الجذر: هـ ل ك
مثال: لَمْ يَهْلَك أحدٌ منهم
الرأي: مرفوضة
السبب: لضبط عين المضارع بالفتح.
الصواب والرتبة: -لم يهْلِك أحد منهم [فصيحة]-لم يَهْلَك أحد منهم [فصيحة]
التعليق: (انظر: هَلِك).
نمل: النَّمْلُ: معروف واحدته نَمْلة ونَمُلة، وقد قرئ به فَعَلَّله
الفارسي بأَن أَصل نَمْلة نَمُلة، ثم وقع التخفيف وغلب، وقوله عز وجل: قالت
نَمْلة يا أَيُّها النَّمْلُ ادْخُلوا مَساكِنَكم؛ جاء لفظ ادخلوا في
النَّمْل وهي لا تعقِل كلفظ ما يعقِل لأَنه قال قالت، والقول لا يكون إِلا
للحيِّ الناطق فأُجريت مُجراه، والجمع نِمَال؛ قال الأَخطل:
دَبِيب نِمال في نَقاً يَتَهيَّل
وأَرض نَمِلةٌ: كثيرة النَّمْل. وطعام مَنْمُول: أَصابه النَّمْل. وذكر
الأَزهري في ترجمة نحل في حديث ابن عباس: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم،
نهى عن قتل النَّحْلة والنَّمْلة والصُّرَد والهُدْهُد؛ وروي عن
إِبراهيم الحربي قال: إِنما نهى عن قتلهنَّ لأَنهنّ لا يؤذين الناسَ وهي أَقل
الطيور والدوابِّ ضرراً على الناس، ليس مثل ما يتأَذى الناسُ به من الطيور
الغُرابِ وغيره، قيل له: فالنَّمْلة إِذا عضَّت تُقتَل؟ قال: النملة لا
تَعَض إِنما يَعَضّ الذَّرُّ، قيل له: إِذا عَضَّت الذرَّة تُقتل؟ قال:
إِذا آذتْك فاقْتُلْها قال: والنَّمْلة هي التي لها قوائم تكون في
البَراري والخَرابات، وهذه التي يتأَذى الناس بها هي الذرُّ وهي الصغار، ثم قال:
والنَّمْل ثلاثة أَصْناف: النَّمْل وفازِر وعُقيفان، قال: والنمل يسكن
البراري والخَرابات ولا يؤذي الناس، والذرُّ يؤذي، وقيل: أَراد بالنهي
نوعاً خاصّاً وهو الكبار ذوات الأَرْجُل الطوال، وقال الحربي: النَّمْل ما
كان له قوائم فأَما الصغار فهو الذرُّ. وروي عن قتادة في قوله: عُلِّمْنا
مَنْطِق الطير، قال: النَّمْلة من الطير، وقال أَبو خيرة: نملة حَمراء
(*
قوله «وقال ابو خيرة نملة حمراء إلخ» هكذا في الأصل هنا، وعبارته في
مادة حوأ: أبو خيرة الحوّ من النمل نمل حمر يقال لها نمل سليمان، فلعل ما
هنا فيه سقط) يقال لها سُليمان يقال لهنّ الحوّ، بالواو، قال: والذَّرُّ
داخِل في النَّمْل، ويشبَّه فِرِنْد السيف بالذرّ والنمل. وقال ابن شميل:
النَّمْل الذي له رِيش، يقال نَمْل ذو ريش والنَّمْل العُظَّام.
الفراء: يقال نَمِّل ثوبَك والقُطْه أَي ارْفَأْهُ.
والنُّمْلةُ والنَّمْلةُ والنِّمْلةُ والنَّمِيلةُ، كل ذلك: النمِيمة.
رجل نَمِل ونامِل ومُنْمِل ومِنْمَل ونَمَّال، كله نَمَّام، وكذلك
الإِنمال؛ قال ابن بري: شاهد النُّمْلة قول أَبي الورد الجعدي:
أَلا لَعَنَ اللهُ التي رَزَمَتْ به
فقد ولَدت ذا نُمْلةٍ وغَوائِل
وجمعها نُمْل، وقد نَمِل ونَمَل يَنْمُل نَمْلاً وأَنْمَل؛ قال الكميت:
ولا أُزْعِجُ الكَلِمَ المُحْفِظا
ت للأَقْرَبِين، ولا أُنْمِلُ
وفيه نَمْلةٌ أَي كذب. وامرأَة مُنَمَّلة ونَمْلى: لا تستقر في مكان،
وفرس نَمِلٌ كذلك، وهو أَيضاً من نعت الغلظ. وفرس نَمِل القوائم: لا يستقر.
وفرس ذو نُمْلة، بالضم، أَي كثير الحركة.
ورجل مُؤَنْمَلُ الأَصابع إِذا كان غليظ أَطرافِها في قِصَر. ورجل نَمِل
أَي حاذِق. وغلام نَمِل أَي عَبِثٌ.
ونَمِلَ في الشجر يَنْمَل نَمَلاً إِذا صَعِد فيها؛ الفراء: نَمَل في
الشجر يَنْمُل نُمولاً إِذا صَعِد فيها. والنَّمِل: الرجل الذي لا ينظر
إِلى شيء إِلا عَمِله. ورجل نَمِل الأَصابع إِذا كان كثير العَبَث بها أَو
كان خفيفَ الأَصابع في العمل. ابن سيده: ورجل نَمِل خفيف الأَصابع لا يَرى
شيئاً إِلا عمِله. يقال: رجل نَمِل الأَصابع أَي خفيفها في العمل.
وتَنَمَّلَ القومُ: تحرَّكوا ودخل بعضُهم في بعض. ونَمِلَتْ يدُه:
خُدِرت.
والنُّمْلة، بالضم: البقيَّة من الماء تبقى في الحوض؛ حكاه كراع في باب
النون.
والأَنْمُلة، بالفتح
(* قوله «والانملة بالفتح إلخ» عبارة القاموس:
والانملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات التي فيها الظفر، الجمع أنامل
وأنملات): المَفْصِل الأَعْلى الذي فيه الظفر من الإِصبع، والجمع أَنامِل
وأَنمُلات، وهي رؤوس الأَصابع، وهو أَحد ما كسِّر وسَلِم بالتاء؛ قال ابن
سيده: وإِنما قلت هذا لأَنهم قد يستغنون بالتكسير عن جمع السلامة وبجمع
السلامة عن التكسير، وربما جمع الشيء بالوجهين جميعاً كنحو بُوَانٍ وبُون
وبُونات؛ هذا كله قول سيبويه.
والنَّمْلة: شَقٌّ في حافِر الدابة. والنَّمْلة: عيب من عُيوب الخيل.
التهذيب: والنَّمْلة في حافر الدابة شَقّ. أَبو عبيدة: النَّمْلة شَقٌّ في
الحافر من الأَشعر إِلى طرف السُّنْبك، وفي الصحاح: إِلى المَقَطِّ؛ قال
ابن بري: الأَشعَر ما أَحاط بالحافر من الشعر، ومَقَطُّ الفرس مُنْقَطَع
أَضلاعه. والنَّمْلة: شيء في الجسد كالقرْح وجمعها نَمْل، وقيل: النَّمْل
والنَّمْلة قُروح في الجنب وغيره، ودَواؤه أَن يُرْقى بريقِ ابن
المَجوسيِّ من أُخته، تقول المَجوس ذلك؛ قال:
ولا عَيْبَ فينا غير نَسْل لِمَعْشرٍ
كِرامٍ، وأَنَّا لا نَخُطُّ على النَّمْل
أَي لَسْنا بمَجُوس ننكِح الأَخوات؛ قال أَبو العباس: وأَنشدنا ابن
الأَعرابي هذا البيت: وأَنَّا لا نَحُطُّ على النَّمْل، وفسره: أَنَّا كِرام
ولا نأْتي بُيوت النمْل في الجَدْب لنحفِر على ما جمَع لنأْكلُه، وقيل:
النَّمْلة بَثْر يخرج بجسد الإِنسان. الجوهري: النمل بُثور صغار مع وَرَمٍ
يسير ثم يتقَرَّح فيسعى ويتَّسع ويسميها الأَطباءُ الذُّباب، وتقول
المجوس: إِن ولد الرجل إِذا كان من أُخته ثم خَطَّ على النَّمْلة شُفِيَ
صاحبُها. وفي الحديث: لا رُقْية إِلا في ثلاث: النَّمْلة والحُمَةِ
والنَّفْس؛ النَّمْلة: قُروح تخرُج في الجنْب. وقال أَبو عبيد في حديث النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَنه قال لِلشَّفّاء: عَلِّمِي حَفْصةَ رُقْية
النَّمْلة؛ قال ابن الأَثير: شيء كانت تستعمِله النساء يَعْلَم كلُّ مَنْ سمِعه
أَنه كلام لا يضرّ ولا ينفَع، ورُقْية النَّملة التي كانت تُعْرَف بينهنّ
أَن يُقال: العَرُوس تحْتَفِل، وتخْتضب وتَكْتَحِلْ، وكلَّ شيء
تَفْتَعِلْ، غير أَن لا تَعْصِي الرجل؛ قال: ويروى عوض تحْتَفِل تنتعِل، وعوض
تَخْتَضِب تَقْتال، فأَراد النبي، صلى الله عليه وسلم، بهذا المقال تأْنِيبَ
حفصةَ لأَنه أَلقى إِليها سرًّا فأَفشَتْه.
وكتا مُنَمَّل: مكتوب، هذلية. ابن سيده: وكتابٌ مُنْمَل متقارِب الخطّ؛
قال أَبو العيال الهذلي:
والمَرْءُ عمراً، فأْتِهِ بنَصِيحةٍ
مِنِّي يَلوح بها كتابٌ مُنْمَلُ
ومُنَمَّل: كمُنْمَل. ونَمَلى: موضع. والنَّأْمَلةُ: مِشية المقيد، وهو
يُنَأْمِل في قعيْده نَأْمَلةً؛ وقول الشاعر:
فإِنِّي، ولا كُفْران لله آيةً
لِنَفْسي، لقد طالَبْت غير مُنَمَّل
قال أَبو نصر: أَراد غير مَذْعور، وقال: غير مُرْهَق ولا مُعْجَل عما
أُريد.
حوط: حاطَه يَحُوطُه حَوْطاً وحِيطةً وحِياطةً: حَفِظَه وتعَهَّده؛ وقول
الهذلي:
وأَحْفَظُ مَنْصِبي وأَحُوطُ عِرْضِي،
وبعضُ القومِ ليسَ بذِي حِياطِ
أَراد حِياطة، وحذف الهاء كقول اللّه تعالى: وإِقامِ الصلاة، يريد
الإِقامة، وكذلك حَوَّطه؛ قال ساعدة ابن جُؤَيّةَ:
عليَّ وكانُوا أَهلَ عِزٍّ مُقَدَّمٍ
ومَجْدٍ، إِذا ما حُوِّطَ المَجْدُ نائل
(* قوله «حوط المجد» وقوله «ويروى حوص» كذا في الأصل مضبوطاً.)
ويروى: حُوِّصَ، وهو مذكور في موضعه. وتَحَوَّطَه: كَحَوَّطَه.
واحْتاطَ الرجلُ: أَخذ في أُموره بالأَحْزَم. واحْتاط الرجل لنفسه أَي
أَخذ بالثِّقة. والحَوْطةُ والحَيْطةُ: الاحْتِياطُ. وحاطَه اللّه حَوْطاً
وحِياطةً، والاسم الحَيْطةُ والحِيطة: صانه وكَلأَه ورَعاه. وفي حديث
العباس: قلت يا رسول اللّه ما أَغْنَيْتَ عن عمك، يعني أَبا طالب، فإِنه
كان يَحُوطُك؟ حاطَه يَحُوطُه حَوْطاً إِذا حفظه وصانه وذبَّ عنه وتَوفَّرَ
على مصالحِهِ. وفي الحديث: وتُحِيطُ دَعْوَتُه من وَرائهم أَي تُحْدِقُ
بهم من جميع نَواحِيهم. وحاطَه وأَحاط به، والعَيْرُ يَحُوطُ عانَتَه:
يجمعها.
والحائطُ: الجِدار لأَنه يَحُوطُ ما فيه، والجمع حِيطانٌ، قال سيبويه:
وكان قِياسُه حُوطاناً، وحكى ابن الأَعرابي في جمعه حِياطٌ كقائمٍ وقِامٍ،
إِلا أَن حائطاً قد غلب عليه الاسم فحكمه أَن يكسّر على ما يكسر عليه
فاعل إِذا كان اسماً؛ قال الجوهري: صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها؛ قال
ابن جني: الحائط اسم بمنزلة السَّقْف والرُّكْنن وإن كان فيه معنى
الحَوْط. وحَوْطَ حائطاً: عمله. وقال أَبو زيد: حُطْتُ قومي وأَحَطْتُ الحائطَ؛
وحَوَّطَ حائطاً: عمله. وحَوَّطَ كَرْمَه تحْويطاً أَي بنَى حوْلَه
حائطاً، فهو كرم مُحَوَّط، ومنه قولهم: أَنا أُحَوِّطُ حول ذلك الأَمر أَي
أدُورُ.
والحُوَّاطُ: حَظِيرة تتخذ للطّعام لأَنها تَحُوطُه. والحُوَّاطُ: حظيرة
تتخذ للطعام أَو الشيء يُقْلَعُ عنه سريعاً؛ وأَنشد:
إِنّا وجَدْنا عُرُسَ الحَنّاطِ
مَذْمُومةً لَئِيمةَ الحُوّاطِ
والحُواطةُ: حظيرة تتخَذ للطعام، والحِيطةُ، بالكسر: الحِياطةُ، وهما من
الواو. ومع فلان حِيطةٌ لك ولا تقل عليك أَي تَحَنُّنٌ وتعَطُّفٌ.
والمَحاطُ: المكان الذي يكون خلف المالِ والقومِ يَسْتَدِير بهم ويَحُوطُهم؛
قال العجاج:
حتى رأَى من خَمَرِ المَحاطِ
وقيل: الأَرض المَحاط التي علَيها حائطٌ وحَديقةٌ، فإِذا لم يُحَيَّطْ
عليها فهي ضاحيةٌ. وفي حديث أَبي طلحة: فإِذا هو في الحائط وعليه خَميصةٌ؛
الحائطُ ههنا البُسْتانُ من النخيل إِذا كان عليه حائط، وهو الجِدارُ،
وتكرَّر في الحديث، وجمعه الحوائطُ. وفي الحديث: على أَهلِ الحَوائطِ
حِفْظُها بالنهار، يعني البَساتِينَ، وهو عامٌّ فيها.
وحُوَّاطُ الأَمرِ: قِوامُه. وكلُّ من بلغ أَقْصَى شيء وأَحْصَى
عِلْمَه، فقد أَحاطَ به. وأَحاطَتْ به الخيلُ وحاطَتْ واحْتاطَتْ: أَحْدَــقَتْ،
واحتاطت بفلان وأَحاطت إِذا أَحدقت به. وكلُّ من أَحْرَز شيئاً كلَّه
وبلَغ عِلْمُه أَقْصاه، فقد أَحاطَ به. يقال: هذا الأَمْر ما أَحَطْتُ به
عِلماً. وقوله تعالى: واللّه مُحِيطٌ بالكافرين؛ أَي جامعهم يوم القيامة.
وأَحاطَ بالأَمر إِذا أَحْدَــقَ به من جَوانِبِه كلِّه. وقوله تعالى: واللّه
من ورائهم مُحِيطٌ؛ أَي لا يُعْجِزُه أَحَدٌ قدرته مشتملة عليهم.
وحاطَهم قَصاهُم وبِقَصاهُم: قاتَلَ عنهم. وقوله تعالى: أَحَطْتُ بما لم تُحِطْ
به؛ أَي علمته من جميع جهاتِه. وأَحاطَ به: عَلِمَه وأَحاطَ به عِلْماً.
وفي الحديث: أَحَطْت به عِلماً أَي أَحْدَــقَ عِلْمِي به من جميع جهاته
وعَرفَه.
ابن بزرج: يقولون للدَّراهم إِذا نقَصت في الفرائض أَو غيرها هَلُمَّ
حِوَطَها، قال: والحِوَطُ ما تُتَمِّمُ به الدَّراهم.
وحاوَطْتُ فلاناً مُحاوَطةً إِذا داورْتَه في أَمر تُريدُه منه وهو
يأْباه كأَنك تَحُوطُه ويَحُوطُك؛ قال ابن مقبل:
وحاوَطْتُه حتى ثَنَيْتُ عِنانَه،
على مُدْبِرِ العِلْباء رَيَّانَ كاهِلُهْ
وأُحِيطَ بفلان إِذا دَنا هلاكُه، فهو مُحاطٌ به. قال اللّه عزّ وجلّ:
وأُحِيطَ بثمره فأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كفَّيه على ما أَنفَق فيها؛ أَي
أَصابَه ما أَهْلَكَه وأَفْسده. وقوله تعالى: إِلا أَن يُحاطَ بكم؛ أَي
تؤْخَذُوا من جَوانِبِكم، والحائط من هذا. وأَحاطَتْ به خَطِيئته أَي مات على
شِرْكِه، نعوذ باللّه من خاتمةِ السُّوء.
ابن الأَعرابي: الحَوْطُ خَيْطٌ مفْتول من لَوْنين: أَحمر وأَسود، يقال
له البَرِيمُ، تشدُّه المرأَة على وسَطها لئلا تُصيبها العين، فيه
خَرَزات وهِلالٌ من فضَّة، يسمى ذلك الهِلالُ الحَوْطَ ويسمَّى الخَيْطُ به.
ابن الأَعرابي: حُطْ حُطْ إِذا أَمرته أَن يُحَلِّيَ صِبْيةً بالحَوْط، وهو
هِلالٌ من فضَّة، وحُطْ حُطْ إِذا أَمرته بصلة الرحم.
وحَوْطُ الحَظائر: رجل من النَّمِر بن قاسط وهو أَخو المُنْذِر بن امرئ
القيس لأُمه جدّ النعمان بن المنذر. وتَحُوطُ وتَحِيطُ وتُحِيطُ
والتَّحُوطُ والتَّحِيطُ، كله: اسم للسنة الشديدة.
كفر: الكُفْرُ: نقيض الإِيمان؛ آمنَّا بالله وكَفَرْنا بالطاغوت؛ كَفَرَ
با يَكْفُر كُفْراً وكُفُوراً وكُفْراناً. ويقال لأَهل دار الحرب: قد
كَفَرُوا أَي عَصَوْا وامتنعوا.
والكُفْرُ: كُفْرُ النعمة، وهو نقيض الشكر. والكُفْرُ: جُحود النعمة،
وهو ضِدُّ الشكر. وقوله تعالى: إِنا بكلٍّ كافرون؛ أَي جاحدون. وكَفَرَ
نَعْمَةَ الله يَكْفُرها كُفُوراً وكُفْراناً وكَفَر بها: جَحَدَها وسَتَرها.
وكافَرَه حَقَّه: جَحَدَه. ورجل مُكَفَّر: مجحود النعمة مع إِحسانه. ورجل
كافر: جاحد لأَنْعُمِ الله، مشتق من السَّتْر، وقيل: لأَنه مُغَطًّى على
قلبه. قال ابن دريد: كأَنه فاعل في معنى مفعول، والجمع كُفَّار وكَفَرَة
وكِفارٌ مثل جائع وجِياعٍ ونائم ونِيَامٍ؛ قال القَطامِيّ:
وشُقَّ البَحْرُ عن أَصحاب موسى،
وغُرِّقَتِ الفَراعِنةُ الكِفَارُ
وجمعُ الكافِرَة كَوافِرُ. وفي حديث القُنُوتِ: واجْعَلْ قلوبهم كقُلوبِ
نساءٍ كوافِرَ؛ الكوافرُ جمع كافرة، يعني في التَّعادِي والاختلاف،
والنساءُ أَضعفُ قلوباً من الرجال لا سيما إِذا كُنَّ كوافر، ورجل كَفَّارٌ
وكَفُور: كافر، والأُنثى كَفُورٌ أَيضاً، وجمعهما جميعاً كُفُرٌ، ولا يجمع
جمع السلامة لأَن الهاء لا تدخل في مؤنثه، إِلا أَنهم قد قالوا عدوة
الله، وهو مذكور في موضعه. وقوله تعالى: فأَبى الظالمون إِلا كُفُرواً؛ قال
الأَخفش: هو جمع الكُفْر مثل بُرْدٍ وبُرودٍ. وروي عن النبي، صلى الله
عليه وسلم، أَنه قال: قِتالُ المسلمِ كُفْرٌ وسِبابُه فِسْقٌ ومن رغِبَ عن
أَبيه فقد كَفَرَ؛ قال بعض أَهل العلم: الكُفْرُ على أَربعة أَنحاء: كفر
إِنكار بأَن لا يعرف الله أَصلاً ولا يعترف به، وكفر جحود، وكفر معاندة،
وكفر نفاق؛ من لقي ربه بشيء من ذلك لم يغفر له ويغفر ما دون ذلك لمن
يشاء. فأَما كفر الإِنكار فهو أَن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من
التوحيد، وكذلك روي في قوله تعالى: إِن الذين كفروا سواء عليهم
أَأَنذرتهم أَم لم تنذرهم لا يؤمنون؛ أَي الذين كفروا بتوحيد الله، وأَما كفر
الجحود فأَن يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه فهو كافر جاحد ككفر إِبليس وكفر
أُمَيَّةَ بن أَبي الصَّلْتِ، ومنه قوله تعالى: فلما جاءهم ما عَرَفُوا
كَفَرُوا به؛ يعني كُفْرَ الجحود، وأَما كفر المعاندة فهو أَن يعرف الله
بقلبه ويقرّ بلسانه ولا يَدِينَ به حسداً وبغياً ككفر أَبي جهل وأَضرابه، وفي
التهذيب: يعترف بقلبه ويقرّ بلسانه ويأْبى أَن يقبل كأَبي طالب حيث
يقول:ولقد علمتُ بأَنَّ دينَ محمدٍ
من خيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دِينَا
لولا المَلامةُ أَو حِذارُ مَسَبَّةٍ،
لوَجَدْتَني سَمْحاً بذاك مُبِيناً
وأَما كفر النفاق فأَن يقرّ بلسانه ويكفر بقلبه ولا يعتقد بقلبه. قال
الهروي: سئل الأَزهري عمن يقول بخلق القرآن أَنسميه كافرراً؟ فقال: الذي
يقوله كفر، فأُعيد عليه السؤال ثلاثاً ويقول ما قال ثم قال في الآخر: قد
يقول المسلم كفراً. قال شمر: والكفر أَيضاً بمعنى البراءة، كقول الله تعالى
حكاية عن الشيطان في خطيئته إِذا دخل النار: إِني كفرت بما
أَشْركْتُمونِ من قَبْلُ؛ أَي تبرأْت. وكتب عبدُ الملك إِلى سعيد بن جُبَيْر يسأَله
عن الكفر فقال: الكفر على وجوه: فكفر هو شرك يتخذ مع الله إِلهاً آخر،
وكفر بكتاب الله ورسوله، وكفر بادِّعاء ولد الله، وكفر مُدَّعي الإِسْلام،
وهو أَن يعمل أَعمالاً بغير ما أَنزل الله ويسعى في الأَرض فساداً ويقتل
نفساً محرّمة بغير حق، ثم نحو ذلك من الأَعمال كفرانِ: أَحدهما كفر نعمة
الله، والآخر التكذيب بالله. وفي التنزيل العزيز: إِن الذين آمنوا ثم
كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم؛ قال أَبو
إِسحق: قيل فيه غير قول، قال بعضهم: يعني به اليهود لأَنهم آمنوا بموسى،
عليه السلام، ثم كفروا بعزيز ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفراً بكفرهم
بمحمد؛ صلى الله عليه وسلم؛ وقيل: جائز أَن يكون مُحاربٌ آمن ثم كفر، وقيل:
جائز أَن يكون مُنافِقٌ أَظهر الإِيمانَ وأَبطن الكفر ثم آمن بعد ثم كفر
وازداد كفراً بإِقامته على الكفر، فإِن قال قائل: الله عز وجل لا يغفر كفر
مرة، فلمَ قيل ههنا فيمن آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر لم يكن الله ليغفر
لهم، ما الفائدة في هذا ففالجواب في هذا، والله أَعلم، أَن الله يغفر
للكافر إِذا آمن بعد كفره، فإِن كفر بعد إِيمانه لم يغفر الله له الكفر الأَول
لأَن الله يقبل التوبة، فإِذا كَفَر بعد إِيمانٍ قَبْلَه كُفْرٌ فهو
مطالبَ بجميع كفره، ولا يجوز أَن يكون إِذا آمن بعد ذلك لا يغفر له لأَن
الله عز وجل يغفر لكل مؤْمن بعد كفره، والدليل على ذلك قوله تعالى: وهو الذي
يقبل التوبة عن عباده؛ وهذا سيئة بالإِجماع. وقوله سبحانه وتعالى: ومن
لم يحكم بما أَنزل الله فأُولئك هم الكافرون؛ معناه أَن من زعم أَن حكماً
من أَحكام الله الذي أَتت به الأَنبياء، عليهم السلام، باطل فهو كافر.
وفي حديث ابن عباس: قيل له: ومن لم يحكم بما أَنزل الله فأُولئك هم
الكافرون وليسوا كمن كفر بالله واليوم الآخر، قال: وقد أَجمع الفقهاء أَن من
قال: إِن المحصنَين لا يجب أَن يرجما إِذا زنيا وكانا حرين، كافر، وإِنما
كفر من رَدَّ حُكماً من أَحكام النبي، صلى الله عليه وسلم، لأَنه مكذب له،
ومن كذب النبي، صلى الله عليه وسلم، فهو قال كافر. وفي حديث ابن مسعود،
رضي الله عنه: إذا الرجل للرجل أَنت لي عدوّ فقد كفر أَحدهما بالإِسلام؛
أَراد كفر نعمته لأَن الله عز وجل أَلف بين قلوبهم فأَصبحوا بنعمته
إِخواناً فمن لم يعرفها فقد كفرها. وفي الحديث: من ترك قتل الحيات خشية النار
فقد كفر أَي كفر النعمة، وكذلك الحديث الآخر: من أَتى حائضاً فقد كفر،
وحديث الأَنْواء: إِن الله يُنْزِلُ الغَيْثَ فيُصْبِحُ قومٌ به كافرين؛
يقولون: مُطِرْنا بِنَوْءِ كذا وكذا، أَي كافرين بذلك دون غيره حيث
يَنْسُبون المطر إِلى النوء دون الله؛ ومنه الحديث: فرأَيت أَكثر أَهلها النساء
لكفرهن، قيل: أَيَكْفُرْنَ بالله؟ قال: لا ولكن يَكْفُرْنَ الإِحسانَ
ويَكْفُرْنَ العَشِيرَ أَي يجحدن إِحسان أَزواجهن؛ والحديث الآخر: سباب
المسلم فسوق وقتاله كفر، ومن رغب عن أَبيه فقد كفر ومن ترك الرمي فنعمة كفرها؛
والأَحاديث من هذا النوع كثيرة، وأَصل الكفر تغطية الشيء تغطية تستهلكه.
وقال الليث: يقال إِنما سمي الكافر كافراً لأَن الكفر غطى قلبه كله؛ قال
الأَزهري: ومعنى قول الليث هذا يحتاج إِلى بيان يدل عليه وإِيضاحه أَن
الكفر في اللغة التغطية، والكافر ذو كفر أَي ذو تغطية لقلبه بكفره، كما
يقال للابس السلاح كافر، وهو الذي غطاه السلاح، ومثله رجل كاسٍ أَي ذو
كُسْوَة، وماء دافق ذو دَفْقٍ، قال: وفيه قول آخر أَحسن مما ذهب إِليه، وذلك
أَن الكافر لما دعاه الله إِلى توحيده فقد دعاه إِلى نعمة وأَحبها له
إِذا أَجابه إِلى ما دعاه إِليه، فلما أَبى ما دعاه إِليه من توحيده كان
كافراً نعمة الله أَي مغطياً لها بإِبائه حاجباً لها عنه. وفي الحديث: أَن
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال في حجة الوداع: أَلا لا تَرْجِعُنَّ
بعدي كُفَّاراً يَضْرِب بعضُكم رقابَ بعض؛ قال أَبو منصور: في قوله كفاراً
قولان: أَحدهما لابسين السلاح متهيئين للقتال من كَفَرَ فوقَ دِرْعِه
إِذا لبس فوقها ثوباً كأَنه أَراد بذلك النهيَ عن الحرب، والقول الثاني
أَنه يُكَفِّرُ الماسَ فيَكْفُر كما تفعل الخوارجُ إِذا استعرضوا الناسَ
فيُكَفِّرونهم، وهو كقوله، صلى الله عليه وسلم: من قال لأَخيه يا كافر فقد
باء به أَحدهما، لأَنه إِما أَن يَصْدُقَ عليه أَو يَكْذِبَ، فإِن صدق فهو
كافر، وإِن كذب عاد الكفر إِليه بتكفيره أَخاه المسلم. قال: والكفر
صنفان: أَحدهما الكفر بأَصل الإِيمان وهو ضده، والآخر الكفر بفرع من فروع
الإِسلام فلا يخرج به عن أَصل الإِيمان. وفي حديث الردّة: وكفر من كفر من
العرب؛ أَصحاب الردّة كانوا صنفين: صنف ارتدوا عن الدين وكانوا طائفتين
إِحداهما أَصحاب مُسَيْلِمَةَ والأَسْودِ العَنْسِيّ الذين آمنوا بنبوتهما،
والأُخرى طائفة ارتدوا عن الإِسلام وعادوا إِلى ما كانوا عليه في
الجاهلية وهؤلاء اتفقت الصحابة على قتالهم وسبيهم واستولد عليّ، عليه السلام، من
سبيهم أُمَّ محمدِ بن الحنيفة ثم لم ينقرض عصر الصحابة، رضي الله عنهم،
حتى أَجمعوا أَن المرتد لا يُسْبى، والصنف الثاني من أَهل الردة لم
يرتدوا عن الإِيمان ولكن أَنكروا فرض الزكاة وزعموا أَن الخطاب في قوله تعالى:
خذ من أَموالهم صدقة؛ خاصة بزمن النبي، صلى الله عليه وسلم، ولذلك اشتبه
على عمر، رضي الله عنه، قِتالهم لإِقرارهم بالتوحيد والصلاة، وثبت أَبو
بكر، رضي الله عنه، على قتالهم بمنع الزكاة فتابعه الصحابة على ذلك
لأَنهم كانوا قَرِيبي العهد بزمان يقع فيه التبديل والنسخ، فلم يُقَرّوا على
ذلك، وهؤلاء كانوا أَهل بغي فأُضيفوا إِلى أَهل الردة حيث كانوا في زمانهم
فانسحب عليهم اسمها، فأَما بعد ذلك فمن أَنكر فرضية أَحد أَركان
الإِسلام كان كافراً بالإِجماع؛ ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: أَلا لا
تَضْرِبُوا المسلمين فتُذِلُّوهم ولا تَمْنَعُوهم حَقَّهم فتُكَفِّروهم لأَنهم
ربما ارتدُّوا إِذا مُنِعوا عن الحق. وفي حديث سَعْدٍ، رضي الله عنه:
تَمَتَّعْنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومُعَاوية كافر بالعُرُش قبل
إِسلامه؛ والعُرُش: بيوت مكة، وقيل معناه أَنه مقيم مُخْتَبِئٌ بمكة لأَن
التمتع كان في حجة الوداع بعد فتح مكة، ومُعاوية أَسلم عام الفتح، وقيل:
هو من التكفير الذُّلِّ والخضوعِ. وأَكْفَرْتُ الرجلَ: دعوته كافراً.
يقال: لا تُكْفِرْ
أَحداً من أَهل قبلتك أَي لا تَنْسُبْهم إِلي الكفر ولا تجعلهم كفاراً
بقولك وزعمك. وكَفَّرَ الرجلَ: نسبه إِلى الكفر. وكل من ستر شيئاً، فقد
كَفَرَه وكَفَّره. والكافر الزرَّاعُ لستره البذر بالتراب. والكُفَّارُ:
الزُّرَّاعُ. وتقول العرب للزَّرَّاعِ: كافر لأَنه يَكْفُر البَذْر
المَبْذورَ بتراب الأَرض المُثارة إِذا أَمَرّ عليها مالَقَهُ؛ ومنه قوله
تعالى: كمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكفارَ نباتُه؛ أَي أَعجب الزُّرَّاْعَ
نباته، وإِذا أَعجب الزراع نباته مع علمهم به غاية ما فهو يستحسن، والغيث
المطر ههنا؛ وقد قيل: الكفار في هذه الآية الكفار بالله وهم أَشد إِعجاباً
بزينة الدنيا وحرثها من المؤمنين.
والكَفْرُ، بالفتح: التغطية. وكَفَرْتُ الشيء أَكْفِرُه، بالكسر، أَي
سترته. والكافِر: الليل، وفي الصحاح: الليل المظلم لأَنه يستر بظلمته كل
شيء. وكَفَرَ الليلُ الشيءَ وكَفَرَ عليه: غَطَّاه. وكَفَرَ الليلُ على
أَثَرِ صاحبي: غَطَّاه بسواده وظلمته. وكَفَرَ الجهلُ على علم فلان: غَطّاه.
والكافر: البحر لسَتْرِه ما فيه، ويُجْمَعُ الكافِرُ كِفَاراً؛ وأَنشد
اللحياني:
وغُرِّقَتِ الفراعِنَةُ الكِفَارُ
وقول ثعلب بن صُعَيْرة المازني يصف الظليم والنعامة ورَواحَهما إِلى
بيضهما عند غروب الشمس:
فَتَذَكَّرا ثَقَلاً رثِيداً بَعْدَما
أَلْقَتْ ذُكاءُ يمينَها في كافِرِ
وذُكاء: اسم للشمس. أَلقت يمينها في كافر أَي بدأَت في المغيب، قال
الجوهري: ويحتمل أَن يكون أَراد الليل؛ وذكر ابن السكيت أَن لَبِيداً سَرَق
هذا المعنى فقال:
حتى إِذا أَلْقَتْ يداً في كافِرٍ،
وأَجَنَّ عَوْراتِ الثُّغُورِ ظَلامُها
قال: ومن ذلك سمي الكافر كافراً لأَنه ستر نعم الله عز وجل؛ قال
الأَزهري: ونعمه آياته الدالة على توحيده، والنعم التي سترها الكافر هي الآيات
التي أَبانت لذوي التمييز أَن خالقها واحد لا شريك له؛ وكذلك إِرساله
الرسل بالآيات المعجزة والكتب المنزلة والبراهين الواضحة نعمة منه ظاهرة، فمن
لم يصدّق بها وردّها فقد كفر نعمة الله أَي سترها وحجبها عن نفسه.
ويقال: كافرني فلان حقي إِذا جحده حقه؛ وتقول: كَفَر نعمةَ الله وبنعمة الله
كُفْراً وكُفْراناً وكُفُوراً. وفي حديث عبد الملك: كتب إِلى الحجاج: من
أَقرّ بالكُفْر فَخَلِّ سبيله أَي بكفر من خالف بني مَرْوانَ وخرج عليهم؛
ومنه حديث الحجاج: عُرِضَ عليه رجلٌ من بني تميم ليقتله فقال: إِني لأَر
رجلاً لا يُقِرّ اليوم بالكُفْر، فقال: عن دَمي تَخْدَعُني؟ إِنّي
أَكْفَرُ من حِمَارٍ؛ وحمار: رجل كان في الزمان الأَول كفر بعد الإِيمان وانتقل
إِلى عبادة الأَوثان فصار مثلاً. والكافِرُ: الوادي العظيم، والنهر كذلك
أَيضاً. وكافِرٌ: نهر بالجزيرة؛ قال المُتَلَمِّسُ يذكر طَرْحَ صحيفته:
وأَلْقَيْتُها بالثِّنْي من جَنْبِ كافِرٍ؛
كذلك أَقْنِي كلَّ قِطٍّ مُضَللِ
وقال الجوهري: الكافر الذي في شعر المتلمس النهر العظيم؛ ابن بري في
ترجمة عصا: الكافرُ المطرُ؛ وأَنشد:
وحَدَّثَها الرُّوَّادُ أَنْ ليس بينهما،
وبين قُرَى نَجْرانَ والشامِ، كافِرُ
وقال: كافر أَي مطر. الليث: والكافِرُ من الأَرض ما بعد الناس لا يكاد
ينزله أَو يمرّ به أحد؛ وأَنشد:
تَبَيَّنَتْ لَمْحَةً من فَرِّ عِكْرِشَةٍ
في كافرٍ، ما به أَمْتٌ ولا عِوَجُ
وفي رواية ابن شميل:
فأَبْصَرَتْ لمحةً من رأْس عِكْرِشَةٍ
وقال ابن شميل أَيضاً: الكافر لغائطُ الوَطِيءُ، وأَنشد هذا البيت. ورجل
مُكَفَّرٌ: وهو المِحْسانُ الذي لا تُشْكَرُ نِعْمَتُه. والكافِرُ:
السحاب المظلم. والكافر والكَفْرُ: الظلمة لأَنها تستر ما تحتها؛ وقول
لبيد:فاجْرَمَّزَتْ ثم سارَتْ، وهي لاهِيَةٌ،
في كافِرٍ ما به أَمْتٌ ولا شَرَفُ
يجوز أَن يكون ظلمةَ الليل وأَن يكون الوادي.
والكَفْرُ: الترابُ؛ عن اللحياني لأَنه يستر ما تحته. ورماد مَكْفُور:
مُلْبَسٌ تراباً أَي سَفَتْ عليه الرياحُ الترابَ حتى وارته وغطته؛ قال:
هل تَعْرِفُ الدارَ بأَعْلى ذِي القُورْ؟
قد دَرَسَتْ غَيرَ رَمادٍ مَكْفُورْ
مُكْتَئِبِ اللَّوْنِ مَرُوحٍ مَمْطُورْ
والكَفْرُ: ظلمة الليل وسوادُه، وقد يكسر؛ قال حميد:
فَوَرَدَتْ قبل انْبِلاجِ الفَجْرِ،
وابْنُ ذُكاءٍ كامِنٌ في كَفْرِ
أَي فيما يواريه من سواد الليل. وقد كَفَر الرجلُ متاعَه أَي أَوْعاه في
وعاءٍ.
والكُفْر: القِيرُ الذي تُطْلى به السُّفُنُ لسواده وتغطيته؛ عن كراع.
ابن شميل: القِيرُ ثلاثة أَضْرُبٍ: الكُفْرُ والزِّفْتُ والقِيرُ،
فالكُفْرُ تُطْلى به السُّفُنُ، والزفت يُجْعَل في الزقاق، والقِيرُ يذاب ثم
يطلى به السفن.
والكافِرُ: الذي كَفَر دِرْعَه بثوب أَي غطاه ولبسه فوقه. وكلُّ شيء غطى
شيئاً، فقد كفَرَه. وفي الحديث: أَن الأَوْسَ والخَزْرَجَ ذكروا ما كان
منهم في الجاهلية فثار بعضهم إِلى بعض بالسيوف فأَنزلَ اللهُ تعالى: وكيف
تكفرون وأَنتم تُتْلى عليكم آيات الله وفيكم رَسولُه؟ ولم يكن ذلك على
الكفر بالله ولكن على تغطيتهم ما كانوا عليه من الأُلْفَة والمودّة.
وكَفَر دِرْعَه بثوب وكَفَّرَها به: لبس فوقها ثوباً فَغَشَّاها به. ابن
السكيت: إِذا لبس الرجل فوق درعه ثوباً فهو كافر. وقد كَفَّرَ فوقَ دِرْعه؛
وكلُّ ما غَطَّى شيئاً، فقد كَفَره. ومنه قيل لليل كافر لأَنه ستر بظلمته
كل شيء وغطاه. ورجل كافر ومُكَفَّر في السلاح: داخل فيه.والمُكَفَّرُ:
المُوثَقُ في الحديد كأَنه غُطِّيَ به وسُتِرَ. والمُتَكَفِّرُ: الداخل في
سلاحه. والتَّكْفِير: أَن يَتَكَفَّرَ المُحارِبُ في سلاحه؛ ومنه قول
الفرزدق:
هَيْهاتَ قد سَفِهَتْ أُمَيَّةُ رَأْيَها،
فاسْتَجْهَلَت حُلَماءَها سُفهاؤُها
حَرْبٌ تَرَدَّدُ بينها بتَشَاجُرٍ،
قد كَفَّرَتْ آباؤُها، أَبناؤها
رفع أَبناؤها بقوله تَرَدَّدُ، ورفع آباؤها بقوله قد كفَّرت أَي
كَفَّرَتْ آباؤها في السلاح. وتَكَفَّر البعير بحباله إِذا وقعت في قوائمه، وهو
من ذلك.
والكَفَّارة: ما كُفِّرَ به من صدقة أَو صوم أَو نحو ذلك؛ قال بعضهم:
كأَنه غُطِّيَ عليه بالكَفَّارة. وتَكْفِيرُ اليمين: فعل ما يجب بالحنث
فيها، والاسم الكَفَّارةُ. والتَّكْفِيرُ في المعاصي: كالإِحْباطِ في
الثواب. التهذيب: وسميت الكَفَّاراتُ كفَّاراتٍ لأَنها تُكَفِّرُ الذنوبَ أَي
تسترها مثل كَفَّارة الأَيْمان وكَفَّارة الظِّهارِ والقَتْل الخطإِ، وقد
بينها الله تعالى في كتابه وأَمر بها عباده. وأَما الحدود فقد روي عن
النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: ما أَدْرِي أَلْحُدُودُ كفاراتُ
لأَهلها أَم لا. وفي حديث قضاء الصلاة: كَفَّارَتُها أَن تصليها إِذا ذكرتها،
وفي رواية: لا كفارة لها إِلا ذلك. وتكرر ذكر الكفارة في الحديث اسماً
وفعلاً مفرداً وجمعاً، وهي عبارة عن الفَعْلَة والخَصْلة التي من شأْنها
أَن تُكَفِّرَ الخطيئة أَي تمحوها وتسترها، وهي فَعَّالَة للمبالغة،
كقتالة وضرابة من الصفات الغالبة في باب الأَسمية، ومعنى حديث قضاء الصلاة
أَنه لا يلزمه في تركها غير قضائها من غُرْم أَو صدقة أَو غير ذلك، كما يلزم
المُفْطِر في رمضان من غير عذر، والمحرم إِذا ترك شيئاً من نسكه فإِنه
تجب عليه الفدية. وفي الحديث: المؤمن مُكَفَّرٌ أَي مُرَزَّأٌ في نفسه
وماله لتُكَفَّر خَطاياه.
والكَفْرُ: العَصا القصيرة، وهي التي تُقْطَع من سَعَف النخل. ابن
الأَعرابي: الكَفْرُ الخشبة الغليظة القصيرة.
والكافُورُ: كِمُّ العِنَب قبل أَن يُنَوِّر. والكَفَرُ والكُفُرَّى
والكِفِرَّى والكَفَرَّى والكُفَرَّى: وعاء طلع النخل، وهو أَيضاً
الكافُورُ، ويقال له الكُفُرَّى والجُفُرَّى. وفي حديث الحسن: هو الطِّبِّيعُ في
كُفُرَّاه؛ الطِّبِّيعُ لُبُّ الطَّلْع وكُفُرَّاه، بالضم وتشديد الراء
وفتح الفاء وضمها، هو وعاء الطلع وقشره الأَعلى، وكذلك كافوره، وقيل: هو
الطَّلْعُ حين يَنْشَقُّ ويشهد للأَول
(* قوله« ويشهد للاول إلخ» هكذا في
الأصل. والذي في النهاية: ويشهد للاول قوله في قشر الكفرى.) قولُه في
الحديث قِشْر الكُفُرَّى، وقيل: وعاء كل شيء من النبات كافُوره. قال أَبو
حنيفة: قال ابن الأَعرابي: سمعت أُمَّ رَباح تقول هذه كُفُرَّى وهذا
كُفُرَّى وكَفَرَّى وكِفِرَّاه وكُفَرَّاه، وقد قالوا فيه كافر، وجمع الكافُور
كوافير، وجمع الكافر كوافر؛ قال لبيد:
جَعْلٌ قِصارٌ وعَيْدانٌ يَنْوءُ به،
من الكَوَافِرِ، مَكْمُومٌ ومُهْتَصَرُ
والكافُور: الطَّلْع. التهذيب: كافُورُ الطلعة وعاؤُها الذي ينشق عنها،
سُمِّي كافُوراً لأَنه قد كَفَرها أَي غطَّاها؛ وقول العجاج:
كالكَرْم إِذ نَادَى من الكافُورِ
كافورُ الكَرْم: الوَرَقُ المُغَطِّي لما في جوفه من العُنْقُود، شبهه
بكافور الطلع لأَنه ينفرج عمَّا فيه أَيضاً. وفي الحديث: أَنه كان اسم
كِنانَةِ النبي، صلى الله عليه وسلم، الكافُورَ تشبيهاً بغِلاف الطَّلْع
وأَكْمامِ الفَواكه لأَنها تسترها وهي فيها كالسِّهام في الكِنانةِ.
والكافورُ: أَخْلاطٌ تجمع من الطيب تُرَكَّبُ من كافور الطَّلْع؛ قال ابن دريد:
لا أَحسب الكافور عَرَبيًّا لأَنهم ربما قالوا القَفُور والقافُور. وقوله
عز وجل: إِن الأَبرار يَشْرَبُون من كأْس كان مِزاجُها كافُوراً؛ قيل:
هي عين في الجنة. قال: وكان ينبغي أَن لا ينصرف لأَنه اسم مؤنث معرفة على
أَكثر من ثلاثة أَحرف لكن صرفه لتعديل رؤوس الآي، وقال ثعلب: إِنما
أَجراه لأَنه جعله تشبيهاً ولو كان اسماً للعين لم يصرفه؛ قال ابن سيده: قوله
جعله تشبيهاً؛ أَراد كان مزاجُها مثل كافور. قال الفراء: يقال إِنها
عَيْنٌ تسمى الكافور، قال: وقد يكون كان مِزاجُها كالكافور لطيب ريحه؛ وقال
الزجاج: يجوز في اللغة أَن يكون طعم الطيب فيها والكافور، وجائز أَن يمزج
بالكافور ولا يكون في ذلك ضرر لأَن أَهل الجنة لا يَمَسُّهم فيها نَصَبٌ
ولا وَصَبٌ. الليث: الكافور نبات له نَوْرٌ أَبيض كنَوْر الأُقْحُوَان،
والكافورُ عينُ ماءٍ في الجنة طيبِ الريح، والكافور من أَخلاط الطيب. وفي
الصحاح: من الطيب، والكافور وعاء الطلع؛ وأَما قول الراعي:
تَكْسُو المَفَارِقَ واللَّبَّاتِ، ذَا أَرَجِ
من قُصْبِ مُعْتَلِفِ الكافُورِ دَرَّاجِ
قال الجوهري: الظبي الذي يكون منه المسك إِنما يَرْعَى سُنْبُلَ الطيب
فجعله كافوراً. ابن سيده: والكافورُ نبت طيب الريح يُشَبَّه بالكافور من
النخل. والكافورُ أَيضاً: الإَغْرِيضُ، والكُفُرَّى: الكافُورُ الذي هو
الإِغْرِيضُ. وقال أَبو حنيفة: مما يَجْرِي مَجْرَى الصُّمُوغ الكافورُ.
والكافِرُ من الأَرضين: ما بعد واتسع.
وفي التنزيل العزيز: ولا تُمَسِّكُوا بِعصَمِ الكَوافِر؛ الكوافرُ
النساءُ الكَفَرة، وأَراد عقد نكاحهن.
والكَفْرُ: القَرْية، سُرْيانية، ومنه قيل وكَفْرُ عاقِبٍ وكَفْرُبَيَّا
وإِنما هي قرى نسبت إِلى رجال، وجمعه كُفُور. وفي حديث أَبي هريرة، رضي
الله عنه، أَنه قال: لَتُخرِجَنَّكم الرومُ منها كَفْراً كَفْراً إِلى
سُنْبُكٍ من الأَرض، قيل: وما ذلك السُّنْبُكُ؟ قال: حِسْمَى جُذام أَي من
قرى الشام. قال أَبو عبيد: قوله كفراً كفراً يعني قرية قرية، وأَكثر من
يتكلم بهذا أَهل الشام يسمون القرية الكفر. وروي عن مُعَاوية أَنه قال:
أَهل الكُفُورِ هم أَهل القُبُور. قال الأَزهري: يعني بالكفور القُرَى
النائيةَ عن الأَمصار ومُجْتَمَعِ اهل العلم، فالجهل عليهم أَغلب وهم إِلى
البِدَع والأَهواء المُضِلَّة أَسرعُ؛ يقول: إِنهم بمنزلة الموتى لا
يشاهدون الأَمصارَ والجُمعَ والجماعاتِ وما أَشبهها. والكَفْرُ: القَبْرُ، ومنه
قيل: اللهم اغفر لأَهل الكُفُور. ابن الأَعرابي: اكْتَفَر فلانٌ أَي لزم
الكُفُورَ. وفي الحديث: لا تسكُنِ الكُفُورَ فإن ساكنَ الكُفور كساكن
القُبور. قال الحَرْبيّ: الكُفور ما بَعْدَ من الأَرض عن الناس فلا يمرّ به
أَحد؛ وأَهل الكفور عند أَهل المدن كالأَموات عند الأَحياء فكأَنهم في
القبور. وفي الحديث: عُرِضَ على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما هو
مفتوح على أُمَّته من بعده كَفْراً كَفْراً فَسُرَّ بذلك أَي قرية قرية.
وقول العرب: كَفْرٌ على كَفْرٍ أَي بعض على بعض.
وأَكْفَرَ الرجلُ مُطِيعَه: أَحْوَجَه أَن يَعْصِيَه. التهذيب: إِذا
أَلجأْت مُطِيعَك إِلى أَن يعصيك فقد أَكْفَرْتَه. والتَّكْفِير: إِيماءُ
الذمي برأْسه، لا يقال: سجد فلان لفلان ولكن كَفَّرَ له تَكْفِيراً.
والكُفْرُ: تعظيم الفارسي لِمَلكه. والتَّكْفِيرُ لأَهل الكتاب: أَن يُطَأْطئ
أَحدُــهم رأْسَه لصاحبه كالتسليم عندنا، وقد كَفَّر له. والتكفير: أَن يضع
يده أَو يديه على صدره؛ قال جرير يخاطب الأَخطل ويذكر ما فعلت قيس بتغلب
في الحروب التي كانت بعدهم:
وإِذا سَمِعْتَ بحَرْبِ قيْسٍ بَعْدَها،
فَضَعُوا السِّلاحَ وكَفِّرُوا تَكْفِيرَا
يقول: ضَعُوا سِلاحَكم فلستم قادرين على حرب قيس لعجزكم عن قتالهم،
فكَفِّروا لهم كما يُكَفِّرُ العبد لمولاه، وكما يُكَفِّر العِلْجُ
للدِّهْقانِ يضع يده على صدره ويَتَطامَنُ له واخْضَعُوا وانْقادُوا. وفي الحديث
عن أَبي سعيد الخدريّ رفعه قال: إِذا أَصبح ابن آدم فإن الأَعضاء كلها
تُكَفِّرُ للسان، تقول: اتق الله فينا فإِن استقمت استقمنا وإِن اعوججت
اعوججنا. قوله: تكفر للسان أَي تَذِلّ وتُقِرّ بالطاعة له وتخضع لأَمره.
والتَّكْفِير: هو أَن ينحني الإِنسان ويطأْطئ رأْسه قريباً من الركوع كما
يفعل من يريد تعظيم صاحبه. والتكفير: تتويج الملك بتاج إِذا رؤي كُفِّرَ
له. الجوهري: التكفير أَن يخضع الإِنسان لغيره كما يُكَفِّرُ العِلْجُ
للدَّهاقِينِ، وأَنشد بيت جرير. وفي حديث عمرو بن أُمية والنجاشي: رأَى
الحبشة يدخلون من خَوْخَةٍ مُكَفِّرين فوَلاَّه ظهره ودخل. وفي حديث أَبي
معشر: أَنه كان يكره التكفير في الصلاة وهو الانحناء الكثير في حالة القيام
قبل الركوع؛ وقال الشاعر يصف ثوراً:
مَلكٌ يُلاثُ برأْسِه تَكْفِيرُ
قال ابن سيده: وعندي أَن التكفير هنا اسم للتاج سمّاه بالمصدر أَو يكون
اسماً غير مصدر كالتَّمْتِينِ والتَّنْبِيتِ.
والكَفِرُ، بكسر الفاء: العظيم من الجبال. والجمع كَفِراتٌ؛ قال عبدُ
الله بن نُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ:
له أَرَجٌ من مُجْمِرِ الهِنْدِ ساطِعٌ،
تُطَلَّعُ رَيَّاهُ من الكَفِراتِ
والكَفَرُ: العِقابُ من الجبال. قال أَبو عمرو: الكَفَرُ الثنايا
العِقَاب، الواحدة كَفَرَةٌ؛ قال أُمية:
وليس يَبْقَى لوَجْهِ اللهِ مُخْتَلَقٌ،
إِلا السماءُ وإِلا الأَرْضُ والكَفَرُ
ورجل كِفِرِّينٌ: داهٍ، وكَفَرْنى: خاملٌ أَحمق. الليث: رجل كِفِرِّينٌ
عِفِرِّينٌ أَي عِفْريت خبيث. التهذيب: وكلمة يَلْهَجُونَ بها لمن يؤمر
بأَمر فيعمل على غير ما أُمر به فيقولون له: مَكْفورٌ بِكَ يا فلان
عَنَّيْتَ وآذَيْتَ. وفي نوادر الأَعراب: الكافِرَتانِ والكافِلَتانِ
الأَلْيَتانِ.
أنس: الإِنسان: معروف؛ وقوله:
أَقَلْ بَنو الإِنسانِ، حين عَمَدْتُمُ
إِلى من يُثير الجنَّ، وهي هُجُودُ
يعني بالإِنسان آدم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. وقوله عز وجل:
وكان الإِنسانُ أَكْثَرَ شيء جَدَلاً؛ عنى بالإِنسان هنا الكافر، ويدل على
ذلك قوله عز وجل: ويُجادِلُ الذين كفروا بالباطل لِيُدْحِضُوا به الحقَّ؛
هذا قول الزجّاج، فإِن قيل: وهل يُجادل غير الإِنسان؟ قيل: قد جادل
إِبليس وكل من يعقل من الملائكة، والجنُّ تُجادل، لكن الإِنسان أَكثر جدلاً،
والجمع الناس، مذكر. وفي التنزيل: يا أَيها الناسُ؛ وقد يؤنث على معنى
القبيلة أَو الطائفة، حكى ثعلب: جاءَتك الناسُ، معناه: جاءَتك القبيلة أَو
القطعة؛ كما جعل بعض الشعراء آدم اسماً للقبيلة وأَنت فقال أَنشده
سيبويه:شادوا البلادَ وأَصْبَحوا في آدمٍ،
بَلَغوا بها بِيضَ الوُجوه فُحُولا
والإِنسانُ أَصله إِنْسِيانٌ لأَن العرب قاطبة قالوا في تصغيره:
أُنَيْسِيانٌ، فدلت الياء الأَخيرة على الياء في تكبيره، إِلا أَنهم حذفوها لما
كثر الناسُ في كلامهم. وفي حديث ابن صَيَّاد: قال النبي، صلى اللَّه عليه
وسلم، ذاتَ يوم: انْطَلِقوا بنا إِلى أُنَيسيانٍ قد رأَينا شأْنه؛ وهو
تصغير إِنسان، جاء شاذّاً على غير قياس، وقياسه أُنَيْسانٌ، قال: وإِذا
قالوا أَناسينُ فهو جمع بَيِّنٌ مثل بُسْتانٍ وبَساتينَ، وإِذا قالوا
أَناسي كثيراً فخففوا الياء أَسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه
مثل قَراقيرَ وقراقِرَ، ويُبَيِّنُ جواز أَناسي، بالتخفيف، قول العرب
أَناسيَة كثيرة، والواحدُ إِنْسِيٌّ وأُناسٌ إِن شئت. وروي عن ابن عباس،
رضي اللَّه عنهما، أَنه قال: إِنما سمي الإِنسان إِنساناً لأَنه عهد إِليه
فَنَسيَ، قال أَبو منصور: إِذا كان الإِنسان في الأَصل إِنسيانٌ، فهو
إِفْعِلانٌ من النِّسْيان، وقول ابن عباس حجة قوية له، وهو مثل لَيْل
إِضْحِيان من ضَحِيَ يَضْحَى، وقد حذفت الياء فقيل إِنْسانٌ. وروى المنذري عن
أَبي الهيثم أَنه سأَله عن الناس ما أَصله؟ فقال: الأُناس لأَن أَصله
أُناسٌ فالأَلف فيه أَصيلة ثم زيدت عليه اللام التي تزاد مع الأَلف للتعريف،
وأَصل تلك اللام
(* قوله «وأصل تلك اللام إلى قوله فلما زادوهما» كذا
بالأصل.) إِبدالاً من أَحرف قليلة مثل الاسم والابن وما أَشْبهها من
الأَلفات الوصلية فلما زادوهما على أُناس صار الاسم الأُناس، ثم كثرت في الكلام
فكانت الهمزة واسطة فاستثقلوها فتركوها وصار الباقي: أَلُناسُ، بتحريك
اللام بالضمة، فلما تحركت اللام والنون أَدغَموا اللام في النون فقالوا:
النَّاسُ، فلما طرحوا الأَلف واللام ابتَدأُوا الاسم فقالوا: قال ناسٌ من
الناس. قال الأَزهري: وهذا الذي قاله أَبو الهيثم تعليل النحويين،
وإِنْسانٌ في الأَصل إِنْسِيانٌ، وهو فِعْليانٌ من الإِنس والأَلف فيه فاء
الفعل، وعلى مثاله حِرْصِيانٌ، وهو الجِلْدُ الذي يلي الجلد الأَعلى من
الحيوان، سمي حِرْصِياناً لأَنه يُحْرَصُ أَي يُقْشَرُ؛ ومنه أُخذت الحارِصَة
من الشِّجاج، يقال رجل حِذْريانٌ إِذا كان حَذِراً. قال الجوهري: وتقدير
إِنْسانٍ فِعْلانٌ وإِنما زيد في تصغيره ياء كما زيد في تصغير رجل فقيل
رُوَيْجِل، وقال قوم: أَصله إِنْسِيان على إِفْعِلان، فحذفت الياء
استخفافاً لكثرة ما يجري على أَلسنتهم، فإِذا صغّروه ردوهما لأَن التصغير لا
يكثر. وقوله عز وجل: أَكان للناس عَجَباً أَن أَوْحَينا إِلى رجل منهم؛
النَّاسُ ههنا أَهل مكة الأُناسُ لغة في الناس، قال سيبويه: والأَصل في الناس
الأُناسُ مخففاً فجعلوا الأَلف واللام عوضاً عن الهمزة وقد قالوا
الأُناس؛ قال الشاعر:
إِنَّ المَنايا يَطَّلِعْـ
ـنَ على الأُناس الآمِنينا
وحكى سيبويه: الناسُ الناسُ أَي الناسُ بكل مكان وعلى كل حال كما نعرف؛
وقوله:
بلادٌ بها كُنَّا، وكُنَّا نُحِبُّها،
إِذ الناسُ ناسٌ، والبلادُ بلادُ
فهذا على المعنى دون اللفظ أَي إِذ الناس أَحرار والبلاد مُخْصِبَة،
ولولا هذا الغَرَض وأَنه مراد مُعْتَزَم لم يجز شيء من ذلك لِتَعَرِّي الجزء
الأَخير من زيادة الفائدة عن الجزءِ الأَول، وكأَنه أُعيد لفظ الأَول
لضرب من الإِدْلالِ والثقة بمحصول الحال، وكذلك كل ما كان مثل هذا.
والنَّاتُ: لغة في الناس على البدل الشاذ؛ وأَنشد:
يا قَبَّحَ اللَّهُ بني السِّعْلاةِ
عَمرو بنَ يَرْبوعٍ شِرارَ الناتِ،
غيرَ أَعِفَّاءٍ ولا أَكْياتِ
أَراد ولا أَكياس فأَبدل التاء من سين الناس والأَكياس لموافقتها إِياها
في الهمس والزيادة وتجاور المخارج.
والإِنْسُ: جماعة الناس، والجمع أُناسٌ، وهم الأَنَسُ. تقول: رأَيت
بمكان كذا وكذا أَنَساً كثيراً أَي ناساً كثيراً؛ وأَنشد:
وقد تَرى بالدّار يوماً أَنَسا
والأَنَسُ، بالتحريك: الحيُّ المقيمون، والأَنَسُ أَيضاً: لغة في
الإِنْس؛ وأَنشد الأَخفش على هذه اللغة:
أَتَوْا ناري فقلتُ: مَنُونَ أَنتم؟
فقالوا: الجِنُّ قلتُ: عِمُوا ظَلاما
فقلتُ: إِلى الطَّعامِ، فقال منهمْ
زَعِيمٌ: نَحْسُد الأَنَسَ الطَّعاما
قال ابن بري: الشعر لشمر بن الحرث الضَّبِّي، وذكر سيبويه البيت الأَول
جاء فيه منون مجموعاً للضرورة وقياسه: من أَنتم؟ لأَن من إِنما تلحقه
الزوائد في الوقف، يقول القائل: جاءَني رجل، فتقول: مَنُو؟ ورأَيت رجلاً
فيقال: مَنا؟ ومررت برجل فيقال: مَني؟ وجاءني رجلان فتقول: مَنانْ؟ وجاءَني
رجال فتقول: مَنُونْ؟ فإِن وصلت قلت: مَنْ يا هذا؟ أَسقطت الزوائد كلها،
ومن روى عموا صباحاً فالبيت على هذه الرواية لجِذْع بن سنان الغساني في
جملة أَبيات حائية؛ ومنها:
أَتاني قاشِرٌ وبَنُو أَبيه،
وقد جَنَّ الدُّجى والنجمُ لاحا
فنازَعني الزُّجاجَةَ بَعدَ وَهْنٍ،
مَزَجْتُ لهم بها عَسلاً وراحا
وحَذَّرَني أُمُوراً سَوْف تأْتي،
أَهُزُّ لها الصَّوارِمَ والرِّماحا
والأَنَسُ: خلاف الوَحْشَةِ، وهو مصدر قولك أَنِسْتُ به، بالكسر،
أَنَساً وأَنَسَةً؛ قال: وفيه لغة أُخرى: أَنَسْتُ به أُنْساً مثل كفرت به
كُفْراً. قال: والأُنْسُ والاستئناس هو التَّأَنُّسُ، وقد أَنِسْتُ بفلان.
والإِنْسِيُّ: منسوب إِلى الإِنْس، كقولك جَنِّيٌّ وجِنٌ وسِنْدِيٌّ
وسِنْدٌ، والجمع أَناسِيُّ كَكُرْسِيّ وكَراسِيّ، وقيل: أَناسِيُّ جمع إِنسان
كسِرْحانٍ وسَراحينَ، لكنهم أَبدلوا الياء من النون؛ فأَما قولهم:
أَناسِيَةٌ جعلوا الهاء عوضاً من إِحدى ياءَي أَناسِيّ جمع إِنسان، كما قال عز
من قائل: وأَناسِيَّ كثيراً. وتكون الياءُ الأُولى من الياءَين عوضاً
منقلبة من النون كما تنقلب النون من الواو إِذا نسبت إِلى صَنْعاءَ وبَهْراءَ
فقلت: صَنْعانيٌّ وبَهْرانيٌّ، ويجوز أَن تحذف الأَلف والنون في إِنسان
تقديراً وتأْتي بالياءِ التي تكون في تصغيره إِذا قالوا أُنَيْسِيان،
فكأَنهم زادوا في الجمع الياء التي يردّونها في التصغير فيصير أَناسِيَ،
فيدخلون الهاء لتحقيق التأْنيث؛ وقال المبرد: أَناسِيَةٌ جمع إِنْسِيَّةٍ،
والهاء عوض من الياء المحذوفة، لأَنه كان يجب أَناسِيٌ بوزن زَناديقَ
وفَرازِينَ، وأَن الهاء في زَنادِقَة وفَرازِنَة إِنما هي بدل من الياء،
وأَنها لما حذفت للتخفيف عوّضت منها الهاءُ، فالياءُ الأُولى من أَناسِيّ
بمنزلة الياءِ من فرازين وزناديق، والياء الأَخيرة منه بمنزلة القاف والنون
منهما، ومثل ذلك جَحْجاحٌ وجَحاجِحَةٌ إِنما أَصله جَحاجيحُ. وقال
اللحياني: يُجْمَع إِنسانٌ أَناسِيَّ وآناساً على مثال آباضٍ، وأَناسِيَةً
بالتخفيف والتأْنيث.
والإِنْسُ: البشر، الواحد إِنْسِيٌّ وأَنَسيٌّ أَيضاً، بالتحريك. ويقال:
أَنَسٌ وآناسٌ كثير. وقال الفراء في قوله عز وجل: وأَناسِيّ كثيراً؛
الأَناسِيُّ جِماعٌ، الواحد إِنْسِيٌّ، وإِن شئت جعلته إِنساناً ثم جمعته
أَناسِيّ فتكون الياءُ عوضاً من النون، كما قالوا للأَرانب أَراني،
وللسَّراحين سَراحِيّ. ويقال للمرأَة أَيضاً إِنسانٌ ولا يقال إِنسانة، والعامة
تقوله. وفي الحديث: أَنه نهى عن الحُمُر الإِنسيَّة يوم خَيْبَر؛ يعني
التي تأْلف البيوت، والمشهور فيها كسر الهمزة، منسوبة إِلى الإِنس، وهم بنو
آدم، الواحد إِنْسِيٌّ؛ قال: وفي كتاب أَبي موسى ما يدل على أَن الهمزة
مضمومة فإِنه قال هي التي تأْلف البيوت. والأُنْسُ، وهو ضد الوحشة،
الأُنْسُ، بالضم، وقد جاءَ فيه الكسر قليلاً، ورواه بعضهم بفتح الهمزة والنون،
قال: وليس بشيءٍ؛ قال ابن الأَثير: إِن أَراد أَن الفتح غير معروف في
الرواية فيجوز، وإِن أَراد أَنه ليس بمعروف في اللغة فلا، فإِنه مصدر
أَنِسْت به آنَس أَنَساً وأَنَسَةً، وقد حكي أَن الإِيْسان لغة في الإِنسان،
طائية؛ قال عامر بن جرير الطائي:
فيا ليتني من بَعْدِ ما طافَ أَهلُها
هَلَكْتُ، ولم أَسْمَعْ بها صَوْتَ إِيسانِ
قال ابن سيده: كذا أَنشده ابن جني، وقال: إِلا أَنهم قد قالوا في جمعه
أَياسِيَّ، بياء قبل الأَلف، فعلى هذا لا يجوز أَن تكون الياء غير مبدلة،
وجائز أَيضاً أَن يكون من البدل اللازم نحو عيدٍ وأَعْياد وعُيَيْدٍ؛ قال
اللحياني: فلي لغة طيء ما رأَيتُ ثَمَّ إِيساناً أَي إِنساناً؛ وقال
اللحياني: يجمعونه أَياسين، قال في كتاب اللَّه عز وجل: ياسين والقرآن
الحكيم؛ بلغة طيء، قال أَبو منصور: وقول العلماء أَنه من الحروف المقطعة. وقال
الفراءُ: العرب جميعاً يقولون الإِنسان إِلا طيئاً فإِنهم يجعلون مكان
النون ياء. وروى قَيْسُ ابن سعد أَن ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، قرأَ:
ياسين والقرآن الحكيم، يريد يا إِنسان. قال ابن جني: ويحكى أَن طائفة من
الجن وافَوْا قوماً فاستأْذنوا عليهم فقال لهم الناس: من أَنتم؟ فقالوا:
ناسٌ من الجنِّ، وذلك أَن المعهود في الكلام إِذا قيل للناس من أَنتم
قالوا: ناس من بني فلان، فلما كثر ذلك استعملوه في الجن على المعهود من كلامهم
مع الإِنس، والشيء يحمل على الشيء من وجه يجتمعان فيه وإِن تباينا من
وجه آخر.
والإِنسانُ أَيضاً: إِنسان العين، وجمعه أَناسِيُّ. وإِنسانُ العين:
المِثال الذي يرى في السَّواد؛ قال ذو الرمة يصف إِبلاً غارت عيونها من
التعب والسير:
إِذا اسْتَحْرَسَتْ آذانُها، اسْتَأْنَسَتْ لها
أَناسِيُّ مَلْحودٌ لها في الحَواجِبِ
وهذا البيت أَورده ابنُ بري: إِذا اسْتَوْجَسَتْ، قال: واستوجست بمعنى
تَسَمَّعَتْ، واسْتَأْنَسَتْ وآنَسَتْ بمعنى أَبصرت، وقوله: ملحود لها في
الحواجب، يقول: كأَن مَحارَ أَعيُنها جُعِلْنَ لها لُحوداً وصَفَها
بالغُؤُور؛ قال الجوهري ولا يجمع على أُناسٍ. وإِنسان العين: ناظرها.
والإِنسانُ: الأُنْمُلَة؛ وقوله:
تَمْري بإِنْسانِها إِنْسانَ مُقْلَتها،
إِنْسانةٌ، في سَوادِ الليلِ، عُطبُولُ
فسره أَبو العَمَيْثَلِ الأَعرابيُّ فقال: إِنسانها أُنملتها. قال ابن
سيده: ولم أَره لغيره؛ وقال:
أَشارَتْ لإِنسان بإِنسان كَفِّها،
لتَقْتُلَ إِنْساناً بإِنْسانِ عَيْنِها
وإِنْسانُ السيف والسهم: حَدُّهما. وإِنْسِيُّ القَدَم: ما أَقبل عليها
ووَحْشِيُّها ما أَدبر منها. وإِنْسِيٌّ الإِنسان والدابة: جانبهما
الأَيسر، وقيل الأَيمن. وإِنْسِيُّ القَوس: ما أَقبل عليك منها، وقيل:
إِنْسِيُّ القوس ما وَليَ الرامِيَ، ووَحْشِيُّها ما ولي الصيد، وسنذكر اختلاف
ذلك في حرف الشين. التهذيب: الإِنْسِيُّ من الدواب هو الجانب الأَيسر الذي
منه يُرْكَبُ ويُحْتَلَبُ، وهو من الآدمي الجانبُ الذي يلي الرجْلَ
الأُخرى، والوَحْشِيُّ من الإِنسانِ الجانب الذي يلي الأَرض. أَبو زيد:
الإِنْسِيُّ الأَيْسَرُ من كل شيء. وقال الأَصمعي: هو الأَيْمَنُ، وقال: كلُّ
اثنين من الإِنسان مثل الساعِدَيْن والزَّنْدَيْن والقَدَمين فما أَقبل
منهما على الإِنسان فهو إِنْسِيٌّ، وما أَدبر عنه فهو وَحْشِيٌّ.
والأَنَسُ: أَهل المَحَلِّ، والجمع آناسٌ؛ قال أَبو ذؤَيب:
مَنايا يُقَرِّبْنَ الحُتُوفَ لأَهْلِها
جَهاراً، ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجُبْلِ
وقال عمرو ذو الكَلْب:
بفِتْيانٍ عَمارِطَ من هُذَيْلٍ،
هُمُ يَنْفُونَ آناسَ الحِلالِ
وقالوا: كيف ابنُ إِنْسُك أَي كيف نَفْسُك. أَبو زيد: تقول العرب للرجل
كيف ترى ابن إِنْسِك إِذا خاطبت الرجل عن نفْسك. الأحمر: فلان ابن إِنْسِ
فلان أَي صَفِيُّه وأَنيسُه وخاصته. قال الفراء: قلت للدُّبَيْريّ إِيش،
كيف ترى ابنُ إِنْسِك، بكسر الأَلف؟ فقال: عزاه إِلى الإِنْسِ، فأَما
الأُنْس عندهم فهو الغَزَلُ. الجوهري: يقال كيف ابنُ إِنْسِك وإِنْسُك يعني
نفسه، أَي كيف تراني في مصاحبتي إِياك؟ ويقال: هذا حِدْثي وإِنسي
وخِلْصي وجِلْسِي، كله بالكسر. أَبو حاتم: أَنِسْت به إِنساً، بكسر الأَلف، ولا
يقال أُنْساً إِنما الأُنْسُ حديثُ النساء ومُؤَانستهن. رواه أَبو حاتم
عن أَبي زيد. وأَنِسْتُ به آنَسُ وأَنُسْتُ أنُسُ أَيضاً بمعنى واحد.
والإِيناسُ: خلاف الإِيحاش، وكذلك التَّأْنيس. والأَنَسُ والأُنْسُ
والإِنْسُ الطمأْنينة، وقد أَنِسَ به وأَنَسَ يأْنَسُ ويأْنِسُ وأَنُسَ أُنْساً
وأَنَسَةً وتَأَنَّسَ واسْتَأْنَسَ؛ قال الراعي:
أَلا اسْلَمي اليومَ ذاتَ الطَّوْقِ والعاجِ.
والدَّلِّ والنَّظَرِ المُسْتَأْنِسِ الساجي
والعرب تقول: آنَسُ من حُمَّى؛ يريدون أَنها لا تكاد تفارق العليل
فكأَنها آنِسَةٌ به، وقد آنَسَني وأَنَّسَني. وفي بعض الكلام: إِذا جاءَ الليل
استأْنَس كلُّ وَحْشِيٍّ واستوحش كلُّ إِنْسِيٍّ؛ قال العجاج:
وبَلْدَةٍ ليس بها طُوريُّ،
ولا خَلا الجِنَّ بها إِنْسِيُّ
تَلْقى، وبئس الأَنَسُ الجِنِّيُّ
دَوِّيَّة لهَولِها دَويُّ،
للرِّيح في أَقْرابها هُوِيُّ
هُويُّ: صَوْتٌ. أَبو عمرو: الأَنَسُ سُكان الدار. واستأْنس الوَحْشِيُّ
إِذا أَحَسَّ إِنْسِيّاً. واستأْنستُ بفلان وتأَنَّسْتُ به بمعنى؛ وقول
الشاعر:
ولكنني أَجمع المُؤْنِساتِ،
إِذا ما اسْتَخَفَّ الرجالُ الحَديدا
يعني أَنه يقاتل بجميع السلاح، وإِنما سماها بالمؤْنسات لأَنهن
يُؤْنِسْنَه فَيُؤَمِّنَّه أَو يُحَسِّنَّ ظَنَّهُ. قال الفراء: يقال للسلاح كله
من الرُّمح والمِغْفَر والتِّجْفاف والتَّسْبِغَةِ والتُّرْسِ وغيره:
المُؤْنِساتُ.
وكانت العرب القدماءُ تسمي يوم الخميس مُؤْنِساً لأنَّهم كانوا يميلون
فيه إلى الملاذِّ؛ قال الشاعر:
أُؤَمِّلُ أَن أَعيشَ، وأَنَّ يومي
بأَوَّل أَو بأَهْوَنَ أَو جُبارِ
أَو التَّالي دُبارِ، فإِن يَفُتْني،
فَمُؤْنِس أَو عَروبَةَ أَو شِيارِ
وقال مُطَرِّز: أَخبرني الكريمي إِمْلاءً عن رجاله عن ابن عباس، رضي
اللَّه عنهما، قال: قال لي عليّ، عليه السلام: إِن اللَّه تبارك وتعالى خلق
الفِرْدَوْسَ يوم الخميس وسماها مُؤْنِسَ.
وكلب أَنُوس: وهو ضد العَقُور، والجمع أُنُسٌ. ومكان مَأْنُوس إِنما هو
على النسب لأَنهم لم يقولوا آنَسْتُ المكان ولا أَنِسْتُه، فلما لم نجد
له فعلاً وكان النسبُ يَسوغُ في هذا حملناه عليه؛ قال جرير:
حَيِّ الهِدَمْلَةَ من ذاتِ المَواعِيسِ،
فالحِنْوُ أَصْبَحَ قَفْراً غيرَ مَأْنُوسِ
وجارية أنِسَةٌ: طيبة الحديث؛ قال النابغة الجَعْدي:
بآنِسةٍ غَيْرِ أُنْسِ القِرافِ،
تُخَلِّطُ باللِّينِ منها شِماسا
وكذلك أَنُوسٌ، والجمع أُنُسٌ؛ قال الشاعر يصف بيض النعام:
أُنُسٌ إِذا ما جِئْتَها بِبُيُوتِها،
شُمُسٌ إِذا داعي السَّبابِ دَعاها
جُعلَتْ لَهُنَّ مَلاحِفٌ قَصَبيَّةٌ،
يُعْجِلْنَها بالعَطِّ قَبْلَ بِلاها
والمَلاحِف القصبية يعني بها ما على الأَفْرُخِ من غِرْقئِ البيض.
الليث: جارية آنِسَةٌ إِذا كانت طيبة النَّفْسِ تُحِبُّ قُرْبَكَ وحديثك،
وجمعها آنِسات وأَوانِسُ. وما بها أَنِيسٌ أَي أَحد، والأُنُسُ الجمع.
وآنَسَ الشيءَ: أَحَسَّه. وآنَسَ الشَّخْصَ واسْتَأْنَسَه: رآه وأَبصره
ونظر إِليه؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
بعَيْنَيَّ لم تَسْتَأْنِسا يومَ غُبْرَةٍ،
ولم تَرِدا جَوَّ العِراقِ فَثَرْدَما
ابن الأَعرابي: أَنِسْتُ بفلان أَي فَرِحْتُ به، وآنَسْتُ فَزَعاً
وأَنَّسْتُهُ إِذا أَحْسَسْتَه ووجدتَهُ في نفسك. وفي التنزيل العزيز: آنَسَ
من جانب الطُور ناراً؛ يعني موسى أَبصر ناراً، وهو الإِيناسُ. وآنَس
الشيءَ: علمه. يقال: آنَسْتُ منه رُشْداً أَي علمته. وآنَسْتُ الصوتَ: سمعته.
وفي حديث هاجَرَ وإِسمعيلَ: فلما جاءَ إِسمعيل، عليه السلام، كأَنه آنَسَ
شيئاً أَي أَبصر ورأَى لم يَعْهَدْه. يقال: آنَسْتُ منه كذا أَي علمت.
واسْتَأْنَسْتُ: اسْتَعْلَمْتُ؛ ومنه حديث نَجْدَةَ الحَرُورِيِّ وابن
عباس: حتى تُؤْنِسَ منه الرُّشْدَ أَي تعلم منه كمال العقل وسداد الفعل
وحُسْنَ التصرف. وقوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا لا تَدْخُلوا بُيوتاً
غيرَ بُيوتِكم حتى تَسْتَأْنِسوا وتُسَلِّموا؛ قال الزجاج: معنى تستأْنسوا
في اللغة تستأْذنوا، ولذلك جاءَ في التفسير تستأْنسوا فَتَعْلَموا
أَيريد أَهلُها أَن تدخلوا أَم لا؟ قال الفراءُ: هذا مقدم ومؤَخَّر إِنما هو
حتى تسلِّموا وتستأْنسوا: السلام عليكم أَأَدخل؟ قال: والاستئناس في كلام
العرب النظر. يقال: اذهبْ فاسْتَأْنِسْ هل ترى أَحداً؟ فيكون معناه
انظرْ من ترى في الدار؛ وقال النابغة:
بذي الجَليل على مُسْتَأْنِسٍ وَحِدِ
أَي على ثور وحشيٍّ أَحس بما رابه فهو يَسْتَأْنِسُ أَي يَتَبَصَّرُ
ويتلفت هل يرى أَحداً، أَراد أَنه مَذْعُور فهو أَجَدُّ لعَدْوِه وفراره
وسرعته. وكان ابن عباس، رضي اللَه عنهما، يقرأُ هذه الآية: حتى تستأْذنوا،
قال: تستأْنسوا خطأ من الكاتب. قال الأَزهري: قرأ أُبيّ وابن مسعود:
تستأْذنوا، كما قرأَ ابن عباس، والمعنى فيهما واحد. وقال قتادة ومجاهد:
تستأْنسوا هو الاستئذان، وقيل: تستأْنسوا تَنَحْنَحُوا. قال الأَزهري: وأَصل
الإِنْسِ والأَنَسِ والإِنسانِ من الإِيناسِ، وهو الإِبْصار.
ويقال: آنَسْتُه وأَنَّسْتُه أَي أَبصرته؛ وقال الأَعشى:
لا يَسْمَعُ المَرْءُ فيها ما يؤَنِّسُه،
بالليلِ، إِلاَّ نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعا
وقيل معنى قوله: ما يُؤَنِّسُه أَي ما يجعله ذا أُنْسٍ، وقيل للإِنْسِ
إِنْسٌ لأَنهم يُؤنَسُونَ أَي يُبْصَرون، كما قيل للجنِّ جِنٌّ لأَنهم لا
يؤنسون أَي لا يُبصَرون. وقال محمد بن عرفة الواسطي: سمي الإِنْسِيٍّون
إِنْسِيِّين لأَنهم يُؤنَسُون أَي يُرَوْنَ، وسمي الجِنُّ جِنّاً لأَنهم
مُجْتَنُّون عن رؤية الناس أَي مُتَوارُون. وفي حديث ابن مسعود: كان إِذا
دخل داره اسْتَأْنس وتَكَلَّمَ أَي اسْتَعْلَم وتَبَصَّرَ قبل الدخول؛
ومنه الحديث:
أَلم تَرَ الجِنَّ وإِبلاسها،
ويَأْسَها من بعد إِيناسها؟
أَي أَنها يئست مما كانت تعرفه وتدركه من استراق السمع ببعثة النبي، صلى
اللَه عليه وسلم. والإِيناسُ: اليقين؛ قال:
فإِن أَتاكَ امْرؤٌ يَسْعَى بِكذْبَتِه،
فانْظُرْ، فإِنَّ اطِّلاعاً غَيْرُ إِيناسِ
الاطِّلاعُ: النظر، والإِيناس: اليقين؛ قال الشاعر:
ليَس بما ليس به باسٌ باسْ،
ولا يَضُرُّ البَرَّ ما قال الناسْ،
وإِنَّ بَعْدَ اطِّلاعٍ إِيناسْ
وبعضهم يقول: بعد طُلوعٍ إِيناسٌ. الفراء: من أَمثالهم: بعد اطِّلاعٍ
إِيناسٌ؛ يقول: بعد طُلوعٍ إِيناس.
وتَأَنَّسَ البازي: جَلَّى بطَرْفِه. والبازي يَتَأَنَّسُ، وذلك إِذا ما
جَلَّى ونظر رافعاً رأْسه وطَرْفه.
وفي الحديث: لو أَطاع اللَّهُ الناسَ في الناسِ لم يكن ناسٌ؛ قيل: معناه
أَن الناس يحبون أَن لا يولد لهم إِلا الذُّكْرانُ دون الإِناث، ولو لم
يكن الإِناث ذهب الناسُ، ومعنى أَطاع استجاب دعاءه.ومَأْنُوسَةُ
والمَأْنُوسَةُ جميعاً: النار. قال ابن سيده: ولا أَعرف لها فِعْلاً، فأَما
آنَسْتُ فإِنما حَظُّ المفعول منها مُؤْنَسَةٌ؛ وقال ابن أَحمر:
كما تَطايَرَ عن مَأْنُوسَةَ الشَّرَرُ
قال الأَصمعي: ولم نسمع به إِلا في شعر ابن أَحمر.
ابن الأَعرابي: الأَنِيسَةُ والمَأْنُوسَةُ النار، ويقال لها السَّكَنُ
لأَن الإِنسان إِذا آنَسَها ليلاً أَنِسَ بها وسَكَنَ إِليها وزالت عنه
الوَحْشَة، وإِن كان بالأَرض القَفْرِ.
أَبو عمرو: يقال للدِّيكِ الشُّقَرُ والأَنيسُ والنَّزِيُّ.
والأَنِيسُ: المُؤَانِسُ وكل ما يُؤْنَسُ به. وما بالدار أَنِيسٌ أَي
أَحد؛ وقول الكميت:
فِيهنَّ آنِسَةُ الحدِيثِ حَيِيَّةٌ،
ليسَتْ بفاحشَةٍ ولا مِتْفالِ
أَي تَأْنَسُ حديثَك ولم يرد أَنها تُؤْنِسُك لأَنه لو أَراد ذلك لقال
مُؤْنِسَة.
وأَنَسٌ وأُنَيسٌ: اسمان. وأُنُسٌ: اسم ماء لبني العَجْلانِ؛ قال ابن
مُقْبِل:
قالتْ سُلَيْمَى ببطنِ القاعِ من أُنُسٍ:
لا خَيْرَ في العَيْشِ بعد الشَّيْبِ والكِبَرِ
ويُونُسُ ويُونَسُ ويُونِسُ، ثلاث لغات: اسم رجل، وحكي فيه الهمز فيه
الهمز أَيضاً، واللَّه أَعلم.
نوم: النّوْم: معروف. ابن سيده: النَّوْمُ النُّعاسُ. نامَ يَنامُ
نَوْماً ونِياماً؛ عن سيبويه، والاسمُ النِّيمةُ، وهو نائمٌ إذا رَقَدَ. وفي
الحديث: أَنه قال فيما يَحْكي عن ربِّه أَنْزَلْتُ عليكَ كتاباً لا
يَغْسِلُه الماءُ تَقْرَؤُه نائماً ويَقْظانَ أي تَقرؤه حِفْظاً في كل حال عن
قلبك أي في حالتي النوم واليقظة؛ أراد أنه لا يُمْحى أَبداً بل هو محفوظ
في صدور الذين أُوتوا العِلْمَ، لا يأَْتِيه الباطلُ من بين يديه، ولا من
خَلْفِه، وكانت الكتُبُ المنزلة لا تُجْمَع حِفْظاً، وإنما يُعْتَمَد في
حِفْظِها على الصُّحُف، بخِلافِ القرآن فإنَّ حُفّاظَه أَضْعافُ صُحُفِه،
وقيل: أَراد تقرؤه في يُسْرٍ وسُهولة. وفي حديث عِمْرانَ بن حُصَيْن:
صَلِّ قائماً، فإن لم تَسْتَطِعْ فقاعِداً، فإن لم تَسْتَطِعْ فنائماً؛
أَراد به الاضْطِجاعَ، ويدل عليه الحديث الآُخر: فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ،
وقيل: نائماً تصحيف، وإنماً أَراد فإيماءً أَي بالإشارة كالصلاة عند
التحام القتال وعلى ظهر الدابة. وفي حديثه الآخر: من صلى نائماً فله نِصْفُ
أَجْرِ القاعد؛ قال ابن الأَثير: قال الخطابي لا أَعلم أَني سمعت صلاةَ
النائم إلا في هذا الحديث، قال: ولا أَحفظ عن أحدٍ من أَهل العلم أَنه
رَخَّصَ في صلاةِ التطوع نائماً كما رَخَّص فيها قاعداً، قال: فإن صحت هذه
الرواية ولم يكن أَحد الرُّواةِ أَدْرَجَه في الحديث وقاسَه على صلاةِ
القاعِد وصلاةِ المريضِ إذا لم يَقْدِرْ على القُعودِ، فتكون صلاةُ المتطوِّع
القادرِ نائماً جائزةً، والله أَعلم، هكذا قال في مَعالم السُّنن، قال:
وعاد قال في أَعلام السُّنَّة: كنتُ تأَوْلت الحديثَ في كتاب المَعالم
على أن المراد به صلاةُ التطوع، إلا أن قوله نائماً يُفْسِد هذا التأْويل
لأن المُضطجع لا يصَلي التطوُّعَ كما يصلي القاعدُ، قال: فرأَيت الآنَ أن
المراد به المريضُ المُفْتَرِضُ الذي يمكنه أن يَتحامَلَ فيقعُد مع
مَشَقَّة، فجعَل أَجْرَه ضِعْفَ أَجْرهِ إذا صلَّى نائماً ترغيباً له في
القعود مع جواز صلاته نائماً، وكذلك جعل صلاتَه إذا تحامَل وقامَ مع مشقةٍ
ضِعْفَ صلاتِه إذا صلى قاعداً مع الجواز؛ وقوله:
تاللهِ ما زيدٌ بنام صاحبُه،
ولا مُخالِطِ اللِّيانِ جانِبُهْ
قيل: إن نامَ صاحبُه علمٌ اسم رجل، وإذا كان كذلك جَرى مَجْرى بَني شابَ
قَرناها؛ فإن قلت: فإن قوله:
ولا مخالط الليان جانبه
ليس علماً وإنما هو صفة وهو معطوف على نامَ صاحبهُ، فيجب أَن يكون قوله
نامَ صاحبُه صفةً أَيضاً؛ قيل: قد تكون في الجُمَل إذا سُمِّيَ بها معاني
الأَفعال؛ ألا ترى أن قوله:
شابَ قَرْناها تُصَرُّ وتُحْلَبُ
هو اسم عَلم وفيه مع ذلك معنى الذمّ؟ وإذا كان ذلك جاز أن يكون قوله:
ولا مُخالِطِ اللِّيانِ جانِبهُ
معطوفاً على ما في قوله نام صاحبه من معنى الفعل. وما له نِيمةُ ليلةٍ؛
عن اللحياني، قال ابن سيده: أُراه يعني ما يُنام عليه ليلةً واحدة. ورجلٌ
نائمٌ ونَؤُومٌ ونُوَمةٌ ونُوَمٌ؛ الأَخيرة عن سيبويه، من قومٍ نِيامً
ونُوَّمٍ، على الأَصل، ونُيَّمٍ، على اللفظ، قلبوا الواو ياءً لقربها من
الطرَف، ونِيَّم، عن سيبويه، كسروا لِمكان الياء، ونُوَّامٍ ونُيَّامٍ،
الأَخيرة نادرة لبعدها من الطرف؛ قال:
ألا طَرَقَتْنا مَيَّةُ ابنَةُ مُنْذِرٍ،
فما أَرَّقَ النُّيَّامَ إلا سَلامُها
قال ابن سيده: كذا سمع من أبي الغمر. ونَوْم: اسم للجمع عند سيبويه،
وجمعٌ عند غيره، وقد يكون النَّوْم للواحد. وفي حديث عبد الله بن جعفر: قال
للحسين ورأَى ناقته قائمةً على زِمامِها بالعَرْج وكان مريضاً: أَيها
النوْمُ أَيها النوْمُ فظن أَنه نائم فإذا هو مُثْبَتٌ وَجعاً، أَراد أيها
النائم فوضَع المصدرَ موضعَه، كما يقال رجل صَوْمٌ أي صائم. التهذيب: رجل
نَوْمٌ وقومٌ نَوْمٌ وامرأَة نَوْمٌ ورجل نَوْمانُ كثيرُ النوْم.
ورجل نُوَمَةٌ، بالتحريك: يَنامُ كثيراً. ورجل نُوَمةٌ إذا كان خامِلَ
الذِّكْر. وفي الحديث حديث عليّ، كرَّم الله وجهه: أَنه ذكر آخرَ الزمان
والفِتَنَ ثم قال: إنما يَنْجو من شرّ ذلك الزمان كلُّ مؤمنٍ نُوَمَةٍ
أُولئك مصابيحُ العُلماء؛ قال أَبو عبيد: النُّوَمة، بوزن الهُمَزة، الخاملُ
الذِّكْرِ الغامض في الناس الذي لا يَعْرِفُ الشَّرَّ ولا أَهلَه ولا
يُؤْبَهُ له. وعن ابن عباس أَنه قال لعليّ: ما النُّوَمَةُ؟ فقال: الذي
يَسْكُت في الفتنة فلا يَبْدوا منه شيء، وقال ابن المبارَك: هو الغافلُ عن
الشرِّ، وقيل: هو العاجزُ عن الأُمور، وقيل: هو الخامِلُ الذِّكر الغامِضُ
في الناس. ويقال للذي لا يُؤْبَهُ له نُومةٌ، بالتسكين. وقوله في حديث
سلمة: فنَوَّموا، هو مبالغة في نامُوا. وامرأَة نائمةٌ من نِسْوة نُوَّمٍ،
عند سيبويه؛ قال ابن سيده: وأَكثرُ هذا الجمع في فاعِلٍ دون فاعلةٍ.
وامرأَة نَؤُومُ الضُّحى: نائمتُها، قال: وإنما حقيقتُه نائمةٌ بالضُّحى أو
في الضحى. واسْتَنام وتَناوَم: طلب النَّوْم. واسْتنامَ الرجلُ: بمعنى
تَناوَم شهوة للنوم؛ وأَنشد للعجاج:
إذا اسْتنامَ راعَه النَّجِيُّ
واسْتنامَ أَيضاً إذا سَكَن. ويقال: أَخذه نُوامٌ، وهو مثلُ السُّبات
يكون من داءٍ به. ونامَ الرجلُ إذا تواضَع لله. وإنه لَحَسنُ النِّيمةِ أي
النَّوْم. والمَنامُ والمَنامةُ: موضع النوم؛ الأَخيرة عن اللحياني. وفي
التنزيل العزيز: إذ يُرِيكَهم الله في مَنامِك قليلاً؛ وقيل: هو هنا
العَينُ لأَن النَّوْم هنالك يكون، وقال الليث: أي في عينِك؛ وقال الزجاج:
روي عن الحسن أَن معناها في عينك التي تَنامُ بها، قال: وكثير من أهل النحو
ذهبوا إلى هذا، ومعناه عندهم إذْ يُرِيكَهم اللهُ في موضع منامك أي في
عينِك، ثم حذف الموضعَ وأَقام المَنامَ مُقامَه، قال: وهذا مذهبٌ حسن،
ولكن قد جاء في التفسير أن النبي، صلى الله عليه وسلم، رآهم في النوم قليلاً
وقَصَّ الرُّؤْيا على أِصحابه فقالوا صَدَقتْ رؤْياك يا رسول الله، قال:
وهذا المذهبُ أَسْوَغ في العربية لأَنه قد جاء: وإِذ يُريكُموهم إِذ
الْتَقَيْتم في أَعْيُنِكم قليلاً ويُقَلِّلُكم في أَعْيُنِهم؛ فدل بها
أَنَّ هذه رؤْية الالتقاء وأَن تلك رؤْية النَّوْم. الجوهري: تقول نِمْت،
وأََصله نَوِمْت بكسر الواو، فلما سكنت سقطت لاجتماع الساكنين ونُقِلتْ
حركتُها إِلى ما قبلها، وكان حقُّ النون أَن تُضَمَّ لتَدُلَّ على الواو
الساقطة كما ضَمَمْت القاف في قلت، إِلا أَنهم كسروها فَرْقاً بين المضموم
والمفتوح؛ قال ابن بري: قوله وكانَ حَقُّ النون أَن تُضَمَّ لتدلَّ على
الواو الساقطة وهَمٌ، لأَن المُراعى إِنما هو حركة الواو التي هي الكسرةُ
دون الواو بمنزلة خِفْت، وأَصله خَوِفْت فنُقِلت حركة الواو، وهي الكسرة،
إِلى الخاء، وحُذفت الواو لالتقاء الساكنين، فأَما قُلت فإِنما ضُمَّت
القاف أَيضاً لحركة الواو، وهي الضمة، وكان الأَصل فيها قَوَلْت، نُقِلتْ
إِلى قوُلت، ثم نقِلت الضمة إلى القاف وحُذِفَت الواو لالتقاء الساكنين،
قال الجوهري: وأَما كِلْتُ فإِنما كسروها لتدل على الياء الساقطة، قال ابن
بري: وهذا وَهَمٌ أَىضاً وإِنما كسروها للكسرة التي على الياء أَيضاً، لا
للياء، وأَصلها كَيِلْت مُغَيَّرة عن كَيَلْتُ، وذلك عند اتصال الضمير
بها أَعني التاء، على ما بُيِّن في التصريف، وقال: ولا يصح أَن يكون كالَ
فَعِل لقولهم في المضارع يَكيلُ، وفَعِلَ يَفْعِلُ إِنما جاء في أَفعال
معدودة، قال الجوهري: وأَما على مذهب الكسائي فالقياسُ مستمرٌّ لأَنه
يقول: أَصلُ قال قَوُلَ، بضم الواو. قال ابن بري: لم يذهب الكسائي ولا غيرهُ
إِلى أَنَّ أَصلَ قال قَوُل، لأَن قال مُتَعدٍّ وفَعُل لا يَتعدَّى واسم
الفاعل منه قائلٌ، ولو كان فَعُل لوجب أَن يكون اسم الفاعل منه فَعيل،
وإِنما ذلك إِذا اتصلت بياء المتكلم أَو المخاطب نحو قُلْت، على ما تقدم،
وكذلك كِلْت؛ قال الجوهري: وأَصل كالَ كَيِلَ، بكسر الياء، والأَمر منه
نَمْ، بفتح النون، بِناءً على المستقبل لأَن الواو المنقلبة أَلفاً سقطت
لاجتماع الساكنين.
وأَخَذه نُوامٌ، بالضم، إِذا جعَل النَّوْمُ يَعْترِيه. وتَناوَمَ: أَرى
من نفْسه أَنه نائمٌ وليس به، وقد يكون النَّوْم يُعْنى به المَنامُ.
الأَزهري: المَنامُ مصدر نامَ
يَنامُ نَوْماً ومَناماً، وأَنَمْتُه ونَوَّمْتُه بمعنىً، وقد أَنامَه
ونَوَّمه. ويقال في النداء خاصة: يا نَوْمانُ أَي يا كثير النَّوْم، قال:
ولا فَقُل رجل نَوْمانُ لأَنه يختص بالنداء. وفي حديث حنيفة وغزوة
الخَنْدق: فلما أَصْبَحتْ قالت: قُمْ يا نَوْمانُ؛ هو الكثير النَّوْم، قال:
وأَكثر ما يستعمل في النداء. قال ابن جني: وفي المثَل أَصْبِحْ نَوْمانُ،
فأَصْبحْ على هذا من قولك أَصبَح الرجلُ إِذا دخل في الصُّبح، ورواية
سيبويه أَصْبِحْ ليْلُ لِتَزُلْ حتى يُعاقِبَك الإِصباح؛ قال الأَعشى:
يقولون: أَصْبِحْ ليْلُ، والليلُ عاتِم
وربما قالوا: يا نَوْمُ، يُسَمُّون بالمصدر. وأَصابَ الثَّأْرَ
المُنِيم أَي الثأْر الذي فيه وَفاءُ طِلْبتِه. وفلان لا يَنامُ ولا
يُنيمُ أَي لا يَدَعُ أَحداً يَنام؛ قالت الخنساء:
كما مِنْ هاشمٍ أَقرَرْت عَيْني،
وكانَتْ لا تَنامُ ولا تُنِيمُ
وقوله:
تَبُكُّ الحَوْضَ عَلاَّها ونَهْلا،
وخَلْفَ ذِيادِها عَطَنٌ مُنيمُ
معناه تسكُن إِليها فتُنيمُها. وناوَمَني فنُمْتُه أَي كنتُ أَشدَّ
نَوْماً منه. ونُمْتُ الرجلَ، بالضم، إِذا غَلَبْتَه بالنَّوْم، لأَنك تقول
ناوَمَه فنامَه يَنُومُه. ونامَ الخَلخالُ إِذا انقَطعَ صوتُه من امتلاء
الساق، تشبيهاً بالنائم من الإِنسان وغيره، كما يقال اسْتَيْقَظَ إِذا
صَوَّت؛ قال طُرَيح:
نامَتْ خَلاخِلُها وجالَ وشاحُها،
وجَرى الإِزارُ على كثِيبٍ أَهْيَلِ
فاسْتَيْقَظَتْ منها قَلائدُها التي
عُقِدَت على جِيدِ الغَزالِ الأَكْحَلِ
وقولهم: نامَ
هَمُّه، معناه لم يكن له هَمٌّ؛ حكاه ثعلب. ورجل نُوَمٌ ونُوَمةٌ
ونَوِيمٌ: مُغفَّل، ونُومةٌ: خاملٌ، وكله من النَّوْم، كأَنه نائمٌ لغَفْلَتِه
وخُموله. الجوهري: رجل نُومة، بالضم ساكنة الواو، أَي لا يُؤْبَه له.
ورجل نُوَمةٌ، بفتح الواو: نَؤُوم، وهو الكثير النَّوْم، إِنه لَحَسنُ
النِّيمة، بالكسر. وفي حديث بِلالٍ والأَذان: أَلا إِن العبدَ
نام؛ قال ابن الأَثير: أَراد بالنَّوْمِ الغفلةَ عن وقت الأَذانِ، قال:
يقال نامَ فلانٌ عن حاجتي إِذا غفَل عنها ولم يَقُمْ بها، وقيل: معناه
أَنه قد عادَ لِنَوْمِه إِذا كان عليه بَعْدُ وقتٌ من الليل، فأَراد أَن
يُعْلِمَ الناس بذلك لئلا يَنْزَعِجوا من نَوْمِهم بسماعِ أَذانهِ. وكلُّ
شيءٍ سكَنَ فقد نامَ. وما نامَت السماءُ اللَّيلةِ مطراً، وهو مثل بذلك،
وكذلك البَرْق؛ قال ساعدة بن جُؤَيّة:
حتى شآها كَلِيلٌ مَوْهِناً عَمِلٌ
باتَ اضْطِراباً، وباتَ اللَّيْلُ لم يَنَم
ومُسْتَنامُ
الماء: حيث يَنْقَع ثم يَنشَفُ؛ هكذا قال أَبو حنيفة يَنْقَع، والمعروف
يَسْتَنْقِع، كأَنَّ الماءَ يَنامُ هنالك. ونامَ الماءُ
إِذا دامع وقامَ، ومَنامُه حيث يَقُوم. والمَنامةُ: ثوبٌ يُنامُ فيه،
وهو القَطيفةُ؛ قال الكميت:
عليه المَنامةُ ذاتُ الفُضول،
من القِهْزِ، والقَرْطَفُ المُخْْمَلُ
وقال آخر:
لكلِّ مَنامةٍ هُدْبٌ أَصِيرُ
أَي متقارِب. وليلٌ نائمٌ أَي يُنامُ فيه، كقولهم يومٌ عاصفٌ وهمٌّ
ناصبٌ، وهو فاعلٌ بمعنى مفعول فيه. والمَنامةُ: القَطِيفةُ، وهي النِّيمُ؛
وقول تأَبَّط شَرّاً:
نِياف القُرطِ غَرَّاء الثَّنايا،
تَعَرَّضُ للشَّبابِ ونِعمَ نِيمُ
قيل: عَنى بالنِّيمِ القَطِيفةَ، وقيل: عنى به الضجيع؛ قال ابن سيده:
وحكى المفسر أَن العرب تقول هو نِيمُ
المرأَةِ وهي نِيمُهُ. والمَنامةُ: الدُّكّانُ. وفي حديث عليّ، كرّم
الله وجهه: دخل عليّ رسولُ
الله، صلى الله عليه وسلم، وأَنا على المَنَامةِ؛ قال يحتمل أَن يكون
الدُّكّانَ وأَن يكون القطيفةَ؛ حكاه الهرويّ في الغريبين. وقال ابن
الأَثير: المَنامةُ ههنا الدُّكَّانُ التي يُنامُ
عليها، وفي غير هذا هي القطيفة، والميم الأُولى زائدة. ونامَ الثوبُ
والفَرْوُ
يَنامُ نَوْماً: أَخْلَقَ وانْقَطَعَ. ونامَت السُّوقُ وحَمُقت: كسَدَت.
ونامَت الريحُ: سكَنَت، كما قالوا: ماتَتْ. ونامَ البحرُ: هدَأَ؛ حكاه
الفارسي. ونامَت النارُ: هَمَدَت، كلُّه من النَّوْم الذي هو ضدُّ
اليَقظة. ونامَت الشاةُ وغيرُها من الحيوان إِذا ماتَتْ. وفي حديث عليّ أَنه
حَثَّ على قِتال الخوارج فقال: إِذا رأَيتُموهم فأَنِيمُهوهم أَي اقْتُلوهم.
وفي حديث غزوة الفتح: فما أَشْرَفَ لهم يومئذ أَحدٌ إِلا أَناموه أَي
قَتلوه. يقال: نامَت الشاةُ وغيرُها إِذا ماتت. والنائمةُ: المَيِّتَةُ.
والناميةُ: الجُثّةُ. واسْتَنامَ إِلى الشيء: اسْتَأْنَسَ به. واستَنامَ
فلانٌ إِلى فلان إِذا أَنِسَ به واطمأَنَّ إِليه وسكَن، فهو مُسْتَنِيمٌ
إِليه. ابن بري: واستْنامَ بمعنى نامَ؛ قال حُميد بن ثَوْر:
فقامَتْ بأَثْناءٍ من اللَّيْلِ ساعةً
سَراها الدَّواهي، واسْتَنامَ الخَرائدُ
أَي نام الخرائد.
والنامَةُ: قاعةُ الفَرْج.
والنِّيمُ: الفَرْوُ، وقيل: الفَرْوُ القصيرُ إِلى الصَّدْر، وقيل له
نِيمٌ أَي نِصفُ فَرْوٍ، بالفارسية؛ قال رؤبة:
وقد أَرى ذاك فلَنْ يَدُوما،
يُكْسَيْنَ من لِينِ الشَّبابِ نِيما
وفُسِّر أَنه الفَرْوُ، ونَسبَ ابن برّي هذا الرجزَ لأَبي النَّجْم،
وقيل: النِّيم فَرْوٌ يُسَوَّى من جُلود الأَرانِب، وهو غالي الثمن؛ وفي
الصحاح: النِّيم الفَرْوُ الخَلَقُ. والنِّيم: كلُّ لَيِّنٍ من ثوبٍ أَو
عَيْشٍ. والنِّيم: الدَّرَجُ الذي في الرمال إِذا جَرَت عليه الريح؛ قال ذو
الرمة:
حتى انْجَلى الليلُ عنَّا في مُلَمَّعة
مِثْلِ الأَديمِ، لها من هَبْوَةٍ نِيمُ
(* قوله «حتى انجلى إلخ» كذا في الصحاح، وفي التكملة ما نصه:
يجلي بها الليل عنا في ملمعةٍ
ويروى: يجلو بها الليل عنها).
قال ابن بري: من فتح الميم أَراد يَلْمَع فيها السَّرابُ، ومَنْ كسَر
أَراد تَلْمَعُ بالسراب، قال: وفُسِّر النِّيمُ
في هذا البيت بالفَرْوِ؛ وأَنشد ابن بري للمرّار ابن سعيد:
في لَيْلةٍ من ليالي القُرِّ شاتِية،
لا يُدْفِئُ الشيخَ من صُرّداها النِّيمُ
وأَنشد لعمرو بن الأيْهَم
(* قوله «ابن الايهم» في التكملة في مادة هيم:
ما نصه: وأعشى بني تغلب اسمه عمرو بن الاهيم):
نَعِّماني بشَرْبةٍ من طِلاءٍ،
نِعْمَت النِّيمُ من شَبا الزَّمْهَريرِ
قال ابن بري: ويروى هذا البيت أَيضاً:
كأَنَّ فِداءَها، إِذ جَرَّدوه
وطافوا حَوْلَه، سُلَكٌ ينِيمُ
قال: وذكره ابن وَلاَّدٍ في المقصور في باب الفاء: سُلَكَ يَتيمُ.
والنِّيمُ: النِّعْمةُ التامّةُ. والنِّيم: ضربٌ من العِضاهِ. والنِّيمُ
والكتَمُ: شجرتان من العِضاه. والنِّيمُ: شجر تُعْمَل منه القِداحُ. قال أَبو
حنيفة: النِّيمُ شجرٌ له شوك ليِّنٌ وورَقٌ صِغارٌ، وله حبٌّ كثير متفرق
أَمثال الحِمَّص حامِضٌ، فإِذا أَيْنَع اسْوَدَّ وحَلا، وهو يؤكل،
ومَنابِتُه الجبالُِ؛ قال ساعدة بن جُؤيّة الهذلي ووَصَف وَعِلاً في
شاهق:ثم يَنُوش إِذا آدَ النهارُ له،
بعدَ التَّرَقُّبِ من نِيمٍ ومن كَتَم
وقال بعضهم: نامَ إِليه بمعنى هو مُستْنيِم إِليه. ويقال: فلانٌ نِىمِي
إِذا كنات تأْنَسُ به وتسْكُن إِليه؛ وروى ثعلب أَن ابن الأَعرابي
أَنشده:فقلتُ: تَعَلَّمْ أَنَّني غيرُ نائِم
إِلى مُستَقِلٍّ بالخِيانةِ أَنْيَبا
قال: غير نائم أَي غيرُ
واثقٍ به، والأَنْيبُ: الغليظُ الناب، يخاطب ذئباً. والنِّيمُ،
بالفارسية: نِصْفُ الشيء، ومنه قولُهم للقُبَّة الصغيرة: نِيمُ
خائجة أَي نصفُ بَيْضةٍ، والبيضة عندهم خاياه، فأُعربت فقيل خائجة.
ونَوَّمان: نَبْتٌ؛ عن السيرافي، وهذه التراجِمُ كلّها أَعني نوم ونيم ذكرها
ابن سيده في ترجمة نوم، قال: وإِِنما قضينا على ياء النِّيم في وجوهها
كلها بالواو لوجود «ن و م» وعدم «ن ي م»، وقد ترجم الجوهري نيم، وترجمها
أَيضاً ابن بري.