من (ر خ ص) المأذون بفعله بعد النهي عنه والميسر.
من (ر خ ص) المأذون بفعله بعد النهي عنه والميسر.
رخص: الرَّخْصُ: الشيء الناعم اللَّيِّنُ، إِن وَصَفْت به المرأَة
فرُخْصانُها نَعْمَةُ بَشَرتها ورِقّتُها وكذلك رَخاصةُ أَنامِلها لِينُها،
وإِن وَصَفْت به النَّبَات فرَخاصَتُه هَشاشَتُه. ويقال: هو رَخْصُ الجسد
بَيِّن الرُّخُوصةِ والرَّخاصةِ؛ عن أَبي عبيد. ابن سيده: رَخُصَ رَخاصةً
ورُخوصةً فهو رَخْصٌ ورَخِيصٌ تنَعّم، والأُنثى رَخْصةٌ ورَخِيصةٌ، وثوب
رَخْصٌ ورَخِيص: ناعم كذلك. أَبو عمرو: الرَّخِيصُ الثوب الناعم.
والرُّخْصُ: ضدّ الغلاءِ، رَخُصَ السِّعْر يَرْخُص رُخْصاً، فهو
رَخِيصٌ. وأَرْخَصَه: جعله رَخِيصاً. وارْتَخَصْت الشيء: اشتريته رَخِيصاً،
وارْتَخَصَه أَي عَدَّه رَخِيصاً، واسْتَرْخَصَه رآه رَخِيصاً، ويكون
أَرْخَصَه وجَدَه رَخِيصاً؛ وقال الشاعر في أَرْخَصْته أَي جعلته
رَخِيصاً:نُغالي اللَّحْمَ للأَضْيافِ نِيّاً،
ونُرْخِصُه إِذا نَضِجَ القُدورُ
يقول: نُغْلِيه نِيّاً إِذا اشْتَرَيْناه ونُبِيحُه إِذا طَبَخْناه
لأَكله، ونُغالي ونُغْلي واحدٌ. التهذيب: هي الخُرْصة والرُّخْصة وهي
الفُرْصة والرُّفْصة بمعنى واحد.
ورَخَّصَ له في الأَمر: أَذِنَ له فيه بعد النهي عنه، والاسم
الرُّخْصةُ. والرُّخُصةُ والرُّخْصةُ: تَرْخِيصُ اللّه للعبد في أَشياءَ خَفَّفَها
عنه. والرُّخْصةُ في الأَمر: وهو خلاف التشديد، وقد رُخِّصَ له في كذا
ترْخِيصاً فترَخَّصَ هو فيه أَي لم يَسْتَقْصِ. وتقول: رَخَّصْت فلاناً في
كذا وكذا أَي أَذِنْت له بعد نهيي إِيّاه عنه. ومَوْت رَخِيصٌ: ذَرِيع.
ورُخاصُ: اسم امرأَة.
طأطأ: الطَّأْطَأَةُ مصدر طَأْطَأَ رأْسَه طَأْطَأَةً: طامَنَه.
وتَطَأْطَأَ: تَطامَنَ. وطَأْطَأَ الشيءَ: خَفَضَه.
وطَأْطَأَ عن الشيء: خَفَض رأْسَه عَنْه. وكُلُّ ما حُطَّ فقد طُؤْطِئَ.
وقد تَطَأْطَأَ إِذا خَفَضَ رأْسَه.
وفي حديث عثمان رضي اللّه عنه: تَطَأْطَأْت لكم تَطَأْطُؤَ الدُّلاةِ
أَي خَفَضْتُ لكم نَفْسِي كَتَطامن الدُّلاة، وهو جمع دالٍ: الذي يَنْزِعُ
بالدَّلْو، كقاضٍ وقُضاة، أَي كما يخْفِضها الـمُسْتَقُون بالدِّلاءِ،
وتواضعت لكم وانحَنَيْتُ. وطَأْطَأَ فرسَه: نَحزَه بفخذيه وحَرَّكه
للحُضْر.وطَأْطَأَ يَدَه بالعِنان: أَرسَلَها به للإِحْضار.
وطَأْطَأَ فلان من فلان إِذا وَضَع من قَدْره. قال مَرَّارُ بن مُنْقِذ:
شُنْدُفٌ أَشْدَفُ ما وَرَّعْتَه، * وإِذا طُؤْطِئَ طَيَّارٌ، طِمِرّ
وطَأْطَأَ: أَسْرَعَ، وطَأْطَأَ في قَتْلِهِم: اشْتَدَّ وبالغَ. أَنشد
ابن الأَعرابي:
ولَئِنْ طَأْطَأْتُ في قتْلِهِم، * لَتُهاضَنَّ عِظامِي عن عُفُرْ
وطَأْطَأَ الرَّكْضَ في ماله: أَسْرَعَ إِنْفاقَه وبالغَ فيه.
والطَّأْطَاءُ: الجَملُ الخَرْبَصِيصُ، وهو القَصِيرُ السيرِ. والطَّأْطاءُ:
الـمُنْهَبِطُ من الأَرض يَسْتُرُ مَن كان فيه. قال يصف وحشاً:
منها اثْنَتان لِما الطَّأْطاءُ يَحْجُبُه، * والأُخْرَيانِ لِما يَبْدُو به القَبَلُ
والطَّأْطاءُ: الـمُطْمَئِنُّ الضَّيِّقُ، ويقال له الصَّاعُ والمِعَى.
تلف: الليث: التَّلَفُ الهَلاكُ والعَطَبُ في كل شيء. تَلِفَ يَتْلَفُ
تَلَفاً، فهو تَلِفٌ: هَلَكَ. غيره: تَلِفَ الشيءُ وأَتْلَفَه غيره وذهَبت
نفسُ فلانٍ تَلَفاً وظَلَفاً بمعنى واحد أَي هَدَراً. والعرب تقول: إنّ
من القَرَفِ التَّلَفَ، والقَرَفُ مُداناةُ الوَباء، والـمَتالِف
الـمَهالِكُ. وأَتْلَف فلان مالَه إتْلافاً إذا أَفناه إسْرافاً؛ قال
الفرزدق:وقَوْمٍ كِرامٍ قد نَقَلْنا إليهمُ
قِراهُمْ، فأَتْلَفْنا الـمَنايا وأَتْلَفُوا
أَتْلَفْنا الـمَنايا أَي وجدْناها ذاتَ تَلَفٍ أَي ذاتَ إتْلافٍ
ووجدُوها كذلك؛ وقال ابن السكيت: أَتْلَفْنا المنايا وأَتْلَفُوا أَي صَيَّرْنا
الـمَنايا تَلَفاً لهم وصَيَّرُوها لنا تلَفاً، قال: ويقال معناه
صادَفْناها تُتْلِفُنا وصادَفُوها تُتْلِفُهم. ورجل مِتْلَفٌ ومِتْلافٌ:
يُتْلِفُ مالَه، وقيل: كثير الإتْلافِ.
والـمَتْلَفَةُ: مَهْواةٌ مُشْرِفةٌ على تَلَفٍ. والـمَتْلَفَة:
القَفْر؛ قال طرفة أَو غيره:
بمَتْلَفةٍ ليْسَتْ بطَلْحٍ ولا حَمْضِ
أَراد ليست بمَنْبِت طَلْحٍ ولا حَمْض، لا يكون إلا على ذلك لأَن
الـمَتْلَفة الـمَنْبِتُ، والطَّلْح والحمض نَبْتانِ لا مَنْبِتانِ،
والـمَتْلَفُ الـمَفازةُ؛ وقول أَبي ذؤيب:
ومَتْلَفٍ مثْلِ فَرْقِ الرأْس تَخْلُجُهُ
مَطارِبٌ زَقَبٌ، أَمـْيالُها فِيحُ
الـمَتْلفُ: القَفْرُ، سمي بذلك لأَنه يُتْلِفُ سالِكَه في الأَكثر.
والتَّلْفةُ: الهَضْبةُ الـمَنِيعةُ التي يَغْشى مَن تعاطاها التَّلَفُ؛
عن الهَجَريّ؛ وأَنشد:
أَلا لَكُما فَرْخانِ في رأْس تَلْفَةٍ،
إذا رامَها الرّامي تَطاوَلَ نِيقُها
رقا: الرَّقْوةُ: دِعْصٌ من رَمْلٍ. ابن سيده: الرَّقْوةُ والرَّقْوُ
فُوَيْقَ الدِّعْصِ من الرمل، وأَكثرُ ما يكون إلى جوانب الأَودية؛ قال
يصف ظبية وخِشْفها:
لها أُمُّ مُوَقَّفة وَكُوبٌ،
بحيثُ الرَّقْوُ، مَرْتَعُها البَرِيرُ
(* قوله: وكنى بالكوب؛ هكذا في الأصل، ولم يرد في البيت وإنما ورد
وَكُوب).
أَراد لها أُمُّ مرتَعها البَريرُ، وكنى بالكُوب عن القلب وغيرهِ،
والمُوَقَّفة: التي في ذِراعَيْها بياضٌ، والوَكُوبُ: التي واكَبَتْ ولدَها
ولازَمَتْه؛ وقال آخر:
مِن البِيضِ مِبْهاجٌ، كأَنَّ ضَجِيعَها
يَبِيتُ إلى رَقْوٍ، من الرَّمْلِ، مُصْعب
ابن الأَعرابي: الرَّقْوة القُمْزَة من التراب تَجْتَمِع على شَفِير
الوادي، وجمعها الرُّقا.
ورَقِيَ إلى الشيءِ رُقِيّاً ورُقُوّاً وارْتَقى يَرْتَقي وتَرَقَّى:
صَعِد، ورَقَّى غيرهَ؛ أَنشد سيبويه للأَعشى:
لئنْ كُنت في جُبٍّ ثمانين قامَةً،
ورُقِّيت أَسْبابَ السماء بسُلَّم
ورَقِىَ فلانٌ في الجبل يَرْقَى رُقِيّاً إذا صَعَّدَ. ويقال: هذا
جبَل لا مَرْقىً فيه ولا مُرْتَقىً. ويقال: ما زال فلانٌ يتَرقَّى به
الأَمرُ حتى بَلَغ غايتَه. ورَقِيتُ في السُّلَّم رَقْياً ورُقِيّاً إذا
صَعِدْتَ، وارتَقَيْت مثلُه؛ أَنشد ابن بري:
أَنتَ الذي كلَّفْتَني رَقْيَ الدَّرَجْ،
على الكَلالِ والمَشِيبِ والعَرَجْ
وفي التنزيل: لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ. وفي حديث اسْتِراقِ السَّمْعِ:
ولكنَّهم يُرَقُّونَ فيه أَي يتَزَيَّدُون فيه. يقال: رَقَّى فلان على
الباطل إذا تقَوَّلَ ما لم يكن وزاد فيه، وهو من الرُّقِيّ الصُّعُودِ
والارتفاعِ، ورَقَّى شُدِّد للتعدية إلى المفعول، وحقيقة المعنى أنهم
يرتفعون إلى الباطل ويدَّعون فوق ما يسمعون. وفي الحديث: كنتُ رَقَّاءً
على الجبال أي صَعَّاداً عليها، وفعَّال للمبالغة.
والمَرْقاة والمِرْقاة: الدرجة، واحدة من مَراقي الدرَج، ونظيره
مَسْقاةٌ ومِسْقاة، ومَثْناةٌ ومِثْناة للحَبْل، ومَبْناةٌ ومِبْناة
للعَيْبة أَو النِّطَع، بالفتج والكسر؛ قال الجوهري: من كسَرَها شبَّهها بالآلة
التي يعمل بها، ومن فَتَح قال هذا موضع يفعل فيه، فجعَله بفتح الميم
مخالفاً؛ عن يعقوب. وترقَّى في العِلْم أَي رَقِيَ فيه دَرَجة درجة.
ورَقَّى عليه كلاماً تَرْقِيةً أَي رفَع.
والرُّقيْة: العُوذة، معروفة؛ قال رؤْبة:
فما تَرَكا مِن عُوذَةٍ يَعْرِفانها،
ولا رُقْيةٍ إلا بها رَقَياني
والجمع رُقىً. وتقول: اسْتَرْقَيْتُه فرَقاني رُقيْة، فهو راقٍ، وقد
رَقَاه رَقْياً ورُقِيّاً. ورجلٌ رَقَّاءٌ: صاحبُ رُقىً. يقال: رَقَى
الراقي رُقْيةً ورُقِيّاً إذا عَوَّذَ ونَفَثَ في عُوذَتِه، والمَرْقِيُّ
يَسْتَرْقي، وهم الراقُونَ؛ قال النابغة:
تَناذَرَها الرَّاقُونَ مِن سُوءِ سَمِّها
وقول الراجز:
لقد عَلِمْت، والأَجَلِّ الباقي،
أَنْ لَنْ يَرُدَّ القَدَرَ الرواقي
قال ابن سيده: كأَنه جمَع امرأَةً راقيةً أَو رجُلاً راقيةٌ، بالهاء
للمبالغة. وفي الحديث: ما كنَّا نأْبُنُه برُقْىة. قال ابن الأَثير:
الرُّقْية العُوذة التي يُرْقى بها صاحبُ الآفةِ كالحُمَّى والصَّرَع وغير ذلك
من الآفات، وقد جاء في بعض الأَحاديث جوازُها وفي بعضِها النَّهْيُ
عنها، فمنَ الجواز قوله: اسْتَرْقُوا لهَا فإنَّ بها النَّظْرَة أَي
اطْلُبوا لها من يَرْقِيها، ومن النهي عنها قوله: لا يَسْتَرْقُون ولا
يَكْتَوُون، والأَحاديث في القسمين كثيرة، قال: ووجه الجمع بينها أَن الرُّقَى
يُكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أَسماء الله تعالى وصفاتهِ
وكلامه في كتُبه المنزلة، وأَن يعْتَقدَ أَن الرُّقْيا نافعة لا مَحالَة
فيتَّكلَ عليها، وإياها أَراد بقوله: ما توَكَّلَ مَنِ اسْتَرْقَى،
ولايُكره منها ما كان في خلاف ذلك كالتعوّذ بالقرآن وأسماء الله تعالى
والرُّقَى المَرْوِيَّةِ، ولذلك قال للذي رَقَى بالقرآن وأَخَذَ عليه أَجْراً:
مَن أَخَذ برُقْية باطِلٍ فقد أَخَذْت برُقْية حَقٍّ، وكقوله في حديثج
ابر: أَنه، عليه السلام، قال اعْرِضُوها عليَّ فعرَضْناها فقال لا بأْس بها
إنما هي مواثِيقُ، كأَنه خاف أَن يقع فيها شيء مما كانوا يتلفظون به
ويعتقدونه من الشرك في الجاهلية وما كان بغير اللسان العربي مما لا يعرف له
ترجمة ولا يمكن الوقوف عليه، فلا يجوز استعماله؛ وأَما قوله: لا
رُقْىةَ إلا من عَيْنٍ أَو حُمَةٍ، فمعناه لا رُقْية أولى وأَنفعُ، وهذا كما
قيل لا فَتىً إلا عليٌّ، وقد أَمَر، عليه الصلاة والسلام، غير واحد من
أَصحابه بالرُّقْيةِ وسَمِعَ بجماعة يَرْقُونَ فلم يُنْكِرْ عليهم، قال:
وأَما الحديث الآخر في صفة أَهل الجنة: الذي يدخلونها بغير حساب وهم الذين
لا يَسْتَرقُونَ ولا يَكْتَوُون وعلى ربهم يتوكلون، فهذا من صفة
الأَولياء المعرضين عن أَسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شيء من علائقها،
وتلك درجةُ الخَواصِّ لا يَبْلُغها غيرُهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنه
وكرمه، فأَما العوامُّ فَــمُرَخَّصٌ لهم في التداوي والمُعالجات، ومن صبر
على البلاء وانتظر الفرجَ من الله بالدعاء كان من جملة الخواص
والأَولياء، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء، أَلا ترى أَن
الصدّيق، رضي الله عنه، لما تصدق بجميع ماله لم ينكر عليه علماً منه بيقينه
وصبره؟ ولما أَتاه الرجل بمثل بيضة الحمامة من الذهب وقال: لا أَملك غيره،
ضربه به بحيث لو أَصابه عَقَره وقال فيه ما قال. وقولُهم: ارْقَ على
ظَلْعِكَ أَي امْشِ واصْعد بقدر ما تطيق ولا تَحْمِلْ على نفسك ما لا تطيقه،
وقيل: ارْقَ على ظَلْعِكَ أَي الْزَمْه وارْبَعْ عليه. ويقال للرجل:
ارْقَ على ظَلْعِكَ أَي أَصِْلحْ أوَّلاً أمرَكَ، فيقول قد رَقِيتُ، بكسر
القاف، رُقِيّاً. ومَرْقَيَا الأَنْفِ: حَرْفاه؛ عن ثعلب، كأَنه منه
ظَنٌّ، والمعروف مَرَقَّا الأَنْفِ.
أَبو عمرو: الرُّقَّى الشحْمة البيضاء النَّقِيَّة تكون في مَرْجِعِ
الكَتِف، وعليها أُخْرى مثلُها يقال لها المَأْتاةُ
(* قوله «يقال لها
المأتاة» هكذا هو في الأصل والتهذيب) .فكما يَراها الآكِلُ يأْخُذُها
مُسابَقةً. قال: وفي المثل يَضْرِبُه النِّحْرير للخَوْعَمِ حَسِبْتَنِي
الرُّقىَّ عليها المَأْتاة. قال الجوهري: والرُّقَيُّ موضع. ورُقَيَّة: اسم
امرأَة. وعبدُ الله بنُ قيسِ الرُّقَيَّات
(* قوله «وعبد الله بن قيس الرقيات»
مثله في الجوهري عبد الله مكبراً، وقال في التكملة: صوابه عبيد الله
مصغراً). إنما أُضيف قيسٌ إليهن لأَنه تزوج عدَّة نسوة وافق أَسماؤهن
كُلِّهِنَّ رقيَّةَ فنُسب إليهن؛ قال الجوهري: هذا قول الأَصمعي، وقال غيره:
إنه كانت له عدَّةُ جدّات أَسماؤهن كُلِّهنّ رُقَيَّة، ويقال: إنما أُضيف
إليهنّ لأَنه كان يُشَبِّبُ بعدّة نساء يُسَمِّيْن رُقَيَّة.
كبر: الكَبير في صفة الله تعالى: العظيم الجليل والمُتَكَبِّر الذي
تَكَبَّر عن ظلم عباده، والكِبْرِياء عَظَمَة الله، جاءتْ على فِعْلِياء؛ قال
ابن الأَثير: في أَسماء الله تعالى المتكبر والكبير أَي العظيم ذو
الكبرياء، وقيل: المتعالي عن صفات الخلق، وقيل: المتكبر على عُتاةِ خَلْقه،
والتاء فيه للتفرّد والتَّخَصُّصِ لا تاء التَّعاطِي والتَّكَلُّف.
والكِبْرِياء: العَظَمة والملك، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات وكمال
الوجود ولا يوصف بها إلا الله تعالى، وقد تكرر ذكرهما في الحديث، وهما من
الكِبْرِ، بالكسر، وهو العظمة.
ويقال كَبُرَ بالضم يَكْبُرُ أَي عَظُمَ، فهو كبير. ابن سيده: الكِبَرُ
نقيض الصِّغَرِ، كَبُرَ كِبَراً وكُبْراً فهو كبير وكُبَار وكُبَّار،
بالتشديد إذا أَفرط، والأُنثى بالهاء، والجمع كِبارٌ وكُبَّارونَ. واستعمل
أَبو حنيفة الكِبَرَ في البُسْر ونحوه من التمر، ويقال: علاه المَكْبَِرُ،
والاسم الكَبْرَةُ، بالفتح، وكَبُرَ بالضم يَكْبُر أَي عظم. وقال مجاهد
في قوله تعالى: قال كَبِيرُهم أَلم تعلموا أَن أَباكم؛ أَي أَعْلَمُهم
لأَنه كان رئيسهم وأَما أَكبرهم في السِّنِّ فَرُوبِيلُ والرئيسُ كان
شَمْعُونَ؛ قال الكسائي في روايته: كَبيرهم يَهُوذا. وقوله تعالى: إنه لكبيركم
الذي علَّمكم السِّحْرَ؛ أَي مُعَلِّمكم ورئيسكم. والصبي بالحجاز إِذا
جاء من عند مُعَلِّمه قال: جئت من عند كَبيري. واسْتَكْبَر الشيءَ: رآه
كبيراً وعَظُمَ عنده؛ عن ابن جني. والمَكْبُوراء: الكِبَارُ. ويقال: سادُوك
كابِراً عن كابِرٍ أَي كبيراً عن كبير، ووَرِثُوا المَجْدَ كابِراً عن
كابِرٍ، وأَكْبَرَ أَكْبَرَ. وفي حديث الأَقْرَعِ والأَبْرَصِ: ورِثْتُه
كابِراً عن كابِرٍ أَي ورثته عن آبائي وأَجدادي كبيراً عن كبير في العز
والشرف. التهذيب: ويقال ورثوا المجد كابراً عن كابر أَي عظيماً وكبيراً عن
كبير. وأَكْبَرْتُ الشيءَ أَي استعظمته. الليث: المُلوك الأَكابِرُ جماعة
الأَكْبَرِ ولا تجوز النَّكِرَةُ فلا تقول مُلوك أَكابِرُ ولا رجالٌ
أَكابِرُ لأَنه ليس بنعت إِنما هو تعجب. وكَبَّرَ الأَمْرَ: جعله كبيراً،
واسْتَكْبَرَه: رآه كبيراً؛ وأَما قوله تعالى: فلما رَأَيْنَه
أَكْبَرْنَه؛فأَكثر المفسرين يقولون: أَعظَمْنَه. وروي عن مجاهد أَنه قال: أَكبرنه
حِضْنَ وليس ذلك بالمعروف في اللغة؛ وأَنشد بعضهم:
نَأْتي النساءَ على أَطْهارِهِنّ، ولا
نأْتي النساءَ إِذا أَكْبَرْنَ إِكْباراً
قال أَبو منصور: وإِن صحت هذه اللفظة في اللغة بمعنى الحيض فلها
مَخْرَجٌ حَسَنٌ، وذلك أَن المرأَة أَوَّلَ ما تحيض فقد خرجت من حَدِّ الصِّغَرِ
إِلى حد الكِبَر، فقيل لها: أَكْبَرَتْ أَي حاضت فدخلت في حد الكِبَر
المُوجِبِ عليها الأَمْرَ والنهي. وروي عن أَبي الهيثم أَنه قال: سأَلت
رجلاً من طَيِّء فقلت: يا أَخا طيء، أَلك زوجة؟ قال: لا والله ما تزوّجت وقد
وُعِدْتُ في ابنة عم لي، قلت: وما سِنُّها؟ قال: قد أَكْبَرَتْ أَو
كَبِرَت، قلت: ما أَكْبَرَتْ؟ قال: حاضت. قال أَبو منصور: فلغة الطائي تصحح
أَن إِكْبارَ المرأَة أَول حيضها إِلا أَن هاء الكناية في قوله تعالى
أَكْبَرْنَهُ تنفي هذا المعنى، فالصحيح أَنهن لما رأَين يوسف راعَهُنَّ
جَمالُه فأَعظمنه. وروى الأَزهري بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى: فلما
رأَينه أَكبرنه، قال: حِضْنَ؛ قال أَبو منصور: فإِن صحت الرواية عن ابن عباس
سلمنا له وجعلنا الهاء في قوله أَكبرنه هاء وقفة لا هاء كناية، والله
أَعلم بما أَراد. واسْتِكْبارُ الكفار: أَن لا يقولوا لا إِله إِلاَّ اللهُ؛
ومنه قوله: إِنهم كانوا إِذا قيل لهم لا إِله إِلا الله يستكبرون؛ وهذا
هو الكِبْرُ الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلم: إِن من كان في قلبه
مِثْقالُ ذَرَّة من كِبْرٍ لم يدخل الجنة، قال: يعني به الشرك، والله أَعلم،
لا أَن يتكبر الإِنسان على مخلوق مثله وهو مؤمن بريه. والاستكبار:
الامتناع عن قبول الحق مُعاندة وتَكَبُّراً. ابن بُزُرْجٍ: يقال هذه الجارية من
كُبْرَى بناتِ فلان ومن صُغْرَى بناته، يريدون من صِغارِ بناته، ويقولون
من وُسْطى بنات فلان يريدون من أَوساط بنات فلان، فأَما قولهم: الله
أَكبر، فإِن بعضهم يجعله بمعنى كَبِير، وحمله سيبويه على الحذف أَي أَكبر من
كل شيء، كما تقول: أَنت أَفضلُ، تريد: من غيرك.
وكَبَّرَ: قال: الله أَكبر. والتكبير: التعظيم. وفي حديث الأَذان: الله
أَكبر. التهذيب: وأَما قول المصلي الله أَكبر وكذلك قول المؤذن ففيه
قولان: أَحدهما أَن معناه الله كبير فوضع أَفعل موضع فَعِيل كقوله تعالى: وهو
أَهْوَنُ عليه؛ أَي هو هَيِّنٌ عليه؛ ومثله قول مَعْنِ بن أَوس:
لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وإِني لأَوْجَلُ
معناه إِني وَجِل، والقول الآخر ان فيه ضميراً، المعنى الله أَكْبَرُ
كَبيرٍ، وكذلك الله الأَعَزُّ أَي أَعَزُّ عَزيز؛ قال الفرزدق:
إِن الذي سَمَكَ السماءَ بَنَى لنا
بيتاً، دَعائِمُه أَعَزُّ وأَطْوَلُ
أَي عزيزة طويلة، وقيل: معناه الله أَكبر من كل شيء أَي أَعظم، فحذف
لوضوح معناه، وأَكبر خبر، والأَخبار لا ينكر حذفها، وقيل: معناه الله أَكبر
من أن يُعْرف كُنْه كبريائه وعظمته، وإِنما قُدِّرَ له ذلك وأُوّلَ لأَن
أَفعل فعل يلزمه الأَلف واللام أَو الإِضافة كالأَكْبَر وأَكْبَر
القَوْمِ، والراء في أَكبر في الأَذان والصلاة ساكنة لا تضم للوقف، فإِذا وُصِلَ
بكلام ضُمَّ. وفي الحديث: كان إِذا افتتح الصلاة قال: الله أَكبر
كبيراً، كبيراً منصوب بإِضمار فعل كأَنه قال أُكَبِّرُ كَبيراً، وقيل: هو منصوب
على القطع من اسم الله. وروى الأَزهري عن ابن جُبَيْر ابن مُطْعِم عن
أَبيه: أَنه رأَى النبي، صلى الله عليه وسلم، يصلي قال: فكَبَّرَ وقال:
الله أَكبر كبيراً، ثلاث مرات، ثم ذكر الحديث بطوله؛ قال أَبو منصور: نصب
كبيراً لأَنه أَقامه مقام المصدر لأَن معنى قوله الله أَكْبَرُ أَُكَبِّرُ
اللهَ كَبيراً بمعنى تَكْبِيراً، يدل على ذلك ما روي عن الحسن: أَن نبي
الله، صلى الله عليه وسلم، كان إِذا قام إِلى صلاته من الليل قال: لا إِله
إِلا الله، الله أَكبر كبيراً، ثلاث مرات، فقوله كبيراً بمعنى تكبيراً
فأَقام الاسم مقام المصدر الحقيقي، وقوله: الحمد لله كثيراً أَي أَحْمَدُ
الله حَمْداً كثيراً.
والكِبَرُ: في السن؛ وكَبِرَ الرجلُ والدابةُ يَكْبَرُ كِبَراً
ومَكْبِراً، بكسر الباء، فهو كبير: طعن في السن؛ وقد عَلَتْه كَبْرَةٌ ومَكْبُرة
ومَكْبِرَة ومَكْبَرٌ وعلاه الكِبَرُ إِذا أَسَنَّ. والكِبَرُ: مصدر
الكبِيرِ في السِّنِّ من الناس والدواب. ويقال للسيف والنَّصْلِ العتيقِ الذي
قَدُمَ: عَلَتْهُ كَبْرَة؛ ومنه قوله:
سَلاجِمُ يَثْرِبَ اللاتي عَلَتْها،
بِيَثْرِبَ، كَبْرَةُ بعد المُرونِ
ابن سيده: ويقال للنصل العتيق الذي قد علاه صَدَأٌ فأَفسده: علته
كَبْرَةٌ. وحكى ابن الأَعرابي: ما كَبَرَني
(* قوله« ما كبرني إلخ» بابه نصر
كما في القاموس.) إِلا بسنة أَي ما زاد عَلَيَّ إِلا ذلك. الكسائي: هو
عِجْزَةُ وَلَدِ أَبويه آخِرُهم وكذلك كِبْرَةُ ولد أَبويه أَي أَكبرهم. وفي
الصحاح: كِبْرَةُ ولد أَبويه إِذا كان آخرهم، يستوي فيه الواحد والجمع،
والمذكر والمؤنث في ذلك سواء، فإِذا كان أَقعدَهم في النسب قيل: هو
أَكْبَرُ قومه وإِكْبِرَّةُ قومه، بوزن إِفْعِلَّة، والمرأَة في ذلك كالرجل.
قال أَبو منصور: معنى قول الكسائي وكذلك كِبْرَةُ ولد أَبويه ليس معناه
أَنه مثل عِجْزَة أَي أَنه آخرهم، ولكن معناه أَن لفظه كلفظه، وأَنه للمذكر
والمؤنث سواء، وكِبْرَة ضِدُّ عِجْزَة لأَن كِبْرة بمعنى الأَكْبَر
كالصِّغْرَة بمعنى الأَصْغَر، فافهم. وروى الإِيادي عن شمر قال: هذا كبْرَة
ولد أَبويه للذكر والأُنثى، وهو آخر ولد الرجل، ثم قال: كِبْرَة ولد أَبيه
بمعنى عِجْزة. وفي المؤلف للكسائي: فلان عِجْزَةُ ولَدِ أَبيه آخرهم،
وكذلك كِبْرَة ولد أَبيه، قال الأَزهري: ذهب شمر إِلى أَن كِبْرَة معناه
عِجْزَة وإِنما جعله الكسائي مثله في اللفظ لا في المعنى. أَبو زيد: يقال هو
صِغْرَةُ ولد أَبيه وكِبْرَتُهم أَي أَكبرهم، وفلان كِبْرَةُ القوم
وصِغْرَةُ القوم إِذا كان أَصْغَرَهم وأَكبرهم. الصحاح: وقولهم هو كُبْرُ
قومه، بالضم، أَي هو أَقْعَدُهم في النسب. وفي الحديث: الوَلاءُ للكُبْرِ،
وهو أَن يموت الرجل ويترك ابناً وابن ابن، فالولاء للابن دون ابن الابن.
وقال ابن الأَثير في قوله الولاء للكُبْر أَي أَكْبَرِ ذرية الرجل مثل أَن
يموت عن ابنين فيرثان الولاء، ثم يموت احد الابنين عن أَولاد فلا يرثون
نصيب أَبيهما من الولاء، وإِنما يكون لعمهم وهو الابن الآخر. يقال: فلان
كُبْر قومه بالضم إِذا كان أَقعدَهم في النسب، وهو أَن ينتسب إِلى جده
الأَكبر بآباء أَقل عدداً من باقي عشيرته. وفي حديث العباس: إِنه كان
كُبْرَ قومه لأَنه لم يبق من بني هاشم أَقرب منه إِليه في حياته. وفي حديث
القسامة: الكُبْرَ الكُبْرَ أَي لِيَبْدَإِ الأَكْبَرُ بالكلام أَو قَدِّموا
الأَكْبَر إِرْشاداً إِلى الأَدب في تقديم الأَسَنِّ، ويروى: كَبِّر
الكُبْرَ أَي قَدِّمِ الأَكبر. وفي الحديث: أَن رجلاً مات ولم يكن له وارث
فقال: ادْفعوا ماله إِلى أَكْبَرِ خُزاعة أَي كبيرهم وهو أَقربهم إِلى
الجد الأَعلى. وفي حديث الدفن: ويجعل الأَكْبَرُ مما يلي القبلة أَي
الأَفضل، فإِن استووا فالأَسن. وفي حديث ابن الزبير وهدمه الكعبة: فلما أَبرَزَ
عن رَبَضه دعا بكُبْرِه فنظروا إِليه أَي بمشايخه وكُبَرائه، والكُبْرُ
ههنا: جمع الأَكْبَرِ كأَحْمَر وحُمْر. وفلان إِكْبِرَّة قومه، بالكسر
والراء مشددة، أَي كُبْرُ قومه، ويستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث. ابن
سيده: وكُبْرُ وَلَدِ الرجل أَكْبَرُهم من الذكور، ومنه قولهم: الولاء
للكُبْر. وكِبْرَتُهم وإِكبِرَّتُهم: ككُبرهم. الأَزهري: ويقال فلان كُبُرُّ
ولد أَبيه وكُبُرَّةُ ولد أَبيه، الراء مشددة، هكذا قيده أَبو اليثم بخطه.
وكُبْرُ القوم وإِكْبِرَّتُهم: أَقعدهم بالنسب، والمرأَة في ذلك كالرجل،
وقال كراع: لا يوجد في الكلام على إِفْعِلٍّ إِكْبِرٌّ.
وكَبُرَ الأَمْرُ كِبَراً وكَبارَةً: عَظُمَ. وكلُّ ما جَسُمَ، فقد
كَبُرَ. وفي التنزيل العزيز: قُلْ كُونُوا حجارَةً أَو حديداً أَو خلقاً مما
يَكْبُر في صدوركم؛ معناه كونوا أَشد ما يكون في أَنفسكم فإِني أُمِيتكم
وأُبْلِيكم. وقوله عز وجل: وإِن كانت لَكَبيرةً إِلا على الذين هَدَى
اللهُ؛ يعني وإِن كان اتباعُ هذه القبلة يعني قبلة بيت المقدس إِلاَّ
فَعْلَة كبيرة؛ المعنى أَنها كبيرة على غير المخلصين، فأَما من أَخلص فليست
بكبيرة عليه. التهذيب: إِذا أَردت عِظَمَ الشيء قلت: كَبُرَ يَكْبُرُ
كِبَراً، كما لو قلت: عَظُمَ يَعظُم عِظَماً. وتقول: كَبُرَ الأَمْرُ يَكْبُر
كَبارَةً. وكُِبْرُ الشيء أَيضاً: معظمه. ابن سيده: والكِبْرُ معظم الشيء،
بالكسر، وقوله تعالى: والذي تولى كِبْرَه منهم له عذاب عظيم؛ قال ثعلب:
يعني معظم الإِفك؛ قال الفراء: اجتمع القراء على كسر الكاف وقرأَها
حُمَيْدٌ الأَعرج وحده كُبْرَه، وهو وجه جيد في النحو لأن العرب تقول: فلان
تولى عُظْمَ الأَمر، يريدون أَكثره؛ وقال ابن اليزيدي: أَظنها لغة؛ قال
أَبو منصور: قاسَ الفراء الكُبْرَ على العُظْمِ وكلام العرب على غيره. ابن
السكيت: كِبْرُ الشيء مُعْظَمُه، بالكسر؛ وأَنشد قول قَيْسِ بن
الخَطِيمِ:تَنامُ عن كِبْرِ شأْنِها، فإِذا
قامَتْ رُوَيْداً، تَكادُ تَنْغَرِفُ
وورد ذلك في حديث الإِفك: وهو الذي تَوَلَّى كِبْرَه أَي معظمه، وقيل:
الكِبر الإِثم وهو من الكبيرة كالخِطْءِ من الخَطيئة. وفي الحديث أَيضاً:
إِن حسان كان ممن كَبَّر عليها. ومن أَمثالهم: كِبْرُ سِياسَةِ الناس في
المال. قال: والكِبْرُ من التَّكَبُّرِ أَيضاً، فأَما الكُبْرُ، بالضم،
فهو أَكْبَرُ ولد الرجل. ابن سيده: والكِبْرُ الإِثم الكبير وما وعد الله
عليه النار. والكِبْرَةُ: كالكِبْرِ، التأْنيث على المبالغة.
وفي التنزيل العزيز: الذين يَجْتَنِبُون كبائرَ الإِثم والفَواحشَ.وفي
الأَحاديث ذكر الكبائر في غير موضع، واحدتها كبيرة، وهي الفَعْلةُ
القبيحةُ من الذنوب المَنْهِيِّ عنها شرعاً، العظيم أَمرها كالقتل والزنا
والفرار من الزحف وغير ذلك، وهي من الصفات الغالبة. وفي الحديث عن ابن عباس:
أَن رجلاً سأَله عن الكبائر: أَسَبْعٌ هي ففقال: هي من السبعمائة أَقْرَبُ
إِلا أَنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إِصرار. وروى مَسْرُوقٌ قال:
سُئِلَ عبد الله عن الكبائر فقال: ما بين فاتحة النساء إِلى رأْس
الثلثين.
ويقال: رجل كَبِير وكُبارٌ وكُبَّارٌ؛ قال الله عز وجل: ومَكَرُوا
مَكْراً كُبَّاراً. وقوله في الحديث في عذاب القبر: إِنهما ليعذبان وما
يُعَذَّبان في كَبير أَي ليس في أَمر كان يَكْبُر عليهما ويشق فعله لو أَراداه،
لا أَنه في نفسه غير كبير، وكيف لا يكون كبيراً وهما يعذبان فيهف وفي
الحديث: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة خردل من كِبر؛ قال ابن
الأَثير: يعني كِبْرَ الكفر والشرك كقوله تعالى: إِن الذين يستكبرون عن عبادتي
سيدخلون جهنم داخرين؛ أَلا تَرى أَنه قابله في نقيضه بالإِيمان فقال: ولا
يَدْخُلُ النارَ من في قلبه مثل ذلك من الإِيمان؛ أَراد دخول تأْبيد؛
وقيل: إِذا دَخَلَ الجنةَ نُزِعَ ما في قلبه من الكِبر كقوله تعالى: ونزعنا
ما في صدورهم من غِلٍّ؛ ومنه الحديث: ولكنّ الكِبْرَ مَن بَطِرَ الحَقَّ؛
هذا على الحذف، أَي ولكنّ ذا الكبر مَن بَطِرَ، أَو ولكنَّ الكِبْرَ
كِبْرُ من بَطِر، كقوله تعالى: ولكنَّ البِرَّ من اتقى. وفي الحديث: أَعُوذ
بك من سُوءِ الكِبر؛ يروى بسكون الباء وفتحها، فالسكون من هذا المعنى،
والفتح بمعنى الهَرَم والخَرَفِ. والكِبْرُ: الرفعة في الشرف. ابن
الأَنباري: الكِبْرِياء الملك في قوله تعالى: وتكون لكما الكبرياء في الأَرض؛ أَي
الملك. ابن سيده: الكِبْر، بالكسر، والكبرياء العظمة والتجبر؛ قال كراع:
ولا نظير له إِلا السِّيمِياءُ العَلامةُ، والجِرْبِياءُ الريحُ التي
بين الصَّبا والجَنُوب، قال: فأَما الكِيمياء فكلمة أَحسبها أَعجمية. وقد
تَكَبَّر واستكْبَر وتَكابَر وقيل تَكَبَّرَ: من الكِبْر، وتَكابَر: من
السِّنّ. والتكَبُّر والاستِكبار: التَّعظّم. وقوله تعالى: سأَصْرِفُ عن
آياتيَ الذين يَتَكَبَّرون في الأَرض بغير الحق؛ قال الزجاج: أَي أَجْعَلُ
جزاءَهم الإِضلال عن هداية آياتي؛ قال: ومعى يتكبرون أَي أَنهم يَرَوْنَ
أَنهم أَفضل الخلق وأَن لهم من الحق ما ليس لغيرهم، وهذه الصفة لا تكون
إِلا لله خاصة لأَن الله، سبحانه وتعالى، هو الذي له القدرة والفضل الذي
ليس لأَحد مثله، وذلك الذي يستحق أَن يقال له المُتَكَبِّر، وليس لأَحد
أَن يتكبر لأَن الناس في الحقوق سواء، فليس لأَحد ما ليس لغيره فالله
المتكبر، وأَعْلَم اللهُ أَن هؤلاء يتكبرون في الأَرض بغير الحق أَي هؤلاء هذه
صفتهم؛ وروي عن ابن العباس أَنه قال في قوله يتكبرون في الأَرض بغير
الحق: من الكِبَر لا من الكِبْرِ أَي يتفضلون ويَرَوْنَ أَنهم أَفضل الخلق.
وقوله تعالى: لَخَلْقُ السموات والأَرض أَكبر من خلق الناس؛ أَي أَعجب.
أَبو عمرو: الكابِرُ السيدُ، والكابِرُ الجَدُّ الأَكْبَرُ. والإِكْبِرُ
والأَكْبَرُ: شيء كأَنه خبيص يابس فيه بعض اللين ليس بشمع ولا عسل وليس
بشديد الحلاوة ولا عذب، تجيء النحل به كما تجيء بالشمع.
والكُبْرى: تأْنيث الأَكْبَر والجمع الكُبَرُ، وجمع الأَكْبَرِ
الأَكابِرُ والأَكْبَرُون، قال: ولا يقال كُبْرٌْ لأَن ههذ البنية جعلت للصفة
خاصة مثل الأَحمر والأَسود، وأَنت لا تصف بأَكبر كما تصف بأَحمر، لا تقول
هذا رجل أَكبر حتى تصله بمن أَو تدخل عليه الأَلف واللام. وفي الحديث:
يَوْم الحَجِّ الأَكْبَرِ، قيل: هو يوم النحر، وقيل: يوم عرفة، وإِنما سمي
الحج الأَكبر لأَنهم يسمون العمرة الحج الأَصغر. وفي حديث أَبي هريرة:
سَجَدَ أَحدُ الأَكْبَرَيْنِ في: إِذا السماءُ انشَقَّتْ؛ أَراد الشيخين أَبا
بكر وعمر. وفي حديث مازِنٍ: بُعِثَ نبيّ من مُضَر بدين الله الكُبَر،
جمع الكبرى؛ ومنه قوله تعالى: إِنها لإِحدى الكُبَرِ، وفي الكلام مضاف
محذوف تقديره بشرائع دين الله الكُبَرِ. وقوله في الحديث: لا تُكابِرُوا
الصلاةَ بمثلها من التسبيح في مقام واحد كأَنه أَراد لا تغالبوها أَي خففوا
في التسبيح بعد التسليم، وقيل: لا يكن التسبيح الذي في الصلاة أَكثر منها
ولتكن الصلاة زائدة عليه. شمر: يقال أَتاني فلان أَكْبَرَ النهار وشَبابَ
النهار أَي حين ارتفع النهار، قال الأَعشى:
ساعةً أَكْبَرَ النهارُ، كما شدَّ
مُحِيلٌ لَبُونَه إِعْتاما
يقول: قتلناهم أَول النهار في ساعة قَدْرَ ما يَشُدّ المُحِيلُ أَخْلافَ
إِبله لئلا يَرْضَعَها الفُصْلانُ. وأَكْبَر الصبيُّ أَي تَغَوَّطَ، وهو
كناية.
والكِبْرِيتُ: معروف، وقولهم أَعَزُّ من الكبريت الأَحمر، إِنما هو
كقولهم: أَعَزُّ من بَيْضِ الأَنُوقِ. ويقال: ذَهَبٌ كِبْرِيتٌ أَي خالص؛ قال
رُؤْبَةُ ابنُ العَجَّاج بن رؤبة:
هل يَنْفَعَنّي كذبٌ سِخْتِيتُ،
أَو فِضَّةٌ أَو ذَهَبٌ كِبْرِيتُ؟
والكَبَرُ: الأَصَفُ، فارسي معرب. والكَبَرُ: نبات له شوك. والكَبَرُ:
طبل له وجه واحد. وفي حديث عبد الله بن زيد صاحب الأَذان: أَنه أَخَذَ
عوداً في منامه ليتخذ منه كَبَراً؛ رواه شمر في كتابه قال: الكبر بفتحتين
الطبلُ فيما بَلَغَنا، وقيل: هو الطبل ذو الرأْسين، وقيل: الطبل الذي له
وجه واحد. وفي حديث عطاء: سئل عن التعويذ يعلق على الحائط، فقال: إِن كان
في كَبَرٍ فلا بأْس أَي في طبل صغير، وفي رواية: إِن كان في قَصَبَةٍ،
وجمعه كِبارٌ مثل جَمَلٍ وجِمالٍ.
والأَكابِرُ: إَحياء من بكر بن وائل، وهم شَيْبانُ وعامر وطلحة من بني
تَيْم الله بن ثعلبة بن عُكابَة أَصابتهم سنة فانْتَجَعُوا بلادَ تَميم
وضَبَّةَ ونزلوا على بَدْرِ بن حمراء الضبي فأَجارهم ووفى لهم، فقال بَدْرٌ
في ذلك:
وَفَيْتُ وفاءً لم يَرَ الناسُ مِثْلَهُ
بتِعشارَ، إِذ تَحْبو إِليَّ الأَكابِرُ
والكُِبْرُ في الرِّفْعةِ والشَّرَف؛ قال المَرَّارُ:
ولِيَ الأَعْظَمُ من سُلاَّفِها،
ولِيَ الهامَةُ فيها والكُبُرْ
وذُو كِبار: رجل. وإِكْبِرَةُ وأَكْبَرَةُ: من بلاد بني أَسد؛ قال
المَرَّارُ الفَقْعَسيّ:
فما شَهِدَتْ كَوادِسُ إِذْ رَحَلْنا،
ولا عَتَبَتْ بأَكْبَرَةَ الوُعُولُ
دبر: الدُّبُرُ والدُّبْرُ: نقيض القُبُل. ودُبُرُ كل شيء: عَقِبُه
ومُؤخَّرُه؛ وجمعهما أَدْبارٌ. ودُبُرُ كلِّ شيء: خلاف قُبُلِه في كل شيء ما
خلا قولهم
(* قوله: «ما خلا قولهم جعل فلان إلخ» ظاهره أن دبر في قولهم
ذلك بضم الدال والباء، وضبط في القاموس ونسخة من الصحاح بفتح الدال وسكون
الموحدة). جعل فلان قولك دبر أُذنه أَي خلف أُذنه. الجوهري: الدُّبْرُ
والدُّبُرُ خلاف القُبُل، ودُبُرُ الشهر: آخره، على المثل؛ يقال: جئتك
دُبُرَ الشهر وفي دُبُرِه وعلى دُبُرِه، والجمع من كل ذلك أَدبار؛ يقال: جئتك
أَدْبار الشهر وفي أَدْباره. والأَدْبار لذوات الحوافر والظِّلْفِ
والمِخْلَبِ: ما يَجْمَعُ الاسْتَ والحَياءَ، وخص بعضهم به ذوات الخُفِّ،
والحياءُ من كل ذلك وحده دُبُرٌ. ودُبُرُ البيت: مؤخره وزاويته.
وإِدبارُ النجوم: تواليها، وأَدبارُها: أَخذها إِلى الغَرْبِ للغُرُوب
آخر الليل؛ هذه حكاية أَهل اللغة؛ قال ابن سيده: ولا أَدري كيف هذا لأَن
الأَدْبارَ لا يكون الأَخْذَ إِذ الأَخذ مصدر، والأَدْبارُ أَسماء.
وأَدبار السجود وإِدباره. أَواخر الصلوات، وقد قرئ: وأَدبار وإِدبار، فمن قرأَ
وأَدبار فمن باب خلف ووراء، ومن قرأَ وإِدبار فمن باب خفوق النجم. قال
ثعلب في قوله تعالى: وإِدبار النجوم وأَدبار السجود؛ قال الكسائي: إِدبار
النجوم أَن لها دُبُراً واحداً في وقت السحَر، وأَدبار السجود لأَن مع كل
سجدة إدباراً؛ التهذيب: من قرأَ وأَدبار السجود، بفتح الأَلف، جمع على
دُبُرٍ وأَدبار، وهما الركعتان بعد المغرب، روي ذلك عن علي بن أَبي طالب،
كرّم الله وجهه، قال: وأَما قوله وإِدبار النجوم في سورة الطور فهما
الركعتان قبل الفجر، قال: ويكسران جميعاً وينصبان؛ جائزان.
ودَبَرَهُ يَدْبُرُه دُبُوراً: تبعه من ورائه.
ودابِرُ الشيء: آخره. الشَّيْبانِيُّ. الدَّابِرَةُ آخر الرمل. وقطع
الله دابِرَهم أَي آخر من بقي منهم. وفي التنزيل: فَقُطِعَ دابِرُ القوم
الذين ظلموا؛ أَي اسْتُؤْصِلَ آخرُهم؛ ودَابِرَةُ الشيء: كَدَابِرِه. وقال
الله تعالى في موضع آخر: وقَضَيْنا إِليه ذلك الأَمْرَ أَن دَابِرَ هؤلاء
مقطوع مُصْبِحِين. قولُهم: قطع الله دابره؛ قال الأَصمعي وغيره: الدابر
الأَصل أَي أَذهب الله أَصله؛ وأَنشد لِوَعْلَةَ:
فِدًى لَكُمَا رِجْلَيَّ أُمِّي وخالَتِي،
غَداةَ الكُلابِ، إِذْ تُحَزُّ الدَّوابِرُ
أَي يقتل القوم فتذهب أُصولهم ولا يبقى لهم أَثر. وقال ابن بُزُرْجٍ:
دَابِرُ الأَمر آخره، وهو على هذا كأَنه يدعو عليه بانقطاع العَقِبِ حتى لا
يبقى أَحد يخلفه. الجوهري: ودُبُرُ الأَمر ودُبْرُه آخره؛ قال الكميت:
أَعَهْدَكَ مِنْ أُولَى الشَّبِيبَةِ تَطْلُبُ
على دُبُرٍ؟ هَيْهَاتَ شأْوٌ مُغَرِّبُ
وفي حديث الدعاء: وابْعَثْ عليهم بأْساً تَقْطَعُ به دابِرَهُمْ؛ أَي
جميعهم حتى لا يبقى منهم أَحد. ودابِرُ القوم: آخِرُ من يبقى منهم ويجيء في
آخرهم. وفي الحديث: أَيُّما مُسْلِمٍ خَلَف غازياً ي دابِرَتِه؛ أَي من
يبقى بعده. وفي حديث عمر: كنت أَرجو أَن يعيش رسولُ الله، صلى الله عليه
وسلم، حتى يَدْبُرَنا أَي يَخْلُفَنا بعد موتنا. يقال: دَبَرْتُ الرجلَ
إِذا بقيت بعده. وعَقِبُ الرجل: دَابِرُه.
والدُّبُرُ والدُّبْرُ: الظهر. وقوله تعالى: سَيُهْزَمُ الجمع
ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ؛ جعله للجماعة، كما قال تعالى: لا يَرْتَدُّ إِليهم
طَرْفُهُمْ؛ قال الفرّاء: كان هذا يومَ بدر وقال الدُّبُرَ فوَحَّدَ ولم يقل
الأَدْبارَ، وكلٌّ جائز صوابٌ، تقول: ضربنا منهم الرؤوس وضربنا منهم الرأْس،
كما تقول: فلان كثير الدينار والدرهم؛ وقال ابن مقبل:
الكاسِرِينَ القَنَا في عَوْرَةِ الدُّبُرِ
ودابِرَةُ الحافر: مُؤَخَّرُه، وقيل: هي التي تلي مُؤَخَّرَ الرُّسْغِ،
وجمعها الدوابر. الجوهري: دَابِرَة الحافر ما حاذى موضع الرسغ، ودابرة
الإِنسان عُرْقُوبه؛ قال وعلة: إِذ تحز الدوابر. ابن الأَعرابي:
الدَّابِرَةُ المَشْؤُومَةُ، والدابرة الهزيمة.
والدَّبْرَةُ، بالإِسكان والتحريك: الهزيمة في القتال، وهو اسم من
الإِدْبار. ويقال: جعل الله عليهم الدَّبْرَةَ، أَي الهزيمة، وجعل لهم
الدَّبْرَةَ على فلان أَي الظَّفَر والنُّصْرَةَ. وقال أَبو جهل لابن مسعود يوم
بدر وهو مُثْبَتٌ جَريح صَرِيعٌ: لِمَنِ الدَّبْرَةُ؟ فقال: لله ولرسوله
يا عدوّ الله؛ قوله لمن الدبرة أَي لمن الدولة والظفر، وتفتح الباء
وتسكن؛ ويقال: عَلَى مَنِ الدَّبْرَةُ أَيضاً أَي الهزيمة.
والدَّابِرَةُ: ضَرْبٌ من الشَّغْزَبِيَّة في الصِّرَاعِ.
والدَّابِرَةُ: صِيصِيَةُ الدِّيك. ابن سيده: دَابِرَةُ الطائر
الأُصْبُعُ التي من وراء رجله وبها يَضْرِبُ البَازِي، وهي للديك أَسفل من
الصِّيصِيَةِ يطأُ بها.
وجاء دَبَرِيّاً أَي أَخِيراً. وفلان لا يصلي الصلاة إِلاَّ دَبَرِيّاً،
بالفتح، أَي في آخر وقتها؛ وفي المحكم: أَي أَخيراً؛ رواه أَبو عبيد عن
الأَصمعي، قال: والمُحَدِّثُون يقولون دُبُرِيّاً، بالضم، أَي في آخر
وقتها؛ وقال أَبو الهيثم: دَبْرِيّاً، بفتح الدال وإِسكان الباء. وفي الحديث
عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة:
رجلٌ أَتى الصلاةَ دِباراً، رجل اعْتَبَدَ مُحرَّراً، ورجلٌ أَمَّ قوماً
هم له كارهون؛ قال الإِفْرِيقيُّ راوي هذا الحديث: معنى قوله دباراً أَي
بعدما يفوت الوقت. وفي حديث أَبي هريرة: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم،
قال: «إِن للمنافقين علامات يُعرفون بها: تَحِيَّتُهم لَعْنَةٌ، وطعامهم
نُهْبَةٌ، لا يَقْرَبُون المساجد إِلا هَجْراً، ولا يأْتون الصلاة إِلا
دَبْراً، مستكبرين لا يأْلَفُون ولا يُؤْلَفُونَ، خُشُبٌ بالليل، صُخُبٌ
بالنهار؛ قال ابن الأَعرابي: قوله دباراً في الحديث الأَوَّل جمع دَبْرٍ
ودَبَرٍ، وهو آخر أَوقات الشيء الصلاة وغيرها؛ قال: ومنه الحديث الآخر لا
يأْتي الصلاة إِلا دبْراً، يروى بالضم والفتح، وهو منصوب على الظرف؛ وفي
حديث آخر: لا يأْتي الصلاة إِلا دَبَرِيّاً، بفتح الباء وسكونها، وهو
منسوب إِلى الدَّبْرِ آخر الشيء، وفتح الباء من تغييرات النسب، ونصبه على
الحال من فاعل يأْتي، قال: والعرب تقول العِلم قَبْلِيٌّ وليس
بالدَّبَرِيِّ؛ قال أَبو العباس: معناه أَن العالم المتقن يجيبك سريعاً والمتخلف يقول
لي فيها نظر. ابن سيده: تبعت صاحبي دَبَرِيّاً إِذا كنت معه فتخلفت عنه
ثم تبعته وأَنت تحذر أَن يفوتك.
ودَبَرَهُ يَدْبِرُه ويَدْبُرُه: تَلا دُبُرَه. والدَّابِرُ: التابع.
وجاء يَدْبُرُهم أَي يَتْبَعُهُمْ، وهو من ذلك. وأَدْبَرَ إِدْباراً
ودُبْراً: ولَّى؛ عن كراع. والصحيح أَن الإِدْبارَ المصدر والدُّبْر الاسم.
وأَدْبَرَ أَمْرُ القوم: ولَّى لِفَسادٍ. وقول الله تعالى: ثم ولَّيتم
مدبرين؛ هذا حال مؤكدة لأَنه قد علم أَن مع كل تولية إِدباراً فقال مدبرين
مؤكداً؛ ومثله قول ابن دارة:
أَنا ابْنُ دَارَةَ مَعروفاً لها نسَبي،
وهَلْ بدارَةَ، با لَلنَّاسِ، من عارِ؟
قال ابن سيده: كذا أَنشده ابن جني لها نسبي وقال لها يعني النسبة، قال:
وروايتي له نسبي.
والمَدْبَرَةُ: الإِدْبارُ؛ أَنشد ثعلب:
هذا يُصادِيكَ إِقْبالاً بِمَدْبَرَةٍ؛
وذا يُنادِيكَ إِدْباراً بِإِدْبارِ
ودَبَرَ بالشيء: ذهب به. ودَبَرَ الرجلُ: ولَّى وشَيَّخَ؛ ومنه قوله
تعالى: والليل إِذا دَبَرَ؛ أَي تبع النهارَ قَبْلَه، وقرأَ ابن عباس
ومجاهد: والليل إِذ أَدْبَرَ، وقرأَها كثير من الناس: والليل إِذا دَبَرَ، وقال
الفراء: هما لغتان: دَبَرَ النهار وأَدْبَرَ، ودَبَرَ الصَّيْفُ
وأَدْبَرَ، وكذلك قَبَلَ وأَقْبَلَ، فإِذا قالوا أَقبل الراكب أَو أَدبر لم
يقولوا إِلا بالأَلف، قال: وإِنهما عندي في المعنى لَواحدٌ لا أُبْعِدُ اين
يأْتي في الرجال ما أَتى في الأَزمنة، وقيل: معنى قوله: والليل إِذا
دَبَرَ، جاء بعد النهار، كما تقول خَلَفَ. يقال: دَبَرَنِي فلان وخَلَفَنِي
أَي جاء بعدي، ومن قرأَ: والليل إِذا أَدْبَرَ؛ فمعناه ولَّى ليذهب.
ودَابِرُ العَيْشِ: آخره؛ قال مَعْقِلُ ابنُ خُوَيْلِدٍ الهُذَلِيُّ:
وما عَرَّيْتُ ذا الحَيَّاتِ، إِلاَّ
لأَقْطَعَ دَابِرَ العَيْشِ الحُبَابِ
وذا الحيات: اسم سيفه. ودابر العيش: آخره؛ يقول: ما عريته إِلا لأَقتلك.
ودَبَرَ النهار وأَدْبَرَ: ذهب. وأَمْسِ الدَّابِرُ:
الذاهب؛ وقالوا: مضى أَمْسِ الدَّابِرُ وأَمْسِ الْمُدْبِرُ، وهذا من
التطوّع المُشامِّ للتأْكيد لأَن اليوم إِذا قيل فيه أَمْسِ فمعلوم أَنه
دَبَرَ، لكنه أَكده بقوله الدابر كما بينا؛ قال الشاعر:
وأَبِي الذي تَرَكَ الملوكَ وجَمْعَهُمْ
بِصُهَابَ هامِدَةً، كأَمْسِ الدَّابِرِ
وقال صَخْرُ بن عمرو الثَّرِيد السُّلَمِي:
ولقد قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَداً،
وتَرَكْتُ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْسِ الدَّابِرِ
ويروى المُدْبِرِ. قال ابن بري: والصحيح في إِنشاده مثل أَمس المدبر؛
قال: وكذلك أَنشده أَبو عبيدة في مقاتل الفرسان؛ وأَنشد قبله:
ولقد دَفَعْتُ إِلى دُرَيْدٍ طَعْنَةً
نَجْلاءَ تُزْغِلُ مثل عَطِّ المَنْحَرِ
تُزْغِلُ: تُخْرِجُ الدَّمَ قِطَعاً قِطَعاً. والعَطُّ: الشَّقُّ.
والنجلاء: الواسعة. ويقال: هيهات، ذهب فلان كما ذهب أَمْسِ الدابِرُ، وهو
الماضي لا يرجع أَبداً. ورجل خاسِرٌ دابِرٌ إتباع، وسيأْتي خاسِرٌ دابِرٌ،
ويقال خاسِرٌ دامِرٌ، على البدل، وإِن لم يلزم أَن يكون بدلاً.
واسْتَدْبَرَهُ: أَتاه من ورائه؛ وقول الأَعشى يصف الخمر أَنشده أَبو
عبيدة:
تَمَزَّزْتُها غَيْرَ مُسْتَدْبِرٍ،
على الشُّرْبِ، أَو مُنْكِرٍ ما عُلِمْ
قال: قوله غير مستدبر فُسِّرَ غير مستأْثر، وإِنما قيل للمستأْثر مستدبر
لأَنه إِذا استأْثر بشربها استدبر عنهم ولم يستقبلهم لأَنه يشربها دونهم
ويولي عنهم. والدَّابِرُ من القداح: خلاف القَابِلِ، وصاحبه مُدَابِرٌ؛
قال صَخْر الغَيّ الهُذَلِيُّ يصف ماء ورده:
فَخَضْخَضْتُ صُفْنِيَ في جَمِّهِ،
خِيَاضَ المُدابِرِ قِدْحاً عَطُوفَا
المُدابِرُ: المقمور في الميسر، وقيل: هو الذي قُمِرَ مرة بعد
فَيُعَاوِدُ لِيَقْمُرَ؛ وقال الأَصمعي: المدابر المُوَلِّي المُعْرِض عن صاحبه؛
وقال أَبو عبيد: المدابر الذي يضرب بالقداح. ودَابَرْتُ فلاناً: عاديته.
وقولهم: ما يَعْرِفُ قَبيلَهُ من دَبِيرِه، وفلان ما يَدْرِي قَبِيلاً
من دَبِيرٍ؛ المعنى ما يدري شيئاً. وقال الليث: القَبِيلُ فَتْلُ
القُطْنِ، والدَّبِيرُ: فَتْلُ الكَتَّانِ والصُّوف. ويقال: القَبِيلُ ما
وَلِيَكَ والدَّبِيرُ ما خالفك. ابن الأَعرابي: أَدْبَرَ الرجلُ إِذا عَرَفَ
دَبِيره من قَبيله. قال الأَصمعي: القَبيل ما أَقبل من الفاتل إِلى حِقْوِه،
والدَّبِيرُ ما أَدبر به الفاتل إِلى ركبته. وقال المفضل: القبيل فَوْزُ
القِدح في القِمَارِ، والدَّبِيرُ خَيْبَةُ القِدْحِ. وقال الشيباني:
القَبيل طاعة الرب والدَّبير معصيته. الصحاح: الدَّبير ما أَدبرتْ به
المرأَة من غَزْلها حين تَفْتِلُه. قال يعقوب: القَبيلُ ما أَقْبلتَ به إِلى
صدرك، والدَّبير ما أَدبرتَ به عن صدرك. يقال: فلان ما يعرف قَبيلاً من
دَبير، وسنذكر من ذلك أَشياء في ترجمةِ قَبَلَ، إِن شاء الله تعالى.
والدِّبْرَةُ: خِلافُ القِبْلَة؛ يقال: فلان ما له قِبْلَةٌ ولا
دِبْرَةٌ إِذا لم يهتد لجهة أَمره، وليس لهذا الأَمر قِبْلَةٌ ولا دِبْرَةٌ إِذا
لم يعرف وجهه؛ ويقال: قبح الله ما قَبَلَ منه وما دَبَرَ. وأَدْبَرَ
الرجلَ: جعله وراءه. ودَبَرَ السَّهْمُ أَي خرج من الهَدَفِ. وفي المحكم:
دَبَرَ السهمُ الهَدَفَ يَدْبُرُه دَبْراً ودُبُوراً جاوزه وسقط وراءه.
والدَّابِرُ من السهام: الذي يخرج من الهَدَفِ. ابن الأَعرابي: دَبَرَ ردَّ،
ودَبَرَ تأَخر، وأَدْبَرَ إِذا انْقَلَبَتْ فَتْلَةُ أُذن الناقة إِذا
نُحِرَتْ إِلى ناحية القَفَا، وأَقْبَلَ إِذا صارت هذه الفَتْلَةُ إِلى
ناحية الوجه.
والدَّبَرَانُ: نجم بين الثُّرَيَّا والجَوْزاءِ ويقال له التَّابِعُ
والتُّوَيْبِعُ، وهو من منازل القمر، سُمِّيَ دَبَرَاناً لأَنه يَدْبُرُ
الثريا أَي يَتْبَعُها. ابن سيده: الدَّبَرانُ نجم يَدْبُرُ الثريا، لزمته
الأَلف واللام لأَنهم جعلوه الشيء بعينه. قال سيبويه: فإِن قيل: أَيقال
لكل شيء صار خلف شيء دَبَرانٌ؟ فإِنك قائل له: لا، ولكن هذا بمنزلة العدْل
والعَدِيلِ، وهذا الضرب كثير أَو معتاد. الجوهري: الدَّبَرانُ خمسة
كواكب من الثَّوْرِ يقال إِنه سَنَامُه، وهو من منازل القمر.
وجعلتُ الكلامَ دَبْرَ أُذني وكلامَه دَبْرَ أُذني أَي خَلْفِي لم
أَعْبَأْ به، وتَصَامَمْتُ عنه وأَغضيت عنه ولم أَلتفت إِليه، قال:
يَدَاها كأَوْبِ الماتِحِينَ إِذا مَشَتْ،
ورِجْلٌ تَلَتْ دَبْرَ اليَدَيْنِ طَرُوحُ
وقالوا: إِذا رأَيت الثريا تُدْبِرُ فَشَهْر نَتَاج وشَهْر مَطَر، أَي
إِذا بدأَت للغروب مع المغرب فذلك وقت المطر ووقت نَتاج الإِبل، وإِذا
رأَيت الشِّعْرَى تُقْبِلُ فمَجْدُ فَتًى ومَجْدُ حَمْلٍ، أَي إِذا رأَيت
الشعرى مع المغرب فذلك صَمِيمُ القُرِّ، فلا يصبر على القِرَى وفعل الخير
في ذلك الوقت غير الفتى الكريم الماجد الحرّ، وقوله: ومجد حمل أَي لا يحمل
فيه الثِّقْلَ إِلا الجَمَلُ الشديد لأَن الجمال تُهْزَلُ في ذلك الوقت
وتقل المراعي.
والدَّبُورُ: ريح تأْتي من دُبُرِ الكعبة مما يذهب نحو المشرق، وقيل: هي
التي تأْتي من خلفك إِذا وقفت في القبلة. التهذيب: والدَّبُور بالفتح،
الريح التي تقابل الصَّبَا والقَبُولَ، وهي ريح تَهُبُّ من نحو المغرب،
والصبا تقابلها من ناحية المشرق؛ قال ابن الأَثير: وقول من قال سميت به
لأَنها تأْتي من دُبُرِ الكعبة ليس بشيء. ودَبَرَتِ الريحُ أَي تحوّلت
دَبُوراً؛ وقال ابن الأَعرابي: مَهَبُّ الدَّبُور من مَسْقَطِ النَّسْر الطائر
إِلى مَطْلَعِ سُهَيْلٍ من التذكرة، يكون اسماً وصفة، فمن الصفة قول
الأَعشى:
لها زَجَلٌ كَحَفِيفِ الحَصا
د، صادَفَ باللَّيْلِ رِيحاً دَبُورا
ومن الاسم قوله أَنشده سيبويه لرجل من باهلة:
رِيحُ الدَّبُورِ مع الشَّمَالِ، وتارَةً
رِهَمُ الرَّبِيعِ وصائبُ التَّهْتانِ
قال: وكونها صفة أَكثر، والجمع دُبُرٌ ودَبائِرُ، وقد دَبَرَتْ تَدْبُرُ
دُبُوراً. ودُبِرَ القومُ، على ما لم يسمَّ فاعله، فهم مَدْبُورُون:
أَصابتهم ريح الدَّبُور؛ وأَدْبَرُوا: دخلوا في الدَّبور، وكذلك سائر
الرياح. وفي الحديث: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نُصِرْتُ بالصَّبَا
وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ.
ورجل أُدابِرٌ: للذي يقطع رحمه مثل أُباتِرٍ. وفي حديث أَبي هريرة: إِذا
زَوَّقْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ وحَلَّيْتُمْ مَصاحِفَكُمْ فالدَّبارُ عليكم،
بالفتح، أَي الهلاك. ورجل أُدابِرٌ: لا يقبل قول أَحد ولا يَلْوِي على
شيء. قال السيرافي: وحكى سيبويه أُدابِراً في الأَسماء ولم يفسره أَحد على
أَنه اسم، لكنه قد قرنه بأُحامِرٍ وأُجارِدٍ، وهما موضعان، فعسى أَن
يكون أُدابِرٌ موضعاً. قال الأَزهري: ورجل أُباتِرٌ يَبْتُرُ رَحِمَهُ
فيقطعها، ورجل أُخايِلٌ وهو المُخْتالُ.
وأُذن مُدابَرَةٌ: قطعت من خلفها وشقت. وناقة مُدابَرَة: شُقت من قِبَلِ
قَفاها، وقيل: هو أَن يَقْرِضَ منها قَرْضَةً من جانبها مما يلي قفاها،
وكذلك الشاة. وناقة ذات إِقْبالَةٍ وإِدْبارة إِذا شُقَّ مُقَدَّمُ
أُذنها ومُؤَخَّرُها وفُتِلَتْ كأَنها زَنَمَةٌ؛ وذكر الأَزهري ذلك في الشاة
أَيضاً.
والإِدْبارُ: نقيضُ الإِقْبال؛ والاسْتِدْبارُ: خلافُ الاستقبال. ورجل
مُقابَلٌ ومُدابَرٌ: مَحْضٌ من أَبويه كريم الطرفين. وفلان مُسْتَدْبَرُ
المَجْدِ مُسْتَقْبَلٌ أَي كريم أَوَّل مَجْدِهِ وآخِرِه؛ قال الأَصمعي:
وذلك من الإِقْبالة والإِدْبارَة، وهو شق في الأُذن ثم يفتل ذلك، فإِذا
أُقْبِلَ به فهو الإِقْبالَةُ، وإِذا أُدْبِرَ به فهو الإِدْبارة،
والجِلْدَةُ المُعَلَّقَةُ من الأُذن هي الإِقبالة والإِدبارة كأَنها زَنَمَةٌ،
والشاة مُدابَرَةٌ ومُقابَلَةٌ، وقد أَدْبَرْتُها وقابَلْتُها. وناقة ذات
إِقبالة وإِدبارة وناقة مُقابَلَة مُدابَرَةٌ أَي كريمة الطرفين من قِبَل
أَبيها وأُمها.
وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه نهى أَن يُضَحَّى بمقابَلَةٍ
أَو مُدابَرَةٍ؛ قال الأَصمعي: المقابلة أَن يقطع من طرف أُذنها شيء ثم
يترك معلقاً لا يَبِين كأَنه زَنَمَةٌ؛ ويقال لمثل ذلك من الإِبل:
المُزَنَّمُ، ويسمى ذلك المُعَلَّقُ الرَّعْلَ. والمُدابَرَةُ: أَن يفعل ذلك
بمؤخر الأُذن من الشاة؛ قال الأَصمعي: وكذلك إِن بان ذلك من الأُذن فهي
مُقابَلَةٌ ومُدابَرَةٌ بعد أَن كان قطع. والمُدَابَرُ من المنازل: خلافُ
المُقابَلِ. وتَدابَرَ القوم: تَعادَوْا وتَقاطَعُوا، وقيل: لا يكون ذلك
إِلا في بني الأَب. وفي الحديث: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: لا
تَدَابَرُوا ولا تَقاطَعُوا؛ قال أَبو عبيد: التَّدَابُرُ المُصارَمَةُ
والهِجْرانُ، مأْخوذ من أَن يُوَلِّيَ الرجلُ صاحِبَه دُبُرَه وقفاه ويُعْرِضَ عنه
بوجهه ويَهْجُرَه؛ وأَنشد:
أَأَوْصَى أَبو قَيْسٍ بأَن تَتَواصَلُوا،
وأَوْصَى أَبو كُمْ، ويْحَكُمْ أَن تَدَابَرُوا؟ ودَبَرَ القومُ
يَدْبُرُونَ دِباراً: هلكوا. وأَدْبَرُوا إِذا وَلَّى أَمرُهم إِلى آخره فلم
يبق منهم باقية.
ويقال: عليه الدَّبارُ أَي العَفَاءُ إِذا دعوا عليه بأَن يَدْبُرَ فلا
يرجع؛ ومثله: عليه العفاء أَي الدُّرُوس والهلاك. وقال الأَصمعي:
الدَّبارُ الهلاك، بالفتح، مثل الدَّمار.
والدَّبْرَة: نقيضُ الدَّوْلَة، فالدَّوْلَةُ في الخير والدَّبْرَةُ في
الشر. يقال: جعل الله عليه الدَّبْرَة، قال ابن سيده: وهذا أَحسن ما
رأَيته في شرح الدَّبْرَة؛ وقيل: الدَّبْرَةُ العاقبة.
ودَبَّرَ الأَمْرَ وتَدَبَّره: نظر في عاقبته، واسْتَدْبَرَه: رأَى في
عاقبته ما لم ير في صدره؛ وعَرَفَ الأَمْرَ تَدَبُّراً أَي بأَخَرَةٍ؛ قال
جرير:
ولا تَتَّقُونَ الشَّرَّ حتى يُصِيبَكُمْ،
ولا تَعْرِفُونَ الأَمرَ إِلا تَدَبُّرَا
والتَّدْبِيرُ في الأَمر: أَن تنظر إِلى ما تَؤُول إِليه عاقبته،
والتَّدَبُّر: التفكر فيه. وفلان ما يَدْرِي قِبَالَ الأَمْرِ من دِباره أَي
أَوَّله من آخره. ويقال: إِن فلاناً لو استقبل من أَمره ما استدبره
لَهُدِيَ لِوِجْهَةِ أَمْرِه أَي لو علم في بَدْءِ أَمره ما علمه في آخره
لاسْتَرْشَدَ لأَمره. وقال أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ لبنيه: يا بَنِيَّ لا
تَتَدَبَّرُوا أَعجاز أُمور قد وَلَّتْ صُدُورُها. والتَّدْبِيرُ: أَن
يَتَدَبَّرَ الرجلُ أَمره ويُدَبِّرَه أَي ينظر في عواقبه. والتَّدْبِيرُ: أَن
يُعتق الرجل عبده عن دُبُرٍ، وهو أَن يعتق بعد موته، فيقول: أَنت حر بعد
موتي، وهو مُدَبَّرٌ؛ وفي الحديث: إِن فلاناً أَعتق غلاماً له عن دُبُرٍ؛
أَي بعد موته. ودَبَّرْتُ العبدَ إِذا عَلَّقْتَ عتقه بموتك، وهو التدبير
أَي أَنه يعتق بعدما يدبره سيده ويموت. ودَبَّرَ العبد: أَعتقه بعد
الموت. ودَبَّرَ الحديثَ عنه: رواه. ويقال: دَبَّرْتُ الحديث عن فلان
حَدَّثْتُ به عنه بعد موته، وهو يُدَبِّرُ حديث فلان أَي يرويه. ودَبَّرْتُ
الحديث أَي حدّثت به عن غيري. قال شمر: دبَّرْتُ الحديث ليس بمعروف؛ قال
الأَزهري: وقد جاء في الحديث: أَمَا سَمِعْتَهُ من معاذ يُدَبِّرُه عن رسول
الله، صلى الله عليه وسلم؟ أَي يحدّث به عنه؛ وقال: إِنما هو يُذَبِّرُه،
بالذال المعجمة والباء، أَي يُتْقِنُه؛ وقال الزجاج: الذِّبْر القراءةُ،
وأَما أَبو عبيد فإِن أَصحابه رووا عنه يُدَبِّرُه كما ترى، وروى
الأَزهري بسنده إِلى سَلاَّمِ بن مِسْكِينٍ قال: سمعت قتادة يحدّث عن فلان،
يرويه عن أَبي الدرداء، يُدَبِّرُه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:
ما شَرَقَتْ شمسٌ قَطُّ إِلا بِجَنْبَيْها ملكان يُنادِيانِ أَنهما
يُسْمِعَانِ الخلائقَ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ الجن والإِنس، أَلا هَلُمُّوا إِلى
ربكم فإِنَّ ما قَلَّ وكفَى خَيْرٌ مما كَثُرَ وأَلْهَى، اللهم عَجِّلْ
لِمُنْفِقٍ خَلَفاً وعَجِّلْ لِمُمْسِكٍ تَلَفاً.
ابن سيده: ودَبَرَ الكتابَ يَدْبُرُه دَبْراً كتبه؛ عن كراع، قال:
والمعروف ذَبَرَه ولم يقل دَبَره إِلا هو.
والرَّأْيُ الدَّبَرِيُّ: الذي يُمْعَنُ النَّظَرُ فيه، وكذلك الجوابُ
الدَّبَرِيُّ؛ يقال: شَرُّ الرَّأْيِ الدَّبَرِيُّ وهو الذي يَسْنَحُ
أَخيراً عند فوت الحاجة، أَي شره إِذا أَدْبَرَ الأَمْرُ وفات.
والدَّبَرَةُ، بالتحريك: قَرْحَةُ الدابة والبعير، والجمع دَبَرٌ
وأَدْبارٌ مثل شَجَرَةٍ وشَجَرٍ وأَشجار. ودَبِرَ البعيرُ، بالكسر، يَدْبَرُ
دَبَراً، فهو دَبِرٌ وأَدْبَرُ، والأُنثى دَبِرَةٌ ودَبْراءُ، وإِبل
دَبْرَى وقد أَدْبَرَها الحِمْلُ والقَتَبُ، وأَدْبَرْتُ البعير فَدَبِرَ؛
وأَدْبَرَ الرجلُ إِذا دَبِرَ بعيره، وأَنْقَبَ إِذا حَفِيَ خُفُّ بعيره. وفي
حديث ابن عباس: كانوا يقولون في الجاهلية إِذا بَرَأَ الدَّبَرُ وعفا
الأَثَرُ؛ الدبر، بالتحريك: الجرح الذي يكون في ظهر الدابة، وقيل: هو أَن
يَقْرَحَ خف البعير، وفي حديث عمر: قال لامرأَة أَدْبَرْتِ وأَنْقَبْتِ
أَي دَبِرَ بعيرك وحَفِيَ. وفي حديث قيس بن عاصم: إِني لأُفْقِرُ البَكْرَ
الضَّرْعَ والنَّابَ المُدْبِرَ أَي التي أَدْبَرَ خَيْرُها.
والأَدْبَرُ: لقب حُجْرِ بن عَدِيٍّ نُبِزَ به لأَن السلاح أَدْبَرَ
ظهره، وقيل: سمي به لأَنه طُعِنَ مُوَلِّياً؛ ودُبَيْرٌ الأَسَدِيُّ: منه
كأَنه تصغير أَدْبَرَ مرخماً.
والدَّبْرَةُ: الساقية بين المزارع، وقيل: هي المَشَارَةُ في
المَزْرَعَةِ، وهي بالفارسية كُرْدَه، وجمعها دَبْرٌ ودِبارٌ؛ قال بشر بن أَبي
خازم:تَحَدَّرَ ماءُ البِئْرِ عن جُرَشِيَّةٍ،
على جِرْبَةٍ، يَعْلُو الدِّبارَ غُرُوبُها
وقيل: الدِّبارُ الكُرْدُ من المزرعة، واحدتها دِبارَةٌ. والدَّبْرَةُ:
الكُرْدَةُ من المزرعة، والجمع الدِّبارُ. والدِّباراتُ: الأَنهار الصغار
التي تتفجر في أَرض الزرع، واحدتها دَبْرَةٌ؛ قال ابن سيده: ولا أَعرف
كيف هذا إِلا أَن يكون جمع دَبْرَة على دِبارٍ أُلحقت الهاء للجمع، كما
قالوا الفِحَالَةُ ثم جُمِعَ الجَمْعُ جَمْعَ السَّلامة. وقال أَبو حنيفة:
الدَّبْرَة البقعة من الأَرض تزرع، والجمع دِبارٌ.
والدَّبْرُ والدِّبْرُ: المال الكثير الذي لا يحصى كثرة، واحده وجمعه
سواء؛ يقال: مالٌ دَبْرٌ ومالان دَبْرٌ وأَموال دَبْرٌ. قال ابن سيده: هذا
الأَعرف، قال: وقد كُسِّرَ على دُبُورٍ، ومثله مال دَثْرٌ. الفرّاء:
الدَّبْرُ والدِّبْرُ الكثير من الضَّيْعَة والمال، يقال: رجل كثير الدَّبْرِ
إِذا كان فاشِيَ الضيعة، ورجل ذو دَبْرٍ كثير الضيعة والمال؛ حكاه أَبو
عبيد عن أَبي زيد.
والمَدْبُور: المجروح. والمَدْبُور: الكثير المال.
والدَّبْرُ، بالفتح: النحل والزنابير، وقيل: هو من النحل ما لا يَأْرِي،
ولا واحد لها، وقيل: واحدته دَبْرَةٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وهَبْتُهُ من وَثَبَى فَمِطْرَهْ
مَصْرُورَةِ الحَقْوَيْنِ مِثْلِ الدَّبْرَهْ
وجمعُ الدَّبْرِ أَدْبُرٌ ودُبُورٌ؛ قال زيد الخيل:
بِأَبْيَضَ من أَبْكَارِ مُزْنِ سَحابَةٍ،
وأَرْيِ دَبُورٍ شَارَهُ النَّحْلَ عاسِلُ
أَراد: شاره من النحل؛ وفي الصحاح قال لبيد:
بأَشهب من أَبكار مزن سحابة،
وأَري دبور شاره النحلَ عاسل
قال ابن بري يصف خمراً مزجت بماء أَبيض، وهو الأَشهب. وأَبكار: جمع
بِكْرٍ. والمزن: السحاب الأَبيض، الواحدة مُزْنَةٌ. والأَرْيُ: العسل.
وشارَهُ: جناه، والنحل منصوب بإِسقاط من أَي جناه من النحل عاسل؛ وقبله:
عَتِيق سُلافاتٍ سِبَتْها سَفِينَةٌ،
يَكُرُّ عليها بالمِزاجِ النَّياطِلُ
والنياطل: مكاييل الخمر. قال ابن سيده: ويجوز أَن يكون الدُّبُورُ جمع
دَبْرَةٍ كصخرة وصخور، ومَأْنة ومُؤُونٍ.
والدَّبُورُ، بفتح الدال: النحل، لا واحد لها من لفظها، ويقال للزنابير
أَيضاً دَبْرٌ.
وحَمِيُّ الدَّبْرِ: عاصم بن ثابت بن أَبي الأَفلح الأَنصاري من أَصحاب
سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أُصيب يوم أُحد فمنعت النحل الكفار
منه، وذلك أَن المشركين لما قتلوه أَرادوا أَن يُمَثِّلُوا به فسلط الله
عز وجل عليهم الزنابير الكبار تَأْبِرُ الدَّارِعَ فارتدعوا عنه حتى
أَخذه المسلمون فدفنوه. وقال أَبو حنيفة: الدِّبْرُ النحل، بالكسر،
كالدَّبْرِ؛ وقول أَبي ذؤيب:
بَأَسْفَلِ ذَاتِ الدَّبْرِ أُفْرِدَ خِشْفها،
وقد طُرِدَتْ يَوْمَيْنِ، فهْي خَلُوجُ
عنى شُعْبَةً فيها دَبِرٌ، ويروي: وقد وَلَهَتْ. والدَّبْرُ والدِّبْرُ
أَيضاً: أَولاد الجراد؛ عنه. وروى الأَزهري بسنده عن مصعب بن عبد الله
الزبيري قال: الخَافِقَانِ ما بين مطلع الشمس إِلى مغربها. والدَّبْرُ:
الزنابير؛ قال: ومن قال النحل فقد أَخطأَ؛ وأَنشد لامرأَة قالت لزوجها:
إِذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لم يَخْشَ لَسْعَها،
وخالَفَها في بَيْتِ نَوْبٍ عَوامِلُ
شبه خروجها ودخولها بالنوائب. قال الأَصمعي: الجماعة من النحل يقال لها
الثَّوْلُ، قال: وهو الدَّبْرُ والخَشْرَمُ، ولا واحد لشيء من هذا؟ قال
الأَزهري: وهذا هو الصواب لا ما قال مصعب. وفي الحديث: فأَرسل الله عليهم
الظُّلَّةِ من الدَّبْرِ؛ هو بسكون الباء النحل، وقيل: الزنابير. والظلة:
السحاب. وفي حديث بعض النساء
(* قوله: «وفي حديث بعض النساء» عبارة
النهاية: وفي حديث سكينة ا هـ. قال السيد مرتضى: هي سكينة بنت الحسين، كما
صرح به الصفدي وغيره ا هـ. وسكينة بالتصغير كما في القاموس). جاءت إِلى
أُمها وهي صغيرة تبكي فقالت لها: ما لَكِ؟ فقالت: مرت بي دُبَيْرَةٌ
فَلَسَعَتْنِي بأُبَيْرَةٍ؛ هو تصغير الدَّبْرَةِ النحلة. والدَّبْرُ: رُقادُ كل
ساعة، وهو نحو التَّسْبِيخ. والدَّبْرُ: الموت. ودَابَرَ الرجلُ: مات؛
عن اللحياني، وأَنشد لأُمية بن أَبي الصلت:
زَعَمَ ابْنُ جُدْعانَ بنِ عَمْـ
ـروٍ أَنَّنِي يَوْماً مُدابِرْ،
ومُسافِرٌ سَفَراً بَعِيـ
ـداً، لا يَؤُوبُ له مُسافِرْ
وأَدْبَرَ الرجلُ إِذا مات، وأَدْبَرَ إِذا تغافل عن حاجة صديقه،
وأَدْبَرَ: صار له دِبْرٌ، وهو المال الكثير. ودُبارٌ، بالضم: ليلة الأَربعاء،
وقيل: يوم الأَربعاء عادِيَّةٌ من أَسمائهم القديمة، وقال كراع: جاهلية؛
وأَنشد:
أُرَجِّي أَنْ أَعِيشَ، وأَنَّ يَوْمِي.
بِأَوَّلَ أَو بِأَهْوَنَ أَو جُبارِ
أَو التَّالِي دُبارِ، فإِن أَفُتْهُ
فَمُؤْنِس أَو عَرُوبَةَ أَوْ شِيارِ
أَول: الأَحَدُ. وشِيارٌ: السبتُ، وكل منها مذكور في موضعه. ابن
الأَعرابي: أَدْبَرَ الرجلُ إِذا سافر في دُبارٍ. وسئل مجاهد عن يوم النَّحْسِ
فقال: هو الأَربعاء لا يدور في شهره.
والدَّبْرُ: قطعة تغلظ في البحر كالجزيرة يعلوها الماء ويَنْضُبُ عنها.
وفي حديث النجاشي أَنه قال: ما أُحِبُّ أَن تكون دَبْرَى لي ذَهبَاً
وأَنِّي آذيت رجلاً من المسلمين؛ وفُسِّرَ الدَّبْرَى بالجبل، قال ابن
الأَثير: هو بالقصر اسم جبل، قال: وفي رواية ما أُحب أَن لي دَبْراً من
ذَهَبٍ، والدَّبْرُ بلسانهم: الجبل؛ قال: هكذا فُسِّر، قال: فهو في الأُولى
معرفة وفي الثانية نكرة، قال: ولا أَدري أَعربي هو أَم لا.
ودَبَرٌ: موضع باليمن، ومنه فلان الدَّبَرِيُّ.
وذاتُ الدَّبْرِ: اسم ثَنِيَّةٍ؛ قال ابن الأَعرابي: وقد صحفه الأَصمعي
فقال: ذات الدَّيْرِ. ودُبَيْرٌ: قبيلة من بني أَسد. والأُدَيْبِرُ:
دُوَيْبَّة. وبَنُو الدُّبَيْرِ: بطن؛ قال:
وفي بَنِي أُمِّ دُبَيْرٍ كَيْسُ
على الطعَّامِ ما غَبا غُبَيْسُ