كأنه جمع أحرب، اسم نحو أجدل وأجادل. أو جمع الجمع نحو أكلب وأكالب:
موضع في شعر الجعدي:
وكيف أرجّي قرب من لا أزوره، ... وقد بعدت عني صرار أحارب
حور: الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، حارَ إِلى الشيء وعنه
حَوْراً ومَحاراً ومَحارَةً وحُؤُورواً: رجع عنه وإِليه؛ وقول العجاج:
في بِئْرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
أَراد: في بئر لا حُؤُورٍ، فأَسكن الواو الأُولى وحذفها لسكونها وسكون
الثانية بعدها؛ قال الأَزهري: ولا صلة في قوله؛ قال الفرّاء: لا قائمة في
هذا البيت صحيحة، أَراد في بئر ماء لا يُحِيرُ عليه شيئاً. الجوهري: حارَ
يَحُورُ حَوْراً وحُؤُوراً رجع. وفي الحديث: من دعا رجلاً بالكفر وليس
كذلك حارَ عليه؛ أَي رجع إِليه ما نسب إِليه؛ ومنه حديث عائشة: فَغَسلْتها
ثم أَجْفقتها ثم أَحَرْتها إِليه؛ ومنه حديث بعض السلف: لو عَيَّرْتُ
رجلاً بالرَّضَعِ لخشيتُ أَن يَحُورَ بي داؤه أَي يكونَ عَلَيَّ مَرْجِعُه.
وكل شيء تغير من حال إِلى حال، فقد حارَ يَحُور حَوْراً؛ قال لبيد:
وما المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ،
يِحُورُ رَماداً بعد إِذْ هو ساطِعُ
وحارَتِ الغُصَّةُ تَحُورُ: انْحَدَرَتْ كأَنها رجعت من موضعها،
وأَحارَــها صاحِبُها؛ قال جرير:
ونُبِّئْتُ غَسَّانَ ابْنَ واهِصَةِ الخُصى
يُلَجْلِجُ مِنِّي مُضْغَةً لا يُحِيرُها
وأَنشد الأَزهري:
وتِلْكَ لَعَمْرِي غُصَّةٌ لا أُحِيرُها
أَبو عمرو: الحَوْرُ التَّحَيُّرُ، والحَوْرُ: الرجوع. يقال: حارَ بعدما
كارَ. والحَوْرُ: النقصان بعد الزيادة لأَنه رجوع من حال إِلى حال. وفي
الحديث: نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ؛ معناه من النقصان بعد
الزيادة، وقيل: معناه من فساد أُمورنا بعد صلاحها، وأَصله من نقض العمامة بعد
لفها، مأْخوذ من كَوْرِ العمامة إِذا انقض لَيُّها وبعضه يقرب من بعض،
وكذلك الحُورُ، بالضم. وفي رواية: بعد الكَوْن؛ قال أَبو عبيد: سئل عاصم
عن هذا فقال: أَلم تسمع إِلى قولهم: حارَ بعدما كان؟ يقول إِنه كان على
حالة جميلة فحار عن ذلك أَي رجع؛ قال الزجاج: وقيل معناه نعوذ بالله من
الرُّجُوعِ والخُروج عن الجماعة بعد الكَوْرِ، معناه بعد أَن كنا في
الكَوْرِ أَي في الجماعة؛ يقال كارَ عِمامَتَهُ على رأْسه إِذا لَفَّها، وحارَ
عِمامَتَهُ إِذا نَقَضَها. وفي المثل: حَوْرٌ في مَحَارَةٍ؛ معناه نقصان
في نقصان ورجوع في رجوع، يضرب للرجل إِذا كان أَمره يُدْبِرُ. والمَحارُ:
المرجع؛ قال الشاعر:
نحن بنو عامِر بْنِ ذُبْيانَ، والنَّا
سُ كهَامٌ، مَحارُهُمْ للقُبُورْ
وقال سُبَيْعُ بن الخَطِيم، وكان بنو صُبْح أَغاروا على إِبله فاستغاث
بزيد الفوارس الضَّبِّيّ فانتزعها منهم، فقال يمدحه:
لولا الإِلهُ ولولا مَجْدُ طالِبِها،
لَلَهْوَجُوها كما نالوا مِن الْعِيرِ
واسْتَعْجَلُوا عَنْ خَفِيف المَضْغِ فازْدَرَدُوا،
والذَّمُّ يَبْقَى، وزادُ القَوْمِ في حُورِ
اللَّهْوَجَة: أَن لا يُبالغ في إِنضاج اللحم أَي أَكلوا لحمها من قبل
أَن ينضج وابتلعوه؛ وقوله:
والذم يبقى وزاد القوم في حور
يريد: الأَكْلُ يذهب والذم يبقى. ابن الأَعرابي: فلان حَوْرٌ في
مَحارَةٍ؛ قال: هكذا سمعته بفتح الحاء، يضرب مثلاً للشيء الذي لا يصلح أَو كان
صالحاً ففسد. والمَحارة: المكان الذي يَحُور أَو يُحارُ فيه. والباطل في
حُورٍ أَي في نقص ورجوع. وإِنك لفي حُورٍ وبُورٍ أَي في غير صنعة ولا
إِجادة. ابن هانئ: يقال عند تأْكيد المَرْزِئَةِ عليه بِقِلَّةِ النماء: ما
يَحُور فلان وما يَبُورُ، وذهب فلان في الحَوَارِ والبَوَارِ، بفتح
الأَول، وذهب في الحُورِ والبُورِ أَي في النقصان والفساد. ورجل حائر بائر،
وقد حارَ وبارَ، والحُورُ الهلاك وكل ذلك في النقصان والرجوع. والحَوْرُ:
ما تحت الكَوْرِ من العمامة لأَنه رجوع عن تكويرها؛ وكلَّمته فما رَجَعَ
إِلَيَّ حَوَاراً وحِواراً ومُحاوَرَةً وحَوِيراً ومَحُورَة، بضم الحاء،
بوزن مَشُورَة أَي جواباً.
وأَحارَ عليه جوابه: ردَّه. وأَحَرْتُ له جواباً وما أَحارَ بكلمة،
والاسم من المُحاوَرَةِ الحَوِيرُ، تقول: سمعت حَوِيرَهما وحِوَارَهما.
والمُحاوَرَة: المجاوبة. والتَّحاوُرُ: التجاوب؛ وتقول: كلَّمته فما أَحار
إِليَّ جواباً وما رجع إِليَّ خَوِيراً ولا حَوِيرَةً ولا مَحُورَةً ولا
حِوَاراً أَي ما ردَّ جواباً. واستحاره أَي استنطقه. وفي حديث علي، كرم الله
وجهه: يرجع إِليكما ابنا كما بِحَوْرِ ما بَعَثْتُما بِه أَي بجواب ذلك؛
يقال: كلَّمته فما رَدَّ إِليَّ حَوْراً أَي جواباً؛ وقيل: أَراد به
الخيبة والإِخْفَاقَ. وأَصل الحَوْرِ: الرجوع إِلى النقص؛ ومنه حديث عُبادة:
يُوشِك أَن يُرَى الرجُل من ثَبَجِ المسلمين قُرَّاء القرآن على لسان
محمد، صلى الله عليه وسلم، فأَعاده وأَبْدَأَه لا يَحُورُ فيكم إِلا كما
يَحُور صاحبُ الحمار الميت أَي لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من
القرآن كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه. وفي حديث سَطِيحٍ: فلم يُحِرْ
جواباً أَي لم يرجع ولم يَرُدَّ. وهم يَتَحاوَرُون أَي يتراجعون الكلام.
والمُحاوَرَةُ: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، وقد حاوره.
والمَحُورَةُ: من المُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المُشاوَرَة كالمَحْوَرَةِ؛
وأَنشد:
لِحاجَةِ ذي بَتٍّ ومَحْوَرَةٍ له،
كَفَى رَجْعُها من قِصَّةِ المُتَكَلِّمِ
وما جاءتني عنه مَحُورَة أَي ما رجع إِليَّ عنه خبر.
وإِنه لضعيف الحَوْرِ أَي المُحاوَرَةِ؛ وقوله:
وأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حَِوارَهُ
على النَّارِ، واسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ
ويروى: حَوِيرَه، إِنما يعني بحواره وحويره خروجَ القِدْحِ من النار أَي
نظرت الفَلَجَ والفَوْزَ.
واسْتَحار الدارَ: اسْتَنْطَقَهَا، من الحِوَارِ الذي هو الرجوع؛ عن ابن
الأَعرابي.
أَبو عمرو: الأَحْوَرُ العقل، وما يعيش فلانٌ بأَحْوَرَ أَي ما يعيش
بعقل يرجع إِليه؛ قال هُدْبَةُ ونسبه ابن سيده لابن أَحمر:
وما أَنْسَ مِ الأَشْياءِ لا أَنْسَ قَوْلَها
لجارَتِها: ما إِن يَعِيشُ بأَحْوَرَا
أَراد: من الأَشياء. وحكى ثعلب: اقْضِ مَحُورَتَك أَي الأَمر الذي أَنت
فيه.
والحَوَرُ: أَن يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتستدير حدقتها
وترق جفونها ويبيضَّ ما حواليها؛ وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سواد المُقْلَةِ
في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد، ولا تكون الأَدْماءُ حَوْراءَ؛ قال
الأَزهري: لا تسمى حوراء حتى تكون مع حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ
الجَسَدِ؛ قال الكميت:
ودامتْ قُدُورُك، للسَّاعِيَيْـ
ن في المَحْلِ، غَرْغَرَةً واحْوِرارَا
أَراد بالغَرْغَرَةِ صَوْتَ الغَلَيانِ، وبالاحورار بياضَ الإِهالة
والشحم؛ وقيل: الحَوَرُ أَن تسودّ العين كلها مثل أَعين الظباء والبقر، وليس
في بني آدم حَوَرٌ، وإِنما قيل للنساء حُورُ العِينِ لأَنهن شبهن بالظباء
والبقر.
وقال كراع: الحَوَرُ أَن يكون البياض محدقاً بالسواد كله وإِنما يكون
هذا في البقر والظباء ثم يستعار للناس؛ وهذا إِنما حكاه أَبو عبيد في
البَرَج غير أَنه لم يقل إِنما يكون في الظباء والبقر. وقال الأَصمعي: لا
أَدري ما الحَوَرُ في العين وقد حَوِرَ حَوَراً واحْوَرَّ، وهو أَحْوَرُ.
وامرأَة حَوْراءُ: بينة الحَوَرِ. وعَيْنٌ حَوْراءٌ، والجمع حُورٌ، ويقال:
احْوَرَّتْ عينه احْوِرَاراً؛ فأَما قوله:
عَيْناءُ حَورَاءُ منَ العِينِ الحِير
فعلى الإِتباع لعِينٍ؛ والحَوْراءُ: البيضاء، لا يقصد بذلك حَوَر عينها.
والأَعْرابُ تسمي نساء الأَمصار حَوَارِيَّاتٍ لبياضهن وتباعدهن عن
قَشَفِ الأَعراب بنظافتهن؛ قال:
فقلتُ: إِنَّ الحَوارِيَّاتِ مَعْطَبَةٌ،
إِذا تَفَتَّلْنَ من تَحْتِ الجَلابِيبِ
يعني النساء؛ وقال أَبو جِلْدَةَ:
فَقُلْ للحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنا،
ولا تَبْكِنا إِلاَّ الكِلابُ النَّوابِحُ
بكَيْنَ إِلينا خفيةً أَنْ تُبِيحَها
رِماحُ النَّصَارَى، والسُّيُوفُ الجوارِحُ
جعل أَهل الشأْم نصارى لأَنها تلي الروم وهي بلادها. والحَوارِيَّاتُ من
النساء: النَّقِيَّاتُ الأَلوان والجلود لبياضهن، ومن هذا قيل لصاحب
الحُوَّارَى:
مُحَوَّرٌ؛ وقول العجاج:
بأَعْيُنٍ مُحَوَّراتٍ حُورِ
يعني الأَعين النقيات البياض الشديدات سواد الحَدَقِ.
وفي حديث صفة الجنة: إِن في الجنة لَمُجْتَمَعاً للحُورِ العِينِ.
والتَّحْوِيرُ: التببيض. والحَوارِيُّونَ: القَصَّارُونَ لتبييضهم
لأَنهم كانوا قصارين ثم غلب حتى صار كل ناصر وكل حميم حَوارِيّاً. وقال بعضهم:
الحَوارِيُّونَ صَفْوَةُ الأَنبياء الذين قد خَلَصُوا لَهُمْ؛ وقال
الزجاج: الحواريون خُلْصَانُ الأَنبياء، عليهم السلام، وصفوتهم. قال: والدليل
على ذلك قول النبي، صلى الله عليه وسلم: الزُّبَيْرُ ابن عمتي
وحَوارِيَّ من أُمَّتِي؛ أَي خاصتي من أَصحابي وناصري. قال: وأَصحاب النبي، صلى
الله عليه وسلم، حواريون، وتأْويل الحواريين في اللغة الذين أُخْلِصُوا
ونُقُّوا من كل عيب؛ وكذلك الحُواَّرَى من الدقيق سمي به لأَنه يُنَقَّى من
لُباب البُرِّ؛ قال: وتأْويله في الناس الذي قد روجع في اختِياره مرة بعد
مرة فوجد نَقِيّاً من العيوب. قال: وأَصل التَّحْوِيرِ في اللغة من حارَ
يَحُورُ، وهو الرجوع. والتَّحْوِيرُ: الترجيع، قال: فهذا تأْويله، والله
أَعلم. ابن سيده: وكلُّ مُبالِغٍ في نُصْرَةِ آخر حوَارِيٌّ، وخص بعضهم
به أَنصار الأَنبياء، عليهم السلام، وقوله أَنشده ابن دريد:
بَكَى بِعَيْنِك واكِفُ القَطْرِ،
ابْنَ الحَوارِي العَالِيَ الذِّكْرِ
إِنما أَراد ابنَ الحَوارِيِّ، يعني الحَوارِيِّ الزُّبَيرَ، وعنى بابنه
عَبْدَ اللهِو بْنَ الزبير. وقيل لأَصحاب عيسى، عليه
السلام: الحواريون للبياض، لأَنهم كانوا قَصَّارين. والحَوارِيُّ:
البَيَّاضُ، وهذا أَصل قوله، صلى الله عليه وسلم، في الزبير: حَوارِيَّ من
أُمَّتي، وهذا كان بدأَه لأَنهم كانوا خلصاء عيسى وأَنصاره، وأَصله من
التحوير التبييض، وإِنما سموا حواريين لأَنهم كانوا يغسلون الثياب أَي
يُحَوِّرُونَها، وهو التبييض؛ ومنه الخُبْزُ الحُوَّارَى؛ ومنه قولهم: امرأَة
حَوارِيَّةٌ إِذا كانت بيضاء. قال: فلما كان عيسى بن مريم، على نبينا وعليه
السلام، نصره هؤلاء الحواريون وكانوا أَنصاره دون الناس قيل لناصر نبيه
حَوارِيُّ إِذا بالغ في نُصْرَتِه تشبيهاً بأُولئك. والحَوارِيُّونَ:
الأَنصار وهم خاصة أَصحابه. وروى شمر أَنه قال: الحَوارِيُّ الناصح وأَصله
الشيء الخالص، وكل شيء خَلَصَ لَوْنُه، فهو حَوارِيٌّ. والأَحْوَرِيُّ:
الأَبيض الناعم؛ وقول الكميت:
ومَرْضُوفَةٍ لم تُؤْنِ في الطَّبْخِ طاهِياً،
عَجِلْتُ إِلى مُحْوَرِّها حِينَ غَرْغَرَا
يريد بياض زَبَدِ القِدْرِ. والمرضوفة: القدر التي أُنضجت بالرَّضْفِ،
وهي الحجارة المحماة بالنار. ولم تؤْن أَي لم تحبس. والاحْوِرَارُ:
الابْيِضاضُ. وقَصْعَةٌ مُحْوَرَّةٌ: مُبْيَضَّةٌ بالسَّنَامِ؛ قال أَبو المهوش
الأَسدي:
يا وَرْدُ إِنِّي سَأَمُوتُ مَرَّهْ،
فَمَنْ حَلِيفُ الجَفْنَةِ المُحْوَرَّهْ؟
يعني المُبْيَضَّةَ. قال ابن بري: وورد ترخيم وَرْدَة، وهي امرأَته،
وكانت تنهاه عن إِضاعة ماله ونحر إِبله فقال ذلك: الأَزهري في الخماسي:
الحَوَرْوَرَةُ البيضاء. قال: هو ثلاثي الأَصل أُلحق بالخماسي لتكرار بعض
حروفها. والحَوَرُ: خشبة يقال لها البَيْضاءُ.
والحُوَّارَى: الدقيق الأَبيض، وهو لباب الدقيق وأَجوده وأَخلصه.
الجوهري: الحُوَّارَى، بالضم وتشديد الواو والراء مفتوحة، ما حُوِّرَ من الطعام
أَي بُيّصَ. وهذا دقيق حُوَّارَى، وقد حُوِّرَ الدقيقُ وحَوَّرْتُه
فاحْوَرَّ أَي ابْيَضَّ. وعجين مُحَوَّر، وهو الذي مسح وجهه بالماء حتى صفا.
والأَحْوَرِيُّ: الأَبيض الناعم من أَهل القرى؛ قال عُتَيْبَةُ بن
مِرْدَاسٍ المعروفُ بأَبي فَسْوَةَ:
تكُفُّ شَبَا الأَنْيَابِ منها بِمِشْفَرٍ
خَرِيعٍ، كَسِبْتِ الأَحْوَرِيِّ المُخَصَّرِ
والحَوُْر: البَقَرُ لبياضها، وجمعه أَحْوارٌ؛ أَنشد ثعلب:
للهِ دَرُّ منَازِل ومَنازِل،
إِنَّا بُلِينَ بها ولا الأَحْوارُ
والحَوَرُ: الجلودُ البِيضُ الرِّقَاقُ تُعمل منها الأَسْفَاطُ، وقيل:
السُّلْفَةُ، وقيل: الحَوَرُ الأَديم المصبوغ بحمرة. وقال أَبو حنيفة: هي
الجلود الحُمْرُ التي ليست بِقَرَظِيَّةٍ، والجمع أَحْوَارٌ؛ وقد
حَوَّرَهُ. وخُفَّ مُحَوَّرٌ بطانته بِحَوَرٍّ؛ وقال الشاعر:
فَظَلَّ يَرْشَحُ مِسْكاً فَوْقَهُ عَلَقٌ،
كأَنَّما قُدَّ في أَثْوابِه الحَوَرُ
الجوهري: الحَوَرُ جلود حمر يُغَشَّى بها السِّلالُ، الواحدةُ حَوَرَةٌ؛
قال العجاج يصف مخالف البازي:
بِحَجَباتٍ يَتَثَقَّبْنَ البُهَرْ،
كأَنَّما يَمْزِقْنَ باللَّحْمِ الحَوَرْ
وفي كتابه لِوَفْدِ هَمْدَانَ: لهم من الصدقة الثِّلْبُ والنَّابُ
والفَصِيلُ والفَارِضُ والكَبْشُ الحَوَرِيُّ؛ قال ابن الأَثير: منسوب إِلى
الحَوَرَِ، وهي جلود تتخذ من جلود الضأْن، وقيل: هو ما دبغ من الجلود بغير
القَرَظِ، وهو أَحد ما جاء على أَصله ولم يُعَلَّ كما أُعلَّ ناب.
والحُوَارُ والحِوَارُ، الأَخيرة رديئة عند يعقوب: ولد الناقة من حين
يوضع إِلى أَن يفطم ويفصل، فإِذا فصل عن أُمه فهو فصيل، وقيل: هو حُوَارٌ
ساعةَ تضعه أُمه خاصة، والجمع أَحْوِرَةٌ وحِيرانٌ فيهما. قال سيبويه:
وَفَّقُوا بين فُعَالٍ وفِعَال كما وَفَّقُوا بين فُعالٍ وفَعِيلٍ، قال: وقد
قالوا حُورَانٌ، وله نظير، سمعت العرب تقول رُقاقٌ ورِقاقٌ، والأُنثى
بالهاء؛ عن ابن الأَعرابي. وفي التهذيب: الحُوَارُ الفصيل أَوَّلَ ما ينتج.
وقال بعض العرب: اللهم أَحِرْ رِباعَنا أَي اجعل رباعنا حِيراناً؛
وقوله:أَلا تَخافُونَ يوماً، قَدْ أَظَلَّكُمُ
فيه حُوَارٌ، بِأَيْدِي الناسِ، مَجْرُورُ؟
فسره ابن الأَعرابي فقال: هو يوم مَشْؤُوم عليكم كَشُؤْم حُوارِ ناقة
ثمود على ثمود.
والمِحْوَرُ: الحديدة التي تجمع بين الخُطَّافِ والبَكَرَةِ، وهي أَيضاً
الخشبة التي تجمع المَحَالَةَ. قال الزجاج: قال بعضهم قيل له مِحْوَرٌ
للدَّوَرَانِ لأَنه يرجع إِلى المكان الذي زال عنه، وقيل: إِنما قيل له
مِحْوَرٌ لأَنه بدورانه ينصقل حتى يبيض. ويقال للرجل إِذا اضطرب أَمره: قد
قَلِقَتْ مَحاوِرُه؛ وقوله أَنشده ثعلب:
يا مَيُّ ما لِي قَلِقَتْ مَحاوِرِي،
وصَارَ أَشْبَاهَ الفَغَا ضَرائِرِي؟
يقول: اضطربت عليّ أُموري فكنى عنها بالمحاور. والحديدة التي تدور عليها
البكرة يقال لها: مِحْورٌ. الجوهري: المِحْوَرُ العُودُ الذي تدور عليه
البكرة وربما كان من حديد. والمِحْوَرُ: الهَنَةُ والحديدة التي يدور
فيها لِسانُ الإِبْزِيمِ في طرف المِنْطَقَةِ وغيرها. والمِحْوَرُ: عُودُ
الخَبَّازِ. والمِحْوَرُ: الخشبة التي يبسط بها العجين يُحَوّرُ بها الخبز
تَحْوِيراً. قال الأَزهري: سمي مِحْوَراً لدورانه على العجين تشبيهاً
بمحور البكرة واستدارته.
وحَوَّرَ الخُبْزَةَ تَحْوِيراً: هَيَّأَها وأَدارها ليضعها في
المَلَّةِ. وحَوَّرَ عَيْنَ الدابة: حَجِّرَ حولها بِكَيٍّ وذلك من داء يصيبها،
والكَيَّةُ يقال لها الحَوْراءُ، سميت بذلك لأَن موضعها يبيضُّ؛ ويقال:
حَوِّرْ عينَ بعيرك أَي حَجَّرْ حولها بِكَيٍّ. وحَوَّرَ عين البعير: أَدار
حولها مِيسَماً. وفي الحديث: أَنه كَوَى أَسْعَدَ بنَ زُرَارَةَ على
عاتقه حَوْراءَ؛ وفي رواية: وجد وجعاً في رقبته فَحَوَّرَهُ رسولُ الله، صلى
الله عليه وسلم، بحديدة؛ الحَوْراءُ: كَيَّةٌ مُدَوَّرَةٌ، وهي من حارَ
يَحُورُ إِذا رجع. وحَوَّرَه: كواه كَيَّةً فأَدارها. وفي الحديث: أَنه
لما أُخْبِرَ بقتل أَبي جهل قال: إِن عهدي به وفي ركبتيه حَوْراءُ فانظروا
ذلك، فنطروا فَرَأَوْهُ؛ يعني أَثَرَ كَيَّةٍ كُوِيَ بها.
وإِنه لذو حَوِيرٍ أَي عداوة ومُضَادَّةٍ؛ عن كراع. وبعض العرب يسمي
النجم الذي يقال له المُشْتَري: الأَحْوَرَ. والحَوَرُ: أَحد النجوم الثلاثة
التي تَتْبَعُ بنات نَعْشٍ، وقيل: هو الثالث من بنات نعش الكبرى اللاصق
بالنعش.
والمَحارَةُ: الخُطُّ والنَّاحِيَةُ. والمَحارَةُ: الصَّدَفَةُ أَو
نحوها من العظم، والجمع مَحاوِرُ ومَحارٌ؛ قال السُّلَيْكُ
بْنُ السُّلَكَةِ:
كأَنَّ قَوَائِمَ النِّخَّامِ، لَمَّا
تَوَلَّى صُحْبَتِي أَصْلاً، مَحارُ
أَي كأَنها صدف تمرّ على كل شيء؛ وذكر الأَزهري هذه الترجمة أَيضاً في
باب محر، وسنذكرها أَيضاً هناك. والمَحارَةُ: مرجع الكتف. ومَحَارَةُ
الحَنَكِ: فُوَيْقَ موضع تَحْنيك البَيْطار. والمَحارَةُ: باطن الحنك.
والمَحارَةُ: مَنْسِمُ البعير؛ كلاهما عن أَبي العَمَيْثَلِ الأَعرابي.
التهذيب: المَحارَةُ النقصان، والمَحارَةُ: الرجوع، والمَحارَةُ:
الصَّدَفة.والحَوْرَةُ: النُّقْصانُ. والحَوْرَةُ: الرَّجْعَةُ.
والحُورُ: الاسم من قولك: طَحَنَتِ الطاحنةُ فما أَحارتْ شيئاً أَي ما
رَدَّتْ شيئاً من الدقيق؛ والحُورُ: الهَلَكَةُ؛ قال الراجز:
في بِئْرٍ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
قال أَبو عبيدة: أَي في بئر حُورٍ، ولا زَيادَةٌ. وفلانٌ حائِرٌ بائِرٌ:
هذا قد يكون من الهلاك ومن الكَسادِ. والحائر: الراجع من حال كان عليها
إِلى حال دونها، والبائر: الهالك؛ ويقال: حَوَّرَ الله فلاناً أَي خيبه
ورَجَعَهُ إِلى النقص.
والحَوَر، بفتح الواو: نبت؛ عن كراع ولم يُحَلِّه. وحَوْرانُ، بالفتح:
موضع بالشام. وما أَصبت منه حَوْراً وحَوَرْوَراً أَي شيئاً.
وحَوَّارُونَ: مدينة بالشام؛ قال الراعي:
ظَلِلْنَا بِحَوَّارِينَ في مُشْمَخِرَّةٍ،
تَمُرُّ سَحابٌ تَحْتَنَا وثُلُوجُ
وحَوْرِيتُ: موضع؛ قال ابن جني: دخلت على أَبي عَلِيٍّ فحين رآني قال:
أَين أَنت؟ أَنا أَطلبك، قلت: وما هو؟ قال: ما تقول في حَوْرِيتٍ؟ فخضنا
فيه فرأَيناه خارجاً عن الكتاب، وصَانَعَ أَبو علي عنه فقال: ليس من لغة
ابني نِزَارٍ، فأَقَلَّ الحَفْلَ به لذلك؛ قال: وأَقرب ما ينسب إِليه أَن
يكون فَعْلِيتاً لقربه من فِعْلِيتٍ، وفِعْلِيتٌ موجود.
خمر: خامَرَ الشيءَ: قاربه وخالطه؛ قال ذو الرمة:
هامَ الفُؤادُ بِذِكْراها وخامَرَهُ
منها، على عُدَواءٍ الدَّارِ. تَسْتقِيمُ
ورجل خَمِرٌ: خالطه داء؛ قال ابن سيده: وأُراه على النسب؛ قال امرؤ
القيس:
أَحارِ بْنَ عَمْرٍو كأَنِّي خَمِرْ،
ويَعْدُو على المَرْءِ ما يأْتَمِرْ
ويقال: هو الذي خامره الداء. ابن الأَعرابي: رجل خَمِرٌ أَي مُخامَرٌ؛
وأَنشد أَيضاً:
أَحار بن عمرو كأَني خمر
أَي مُخامَرٌ؛ قال: هكذا قيده شمر بخطه، قال:
وأَما المُخامِرُ فهو المُخالِطُ، مِن خامَرَهُ الداءُ إِذا خالطه؛
وأَنشد:
وإِذا تُباشِرْكَ الهُمُو
مُ، فإِنها داءٌ مُخامِرْ
قال: ونحو ذلك قال الليث في خامَرَهُ الداءُ إِذا خالط جوفه.
والخَمْرُ: ما أَسْكَرَ من عصير العنب لأَنها خامرت العقل.
والتَّخْمِيرُ: التغطية، يقال: خَمَّرَ وجْهَهُ وخَمِّرْ إِناءك. والمُخامَرَةُ:
المخالطة؛ وقال أَبو حنيفة: قد تكون الخَمْرُ من الحبوب فجعل الخمر من
الحبوب؛ قال ابن سيده: وأَظنه تَسَمُّحاً منه لأَن حقيقة الخمر إِنما هي العنب
دون سائر الأَشياء، والأَعْرَفُ في الخَمْرِ التأْنيث؛ يقال: خَمْرَةٌ
صِرْفٌ، وقد يذكَّر، والعرب تسمي العنب خمراً؛ قال: وأَظن ذلك لكونها منه؛
حكاها أَبو حنيفة قال: وهي لغة يمانية. وقال في قوله تعالى: إِني أَراني
أَعْصِرُ خَمْراً؛ إِن الخمر هنا العنب؛ قال: وأُراه سماها باسم ما في
الإِمكان أَن تؤول إِليه، فكأَنه قال: إِني أَعصر عنباً؛ قال الراعي:
يُنازِعُنِي بها نُدْمانُ صِدْقٍ
شِواءَ الطَّيرِ، والعِنَبَ الحَقِينا
يريد الخمر. وقال ابن عرفة: أَعصر خمراً أَي أَستخرج الخمر، وإِذا عصر
العنب فإِنما يستخرج به الخمر، فلذلك قال: أَعصر خمراً. قال أَبو حنيفة:
وزعم بعض الرواة أَنه رأَى يمانيّاً قد حمل عنباً فقال له: ما تحمل؟ فقال:
خمراً، فسمى العنب خمراً، والجمع خُمور، وهي الخَمْرَةُ. قال ابن
الأَعرابي: وسميت الخمر خمراً لأَنها تُرِكَتْ فاخْتَمَرَتْ، واخُتِمارُها
تَغَيُّرُ ريحها؛ ويقال: سميت بذلك لمخامرتها العقل. وروى الأَصمعي عن معمر
بن سليمان قال: لقيت أَعرابياً فقلت: ما معك؟ قال: خمر. والخَمْرُ: ما
خَمَر العَقْلَ، وهو المسكر من الشراب، وهي خَمْرَةٌ وخَمْرٌ وخُمُورٌ مثل
تمرة وتمر وتمور. وفي حديث سَمُرَةَ: أَنه باع خمراً فقال عمر: قاتَلَ
اللهُ سَمُرَةَ قال الخطابي: إِنما باع عصيراً ممن يتخذه خمراً فسماه باسم
ما يؤول إِليه مجازاً، كما قال عز وجل: إِني أَراني أَعصر خمراً، فلهذا
نَقَمَ عمر، رضي الله عنه، عليه لأَنه مكروه؛ وأَما أَن يكون سمرة باع
خمراً فلا لأَنه لا يجهل تحريمه مع اشتهاره. وخَمَر الرجلَ والدابةَ
يَخْمُره خَمْراً: سقاه الخمر، والمُخَمِّرُ: متخذ الخمر، والخَمَّارُ: بائعها.
وعنبٌ خَمْرِيٌّ: يصلح للخمر. ولَوْنٌ خَمْرِيٌّ: يشبه لون الخَمر.
واخْتِمارُ الخَمْرِ: إِدْراكُها وغليانها. وخُمْرَتُها وخُمارُها: ما خالط من
سكرها، وقيل: خْمْرَتُها وخُمارُها ما أَصابك من أَلمها وصداعها
وأَذاها؛ قال الشاعر:
لَذٌّ أَصابَتْ حُمَيَّاها مَقاتِلَهُ،
فلم تَكَدْ تَنْجَلِي عن قلبِهِ الخُمَرُ
وقيل: الخُمارُ بقية السُّكْرِ، تقول منه: رجل خَمِرٌ أَي في عَقِبِ
خُمارٍ؛ وينشد قول امرئ القيس:
أَحار بن عمرو فؤادي خمر
ورجل مَخْمُورٌ: به خُمارٌ، وقد خُمِرَ خَمْراً وخَمِرَ. ورجل
مُخَمَّرٌ: كمَخْمُور. وتَخَمَّرَ بالخَمْرِ: تَسَكَّرَ به، ومُسْتَخْمِرٌ
وخِميِّرٌ: شِرِّيبٌ للخمر دائماً. وما فلانٌ بِخَلٍّ ولا خَمْرٍ أَي لا خير فيه
ولا شر عنده. ويقال أَيضاً: ما عند فلان خل ولا خمر أَي لا خير ولا شر.
والخُمْرَةُ والخَمَرَةُ: ما خامَرَك من الريح، وقد خَمَرَتْهُ؛ وقيل:
الخُمْرَةُ والخَمَرَةُ الرائحة الطيبة؛ يقال: وجدت خَمَرَة الطيب أَي
ريحه، وامرأَة طيبة الخِمْرَةِ بالطِّيبِ؛ عن كراع.
والخَمِيرُ والخَمِيرَةُ: التي تجعل في الطين. وخَمَرَ العجينَ
والطِّيبَ ونحوهما يَخْمُره ويَخْمِرُه خَمْراً، فهو خَمِيرٌ، وخَمَّرَه: ترك
استعماله حتى يَجُودَ، وقيل: جعل فيه الخمير. وخُمْرَةُ العجين: ما يجعل فيه
من الخميرة. الكسائي: يقال خَمَرْتُ العجين ونَظَرْتُه، وهي الخُمْرَةُ
التي تجعل في العجين تسميها الناس الخَمِيرَ، وكذلك خُمْرَةُ النبيذ
والطيب. وخُبْزٌ خَمِيرٌ وخبزة خمير؛ عن اللحياني، كلاهما بغير هاء، وقد
اخْتَمَر الطيبُ والعجين. واسم ما خُمِرَ به: الخُمْرَةُ، يقال: عندي خُبْزٌ
خَمِير وحَبسٌ فَطِير أَي خبز بائت. وخُمْرةُ اللَّبَنِ: رَوْبَتُه التي
تُصَبُّ عليه لِيَرُوبَ سريعاً؛ وقال شمر: الخَمِيرُ الخُبْزُ في قوله:
ولا حِنْطَة الشَّامِ الهَرِيت خَمِيرُها
أَي خبزها الذي خُمِّرَ عجينُه فذهبت فُطُورَتُه؛ وطعام خَمِيرٌ
ومَخْمورٌ في أَطعمة خَمْرَى. والخَمُيرُ والخَمِيرَةُ: الخُمْرَةُ. وخُمْرَةُ
النبيذ والطيب: ما يجعل فيه من الخَمْرِ والدُّرْدِيِّ. وخُمْرَةُ النبيذ:
عَكَرُه، ووجدتُ منه خُمْرَةً طيبة
(* قوله: «خمرة طيبة» خاؤها مثلثة
كالخمرة محركة كما في القاموس). إِذا اخْتَمَرَ الطيِّبُ أَي وجدتُ ريحه.
ووصف أَبو ثَرْوَانَ مأْدُبَةً وبَخُورَ مِجْمَرها قال: فَتَخَمَّرَتْ
أَطْنابُنا أَي طابت روائح أَبداننا بالبَخُور. أَبو زيد: وجدت منه خَمَرَةَ
الطِّيبِ، بفتح الميم، يعني ريحه.
وخامَرَ الرجلُ بيتَه وخَمَّرَهُ: لزمه فلم يَبْرَحْهُ، وكذلك خامَرَ
المكانَ؛ أَنشد ثعلب:
وشاعِرٍ يُقالُ خَمِّرْ في دَعَهْ
ويقال للضَّبُعِ: خامِرِي أُمَّ عامِرٍ أَي اسْتَتِري. أَبو عمرو:
خَمَرْتُ الرجلَ أَخْمُرُه إِذا استحيت منه. ابن الأَعرابي: الخِمْرَةُ
الاستخفاء
(* قوله: «الخمرة الاستخفاء» ومثلها الخمر محركاً خمر خمراً كفرح
توارى واستخفى كما في القاموس). قال ابن أَحمر:
مِنْ طارِقٍ أَتى على خِمْرَةِ،
أَو حِسْبَةٍ تَنْفَعُ مَنْ يَعْتَبِرْ
قال ابن الأَعرابي: على غفلة منك. وخَمَرَ الشيءَ يَخْمُرُه خَمْراً
وأَخْمَرَهُ: سَتَرَهُ. وفي الحديث: لا تَجِدُ المؤمنَ إِلاَّ في إِحدى
ثلاثٍ: في مسجد يَعْمُرُه، أَو بيت يَخْمُرُه، أَو معيشة يُدَبِّرُها؛
يَخْمُره أَي يستره ويصلح من شأْنه. وخَمَرَ فلانٌ شهادته وأَخْمَرَها: كتمها.
وأَخْرَجَ من سِرِّ خَمِيرِهِ سِرّاً أَي باح به. واجْعَلْهُ في سرِّ
خَمِيرِك أَي اكتمه. وأَخْمَرْتُ الشيء: أَضمرته؛ قال لبيد:
أَلِفْتُكِ حتى أَخْمَرَ القومُ ظِنَّةً
عَليَّ، بَنُو أُمِّ البَنِينَ الأَكابِرُ
الأَزهري: وأَخْمَرَ فلانٌ عَليَّ ظِنَّةً أَي أَضمرها، وأَنشد بيت
لبيد.والخَمَرُ، بالتحريك: ما واراك من الشجر والجبال ونحوها. يقال: توارى
الصيدُ عني في خَمَرِ الوادي، وخَمَرُه: ما واراه من جُرُفٍ أَو حَبْلٍ من
حبال الرمل أَو غيره؛ ومنه قولهم: دخل فلان في خُمارِ الناسِ أَي فيما
يواريه ويستره منهم. وفي حديث سهل بن حُنَيْفٍ: انطلقت أَنا وفلان نلتمس
الخَمَر، هو بالتحريك: كل ما سترك من شجر أَو بناءِ أَو غيره؛ ومنه حديث
أَبي قتادة: فابْغِنَا مَكاناً خَمَراً أَي ساتراً بتكاثف شجره؛ ومنه حديث
الدجال: حتى تَنْتَهُوا إِلى جبل الخَمَرِ؛ قال ابن الأَثير: هكذا يروى
بالفتح، يعني الشجر الملتف، وفسر في الحديث أَنه جبل بيت المقدس لكثرة
شجرة؛ ومنه حديث سلمان: أَنه كتب إِلى أَبي الدرداء: يا أَخي، إِن بَعُدَتِ
الدار من الدار فإِن الرُّوح من الرُّوح قَريبٌ، وطَيْرُ السماءٍ على
أَرْفَهِ خَمَرِ الأَرض يقع الأَرْفَهُ الأَخصبُ؛ يريد أَن وطنه أَرفق به
وأَرفه له فلا يفارقه، وكان أَبو الدرداء كتب إِليه يدعوه إِلى الأَرض
المقدسة. زوفي حديث أَبي إِدريس الخَوْلانِيِّ قال: دخلت المسجد والناس
أَخْمَرُ ما كانوا أَي أَوْفَرُ. ويقال: دخل في خَمَار الناس
(* قوله: «في
خمار الناس» بضم الخاء وفتحها كما في القاموس). أَي في دهمائهم؛ قال ابن
الأَثير: ويروى بالجيم، ومنه حديث أُوَيْسٍ القَرَنِيِّ: أَكون في خَمَارِ
الناس أَي في زحمتهم حيث أَخْفَى ولا أُعْرَفُ. وقد خَمِرَ عني يَخْمَرُ
خَمَراً أَي خفي وتوارى، فهو خَمِرٌ. وأَخْمَرَتْه الأَرضُ عني مني
وعَلَيَّ: وارته. وأَخْمَرَ القومُ: تَوارَوْا بالخَمَرِ. ويقال للرجل إِذا
خَتَلَ صاحبه: هو يَدِبُّ
(* قوله: «يدب إلخ» ذكره الميداني في مجمع
الأَمثال وفسر الضراء بالشجر الملتف وبما انخفض من الأَرض، عن ابن الأَعرابي؛
والخمر بما واراك من جرف أو حبل رمل؛ ثم قال: يضرب للرجل يختل صاحبه. وذكر
هذا المثل أَيضاً اللسان والصحاح وغيرهما في ض ر ي وضبطوه بوزن سماء). له
الضَّراءَ ويَمْشِي له الخَمَرَ. ومكان خَمِرٌ: كثير الخَمَرِ، على
النسب؛ حكاه ابن الأَعرابي، وأَنشد لضباب بن واقد الطُّهَوِيِّ:
وجَرَّ المَخاضُ عَثَانِينَها
إِذا بَرَكَتْ بالمكانِ الخَمِرْ
وأَخْمَرَتِ الأَرضُ: كثر خَمَرُها. ومكان خَمِرٌ إِذا كان كثير
الخَمَرِ. والخَمَرُ: وَهْدَةٌ يختفي فيها الذئب؛ وأَنشد:
فقد جاوَزْتُما خَمَرَ الطَّرِيقِ
وقول طرفة:
سَأَحْلُبُ عَنْساً صَحْنَ سَمٍّ فَأَبْتَغِي
به جِيرَتي، إِن لم يُجَلُّوا لِيَ الخَمَرْ
قال ابن سيده: معناه إِن لم يُبَيِّنُوا لِيَ الخبرَ، ويروى يُخَلُّوا،
فإِذا كان كذلك كان الخَمَرُ ههنا الشجر بعينه. يقول: إِن لم يخلوا لي
الشجر أَرعاها بإِبلي هجوتهم فكان هجائي لم سمّاً، ويروى: سأَحلب عَيْساً،
وهو ماء الفحل، ويزعمون أَنه سم؛ ومنه الحديث: مَلِّكْهُ على عُرْبِهِمْ
وخُمُورِهِمْ؛ قال ابن الأَثير: أَي أَهل القرى لأَنهم مغلوبون مغمورون
بما عليهم من الخراج والكُلَفِ والأَثقال، وقال: كذا شرحه أَبو موسى.
وخَمَرُ الناس وخَمَرَتُهُمْ وخَمَارُهم وخُمَارُهم: جماعتهم وكثرتهم، لغةٌ
في غَمار الناس وغُمارهم أَي في زَحْمتهم؛ يقال: دخلت في خَمْرتهم
وغَمْرتهم أَي في جماعتهم وكثرتهم.
والخِمَارُ للمرأَة، وهو النَّصِيفُ، وقيل: الخمار ما تغطي به المرأَة
رأَْسها، وجمعه أَخْمِرَةٌ وخُمْرٌ وخُمُرٌ. والخِمِرُّ، بكسر الخاء
والميم وتشديد الراء: لغة في الخمار؛ عن ثعلب، وأَنشد:
ثم أَمالَتْ جانِبَ الخِمِرِّ
والخِمْرَةُ: من الخِمار كاللِّحْفَةِ من اللِّحَافِ. يقال: إِنها لحسنة
الخِمْرَةِ. وفي المثل: إِنَّ الْعَوَانَ لا تُعَلَّمُ الخِمْرَةَ أَي
إِن المرأَة المجرّبة لا تُعَلَّمُ كيف تفعل. وتَخَمَّرَتْ بالخِمار
واخْتَمَرَتْ: لَبِسَتْه، وخَمَّرَتْ به رأْسَها: غَطَّتْه. وفي حديث أُم
سلمة: أَنه كان يمسح على الخُفِّ والخِمار؛ أَرادت بالخمار العمامة لأَن
الرجل يغطي بها رأْسه كما أَن المرأَة تغطيه بخمارها، وذلك إِذا كان قد
اعْتَمَّ عِمَّةَ العرب فأَرادها تحت الحنك فلا يستطيع نزعها في كل وقت فتصير
كالخفين،، غير أَنه يحتاج إِلى مسح القليل من الرأْس ثم يمسح على العمامة
بدل الاستيعاب؛ ومنه قول عمر، رضي الله عنه، لمعاوية: ما أَشبه عَيْنَك
بِخِمْرَةِ هِنْدٍ؛ الخمرةُ: هيئة الاختمار؛ وكل مغطًّى: مُخَمَّرٌ. وروي
عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: خَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ؛ قال
أَبو عمرو: التخمير التغطية، وفي رواية: خَمِّرُوا الإِناء وأَوْكُوا
السِّقَاءَ؛ ومنه الحديث: أَنه أُتِيَ بإِناءِ من لَبَنِ فقال: هلاَّ
خَمَّرْتَه ولو بعود تَعْرِضُه عليه.
والمُخَمَّرَةُ من الشياه: البيضاءُ الرأْسِ، وقيل: هي النعجة السوداء
ورأْسها أَبيض مثل الرَّخْماءِ، مشتق من خِمار المرأَة؛ قال أَبو زيد:
إِذا ابيض رأْس النعجة من بين جسدها، فهيمُخَمَّرة ورَخْماءُ؛ وقال الليث:
هي المختمرة من الضأْن والمِعْزَى. وفرس مُخَمَّرٌ: أَبيضٌ الرأْس وسائر
لونه ما كان. ويقال: ما شَمَّ خِمارَكَ أَي ما أَصابَكَ، يقال ذلك للرجل
إِذا تغير عما كان عليه.
وخَمِرَ عليه خَمَراً وأَخْمَرَ: حَقَدَ. وخَمَرَ الرجلَ يَخْمِرُهُ:
استحيا منه. والخَمَرُ: أَن تُخْرَزَ ناحيتا أَديم المَزَادَة ثم تُعَلَّى
بِخَرْزٍ آخَر. والخُمْرَةُ: حصيرة أَو سَجَّادَةٌ صغيرة تنسج من سَعَفِ
النخل وتُرَمَّلُ بالخيوط، وقيل: حصيرة أَصغر من المُصَلَّى، وقيل:
الخُمْرَة الحصير الصغير الذي يسجد عليه. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله
عليه وسلم، كان يسجد على الخُمْرَةِ؛ وهو حصير صغير قدر ما يسجد عليه ينسج
من السَّعَفِ؛ قال الزجاج: سميت خُمْرة لأَنها تستر الوجه من الأَرض. وفي
حديث أُم سلمة قال لها وهي حائض: ناوليني الخُمْرَةَ؛ وهي مقدار ما يضع
الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أَو نسيجة خوص ونحوه من النبات؛ قال:
ولا تكون خمرة إِلاَّ في هذا المقدار، وسميت خمرة لأَن خيوطها مستورة
بسعفها؛ قال ابن الأَثير: وقد تكررت في الحديث وهكذا فسرت. وقد جاء في سنن
أَبي داود عن ابن عباس قال: جاءت فأْرة فأَخذت تَجُرُّ الفَتِيلَة فجاءتْ
بها فأَلقتها بين يدي رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، على الخُمْرَةِ التي
كان قاعداً عليها فأَحرقت منها مثل موضع درهم، قال: وهذا صريح في إِطلاق
الخُمْرَةِ على الكبير من نوعها.
قال: وقيل العجين اختمر لأَن فطورته قد غطاها الخَمَرُ، وهو الاختمار.
ويقال: قد خَمَرْتُ العجين وأَخْمَرْته وفَطَرْتُه وأَفْطَرْتُه، قال:
وسمي الخَمْرُ خَمْراً لأَنه يغطي العقل، ويقال لكل ما يستر من شجر أَو
غيره: خَمَرٌ، وما ستره من شجر خاصة، فهو الضَّرَاءُ.
والخُمْرَةُ: الوَرْسُ وأَشياء من الطيب تَطْلي به المرأَة وجهها ليحسن
لونها، وقد تَخَمَّرَتْ، وهي لغة في الغُمْرَةِ. والخُمْرَةُ: بِزْزُ
العَكَابِرِ
(* قوله: «العكابر» كذا بالأَصل ولعله الكعابر). التي تكون في
عيدان الشجر.
واسْتَخْمَر الرجلَ: استعبده؛ ومنه حديث معاذ: من اسْتَخْمَرَ قوماً
أَوَّلُهُمْ أَحْرارٌ وجِيرانٌ مستضعفون فله ما قَصَرَ في بيته. قال أَبو
عبيد: كان ابن المبارك يقول في قوله من استخمر قوماً أَي استعبدهم، بلغة
أَهل اليمن، يقول: أَخذهم قهراً وتملك عليهم، يقول: فما وَهَبَ المَلِكُ من
هؤلاء لرجل فَقَصَرَهُ الرجل في بيته أَي احتبسه واختاره واستجراه في
خدمته حتى جاء الإِسلام وهو عنده عبد فهو له. ابن الأَعرابي: المُخامَرَةُ
أَن يبيع الرجل غلاماً حُرّاً على أَنه عبده؛ قال أَبو منصور: وقول معاذ
من هذا أُخذ، أَراد من استعبد قوماً في الجاهلية ثم جاء الإِسلام، فله ما
حازه في بيته لا يخرج من يده، وقوله: وجيران مستضعفون أَراد ربما استجار
به قوم أَو جاوروه فاستضعفهم واستعبدهم، فلذلك لا يخرجون من يده، وهذا
مبني على إِقرار الناس على ما في أَيديهم.
وأَخْمَرَهُ الشيءَ: أَعطاه إِياه أَو مَلَّكَهُ؛ قال محمد بن كثير: هذا
كلام عندنا معروف باليمن لا يكاد يُتكلم بغيره؛ يقول الرجل: أَخْمِرني
كذا وكذا أَي أَعطنيه هبة لي، ملكني إِياه، ونحو هذا.
وأَخْمَر الشيءَ: أَغفله؛ عن ابن الأَعرابي.
واليَخْمُورُ: الأَجْوَفُ المضطرب من كل شيء.
واليَخْمُورُ أَيضاً: الودع، واحدته يَخْمُورَةٌ.
ومِخْمَرٌ وخُمَيْرٌ: اسمان. وذو الخِمَار: اسم فرس الزبير بن العوّام
شهد عليه يوم الجمل.
وباخَمْرَى: موضع بالبادية، وبها قبر إِبراهيم
(* قوله: «وبها قبر
إِبراهيم إلخ» عبارة القاموس وشرحه: بها قبر إِبراهيم بن عبدالله المحض بن
الحسن المثني بن الحسن السبط الشهيد ابن علي إلخ. ثم قال: خرج أي بالبصرة
سنة ؟؟ وبايعه وجوه الناس، وتلقب بأمير المؤمنين فقلق لذلك أَبو جعفر
المنصور فأرسل إليه عيسى بن موسى لقتاله فاستشهد السيد إبراهيم وحمل رأسه إلى
مصر اهـ. باختصار). بن عبدالله بن الحسن بن علي بن أَبي طالب، عليهم
السلام.
حرر: الحَرُّ: ضِدُّ البَرْدِ، والجمع حُرُورٌ وأَحارِــرُ على غير قياس
من وجهين: أَحدهما بناؤه، والآخر إِظهار تضعيفه؛ قال ابن دريد: لا أَعرف
ما صحته. والحارُّ: نقيض البارد. والحَرارَةُ: ضِدُّ البُرُودَةِ. أَبو
عبيدة: السَّمُومُ الريح الحارة بالنهار وقد تكون بالليل، والحَرُورُ:
الريح الحارَّة بالليل وقد تكون بالنهار؛ قال العجاج:
ونَسَجَتْ لَوافِحُ الحَرُورِ
سَبائِباً، كَسَرَقِ الحَريرِ
الجوهري: الحَرُورُ الريح الحارَّة، وهي بالليل كالسَّمُوم بالنهار؛
وأَنشد ابن سيده لجرير:
ظَلِلْنا بِمُسْتَنِّ الحَرُورِ، كأَنَّنا
لَدَى فَرَسٍ مْسْتَقْبِلِ الرِّيحِ صائم
مستن الحرور: مشتدّ حرها أَي الموضع الذي اشتدّ فيه؛ يقول: نزلنا هنالك
فبنينا خِباءً عالياً ترفعه الريح من جوانبه فكأَنه فرس صائم أَي واقف
يذب عن نفسه الذباب والبعوض بسَبِيبِ ذَنَبِهِ، شبه رَفْرَفَ الفُسْطاطِ
عند تحركه لهبوب الريح بسَبِيبِ هذا الفرس. والحَرُورُ: حر الشمس،
وقيل:الحَرُورُ استيقاد الحرّ ولَفْحُه، وهو يكون بالنهار والليل، والسَّمُوم لا
يكون إِلا بالنهار. وفي التنزيل: ولا الظِّلُّ ولا الحَرُورُ؛ قال ثعلب:
الظل ههنا الجنة والحرور النار؛ قال ابن سيده: والذي عندي أَن الظل هو
الظل بعينه، والحرور الحرّ بعينه؛ وقال الزجاج: معناه لا يستوي أَصحاب الحق
الذين هم في ظل من الحق، وأَصحاب الباطل الذين هم في حَرُورٍ أَي حَرٍّ
دائم ليلاً ونهاراً، وجمع الحَرُور حَرائِرُ؛ قال مُضَرِّسٌ:
بِلَمَّاعَةٍ قد صادَفَ الصَّيْفُ ماءَها،
وفاضَتْ عليها شَمْسُهُ وحَرائِرُهْ
وتقول
(* قوله: «وتقول إِلخ» حاصله أنه من باب ضرب وقعد وعلم كما في
القاموس والمصباح وغيرهما، وقد انفرد المؤلف بواحدة وهي كسر العين في الماضي
والمضارع): حَرَّ النهارُ وهو يَحِرُّ حَرّاً وقد حَرَرْتَ يا يوم
تَحُرُّ، وحَرِرْتَ تَحِرُّ، بالكسر، وتَحَرُّ؛ الأَخيرة عن اللحياني، حَرّاً
وحَرَّةً وحَرارَةً وحُرُوراً أَي اشتدَّ حَرُّكَ؛ وقد تكون الحَرارَةُ
للاسم، وجمعها حينئذ حَراراتٌ؛ قال الشاعر:
بِدَمْعٍ ذِي حَراراتٍ،
على الخَدَّيْنِ، ذي هَيْدَبْ
وقد تكون الحَراراتُ هنا جمع حَرَارَةٍ الذي هو المصدر إِلا أَن
الأَوَّل أَقرب.
قال الجوهري: وأَحَرَّ النهارُ لغة سمعها الكسائي. الكسائي: شيء حارٌّ
يارٌّ جارٌّ وهو حَرَّانُ يَرَّانُ جَرَّانُ. وقال اللحياني: حَرِرْت يا
رجل تَحَرُّ حَرَّةً وحَرارَةً؛ قال ابن سيده: أُراه إِنما يعني الحَرَّ
لا الحُرِّيَّةَ. وقال الكسائي: حَرِرْتَ تَحَرُّ من الحُرِّيَّةِ لا غير.
وقال ابن الأَعرابي: حَرَّ يَحَرُّ حَراراً إِذا عَتَقَ، وحَرَّ يَحَرُّ
حُرِّيَّةً من حُرِّيَّة الأَصل، وحَرَّ الرجلُ يَحَرُّ حَرَّةً عَطِشَ؛
قال الجوهري: فهذه الثلاثة بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل.
وفي حديث الحجاج: أَنه باع مُعْتَقاً في حَرارِه؛ الحرار، بالفتح: مصدر من
حَرَّ يَحَرُّ إِذا صار حُرّاً، والاسم الحُرِّيَّةُ. وحَرَّ يَحِرُّ
إِذا سَخُنَ ماء أَو غيره. ابن سيده: وإِني لأَجد حِرَّةً وقِرَّة لله أَي
حَرّاً وقُرّاً؛ والحِرَّةُ والحَرارَةُ: العَطَشُ، وقيل: شدته. قال
الجوهري: ومنه قولهم أَشَدُّ العطش حِرَّةٌ على قِرَّةٍ إِذا عطش في يوم بارد،
ويقال: إِنما كسروا الحرّة لمكان القرَّة.
ورجل حَرَّانُ: عَطْشَانُ من قوم حِرَارٍ وحَرارَى وحُرارَى؛ الأَخيرتان
عن اللحياني؛ وامرأَة حَرَّى من نسوة حِرَارٍ وحَرارَى: عَطْشى. وفي
الحديث: في كل كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ؛ الحَرَّى، فَعْلَى، من الحَرِّ وهي
تأْنيث حَرَّان وهما للمبالغة يريد أَنها لشدة حَرِّها قد عَطِشَتْ
ويَبِسَتْ من العَطَشِ، قال ابن الأَثير: والمعنى أَن في سَقْي كل ذي كبد حَرَّى
أَجراً، وقيل: أَراد بالكبد الحرى حياة صاحبها لأَنه إِنما تكون كبده حرى
إِذا كان فيه حياة يعني في سقي كل ذي روح من الحيوان، ويشهد له ما جاء
في الحديث الآخر: في كل كبد حارّة أَجر، والحديث الآخر: ما دخل جَوْفي ما
يدخل جَوْفَ حَرَّانِ كَبِدٍ، وما جاء في حديث ابن عباس: أَنه نهى
مضارِبه أَن يشتري بماله ذا كَبِدٍ رَطْبَةٍ، وفي حديث آخر: في كل كبد حرى رطبة
أَجر؛ قال: وفي هذه الرواية ضعف، فأَما معنى رطبة فقيل: إِن الكبد إِذا
ظمئت ترطبت، وكذا إِذا أُلقيت على النار، وقيل: كنى بالرطوبة عن الحياة
فإِن الميت يابس الكبد، وقيل: وصفها بما يؤول أَمرها إِليه.
ابن سيده: حَرَّتْ كبده وصدره وهي تَحَرُّ حَرَّةً وحَرارَةً وحَراراً؛
قال:
وحَرَّ صَدْرُ الشيخ حتى صَلاَّ
أَي التهبتِ الحَرَارَةُ في صدره حتى سمع لها صَليلٌ، واسْتَحَرَّتْ،
كلاهما: يبست كبده من عطش أَو حزن، ومصدره الحَرَرُ. وفي حديث عيينة بن
حِصْنٍ: حتى أُذِيقَ نَسَاهُ من الحَرِّ مِثْلَ ما أَذَاقَ نَسايَ؛ يعني
حُرْقَةَ القلب من الوجع والغيظ والمشقة؛ ومنه حديث أُم المهاجر: لما نُعِيَ
عُمَرُ قالت: واحَرَّاه فقال الغلام: حَرٌّ انْتَشَر فملأَ البَشَرَ،
وأَحَرَّها اللهُ.
والعرب تقول في دعائها على الإِنسان: ما له أَحَرَّ اللهُ صَدْرَه أَي
أَعطشه وقيل: معناه أَعْطَشَ الله هامَتَه. وأَحَرَّ الرجلُ، فهو مُحِرٌّ
أَي صارت إِبله حِرَاراً أَي عِطاشاً. ورجل مُحِرٌّ: عطشت إِبله. وفي
الدعاء: سلط الله عليه الحِرَّةَ تحت القِرَّةِ يريد العطش مع البرد؛
وأَورده ابن سيده منكراً فقال: ومن كلامهم حِرَّةٌ تحت قِرَّةٍ أَي عطشٌ في
يوم بارد؛ وقال اللحياني: هو دعاء معناه رماه الله بالعطش والبرد. وقال
ابن دريد: الحِرَّةُ حرارة العطش والتهابه. قال: ومن دعائهم: رماه الله
بالحِرَّةِ والقِرَّةِ أَي بالعطش والبرد.
ويقال: إِني لأَجد لهذا الطعام حَرْوَةً في فمي أَي حَرارةً ولَذْعاً.
والحَرارَةُ: حُرْقَة في الفم من طعم الشيء، وفي القلب من التوجع،
والأَعْرَفُ الحَرْوَةُ، وسيأْتي ذكره.
وقال ابن شميل: الفُلْفُلُ له حَرارَة وحَراوَةٌ، بالراء والواو.
والحَرَّة: حرارة في الحلق، فإِن زادت فهي الحَرْوَةُ ثم الثَّحْثَحَة
ثم الجَأْزُ ثم الشَّرَقُ ثم الْفُؤُقُ ثم الحَرَضُ ثم العَسْفُ، وهو عند
خروج الروح.
وامرأَة حَرِيرَةٌ: حزينة مُحْرَقَةُ الكبد؛ قال الفرزدق يصف نساء
سُبِينَ فضربت عليهن المُكَتَّبَةُ الصُّفْرُ وهي القِدَاحُ:
خَرَجْنَ حَرِيراتٍ وأَبْدَيْنَ مِجْلَداً،
ودارَتْ عَلَيْهِنَّ المُقَرَّمَةُ الصُّفْرُ
وفي التهذيب: المُكَتَّبَةُ الصُّفْرُ؛ وحَرِيراتٌ أَي محرورات يَجِدْنَ
حَرارَة في صدورهن، وحَرِيرَة في معنى مَحْرُورَة، وإِنما دخلتها الهاء
لما كانت في معنى حزينة، كما أُدخلت في حَمِيدَةٍ لأَنها في معنى
رَشِيدَة. قال: والمِجْلَدُ قطعة من جلد تَلْتَدِمُ بها المرأَة عند المصيبة.
والمُكَتَّبَةُ: السهام التي أُجِيلَتْ عليهن حين اقتسمن واستهم عليهن.
واسْتَحَرَّ القتلُ وحَرَّ بمعنى اشتدَّ. وفي حديث عمر وجَمْع القرآن:
إِن القتل قد اسْتَحَرَّ يوم اليمامة بِقُرَّاءِ القرآن؛ أَي اشتدَّ وكثر،
وهو استفعل من الحَرِّ: الشِّدَّةِ؛ ومنه حديث عليٍّ: حَمِسَ الوَغَى
واسْتَحَرَّ الموتُ. وأَما ما ورد في حديث علي، عليه السلام: أَنه قال
لفاطمة: لو أَتَيْتِ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، فسأَلته خادماً يَقِيكَ
حَرَّ ما أَنتِ فيه من العمل، وفي رواية: حارَّ ما أَنت فيه، يعني التعب
والمشقة من خدمة البيت لأَن الحَرارَةَ مقرونة بهما، كما أَن البرد مقرون
بالراحة والسكون. والحارُّ: الشاق المُتْعِبُ: ومنه حديث الحسن بن علي قال
لأَبيه لما أَمره بجلد الوليد بن عقبة: وَلِّ حارَّها من تَوَلَّى
قارَّها أَي وَلِّ الجَلْدَ من يَلْزَمُ الوليدَ أَمْرُه ويعنيه شأْنُه،
والقارّ: ضد الحارّ.
والحَرِيرُ: المَحْرُورُ الذي تداخلته حَرارَةُ الغيظ وغيره.
والحَرَّةُ: أَرض ذات حجارة سود نَخِراتٍ كأَنها أُحرقت بالنار.
والحَرَّةُ من الأَرضين: الصُّلبة الغليظة التي أَلبستها حجارة سود نخرة كأَنها
مطرت، والجمع حَرَّاتٌ وحِرَارٌ؛ قال سيبويه: وزعم يونس أَنهم يقولون
حَرَّةٌ وحَرُّونَ، جمعوه بالواو والنون، يشبهونه بقولهم أَرض وأَرَضُونَ
لأَنها مؤنثة مثلها؛ قال: وزعم يونس أَيضاً أَنهم يقولون حَرَّةٌ
وإِحَرُّونَ يعني الحِرارَ كأَنه جمع إِحَرَّةٍ ولكن لا يتكلم بها؛ أَنشد ثعلب
لزيد بن عَتاهِيَةَ التميمي، وكان زيد المذكور لما عظم البلاء بصِفِّين قد
انهزم ولحق بالكوفة، وكان عليّ، رضي الله عنه، قد أَعطى أَصحابه يوم الجمل
خمسمائة خمسمائة من بيت مال البصرة، فلما قدم زيد على أَهله قالت له
ابنته: أَين خمس المائة؟ فقال:
إِنَّ أَباكِ فَرَّ يَوْمَ صِفِّينْ،
لما رأَى عَكّاً والاشْعَرِيين،
وقَيْسَ عَيْلانَ الهَوازِنيين،
وابنَ نُمَيرٍ في سراةِ الكِنْدِين،
وذا الكَلاعِ سَيِّدَ اليمانين،
وحابساً يَسْتَنُّ في الطائيين،
قالَ لِنَفْسِ السُّوءِ: هَلْ تَفِرِّين؟
لا خَمْسَ إِلا جَنْدَلُ الإِحَرِّين،
والخَمْسُ قد جَشَّمْنَكِ الأَمَرِّين،
جَمْزاً إِلى الكُوفةِ من قِنِّسْرِينْ
ويروى: قد تُجْشِمُكِ وقد يُجْشِمْنَكِ. وقال ابن سيده: معنى لا خمس ما
ورد في حديث صفين أَن معاوية زاد أَصحابه يوم صفين خمسمائة فلما
التَقَوْا بعد ذلك قال أَصحاب علي، رضوان الله عليه:
لا خمس إِلا جندل الإِحرِّين
أَرادوا: لا خمسمائة؛ والذي ذكره الخطابي أَن حَبَّةَ العُرَنيَّ قال:
شهدنا مع عليّ يوم الجَمَلِ فقسم ما في العسكر بيننا فأَصاب كل رجل منا
خمسمائة خمسمائة، فقال بعضهم يوم صفين الأَبيات. قال ابن الأَثير: ورواه
بعضهم لا خِمس، بكسر الخاء، من وِردِ الإِبل. قال: والفتح أَشبه بالحديث،
ومعناه ليس لك اليوم إِلا الحجارة والخيبة، والإِحَرِّينَ: جمع الحَرَّةِ.
قال بعض النحويين: إِن قال قائل ما بالهم قالوا في جمع حَرَّةٍ
وإِحَرَّةَ حَرُّونَ وإِحَرُّون، وإِنما يفعل ذلك في المحذوف نحو ظُبَةٍ وثُبة،
وليست حَرَّة ولا إِحَرَّة مما حذف منه شيء من أُصوله، ولا هو بمنزلة أَرض
في أَنه مؤَنث بغير هاء؟ فالجواب: إِن الأَصل في إِحَرَّة إِحْرَرَةٌ،
وهي إِفْعَلَة، ثم إنهم كرهوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد، فأَسكنوا
الأَوَّل منهما ونقلوا حركته إِلى ما قبله وأَدغموه في الذي بعده، فلما
دخل على الكلمة هذا الإِعلال والتوهين، عوّضوها منه أَن جمعوها بالواو
والنون فقالوا: إِحَرُّونَ، ولما فعلوا ذلك في إِحَرَّة أَجروا عليها
حَرَّة، فقالوا: حَرُّونَ، وإِن لم يكن لحقها تغيير ولا حذف لأَنها أُخت
إِحَرَّة من لفظها ومعناها، وإِن شئت قلت: إِنهم قد أَدغموا عين حَرَّة في
لامها، وذلك ضرب من الإِعلال لحقها؛ وقال ثعلب: إِنما هو الأَحَرِّينَ، قال:
جاء به على أَحَرَّ كأَنه أَراد هذا الموضع الأَحَرَّ أَي الذي هو
أَحَرُّ من غيره فصيره كالأَكرمين والأَرحمين. والحَرَّةُ: أَرض بظاهر المدينة
بها حجارة سود كبيرة كانت بها وقعة. وفي حديث جابر: فكانت زيادة رسولُ
الله، صلى الله عليه وسلم، معي لا تفارقني حتى ذهبتْ مني يوم الحَرَّةِ؛
قال ابن الأَثير: قد تكرر ذكر الحرّة ويومها في الحديث وهو مشهور في
الإِسلام أَيام يزيد بن معاوية، لما انتهب المدينة عسكره من أَهل الشام الذين
ندبهم لقتال أَهل المدينة من الصحابة والتابعين، وأَمَّر عليهم مسلم بن
عقبة المرّي في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وعقيبها هلك يزيد. وفي التهذيب:
الحَرَّة أَرض ذات حجارة سود نخرة كأَنما أُحرقت بالنار. وقال ابن شميل:
الحَرَّة الأَرض مسيرة ليلتين سريعتين أَو ثلاث فيها حجارة أَمثال الإِبل
البُروك كأَنما شُيِّطَتْ بالنار، وما تحتها أَرض غليظة من قاع ليس
بأَسود، وإِنما سوَّدها كثرة حجارتها وتدانيها. وقال ابن الأَعرابي: الحرّة
الرجلاء الصلبة الشديدة؛ وقال غيره: هي التي أَعلاها سود وأَسفلها بيض.
وقال أَبو عمرو: تكون الحرّة مستديرة فإِذا كان منها شيء مستطيلاً ليس بواسع
فذلك الكُرَاعُ. وأَرض حَرِّيَّة: رملية لينة. وبعير حَرِّيٌّ: يرعى في
الحَرَّةِ، وللعرب حِرارٌ معروفة ذوات عدد، حَرَّةُ النار لبني سُليم،
وهي تسمى أُم صَبَّار، وحَرَّة ليلَى وحرة راجِل وحرة واقِم بالمدينة وحرة
النار لبني عَبْس وحرة غَلاَّس؛ قال الشاعر:
لَدُنْ غُدْوَةٍ حتى استغاث شَريدُهُمْ،
بِحَرَّةِ غَلاَّسٍ وشِلْوٍ مُمزَّقِ
والحُرُّ، بالضم: نقيض العبد، والجمع أَحْرَارٌ وحِرارٌ؛ الأَخيرة عن
ابن جني. والحُرَّة: نقيض الأَمة، والجمع حَرائِرُ، شاذ؛ ومنه حديث عمر قال
للنساء اللاتي كنَّ يخرجن إِلى المسجد: لأَرُدَّنَّكُنَّ حَرائِرَ أَي
لأُلزمنكنّ البيوت فلا تخرجن إِلى المسجد لأَن الحجاب إِنما ضرب على
الحرائر دون الإِماء.
وحَرَّرَهُ: أَعتقه. وفي الحديث: من فعل كذا وكذا فله عَِدْلِ
مُحَرَّرٍ؛ أَي أَجر مُعْتَق؛ المحرَّر: الذي جُعل من العبيد حرّاً فأُعتق. يقال:
حَرَّ العبدُ يَحَرُّ حَرارَةً، بالفتح، أَي صار حُرّاً؛ ومنه حديث أَبي
هريرة: فأَنا أَبو هريرة المُحَرَّرُ أَي المُعْتَقُ، وحديث أَبي
الدرداء: شراركم الذين لا يُعْتَقُ مُحَرَّرُهم أَي أَنهم إِذا أَعتقوه استخدموه
فإِذا أَراد فراقهم ادَّعَوْا رِقَّهُ
(* قوله: «ادّعوا رقه» فهو محرر
في معنى مسترق. وقيل إِن العرب كانوا إِذا أَعتقوا عبداً باعوا ولاءه
ووهبوه وتناقلوه تناقل الملك، قال الشاعر:
فباعوه عبداً ثم باعوه معتقاً، * فليس له حتى الممات خلاص
كذا بهامش النهاية). وفي حديث أَبي بكر: فمنكم عَوْفٌ الذي يقال فيه لا
حُرَّ بوادي عوف؛ قال: هو عوف بنُ مُحَلِّمِ بن ذُهْلٍ الشَّيْباني، كان
يقال له ذلك لشرفه وعزه، وإِن من حل واديه من الناس كانوا له كالعبيد
والخَوَل، وسنذكر قصته في ترجمة عوف، وأَما ما ورد في حديث ابن عمر أَنه قال
لمعاوية: حاجتي عَطاءُ المُحَرَّرينَ، فإِن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، إِذا جاءه شيء لم يبدأْ بأَوّل منهم؛ أَراد بالمحرّرين الموالي وذلك
أَنهم قوم لا ديوان لهم وإِنما يدخلون في جملة مواليهم، والديوان إِنما
كان في بني هاشم ثم الذين يلونهم في القرابة والسابقة والإِيمان، وكان
هؤلاء مؤخرين في الذكر فذكرهم ابن عمر وتشفع في تقديم إِعطائهم لما علم من
ضعفهم وحاجتهم وتأَلفاً لهم على الإِسلام.
وتَحْرِيرُ الولد: أَن يفرده لطاعة الله عز وجل وخدمة المسجد. وقوله
تعالى: إِني نذرت لك ما في بطني مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ منِّي؛ قال الزجاج:
هذا قول امرأَة عمران ومعناه جعلته خادماً يخدم في مُتَعَبَّداتك، وكان
ذلك جائزاً لهم، وكان على أَولادهم فرضاً أَن يطيعوهم في نذرهم، فكان
الرجل ينذر في ولده أَن يكون خادماً يخدمهم في متعبدهم ولعُبَّادِهم، ولم يكن
ذلك النذر في النساء إِنما كان في الذكور، فلما ولدت امرأَة عمران مريم
قالت: رب إِني وضعتها أُنثى، وليست الأُنثى مما تصلح للنذر، فجعل الله من
الآيات في مريم لما أَراده من أَمر عيسى، عليه السلام، أَن جعلها
متقبَّلة في النذر فقال تعالى: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ.
والمُحَرَّرُ: النَّذِيرُ. والمُحَرَّرُ: النذيرة، وكان يفعل ذلك بنو
إِسرائيل، كان أَحدهم ربما ولد له ولد فربما حَرَّرَه أَي جعله نذيرة في
خدمة الكنيسة ما عاش لا يسعه تركها في دينه. وإِنه لَحُرٌّ: بَيِّنُ
الحُرِّية والحَرورَةِ والحَرُورِيَّةِ والحَرارَة والحَرارِ، بفتح الحاء؛
قال:فلو أَنْكِ في يوم الرَّخاء سأَلْتِني
فراقَكِ، لم أَبْخَلْ، وأَنتِ صَدِيقُ
فما رُدَّ تزوِيجٌ عليه شَهادَةٌ،
ولا رُدَّ من بَعْدِ الحَرارِ عَتِيقُ
والكاف في أَنك في موضع نصب لأَنه أَراد تثقيل أَن فخففها؛ قال شمر:
سمعت هذا البيت من شيخ باهلة وما علمت أَن أَحداً جاء به؛ وقال ثعلب: قال
أَعرابيّ ليس لها أَعْراقٌ في حَرارٍ ولكنْ أَعْراقُها في الإِماء.
والحُرُّ من الناس: أَخيارهم وأَفاضلهم. وحُرِّيَّةُ العرب: أَشرافهم؛ وقال ذو
الرمة:
فَصَارَ حَياً، وطَبَّقَ بَعْدَ خَوْفٍ
على حُرِّيَّةِ العَرَبِ الهُزالى
أَي على أَشرافهم. قال: والهزالَى مثل السُّكارى، وقيل: أَراد الهزال
بغير إِمالة؛ ويقال: هو من حُرِّيَةِ قومه أَي من خالصهم. والحُرُّ من كل
شيء: أَعْتَقُه. وفرس حُرٌّ: عَتِيقٌ. وحُرُّ الفاكهةِ: خِيارُها.
والحُرُّ: رُطَبُ الأَزَاذ. والحُرُّ: كلُّ شيء فاخِرٍ من شِعْرٍ أَو غيره.
وحُرُّ كل أَرض: وسَطُها وأَطيبها. والحُرَّةُ والحُرُّ: الطين الطَّيِّبُ؛
قال طرفة:
وتَبْسِمُ عن أَلْمَى كأَنَّ مُنَوِّراً،
تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ، دِعْصٌ له نَدُّ
وحُرُّ الرمل وحُرُّ الدار: وسطها وخيرها؛ قال طرفة أَيضاً:
تُعَيِّرُني طَوْفِي البِلادَ ورِحْلَتِي،
أَلا رُبَّ يومٍ لي سِوَى حُرّ دارِك
وطينٌ حُرٌّ: لا رمل فيه. ورملة حُرَّة: لا طين فيها، والجمع حَرائِرُ.
والحُرُّ: الفعل الحسن. يقال: ما هذا منك بِحُرٍّ أَي بِحَسَنٍ ولا جميل؛
قال طرفة:
لا يَكُنْ حُبُّكِ دَاءً قاتِلاً،
ليس هذا مِنْكِ، ماوِيَّ، بِحُرّ
أَي بفعل حسن. والحُرَّةُ: الكريمة من النساء؛ قال الأَعشى:
حُرَّةٌ طَفْلَةُ الأَنامِلِ تَرْتَبْـ
ـبُ سُخاماً، تَكُفُّه بِخِلالِ
قال الأَزهري: وأَما قول امرئ القيس:
لَعَمْرُكَ ما قَلْبِي إِلى أَهله بِحُرْ،
ولا مُقْصِرٍ، يوماً، فَيَأْتِيَنِي بِقُرْ
إِلى أَهله أَي صاحبه. بحرّ: بكريم لأَنه لا يصبر ولا يكف عن هواه؛
والمعنى أَن قلبه يَنْبُو عن أَهله ويَصْبُو إِلى غير أَهله فليس هو بكريم في
فعله؛ ويقال لأَوّل ليلة من الشهر: ليلةُ حُرَّةٍ، وليلةٌ حُرَّةٌ،
ولآخر ليلة: شَيْباءُ. وباتت فلانة بليلةِ حُرَّةٍ إِذا لم تُقْتَضَّ ليلة
زفافها ولم يقدر بعلها على اقْتِضاضِها؛ قال النابغة يصف نساء:
شُمْسٌ مَوانِعُ كلِّ ليلةٍ حُرَّةٍ،
يُخْلِفْنَ ظَنَّ الفاحِشِ المِغْيارِ
الأَزهري: الليث: يقال لليلة التي تزف فيها المرأَة إِلى زوجها فلا يقدر
فيها على اقْتضاضها ليلةُ حُرَّةٍ؛ يقال: باتت فلانةُ بليلة حُرَّةٍ؛
وقال غير الليث: فإِن اقْتَضَّها زوجها في الليلة التي زفت إِليه فهي
بِلَيْلَةٍ شَيْبَاءَ. وسحابةٌ حُرَّةٌ: بِكْرٌ يصفها بكثرة المطر. الجوهري:
الحُرَّةُ الكريمة؛ يقال: ناقة حُرَّةٌ وسحابة حُرَّة أَي كثيرة المطر؛
قال عنترة:
جادَتْ عليها كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ،
فَتَرَكْنَ كلَّ قَرارَةٍ كالدِّرْهَمِ
أَراد كل سحابة غزيرة المطر كريمة. وحُرُّ البَقْلِ والفاكهة والطين:
جَيِّدُها. وفي الحديث: ما رأَيت أَشْبَهَ برسولِ الله، صلى الله عليه
وسلم، من الحُسن إِلا أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان أَحَرَّ حُسْناً
منه؛ يعني أَرَقَّ منه رِقَّةَ حُسْنٍ.
وأَحْرارُ البُقُول: ما أُكل غير مطبوخ، واحدها حُرٌّ؛ وقيل: هو ما
خَشُنَ منها، وهي ثلاثة: النَّفَلُ والحُرْبُثُ والقَفْعَاءُ؛ وقال أَبو
الهيثم: أَحْرَارُ البُقُول ما رَقَّ منها ورَطُبَ، وذُكُورُها ما غَلُظَ
منها وخَشُنَ؛ وقيل: الحُرُّ نبات من نجيل السِّباخِ.
وحُرُّ الوجه: ما أَقبل عليك منه؛ قال:
جَلا الحُزْنَ عن حُرِّ الوُجُوهِ فأَسْفَرَتْ،
وكان عليها هَبْوَةٌ لا تَبَلَّجُ
وقيل: حُرُّ الوجه مسايل أَربعة مدامع العينين من مقدّمهما ومؤخرهما؛
وقيل: حُرُّ الوجه الخَدُّ؛ ومنه يقال: لَطَمَ حُرَّ وجهه. وفي الحديث: أَن
رجلاً لطم وجه جارية فقال له: أَعَجَزَ عليك إِلاَّ حُرُّ وَجْهِها؟
والحُرَّةُ: الوَجْنَةُ. وحُرُّ الوجه: ما بدا من الوجنة. والحُرَّتانِ:
الأُذُنانِ؛ قال كعب بن زهير:
قَنْواءُ في حُرَّتَيْها، للبَصِير بها
عِتْقٌ مُبينٌ، وفي الخَدَّيْنِ تَسْهيلُ
وحُرَّةُ الذِّفْرَى: موضعُ مَجالِ القُرْطِ منها؛ وأَنشد:
في خُشَشَاوَيْ حُرَّةِ التَّحْرِيرِ
يعني حُرَّةَ الذِّفْرَى، وقيل: حُرَّةَ الذِّفْرَى صفة أَي أَنها حسنة
الذفرى أَسيلتها، يكون ذلك للمرأَة والناقة. والحُرُّ: سواد في ظاهر أُذن
الفرس؛ قال:
بَيِّنُ الحُرِّ ذو مِراحٍ سَبُوقُ
والحُرَّانِ: السَّودان في أَعلى الأُذنين. وفي قصيد كعب بن زهير:
قنواء في حرتيها
البيت؛ أَراد بالحرّتين الأُذنين كأَنه نسبها إِلى الحُرِّيَّةِ وكرم
الأَصل.
والحُرُّ: حَيَّة دقيقة مثل الجانِّ أَبيضُ، والجانُّ في هذه الصفة؛
وقيل: هو ولد الحية اللطيفة؛ قال الطرماح:
مُنْطَوٍ في جَوْفِ نامُوسِهِ،
كانْطِواءِ الحُرِّ بَيْنَ السِّلامْ
وزعموا أَنه الأَبيض من الحيات، وأَنكر ابن الأَعرابي اين يكون الحُرُّ
في هذا البيت الحية، وقال: الحرّ ههنا الصَّقْر؛ قال الأَزهري: وسأَلت
عنه أَعرابيّاً فصيحاً فقال مثل قول ابن الأَعرابي؛ وقيل: الحرّ الجانُّ من
الحيات، وعم بعضهم به الحية. والحُرُّ: طائر صغير؛ الأَزهري عن شمر:
يقال لهذا الطائر الذي يقال له بالعراق باذنجان لأَصْغَرِ ما يكونُ
جُمَيِّلُ حُرٍّ. والحُرُّ: الصقر، وقيل: هو طائر نحوه، وليس به، أَنْمَرُ
أَصْقَعُ قصير الذنب عظيم المنكبين والرأْس؛ وقيل: إِنه يضرب إِلى الخضرة وهو
يصيد. والحُرُّ: فرخ الحمام؛ وقيل: الذكر منها. وساقُ حُرٍّ: الذَّكَرُ من
القَمَارِيِّ؛ قال حميد بن ثور:
وما هاجَ هذا الشَّوْقَ إِلاَّ حَمامَةٌ،
دَعَتْ ساقَ حُرٍّ تَرْحَةً وتَرَنُّما
وقيل: الساق الحمام، وحُرٌّ فرخها؛ ويقال: ساقُ حُرٍّ صَوْتُ القَمارِي؛
ورواه أَبو عدنان: ساق حَرّ، بفتح الحاء، وهو طائر تسميه العرب ساق حرّ،
بفتح الحاء، لأَنه إِذا هَدَرَ كأَنه يقول: ساق حرّ، وبناه صَخْرُ
الغَيّ فجعل الاسمين اسماً واحداً فقال:
تُنادي سَاقَ حُرَّ، وظَلْتُ أَبْكي،
تَلِيدٌ ما أَبِينُ لها كلاما
وقيل: إِنما سمي ذكر القَماري ساقَ حُرٍّ لصوته كأَنه يقول: ساق حرّ ساق
حرّ، وهذا هو الذي جَرَّأَ صخر الغيّ على بنائه كما قال ابن سيده، وعلله
فقال: لأَن الأَصوات مبنية إِذ بنوا من الأَسماء ما ضارعها. وقال
الأَصمعي: ظن أَن ساق حر ولدها وإِنما هو صوتها؛ قال ابن جني: يشهد عندي بصحة
قول الأَصمعي أَنه لم يعرب ولو أَعرب لصرف ساق حر، فقال: سَاقَ حُرٍّ إِن
كان مضافاً، أَو ساقَ حُرّاً إِن كان مركباً فيصرفه لأَنه نكرة، فتركه
إِعرابه يدل على أَنه حكى الصوت بعينه وهو صياحه ساق حر ساق حر؛ وأَما قول
حميد بن ثور:
وما هاج هذا الشوقَ إِلا حمامةٌ،
دَعَتْ سَاقَ حُرٍّ تَرْحَةَ وتَرَنُّما
البيت؛ فلا يدل إِعرابه على أَنه ليس بصوت، ولكن الصوت قد يضاف أَوّله
إِلى آخره، وكذلك قولهم خازِ بازِ، وذلك أَنه في اللفظ أَشْبه بابَ دارٍ؛
قال والرواية الصحيحة في شعر حميد:
وما هاج هذا الشوقَ إِلا حمامةٌ،
دعت ساق حر في حمام تَرَنَّما
وقال أَبو عدنان: يعنون بساق حر لحن الحمامة. أَبو عمرو: الحَرَّةُ
البَثْرَةُ الصغيرة؛ والحُرُّ: ولد الظبي في بيت طرفة:
بين أَكْنافِ خُفَافٍ فاللِّوَى
مُخْرِفٌ، تَحْنُو لِرَخْص الظِّلْفِ، حُرّ
والحَرِيرَةُ بالنصب
(* قوله: «بالنصب» أراد به فتح الحاء): واحدة
الحرير من الثياب.
والحَرِيرُ: ثياب من إِبْرَيْسَمٍ.
والحَرِيرَةُ: الحَسَا من الدَّسَمِ والدقيق، وقيل: هو الدقيق الذي يطبخ
بلبن، وقال شمر: الحَرِيرة من الدقيق، والخَزِيرَةُ من النُّخَال؛ وقال
ابن الأَعرابي: هي العَصِيدَة ثم النَّخِيرَةُ ثم الحَرِيرَة ثم
الحَسْوُ. وفي حديث عمر: ذُرِّي وأَنا أَحَرُّ لك؛ يقول ذرِّي الدقيق لأَتخذ لك
منه حَرِيرَةً.
وحَرَّ الأَرض يَحَرُّها حَرّاً: سَوَّاها. والمِحَرُّ: شَبَحَةٌ فيها
أَسنان وفي طرفها نَقْرانِ يكون فيهما حبلان، وفي أَعلى الشبحة نقران
فيهما عُود معطوف، وفي وسطها عود يقبض عليه ثم يوثق بالثورين فتغرز الأَسنان
في الأَرض حتى تحمل ما أُثير من التراب إِلى أَن يأْتيا به المكان
المنخفض.
وتحرير الكتابة: إِقامة حروفها وإِصلاح السَّقَطِ. وتَحْرِيرُ الحساب:
إِثباته مستوياً لا غَلَثَ فيه ولا سَقَطَ ولا مَحْوَ. وتَحْرِيرُ الرقبة:
عتقها.
ابن الأَعرابي: الحَرَّةُ الظُّلمة الكثيرة، والحَرَّةُ: العذاب الموجع.
والحُرَّانِ: نجمان عن يمين الناظر إِلى الفَرْقَدَيْنِ إِذا انتصب
الفرقدان اعترضا، فإِذا اعترض الفرقدان انتصبا. والحُرَّانِ: الحُرُّ وأَخوه
أُبَيٌّ، قال: هما أَخوان وإِذا كان أَخوان أَو صاحبان وكان أَحدهما
أَشهر من الآخر سميا جميعاً باسم الأَشهر؛ قال المنخّل اليشكري:
أَلا مَنْ مُبْلِغُ الحُرَّيْنِ عَني
مُغَلْغَلَةً، وخصَّ بها أُبَيَّا
فإِن لم تَثْأَرَا لي مِنْ عِكَبٍّ،
فلا أَرْوَيْتُما أَبداً صَدَيَّا
يُطَوِّفُ بي عِكَبٌّ في مَعَدٍّ،
ويَطْعَنُ بالصُّمُلَّةِ في قَفَيَّا
قال: وسبب هذا الشعر أَن المتجرّدة امرأَة النعمان كانت تَهْوى المنخل
اليشكري، وكان يأْتيها إِذا ركب النعمان، فلاعبته يوماً بقيد جعلته في
رجله ورجلها، فدخل عليهما النعمان وهما على تلك الحال، فأَخذ المنخل ودفعه
إِلى عِكَبٍّ اللَّخْمِيّ صاحب سجنه، فتسلمه فجعل يطعن في قفاه
بالصُّمُلَّةِ، وهي حربة كانت في يده.
وحَرَّانُ: بلد معروف. قال الجوهري: حرَّان بلد بالجزيرة، هذا إِذا كان
فَعْلاناً فهو من هذا الباب، وإِن كان فَعَّالاً فهو من باب النون.
وحَرُوراءُ: موضع بظاهر الكوفة تنسب إِليه الحَرُورِيَّةُ من الخوارج
لأَنه كان أَوَّل اجتماعهم بها وتحكيمهم حين خالفوا عليّاً، وهو من نادر
معدول النسب، إِنما قياسه حَرُوراوِيٌّ؛ قال الجوهري: حَرُوراءُ اسم قرية،
يمد ويقصر، ويقال: حَرُورويٌّ بَيِّنُ الحَرُورِيَّةِ. ومنه حديث عائشة
وسُئِلَتْ عن قضاء صلاة الحائض فقالت: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ هم
الحَرُورِيَّةُ من الخوارج الذين قاتلهم عَلِيٌّ، وكان عندهم من التشديد في الدين
ما هو معروف، فلما رأَت عائشة هذه المرأَة تشدّد في أَمر الحيض شبهتها
بالحرورية، وتشدّدهم في أَمرهم وكثرة مسائلهم وتعنتهم بها؛ وقيل: أَرادت
أَنها خالفت السنَّة وخرجت عن الجماعة كما خرجوا عن جماعة المسلمين. قال
الأَزهري: ورأَيت بالدَّهْناءِ رملة وَعْثَةً يقال لها رملةُ حَرُوراءَ.
وحَرِّيٌّ: اسم؛ ونَهْشَلُ بن حَرِّيٍّ. والحُرَّانُ: موضع؛ قال:
فَسَاقانُ فالحُرَّانُ فالصِّنْعُ فالرَّجا،
فَجَنْبَا حِمًى، فالخانِقان فَحَبْحَبُ
وحُرَّيَات: موضع؛ قال مليح:
فَراقَبْتُه حتى تَيامَنَ، واحْتَوَتْ
مطَِافِيلَ مِنْهُ حُرَّيَاتُ فأَغْرُبُ
والحَرِيرُ: فحل من فحول الخيل معروف؛ قال رؤبة:
عَرَفْتُ من ضَرْب الحَرِيرِ عِتْقا
فيه، إِذا السَّهْبُ بِهِنَّ ارْمَقَّا
الحَرِيرُ: جد هذا الفرس، وضَرْبُه: نَسْلُه.
وحَرِّ: زجْرٌ للمعز؛ قال:
شَمْطاءُ جاءت من بلادِ البَرِّ،
قد تَرَكَتْ حَيَّهْ، وقالت: حَرِّ
ثم أَمالتْ جانِبَ الخِمَرِّ،
عَمْداً، على جانِبِها الأَيْسَرِّ
قال: وحَيَّهْ زجر للضأْن، وفي المحكَم: وحَرِّ زجر للحمار، وأَنشد
الرجز.
وأَما الذي في أَشراط الساعة يُسْتَحَلُّ: الحِرُ والحَرِيرُ: قال ابن
الأَثير: هكذا ذكره أَبو موسى في حرف الحاء والراء وقال: الحِرُ، بتخفيف
الراء، الفرج وأَصله حِرْحٌ، بكسر الحاء وسكون الراء، ومنهم من يشدد
الراء، وليس بجيد، فعلى التخفيف يكون في حرح لا في حرر، قال: والمشهور في
رواية هذا الحديث على اختلاف طرقه يستحلُّون الخَزَّ، بالخاء والزاي، وهو ضرب
من ثياب الإِبريسم معروف، وكذا جاء في كتاب البخاري وأَبي داود، ولعله
حديث آخر كما ذكره أَبو موسى، وهو حافظ عارف بما روى وشرح فلا يتهم.
مجس: المَجُوسِيَّة: نِحْلَةٌ، والمَجُوسِيُّ منسوب إِليها، والجمع
المَجُوسُ. قال أَبو علي النحوي: المَجُوس واليهود إِنما عرف على حد يهوديٍّ
ويهودٍ ومجوسيٍّ ومجوسٍ، ولولا ذلك لم يجز دخول الأَلف واللام عليهما
لأَنهما معرفتان مؤنثان فجريا في كلامهم مجرى القبيلتين ولم يجعلا كالحيين
في باب الصرف؛ وأَنشد:
أَحارِ أُرِيكَ بَرْقاً هَبَّ وهْناً،
كنار مَجُوسَ تَسْتَعِرُ اسْتِعارا
قال ابن بري: صدر البيت لامرئ القيس وعجزه للتوأَم اليشكري؛ قال أَبو
عمرو بن العلاء: كان امرؤ القيس مِعَنّاً عِرِّيضاً ينازع كل من قال إِنه
شاعر، فنازع التوأَم اليشكري
(* قوله «فنازع التوأم اليشكري» عبارة ياقوت:
أَتى امرؤ القيس قتادة بن التوأم اليشكري وأخويه الحرث وأبا شريح، فقال
امرؤ القيس يا حار أَجز:
أَحار ترى بريقاً هب وهناً
إلى آخر ما قال، وأَورد الأبيات بوجه آخر فراجعه ان شئت وعليه يظهر قول
المؤلف الآتي قريباً، وبريقاً تصغيره تصغير التعظيم.) فقال له: إِن كنت
شاعراً فََمَلْطْ أَنصاف ما أَقول وأَجِزْها، فقال: نعم، فقال امرؤ
القيس:أَصاح أُريك برقاً هب وهناً
فقال التوأَم:
كنار مجوس تستعر استعارا
فقال امرؤ القيس:
أَرِقْتُ لَهُ ونامَ أَبو شُرَيحٍ
فقال التوأَم:
إِذا ما قلْتُ قَدْ هَدَأَ اسْتَطارا
فقال امرؤ القيس:
كأَنَّ هَزيزَهُ بِوَراءِ غَيْبٍ
فقال التوأَم:
عِشارٌ وُلَّهٌ لاقَتْ عِشارا
فقال امرؤ القيس:
فلما أَنْ عَلا كَنَفَي أُضاخٍ
فقال التوأَم:
وَهَتْ أَعْجازُ رَيْقِهِ فَحارا
فقال امرؤ القيس:
فلم يَتْرُكْ بِذاتِ السِّرِّ ظَبْياً
فقال التوأَم:
ولم يَتْرُكْ بجَلْهَتِها حمارا
ومثل ما فعل امرؤ القيس بالتوأَم فعل عَبيدُ بن الأَبْرص بامرئ القيس،
فقال له عبيد: كيف معرفتك بالأَوابد؟ فقال امرؤ القيس: أَلقِ ما أَحببت،
فقال عبيد:
ما حَيَّةٌ مَيْتَةٌ أَحْيَتْ بِمَيِّتِها
دَرْداءَ، ما أَنْبَتَتْ ناباً وأَضْراسا؟
قال امرؤ القيس:
تِلْكَ الشَّعِيرَةُ تُسْقى في سَنابِلِها،
فَأَخْرَجَتْ بعد طُولِ المُكْثِ أَكداسا
فقال عبيد:
ما السُّودُ والبِيضُ والأَسْماءُ واحِدَةٌ،
لا يَسْتَطِيعُ لَهُنَّ النَّاسُ تَمْساسا؟
فقال امرؤ القيس:
تلك السَّحابُ إِذا الرَّحْمَنُ أَنشأَها،
رَوَّى بِها من مَحُولِ الأَرْضِ أَنْفاسا
ثم لم يزالا على ذلك حتى كملا ستة عشر بيتاً.
تفسير الأَبيات الرائية: قوله هب وهناً، الوهن: بعد هدء من الليل.
وبريقاً: تصغيره تصغير التعظيم كقولهم دويهية يريد أَنه عظيم بدلالة
قوله:كنار مجوس تستعر استعارا
وخص نار المجوس لأَنهم يعيدونها. وقوله: أَرقت له أَي سهرت من أَجله
مرتقباً له لأَعلم أَين مصابُّ مائِه. واستطار: انتشر. وهزيزه: صوت رعده.
وقوله: بوراء غيب أَي بحيث أَسمعه ولا أَراه. وقوله: عِشار وُلَّهٌ أَي
فاقدة أَولادها فهي تُكْثِرُ الحنين ولا سيما إِذا رأَت عِشاراً مثلها فإِنه
يزدادُ حَنينُها، شَبَّه صوت الرعد بأَصْوات هذه العِشارِ من النوق.
وأُضاخ: اسم موضع، وكَفاه: جانباه. وقوله: وهَتْ أَعْجاز رَيِّقه أَي استرخت
أَعجاز هذا السحاب، وهي مآخيره، كما تسيل القربة الخَلَقُ إِذا استرخت.
وريِّق المطر: أَوّله. وذاتُ السِّر: موضع كثير الظباء والحُمُر، فلم
يُبْق هذا المطرُ ظبياً به ولا حماراً إلا وهو هارب أَو غَريق. والجَلْهَةُ:
ما استقبلك من الوادي إِذا وافيته. ابن سيده: المَجُوسُ جبل معروف جمعٌ،
واحدهم مَجُوسِيٌّ؛ غيره: وهو معرَّب أَصلُه مِنْج كُوشْ، وكان رجلاً
صَغير الأُذُنَيْن كان أَوّل من دانَ بِدين المَجُوس ودعا الناس إِليه،
فعرَّبته العرب فقالت: مَجُوسَ ونزل القرآن به، والعرب رُبما تركت صرف مجوس
إِذا شُبِّه بقبيلة من القبائل، وذلك أَنه اجتمع فيه العجمة والتأْنيت؛
ومنه قوله:
كَنارِ مَجُوس تَسْتَعِرُ اسْتِعارَا
وفي الحديث: كلُّ مَوْلودٍ يُولَدُ على الفِطْرَة حتى يكون أَبواه
يُمَجِّسانِهِ أَي يُعلِّمانِهِ دين المَجُوسِيَّة. وفي الحديث: القَدَرِيَّةُ
مَجُوسُ هذه الأُمَّةِ، قيل: إِنما جَعَلهم مجوساً لِمُضاهاة مذهبِهِم
مذهبَ المجوس في قولهم بالأَصْلَيْن: وهما النُّورُ والظلمة، يزعمون أَن
الخير من فِعْل النُّور، وأَن الشَّر من فعل الظلمة؛ وكذا القَدَرِيّة
يُضِيفُون الخيرَ إِلى اللَّه والشر إِلى الإِنسان والشيطان، واللَّه تعالى
خالقُهما معاً لا يكون شيء منهما إِلا بمشيئته تعالى وتَقَدَّسَ، فهُما
مضافان إِليه خَلْقاً وإِيجاداً، وإِلى الفاعِلين لهما عَمَلاً واكتساباً.
ابن سيده: ومَجُوس اسم للقبيلة؛ وأَنشد أَيضاً:
كنار مجوسَ تستعر استعارا
قال: وإِنما قالوا المجوس على إِرادة المَجُوسِيِّين، وقد تَمَجَّسَ
الرجلُ وتَمَجَّسُوا: صاروا مَجُوساً. ومَجَّسُوا أَولادَهم: صَيَّرُوهُم
كذلك، ومَجَّسَه غيره.
سرق: سَرَق الشيء يسْرِقه سَرَقاً وسَرِقاً واستَرَقَه؛ الأَخيرة عن ابن
الأَعرابي؛ وأنشد:
بِعْتُكَها زانِيةً أو تَسْتَرِقْ،
إنَّ الخبيثَ للخبيثِ يَتَّفِقْ
اللام هنا بمعنى مع، والاسم السَّرِق والسَّرِقة، بكسر الراء فيهما،
وربما قالوا سَرَقَهُ مالاً، وفي المثل: سُرِقَ السارقُ فانتحَر. والسَّرَق:
مصدر فعل السارق، تقول: بَرِئْتُ إليك من الإباق والسَّرَق في بيع
العبد. ورجل سارِق من قوم سَرَقةٍ وسُرَّاقٍ، وسَرُوقٌ من قوم سُرُقٍ،
وسَرُوقةٌ، ولا جمع له إنما هو كصَرورة، وكلب سَروقٌ لا غير؛ قال:
ولا يَسْرِق الكلبُ السَّروقُ نِعالَها
ويروى السَّرُوِّ، فَعولٌ من السُّرى، وهي السَّرِقة.
وسَرَّقه: نسبه إلى السَّرَق، وقُرئ: إن ابنك سُرِّق.
واسْتَرق السمْعَ أي استَرَق مُستخفِياً. ويقال: هو يُسارِق النظَر
إليه إذا اهْتَبَل غَفلتَه لينظر إليه. وفي حديث عدِيّ: ما نَخاف على
مَطيَّتها السَّرَق؛ هو بمعنى السرقة وهو في الأَصل مصدر؛ ومنه الحديث:
تَسْتَرِق الجِنُّ السَّمْع؛ هو تفتعل من السَّرِقة أي أنها تسمعُه مختفِيةً كما
يفعل السارِق، وقد تكرر في الحديث فِعْلاً ومصدراً. قال ابن بري: وقد
جاء سَرِّق في معنى سَرَق؛ قال الفرزدق:
لا تَحْسَبَنَّ دَراهِماً سَرَّقْتَها
تَمْحُو مَخازيَكَ التي بعُمانِ
أي سَرَقْتها، قال: وهذا في المعنى كقولهم إن الرِّقِينَ تُغَطِّي أفْنَ
الأَفِينَ أي لا تحسَبْ كَسْبَك هذه الدراهم مما يُغَطِّي مخازيك.
والاسْتِراق: الخَتْل سِرّاً كالذي يستمع، والكَتَبةُ يَسْتَرِقُون من بعض
الحسابات. ابن عرفة في قوله تعالى: والسارِقُ والسارِقةُ، قال: السارق عند
العرب من جاء مُسْتَتِراً إلى حِرْزٍ فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذ من ظاهر
فهو مُخْتَلِس ومُسْتَلِب ومُنْتَهِب ومُحْتَرِس، فإن مَنَعَ مما في
يديه فهو غاصب. وقوله تعالى: إنْ يَسْرِقْ فقد سَرَق أخٌ له من قَبْل، يعنون
يوسف، ويروى أنه كان أخذ في صِغَره صورة، كانت تُعْبَد لبعض من خالف
ملَّة الإسلام، مِنْ ذَهَبٍ على جهة الإنكار لئلا تُعَظَّم الصورةُ
وتُعْبَد. والمُسارَقة والاسْتِراق والتَّسَرُّق: اختلاس النظر والسمع؛ قال
القطامي:
يَخِلَتْ عليك، فما يجود بنائل
إلا اخْتِلاس حَدِيثِها المُتَسَرَّقِ
وقول تميم بن مقبل:
فأَما سُراقاتُ الهِجاءِ، فإنها
كلامٌ تَهاداه اللئامُ تَهادِيا
جعل السراقة فيه اسمَ ما سُرِق، كما قيل الخُلاصة والنُّقاية لما خُلِّص
ونُقِّيَ.
وسَرِقَ الشيءُ سَرَقاً: خَفِيَ. وسَرِقَت مفاصلُه وانْسَرَقتْ: ضَعُفت؛
قال الأَعشى يصف الظبْيَ:
فاتِرَ الطَّرْف في قُواه انْسِراقُ
والانْسِراق: أن يَخْنُس إنسان عن قوم ليذهب؛ قال وقيل في قول الأَعشى:
فهي تَتْلو رَخْصَ الظُّلوف ضَئيلاً
فاتِرَ الطَّرْف، في قُواه انْسِراق
إن الانْسِراقَ الفتور والضعف؛ وقال الأَعشى أيضاً:
فيهن مَحْروقُ النَّواصِف مَسْـ
ـروقُ البُغام وشادِنٌ أكْحل
أراد أن في بُغامه غُنّة فكأن صوته مسروق.
والسَّرَق: شِقاقُ الحرير، وقيل: هو أجوده، واحدته سَرَقة؛ قال الأخطل:
يَرْفُلْن في سَرَقِ الفِرِنْدِ وقَزِّه،
يَسْحَبْنَ مِنْ هُدَّابِه أذْيالا
قال أبو عبيدة: هو بالفارسية أصله سَرَهْ أي جيد، فعربوه كما عرب بَرَقٌ
للْحَمَل وأصله بَرَه، ويَلْمَق لِلْقَباء وأصله يَلْمَه، وإسْتَبْرَق
للغليظ من الديباج وأصله اسْتَبْرَهْ، وقيل: أصله سِتَبْرَهْ أي جيد،
فعربوه كما عربوا بَرَق ويَلْمَق، وقيل: إنها البِيضُ من شُقَق الحرير؛ وأنشد
للعجاج:
ونَسَجَت لَوامِعُ الحَرُورِ،
من رَقْرَقانِ آلِها المسْجورِ،
سَبائِباً كسَرَق الحَرِيرِ
وفي الحديث عن ابن عمرو: أن سائلاً سأله عن بيع سَرَقِ الحرير قال: هلا
قلت شُقَق الحرير؛ قال أبو عبيد: سَرَقُ الحَرِير هي الشُّقَقُ إلا أنها
البِيضُ خاصة، وصَرَقُ الحرير بالصاد أيضاً؛ وأنشد ابن بري للأَخطل:
كأن دَجائجاً، في الدار، رُقطاً
بَناتُ الرُّوم في سَرَقِ الحَرِير
وقال آخر:
يَرْفُلْنَ في سَرَقِ الحريرِ وقزِّه،
يَسْحَبْن من هُدّابه أذيالا
وفي حديث عائشة: قال لها رَأيْتُكِ يَحْمِلُكِ الملَكُ في سَرَقةٍ مِنْ
حَرير أي قِطْعة من جَيِّد الحرير، وجمعها سَرَق. وفي حديث ابن عمر:
رأيتُ كأنّ بيدي سَرَقةً من حرير. وفي حديث ابن عباس: إذا بِعْتُم السَّرَقَ
فلا تَشْتَروه أي إذا بِعْتُموه نَسِيئة، وإنما خص السَّرَق بالذكر لأنه
بلَغَه أن تُجّاراً يبيعونه نسيئة ثم يشترونه بدون الثمن، وهذا الحكم
مطَّرد في كل المَبِيعات، وهو الذي يسمى العِينَة. والسَّوارق: الجوامع،
واحدته سارقة؛ قال أبو الطَّمَحان:
ولم يَدْعُ داعٍ مثلكمِ لِعَظيمة،
إذا أزَمَت بالساعِدَيْنِ السَّوارِقُ
وقيل: السَّوارِق مَسامير في القيود؛ وبه فسر قول الراعي:
وأزْهَر سخَّى نَفْسَه عن بِلادِه
حَنايا حَديدٍ مُقْفَل وسَوارِقه
وسارِقٌ وسَرَّاق ومَسْروق وسُراقة، كلها: أسماء؛ أنشد سيبويه:
هذا سُراقَةُ للقُرآنِ يَدْرُسُه،
والمرءُ عند الرُّشا إن يَلْقَها ذِيبُ
ومَسْرُقان: موضع أيضاً
(* قوله «ومسرقان موضع أيضاً» هكذا في الأصل).
قال يزيد بن مُفَرِّغ الحِمْيَري وجمع بين الموضعين:
سَقَى هزِمُ الأَوساطِ مُنْبَجِسُ العُرَى
مَنازِلَها من مَسْرُقان وسُرَّقا
وسُراقة بن جعشم: من الصحابة، وفي التهذيب: وسُراقة بن مالك المُدْلِجي
أحد الصحابة. وسُرَّقُ: إحدى كُوَرِ الأَهوازِ وهن سبع. قال ابن بري:
وسُرَّق اسم موضع في العِراق؛ قال أنس بن زُنَيم يخاطب الحرث بن بَدْر
الغُداني حين ولاّه عبد الله بن زِياد سُرَّق:
أحارِ بن بَدْر، قد وَلِيتَ إمارةً،
فكُنْ جُرَذاً فيها تَخُون وتَسْرِقُ
ولا تَحْقِرَنْ، يا حارِ، شيئاً أصَبْتَه،
فحَظُّك من مُلْك العِراقين سُرَّقُ
فإنَّ جميعَ الناسِ إمّا مكذَّبٌ
يقول بما يَهْوَى، وإمّا مصدَّقُ
يقولون أقوالاً ولا يعلمونها،
وإن قيل: هاتوا حَقِّقوا، لم يُحَقِّقوا
قال ابن بري: ويقال لسارِق الشِّعْر سُراقة، ولسارق النظَر إلى الغِلمان
الشَّافِن.
شفر: الشُّفْرُ، بالضم: شُفْرُ العين، وهو ما نبت عليه الشعر وأَصلُ
مَنْبِتِ الشعر في الجَفْنِ وليس الشُّفْرُ من الشَّعَرِ في شيء، وهو مذكر؛
صرح بذلك اللحياني، والجمع أَشْفارٌ؛ سيبويه: لا يُكسَّرُ على غير ذلك،
والشَّفْرُ: لغة فيه؛ عن كراع. شمر: أَشْفارُ العين مَغْرِزُ الشَّعَرِ.
والشَّعَرُ: الهُدْبُ. قال أَبو منصور: شُفْرُ العين منابت الأَهداب من
الجفون. الجوهري: الأَشْفارُ حروف الأَجفان التي ينبت عليها الشعر، وهو
الهدب. وفي حديث سعد بن الربيع: لا عُذْرَ لَكُمْ إِن وُصِلَ إِلى رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وفيكم شُفْرٌ يَطْرِفُ. وفي حديث الشَّعْبيّ:
كانوا لا يُؤَقِّتون في الشُّفْرِ شيئاً أَي لا يوجبون فيه شيئاً مقَدَّراً.
قال ابن الأَثير: وهذا بخلاف الاجماع لأَن الدية واجبة في الأَجفان، فإِن
أَراد بالشُّفْرِ ههنا الشَّعَرَ ففيه خلاف أَو يكون الأَوَّل مذهباً
للشعبي.
وشُفْرُ كل شيء: ناحيته. وشُفْرُ الرحم وشافِرُها: حروفها. وشُفْرَا
المرأَةِ وشافِراها: حَرْفا رَحِمِها. والشَّفِرَةُ والشَّفِيرَةُ من
النساء: التي تجد شهوتها في شُفْرِها فيجيءَ ماؤها سريعاً، وقيل: هي التي تقنع
من النكاح بأَيسره، وهي نَقيضُ القَعِيرَةِ. والشُّفْرُ: حرفُ هَنِ
المرأَة وحَدُّ المِشْفَرِ. ويقال لناحيتي فرج المرأَة: الإِسْكَتانِ؛
ولطرفيهما: الشُّفْرانِ، الليث: الشَّافِرَانِ من هَنِ المرأَة أَيضاً، ولا يقال
المِشْفَرُ إِلاَّ للبعير. قال أَبو عبيد: إِنما قيل مَشافِرُ الحبش
تشبيهاً بِمَشافِرِ الإِبل. ابن سيده: وما بالدار شُفْرٌ وشَفْرٌ أَي أَحد؛
وقال الأَزهري: بفتح الشين. قال شمر: ولا يجوز شُفْر، بضمها؛ وقال ذو
الرمة فيه بلا حرف النفي:
تَمُرُّ بنا الأَيامُ ما لَمَحَتْ بِنا
بَصِيرَةُ عَيْنٍ، مِنْ سِوانا، على شَفْرِ
أَي ما نظرت عين منا إِلى إِنسان سوانا؛ وأَنشد شمر:
رَأَتْ إِخْوَتي بعدَ الجميعِ تَفَرَّقُوا،
فلم يبقَ إِلاَّ واحِداً مِنْهُمُ شَفْرُ
والمِشْفَرُ والمَشْفَرُ للبعير: كالشفة للإِنسان، وقد يقال للإِنسان
مشافر على الاستعارة. وقال اللحياني: إِنه لعظيم المشافر، يقال ذلك في
الناس والإِبل، قال: وهو من الواحد الذي فرّق فجعل كل واحد منه مِشْفَراً ثم
جمع؛ قال الفرزدق:
فلو كنتَ ضَبِّيّاً عَرَفْتَ قَرابَتي،
ولَكِنَّ زِنْجِيّاً عَظِيمَ المَشافِرِ
الجوهري: والمِشْفَرُ من البعير كالجَحْفَلةِ من الفرس، ومَشافِرُ الفرس
مستعارة منه. وفي المثل: أَراك بَشَرٌ ما أَحارَ مِشْفَرٌ أَي أَغناك
الظاهر عن سؤال الباطن، وأَصله في البعير. والشَّفِير: حَدُّ مِشْفَر
البعير. وفي الحديث: أَن أَعرابيّاً قال: يا رسول
الله، إِن النُّقْبَةَ قد تكون بِمِشْفَرِ البعير في الإِبل العظيمة
فَتَجْرَبُ كُلُّها، قال: فما أَجْرَبَ الأَوَّلَ؟ المِشْفَر للبعير: كالشفة
للإِنسان والجَحْفَلَةِ للفرس، والميم زائدة.
وشَفِيرُ الوادي: حَدُّ حَرْفِه، وكذلك شَفِيرُ جهنم، نعوذ بالله منها.
وفي حديث ابن عمر: حتى وقفوا على شفير جهنم أَي جانبها وحرفها؛ وشفير كل
شيء حرفه، وحرفُ كل شيء شُفْره وشَفِيره كالوادي ونحوه. وشَفير الوادي
وشُفْرُه: ناحيته من أَعلاه؛ فأَما ما أَنشده ابن الأَعرابي من قوله:
بِزَرْقاوَيْنِ لم تُحْرَفْ، ولَمَّا
يُصِبْها غائِرٌ بِشَفِيرِ مأْقِ
قال ابن سيده: قد يكون الشَّفِير ههنا ناحية المَأْقِ من أَعلاه، وقد
يكون الشَّفِير لغةً في شُفْرِ العين. ابن الأَعرابي: شَفَرَ إِذا آذى
إِنساناً، وشَفَرَ إِذا نَقَّصَ. والشَّافِرُ: المُهْلِكُ ماله، والزَّافِرُ:
الشجاع. وشَفَّرَ المالُ: قَلَّ وذهب؛ عن ابن الأَعرابي، وأَنشد لشاعر
يذكر نسوة:
مُولَعاتٌ بِهاتِ هاتِ، فإِنْ شَـ
ـفَّرَ مالٌ، أَرَدْنَ مِنْكَ انْخِلاعَا
والتَّشْفِير: قلة النفقة. وعَيْشٌ مُشَفِّرٌ: قليلٌ ضَيِّقٌ؛ وقال
الشاعر:
قد شَفَّرَتْ نَفَقاتُ القَوْمِ بَعْدَكُمُ،
فأَصْبَحُوا لَيسَ فِيهمْ غَيْرُ مَلْهُوفِ
والشَّفْرَةُ من الحديد: ما عُرِّضَ وحُدِّدَ، والجمع شِفارٌ. وفي
المثل: أَصْغَرُ القَوْمِ شَفْرَتُهُمْ أَي خادمهم. وفي الحديث: إِن أَنساً
كان شَفْرَةَ القوم في السَّفْرِ؛ معناه أَنه كان خادمهم الذي يكفيهم
مَهْنَتَهُمْ، شُبِّهَ بالشَّفْرَةِ التي تمتهن في قطع اللحم وغيره.
والشَّفْرَةُ، بالفتح: السِّكِّينُ العريضة العظيمة، وجمعها شَفْرٌ وشِفارٌ. وفي
الحديث: إِن لَقِيتَها نعجةً تَحْمِلُ شَفْرَةً وزِناداً فلا تهِجْها؛
الشَّفْرَةُ: السكين العريضة. وشَفَراتُ السيوف: حروفُ حَدّها؛ قال الكميت
يصف السيوف:
يَرَى الرَّاؤُونَ بالشَّفَراتِ مِنْها
وُقُودَ أَبي حُباحِب والظُّبِينا
وشَفْرَةُ السيف: حدُّه. وشَفْرَةُ الإِسْكافِ: إِزْمِيلُه الذي
يَقْطَعُ به. أَبو حنيفة: شَفْرتا النَّصْلِ جانباه.
وأُذُنٌ شُفارِيَّة وشُرافِيَّة: ضخمة، وقيل: طويلة عريضة لَيِّنَةُ
الفَرْعِ. والشُّفارِيُّ: ضَرْبٌ من اليَرابِيعِ، ويقال لها ضأْنُ
اليَرابِيعِ، وهي أَسمنها وأَفضلها، يكون في آذانها طُولٌ، ولليَرْبُوعِ
الشُّفارِيّ ظُفُرٌ في وسط ساقه. ويَرْبُوع شُفارِيّ: على أُذنه شَعَرٌ.
ويَرْبُوعٌ شُفارِيٌّ: ضَخْمُ الأُذنين، وقيل: هو الطويل الأُذنين العاري
البَراثِنِ ولا يُلْحَقُ سَرِيعاً، وقيل: هو الطويل القوائم الرِّخْوُ اللحمِ
الكثير الدَّسَمِ؛ قال:
وإِنِّي لأَصْطادُ اليرابيع كُلَّها:
شُفارِيَّها والتَّدْمُرِيَّ المُقَصِّعَا
التَّدْمُرِيُّ: المكسو البراثن الذي لا يكاد يُلْحَقُ. والمِشْفَرُ:
أَرض من بلاد عَدِيٍّ وتَيْمٍ؛ قال لراعي:
فَلَمَّا هَبَطْنَ المِشْفَرَ العَوْدَ عَرَّسَتْ،
بِحَيْثُ الْتَقَتْ أَجْراعُهُ ومَشارِفُهْ
ويروى: مِشْفَر العَوْدِ، وهو أَيضاً اسم أَرض. وفي حديث كُرْزٍ
الفِهْرِيّ: لما أَغار على سَرْح المدينة كان يَرْعَى بِشُفَرٍ؛ هو بضم الشين
وفتح الفاء، جبل بالمدينة يهبط إِلى العَقِيقِ.
والشَّنْفَرى: اسم شاعر من الأَزْدِ وهو فَنْعَلَى؛ وفي المثل: أَعْدَى
من الشَّنْفَرَى، وكان من العَدَّائِين.
لدم: اللَّدْمُ: ضرْبُ المرأَةِ صَدْرَها. لَدَمَت المرأَة وجهَها:
ضربته. ولَدَمَتْ خُبْزَ المَلَّة إِذا ضربته. وفي حديث الزبير يوم أُحُد:
فخرجْتُ أَسْعَى إِليها، يعني أُمَّه، فأَدْرَكْتُها قبل أَنْ تَنْتَهيَ
إِلى القَتْلى فلَدَمَتْ في صَدْري وكانت امرأَة جَلْدةً، أَي ضربَتْ
ودفعت. ابن سيده: لَدَمَت المرأَةُ صدْرَها تَلْدِمُه لَدْماً ضربته،
والْتَدَمَتْ هي. واللَّدْمُ: ضرْبُ خُبْزِ الملّة إِذا أَخرجته منها وضَرْبُ
غيرهِ أَيضاً. واللَّدْمُ: صوتُ الشيء يَقعُ في الأَرض من الحَجر ونحوه وليس
بالشديد؛ قال ابن مقبل:
وللفُؤادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِه،
لَدْمَ الغُلامِ وراءَ الغَيْبِ بالحَجَرِ
وقيل: اللَّدْمُ اللَّطْم والضربُ بشيء ثقيل يُسْمَعُ وَقْعُه.
والتَدَمَ النساءُ إِذا ضربْنَ وُجوهَهنّ في المآتم. واللَّدْمُ: الضرْبُ،
والتِدامُ النساء من هذا، واللَّدْمُ واللّطْمُ واحدٌ. والالْتِدامُ:
الاضْطراب. والْتِدامُ النساء: ضَرْبهُنّ صُدورَهنّ ووجوهَهن في النِّياحة. ورجل
مِلْدَمٌ: أَحمقُ ضخم ثقيل كثير اللحم. وفَدْمٌ لَدْمٌ: إِتباع. ويقال:
فلان فَدْمٌ ثَدْمٌ لَدْمٌ بمعنى واحد. وروي عن عليّ، عليه السلام، أَن
الحسن قال له في مَخْرجِه إِلى العراق: إِنه غير صواب، فقال: والله لا أَكون
مثلَ الضَّبُع تسمع اللَّدْمَ فتخرُجُ فتُصاد، وذلك أَن الصَّيّاد يجيء
إِلى جحرها فيضرب بحجَر أَو بيدِه، فتخرج وتَحْسبه شيئاً تَصِيده
لتأْخذَه فيأْخذها، وهي من أَحمق الدَّوابّ؛ أَراد أَني لا أُخْدَع كما تُخْدعُ
الضبع باللَّدْم، ويُسمَّى الضرْبُ لَدْماً. ولَدَمْتُ أَلْدِمُ لَدْماً،
فأَنا لادِمٌ، وقوم لَدَمٌ مثل خادِمٍ وخَدَمٍ.
وأُمُّ مِلْدَم: الحُمَّى، الليث: أُمّ مِلدَم كنية الحُمَّى، والعرب
تقول: قالت الحمى أَنا أُمُّ مِلْدَم آكُل اللحم وأَمَصُّ الدمَ، قال:
ويقال لها أُمّ الهِبْرِزِيّ. وأَلْدَمَت عليه الحُمّى أَي دامَتْ. وفي
الحديث: جاءت أُمُّ مِلْدَمٍ تستأْذن؛ هي الحُمَّى، والميم الأُولى مكسورة
زائدة، وبعضهم يقولها بالذال المعجمة.
واللَّدِيمُ: الثوب الخلَق. وثوب لَدِيم ومُلَدَّم: خَلَقٌ. ولَدَمَه:
رَقَعَه. الأَصمعي: المُلَدَّم والمُرَدَّمُ من الثياب المُرقَّعُ، وهو
اللَّديم. ولَدَمْت الثوب لدْماً ولَدَّمتُه تَلْديماً أَي رَقَّعْتُه، فهو
مُلَدَّم ولَدِيمٌ أَي مُرَقَّع مُصْلَح. واللِّدامُ: مثل الرِّقاع
يُلْدَمُ به الخفّ وغيره. وتَلَدَّم الثوبُ أَي أَخْلَق واسْتَرْقَع.
وتَلَدَّم الرجلُ ثوبَه أَي رَقعَه، يتعدَّى ولا يتعدى، مثل تَرَدَّم.
واللَّدَمُ، بالتحريك: الحُرَمُ في القَرابات. ويقال: إِنما سميت
الحُرْمَةُ اللَّدَمَ لأَنها تَلْدِم القَرابةَ أَي تُصْلِح وتَصِل؛ تقول
العرب: اللَّدَمُ اللَّدَمُ إِذا أَرادت توكيد المُحالفة أَي حُرْمَتُنا
حُرْمَتُكم وبيتنا بيتُكم لا فرق بيننا. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم:
أَن الأَنصار لما أَرادوا أَن يُبايعوه في بَيْعَةِ العَقَبة بمكة قال
أَبو الهيثم بن التَّيِّهان: يا رسول الله، إن بينَنا وبينَ القَوم
حِبالاً ونحنُ قاطِعوها، فنخشى إنِ اللهُ أَعَزَّك وأَظْهَرَكَ أَن ترجع إِلى
قومك، فتبسَّم النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال: بل الدَّمُ الدَّمُ
والهَدَمُ الهَدَمُ أُحارِــبُ مَنْ حارَبْتُم وأُسالمُ مَنْ سالَمْتُم ورواه
بعضهم: بل اللَّدَمُ اللَّدَمُ والهَدَمُ الهَدَمُ، قال: فمن رواه بل
الدَّم الدّم والهَدَم الهَدَم فإِن ابن الأَعرابي قال: العرب تقول: دَمِي
دَمُك وهَدَمِي هَدَمُك في النُّصْرة أَي إِن ظُلِمْتَ فقد ظُلِمْتُ؛ قال:
وأَنشد العقيليّ:
دَماً طَيِّباً يا حَبَّذا أَنتَ من دَمِ
قال أَبو منصور: وقال الفراء العرب تدخل الأَلف واللام اللتين للتعريف
على الاسم فتقومان مقام الإضافة كقول الله عز وجل: فأَمَّا مَنْ طَغَى
وآثر الحياةَ الدنيا فإِنَّ الجَحيم هي المأْوى؛ أَي الجحيم مأْواه، وكذلك
قوله: وأَمَّا مَن خاف مَقامَ رَبِّه ونهَى النفس عن الهوى فإِن الجنة هي
المأْوى؛ المعنى فإِن الجنة مأْواه؛ وقال الزجاج؛ معناه فإِن الجنة هي
المأْوى له، قال: وكذلك هذا في كل اسم، يدلان على مثل هذا الإِضمار فعلى
قول الفراء قوله الدَّمُ الدَّمُ أَي دمكم دمي وهَدَمكم هَدَمي؛ وقال ابن
الأَثير في رواية: الدَّمُ الدَّمُ، قال: هو أَن يهدر دَم القتيل، المعنى
إِن طلِب دمُكم فقد طُلب دمي، فدمي ودمُكم شيء واحد، وأَما من رواه بل
اللَّدَم اللَّدَم والهَدَم الهَدَم فإِن ابن الأَعرابي أَيضاً قال:
اللَّدَم الحُرَم جمع لادِمٍ والهدَم القَبر، فالمعنى حُرَمكم حُرَمي وأُقْبَرُ
حيث تُقْبَرون؛ وهذا كقوله: المَحْيا مَحْياكم والمَمات مماتُكم لا
أُفارقكم. وذكر القتيبي أَن أَبا عبيدة قال في معنى هذا الكلام: حُرْمَتي مع
حُرْمَتِكم وبَيْتي مع بيتكم؛ وأَنشد:
ثم الْحَقي بهَدَمِي ولَدَمِي
أَي بأَصْلي وموضعي. واللَّدَمُ: الحُرَمُ جمع لادِم، سُمِّي نساءُ
الرجل وحُرَمُه لَدَماً لأَنهن يَلْتَدِمْنَ عليه إِذا مات. وفي حديث عائشة:
قُبِض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو في حَجْري ثم وضَعْت رأْسَه
على وِسادَةٍ وقُمْتُ أَلْتَدِمُ مع النِّساء وأَضْرِب وَجْهي.
والمِلْدَمُ والمِلْدامُ: حَجَرٌ يُرْضَخُ به النوى، وهو المِرْضاخُ
أَيضاً. قال ابن بري عند قول الجوهري سُمِّيَت الحُرْمة اللَّدَمَ قال:
صوابه أَن يقول سميت الحُرَمُ اللَّدَم لأن اللَّدَم جمعُ لادِمٍ. ولَدْمانُ:
ماء معروف. ومُلادِمٌ: اسم؛ وفي ترجمة دعع في التهذيب قال: قرأْت بخط
شمر للطِّرمَّاح:
لم تُعالِجْ دَمْحَقاً بائتاً
شُجَّ بالطَّخْفِ لِلَدْمِ الدَّعاعْ
قال: اللَّدْمُ اللَّعْقُ.
شيط: شاطَ الشيءُ شَيْطاً وشِياطةً وشَيْطُوطةً: احترق، وخصَّ بعضهم به
الزيتَ والرُّبَّ؛ قال:
كَشائطِ الرُّبِّ عليه الأَشْكَلِ
وأَشاطَه وشَيَّطَه، وشاطَتِ القِدْر شَيْطاً: احتَرقَتْ، وقيل: احترقت
ولَصِقَ بها الشيء، وأَشاطَها هو وأَشَطْتُها إِشاطة؛ ومنه قولهم: شاطَ
دمُ فلان أَي ذهب، وأَشَطْتُ بدَمِه. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه:
القسامةُ تُوجِبُ العَقْلَ ولا تُشِيطُ الدَّمَ أَي تؤخذ بها الدِّيَةُ ولا
يُؤْخَذُ بها القِصاصُ، يعني لا تُهْلِكُ الدم رأْساً بحيث تُهْدِرُه حتى لا
يجب فيه شيء من الديّة. الكلابي: شَوَّط القِدْرَ وشَيَّطَها إِذا
أَغْلاها. وأَشاطَ اللحم: فَرَّقه. وشاطَ السمْنُ والزَّيْتُ: خَثُرَ. وشاطَ
السمنُ إِذا نَضِجَ حتى يَحْتَرِقَ وكذلك الزيت؛ قال نِقادةُ الأَسدي يصف
ماء آجِناً:
أَوْرَدْتُه قَلائصاً أَعْلاطا،
أَصْفَرَ مِثْل الزَّيْتِ، لَمّا شاطا
والتَشْيِيطُ: لحم يُصْلَح للقوم ويُشْوى لهم، اسم كالتَّمْتِين،
والمُشَيَّطُ مِثْلُه، وقال الليث: التشَيُّطُ شَيْطُوطةُ اللحم إِذا مسَّته
النار يَتَشَيَّطُ فيَحْتَرِقُ أَعْلاه، وتَشَيَّطَ الصوفُ. والشِّياطُ:
رِيح قُطنة مُحْتَرِقةٍ. ويقال: شَيَّطْتُ رأْس الغنم وشوَّطْتُه إِذا
أَحْرَقْت صُوفه لتُنظِّفه. يقال: شَيَّطَ فلان اللحم إِذا دَخَّنه ولم
يُنْضِجُه؛ قال الكميت:
لَمّا أَجابَتْ صَفِيراً كان آيَتَها
مِنْ قابِسٍ شَيَّطَ الوَجْعاء بالنارِ
وشَيَّطَ الطَّاهي الرأْس والكُراعَ إِذا أَشْعَل فيهما النار حتى
يَتَشَيَّطَ ما عليهما من الشعرَ والصُّوفِ، ومنهم من يقول شَوّطَ. وفي الحديث
في صفةِ أَهل النار: أَلم يَرَوْا إِلى الرأْسِ إِذا شُيِّطَ؛ من قولهم
شَيَّطَ اللحمَ أَو الشعَرَ أَو الصُّوفَ إِذا أَحرقَ بعضَه. وشاطَ
الرجلُ يَشيطُ: هلَك؛ قال الأَعشى:
قد نَخْضِبُ العَيْرَ في مَكْنُون فائِله،
وقد يَشِيطُ على أَرْماحِنا البَطَلُ
(* في قصيدة الأَعشى: قد نطعنُ العيرَ بدلَ قد نخضِب العير.)
والإِشاطةُ: الإِهْلاكُ. وفي حديث زيد بن حارثة: أَنه قاتلَ بِرايةِ
رسولِ اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، حتى شاطَ في رِماحِ القوم أَي هلَك؛
ومنه حديث عمر، رضي اللّه عنه: لما شَهِدَ على المُغيرة ثلاثةُ نَفَرٍ
بالزِّنا قال: شاطَ ثلاثةُ أَرباع المُغيرة. وكلُّ ما ذهَب، فقد شاطَ. وشاطَ
دَمُه وأَشاطَ دمَه وبدَمِه: أَذْهَبَه، وقيل: أَشاطَ فلان فلاناً إِذا
أَهْلَكه، وأَصلُ الإِشاطةِ الإِحْراقُ؛ يقال: أَشاط بدَمِه عَمِل في
هَلاكِه، وتَشَيَّطَ دمُه. وأَشاطَ فلان دمَ فلانٍ إِذا عَرَّضه للقتل. ابن
الأَنباري: شاطَ فلانٌ بدم فلانٍ معناه عَرَّضه للهَلاك. ويقال: شاط دمُ
فلان إِذا جُعل الفعل للدّمِ، فإِذا كان للرجلِ قيل: شاط بدمِه وأَشاط
دمَه. وتشيَّطَ الدمُ إِذا عَلا بصاحبه، وشاط دمُه. وشاط فلانٌ الدِّماء أَي
خلَطَها كأَنه سَفَكَ دمَ القاتل على دم المقتول؛ قال المتلَمِّسُ:
أَحارِــثُ إِنَّا لو تُشاطُ دِماؤنا،
تَزَيَّلْن حتى ما يَمَسّ دَمٌ دَما
ويروى: تُساطُ، بالسين، والسَّوْطُ: الخَلْط. وشاطَ فلان أَي ذهب دمُه
هَدَراً. ويقال: أَشاطَه وأَشاطَ بدمِه. وشاطَ بمعنى عَجِلَ.
ويقال للغُبار السَّاطِعِ في السماء: شَيْطِيٌّ؛ قال القطامي:
تَعادِي المَراخِي ضُمَّراً في جُنوحِها،
وهُنَّ من الشَّيطِيّ عارٍ ولابِسُ
يصف الخيل وإِثارَتَها الغُبارَ بسنابِكها. وفي الحديث: أَنَّ سَفِينةَ
أَشاطَ دمَ جَزُورٍ بِجِذْلٍ فأَكَله؛ قال الأَصمعي: أَشاطَ دمَ جَزُورٍ
أَي سَفَكَه وأَراقه فشاطَ يَشِيطُ يعني أَنه ذبحه بعُود، والجذل العود.
واشْتاطَ عليه: الْتَهَب. والمُسْتَشِيطُ: السَّمين من الإِبل.
والمِشْياطُ من الإِبل: السريعةُ السِّمَنِ، وكذلك البعير. الأَصمعي:
المَشايِيطُ من الإِبل اللَّواتي يُسْرِعن السِّمَن، يقال: ناقةِ مِشْياطٌ،
وقال أَبو عمرو: هي الإِبل التي تجعل للنَّحْر من قولهم شاطَ دمُه.
غيره: وناقة مِشْياطٌ إِذا طارَ فيها السِّمنُ؛ وقال العجاج:
بوَلْقِ طَعْنٍ كالحَرِيقِ الشّاطي
قال: الشّاطي المُحْتَرِق، أَرادَ طَعْناً كأَنه لَهَبُ النار من
شدَّته؛ قال أَبو منصور: أَراد بالشاطي الشائطَ كما يقال للهائر هارِ. قال
اللّه عزّ وجلّ: هارٍ فانْهارَ به.
ويقال: شاطَ السَّمْنُ يَشِيطُ إِذا نَضِجَ حتى يحترق.
الأَصمعي: شاطَتِ الجَزُور إِذا لم يبق فيها نصيب إِلا قُسم. ابن شميل:
أَشاطَ فلان الجزور إِذا قسَمها بعد التقطيع. قال: والتقطيعُ نفْسه
إِشاطةٌ أَيضاً. ويقال: تَشَيَّطَ فلان من الهِبّةِ أَي نَحِلَ من كثرة
الجماع. وروي عن عمر، رضي اللّه عنه، أَنه قال: إِنَّ أَخْوفَ ما أَخافُ عليكم
أَن يؤخذ الرجلُ المسلمُ البريء فيقالَ عاصٍ وليس بعاص فيُشاطَ لحمُه كما
تُشاطُ الجَزُور؛ قال الكميت:
نُطْعِمُ الجَيْأَلَ اللَّهِيدَ من الكوُ
مِ، ولم نَدْعُ من يُشِيطُ الجَزُورا
قال: وهذا من أَشَطْتُ الجزور إِذا قطَّعْتها وقسَّمت لحمها، وأَشاطَها
فلان، وذلك أَنهم إِذا اقْتَسَمُوها وبقي بينهم سهم فيقال: من يُشِيطُ
الجَزُور أَي من يُنَفِّقُ هذا السهمَ، وأَنشد بيت الكميت، فإِذا لم يبق
منها نصيب قالوا: شاطت الجزور أَي تنَفَّقَتْ.
واسْتَشاطَ الرجلُ من الأَمر إِذا خَفّ له. وغَضِبَ فلان واسْتشاطَ أَي
احْتَدَم كأَنه التهب في غضَبِه؛ قال الأَصمعي: هو من قولهم ناقة مِشْياط
وهي التي يُسْرِع فيها السِّمَن. واسْتَشاطَ البعير أَي سَمِن. واستشاط
فلان أَي احْتَدَّ وخَفّ وتحرّقَ. ويقال: استشاط أَي احتدَّ وأَشرف على
الهَلاكِ من قولك شاطَ فلان أَي هلَك. وفي الحديث: إِذا اسْتَشاطَ
السُّلْطان تَسَلَّطَ الشيطان، يعني إِذا استشاط السلطان أَي تحرَّقَ من شدَّة
الغضَب وتلهَّب وصار كأَنه نار تسلَّط عليه الشيطانُ فأَغْراه بالإِيقاع
بمن غَضب عليه، وهو اسْتَفْعَلَ من شاطَ يَشِيط إِذا كاد يحترق. واستشاط
فلان إِذا اسْتَقْتَل؛ قال:
أَشاطَ دِماء المُسْتَشِيطِين كلِّهم،
وغُلَّ رُؤوسُ القومِ فيهم وسُلْسِلُوا
وروى ابن شميل بإِسناده إِلى النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم: ما رؤي
ضاحِكاً مُسْتَشِيطاً، قال: معناه ضاحكاً ضَحِكاً شديداً كالمُتَهالِكِ في
ضَحِكه. واسْتشاطَ الحَمامُ إِذا طارَ وهو نشِيطٌ.
والشيْطان، فَعْلان: من شاطَ يَشِيط. وفي الحديث: أَعُوذ بك من شرِّ
الشيطان وفُتونه وشِيطاه وشجونه، قيل: الصواب وأَشْطانِه أَي حِبالِه التي
يَصِيد بها. والشيطانُ إِذا سمّي به لم ينصرف؛ وعلى ذلك قول طُفيل
الغَنَوي:
وقد مَتَّتِ الخَدْواءُ مَتّاً عليهِمُ،
وشَيْطانُ إِذ يَدْعوهُمُ ويُثَوِّبُ
فلم يصرف شيطانَ وهو شَيْطانُ بن الحكَمِ بن جلهمة، والخَذْواء فرسه.
والشَّيِّطُ: فرس أُنَيْفِ بن جبَلةَ الضّبّي. والشَّيِّطانِ: قاعانِ
بالصَّمّانِ فيهما مساكاتٌ لماء السماء.
زيل: زِلْتُ الشيءَ من مكانه أَزِيلُه زَيْلاً: لغة في أَزَلْته؛ قاله
الجوهري، قال ابن بري: صوابه زِلْتُه زَيْلاً أَي أَزَلْته. وزِلْتُه
زَيْلاً أَي مِزْتُه. ابن سيده وغيره: زَالَ الشيءَ زَيْلاً وأَزَاله
إِزَالةً وإِزَالاً؛ الأَخيرة عن اللحياني، وزَيَّلَه فتَزَيَّل، كل ذلك:
فَرَّقَه فتفَرَّق. وفي التنزيل العزيز: فزَيَّلْنا بَيْنَهم؛ وهو فَعَّلْت
لأَنك تقول في مصدره تَزْيِيلاً، قال: ولو كان فَيْعَلْت لقلت زَيَّلَةً.
وقال مُرَّة: أَزَلْت الضأْنَ من المَعَز والبِيضَ من السُّود إِزَالاً
وإِزَالَةً، وكذلك زِلْتُها أَزِيلُها زَيْلاً أَي مَيَّزْت. قال الأَزهري:
أَمَّا زَالَ يَزِيلُ فإِن الفراء قال في قوله تعالى: فزَيَّلْنا بينهم،
قال: ليست من زُلْت وإِنما هي من زِلْتُ الشيءَ فأَنا أَزِيلُه إِذا
فَرَّقْتَ ذا من ذا وأَبَنْتَ ذا من ذا، وقال فزَيَّلْنا لكثرة الفعل، ولو
قَلَّ لقلت زِلْ ذا من ذا كقولك مِزْ ذا من ذا، قال: وقرأَ بعضهم
فزَايَلْنا بينهم، وهو مثل قولك لا تُصَعِّر ولا تُصَاعِرْ وعاقَدَ وعَقَّد. وقال
تعالى: لو تَزَيَّلوا لعَذَّبنا الذين كفروا؛ يقول لو تَمَيَّزوا؛ وأَنشد
أَبو الهيثم للكميت:
أَرادوا أَن تُزايِلَ خَالقاتٌ
أَدِيمَهُمُ، يَقِسْنَ ويَفْتَرِينا
والزِّيالُ: الفِراق. والتَّزَايُل: التباين. وقال القتيبي في تفسير
قوله: فَزَيَّلْنا أَي فَرّقنا وهو مِنْ زَالَ يَزُولُ وأَزَلْته أَنا؛ قال
أَبو منصور: وهذا غلط من القتيبي ولم يميز بين زال يَزُول وزَالَ يَزِيل
كما فَعَل الفراء، وكان القتيبي ذا بيان عَذْب وقد نَحِسَ حَظُّهُ من
النحو ومعرفة مقاييسه. الجوهري: يقال زِلْ ضَأْنَك من مِعْزاك، وزِلْتُه منه
فلم يَنْزَلْ، ومِزْتُه فلم يَنْمَزْ.
وَتَزَيَّل القومُ تَزَيُّلاً وتَزْييلاً: تَفَرَّقوا؛ الأَخيرة حجازية
رواها اللحياني، قال: وربيعة تقول تَزَايَل القومُ تَزَايُلاً؛ وأَنشد
للمتلمس:
أَحارِــثُ إِنَّا لو تُساطُ دماؤنا،
تَزَيَّلْن حتى ما يَمَسّ دَمٌ دَما
قال: وينشد تَزَيَلْنَ. والتَّزايُل: التَّبايُن؛ قال أَبو ذؤيب:
إِلى ظُعُنٍ كالدَّوْم فيها تَزايُلٌ،
وهِزَّة أَحمالٍ لَهُنَّ وَشِيجُ
وزايَلَهُ مُزَايَلَةً وزِيالاً: بارحه. والمُزايَلَة: المُفارَقة، ومنه
يقال: زايَلَه مُزَايَلَة وزِيالاً إِذا فارقه. والمُتَزايِلَةُ من
النساء: التي تُزايِلُك بوجهها تَسْتره عنك، وهو من ذلك. وانْزال عنه:
زايَلَه وفارَقه؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وانْزالَ عن ذائِدها ونَصْرِه
أَي زايَلَ الذائدَ وأَنصارَه.
والزَّيَل، بالتحريك: تَباعُدُ ما بين الفَخِذين كالفَحَج. ورَجُل
أَزْيَل الفَخِذين: مُنْفَرِجُهما مُتباعِدُهما، وهو من ذلك لأَن المُتباعِد
مُفارِق. وفي حديث علي، كَرَّم الله وجهه: أَنه ذكر المَهْدِيَّ وأَنه
يكون من ولد الحُسَين أَجْلى الجَبين أَقْنى الأَنف أَزْيَل الفخِذين
أَفْلَج الثَّنايا بفخذه الأَيمن شامةٌ؛ أَراد أَنه مُتَزايِل الفَخِذين وهو
الزَّيَل والتَّزَيُّل، والفعل منه زَيِلَ يَزْيَل. وأَزْيَلُ الفَخِذين
أَي مُنْفَرِجُهما.
التهذيب: يقال ما زالَ يفعل كذا وكذا ولا يَزال يفعل كذا وكذا كقولك ما
انْفَكَّ وما بَرِح وما زِلْت أَفعل ذاك، وفي المضارع لا يَزال، قال:
وقَلَّما يُتَكَلَّم به إِلا بحرف النفي، قال ابن كيسان: ليس يُراد بما زالَ
ولا يَزال الفعلُ من زال يَزُول إِذا انصرف من حال إِلى حال وزالَ من
مكانه، ولكنه يراد بهما مُلازَمةُ الشيء والحالُ الدائمة. وفي الحديث:
خالِطوا الناسَ وزايِلُوهم أَي فارِقوهم في الأَفعال التي لا تُرْضي اللهَ
ورَسُولَه. وما زِلْتُ أَفعله أَي ما بَرِحْت، وما زِلْت به، حتى فَعَل
ذلك، زِيالاً. وما زِلْت وزَيْداً حتى فَعَل أَي بزيد؛ حكاه سيبويه، وحكى
بعضهم زِلْت أَفْعَل بمعنى ما زِلْت. وقال اللحياني: زِلْت الشيءَ فلم
يَنْزَلْ، لا يُتَكَلَّمُ به إِلا على هاتين الصيغتين، يعني أَنهم لا يقولون
زَيَّلْته فلم يَتَزَيَّل، كما أَنهم لا يقولون أَيضاً مَيِّزْتُه فلم
يَتَمَيَّز، إِنما يقولون مِزْته فلم يَنْمَزْ. الجوهري: زِلْت الشيءَ
أَزِيلُه زَيْلاً أَي مِزْته وفَرَّقْتُه. ويقال: أَزالَ اللهُ زَوالَه إِذا
دُعي عليه بالهلاك، معناه أَي أَذهب اللهُ حركته وتَصَرُّفَه كما يقال
أَسْكَتَ الله نامَّتَه. وزال زَوالُه أَي ذَهَبَتْ حركته، ويقال: زِيلَ
زَوِيُله؛ قال ذو الرمة يصف بيضة النعامة:
وبَيْضاءَ لا تَنْحاشُ مِنَّا وأُمُّها،
إِذا ما رأَتنا زِيلَ مِنَّا زَوِيلُها
أَي زِيلَ قَلْبُها من الفَزَع. قال ابن بري: ويحتمل أَن يكون زِيلَ في
البيت مبنيّاً للمفعول من زالَه اللهُ. والزَّوِيلُ بمعنى الزَّوال، قال:
ويحتمل أَن يكون زِيل لغة في زالَ كما يقال في كادَ كِيدَ؛ قال الهذلي:
وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يأْكُلْنَ جُثَّتي،
وكِيدَ خِراشٌ، يَوْمَ ذلك، يَيْتَم
قال: ويدل على صحة ذلك أَنه يروى زِيلَ مِنَّا زَوالُها وزالَ مِنَّا
زَوِيلُها، قال: فهذا يدل على أَنَّ زِيلَ بمعنى زالَ المبني للفاعل دون
المبني للمفعول.
دمي: الدَّمُ من الأَخْلاطِ: معروف. قال أَبو الهيثم: الدَّمُ اسم على
حَرْفَين، قال الكسائي: لا أَعرف أَحداً يُثَقِّل الدمَ؛ فأَما قول
الهُذَلي:
وتَشْرَقُ من تَهْمالِها العَيْنُ بالدَّمِّ
مع قوله: فالعَينُ دائِمَةُ السَّجْمِ، فهو على أَنه ثَقَّل في الوَقْفِ
فقال الدمّ فشدَّد، ثم اضطر فأَجْرى الوَصْل مُجْرى الوَقْفِ؛ كما قال:
بِبازِلٍ وجْنَاءَ أَو عَيْهَلِّ
قال ابن سيده: ولا يجوز لأَحد أَن يقول إن الهذلي إنما قال بالدَّمِ،
بالتخفيف، لأَن القصيدة من الضرب الأَول من الطويل؛ وأَوّلها:
أَرِقْتُ لِهَمٍّ ضافَني بَعْدَ هَجْعَةٍ
على خالِدٍ، فالْعَيْنُ دائِمَةُ السَّجْمِ
فقوله: مَةُ السَّجْمِ مَفَاعِيلُنْ، وقوله: نُ بالدَّمِّ مفاعيلُنْ،
ولو قال: نُ بالدَّمِ لجاء مفاعِلُنْ وهو لا يجيء مع مفاعيلن، وتثنيته
دَمانِ ودَمَيانِ؛ قال الشاعر:
لعَمْرُك إنَّني وأَبا رَباحٍ،
على طولِ التَّجاوُرِ مُنذُ حِينِ
ليُبْغِضُني وأُبْغِضُه، وأَيْضاً
يَراني دُونَهُ، وأَراه دُوني
فلَوْ أَنَّا على حَجَرٍ ذُبِحْنا،
جَرى الدَّميانِ بالخَبَرِ اليَقِينِ
فثناه بالياء، وأَما الدَّمَوانِ فشاذ سماعاً. قال: وتزعم العرب أَن
الرجُلَين المتعاديين إذا ذُبِحا لم تختلط دِمَاؤُهُما. قال: وقد يقال
دَمَوانِ على المُعاقبة، وهي قليلة لأَن أَكثرَ حكمِ المُعاقَبة إنما هو قلب
الواو لأَنهم إنما يطلبون الأَخف، والجمع دِماءٌ
ودُمِيٌّ. والدَّمَة أَخَصُّ من الدَّمِ كما قالوا بيَاضٌ وبَياضَة؛ قال
ابن سيده: القطعة من الدَّمِ دَمَةٌ واحدة. قال: وحكى ابن جني دَمٌ
ودَمَةٌ
مع كَوْكَبٍ وكَوْكَبَةٍ فأَشعر أَنَّهما لغتان. وقال أَبو إسحق: أَصله
دَمَيٌ، قال: ودليل ذلك قوله دَمِيَتْ يَدُه؛ وقوله:
جَرَى الدَّمَيانِ بالخَبَرِ اليَقِين
ويقال في تصريفه: دَمِيَتْ يَدي تَدْمى دَمىً، فيُظْهِرون في دَمِيَتْ
وتَدْمى الياءَ والأَلفَ اللتين لم يَجِدُوهُما في دَمٍ، قال: ومثله
يَدٌأَصْلُها يَدَيٌ؛ قال ابن سيده: وقال قوم أَصله دَمْيٌ إلا أَنه لما
حُذِف وردّ إليه ما حذف منه حركت الميم لتدل الحركة على أَنه اسْتُعْمِلَ
محذوفاً. الجوهري: قال سيبويه: الدَّمُ أَصله دَمْيٌ
على فَعْلٍ، بالتسكين، لأَنه يُجْمع على دِماءٍ ودُمِيٍّ مثل ظَبْيٍ
وظِباء وظُبِيٍّ، ودَلْوٍ ودِلاءٍ ودُلِيٍّ، قال: ولو كان مثل قَفاً وعَصاً
لم يُجْمع على ذلك. قال ابن بري: قوله في فُعُول إنه مختص بجمع فَعْلٍ
نحو دَمٍ ودُمِيٍّ ودَلْوٍ ودُلِيٍّ ليس بصحيح، بل قد يكون جمعاً لفَعَلٍ
نحو عَصاً وعُصِيٍّ وقَفاً وقُفِيٍّ وصفَاً وصُفِيٍّ. قال الجوهري:
الدَّمُأَصله دَمَوٌ، بالتحريك، وإنما قالوا دَمِيَ يَدْمَى لِحالِ الكسرة التي
قبل الواو كما قالوا رَضِيَ يَرْضَى وهو من الرِّضوان. قال ابن بري:
الدَّمُ لامُه ياء بدليل قول الشاعر:
جَرَى الدَّمَيان بالخَبَرِ اليَقِينِ
قال الجوهري: وقال المبرد أَصله فَعَلٌ وإن جاء جمعه مخالفاً لنظائره،
والذاهب منه الياء، والدليل عليها قولهم في تثنيته دَمَيان، أَلا ترى أَن
الشاعر لما اضْطُرَّ أَخرجه على أَصله فقال:
فَلَسْنا عَلى الأَعْقابِ تَدْمَى كُلُومُنا،
ولَكِنْ على أَعْقابِنا يَقْطُرُ الدَّما
فأَخرجه على الأَصل. قال: ولا يلزم على هذا قولهم يَدْيانِ، وإن اتفقوا
على أَن تَقديرَ يَدٍ فَعْلٌ ساكنَة العين، لأَنه إنما ثُنِّيَ على لغة
من يقول لِلْيَد يَدَا، قال: وهذا القول أَصح. قال ابن بري: قائل فَلَسْنا
على الأَعقاب هو الحُصَين بنُ الحَمامِ المُرِّي؛ قال: ومثله قول جرير:
عَوى ما عَوى من غَيْرِ شيءٍ رَمَيْته
بقارِعَة أَنْفاذُها تَقْطُر الدَّما
قال: أَنْفاذُها جمع نَفَذٍ من قول قيس بن الخَطِيم:
لها نَفَذٌ لَوْلا الشُّعاعُ أَضاءَها
وقال اللَّعِينُ المِنْقَري:
وأُخْذَلُ خِذْلاناً بِتَقْطِيعِيَ الصُّوى
إليكَ، وخُفٍّ راعِفٍ يَقْطُرُ الدَّما
قال: ومثله قول علي، كرم الله وجهه:
لِمَنْ رايَةٌ سوداء يَخْفِقُ ظِلُّها،
إذا قِيلَ: قَدَّمْها حُضَيْنُ، تَقَدَّما
ويُورِدُها للطَّعْنِ، حتى يُعِلَّها
حِياضَ المَنايا تَقْطُر المَوْتَ والدِّما
وتصغير الدَّمِ دُمَيٌّ، والنسبة إليه دَمِيٌّ، وإن شئت دَمَويٌّ.
ويقال: دَمِيَ الشيءُ يَدْمى دَمىً
ودُمِيّاً فهو دَمٍ، مثل فَرِقَ يَفْرَقُ فَرَقاً فهو فَرِقٌ، والمصدر
متفق عليه أَنه بالتحريك وإنما اختلفوا في الاسم. وأَدْمَيْته ودَمَّيْته
تَدْمِيَةً إذا ضَرَبْتَه حتى خرج منه دَمٌ. قال ابن سيده: وقد دَمِيَ
دَمىً وأَدْمَيْته ودَمَّيْته؛ أَنشد ثعلب قول رؤبة:
فلا تَكُوني، يا ابْنَةَ الأَشَمِّ،
وَرْقاءَ دَمَّى ذِئْبُها المُدَمِّي
ثم فسره فقال: الذئب إذا رأَى لصاحبه دماً أَقبل عليه ليأْكله فيقول: لا
تكوني أَنتِ مثل ذلك الذئب؛ ومثله قول الآخر:
وكُنْت كذِئْبِ السُّوء لمَّا رأَى دَماً
بِصاحِبِه يوماً، أَحالَ على الدَّمِ
وفي المثل: ولدُكَ مَنْ دمَّى عَقِبَيْك. وفي حديث عمر، رضي الله عنه،
أَنه قال لأَبي مَريمَ الحَنَفِيِّ: لأَنا أَشدُّ بُغْضاً لكَ من
الأَرْضللدَّمِ؛ يعني أَنَّ الدم لا تشربه الأَرض ولا يَغُوص فِيها فجعَلَ
امْتِناعها منه بُغْضاً مجازاً. ويقال: إن أَبا مريم كان قَتَل أَخاه زيداً
يوم اليمامة. والدَّامِيَة من الشِّجاجِ: التي دَمِيَتْ ولم يَسِلْ بعدُ
منها دمٌ، والدامِعَة هي التي يَسِيلُ منها الدَّمُ. وفي حديث زيد بن
ثابت: في الدَّامِيَة بَعيرٌ؛ الدَّامِيةُ: شَجَّة تَشُقُّ الجِلْد حتى
يَظْهَر منها الدَّمُ، فإن قَطَر منها فهي دامِعةٌ. واسْتَدْمى الرَّجلُ:
طَأْطَأْ رأْسَه يقْطُر منه الدَّم. الأَصمعي: المُسْتَدْمي الذي يَقْطُر من
أَنْفِه الدَّمُ المُطَأْطِئُ رأسَه، والمُسْتَدْمي الذي يستخرج منْ
غَريمهِ دَيْنَه بالرِّفْق. وفي حديث العَقيقة: يُحْلَقُ من رأْسِه
ويُدَمَّى، وفي رواية: ويُسَمَّى. وكان قتادة إذا سئل عن الدَّمِ كيف يُصْنَعُ
به؟ قال: إذا ذُبِحَت العقيقة أُخِذَتْ منها صُوفة واسْتُقْبِلَتْ بها
أَوْداجُها، ثم تُوضَع على يافُوخِ الصَّبِيّ ليَسِيلَ على رأْسه مثلُ
الخَيْط، ثم يُغْسل رأْسُه بعدُ ويُحْلَقُ؛ قال ابن الأَثير: أَخرجه أَبو داود
في السنن وقال هذا وَهَمٌ
من هَمَّامٍ، وجاءَ بتفسيره عن قتادة وهو مَنسوخ، وكان من فِعْلِ
الجاهلية، وقال: ويُسَمَّى أَصَحُّ. قال الخطابي: إذا كان أَمَرهم بإماطَة
الأَذى اليابِس عن رأْس الصبي فكيف يأْمُرُهم بتَدْمِية رأْسِه والدم
نِجِسٌنجاسَة غليظة؟ وفي الحديث: أَن رجلاً جاءَ ومَعَه أَرْنَبٌ
فوَضعَها بينَ يَديِ النبيّ، صلى الله عليه وسلم، فقال إنِّي وجَدْتُها
تَدْمى أَي أَنَّها ترى الدَّمَ، وذلك لأَن الأَرْنَب تَحِيضُ كما تحيض
المرأَة.
والمُدَمَّى: الثوبُ الأَحْمَر. والمُدمَّى: الشديد الشُّقْرة. وفي
التهذيب: من الخَيْلِ الشديدُ الحُمْرَة شبه لَوْنِ الدَّمِ. وكلُّ شيءٍ في
لوْْنِهِ سَوادٌ وحُمْرة فهو مُدَمّىً. وكل أَحْمَرَ شديد الحمرة فهو
مُدَمّىً. ويقال: كُمَيْتٌ مُدَمّىً؛ قال طفيل:
وكُمْتاً مُدَمَّاةً كأَنَّ مُتُونَها
جَرى فَوْقَها، واسْتَشْعَرَتْ لون مُذْهَب
يقول: تضرب حُمْرَتُها إلى الكُلْفة ليست بشديدة الحمرة. قال أَبو
عُبيدَةَ: كُمَيْتٌ مُدَمّىً إذا كان سوادُه شديدَ الحُمرة إلى مَراقِّه.
والأَشْقَرُ المُدَمَّى: الذي لَوْنُ أَعلى شعْرَتِه يَعْلُوها صُفْرَةٌ
كَلوْنِ الكُمَيْت الأَصْفَرِ. والمُدَمَّى من الأَلْوانِ: ما كان فيه
سوادٌ. والمُدَمَّى من السِّهام: الذي تَرْمي به عَدُوَّك ثم يَرْمِيكَ
به؛ وكان الرجل إذا رمى العَدُوَّ بسَهْمٍ فأَصاب ثم رماه به العَدُوُّ
وعَلَيْه دَمٌ
جَعَله في كِنانَتِه تَبَرُّكاً به. ويقال: المُدَمَّى السهم الذي
يَتَعاوَرُه الرُّماة بينَهُم وهو راجِع إلى ما تَقدَّم. وفي حديث سعد قال:
رَمَيْتُ يوْمَ أُحْدٍ رَجلاً بِسهْمٍ فقَتَلْتُه ثم رُمِيت بذلك السَّهْم
أَعْرِفُه حتى فَعَلْتُ ذلك وفعلُوه ثلاث مرات، فقلت: هذا سَهْمٌ مبارك
مُدَمّىً فجعلته في كِنانَتي، فكان عنده حتى مات؛ المُدَمَّى من
السِّهامِ: الذي أَصابه الدَّمُ فحصَل في لوْنِه سَوادٌ وحمرة مما رُمِيَ به
العَدُوّ؛ قال: ويطلق على ما تَكَرّر به الرمي، والرماة يتَبرَّكون به؛ وقال
بعضهم: هو مأخُوذٌ
من الدَّامياء وهي البَرَكَة؛ قال شمر: المُدَمَّى الذي يرمي به الرجلُ
العدُوَّ ثم يرْميه العَدُوّ بذلك السهم بعينه: قال: كأَنه دُمِّيَ
بالدَّمِ حين وقَع بالمَرْمِيِّ. والمُدمَّى: السهم الذي عليه حُمْرة الدَّمِ
وقد جَسِدَ به حتى يضرِبَ إلى السَّواد. ويقال: سُمِّيَ مُدَمّىً لأَنه
احْمَرَّ من الدَّمِ. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، في بَيْعة
الأَنْصار، رضي الله عنهم: أَنَّ الأنْصار لمَّا أَرادُوا أَن يُبايعُوه
بَيْعَةَ العَقَبَة بمَكَّة قال أَبو الهَيْثَمِ بنُ التِّيَّهان إنَّ بينَنا
وبينَ القَوْم حِبالاً ونَحْنُ قاطِعُوها، ونَخْشى إنِ اللهُ أَعَزَّك
وأَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إلى قَوْمِكَ، فتَبَسَّمَ النبيُّ، صلى الله
عليه وسلم، وقال: بَلِ الدَّمُ الدَّمُ والهَدْمُ الهَدْمُ، أُحارِــبُ مَنْ
حارَبْتُمْ وأُسالِمُ منْ سالَمْتُمْ، ورواه بعضهم: بَل اللَّدَمُ
اللَّدَمُ والهَدَمُ الهَدَمُ، فمن رواه بل الدَّمُ فإن ابن الأَعرابي قال:
العرب تقول دَمي دَمُكَ وهَدْمي هَدْمُك في النُّصْرَة أَي إِن ظِلَمْت فقد
ظُلِمْت؛ وأَنشد للعُقَيْلي:
دَماً طَيِّباً يا حَبَّذا أَنتَ مِنْ دَمِ
قال أَبو منصور: وقال الفراء العرب تدخل الأَلف واللام اللتين للتعريف
على الإسم فتقومان مقام الإضافة كقول الله عز وجل: فأَمَّا مَنْ طَغى
وآثَرَ الحياة الدُّنْيا فإنَّ الجحيمَ هي المَأْوى؛ أَي أَنَّ الجحيم
مَأْواهُ؛ وكذلك قوله: فإنَّ الجنَّة هي المَأْوى؛ المعنى فإن الجنةَ مأْواه،
وقال الزجاج: معناه فإن الجنة هي المأْوى له، قال: وكذلك هذا في كل
اسْمَيْن يدلان على مثل هذا الإضمار، فعلى قول الفراء قوله الدَّمُ الدَّمُ أَي
دَمُكُمْ دمِي وهَدْمُكُم هَدْمي وأَنْتُمْ تُطْلَبُون بدَمي وأطْلَبُ
بدَمِكم ودَمِي ودمُكُمْ شيء واحد، وأَما من رواه بَل اللَّدَمُ اللَّدَمُ
والهَدَمُ الهَدَمُ فكل منهما مذكور في بابه. وفي حديث ثُمامة بنِ
أُثالٍ: إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذا دَمٍ أَي مَنْ هو مُطالَبٌ
بدمٍ أَو صاحب دمٍ مَطْلُوبٍ، ويروى: ذا ذِمٍّ، بالذال المعجمة، أَي
ذِمامٍ وحُرْمة في قومه، وإذا عَقَد ذِمَّة وُفِّي له. وفي حديث قتل كَعْب
بن الأَشْرفِ: إنِّي لأَسْمَع صوتاً كأَنه صَوْتُ دمٍ أَي صَوْتُ طالِبٍ
دَمٍ يَسْتَشْفي بقتله. وفي حديث الوليد بن المُغِيرَة: والدَّمِ ما هو
بشاعر، يعني النبي، صلى الله عليه وسلم؛ هذه يَمينٌ
كانوا يحلفون بها في الجاهلية يعني دَمَ ما يُذْبَح على النُّصُبِ. ومنه
الحديث: لا والدِّماءِ أَي دماءِ الذِّبائِحِ، ويُرْوى: لا والدُّمى،
جمع دُمْيَةٍ وهي الصورة ويريد بها الأَصْنام. والدَّمُ: السِّنَّوْرُ؛
حكاه النَّضْر في كتاب الوُحوش؛ وأَنشد كراع:
كَذاك الدَّمُّ يأْدُو للْعَكابِرْ
العَكابِرْ: ذكور اليرابيع. ورجلٌ دامي الشِّفَة: فقِيرٌ؛ عن أَبي
العَمَيْثل الأَعرابي.
ودَمُ الغِزْلان: بَقْلَةٌ
لها زهرة حَسَنة. وبناتُ دَم: نَبْتٌ. والدُّمْيَةُ: الصَّنَم، وقيل:
الصورة المُنَقَّشة العاجُ ونحوه، وقال كُراع: هي الصورة فعَمَّ بها. ويقال
للمرأََة: الدُّمْيَةُ، يكنى عن المرأة بها، عربية، وجمع الدُّمْيةِ
دُمىً؛ وقول الشاعر:
والبِيضَ يَرْفُلْنَ في الدُّمى
والرَّيْطِ والمُذْهَبِ المَصُونِ
يعني ثياباً فيها تصاوير؛ قال ابن بري: الذي في الشعر كالدُّمى، والبيضَ
منصوب على العطف على اسم إن في البيت قبله، وهو:
إنَّ شِوَاءً ونَشْوَةً
وخَبَبَ البازِلِ الأَمُونِ
ودَمَّى الراعي الماشِيَةَ: جعَلَها كالدُّمَى؛ وأَنشد أَبو العلاء:
صُلْبُ العَصا بِرَعْيِه دَمَّاها،
يَوَدُّ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْناها
أَي أَرعاها فسمنت حتى صارت كالدُّمى، وفي صفته، صلى الله عليه وسلم:
كأَن عُنُقَه عُنُقُ دُمْيةٍ؛ الدُّمْية: الصورة المصورة لأَنها
يُتَنَوَّقُ في صَنْعتِها ويُِبالَغُ في تَحْسِينِها. وخُذْ ما دَمَّى لك أَي
ظَهَرَ لك. ودَمَّى له في كذا وكذا إذا قَرَّب؛ كلاهما عن ثعلب.
الليث: وبَقْلَةٌ
لها زَهْرة يقال لها دُمْيةُ الغِزْلانِ. وساتي دَمَا: اسم جبل: يقال:
سُمِّي بذلك لأَنه ليس من يوم إلا ويُسْفَكُ عليه دَمٌ
كأَنهما إسمان جعلا إسماً واحداً؛ وأَنشد سيبويه لعمرو بن قميئة:
لمَّا رأَتْ ساتي دَمَا اسْتَعْبرَتْ،
للهِ دَرُّ، اليَوْمَ، مَنْ لامَها
وقال الأَعشى:
وهِرَقْلاً، يَوْمَ ذي ساتي دَمَا،
مِنْ بَني بُرْجانَ ذي البَأْسِ رُجُحْ
(* قوله «ذي البأس» هكذا في الأصل والصحاح، قال في التكملة: والرواية في
الناس بالنون، ويروى رجح بالتحريك أي رجح عليهم).
وقد حذف يزيدُ بن مفرّغ الحِمْيَري منه الميم بقوله:
فَدَيْرُ سُوىً فساتي دا فبُصْرَى
وهم الأَخَويْنِ: العَنْدَمُ.
كرا: الكِرْوَةُ والكِراء: أَجر المستأْجَر، كاراه مُكاراةً وكراء
واكْتراه وأَكْراني دابّته وداره، والاسمُ الكِرْوُ بغير هاء؛ عن اللحياني،
وكذلك الكِرْوَةُ والكُرْوةُ، والكِراء ممدود لأَنه مصدر كارَيْت، والدليل
على أَنك تقول رجل مُكارٍ، ومُفاعِلٌ إنما هو من فاعَلْت، وهو من ذوات
الواو لأَنك تقول أَعطيت الكَرِيَّ كِرْوتَه، بالكسر؛ وقول جرير:
لَحِقْتُ وأَصْحابي على كُلِّ حُرَّةٍ
مَرُوحٍ، تُبارِي الأَحْمَسِيَّ المُكارِيا
ويروى: الأَحمشي، أَراد ظل الناقة شبهه بالمكاري؛ قال ابن بري: كذا فسر
الأَحمشي في الشعر بأَنه ظل الناقة. والمُكاري: الذي يَكْرُو بيده في
مشيه، ويروى الأَحْمَسِي منسوب إِلى أَحْمَس رجل من بَجيلة. والمُكاري على
هذا الحادِي، قال: والمُكارِي مخفف، والجمع المُكارون، سقطت الياء لاجتماع
الساكنين، تقول هؤلاء المُكارُون وذهبت إِلى المُكارِينَ، ولا تقل
المُكارِيِّين بالتشديد، وإِذا أَضفت المُكارِيَ إِلى نفسك قلت هذا مُكارِيَّ،
بياء مفتوحة مشددة، وكذلك الجمع تقول هؤلاء مُكاريَّ، سقطت نون الجمع
للإِضافة وقلبت الواو ياء وفَتَحْت ياءك وأَدغمتَ لأَن قبلها ساكناً،
وهذانِ مُكارِيايَ تفتح ياءك، وكذلك القول في قاضِيَّ وراميَّ ونحوهما.
والمُكارِي والكَرِيُّ: الذي يُكْرِيك دابته، والجمع أَكْرِياء، لا يكسر على
غير ذلك. وأَكْرَيْت الدار فهي مُكْراة والبيت مُكْرًّى، واكْتَرَيت
واسْتَكْرَيْت وتَكارَيْت بمعنى.
والكَرِيُّ، على فَعِيل: المُكارِي؛ وقال عُذافِر الكِندي:
ولا أَعودُ بعدها كَرِيّا،
أُمارِسُ الكَهْلةَ والصَّبيَّا
ويقال: أَكْرَى الكرِيُّ ظهره. والكرِيُّ أَيضاً: المُكْترِي. وفي حديث
ابن عباس، رضي الله عنهما: أَن امرأَة مُحرمة سأَلته فقالت أَشَرْت إِلى
أَرْنَبٍ فرماها الكَرِيُّ؛ الكَريُّ، بوزن الصَّبيّ: الذي يُكري دابته،
فَعِيل بمعنى مُفْعِل. يقال: أَكْرَى دابته فهو مُكْرٍ وكريٌ، وقد يقع
على المُكْترِي فَعِيل بمعنى مُفْعَل، والمراد الأَول. وفي حديث أَبي
السَّليل: الناسُ يزعمون أَنَّ الكَرِيَّ لا حج له. والكَرِيُّ: الذي أَكريته
بعيرك، ويكون الكَرِيّ الذي يُكْريك بعيره فأَنا كَرِيُّك وأَنت
كَرِيِّي؛ قال الراجز:
كَرِيُّه ما يُطْعِم الكَرِيّا،
بالليل، إِلا جِرْجِراً مَقْلِيّا
ابن السكيت: أَكْرَى الكَرِيُّ ظهره يُكْريه إِكْراء. ويقال: أَعطِ
الكَرِيَّ كِرْوَتَه؛ حكاها أَبو زيد. ابن السكيت: هو الكِراء ممدود لأَنه
مصدر كارَيْت، والدليل على ذلك أَنك تقول رجل مُكارٍ مُفاعِل، وهو من ذوات
الواو. ويقال: اكْتَرَيْتُ منه دابّة واسْتَكْرَيتها فأَكْرانِيها
إكْراء، ويقال للأُجرة نفسها كِراء أَيضاً.
وكَرا الأَرضَ كَرْواً: حفَرها وهو من ذوات الواو والياء. وفي حديث
فاطمة، رضي الله عنها: أَنها خرجت تُعَزِّي قوماً، فلما انصرفت قال لها:
لَعَلكِ بَلغْتِ معهم الكُرَى؟ قالت: معاذَ اللهِ هكذا جاء في رواية بالراء،
وهي القُبور جمع كُرْيةٍ أَو كُرْوةٍ، من كَرَيْتُ الأَرض وكَرَوْتُها
إِذا حفرتها كالحُفرة؛ ومنه الحديث: أَن الأَنصار سأَلوا رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، في نهر يَكْرُونه لهم سَيْحاً أَي يَحْفِرُونه ويُخْرِجون
طينه. وكَرا البئر كَرْواً: طواها بالشجر. وكَرَوْتُ البئر كَرْواً:
طويتها. أَبو زيد: كَرَوْتُ الرَّكِيَّة كَرْواً إِذا طويتها بالشجر
وعَرَشْتها بالخشب وطويتها بالحجارة، وقيل: المََكْرُوَّة من الآبار المطوية
بالعَرْفَج والثُّمام والسِّبَط.،
وكَرا الغلامُ يَكْروا كَرْواً إِذا لعب بالكُرة. وكَرَوْتُ بالكُرة
أَكْرُو بها إِذا ضربت بها ولَعِبت بها. ابن سيده: والكُرةُ معروفة، وهي ما
أَدَرْت من شيء. وكَرا الكُرَة كَرْواً: لعب بها؛ قال المسيب بن عَلَس:
مَرِحَت يَداها للنَّجاء، كأَنما
تَكْرُو بِكَفَّي لاعِبٍ في صاعِ
والصاعُ: المطمئن من الأَرض كالحُفْرة. ابن الأَعرابي: كَرَى النهر
يَكْريه إِذا نقص تِقْنَه، وقيل: كَرَيْت النهر كَرْياً إِذا حفرته.
والكُرةُ: التي يُلعَبُ بها، أَصلها كُرْوةٌ فحذفت الواو، كما قالوا قُلةٌ للتي
يُلعب بها، والأَصل قُلْوةٌ، وجمع الكُرةِ كُراتٌ وكُرُون. الجوهري:
الكُرةُ التي تُضرب بالصَّوْلَجان وأَصلها كُرَوٌ، والهاء عِوض، وتجمع على
كُرين وكِرينَ أَيضاً، بالكسر، وكُراتٍ؛ وقالت ليلى الأَخيلية تصف قَطاة
تدلَّت على فِراخِها:
تَدَلَّت على حُصٍّ ظِماءٍ كأَنها
كُراتُ غُلامٍ في كِساءٍ مُؤَرْنَبِ
ويروى: حُصِّ الرؤوس كأَنها؛ قال: وشاهد كُرين قول الآخر
(* هو عمرو بن
كلثوم) :
يُدَهْدِين الرُّؤوسَ كما يُدَهْدي
حَزاوِرةٌ، بأَيديها، الكُرينا
ويجمع أَيضاً على أُكَرٍ، وأَصله وُكَرٌ مقلوب اللام إِلى موضع الفاء،
ثم أُبدلت الواو همزة لانضمامها. وكَرَوْتُ الأَمر وكَرَيْته: أَعَدْتُه
مرة بعد أُخرى. وكَرَتِ الدابة كَرْواً: أَسرعت. والكَرْوُ: أَن يَخْبِط
بيده في استقامة لا يَفْتِلُها نحو بطنه، وهو من عيوب الخيل يكون خِلْقة،
وقد كَرَى الفرسُ كَرْواً وكَرَتِ المرأَةُ في مِشْيَتها تَكْرُو
كَرْواً. والكَرا: الفَحَجُ في الساقين والفخذين، وقيل: هو دِقَّة الساقين
والذِّراعين، امرأَة كَرْواءُ وقد كَرِيَت كَراً، وقيل: الكَرْواء المرأَة
الدقيقة الساقين. أَبو بكر: الكَرا دِقَّةُ الساقين، مقصور يكتب بالأَلف،
يقال: رجل أَكْرَى وامرأَة كَرْواءُ؛ وقال:
ليْسَتْ بكَرْواءَ، ولكِنْ خِدْلِمِ،
ولا بِزَلاءَ، ولكِنْ سُتْهُمِ
قال ابن بري: صوابه أَن ترفع قافيته؛ وبعدهما:
ولا بِكَحْلاء، ولكِن زُرْقُم
والكَرَوانُ، بالتحريك: طائر ويدعى الحجلَ والقَبْجَ، وجمعه كِرْوانٌ،
صحت الواو فيه لئلا يصير من مثال فَعَلان في حال اعتلال اللام إِلى مثال
فَعالٍ، والجمع كَراوينُ، كما قالوا وراشِينُ؛ وأَنشد بعض البغداديين في
صفة صقر لدلم العَبْشَمي وكنيته أَبو زغب:
عَنَّ له أَعْرَفُ ضافي العُثْنُونْ،
داهِيةً صِلَّ صَفاً دُرَخْمِينْ،
حَتْفَ الحُبارَياتِ والكَراوِينْ
والأُنثى كَرَوانةٌ،والذكر منها الكَرا، بالأَلف؛ قال مُدرك بن حِصْن
الأَسدي:
يا كَرَواناً صُكَّ فاكْبَأَنَّا،
فَشَنَّ بالسَّلْحِ، فلما شَنَّا،
بَلَّ الذُّنابى عَبَساً مُبِنَّا
قالوا: أَراد به الحُبارى يَصُكُّه البازي فيتَّقِيه بسَلْحِه، ويقال له
الكُرْ كِيُّ، ويقال له إِذا صيدَ: أَطْرِقْ كَرا أَطْرِقْ كَرا إِن
النَّعامَ في القُرى، والجمع كِرْوانٌ، بكسر الكاف، على غير قياس، كما إِذا
جمعت الوَرشانَ قلت وِرْشانٌ، وهو جمع بحذف الزوائد، كأَنهم جمعوا كَراً
مثل أَخٍ وإَخْوان. والكَرا: لغة في الكَرَوانِ؛ أَنشد الأَصمعي
للفرزدق:على حِينَ أَن رَكَّيْتُ وابْيَضَّ مِسْحَلي،
وأَطْرَقَ إِطْراقَ الكَرا مَن أُحارِــبُه
(* قوله« على حين أن ركيت» كذا بالأصل، والذي في الديوان:
أحين التقى ناباي وابيض مسحلي)
ابن سيده: وفي المثل أَطْرِقْ كَرا إِنَّ النَّعامَ في القُرى؛ غيره:
يضرب مثلاً للرجل يُخْدَعُ بكلام يُلَطَّف له ويُراد به الغائلة، وقيل:
يضرب مثلاً للرجل يُتَكَلَّم عنده بكلام فَيَظن أَنه هو المراد بالكلام، أَي
اسكت فإِني أُريد من هو أَنْبَلُ منك وأَرفع منزلة؛ وقال أَحمد بن عبيد:
يضرب للرجل الحقير إِذا تكلم في الموضع الذي لا يُشبهه وأَمثالَه
الكلامُ فيه، فيقال له اسكت يا حقير فإِنَّ الأَجِلاَّءِ أَولى بهذا الكلام
منك. والكَرا: هو الكَرَوانُ طائر صغير، فخُوطب الكَروانُ والمعنى لغيره،
ويُشبَّه الكَروانُ بالذَّلِيل، والنعامُ بالأَعزة، ومعنى أَطْرِقْ أَي
غُضَّ ما دام عزيز فإياك أَن تَنطِق أَيها الذليل، وقيل: معنى أَطرق كرا أَن
الكروان ذليل في الطير والنعام عزيز، يقال: اسكن عندَ الأَعزة ولا
تستشرف للذي لست له بند، وقد جعله محمد بن يزيد ترخيم كروان فغلط، قال ابن
سيده: ولم يعرف سيبويه في جمع الكَروانِ إِلا كِرْواناً فوجهه على أَنهم
جمعوا كراً، قال: وقالوا كَرَوانٌ وللجمع كِرْوانٌ، بكسر الكاف، فإِنما
يُكسَّر على كَراً كما قالوا إَخْوان. قال ابن جني: قولهم كَرَوانٌ
وكِرْوانٌ لما كان الجمع مضارعاً للفعل بالفرعية فيهما جاءت فيه أَيضاً أَلفاظ
على حذف الزيادة التي كانت في الواحد، فقالوا كَرَوانٌ وكِرْوان، فجاءَ هذا
على حذف زائدتيه حتى صار إِلى فَعَل، فجَرى مجرى خَرَب وخِرْبان وبَرَقٍ
وبِرْقانٍ، فجاء هذا على حذف الزيادة كما قالوا عَمْرَك اللهَ. قال أَبو
الهيثم: سمي الكَروانُ كَرواناً بضدّه لأَنه لا يَنام بالليل، وقيل:
الكَرَوان طائر يشبه البط. وقال ابن هانئ في قولهم أَطْرِق كرا، قال:
رُخِّم الكروان، وهو نكرة، كما قال بعضهم يا قُنْفُ، يريد يا قُنْفُذ، قال:
وإِنما يرخم في الدعاء المَعارف نحو ما لك وعامر ولا ترخم النكرة نحو غلام،
فرُخم كَرَوانٌ وهو نكرة، وجعل الواو أَلفاً فجاء نادراً. وقال الرسمي:
الكَرا هو الكَرَوان، حرف مقصور، وقال غيره: الكَرَا ترخيم الكَرَوان،
قال: والصواب الأَوّل لأَن الترخيم لا يستعمل إِلا في النداء، والأَلف التي
في الكَرا هي الواو التي في الكَروان، جعلت أَلفاً عند سقوط الأَلف
والنون، ويكتب الكرا بالأَلف بهذا المعنى، وقيل: الكروان طائر طويل الرجلين
أَغبر دون الدجاجة في الخَلق، وله صوت حسن يكون بمصر مع الطيور الداجنة في
البيوت، وهي من طيور الرِّيف والقُرَى، لا يكون في البادية.
والكَرَى: النوم. والكَرَى: النعاس، يكتب بالياء، والجمع أَكْراء؛ قال:
هاتَكْتُه حتى انْجَلَتْ أَكْراؤُه
كَرِيَ الرجل، بالكسر، يَكْرَى كَرًى إِذا نام، فهو كَرٍ وكَرِيٌّ
وكَرْيان. وفي الحديث: أَنه أَدْرَكه الكَرَى أَي النوم، ورجل كَرٍ وكَرِيٌّ؛
وقال:
مَتى تَبِتْ بِبَطْنِ وادٍ أَو تَقِلْ،
تَتْرُكْ به مِثْلَ الكَرِيّ المُنْجَدِلْ
أَي متَى تَبِت هذه الإِبل في مكان أَو تَقِل به نهاراً تَتْركْ به
زِقّاً مملوءاً لبناً، يصف إِبلاً بكثرة الحلب أَي تَحْلُب وَطْباً من لبن
كأَن ذلك الوطب رجل نائم. وامرأَة كَرِيَةٌ على فَعِلة؛ وقال:
لا تُسْتَمَلُّ ولا يَكْرَى مُجالِسُها،
ولا يَمَلُّ من النَّجْوى مُناجِيها
وأَصبح فلان كَرْيانَ الغداةِ أَي ناعِساً. ابن الأَعرابي: أَكْرَى
الرجُل سَهِر في طاعةِ الله عز وجل. وكَرَى النهرَ كَرْياً: استحدث حَفْرة.
وكَرَى الرجلُ كَرْياً: عَدا عدواً شديداً، قال ابن دريد: وليس باللغة
العالية. وقد أَكْرَيْت أَي أَخَّرت. وأَكْرَى الشيءَ والرحْلَ والعَشاء:
أَخَّره، والاسم الكَراء؛ قال الحطيئة:
وأَكْرَيْت العَشاء إِلى سُهَيْلٍ
أَو الشِّعْرَى، فطالَ بي الأَناءُ
قيل: هو يَطْلُع سَحَراً وما أُكل بعده فليس بعَشاء، يقول: انتظرت
معروفك حتى أَيِسْت. وقال فقيه العرب: من سَرَّه النِّساء ولا نَساء،
فَلْيُبَكِّر العَشاء، وليُباكِر الغَداء، وليُخَفِّف الرِّداء، وليُقِلَّ
غِشْيانَ النساء. وأَكْرَيْنا الحديث الليلة أَي أَطَلْناه. وفي حديث ابن
مسعود: كنا عند النبي، صلى الله عليه وسلم، ذات ليلة فأَكْرَيْنا في الحديث
أَي أَطَلْناه وأَخَّرناه. وأَكْرَى من الأَضداد، يقال: أَكْرَى الشيءُ
يُكْرِي إِذا طالَ وقَصُرَ وزادَ ونَقَص؛ قال ابن أَحمر:
وتَواهَقَتْ أَخْفافُها طَبَقاً،
والظِّلُّ لم يَفْضُلْ ولم يُكْرِي
أَي ولم ينقص، وذلك عند انتصاف النهار. وأَكْرى الرجل: قلَّ ماله أَو
نَفِد زادُه. وقد أَكرى زادُه أَي نقص؛ وأَنشد ابن الأَعرابي للبيد:
كذِي زادٍ مَتى ما يُكْرِ مِنْه،
فليس وراءه ثِقَةٌ بزادِ
وقال آخر يصف قِدْراً:
يُقَسِّمُ ما فيها، فإَنْ هِيَ قَسَّمَتْ
فَذاكَ، وإِنْ أَكْرَتْ فعن أَهلها تُكْرِي
قَسَّمَتْ: عَمَّت في القَسْم، أَراد وإِن نقَصت فعن أَهلها تَنْقُص،
يعني القِدْر. أَبو عبيد: المُكَرِّي السَّيرُ
(* قوله« المكرّي السير إلخ»
هذه عبارة التهذيب، وعبارة الجوهري: والمكرّي من الابل اللين السير
والبطيء.)
اللَّيِّن البَطِيء ، والمُكَرِّي من الإِبل التي تَعْدُو، وقيل: هو
السير البطيء؛ قال القطامي:
وكلُّ ذلك منها كُلَّما رَفَعَتْ،
مِنْها المُكَرِّي، ومِنها اللَّيِّن السَّادِي أَي رفَعَتْ في سيرها؛
قال ابن بري وقال الراجز:
لمَّا رأَتْ شَيْخاً له دَوْدَرَّى،
ظَلَّتْ على فِراشِها تَكَرَّى
(* قوله« لما رأت إلخ» لم يقدّم المؤلف المستشهد عليه، وفي القاموس:
تكرّى نام، فتكرّى في البيت تتكرّى.)
دَوْدَرَّى: طَويل الخُصيتين. وقال الأَصمعي: هذه دابة تُكَرِّي
تَكْرِيةً إِذا كان كأَنه يتلقف بيده إِذا مشى. وكَرَت الناقةُ برجليها:
قلَبتهما في العَدْوِ، وكذلك كَرَى الرجلُ بقدميه، وهذه الكلمات يائية لأَن
ياءها لام وانقلاب الأَلف ياء عن اللام أَكثر من انقلابها عن الواو.
والكَرِيُّ: نبت. والكَرِيّةُ، على فعِيلة: شجرة تنبت في الرمل في
الخَصب بنجد ظاهرة، تنبت على نِبْتة الجَعْدة. وقال أَبو حنيفة: الكَرِيُّ،
بغير هاء، عُشبة من المَرْعى، قال: لم أَجد من يصفها، قال: وقد ذكرها
العجاج في وصف ثور وحش فقال:
حتى عَدا، واقْتادَه الكَرِيُّ
وشَرْشَرٌ وقَسْوَرٌ نَضْرِيُّ
(* قوله« نضري» هو الصواب وتصحف في شرشر بنصري.)
وهذه نُبوت غَضَّة، وقوله: اقتادَه أَي دَعاه، كما قال ذو الرمة:
يَدْعُو أَنْفَه الرِّبَبُ
(* قوله« يدعو» أَوّله كما في شرح القاموس في مادة ربب:
أمسى بوهبين مجتازاً لمرتعه بذي الفوارس يدعو أنفه الربب)
والكَرَوْيا: من البرز، وزنها فَعَوْلَلٌ، أَلفها منقلبة عن ياء ولا
تكون فَعَولَى ولا فَعَلْيا لأَنهما بِناءَان لم يثبُتا في الكلام، إِلا
أَنه قد يجوز أَن تكون فَعَوْلٌ في قول من ثبت عنده قَهَوْباة. وحكى أَبو
حنيفة: كَرَوْياء، بالمد، وقال مرة: لا أَدر أَيمد الكَرَوْيا أَم لا، فإَن
مدّ فهي أُنثى، قال: وليست الكَرَوْياء بعربية، قال ابن بري: الكرَوْيا
من هذا الفصل، قال: وذكره الجوهري في فصل قردم مقصوراً على وزن زكريا،
قال: ورأَيتها أَيضاً الكَرْوِياء، بسكون الراء وتخفيف الياء ممدودة، قال:
ورأَيتها في النسخة المقروءة على ابن الجواليقي الكَرَوْياء، بسكون الواو
وتخفيف الياء ممدودة، قال: وكذا رأَيتها، في كتاب ليس لابن خالويه،
كَرَوْيا، كما رأَيتها في التكملة لابن الجواليقي، وكان يجب على هذا أَن
تنقلب الواو ياء لاجتماع الواو والياء وكون الأَول منهما ساكناً إِلا أَن
يكون مما شذ نحو ضَيْوَن وحَيْوةٍ وحَيْوان وعَوْية فتكون هذه لفظة خامسة.
وكَراء: ثنية بالطائف ممدودة. قال الجوهري: وكَراء موضع؛ وقال:
مَنَعْناكمْ كَراء وجانِبَيْهِ،
كما مَنَعَ العَرينُ وَحَى اللُّهامِ
وأَنشد ابن بري:
كأَغْلَبَ، من أُسُود كَراءَ، ورْدٍ
يَرُدُّ خَشَايَةَ الرجلِ الظَّلُومِ
قال ابن بري: والكَرا ثنية بالطائف مقصورة.
خرق: الخَرْق: الفُرجة، وجمعه خُروق؛ خَرَقه يَخْرِقُه خَرْقاً وخرَّقه
واخْتَرَقه فتخَرَّق وانخرَق واخْرَوْرَق، يكون ذلك في الثوب وغيره.
التهذيب: الخرق الشَّقُّ في الحائط والثوب ونحوه. يقال: في ثوبه خَرق وهو في
الأَصل مصدر.
والخِرْقة: القِطعة من خِرَقِ الثوب، والخِرْقة المِزْقةُ منه. وخَرَقْت
الثوب إذا شَقَقْتَه. ويقال للرجل المُتمزِّق الثياب: مُنْخَرِق
السِّرْبال. وفي الحديث في صفة البقرة وآل عمران: كأَنهما خرْفان من طير
صَوافَّ؛ هكذا جاءَ في حديث النَّوّاسِ، فإن كان محفوظاً بالفتح فهو من الخَرْق
أَي ما انْخرقَ من الشيء وبانَ منه، وإن كان بالكسر فهو من الخِرْقة
القِطعة من الجَراد، وقيل: الصواب حِزْقانِ، بالحاء المهملة والزاي، من
الحِزْقةِ وهي الجماعة من الناس والطير وغيرهما؛ ومنه حديث مريم، عليها
السلام: فجاءت خِرْقةٌ من جَراد فاصْطادَتْ وشَوَتْ؛ وأَمّا قوله:
إنَّ بَني سَلْمى شُيوخٌ جِلَّهْ،
بِيضُ الوُجوهِ خُرُقُ الأَخِلَّهْ
فزعم ابن الأَعرابي أَنه عنى أن سيوفهم تأكل أَغمادَها من حِدّتها،
فخُرُق على هذا جمع خارِق أَوخَرُوق أَي خُرُقُ السُّيوف للأَخِلَّة.
وانْخرَقت الريح: هبَّت على غير استقامة. وريحٌ خَرِيقٌ: شديدة، وقيل:
ليّنة سهلة، فهو ضدّ، وقيل: راجعة غير مستمرّة السير، وقيل: طويلةُ
الهُبوب. التهذيب: والخَرِيقُ من أَسماء الريح الباردةِ الشديدة الهُبوبِ كأنها
خُرِقَت، أَماتوا الفاعل بها؛ قال الأَعلم الهذلي:
كأَنَّ مُلاءَتَيَّ على هِجَفٍّ،
يَعِنُّ مع العَشِيَّةِ للرِّئالِ
كأنَّ هُوِيَّها خَفَقانُ ريحٍ
خَرِيقٍ، بين أَعْلامٍ طِوالِ
قال الجوهري: وهو شاذٌّ وقياسه خَرِيقةٌ، وهكذا أَنشد الجوهري؛ قال ابن
بري: والذي في شعره:
كأَنَّ جناحَه خَفقانُ ريح
يصف ظليماً؛ وأَنشد لحميد بن ثور:
بمَثْوى حَرامٍ والمَطِيّ كأَنَّه
قَنا مَسَدٍ، هَبَّت لَهُنّ خَرِيقُ
وأَنشد أَيضاً لزهير:
مُكَلَّل بأُصُولِ النَّبْتِ تَنْسِجُه
رِيحٌ خَريقٌ، لضاحي مائه حُبُكُ
ويقال: انْخَرَقتِ الريحُ؛ الخَرِيقُ إذا اشتدّ هُبوبُها وتخلُّلها
المواضعَ.
والخَرْقُ: الأَرض البعيدة، مُستوية كانت أَو غير مستوية. يقال: قطعنا
إليكم أَرضاً خَرْقاً وخَروقاً. والخَرْقُ: الفلاة الواسعة، سميت بذلك
لانْخِراق الريح فيها، والجمع خُرُوقٌ؛ قال مَعْقِلُ بن خُوَيْلِد
الهُذلي:وإِنَّهما لَجَوَّابا خُرُوقٍ،
وشَرَّابانِ بالنُّطَفِ الطَّوامي
والنُّطف: جمع نُطْفة وهو الماء الصافي، والطوامي: المرتفعة. والخَرْقُ:
البُعْد، كان فيها ماء أَو شجر أَو أَنِيس أَو لم يكن، قال: وبُعدُ ما
بين البصرة وحَفَرِ أَبي موسى خَرْقٌ، وما بين النِّباجِ وضَرِيَّة خرقٌ.
وقال المؤرّج: كل بلد واسع تَتخرََّق به الرياح، فهو خَرْق.
والخِرْقُ من الفِتْيان: الظريف في سَماحة ونَجْدة. تخرَّق في الكَرَم:
اتَّسع. والخِرْقُ، بالكسر: الكريم المُتَخرِّقُ في الكرَم، وقيل: هو
الفَتى الكريم الخَليقةِ، والجمع أَخراقٌ. ويقال: هو يَتخرَّقُ في السخاء
إذا توسَّع فيه؛ وأنشد ابن بري للأُبَيْرِد اليَرْبُوعي:
فَتىً، إنْ هو اسْتَغْنى تخَرَّقَ في الغِنى،
وإنْ عَضَّ دَهْرٌ لم يَضَعْ مَتْنَه الفَقْرُ
وقول ساعِدةَ بن جُؤيَّةَ:
خِرْق من الخَطِّيِّ أُغُمِضَ حَدُّه،
مِثْل الشِّهابِ رَفَعْتَه يَتلهَّبُ
جعل الخِرْقَ من الرِّماحِ كالخِرْق من الرجال.
والخِرِّيقُ من الرجال. كالخِرْق على مثال الفِسِّيق؛ قال أَبو ذؤيب يصف
رجلاً صَحِبَه رجل كريم:
أُتِيحَ له من الفِتْيان خِرْقٌ
أَخو ثِقةٍ، وخِرِّيقٌ خَشوُفُ
وجمعه خِرِّيقُون؛ قال: ولم نسمعهم كسَّروه لأَنَّ مثل هذا لا يكاد يكسر
عند سيبويه.
والمِخْراقُ: الكريم كالخِرْق؛ حكاه ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
وطِيرِي لمِخْراقٍ أَشمَّ، كأَنه
سَلِيمُ رِماحٍ لم تَنَلْه الزَّعانِفُ
ابن الأعرابي: رجل مِخْراق وخِرْق ومُتخرِّقٌ
أَي سَخِيّ، قال: ولا جمع للخِرْق.
وأُذُن خَرْقاء: فيها خَرْق نافذ. وشاة خَرْقاء: مثقوبة الأُذن ثَقْباً
مستديراً، وقيل: الخرْقاء الشاة يُشَقُّ في وسط أُذنها شَقٌّ
واحد إلى طرف أُذنها ولا تُبان. وفي الحديث: أَنه، صلى الله عليه وسلم،
نَهى أَن يُضَحَّى بشَرْقاء أَو خَرْقاء؛ الخَرْقُ: الشقُّ؛ قال
الأَصمعي: الشرْقاءُ في الغنم المَشقُوقة الأُذن بإثنين، والخرقاءُ من الغنم التي
يكون في أُذنها خَرق، وقيل: الخرقاء أَن يكون في الأُذن ثَقْب مستدير.
والمُخْتَرَقُ: المَمَرُّ. ابن سيده: والاخْتِراقُ المَمَرُّ في الأَرض
عَرْضاً على غير طريق. واختِراقُ الرِّياح: مُرورها. ومنْخَرَقُ الرياح:
مَهَبُّها، والريحُ تخْتَرِقُ في الأرض. وريح خَرقاء: شديدة. واخترَقَ
الدَّار أؤ دار فلانٍ: جعلها طريقاً لحاجته. واخْترقَتِ الخيلُ ما بين القُرى
والشجر: تَخَلَّلَتْها؛ قال رؤبة:
يُكِلُّ وفدَ الرِّيحِ من حيث انْخَرَقْ
وخَرَقْتُ الأَرضَ خَرْقاً أَي جُبْتها. وخرقَ الأَرض يخرُقها: قطعها
حتى بلغ أَقْصاها، ولذلك سمي الثور مِخْراقاً. وفي التنزيل إنك لن تَخرِق
الأَرض. والمِخراقُ: الثَّوْر الوحْشِيّ لأَنه يَخرِق الأَرض، وهذا كما
قيل له ناشِطٌ، وقيل: إنما سمي الثور الوحشي مِخراقاً لقطْعِه البلادَ
البعيدة؛ ومنه قول عديّ:
كالنَّابِئِ المِخْراقِ
والتخَرُّق: لغة في التخلُّق من الكذب. وخَرَق الكذبَ وتَخَرَّقه،
وخَرَّقَه، كلُّه: اخْتلَقه؛ قال الله عز وجل: وخَرَقُوا له بنين وبَناتٍ بغير
علم سبحانه؛ قرأَنافع وحده: وخرَّقوا له، بتشديد الراء، وسائر القرّاء
قرؤوا: وخَرَقوا، بالتخفيف؛ قال الفراء: معنى خَرقُوا افْتَعلوا ذلك كذباً
وكُفراً، وقال: وخرَقوا واخْترقُوا وخلَقوا واخْتَلَقُوا واحد. قال أَبو
الهيثم: الإخْتِراقُ والاخْتِلاقُ والاخْتِراصُ والافْتِراءُ واحد.
ويقال: خَلق الكلمة واخْتَلَقها وخَرَقها واخترقها إذا ابْتدَعها كذباً،
وتَخَرَّق الكذب وتَخَلَّقه.
والخُرْقُ والخُرُقُ: نَقِيض الرِّفْق، والخَرَقُ مصدره، وصاحبه
أَخْرَقُ. وخَرِقَ بالشيء يَخْرَقُ: جهله ولم يُحسن عمله. وبعير أَخْرَقُ: يقع
مَنْسِمه بالأرض قبل خُفِّه يَعْتَري للنَّجابة. وناقة خَرْقاء: لا
تَتَعَهَّد مواضع قوائمها. وريح خَرْقاء: لا تَدُوم على جِهتها في هُبُوبها؛
وقال ذو الرمة:
بَيْت أَطافَتْ به خَرْقاء مَهْجُوم
وقال المازني في قوله أَطافت به خرقاء: امرأَة غير صَناع ولا لها رِفق،
فإذا بَنت بيتاً انْهدم سريعاً. وفي الحديث: الرِّفق يُمْن والخُرْقُ
شُؤم؛ الخُرق، بالضم: الجهل والحمق. وفي الحديث: تُعِينُ صانِعاً أَو
تَصْنَع لأَخْرَقَ أَي لجاهل بما يَجِب أَن يَعْمَله ولم يكن في يديه صَنْعة
يكتسِب بها. وفي حديث جابر: فكرهت أَن أَجيئَهن بخَرْقاء مثلهن أَي حَمْقاء
جاهلة، وهي تأنيث الأَخْرِق. ومَفازةٌ خرْقاء خَوْقاء: بعيدة.
والخَرْقُ: المَفازةُ البعيدة، اخترقته الريح، فهو خَرْق أَملس. والخُرْق: الحُمق؛
خَرُق خُرْقاً، فهو أَخرق، والأُنثى خرقاء. وفي المثل: لا تَعْدَمُ
الخَرْقاء عِلَّة، ومعناه أَنَّ العِلَل كثيرة موجودة تُحسِنها الخَرقاء
فَضلاً عن الكَيِّس. الكسائي: كل شيء من باب أَفْعلَ وفعْلاء، سوى الألوان،
فإنه يقال فيه فَعِلَ يَفْعَل مثل عَرِج يَعْرَج وما أَشبهه إلاّ ستة
أَحرف
(* قوله «ستة أحرف» بيض المؤلف للسادس ولعله عجم ففي المصباح وعجم
بالضم فهو أعجم والمرأة عجماء. وقوله «والاسمن» كذا بالأصل ولعله محرف عن
أيمن، ففي القاموس يمن ككرم فهو ميمون وأيمن.) فإنها جاءَت على فَعُلَ:
الأَخْرَقُ والأَحْمَقُ والأَرْعَنُ والأَعْجَفُ والأَسْمَنُ . . . . يقال:
خَرُق الرجل يَخْرُق، فهو أَخرق، يقال: خَرُق الرجل يَخْرُق، فهو أَخرق،
وكذلك أَخواته.
والخَرَق، بالتحريك: الدَّهَشُ من الفَزَع أَو الحَياء. وقد أَخْرَقْتُه
أَي أَدْهَشْته. وقد خَرِق، بالكسر، خرَقاً، فهو خَرِق: دَهِش. وخَرِق
الظّبْيُ: دَهِش فلَصِقَ بالأَرض ولم يقدر على النُّهوض، وكذلك الطائر،
إذا لم يقدر على الطيران جَزعاً، وقد أَخْرَقه الفزَع فخَرِق؛ قال شمر:
وأَقرأني ابن الأَعرابي لبعض الهُذليين يصف طريقاً:
وأَبْيَض يَهْدِيني، وإن لم أُنادِه،
كفَرْقِ العَرُوسِ طُوله غيرُ مُخْرِقِ
توائمُه في جانِبَيه كأنها
شُؤونٌ برأسٍ، عَظْمُها لم يُفَلَّقِ
فقال: غير مُخرِق أَي لا أَخرَقُ فيه ولا أَحارُ وإن طال عليَّ وبعُد،
وتوائمه: أَراد بُنَيَّاتِ الطريق. وفي حديث تزويج فاطمةَ، رضوانُ الله
عليها: فلما أَصبح دعاها فجاءَت خَرِقةً من الحَياء أَي خَجِلة مَدْهُوشة،
من الخَرَقِ التحيُّر؛ وروي أَنها أَتته تَعثُر في مِرْطِها من الخَجَل.
وفي حديث مكحول: فوَقع فَخَرِق؛ أَراد أَنه وقع ميتاً. ابن الأَعرابي:
الغزالُ إذا أَدركه الكلب خَرِقَ فلَزِق بالأَرض. وقال الليث: الخرَقُ
شِبْه البَطر من الفزع كما يُخْرَقُ الخِشْفُ إذا صِيدَ. قال: وخَرِق الرجل
إذا بقي متحِّيراً من هَمٍّ أَو شدّة؛ قال: وخَرِق الرجل في البيْت فلم
يبرح فهو يَخْرَقُ خرَقاً وأَخْرَقَه الخَوفُ. والخَرَقِ مصدر الأَخْدق،
وهو الرفيق. وخَدِقَ يَخْدَقُ إذا حَمُق: والاسم الخُرْق، بالضم، ورماد
خَرِق: لازِقٌ بالأرض. ورَحِم خَريق إذا خَرَقها الولد فلا تَلْقَح بعد
ذلك.والمَخارِيقُ، واحدها مِخْراق: ما تلعب به الصبيان من الخِرَقِ
المَفْتُولة؛ قال عمرو بن كُلثوم:
كأَنَّ سُيوفَنا مِنّا ومنهم
مَخاريقٌ بأَيدي لاعبينا
ابن سيده: والمِخْراقُ مِنديل أَو نحوه يُلوى فيُضرب به أَو يُلَفُّ
فيُفَزَّعُ به، وهو لُعْبة يَلْعب بها الصبيان؛ قال:
أُجالِدُهمْ يومَ الحَديثة حاسِراً،
كأَن يَدي بالسيْف مِخْراقُ لاعِب
وهو عربي صحيح. وفي حديث علي، عليه السلام، قال: البَرْقُ مخارِيقُ
الملائكة، وأَنشد بيت عمرو بن كلثوم، وقال: هو جمع مِخْراق، وهو في الأَصل
عند العرب ثوب يُلَفّ ويضرب به الصبيانُ بعضهم بعضاً، أَراد أَنها آلة
تزجُر بها الملائكة السحاب وتسُوقه؛ ويفسره حديث ابن عباس: البَرْقُ سَوْط من
نور تَزْجُر به الملائكة السحاب. وفي الحديث: أَنَّ أَيْمَنَ وفِتْيةً
معه حَلُّوا أُزُرَهم وجعلوها مخارِيقَ واجْتلدوا بها فرآهم النبي، صلى
الله عليه وسلم، فقال: لا من الله اسْتَحْيَوْا ولا من رسوله اسْتَتَروا،
وأمُّ أَيْمن تقول: استَغْفِر لهم. والمِخْراقُ: السيف؛ ومنه قوله:
وأَبْيَض كالمِخْراقِ بَليَّتُ حَدَّه
وقال كُثيّر في المخَاريق بمعنى السيوف:
عليهن شُعْثٌ كالمَخارِيق، كُلُّهمْ
يُعَدُّ كَرِيماً، لا جَباناً ولا وَغْلا
وقول أبي ذُؤيب يصف فرساً:
أرِقْتُ له ذاتَ العِشاء كأنَّه
مَخاريقُ، يُدْعَى وسْطَهُن خَرِيجُ
جمعه، كأنه جعل كل دُفْعة من هذا البَرق مِخْراقاً، لا يكون إلا هذا لأن
ضمير البرق واحد، والمَخاريقُ جمع. والمِخْراقُ: الطويل الحَسن الجسم؛
قال شمر: المِخراقُ من الرجال الذي لا يقع في أمر إلا خرج منه، قال:
والثَّور البَرِّي يسمى مِخْراقاً لأن الكلاب تطلبُه فيُفْلت منها.
وقال أَبو عدْنان: المَخارِق المَلاصُّ يَتَخَرَّقُون الأَرض، بينا هُم
بأَرضٍ إذا هم بأُخرى. الأَصمعي: المَخارِقُ الرجال الذين يتخرَّقون
ويتصرَّفون في وجُوه الخير.
والمَخْروق: المَحْروم الذي لا يقَع في يده غِنى. وخَرَق في البيت
خُروقاً: أَقام فلم يَبرَح. والخِرْقة: القِطْعة من الجراد كالخِرْقة؛
قال:قد نَزلَت، بساحةِ ابنِ واصِلِ،
خِرْقةُ رِجْلٍ من جَرادٍ نازِلِ
وجمعها خِرَق. والخُرَّقُ: ضَرْب من العصافير، واحدته خُرَّقةٌ، وقيل:
الخُرَّق واحد. التهذيب: والخُرَّق طائر.
والخَرْقاء: موضع؛ قال أُسامة الهذلي:
غَداةَ الرُّعْنِ والخَرْقاء تَدْعُو،
وصَرَّحَ باطنُ الظَّنِّ الكَذوب
ومِخْراقٌ ومُخارق: اسمان. وذو الخِرَقِ الطُّهَوِيّ: جاهليّ من
شُعرائهم لَقَبٌ، واسمه قُرْطٌ، لُقِّب بذلك لقوله:
لَمَّا رأَتْ إِبلِي هَزْلَى حَمُولَتُها،
جاءتْ عِجافاً عليها الرِّيشُ والخِرَقُ
الجوهري: الخَرِيق المُطمئنّ من الأرض وفيه نبات. قال الفراء: يقال مررت
بخَرِيق من الأرض بين مَسْحاوَيْن. والمَسْحاء: أَرض لا نبات فيها.
والخَرِيقُ: الذي توسَّط بين مسحاوين بالنبات، والجمع الخُرُق؛ وأَنشد الفراء
لأَبي محمد الفَقْعَسِي:
تَرْعَى سَمِيراءُ إلى أَهْضامِها
إلى الطُّرَيْفاتِ إلى أَرْمامِها،
في خُرُقٍ تَشْبَعُ من رَمْرامِها
(* قوله «سميراء» في ياقوت بفتح السين وكسر الميم، وقيل بضم السين وفتح
الميم). وفلان مِخْراقُ حَرْب أَي صاحب حُروب يَخِفّ فيها؛ قال الشاعر
يمدح قوماً:
لم أَرَ مَعْشَراً كبَنِي صُرَيْمٍ،
تَضُمُّهمُ التَّهائمُ والنُّجُودُ
أَجَلَّ جلالةً وأَعَزَ فَقْداً،
وأَقْضَى للحُقُوقِ، وهم قُعودُ
وأَكثرَ ناشِئاً مِخْراقَ حَرْبٍ،
يُعِين على السِّيادةِ أَو يَسُودُ
يقول: لم أَر معشراً أكثر فِتْيان حَرْب منهم.
والخَرْقاء: صاحبة ذي الرُّمَّة وهي من بني عامر بن رَبيعةَ بن عامر بن
صَعْصَعة.
ابن بري: قال أَبو عَمرو الشَّيْبانِي المُخْرَوْرِقُ الذي يَدوُر على
الإبل فَيحمِلها على مكروهها؛ وأَنشد:
خَلْفَ المَطِيّ رجُلاً مخْرَوْرِقاً،
لم يَعْدُ صَوْبَ دِرْعهِ المُنَطّقا
وفي حديث ابن عباس: عمامةٌ خُرقانِيّةٌ
كأَنه لوَاها ثم كَوَّرها كما يفعله أَهل الرَّساتِيق؛ قال ابن الأَثير:
هكذا جاءت في رواية وقد رويت بالحاء المهملة وبالضم وبالفتح وغير ذلك.
خربق: الخَرْبَقُ
(* قوله «الخربق» في القاموس الخربق كجعفر. وقوله «ولا
يقتله» في ابن البيطار: الافراط منه يقتل). نبت كالسمِّ يُغْشَى على
آكله ولا يقتله. وامرأة مُخْرَبقةٌ: رَبوخ، وخِرْباقٌ. سريعة المشي. ابن
الأَعرابي: يقال للمرأة الطويلة العظيمة خِرْباق وغِلْفاقٌ ومُزَنَّرة
ولُباخِيَّةٌ.
وخَرْبَقَ الشيء: قطَّعه مثل خَرْدَلَه، وربما قالوا خَبْرَقْت مثل جذَب
وجَبَذَ. وخَرْبَقْت الثوب أَي شقَقْته. وخَرْبَق عَمَله: أَفسده. وجدَّ
في خِرْباق أَي في ضَرِطٍ. ورجل خِرْباق: كثير الضَّرِط. وخَرْبَق
النبتُ: اتصل بعضه ببعض. والخِرْباقُ: اسم رجل من الصحابة يقال له ذو اليدين.
والمُخْرَنْبِق: المُطْرِقُ الساكت الكافُّ. وفي المثل: مُخْرَنْبِقٌ
ليَنْباعَ أَي ليَثِب أَو ليَسْطُو إذا أصاب فُرْصة، فمعناه أَنه سكت لداهية
يريدها. الأَصمعي: من أَمثالهم في الرجل يُطيل الصْمت حتى يُحْسَب
مُغَفّلاً وهو ذو نَكْراء: مُخْرَنْبِقٌ لِينباع، ولينباع ليَنْبَسط، وقيل: هو
المُطْرِق المُتَرَبِّص بالفُرْصة يَثِب على عدوّه أَو حاجته إذا أَمكنه
الوثوب، ومثله مُخْرَنْطِمٌ لينباع، وقيل: المخرنبق الذي لا يُجِيب إذا
كُلِّم. ويقال: اخْرنبق الرجل وهو انْقماعُ المُرِيب؛ وأَنشد:
صاحب حانُوتٍ، إذا ما اخْرنْبقا
فيه، عَلاه سُكرهُ فَخَذْرَقا
يقال: رجل مُخَذْرِقٌ وخِذراق أَي سَلاَّح.
واخْرنْبقَ: مثل اخْرَنْفَقَ إذا انقمع. واخْرنبقَ: لَطِئ بالأرض.
والمُخْرَنْبِق: اللاَّصِق بالأرض.
والخَرْبَق: ضرب من الأَدْوِية.
كفف: كفّ الشيءَ يكُفُّه كَفّاً: جمعه. وفي حديث الحسن: أَنَّ رجلاً
كانت به جِراحة فسأَله: كيف يتوضأُ؟ فقال: كُفَّه بخِرْقة أَي اجمَعها حوله.
والكفُّ: اليد، أُنثى. وفي التهذيب: والكف كفّ اليد، والعرب تقول: هذه
كفّ واحدة؛ قال ابن بري: وأَنشد الفراء:
أُوفِّيكما ما بلَّ حَلْقيَ رِيقتي،
وما حَمَلَت كَفَّايَ أَنْمُليَ العَشْرا
قال: وقال بشر بن أَبي خازم:
له كَفَّانِ: كَفٌّ كَفُّ ضُرٍّ،
وكَفُّ فَواضِلٍ خَضِلٌ نَداها
وقال زهير:
حتى إذا ما هَوَتْ كَفُّ الولِيدِ لها،
طارَتْ، وفي يدِه من ريشَِها بِتَك
قال: وقال الأَعشى:
يَداكَ يَدا صِدْقٍ: فكفٌّ مُفِيدةٌ،
وأُخرى، إذا ما ضُنَّ بالمال، تُنْفِق
وقال أَيضاً:
غَرَّاءُ تُبْهِجُ زَوْلَه،
والكفُّ زَيَّنها خَضابه
قال: وقال الكميت:
جَمَعْت نِزاراً، وهي شَتَّى شُعوبها،
كما جَمَعَت كَفٌّ إليها الأَباخِسا
وقال ذو الإصبع:
زَمان به للّهِ كَفٌّ كَريمةٌ
علينا، ونُعْماه بِهِنَّ تَسِير
وقالت الخنساء:
فما بَلَغَتْ كَفُّ امْرِئٍ مُتَناوِلٍ
بها المَجْدَ، إلا حيث ما نِلتَ أَطْولُ
وما بَلَغَ المُهْدُون نَحْوَكَ مِدْحَةً،
وإنْ أَطْنَبُوا، إلا وما فيكَ أَفضَلُ
ويروى:
وما بلغ المهدون في القول مدحة
فأَما قول الأَعشى:
أَرَى رجُلاً منهم أَسِيفاً، كأَنما
يضمُّ إلى كَشْحَيْه كَفّاً مُخَضَّبا
فإنه أَراد الساعد فذكَّر، وقيل: إنما أَراد العُضو، وقيل: هو حال من
ضمير يضمّ أَو من هاء كشحيه، والجمع أَكُفٌّ. قال سيبويه: لم يجاوزوا هذا
المثال، وحكى غيره كُفوف؛ قال أَبو عمارةَ بن أَبي طرفَة الهُذلي يدعو
اللّه عز وجل:
فصِلْ جَناحِي بأَبي لَطِيفِ،
حتى يَكُفَّ الزَّحْفَ بالزُّحوفِ
بكلِّ لَينٍ صارِمٍ رهِيفِ،
وذابِلٍ يَلَذّ بالكُفُوفِ
أَبو لطيف يعني أَخاً له أَصغر منه؛ وأَنشد ابن بري لابن أَحمر:
يَداً ما قد يَدَيْتُ على سُكَيْنٍ
وعبدِ اللّه، إذ نُهِشَ الكُفُوفُ
وأَنشد لليلى الأَخْيَلِيّة:
بقَوْلٍ كَتَحْبير اليماني ونائلٍ،
إذا قُلِبَتْ دون العَطاء كُفوفُ
قال ابن بري: وقد جاء في جمع كفٍّ أَكْفاف؛ وأَنشد علي بن حمزة:
يُمسون مما أَضْمَرُوا في بُطُونهم
مُقَطَّعَةً أَكْفافُ أَيديهمُ اليُمْن
وفي حديث الصدقة: كأَنما يَضَعُها في كفِّ الرحمن؛ قال ابن الأَثير: هو
كناية عن محل القَبول والإثابة وإلا فلا كفّ للرحمن ولا جارِحةَ، تعالى
اللّه عما يقول المُشَبِّهون عُلُوّاً كبيراً. وفي حديث عمر، رضي اللّه
عنه: إن اللّه إن شاء أَدخل خلْقه الجنة بكفّ واحدة، فقال النبي، صلى اللّه
عليه وسلم: صدق عمر. وقد تكرر ذكر الكف والحفْنة واليد في الحديث
وكلُّها تمثيل من غير تشبيه، وللصقر وغيره من جوارح الطير كّفانِ في رِجْليه،
وللسبع كفّان في يديه لأَنه يَكُفُّ بهما على ما أَخذ. والكفُّ الخَضيب:
نجم. وكفُ الكلب: عُشْبة من الأَحرار، وسيأْتي ذكرها.
واسْتَكفَّ عينَه: وضع كفّه عليها في الشمس ينظر هل يرى شيئاً؛ قال ابن
مقبل يصف قِدْحاً له:
خَرُوجٌ من الغُمَّى، إذا صُكَّ صَكّةً
بدا، والعُيونُ المُسْتَكِفَّةُ تَلْمَحُ
الكسائي: اسْتَكْفَفْت الشيء واسْتَشْرَفْته، كلاهما: أَن تضع يدك على
حاجبك كالذي يَسْتَظِل من الشمس حتى يَستبين الشيء. يقال: اسْتَكفَّت عينه
إذا نظرت تحت الكفّ. الجوهري: اسْتَكفَفْت الشيء اسْتَوْضَحْته، وهو أَن
تضع يدك على حاجبك كالذي يَستظل من الشمس تنظر إلى الشيء هل تراه. وقال
الفراء: استكفّ القومُ حول الشيء أَي أَحاطوا به ينظرون إليه؛ ومنه قول
ابن مقبل:
إذا رَمَقَتْه من مَعَدٍّ عِمارةٌ
بدا، والعُيونُ المستكفَّة تلمح
واستكفّ السائل: بَسط كفَّه. وتكَفَّفَ الشيءَ: طلبه بكفِّه وتكَفَّفَه.
وفي الحديث: أَن رجلاً رأَى في المنام كأَن ظُلَّة تَنْطِف عَسلاً
وسمناً وكأَنَّ الناس يتَكفَّفُونه؛ التفسير للهروي في الغريبين والاسم منها
الكفَف. وفي الحديث: لأَن تَدَعَ ورَثتَك أَغنياء خير من أَن تَدعهم عالةً
يتَكفَّفون الناس؛ معناه يسأَلون الناس بأَكُفِّهم يمدُّونها إليهم.
ويقال: تكفَّف واستكفَّ إذا أَخذ الشي بكفِّه؛ قال الكميت:
ولا تُطْمِعوا فيها يداً مُسْتَكِفّةً
لغيركُمُ، لو تَسْتَطِيعُ انْتِشالَها
الجوهري: واستكفَّ وتكفَّفَ بمعنى وهو أَن يمد كفَّه يسأَل الناس. يقال:
فلان يَتكَفَّف الناس، وفي الحديث: يتصدَّق بجميع ماله ثم يَقْعُد
يستكِفُّ الناسَ. ابن الأَثير: يقال استكفَّ وتكَفَّفَ إذا أَخذ ببطن كفه أَو
سأَل كفّاً من الطعام أَو ما يكُفُّ الجوع.
وقولهم: لقيته كَفَّةَ كَفَّةَ، بفتح الكاف، أَي كفاحاً، وذلك إذا
استقْبلته مُواجهة، وهما اسمان جُعلا واحداً وبنيا على الفتح مثل خمسة عشر.
وفي حديث الزبير: فتلقّاه رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، كفّةَ كَفّةَ
أَي مُواجهة كأَنَّ كل واحد منهما قد كفَّ صاحبه عن مجاوزته إلى غيره أَي
مَنَعَه. والكَفّة: المرة من الكفّ. ابن سيده: ولَقِيتُه كفَّةَ كفَّةَ
وكفَّةَ كفَّةٍ على الإضافة أَي فُجاءة مواجهة؛ قال سيبويه: والدليل على
أَن الآخر مجرور أَنَّ يونس زعم أَن رؤبة كان يقول لقيته كفّةً لِكفّةً
أَو كفّةً عن كفّةٍ، إنما جعل هذا هكذا في الظرف والحال لأَن أَصل هذا
الكلام أَن يكون ظرفاً أَو حالاً.
وكفَّ الرجلَ عن الأَمر يكُفُّه كَفّاً وكفْكَفَه فكفَّ واكتفَّ
وتكفَّف؛ الليث: كَفَفْت فلاناً عن السوء فكفّ يكُفّ كَفّاً، سواء لفظُ اللازم
والمُجاوز. ابن الأَعرابي: كَفْكَفَ إذا رَفَق بغرِيمه أَو ردَّ عنه من
يؤذيه. الجوهري: كَفَفْت الرجل عن الشيء فكفّ، يتعدّى ولا يتعدى، والمصدر
واحد. وكفْكَفْت الرجل: مثل كفَفْته؛ ومنه قول أَبي زبيد:
أَلم تَرَني سَكَّنْتُ لأْياً كِلابَكُم،
وكَفْكَفْتُ عنكم أَكْلُبي، وهي عُقَّر؟
واستكفَّ الرجلُ الرجلَ: من الكفِّ عن الشيء. وتكَفَّف دمعُه: ارتدّ،
وكَفْكَفَه هو؛ قال أَبو منصور: وأَصله عندي من وكَفَ يَكِفُ، وهذا كقولك
لا تعِظيني وتَعظْعَظي. وقالوا: خَضْخضتُ الشيءَ في الماء وأَصله من
خُضْت. والمكفوف: الضَّرير، والجمع المكافِيفُ. وقد كُفَّ بصرُه وكَفَّ بصرُه
كَفّاً: ذهَب. ورجل مَكْفوف أَي أَعمى، وقد كُفَّ. وقال ابن الأَعرابي:
كَفَّ بصرُه وكُفَّ. والكَفْكفة: كفُّك الشيء أَي ردُّك الشيء عن الشيء،
وكفْكَفْت دمْع العين. وبعير كافٌّ: أُكلت أَسنانه وقَصُرَت من الكِبَر
حتى تكاد تذهب، والأُنثى بغير هاء، وقد كُفَّت أَسنانها، فإذا ارتفع عن ذلك
فهو ماجٌّ. وقد كَفَّت الناقة تَكُفُّ كُفوفاً.
والكَفُّ في العَرُوض: حذف السابع من الجزء نحو حذفك النون من مفاعيلن
حتى يصير مفاعيلُ ومن فاعلاتن حتى يصير فاعلات، وكذلك كلُّ ما حُذف سابعه
على التشبيه بكُفّة القميص التي تكون في طرف ذيله، قال ابن سيده: هذا قول
ابن إسحق. والمَكفوف في عِلل العروض مفاعيلُ كان أَصله مفاعيلن، فلما
ذهبت النون قال الخليل هو مكفوف.
وكِفافُ الثوب: نَواحِيه. ويُكَفُّ الدِّخْريصُ إذا كُفَّ بعد خِياطة
مرة. وكَفَفْت الثوبَ أَي خِطْت حاشيته، وهي الخِياطةُ الثانية بعد
الشَّلِّ. وعَيْبةٌ مَكْفوفة أَي مُشْرَجةٌ مَشْدودة. وفي كتاب النبي، صلى اللّه
عليه وسلم، بالحديْبِية لأَهل مكة: وإنَّ بيننا وبينكم عَيبةً مكفوفةً؛
أَراد بالمكفوفة التي أُشْرِجَت على ما فيها وقُفِلت وضَربها مثلاً
للصدور أَنها نَقِيَّة من الغِلِّ والغِشّ فيما كتبوا واتَّفَقُوا عليه من
الصُّلْح والهُدْنة، والعرب تشبه الصدور التي فيها القلوب بالعِياب التي
تُشْرَج على حُرِّ الثياب وفاخِر المتاع، فجعل النبي، صلى اللّه عليه وسلم،
العِياب المُشْرجة على ما فيها مثلاً للقلوب طُوِيَت على ما تعاقدوا؛
ومنه قول الشاعر:
وكادَت عِيابُ الوُدِّ بيني وبينكم،
وإن قيل أَبْناءُ العُمومةِ، تَصْفَرُ
فجعل الصُّدور عِياباً للوُدِّ. وقال أَبو سعيد في قوله: وإنَّ بيننا
وبينكم عَيبةً مكفوفة: معناه أَن يكون الشر بينهم مكفوفاً كما تُكَفُّ
العَيبة إذا أُشْرِجَت على ما فيها من مَتاع، كذلك الذُّحُول التي كانت بينهم
قد اصطلحوا على أَن لا يَنْشُروها وأَن يَتكافُّوا عنها، كأَنهم قد
جعلوها في وِعاء وأَشرجوا عليها. الجوهري: كُفّةُ القَمِيص، بالضم، ما استدار
حول الذَّيل، وكان الأَصمعي يقول: كلُّ ما استطال فهو كُفة، بالضم، نحو
كفة الثوب وهي حاشيته، وكُفَّةِ الرمل، وجمعه كِفافٌ، وكلُّ ما استدار
فهو كِفّة، بالكسر، نحو كِفَّة الميزان وكِفَّة الصائد، وهي حِبالته،
وكِفَّةِ اللِّثةِ، وهو ما انحدرَ منها. قال: ويقال أَيضاً كَفّة الميزان،
بالفتح، والجمع كِفَفٌ؛ قال ابن بري: شاهد كِفَّةِ الحابِل قول الشاعر:
كأَنَّ فِجاجَ الأَرضِ، وهي عَرِيضةٌ
على الخائفِ المَطْلوبِ، كِفّةُ حابِلِ
وفي حديث عطاء: الكِفَّةُ والشَّبكةُ أَمرهما واحد؛الكُفَّة، بالكسر:
حِبالة الصائد. والكِفَفُ في الوَشْم: داراتٌ تكون فيه. وكِفافُ الشيء:
حِتارُه. ابن سيده: والكِفة، بالكسر، كل شيء مستدير كدارة الوشم وعُود
الدُّفّ وحبالة الصيْد، والجمع كِفَفٌ وكِفافٌ. قال: وكفة الميزان الكسر فيها
أَشهر، وقد حكي فيها الفتح وأَباها بعضهم. والكُفة: كل شيء مستطيل ككُفة
الرمل والثوب والشجر وكُفّة اللِّثةِ، وهي ما سال منها على الضِّرس. وفي
التهذيب: وكِفَّة اللثة ما انحدر منها على أُصول الثغْر، وأَمّا كُفَّةُ
الرمْل والقميص فطُرّتهما وما حولهما. وكُفة كل شيء، بالضم: حاشيته
وطرَّته. وفي حديث عليّ، كرَّم اللّه وجهه، يصف السحاب: والتَمع بَرْقُه في
كُفَفِه أَي في حواشيه؛ وفي حديثه الآخر: إذا غَشِيكم الليلُ فاجعلوا
الرِّماح كُفّة أَي في حواشي العسكر وأَطرافه. وفي حديث الحسن: قال له رجل
إنَّ برِجْلي شُقاقاً، فقال: اكفُفه بخِرْقة أَي اعْصُبْه بها واجعلها حوله.
وكُفة الثوب: طُرَّته التي لا هُدب فيها، وجمع كل ذلك كُفَف وكِفافٌ.
وقد كَفَّ الثوبَ يكُفه كَفّاً: تركه بلا هُدب. والكِفافُ من الثوب: موضع
الكف. وفي الحديث: لا أَلبس القميص المُكَفَّف بالحرير أَي الذي عُمِل على
ذَيْله وأَكمامه وجَيْبه كِفاف من حرير، وكلُّ مَضَمِّ شيء كِفافُه،
ومنه كِفافُ الأُذن والظفُر والدبر، وكِفّة الصائد، مكسور أَيضاً.
والكِفَّة: حبالة الصائد، بالكسر. والكِفَّةُ: ما يُصاد به الظِّباء يجعل كالطوْق.
وكُفَفُ السحاب وكِفافُه: نواحيه. وكُفَّة السحاب: ناحيته. وكِفافُ
السحاب: أَسافله، والجمع أَكِفَّةٌ. والكِفافُ: الحوقة والوَتَرَةُ.
واسْتكَفُّوه: صاروا حَواليْه. والمستكِفّ: المستدير كالكِفّة.
والكَفَفُ: كالكِفَفِ، وخصَّ بعضهم به الوَشم. واستكفَّت الحيَّة إذا ترَحَّتْ
كالكِفَّةِ. واستكَفَّ به الناسُ إذا عَصبوا به. وفي الحديث: المنفِقُ على
الخيل كالمسْتَكِفّ بالصدقة أَي الباسطِ يدَه يُعطِيها، من قولهم استكفَّ
به الناسُ إذا أَحدَقوا به، واستكَفُّوا حوله ينظرون إليه، وهو من كِفاف
الثوب، وهي طُرَّته وحَواشِيه وأَطرافُه، أَو من الكِفّة، بالكسر، وهو
ما استدار ككفة الميزان. وفي حديث رُقَيْقَة: فاستكفُّوا جَنابَيْ عبدِ
المطلب أَي أَحاطوا به واجتمعوا حوله. وقوله في الحديث: أُمرتُ أَن لا
أَكُفَّ شَعراً ولا ثوباً، يعني في الصلاة يحتمل أَن يكون بمعنى المنع، قال
ابن الأَثير: أَي لا أَمنَعهما من الاسترسال حال السجود ليَقَعا على
الأَرض، قال: ويحتمل أَن يكون بمعنى الجمع أَي لا يجمعهما ولا يضمهما. وفي
الحديث: المؤمن أَخو المؤمن يَكُفُّ عليه ضَيْعَته أَي يجمع عليه مَعِيشتَه
ويَضُمُّها إليه؛ ومنه الحديث: يَكُفُّ ماء وجهه أَي يصُونُه ويجمعه عن
بَذْلِ السؤال وأَصله المنع؛ ومنه حديث أُم سلمة: كُفِّي رأْسي أَي
اجمعِيه وضُمِّي أَطرافه، وفي رواية: كفِّي عن رأْسي أَي دَعيه واتركي
مَشْطَه.والكِفَفُ: النُّقَر التي فيها العيون؛ وقول حميد:
ظَلَلْنا إلى كَهْفٍ، وظلَّت رِحالُنا
إلى مُسْتَكِفَّاتٍ لهنَّ غُروبُ
قيل: أَراد بالمُسْتَكِفّات الأَعين لأَنها في كِفَفٍ، وقيل: أَراد
الإبل المجتمعة، وقيل: أَراد شجراً قد استكفَّ بعضُها إلى بعض، وقوله لهنَّ
غُروب أَي ظِلال.
والكافَّةُ: الجماعة، وقيل: الجماعة من الناس. يقال: لَقِيتهم كافَّةً
أَي كلَّهم. وقال أبو إسحق في قوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا ادْخلُوا
في السلم كافَّةً، قال: كافة بمعنى الميع والإحاطة، فيجوز أَن يكون معناه
ادخلوا في السِّلْمِ كلِّه أَي في جميع شرائعه، ومعنى كافةً في اشتقاق
اللغة: ما يكفّ الشيء في آخره، من ذلك كُفَّة القميص وهي حاشيته، وكلُّ
مستطيل فحرفه كُفة، وكل مستدير كِفة نحو كِفة الميزان. قال: وسميت كُفَّة
الثوب لأَنها تمنعه أَن ينتشر، وأَصل الكَفّ المنع، ومن هذا قيل لطَرف
اليد كَفٌّ لأَنها يُكَفُّ بها عن سائر البدن، وهي الراحة مع الأَصابع، ومن
هذا قيل رجل مَكْفوف أَي قد كُفَّ بصرُه من أَن ينظر، فمعنى الآية
ابْلُغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائعه فَتُكَفُّوا من أَن تعدُو شرائعه
وادخلوا كلُّكم حتى يُكَفَّ عن عدد واحد لم يدخل فيه. وقال في قوله تعالى:
وقاتلوا المشركين كافة، منصوب على الحال وهو مصدر على فاعلة كالعافية
والعاقبة، وهو في موضع قاتلوا المشركين محيطين، قال: فلا يجوز أَن يثنى ولا
يجمع لا يقال قاتلوهم كافَّات ولا كافّين، كما أَنك إذا قلت قاتِلْهم
عامّة لم تثنِّ ولم تجمع، وكذلك خاصة وهذا مذهب النحويين؛ الجوهري: وأَما قول
ابن رواحة الأَنصاري:
فسِرْنا إليهم كافَةً في رِحالِهِمْ
جميعاً، علينا البَيْضُ لا نَتَخَشَّعُ
فإنما خففه ضرورة لأَنه لا يصح الجمع بين ساكِنين في حشو البيت؛ وكذلك
قول الآخر:
جَزى اللّهُ الروابَ جزاء سَوْءٍ،
وأَلْبَسَهُنّ من بَرَصٍ قَمِيصا