Academy of the Arabic Language in Cairo, al-Muʿjam al-Wasīṭ (1998) المعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=62237#971bbc
(الــأسرب) الرصاص
سرب: السَّرْبُ: المالُ الرَّاعي؛ أَعْني بالمال الإِبِلَ. وقال ابن
الأَعرابي: السَّرْبُ الماشيَةُ كُلُّها، وجمعُ كلِّ ذلك سُروبٌ.
تقول: سَرِّبْ عليَّ الإِبِلَ أَي أَرْسِلْهَا قِطْعَةً قِطْعَة. وسَرَب يَسْرُب سُرُوباً: خَرَجَ. وسَرَبَ في الأَرضِ يَسْرُبُ سُرُوباً: ذَهَبَ.
وفي التنزيل العزيز: ومَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بالليل وسارِبٌ بالنهار؛ أَي ظاهرٌ بالنهارِ في سِرْبِه. ويقال: خَلِّ سِرْبَه أَي طَرِيقَه،
فالمعنى: الظاهرُ في الطُّرُقاتِ، والـمُسْتَخْفِـي في الظُّلُماتِ، والجاهرُ بنُطْقِه، والـمُضْمِرُ في نفسِه، عِلْمُ اللّهِ فيهم سواءٌ. ورُوي عن الأَخْفش أَنه قال: مُسْتَخْفٍ بالليل أَي ظاهرٌ، والساربُ الـمُتواري. وقال أَبو العباس: المستخفي الـمُسْتَتِرُ؛ قال: والساربُ الظاهرُ والخَفيُّ، عنده واحدٌ. وقال قُطْرب: سارِبٌ بالنهار مُسْتَتِرٌ.
يقال انْسَرَبَ الوحشيُّ إِذا دخل في كِناسِه.
قال الأَزهري: تقول العرب: سَرَبَتِ الإِبلُ تَسْرُبُ، وسَرَبَ الفحل
سُروباً أَي مَضَتْ في الأَرضِ ظاهرة حيثُ شاءَتْ. والسارِبُ: الذاهبُ على وجهِه في الأَرض؛ قال قَيْس بن الخَطيم:
أَنـَّى سرَبْتِ، وكنتِ غيرَ سَرُوبِ، * وتَقَرُّبُ الأَحلامِ غيرُ قَرِيبِ
قال ابن بري، رواه ابن دريد: سَرَبْتِ، بباءٍ موحدة، لقوله: وكنتِ غيرَ سَروب. ومن رواه: سَرَيْت، بالياء باثنتين، فمعناه كيف سَرَيْت ليلاً، وأَنتِ لا تَسرُبِـينَ نَهاراً.
وسَرَبَ الفحْلُ يَسْرُبُ سُروباً، فهو ساربٌ إِذا توجَّه للـمَرْعَى؛
قال الأَخْنَسُ بن شهاب التَّغْلبـي:
وكلُّ أُناسٍ قارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ، * ونحنُ خَلَعْنا قَيْدَه، فهو سارِبُ
قال ابن بري: قال الأَصْمعي: هذا مَثَلٌ يريدُ أَن الناسَ أَقاموا في
موضِـعٍ واحدٍ، لا يَجْتَرِئون على النُّقْلة إِلى غيره، وقارَبـُوا قَيْدَ
فَحْلِهم أَي حَبَسُوا فَحْلَهم عن أَن يتقدَّم فتَتْبَعه إِبلُهم، خوفاً أَن يُغَارَ عليها؛ ونحن أَعِزَّاءُ نَقْتَري الأَرضَ، نَذْهَبُ فيها حيث شِئْنا، فنحن قد خَلَعْنا قيدَ فَحْلِنا ليَذْهَب حيث شاء، فحيثُما نَزَع إِلى غَيْثٍ تَبِعْناه.
وظَبْية سارِبٌ: ذاهبة في مَرْعاها؛ أَنشد ابن الأَعرابي في صفة عُقابٍ:
فخاتَتْ غَزالاً جاثِـماً، بَصُرَتْ به، * لَدَى سَلَماتٍ، عند أَدْماءَ سارِبِ
ورواه بعضهم: سالِبِ.
وقال بعضهم: سَرَبَ في حاجته: مضَى فيها نهاراً، وعَمَّ به أَبو عبيد.
وإِنه لقَرِيبُ السُّرْبةِ أَي قريبُ المذهب يُسرِعُ في حاجته، حكاه
ثعلب. ويقال أَيضاً: بعيدُ السُّرْبة أَي بعيدُ الـمَذْهَبِ في الأَرض؛ قال الشَّنْفَرَى، وهو ابن أُخْت تأَبـَّط شَرّاً:
خرَجْنا من الوادي الذي بينَ مِشْعَلٍ، * وبينَ الجَبَا، هَيْهاتَ أَنْسَـأْتُ سُرْبَتي(1)
(1 قوله «وبين الجبا» أورده الجوهري وبين الحشا بالحاء المهملة والشين المعجمة وقال الصاغاني الرواية وبين الجبا بالجيم والباء وهو موضع.)
أَي ما أَبْعَدَ الموضعَ الذي منه ابتَدَأْت مَسِـيري !ابن الأَعرابي:
السَّرْبة السَّفَرُ القريبُ، والسُّبْـأَةُ: السَّفَرُ البَعيد.
والسَّرِبُ: الذاهِبُ الماضي، عن ابن الأَعرابي.
والانْسِرابُ: الدخول في السَّرَب. وفي الحديث :مَنْ أَصْبَحَ آمِناً في سَرْبِه، بالفتح، أَي مَذْهَبِه. قال ابن الأَعرابي: السِّرْب النَّفْسُ،
بكسر السين. وكان الأَخفش يقول: أَصْبَح فلانٌ آمِناً في سَرْبِه،
بالفتح، أَي مَذْهَبِه ووجهِه. والثِّقاتُ من أَهل اللغة قالوا: أَصْبَح
آمِناً في سِرْبِه أَي في نَفْسِه؛ وفلان آمن السَّرْبِ: لا يُغْزَى مالُه
ونَعَمُه، لعِزِّه؛ وفلان آمن في سِرْبِه، بالكسر، أَي في نَفْسِه. قال ابن بري: هذا قول جماعةٍ من أَهل اللغة، وأَنكر ابنُ دَرَسْتَوَيْه قولَ من قال: في نَفْسِه؛ قال: وإِنما المعنى آمِنٌ في أَهلِه ومالِه وولدِه؛ ولو أَمِنَ على نَفْسِه وَحْدَها دون أَهله ومالِه وولدِه، لم يُقَلْ: هو آمِنٌ في سِرْبِه؛ وإِنما السِّرْبُ ههنا ما للرجُل من أَهلٍ ومالٍ، ولذلك سُمِّيَ قَطِـيعُ البَقَرِ، والظِّـباءِ، والقَطَا، والنساءِ سِرْباً.
وكان الأَصلُ في ذلك أَن يكون الراعِـي آمِناً في سِرْبِه، والفحلُ آمناً في سِرْبِه، ثم استُعْمِلَ في غير الرُّعاةِ، استعارةً فيما شُبِّهَ به، ولذلك كُسرت السين، وقيل: هو آمِنٌ في سِرْبِه أَي في قومِه. والسِّرْبُ هنا: القَلْبُ. يقال: فلانٌ آمِنُ السِّرْبِ أَي آمِنُ القَلْبِ، والجمع سِرابٌ، عن الـهَجَري؛ وأَنشد:
إِذا أَصْبَحْتُ بينَ بَني سُلَيمٍ، * وبينَ هَوازِنٍ، أَمِنَتْ سِرابي
والسِّرْب، بالكسر: القَطِـيعُ من النساءِ، والطَّيرِ، والظِّباءِ،
والبَقَرِ، والـحُمُرِ، والشاءِ، واستعارَه شاعِرٌ من الجِنِّ، زَعَمُوا،
للعظاءِ فقال، أَنشده ثعلب، رحمه اللّه تعالى:
رَكِبْتُ الـمَطايا كُلَّهُنَّ، فلم أَجِدْ * أَلَذَّ وأَشْهَى مِن جِناد الثَّعالِبِ
ومن عَضْرَفُوطٍ، حَطَّ بي فَزَجَرْتُه، * يُبادِرُ سِرْباً من عَظاءٍ قَوارِبِ
الأَصمعي: السِّرْبُ والسُّرْبةُ من القَطَا، والظِّباءِ والشاءِ: القَطيعُ. يقال: مَرَّ بي سِرْبٌ من قَطاً وظِـبَاءٍ ووَحْشٍ ونِساءٍ، أَي قَطِـيعٌ. وقال أَبو حنيفة: ويقال للجماعةِ من النخلِ: السِّرْبُ، فيما ذَكَرَ بعضُ الرُّواةِ. قال أَبو الـحَسَنِ: وأَنا أَظُنُّه على التَّشبِـيه، والجمعُ من كلِّ ذلك أَسْرابٌ؛ والسُّرْبةُ مِثلُه.
ابن الأَعرابي: السُّرْبةُ جماعة يَنْسَلُّونَ من العَسْكَرِ، فيُغيرون
ويَرْجعُون. والسُّرْبة: الجماعة من الخيلِ، ما بين العشرين إِلى
الثلاثينَ؛ وقيل: ما بين العشرةِ إِلى العِشرينَ؛ تقول: مَرَّ بي سُرْبة، بالضم، أَي قِطْعة من قَطاً، وخَيْلٍ، وحُمُرٍ، وظِباءٍ؛ قال ذو الرُّمَّة يصف ماءً:
سِوَى ما أَصابَ الذِّئْبُ منه، وسُرْبةٍ * أَطافَتْ به من أُمـَّهاتِ الجَوازِلِ
وفي الحديث: كأَنهم سِرْبٌ ظِـباءٍ؛ السِّرْبُ،
بالكسرِ، والسُّرْبة: القَطِـيعُ من الظِّباءِ ومن النِّساءِ على التَّشْبيه بالظِّباءِ. وقيل: السُّرْبةُ الطائفة من السِّرْبِ.
وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: فكان رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، يُسَرِّبُهُنَّ إِليَّ، فيَلْعَبْنَ مَعِـي أَي يُرْسلُهُنَّ إِليَّ.
ومنه حديث عليٍّ: إِني لــأُسَرِّبُــه عليه أَي أُرْسِلُه قِطْعةً قِطْعةً.
وفي حديث جابر: فإِذا قَصَّرَ السَّهْمُ قال: سَرِّبْ شيئاً أَي أَرْسِلْه؛
يقال: سَرَّبْتُ إِليه الشيءَ إِذا أَرْسَلْتَه واحداً واحداً؛ وقيل: سِرْباً سِرباً، وهو الأَشْبَه. ويقال: سَرَّبَ عليه الخيلَ، وهو أَن يَبْعَثَها عليه سُرْبةً بعدَ سُربةٍ. الأَصمعي: سَرِّبْ عليَّ الإِبلَ أَي أَرْسِلْها قِطْعةً قِطْعةً.
والسَّرْبُ: الطريقُ. وخَلِّ سَرْبَه، بالفتح، أَي طريقَه ووجهَه؛ وقال أَبو عمرو: خَلِّ سِرْبَ الرجلِ، بالكسرِ؛ قال ذو الرمة:
خَلَّى لَـها سِرْبَ أُولاها، وهَيَّجَها، * من خَلْفِها، لاحِقُ الصُّقْلَينِ، هِمْهِـيمُ
قال شمر: أَكثر الرواية: خَلَّى لَـها سَرْبَ أُولاها، بالفتح؛ قال
الأَزهري: وهكذا سَمِعْتُ العربَ تقول: خلِّ سَرْبَه أَي طَريقَه. وفي حديث ابن عمر: إِذا ماتَ المؤمنُ يُخَلَّى له سَرْبُه، يَسْرَحُ حيثُ شاءَ أَي طريقُه ومذهبُه الذي يَمُرُّ به.
وإِنه لواسعُ السِّرْبِ أَي الصَّدْرِ، والرأْي، والـهَوَى، وقيل: هو
الرَّخِـيُّ البال، وقيل: هو الواسعُ الصَّدْرِ، البَطِـيءُ الغَضَب؛
ويُروى بالفتح، واسعُ السَّرْبِ، وهو الـمَسْلَك والطريقُ.
والسَّرْبُ، بالفتح: المالُ الراعي؛ وقيل: الإِبل وما رَعَى من المالِ.
يقال: أُغِـيرَ على سَرْبِ القومِ؛ ومنه قولُهم: اذْهَب فلا أَنْدَهُ سَرْبَكَ أَي لا أَرُدُّ إِبلكَ حتى تَذْهَب حيثُ شاءَت، أَي لا حاجة لي فيك. ويقولون للمرأَة عند الطلاقِ: اذْهَبـي فلا أَنْدَهُ سَرْبَكِ، فتَطْلُق بهذه الكلمة. وفي الصحاح: وكانوا في الجاهليةِ يقولون في الطَّلاقِ،
فَقَيَّده بالجاهليةِ. وأَصْلُ النَّدْهِ: الزَّجْرُ.
الفراءُ في قوله تعالى: فاتخذَ سبيلَه في البحرِ سَرَباً؛ قال: كان
الـحُوت مالحاً، فلما حَيِـيَ بالماءِ الذي أَصابَه من العَينِ فوقَع في
البحرِ، جَمَد مَذْهَبُه في البحرِ، فكان كالسَّرَبِ، وقال أَبو إِسحق: كانت سمكةً مملوحةً، وكانت آيةً لموسى في الموضعِ الذي يَلْقَى الخَضِرَ، فاتخذ سبيلَه في البحر سَرَباً؛ أَحْيا اللّه السمكة حتى سَرَبَتْ في البحر.
قال: وسَرَباً منصوبٌ على جهتَين: على المفعولِ، كقولك اتخذْتُ طريقِـي في السَّرَب، واتخذتُ طريقي مكانَ كذا وكذا، فيكون مفعولاً ثانياً، كقولك اتخذت زيداً وكيلاً؛ قال ويجوز أَن يكونَ سَرَباً مصدراً يَدُلُّ عليه اتخذ سبيلَه في البحر، فيكون المعنى: نَسِـيَـا حُوتَهما، فجَعَل الحوتُ طريقَه في البحر؛ ثم بَيَّن كيف ذلك، فكأَنه قال: سَرِبَ الحوتُ سَرَباً؛ وقال الـمُعْتَرِض الظَّفَرِي في السَّرَب، وجعله طريقاً:
تَرَكْنا الضَّبْع سارِبةً إِليهم، * تَنُوبُ اللحمَ في سَرَبِ الـمَخِـيمِ
قيل: تَنُوبُه تأْتيه. والسَّرَب: الطريقُ. والمخيم: اسم وادٍ؛ وعلى هذا معنى الآية: فاتخذ سبيلَه في البحر سَرَباً، أَي سبيل الحوت طريقاً لنفسِه، لا يَحِـيدُ عنه. المعنى: اتخذ الحوتُ سبيلَه الذي سَلَكَه طريقاً طَرَقَه. قال أَبو حاتم: اتخذ طريقَه في البحر
سَرباً، قال: أَظُنُّه يريد ذَهاباً كسَرِب سَرَباً، كقولك يَذهَب ذَهاباً. ابن الأَثير: وفي حديث الخضر وموسى، عليهما السلام: فكان للحوت سَرَباً؛ السَّرَب، بالتحريك: الـمَسْلَك في خُفْيةٍ.
والسُّرْبة: الصَّفُّ من الكَرْمِ. وكلُّ طريقةٍ سُرْبةٌ. والسُّرْبة،
والـمَسْرَبةُ، والـمَسْرُبة، بضم الراءِ، الشَّعَر الـمُسْتدَقُّ، النابِت وَسَطَ الصَّدْرِ إِلى البطنِ؛ وفي الصحاح: الشَّعَر الـمُسْتَدِقُّ،
الذي يأْخذ من الصدرِ إِلى السُّرَّة. قال سيبويه: ليست الـمَسْرُبة على المكان ولا المصدرِ، وإِنما هي اسم للشَّعَر؛ قال الحرث بنُ وَعْلة الذُّهْلي:
أَلآنَ لـمَّا ابْيَضَّ مَسْرُبَتي، * وعَضَضْتُ، من نابي، على جِذْمِ
وحَلَبْتُ هذا الدَّهْرَ أَشْطُرَه، * وأَتَيْتُ ما آتي على عِلْمِ
تَرْجُو الأَعادي أَن أَلينَ لها، * هذا تَخَيُّلُ صاحبِ الـحُلْمِ!
قوله:
وعَضَضْتُ، من نابي، عَلى جِذْمِ
أَي كَبِرْتُ حتى أَكَلْت على جِذْمِ نابي. قال ابن بري: هذا الشعر ظنَّه قوم للحرث بن وَعْلة الجَرْمي، وهو غلط، وإِنما هو للذُّهلي، كما ذكرنا.
والـمَسْرَبة، بالفتح: واحدة الـمَسارِبِ، وهي الـمَراعِـي. ومَسارِبُ
الدوابِّ: مَراقُّ بُطونِها. أَبو عبيد: مَسْرَبَة كلِّ دابَّةٍ أَعالِـيهِ من لَدُن عُنُقِه إِلى عَجْبِه، ومَراقُّها في بُطونِها وأَرْفاغِها؛ وأَنشد:
جَلال، أَبوهُ عَمُّه، وهو خالُه، * مَسارِبُهُ حُوٌّ، وأَقرابُه زُهْرُ
قال: أَقْرابهُ مَراقُّ بُطُونه. وفي حديث صفةِ النبـيّ، صلى اللّه عليه وسلم: كان دَقِـيقَ الـمَسْرُبَة؛ وفي رواية: كانَ ذا مَسْرُبَة.
وفلانٌ مُنْساحُ السرب: يُريدون شَعر صَدْرِه. وفي حديث الاسْتِنْجاءِ بالـحِجارة: يَمْسَحُ صَفْحَتَيْهِ بـحَجَرَيْن، ويَمْسَحُ بالثَّالِثِ
الـمَسْرُبة؛ يريدُ أَعْلى الـحَلْقَة، هو بفتح الراءِ وضمِّها، مَجْرَى
الـحَدَث من الدُّبُر، وكأَنها من السِّرْب الـمَسْلَك. وفي بعض الأَخبار: دَخَل مَسْرُبَتَه؛ هي مثلُ الصُّفَّة بين يَدَي الغُرْفَةِ، ولَيْسَتْ
التي بالشين المعجمة، فإِنَّ تِلك الغُرْفَةُ.
والسَّرابُ: الآلُ؛ وقيل: السَّرابُ الذي يكونُ نِصفَ النهارِ لاطِئاً
بالأَرضِ، لاصقاً بها، كأَنه ماءٌ جارٍ. والآلُ: الذي يكونُ بالضُّحَى، يَرفَعُ الشُّخُوصَ ويَزْهَاهَا، كالـمَلا، بينَ السماءِ والأَرض. وقال ابن السكيت: السَّرَابُ الذي يَجْرِي على وجهِ الأَرض كأَنه الماءُ، وهو يكونُ نصفَ النهارِ. الأَصمعي: الآلُ والسَّرابُ واحِدٌ، وخالَفه غيرُه، فقال: الآلُ من الضُّحَى إِلى زوالِ الشمسِ؛ والسَّرَابُ بعدَ الزوالِ إِلى صلاة العصر؛ واحْتَجُّوا بإِنَّ الآل يرفعُ كلَّ شيءٍ حتى يصِـير آلاً أَي شَخْصاً، وأَنَّ السَّرابَ يَخْفِضُ كلَّ شيءٍ حتى يَصِـيرَ لازِقاً بالأَرضِ، لا شَخْصَ له. وقال يونس: تقول العرب: الآلُ من غُدوة إِلى
ارْتفاع الضُّحَى الأَعْلى، ثم هو سرابٌ سائرَ اليومِ. ابن السكيت: الآلُ الذي يَرْفَع الشُّخوصَ، وهو يكون بالضُّحَى؛ والسرابُ الذي يَجْري على وجهِ الأَرض، كأَنه الماءُ، وهو نصفُ النهارِ؛ قال الأَزهري: وهو الذي رأَيتُ العرب بالبادية يقولونه. وقال أَبو الهيثم: سُمِّيَ السَّرابُ سَراباً، لأَنـَّه يَسْرُبُ سُروباً أَي يَجْري جَرْياً؛
يقال: سَرَب الماءُ يَسْرُب سُروباً.
والسَّريبة: الشاة التي تصدرها، إِذا رَوِيَت الغَنَم، فتَتْبَعُها.
والسَّرَبُ: حَفِـير تحتَ الأَرض؛ وقيل: بَيْتٌ تحتَ الأَرضِ؛ وقد
سَرَّبْتُه. وتَسْريبُ الـحَافِرِ: أَخْذُه في الـحَفْرِ يَمْنَة ويَسْرَة.
الأَصمعي: يقال للرجل إِذا حَفر: قد سَرَبَ أَي أَخذ يميناً وشمالاً.
والسَّرَب: جُحْر الثَّعْلَبِ، والأَسَد، والضَّبُعِ، والذِّئْبِ.
والسَّرَب: الموضعُ الذي قَدْ حَلَّ فيه الوحشِـي، والجمع أَسْرابٌ.
وانْسَرَب الوَحْشِـي في سَرَبه، والثعلب في جُحْرِه، وتَسَرَّبَ: دخل.
ومَسارِب الـحَيَّاتِ: مَواضِـعُ آثارها إِذا انْسابَتْ في الأَرض على
بُطُونِها.
والسَّرَبُ: القَناةُ الجَوْفاءُ التي يدخل منها الماءُ الحائِطَ.
(يتبع...)
(تابع... 1): سرب: السَّرْبُ: المالُ الرَّاعي؛ أَعْني بالمال الإِبِلَ. وقال ابن... ...
والسَّرَب، بالتحريك: الماءُ السائِلُ. ومِنهم مَن خَصَّ فقال: السائِلُ من الـمَزادَة ونحوها. سَرِبَ سَرَباً إِذا سَالَ، فهو سَرِبٌ، وانْسَرَب، وأَسْرَبَــه هو، وسَرَّبَه؛ قال ذو الرمة:
ما بالُ عَيْنِكَ، منها الماءُ، يَنْسَكِبُ؟ * كأَنـَّه، منْ كُلى مَفْرِيَّةٍ، سَرَبُ
قال أَبو عبيدة: ويروى بكسر الراءِ؛ تقول منه سَرِبَت الـمَزادة،
بالكسر، تَسْرَب سرَباً، فهي سَرِبَةٌ إِذا سَالَت.
وتَسْريبُ القِرْبة: أَن يَنْصَبَّ فيها الماءُ لتَنْسَدَّ خُرَزُها.
ويقال: خرجَ الماءُ سَرِباً، وذلك إِذا خرج من عُيونِ الخُرَزِ.
وقال اللحياني: سَرِبَتِ العَيْنُ سَرَباً، وسَرَبَتْ تَسْرُبُ سُروباً،
وتَسَرَّبَت: سالَتْ.
والسَّرَبُ: الماءُ يُصَبُّ في القِرْبة الجديدة، أو الـمَزادةِ، ليَبْتَلَّ السَّيْرُ حتى يَنْتَفِـخَ، فتَسْتَدَّ مواضع الخَرْزِ؛ وقد سَرَّبَها فَسَرِبَتْ سَرَباً.
ويقال: سَرِّبْ قِرْبَتَك أَي اجعلْ فيها ماءً حتى تَنْتَفِـخَ عيونُ
الخُرَز، فتَستَدَّ؛ قال جرير:
نَعَمْ، وانْهَلَّ دَمْعُكَ غيرَ نَزْرٍ، * كما عَيَّنْت بالسَّرَبِ الطِّبابَا
أَبو مالك: تَسَرَّبْتُ من الماءِ ومن الشَّرابِ أَي تَمَـَّلأْتُ.
وطَريقٌ سَرِبٌ: تَتابَعَ الناسُ فيه؛ قال أَبو خِراشٍ:
فِي ذَاتِ رَيْدٍ، كزلق الرخ مُشْرِفَةٍ، * طَريقُها سَرِبٌ، بالناسِ دُعْبُوبُ(1)
(1 قوله «كزلق الرخ إلخ» هكذا في الأصل ولعله كرأس الزج.)
وتَسَرَّبُوا فيه: تَتابَعُوا.
والسَّرْبُ: الخَرْزُ، عن كُراعٍ.
والسَّرْبةُ: الخَرْزة. وإِنَّكَ لتُريدُ سَرْبةً أَي سَفَراً قَريباً، عن ابن الأَعرابي.
شمر: الأَسْرابُ من الناسِ: الأَقاطِـيعُ، واحدها سِرْبٌ؛ قال: ولم
أَسْمَعْ سِرْباً في الناسِ، إِلا للعَجّاجِ؛ قال:
ورُبَّ أَسْرابِ حَجِـيجٍ نظمِ
والــأُسْرُبُ والــأُسْرُبُّ: الرَّصاصُ، أَعْجَمِـيٌّ، وهو في الأَصْل
سُرْبْ.
والــأُسْرُبُ: دُخانُ الفِضَّةِ، يَدخُلُ في الفَمِ والخَيْشُومِ والدُّبُرِ فيُحْصِرُه، فرُبَّما أَفْرقَ،
ورُبَّما ماتَ. وقد سُرِبَ الرجل، فهو مَسْرُوبٌ سَرْباً. وقال شمر: الــأُسْرُبُ، مخفَّف الباءِ، وهو بالفارسية سُرْبْ، واللّه أَعلم.
سرف: السَّرَف والإسْرافُ: مُجاوزةُ القَصْدِ. وأَسرفَ في ماله: عَجِلَ
من غير قصد، وأَما السَّرَفُ الذي نَهَى اللّه عنه، فهو ما أُنْفِقَ في
غير طاعة اللّه، قليلاً كان أَو كثيراً. والإسْرافُ في النفقة: التبذيرُ.
وقوله تعالى: والذين إذا أَنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا ولم يَقْتُروا؛ قال
سفيان: لم يُسْرِفُوا أَي لم يضَعُوه في غير موضعه ولم يَقْتُروا لم
يُقَصِّروا به عن حقه؛ وقوله ولا تُسْرِفوا، الإسْرافُ أَكل ما لا يحل أَكله،
وقيل: هو مُجاوزةُ القصد في الأَكل مما أَحلَّه اللّه، وقال سفيان:
الإسْراف كل ما أُنفق في غير طاعة اللّه، وقال إياسُ بن معاوية: الإسرافُ ما
قُصِّر به عن حقّ اللّه. والسَّرَفُ: ضدّ القصد. وأَكَلَه سَرَفاً أَي في
عَجَلة. ولا تأْكلُوها إسْرافاً وبِداراً أَن يَكْبَرُوا أَي ومُبادَرة
كِبَرهِم، قال بعضهم: إِسْرافاً أَي لا تَأَثَّلُوا منها وكلوا القوت على
قدر نَفْعِكم إياهم، وقال بعضهم: معنى من كان فقيراً فليأْكل بالمعروف أَي
يأْكل قَرْضاً ولا يأْخذْ من مال اليتيم شيئاً لأَن المعروف أَن يأْكل
الإنسان ماله ولا يأْكل مال غيره، والدليل على ذلك قوله تعالى: فإذا دفعتم
إليهم أَموالهم فأَشْهِدُوا عليهم. وأَسْرَفَ في الكلام وفي القتل:
أَفْرَط. وفي التنزيل العزيز: ومَن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سُلطاناً
فلا يُسرِف في القتل؛ قال الزجاج: اخْتُلِفَ في الإسراف في القتل فقيل: هو
أَنْ يقتل غير قاتل صاحبه، وقيل: أَن يقتل هو القاتلَ دون السلطان، وقيل:
هو أَن لا يَرْضى بقتل واحد حتى يقتل جماعةً لشرف المقتول وخَساسة
القاتل أَو أَن يقتل أَشرف من القاتل؛ قال المفسرون: لا يقتل غير قاتله وإذا
قتل غير قاتله فقد أَسْرَفَ، والسَّرَفُ: تجاوُزُ ما حُدَّ لك.
والسَّرَفُ: الخطأُ، وأَخطأَ الشيءَ: وَضَعَه في غير حَقِّه؛ قال جرير يمدح بني
أُمية:
أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدوها ثمانِيةٌ،
ما في عَطائِهمُ مَنٌّ ولا سَرَفُ
أَي إغْفالٌ، وقيل: ولا خطأ، يريد أَنهم لم يُخْطِئوا في عَطِيَّتِهم
ولكنهم وضَعُوها موضعها أَي لا يخْطِئون موضع العَطاء بأَن يُعْطُوه من لا
يَسْتَحقُّ ويحرموه المستحق. شمر: سَرَفُ الماء ما ذهَب منه في غير سَقْي
ولا نَفْع، يقال: أَروت البئرُ النخيلَ وذهب بقية الماء سَرَفاً؛ قال
الهذلي:
فكأَنَّ أَوساطَ الجَدِيّةِ وَسْطَها،
سَرَفُ الدِّلاء من القَلِيبِ الخِضْرِم
وسَرِفْتُ يَمينَه أَي لم أَعْرِفْها؛ قال ساعِدةُ الهذلي:
حَلِفَ امْرِئٍ بَرٍّ سَرِفْتُ يَمِينَه،
ولِكُلِّ ما قال النُّفُوسُ مُجَرّبُ
يقول: ما أَخْفَيْتُك وأَظْهَرْت فإنه سيظهر في التَّجْرِبةِ.
والسَّرَفُ: الضَّراوةُ. والسَّرَفُ: اللَّهَجُ بالشيء. وفي الحديث: أَنَّ عائشة،
رضي اللّه عنها، قالت: إنَّ للَّحْم سَرَفاً كسَرَفِ الخمر؛ يقال: هو من
الإسْرافِ، وقال محمد بن عمرو: أَي ضَراوةً كضراوةِ الخمر وشدّة
كشدَّتها، لأَن من اعتادَه ضَرِيَ بأَكله فأَسْرَفَ فيه، فِعْلَ مُدَمِن الخمر في
ضَراوته بها وقلة صبره عنها، وقيل: أَراد بالسرَفِ الغفلة؛ قال شمر: ولم
أَسمع أَن أحداً ذَهب بالسَّرَفِ إلى الضراوة، قال: وكيف يكون ذلك
تفسيراً له وهو ضدّه؟ والضراوة للشيء: كثرةُ الاعتِياد له، والسَّرَف بالشيء:
الجهلُ به، إلا أَن تصير الضراوةُ نفسُها سَرَفاً، أَي اعتيادُه وكثرة
أَكله سرَفٌ، وقيل: السّرَفُ في الحديث من الإسرافِ والتبذير في النفقة
لغير حاجة أَو في غير طاعة اللّه، شبهت ما يَخْرج في الإكثار من اللحم بما
يخرج في الخمر، وقد تكرر ذكر الإسراف في الحديث، والغالب على ذكره الإكثار
من الذُّنُوب والخطايا واحْتِقابِ الأَوْزار والآثام. والسَّرَفُ:
الخَطَأُ. وسَرِفَ الشيءَ، بالكسر، سَرَفاً: أَغْفَلَه وأَخطأَه وجَهِلَه،
وذلك سَرْفَتُه وسِرْفَتُه. والسَّرَفُ: الإغفالُ. والسَّرَفُ:
الجَهْلُ.وسَرِفَ القومَ: جاوَزهم. والسَّرِفُ: الجاهلُ ورجل سَرِفُ الفُؤاد:
مُخْطِئُ الفُؤادِ غافِلُه؛ قال طَرَفةُ:
إنَّ امْرأً سَرِفَ الفُؤاد يَرى
عَسَلاً بماء سَحابةٍ شَتْمِي
سَرِفُ الفؤاد أَي غافل، وسَرِفُ العقل أَي قليل. أَبو زيادٍ الكلابي في
حديث: أَرَدْتكم فسَرِفْتُكم أَي أَغْفَلْتُكم. وقوله تعالى: من هو
مُسْرِفٌ مُرْتاب؛ كافر شاكٌّ. والسرَفُ: الجهل. والسرَفُ: الإغْفال. ابن
الأَعرابي: أَسْرَفَ الرجل إذا جاوز الحَدَّ، وأَسْرَفَ إذا أَخْطأَ،
وأَسْرَفَ إذا غَفَل، وأَسرف إِذا جهِلَ. وحكى الأَصمعي عن بعض الأعرابي وواعده
أَصحاب له من المسجد مكاناً فأخلفهم فقيل له في ذلك فقال: مررت
فسَرِفْتُكم أَي أَغْفَلْتُكم.
والسُّرْفةُ: دُودةُ القَزِّ، وقيل: هي دُوَيْبَّةٌ غَبْراء تبني بيتاً
حسَناً تكون فيه، وهي التي يُضرَبُ بها المثل فيقال: أَصْنَعُ من
سُرْفةٍ، وقيل: هي دُويبة صغيرة مثل نصف العَدَسة تثقب الشجرة ثم تبني فيها
بيتاً من عِيدانٍ تجمعها بمثل غزل العنكبوت، وقيل: هي دابة صغيرة جدّاً
غَبْراء تأْتي الخشبة فَتَحْفِرُها، ثم تأْتي بقطعة خشبة فتضعها فيها ثم أُخرى
ثم أُخرى ثم تَنْسِج مثل نَسْج العنكبوت؛ قال أَبو حنيفة: وقيل
السُّرْفةُ دويبة مثل الدودة إلى السواد ما هي، تكون في الحَمْض تبني بيتاً من
عيدان مربعاً، تَشُدُّ أَطراف العيدان بشيء مثل غَزْل العنكبوت، وقيل: هي
الدودة التي تنسج على بعض الشجر وتأْكل ورقه وتُهْلِكُ ما بقي منه بذلك
النسج، وقيل: هي دودة مثل الإصبع شَعْراء رَقْطاء تأْكل ورق الشجر حتى
تُعَرِّيَها، وقيل: هي دودة تنسج على نفسها قدر الإصْبع طولاً كالقرطاس ثم
تدخله فلا يُوصل إليها، وقيل: هي دويبة خفيفة كأَنها عنكبوت، وقيل: هي
دويبة تتخذ لنفسها بيتاً مربعاً من دقاق العيدان تضم بَعضها إلى بعض بلعابها
على مثال الناووس ثم تدخل فيه وتموت. ويقال: أَخفُّ من سُرْفة. وأَرض
سَرِفةٌ: كثيرة السُّرْفةِ، ووادٍ سَرِفٌ كذلك. وسَرِفَ الطعامُ إذا ائْتَكل
حتى كأَنَّ السرفة أَصابته. وسُرِفَتِ الشجرةُ: أَصابتها السُّرْفةُ.
وسَرِفَةِ السُّرْفةُ الشجرةَ تَسْرُفها سَرْفاً إذا أَكلت ورَقها؛ حكاه
الجوهري عن ابن السكيت. وفي حديث ابن عمر أَنه قال لرجل: إذا أَتيتَ مِنًى
فانتهيت إلى موضع كذا فإن هناك سَرْحةً لم تُجْرَدْ ولم تُسْرَفْ، سُرَّ
تحتها سبعون نبيّاً فانزل تحتها؛ قال اليزيدي: لم تُسْرَفْ لم تُصِبْها
السُّرْفةُ وهي هذه الدودة التي تقدَّم شرحها. قال ابن السكيت: السَّرْفُ،
ساكن الراء، مصدر سُرِفَتِ الشجرةُ تُسْرَفُ سَرْفاً إذا وقعت فيها
السُّرْفةُ، فهي مَسْرُوفةٌ. وشاة مَسروفَةٌ: مقطوعة الأُذن أَصلاً.
والأَُسْرُفُّ: الآنُكُ، فارسية معرَّبة.
وسَرِفٌ: موضع؛ قال قيس بن ذَريحٍ:
عَفا سَرِفٌ من أَهْله فَسُراوِعُ
وقد ترك بعضهم صَرْفَه جعله اسماً للبقعة؛ ومنه قول عيسى بن أَبي جهمة
الليثي وذكر قيساً فقال: كان قَيْسُ بن ذَريحٍ منَّا، وكان ظريفاً شاعراً،
وكان يكون بمكة ودونها من قُدَيْدٍ وسَرِف وحولَ مكة في بواديها. غيره:
وسَرِف اسم موضع. وفي الحديث: أَنه تزوّج مَيْمُونةً بِسَرِف، هو بكسر
الراء، موضع من مكة على عشرة أَميال، وقيل: أَقل وأكثر. ومُسْرِفٌ: اسم،
وقيل: هو لقب مسلم بن عُقْبَةَ المُرِّي صاحب وقْعةٍ الحَرَّة لأَنه قد
أَسْرفَ فيها؛ قال عليّ بن عبد اللّه بن العباس:
هُمُ مَنَعُوا ذِمارِي، يومَ جاءتْ
كتائِبُ مُسْرِفٍ، وبنو اللَّكِيعَهْ
وإسرافيلُ: اسم أعْجمي كأَنه مضاف إلى إيل، قال الأخفش: ويقال في لغة
إسْرافِينُ كما قالوا جِبْرِينَ وإِسْمعِينَ وإسْرائين، واللّه أَعلم.
أنك: الآنُك: الــأُسْرُبُّ وهو الرَّصاصُ القَلْعِيُّ، وقال كراع: هو
القزدير ليس في الكلام على مثال فاعُل غيره، فأَما كابُل فأَعجمي. وفي
الحديث: من استَمَعَ إِلى قَيْنَة صَبَّ الله الآنُك في أُذُنيه يوم القيامة؛
رواه ابن قتيبة. وفي الحديث: من استمع إِلى حديث قومٍ هُمْ له كارِهون
صبَّ في أُذنيه الآنُك يوم القيامة؛ قال القتيبي: الآنُك الــأَسْرُبُّ. قال
أَبو منصور: وأَحسبه معرَّباً، وقيل: هو الرَّصاص الأَبيض، وقيل الأَسود،
وقيل هو الخالص منه وإِن لم يجئ على أَفْعُل واحداً
غير هذا، فأَما أَشُدّ فمختلف فيه، هل هو واحد أَو جمع، وقيل: يحتمل أَن
يكون الآنُك فاعُلاً لا أَفْعُلاً، قال: وهو شاذ؛ قال الجوهري: أَفْعُل
من أَبنية الجمع ولم يجئ عليه للواحد إِلا آنُك وأَشُدّ، قال: وقد جاء
في شعر عربي والقطعة الواحدة آنُكَة؛ قال رؤبة:
في جِسْم جَدْل صَلْهَبيّ عَمَمُه،
يَأْنُك عن تَفْئِيمه مُفَأّمُه
قال الأَصمعي: لا أَدري ما يَأْنُك، وقال ابن الأَعرابي: يَأْنُك يعظم.
ردن: الرُّدْنُ، بالضم: أَصل الكُمّ. يقال: قميص واسع الرُّدْن. ابن
سيده: الرُّدْن مقدّم كمّ القميص، وقيل: هو أَسفله، وقيل: هو الكمّ كله،
والجمع أَرْدانٌ وأَرْدِنَة. وأَرْدَنْتُ القميصَ ورَدّنْته تَرْديناً: جعلت
له رُدْناً، وفي المحكم: جعلت له أَرْداناً؛ قال قيس بن الخَطِيم
الأَنصاري:
وعَمْرَةُ من سَرَواتِ النِّسا
ءِ تَنْفَحُ بالمسكِ أَرْدانُها
والأَرْدَنُ: ضرب من الخز الأَحمر. والرَّدَنُ، بالتحريك: القَزّ، وقيل:
الخَزّ، وقيل: الحرير؛ قال عدي بن زيد:
ولقد أَلْهُو ببِكْرٍ شادِنٍ،
مَسُّها أَلْيَنُ من مسِّ الرَّدَنْ.
وقال الأَعشى:
يَشُقُّ الأُمورَ ويَجْتابُها،
كشقِّ القَرارِيّ ثَوْبَ الرَّدَنْ
القراري: الخياط. وقال الليث في تفسير البيت: الرَّدَنُ الخز الأَصفر،
والرَّدَنُ الغزل يفتل إلى قدام، وقيل: هو الغزل المنكوس. وثوب مَرْدُونٌ:
منسوج بالغزل المَرْدُونِ. والمِرْدَنُ: المِغْزَلُ الذي يغزل به
الرَّدَنُ. والمُرْدِنُ: المُظْلم. وليل مُرْدِنٌ: مظلم. وعَرَقٌ مُرْدِنٌ
ومَرْدُون: قد نَمَّسَ الجسدَ كله؛ وأَما قول أَبي دُواد:
أَسْأَدَتْ ليلةً ويوماً، فلما
دخَلَتْ في مُسَرْبَخٍ مَرْدُونِ فإن
بعضهم قال: أَراد بالمردون المَرْدومَ، فأَبدل من الميم نوناً.
والمُسَرْبَخ: الواسع. وقال بعضهم: المَرْدُونُ الموصول. وقال شمر: المَرْدُونُ
المنسوج، قال: والرَّدَنُ الغزل، أَراد بقوله في مسربخ مردون الأَرض التي
فيها السراب، وقيل: الرَّدَنُ الغزل الذي ليس بمستقيم. وأَرْدَنَتِ
الحُمَّى: مثل أَرْدَمَتْ. وقال الفراء: رَدِنَ جلدُه، بالكسر، يَرْدَنُ
رَدَناً إذا تقبض وتشنج. وجمل رادِنيّ؛ جَعْدُ الوَبر كريم جميل يضرب إلى
السواد قليلاً. والرَّادِنيّ أَيضاً من الإبل: الشديدُ الحمرة؛ قال الأَصمعي:
ولا أَدري إلى أَي شيء نسب، قال أَبو الحسن: وقد يكون من باب قُمْرِيّ
وبُخْتِيّ فلا يكون منسوباً إلى شيء. الأَصمعي وغيره: إذا خالط حُمْرةَ
البعير صفرةٌ كالوَرْسِ قيل أَحمر رادِنيّ وبعير رادنيّ، وناقة رادِنيّة
إذا خالطت حمرتها صفرة كالورس. ويقال للشيء إذا خالط حمرته صفرة: أَحمرُ
رادِنيّ. والرَّدَنُ: الغِرْسُ الذي يخرج مع الولد في بطن أُمه. تقول
العرب: هذا مِدْرَعُ الرَّدَنِ. ورَدَنْتُ المَتاعَ رَدْناً: نَضَدْتُه.
والرَّدْنُ: صوتُ وَقْع السلاح بعضه على بعض. وأَرْمَكُ رادِنيّ: بالَغُوا به
كما قالوا أَبيضُ ناصِعٌ؛ عن ابن الأَعرابي. ورُدَيْنة: اسم امرأَة،
والرِّماحُ الرُّدَيْنِيَّةُ منسوبة إليها. الجوهري: القناةُ الرُّدَيْنيَّة
والرمح الرُّدَيْنيُّ زعموا أَنه منسوب إلى امرأَة السَّمْهَرِيّ، تسمى
رُدَيْنة، وكانا يُقَوِّمانِ القَنا بخَطِّ هَجَرَ. قال: وفي كلام بعضهم
خَطِّيَّة رُدْنٌ ورماح لُدْنٌ. والرَّادِنُ: الزعفران؛ وينشد للأَغلب:
وأَخَذَتْ من رَادِنٍ وكُرْكُمِ
قال ابن بري: صواب إنشاده بالفاء؛ وهو:
فبَصُرَتْ بعَزَبٍ مُلأّمِ،
فأَخَذَتْ من رادِنٍ وكُرْكُمِ
ابن السكيت: الأُرْدُنُّ النُّعاس الغالب، بالضم والتشديد؛ قال الجوهري:
ولم يسمع منه فعل. ونَعْسَةٌ أُرْدُنّ: شديدة؛ قال أَبّاقٌ الدُّبيري:
قد أَخْذَتْني نَعْسَةٌ أُرْدُنُّ،
ومَوْهَبٌ مُبْزٍ بها مُصِنُّ.
قوله: مُبز أَي قوي عليها؛ يقول: إن مَوْهَباً صبور على دفع النوم وإن
كان شديد النعاس؛ قال: وبه سمي الأُرْدُنُّ البلدُ. والأُرْدُنُّ: أَحد
أَجناد الشام، وبعضهم يخففها. التهذيب: الأُرْدُنّ أَرض بالشام. الجوهري:
الأُرْدُن اسم نهر وكُورةٍ بأَعلى الشام، والله أَعلم.
سقف: السَّقْفُ: غِماءُ البيت، والجمع سُقُفٌ وسُقُوفٌ، فأَما قراءة من
قرأ: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبُيوتهم سَقْفاً من فِضَّة. فهو واحد يدل
على الجمع، أَي لجعلنا لبيت كل واحد منهم سَقْفاً من فِضّة، وقال الفراء
في قوله سُقُفاً من فضة: إن شئت جعلت واحدتها سَقِيفةً، وإن شئت جعلتها
جمع الجمع كأَنك قلت سَقْفاً وسُقُوفاً ثم سُقُفاً كما قال:
حتى إذا بُلَّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ
وقال الفراء: سُقُفاً إنما هو جمع سَقِيفٍ كما تقول كَثِيبٌ وكُثُبٌ،
وقد سَقَفَ البيتَ يَسْقَفُه سَقْفاً والسماء سَقْفٌ على الأَرض، ولذلك
ذكِّر في قوله تعالى: السماء مُنْفَطِرٌ به، والسَّقْفِ المرفوعِ. وفي
التنزيل العزيز: وجعلنا السماء سَقْفاً محفوظاً. والسَّقِيفةُ: كل بناء
سُقِفَتْ به صُفَّةٌ أَو شِبْهُها مـما يكون بارِزاً، أُلْزِمَ هذا الاسمَ
لِتَفْرِقةِ ما بين الأَشياء. والسَّقْفُ: السماء.
والسّقيفَةُ: الصُّفَّةُ، ومنه سَقِيفةُ بني ساعِدةَ. وفي حديث اجتماع
المهاجرين والأَنصار في سَقيفِة بني ساعدةَ: هي صُفّة لها سَقْف، فَعيلةٌ
بمعنى مفعُولة. ابن سيده: وكل طريقةٍ دقيقةٍ طويلةٍ من الذهب والفِضة
ونحوهما من الجوهر سَقِيفَةٌ. والسّقِيفةُ: لَوْحُ السّفينةِ، والجمع
سَقائفُ، وكلُّ ضريبةٍ من الذهب والفضة إذا ضُرِبَتْ دقيقةً طويلةً سَقِيفةٌ؛
قال بِشر بن أَبي خازم يصفُ سفينةً:
مُعَبَّدةِ السَّقائِف ذات دُسْرٍ،
مُضَبّرَةٍ جوانِبُها رداحِ
والسّقائِفُ: طوائفُ ناموسِ الصائد؛ قال أَوْس بن حَجَر:
فَلاقَى عليها، من صباحَ، مُدمِّراً،
لِنامُوسِه من الصّفِيحِ سَقائِفُ
وهي كل خشَبة عَرِيضةٍ أَو حَجر سُقِفَتْ به قُتْرة. غيره: والسّقيفةُ
كلُّ خشبة عريضة كاللوح أَو حجر عريض يُستطاع أَن يُسَقّفَ به قترةٌ أَو
غيرها، وأَنشد بيت أَوس بن حجر، والصادُ لغة فيها. والسّقائِفُ: عِيدانُ
المُجَبِّر كلُّ جِبارةٍ منها سَقِيفة؛ قال الفرزدق:
وكنت كَذِي ساقٍ تَهَيَّضَ كَسْرُها،
إذا انْقَطَعَتْ عنها سُيُورُ السَّقائِفِ
الليث: السَّقِيفةُ خشبة عريضةٌ طويلة توضع، يُلَفُّ عليها البَوارِي،
فوق سُطوحِ أَهل البصرة. والسّقائفُ: أَضْلاعُ البعير. التهذيب: وأَضلاعُ
البعير تسمى سَقائِفَ جَنْبَيْه، كل واحد منها سَقيفةٌ.
والسَّقَفُ: أَن تَمِيلَ الرِّجلُ على وحْشِيّها. والسَّقَفُ، بالتحريك:
طول في انحناء، سَقِفَ سَقَفاً، وهو أَسْقَفُ. وفي مَقْتَلِ عثمان، رضي
اللّه عنه: فأَقبل رجل مُسَقَّفٌ بالسِّهامِ فأَهْوَى بها إليه، أَي
طويل، وبه سمِّي السَّقْفُ لِعُلُوِّه وطول جِدارِه. والمُسَقّفُ:
كالأَسْقَفِ وهو بَيِّنُ السَّقَفِ، ومنه اشْتُقَّ أُسْقُفُّ النصارى لأَنه
يَتَخاشعُ؛ قال المسيب بن علس يذكر غَوّاصاً:
فانصَب أَسْقف رأْسه لبدٌ
نزعَتْ رباعيتاه الصَّبِرْ
(* هكذا بالأَصل.)
ونَعامة سَقْفاء: طويلة العُنق. والأَسْقَفُ: المُنْحني. وحكى ابن بري
قال: والسقفاء من صفة النعامة؛ وأَنشد:
والبَهْوُ بَهْوُ نَعامةٍ سَقْفاء
والأَسْقُفُّ: رئيس النصارى في الدِّين، أَعجمي تكلمت به العرب ولا نظير
له إلا أُسْرُبٌّ، والجمع أَساقِفُ وأَساقِفةٌ. وفي التهذيب:
والأَسْقُفُّ رأْس من رؤوس النصارى. وفي حديث أَبي سُفْيان وهِرَقْل: أَسْقَفَه على
نصارى الشام أَي جعله أُسْقُفاً عليهم وهو العالم الرئيس من عُلماء
النصارى، وهو اسم سُرْيانيّ، قال: ويحتمل أَن يكون سمي به لخُضُوعه وانحنائِه
في عِبادتِه. وفي حديث عمر رضي اللّه عنه: أُسقُفٌّ من سقِّيفاهُ؛ هو
مصدر كالخِلِّيفَى من الخِلافةِ، أَي لا يُمْنع من تَسَقُّفِه وما يُعانيه
من أَمر دينه وتقْدِمَته. ويقال: لَحْيٌ سَقْفٌ أَي طويل مُسْتَرْخٍ.
وقال الفراء: أَسْقُفُ اسم بلد، وقالوا أَيضاً: أُسْقُفُ نَجْرانَ.
وأَما قول الحجاج: إيايَ وهذه السُّقَفاء، فلا يعرف ما هو، وحكى ابن
الأَثير عن الزمخشري قال: قيل هو تصحيف، قال: والصواب شُفَعاء جمع شَفِيعٍ
لأَنهم كانوا يجتمعون إلى السلطان فَيَشْفَعُون في أَصحاب الجَرائِم،
فنهاهم عن ذلك لأَن كل واحد منهم يشفع للآخر كما نهاهم عن الاجتماع في قوله:
إيايَ وهذه الزَّرافاتِ.
وسُقْفٌ: موضع.
شدد: الشِّدَّةُ: الصَّلابةُ، وهي نَقِيضُ اللِّينِ تكون في الجواهر
والأَعراض، والجمع شِدَدٌ؛ عن سيبويه، قال: جاء على الأَصل لأَنه لم
يُشْبِهِ الفعل، وقد شَدَّه يَشُدُّه ويَشِدُّه شَدّاً فاشْتَدَّ؛ وكلُّ ما
أُحْكِمَ، فقد شُدَّ وشُدِّدَ؛ وشَدَّدَ هو وتشَادّ: وشيء شَدِيدٌ: بَيِّنُ
الشِّدَّةِ. وشيء شَديدٌ: مُشتَدٌّ قَوِيٌّ.
وفي الحديث: لا تَبيعُوا الحَبَّ حتى يَشْتَدَّ؛ أَراد بالحب الطعام
كالحنطة والشعير، واشتدَادُه قُوَّتُه وصلابَتُه. قال ابن سيده: ومن كلام
يعقوب في صفة الماء: وأَما ما كان شديداً سَقْيُهُ غليظاً أَمرُهُ؛ إِنما
يرِيدُ به مُشْتَدّاً سَقْيُه أَي صعباً.
وتقول: شَدَّ اللَّهُ مُلْكَه: وشَدَّدَه: قَوَّاه. والتشديد: خلاف
التخفيف. وقوله تعالى: وشدَدْنا ملكَه أَي قوَّيناه، وكان من تقوية ملكِه
أَنه كان يَحْرسُ محرابه في كل ليلة ثلاثة وثلاثون أَلفاً من الرجال؛ وقيل:
إِن رجلاً اسْتَعْدَى إِليه على رجل، فادّعى عليه أَنه أَخذ منه بقراً
فأَنكر المدّعَى عليه، فسأَل داودُ، عليه السلام، المدّعيَ البينة فلم
يُقِمْها، فرأَى داودُ في منامه أَن الله، عز وجل، يأْمره أَن يقتل المَدّعَى
عليه، فتثبت داود، عليه السلام، وقال: هو المنام، فأَتاه الوحي بعد ذلك
أَن يقتله فأَحضره ثم أَعلمه أَن الله يأْمرُه بقتله، فقال المدّعَى
عليه: إِن الله ما أَخَذَني بهذا الذنب وإِني قتلت أَبا هذا غِيلَة، فقتله
داود، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وذلك مما عظَّمَ الله به هَيْبَتَه
وشدَّدَ ملْكه. وشدَّ على يده: قوَّاه وأَعانه؛ قال:
فإِني، بحَمْدِ اللَّهِ، لا سَمَّ حَيَّةٍ
سَقَتْني، ولا شَدَّتْ على كفِّ ذابح
وشَدَدْتُ الشيءَ أَشُدُّه شَدّاً إِذا أَوثَقْتَه. قال الله تعالى:
فشُدُّوا الوَثاق. وقال تعالى: اشْدُدْ به أَزري. ابن الأَعرابي: يقال
حَلَبْتَ بالساعِدِ الأَشَدِّ أَي استعَنْتَ بمن يقومُ بأَمرك ويُعْنى بحاجتك.
وقال أَبو عبيد: يقال حَلَبْتُها بالساعِدِ الأَشَدِّ أَي حين لم
أَقْدِر على الرِّفْق أَخَذْتُه بالقُوَّةِ والشِّدَّةِ؛ ومثلُه قوله مُجاهرَةً
إِذا لم أَجِدْ مُخْتَلى. ومن أَمثالهم في الرجل يحرز بعض حاجته
ويَعْجِز عن تمامها: بَقِيَ أَشَدُّه. قال أَبو طالب: يقال إِنه كان فيما يحكى
عن البهائم أَن هرّاً كان قد أَفنى الجُرْذان، فاجتمع بقيتها وقلن:
تعالَيْن نحتال بحيلة لهذا الهرّ، فأَجمع رأْيُهن على تعليق جُلْجُل في رقبته،
فإِذا رآهن سمعن صوت الجلجل فهربن منه، فجئن بجلجل وشددنه في خيط ثم قلن:
من يعلقه في عنقه؟ فقال بعضهن: بقي أَشَدُّه؛ وقد قيل في ذلك:
أَلا آمْرُؤٌ يَعْقِدُ خَيْطَ الجُلْجُلِ
ورجل شديدٌ: قويٌّ، والجمع أَشِدّاءُ وشِدادٌ وشُددٌ: عن سيبويه، قال:
جاء على الأَصل لأَنه لم يشبه الفعل. وقد شَدَّ يشِدّ، بالكسر لا غير،
شِدَّةً إِذا كان قويّاً، وشادَّه مُشادَّة وشِداداً: غالبه. وفي الحديث:
مَن يُشادّ هذا الدِّينَ يَغْلِبُه؛ أَراد يَغْلِبُه الدينُ، أَي من
يُقاويه ويعاوِمُه ويُكَلِّف نفسه من العبادة فوق طاقته.
والمُشادَدَة: المُغالَبَة، وهو مثل الحديث الآخر: إِن هذا الدينَ
مَتِينٌ فأَوْغِلْ فيه برفق.
وأَشَدَّ الرجلُ إِذا كانت دوابُّه شِداداً.
والمُشادَّة في الشيء: التَّشَدُّد فيه. ويقال للرجل
(* قوله «ويقال
للرجل» كذا بالأَصل ولعل الأَولى ويقول الرجل) إِذا كُلِّفَ عملاً: ما أَملك
شَدّاً ولا إِرخاءً أَي لا أَقدر على شيء. وشَدَّ عَضُدَه أَي قَوَّاه.
واشْتَدَّ الشيءُ: من الشِّدَّة. أَبو زيد: أَصابَتْني شُدَّى على
فُعْلَى أَي شِدَّة.
وأَشَدَّ الرجل إِذا كانت معه دابة شديدة. وفي الحديث: يَرُدُّ
مُشِدُّهُمْ على مُضْعِفِهِمْ؛ المُشِدُّ: الذي دوابه شَديدة قوية، والمُضْعِفُ:
الذي دوابه ضعيفة. يريد أَن القويّ من الغُزاة يُساهِمُ الضعيف فيما
يَكْسِبه من الغنيمة.
والشَّديدُ من الحروف ثمانية أَحرف وهي: الهمزة والقاف والكاف والجيم
والطاء والدال والتاء والباء، قال ابن جني: ويجمعها في اللفظ قولك:
«أَجَدْتَ طَبَقَكَ، وأَجِدُكَ طَبَقْتَ». والحروف التي بين الشديدة والرخوة
ثمانية وهي: الأَلف والعين والياء واللام والنون والراء والميم والواو
يجمعها في اللفظ قولك: «لم يُرَوِّعْنا» وإِن شئت قلت «لم يَرَ عَوْناً» ومعنى
الشديد أَنه الحرف الذي يمنع الصوت أَن يجْرِيَ فيه، أَلا ترى أَنك لو
قلت الحق والشرط ثم رمت مدّ صوتك في القاف والطاء لكان ممتنعاً؟ ومِسْكٌ
شَديدُ الرائحة: قويها ذَكِيُّها. ورجل شديد العين: لا يغلبه النوم، وقد
يستعار ذلك في الناقة؛ قال الشاعر:
باتَ يقاسى كلَّ نابٍ ضِرِزَّةٍ،
شَديدةِ حَفْنِ العَينِ، ذاتِ ضَرِيرِ
وقوله تعالى: ربنا اطمس على أَموالهم واشدد على قلوبهم؛ أَي اطبع على
قلوبهم.
والشِّدَّة: المَجاعة. والشَّدائِدُ: الهَزاهِزُ. والشِّدَّة: صعوبة
الزمن؛ وقد اشتدَّ عليهم. والشِّدَّة والشَّدِيدَةُ من مكاره الدهر، وجمعها
شَدائد، فإِذا كان جمع شديدة فهو على القياس، وإِذا كان جمع شدّة فهو
نادر. وشِدَّة العيْش: شَظَفُه. ورجل شَدِيد: شحيح. وفي التنزيل العزيز:
وإِنه لحبِّ الخيرِ لشديد؛ قال أَبو إِسحق: إِنه من أَجل حُبِّ المال لبخيل.
والمُتَشَدِّدُ: البخيل كالشديد؛ قال طرفة:
أَرى المَوْتَ يَعْتامُ الكِرامَ، ويَصْطَفي
عَقِيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
وقول أَبي ذؤَيب:
حَدَرْناهُ بالأَثوابِ في قَعْرِ هُوَّةٍ
شديدٍ، على ما ضُمَّ في اللَّحْدِ، جُولُها
أَراد شَحِيحٍ على ذلك. وشَدَّدَ الضَّرْبَ وكلَّ شيء: بالَغَ فيه.
والشَّدُّ: الحُضْرُ والعَدْوُ، والفعل اشْتَدَّ أَي عدا. قال ابن
رُمَيْضٍ العنبري، ويقال رُمَيْصٍ، بالصاد المهملة:
هذا أَوانُ الشَّدِّ فاشْتَدِّي زِيَمْ.
وزِيَم: اسم فرسه؛ وفي حديث الحجاج:
هذا أَوانُ الحرب فاشْتَدِّي زِيَمْ
هو اسم ناقته أَو فرسه. وفي حديث القيامة: كحُضْرِ الفَرَس ثم كشَدِّ
الرجل الشَّديدِ العَدْوِ؛ ومنه حديث السَّعْي: لا يَقْطَع الوادي إِلاَّ
شَدّاً أَي عَدْواً. وفي حديث أُحد: حتى رأَيت النساء يَشْتَدِدْنَ في
الجبل أَي يَعْدُون؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاءت اللفظة في كتاب الحميدي،
والذي جاء في كتاب البخاري يشْتَدْنَ، بدال واحدة، والذي جاء في غيرهما
يُسْنِدْنَ، بسين مهملة ونون، أَي يُصَعِّدْنَ فيه، فإِن صحت الكلمة على ما
في البخاري، وكثيراً ما يجيءُ أَمثالها في كتب الحديث، وهو قبيح في
العربية لأَن الإِدغام إِنما جاز في الحرف المُضَعَّفِ، لما سكن الأَول وتحرك
الثاني، فأَما مع جماعة النساء فإِن التضعيف يظهر لأَن ما قبل نون النساء
لا يكون إِلا ساكناً فيلتقي ساكنان، فيحرك الأَوّل وينفك الإِدغام فتقول
يشتددن، فيمكن تخريجه على لغة بعض العرب من بكر بن وائل، يقولون رَدْتُ
ورَدْتِ وَرَدْنَ، يريدون رَدَدْتُ ورَدَدْتِ ورَدَدْنَ، قال الخليل:
كأَنهم قدروا الإِدغام قبل دخول التاء والنون، فيكون لفظ الحديث يَشْتَدْنَ.
وشدّ في العَدْوِ شدّاً واشْتَدَّ: أَسْرَعَ وعَدَا. وفي المثل: رُبَّ
شَدٍّ في الكُرْزِ؛ وذلك أَنّ رجلاً خرج يركض فرساً له فرمت بِسَخْلَتِها
فأَلقاها في كُرْزٍ بين يديه، والكرز الجُوالِقُ، فقال له إِنسان: لِمَ
تحمله، ما تصنع به؟ فقال: رُبَّ شَدٍّ في الكُرْزِ؛ يقول: هو سريع الشدِّ
كأُمه؛ يُضْرَبُ للرجل يُحْتَقَرُ عندك وله خَبَرٌ قد علمته أَنت؛ قال
عمرو ذو الكلب:
فَقُمْتُ لا يَشْتَدُّ شَدِّي ذو قَدَم
جاء بالمصدر على غير الفعل ومثله كثير؛ وقول مالك بن خالد الخُناعي:
بأَسَرعِ الشَّدِّ مني، يومَ لا نِيَةٌ،
لَمَّا عَرَفْتُهم، واهْتَزَّتِ اللِّمَمُ
يريد بأَسَرعَ شدّاً مني، فزاد اللام كَزيادتها في بنات الأَوبر، وقد
يجوز أَن يريد بأَسرعَ في الشد فحذف الجار وأَوصَلَ الفِعْلَ. قال سيبويه:
وقالوا شَدَّ ما أَنَّكَ ذاهب، كقولك: حَقّاً أَنك ذاهب، قال: وإِن شئت
جعلت شَدَّ بمنزلة نِعْمَ كما تقول: نِعْمَ العملُ أَنك تقولُ الحَقَّ.
والشِّدَّة: النَّجْدَة وثَباتُ القلب. وكلُّ شَديدٍ شُجاعٌ. والشَّدة،
بالفتح: الحملة الواحدة. والشَّدُّ. الحَمْل. وشَدَّ على القوم في القتال
يَشِدُّ ويَشُدُّ شَدّاً وشُدوداً: حَمَلَ. وفي الحديث: أَلا تَشِدُّ
فَنَشِدَّ معك؟ يقال: شَدَّ في الحرب يَشِد، بالكسر؛ ومنه الحديث: ثم شَدَّ
عليه فكان كأَمْسِ الذاهب أَي حَمَلَ عليه فقتله. وشَدَّ فلان على
العدوِّ شَدَّة واحدة، وشدَّ شَدَّاتٍ كثيرة.
أَبو زيد: خِفْتُ شُدَّى فلانٍ أَي شِدَّته؛ وأَنشد:
فإِني لا أَلِينُ لِقَوْلِ شُدَّى،
ولو كانتْ أَشَدَّ من الحَديدِ
ويقال: أَصابَتْني شُدَّى بعدك أَي الشِّدَّةُ مُدَّةً.
وشَدَّ الذئب على الغنم شَدّاً وشُدُوداً: كذلك. ورُؤِيَ فارس يومَ
الكُلابِ من بني الحرث يَشِدُّ على القوم فيردّهم ويقول: أَنا أَبو شَدّادٍ،
فإِذا كرُّوا عليه رَدَّهم وقال: أَنا أَبو رَدَّاد. وفي حديث قيام شهر
رمضان: أَحْيا الليلَ وشَدَّ المِئْزر؛ وهو كناية عن اجتناب النساء، أَو
عن الجِدِّ والاجتهاد في العمل أَو عنهما معاً.
والأَشُدُّ: مَبْلَغُ الرجل الحُنْكَةَ والمَعْرِفَةَ؛ قال الله عز وجل:
حتى إِذا بلغ أَشُده؛ قال الفراء: الأَشُدُّ واحدها شَدٌّ في القياس،
قال: ولم أَسمع لها بواحد؛ وأَنشد:
قد سادَ، وهْو فَتىً، حتى إِذا بَلَغَتْ
أَشُدُّه، وعَلا في الأَمْرِ واجْتَمَعا
أَبو الهيثم: واحدة الأَنْعُم نعْمَةٌ وواحدة الأَشُدِّ شِدَّة. قال:
والشِّدَّة القُوَّة والجَلادَة. والشَّديدُ: الرجل القَوِيّ، وكأَنّ الهاء
في النعمة والشِّدَّة لم تكن في الحرف إِذ كانت زائدة، وكأَنّ الأَصلَ
نِعْمَ وشَدَّ فجمعا على أَفْعُل كما قالوا: رجُل وأَرجُل، وقَدَح
وأَقْدُح، وضِرْسٌ وأَضْرُس. ابن سيده: وبلغ الرجل أَشُدَّهُ إِذا اكْتَهَل.
وقال الزجاج: هو من نحو سبع عشرة إِلى الأَربعين. وقال مرة: هو ما بين
الثلاثين والأَربعين، وهو يذكر ويؤَنث؛ قال أَبو عبيد: واحدها شَدٌّ في
القياس؛ قال: ولم أَسمع لها بواحدة؛ وقال سيبويه: واحدتها شِدَّة كنِعْمَة
وأَنْعُم؛ ابن جني: جاء على حذف التاء كما كان ذلك في نِعْمَة وأَنْعُم. وقال
ابن جني: قال أَبو عبيد: هو جمع أَشَدّ على حذف الزيادة؛ قال: وقال أَبو
عبيدة: ربما استكرهوا على حذف هذه الزيادة في الواحد؛ وأَنشد بيت عنترة:
عَهْدِي به شَدَّ النَّهارِ، كأَنَّما
خُضِبَ اللَّبانُ ورأْسُه بالعِظْلِمِ
أَي أَشَدَّ النهار، يعني أَعلاه وأَمْتَعَه. قال ابن سيده: وذهب أَبو
عثمان فيما رويناه عن أَحمد بن يحيى عنه أَنه جمع لا واحد له. وقال
السيرافي: القياس شَدٌّ وأَشُدّ كما يقال قَدٌّ وأَقُدٌّ، وقال مرة أُخرى: هو
جمع لا واحد له، وقد يقال بلغ أَشَدَّه، وهي قليلة؛ قال الأَزهري:
الأَشُدُّ في كتاب الله تعالى في ثلاثة معان يقرب اختلافها، فأَما قوله في قصة
يوسف، عليه السلام: ولمَّا بَلَغَ أَشُدَّه؛ فمعناه الإِدْراكُ والبلوغ
وحينئذ راودته امرأَة العزيز عن نفسه؛ وكذلك قوله تعالى: ولا تقْرَبوا مالَ
اليتيم إِلاَّ بالتي هي أَحسن حتى يبلغَ أَشُدَّه؛ قال الزجاج: معناه
احفظوا عليه ماله حتى يبلغَ أَشُدَّه فإِذا بلغ أَشُدَّه فادفعوا إِليه
ماله؛ قال: وبُلُوغُه أَشُدَّه أَن يُؤْنَسَ منه الرُّشْدُ مع أَن يكون
بالغاً؛ قال: وقال بعضهم: حتى يبلغ أَشده؛ حتى يبلغ ثمانيَ عَشْرَة سنة؛ قال
أَبو إِسحق: لست أَعرف ما وجه ذلك لأَنه إِن أَدْرَكَ قبل ثماني عَشْرَة
سنة وقد أُونِسَ منه الرشد فطلَبَ دفْعَ ماله إِليه وجب له ذلك؛ قال
الأَزهري: وهذا صحيح وهو قول الشافعي وقول أَكثر أَهل العلم. وفي الصحاح: حتى
يبلغ أَشدّه أَي قوته، وهو ما بين ثماني عَشْرة إِلى ثلاثين، وهو واحد
جاء على بناء الجمع مِثْلَ آنْكٍ وهو الــأُسْرُبُّ، ولا نظير لهما، ويقال:
هو جمع لا واحد له من لفظه، مِثْلُ آسالٍ وأَبابِيلَ وعَبادِيدَ
ومَذاكِيرَ. وكان سيبويه يقول: واحده شِدَّة وهو حسن في المعنى لأَنه يقال بلغ
الغلام شِدَّته، ولكن لا تجمع فِعْلة على أَفْعُل؛ وأَما أَنْعُم فإِنه جمع
نُعْم من قولهم يوم بُؤْس ويومُ نُعْم. وأَما من قال واحده شَدٌّ مثل
كلب وأَكْلُب أَو شِدٌّ مثل ذئب وأَذؤب فإِنما هو قياس، كما يقولون في واحد
الأَبابيلِ إِبَّوْل قياساً على عِجَّولٍ، وليس هو شيئاً سُمِعَ من
العرب. وأَما قوله تعالى في قصة موسى، صلوات الله على نبينا وعليه: ولما بلغ
أَشدّه واستوى؛ فإِنه قرن بلوغ الأَشُدِّ بالاستواءِ، وهو أَن يجتمع
أَمره وقوته ويكتهل ويَنْتَهِيَ شَبابُه. وأَما قول الله تعالى في سورة
الأَحقاف: حتى إِذا بلغ أَشُدَّه وبلغ أَربعين سنة؛ فهو أَقصى نهاية بلوغ
الأَشُدِّ وعند تمامها بُعِثَ محمد، صلى الله عليه وسلم، نبيّاً وقد اجتمعت
حُنْكَتُه وتمامُ عَقْلِه، فَبُلوغُ الأَشُدِّ مَحصورُ الأَول مَحْصُورُ
النِّهايةِ غير مَحْصُورِ ما بين ذلك.
وشَدَّ النهارُ أَي ارتفع. وشَدُّ النهار: ارتفاعُه، وكذلك شَدُّ
الضُّحَى. يقال: جئتك شَدَّ النهارِ وفي شَدِّ النهارِ، وشَدَّ الضُّحَى وفي
شَدِّ الضحى. ويقال: لقِيتُه شَدَّ النهار وهو حين يرتفع، وكذلك امتدَّ.
وأَتانا مَدَّ النهار أَي قبل الزوال حين مَضَى من النهار خَمْسَةٌ. وفي
حديث عِتْبانَ بنِ مالك: فَغَدا عليَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
بعْدَما اشْتَدَّ النهارُ أَي علا وارتفعت شمسه؛ ومنه قول كعب:
شَدَّ النهارِ ذراعَيْ عَ ْطَلٍ نَصَفٍ
قامَتْ، فَجاوَبَها نُكْدٌ مَثَاكِيلُ
أَي وقْتَ ارتفاعِه وعُلُوِّه. وشَدَّه أَي أَوثقه، يَشُدُّوه ويَشِدُّه
أَيضاً، وهو من النوادر. قال الفراء: ما كان من المضاعف على فَعَلْتُ
غيرَ واقع، فإِنّ يَفْعِلُ منه مكسور العين، مثل عفَّ يعِفُّ وخَفَّ
يَخِفُّ وما أَشبهه، وما كان واقعاً مثل مَدَدْتُ فإِنَّ يَفْعُل منه مضموم
إِلا ثلاثة أَحرف، شَدَّه يَشُدُّه ويَشِدُّهُ، وعَلَّه يَعُلُّه ويَعِلُّه
من العَلَلِ وهو الشُّرْب الثاني، ونَمَّ الحديثَ يَنُمُّه ويَنِمُّه،
فإِنْ جاء مثل هذا أَيضاً مما لم نسمعه فهو قليل، وأَصله الضم. قال: وقد
جاء حرف واحد بالكسر من غير أَن يَشْركَه الضم، وهو حَبَّهُ يَحِبُّهُ.
وقال غيره: شَدَّ فلان في حُضْرِه. وتَشَدَّدَتِ القَيْنَةُ إِذا جَهَدَتْ
نفسَها عند رفع الصوت بالغناء؛ ومنه قول طرفة:
إِذا نحنُ قُلْنا: أَسْمِعِينا، انْبَرَتْ لنا
على رِسْلِها مَطْرُوقَةً، لم تَشَدَّدِ
وشَدَّاد: اسم. وبنو شَدَّادٍ وبنو الأَشَدِّ: بطنان.
فلز: الفِلَزُّ والفِلِزُّ والفُلُزُّ: النُّحاس الأَبيض تجعل منه
القُدور العِظامُ المُفْرَغَةُ والهَاوُناتُ. والفِلَزُّ والفِلِزُّ: الحجارة،
وقيل: هو جميع جواهر الأَرض من الذهب والفضة والنحاس وأَشباهها وما يرمى
من خَبَثِها. وفي حديث عليّ، كرم الله وجهه: من فِلِزِّ اللُّجَيْنِ
والعِقْيانِ، وأَصله الصلابة والشدة والغلظ، ورواه ثعلب: الفُلُزُّ، ورواه
ابن الأَعرابي بالقاف، وسيأْتي ذكره. والفِلِزُّ أَيضاً، بالكسر وتشديد
الزاي: خَبَثُ ما أُذيب من الذهب والفضة والحديد وما يَنْفِيه الكِيرُ مما
يذاب من جواهر الأَرض. وفي الحديث: كلُّ فِلِزٍّ أُذيب، هو من ذلك. ورجل
فِلِزٌّ: غليظ شديد.
كون: الكَوْنُ: الحَدَثُ، وقد كان كَوْناً وكَيْنُونة؛ عن اللحياني
وكراع، والكَيْنونة في مصدر كانَ يكونُ أَحسنُ. قال الفراء: العرب تقول في
ذوات الياء مما يشبه زِغْتُ وسِرْتُ: طِرْتُ طَيْرُورَة وحِدْتُ حَيْدُودَة
فيما لا يحصى من هذا الضرب، فأَما ذوات الواو مثل قُلْتُ ورُضْتُ،
فإِنهم لا يقولون ذلك، وقد أَتى عنهم في أَربعة أَحرف: منها الكَيْنُونة من
كُنْتُ، والدَّيْمُومة من دُمْتُ، والهَيْعُوعةُ من الهُواع،
والسَّيْدُودَة من سُدْتُ، وكان ينبغي أَن يكون كَوْنُونة، ولكنها لما قَلَّتْ في
مصادر الواو وكثرت في مصادر الياءِ أَلحقوها بالذي هو أَكثر مجيئاً منها، إِذ
كانت الواو والياء متقاربتي المخرج. قال: وكان الخليل يقول كَيْنونة
فَيْعولة هي في الأَصل كَيْوَنونة، التقت منها ياء وواوٌ والأُولى منهما
ساكنة فصيرتا ياء مشددة مثل ما قالوا الهَيِّنُ من هُنْتُ، ثم خففوها فقالوا
كَيْنونة كما قالوا هَيْنٌ لَيْنٌ؛ قال الفراء: وقد ذهب مَذْهباً إِلا
أَن القول عِندي هو الأَول؛ وقول الحسن بن عُرْفُطة، جاهليّ:
لم يَكُ الحَقُّ سوَى أَنْ هاجَهُ
رَسْمُ دارٍ قد تَعَفَّى بالسَّرَرْ
إِنما أَراد: لم يكن الحق، فحذف النون لالتقاء الساكنين، وكان حكمه إِذا
وقعت النون موقعاً تُحَرَّكُ فيه فتَقْوَى بالحركة أَن لا يَحْذِفَها
لأَنها بحركتها قد فارقت شِبْهَ حروف اللِّينِ، إِذ كُنَّ لا يَكُنَّ إِلا
سَوَاكِنَ، وحذفُ النون من يكن أَقبح من حذف التنوين ونون التثنية
والجمع، لأَن نون يكن أَصل وهي لام الفعل، والتنوين والنون زائدان، فالحذف
منهما أَسهل منه في لام الفعل، وحذف النون أَيضاً من يكن أَقبح من حذف النون
من قوله: غير الذي قد يقال مِلْكذب، لأَن أَصله يكون قد حذفت منه الواو
لالتقاء الساكنين، فإِذا حذفت منه النون أَيضاً لالتقاء الساكنين أَجحفت
به لتوالي الحذفين، لا سيما من وجه واحد، قال: ولك أَيضاً أَن تقول إِن من
حرفٌ، والحذف في الحرف ضعيف إِلا مع التضعيف، نحو إِنّ وربَّ، قال: هذا
قول ابن جني، قال: وأَرى أَنا شيئاً غير ذلك، وهو أَن يكون جاء بالحق
بعدما حذف النون من يكن، فصار يكُ مثل قوله عز وجل: ولم يكُ شيئاً؛ فلما
قَدَّرَهُ يَك، جاء بالحق بعدما جاز الحذف في النون، وهي ساكنة تخفيفاً،
فبقي محذوفاً بحاله فقال: لم يَكُ الحَقُّ، ولو قَدَّره يكن فبقي محذوفاً،
ثم جاء بالحق لوجب أَن يكسر لالتقاء الساكنين فيَقْوَى بالحركة، فلا يجد
سبيلاً إِلى حذفها إِلا مستكرهاً، فكان يجب أَن يقول لم يكن الحق، ومثله
قول الخَنْجَر بن صخر الأَسدي:
فإِنْ لا تَكُ المِرآةُ أَبْدَتْ وَسامةً،
فقد أَبْدَتِ المِرآةُ جَبْهةَ ضَيْغَمِ
يريد: فإِن لا تكن المرآة. وقال الجوهري: لم يك أَصله يكون، فلما دخلت
عليها لم جزمتها فالتقى ساكنان فحذفت الواو فبقي لم يكن، فلما كثر
استعماله حذفوا النون تخفيفاً، فإِذا تحركت أَثبتوها، قالوا لم يَكُنِ الرجلُ،
وأَجاز يونس حذفها مع الحركة؛ وأَنشد:
إِذا لم تَكُ الحاجاتُ من همَّة الفَتى،
فليس بمُغْنٍ عنكَ عَقْدُ الرَّتائِمِ
ومثله ما حكاه قُطْرُب: أَن يونس أَجاز لم يكُ الرجل منطلقاً؛ وأَنشد
بيت الحسن بن عُرْفُطة:
لم يَكُ الحَقُّ سوى أَن هاجَه
والكائنة: الحادثة. وحكى سيبوية: أَنا أَعْرِفُكَ مُذْ كنت أَي مذ
خُلِقْتَ، والمعنيان متقاربان. ابن الأَعرابي: التَّكَوُّنُ التَّحَرُّك، تقول
العرب لمن تَشْنَؤُه: لا كانَ ولا تَكَوَّنَ؛ لا كان: لا خُلِقَ، ولا
تَكَوَّن: لا تَحَرَّك أَي مات. والكائنة: الأَمر الحادث. وكَوَّنَه
فتَكَوَّن: أَحدَثَه فحدث. وفي الحديث: من رآني في المنام فقد رآني فإِن
الشيطان لا يتَكَوَّنُني، وفي رواية: لا يتَكَوَّنُ على صورتي
(* قوله «على
صورتي» كذا بالأصل، والذي في نسخ النهاية: في صورتي، أَي يتشبه بي ويتصور
بصورتي، وحقيقته يصير كائناً في صورتي) . وكَوَّنَ الشيءَ: أَحدثه. والله
مُكَوِّنُ الأَشياء يخرجها من العدم إلى الوجود. وبات فلان بكِينةِ سَوْءٍ
وبجِيبةِ سَوْءٍ أَي بحالة سَوءٍ. والمكان: الموضع، والجمع أَمْكِنة
وأَماكِنُ، توهَّموا الميم أَصلاً حتى قالوا تَمَكَّن في المكان، وهذا كما
قالوا في تكسير المَسِيل أَمْسِلة، وقيل: الميم في المكان أَصل كأَنه من
التَّمَكُّن دون الكَوْنِ، وهذا يقويه ما ذكرناه من تكسيره على
أَفْعِلة؛ وقد حكى سيبويه في جمعه أَمْكُنٌ، وهذا زائد في الدلالة على أَن وزن
الكلمة فَعَال دون مَفْعَل، فإن قلت فان فَعَالاً لا يكسر على أَفْعُل إلا
أَن يكون مؤنثاً كأَتانٍ وآتُنٍ. الليث: المكان اشتقاقُه من كان يكون،
ولكنه لما كثر في الكلام صارت الميم كأَنها أَصلية، والمكانُ مذكر، قيل:
توهموا
(* قوله «قيل توهموا إلخ» جواب قوله فان قيل فهو من كلام ابن سيده،
وما بينهما اعتراض من عبارة الازهري وحقها التأخر عن الجواب كما لا
يخفى) . فيه طرح الزائد كأَنهم كَسَّروا مَكَناً وأَمْكُنٌ، عند سيبويه، مما
كُسِّرَ على غير ما يُكَسَّرُ عليه مثلُه، ومَضَيْتُ مَكانتي ومَكِينَتي
أي على طِيَّتي. والاستِكانة: الخضوع. الجوهري: والمَكانة المنزلة.
وفلانٌ مَكِينٌ عند فلان بَيِّنُ المكانة. والمكانة: الموضع. قال تعالى: ولو
نشاءُ لمَسَخْناهم على مَكانتهم؛ قال: ولما كثرلزوم الميم تُوُهِّمت
أَصلية فقيل تَمَكَّن كما قالوا من المسكين تَمَسْكَنَ؛ ذكر الجوهري ذلك في
هذه الترجمة، قال ابن بري: مَكِينٌ فَعِيل ومَكان فَعال ومَكانةٌ فَعالة
ليس شيء منها من الكَوْن فهذا سهوٌ، وأَمْكِنة أَفْعِلة، وأَما تمسكن فهو
تَمَفْعل كتَمَدْرَع مشتقّاً من المِدْرَعة بزيادته، فعلى قياسه يجب في
تمكَّنَ تمَكْونَ لأَنه تمفْعل على اشتقاقه لا تمكَّنَ، وتمكَّنَ وزنه
تفَعَّلَ، وهذا كله سهو وموضعه فصل الميم من باب النون، وسنذكره هناك.
وكان ويكون: من الأَفعال التي ترفع الأَسماء وتنصب الأَخبار، كقولك كان
زيد قائماً ويكون عمرو ذاهباً، والمصدر كَوْناً وكياناً. قال الأَخفش في
كتابه الموسوم بالقوافي: ويقولون أَزَيْداً كُنْتَ له؛قال ابن جني:
ظاهره أَنه محكيّ عن العرب لأَن الأَخفش إنما يحتج بمسموع العرب لا بمقيس
النحويين، وإذا كان قد سمع عنهم أَزيداً كنت له، ففيه دلالة على جواز
تقديم خبر كان عليها، قال: وذلك انه لا يفسر الفعل الناصب المضمر إلا بما
لو حذف مفعوله لتسلط على الاسم الأَول فنصبه، أَلا تَراكَ تقول أَزيداً
ضربته، ولو شئت لحذفت المفعول فتسلطتْ ضربت هذه الظاهرة على زيد نفسه
فقلت أَزيداً ضربت، فعلى هذا قولهم أَزيداً كنت له يجوز في قياسه أَن تقول
أَزيداً كُنْتَ، ومثَّل سيبويه كان بالفعل المتعدِّي فقال: وتقول
كُنّاهْم كما تقول ضربناهم، وقال إذا لم تَكُنْهم فمن ذا يَكُونُهم كما تقول
إذا لم تضربهم فمن ذا يضربهم، قال: وتقول هو كائِنٌ ومَكُونٌ كما تقول
ضارب ومضروب. غيره: وكان تدل على خبر ماضٍ في وسط الكلام وآخره، ولا
تكون صلَةً في أَوَّله لأَن الصلة تابعة لا متبوعة؛ وكان في معنى جاء
كقول الشاعر:
إذا كانَ الشِّتاءُ فأَدْفئُوني،
فإنَّ الشَّيْخَ يُهْرِمُه الشِّتاءُ
قال: وكان تأْتي باسم وخبر، وتأْتي باسم واحد وهو خبرها كقولك كان
الأَمْرُ وكانت القصة أي وقع الأَمر ووقعت القصة، وهذه تسمى التامة
المكتفية؛ وكان تكون جزاءً، قال أَبو العباس: اختلف الناس في قوله تعالى: كيف
نُكَلِّمُ من كان في المَهْدِ صبيّاً؛ فقال بعضهم: كان ههنا صلة،
ومعناه كيف نكلم من هو في المهد صبيّاً، قال: وقال الفراء كان ههنا شَرْطٌ
وفي الكلام تعَجبٌ، ومعناه من يكن في المهد صبيّاً فكيف يُكَلَّمُ، وأَما
قوله عز وجل: وكان الله عَفُوّاً غَفُوراً، وما أَشبهه فإن أَبا إسحق
الزجاج قال: قد اختلف الناس في كان فقال الحسن البصري: كان الله عَفُوّاً
غَفُوراً لعباده. وعن عباده قبل أَن يخلقهم، وقال النحويون البصريون:
كأَنَّ القوم شاهَدُوا من الله رحمة فأُعْلِمُوا أَن ذلك ليس بحادث وأَن
الله لم يزل كذلك، وقال قوم من النحويين: كانَ وفَعَل من الله تعالى
بمنزلة ما في الحال، فالمعنى، والله أَعلم،. والله عَفُوٌّ غَفُور؛ قال أَبو
إسحق: الذي قاله الحسن وغيره أَدْخَلُ في العربية وأَشْبَهُ بكلام العرب،
وأَما القول الثالث فمعناه يؤُول إلى ما قاله الحسن وسيبويه، إلاَّ أن
كون الماضي بمعنى الحال يَقِلُّ، وصاحبُ هذا القول له من الحجة قولنا
غَفَر الله لفلان بمعنى لِيَغْفِر الله، فلما كان في الحال دليل على
الاستقبال وقع الماضي مؤدِّياً عنها استخفافاً لأَن اختلاف أَلفاظ الأَفعال إنما
وقع لاختلاف الأَوقات. وروي عن ابن الأَعرابي في قوله عز وجل: كُنتُم
خَيْرَ أُمَّة أُخرجت للناس؛ أَي أَنتم خير أُمة، قال: ويقال معناه كنتم
خير أُمة في علم الله. وفي الحديث: أَعوذ بك من الحَوْر بعد الكَوْنِ، قال
ابن الأَثير:الكَوْنُ مصدر كان التامَّة؛ يقال: كان يَكُونُ كَوْناً أَي
وُجِدَ واسْتَقَرَّ، يعني أَعوذ بك من النقص بعد الوجود والثبات، ويروى:
بعد الكَوْرِ، بالراء، وقد تقدم في موضعه. الجوهري: كان إذا جعلته عبارة
عما مضى من الزمان احتاج إلى خبر لأَنه دل على الزمان فقط، تقول: كان
زيد عالماً، وإذا جعلته عبارة عن حدوث الشيء ووقوعه استغنى عن الخبر لأَنه
دل على معنى وزمان، تقول: كانَ الأَمْرُ وأَنا أَعْرفُه مُذْ كان أَي
مُذْ خُلِقََ؛ قال مَقَّاسٌ العائذيّ:
فِداً لبَني ذُهْلِ بن شَيْبانَ ناقَتي،
إذا كان يومٌ ذو كواكبَ أَشْهَبُ
قوله: ذو كواكب أَي قد أَظلم فبَدَتْ كواكبُه لأَن شمسه كسفت بارتفاع
الغبار في الحرب، وإذا كسفت الشمس ظهرت الكواكب؛ قال: وقد تقع زائدة
للتوكيد كقولك كان زيد منطلقاً، ومعناه زيد منطلق؛ قال تعالى: وكان الله
غفوراً رحيماً؛ وقال أَبو جُندب الهُذَلي:
وكنتُ، إذ جاري دعا لمَضُوفةٍ،
أُشَمِّرُ حتى يَنْصُفَ الساقَ مِئْزَري
وإنما يخبر عن حاله وليس يخبر بكنت عمَّا مضى من فعله، قال ابن بري عند
انقضاء كلام الجوهري، رحمهما الله: كان تكون بمعنى مَضَى وتَقَضَّى، وهي
التامة، وتأْتي بمعنى اتصال الزمان من غير انقطاع، وهي الناقصة، ويعبر
عنها بالزائدة أَيضاً، وتأْتي زائدة، وتأَتي بمعنى يكون في المستقبل من
الزمان، وتكون بمعنى الحدوث والوقوع؛ فمن شواهدها بمعنى مضى وانقضى قول
أَبي الغول:
عَسَى الأَيامُ أَن يَرْجِعـ
نَ قوماً كالذي كانوا
وقال ابن الطَّثَرِيَّة:
فلو كنتُ أَدري أَنَّ ما كانَ كائنٌ،
وأَنَّ جَدِيدَ الوَصْلِ قد جُدَّ غابِرُهْ
وقال أَبو الأَحوصِ:
كم مِن ذَوِي خُلَّةٍ قبْلي وقبْلَكُمُ
كانوا، فأَمْسَوْا إلى الهِجرانِ قد صاروا
وقال أَبو زُبَيْدٍ:
ثم أَضْحَوْا كأَنهُم لم يَكُونوا،
ومُلُوكاً كانوا وأَهْلَ عَلاءِ
وقال نصر بن حجاج وأَدخل اللام على ما النافية:
ظَنَنتَ بيَ الأَمْرَ الذي لو أَتَيْتُه،
لَمَا كان لي، في الصالحين، مَقامُ
وقال أَوْسُ بن حجَر:
هِجاؤُكَ إلاَّ أَنَّ ما كان قد مَضَى
عَليَّ كأَثْوابِ الحرام المُهَيْنِم
وقال عبد الله بن عبد الأَعلى:
يا لَيْتَ ذا خَبَرٍ عنهم يُخَبِّرُنا،
بل لَيْتَ شِعْرِيَ، ماذا بَعْدَنا فَعَلُوا؟
كنا وكانوا فما نَدْرِي على وَهَمٍ،
أَنَحْنُ فيما لَبِثْنا أَم هُمُ عَجِلُوا؟
أَي نحن أَبطأْنا؛ ومنه قول الآخر:
فكيف إذا مَرَرْتَ بدارِ قَوْمٍ،
وجيرانٍ لنا كانُوا كرامِ
وتقديره: وجيرانٍ لنا كرامٍ انْقَضَوْا وذهب جُودُهم؛ ومنه ما أَنشده
ثعلب:
فلو كنتُ أَدري أَنَّ ما كان كائنٌ،
حَذِرْتُكِ أَيامَ الفُؤادُ سَلِيمُ
(* قوله «أيام الفؤاد سليم» كذا بالأصل برفع سليم وعليه ففيه مع قوله
غريم اقواء).
ولكنْ حَسِبْتُ الصَّرْمَ شيئاً أُطِيقُه،
إذا رُمْتُ أَو حاوَلْتُ أَمْرَ غَرِيمِ
ومنه ما أَنشده الخليل لنفسه:
بَلِّغا عنِّيَ المُنَجِّمَ أَني
كافِرٌ بالذي قَضَتْه الكَواكِبْ،
عالِمٌ أَنَّ ما يكُونُ وما كا
نَ قَضاءٌ من المُهَيْمِنِ واجِبْ
ومن شواهدها بمعنى اتصالِ الزمانِ من غير انقطاع قولُه سبحانه وتعالى:
وكان الله غفوراً رحيماً؛ أي لم يَزَلْ على ذلك؛ وقال المتلمس:
وكُنَّا إذا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه،
أَقَمْنا له من مَيْلِهِ فتَقَوَّما
وقول الفرزدق:
وكنا إذا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه،
ضَرَبْْناه تحتَ الأَنْثَيَينِ على الكَرْدِ
وقول قَيْسِ بن الخَطِيم:
وكنتُ امْرَأً لا أَسْمَعُ الدَّهْرَ سُبَّةً
أُسَبُّ بها، إلاَّ كَشَفْتُ غِطاءَها
وفي القرآن العظيم أَيضاً: إن هذا كان لكم جَزاءً وكان سَعْيُكُم
مَشْكُوراً؛ فيه: إنه كان لآياتِنا عَنِيداً؛ وفيه: كان مِزاجُها زَنْجبيلاً.
ومن أَقسام كان الناقصة أَيضاً أَن تأْتي بمعنى صار كقوله سبحانه: كنتم
خَيْرَ أُمَّةٍ؛ وقوله تعالى: فإذا انْشَقَّتِ السماءُ فكانت وَرْدَةً
كالدِّهانِ؛ وفيه: فكانت هَبَاءً مُنْبَثّاً؛ وفيه: وكانت الجبالُ
كَثِيباً مَهِيلاً؛ وفيه: كيف نُكَلِّمُ من كانَ في المَهْدِ صَبِيّاً؛ وفيه:
وما جَعَلْنا القِبْلَةَ التي كُنْتَ عليها؛ أَي صِرْتَ إليها؛ وقال ابن
أَحمر:
بتَيْهاءَ قَفْرٍ، والمَطِيُّ كأَنَّها
قَطا الحَزْنِ، قد كانَتْ فِراخاً بُيوضُها
وقال شَمْعَلَةُ بن الأَخْضَر يصف قَتْلَ بِسْطامِ ابن قَيْسٍ:
فَخَرَّ على الأَلاءَة لم يُوَسَّدْ،
وقد كانَ الدِّماءُ له خِمارَا
ومن أَقسام كان الناقصة أَيضاً أن يكون فيها ضميرُ الشأْن والقِصَّة،
وتفارقها من اثني عشر وجهاً لأَن اسمها لا يكون إلا مضمراً غير ظاهر، ولا
يرجع إلى مذكور، ولا يقصد به شيء بعينه، ولا يؤَكد به، ولا يعطف عليه،
ولا يبدل منه، ولا يستعمل إلا في التفخيم، ولا يخبر عنه إلا بجملة، ولا
يكون في الجملة ضمير، ولا يتقدَّم على كان؛ ومن شواهد كان الزائدة قول
الشاعر:
باللهِ قُولُوا بأَجْمَعِكُمْ:
يا لَيْتَ ما كانَ لم يَكُنِ
وكان الزائدةُ لا تُزادُ أَوَّلاً، وإنما تُزادُ حَشْواً، ولا يكون لها
اسم ولا خبر، ولا عمل لها؛ ومن شواهدها بمعنى يكون للمستقبل من الزمان
قول الطِّرمَّاح بن حَكِيمٍ:
وإني لآتِيكُمْ تَشَكُّرَ ما مَضَى
من الأَمْرِ، واسْتِنْجازَ ما كانَ في غَدِ
وقال سَلَمَةُ الجُعْفِيُّ:
وكُنْتُ أَرَى كالمَوْتِ من بَيْنِ سَاعَةٍ،
فكيفَ بِبَيْنٍ كانَ مِيعادُه الحَشْرَا؟
وقد تأْتي تكون بمعنى كان كقولِ زيادٍ الأَعْجَمِ:
وانْضَخْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بدِمائها،
ولَقَدْ يَكُونُ أَخا دَمٍ وذَبائِح
ومنه قول جَرِير:
ولقد يَكُونُ على الشَّبابِ بَصِيرَا
قال: وقد يجيء خبر كان فعلاً ماضياً كقول حُمَيْدٍ الأَرْقَطِ:
وكُنْتُ خِلْتُ الشَّيْبَ والتَّبْدِينَا
والهَمَّ مما يُذْهِلُ القَرِينَا
وكقول الفرزدق:
وكُنَّا وَرِثْناه على عَهْدِ تُبَّعٍ،
طَوِيلاً سَوارِيه، شَديداً دَعائِمُهْ
وقال عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ:
وكانَ طَوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنَّةٍ،
فَلا هُوَ أَبْداها ولم يَتَجَمْجَمِ
وهذا البيت أَنشده في ترجمة كنن ونسبه لزهير، قال: ونقول كانَ كَوْناً
وكَيْنُونة أَيضاً، شبهوه بالحَيْدُودَة والطَّيْرُورة من ذوات الياء،
قال: ولم يجيء من الواو على هذا إلا أَحرف: كَيْنُونة وهَيْعُوعة
ودَيْمُومة وقَيْدُودَة، وأَصله كَيْنُونة، بتشديد الياء، فحذفوا كما حذفوا من
هَيِّنٍ ومَيُِّتٍ، ولولا ذلك لقالوا كَوْنُونة لأَنه ليس في الكلام
فَعْلُول، وأَما الحيدودة فأَصله فَعَلُولة بفتح العين فسكنت. قال ابن بري:
أَصل كَيّنُونة كَيْوَنُونة، ووزنها فَيْعَلُولة، ثم قلبت الواو ياء فصار
كَيّنُونة، ثم حذفت الياء تخفيفاً فصار كَيْنُونة، وقد جاءت بالتشديد
على الأَصل؛ قال أَبو العباس أَنشدني النَّهْشَلِيُّ:
قد فارَقَتْ قَرِينَها القَرِينَه،
وشَحَطَتْ عن دارِها الظَّعِينه
يا ليتَ أَنَّا ضَمَّنَا سَفِينه،
حَتَّى يَعُودَ الوَصْل كَيّنُونه
قال: والحَيْدُودَة أَصل وزنها فَيْعَلُولة، وهو حَيْوَدُودَة، ثم فعل
بها ما فعل بكَيْنونة. قال ابن بري: واعلم أَنه يلحق بباب كان وأَخواتها
كل فِعْلٍ سُلِبَ الدِّلالةَ على الحَدَث، وجُرِّدَ للزمان وجاز في
الخبر عنه أَن يكون معرفة ونكرة، ولا يتم الكلام دونه، وذلك مثل عادَ
ورَجَعَ وآضَ وأَتى وجاء وأَشباهها كقول الله عز وجل: يَأْتِ بَصيراً؛ وكقول
الخوارج لابن عباس: ما جاءت حاجَتُك أَي ما صارت؛ يقال لكل طالب أَمر
يجوز أَن يَبْلُغَه وأَن لا يبلغه. وتقول: جاء زيدٌ الشريفَ أَي صار زيدٌ
الشريفَ؛ ومنها: طَفِق يفعل، وأَخَذ يَكْتُب، وأَنشأَ يقول، وجَعَلَ يقول.
وفي حديث تَوْبةِ كَعْبٍ: رأَى رجلاً لا يَزُول به السَّرابُ فقال كُنْ
أَبا خَيْثَمة أَي صِرْهُ. يقال للرجل يُرَى من بُعْدٍ: كُن فلاناً أَي
أَنت فلان أَو هو فلان. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه دخل المسجد
فرأَى رجلاً بَذَّ الهيئة، فقال: كُنْ أَبا مسلم، يعني الخَوْلانِيَّ.
ورجل كُنْتِيٌّ: كبير، نسب إلى كُنْتُ. وقد قالوا كُنْتُنِيٌّ، نسب إلى
كُنْتُ أَيضاً، والنون الأَخيرة زائدة؛ قال:
وما أَنا كُنْتِيٌّ، ولا أَنا عاجِنُ،
وشَرُّ الرِّجال الكُنْتُنِيُّ وعاجِنُ
وزعم سيبويه أَن إخراجه على الأَصل أَقيس فتقول كُونِيٌّ، على حَدِّ ما
يُوجِبُ النَّسَبَ إلى الحكاية. الجوهري: يقال للرجل إذا شاخ هو
كُنْتِيٌّ، كأَنه نسب إلى قوله كُنْتُ في شبابي كذا؛ وأَنشد:
فأَصْبَحْتُ كُنْتِيّاً، وأَصْبَحْتُ عاجِناً،
وشَرُّ خِصَالِ المَرْءِ كُنْتُ وعاجِنُ
قال ابن بري: ومنه قول الشاعر:
إذا ما كُنْتَ مُلْتَمِساً لِغَوْثٍ،
فلا تَصْرُخْ بكُنْتِيٍّ كبِيرِ
فَلَيْسَ بِمُدْرِكٍ شيئاً بَسَعْيِ،
ولا سَمْعٍ، ولا نَظَرٍ بَصِيرِ
وفي الحديث: أَنه دخل المسجدَ وعامَّةُ أَهله الكُنْتِيُّونَ؛ هم
الشُّيوخُ الذين يقولون كُنَّا كذا، وكانَ كذا، وكنت كذا، فكأَنه منسوب إلى
كُنْتُ. يقال: كأَنك والله قد كُنْتَ وصِرْتَ إلى كانَ أَي صرتَ إلى أَن
يقال عنك: كانَ فلان، أَو يقال لك في حال الهَرَم: كُنْتَ مَرَّةً كذا، وكنت
مرة كذا. الأَزهري في ترجمة كَنَتَ: ابن الأَعرابي كَنَتَ فلانٌ في
خَلْقِه وكان في خَلْقِه، فهو كُنْتِيٌّ وكانِيُّ. ابن بُزُرْج: الكُنْتِيُّ
القوي الشديد؛ وأَنشد:
قد كُنْتُ كُنْتِيّاً، فأَصْبَحْتُ عاجِناً،
وشَرُّ رِجال الناسِ كُنْتُ وعاجِنُ
يقول: إذا قام اعْتَجَن أَي عَمَدَ على كُرْسُوعه، وقال أَبو زيد:
الكُنْتِيُّ الكبير؛ وأَنشد:
فلا تَصْرُخْ بكُنْتِيٍّ كبير
وقال عَدِيُّ بن زيد:
فاكتَنِتْ، لا تَكُ عَبْداً طائِراً،
واحْذَرِ الأَقْتالَ مِنَّا والثُّؤَرْ
قال أَبو نصر: اكْتَنِتْ ارْضَ بما أَنت فيه، وقال غيره: الاكْتناتُ
الخضوع؛ قال أَبو زُبَيْدٍ:
مُسْتَضْرِعٌ ما دنا منهنَّ مُكْتَنِتٌ
للعَظْمِ مُجْتَلِمٌ ما فوقه فَنَعُ
قال الأَزهري: وأَخبرني المنذري عن أَبي الهيثم أَنه قال لا يقال
فَعَلْتُني إلا من الفعل الذي يتعدَّى إلى مفعولين، مثل ظَنَنْتُني ورأَيْتُني،
ومُحالٌ
أَن تقول ضَرَبْتُني وصَبَرْتُني لأَنه يشبه إضافة الفعل إلى ني، ولكن
تقول صَبَرْتُ نفسي وضَرَبْتُ نَفْسِي، وليس يضاف من الفعل إلى ني إلاّ
حرف واحد وهو قولهم كُنْتي وكُنْتُني؛ وأَنشد:
وما كُنْتُ كُنْتِيّاً، وما كُنْت عاجِناً،
وشَرُّ الرجالِ الكُنْتُنِيُّ وعاجِنُ
فجمع كُنْتِيّاً وكُنْتُنيّاً في البيت. ثعلب عن ابن الأَعرابي: قيل
لصَبِيَّةٍ من العرب ما بَلَغَ الكِبَرُ من أَبيك؟ قالت: قد عَجَنَ وخَبَزَ
وثَنَّى وثَلَّثَ وأَلْصَقَ وأَوْرَصَ وكانَ وكَنَتَ. قال أَبو العباس:
وأَخبرني سلمة عن الفراء قال: الكُنْتُنِيُّ في الجسم، والكَانِيُّ في
الخُلُقِ. قال: وقال ابن الأَعرابي إذا قال كُنْتُ شابّاً وشجاعاً فهو
كُنْتِيٌّ، وإذا قال كانَ لي مال فكُنْتُ أُعطي منه فهو كانِيٌّ. وقال ابن
هانئ في باب المجموع مُثَلَّثاً: رجل كِنْتَأْوٌ ورجلان كِنْتَأْوان ورجال
كِنْتَأْوُونَ، وهو الكثير شعر اللحية الكَثُّها؛ ومنه:
جَمَلٌ سِنْدَأْوٌ وسِنْدَأْوان وسِندَأْوُونَ، وهو الفسيح من الإبل في مِشْيَتِه، ورجل
قَنْدَأْوٌ ورجلان قِنْدَأْوان ورجال قَنْدَأْوُون، مهموزات. وفي الحديث:
دخل عبد الله بن مسعود المسجدَ وعامة أَهله الكُنْتِيُّون، فقلتُ: ما
الكُنْتِيُّون؟ فقال: الشُّيُوخُ الذين يقولون كانَ كذا وكذا وكُنْتُ، فقال
عبد الله: دارَتْ رَحَى الإسلام عليَّْ خمسةً وثَلاثين، ولأَنْ تَمُوتَ
أَهلُ دارِي أَحَبُّ إليَّ من عِدَّتِهم من الذِّبَّان والجِعْلانِ. قال
شمر: قال الفراء تقول كأَنَّك والله قد مُتَّ وصِرْتَ إلى كانَ، وكأَنكما
مُتُّمَا وصرتما إلى كانا، والثلاثة كانوا؛ المعنى صِرْتَ إلى أَن يقال
كانَ وأَنت ميت لا وأَنت حَيٌّ، قال: والمعنى له الحكاية على كُنْت مَرَّةً
للمُواجهة ومرة للغائب، كما قال عز من قائلٍ: قل للذين كفروا
ستُغْلَبُون وسَيُغْلَبُون؛ هذا على معنى كُنْتَ وكُنْتَ؛ ومنه قوله: وكُلُّ أَمْرٍ
يوماً يَصِيرُ كان. وتقول للرجل: كأَنِّي بك وقد صِرْتَ كانِيّاً أَي
يقال كان وللمرأَة كانِيَّة، وإن أَردت أَنك صرت من الهَرَم إلى أَن يقال
كُنْت مرة وكُنْت مرة، قيل: أَصبحتَ كُنْتِيّاً وكُنْتُنِيّاً، وإنما قال
كُنْتُنِيّاً لأَنه أَحْدَثَ نوناً مع الياء في النسبة ليتبين الرفع، كما
أَرادوا تَبين النَّصبِ في ضَرَبني، ولا يكون من حروف الاستثناء، تقول:
جاء القوم لا يكون زيداً، ولا تستعمل إلى مضمراً فيها، وكأَنه قال لا
يكون الآتي زيداً؛ وتجيء كان زائدة كقوله:
سَراةُ بَني أَبي بَكْرٍ تَسامَوْا
على كانَ المُسَوَّمةَِ العِرابِ
أَي على المُسوَّمة العِراب. وروى الكسائي عن العرب: نزل فلان على كان
خَتَنِه أَي نزَل على خَتَنِه؛ وأَنشد الفراء:
جادَتْ بكَفَّيْ كانَ من أَرمى البَشَرْ
أَي جادت بكفَّي من هو من أَرمى البشر؛ قال: والعرب تدخل كان في الكلام
لغواً فتقول مُرَّ على كان زيدٍ؛ يريدون مُرَّ فأَدخل كان لغواً؛ وأَما
قول الفرزدق:
فكيفَ ولو مَرَرْت بدارِِ قومٍ،
وجِيرانٍ لنا كانوا كِرامِ؟
ابن سيده: فزعم سيبويه أَن كان هنا زائدة، وقال أَبو العباس: إن تقديره
وجِيرانٍ كِرامٍ كانوا لنا، قال ابن سيده: وهذا أَسوغ لأَن كان قد عملت
ههنا في موضع الضمير وفي موضع لنا، فلا معنى لما ذهب إليه سيبويه من أَنها
زائدة هنا، وكان عليه كَوْناً وكِياناً واكْتانَ: وهو من الكَفالة. قال
أَبو عبيد: قال أَبو زيد اكْتَنْتُ به اكْتِياناً والاسم منه الكِيانةُ،
وكنتُ عليهم أَكُون كَوْناً مثله من الكفالة أَيضاً ابن الأَعرابي: كان
إذا كَفَل. والكِيانةُ: الكَفالة، كُنْتُ على فلانٍ أكُونُ كَوْناً أَي
تَكَفَّلْتُ به. وتقول: كُنْتُكَ وكُنْتُ إياك كما تقول ظننتك زيداً
وظَنْنتُ زيداً إِياك، تَضَعُ المنفصل موضع المتصل في الكناية عن الاسم والخبر،
لأَنهما منفصلان في الأَصل، لأَنهما مبتدأ وخبر؛ قال أَبو الأَسود
الدؤلي:
دَعِ الخمرَ تَشربْها الغُواةُ، فإنني
رأيتُ أَخاها مُجْزِياً لمَكانِها
فإن لا يَكُنها أَو تَكُنْه، فإنه
أَخوها، غَذَتْهُ أُمُّهُ بلِبانِها
يعني الزبيب. والكَوْنُ: واحد الأَكْوان.
وسَمْعُ الكيان: كتابٌ للعجم؛ قال ابن بري: سَمْعُ الكيان بمعنى سَماعِ
الكِيان، وسَمْعُ بمعنى ذِكْرُِ الكيان، وهو كتاب أَلفه أَرَسْطو.
وكِيوانُ زُحَلُ: القولُ فيه كالقول في خَيْوان، وهو مذكور في موضعه، والمانع
له من الصرف العجمة، كما أَن المانع لخَيْوان من الصرف إنما هو التأْنيث
وإرادة البُقْعة أَو الأَرض أَو القَرْية. والكانونُ: إن جعلته من الكِنِّ
فهو فاعُول، وإن جعلته فَعَلُولاً على تقدير قَرَبُوس فالأَلف فيه
أَصلية، وهي من الواو، سمي به مَوْقِِدُ النار.