْدَرَيهِ أَي جاء فارغاً، قال: ولم يدر ما أَصله؛ قال أَبو حاتم: قال بعضهم
أَصْدَراهُ وأَزْدَراهُ وأَصْدغاهُ ولم يعرِف شيئاً منهنَّ. وفي حديث
الحسَن: يضرب أَصْدَرَيْه أَي منكِبيه، ويروى بالزاي والسين. وقوله تعالى:
يَصْدُرَ الرِّعاء؛ أَي يرجعوا من سَقْيِهم، ومن قرأَ يُصْدِرَ أَراد
يردّون. مواشِيَهُمْ. وقوله عز وجل: يومئذٍ يَصْدُرُ الناس أَشتاتاً؛ أَي
يرجعون. يقال: صَدَرَ القوم عن المكان أَي رَجَعُوا عنه، وصَدَرُوا إِلى
المكان صاروا إِليه؛ قال: قال ذلك ابن عرفة. والوارِدُ: الجائِي،
والصَّادِرُ: المنصرف.
التهذيب: قال الليث: المَصْدَرُ أَصل الكلمة التي تَصْدُرُ عنها
صَوادِرُ الأَفعال، وتفسيره أَن المصادر كانت أَول الكلام، كقولك الذّهاب
والسَّمْع والحِفْظ، وإِنما صَدَرَتِ الأَفعال عنها، فيقال: ذهب ذهاباً وسمِع
سَمْعاً وسَمَاعاً وحَفِظ حِفْظاً؛ قال ابن كيسان: أَعلم أَن المصدر
المنصوب بالفعل الذي اشتُقَّ منه مفعولٌ وهو توكيد للفعل، وذلك نحو قمت
قِياماً وضربته ضَرْباً إِنما كررته
(*
قوله: «إِنما كررته إِلى قوله وصادر موضع» هكذا في الأَصل). وفي قمتُ
دليلٌ لتوكيد خبرك على أَحد وجهين: أَحدهما أَنك خِفْت أَن يكون من
تُخاطِبه لم يَفهم عنك أَوَّلَ كلامك، غير أَنه علم أَنك قلت فعلت فعلاً، فقلتَ
فعلتُ فِعلاً لتردِّد اللفظ الذي بدأْت به مكرَّراً عليه ليكون أَثبت
عنده من سماعه مرَّة واحدة، والوجه الآخر أَن تكون أَردت أَن تؤكد خَبَرَكَ
عند مَنْ تخاطبه بأَنك لم تقل قمتُ وأَنت تريد غير ذلك، فردَّدته لتوكيد
أَنك قلتَه على حقيقته، قال: فإِذا وصفته بصفة لو عرَّفتْه دنا من
المفعول به لأَن فعلته نوعاً من أَنواع مختلفة خصصته بالتعريف، كقولك قلت قولاً
حسناً وقمت القيام الذي وَعَدْتك.
وصادِرٌ: موضع؛ وكذلك بُرْقَةُ صادر؛ قال النابغة:
لقدْ قلتُ للنُّعمان، حِينَ لَقِيتُه
يُريدُ بَنِي حُنٍّ بِبُرْقَةِ صادِرِ
وصادِرَة: اسم سِدْرَة معروفة: ومُصْدِرٌ: من أَسماء جُمادَى الأُولى؛
قال ابن سيده: أُراها عادِيَّة.
هلل: هَلَّ السحابُ بالمطر وهَلَّ المطر هَلاًّ وانْهَلَّ بالمطر
انْهِلالاً واسْتَهَلَّ: وهو شدَّة انصبابه. وفي حديث الاستسقاء: فأَلَّف الله
السحاب وهَلَّتنا. قال ابن الأَثير: كذا جاء في رواية لمسلم، يقال: هَلَّ
السحاب إِذا أَمطر بشدَّة، والهِلالُ الدفعة منه، وقيل: هو أَوَّل ما
يصيبك منه، والجمع أَهِلَّة على القياس، وأَهاليلُ نادرة. وانْهَلَّ المطر
انْهِلالاً: سال بشدَّة، واستهلَّت السماءُ في أَوَّل المطر، والاسم
الهِلالُ. وقال غيره: هَلَّ السحاب إِذا قَطَر قَطْراً له صوْت، وأَهَلَّه
الله؛ ومنه انْهِلالُ الدَّمْع وانْهِلالُ المطر؛ قال أَبو نصر: الأَهالِيل
الأَمْطار، ولا واحد لها في قول ابن مقبل:
وغَيْثٍ مَرِيع لم يُجدَّع نَباتُهُ،
ولتْه أَهالِيلُ السِّماكَيْنِ مُعْشِب
وقال ابن بُزُرْج: هِلال وهَلالُهُ
(* قوله «هلال وهلاله إلخ» عبارة
الصاغاني والتهذيب: وقال ابن بزرج هلال المطر وهلاله إلخ) وما أَصابنا
هِلالٌ ولا بِلالٌ ولا طِلالٌ؛ قال: وقالوا الهِلَلُ الأَمطار، واحدها هِلَّة؛
وأَنشد:
من مَنْعِجٍ جادت رَوابِيهِ الهِلَلْ
وانهلَّت السماءُ إِذا صبَّت، واستهلَّت إِذا ارتفع صوتُ وقعها، وكأَنَّ
استِهْلالَ الصبيّ منه. وفي حديث النابغة الجعديّ قال: فنَيَّف على
المائة وكأَنَّ فاهُ البَرَدُ المُنْهَلُّ؛ كل شيء انصبَّ فقد انْهَلَّ،
يقال: انهلَّ السماء بالمطر ينهلُّ انْهِلالاً وهو شدة انْصِبابه. قال: ويقال
هلَّ السماء بالمطر هَلَلاً، ويقال للمطر هَلَلٌ وأُهْلول. والهَلَلُ:
أَول المطر. يقال: استهلَّت السماء وذلك في أَول مطرها. ويقال: هو صوت
وَقْعِه. واستهلَّ الصبيُّ بالبُكاء: رفع صوتَه وصاح عند الوِلادة. وكل شيء
ارتفع صوتُه فقد استهلَّ. والإِهْلالُ بالحج: رفعُ الصوت بالتَّلْبية.
وكلُّ متكلم رفع صوته أَو خفضه فقد أَهَلَّ واستهلَّ. وفي الحديث: الصبيُّ
إِذا وُلِد لم يُورَث ولم يَرِثْ حتى يَسْتَهِلَّ صارخاً. وفي حديث
الجَنِين: كيف نَدِي مَن لا أَكَل ولا شَرِبَ ولا اسْتَهَلَّ؟ وقال
الراجز:يُهِلُّ بالفَرْقَدِ رُكْبانُها،
كما يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ
وأَصله رَفْعُ الصوَّت. وأَهَلَّ الرجل واستهلَّ إِذا رفع صوتَه.
وأَهَلَّ المُعْتَمِرُ إِذا رفع صوتَه بالتَّلْبية، وتكرر في الحديث ذكر
الإِهْلال، وهو رفعُ الصوت بالتَّلْبِية. أَهَلَّ المحرِمُ بالحج يُهِلُّ
إِهْلالاً إِذا لَبَّى ورفَع صوتَه. والمُهَلُّ، بضم الميم: موضعُ الإِهْلال،
وهو الميقات الذي يُحْرِمون منه، ويقع على الزمان والمصدر. الليث:
المُحرِمُ يُهِلُّ بالإِحْرام إِذا أَوجب الحُرْم على نفسه؛ تقول: أَهَلَّ
بحجَّة أَو بعُمْرة في معنى أَحْرَم بها، وإِنما قيل للإِحرامِ إِهْلال لرفع
المحرِم صوته بالتَّلْبية. والإِهْلال: التلبية، وأَصل الإِهْلال رفعُ
الصوتِ. وكل رافِعٍ صوتَه فهو مُهِلّ، وكذلك قوله عز وجل: وما أُهِلَّ لغير
الله به؛ هو ما ذُبِحَ للآلهة وذلك لأَن الذابح كان يسمِّيها عند الذبح،
فذلك هو الإِهْلال؛ قال النابغة يذكر دُرَّةً أَخرجها غَوَّاصُها من
البحر:
أَو دُرَّة صَدَفِيَّة غَوَّاصُها
بَهِجٌ، متى يَره يُهِلَّ ويَسْجُدِ
يعني بإِهْلالِه رفعَه صوتَه بالدعاء والحمد لله إِذا رآها؛ قال أَبو
عبيد: وكذلك الحديث في اسْتِهْلال الصبيِّ أَنه إِذا وُلد لم يَرِثْ ولم
يُورَثْ حتى يَسْتَهِلَّ صارخاً وذلك أَنه يُستدَل على أَنه وُلد حيًّا
بصوته. وقال أَبو الخطاب: كلّ متكلم رافعِ الصوت أَو خافضِه فهو مُهلّ
ومُسْتَهِلّ؛ وأَنشد:
وأَلْفَيْت الخُصوم، وهُمْ لَدَيْهِ
مُبَرْسمَة أَهلُّوا ينظُرونا
وقال:
غير يَعفور أَهَلَّ به
جاب دَفَّيْه عن القلب
(* قوله «غير يعفور إلخ» هو هكذا في الأصل والتهذيب).
قيل في الإِهْلال: إِنه شيء يعتريه في ذلك الوقت يخرج من جوفه شبيه
بالعُواء الخفيف، وهو بين العُواء والأَنين، وذلك من حاقِّ الحِرْص وشدّة
الطلب وخوف الفَوْت. وانهلَّت السماء منه يعني كلب الصيد إِذا أُرسل على
الظَّبْي فأَخذه؛ قال الأَزهري: ومما يدل على صحة ما قاله أَبو عبيد وحكاه
عن أَصحابه قول الساجع عند سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين قَضى
في الجَنين (قوله «حين قضى في الجنين إلخ» عبارة التهذيب: حين قضى في
الجنين الذي أسقطته أمه ميتاً بغرة إلخ) إِذا سقَط ميتاً بغُرَّة فقال:
أَرأَيت مَن لا شرب ولا أَكَلْ، ولا صاح فاسْتَهَلّْ، ومثل دَمِه يُطَلُّ،
فجعله مُسْتَهِلاًّ برفعِه صوته عند الوِلادة.
وانهلَّت عينُه وتَهَلَّلتْ: سالت بالدمع. وتَهَلَّلتْ دموعُه: سالت.
واستهلَّت العين: دمَعت؛ قال أَوس:
لا تَسْتَهِلُّ من الفِراق شُؤوني
وكذلك انْهَلَّتِ العَيْن؛ قال:
أَو سُنْبُلاً كُحِلَتْ به فانْهَلَّتِ
والهَليلةُ: الأَرض التي استهلَّ بها المطر، وقيل: الهَلِيلةُ الأَرض
المَمْطورة وما حَوالَيْها غيرُ مَمطور. وتَهَلَّل السحابُ بالبَرْق:
تَلأْلأَ. وتهلَّل وجهه فَرَحاً: أَشْرَق واستهلَّ. وفي حديث فاطمة، عليها
السلام: فلما رآها استبشَر وتهلَّل وجهُه أَي استنار وظهرت عليه أَمارات
السرور. الأَزهري: تَهَلَّل الرجل فرحاً؛ وأَنشد
(* هذا البيت لزهير بن ابي
سلمى من قصيدة له) :
تَراه، إِذا ما جئتَه، مُتَهَلِّلاً
كأَنك تُعطيه الذي أَنت سائلُهْ
واهْتَلَّ كتَهلَّل؛ قال:
ولنا أَسامٍ ما تَليقُ بغيرِنا،
ومَشاهِدٌ تَهْتَلُّ حين تَرانا
وما جاء بِهِلَّة ولا بِلَّة؛ الهِلَّة: من الفرح والاستهلال،
والبِلَّة: أَدنى بَللٍ من الخير؛ وحكاهما كراع جميعاً بالفتح. ويقال: ما أَصاب
عنده هِلَّة ولا بِلَّة أَي شيئاً. ابن الأَعرابي: هَلَّ يَهِلُّ إِذا فرح،
وهَلَّ يَهِلُّ إِذا صاح.
والهِلالُ: غرة القمر حين يُهِلُّه الناسُ في غرة الشهر، وقيل: يسمى
هِلالاً لليلتين من الشهر ثم لا يسمَّى به إِلى أَن يعود في الشهر الثاني،
وقيل: يسمى به ثلاث ليال ثم يسمى قمراً، وقيل: يسماه حتى يُحَجِّر، وقيل:
يسمى هِلالاً إِلى أَن يَبْهَرَ ضوءُه سواد الليل، وهذا لا يكون إِلا في
الليلة السابعة. قال أَبو إِسحق: والذي عندي وما عليه الأَكثر أَن يسمَّى
هِلالاً ابنَ ليلتين فإِنه في الثالثة يتبين ضوءُه، والجمع أَهِلَّة؛
قال:
يُسيلُ الرُّبى واهِي الكُلَى عَرِضُ الذُّرَى،
أَهِلَّةُ نضّاخِ النَّدَى سابِغ القَطْرِ
أَهلَّة نضّاخ النَّدَى كقوله:
تلقّى نَوْءُهُنّ سِرَارَ شَهْرٍ،
وخيرُ النَّوْءِ ما لَقِيَ السِّرَارا
التهذيب عن أَبي الهيثم: يسمَّى القمر لليلتين من أَول الشهر هِلالاً،
ولليلتين من آخر الشهر ستٍّ وعشرين وسبعٍ وعشرين هِلالاً، ويسمى ما بين
ذلك قمراً.
وأَهَلَّ الرجلُ: نظر إِلى الهِلال. وأَهْلَلْنا هِلال شهر كذا
واسْتَهْللناه: رأَيناه. وأَهْلَلْنا الشهر واسْتَهْللناه: رأَينا هِلالَه.
المحكم: وأَهَلَّ الشهر واستَهلَّ ظهر هِلالُه وتبيَّن، وفي الصحاح: ولا يقال
أَهَلَّ. قال ابن بري: وقد قاله غيره؛ المحكم أَيضاً: وهَلَّ الشهر ولا
يقال أَهَلَّ. وهَلَّ الهِلالُ وأَهَلَّ وأُهِلَّ واستُهِلَّ، على ما لم
يسم فاعله: ظهَر، والعرب تقول عند ذلك: الحمدُلله إِهْلالَك إِلى سِرارِك
ينصبون إِهْلالَك على الظرف، وهي من المصادر التي تكون أَحياناً لسعة
الكلام كخُفوق النجم. الليث: تقول أُهِلَّ القمر ولا يقال أُهِلَّ
الهِلالُ؛ قال الأَزهري: هذا غلط وكلام العرب أُهِلَّ الهِلالُ. روى أَبو عبيد عن
أَبي عمرو: أُهِلَّ الهلالُ واستُهِلَّ لا غير، وروي عن ابن الأَعرابي:
أُهِلَّ الهلالُ واستُهِلَّ، قال: واسْتَهَلَّ أَيضاً، وشهر مُسْتَهل؛
وأَنشد:
وشهر مُسْتَهل بعد شهرٍ،
ويومٌ بعده يومٌ جَدِيدُ
قال أَبو العباس: وسمي الهلالُ هِلالاً لأَن الناس يرفعون أَصواتهم
بالإِخبار عنه. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَن ناساً قالوا له إِنَّا بين
الجِبال لا نُهِلُّ هِلالاً إِذا أَهَلَّه الناس أَي لا نُبْصِره إِذا
أَبصره الناس لأَجل الجبال. ابن شميل: انطَلِقْ بنا حتى نُهِلَّ الهِلال أَي
نَنْظُر أَنَراه. وأَتَيْتُك عند هِلَّةِ الشهر وهِلِّه وإِهْلاله أَي
اسْتِهلاله.
وهالَّ الأَجيرَ مُهالّةً وهِلالاً: استأْجره كل شهر من الهِلال إِلى
الهِلال بشيء؛ عن اللحياني، وهالِلْ أَجيرَك كذا؛ حكاه اللحياني عن العرب؛
قال ابن سيده: فلا أَدري أَهكذا سمعه منهم أَم هو الذي اختار التضعيف؛
فأَما ما أَنشده أَبو زيد من قوله:
تَخُطُّ لامَ أَلِفٍ مَوْصُولِ،
والزايَ والرَّا أَيَّما تَهْلِيلِ
فإِنه أَراد تَضَعُها على شكْلِ الهِلال، وذلك لأَن معنى قوله تَخُطُّ
تُهَلِّلُ، فكأَنه قال: تُهَلِّل لام أَلِفٍ مَوْصولٍ تَهْلِيلاً أَيَّما
تَهْليل.
والمُهَلِّلةُ، بكسر اللام، من الإِبل: التي قد ضَمَرت وتقوَّست.
وحاجِبٌ مُهَلَّلٌ: مشبَّه بالهلال. وبعير مُهَلَّل، بفتح اللام:
مقوَّس.والهِلالُ: الجمَل الذي قد ضرَب حتى أَدَّاه ذلك إِلى الهُزال
والتقوُّس.الليث: يقال للبعير إِذا اسْتَقْوَس وحَنا ظهرُه والتزق بطنه هُزالاً
وإِحْناقاً: قد هُلِّل البعير تهليلاً؛ قال ذو الرمة:
إِذا ارْفَضَّ أَطرافُ السِّياطِ، وهُلِّلتْ
جُرُومُ المَطايا، عَذَّبَتْهُنّ صَيْدَحُ
ومعنى هُلِّلتْ أَي انحنتْ كأَنه الأَهلَّة دِقَّةً وضُمْراً. وهِلالُ
البعير: ما استقوس منه عند ضُمْره؛ قال ابن هرمة:
وطارِقِ هَمٍّ قد قَرَيْتُ هِلالَهُ،
يَخُبُّ، إِذا اعْتَلَّ المَطِيُّ، ويَرْسُِمُ
أَراد أَنه قَرَى الهَمَّ الطارقَ سيْر هذا البعير. والهلالُ: الجمل
المهزول من ضِراب أَو سير. والهِلال: حديدة يُعَرْقَب بها الصيد. والهِلالُ:
الحديدة التي تضمُّ ما بين حِنْوَيِ الرَّحْل من حديد أَو خشب، والجمع
الأُهِلَّة. أَبو زيد: يقال للحدائد التي تضمُّ ما بين أَحْناءِ الرِّحال
أَهِلَّة، وقال غيره: هلالُ النُّؤْي ما استقْوَس منه. والهِلالُ:
الحيَّة ما كان، وقيل: هو الذكَر من الحيّات؛ ومنه قول ذي الرمة:
إِلَيك ابْتَذَلْنا كلَّ وَهْمٍ، كأَنه
هِلالٌ بدَا في رَمْضةٍ يَتَقَلَّب
يعني حيَّة. والهِلال: الحيَّة إِذا سُلِخَت؛ قال الشاعر:
تَرَى الوَشْيَ لَمَّاعاً عليها كأَنه
قَشيبُ هِلال، لم تقطَّع شَبَارِقُهْ
وأَنشد ابن الأَعرابي يصف درعاً شبهها في صَفائها بسَلْخ الحيَّة:
في نَثْلةٍ تَهْزَأُ بالنِّصالِ،
كأَنها من خِلَعِ الهِلالِ
وهُزْؤُها بالنِّصال: ردُّها إِياها. والهِلالُ: الحجارة المَرْصوف
بعضُها إِلى بعضٍ. والهِلالُ: نِصْف الرَّحَى. والهلالُ: الرَّحَى؛ ومنه قول
الراجز:
ويَطْحَنُ الأَبْطالَ والقَتِيرا،
طَحْنَ الهِلالِ البُرَّ والشَّعِيرَا
والهِلالُ: طرف الرَّحَى إِذا انكسر منه. والهِلالُ: البياض الذي يظهر
في أُصول الأَظْفار. والهِلالُ: الغُبار، وقيل: الهِلالُ قطعة من الغُبار.
وهِلالُ الإِصبعِ: المُطيفُ بالظفر. والهِلالُ: بقيَّة الماء في الحوض.
ابن الأَعرابي: والهِلالُ ما يبقى في الحوض من الماء الصافي؛ قال
الأَزهري: وقيل له هِلالٌ لأَن الغدير عند امتلائه من الماء يستدير، وإِذا قلَّ
ماؤه ذهبت الاستدارةُ وصار الماء في ناحية منه. الليث: الهُلاهِلُ من وصف
الماء الكثير الصافي، والهِلالُ: الغلام الحسَن الوجه، قال: ويقال
للرَّحى هِلال إِذا انكسرت. والهِلالُ: شيء تُعرقَبُ به الحميرُ. وهِلالُ
النعل: ذُؤابَتُها.
والهَلَلُ: الفَزَع والفَرَقُ؛ قال:
ومُتَّ مِنِّي هَلَلاً، إِنما
مَوْتُك، لو وارَدْت، وُرَّادِيَهْ
يقال: هَلَكَ فلان هَلَلاً وهَلاًّ أَي فَرَقاً، وحَمل عليه فما كذَّب
ولا هَلَّلَ أَي ما فَزِع وما جبُن. يقال: حَمَل فما هَلَّل أَي ضرب
قِرْنه. ويقال: أَحجم عنَّا هَلَلاً وهَلاًّ؛ قاله أَبو زيد.
والتَّهْليل: الفِرارُ والنُّكوصُ؛ قال كعب بن زهير:
لا يقَعُ الطَّعْنُ إِلا في نُحورِهِمُ،
وما لهمْ عن حِياضِ المَوْتِ تَهْليلُ
أَي نُكوصٌ وتأَخُّرٌ. يقال: هَلَّل عن الأَمر إِذا ولَّى عنه ونَكَص.
وهَلَّل عن الشيء: نَكَل. وما هَلَّل عن شتمي أَي ما تأَخر. قال أَبو
الهيثم: ليس شيء أَجْرأَ من النمر، ويقال: إِنّ الأَسد يُهَلِّل ويُكَلِّل،
وإِنَّ النَّمِر يُكَلِّل ولا يُهَلِّل، قال: والمُهَلِّل الذي يحمل على
قِرْنه ثم يجبُن فَيَنْثَني ويرجع، ويقال: حَمَل ثم هَلَّل، والمُكَلِّل:
الذي يحمل فلا يرجع حتى يقع بقِرْنه؛ وقال:
قَوْمي على الإِسْلام لمَّا يَمْنَعُوا
ماعُونَهُمْ، ويُضَيِّعُوا التَّهْلِيلا
(* قوله «ويضيعوا التهليلا» وروي ويهللوا التهليلا كما في التهذيب).
أَي لمَّا يرجعوا عمَّا هم عليه من الإِسلام، من قولهم: هَلَّل عن
قِرْنه وكَلَّس؛ قال الأَزهري: أَراد ولمَّا يُضَيِّعوا شهادة أَن لا إِله
إِلا الله وهو رفع الصوت بالشهادة، وهذا على رواية من رواه ويُضَيِّعوا
التَّهْليلا، وقال الليث: التَّهْليل قول لا إِله إِلا الله؛ قال الأَزهري:
ولا أَراه مأْخوذاً إِلا من رفع قائله به صوته؛ وقوله أَنشده ثعلب:
وليس بها رِيحٌ، ولكن وَدِيقَةٌ
يَظَلُّ بها السَّامي يُهِلُّ ويَنْقَعُ
فسره فقال: مرَّة يذهب رِيقُه يعني يُهِلُّ، ومرة يَجيء يعني يَنْقَع؛
والسامي الذي يصطاد ويكون في رجله جَوْرَبان؛ وفي التهذيب في تفسير هذا
البيت: السامي الذي يطلب الصيد في الرَّمْضاء، يلبس مِسْمَاتَيْه ويُثير
الظِّباء من مَكانِسِها، فإِذا رَمِضت تشقَّقت أَظْلافها ويُدْرِكها السامي
فيأْخذها بيده، وجمعه السُّمَاة؛ وقال الباهلي في قوله يُهِلُّ: هو أَن
يرفع العطشان لسانه إِلى لَهاته فيجمع الريق؛ يقال: جاء فلان يُهِلُّ من
العطش. والنَّقْعُ: جمع الريق تحت اللسان.
وتَهْلَلُ: من أَسماء الباطل كَثَهْلَل، جعلوه اسماً له علماً وهو نادر،
وقال بعض النحويين: ذهبوا في تَهْلَل إِلى أَنه تَفْعَل لمَّا لم يجدوا
في الكلام «ت هـ ل» معروفة ووجدوا «هـ ل ل» وجاز التضعيف فيه لأَنه علم،
والأَعلام تغير كثيراً، ومثله عندهم تَحْبَب. وذهب في هِلِيَّانٍ وبذي
هِلِيَّانٍ أَي حيث لا يدرَى أَيْنَ هو.
وامرأَة هِلٌّ: متفصِّلة في ثوب واحدٍ؛ قال:
أَناةٌ تَزِينُ البَيْتَ إِمَّا تلَبَّسَتْ،
وإِن قَعَدَتْ هِلاًّ فأَحْسنْ بها هِلاَّ
والهَلَلُ: نَسْجُ العنكبوت، ويقال لنسج العنكبوت الهَلَل والهَلْهَلُ.
وهَلَّلَ الرجلُ أَي قال لا إِله إِلا الله. وقد هَيْلَلَ الرجلُ إِذا
قال لا إِله إِلا الله. وقد أَخذنا في الهَيْلَلَة إِذا أَخذنا في
التَّهْليل، وهو مثل قولهم حَوْلَقَ الرجل وحَوْقَلَ إِذا قال لا حول ولا قوة
إِلا بالله؛ وأَنشد:
فِداكَ، من الأَقْوام، كُلُّ مُبَخَّل
يُحَوْلِقُ إِمَّا سالهُ العُرْفَ سائلُ
الخليل: حَيْعَل الرجل إِذا قال حيّ على الصلاة. قال: والعرب تفعل هذا
إِذا كثر استعمالهم للكلمتين ضموا بعض حروف إِحداهما إِلى بعض حروف
الأُخرى، منه قولهم: لا تُبَرْقِل علينا؛ والبَرْقَلة: كلام لا يَتْبَعه فعل،
مأْخوذ من البَرْق الذي لا مطر معه. قال أَبو العباس: الحَوْلَقة
والبَسْملة والسَّبْحَلة والهَيْلَلة، قال: هذه الأَربعة أَحرف جاءت هكذا، قيل
له: فالْحَمدلة؟ قال: ولا أنكره
(* قوله «قال ولا أنكره» عبارة الازهري:
فقال لا وأنكره).
وأَهَلَّ بالتسمية على الذبيحة، وقوله تعلى: وما أُهِلَّ به لغير الله؛
أَي نودِيَ عليه بغير اسم الله.
ويقال: أَهْلَلْنا عن ليلة كذا، ولا يقال أَهْلَلْناه فهَلَّ كما يقال
أَدخلناه فدَخَل، وهو قياسه. وثوب هَلٌّ وهَلْهَلٌ وهَلْهالٌ وهُلاهِل
ومُهَلْهَل: رقيق سَخيفُ النَّسْج. وقد هَلْهَل النَّسَّاج الثوبَ إِذا
أَرقّ نَسْجه وخفَّفه. والهَلْهَلةُ: سُخْفُ النسْج. وقال ابن الأَعرابي:
هَلْهَله بالنَّسْج خاصة. وثوب هَلْهَل رَديء النسْج، وفيه من اللغات جميع
ما تقدم في الرقيق؛ قال النابغة:
أَتاك بقولٍ هَلْهَلِ النَّسْجِ كاذبٍ،
ولم يأْتِ بالحقّ الذي هو ناصِعُ
ويروى: لَهْلَه. ويقال: أَنْهَجَ الثوبُ هَلْهالاً. والمُهَلْهَلة من
الدُّروع: أَرْدَؤها نسْجاً. شمر: يقال ثوب مُلَهْلَةٌ ومُهَلْهَل
ومُنَهْنَةٌ؛ وأَنشد:
ومَدَّ قُصَيٌّ وأَبْناؤه
عليك الظِّلالَ، فما هَلْهَلُوا
وقال شمر في كتاب السلاح: المُهَلْهَلة من الدُّروع قال بعضهم: هي
الحَسنة النسْج ليست بصفيقة، قال: ويقال هي الواسعة الحَلَق. قال ابن
الأَعرابي: ثوب لَهْلَهُ النسج أَي رقيق ليس بكثيف. ويقال: هَلْهَلْت الطحين أَي
نخلته بشيء سَخيف؛ وأَنشد لأُمية:
(* قوله «وأنشد لامية إلخ» عبارة التكملة لامية بن ابي الصلت يصف
الرياح:أذعن به جوافل معصفات * كما تذري المهلهلة
الطحينابه اي بذي قضين وهو موضع).
كما تَذْرِي المُهَلْهِلةُ الطَّحِينا
وشعر هَلْهل: رقيقٌ.
ومُهَلْهِل: اسم شاعر، سمي بذلك لِرَداءة شعْره، وقيل: لأَنه أَوَّل من
أَرقَّ الشعْر وهو امرؤ القيس ابن ربيعة
(* قوله: وهو امرؤ القيس بن
ربيعة: هكذا في الأصل، والمشهور أنه ابو ليلى عَدِيّ بن ربيعة) أَخو كُليب
وائل؛ وقيل: سمي مهلهِلاً بقوله لزهير بن جَناب:
لمَّا تَوَعَّرَ في الكُراعِ هَجِينُهُمْ،
هَلْهَلْتُ أَثْأَرُ جابراً أَو صِنْبِلا
ويقال: هَلهَلْت أُدرِكه كما يقال كِدْت أُدْرِكُه، وهَلْهَلَ يُدْركه
أَي كان يُدركه، وهذا البيت أَنشده الجوهري:
لما تَوَغَّلَ في الكُراع هَجِينُهم
قال ابن بري: والذي في شعره لما توعَّر كما أَوردْناه عن غيره، وقوله
لما توَعَّر أَي أَخذ في مكان وعْر. ويقال: هَلْهَل فلان شعْره إِذا لم
ينَقِّحه وأَرسله كما حضَره ولذلك سمي الشاعر مُهَلهِلاً.
والهَلْهَل: السَّمُّ القاتِل، وهو معرَّب؛ قال الأَزهري: ليس كل سَمّ
قاتل يسمَّى هَلهَلاً ولكن الهَلهَلُ سَمٌّ من السُّموم بعينه قاتِلٌ،
قال: وليس بعربيّ وأَراه هنْدِيّاً.
وهَلهَلَ الصوْتَ: رجَّعه. وماءٌ هُلاهِلٌ: صافٍ كثير. وهَلْهَل عن
الشيء: رجَع. والهُلاهِلُ: الماء الكثير الصافي. والهَلْهَلةُ: الانتظار
والتأَني؛ وقال الأَصمعي في قول حَرملة بن حَكيم:
هَلهِلْ بكَعْبٍ، بعدما وَقَعَتْ
فوق الجَبِين بساعِدٍ فَعْمِ
ويروى: هَلِّلْ ومعناهما جميعاً انتظر به ما يكون من حاله من هذه
الضرْبة؛ وقال الأَصمعي: هَلْهِلْ بكَعْب أَي أَمْهِله بعدما وقعت به شَجَّة
على جبينه، وقال شمر: هَلْهَلْت تَلَبَّثت وتنظَّرت.
التهذيب: ويقال أَهَلَّ السيفُ بفلان إِذا قطع فيه؛ ومنه قول ابن أَحمر:
وَيْلُ آمِّ خِرْقٍ أَهَلَّ المَشْرَفِيُّ به
على الهَباءَة، لا نِكْسٌ ولا وَرَع
وذو هُلاهِلٍ: قَيْلٌ من أَقْيال حِمْير.
وهَلْ: حرف استفهام، فإِذا جعلته اسماً شددته. قال ابن سيده: هل كلمة
استفهام هذا هو المعروف، قال: وتكون بمنزلة أَم للاستفهام، وتكون بمنزلة
بَلْ، وتكون بمنزلة قَدْ كقوله عز وجل: يَوْمَ نقولُ لجهنَّم هَلِ
امْتَلأْتِ وتقولُ هَلْ مِنْ مزيدٍ؟ قالوا: معناه قد امْتَلأْت؛ قال ابن جني: هذا
تفسير على المعنى دون اللفظ وهل مُبقاة على استفهامها، وقولها هَلْ مِن
مزيد أَي أَتعلم يا ربَّنا أَن عندي مزيداً، فجواب هذا منه عزَّ اسمه لا،
أَي فكَما تعلم أَن لا مَزيدَ فحسبي ما عندي، وتكون بمعنى الجزاء، وتكون
بمعنى الجَحْد، وتكون بمعنى الأَمر. قال الفراء: سمعت أَعرابيّاً يقول:
هل أَنت ساكت؟ بمعنى اسكت؛ قال ابن سيده: هذا كله قول ثعلب وروايته.
الأَزهري: قال الفراء هَلْ قد تكون جَحْداً وتكون خبَراً، قال: وقول الله عز
وجل: هَلْ أَتى على الإِنسان حينٌ من الدهر؛ قال: معناه قد أَتى على
الإِنسان معناه الخبر، قال: والجَحْدُ أَن تقول: وهل يقدِر أَحد على مثل هذا؛
قال: ومن الخبَر قولك للرجل: هل وعَظْتك هل أَعْطَيتك، تقرَّره بأَنك قد
وعَظْته وأَعطيته؛ قال الفراء: وقال الكسائي هل تأْتي استفهاماً، وهو
بابُها، وتأْتي جَحْداً مثل قوله:
أَلا هَلْ أَخو عَيْشٍ لذيذٍ بدائم
معناه أَلا ما أَخو عيشٍ؛ قال: وتأْتي شرْطاً، وتأْتي بمعنى قد، وتأْتي
تَوْبيخاً، وتأْتي أَمراً، وتأْتي تنبيهاً؛ قال: فإِذا زدت فيها أَلِفاً
كانت بمعنى التسكين، وهو معنى قوله إِذا ذُكِر الصالحون فحَيَّهَلاً
بعُمَر، قال: معنى حَيّ أَسرِعْ بذكره، ومعنى هَلاً أَي اسْكُن عند ذكره حتى
تنقضي فضائله؛ وأَنشد:
وأَيّ حَصانٍ لا يُقال لَها هَلاً
أَي اسْكُني للزوج؛ قال: فإِن شَدَّدْت لامَها صارت بمعنى اللوْم
والحضِّ، اللومُ على ما مضى من الزمان، والحَضُّ على ما يأْتي من الزمان، قال:
ومن الأَمر قوله: فهَلْ أَنتُم مُنْتَهون.
وهَلاً: زجْر للخيل، وهالٍ مثله أَي اقرُبي. وقولهم: هَلاً استعجال وحث.
وفي حديث جابر: هَلاَّ بكْراً تُلاعِبُها وتُلاعِبُك؛ هَلاَّ، بالتشديد:
حرف معناه الحثُّ والتحضيضُ؛ يقال: حيّ هَلا الثريدَ، ومعناه هَلُمَّ
إِلى الثريد، فُتحت ياؤه لاجتماع الساكنين وبُنِيَت حَيّ وهَلْ اسماً
واحداً مثل خمسة عشر وسمِّي به الفعل، ويستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث،
وإِذا وقفت عليه قلت حَيَّهَلا، والأَلف لبيان الحركة كالهاء في قوله
كِتابِيَهْ وحِسابِيَهْ لأَنَّ الأَلِف من مخرج الهاء؛ وفي الحديث: إِذا ذكِرَ
الصالحون فحَيَّهَلَ بعُمَرَ، بفتح اللام مثل خمسة عشر، أَي فأَقْبِلْ به
وأَسرِع، وهي كلمتان جعلتا كلمة واحدة، فحَيَّ بمعنى أَقبِلْ وهَلا بمعنى
أَسرِعْ، وقيل: معناه عليك بعُمَر أَي أَنه من هذه الصفة، ويجوز
فحَيَّهَلاً، بالتنوين، يجعل نكرة، وأَما حَيَّهَلا بلا تنوين فإِنما يجوز في
الوقف فأَما في الإِدراج فهي لغة رديئة؛ قال ابن بري: قد عرَّفت العرب
حَيَّهَلْ؛ وأَنشد فيه ثعلب:
وقد غَدَوْت، قبل رَفْعِ الحَيَّهَلْ،
أَسوقُ نابَيْنِ وناباً مِلإِبِلْ
وقال: الحَيَّهَل الأَذان. والنابانِ: عَجُوزان؛ وقد عُرِّف بالإِضافة
أَيضاً في قول الآخر:
وهَيَّجَ الحَيَّ من دارٍ، فظلَّ لهم
يومٌ كثير تَنادِيه، وحَيَّهَلُهْ
قال: وأَنشد الجوهري عجزه في آخر الفصل:
هَيْهاؤُه وحَيْهَلُهْ
وقال أَبو حنيفة: الحَيْهَل نبت من دِقّ الحَمْض، واحدته حَيْهَلة، سميت
بذلك لسُرعة نباتها كما يقال في السرعة والحَثّ حَيَّهَل؛ وأَنشد لحميد
بن ثور:
بِمِيثٍ بَثاءٍ نَصِيفِيَّةٍ،
دَمِيثٍ بها الرِّمْثُ والحَيْهَلُ
(* قوله «بها الرمث والحيهل» هكذا ضبط في الأصل، وضبط في القاموس في
مادة حيهل بتشديد الياء وضم الهاء وسكون اللام، وقال بعد ان ذكر الشطر
الثاني: نقل حركة اللام الى الهاء).
وأَما قول لبيد يذكر صاحِباً له في السفر كان أَمَرَه بالرَّحِيل:
يَتمارَى في الذي قلتُ له،
ولقد يَسْمَعُ قَوْلي حَيَّهَلْ
فإِنما سكنه للقافية. وقد يقولون حَيَّ من غير أَن يقولو هَلْ، من ذلك
قولهم في الأَذان: حَيَّ على الصلاة حَيَّ على الفَلاح إِنما هو دعاء
إِلى الصَّلاةِ والفَلاحِ؛ قال ابن أَحمر:
أَنْشَأْتُ أَسأَلهُ: ما بالُ رُفْقَتِهِ
حَيَّ الحُمولَ، فإِنَّ الركْبَ قد ذهَبا
قال: أَنْشَأَ يسأَل غلامه كيف أَخذ الركب. وحكى سيبويه عن أَبي الخطاب
أَن بعض العرب يقول: حَيَّهَلا الصلاة، يصل بهَلا كما يوصل بعَلَى فيقال
حَيَّهَلا الصلاة، ومعناه ائتوا الصلاة واقربُوا من الصلاة وهَلُمُّوا
إِلى الصلاة؛ قال ابن بري: الذي حكاه سيبويه عن أَبي الخطاب حَيَّهَلَ
الصلاةَ بنصب الصلاة لا غير، قال: ومثله قولهم حَيَّهَلَ الثريدَ، بالنصب لا
غير. وقد حَيْعَلَ المؤَذن كما يقال حَوْلَقَ وتَعَبْشَمَ مُرَكَّباً من
كلمتين؛ قال الشاعر:
أَلا رُبَّ طَيْفٍ منكِ باتَ مُعانِقي
إِلى أَن دَعَا داعي الصَّباح، فَحَيْعَلا
وقال آخر:
أَقولُ لها، ودمعُ العينِ جارٍ:
أَلمْ تُحْزِنْك حَيْعَلةُ المُنادِي؟
وربما أَلحقوا به الكاف فقالوا حَيَّهَلَك كما يقال رُوَيْدَك، والكاف
للخطاب فقط ولا موضع لها من الإِعراب لأَنها ليست باسم. قال أَبو عبيدة:
سمع أَبو مَهْدِيَّة الأَعرابي رجلاً يدعو بالفارسية رجلاً يقول له زُوذْ،
فقال: ما يقول؟ قلنا: يقول عَجِّل، فقال: أَلا يقول: حَيَّهَلك أَي
هَلُمَّ وتَعَال؛ وقول الشاعر:
هَيْهاؤه وحَيْهَلُهْ
فإِنما جعله اسماً ولم يأْمر به أَحداً. الأَزهري: عن ثعلب أَنه قال:
حيهل أَي أَقبل إِليَّ، وربما حذف فقيل هَلا إِليَّ، وجعل أَبو الدقيش هَل
التي للاستفهام اسماً فأَعربه وأَدخل عليه الأَلف واللام، وذلك أَنه قال
له الخليل: هَلْ لك في زُبدٍ وتمر؟ فقال أَبو الدقيش: أَشَدُّ الهَلِّ
وأَوْحاهُ، فجعله اسماً كما ترى وعرَّفه بالأَلف واللام، وزاد في الاحتياط
بأَن شدَّده غير مضطر لتتكمَّل له عدّةُ حروف الأُصول وهي الثلاثة؛
وسمعه أَبو نُوَاس فتلاه فقال للفضل
بن الربيع:
هَلْ لكَ، والهَلُّ خِيَرْ،
فيمَنْ إِذا غِبْتَ حَضَرْ؟
ويقال: كلُّ حرف أَداة إِذا جعلت فيه أَلِفاً ولاماً صار اسمً فقوِّي
وثقِّل كقوله:
إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ لَوًّا عَناءُ
قال الخليل: إِذا جاءت الحروف الليِّنة في كلمة نحو لَوْ وأَشباهها
ثقِّلت، لأَن الحرف الليِّن خَوَّار أَجْوَف لا بدَّ له من حَشْوٍ يقوَّى به
إِذا جُعل اسماً، قال: والحروف الصِّحاح القويَّة مستغنية بجُرُوسِها لا
تحتاج إِلى حَشْو فنترك على حاله، والذي حكاه الجوهري في حكاية أَبي
الدقيش عن الخليل قال: قلت لأَبي الدُّقيْش هل لك في ثريدةٍ كأَنَّ ودَكَها
عُيُونُ الضَّيَاوِن؟ فقال: أَشدُّ الهَلِّ؛ قال ابن بري: قال ابن حمزة
روى أَهل الضبط عن الخليل أَنه قال لأَبي الدقيش أَو غيره هل لك في تَمْرٍ
وزُبْدٍ؟ فقال: أَشَدُّ الهَلِّ وأَوْحاه، وفي رواية أَنه قال له: هل لك
في الرُّطَب؟ قال: أَسْرعُ هَلٍّ وأَوْحاه؛ وأَنشد:
هَلْ لك، والهَلُّ خِيَرْ،
في ماجدٍ ثبْتِ الغَدَرْ؟
وقال شَبيب بن عمرو الطائي:
هَلْ لك أَن تدخُل في جَهَنَّمِ؟
قلتُ لها: لا، والجليلِ الأَعْظَمِ،
ما ليَ هَلٍّ ولا تكلُّمِ
قال ابن سلامة: سأَلت سيبويه عن قوله عز وجل: فلولا كانت قريةٌ آمَنَتْ
فنفَعها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يونُسَ؛ على أَي شيء نصب؟ قال: إِذا كان
معنى إِلاَّ لكنّ نصب، وقال الفراء في قراءة أُبيّ فهَلاَّ، وفي مصحفنا
فلولا، قال: ومعناها أَنهم لم يؤمنوا ثم استثنى قوم يونس بالنصب على
الانقطاع مما قبله كأَنَّ قوم يونس كانوا منقطِعين من قوم غيره؛ وقال الفراء
أَيضاً: لولا إِذا كانت مع الأَسماء فهي شرط، وإِذا كانت مع الأَفعال فهي
بمعنى هَلاَّ، لَوْمٌ على ما مضى وتحضيضٌ على ما يأْتي. وقال الزجاج في
قوله تعالى: لولا أَخَّرْتَني إِلى أَجلٍ قريب، معناه هَلاَّ. وهَلْ قد
تكون بمعنى ما؛ قالت ابنة الحُمارِس:
هَلْ هي إِلاَّ حِظَةٌ أَو تَطْلِيقْ،
أَو صَلَفٌ من بين ذاك تَعْلِيقْ
أَي ما هي ولهذا أُدخلت لها إِلا. وحكي عن الكسائي أَنه قال: هَلْ زِلْت
تقوله بمعنى ما زِلْتَ تقوله، قال: فيستعملون هَلْ بمعنى ما. ويقال: متى
زِلْت تقول ذلك وكيف زِلْت؛ وأَنشد:
وهَلْ زِلْتُمُ تأْوِي العَشِيرةُ فيكُم،
وتنبتُ في أَكناف أَبلَجَ خِضْرِمِ؟
وقوله:
وإِنَّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَة،
فهَل عند رَسْمٍ دارسٍ من مُعَوَّل؟
قال ابن جني: هذا ظاهره استفهام لنفسه ومعناه التحضيض لها على البكاء،
كما تقول أَحسنت إِليّ فهل أَشْكُرك أَي فَلأَشْكُرَنَّك، وقد زُرْتَني
فهل أُكافِــئَنَّك أَي فَلــأُكافِــئَنَّك. وقوله: هل أَتَى على الإِنسان؟ قال
أَبو عبيدة: معناه قد أَتَى؛ قال ابن جني: يمكن عندي أَن تكون مُبْقاةً
في هذا الموضع على ما بها من الاستفهام فكأَنه قال، والله أَعلم: وهل
أَتَى على الإِنسان هذا، فلا بدّ في جَوابهم من نَعَمْ ملفوظاً بها أَو مقدرة
أَي فكما أَن ذلك كذلك، فينبغي للإِنسان أَن يحتقر نفسه ولا يُباهي بما
فتح له، وكما تقول لمن تريد الاحتجاج عليه: بالله هل سأَلتني فأَعطيتك
أَم هل زُرْتَني فأَكرمتك أَي فكما أَن ذلك كذلك فيجب أَن تعرِف حقي عليك
وإِحْساني إِليك؛ قال الزجاج: إِذا جعلنا معنى هل أَتى قد أَتى فهو بمعنى
أَلَمْ يأْتِ على الإِنسان حينٌ من الدَّهْر؛ قال ابن جني: ورَوَيْنا عن
قطرب عن أَبي عبيدة أَنهم يقولون أَلْفَعَلْت، يريدون هَلْ فَعَلْت.
الأَزهري: ابن السكيت إِذا قيل هل لك في كذا وكذا؟ قلت: لي فيه، وإِن لي فيه،
وما لي فيه، ولا تقل إِن لي فيه هَلاًّ، والتأْويل: هَلْ لك فيه حاجة
فحذفت الحاجة لمَّا عُرف المعنى، وحذف الرادُّ ذِكْر الحاجة كما حذفها
السائل. وقال الليث: هَلْ حقيقة استفهام، تقول: هل كان كذا وكذا، وهَلْ لك في
كذا وكذا؛ قال: وقول زهير:
أَهل أَنت واصله
اضطرار لأَن هَلْ حرف استفهام وكذلك الأَلف، ولا يستفهم بحَرْفي
استفهام.ابن سيده: هَلاَّ كلمة تحضيض مركبة من هَلْ ولا.
وبنو هلال: قبيلة من العرب. وهِلال: حيٌّ من هَوازن. والهلالُ: الماء
القليل في أَسفل الرُّكيّ. والهِلال: السِّنانُ الذي له شُعْبتان يصاد به
الوَحْش.
سمر: السُّمْرَةُ: منزلة بين البياض والسواد، يكون ذلك في أَلوان الناس
والإِبل وغير ذلك مما يقبلها إِلاَّ أَن الأُدْمَةَ في الإِبل أَكثر،
وحكى ابن الأَعرابي السُّمْرَةَ في الماء. وقد سَمُرَ بالضم، وسَمِرَ
أَيضاً، بالكسر، واسْمَارَّ يَسْمَارُّ اسْمِيرَاراً، فهو أَسْمَرُ. وبعير
أَسْمَرُ: أَبيضُ إِلى الشُّهْبَة. التهذيب: السُّمْرَةُ لَوْنُ الأَسْمَرِ،
وهو لون يضرب إِلى سَوَادٍ خَفِيٍّ. وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: كان
أَسْمَرَ اللَّوْنِ؛ وفي رواية: أَبيضَ مُشْرَباً بِحُمْرَةٍ. قال ابن
الأَثير: ووجه الجمع بينهما أَن ما يبرز إِلى الشمس كان أَسْمَرَ وما تواريه
الثياب وتستره فهو أَبيض. أَبو عبيدة: الأَسْمَرانِ الماءُ والحِنْطَةُ،
وقيل: الماء والريح. وفي حديث المُصَرَّاةِ: يَرُدُّها ويردّ معها صاعاً
من تمر لا سَمْراءَ؛ والسمراء: الحنطة، ومعنى نفيها أَن لا يُلْزَمَ
بعطية الحنطة لأَنها أَعلى من التمر بالحجاز، ومعنى إِثباتها إِذا رضي
بدفعها من ذات نفسه، ويشهد لها رواية ابن عمر: رُدَّ مِثْلَيْ لَبَنِها
قَمْحاً. وفي حديث عليّ، عليه السلام: فإِذا عنده فَاتُورٌ عليه خُبْزُ
السَّمْراءِ؛ وقَناةٌ سَمْراءُ وحنطة سمراء؛ قال ابن ميادة:
يَكْفِيكَ، مِنْ بَعْضِ ازْديارِ الآفاق،
سَمْرَاءُ مِمَّا دَرَسَ ابنُ مِخْراق
قيل: السمراء هنا ناقة أَدماء. ودَرَس على هذا: راضَ، وقيل: السمراء
الحنطة، ودَرَسَ على هذا: دَاسَ؛ وقول أَبي صخر الهذلي:
وقد عَلِمَتْ أَبْنَاءُ خِنْدِفَ أَنَّهُ
فَتَاها، إِذا ما اغْبَرَّ أَسْمَرُ عاصِبُ
إِنما عنى عاماً جدباً شديداً لا مَطَر فيه كما قالوا فيه أَسود.
والسَّمَرُ: ظلُّ القمر، والسُّمْرَةُ: مأُخوذة من هذا. ابن الأَعرابي:
السُّمْرَةُ في الناس هي الوُرْقَةُ؛ وقول حميد بن ثور:
إِلى مِثْلِ دُرْجِ العاجِ، جادَتْ شِعابُه
بِأَسْمَرَ يَحْلَوْلي بها ويَطِيبُ
قيل في تفسيره: عنى بالأَسمر اللبن؛ وقال ابن الأَعرابي: هو لبن الظبية
خاصة؛ وقال ابن سيده: وأَظنه في لونه أَسمر.
وسَمَرَ يَسْمُرُ سَمْراً وسُمُوراً: لم يَنَمْ، وهو سامِرٌ وهم
السُّمَّارُ والسَّامِرَةُ. والسَّامِرُ: اسم للجمع كالجامِلِ. وفي التنزيل
العزيز: مُسْتَكْبِريِنَ به سامِراً تَهْجُرُون؛ قال أَبو إِسحق: سامِراً
يعني سُمَّاراً. والسَّمَرُ: المُسامَرَةُ، وهو الحديث بالليل. قال
اللحياني: وسمعت العامرية تقول تركتهم سامراً بموضع كذا، وجَّهَه على أَنه جمع
الموصوف فقال تركتهم، ثم أَفرد الوصف فقال: سامراً؛ قال: والعرب تفتعل هذا
كثيراً إِلاَّ أَن هذا إِنما هو إِذا كان الموصوف معرفة؛ تفتعل بمعنى
تفعل؛ وقيل: السَّامِرُ والسُّمَّارُ الجماعة الذين يتحدثون بالليل.
والسِّمَرُ: حديث الليل خاصة. والسِّمَرُ والسَّامِرُ: مجلس السُّمَّار. الليث:
السَّامِرُ الموضع الذي يجتمعون للسَّمَرِ فيه؛ وأَنشد:
وسَامِرٍ طال فيه اللَّهْوُ والسَّمَرُ
قال الأَزهري: وقد جاءت حروف على لفظ فاعِلٍ وهي جمع عن العرب: فمنها
الجامل والسامر والباقر والحاضر، والجامل للإِبل ويكون فيها الذكور
والإِناث والسَّامِرُ الجماعة من الحيّ يَسْمُرُونَ ليلاً، والحاضِر الحيّ
النزول على الماء، والباقر البقر فيها الفُحُولُ والإِناث. ورجل سِمِّيرٌ:
صاحبُ سَمَرٍ، وقد سَامَرَهُ. والسَّمِيرُ: المُسَامِرُ. والسَّامِرُ:
السُّمَّارُ وهم القوم يَسْمُرُون، كما يقال للحُجَّاج: حَاجٌّ. وروي عن أَبي
حاتم في قوله: مستكبرين به سامراً تهجرون؛ أَي في السَّمَرِ، وهو حديث
الليل. يقال: قومٌ سامِرٌ وسَمْرٌ وسُمَّارٌ وسُمَّرٌ. والسَّمَرةُ:
الأُحُدُوثة بالليل؛ قال الشاعر:
مِنْ دُونِهِمْ، إِنْ جِئْتَهُمْ سَمَراً،
عَزْفُ القِيانِ ومَجْلِسٌ غَمْرُ
وقيل في قوله سامِراً: تهجرون القرآن في حال سَمَرِكُمْ. وقرئ
سُمَّراً، وهو جَمْعُ السَّامر؛ وقول عبيد بن الأَبرص:
فَهُنْ كَنِبْرَاسِ النَّبِيطِ، أَو الـ
ـفَرْضِ بِكَفِّ اللاَّعِبِ المُسْمِرِ
يحتمل وجهين: أَحدهما أَن يكون أَسْمَرَ لغة في سَمَرَ، والآخر أَن يكون
أَسْمَرَ صار له سَمَرٌ كأَهْزَلَ وأَسْمَنَ في بابه؛ وقيل: السَّمَرُ
هنا ظل القمر. وقال اللحياني: معناه ما سَمَرَ الناسُ بالليل وما طلع
القمر، وقيل: السَّمَرُ الظُّلْمَةُ. ويقال: لا آتيك السَّمَرَ والقَمَرَ أَي
ما دام الناس يَسْمُرونَ في ليلة قَمْراءَ، وقيل: أَي لا آتيك
دَوامَهُما، والمعنى لا آتيك أَبداً. وقال أَبو بكر: قولهم حَلَفَ بالسَّمَرِ
والقَمَرِ، قال الأَصمعي: السَّمَرُ عندهم الظلمة والأَصل اجتماعهم
يَسْمُرُونَ في الظلمة، ثم كثر الاستعمال حتى سموا الظلمة سَمَراً. وفي حديث
قَيْلَة: إِذا جاء زوجها من السَّامِرِ؛ هم القوم الذين يَسْمُرون بالليل أَي
يتحدثون. وفي حديث السَّمَرِ بعد العشاء، الرواية بفتح الميم، من
المُسامَرة، وهي الحديث في الليل. ورواه بعضهم بسكون الميم وجعلَه المصدر. وأَصل
السَّمَرِ: لون ضوء القمر لأَنهم كانوا يتحدثون فيه. والسَّمَرُ:
الدَّهْرُ. وفلانٌ عند فلان السَّمَرَ أَي الدَّهْرَ. والسَّمِيرُ: الدَّهْرُ
أَيضاً. وابْنَا سَمِيرٍ: الليلُ والنهارُ لأَنه يُسْمَرُ فيهما. ولا
أَفعله سَمِيرَ الليالي أَي آخرها؛ وقال الشَّنْفَرَى:
هُنالِكَ لا أَرْجُو حَياةً تَسُرُّنِي،
سَمِيرَ اللَّيالي مُبْسَلاَ بالجَرائرِ
ولا آتيك ما سَمَرَ ابْنَا سَمِيرٍ أَي الدهرَ كُلَّه؛ وما سَمَرَ ابنُ
سَمِيرٍ وما سَمَرَ السَّمِيرُ، قيل: هم الناس يَسْمُرُونَ بالليل، وقيل:
هو الدهر وابناه الليل والنهار. وحكي: ما أَسْمَرَ ابْنُ سَمِير وما
أَسْمَرَ ابنا سَمِيرٍ، ولم يفسر أَسْمَرَ؛ قال ابن سيده: ولعلها لغة في
سمر. ويقال: لا آتيك ما اخْتَلَفَ ابْنَا سَمِير أَي ما سُمِرَ فيهما. وفي
حديث عليٍّ: لا أَطُورُ به ما سَمَرَ سَمِيرٌ. وروى سَلَمة عن الفراء قال:
بعثت من يَسْمُر الخبر. قال: ويسمى السَّمَر به. وابنُ سَمِيرٍ: الليلة
التي لا قمر فيها؛ قال:
وإِنِّي لَمِنْ عَبْسٍ وإِن قال قائلٌ
على رغمِهِ: ما أَسْمَرَ ابنُ سَمِيرِ
أَي ما أَمكن فيه السَّمَرُ. وقال أَبو حنيفة: طُرقِ القوم سَمَراً إِذا
طُرقوا عند الصبح. قال: والسَّمَرُ اسم لتلك الساعة من الليل وإِن لم
يُطْرَقُوا فيها. الفراء في قول العرب: لا أَفعلُ ذلك السَّمَرَ والقَمَرَ،
قال: كل ليلة ليس فيها قمر تسمى السمر؛ المعنى ما طلع القمر وما لم
يطلع، وقيل: السَّمَرُ الليلُ؛ قال الشاعر:
لا تَسْقِنِي إِنْ لم أُزِرْ، سَمَراً،
غَطْفَانَ مَوْكِبَ جَحْفَلٍ فَخِمِ
وسامِرُ الإِبل: ما رَعَى منها بالليل. يقال: إِن إِبلنا تَسْمُر أَي
ترعى ليلاً. وسَمَر القومُ الخمرَ: شربوها ليلاً؛ قال القطامي:
ومُصَرَّعِينَ من الكَلالِ، كَأَنَّما
سَمَرُوا الغَبُوقَ من الطِّلاءِ المُعْرَقِ
وقال ابن أَحمر وجعل السَّمَرَ ليلاً:
مِنْ دُونِهِمْ، إِنْ جِئْتَهُمْ سَمَراً،
حيٌّ حِلالٌ لَمْلَمٌ عَكِرُ
أَراد: إِن جئتهم ليلاً.
والسَّمْرُ: شَدُّكَ شيئاً بالمِسْمَارِ. وسَمَرَهُ يَسْمُرُهُ
ويَسْمِرُهُ سَمْراً وسَمَّرَهُ، جميعاً: شدّه. والمِسْمارُ: ما شُدَّ
به.وسَمَرَ عينَه: كَسَمَلَها. وفي حديث الرَّهْطِ العُرَنِيِّينَ الذين
قدموا المدينة فأَسلموا ثم ارْتَدُّوا فَسَمَر النبي، صلى الله عليه وسلم،
أَعْيْنَهُمْ؛ ويروي: سَمَلَ، فمن رواه باللام فمعناه فقأَها بشوك أَو
غيره، وقوله سَمَرَ أَعينهم أَي أَحمى لها مسامير الحديد ثم كَحَلَهُم
بها.وامرأَة مَسْمُورة: معصوبة الجسد ليست بِرِخْوةِ اللحمِ، مأْخوذٌ منه.
وفي النوادر: رجل مَسْمُور قليل اللحم شديد أَسْرِ العظام والعصَبِ.
وناقة سَمُورٌ: نجيب سريعة؛ وأَنشد:
فَمَا كان إِلاَّ عَنْ قَلِيلٍ، فَأَلْحَقَتْ
بنا الحَيَّ شَوْشَاءُ النَّجاءِ سَمُورُ
والسَّمَارُ: اللَّبَنُ المَمْذُوقُ بالماء، وقيل: هو اللبن الرقيق،
وقيل: هو اللبن الذي ثلثاه ماء؛ وأَنشد الأَصمعي:
ولَيَأْزِلَنَّ وتَبْكُوَنَّ لِقاحُه،
ويُعَلِّلَنَّ صَبِيَّهُ بِسَمَارِ
وتسمير اللبن: ترقيقه بالماء، وقال ثعلب: هو الذي أُكثر ماؤه ولم يعين
قدراً؛ وأَنشد:
سَقَانا فَلَمْ يَهْجَأْ مِنَ الجوعِ نَقْرُهُ
سَمَاراً، كَإِبْطِ الذّئْبِ سُودٌ حَوَاجِرُهُ
واحدته سَمَارَةٌ، يذهب إِلى الطائفة. وسَمَّرَ اللبنَ: جعله سَمَاراً.
وعيش مَسْمُورٌ: مخلوط غير صاف، مشتق من ذلك. وسَمَّرَ سَهْمَه: أَرسله،
وسنذكره في فصل الشين أَيضاً.
وروى أَبو العباس عن ابن الأَعرابي أَنه قال: التسْمِيرُ .رسال السهم
بالعجلة، والخَرْقَلَةُ إِرساله بالتأَني؛ يقال للأَول: سَمِّرْ فقد
أَخْطَبَكَ الصيدُ، وللآخر: خَرْقِلْ حتى يُخْطِبَكَ.
والسُّمَيْريَّةُ: ضَرْبٌ من السُّفُن. وسَمَّرَ السفينة أَيضاً:
أَرسلها؛ ومنه قول عمر، رضي الله عنه، في حديثه في الأَمة يطؤُها مالكها: إِن
عليه أَن يُحَصِّنَها فإِنه يُلْحِقُ به وَلَدها. وفي رواية أَنه قال: ما
يُقِرُّ رجل أَنه كان يطأُ جاريته إِلاَّ أَلحقت به ولدها قمن شاءَ
فَلُيْمسِكْها ومن شاءَ فليُسَمِّرْها؛ أَورده الجوهري مستشهداً به على قوله:
والتَّسْمِيرُ كالتَّشْمِير؛ قال الأَصمعي: أَراد بقوله ومن شاءَ
فليسمرها، أَراد التشمير بالشين فحوَّله إِلى السين، وهو الإِرسال والتخلية.
وقال شمر: هما لغتان، بالسين والشين، ومعناهما الإِرسال؛ قال أَبو عبيد: لم
نسمع السين المهملة إِلاَّ في هذا الحديث وما يكون إِلاَّ تحويلاً كما
قال سَمَّتَ وشَّمَّتَ.
وسَمَرَتِ الماشيةُ تَسْمُرُ سُمُوراً: نَفَشَتْ.
وسَمَرَتِ النباتَ تَسْمُرُه: رَعَتْه؛ قال الشاعر:
يَسْمُرْنَ وحْفاً فَوْقَهُ ماءُ النَّدى،
يَرْفَضُّ فاضِلُه عن الأَشْدَاقِ
وسَمَرَ إِبلَه: أَهملها. وسَمَرَ شَوْلَهُ
(* قوله: «وسمر إِبله أهملها
وسمر شوله إلخ» بفتح الميم مخففة ومثقلة كما في القاموس). خَلاَّها.
وسَمَّرَ إِبلَهُ وأَسْمَرَها إِذا كَمَشَها، والأَصل الشين فأَبدلوا منها
السين، قال الشاعر:
أَرى الأَسْمَرَ الحُلْبوبَ سَمَّرَ شَوْلَنا،
لِشَوْلٍ رآها قَدْ شَتَتْ كالمَجادِلِ
قال: رأَى إِبلاً سِماناً فترك إِبله وسَمَّرَها أَي خلاها وسَيَّبَها.
والسَّمُرَةُ، بضم الميم: من شجر الطَّلْحِ، والجمع سَمُرٌ وسَمُراتٌ،
وأَسْمُرٌ في أَدنى العدد، وتصغيره أُسَيمِيرٌ. وفي المثل: أَشْبَهَ
سَرْحٌ سَرْحاً لَوْ أَنَّ أُسَيْمِراً. والسَّمُرُ: ضَرُبٌ من العِضَاهِ،
وقيل: من الشَّجَرِ صغار الورق قِصار الشوك وله بَرَمَةٌ صَفْرَاءُ يأْكلها
الناس، وليس في العضاه شيء أَجود خشباً من السَّمُرِ، ينقل إِلى القُرَى
فَتُغَمَّى به البيوت، واحدتها سَمْرَةٌ، وبها سمي الرجل. وإِبل
سَمُرِيَّةٌ، بضم الميم؛ تأْكل السِّمُرَ؛ عن أَبي حنيفة. والمِسْمارُ: واحد
مسامير الحديد، تقول منه: سَمَّرْتُ الشيءَ تَسْمِيراً، وسَمَرْتُه أَيضاً؛
قال الزَّفَيان:
لَمَّا رَأَوْا مِنْ جَمْعِنا النَّفِيرا،
والحَلَقَ المُضاعَفَ المَسْمُورا،
جَوَارِناً تَرَى لهَا قَتِيرا
وفي حديث سعد: ما لنا طعام إِلاَّ هذا السَّمُر، هو ضرب من سَمُرِ
الطَّلْحِ. وفي حديث أَصحاب السَّمُرة هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان
عام الحديبية.
وسُمَير على لفظ التصغير: اسم رجل؛ قال:
إِن سُمَيْراً أَرَى عَشِيرَتَهُ،
قد حَدَبُوا دُونَهُ، وقد أَبَقُوا
والسَّمَارُ: موضع؛ وكذلك سُمَيراءُ، وهو يمدّ ويقصر؛ أَنشد ثعلب لأَبي
محمد الحذلمي:
تَرْعَى سُمَيرَاءَ إِلى أَرْمامِها،
إِلى الطُّرَيْفاتِ، إِلى أَهْضامِها
قال الأَزهري: رأَيت لأَبي الهيثم بخطه:
فإِنْ تَكُ أَشْطانُ النَّوَى اخْتَلَفَتْ بِنا،
كما اخْتَلَفَ ابْنَا جالِسٍ وسَمِيرِ
قال: ابنا جالس وسمير طريقان يخالف كل واحد منهما صاحبه؛ وأَما قول
الشاعر:
لَئِنْ وَرَدَ السَّمَارَ لَنَقْتُلَنْهُ،
فَلا وأَبِيكِ، ما وَرَدَ السَّمَارَا
أَخافُ بَوائقاً تَسْري إِلَيْنَا،
من الأَشيْاعِ، سِرّاً أَوْ جِهَارَا
قوله السَّمار: موضع، والشعر لعمرو بن أَحمر الباهلي، يصف أَن قومه
توعدوه وقالوا: إِن رأَيناه بالسَّمَار لنقتلنه، فأَقسم ابن أَحمر بأَنه لا
يَرِدُ السَّمَار لخوفه بَوَائقَ منهم، وهي الدواهي تأْتيهم سرّاً أَو
جهراً.
وحكى ابن الأَعرابي: أَعطيته سُمَيْرِيَّة من دراهم كأَنَّ الدُّخَانَ
يخرج منها، ولم يفسرها؛ قل ابن سيده: أُراه عنى دراهم سُمْراً، وقوله:
كأَن الدخان يخرج منها يعني كُدْرَةَ لونها أَو طَراءَ بياضِها.
وابنُ سَمُرَة: من شعرائهم، وهو عطية بن سَمُرَةَ الليثي.
والسَّامِرَةُ: قبيلة من قبائل بني إِسرائيل قوم من اليهود يخالفونهم في
بعض دينهم، إِليهم نسب السَّامِرِيُّ الدي عبد العجل الذي سُمِعَ له
خُوَارٌ؛ قال الزجاج: وهم إِلى هذه الغاية بالشام يعرفون بالسامريين، وقال
بعض أَهل التفسير: السامري عِلْجٌ من أَهل كِرْمان. والسَّمُّورُ: دابة
(*
قوله: «والسمور دابة إلخ» قال في المصباح والسمور حيوان من بلاد الروس
وراء بلاد الترك يشبه النمس، ومنه أَسود لامع وأَشقر. وحكى لي بعض الناس
أَن أَهل تلك الناحية يصيدون الصغار منها فيخصون الذكور منها ويرسلونها
ترعى فإِذا كان أَيام الثلج خرجوا للصيد فما كان فحلاً فاتهم وما كان
مخصباً استلقى على قفاه فأَدركوه وقد سمن وحسن شعره. والجمع سمامير مثل تنور
وتنانير). معروفة تسوَّى من جلودها فِرَاءٌ غالية الأَثمان؛ وقد ذكره أَبو
زبيد الطائي فقال يذكر الأَسد:
حتى إِذا ما رَأَى الأَبْصارَ قد غَفَلَتْ،
واجْتابَ من ظُلْمَةِ جُودِيٌّ سَمُّورِ
جُودِيَّ بالنبطية جوذيّا، أَراد جُبَّة سَمّور لسواد وبَرِه. واجتابَ:
دخل فيه ولبسه.