من (خ ص ف) تصغير ترخيم الأخصف: من أشبه لونه لون الرماد.
من (خ ص ف) تصغير ترخيم الأخصف: من أشبه لونه لون الرماد.
عطس: عَطَسَ الرجل يَعْطِس، بالكسر، ويَعْطُس، بالضم، عَطْساً وعُطاساً
وعَطْسة، والاسم العُطاس. وفي الحديث: كان يُحِب العُطاس ويكره
التَّثاؤب. قال ابن الأَثير: إِنما أَحبَّ العُطاس لأَنه إِنما يكون مع خفة البدن
وانفتاح المسامِّ وتيسير الحركات، والتثاؤب بخلافه، وسبب هذه الأَوصاف
تخفيفُ الغذاء والإِقلال من الطعام والشراب.
والمَعْطِس والمَعْطس: الأَنف لأَن العُطاس منه يخرج. قال الأَزهري:
المَعْطِسُ، بكسر الطاء لا غير، وهذا يدل على أَن اللغة الجيّدة يَعْطِسُ،
بالكسر. وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: لا يُرْغِم اللَّهُ إِلا هذه
المَعاطس؛ هي الأُنوف.
والعاطُوس: ما يُعْطَسُ منه، مثَّل به سيبويه وفسره السيرافي. وعَطَسَ
الصُّبح: انفلق. والعاطِس: الصبح لذلك، صفةٌ غالبة، وقال الليث: الصبح
يسمى عُطاساً. وظبي عاطِس إِذا استقبلك من أَمامِك. وعَطَسَ الرجل: مات. قال
أَبو زيد: تقول العرب للرجل إِذا مات: عَطَسَتْ به اللُّجَمُ؛ قال:
واللُّجْمة ما تطيَّرْت منه، وأَنشد غيره:
إِنَّا أُناس لا تزالُ جَزُورُنا
لَها لُجَمٌ، مِن المنيَّة، عاطِسُ
ويقال للموت: لُجَمٌ عَطُوس؛ قال رؤبة:
ولا تَخافُ اللُّجَمَ العَطُوسا
ابن الأَعرابي: العاطُوس دابة يُتَشاءَم بها؛ وأَنشد غيره لطرفة بن
العبد:
لَعَمْري لقد مَرَّتْ عَواطِيسُ جَمَّةٌ،
ومرّ قُبيلَ الصُّبح ظَبي مُصَمَّعُ
والعَطَّاس: اسم فرس لبعض بني المَدان؛ قال:
يَخُبُّ بيَ العَطَّاسُ رافِعَ رَأْسِهِ
وأَما قوله:
وقد أَغْتَدي قبلَ العُطاسِ بِسابِحٍ
فإِن الأَصمعي زعم أَنه أَراد: قبل أن أَسمع عُطاس عاطِس فأَتطيّر منه
ولا أَمضي لحاجتي، وكانت العرب أَهل طِيَرَة، وكانوا يتطيَّرُون من
العُطاس فأَبطل النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، طِيَرَتَهم. قال الأَزهري: وإِن
صح ما قاله الليث إِن الصبح يقال له العُطاس فإِنه أَراد قبل انفجار
الصبح، قال: ولم أَسمع الذي قاله لثقة يُرجع إِلى قوله.
ويقال: فلان عَطْسَة فلان إِذا أَشبهــه في خَلْقه وخُلُقه.
عربس: العِرْبِسُ والعَرْبَسِيسُ: مَتْنٌ مُسْتَوٍ من الأَرض ويوصف به
فيقال:أَرض عَرْبَسِيسٌ؛ أَنشد ثعلب:
أَوْ في فَلاً قَفْرٍ مِنَ الأَنِيسِ،
مُجْدِبَةٍ حَدْباءَ عَرْبَسِيسِ
وأَنشد الأَزهري للطِّرِمَّاحِ:
تُراكِلُ عَرْبَسِيسَ المَتْنِ مَرْتاً،
كظَهْرِ السَّيْحِ، مُطَّرِدَ المُتُونِ
قال: ومنهم من يقول عِرْبَسِيس، بكسر العين، اعتباراً بالعِرْبِسِ؛ قال
الأَزهري: وهذا وهَم لأَنه ليس في كلامهم على مثال فِعْلَلِيلٍ، بكسر
الفاء، اسم؛ وأَما فَعْلَلِيل فكثر من نحو مَرْمَرِيس ودَرْدَبِيس
وخَمْجَرير وما أَشبهــها. ابن سيده: العَرْبَسِيسُ الداهية؛ عن ثعلب.
شحط: الشَّحْطُ والشَّحَطُ: البُعْدُ، وقيل: البُعْدُ في كل الحالات،
يثقل ويخفف؛ قال النابغة:
وكلُّ قَرِينةٍ ومَقَرِّ إِلْفٍ
مُفارِقُه، إِلى الشَّحَطِ، القَرِينُ
وأَنشد الأَزهري:
والشَّحْطُ قَطّاعٌ رَجاءَ مَن رَجا
وشَحَطَنِ الدَّارُ تَشْحَطُ شَحْطاً وشَحَطاً وشُحُوطاً: بَعُدَتْ.
الجوهري: شَحَطَ المَزَارُ وأَشْحَطْتُه أَبْعَدْتُه. وشَواحِطُ الأَوْدية:
ما تَباعَدَ منها. وشحَطَ فلان في السَّوْمِ وأَبْعَطَ إِذا اسْتَامَ
بسِلْعَتِه وتَباعَد عن الحقّ وجاوَز القَدْر؛ عن اللحياني. قال ابن سيده:
وأَرى شَحِطَ لغة عنه أَيضاً. وفي حديث ربيعةَ في الرجل يُعْتِقُ
الشِّقْصَ من العبد، قال: يُشْحَطُ الثمنُ ثم يُعْتَقُ كلُّه أَي يُبْلَغُ به
أَقْصَى القِيمةِ، هو من شَحَط في السَّوْمِ إِذا أَبْعَدَ فيه، وقيل: معناه
يُجْمع ثمَنُه من شَحطْتُ الإِناء إِذا مَلأْتَه. وشحَطَ شَرابَه
يَشْحَطُه: أَرَقَّ مِزاجَه؛ عن أَبي حنيفة.
والشَّحْطةُ: داء يأْخُذ الإِبل في صُدُورها فلا تكاد تَنْجُو منه.
والشَّحْطةُ: أَثر سَحْجٍ يُصيب جَنْباً أَو فخذاً ونحوهما؛ يقال: أَصابته
شحْطة.
والتشحُّطُ: الاضْطرابُ في الدَّم. ابن سيده: الشحْطُ الاضْطراب في
الدم. وتشَحَّطَ الولد في السَّلَى: اضْطَرب فيه؛ قال النابغة:
ويَقْذِفْنَ بالأَوْلادِ في كلّ مَنْزِلٍ،
تَشَحَّطُ، في أَسْلائِها، كالوَصائلِ
الوصائلُ: البُرُودُ الحُمْر. وشَحَطَه يَشْحطُه شَحْطاً وسَحَطَه:
ذبَحه، قال ابن سيده: والسين أَعْلى. وتَشَحَّطَ المقْتُولُ بدَمِه أَي
اضْطَرَب فيه، وشحَّطَه غيرُه به تَشْحِيطاً. وفي حديث مُحَيِّصةَ: وهو
يَتَشَحَّطُ في دمه أَي يَتَخَبَّطُ فيه ويَضْطَرِبُ ويتمرّغُ. وشحَطَتْه
العقربُ ووَكَعَتْه بمعنى واحد. وقال الأَزهري: يقال شحَطَ الطائرُ وصامَ
ومَزَقَ ومَرَقَ وسَقْسقَ، وهو الشحْطُ والصوْمُ. الأَزهري: يقال جاء فلان
سابقاً قد شحَطَ الخيلَ شحْطاً أَي فاتَها. ويقال: شحَطَتْ بنُو هاشم
العربَ أَي فاتُوهم فَضْلاً وسبَقُوهم. والشحْطةُ: العُودُ من الرُّمّان وغيره
تَغْرِسُه إِلى جنب قَضِيب الحَبَلةِ حتى يَعْلُوَ فوقَه، وقيل: الشحْطُ
خشبة توضع إِلى جنب الأَغصان الرِّطابِ المتفرّقة القِصار التي تخرج من
الشُّكُر حتى ترتفع عليها، وقيل: هو عود ترفع عليه الحَبَلة حتى
تَسْتقِلّ إِلى العَرِيش. قال أَبو الخطّاب: شحَطْتها أَي وضعت إِلى جنبها خشبة
حتى ترتفع إِليها.
والمِشْحَطُ: عُوَيْد يُوضع عند القَضِيب من قُضْبانِ الكرْم يَقِيه من
اَلأرض.
والشَّوْحَطُ: ضرب من النَّبْع تتخذ منه القِياسُ وهي من شجر الجبالِ
جبالِ السَّراةِ؛ قال الأَعشى:
وجِياداً، كأَنها قُضُبُ الشَّوْ
حَطِ، يَحْمِلْنَ شِكّةَ الأَبطالِ
قال أَبو حنيفة: أَخبرني العالم بالشوحط أَنَّ نباتَه نباتُ الأَرْزِ
قُضبان تسمو كثيرة من أَصل واحد، قال: وورقة فيما ذكر رِقاقٌ طِوالٌ وله
ثمرة مثل العنبة الطويلة إِلا أَنَّ طرفها أَدَقُّ وهي لينة تؤْكل. وقال
مرّة: الشوْحَطُ والنَّبْعُ أَصفرا العود رَزِيناه ثَقِيلانِ في اليد إِذا
تقادَما احْمَرَّا، واحدته شَوْحَطة. وروى الأَزهري عن المبرد أَنه قال:
النبْعُ والشوحطُ والشَّرْيان شجرة واحدة ولكنها تختلف أَسماؤها بكَرَمِ
مَنابِتها، فما كان منها في قُلّة الجبل فهو النبْعُ، وما كان في سَفْحِه
فهو الشِّرْيان، وما كان في الحَضِيضِ فهو الشوحط. الأَصمعي: من أَشجار
الجبال النبع والشوحط والتَّأْلَبُ؛ وحكى ابن بري في أَمياله أَن النبع
والشوْحَطَ واحد واحتج بقول أَوْس يصف قوساً:
تَعَلَّمَها في غِيلِها، وهي حَظْوةٌ،
بوادٍ به نَبْعٌ طِوالٌ وحِثْيَلُ
وَبانٌ وظَيَّانٌ ورَنْفٌ وشَوْحَطٌ،
أَلَفُّ أَثِيثٌ ناعِمٌ مُتَعَبِّلُ
فجعل مَنْبِتَ النبْعِ والشوْحطِ واحداً؛ وقال ابن مقبل يصف قوساً:
مِن فَرْعِ شَوْحَطةٍ، بِضاحي هَضْبةٍ،
لَقِحَتْ به لَقحاً خِلافَ حِيالِ
وأَنشد ابن الأَعرابي:
وقد جَعل الوَسْمِيُّ يُنْبِتُ، بيننا
وبينَ بني دُودانَ، نَبْعاً وشَوْحَطا
قال ابن بري: معنى هذا أَنَّ العرب كانت لا تطْلُب ثأْرَها إِلا إِذا
أَخْصَبَتْ بلادُها، أَي صار هذا المطر يُنبِت لنا القِسِيّ التي تكون من
النبع والشوحط. قال أَبو زياد: وتُصنع القياس من الشَّرْيان وهي جيدة إِلا
أَنها سوداء مُشْرَبةٌ حمرة؛ قال ذو الرمة:
وفي الشِّمالِ من الشَّرْيانِ مُطْعِمةٌ
كَبْداء، في عَسْجِها عَطْفٌ وتَقْوِيمُ
وذكر الغنوي الأَعرابي أَن السَّراء من النبع؛ ويقوّي قولَه قولُ أَوْس
في صفة قَوْس نبع أَطنب في وصفها ثم جعلها سَراء فهما إِذاً واحد وهو
قوله:
وصَفْراء من نبع كأَنَّ نَذِيرَها،
إِذا لم يُخَفِّضْه عن الوحش، أَفْكَلُ
ويروى: أَزْمَلُ فبالغ في وصفها؛ ثم ذكر عَرْضَها للبيع
(* قوله «ذكر
عرضها للبيع إلخ» كذا بالأصل.) وامْتِناعَه فقال:
فأَزْعَجَه أَن قِيلَ: شَتَّان ما ترى
إِليكَ، وعُودٌ من سَراء مُعَطَّلُ
فثبت بهذا أَن النبع والشوحط والسَّراء في قول الغنويّ واحد، وأَما
الشَّرْيان فلم يذهب أَحد إِلى أََنه من النبع إِلاَّ المبرّد وقد رُدَّ عليه
ذلك. قال ابن بري: الشوحط والنبع شجر واحد، فما كان منها في قُلّةِ
الجبل فهو نَبع، وما كان منها في سَفْحه فهو شوحط، وقال المبرد: وما كان منها
في الحَضيض فهو شَرْيان وقد ردَّ عليه هذا القول. وقال أَبو زياد: النبع
والشوحط شجر واحد إِلا أَن النبع ما ينبت منه في الجبل، والشوحط ما ينبت
منه في السَّهْلِ. وفي الحديث: أَنه ضربَه بمِخْرَش من شَوْحَطٍ، هو من
ذلك؛ قال ابن الأَثير: والواو زائدة.
وشِيحاط: موضع بالطائف. وشُواحِطٌ: موضع؛ قال ساعدة بن العجلان الهذلي:
غَداةَ شُواحِطٍ فنَجَوْتَ شَدّاً،
وثَوْبُكَ في عَباقِيةٍ هَرِيدُ
والشُّمْحُوطُ: الطويل، والميم زائدة.
فعل: الفِعل: كناية عن كل عمل متعدٍّ أَو غير متعدٍّ، فَعَل يَفْعَل
فَعْلاً وفِعْلاً، فالاسم مكسور والمصدر مفتوح، وفَعَله وبه، والاسم
الفِعْل، والجمع الفِعال مثل قِدْح وقِداح وبِئر وبِئار، وقيل: فَعَله يَفْعَله
فِعْلاً مصدر، ولا نظير له إِلا سَحَره يَسْحَره سِحْراً، وقد جاء خَدَع
يَخْدَع خَدْعاً وخِدْعاً، وصَرَع صَرْعاً وصِرْعاً، والفَعْل بالفتح
مصدر فَعَل يَفْعَل، وقد قرأَ بعضهم: وأَوحينا إِليهم فَعْلَ الخيرات، وقوله
تعالى في قصة موسى، عليه السلام: وفَعَلْتَ فَعْلَتَك التي فَعَلْت؛
أَراد المرة الواحدة كأَنه قال قَتَلْت النفس قَتْلَتَك، وقرأَ الشعبي
فِعْلَتَك، بكسر الفاء، على معنى وقَتَلْت القِتْلة التي قد عرفتها لأَنه
قَتَله بوَكْزة؛ هذا عن الزجاج، قال: والأَول أَجود. والفَعال أَيضاً مصدر
مثل ذَهَب ذَهاباً، والفَعال، بالفتح: الكرم؛ قال هدبة:
ضَرُوب بلَحْيَيْه على عَظْم زَوْرِه،
إِذا القوم هَشُّوا للفَعال تَقَنَّعا
قال الليث: والفَعال اسم للفِعْل الحسن من الجود والكرَم ونحوه. ابن
الأَعرابي: والفَعال فِعْل الواحد خاصة في الخير والشر. يقال: فلان كريم
الفَعال وفلان لئيم الفَعال، قال: والفِعال، بكسر الفاء، إِذا كان الفعل بين
الاثنين؛ قال الأَزهري: وهذا هو الصواب ولا أَدري لمَ قَصَر الليثُ
الفَعال على الحسَن دون القبيح، وقال المبرد: الفَعال يكون في المدْح
والذمِّ، قال: وهو مُخَلَّص لفاعل واحد، فإِذا كان من فاعِلَين فهو فِعال، قال:
وهذا هو الجيد. وكانت منه فَعْلة حسنة أَو قبيحة، والفَعَلة صفة غالِبة
على عَمَلةِ الطين والحفر ونحوهما لأَنهم يَفْعَلون؛ قال ابن الأَعرابي:
والنَّجَّار يقال له فاعل.
قال النحويون: المفعولات على وُجوه في باب النحو: فمفعول به كقولك
أَكرمت زيداً وأَعَنْت عمراً وما أَشبهــه، ومفعول له كقولك فَعَلْت ذلك حِذارَ
غضبك، ويسمى هذا مفعولاً من أَجلٍ أَيضاً، ومفعول فيه وهو على وجهين:
أَحدهما الحال، والآخر في الظروف، فأَما الظَّرْف فكقولك نِمْت البيتَ وفي
البيت، وأَما الحال فكقولك ضرب فلان راكباً أَي في حال رُكوبه، ومفعول
عليه كقولك عَلَوْت السطحَ ورَقِيت الدرَجة، ومفعول بلا صِلةٍ وهو المصدر
ويكون ذلك في الفعل اللازم والواقع كقولك حفِظْت حِفْظاً وفَهِمْت
فَهْماً، واللازم كقولك انكسر انكساراً، والعرب تشتقُّ من الفعْل المُثُلَ
للأَبنية التي جاءت عن العرب مثل فُعالة وفَعُولة وأُفْعُول ومِفْعِيل
وفِعْليل وفُعْلول وفِعْوَلّ وفِعَّل وفُعُلّ وفُعْلة ومُفْعَنْلِل وفَعِيل
وفِعْيَل. وكنى ابن جني بالتَّفْعِيل عن تَقْطِيع البيت الشعريِّ لأَنه إِنما
يَزِنه بأَجزاء مادَّتها كلها «فعل» كقولك فَعُولن مَفاعِيلن وفاعِلانن
فاعِلن ومُسْتَفْعِلن فاعِلن وغير ذلك من ضُروب مقطَّعات الشعر؛
وفاعِليَّان: مثال صيغ لبعض ضُروب مربَّعِ الرَّمَل كقوله:
يا خليليَّ ارْبَعا، فاسْـ
ـتَنْطِقا رَسْماً بِعُسْفان
فقوله مَنْ بِعُسْفانْ فاعِليَّان.
ويقال: شعر مُفْتَعَل إِذا ابتَدعه قائله ولم يَحْذُه على مِثالٍ
تَقدَّمه فيه مَنْ قَبْلَه، وكان يقال: أَعذب الأَغاني ما افتُعِل وأَظرَفُ
الشعر ما افتُعِل؛ قال ذو الرمة:
غَرائِبُ قد عُرِفْن بكلِّ أُفْقٍ،
من الآفاق، تُفْتَعَل افْتِعالا
أَي يبتدَع بها غِناء بديع وصوت محدَث. ويقال لكل شيء يسوَّى على غير
مِثال تقدَّمه: مُفْتَعَل؛ ومنه قول لبيد:
فرَمَيْت القوم رَشْقاً صائِباً،
ليس بالعُصْل ولا بالمُفْتَعَل
وقوله تعالى: والذين هم للزكاة فاعِلون؛ قال الزجاج: معناه مُؤتون.
وفِعال الفَأْس والقَدُوم والمِطْرَقة: نِصابها؛ قال ابن مقبل:
وتَهْوِي، إِذا العِيسُ العِتاق تَفاضَلَتْ،
هُوِيَّ قَدُومِ القَيْن حال فِعالها
يعني نِصابَها وهو العَمُود الذي يجعل في خُرْتِها يعمَل به؛ وأَنشد ابن
الأَعرابي:
أَتَتْه، وهي جانِحة يداها
جُنوحَ الهِبْرقِيِّ على الفِعال
قال ابن بري: الفَعال مفتوح أَبداً إِلاَّ الفِعال لخشبة الفأْس فإِنها
مكسورة الفاء، يقال: يا بابوسُ أَوْلِج الفِعال في خُرْت الحَدَثان،
والحَدَثان الفَأْس التي لها رأْس واحدة. والفِعال أَيضاً: مصدر فاعَل.
والفَعِلة: العادة. والفَعْل: كناية عن حَياء الناقة وغيرها من الإِناث.
وقال ابن الأَعرابي: سئل الدُّبَيْريُّ عن جُرْحه فقال أَرَّقَني وجاء
بالمُفْتَعَل أَي جاء بأَمر عظيم، قيل له: أَتَقولُه في كل شيء؟ قال: نعم
أَقول جاء مالُ فلان بالمُفْتَعَل، وجاء بالمُفْتَعَل من الخطإِ، ويقال:
عَذَّبني وجَع أَسْهرَني فجاء بالمُفْتَعَل إِذا عانى منه أَلماً لم
يعهَد مثله فيما مضى له. ابن الأَعرابي: افْتَعل فلان حديثاً إِذا اخْتَرقه؛
وأَنشد:
ذكْر شيءٍ، يا سُلَيْمى، قد مَضى،
وَوُشاة ينطِقون المُفْتَعَل
وافْتَعل عليه كذباً وزُوراً أَي اختلَق. وفَعَلْت الشيء فانْفَعَل:
كقولك كسَرْته فانكسَر. وفَعالِ: قد جاء بمعنى افْعَلْ وجاء بمعنى فاعِلة،
بكسر اللام.
أري: الأَصمعي: أَرَتِ القِدْرُ تَأْري أَرْياً إذا احترقت ولَصِقَ بها
الشيء، وأَرَتِ القِدْرُ تَأْري أَرْياً، وهو ما يَلْصَق بها من الطعام.
وقد أَرَتِ القِدْرُ أَرْياً: لَزِقَ بأَسفلها شيء من الاحتراق مثل
شاطَتْ؛ وفي المحكم: لَزِقَ بأَسفلها شِبْهُ الجُلْبَة السوداء، وذلك إذا لم
يُسَطْ ما فيها أو لم يُصَبَّ عليه ماء. والأَرْيُ: ما لَزِقَ بأَسفلها
وبقِي فيه من ذلك؛ المصدرُ والاسم فيه سواءٌ. وأَرْيُ القِدْرِ: ما
الْتَزَقَ بجوانبها من الحَرَق. ابن الأَعرابي: قُرارَة القِدر وكُدادتُها
وأَرْيُها. والأَرْيُ: العَسَلُ؛ قال لبيد:
بأَشْهَبَ مِنْ أَبكارِ مُزْن سَحابةٍ،
وأَرْيِ دَبُورٍ شارَهُ النَّحْلَ عاسلُ
وعَمَلُ النَّحْلِ أَرْيٌ أَيضاً؛ وأَنشد ابن بري لأَبي ذؤيب:
جَوارِسُها تَأْري الشُّعُوفَ
تَأْري: تُعَسِّل، قال: هكذا رواه عليّ بن حمزة وروى غيره تَأْوي. وقد
أَرَتِ النَّحْلُ تَأْري أَرْياً وتَأَرَّتْ وأْتَرَتْ: عَمِلَت العَسَل؛
قال الطرماح في صفة دَبْر العسل:
إذا ما تَأَرَّتْ بالخَليِّ، بَنَتْ به
شَريجَيْنِ مِمّا تَأْتَري وتُتِيعُ
(* قوله «إذا ما تأرت» كذا في الأصل بالراء، وفي التكملة بالواو).
شَريجَيْن: ضربين يعني من الشَّهْدِ والعسل. وتأْتري: تُعَسِّلُ،
وتُتِيعُ أَي تقيء العسلَ. والْتِزاقُ الأَرْي بالعَسَّالة ائْتِراؤه، وقيل:
الأَرْيُ ما تجمعه من العسل في أَجوافِها ثم تَلْفِظه، وقيل: الأَرْيُ
عَمَلُ النحل، وهو أَيضاً ما التَزَقَ من العسل في جوانب العَسَّالة، وقيل:
عَسَلُها حين تَرْمي به من أَفواهها؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
إذا الصُّدورُ أَظْهَرَتْ أَرْيَ المِئَر
إنما هو مستعار من ذلك، يعني ما جَمَعَتْ في أَجوافها من الغيظ كما
تَفْعَلُ النَّحْلُ إذا جمَعَتْ في أَفواهها العَسَل ثم مَجَّتْه. ويقال
للَّبَنِ إذا لَصِق وَضَرهُ بالإناء: قد أَرِيَ، وهو الأَرْيُ مثل
الرَّمْي.والتَّأَرِّي: جَمْع الرجل لِبَنِيه الطَّعامَ. وأَرَتِ الريحُ الماءَ:
صَبَّته شيئاً بعد شيء. وأَرْيُ السماءِ ما أَرَتْه الريح تَأْرِيه
أَرْياً فصَبَّته شيئاً بعد شيء، وقيل: أَرْيُ الريح عَمَلُها وسَوْقُها
السحابَ؛ قال زهير:
يَشِمْنَ بُرُوقَها، ويَرُشُّ أَرْيَ الـْ
جَنُوب، على حَواجِبها، العَماءُ
قال الليث: أَرادَ ما وقع من النَّدى والطَّلِّ على الشجر والعُشْب فلم
يَزَلْ يَلْزَقُ بعضهُ ببعض ويَكْثُرُ، قال أَبو منصور: وأَرْيُ الجَنوبِ
ما اسْتَدَرَّتْه الجَنوبُ من الغَمام إذا مَطَرَت. وأَرْيُ السحاب:
دِرَّتُه، قال أَبو حنيفة: أَصل الأَرْيِ العَمَل. وأَرْيُ النَّدى: ما وقع
منه على الشجر والعُشْب فالتزَق وكَثُر. والأَرْيُ: لُطاخةُ ما تأْكله.
وتَأَرَّى عنه: تَخَلَّف. وتَأَرَّى بالمكان وأْتَرى: احْتَبَس. وأَرَتِ
الدابَّةُ مَرْبَطَها ومَعْلَفَها أرْياً: لَزِمَتْه. والآرِيُّ والآري:
الأَخِيَّةُ. وأَرَّيْتُ لها: عَمِلْتُ لها آريّاً. قال ابن السكيت في
قولهم للمَعْلَف آرِيٌّ قال: هذا مما يضعه الناس في غير موضعه، وإنما
الآرِيُّ مَحْبِس الدابة، وهي الأَواري والأَواخِي، واحدتها آخِيِّةٌ، وآرِيٌّ
إنما هو من الفعل فاعُولٌ. وتَأَرَّى بالمكان إذا تَحَبَّس؛ ومنه قول
أَعشى باهِلة:
لا يَتَأَرَّى لِمَا في القِدْرِ يَرْقُبُه،
ولا يَعَضُّ على شُرْسُوفهِ الصَّفَر
(* قوله «لا يتأرى البيت» قال الصاغاني: هكذا وقع في أكثر كتب اللغة
وأخذ بعضهم عن بعض، والرواية:
لا يتأرى لما في القدر يرقبه
ولا يزال أمام القوم يقتفر
لا يغمز الساق من أين ولا نصب
ولا يعض على شرسوفه الصفر).
وقال آخر:
لا يَتَأَرَّوْنَ في المَضِيق، وإنْ
نادَى مُنادٍ كَيْ يَنْزِلوا، نَزَلوا
يقول: لا يَجْمَعون الطعام في الضِّيقة؛ وقال العجاج:
واعْتَادَ أَرباضاً لها آرِيُّ
من مَعْدِن الصِّيرانِ عُدْمُليُّ
قال: اعْتادَها أَتاها ورَجَع إليها، والأَرْباضُ: جمع رَبَضٍ وهو
المأْوى، وقوله له آرِيٌّ أَي لها آخِيَّةٌ من مَكانِس البقر لا تزول، ولها
أَصل ثابت في سكون الوحش بها، يعني الكِناس. قال: وقد تسمى الآخِيَّة
أَيضاً آرِيّاً، وهو حبل تُشَدُّ به الدابة في مَحْبِسها؛ وأَنشد ابن السكيت
للمُثَقِّب العبدي يصف فرساً:
داوَيْتُه بالمحْض، حتَّى شَتا
يَجْتَذِبُ الآرِيَّ بالمِرْوَد
أي مع المِرْوَدِ، وأَرادَ بآرِيِّه الرَّكاسَةَ المدفونةَ تحت الأَرض
المُثْبتةَ فيها تُشَدُّ الدابةُ من عُرْوتَها البارزة فلا تَقْلَعُها
لثباتها في الأَرض؛ قال الجوهري: وهو في التقدير فاعُولٌ، والجمع الأَوارِي،
يخفف ويشدّد. تقول منه: أَرَّيْتُ للدابة تَأْريَةً، والدابة تَأْري إلى
الدابَّة إذا انضمت إليها وأَلِفَتْ معها مَعْلَفاً واحداً، وآرَيْتُها
أَنا؛ وقول لبيد يصف ناقته:
تَسْلُبُ الكانِسَ لم يُوأَرْ بها
شُعْبَة السَّاقِ، إذا الظِّلُّ عَقَل
قال الليث: لم يُوأَرْ بها أَي لم يُذْعَرْ، ويروى لم يُورأْ بها أَي لم
يُشْعَرْ بها، قال: وهو مقلوب من أَرَيْتُه أَي أَعلمته، قال: ووزنه
الآن لم يُلْفَعْ، ويروى لم يُورَا، على تخفيف الهمزة، ويروى لم يُؤرَ بها،
بوزن لم يُعْرَ، من الأَرْي أي لم يَلْصَق بصدره الفَزَعُ، ومنه قيل: إن
في صَدْرِكَ عَليَّ لأَرْياً أَي لَطْخاً من حِقْد، وقد أَرى عليَّ
صَدْرُه. قال ابن بري: وروى السيرافي لم يُؤْرَ من أُوار الشمس، وأَصله لم
يُوأَرْ، ومعناه لم يُذْعَرْ أَي لم يُصِبْه حَرُّ الذُّعْر. وقالوا: أَرِيَ
الصَّدْرُ أَرْياً، وهو ما يثبت في الصدر من الضِّغْن. وأَرِيَ صدرُه،
بالكسر، أَي وَغِر. قال ابن سيده: أَرَى صَدْرُه عليَّ أَرْياً وأَرِيَ
اغتاظ؛ وقول الراعي:
لهَا بَدَنٌ عاسٍ ونارٌ كَرِيمةٌ
بمُعْتَلَجِ الآرِيِّ، بَيْنَ الصَّرائم
قيل في تفسيره: الآرِيُّ ما كان بين السَّهْل والحَزْن، وقيل: مُعْتَلَج
الآَرِيّ اسمُ أَرض. وتأَرَّى: تَحَزّن
(* قوله «وتأرّى تحزن» هكذا في
الأصل ولم نجده في كتب اللغة التي بأَيدينا). وأَرَّى الشيءَ: أَثبته
ومَكَّنه. وفي الحديث: اللهم أرِّ ما بَيْنَهم أَي ثَبِّت الوُدَّ ومَكِّنْه،
يدعو للرجل وامرأَته. وروى أَبو عبيدة: أَن رجلاً شكا إلى رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، امرأَته فقال اللهم أَرِّ بَيْنَهما؛ قال أَبو عبيد:
يعني أَثبت بينهما؛ وأَنشد لأَعشى باهلة:
لا يَتَأَرَّى لِمَا في القِدْرِ يَرْقُبُه
البيت. يقول: لا يَتَلَبَّث ولا يَتَحَبَّس. وروى بعضهم هذا الحديث: أَن
النبي، صلى الله عليه وسلم، دعا بهذا الدعاء لعليّ وفاطمة، عليهما
السلام، وروى ابن الأَثير أَنه دعا لامرأَة كانت تَفْرَك زَوْجها فقال: اللهم
أَرِّ بينهما، أَي أَلِّف وأَثبت الوُدَّ بينهما، من قولهم الدابة
تَأْرِي للدابة إذا انضمَّت إليها وأَلِفَت معها مَعْلَفاً واحداً، وآرَيْتُها
أَنا، ورواه ابن الأَنباري: اللهم أَرِّ كلَّ واحد منهما صاحبَه أَي احبس
كل واحد منهما على صاحبه حتى لا ينصرف قلبه إلى غيره، من قولهم
تَأَرَّيْت بالمكان إذا احْتَبَسْت فيه، وبه سمِّيت الآخِيَّة آرِيّاً لأَنها
تمنع الدوابّ عن الانفلات، وسمي المَعْلَف آرِيّاً مجازاً، قال: والصواب في
هذه الرواية أَن يقال اللهم أَرِّ كل واحد منهما على صاحبه، فإن صحت
الرواية بحذف على فيكون كقولهم تَعَلَّقْتُ بفلان وتَعَلَّقتُ فلاناً؛ ومنه
حديث أَبي بكر: أَنه دفع إليه سيفاً ليقتل به رجلاً فاسْتَثْبَتَه فقال:
أَرِّ أَي مَكِّن وثَبِّتْ يدي من السيف، وروي: أَرِ مخففة، من الرؤْية
كأَنه يقول أَرِني بمعنى أَعْطِني. الجوهري: تَأَرَّيْت بالمكان أَقمت به؛
وأَنشد ببيت أَعشى باهلة أَيضاً:
لا يَتأَرَّى لِمَا في القِدْر يَرْقُبُه
وقال في تفسيره: أَي لا يَتَحَبَّس على إدراك القِدْر ليأْكل. قال أَبو
زيد: يَتَأَرَّى يَتَحَرَّى؛ وأَنشد ابن بري للحُطيئة:
ولا تَأَرَّى لِمَا في القِدْرِ يَرْقُبه،
ولا يَقُومُ بأَعْلى الفجر يَنْتَطِق
قال: وأَرَّيْت أَيضاً وإلى مَتى أَنت مُؤَرٍّ به. وأَرَّيْته:
اسْتَرْشَدَني فغَشَشْته. وأَرَّى النارَ: عَظَّمَها ورَفَعَها. وقال أَبو حنيفة:
أَرَّاها جَعَل لها إرَةً، قال: وهذا لا يصح إلا أَن يكون مقلوباً من
وَأَرْتُ، إمَّا مستعمَلة، وإما متوهَّهمة. أَبو زيد: أَرَّيْتُ النارَ
تَأْرِيَةً ونَمَّيتها تَنْمِيَةً وذكَّيْتها تَذْكِيَةً إذا رَفَعْتها.
يقال: أَرِّ نارَك. والإرَةُ: موضع النار، وأَصله إرْيٌ، والهاء عوض من
الياء، والجمع إرُونَ مثل عِزُون؛ قال ابن بري: شاهده لكعب أَو لزهير:
يُثِرْنَ التُّرابَ على وَجْهِه،
كلَوْنَ الدَّواجِن فَوْقَ الإرِينا
قال: وقد تجمع الإرَةُ إرات، قال: والإرةُ عند الجوهري محذوفةُ اللام
بدليل جمعها على إرِين وكَوْنِ الفعل محذوف اللام. يقال: أَرِّ لِنارِك أَي
اجْعَل لها إرَةً، قال: وقد تأْتي الإرَةُ مثل عِدَة محذوفة الواو،
تقول: وَأَرْتُ إرَةً. وآذاني أَرْيُ القِدْرِ والنَّارِ أَي حَرُّهُما؛
وأَنشد ثعلب:
إذا الصُّدورُ أَظْهَرَتْ أَرْيَ المِئَر
أَي حَرَّ العَداوَة. والإرةُ أَيضاً: شَحْم السَّنامِ؛ قال الراجز:
وَعْدٌ كَشَحْمِ الإرَةِ المُسَرْهَد
الجوهري: أَرَّيْتُ النارَ تَأْرِيَةً أَي ذَكّيتها؛ قال ابن بري: هو
تصحيف وإنما هو أَرَّثْتها، واسم ما تلقيه علي الأُرْثَة. وأَرِّ نارَك
وأَرِّ لنارك أَي اجْعَل لها إرَةً، وهي حُفْرة تكون في وسط النار يكون فيها
معظم الجَمْر. وحكي عن بعضهم أَنه قال: أَرِّ نارَك افتح وسطها ليتسع
الموضع للجمر، واسم الشيء الذي تلقيه عليها من بَعَر أَو حَطَب الذُّكْىة.
قال أَبو منصور: أَحسب أَبا زيد جَعَل أَرَّيْت النار مِنْ وَرَّيْتَها،
فقلب الواو همزة، كما قالوا أكَّدْت اليمين ووَكَّدْتها وأَرَّثْت النار
ووَرَّثْتها. وقالوا من الإرَة وهي الحفرة التي توقد فيها النار: إرَةٌ
بَيّنة الإرْوَة، وقد أَرَوْتها آرُوها، ومِنْ آرِيِّ الدابة أَرَّيْت
تَأْرِيَةً. قال: والآرِيُّ ما حُفِر له وأُدْخِل في الأَرض، وهي الآرِيَّة
والرَّكاسَة. وفي حديث بلال: قال لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
أَمعَكم شيءٌ من الإرَة أَي القدِيد؛ وقيل: هو أَن يُغْلَى اللحمُ بالخل
ويحمل في الأَسفار. وفي حديث بريدةَ: أَنه أَهْدى لرسول الله، صلى الله عليه
وسلم، إرَةً أَي لحماً مطبوخاً في كرش. وفي الحديث: ذُبِحَت لرسول الله،
صلى الله عليه وسلم، شاةٌ ثم صُنِعَتْ في الإرَة؛ الإرَةُ: حفرة توقد
فيها النار، وقيل:هي الحفرة التي حولها الأَثافيُّ. يقال: وَأَرْتُ إرَةَ،
وقيل: الإرَةُ النارُ نَفْسُها، وأَصل الإرَة إرْيٌ، بوزن عِلْم، والهاء
عوض من الياء. وفي حديث زيد بن حارثة: ذبحنا شاة وصنعناها في الإرَة حتى
إذا نَضِجت جعلناها في سُفْرَتنا. وأَرَّيْت عن الشيء: مثل وَرَّيْت
عنه.وبئر ذي أَرْوانَ: اسم بئر، بفتح الهمزة. وفي حديث عبد الرحمن
النَّخَعي: لو كان رأْيُ الناس مثْلَ رَأْيك ما أُدِّيَ الأَرْيانُ. قال ابن
الأَثير: هو الخَراجُ والإتاوة، وهو اسم واحد كالشيطان.
قال الخطابي: الــأَشبه بكلام العرب أَن يكون بضم الهمزة والباء المعجمة
بواحدة، وهو الزيادة عن الحق، يقال فيه أُرْبان وعُرْبان، قال: فإن كانت
الياء معجمة باثنتين فهو من التَّأْرِيَة لأَنه شيء قُرِّرَ على الناس
وأُلْزِموه.
صغر: الصِّغَرُ: ضد الكبر. ابن سيده: الصِّغَر والصَّغارةُ خِلاف
العِظَم، وقيل: الصِّغَر في الجِرْم، والصَّفارة في القَدْر؛ صَغُرَ صَغارةً
وصِغَراً وصَغِرَ يَصْغَرُ صَغَراً؛ بفتح الصاد والغين، وصُغْراناً؛ كلاهما
عن ابن الأَعرابي: فهو صَغِير وصُغار، بالضم، والجمع صِغَار. قال
سيبويه: وافق الذِين يقولون فَعِيلاً الذين يقولون فُعالاً لاعتِقابِهما
كثيراً، ولم يقولوا صُغَراء، اسْتَغْنوا عنه بِفِعال، وقد جُمع الصَّغِير في
الشعر على صُغَراء؛ أَنشد أَبو عمرو:
وللكُبَراءِ أَكْلٌ حيث شاؤوا،
وللصُّغَراء أَكْلٌ واقْتِثامُ
والمَصْغُوراءُ: اسم للجمع. والأَصاغِرَة: جمع الأَصْغَر. قال ابن سيده:
إِنما ذكرت هذا لأَنه مِمَّا تلحقه الهاء في حدِّ الجمع إذ ليس منسوباً
ولا أَعجميّاً ولا أَهل أَرض ونحوَ ذلك من الأَسباب التي تدخلها الهاء في
حدّ الجمع، لكن الأَصْغَر لما خرج على بناء القَشْعَم وكانوا يقولون
القَشاعِمَة أَلحقُوه الهاء، وقد قالوا الأَصاغِر، بغير هاء، إِذ قد يفعلون
ذلك في الأَعجمي نحو الجَوارِب والكَرابِج، وإِنما حملهم على تكسيره أَنه
لم يتمكَّن في باب الصفة. والصُّغْرَى: تأْنيث الأَصْغَر، والجمع
الصُّغَرُ؛ قال سيبويه: يقال نِسْوَة صُغَرُ ولا يقال قوم أَصاغِر إِلا بالأَلف
واللام: قال: وسمعنا العرب تقول الأَصاغِر، وإِن شئت قلت الأَصْغَرُون.
ابن السكيت: ومن أَمثال العرب: المرْء بِأَصْغَرَيْهِ؛ وأَصْغَراه قلْبُه
ولسانه، ومعناه أَن المَرْءَ يعلو الأُمور ويَضْبِطها بِجَنانه ولسانه.
وأَصْغَرَه غيره وصَغَّره تَصْغِيراً، وتَصْغِيرُ الصَّغِير صُغَيِّر
وصُغَيِّير؛ الأُولى على القياس والأُخرى على غير قياس؛ حكاها سيبويه.
واسْتَصْغَره: عَدَّه صَغِيراً. وصَغَّرَه وأَصْغَرَه: جعلَه صَغِيراً.
وأَصْغَرْت القِرْبَة: خَرزَتُها صَغِيرة؛ قال بعض الأَغفال:
شُلَّتْ يَدا فارِيَةٍ فَرَتْها،
لَوْ خافَتِ النَّزْع لأَصْغَرَتْها
ويروى:
لو خافَتِ السَّاقي لأَصْغَرَتْها
والتصغير للاسم والنعت يكون تحقيراً ويكون شفقة ويكون تخصيصاً، كقول
الحُباب بن المنذِر: أَنا جُذَيْلُها المُحَكَّك وعُذَيْقُها المُرَجَّب؛
وهو مفسر في موضعه. والتصغير يجيء بمعانٍ شتًى: منها ما يجيء على التعظيم
لها، وهو معنى قوله: فأَصابتها سُنَيَّة حمراء، وكذلك قول الأَنصاري: أَنا
جُذَيْلُها المُحَكَّك وعُذَيْقُها المُرَجَّب، ومنه الحديث: أَتتكم
الدُّهَيْماءُ؛ يعني الفتنة المظلمة فصغَّرها تهويلاً لها، ومنها أَن يصغُر
الشيء في ذاته كقولهم: دُوَيْرَة وجُحَيْرَة، ومنها ما يجيء للتحقير في
غير المخاطب، وليس له نقص في ذاته، كقولهم: هلك القوم إِلا أَهلَ
بُيَيْتٍ، وذهبت الدراهم إِلا دُرَيْهِماً، ومنها ما يجيء للذم كقولهم: يا
فُوَيْسِقُ، ومنها ما يجيء للعَطْف والشفقة نحو: يا بُنَيَّ ويا أُخَيَّ؛ ومنه
قول عمر: أَخاف على هذا السبب
(* قوله: «هذا السبب» هكذا في الأَصل من
غير نقط). وهو صُدَيِّقِي أَي أَخصُّ أَصدقائي، ومنها ما يجيء بمعنى
التقريب كقولهم: دُوَيْنَ الحائط وقُبَيْلَ الصبح، ومنها ما يجيء للمدح، من ذلك
قول عمر لعبدالله: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً. وفي حديث عمرو بن دينار
قال: قلت لِعُرْوَةَ: كَمْ لَبِثَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمكة؟
قال: عشراً، قلت: فابن عباس يقول بِضْعَ عشرةَ سنةً، قال عروة: فصغَّره أَي
استصغر سنَّه عن ضبط ذلك، وفي رواية: فَغَفَّرَهُ أَي قال غفر الله له،
وسنذكره في غفر أَيضاً. والإِصغار من الحنين: خلاف الإِكبار؛ قالت
الخنساء:
فما عَجُولٌ على بَوٍّ تُطِيفُ بِهِ،
لها حَنينانِ: إِصْغارٌ وإِكْبارُ
فَإِصْغارُها: حَنِينها إِذا خَفَضته، وإِكْبارُها: جَنِينها إِذا
رَفَعته، والمعنى لها حَنِينٌ ذو صغار وحَنِينٌ ذُو كبار.
وأَرضٌ مُصْغِرَة: نَبْتها صغير لم يَطُل. وفلان صِغْرَة أَبَوَيْهِ
وصِغْرَةُ ولَد أَبويه أَي أَصْغَرهُمْ، وهو كِبْرَة وَلَدِ أَبيه أَي
أَكبرهم؛ وكذلك فلان صِغْرَةُ القوم وكِبْرَتُهم أَي أَصغرُهم وأَكبرهم. ويقول
صبيٌّ من صبيان العرَب إِذ نُهِيَ عن اللَّعِب: أَنا من الصِّغْرَة أَي
من الصِّغار. وحكى ابن الأَعرابي: ما صَغَرَني إِلا بسنة أَي ما صَغُرَ
عَنِّي إِلا بسنة. والصَّغار، بالفتح: الذل والضَّيْمُ، وكذلك الصُّغْرُ،
بالضم، والمصدر الصَّغَرُ، بالتحريك. يقال: قُمْ على صُغْرِك وصَغَرِك.
الليث: يقال صَغِرَ فلان يَصْغَرُ صَغَراً وصَغاراً، فهو صاغِر إِذا
رَضِيَ بالضَّيْم وأَقَرَّ بِهِ. قال الله تعالى: حتى يُعْطُوا الجزْية عن
يَدٍ وهُمْ صاغِرون؛ أَي أَذِلاَّءُ. والمَصْغُوراء: الصَّغار. وقوله عز
وجل: سَيُصِيب الذين أَجْرَمُوا صَغار عند الله؛ أَي هُمْ، وإِن كانوا
أَكابر في الدنيا، فسيصيبهم صَغار عند الله أَي مَذَلَّة. وقال الشافعي، رحمه
الله، في قوله عز وجل: عن يَدٍ وهُمْ صاغِرُون؛ أَي يجري عليهم حُكْمُ
المسلمين. والصَّغار: مصدر الصَّغِير في القَدْر. والصَّاغِرُ: الراضي
بالذُّلِّ والضيْمِ، والجمع صَغَرة. وقد صَغُرَ
(* قوله: «وقد صغر إلخ» من
باب كرم كما في القاموس ومن باب فرح أَيضاً كما في المصباح كما أَنه منهما
بمعنى ضد العظم). صَغَراً وصُغْراً وصَغاراً وصَغارَة وأَصْغَرَه: جعله
صاغِراً. وتَصاغَرَتْ إِليه نفسُه: صَغُرت وتَحاقَرَتْ ذُلاًّ ومَهانَة.
وفي الحديث: إِذا قلتَ ذلك تَصاغَرَ حتى يكون مثلَ الذُّباب؛ يعني
الشيطان، أَي ذَلَّ وَامَّحَقَ؛ قال ابن الأَثير: ويجوز أَن يكون من الصِّغَر
والصَّغارِ، وهو الذل والهوان. وفي حديث عليّ يصف أَبا بكر، رضي الله
عنهما: بِرَغْمِ المُنافِقين وصَغَر الحاسِدين أَي ذُلِّهِم وهَوانِهم. وفي
حديثِ المُحْرِم: يقتل الحيَّة بصَغَرٍ لَها. وصَغُرَتِ الشمسُ: مالَتْ
للغروب؛ عن ثعلب. وصَغْران: موضع.
عزب: رجل عَزَبٌ ومِعْزابة: لا أَهل له؛ ونظيرهُ: مِطْرابة، ومِطْواعة، ومِجْذامة، ومِقْدامة. وامرأَة عَزبَةٌ وعَزَبٌ: لا زَوْجَ لها؛ قال الشاعر في صفة امرأَة : (1)
(1 قوله «قال الشاعر في صفة امرأة إلخ» هو العجير السلولي، بالتصغير.)
إِذا العَزَبُ الـهَوْجاءُ بالعِطْرِ نافَحَتْ، * بَدَتْ شَمْسُ دَجْنٍ طَلَّـةً ما تَعَطَّرُ
وقال الراجز:
يا مَنْ يَدُلُّ عَزَباً على عَزَبْ، * على ابْنَةِ الـحُمارِسِ الشَّيْخِ الأَزَبّ
قوله: الشيخ الأَزَبّ أَي الكَريهُ الذي لا يُدْنى من حُرْمَتِه. ورجلان عَزَبانِ، والجمع أَعْزابٌ. والعُزَّابُ: الذين لا أَزواجَ لهم، من الرجال والنساءِ. وقد عَزَبَ يَعْزُبُ عُزوبةً، فهو عازِبٌ، وجمعه عُزّابٌ، والاسم العُزْبة والعُزُوبة، ولا يُقال: رجل أَعْزَبُ، وأَجازه بعضهم.
ويُقال: إِنه لَعَزَبٌ لَزَبٌ، وإِنها لَعَزَبة لَزَبة. والعَزَبُ اسم للجمع، كخادمٍ وخَدَمٍ، ورائِحٍ ورَوَحٍ؛ وكذلك العَزيبُ اسم للجمع كالغَزِيِّ. وتَعَزَّبَ بعد التأَهـُّلِ، وتَعَزَّبَ فلانٌ زماناً ثم تأَهل،
وتَعَزَّبَ الرجل: تَرَك النكاحَ، وكذلك المرأَةُ. والـمِعْزابةُ: الذي
طالتْ عُزُوبَتُه، حتى ما لَه في الأَهلِ من حاجة؛ قال: وليس في الصفاتِ مِفْعالة غير هذه الكلمة. قال الفراء: ما كان من مِفْعالٍ، كان مؤَنثه بغير هاء، لأَنه انْعَدَلَ عن النُّعوت انْعِدالاً أَشدَّ من صبور وشكور، وما أَشبهــهما، مما لا يؤنث، ولأَنه شُبِّهَ بالمصادر لدخولِ الهاءِ فيه؛ يقال: امرأَة مِحْماقٌ ومِذْكار ومِعطارٌ. قال وقد قيل: رجل مِجْذامةٌ إِذا كان قاطعاً للأُمور، جاءَ على غير قياس، وإِنما زادوا فيه الهاء، لأَن العَرَبَ تُدْخِل الهاء في المذكر، على جهتين: إِحداهما المدح، والأُخرى الذم، إِذا بولغ في الوصف. قال الأَزهري: والـمِعْزابة دخلتها الهاء للمبالغة أَيضاً، وهو عندي الرجل الذي يُكْثر النُّهوضَ في مالِه العَزيبِ، يَتَتَبَّعُ مَساقطَ الغَيْثِ، وأُنُفَ الكَلإِ؛ وهو مدْحٌ بالِـغٌ على هذا المعنى.
والـمِعْزابَةُ: الرجلُ يَعْزُبُ بماشيته عن الناس في الـمَرْعَى. وفي الحديث: أَنه بَعَثَ بَعْثاً فَـأَصْبَحوا بأَرْضٍ عَزُوبة بَجْراءَ أَي بأَرضٍ بعيدةِ الـمَرْعَى، قليلَتِه؛ والهاء فيها للمبالغة، مثلُها في فَرُوقَةٍ ومَلُولة. وعازِبةُ الرَّجُل (1)
(1 قوله «وعازبة الرجل» امرأته أو أمته، وضُبطت
المعزبة بكسر فسكون كمِغرفة، وبضم ففتح فكسر مثقلاً كما في التهذيب والتكملة، واقتصر المجد على الضبط الأول والجمع المعازب، وأشبع أبو خراش الكسرة فولد ياء حيث يقول:
بصاحب لا تنال الدهر غرّته * إِذا افتلى الهدف القنَّ المعازيب
افتلى: اقتطع. والهدف: الثقيل أي إذا شغل الإماء الهدف القنّ اهـ. التكملة.) ، ومِعْزَبَتُه، ورُبْضُه، ومُحَصِّنَتُه، وحاصِنَته، وحاضِنَتُه، وقابِلَتُه، ولـِحافُه: امرأَتُه.
وعَزَبَتْه تَعزُبه، وعَزَّبَتْه: قامت بأُموره. قال ثعلب: ولا تكون
الـمُعَزِّبةُ إِلاّ غريبةً؛ قال الأَزهري: ومُعَزِّبةُ الرجل: امرأَتُه
يَـأْوي إِليها، فتقوم بـإِصلاح طعامه، وحِفظِ أَداته. ويقال: ما لفلان مُعَزِّبة تُقَعِّدُه.
ويقال: ليس لفلان امرأَة تُعَزِّبه أَي تُذْهِبُ عُزُوبتَه بالنكاح؛ مثل
قولك: هي تُمَرِّضُه أَي تَقُوم عليه في مرضه. وفي نوادر الأَعراب:
فلانٌ يُعَزِّبُ فلاناً، ويُرْبِضُه، ويُرَبِّصُه: يكون له مثلَ الخازن.
وأَعْزَبَ عنه حِلْمُه، وعَزَبَ عنه يَعْزُبُ عُزوباً: ذهَب. وأَعْزَبَه
اللّهُ: أَذْهَبَه. وقوله تعالى: عالِمُ الغَيْبِ لا يَعْزُب عنه مِثْقالُ ذَرَّةٍ في السمواتِ ولا في الأَرض؛ معناه لا يَغِـيبُ عن عِلْمِه شيءٌ. وفيه لغتان: عَزَبَ يَعْزُب، ويَعْزِبُ إِذا غابَ؛ وأَنشد:
وأَعْزَبْتَ حِلْمِـي بعدما كان أَعْزَبا
جَعل أَعْزَبَ لازماً وواقعاً، ومثله أَمْلَقَ الرجلُ إِذا أَعْدَم،
وأَمْلَقَ مالَه الحوادثُ.
والعازِبُ من الكَلإِ: البعيدُ الـمَطْلَب؛ وأَنشد:
وعازِبٍ نَوَّرَ في خَلائِه
والـمُعْزِبُ: طالِبُ الكَلإِ.
وكَـلأٌ عازِبٌ: لم يُرْعَ قَطُّ، ولا وُطِـئَ. وأَعْزَبَ القومُ إِذا أَصابوا كَـلأً عازِباً.
وعَزَبَ عني فلانٌ، يَعْزُبُ ويَعْزِبُ عُزوباً: غابَ وبَعُدَ.
وقالوا: رجلٌ عَزَبٌ للَّذي يَعْزُبُ في الأَرضِ. وفي حديث أَبي ذَرّ: كُنتُ أَعْزُبُ عن الماءِ أَي أُبْعِدُ؛ وفي حديث عاتكة:
فهُنَّ هَواءٌ، والـحُلُومُ عَوازِبُ جمع عازب أَي إِنها خالية، بعيدةُ العُقُول. وفي حديث ابن الأَكْوَع، لما أَقامَ بالرَّبَذَةِ، قال له الحجاجُ: ارْتَدَدْتَ على عَقِـبَيْكَ تَعَزَّبْتَ. قال: لا، ولكن رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، أَذِنَ لي في البَدْوِ. وأَراد: بَعُدْتَ عن الجماعات والجُمُعاتِ بسُكْنى البادية؛ ويُروى بالراءِ. وفي الحديث: كما تَتراءَوْنَ الكَوْكَبَ العازِبَ في الأُفُق؛ هكذا جاءَ في رواية أَي البعيدَ، والمعروف الغارِب، بالغين المعجمة والراء، والغابر، بالباء الموحدة. وعَزَبَتِ الإِبلُ: أَبْعَدَتْ في الـمَرعَى لا تروح. وأَعْزَبَها صاحِـبُها، وعَزَّبَ إِبلَه، وأَعْزَبَها: بَيَّتها في الـمَرْعَى، ولم يُرِحْها. وفي حديث أَبي بكر: كان له غَنَمٌ، فأَمَرَ عامرَ بن فُهَيْرة أَن يَعْزُبَ بها أَي يُبْعدَ بها في الـمَرْعى. ويروى يُعَزّبَ، بالتشديد، أَي يَذْهَبَ بها إِلى عازبٍ من الكَلإِ. وتَعَزَّب هو: باتَ معها. وأَعْزَبَ القومُ، فهم مُعْزِبون أَي عَزَبَتْ إِبلُهم. وعَزَبَ الرجلُ بـإِبله إِذا رعاها بعيداً من الدار التي حَلَّ بها الـحَيُّ، لا يأْوي إِليهم؛ وهو مِعْزابٌ ومِعْزابة، وكلُّ مُنْفرد عَزَبٌ. وفي الحديث: أَنهم كانوا في سفر مع النبي، صلى اللّه عليه وسلم، فسَمِـعَ منادياً، فقال: انْظُروه تَجِدوه مُعْزِباً، أَو مُكْلِئاً؛ قال: هو الذي عَزَبَ عن أَهله في إِبله أَي غاب.
والعَزِيبُ: المالُ العازبُ عن الـحَيّ؛ قال الأَزهري: سمعته من العرب.
ومن أَمثالِـهِم: إِنما اشْتَرَيْتُ الغَنَمَ حِذارَ العازِبةِ؛ والعازبةُ الإِبلُ. قاله رجل كانت له إِبل فباعها، واشترى غنماً لئلا تَعْزِبَ عنه، فعَزَبَتْ غنمه، فعاتَبَ على عُزُوبها؛ يقال ذلك لمن تَرَفَّقَ أَهْوَنَ الأُمورِ مَؤونةً، فلَزِمَه فيه مشقةٌ لم يَحْتَسِـبْها. والعَزيبُ، من الإِبل والشاءِ: التي تَعْزُبُ عن أَهلها في الـمَرْعَى؛ قال:
وما أَهْلُ العَمُودِ لنَا بأَهْلٍ، * ولا النَّعَمُ العَزِيبُ لنا بمالِ
وفي حديث أُمِّ مَعْبدٍ: والشاءُ عازِبٌ حِـيَالٌ أَي بَعِـيدَةُ
الـمَرْعَى، لا تأْوي إِلى المنزل إِلاَّ في الليل. والـحِـيالُ: جمع حائل، وهي التي لم تَحْمِلْ. وإِبل عَزِيبٌ: لا تَرُوحُ على الـحَيِّ، وهو جمع عازب، مثل غازٍ وغَزِيٍّ.
وسَوَامٌ مُعَزَّبٌ، بالتشديد، إِذا عُزِّبَ به عن الدار، والـمِعْزابُ
من الرجال: الذي تَعَزَّبَ عن أَهلِه في ماله؛ قال أَبو ذؤَيب:
إِذا الـهَدَفُ الـمِعْزابُ صَوَّبَ رأْسَه، * وأَعْجَبه ضَفْوٌ من الثَّلَّةِ الخُطْلِ
وهِراوةُ الأَعْزاب: هِرَاوة الذين يُبْعِدُون بـإِبلهم
في الـمَرْعَى،
ويُشَبَّهُ بها الفَرَسُ. قال الأَزهري: وهِرَاوةُ الأَعْزَابِ فَرسٌ
كانت مشهورةً في الجاهلية، ذكرها لبيدٌ (1)
(1 قوله «ذكرها لبيد» أي في قوله:تهدي أوائلهن كل طمرّة
جرداء مثل هراوة الأعزاب) وغيره من قُدَماءِ الشعراء. وفي الحديث: من قَرَأَ القرآن في أَربعين ليلة، فقد عَزَّبَ أَي بَعُدَ عَهْدُه بما ابْتَدَأَ منه، وأَبْطَـأَ في تِلاوَتهِ.
وعَزَبَ يَعْزُبُ، فهو عازِبٌ: أَبْعَدَ. وعَزَبَ طُهْرُ المرأَةِ إِذا
غابَ عنها زوجها؛ قال النابغة الذُّبيانيّ:
شُعَبُ العِلافِـيَّاتِ بين فُروجِهِمْ، * والـمُحْصَنَاتُ عَوَازِبُ الأَطْهارِ
العِلافِـيَّاتُ: رِحال منسوبة إِلى عِلافٍ، رجل من قُضاعةَ كان
يَصْنَعُها. والفُروج: جمع فَرْج، وهو ما بين الرجلين. يريد أَنهم آثروا الغَزْوَ على أَطْهارِ نسائهم.
وعَزَبَتِ الأَرضُ إِذا لم يكن بها أَحدٌ، مُخْصِـبةً كانت، أَو مُجْدِبةً.
عتب: العَتَبَةُ: أُسْكُفَّةُ البابِ التي تُوطأُ؛ وقيل: العَتَبَةُ العُلْيا. والخَشَبَةُ التي فوق الأَعلى: الحاجِبُ؛ والأُسْكُفَّةُ: السُّفْلى؛ والعارِضَتانِ: العُضادَتانِ، والجمع: عَتَبٌ وعَتَباتٌ. والعَتَبُ:
الدَّرَج. وعَتَّبَ عَتَبةً: اتخذها. وعَتَبُ الدَّرَجِ: مَراقِـيها إِذا
كانت من خَشَب؛ وكلُّ مِرْقاةٍ منها عَتَبةٌ. وفي حديث ابن النَّحّام،
قال لكعب بن مُرَّةَ، وهو يُحدِّثُ بدَرَجاتِ الـمُجاهد. ما الدَّرَجةُ؟
فقال: أَما إِنَّها ليستْ كعَتَبةِ أُمـِّك أَي إِنها ليست بالدَّرَجة التي
تَعْرِفُها في بيتِ أُمـِّكَ؛ فقد رُوِيَ أَنَّ ما بين الدرجتين، كما بين السماء والأَرض.
وعَتَبُ الجبالِ والـحُزون: مَراقِـيها. وتقول: عَتِّبْ لي عَتَبةً في
هذا الموضع إِذا أَردت أَنْ تَرْقى به إلى موضع تَصعَدُ فيه.
والعَتَبانُ: عَرَجُ الرِّجْل.
وعَتَبَ الفحلُ يَعْتِبُ ويَعْتُبُ عَتْباً وعَتَباناً وتَعْتاباً: ظَلَع أَو عُقِلَ أَو عُقِرَ، فمشى على ثلاثِ قوائمَ، كأَنه يَقْفِزُ قَفْزاً؛ وكذلك الإِنسانُ إِذا وثَبَ برجل واحدة، ورفع الأُخرى؛ وكذلك الأَقْطَع إِذا مشى على خشبة، وهذا كله تشبيه، كأَنه يمشي على عَتَب دَرَج أَو
جَبَل أَو حَزْنٍ، فيَنْزُو من عَتَبةٍ إِلى أُخرى. وفي حديث الزهري في رجل أَنْعَلَ (1)
(1 قوله «في رجل أنعل الخ» تمامه كما بهامش النهاية إن كان ينعل فلا شيء عليه وإن كان ذلك الإنعال تكلفاً وليس من عمله ضمن.) دابةَ رجل فعَتِبَتْ أَي غَمَزَتْ؛ ويروى عَنِتَتْ، بالنون، وسيذكر في موضعه.
وعَتَبُ العُودِ: ما عليه أَطراف الأَوْتار من مُقَدَّمِه، عن ابن
الأَعرابي؛ وأَنشد قول الأَعشى:
وثَنَى الكَفَّ على ذِي عَتَبٍ، * صَحِلِ الصَّوْتِ بذي زِيرٍ أَبَحّ(2)
(2 قوله «صحل الصوت» كذا في المحكم والذي في التهذيب والتكملة يصل الصوت.)
العَتَبُ: الدَّسْتاناتُ. وقيل: العَتَبُ: العِـيدانُ المعروضة على وجْه
العُودِ، منها تمدُّ الأَوتار إِلى طرف العُودِ.
وعَتَبَ البرقُ عَتَباناً: بَرَق بَرْقاً وِلاءً.
وأُعْتِبَ العظمُ: أُعْنِتَ بعدَ الجَبْرِ، وهو التَّعْتابُ. وفي حديث
ابن المسيب: كلُّ عظمٍ كُسِر ثم جُبِرَ غير منقوصٍ ولا مُعْتَبٍ، فليس فيه إِلا إِعْطاءُ الـمُداوِي، فإِن جُبِـرَ وبه عَتَبٌ، فإِنه يُقَدَّر
عَتَبُهُ بقيمة أَهل البَصر. العَتَب، بالتحريك: النقصُ، وهو إِذا لم
يُحْسِنْ جَبْره، وبقي فيه ورَم لازم أَو عَرَجٌ. يقال في العظم المجبور:
أُعْتِبَ، فهو مُعْتَبٌ. وأَصلُ العَتَبِ: الشدَّة؛ وحُمِلَ على عَتَبٍ من
الشَّرِّ وعَتَبةٍ أَي شدَّة؛ يقال: حُمِلَ فلانٌ على عَتَبةٍ كريهةٍ، وعلى
عَتَبٍ كريهٍ من البلاءِ والشرِّ؛ قال الشاعر:
يُعْلى على العَتَبِ الكَريهِ ويُوبَسُ
ويقال: ما في هذا الأَمر رَتَبٌ، ولا عَتَبٌ أَي شِدَّة. وفي حديث
عائشة، رضي اللّه تعالى عنها: إِنَّ عَتَبات الموتِ تأْخُذُها، أَي شدائدَه.
والعَتَبُ: ما دَخَلَ في الأَمر منَ الفَساد؛ قال:
فما في حُسْنِ طاعَتِنا، * ولا في سَمْعِنا عَتَبُ
وقال:
أَعْدَدْتُ، للـحَرْبِ، صارِماً ذكَراً * مُجَرَّبَ الوَقْعِ، غير ذِي عَتَبِ
أَي غيرَ ذِي التِواءٍ عند الضَّريبة، ولا نَبْوة. ويقال: ما في طاعةِ
فلان عَتَبٌ أَي التِواءٌ ولا نَبْوةٌ؛ وما في مَوَدَّته عَتَبٌ إِذا كانت
خالصة، لا يَشُوبها فسادٌ؛ وقال ابن السكيت في قول علقمة:
لا في شَظاها ولا أَرْساغِها عَتَبُ(1)
(1 قوله «لا في شظاها الخ» عجزه كما في التكملة:
ولا السنابك أفناهن تقليم
ويروى عنت، بالنون والمثناة الفوقية)
أَي عَيْبٌ، وهو من قولك: لا يُتَعَتَّبُ عليه في شيءٍ.
والتَّعَتُّبُ: التَّجَنِّي؛ تَعَتَّبَ عليه، وتَجَنَّى عليه، بمعنى واحدٍ؛ وتَعَتَّبَ عليه أَي وَجَدَ عليه.
والعَتْبُ: الـمَوْجِدَةُ. عَتَبَ عليه يَعْتِبُ ويَعْتُبُ عَتْباً وعِتاباً ومَعْتِـبَة ومَعْتَبَةً ومَعْتَباً أَي وجد عليه. قال الغَطَمَّشُ الضَّـبِّـيُّ، وهو من بني شُقْرة بنِ كعب بن ثَعْلبة بن ضَبَّة، والغَطَمَّشُ الظالِمُ الجائر:
أَقُولُ، وقد فَاضَتْ بعَيْنِـيَ عَبْرةٌ: * أَرَى الدَّهْرَ يَبْقَى، والأَخِلاَّءُ تَذْهَبُ
أَخِلاَّيَ! لو غَيْرُ الـحِمام أَصابَكُمْ، * عَتَبْتُ، ولكنْ ليسَ للدَّهْرِ مَعْتَبُ
وقَصَرَ أَخِلاَّيَ ضرورةً، ليُثْبِتَ باءَ الإِضافة، والرواية الصحيحة: أَخِلاَّءَ، بالمد، وحذف ياء الإِضافة، وموضع أَخِلاَّءَ نصبٌ بالقول، لأَن قوله أَرى الدهر يبقى، متصلٌ بقوله أَقول وقد فاضت؛ تقديره أقول وقد بَكَيْتُ، وأَرى الدهرَ باقياً، والأَخِلاَّءَ ذاهبين، وقوله عَتَبْتُ أَي سَخِطْتُ، أَي لو أُصبْتُمْ في حَرْب لأَدْركنا بثأْركم وانتصرنا، ولكن الدهرَ لا يُنْتَصَرُ منه. وعاتَبهُ مُعاتَبَـةً وعِتاباً: كلُّ ذلك لامه؛ قال الشاعر:
أُعاتِبُ ذا الـمَودَّةِ من صَديقٍ، * إِذا ما رَابَني منه اجْتِنابُ
إِذا ذَهَبَ العِتابُ، فليس وُدٌّ، * ويَبْقَى الوُدُّ ما بَقِـيَ العِتابُ
ويقال: ما وَجَدْتُ في قوله عُـِتْباناً؛ وذلك إِذا ذكر أَنه أَعْتَبَكَ،
ولم تَرَ لذلك بَياناً. وقال بعضهم: ما وَجَدْتُ عنده عَتْباً ولا
عِتاباً؛ بهذا المعنى. قال الأَزهري: لم أَسمع العَتْبَ والعُتْبانَ والعِتاب بمعنى الإِعْتابِ، إِنما العَتْبُ والعُتْبانُ لومُك الرجلَ على إِساءة كانت له إِليك، فاسْتَعْتَبْتَه منها. وكلُّ واحد من اللفظين يَخْلُصُ للعاتِب، فإِذا اشتركا في ذلك، وذَكَّرَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه ما فَرَطَ منه إِليه من الإِساءة، فهو العِتابُ والـمُعاتَبة.
فأَمـَّا الإِعْتابُ والعُتْبَـى: فهو رُجوعُ الـمَعْتُوب عليه إِلى ما
يُرْضِـي العاتِبَ.
والاسْتِعْتابُ: طَلَبُك إِلى الـمُسِـيءِ الرُّجُوعَ عن إِساءَته.
والتَّعَتُّبُ والتَّعاتُبُ والـمُعاتَبَةُ: تواصف الموجِدَة. قال الأَزهري: التَّعَتُّبُ والـمُعاتَبَةُ والعِتابُ: كل ذلك مُخاطَبَةُ الإِدْلالِ وكلامُ الـمُدِلِّينَ أَخِلاَّءَهم، طالبين حُسْنَ مُراجعتهم، ومذاكرة بعضِهم بعضاً ما كَرِهُوه مما كسبَهم الـمَوْجِدَةَ.
وفي الحديث: كان يقول لأَحَدِنا عند الـمَعْتِـبَة: ما لَهُ تَرِبَتْ
يمينُه؟ رويت المعْتَبَة، بالفتح والكسر، من الـمَوْجِدَة.
والعِتْبُ: الرجلُ الذي يُعاتِبُ صاحِـبَه أَو صديقَه في كل شيءٍ،
إِشفاقاً عليه ونصيحة له.
والعَتُوبُ: الذي لا يَعْمَلُ فيه العِتابُ.
ويقال: فلانٌ يَسْتَعْتِبُ من نَفْسه، ويَسْتَقِـيلُ من نفسه، ويَسْتَدْرِك من نفسه إِذا أَدْرَكَ بنفسه تَغْييراً عليها بحُسْن تقدير وتدبير. والأُعْتُوبةُ: ما تُعُوتِبَ به، وبينهم أُعْتُوبة يَتَعاتَبُون بها.ويقال إِذا تَعاتَبُوا أَصْلَحَ ما بينهم العتابُ.
والعُتْبَـى: الرِّضا.
وأَعْتَبَه: أَعْطاه العُتْبَـى ورَجَع إِلى مَسَرَّته؛ قال ساعدةُ بن جُؤَيَّةَ:
شابَ الغُرابُ، ولا فُؤادُك تارِكٌ * ذِكْرَ الغَضُوبِ، ولا عِتابُك يُعْتَبُ
أَي لا يُسْتَقْبَلُ بعُتْبَـى. وتقول: قد أَعْتَبني فلانٌ أَي تَرَكَ ما كنتُ أَجد عليه من أَجلِه، ورَجَع إِلى ما أَرْضاني عنه، بعد إِسْخاطِه
إِيَّايَ عليه. وروي عن أَبي الدرداءِ أَنه قال: مُعاتَبة الأَخِ خيرٌ
من فَقْدِه. قال: فإِن اسْتُعْتِبَ الأَخُ، فلم يُعْتِبْ، فإِنَّ مَثَلَهم فيه، كقولهم: لك العُتْبَـى بأَنْ لا رَضِـيتَ؛ قال الجوهري: هذا إِذا
لم تُرِدِ الإِعْتابَ؛ قال: وهذا فِعْلٌ مُحَوَّلٌ عن موضعه، لأَن أَصْلَ
العُتْبَـى رجوعُ الـمُسْتَعتِبِ إِلى مَحبَّةِ صاحبه، وهذا على ضدِّه.
تقول: أُعْتِـبُكَ بخلاف رِضاكَ؛ ومنه قول بِشْر بن أَبي خازمٍ:
غَضِـبَتْ تَميمٌ أَنْ تَقَتَّلَ عامِرٌ، * يومَ النِّسارِ، فأُعْتِـبُوا بالصَّيْلَمِ
أَي أَعْتَبْناهم بالسَّيْف، يعني أَرْضَيْناهم بالقَتْل؛ وقال شاعر:
فَدَعِ العِتابَ، فَرُبَّ شَرٍّ * هاجَ، أَوَّلهُ، العِتاب
والعُتْبَـى: اسم على فُعْلى، يوضع موضع الإِعْتاب، وهو الرجوعُ عن الإِساءة إِلى ما يُرْضِـي العاتِبَ.
وفي الحديث: لا يُعاتَبُونَ في أَنفسهم، يعني لعِظَمِ ذُنُوبهم
وإِصْرارِهم عليها، وإِنما يُعاتَبُ من تُرْجَى عنده العُتْبَـى أَي الرُّجوعُ عن الذنب والإِساءة. وفي المثل: ما مُسِـيءٌ من أَعْتَبَ.
وفي الحديث: عاتِـبُوا الخَيْلَ فإِنها تُعْتِبُ؛ أَي أَدِّبُوها ورَوِّضُوها للـحَرْبِ والرُّكُوبِ، فإِنها تَتَـأَدَّبُ وتَقْبَلُ العِتابَ.واسْتَعْتَبَه: كأَعْتَبه. واسْتَعْتَبه: طَلب إِليه العُتْبَـى؛ تقول: اسْتَعْتَبْتُه فأَعْتَبَنِـي أَي اسْتَرْضَيْته فأَرْضاني.
واسْتَعْتَبْتُه فما أَعْتَبَني، كقولك: اسْتَقَلْته فما أَقالَني.
والاستِعتابُ: الاستِقالة.
واسْتَعْتَب فلانٌ إِذا طَلب أَن يُعْتَبَ أَي يُرْضَى والـمُعْتَبُ:
الـمُرْضَى. وفي الحديث: لا يَتَمَنَّيَن أَحدُكم الموتَ، إِما مُحْسِناً
فلَعَلَّه يَزْداد، وإِمّا مُسِـيئاً فلعله يَسْتَعْتِبُ؛ أَي يرْجِـعُ عن الإِساءة ويَطْلُبُ الرضا. ومنه الحديث: ولا بَعْدَ الموْتِ من مُسْتَعْتَبٍ؛ أَي ليس بعد الموت من اسْتِرْضاءٍ، لأَن الأَعمال بَطَلَتْ، وانْقَضَى زَمانُها، وما بعد الموْت دارُ جزاءٍ لا دارُ عَمَلٍ؛ وقول أَبي الأَسْود:
فأَلْفَيْتُه غيرَ مُسْتَعْتِبٍ، * ولا ذَاكِرَ اللّهِ إِلا قليلا
يكون من الوجهين جميعاً. وقال الزجاج قال الحسن في قوله تعالى: وهو الذي جعلَ الليل والنهارَ خِلْفَةً لمن أَراد أَن يَذَّكَّر أَو أَرادَ شُكوراً؛ قال: من فاتَهُ عَمَلُه من الذِّكْر والشُّكْر بالنهار كان له
في الليل مُسْتَعْتَبٌ، ومن فاته بالليل كان له في النهار مُسْتَعْتَبٌ. قال: أُراه يَعْنِـي وقتَ اسْتِعْتابٍ أَي وقتَ طَلَبِ عُتْبـى، كأَنه أَراد وقت اسْتِغفار. وفي التنزيل العزيز: وإِن يُسْتَعْتبُوا فما هم من
الـمُعْتِـبِين؛ معناه: إِن أَقالَهُم اللّهُ تعالى، وردَّهم إِلى الدنيا لم
يُعْتِـبُوا؛ يقول: لم يَعْمَلُوا بطاعةِ اللّهِ لِـما سَبَقَ لهم في عِلْمِ اللّهِ من الشَّقاءِ. وهو قوله تعالى: ولو رُدُّوا لَعادُوا لِـما نُهوا عنه وإِنَّهم لكاذبون؛ ومن قرأَ: وإِن يَسْتَعْتِـبُوا فما هم من الـمُعْتَبِـين؛ فمعناه: إِن يَسْتَقِـيلُوا ربهم لم يُقِلْهم. قال الفراءُ: اعْتَتَبَ فلانٌ إِذا رَجعَ عن أَمر كان فيه إِلى غيره؛ من قولهم: لك العُتْبَى أَي الرجوعُ مما تَكْرَهُ إِلى ما تُحِبُّ.
والاعْتِتابُ: الانْصِرافُ عن الشيءِ. واعْتَتَبَ عن الشيءِ: انْصَرَف؛ قال الكميت:
فاعْتَتَبَ الشَّوْقُ عن فُؤَادِيَ، والـ * ـشِّعْرُ إِلى مَنْ إِليه مُعْتَتَبُ
واعْتَتَبْتُ الطريقَ إِذا تركتَ سَهْلَهُ وأَخَذْتَ في وَعْرِه.
واعْتَتَبَ أَي قَصَدَ؛ قال الـحُطَيْئةُ:
إِذا مَخارِمُ أَحْناءٍ عَرَضْنَ له، * لم يَنْبُ عنها وخافَ الجَوْرَ فاعتَتَبا
معناه: اعْتَتَبَ من الجبل أَي رَكِـبَهُ ولم يَنْبُ عنه؛ يقول: لم
يَنْبُ عنها ولم يَخَفِ الجَوْرَ. ويقال للرجل إِذا مَضَى ساعةً ثم رَجَع: قد اعْتَتَبَ في طريقه اعْتِتاباً، كأَنه عَرَضَ عَتَبٌ فتَراجَعَ.
وعَتيبٌ: قبيلة. وفي أَمثال العرب: أَوْدَى كما أَوْدَى عَتِـيبٌ؛ عَتِـيبٌ: أَبو حيٍّ من اليمن، وهو عَتِـيبُ بنُ أَسْلَمَ بن مالك بن شَنُوءة بن تَديلَ، وهم حَيٌّ كانوا في دِينِ مالكٍ، أَغارَ عليهم بعضُ الملوكِ فَسَبَـى الرجالَ وأَسَرَهم واسْتَعْبَدَهُم، فكانوا يقولون: إِذا كَبِرَ صِـبيانُنا لم يتركونا حتى يَفْتَكُّونا، فما زالوا كذلك حتى هلكوا، فضَرَبَتْ بهم العربُ مثلاً لمن ماتَ وهو مغلوب، وقالت: أَوْدَى عَتيبٌ؛ ومنه قول عَدِيّ بن زيد:
تُرَجِّيها، وقد وَقَعَت بقُرٍّ، * كما تَرْجو أَصاغِرَها عَتِـيبُ
ابن الأَعرابي: الثُّبْنة ما عَتَّبْتَه من قُدَّام السراويل. وفي حديث
سَلْمان: أَنه عَتَّبَ سراويلَه فتَشَمَّرَ. قال ابن الأَثير: التَّعْتِـيبُ أَن تُجْمَعَ الـحُجْزَةُ وتُطْوى من قُدَّام.
وعَتَّبَ الرجلُ: أَبْطَـأَ؛ قال ابن سيده: وَأُرى الباءَ بدلاً من ميم
عَتَّمَ.
والعَتَبُ: ما بين السَّـبَّابة والوُسْطَى؛ وقيل: ما بين الوسطى
والبِنْصَر. والعِتْبانُ: الذكر من الضِّباع، عن كراع. وأُمُّ عِتْبانٍ وأُمُّ عَتَّابٍ: كلتاهما الضَّبُعُ، وقيل: إِنما سميت بذلك لعَرَجها؛ قال ابن سيده: ولا أَحُقُّه.
وعَتَبَ من مكانٍ إِلى مكانٍ، ومن قولٍ إِلى قولٍ إِذا اجتاز من موضع إِلى موضع، والفعل عَتَبَ يَعْتِبُ. وعَتَبَةُ الوادي: جانبه الأَقصى الذي يَلي الجَبَلَ. والعَتَبُ: ما بين الجبلين. والعربُ تَكْنِـي عن المرأَة(1)
(1 قوله «والعرب تكني عن المرأة الخ» نقل هذه العبارة الصاغاني وزاد عليها الريحانة والقوصرة والشاة والنعجة.) بالعَتَبةِ، والنَّعْلِ، والقارورة، والبيت، والدُّمْيةِ، والغُلِّ، والقَيْدِ.
وعَتِـيبٌ: قبيلة.
وعَتَّابٌ وعِتْبانٌ ومُعَتِّبٌ وعُتْبة وعُتَيْبةُ: كلُّها أَسماءٌ.
وعُتَيْبَةُ وعَتَّابةُ: من أَسماءِ النساءِ.
والعِتابُ: ماءٌ لبني أَسدٍ في طريق المدينة؛ قال الأَفوه:
فأَبْلِـغْ، بالجنابةِ، جَمْعَ قَوْمِـي، * ومَنْ حَلَّ الـهِضابَ على العِتابِ
أيا: إيَّا من علامات المضمر، تقول: إيَّاك وإيَّاهُ وإيَّاكَ أَنْ
تَفْعَل ذلك وهِيَّاكَ، الهاء على البدل مثل أَراقَ وهَراقَ؛ وأَنشد
الأَخفش:فهيّاكَ والأَمْرَ الذي إنْ تَوسَّعَتْ
مَوارِدُه، ضاقَتْ عَلَيْكَ مَصادِرُهْ
وفي المُحكم: ضاقَتْ عليكَ المَصادِرُ؛ وقال آخر:
يا خالِ، هَلاَّ قُلْتَ، إذْ أَعْطَيْتَني،
هِيَّاكَ هِيَّاكَ وحَنْواءَ العُنُقْ
وتقول: إيَّاكَ وأَنْ تَفْعَلَ كذا، ولا تقل إِيَّاك أَنْ تَفْعَل بلا
واو؛ قال ابن بري: الممتنع عند النحويين إِياكَ الأَسَدَ، ولا بُدَّ فيه
من الواو ، فأَمَّا إِيَّاك أَن تَفْعل فجائز على أَن تجعله مفعولاً من
أَجله أَي مَخافةَ أَنْ تَفْعَل. الجوهري: إِيَّا اسم مبهم ويَتَّصِلُ
به جميع المضمرات المتصلة التي للنصب، تقول إِيَّاكَ وإِيَّايَ وإيَّاه
وإَيَّانا، وجعلت الكاف والهاء والياء والنون بياناً عن المقصود ليُعْلَم
المخاطَب من الغائب، ولا موضع لها من الإِعراب، فهي كالكاف في ذلك
وأَرَأَيْتَكَ، وكالأَلف والنون التي في أَنت فتكون إِيَّا الاسم وما بعدها
للخطاب، وقد صار كالشيء الواحد لأَن الأَسماء المبهمة وسائر المَكْنِيَّات
لا تُضافُ لأَنها مَعارفُ؛ وقال بعض النحويين: إنَّ إِيَّا مُضاف إِلى ما
بعده، واستدل على ذلك بقولهم إِذا بَلَغَ الرجل السِّتِّينَ فإِياهُ
وإِيَّا الشَّوابِّ، فأَضافوها إلى الشَّوابِّ وخَفَضُوها؛ وقال ابن كيسان:
الكاف والهاء والياء والنون هي الأَسماء ، وإِيَّا عِمادٌ لها، لأَنها لا
تَقُومُ بأَنْفُسها كالكاف والهاء والياء في التأْخير في يَضْرِبُكَ
ويَضْرِبُه ويَضْرِبُني، فلما قُدِّمت الكاف والهاء والياء عُمِدَتْ بإيَّا،
فصار كله كالشيء الواحد، ولك أَن تقول ضَرَبْتُ إِيَّايَ لأَنه يصح أَن
تقول ضَرَبْتُني، ولا يجوز أَن تقول ضَرَبْتُ إِيَّاك، لأَنك إنما تحتاجُ
إلى إِيَّاكَ إذا لم يُمكِنْكَ اللفظ بالكاف، فإِذا وصَلْتَ إلى الكاف
ترَكْتَها ؛ قال ابن بري عند قول الجوهري ولك أَن تقول ضَرَبْتُ إِيايَ
لأَنه يصح أَن تقول ضَرَبْتُني ولا يجوز أَن تقول ضَرَبْتُ إِيَّاكَ، قال:
صوابه أَن يقول ضَرَبْتُ إِيَّايَ، لأَنه لا يجوز أَن تقول ضَرَبْتُني،
ويجوز أَن تقول ضَرَبْتُكَ إِيَّاكَ لأَن الكاف اعْتُمِدَ بها على الفِعل،
فإذا أَعَدْتَها احْتَجْتَ إلى إِيَّا؛ وأَما قولُ ذي الإِصْبَعِ
العَدْواني:
كأَنَّا يومَ قُرَّى إِنْـ
ـنَما نَقْتُلُ إِيَّانا
قَتَلْنا منهُم كُلَّ
فَتًى أَبْيَضَ حُسَّانا
فإِنه إنما فَصلَها من الفعل لأَن العرب لا تُوقع فِعْلَ الفاعل على
نفسه بإيصال الكناية، لا تقول قَتَلْتُني، إنما تقول قَتَلْتُ نفسِي، كما
تقول ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لي، ولم تقل ظَلَمْتُني ، فأَجْرى إِيَّانا
مُجْرَى أَنْفُسِنا، وقد تكون للتحذير، تقول: إِيَّاك والأَسدَ، وهو بدل من
فعل كأَنك قُلْتَ باعِدْ، قال ابن حَرِّى: وروينا عن قطرب أَن بعضهم
يقول أَيَّاك ، بفتح الهمزة، ثم يبدل الهاء منها مفتوحة أَيضاً، فيقول
هَيَّاكَ، واختلف النحويون في إِيَّاكَ، فذهب الخليل إلى أَنَّ إِيَّا اسم
مضمر مضاف إلى الكاف، وحكي عن المازني مثل قول الخليل؛ قال أَبو عليّ: وحكى
أَبو بكر عن أَبي العباس عن أَبي الحسن الأَخفش وأَبو إسحق عن أَبي
العباس عن منسوب إلى الأَخفش أَنه اسم مفرد مُضْمر، يتغير آخره كما يتغير آخر
المُضْمَرات لاختلاف أَعداد المُضْمَرِينَ، وأَنَّ الكاف في إِيَّاكَ
كالتي في ذَلِكَ في أَنه دلالةٌ على الخطاب فقط مَجَرَّدَةٌ من كَوْنِها
عَلامةَ الضمير، ولا يُجيزُ الأَخفش فيما حكي عنه إِيَّاكَ وإِيّا زَيْدٍ
وإِيَّايَ وإِيَّا الباطِل، قال سيبويه: حدّثني من لا أَتَّهِمُ عن الخليل
أَنه سمع أَعرابيّاً يقول إذا بلَغ الرجل السِّتِّينَ فإِيَّاه وإِيَّا
الشَّوابِّ، وحكى سيبويه أَيضاً عن الخليل أَنه قال: لو أَن قائلاً قال
إِيَّاك نَفْسِك لم أُعنفه لأَن هذه الكلمة مجرورة، وحكى ابن كيسان قال :
قال بعض النحويين إِيَّاكَ بكمالها اسم، قال: وقال بعضهم الياء والكاف
والهاء هي أَسماء وإِيَّا عِمادٌ لها لأَنها لا تَقُوم بأَنفسها، قال: وقال
بعضهم إِيَّا ايم مُبْهَم يُكْنَى به عن المنصوب ، وجُعِلَت الكاف
والهاء والياء بياناً عن المقصود لِيُعْلَم المُخاطَبُ من الغائب، ولا موضع
لها من الإِعراب كالكاف في ذلك وأَرَأَيْتَك، وهذا هو مذهب أَبي الحسن
الأَخفش ؛ قال أَبو منصور: قوله اسم مُبهم يُكْنى به عن المنصوب يدل على أَنه
لا اشتاق له؛ وقال أَبو إسحق الزَّجاجُ: الكافُ في إِيَّاكَ في موضع جرّ
بإضافة إِيَّا إليها، إلا أَنه ظاهر يُضاف إلى سائر المُضْمَرات، ولو
قلت إِيَّا زَيدٍ حدَّثت لكان قبيحاً لأَنه خُصَّ بالمُضْمَر، وحكى ما رواه
الخليل من إِيَّاهُ وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قال ابن جني: وتأَملنا هذه
الأَقوال على اختلافها والاعْتِلالَ لكل قول منها فلم نجِد فيها ما يصح مع
الفحص والتنقير غَيرَ قَوْلِ أَبي الحسن الأَخفش، أَما قول الخليل إِنَّ
إيّا اسم مضمر مضاف فظاهر الفساد، وذلك أَنه إِذا ثبت أَنه مضمر لم تجز
إِضافته على وجه من الوجوه، لأَن الغَرَض في الإِضافة إِنما هو التعريف
والتخصيص والمضمر على نهاية الاختصاص فلا حاجة به إلى الإِضافة ، وأَمَّا قول
من قال إنَّ إِيَّاك بكمالها اسم فليس بقويّ، وذلك أَنَّ إيّاك في أَن
فتحة الكاف تفيد الخطاب المذكر، وكسرة الكاف تفيد الخطاب المؤنث، بمنزلة
أَنت في أَنَّ الاسم هو الهمزة، والنون والتاء المفتوحة تفيد الخطاب
المذكر، والتاء المكسورة تفيد الخطاب المؤنث، فكما أَن ما قبل التاء في أَنت
هو الاسم والتاء هو الخطاب فكذا إيّا اسم والكاف بعدها حرف خطاب، وأَمّا
مَن قال إن الكاف والهاء والياء في إِيَّاكَ وإِيّاه وإِيَّايَ هي
الأَسماء، وإِنَّ إِيَّا إنما عُمِدَت بها هذه الأَسماء لقلتها، فغير مَرْضِيّ
أَيضاً، وذلك أَنَّ إِيَّا في أَنها ضمير منفصل بمنزلة أَنا وأَنت ونحن
وهو وهي في أَن هذه مضمرات منفصلة ، فكما أَنَّ أَنا وأَنت ونحوهما تخالف
لفظ المرفوع المتصل نحو التاء في قمت والنون والأَلف في قمنا والأَلف في
قاما والواو في قامُوا، بل هي أَلفاظ أُخر غير أَلفاظ الضمير المتصل، وليس
شيء منها معموداً له غَيْرُه، وكما أَنَّ التاء في أَنتَ، وإن كانت بلفظ
التاء في قمتَ، وليست اسماً مثلها بل الاسم قبلها هو أَن والتاء بعده
للمخاطب وليست أَنْ عِماداً للتاء، فكذلك إيّا هي الاسم وما بعدها يفيد
الخطاب تارة والغيبة تارة أُخرى والتكلم أُخرى، وهو حرف خطاب كما أَن التاء
في أَنت حرف غير معمود بالهمزة والنون من قبلها، بل ما قبلها هو الاسم
وهي حرف خطاب، فكذلك ما قبل الكاف في إِيَّاكَ اسم والكاف حرف خطاب ، فهذا
هو محض القياس، وأَما قول أَبي إسحق: إِنَّ إيّا اسم مظهر خص بالإِضافة
إلى المضمر، ففاسد أَيضاً، وليس إيّا بمظهر، كما زعم والدليل على أَنَّ
إيّا ليس باسم مظهر اقتصارهم به على ضَرْبٍ واحد من الإِعراب وهو النصب؛
قال ابن سيده: ولم نعلم اسماً مُظْهَراً اقْتُصِرَ به على النَّصْب البتة
إِلاَّ ما اقْتُصِرَ به من الأَسماء على الظَّرْفِيَّة، وذلك نحو ذاتَ
مَرَّةٍ وبُعَيْداتِ بَيْنٍ وذا صَباحٍ وما جَرى مَجْراهُنَّ، وشيئاً من
المصادر نحو سُبْحانَ اللهِ ومَعاذَ اللهِ ولَبَّيْكَ، وليس إيّا ظرفاً ولا
مصدراً فيُلحق بهذه الأَسماء، فقد صح إذاً بهذا الإِيراد سُقُوطُ هذه
الأَقوالِ، ولم يَبْقَ هنا قول يجب اعتقاده ويلزم الدخول تحته إلا قول أَبي
الحسن من أَنَّ إِيَّا اسم مضمر، وأَن الكاف بعده ليست باسم، وإنما هي
للخطاب بمنزلة كاف ذلك وأَرَأَيْتَك وأَبْصِرْكَ زيداً ولَيْسَكَ عَمْراً
والنَّجاك. قال ابن جني:وسئل أَبو إسحق عن معنى قوله عز وجل: إِيَّاكَ
نَعْبُد، ما تأْويله؟ فقال: تأْويله حَقيقَتَكَ نَعْبُد، قال: واشتقاقه من
الآيةِ التي هي العَلامةُ؛ قال ابن جني: وهذا القول من أَبي إِسحق غير
مَرْضِيّ، وذلك أَنَّ جميع الأَسماء المضمرة مبني غير مشتق نحو أَنا وهِيَ
وهُوَ، وقد قامت الدلالة على كونه اسماً مضمراً فيجب أَن لا يكون
مشتقّاً. وقال الليث: إِيَّا تُجعل مكان اسم منصوب كقولك ضَرَبْتُكَ، فالكاف اسم
المضروب ، فإِذا أَردت تقديم اسمه فقلت إِيَّاك ضَرَبْت، فتكون إيّا
عِماداً للكاف لأَنها لا تُفْرَد من الفِعْل، ولا تكون إيّا في موضع الرَّفع
ولا الجرّ مع كاف ولا ياء ولا هاء، ولكن يقول المُحَذِّر إِيّاكَ
وزَيْداً، ومنهم من يَجعل التحذير وغير التحذير مكسوراً، ومنهم من ينصب في
التحذير ويكسر ما سوى ذلك للتفرقة. قال أَبو إِسحق: مَوْضِع إِيَّاكَ في قوله
إِيَّاكَ نَعْبُد نَصْبٌ بوقوع الفعل عليه، وموضِعُ الكاف في إيَّاكَ
خفض بإضافة إِيّا إليها؛ قال وإِيَّا اسم للمضمر المنصوب، إِلا أَنه ظاهر
يضاف إلى سائر المضمرات نحو قولك إِيَّاك ضَرَبْت وإِيَّاه ضَرَبْت
وإِيَّايَ حدَّثت، والذي رواه الخليل عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإِيَّاه
وإِيَّا الشَّوابِّ، قال: ومن قال إنَّ إيّاك بكماله الاسم، قيل له: لم نر
اسماً للمضمر ولا للمُظْهر، إِنما يتغير آخره ويبقى ما قبل آخره على لفظ
واحد، قال: والدليل على إضافته قول العرب فإيّاه وإيّا الشوابِّ يا هذا،
وإجراؤهم الهاء في إِيّاه مُجراها في عَصاه، قال الفراء: والعرب تقول
هِيَّاك وزَيْداً إذا نَهَوْكَ، قال: ولا يقولون هِيَّاكَ ضَرَبْت. وقال
المبرد: إِيَّاه لا تستعمل في المضمر المتصل إِنما تستعمل في المنفصل،
كقولك ضَرَبْتُك لا يجوز أَن يقال ضَرَبْت إِياك، وكذلك ضَرَبْتهم
(* قوله
«وكذلك ضربتهم إلى قوله قال وأما إلخ» كذا بالأصل.) لا يجوز أَن تقول
ضَرَبْت إياك وزَيْداً أَي وضَرَبْتُك، قال: وأَما التحذير إذا قال الرجل
للرجل إِيَّاكَ ورُكُوبَ الفاحِشةِ ففِيه إضْمارُ الفعل كأَنه يقول إِيَّاكَ
أُحَذِّرُ رُكُوبَ الفاحِشةِ. وقال ابن كَيْسانَ: إذا قلت إياك وزيداً
فأَنت مُحَذِّرٌ مَن تُخاطِبهُ مِن زَيد، والفعل الناصب لهما لا يظهر،
والمعنى أُحَذِّرُكَ زَيْداً كأَنه قال أُحَذِّرُ إِيَّاكَ وزَيْداً،
فإيَّاكَ مُحَذَّر كأَنه قال باعِدْ نَفْسَك عن زيد وباعِدْ زَيْداً عنك، فقد
صار الفعل عاملاً في المُحَذَّرِ والمُحَذَّرِ منه، قال: وهذه المسأَلة
تبين لك هذا المعنى، تقول: نفسَك وزَيداً، ورأْسَكَ والسَّيْفَ أَي اتَّقِ
رَأْسَك أَن يُصِيبه السَّيْفُ واتَّقِ السَّيْفَ أَن يُصِيبَ رَأْسَك،
فرأْسُه مُتَّقٍ لئلا يُصِيبَه السيفُ، والسَّيْف مُتَّقًى، ولذلك جمعهما
الفِعْل؛ وقال:
فإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِراءَ، فإِنَّه
إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ، وللشَّرِّ جالِبُ
يريد: إِيَّاكَ والمِراء، فحذف الواو لأَنه بتأْويل إِيَّاكَ وأَنْ
تُمارِيَ، فاستحسن حذفها مع المِراء. وفي حديث عَطاء: كان مُعاويةُ، رضي الله
عنه، إذا رَفَع رأْسَه من السَّجْدةِ الأَخِيرةِ كانَتْ إِيَّاها؛ اسم
كان ضمير السجدة، وإِيَّاها الخبر أَي كانت هِيَ هِيَ أَي كان يَرْفَع
منها ويَنْهَضُ قائماً إلى الركعة الأُخرى من غير أَن يَقْعُد قَعْدةَ
الاسْتِراحة. وفي حديث عمر بن عبد العزيز: إيايَ وكذا أَي نَحِّ عنِّي كذا
ونَحِّني عنه . قال: إِيّا اسم مبني، وهو ضمير المنصوب، والضمائر التي تُضاف
إليها من الهاء والكاف والياء لا مَواضِعَ لها من الإعراب في القول
القويّ؛ قال: وقد تكون إيَّا بمعنى التحذير. وأَيايا: زَجْرٌ؛ وقال ذو
الرمة:إذا قال حادِيِهِمْ: أَيايا، اتَّقَيْتُه
بِمِثْل الذُّرَا مُطْلَنْفِئاتِ العَرائِكِ
قال ابن بري: والمشهور في البيت :
إذا قال حاديِنا: أَيا ، عَجَسَتْ بِنا
خِفَافُ الخُطى مُطْلَنْفِئاتُ العَرائكِ
وإياةُ الشمسِ ، بكسر الهمزة: ضَوْءُها، وقد تفتح؛ وقال طَرَفةُ:
سَقَتْه إِياةُ الشمْسِ إِلا لِثاتِه
أُسِفَّ، ولم تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإِثْمِدِ
فإن أَسقطت الهاء مَدَدْت وفتحت؛ وأَنشد ابن بري لمَعْنِ بن أَوْسٍ:
رَفَّعْنَ رَقْماً علَى أَيْلِيَّةٍ جُدُدٍ،
لاقَى أَيَاها أَياءَ الشَّمْسِ فَأْتَلَقا
ويقال: الأَياةُ لِلشَّمْس كالهالةِ للقمر، وهي الدارة حولها.
أيا: أَيّ: حرف استفهام عما يعقل وما لا يعقل، وقوله:
وأَسماء، ما أَسْماءُ ليلةَ أَدْلَجَتْ
إِليَّ، وأَصْحابي بأَيَّ وأَيْنَما
فإِنه جعل أَيّ اسماً للجهة، فلما اجتمع فيه التعريف والتأْنيث منعه
الصرف، وأَما أَينما فهو مذكور في موضعه؛ وقال الفرزدق:
تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما
عَليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ
إِنما أَراد أَيُّهما، فاضطر فحذف كما حذف الآخر في قوله:
بَكى، بعَيْنَيك، واكفُ القَطْرِ
ابنَ الحَواري العاليَ الذِّكْرِ
إِنما أَراد: ابن الحواريّ، فحذف الأَخيرة من ياءي النسب اضطراراً.
وقالوا: لأَضربن أَيُّهم أَفضلُ؛ أَيّ مبنية عند سيبويه، فلذلك لم يعمل فيها
الفعلُ، قال سيبويه: وسأَلت الخليل عن أَيِّي وأَيُّك كان شرّاً فأَخزاه
الله فقال: هذا كقولك أَخزى الله الكاذبَ مني ومنك، إِنما يريد منَّا
فإِنما أَراد أَيُّنا كان شَرّاً، إِلا أَنهما لم يشتركا في أَيٍّ، ولكنهما
أَخْلَصاهُ لكل واحد منهما؛ التهذيب: قال سيبويه سأَلت الخليل عن قوله:
فأَيِّي ما وأَيُّكَ كان شَرّاً ،
فسِيقَ إِلى المقامَةِ لا يَراها
فقال: هذا بمنزلة قول الرجل الكاذبُ مني ومنك فعل الله به؛ وقال غيره:
إِنما يريد أَنك شرٌّ
ولكنه دعا عليه بلفظ هو أَحسن من التصريح كما قال الله تعالى: وأَنا أَو
إِياكم لعلى هُدىً أَو في ضلال مبين؛ وأَنشد المُفَضَّلُ:
لقد عَلِم الأَقوامُ أَيِّي وأَيُّكُمْ
بَني عامِرٍ، أَوْفى وَفاءً وأَظْلَمُ
معناه: علموا أَني أَوْفى وَفاءً وأَنتم أَظلم، قال: وقوله فأَبي ما
وأَيك، أَيّ موضع رفع لأَنه اسم مكان، وأَيك نسق عليه، وشرّاً خبرها، قال:
وقوله:
فسيق إِلى المقامة لا يراها
أَي عَمِيَ، دعاء عليه. وفي حديث أَبي ذر أَنه قال لفلان: أَشهد أَن
النبي، صلى الله عليه وسلم، قال إِني أَو إِياك فرعونُ هذه ا لأُمة؛ يريد
أَنك فرعونُ هذه الأُمة، ولكنه أَلقاه إِليه تعريضاً لا تصريحاً، وهذا كما
تقول أَحدُنا كاذبٌ وأَنت تعلم أَنك صادق ولكنك تُعَرِّضُ به. أَبو زيد:
صَحِبه الله أَيَّا مّا تَوَجَّهَ؛ يريد أَينما توجه. التهذيب: روي عن
أَحمد بن يحيى والمبرّد قالا: لأَيّ ثلاثة أُصول: تكون استفهاماً، وتكون
تعجباً، وتكون شرطاً؛ وأَنشد:
أَيّاً فَعَلْتَ، فإِني لك كاشِحٌ،
وعلى انْتِقاصِك في الحَياةِ وأَزْدَدِ
قالا جزَمَ قوله: وأَزْدَد على النسق على موضع الفاء التي في فإِنني،
كأَنه قال: أَيّاً تفعلْ أُبْغِضْكَ وأَزْدَدْ؛ قالا: وهو مثل معنى قراءة
من قرأَ: فأَصَّدَّقَ وأَكُنْ، فتقدير الكلام إِن تؤخرني أَصَّدَّق وأَكن،
قالا: وإِذا كانت أَيٌّ استفهاماً
لم يعمل فيها الفعل الذي قبلها، وإِنما يرفعها أَو ينصبها ما بعدها. قال
الله عز وجل: لنَعْلَم أَيٌّ الحِزْبين أَحصى لما لبثوا أَمداً؛ قال
المبرد: فأَيٌّ رفع، وأَحصى رفع بخبر الابتداء. وقال ثعلب: أَيٌّ رافعهُ
أَحصى، وقالا: عمل الفعل في المعنى لا في اللفظ كأَنه قال لنعلم أَيّاً
من أَيٍّ، ولنَعْلم أَحَدَ هذين، قالا: وأَما المنصوبة بما بعدها فقوله:
وسيعلم الذين ظلموا أَيَّ مُنْقَلَبٍ ينقلبون؛ نصب أَيّاً بينقلبون. وقال
الفراء: أَيٌّ إِذا أَوْقَعْتَ الفعل المتقدّم عليها خرجت من معنى
الاستفهام، وذلك إِن أَردته جائز، يقولون لأَضْربنَّ أَيُّهم يقول ذلك، لأَن
الضرب على اسم يأْتي بعد ذلك استفهام، وذلك أَن الضرب لا يقع اننين
(*
قوله «لأن الضرب إلخ» كذا بالأصل). قال: وقول الله عز وجل: ثم لننزعنَّ من
كل شيعةٍ أَيُّهم أَشَدُّ على الرحمن عِتِيّاً؛ من نصب أَيّاً أَوقع عليها
النَّزْعَ وليس باستفهام كأَنه قال لنستخرجن العاتي الذي هو أَشدّ، ثم
فسر الفراء وجه الرفع وعليه القراء على ما قدمناه من قول ثعلب والمبرد.
وقال الفراء: وأَيّ إِذا كانت جزاء فهي على مذهب الذي قال وإِذا كان أَيّ
تعجباً
لم يجاز بها لأن التعجب لا يجازى به، وهو كقولك أَيُّ رجل زيدٌ وأَيٌّ
جاريةٍ زينبُ، قال: والعرب تقول أَيّ وأَيّانِ وأَيُّونَ، إِذا أَفردوا
أَيّاً ثَنَّوْها وجمعوها وأَنثوها فقالوا أَيّة وأَيْتان وأَيّاتٌ، وإِذا
أَضافوها إِلى ظاهرٍ أَفردوها وذكَّروها فقالوا أَيّ الرجلين وأَيّ
المرأَتين وأَيّ الرجل وأَيّ النساء، وإِذا أَضافوا إلى المَكْنِيّ المؤنث
ذكَّروا وأَنَّثوا فقالوا أَيهما وأَيتهما للمرأَتين، وفي التنزيل العزيز:
أَيَّا مَّا تَدْعوا؛ وقال زهير في لغة من أَنَّث:
وزَوَّدُوك اشْتياقاً أَيَّةً سَلَكوا
أَراد: أَيَّةَ وُجْهةٍ سلكوا، فأَنثها حين لم يضفها، قال: ولو قلت
أَيّاً سلكوا بمعنى أَيَّ وَجْه سلكوا كان جائزاً. ويقول لك قائل: رأَيتُ
ظَبْياً، فتجيبه: أَيّاً، ويقول: رأَيت ظبيين، فتقول: أَيَّين، ويقول:
رأَيت ظِباءً، فتقول: أَيَّات، ويقول: رأَيت ظبية، فتقول: أَيَّةً. قال:
وإِذا سأَلت الرجل عن قبيلته قلت المَيِّيُّ، وإِذا سأَلته عن كورته قلت
الأَيِّيُّ، وتقول مَيِّيٌّ أَنت وأَيِّيٌّ أَنت، بياءين شديدتين. وحكى
الفراء عن العرب في لُغَيَّة لهم: أَيُّهم ما أَدرك يركب على أَيهم يريد. وقال
الليث: أَيّانَ هي بمنزلة متى، قال: ويُخْتَلَف في نونها فيقال أَصلية،
ويقال زائدة. وقال الفراء: أَصل أَيان أَيَّ أَوانٍ، فخففوا الياء من أَي
وتركوا همزة أَوان، فالتقت ياء ساكنة بعدها واو، فأُدغمت الواو في
الياء؛ حكاه عن الكسائي، قال: وأَما قولهم في النداء أَيها الرجل وأَيتها
المرأَة وأَيها الناس فإِن الزجاج قال: أَيّ اسم مبهم مبني على الضم من أَيها
الرجل لأَنه منادى مفرد، والرجل صفة لأَيّ لازمة، تقول يا أَيها الرجل
أَقبل، ولا يجوز يا الرجل، لأَن يا تنبيه بمنزلة التعريف في الرجل فلا
يجمع بين يا وبين الأَلف واللام فتصل إِلى الأَلف واللام بأَيّ، وها لازمة
لأَيّ للتنبيه، وهي عوض من الإِضافة في أَيّ، لأَن أَصل أَيّ أَن تكون
مضافة إِلى الاستفهام والخبر، والمُنادى في الحقيقة الرجلُ، وأَيّ وُصْلَة
إِليه، وقال الكوفيون: إِذا قلت يا أَيها الرجل، فيا نداء، وأَيّ اسم
منادى، وها تنبيه، والرجل صفة، قالوا ووُصِلَتْ أَيّ بالتنبيه فصارا اسماً
تامّاً لأَن أَيا وما ومن الذي أَسماء ناقصة لا تتم إِلا بالصلات، ويقال
الرجل تفسير لمن نودي.
وقال أَبو عمرو: سأَلت المبرّد عن أَيْ مفتوحة ساكنة ما يكون بعدها
فقال: يكون الذي بعدها بدلاً، ويكون مستأْنفاً ويكون منصوباً؛ قال: وسأَلت
أَحمد بن يحيى فقال: يكون ما بعدها مُتَرْجِماً، ويكون نصباً بفعل مضمر،
تقول: جاءني أَخوك أَي زيد ورأَيت أَخاك أَي زيداً ومررت بأَخيك أَي زيد.
ويقال: جاءني أَخوك فيجوز فيه أَيْ زيدٌ وأَيْ زيداً، ومررت بأَخيك
فيجوز فيه أَي زيدٍ أَي زيداً أَي زيدٌ. ويقال: رأَيت أَخاك أَي زيداً، ويجوز
أَي زيدٌ.
وقال الليث: إِيْ يمينٌ، قال الله عز وجل: قل إِي وربي إِنه لحق؛
والمعنى إِي والله؛ قال الزجاج: قل إِي وربي إِنه لحق، المعنى نعم وربي، قال:
وهذا هو القول الصحيح، وقد تكرر في الحديث إِي واللهِ وهي بمعنى نعم، إِلا
أَنها تختص بالمجيء مع القسم إِيجاباً لما سبقه من الاستعلام.
قال سيبويه: وقالوا كأَيَّنْ رجلاً قد رأَيت، زعم ذلك يونس، وكأَيَّنْ
قد أَتاني رجلاً، إِلا أَن أَكثر العرب إِنما يتكلمون مع مِنْ، قال:
وكأَيَّنْ مِنْ قرية، قال: ومعنى كأَيِّن رُبَّ، وقال: وإِن حذفت من فهو
عربي؛ وقال الخليل: إِن جَرَّها أَحدٌ من العرب فعسى أَن يجرّها بإِضمار من،
كما جاز ذلك في كم، قال: وقال الخليل كأَيِّنْ عملت فيما بعدها كعمل
أَفضلهم في رجل فصار أَيّ بمنزلة التنوين، كما كان هم من قولهم أَفضلهم
بمنزلة التنوين، قال: وإِنما تجيء الكاف للتشبيه فتصير هي وما بعدها بمنزلة
شيء واحد، وكائِنْ بزنة كاعِنْ مغير من قولهم كأَيِّنْ. قال ابن جني: إِن
سأَل سائل فقال ما تقول في كائِنْ هذه وكيف حالها وهل هي مركبة أَو بسيطة؟
فالجواب إِنها مركبة، قال: والذي عَلَّقْتُه عن أَبي علي أَن أَصلها
كأَيَّنْ كقوله تعالى: وكأَيِّنْ من قرية؛ ثم إِن العرب تصرفت في هذه
الكلمة لكثرة استعمالها إِياها، فقدمت الياء المشددة وأَخرت الهمزة كما فعلت
ذلك في عِدّة مواضع نحو قِسِيّ وأَشْياء في قول الخليل، وشاكٍ ولاثٍ
ونحوهما في قول الجماعة، وجاءٍ وبابه في قول الخليل أَيضاً وغير ذلك، فصار
التقدير فيما بَعْدُ كَيِّئٌ، ثم إِنهم حذفوا الياء التانية تخفيفاً كما
حذفوها في نحو مَيِّت وهَيِّن ولَيِّن فقالوا مَيْت وهَيْن ولَيْن، فصار
التقدير كَيْئٌ، ثم إِنهم قلبوا الياء أَلفاً لانفتاح ما قبلها كما قلبوا
في طائيّ وحارِيٍّ وآيةٍ في قول الخليل أَيضاً، فصارت كائِنْ. وفي
كأَيِّنْ لغات: يقال كأَيِّنْ وكائِنْ وكأْيٌ، بوزنَ رَميٍ، وكإٍ بوزن عَمٍ؛
حكى ذلك أَحمد بن يحيى، فمن قال كأَيِّنْ
فهي أَيٌّ دخلت عليها الكاف، ومن قال كائِنْ فقد بيَّنَّا أَمره، ومن
قال كأْي بوزن رَمْي فــأَشبه ما فيه أَنه لما أَصاره التغيير على ما ذكرنا
إِلى كَيْءٍ قدّم الهمزة وأَخر الياء ولم يقلب الياءَ أَلفاً، وحَسَّنَ
ذلك ضَعْف هذه الكلمة وما اعْتَوَرَها من الحذف والتغيير، ومن قال كإٍ بوزن
عَمٍ فإنه حذف الياء من كَيْءٍ تخفيفاً أَيضاً، فإِن قلت: إِن هذا
إِجحاب بالكلمة لأَنه حذف بعد حذف فليس ذلك بأَكثر من مصيرهم بأَيْمُن الله
إِلى مُنُ اللهِ ومِ الله، فإِذا كثر استعمال الحذف حسن فيه ما لا يحسن في
غيره من التغيير والحذف. وقوله عز وجل: وكأَيِّنْ من قرية؛ فالكاف زائدة
كزيادتها في كذا وكذا، وإِذا كانت زائدة فليست متعلقة بفعل ولا بمعنى
فعل. وتكون أَيٌّ جزاء، وتكون بمعنى الذي، والأُنثى من كل ذلك أَيّة، وربما
قيل أَيُّهن منطلقةٌ، يريد أَيَّتهن؛ وأَيّ: استفهام فيه معنى التعجب
فيكون حينئذ صفة للنكرة وحالاً للمعرفة نحو ما أَنشده سيبويه للراعي:
فأَوْمَأْتُ إِيماءً خَفيّاً لحَبْتَرٍ،
ولله عَيْنا حبتر أَيَّما فَتى
أَي أَيَّما فَتىً هو، يتعجب من اكتفائه وشدة غَنائه. وأَيّ: اسم صيغ
ليتوصل به إِلى نداء ما دخلته الأَلف واللام كقولك يا أَيها الرجل ويا
أَيها الرجلان ويا أَيها الرجال، ويا أَيتها المرأَة ويا أَيتها المرأَتان
ويا أَيتها النسوة ويا أَيها المرأَة ويا أَيها المرأَتان ويا أَيها
النسوة. وأَما قوله عز وجل: يا أَيها النملُ ادخلوا مساكنَكم لا يَحْطِمَنَّكم
سليمانُ وجنودُه؛ فقد يكون على قولك يا أَيها المرأَة ويا أََيها النسوة،
وأَما ثعلب فقال: إِنما خاطب النمل بيا أَيها لأَنه جعلهم كالناس فقال
يا أَيها النمل كما تقول للناس يا أَيها الناس، ولم يقل ادخلي لأَنها
كالناس في المخاطبة، وأَما قوله: يا أَيها الذين آمنوا، فيا أَيُّ نداء مفرد
مبهم والذين في موضع رفع صفة لأَيها، هذا مذهب الخليل وسيبويه، وأَما
مذهب الأَخفش فالذين صلة لأَيّ، وموضع الذين رفع بإِضمار الذكر العائد على
أَيّ، كأَنه على مذهب الأَخفش بمنزلة قولك يا من الذي أَي يا من هم الذين
وها لازمة لأَي عوضاً مما حذف منها للإضافة وزيادةً في التنبيه، وأَجاز
المازني نصب صفة أَي في قولك يا أَيها الرجلَ أَقبل، وهذا غير معروف،
وأَيّ في غير النداء لا يكون فيها ها، ويحذف معها الذكر العائد عليها، تقول:
اضرب أَيُّهم أَفضل وأَيَّهم أَفضل، تريد اضرب أَيَّهم هو أَفضلُ.
الجوهريّ: أَيٌّ اسم معرب يستفهم بها ويُجازَى بها فيمن يعقل وما لا يعقل، تقول
أَيُّهم أَخوك، وأَيُّهم يكْرمني أُكْرِمْه، وهو معرفة للإضافة، وقد
تترك الإضافة وفيه معناها، وقد تكون بمنزلة الذي فتحتاج إِلى صلة، تقول
أَيُّهم في الدار أَخوك؛ قال ابن بري: ومنه قول الشاعر:
إِذا ما أَتيتَ بني مالكٍ،
فَسَلِّمْ على أَيُّهم أَفضلُ
قال: ويقال لا يَعْرِفُ أَيّاً من أَيٍّ إِذا كان أَحمق؛ وأَما قول
الشاعر:
إِذا ما قيلَ أَيُّهمُ لأيٍّ،
تَشابَهَتِ العِبِدَّى والصَّمِيمُ
فتقديره: إِذا قيل أَيُّهم لأَيٍّ يَنْتَسِبُ، فحذف الفعل لفهم المعنى،
وقد يكون نعتاً، تقول: مررت برجل أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ، ومررت
بامرأَة أَيَّةِ امرأَة وبامرأَتين أَيَّتما امرأَتين، وهذه امرأَةٌ أَيَّةُ
امرأَةٍ وأَيَّتُما امرأَتين، وما زائدة. وتقول: هذا زيد أَيَّما رجل،
فتنصب أَيّاً على الحال، وهذه أَمةُ
الله أَيَّتَما جاريةٍ. وتقول: أَيُّ امرأَة جاءتك وجاءك، وأَيَّةُ
امرأَةٍ جاءتك، ومررت بجارية أَيِّ جاريةٍ، وجئتك بمُلاءةٍ أَيِّ مُلاءَةٍ
وأَيَّةِ مُلاءَةٍ، كل جائز. وفي التنزيل العزيز: وما تَدْرِي نفسٌ بأَيِّ
أَرضٍ تموتُ. وأَيٌّ: قد يتعجب بها؛ قال جميل:
بُثَيْنَ، الْزَمِي لا، إِنَّ لا، إِنْ لَزِمْتِهِ
على كَثْرَةِ الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ
قال الفراء: أَيٌّ يعمل فيه ما بعده ولا يعمل فيه ما قبله. وفي التنزيل
العزيز: لنعلم أَيُّ الحزبين أَحْصَى؛ فرفع، وفيه أَيضاً: وسيعلم الذين
ظلموا أَيَّ مُنْقَلب ينقلبون؛ فنصبه بما بعده؛ وأَما قول الشاعر:
تَصِيحُ بنا حَنِيفَةُ، إِذْ رأَتْنا،
وأَيَّ الأَرْضِ تَذْهَبُ للصِّياحِ
فإِنما نصبه لنزع الخافض، يريد إلى أَي الأَرض. قال الكسائي: تقول
لأَضْرِبَنّ أَيُّهم في الدار، ولا يجوز أَن تقول ضربت أَيُّهم في الدار، ففرق
بين الواقع والمُنْتَظَرِ، قال: وإِذا نادَيت اسماً فيه الأَلف واللام
أَدخلت بينه وبين حرف النداء أَيُّها، فتقول يا أَيها الرجل ويا أَيتها
المرأَة، فأَيّ اسم مبهم مفرد معرفة بالنداء مبني على الضم، وها حرف
تنبيه، وهي عوض مما كانت أَيّ تضاف إِليه، وترفع الرجل لأَنه صفة أَيّ. قال
ابن بري عند قول الجوهري وإِذا ناديت اسماً فيه ا لأَلف واللام أَدخلت
بينه وبين حرف النداء أَيها، قال: أَي وُصْلة إِلى نداء ما فيه الأَلف
واللام في قولك يا أَيها الرجل، كما كانت إِيَّا وُصْلَةَ المضمر في إياه
وإياك في قول من جعل إيَّا اسماً ظاهراً مضافاً، على نحو ما سمع من قول بعض
العرب: إِذا بلغ الرجل الستين فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قال: وعليه
قول أَبي عُيَيْنَة:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ،
لأُقَطِّعَنَّ عُرَى نِياطِهْ
وقال أَيضاً:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ بعدَ ساعةٍ،
سَيَحْمِلُه شِعْرِي على الأَشْقَرِ الأَغَرّ
وفي حديث كعب بن مالك: فَتَخَلَّفْنا أَيَّتُها الثلاثة؛ يريد
تَخَلُّفَهم عن غزوة تَبُوكَ وتأَخُّر توبتهم. قال: وهذه اللفظة تقال في الاختصاص
وتختص بالمُخْبر عن نفسه والمُخاطَب، تقول أَما أَنا فأَفعل كذا أَيُّها
الرجلُ، يعني نفسه، فمعنى قول كعب أَيتها الثلاثة أَي المخصوصين بالتخلف.
وقد يحكى بأَيٍّ النكراتُ ما يَعْقِلُ
وما لا يعقل، ويستفهم بها، وإِذا استفهمت بها عن نكرة أَعربتها بإِعراب
الاسم الذي هو اسْتِثبات عنه، فإِذا قيل لك: مرَّ بي رجل، قلتَ أَيٌّ
ىا فتى؟ تعربها في الوصل وتشير إِلى الإِعراب في الوقف، فإِن قال: رأَيت
رجلاً، قلت: أَيّاً يا فتى؟ تعرب وتنوّن إِذا وصلت وتقف على الأَلف
فتقول أَيَّا، وإِذا قال: مررت برجل، قلتَ: أَيٍّ يا فتى؟ تعرب وتنوّن، تحكي
كلامه في الرفع والنصب والجر في حال الوصل والوقف؛ قال ابن بري: صوابه
في الوصل فقط، فأَما في الوقف فإِنه يوقف عليه في الرفع والجر بالسكون لا
غير، وإِنما يتبعه في الوصل والوقف إِذا ثناه وجمعه، وتقول في التثنية
والجمع والتأْنيث كما قيل في من، إِذا قال: جاءني رجال، قلتَ: أَيُّونْ،
ساكنة النون، وأَيِّينْ
في النصب والجر، وأَيَّهْ للمؤنث؛ قال ابن بري: صوابه أَيُّونَ بفتح
النون، وأَيِّينَ بفتح النون أَيضاً، ولا يجوز سكون النون إِلا في الوقف
خاصة، وإِنما يجوز ذلك في مَنْ خاصة، تقول مَنُونْ ومَنِينْ، بالإِسكان لا
غير. قال: فإِن وصلت قلتَ أَيَّة يا هذا وأَيَّات يا هذا، نوَّنتَ، فإِن
كان الاستثباتُ عن معرفة رفعتَ أَيّاً لا غير على كل حال، ولا يحكى في
المعرفة ليس في أَيٍّ مع المعرفة إِلا الرفع، وقد يدخل على أَيّ الكاف فتنقل
إِلى تكثير العدد بمعنى كم في الخبر ويكتب تنوينه نوناً، وفيه لغتان:
كائِنْ مثل كاعِنْ، وكأَيِّنْ مثل كعَيِّنْ، تقول: كأَيِّنْ رجلاً لقيت،
تنصب ما بعد كأَيِّنْ على التمييز، وتقول أَيضاً: كأَيِّنْ من رجل لقيت،
وإِدخال من بعد كأَيِّنْ أَكثر من النصب بها وأَجود، وبكأَيِّنْ تبيع هذا
الثوب؟ أَي بكم تبيع؛ قال ذو الرمة:
وكائِنْ ذَعَرْنا مِن مَهاةٍ ورامِحٍ،
بِلادُ الوَرَى لَيْسَتْ له بِبلادِ
قال ابن بري: أَورد الجوهري هذا شاهداً على كائن بمعنى كَمْ، وحكي عن
ابن جني قال لا تستعمل الوَرَى إِلا في النفي، قال: وإِنما حسن لذي الرمة
استعماله في الواجب حيث كان منفيّاً في المعنى لأَن ضميره منفي، فكأَنه
قال: ليست له بلاد الورى ببلاد.
وأَيَا: من حروف النداء يُنادَى بها القريب والبعيد، تقول أَيَا زيدُ
أَقْبِل.
وأَيْ، مثال كَيْ: حرفٌ يُنادَى بها القريب دون البعيد، تقول أَيْ زيدُ
أَقبل، وهي أَيضاً كلمة تتقدم التفسير، تقول أَيْ كذا بمعنى يريد كذا،
كما أَن إِي بالكسر كلمة تتقدم القسم، معناها بلى، تقول إِي وربي وإِي
والله. غيره أَيا حرف نداء، وتبدل الهاء من الهمزة فيقال: هيا؛ قال:
فانْصَرَفَتْ، وهي حَصانٌ مُغْضَبَهْ،
ورَفَعَتْ بصوتِها: هَيَا أَبَهْ
قال ابن السكيت: يريد أَيا أَبَهْ، ثم أَبدل الهمزة هاء، قال: وهذا صحيح
لأَن أَيا في النداء أَكثر من هَيَا، قال: ومن خفيفه أَيْ معناه
العبارةُ، ويكون حرف نداء. وإِيْ: بمعنى نعم وتوصل باليمين، فيقال إِي والله،
وتبدل منها هاء فيقال هِي.
والآيةُ: العَلامَةُ، وزنها فَعَلَةٌ في قول الخليل، وذهب غيره إِلى أَن
أَصلها أَيَّةٌ فَعْلَةٌ فقلبت الياء أَلفاً لانفتاح ما قبلها، وهذا قلب
شاذ كما قلبوها في حارِيّ وطائِيٍّ إِلا أَن ذلك قليل غير مقيس عليه،
والجمع آياتٌ وآيٌ، وآياءٌ جمعُ الجمع نادرٌ؛ قال:
لم يُبْقِ هذا الدَّهْر، من آيائِه،
غيرَ أَثافِيهِ وأَرْمِدائِه
وأَصل آية أَوَيَةٌ، بفتح الواو، وموضع العين واو، والنسبة إِليه
أَوَوِيّ، وقيل: أَصلها فاعلة فذهبت منها اللام أَو العين تخفيفاً، ولو جاءت
تامة لكانت آيِيَةً. وقوله عز وجل: سَنُريهم آياتنا في الآفاق؛ قال الزجاج:
معناه نريهم الآيات التي تدل على التوحيد في الآفاق أَي آثارَ مَنْ
مَضَى قبلهم من خلق الله، عز وجل، في كل البلاد وفي أَنفسهم من أَنهم كانوا
نُطَفاً ثم عَلَقاً ثم مُضَغاً ثم عظاماً كسيت لحماً، ثم نقلوا إِلى
التمييز والعقل، وذلك كله دليل على أَن الذي فعله واحد ليس كمثله شيء، تبارك
وتقدس. وتَأَيَّا الشيءَ: تَعَمَّد آيَتَهُ أَي شَخْصَه. وآية الرجل:
شَخْصُه. ابن السكيت وغيره: يقال تآيَيْتُه، على تَفاعَلْتُه، وتَأَيَّيْتُه
إِذا تعمدت آيته أَي شخصه وقصدته؛ قال الشاعر:
الحُصْنُ أَدْنَى، لو تَأَيَّيْتِهِ،
من حَثْيِكِ التُّرْبَ على الراكبِ
يروى بالمد والقصر؛ قال ابن بري: هذا البيت لامرأَة تخاطب ابنتها وقد
قالت لها:
يا أُمَّتي، أَبْصَرَني راكبٌ
يَسيرُ في مُسْحَنْفِرٍ لاحِبِ
ما زِلْتُ أَحْثُو التُّرْبَ في وَجْهِه
عَمْداً، وأَحْمِي حَوزةَ الغائِبِ
فقالت لها أُمها:
الحُصْنُ أَدنى، لو تأَيَّيته،
من حَثْيِك الترب على الراكبِ
قال: وشاهد تآيَيْتُه قول لَقيط بن مَعْمَر الإِياديّ:
أَبْناء قوم تآيَوْكُمْ على حَنَقٍ،
لا يَشْعُرونَ أَضرَّ اللهُ أَم نَفَعَا
وقال لبيد:
فَتآيا، بطَرِيرٍ مُرْهَفٍ،
حُفْرَةَ المَحْزِمِ منه، فَسَعَلْ
وقوله تعالى: يُخْرجون الرسول وإِياكم؛ قال أَبو منصور: لم أَسمع في
تفسير إِيا واشتقاقه شيئاً، قال: والذي أَظنه، ولا أَحقُّه، أَنه مأْخوذ من
قوله تآييته على تفاعلته أَي تعمدت آيته وشخصه، وكأَنَّ إِيا اسم منه على
فِعْلى، مثل الذِّكْرى من ذكرت، فكان معنى قولهم إِيَّاك أَردتُ أَي
قصدت قصدك وشخصك، قال: والصحيح أَن الأَمر مبهم يكنى به عن المنصوب. وأَيَّا
آيةً: وضع علامة. وخرج القوم بآيَتهم أَي بجماعتهم لم يَدععوا وراءهم
شيئاً؛ قال بُرْج بن مُسْهِر الطائي:
خَرَجْنا من النَّقْبَين، لا حَيَّ مِثْلُنا،
بآيتنا نُزْجِي اللِّقاحَ المَطافِلا
والآيةُ: من التنزيل ومن آيات القرآن العزيز؛ قال أَبو بكر: سميت الآية
من القرآن آية لأَنها علامة لانقطاع كلام من كلام. ويقال: سميت الآية آية
لأَنها جماعة من حروف القرآن. وآيات الله: عجائبه. وقال ابن حمزة: الآية
من القرآن كأَنها العلامة التي يُفْضَى منها إِلى غيرها كأَعلام الطريق
المنصوبة للهداية كما قال:
إِذا مَضَى عَلَمٌ منها بدا عَلَم
والآية: العلامة. وفي حديث عثمان: أَحَلَّتْهما آيةٌ وَحرَّمَتْهُما
آية؛ قال ابن الأَثير: الآية المُحِلَّةُ قوله تعالى: أَو ما ملكت أَيمانكم؛
والآية المحرّمة قوله تعالى: وأَن تجمعوا بين الأُختين إِلا ما قد سلف؛
والآية: العِبْرَة، وجمعها آيٌ. الفراء في كتاب المصادر: الآية من الآيات
والعبَر، سميت آية كما قال تعالى: لقد كان في يوسف وإِخوته آيات؛ أَي
أُمور وعِبَرٌ
مختلفة، وإِنما تركت العرب همزتها كما يهمزون كل ما جاءت بعد أَلف
ساكنة لأَنها كانت فيما يرى في الأصل أَيَّة، فثقل عليهم التشديد فأَبدلوه
أَلفاً لانفتاح ما قبل التشديد، كما قالوا أَيْما لمعنى أَمَّا، قال: وكان
الكسائي يقول إِنه فاعلة منقوصة؛ قال الفراء: ولو كان كذلك ما صغرها
إِيَيَّة، بكسر الأَلف؛ قال: وسأَلته عن ذلك فقال صغَّروا عاتكة وفاطمة
عُتَيْكة وفُطَيْمة، فالآية مثلهما، وقال الفراء: ليس كذلك لأَن العرب لا تصغر
فاعلة على فُعَيْلة إِلا أَن يكون اسماً في مذهب فُلانَة فيقولون هذه
فُطَيْمة قد جاءت إِذا كان اسماً، فإِذا قلت هذه فُطَيْمة ابْنِها يعني
فاطِمتَه من الرضاع لم يجز، وكذلك صُلَيْح تصغيراً لرجل اسمه صالح، ولو قال
رجل لرجل كيف بِنْتُك قال صُوَيْلِح ولم يجِز صُلَيْح لأَنه ليس باسم،
قال: وقال بعضهم آية فاعلة صيرت ياؤها الأُولى أَلفاً كما فعل بحاجة
وقامَة، والأَصل حائجة وقائمة. قال الفراء: وذلك خطأٌ لأَن هذا يكون في أَولاد
الثلاثة ولو كان كما قالوا لقيل في نَواة وحَياة نايَة وحايَة، قال: وهذا
فاسد. وقوله عز وجل: وجعلنا ابن مريم وأُمَّه آيَةً، ولم يقل آيَتَيْن
لأَن المعنى فيهما معنى آية واحدة، قال ابن عرفة: لأَن قصتهما واحدة، وقال
أَبو منصور: لأَن الآية فيهما معاً آيةٌ واحدة، وهي الولادة دون الفحل؛
قال ابن سيده: ولو قيل آيتين لجاز لأَنه قد كان في كل واحد منهما ما لم
يكن في ذكر ولا أُنثى من أَنها ولَدَتْ من غير فحل، ولأَن عيسى، عليه
السلام، روح الله أَلقاه في مريم ولم يكن هذا في وَلدٍ قط، وقالوا: افعله
بآية كذا كما تقول بعلامة كذا وأَمارته؛ وهي من الأسماء المضافة إِلى
الأَفعال كقوله:
بآيَة تُقْدِمُون الخَيْلَ شُعْثاً،
كأَنَّ، على سَنابِكِها، مُداما
وعين الآية ياء كقول الشاعر:
لم يُبْقِ هذا الدهرُ من آيائه
فظهور العين في آيائه يدل على كون العين ياء، وذلك أَن وزن آياء أَفعال،
ولو كانت العين واواً لقال آوائه، إذ لا مانع من ظهور الواو في هذا
الموضع. وقال الجوهري: قال سيبويه موضع العين من الاية واو لأن ما كان
مَوْضعَ العين منه واوٌ واللام ياء أَكثر مما موضع العين واللام منه ياءَان،
مثل شَوَيْتُ أَكثر من حَيِيت، قال: وتكون النسبة إليه أوَوِيُّ؛ قال
الفراء: هي من الفعل فاعلة، وإنما ذهبت منه اللام، ولو جاءت تامة لجاءت
آييَة، ولكنها خُففت، وجمع الآية آيٌ وآياتٌ؛ وأَنشد أَبو زيد:
لم يبق هذا الدهر من آيايه
قال ابن بري: لم يذكر سيبويه أَن عين آية واو كما ذكر الجوهري، وإنما
قال أَصلها أَيّة، فأُبدلت الياء الساكنة أَلفا؛ وحكي عن الخليل أَن وزنها
فَعَلة، وأَجاز في النسب إلى آية آييٌ وآئِيٌّ وآوِيٌّ، قال: فأَما
أَوَوِيٌّ فلم يقله أَحد علمته غير الجوهري. وقال ابن بري أَيضا عند قول
الجوهري في جمع الآية آياي، قال: صوابه آياء، بالهمز، لأَن الياء إذا وقعت
طرفاً بعد أَلف زائدة قلبت همزة، وهو جمع آيٍ لا آيةٍ.
وتَأَيا أَي توقَّف وتَمَكَّث، تقديره تَعَيَّا. ويقال: قد تَأيَّيت على
تَفَعَّلت أَي تَلَبَّثت وتَحَبَّست. ويقال: ليس منزلكم بدار تَئِيَّةٍ
أَي بمنزلة تَلَبُّثٍ وتَحَبُّس؛ قال الكميت:
قِفْ بالدِّيارِ وُقوفَ زائرْ،
وتَأَيَّ، إنَّك غَيْرُ صاغرْ
وقال الحُويْدِرة:
ومُناخِ غَيْرِ تَئِيَّةٍ عَرَّسْتُه،
قَمِنٍ مِنَ الحِدْثانِ نابي المَضْجَع
والتَّأَيِّي: التَّنَظُّر والتُّؤَدة. يقال: تأَيَّا الرجلُ بتأَيَّا
تَأَيِّياً إذا تأَنى في الأَمر؛ قال لبيد:
وتأيَّيْتُ عليه ثانياً،
يَتَّقِيني بتَلِيلٍ ذي خُصَل
أَي انصرفت على تُؤَدةٍ مُتَأَنيَّا؛ قال أَبو منصور: معنى قوله
وتأَيَّيت عليه أَي تَثَبَّتُّ وتمكَّثت، وأَنا عليه يعني في فرسه. وتَأَيَّا
عليه: انصرف في تؤدة. وموضع مأْبيُّ الكلإ أَي وَخِيمه. وإيا الشمس
وأَياؤها: نورها وضوءها وحسنها، وكذلك إياتها وأَياتُها، وجمعها آياء وإياء
كأكَمة وإكام؛ وأَنشد الكسائي لشاعر:
سَقَتْه إياةُ الشمس، إلاَّ لثاتِهِ
أُسِفَّ، ولم تَكْدِمْ عليه بإثْمِد
(* البيت للبيد).
قال الأَزهري: يقال الأَياء، مفتوح الأَول بالمد، والإيا، مكسور الأَول
بالقصر، وإياةٌ، كله واحدٌ: شعاع الشمس وضوءها؛ قال: ولم أَسمع لها
فعلاً، وسنذكره في الأَلف اللينة أَيضاً. وإيا النبات وأَيَاؤه: حسنه وزَهْره،
في التشبيه.
وأَيَايا وأَيايَهْ ويَايَهْ، الأَخيرة على حذف الفاء: زَجْرٌ للإبل،
وقد أَيَّا بها. الليث: يقال أَيَّيْتُ بالإبل أُأَيِّي بها تَأْيِيةً إذا
زجرتها تقول لها أَيَا أَيَا؛ قال ذو الرمة:
إذا قال حادِينا، أَيَا يَا اتَّقَيْنهُ
بمثْلِ الذُّرى مُطْلَنْفِئات العَرائِك
حدس: الأَزهري: الحَدْسُ التوهم في معاني الكلام والأُمور؛ بلغني عن
فلان أَمر وأَنا أَحْدُسُ فيه أَي أَقول بالظن والتوهم. وحَدَسَ عليه ظنه
يَحْدِسه ويَحْدُسُه حَدْساً: لم يحققه. وتَحَدَّسَ أَخبارَ الناس وعن
أَخبار الناس: تَخَيَّر عنها وأَراغها ليعلمها من حيث لا يعرفون به. وبَلَغَ
به الحِدَاسَ أَي الأَمرَ الذي ظن أَنه الغاية التي يجري إِليها وأَبعد،
ولا تقل الإِدَاسَ: وأَصلُ الحَدْسِ الرمي، ومنه حَدْسُ الظن إِنما هو
رَجْمٌ بالغيب. والحَدْسُ: الظنّ والتخمين. يقال: هو يَحْدِس، بالكسر، أَي
يقول شيئاً برأَيه. أَبو زيد: تَحَدَّسْتُ ع الأَخبار تَحَدُّساً
وتَنَدَّسْتُ عنها تَنَدُّساً وتَوَجَّسْت إِذا كنت تُرِيغُ أَخبار الناس
لتعلمها من حيث لا يعلمون. ويقال: حَدَسْتُ عليه ظني ونَدَسْتُه إِذا ظننت الظن
ولا تَحُقُّه. وحَدَسَ الكلامَ على عواهِنِه: تَعَسَّفه ولم يَتَوَقَّه.
وحَدَسَ الناقة يَحْدِسُها حَدْساً: أَناخها، وقيل: أَناخها ثم وَجَأَ
بشَفْرَتِه في منحرها. وحَدَس بالناقة: أَناخها، وفي التهذيب؛ إِذا وَجَأَ
في سَبَلتها، والسَّبَلَةُ ههنا: نَحْرُها. يقال: ملأ الوادي إِلى
أَسبالِه أَي إِلى شفاهِه. وحَدَسْتُ في لَبَّةٍ البعير أَي وَجَأْتها. وحَدَس
الشاةَ يَحْدِسها حَدْساً: أَضجعها ليذبحها. وحَدَسَ بالشاة: ذبحها.
ومنه المثل السائر: حَدَسَ لهم بمُطْفِئَةِ الرَّضْفِ؛ يعني الشاة المهزولة،
وقال الأَزهري: معناه أَنه ذبح لأَضيافه شاة سمينة أَطفأَت من شحمها تلك
الرَّضْف. وقال ابن كناسَةَ: تقول العرب: إِذا أَمسى النَّجْمُ قِمَّ
الرأْس فَعُظْماها فاحْدِسْ؛ معناه انْحَرْ أَعظم الإِبل.
وحَدَس بالرجل يَحْدِسُ حَدْساً، فهو حَدِيسٌ: صَرَعَه؛ قال معد يكرب:
لمن طَلَلٌ بالعَمْقِ أَصْبَحَ دارِسا؟
تَبَدَّلَ آراماً وعِيناً كَوانِسا
تَبَدَّلَ أُدْمانَ الظِّباءِ وحَيْرَماً،
وأَصْبَحْتُ في أَطلالِها اليومَ جالِسا
بمُعْتَرَكٍ شَطَّ الحُبَيَّا تَرَى به،
من القوم، مَحْدُوساً وآخر حادِسا
العَمْقُ: ما بَعُدَ من طرف المفازة. والآرام: الظباء البيض البطون.
والعِينُ: بقر الوحش. والكَوانِسُ: المقيمة في أَكنستها. وكناس الظبي
والبقرة: بينهما. والحُبَيَّا: موضع. وشَطُّه: ناحيته. والحَيْرَمُ: بقر الوحش،
الواحدة حَيرمة. وحَدَسَ به الأَرض حَدْساً: ضربها به. وحَدَسَ الرجلَ:
وَطِئَه. والحَدْسُ: السرعة والمُضِيُّ على استقامة، ويوصف به فيقال:
سَيْرٌ حَدْسٌ؛ قال:
كأَنها من بَعْدِس سَيْرٍ حَدْسِ
فهو على ما ذكرنا صفة وقد يكون بدلاً. وحَدَسَ في الأَرض يَحْدِسُ
حَدْساً: ذهب. والحَدْسُ: الذهاب في الأَرض على غير هداية. قال الأَزهري:
الحَدْسُ في السير سرعة ومضيٌّ على غير طريقة مستمرة. الأُمَوِيُّ: حَدَس في
الأَرض وعَدَسَ يَحْدِسُ ويَعْدِسُ إِذا ذهب فيها.
وبنو حَدَسٍ: حَيٌّ من اليمن؛ قال:
لا تَخْبِزا خَبْزاً وبُسّا بَسَّا،
مَلْساً بذَوْدِ الحَدَسِيِّ مَلْسا
وحَدَسٌ: اسم أَبي حيٍّ من العرب وحَدَسْتُ بسهم: رميت. وحَدَسْتُ برجلي
الشيء أَي وَطِئْتُه. وحَدَسْ: زجر للبغال كعَدَسْ، وقيل: حَدَسْ
وعَدَسْ اسما بَغَّالَيْن على عهد سليمان بن داود، عليهما السلام، كانا
يَعْنُفانِ على البِغالِ، فإِذا ذُكِرَا نَفَرَتْ خوفاً مما كانت تلقى منهما؛
قال:
إِذا حَمَلْتُ بِزَّتي على حَدَسْ
والعرب تختلف في زجر البغال فبعض يقول: عَدَسْ، وبعض يقول: حَدَسْ؛ قال
الأَزهري: وعَدَسْ أَكثر من حَدَسْ؛ ومنه قول ابن مُفَرَّع:
عَدَسْ ما لعَبَّادٍ عليكِ إِمارَةٌ
نَجَوْتُ، وهذا تَحْمِلينَ طَلِيقُ
جعل عَدَسْ اسماً للبغلة، سماها بالزَّجْرِ: عَدَسْ.