Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: لمح

الشّيخ

الشّيخ:
[في الانكليزية] Sheik ،chief ،guide ،master
[ في الفرنسية] Cheikh ،chef ،guide ،maitre
بالفتح وسكون المثناة التحتانية وبالفارسية: پير وخواجه شيوخ اشياخ جمع شيخه بالكسر وفتح الياء شيخان مشيخة شيوخاء كذلك كذا في الصراح. وفي جامع الرموز في كتاب الصلاة في فصل وسنّ لــلمحــتضر المشايخ بالياء جمع المشيخة بفتح الميم.

والشين إمّا مكسورة مع سكون الياء أو ساكنة مع فتحها هي اسم جمع فإنّ الأشياخ والشيوخ جمع للشّيخ، وهو من خمسين أو إحدى وخمسين أو أحد وستين إلى آخر العمر. وقد يعبّر به عمّا يكثر علمه لكثرة تجاربه ومعارفه.
وفيه في كتاب الصوم والشيخ الفاني من جاوز عمره خمسين سمّي به لفناء قواه أو للقرب منه انتهى. وفي البرجندي ناقلا من النهاية الشيخ الفاني هو الذي يزداد كلّ يوم ضعفه إلى موته وإلّا لا يكون شيخا فانيا. والشيخان عند الفقهاء الحنفية يراد بهما أبو حنيفة وأبو يوسف سمّيا بذلك لأنّهما استاذان لمحــمّد رحمهم الله.
والمحــدّثون يطلقون الشيخ على من يروى عنه الحديث كما يستفاد من كتب علم الحديث، وقد سبق في المقدمة أنّ المحــدّث هو الأستاذ الكامل وكذا الشيخ والإمام. والشيخ عند السّالكين هو الذي سلك طريق الحقّ وعرف المخاوف والمهالك، فيرشد المريد ويشير إليه بما ينفعه وما يضرّه. وقيل الشيخ هو الذي يقرّر الدين والشّريعة في قلوب المريدين والطالبين. وقيل الشيخ الذي يحبّ عباد الله إلى الله ويحبّ الله إلى عباده وهو أحبّ عباد الله إلى الله. وقيل: الشيخ هو الذي يكون قدسى الذات فاني الصفات. وقد قال الشيخ قطب الدين بختيار أوشي: الشيخ هو الذي يزيل صدأ حبّ الدنيا وغير ذلك من قلب المريد، وذلك بقوّة فراسته الباطنية حتى لا يبقى في صدره شيء من الكدر والغلّ والغش والفحش وزخارف الدنيا. وقال السّيد محمد الحسيني گيسودراز: ليس بشيخ من يسير على الماء أو يطير في الهواء، وما يأمر به يتحقّق، ويلاقي رجال الغيب، ولا يأكل الطعام ولا يتناول الشراب، بل الشيخ هو من تنكشف له الأرواح في القبور ويلاقي أرواح الأنبياء وتتجلّى عليه الأفعال والصفات الإلهية، وقد طوى من سيره العقبات. وهذا المعنى هو نقد الوقت، ومن يتّخذه خليفة له يجب أن يتّصف بهذه الأوصاف، ويقول صاحب مجمع السلوك:
الشيخ عندنا هو المستقيم على أمر الشرع سواء كان موافقا لما قاله كلّ من الشيخ قطب الدين والسيّد محمد أو لا. والمشيخة هي الدلالة والخفارة في الطريق وشرطه أن يكون عالما بكتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، وليس كلّ عالم بأهل للمشيخة، بل ينبغي أن يكون موصوفا بصفات الكمال ومعرضا عن حبّ الدنيا والجاه وما أشبه ذلك، ويكون قد أخذ هذا الطريق النقيّ عن شيخ محقّق تسلسلت متابعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتاض بأمره رياضة بالغة من قلة الطعام والكلام والمنام وقلّة الاختلاط مع الأنام وكثرة الصوم والصلاة والصدقة ونحو ذلك. وبالجملة يكون متخلّقا بخلق النبي عليه السلام. ولا يصلح للتربية والمشيخة المجذوب فإنّه وإن ذاق المقصود لكنه لم يذق الطريق إلى الله، وكذا لا يصلح للمشيخة السّالك فقط فالصّالح لها إمّا المجذوب السّالك وهو أعلى وأليق وإمّا السالك المجذوب. وفي الاصطلاحات الصوفية الشيخ هو الإنسان الكامل في العلوم الشريعة والطريقة والحقيقة، البالغ إلى حدّ التكميل فيها لعلمه بآفات النفوس وأمراضها وأدوائها ومعرفته بدوائها وقدرته على شفائها والقيام بهداها إن استعدت ووقفت لاهتدائها انتهى.
فائدة:
إذا وصل المريد إلى الشيخ ينبغي أن يحتاط ويجتهد في معرفة الشيخ أنّه هل يصلح للشيخية أم لا فإنّ أكثر الطالبين هلكوا في هذا المنزل بل هلاك عموم الناس كان بالاقتداء بالأئمة المضلّة؛ وطريقه أن يتفحّص أنّه مستقيم على الشرع وعلى الطريقة والحقيقة. فإن كان مبتدئا يعرف ذلك من أفواه الناس ومن أحوال الجماعة الذين يقتدون به ويحبّونه ولا ينكرون عليه، فإن علم أنّه لا ينكرون عليه علماء زمانه وبعض العلماء يقتدون به وأكياس الناس من الشيوخ والشبان يبايعونه ويرجعون إليه في طلب الطريقة والحقيقة يعلم أنّه ماهر في ذلك فيقتدي به ويعتقد في قلبه أنّ لا شيخ له غيره ولا يوصله إلى الله إلّا هذا، وهذا يسمّى توحيد المطلب وأنّه ركن عظيم. اعلم أنّ وجود الشيخ في حال كان الشيخ قريبا وعلى قيد الحياة وموصوفا بما ذكر، وأمّا إذا كان بعيدا ولا يمكن الوصول إليه فيجوز أن يتّخذ (المريد) لنفسه شيخا آخر لتربيته ومصاحبته حتى لا يقع في الهلاك، ويجب أن لا يكون هذا الشيخ أي شيخ التربية والمصاحبة مخالفا للشيخ الكبير حتى لا يقع المريد في تناقض وخلل مع شيخه الأصلي البعيد. وكذلك جائز للمريد بعد وفاة شيخه أن يتوجّه إلى شيخ آخر من أجل الإرشاد والتربية. وأمّا إذا كان هذا الشيخ غير موصوف بما ذكر فيجوز للمريد مع وجود ذلك الشيخ أن يتجه بإرادته نحو شيخ آخر. فقد ذكر في فتاوى الصوفية يجوز للمريد أن يكون له المشايخ في الصحبة والإرادة والإرشاد.
ولا يجب عليه أن يتخذ شيخا واحدا البتة ولا يتجاوز عنه. قال وقد باحثت في هذه المسألة مع أهلها فاستقرّ الأمر على ذلك فصارت مسئلة المريد مسئلة التلميذ، وللاقتداء يختار الأفضل منهم، وهو كالأب الحقيقي وغيره كالرضاعي. وفي فصوص الآداب: إذا تابع شخص جاهل شخصا آخر جاهلا أو مبتدعا، أو كان متصفا بأدنى صفة من صفات البدع، وأظهر ميلا إليه، أو لبس الخرقة المزردة من يده، فيجب عليه أن يعود لخدمة الشيخ الحقيقي ويجدّد الإرادة له، وأن يتناول الخرفة منه حتى لا يضلّ. وقال الشيخ قوام الحق: بناء على فتوى العلماء العارفين بالله: على الأتباع الذين ظنوا ببعض الشيوخ كمال المتابعة والاقتداء بالطريقة، فمتى رأوهم حائدين عن السنن المرضية للعلماء من أهل الاقتداء فواجب عليهم من باب التزام الطريقة أن يعودوا عن الاقتداء بهؤلاء، وأن يتوجّهوا نحو الشيخ الحقّاني حتى يرزقهم الله درجة الكمال، كذا في مجمع السلوك.
فائدة:
اعلم أنّ الشيوخ الأربعة عند الصوفية هم عبارة عن أربعة أشخاص استلموا خرقة الخلافة في مقام الفقر من سيدنا على بن أبي طالب، وهو قد استلمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم منحها لهم وهم على الترتيب: أولهم: سيدنا الحسن ثم أخوه سيدنا الحسين ثم الكميل بن زياد ثم الحسن البصري.

وقيل: إنّ خرقة الفقر إنّما أعطاها سيدنا علي للحسن البصري ومنه ظهرت أربع عشرة عائلة (طريقة). وقيل: إنّ الخرقة وصلت من الإمام علي إلى شخصين فقط هما: الحسن البصري وكميل بن زياد. كذا في مرآة الأسرار.

الشّكل

الشّكل:
[في الانكليزية] Form ،figure ،aspect
[ في الفرنسية] Fonne ،figure ،aspect

بالفتح وسكون الكاف بالفارسية: مانند، أي مثل. وورد أيضا بكسر الشين وهو كلّ ما يعدّ لائقا وجديرا وموافقا لشخص ما. وصورة شيء. ويجمع على أشكال وشكول ما تقيّد به قوائم الدواب كالحبال، وحركات الإعراب التي يزول بها الإشكال. كذا في المنتخب. وعند الصّوفية هو وجود الحقّ كما في بعض الرسائل.
وعند أهل العروض هو اجتماع الخبن والكفّ كحذف الألف والنون من فاعلاتن فيبقى فعلات بالضمّ، والركن الذي فيه الشّكل يسمّى مشكورا. ووجه التسمية هو أنّه لمّا كانت الألف والنون قد حذفت من كلا طرفي فاعلاتن. فلم يبق فيها مدّ الصوت السابق كما أنّ الفرس بعد تقييد قدميه لا يبقى له ذلك السّير الذي كان له.
هكذا في عروض سيفي وعنوان الشرف. وعند الحكماء والمهندسين هو الهيئة الحاصلة من إحاطة الحدّ الواحد أو الحدود بالمقدار، أي الجسم التعليمي أو السّطح، فالأول كشكل الكرة فإنّها ليس لها إلّا حدّ واحد، والثاني كشكل المثلث. والمراد بالإحاطة التّامة فخرجت الزاوية فإنّها على الأصح هيئة للمقدار من جهة أنّه محاط بحدّ واحد أو أكثر إحاطة غير تامة.
فإذا فرضنا سطحا مستويا محاطا بثلاثة خطوط مستقيمة فإذا اعتبر كونه محاطا بها فالهيئة العارضة له هي الشكل. وإذا اعتبر منها خطّان متلاقيان على نقطة منه كانت الهيئة هي الزاوية، هذا هو المشهور. ويلزم منه أن لا يكون لمحــيط الكرة شكل. توضيحه أنّهم صرّحوا بأنّ حدّ الخطّ أي نهايته نقطة، وحدّ السطح خطّ، وحدّ الجسم سطح. ولا شك أنّ محيط المضلّعات حدود وهي الخطوط بالفعل بخلاف محيط الكرة وأمثالها، كالشكل البيضي فإنّها سطح واحد وليس لها حدّ، إذ ليس لها خطّ بالفعل. والخط المفروض لا يجدي ثبوت الحدّ بالفعل فلا يكون لها شكل لعدم صدق تعريفه عليها.
فالأنسب أن يقال الشكل هو الهيئة الحاصلة للمقدار من جهة الإحاطة سواء كانت إحاطة المقدار به أو إحاطته بالمقدار ليشتمل ذلك محيط الكرة وأمثالها.

وهو قسمان: مسطّح إن كان ما أحاط به خطّ واحد كالدائرة أو أكثر كالمثلث. ومجسّم إن كان محيطه سطحا واحدا كالكرة أو أكثر كالمكعّب. وقد يطلق الشّكل بمعنى المشكل.
ولهذا عرف اقليدس بأنّه ما أحاط به حدّ أو حدود. ويؤيّد ما ذكر ما في شرح حكمة العين من أن الشّكل مفسّر بتفسيرين: أحدهما ما يحيط به حدّ أو حدود كالمربّع والمثلّث، وهو الشّكل الذي يستعمله المهندسون الذين يقولون إنّه مساو لشكل آخر أو نصفه أو ثلثه، ويعنون بذلك مقدارا مشكلا، وهو بهذا المعنى من مقولة الكمّ، فإنّ ما أحاط به سطح أو جسم.
وثانيهما الهيئة الحاصلة من وجود الحدّ أو الحدود كالتربيع والتثليث ونحوهما، وهو بهذا المعنى من مقولة الكيف انتهى.
فائدة:
قال الحكماء كل جسم له شكل طبيعي والجسم البسيط بمعنى ما لا يتركّب حقيقة من أجسام مختلفة الحقائق ليس له شكل إلّا الكرة.
ومعنى الشكل الطبيعي على قياس ما عرفت في لفظ الحيّز مع اضطراب كلام القوم فيه، هكذا ذكر العلمي. وعند المنطقيين هو وضع الأوسط عند الحدّين الآخرين أي الأصغر والأكبر. وهذا يستعمله الأصوليون أيضا والوضع هاهنا بمعنى المقولة. ولذا قال المحــقّق التفتازاني في حاشية العضدي: الشّكل هو الهيئة الحاصلة من نسبة الأوسط إلى الأصغر والأكبر انتهى.
ثم الأشكال أربعة لأنّ الأوسط إن كان محمولا في الصغرى موضوعا في الكبرى فهو الشّكل الأول كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار»، ونتيجته كلّ بدعة في النار. وشرط إنتاجه إيجاب الصغرى وكلّية الكبرى وهو يختصّ بأنه ينتج الموجبة الكلّية وباقي الأشكال لا ينتج الموجبة الكلية بل إمّا موجبة جزئية أو سالبة، وإن كان محمولا فيهما أي في الصغرى والكبرى فهو الشّكل الثاني كقول البعض: كلّ غائب مجهول الصفة، وكلّ ما يصحّ بيعه ليس بمجهول. ونتيجته كلّ غائب لا يصحّ بيعه. وشرط إنتاجه اختلاف مقدمتيه في الإيجاب والسّلب وكلّية كبراه، ومن خواصّه أنّه لا ينتج إلّا سالبة. وإن كان موضوعا فيهما فهو الشّكل الثالث كقول البعض كل برّ مقتات، وكلّ بر ربوي. ونتيجته بعض المقتات ربوي. وشرط إنتاجه أن تكون صغراه موجبة وأن تكون إحدى مقدمتيه كلّية. ومن خواصّه أنّ نتيجته لا تكون إلّا جزئية. وإن كان عكس الأول بأن يكون موضوعا في الصغرى محمولا في الكبرى فهو الشّكل الرابع، وسمّاه البعض بالسّياق البعيد أيضا كما في شرح إشراق الحكمة كقولنا: كلّ عبادة لا تستغني عن النيّة وكلّ وضوء عبادة. ونتيجته بعض مستغن عن النية ليس بوضوء هكذا في العضدي.
وفي شرح المطالع هذا مختصّ بالقياس الحملي. ومن الواجب أن يعتبر بحيث يعمّه وغيره. فقال: الوسط إن كان محكوما به في الصغرى محكوما عليه في الكبرى فهو الشّكل الأول، وهكذا إلى آخر التقسيم انتهى. وقد يطلق الشّكل على نفس القياس باعتبار اشتماله على الهيئة المذكورة، صرّح بذلك نصير الدين في حاشية القطبي والصادق الحلوائي في حاشية الطيبي. وعند أهل الرمل هو هيئة ذات أربع مراتب حاصلة من اجتماع الأفراد والأزواج أو من اجتماع إحداهما مثل وو المرتبة الأولى من هذه المراتب هي النار والثانية الريح.
والثالثة الماء. والرابعة التراب. وتنحصر هذه الأشكال في ستة عشر شكلا، أحدها: الطريق الذي يدعى أبا بالرمل. والثاني: الجماعة وهو يحصل بمضاعفة نقاط الطريق، ويقال له: أمّ الرمل. وبقية الأشكال من المسدودات والمفتوحات والنبائر التي يقال لها متولّدات، كما سيجيء في لفظ مسدود.
وأعلم أنّ كلّ شكل مرتبته النارية والترابية فردية فإنّه يدعى المنقلب مثل وكلّ شكل مرتبته النارية والترابية شفعا فإنّه يدعى الثابت مثل وكلّ شكل مرتبته النارية فردية والترابية شفعا، فإنّه يقال له: الخارج مثل. وإذا كان عكس ذلك فهو المسمّى بالداخل مثل ويقولون أيضا: النار خارجة والريح داخلة والماء منقلب والتراب ثابت. ويقولون أيضا: إذا كانت النار في رتبة الريح أو الريح في رتبة النار فهما يعدان من قبيل المنقلب والخارج. وأمّا إذا كانت النار في رتبة الماء أو الماء في رتبة النار فإنّها تسمّى داخلة، وكذلك النار في رتبة التراب أو التراب في رتبة النار فإنّها تسمّى الثابت. والريح في رتبة الماء أو الماء في رتبة الرّيح فيسمّيان ثابتا وداخلا.
والريح في رتبة التراب أو التراب في رتبة الهواء فيسمّى منقلبا. وكلّ ما ذكر من داخلي وخارجي وثابت ومنقلب فهو في النقاط. هكذا في السرخاب..

السّكر

السّكر:
[في الانكليزية] Drunkenness ،intoxication
[ في الفرنسية] Ivresse

بالضم وسكون الكاف بمعنى: فقدان الوعي، ونبيذ التّمر وكلّ ما هو مسكر، كما في المنتخب. وقال العلماء: السّكر بمعنى مستى- فقدان الوعي- حالة تعرض للإنسان من امتلاء دماغه من الأبخرة المتصاعدة من الخمر وما يقوم مقامها إليه، فيتعطّل معه عقله المميّز بين الأمور الحسنة والقبيحة. قيل السّكر غفلة تعرض للإنسان مع الطّرب والنشاط وفتور الأعضاء من غير مرض ولا علّة بمباشرة ما يوجبها من المأكول والمشروب والمشموم. وقيل هو فتور يغلب على العقل من غير أن يزيله. وقيل هو معنى يزيل به العقل. وفي كشف الكبير:
قيل هو سرور يغلب على العقل بمباشرة بعض الأسباب الموجبة له، فيمنع الإنسان عن العمل بموجب عقله من غير أن يزيله، ولهذا بقي السّكران أهلا للخطاب انتهى. وقال أبو حنيفة:
السّكران هو الذي لا يعقل مطلقا قليلا ولا كثيرا، ولا الرجل من المرأة. وعندهما هو الذي يهذي ويختلط جدّه بهزله ولا يستقرّ على شيء في جواب وخطاب، وإليه مال أكثر المشايخ كما في الهداية. وفي فتاوى قاضي خان، قال أبو حنيفة: السّكران من لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة. وقال صاحباه إذا اختلط كلامه بالهذيان فهو سكران وعليه الفتوى. وفي الملتقط عن أبي يوسف هو الذي لا يستطيع أن يقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ كذا في البرجندي. أقول هذا الاختلاف إنّما هو في وجوب الحدّ بالسّكر في غير الخمر. يعني ما قال الإمام الأعظم في حدّ السّكر إنما هو في وجوب الحدّ عليه بالمسكر غير الخمر. أمّا في حدّ الحرمة فقوله مثل قولها. وأمّا في وجوب الحدّ بالخمر فلا يشترط السّكر بل يجب الحدّ بشرب القليل من الخمر ولو بقطرة، كما قال في شرح الوقاية: حدّ الشرب ثمانون سوطا بشرب الخمر ولو قطرة.
فمن أخذ بريح الخمر أو سكران زائل العقل بنبيذ إلى قوله يحد صاحبا. اعلم أنّ السكر عند أبي حنيفة في وجوب الحدّ بشرب الأشربة التي هي غير الخمر هو أن لا يعرف شيئا حتى الأرض من السماء؛ وفي حق الحرمة أن يهذو، وعندهما يهذو مطلقا أي في وجوب الحرمة والحدّ وإليه مال أكثر المشايخ. وعند الشافعي أن يظهر أثره في مشيه وحركاته وأطرافه. هذا خلاصة ما في شرح الوقاية.
والسّكر عند الصوفية دهش يلحق سرّ المحــبّ في مشاهدة جمال المحــبوب فجأة، لأنّ روحانية الإنسان التي هي جوهر العقل لمّا انجذبت إلى جمال المحــبوب بعد شعاع العقل عن النفس وذهل الحسّ عن المحــسوس، وألمّ بالباطن فرح ونشاط وهزّة وانبساط لتباعده عن عالم التفرقة، وأصاب السرّ دهش ووله وهيجان لتحيّر نظره في شهود جمال الحقّ. وتسمّى هذه الحالة سكرا لمشاركتها السّكر الظاهر في الأوصاف المذكورة إلّا أنّ السبب لاستتار نور العقل في السّكر المعنوي غلبة نور الشهود، وفي السّكر الظاهر غشيان ظلمة الطبيعة لأنّ النور كما يستتر بالظلمة كذلك يستتر بالنور الغالب كاستتار نور الكواكب بغلبة نور الشمس. وقلنا فجأة لأنّ صدمة نور الجمال في النظرة الأولى أكثر وفي النظرات بعدها تقلّ على التدريج لحصول الأنس بوصول الجنس، حتى إذا استقرّ نازل حال المشاهدة ونزل كل جزء من أجزاء الوجود إلى أصله عاد شعاع العقل إلى عالم النّفس والعقل وظهر التمييز بين المتفرّقات من المعقولات والمحــسوسات. وتسمّى هذه الحالة صحّوا، نظيره في هذا العالم محبوب دخل على محبّه فجأة فأذهله عما فيه من الأمر بحيث غاب متحيّرا في مشاهدته عن العقل والتمييز فلمّا كرّر النظر إلى محاسنه وجماله واستأنس بلقائه ووصاله عاد التمييز والتبصير وزال الدهش والتحير. والسّكر حال شريف يعتور عليه صحوان: صحو قبله وهو تفرقة محضة ليس من الأحوال بشيء، وصحو بعده، ويسمّى الصحو الثاني وصحو الجمع والصحو بعد المحــو، وهو حال يصير مقاما ويكون أعزّ من السّكر لاشتماله على الجمع والتفرقة، ولكونه لا ينال إلّا بعد العبور على ممر السّكر والجمع.
فالصحو الأول حضيض النقصان لإفادته إثبات الحدث. والسّكر معراج السالكين لإفادته محو الحدث. والصحو الثاني أوج الكمال لإفادته إثبات القدم وإفادة السّكر محو الحدث لأنه نتيجة مشاهدة جمال القدم، ونور القدم يزيل ظلمة الحدث، إلّا أنّ حال الشهود لا تدوم في البداية بل تلوح وتخفي سريعا كالبوارق فلا يزيل نوره ظلمة وجود السيّار بالكلية بل يزول تارة ويعود أخرى. ويتردد السائر بين الصّحو الأوّل المثبت للحدث والسّكر الماحي له، وتسمّى هذه الحالة تلوينا. فإذا استقرّ حال المشاهدة دام محو الحدث وإثبات القدم، وتسمّى هذه الحالة تمكينا لدوام الوجدان. وصاحب السّكر لا يدوم وجدانه بل يجد تارة ويفقد أخرى، ويكون مأسورا تحت تصرّف التلوين. ومناط تلوينه الوجود الذي هو مثار الصّحو الأوّل. والسالك لا يستغني عن السّكر ما لم يخلص عن الصّحو الأوّل، فإذا خلص إلى الصّحو الثاني صار غنيا عن السّكر.
اعلم أنّ السّكر الزائل في الصّحو الثاني هو الذي يظهر من مشاهدة جمال الصّفات، ولا تستقرّ من حال الشهود إلّا هذه. والسّكر الواقع في الصّحو الثاني هو الذي يظهر من مشاهدة جمال الذات فلا يزول لعدم استقرار حال شهود الذات، فإنّه لا تحصل لأحد منها في الدنيا إلّا لمحــات يسيرة كقوله عليه السلام: «لي مع الله وقت» عبارة عنها وموطن استقرارها الآخرة، والرؤية الموجودة في الآخرة لأهلها هي هذه، والمقام المحــمود لعله عبارة عنها، كذا في شرح القصيدة الفارضية.

الزّرامية

الزّرامية:
[في الانكليزية] Al -Zaramiyya (sect)
[ في الفرنسية] Al -Zaramiyya (secte)
بالراء المهملة فرقة من غلاة الشيعة قالوا الإمامة بعد علي لمحــمد بن الحنفية ثم ابنه عبد الله ثم علي بن عبد الله بن عباس ثم أولاده إلى المنصور ثم حل الإله في أبي مسلم وأنه لم يقتل، واستحلّوا المحــارم وترك الفرائض. ومنهم من ادّعى الإلهية في المقنّع كذا في شرح المواقف.

الدّرهم

الدّرهم:
[في الانكليزية] Dirham
[ في الفرنسية] Dirham
بالكسر وسكون الراء المهملة وفتح الهاء وجاء كسر الهاء أيضا، وربما قالوا درهام وهو لغة اسم لمضروب مدور من الفضة. والمشهور أنّ تدويره في خلافة الفاروق رضي الله عنه، وكان قبله على شبه النواة بلا نقش، ثم نقش في زمان ابن الزّبير على طرف بكلمة من الله وعلى آخر بالبركة ثم غيّره الحجّاج فنقش بسورة الإخلاص. وقيل باسمه. وقيل غير ذلك.
واختلف في وزنه على عهده صلى الله عليه وسلّم أنه وزن عشرة أو تسعة أو ستة أو خمسة، أي كل عشرة دراهم خمسة مثاقيل وهو الأصح، ثم انتقل على عهد عمر رضي الله تعالى عنه إلى وزن سبعة، أي كل عشرة منها سبعة مثاقيل، فكل درهم سبعة أعشار مثقال، أي نصف مثقال، وخمس مثقال.
فالدرهم الواحد على وزن سبعة أربعة عشر قيراطا هي سبعون شعيرة، وعلى هذا فالمثقال مائة شعيرة، وهذا الوزن هو المعتبر في الزكاة، كذا في جامع الرموز في كتاب الزكاة، وفيه في كتاب الطهارة في فصل تطهير الأنجاس الدرهم هاهنا أي في تطهير النجاسات غير الدرهم في الزكاة، فإنّ المراد منه هاهنا مثقال في النجس الكثيف أي ما له جرم وقدّر عرض مقعّر الكف.
وقيل قدر الكف في النجس الرقيق أي ما لا جرم له. وفسر محمد قدر الدرهم في النوادر بما يكون قدر عرض الكف، وفي كتاب الصلاة بالمثقال، فوفّق الفقيه أبو جعفر بأنّ المراد بالعرض تقدير ما لا جرم له، وبالمثقال ما له جرم، واختاره عامة المشايخ وهو الصحيح، لكن في البيع الفاسد من النهاية لو صلّى ومعه شعر الخنزير وهو زائد على قدر الدرهم وزنا عند بعضهم وبسطا عند آخرين لم يجز عند أبي يوسف خلافا لمحــمد، وفي فتاوى الدينار قال الامام خواهر زاده الخمر تمنع الصلاة وإن قلت بخلاف سائر النجاسات. هذا وفي الكرماني الدرهم المقدّر به أكبر من النقد الموجود في أيدي الناس في كل زمان لأنّ هذا أوسع وأيسر، فتختلف دراهم النجاسة باختلاف اعتبار أهل الزمان انتهى كلام جامع الرموز.
وبالجملة الدرهم في اللغة اسم لمضروب مدور من الفضة وفي الشرع يطلق على وزن ذلك المضروب في الزكاة وعلى وزن أو سطح في باب النجاسة على قياس الدينار، فإنّه يطلق لغة على المضروب وشرعا على وزن ذلك المضروب، وسيأتي ما يتعلق بهذا في لفظ المثقال. والأطباء يطلقونه على الوزن أيضا كما في بحر الجواهر من أنّ الدرهم نصف مثقال وخمسه، وقيل ست دوانق انتهى. والأخير اصطلاح المحــاسبين أيضا كما ستعرف في لفظ المثقال. وفي المنتخب: الدرهم الشرعي يقال له أيضا درهم بغلي لأن ضاربه كان من العجم ويلقب برأس البغل. ومساحة هذا الدرهم بمقدار وسط راحة اليد..

التّوبة

التّوبة:
[في الانكليزية] Repentance
[ في الفرنسية] Repentir
بالفتح وسكون الواو في اللغة الرجوع.
وفي الشرع الندم على معصية من حيث هي معصية، مع عزم أن لا يعود إليها إذا قدر عليها. فقولهم على معصية لأنّ الندم على المباح أو الطاعة لا يسمّى توبة. وقولهم من حيث هي معصية لأنّ من ندم على شرب الخمر لما فيه من الصداع أو خفة العقل أو الإخلال بالمال والعرض لم يكن تائبا شرعا. وقولهم مع عزم أن لا يعود إليها زيادة تقرير لأنّ النادم على الأمر لا يكون إلّا كذلك. ولذلك ورد في الحديث «الندم توبة». وقولهم إذا قدر عليها لأنّ من سلب القدرة منه على الزنا مثلا وانقطع طمعه عن عود القدرة إليه إذا عزم على تركه لم يكن ذلك توبة منه. وفيه أنّ إذا ظرف لترك الفعل المستفاد من قولهم لا يعود فيعكس الأمر. قال الآمدي: إجماع السلف على أنّ الزاني المجبوب إذا ندم على الزنا وعزم أن لا يعود إليها على تقدير القدرة فإن ذلك الندم توبة. وكذا الحال في المشرف على الموت لأنه يكفي تقدير القدرة. ومنع هذا أبو هاشم وقال:
مثل هذا الندم ليس توبة. ثم المعتزلة اشترطوا في التوبة أمورا ثلاثة: ردّ المظالم وأن لا يعاود ذلك الذنب وأن يستديم الندم. وهي عند أهل السنة غير واجبة في صحة التوبة. أما ردّ المظالم فواجب برأسه لا مدخل له في الندم على ذنب آخر. وأمّا أن لا يعاود فلأنّ الشخص قد يندم على الأمر زمانا ثم يبدو له، والله تعالى مقلّب القلوب من حال إلى حال. وغايته أنه إذا ارتكب ذلك الذنب مرّة أخرى وجب عليه توبة أخرى. وأما استدامة الندم فلأن فيه من الحرج المنفي عنه في الدين. وأيضا المعتزلة أوجبوا قبول التوبة على الله بناء على أصلهم الفاسد.
اعلم أنهم اختلفوا في التوبة المؤقّتة مثل أن لا يذنب سنة وفي التوبة المفصّلة نحو أن يتوب عن الزنا دون شرب الخمر، بناء على أنّ الندم إذا كان لكونه ذنبا عم الأوقات والذنوب جميعا أو لا يجب عمومه لهما. فقيل يجب العموم. وقيل لا يجب ذلك كما في الواجبات، فإنه قد يأتي المأمور ببعضها دون بعض، وفي بعض الأوقات دون بعض، ويكون المأتي بها صحيحا في نفسه بلا توقّف على غيره مع أنّ العلّة للإتيان بالواجب هو كونه حسنا واجبا. ثم الظاهر أنّ التوبة طاعة واجبة فيثاب عليها لأنها مأمور بها قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وإن شئت التوضيح فارجع إلى شرح المواقف في موقف السمعيات.
وقال في مجمع السلوك التوبة شرعا هي الرجوع إلى الله تعالى مع دوام الندم وكثرة الاستغفار. وما قيل إنّ التوبة هي الندم فمعناه أنّ الندم من معظم أركان التوبة. قال أهل السنة: شروط التوبة ثلاثة ترك المعصية في الحال وقصد تركها في الاستقبال والندم على فعلها في الماضي. وقال السري السقطي: التوبة أن لا تنسى ذنبك. وقال الجنيد: التوبة أن تنسى ذنبك، ولا تناقض بين العبارتين، فإنها بالمعنى الأول في حق المبتدئ وبالمعنى الثاني في حق المنتهي الكامل، فإنّ العبد إذا بلغ النهاية ينبغي له أن ينسى الذنوب لأن ذكر الجفاء في حالة الوفاء جفاء. وقال الثّوري:
التوبة أن تتوب عن كل شيء سوى الله تعالى.

وقال رويم: معنى التوبة أن تتوب من التوبة.

وقيل معناه قول رابعة: استغفر الله من قلّة صدقي في قولي استغفر الله. والحاصل هو أن الاستغفار ينبغي أن يكون مقرونا بصدق المعاملة، وإلّا فليس ذلك بتوبة بل ذنب فوق ذنب. وقيل التوبة على نوعين: توبة الإنابة وتوبة الاستجابة. فتوبة الإنابة أن تخاف من الله من أجل قدرته عليك بحيث لو أراد في وقت ارتكاب المعصية أن يعذّبك، فبسبب خوفك من عذابه ترجع عن الذنب. وتوبة الاستجابة أن تستحيي من الله بقربه منك يعنى: قال الله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إذن: فما دام يعتبر نفسه قريبا فاللائق إذن أن لا يخطر الذنب ببالك. ويقول بعضهم: التائبون ثلاثة أقسام: عوام، وخواص، وخواصّ الخواص.

فأمّا توبة العوام: العودة عن الذنب، بمعنى الاستغفار باللسان والندم بالقلب. وتوبة الخواص: مراجعة الطّاعات بمعنى رؤية التقصير فيها بحيث لا يرون عبادتهم لائقة بمقام الربوبية، فيعتذرون عن تقصرهم فيها كما لو كانوا مذنبين. وأمّا توبة خاصّة الخاصّة فهي الالتفات من الخلق إلى الحق، أي بعبارة أخرى: عدم رؤية أيّ منفعة أو مضرّة من الخلق وعدم الركون إليهم. إذن فالتوبة في الحقيقة هي الرجوع، ولكن صفة الرجوع تختلف باختلاف المقامات والأحوال.

ويقول بعضهم: التوبة ثلاثة أقسام:
صحيحة وأصحّ وفاسدة.
فالصحيحة تلك التي يتوب فيها العبد من ذنبه فورا بكل صدق، وإن عاد فيما بعد إلى الوقوع فيها. والتوبة الأصح: هي التوبة النصوح.

والتوبة الفاسدة: هي التي يتوب فيها باللسان بينما بقيت في خاطره لذّة المعصية.

والتوبة النّصوح: هي من أعمال القلب، وهو تنزيه القلب عن الذنوب، وعلامة ذلك أن يظنّ المعصية صعبة وكريهة، وأن لا يعود إليها، وألّا يدع المعصية تخطر بباله أصلا.

وقال ذو النون: توبة العوام من الذنوب وتوبة الخواصّ من الغفلة، فإنّ الغفلة عن الله أكبر الكبائر. وتوبة الأنبياء من رؤية عجزهم عن بلوغ ما ناله غيرهم حيث أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان أراد أن لا يدعه الحق أن لا يفعل ما يريد بحسب طاقته. ثم حين نظر في أعماله ظنّ أنّ أحدا من الأنبياء لم يقم بمثل ما قام به. فلا جرم أنّه لم ير من اللائق أن يعتذر عن عجزه وتقصيره. وقال: «اني لاستغفر الله كل يوم مائة مرة». وقال أبو دقاق: التوبة ثلاثة أقسام الأول التوبة والثاني الإنابة والثالث الأوبة. فمن يتوب لخوف العقاب فهو صاحب توبة. ومن يتوب بطمع الثواب فهو صاحب إنابة. ومن يتوب لمحــض مراعاة أمر الله من غير خوف العقاب ولا طمع الثواب فهو صاحب أوبة.
وقيل التوبة صفة عامة المؤمنين. قال الله تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.
والإنابة صفة الأولياء والمقرّبين. قال الله تعالى وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ. والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين قال الله تعالى نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ. وإن شئت الزيادة على هذا فارجع إلى مجمع السلوك.

الْقِصَّة

الْقِصَّة: أَن هَذَا الرجل ذهب إِلَى الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف وَمَعَهُمْ الرِّوَايَات المستخرجة على انْتِقَال من الْمَذْهَب، فَقَالَ الْمُفْتِي الْعَارِف أَن لَا حَاجَة للانتقال عَن الْمَذْهَب، وَقد استخرجت رِوَايَة جَوَاز هَذَا النِّكَاح على مَذْهَبنَا.
وَلما كَانَت هَذِه الرِّوَايَة قد أرْسلت إِلَى القَاضِي مَعَ هَذَا الشَّخْص. وَلما رأى القَاضِي هَذِه الرِّوَايَة بالخط الشريف أجْرى النِّكَاح، وَلما كَانَ مُحَمَّد كَمَال وَبِنَاء على فَتْوَى الْمُفْتِي ورسالته قد أوقع النِّكَاح. فَجَاءَنِي هَذَا الرجل بعد وُقُوع النِّكَاح وعَلى الشماتة وَقَالَ لقد أَعْطَانِي الْمفْتُون فَتْوَى وأجريت النِّكَاح، وَكَذَلِكَ وصلني ذَلِك عَن طَرِيق النَّقْل، وحينها استدعي الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف وَسُئِلَ من أَيْن أَعْطَيْت رِوَايَة جَوَاز هَذَا النِّكَاح، فأظهر أَن هَذِه الرِّوَايَة مَكْتُوبَة فِي (فُصُول الْعِمَادِيّ) وَهِي (وَلَو قضى بِجَوَاز نِكَاح مزنية الْأَب أَو مزنية الابْن لَا ينفذ عِنْد أبي يُوسُف لِأَن الْحَادِثَة مَنْصُوص عَلَيْهَا فِي الْكتاب، وَعند مُحَمَّد ينفذ، وَمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا، أَنه قَالَ الْحَرَام لَا يحرم الْحَلَال يُؤَيّد قَول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ مُجْتَهدا فِيهِ فَينفذ حكمه، كَذَا ذكر فِي الْمُحِــيط) .
قيل إِن هَذِه الرِّوَايَة لَيست محصورة فِي (فُصُول الْعِمَادِيّ) وَلكنهَا مَوْجُودَة فِي كتب أُخْرَى. وَلكنهَا لَا تدل على مقصودكم، أما لماذا، لِأَن الْمَذْكُور فِي هَذِه الرِّوَايَة هُوَ نَفاذ الْقَضَاء فِي مزنية الْأَب أَو مزنية الابْن وَلَيْسَ جَوَاز نِكَاحهَا، وَإِذا كَانَت الْعبارَة (لَو نكح أحد بمزنية الْأَب) فَإِنَّهَا تُؤدِّي هَذَا الْمَعْنى، وَلَكِن الْعبارَة هِيَ (لَو قضى) وَالْقَضَاء فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء مَشْرُوط بالدعوة أَو الْقَضِيَّة، وتريد دَعْوَى سبق النِّكَاح. يَعْنِي أَن النِّكَاح قد سبق، وَوَقع بَين الزَّوْجَيْنِ دَعْوَى لجِهَة الْمهْر أَو النَّفَقَة وأمثال ذَلِك، وترافعوا لَدَى القَاضِي، وَأخذ القَاضِي حكما بِنَاء على بَيِّنَة أَو أَي من الْحجَج الشَّرْعِيَّة. فَهَذَا الحكم يُقَال لَهُ الْقَضَاء. وَلَيْسَ كل مَا قَالَه القَاضِي بِصِيغَة الْأَمر هُوَ قَضَاء. كَأَن يَقُول مثلا ضع الإبريق فِي بَيت الْخَلَاء، فَهَذَا لَيْسَ قَضَاء بالاصطلاح الشَّرْعِيّ فالقضاء بحاجة إِلَى الِاصْطِلَاح الْعرفِيّ.
وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمُتَعَارف على اصْطِلَاحه لَدَى الْعلمَاء ومشهور فِيمَا بَينهم، وَمَعَ هَذَا فقد صرح بعض المصنفين عَن هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى لَا يَقع أحد فِي الْغَلَط. كَمَا فِي (حسب الْمُفْتِينَ) إِذا قضى القَاضِي مُجْتَهدا فِيهِ وَهُوَ لَا يعلم بذلك الْأَصَح أَنه يجوز قَضَاؤُهُ وَأَن ينفذ إِذا علم بِكَوْنِهِ مُجْتَهدا فِيهِ، قَالَ شمس الْأَئِمَّة، وَهَذَا ظَاهر الْمَذْهَب وَهَا هُنَا شَرط لنفاذ الْقَضَاء فِي الْمُجْتَهد فِيهِ وَهُوَ أَن يصير الحكم حَادِثَة فتجري فِيهِ خُصُومَة صَحِيحَة بَين يَدي القَاضِي من خصم على خصم، وَفِي الْبَحْر الرَّائِق هَا هُنَا شَرط لنفاذ الْقَضَاء فِي المجتهدات وَهُوَ أَن تصير حَادِثَة تجْرِي بَين القَاضِي من خصم على خصم حَتَّى لَو فَاتَ هَذَا الشَّرْط لَا ينفذ الْقَضَاء لِأَنَّهُ فَتْوَى) .
وَالْأَصْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هُوَ أَنه إِذا اخْتلف المجتهدون فِي الْقَضِيَّة، ترجع إِلَى القَاضِي وَيظْهر القَاضِي حكمه بِخِلَاف مذْهبه. عِنْد الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه إِذا حكم سَاهِيا فَينفذ. وَإِذا كَانَ عَامِدًا فَإِن فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعند الصاحبين نَافِذ مُطلقًا سَاهِيا كَانَ أم عَامِدًا. وَأَصْحَاب الْمُتُون مثل (وفاية الرِّوَايَة) وَغَيره وَأَصْحَاب الشُّرُوح مثل (الْهِدَايَة) وَشرح (الْوِقَايَة) وَغَيره وعَلى قَول الصاحبين هُوَ فَتْوَى، وَكتب الشَّيْخ كَمَال الدّين بن همام فِي (فتح الْقَدِير) حَاشِيَة (الْهِدَايَة) إِنَّه فِي زَمَاننَا الْفَتْوَى على قَول الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ فِي هَذَا الزَّمن كل من يحكم بِخِلَاف مذْهبه، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَو لَيْسَ خَالِيا من الطمع. إِذا فِي هَذِه الْحَادِثَة إِذا تحقق الْقَضَاء الَّذِي اصْطلحَ عَلَيْهِ الْعلمَاء، فَإِن نَفاذ الْقَضَاء على الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة يثبت، وَلَكِن بقول الصاحبين فَإِن قَضَاء الْمُفْتِي لَا ينفذ فِي جَوَاز النِّكَاح، وَلَا إِمْكَان.
وعلاوة على ذَلِك فَإِن فِي نَفاذ مثل هَذَا الْقَضَاء شَرطه اجْتِهَاد القَاضِي حَتَّى لَا ينفذ قَضَاء من قضى وَهُوَ غير مُجْتَهد عِنْد الإِمَام والصاحبين. وَهَذَا الِاشْتِرَاط يفهم من كَلَام صَاحب (الْهِدَايَة) وَكَذَلِكَ صرح صَاحب (الْفَتْح الْقَدِير) وَغَيره من الْمُحَــقِّقين، (هَذَا كُله فِي القَاضِي الْمُجْتَهد فَأَما الْمُقَلّد فَإِنَّمَا ولاه ليحكم بِمذهب أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثلا فَلَا يملك الْمُخَالفَة فَيكون معزولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك الحكم) .
وَكَذَلِكَ مَعَ أَن هَذِه الرِّوَايَة لَا دلَالَة لَهَا على الْمَقْصُود، فَإِنَّهَا لَيست خَالِيَة من الضعْف لِأَنَّهَا تخَالف الْقَاعِدَة الْكُلية الْمَذْكُورَة فِي جَمِيع الْمُتُون والشروح، مَعَ وجود أَن الْعلمَاء صَرَّحُوا أَن رِوَايَات الْمُتُون مُقَدّمَة على رِوَايَات الشُّرُوح، وَرِوَايَات الشُّرُوح مُقَدّمَة على رِوَايَات فَتَاوَى الْخُصُوص. وَكتب أَيْضا أَن تَصْحِيح صَاحب الْهِدَايَة مقدم على الآخرين، وَبعد الَّتِي واللتيا، لما فهم الْمُفْتِي (الْمَذْكُور سَابِقًا) وَأدْركَ سوء فهمه وَعرف أَن مَدْلُول الرِّوَايَة هُوَ نَفاذ الْقَضَاء وَلَيْسَ زواج النِّكَاح، قَالَ هَذَا خطأ القَاضِي لِأَنَّهُ أذن بِالنِّكَاحِ وَلَيْسَ مني لأنني أَعْطَيْت سَابِقًا فَتْوَى نَفاذ قَضَاء هَذَا النِّكَاح ومضمون الرِّوَايَة شَرْطِيَّة، والشرطية صَادِقَة، حَتَّى وَلَو لم يتَحَقَّق مَا تقدم. قيل إِنَّه هُنَا لَا يسري صدق الشّرطِيَّة، وَيجب الْمُطَابقَة بَين سُؤال، فالمستفتي يسْأَل عَن جَوَاز النِّكَاح، وَأَنت تجيب عَن نَفاذ الْقَضَاء. وَإِذا كتبت فِي جَوَاب الاستفتاء الْمَذْكُور (كل مَا يخرج من السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء) فَإِن الرِّوَايَة فِي نَفسهَا صَحِيحَة وَلكنهَا من حَيْثُ الْمُطَابقَة كَاذِبَة. وعَلى قَول مولوي فِي المثنوي:
(أيتها الْخَالَة بطريقة سَيِّئَة أَصبَحت خالا ... )
أَي على صدق هَذِه الشّرطِيَّة فَلَا يمكننا اجراء أَحْكَام الْخَال على الْخَالَة. وَقد قيل كَذَلِك فِي نَفاذ الْقَضَاء على مَدْلُول الرِّوَايَة كَلَام، لِأَنَّهُ مُخَالف للمتون والشروح الَّتِي فِيهَا الْفَتَاوَى على قَول الصاحبين، وَنُخَالِف الْمُحَــقِّقين الَّذين اشترطوا الِاجْتِهَاد وعدوا الافتاء على رِوَايَة غير الْمُفْتِي بِخِلَاف آدَاب الْإِفْتَاء وَالدّين. قَالَ لقد أتيت (السبهري) بالمفتي الثَّانِي، وَقد جَاءَ كل من الْمُفْتِي الْمَذْكُور مَعَ مُحَمَّد يحيى الَّذِي أصبح الْمُفْتِي الثَّانِي وَأصْبح الْحل وَالْعقد فِي الْقَضَاء بِيَدِهِ مَعَ مُحَمَّد كَامِل الَّذِي وصلت إِلَيْهِ خُلَاصَة افتاء الْمُفْتِي الثَّانِي وَلما فهم القَاضِي والمفتيان أَن معنى الرِّوَايَة بِخِلَاف ذَلِك الَّذِي بنوا عَلَيْهِ الْعَمَل، فبدل مُحَمَّد يحيى مجْرى الْوَاقِعَة مقررا بقوله بِمَا أَن هَذَا النِّكَاح قد انْعَقَد أَمَامه وترافعوا لَدَيْهِ، فَحكم القَاضِي بِجَوَازِهِ وموافقته لمَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وَحكم بِهِ، قيل فِي جَوَابه، لماذا هَذَا التَّحْرِير فِي التَّقْرِير، أَولا لقد أعْطى القَاضِي الْإِذْن الَّذِي بِمُوجبِه انْعَقَد النِّكَاح، وَلم ينْعَقد أَولا النِّكَاح وَبعد ذَلِك ترافعوا أَمَام القَاضِي. وَمن الاتفاقات الجيدة، كَانَ الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف قد حضر، وَفِي الْوَقْت نَفسه حضر فَجْأَة ذَلِك الشَّخْص المبتلي، وَمن أجل الْآخِرَة وَحَتَّى لَا يحور النَّاس تَقْرِيره بعد أَن سمعُوا معنى الرِّوَايَة كَانَ يجب أَخذ الْإِقْرَار من ذَلِك الرجل المبتلي على مَا حدث فَسئلَ هَذَا الرجل المبتلي عَمَّا إِذا أَخذ الْإِذْن من القَاضِي أَولا وَبعد ذَلِك عقد النِّكَاح أم أَنه عقد النِّكَاح ثمَّ جَاءَ إِلَى القَاضِي ليَأْخُذ مِنْهُ حكما بِجَوَازِهِ، فَقَالَ أَولا حصلت على الرِّوَايَة وَبِنَاء عَلَيْهَا اعطاني القَاضِي الْإِذْن وبموجب ذَلِك عقد مُحَمَّد كَامِل عقد النِّكَاح، فَلَمَّا ثَبت كذب مُحَمَّد يحيى وتحويره للتقرير، أَخذ الْمُفْتِي الْعَارِف شَاهدا وَقيل لَهُ أَن لَا تكْتم الشَّهَادَة. وَمَا سمعته من هَذَا الرجل صباحا أعده وقله، فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أظهر مَا سَمعه. وَكَذَلِكَ قيل لمُحَــمد يحيى على تَقْدِير أَن النِّكَاح كَانَ سَابِقًا لإذن القَاضِي، فَكيف لَهُ أَن يُعْطي حكما بِجَوَاز هَذَا النِّكَاح. لِأَن الثَّابِت عِنْد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حُرْمَة الْمُصَاهَرَة بالزنى، وَهَذَا النِّكَاح غير جَائِز عِنْد أَي وَاحِد مِنْهُم، وَمهما كَانَ القَاضِي مُجْتَهدا فَلَا يجوز لَهُ أَن يحكم بِمَا يُخَالف الْعلمَاء الثَّلَاثَة.
وَقد جَاءَ التَّنْصِيص على أَنه (إِذا اتّفق أَصْحَابنَا أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله تَعَالَى فِي مَسْأَلَة، لَا يسع القَاضِي أَن يخالفهم وَلَا يبقي ذَلِك محلا للِاجْتِهَاد، وَإِن اخْتلفُوا فِي مَسْأَلَة فِيمَا بَينهم قَالَ عَامَّة مَشَايِخنَا رَحِمهم الله إِن كَانَ القَاضِي من أهل الِاجْتِهَاد يجْتَهد، فَإِن وَقع اجْتِهَاده على قَول الْوَاحِد أَخذ بقوله وَيتْرك قَول الْمثنى وَإِن كَانَ فِي الْمثنى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى) وَالرِّوَايَة الْمَذْكُورَة لَا تدل على أَنه يجوز للْقَاضِي أَن يُعْطي حكما بِجَوَاز هَذَا النِّكَاح. وَلكنهَا تدل على أَنه على تَقْدِير أَنه حكم، فَإِن حكمه ينفذ كَمَا هِيَ الْعبارَة (لَو قضى القَاضِي _ الخ) وَهُوَ نَص صَرِيح وَكتب الْفِقْه مشحونة بأمثال هَذِه الْعبارَة. مثل (لَو وطئ رجل دبر امْرَأَة وَلَو وطئ فرج بَهِيمَة فَعَلَيهِ الْغسْل) فَهَذِهِ الْعبارَات تدل على وجوب الْغسْل على تَقْدِير الوطئ فِي الدبر أَو فِي فرج الْبَهِيمَة، أم تدل على جَوَاز الوطئ فِي الدبر أَو فِي فرج الْبَهِيمَة. وَبعد تَقولُونَ إِن القَاضِي حكم بعد سَماع المرافعة وعَلى تَقْدِير صدق هَذَا القَوْل من أَيْن كَانَ للْقَاضِي أَن يحكم، وَمَا هُوَ الدَّلِيل الَّذِي حكم بِهِ. بعد ذَلِك اعتذروا وَمضى مَا سَمِعُوهُ.) انْتهى) .
(الْقِصَّة) الَّتِي تكْتب وَالْجُمْلَة من الْكَلَام والْحَدِيث وَالْأَمر وَالْخَبَر والشأن وحكاية نثرية طَوِيلَة تستمد من الخيال أَو الْوَاقِع أَو مِنْهُمَا مَعًا وتبنى على قَوَاعِد مُعينَة من الْفَنّ الْكِتَابِيّ (محدثة) (ج) قصَص

(الْقِصَّة) الْخصْلَة من الشّعْر وَشعر مقدم الرَّأْس (ج) قصَص وقصاص

الطَّلَاق

(الطَّلَاق) الطَّلقَة
(الطَّلَاق) التَّطْلِيق و (فِي الشَّرْع) رفع قيد النِّكَاح المنعقد بَين الزَّوْجَيْنِ بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة
الطَّلَاق: اسْم بِمَعْنى التَّطْلِيق كالسلام بِمَعْنى التَّسْلِيم ومصدر طلقت الْمَرْأَة وَهُوَ فِي اللُّغَة رفع الْقَيْد مُطلقًا والتخلية من إِطْلَاق الْبَعِير. وَهُوَ إرْسَاله من عقاله وَفِي الشَّرْع رفع الْقَيْد الثَّابِت شرعا بِالنِّكَاحِ وَإِزَالَة ذَلِك النِّكَاح وَيَقَع طَلَاق كل زوج عَاقل بَالغ وَلَو مكْرها على الطَّلَاق وأخرس بإشارته وَعبد أَو سَكرَان من الْخمر أَو النَّبِيذ أما إِذا سكر من البنج أَو من الْأَدْوِيَة لَا يَقع بِالْإِجْمَاع.
فِي خزانَة الرِّوَايَات وَإِن شرب من الْأَشْرِبَة المتخذة من الْحُبُوب والفواكه وَالْعَسَل إِذا طلق أَو أعتق اخْتلفُوا فِيهِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر رَحمَه الله تَعَالَى الصَّحِيح أَنه كَمَا لَا يلْزمه الْحَد لَا ينفذ تصرفه. فِي الحمادية من الْجَوَاهِر فِي طَلَاق السَّكْرَان اخْتلفت الرِّوَايَات وَاخْتلف الْمَشَايِخ وَقَالَ أفتى بالوقوع سدا للشُّرْب بِقدر الوسع وَهُوَ الْأَظْهر من الْمَذْهَب. وَإِن كَانَت الرِّوَايَة الْأُخْرَى هِيَ الأقيس. فِي الْخُلَاصَة وَلَو شرب من الْأَشْرِبَة الَّتِي تتَّخذ من الْحُبُوب وَالْعَسَل فَسَكِرَ وطلق لَا يَقع عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَأبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى خلافًا لمُحَــمد رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن سُئِلَ كَيفَ إِذا لم يُطلق يَقع الطَّلَاق. فَالْجَوَاب أَن الزَّوْج إِذا قَالَ أَنْت طَالِق مَا لم أطلقك أَو مَتى لم أطلقك أَو مَتى مَا لم أطلقك وَسكت طلقت.
ثمَّ اعْلَم أَن السّنيَّة فِي الطَّلَاق وبدعيته بِاعْتِبَار الْوَقْت وَالْعدَد فَإِن كَانَ الطَّلَاق فِي طهر لَا وطئ فِيهِ يكون سنيا وَفِيمَا سواهُ بدعيا من حَيْثُ الْوَقْت. فالطهر الَّذِي لَا وطئ فِيهِ وَقت يَجْعَل الطَّلَاق سنيا وَالْوَقْت الَّذِي سواهُ يَجْعَل الطَّلَاق بدعيا. وَإِن كَانَ الطَّلَاق وَاحِدًا يكون سنيا وَمَا سواهُ بدعيا من حَيْثُ الْعدَد. فالعدد الْوَاحِد هُوَ الَّذِي يكون الطَّلَاق بِحَسبِهِ سنيا وَبِمَا سواهُ بدعيا. وَالسّنة فِي الْوَقْت تثبت فِي الْمَدْخُول بهَا خَاصَّة وَهُوَ أَن يطلقهَا فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ. وَالسّنة فِي الْعدَد تستوي فِيهَا الْمَدْخُول بهَا وَغير الْمَدْخُول بهَا فالطلاق الْوَاحِد سَوَاء كَانَ فِي الْحيض أَو الطُّهْر لغير الْمَدْخُول بهَا خَاصَّة سني وَالطَّلَاق لَيْسَ بموقوف على رضى الْمَرْأَة. وَهَا هُنَا مغالطة ستقف عَلَيْهَا فِي النِّكَاح إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمَا فَوْقه فِي حَقّهَا وَفِي حق غَيرهَا بدعي. فَإِن كَانَ فِي طهر لَا وطئ فِيهِ يكون سنيا من حَيْثُ الْوَقْت وَإِلَّا فَيكون بدعيا من حَيْثُ الْوَقْت أَيْضا. وَالطَّلَاق أبْغض الْمُبَاحَات وَإِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ لحَاجَة الْخَلَاص وَدفع الضَّرَر عَن نَفسه وَهَذَا يحصل من الْوَاحِد وَالزَّائِد زَائِد لَا حَاجَة إِلَيْهِ.

أحمدنكر

الأحمد: قد ذكر فِي أول الْكتاب تيمنا وتبركا، قيل إِن عَلَاء الدّين سُلْطَان دلهي كتب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد سُلْطَان الكجرات يَقُول:
(أَنا الْعَلَاء وعَلى حرف جر ... فَهَل يُمكن أَن يجر عَليّ)
لما وصل الْمَكْتُوب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد كتب فِي الْجَواب:
(اسْم أَحْمد مَمْنُوع من الصّرْف ... وَلَيْسَ مُمكنا أَن يجر عَليّ)
أَحْمد نكر بَلْدَة طيبَة فِي (الدكن) من مضافات (اورنك) عامرة الْبُنيان حفظهما الله تَعَالَى عَن الْآفَات وَالشَّر وعمرهما مدى الْأَيَّام والشهور، وَبِمَا أَن الْبَلدة الْمَذْكُورَة هِيَ مَوضِع ولادَة العَبْد الْفَقِير، وَبِمَا أنني فِي قَضَائهَا وعشت فِيهَا مُدَّة الْعُمر فِي رخاء وَيسر ونشأة وترعرعت فِيهَا فَكَانَ من حَقّهَا عَليّ أَن أسرد بَعْضًا أَو نفحات من تاريخها الَّذِي استنبطه أَو وصل لي من خلال الرِّوَايَات المتواترة المحــققة.
هَذِه الْبَلدة بناها أَحْمد نظام شاه البحري عَلَيْهِ شآبيب سَحَاب الرَّحْمَة والغفران وَأحمد نظام شاه البحري هُوَ ابْن ملك نَائِب بحري، وَهُوَ من أَوْلَاد برهمنان بيجانكر واسْمه الْأَصْلِيّ تيمابهت وَاسم وَالِده بهريون، زمن سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني من أَوْلَاد بهمن بن اسفنديار الَّذِي كَانَ يحكم منْطقَة (مُحَمَّد آباد بيدر) وَقع أَسِيرًا أَيَّام ملك بيجانكر وَعرف بِملك حسن وَدخل فِي سلك غلْمَان المملكة، وعندما رأى السُّلْطَان أَحْمد مَا لَدَى ملك حسن من علم وَمَعْرِفَة واطلاع وعقل ورأي أهداه إِلَى وَلَده الْأَكْبَر مُحَمَّد شاه بهمني وأرسله إِلَى الْكتاب لتعلم الْخط والعلوم الفارسية الَّتِي برع فِيهَا ملك حسن بِسُرْعَة وَفِي مُدَّة قَصِيرَة واشتهر بعْدهَا ب (ملك حسن بهريور) فأغدق عَلَيْهِ العطايا والمراكز الْعَالِيَة والممتازة وَتَوَلَّى قيادة الحرس الْخَاص للقصر واصطفاه وقربه مِنْهُ واستبدل كلمة (بهريور) بِكَلِمَة (بحري) وخلع عَلَيْهِ لقب (نظام أشرف هايون الْملك بحري) بِمُوجب فرمان همايوني شرِيف مِمَّا عَاد على أَوْلَاده بالشرف الرفيع وعلو الْقيمَة وَالْقدر، وَبعد وَفَاة أَحْمد شاه بهمني، تحول الْملك إِلَى أكبر أَوْلَاده مُحَمَّد شاه بهمني، فَأصْبح (أشرف همايون نظام الْملك بحري) وَكيلا للسلطنة بِنَاء لوَصِيَّة أَحْمد شاه بهمني، فعين وَلَده (ملك أَحْمد) قائدا للجيش وأقطعه (ويركنات) مِمَّا يَلِي قلعة (دولت آباد) وفوضه أمرهَا.
ووصلت سلطة ملك أَحْمد إِلَى حُدُود (جنير) واهتم بإدارتها وضبطها غير أَن قلعة (سنير) الْوَاقِعَة على بعد ميل من (جنير) لجِهَة الغرب وقلعة (جوند) و (هرسل) وَغَيرهَا من القلاع وَالَّتِي كَانَت أَيَّام سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني تَحت سيطرة (مرهته هاي) ، لم تدخل تَحت نُفُوذه على الرغم من الفرمانات والقرارات الَّتِي اصدرها وَكيل السلطنة وَالَّتِي تقضي بِوُجُوب تَسْلِيم القلاع إِلَى ملك أَحْمد، لَكِن (مرهته هاي) اعتذر عَن ذَلِك مَا دَامَ مُحَمَّد شاه بهمني لم يبلغ سنّ الرشد والتمييز وَيُصْبِح صاحبا لملكه وقادرا على ادارته، عِنْد ذَلِك يُطِيع الْأَوَامِر وَيسلم القلاع. غير أَن ملك أَحْمد كَانَ صَاحب قَرَار وعزم فقرر الِاسْتِيلَاء على قلعة (سنير) فَعمد إِلَى محاصرتها لمُدَّة سِتَّة أشهر بعْدهَا خرج آمُر القلعة وَسلم مَفَاتِيح القلعة إِلَى ملك أَحْمد، فاستولى على جَمِيع الْأَمْوَال والأشياء الَّتِي كَانَت تحويها القلعة وَالَّتِي كَانَت كَثِيرَة وَلَا تحصى وافتخر بذلك أَيّمَا افتخار وطارت أخباره بذلك، مِمَّا دفع القلاع الْأُخْرَى (جوند) و (هرسل) و (جيودهن) وَغَيرهَا إِلَى التَّسْلِيم لَهُ قهرا فسيطر بذلك على ملك (كوكن) وَعَن قلعة (سنير) يَقُول مُحَمَّد قَاسم فرشته واصفا، أَنَّهَا تقع على رَأس قمة جبل شَاهِق تعانق السَّحَاب وَلَا يصلها النسْر فِي تحليقه.
وَقد زار الْكَاتِب قلعة ((سنير)) فِي الفترة الَّتِي كَانَ حَاكما عَلَيْهَا ابْن عبد الْعَزِيز الَّذِي كَانَ يتحلى بِصِفَات الشجَاعَة وَالْكَرم وَالْوَفَاء. وَالَّذِي أصبح قائدا لقلعة ((سنير)) بعد وَفَاة مَحْمُود عَالم خَان، وَفِي عهد مُحَمَّد فرخ سير قَائِد دلهي عقد اتِّفَاق بَينه وَبَين أَمِير الْأُمَرَاء سيد حُسَيْن عَليّ خَان المشرف على (دكن) بعد تدخل من سنكراجي ملها رزناردار 1129 وَكَانَ من شُرُوطه عدم الانقلاب والثورة على الْملك وَعدم التَّعَرُّض إِلَى سبل النَّقْل (الطّرق) والاحتفاظ بِخَمْسَة عشر ألف رَاكب تَحت إمرة المسؤول عَن (الدكن) وَأسْندَ إِلَيْهِ أَو جوتهه وسرد بسمكى النواحي السِّتَّة من (الدكن) وَتفرد غنيم بِملك (كوكن) وَمَا حولهَا من الْمَوَاشِي والأبقار وقصبات وأمصار وبلاد وبقاع. وَأصْبح كَذَلِك مسيطرا على ملك كجرات ومالوة وفنديس وَمَا وَرَاء الدكن وأغلب أَرَاضِي الْهِنْد والبنغال. وبسبب ضعف جيوش الْإِسْلَام بلغ الْأَمر إِزَالَة الشعارات والعلامات الإسلامية من الْقرى والامصار الَّتِي سيطر عَلَيْهَا وهدمت الْمَسَاجِد وَمنع ذبح الأبقار. وَبلغ الْأَمر أَنهم قطعُوا أَيدي القصابين فِي بَلْدَة برهَان بوركو وأخرجوهم مِنْهَا ... وَبعد انتصار غنيم حاصر قلعة ((سنير)) الَّتِي كَانَت لمحــمود عَالم خَان الَّذِي رأى أَن الْأَصْحَاب والأتباع وَمن يُؤَيّد مُحَمَّد حُسَيْن نويته الَّذِي كَانَ صَاحب الرَّأْي لَدَى مَحْمُود عَالم خَان قد تفَرقُوا بعد أَن وصلوا إِلَى الْهَلَاك وَلم تصلهم امدادات جيوش الْإِسْلَام قرر وبشكل مزاجي أَن يفضل الْحَيَاة الدُّنْيَوِيَّة على الشَّهَادَة والحياة الأبدية فَاخْتَارَ مَا يلطخ الجبين إِلَى الْأَبَد فقرر فِي السَّادِس عشر من شهر جُمَادَى الأولى سنة 1170 تَسْلِيم القلعة إِلَى غنيم فَخرجت السيطرة عَن القلعة بذلك من يَد الْمُسلمين وَمَات بعْدهَا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون.
وصلنا إِلَى أصل الْمَوْضُوع ذَلِك أَن أشرف همايون نظام الْملك بحري قد توفّي فتسمى ابْنه الْملك أَحْمد بِأَحْمَد نظام الْملك شاه بحري وَبسط لِوَاء سلطته، وعندما وصل هَذَا الْخَبَر إِلَى مسامع السُّلْطَان مُحَمَّد شاه بهمني وَجه إِلَيْهِ جَيْشًا جرارا بقيادة جهانكير خَان، الَّذِي وصل إِلَى قَصَبَة (بهنكار) عابرا من ((تلِي كانون)) فَتوجه أَحْمد نظام الْملك شاه بحري من قَصَبَة (جيور) إِلَى ملاقاته، فَنزل الجيشان تفصل بَينهمَا مَسَافَة سِتَّة فراسخ لمُدَّة شهر تَقْرِيبًا، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء علم جهانكير خَان أَن جَيش أَحْمد نظام شاه بحري لَا يملك التنظيم وَلَيْسَ لَهُ قدرَة على المواجهة، وَكَانَت الْأَيَّام تِلْكَ مُنَاسبَة لإِقَامَة الملذات ومجالس الطَّرب وَالشرَاب فَعمد إِلَى إِقَامَتهَا. وصلت أَخْبَار هَذِه الْمجَالِس الَّتِي يقيمها جهانكير خَان إِلَى مسامع أَحْمد نظام شاه بحري الَّذِي اغتنم الفرصة وتحرك بجيشه الَّذِي يَقُودهُ أعظم خَان لَيْلَة الثَّالِث من رَجَب المرجب سنة 895 عبر جبال قَصَبَة (جيور) فوصل مَعَ الصُّبْح إِلَى قَصَبَة (بهنكار) وَنزل كالصواعق على جَيش جهانكير خَان فَقَتلهُمْ وَأسر من بَقِي مِنْهُم فأركبهم أَحْمد نظام شاه بحري على ظُهُور الأبقار وأطلقهم وسط عسكره مشهرا بهم، وَأعْطى الْأمان لمن بَقِي بِالْقربِ من (مُحَمَّد آباد بيدر) ، وَأما الْمَكَان الَّذِي جرت فِيهِ المعركة وَفتح الله لَهُ فِيهَا فقد أَقَامَ حديقة وسماها حديقة نظام وَلذَلِك فَإِن هَذِه المعركة عرفت بمعركة (الحديقة) . وحول هَذِه الحديقة زرعت الغابات والأزهار وبنيت العمارات الشاهقة وَسميت ((نكينه مَحل)) و ((سون مَحل)) وجر إِلَيْهَا نَهرا من السوَاد فِي محلّة (كافور باري) تنبع من بِئْر مَشْهُور باسم (ناكابائين) وَمَعَ الْوَقْت أَصبَحت هَذِه الحديقة تعرف ((بروضة الرضْوَان)) .
بعد ذَلِك وَمن بَاب الشُّكْر لله على فتح قَصَبَة (جيور) وَمَعَهَا قَرْيَة (إِمَام بور) عمد أَحْمد نظام الشاه بحري إِلَى جعل هَذِه النَّاحِيَة وَقفا على الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء، وغادر بعْدهَا منصورا مظفرا إِلَى (بجنير) . ثمَّ أَزَال اسْم السُّلْطَان مَحْمُود شاه بهمن من الْخطْبَة بعد أَن أَشَارَ عَلَيْهِ بذلك يُوسُف عَادل خَان واستبدله باسمه وَركب جملا أَبيض وَهَذَا الرَّسْم كَانَ من خصوصيات سُلْطَان دلهي وكجرات، بعد ذَلِك راوده حلم السيطرة على قلعة (دولت آباد) ، وأرقه وجود أَفْوَاج السلاطين فِي (بيجابور) و (حيدر آباد) و (بيدر) فَخرج من (جنير) لمواجهتهم ولصعوبة هَذِه المهمة ومقتضيات الْأُمُور عمد إِلَى بِنَاء مَدِينَة فِي الْوسط مَا بَين (دولت آباد) و (جنير) وسماها (دَار السلطنة) والعاصمة وَذَلِكَ فِي شهور سنة (900) فِي الْمُقَابل من (حديقة نظام) إِلَى الْجَانِب الغربي على نهر (السِّين) . وَكَانَ يُرِيد أَن يُطلق عَلَيْهَا اسْم (أَحْمد آباد) وَلكنه بعد أَن علم أَن عَاصِمَة ملك كجرات سُلْطَان أَحْمد شاه كجرات كَائِن على هَذَا الِاسْم نَفسه، وَهِي مستمدة من اسْمه وَهُوَ اسْم يُوَافق اسْم وزيره الْقَدِير وقاضيه الْعَادِل، فَعدل عَن ذَلِك، إِلَى اسْم (أَحْمد نكر) الَّذِي يتوافق مَعَ اسْمه وَالِاسْم الْأَصْلِيّ لنصير الْملك ووزير الممالك وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر، وأصدر أوامره إِلَى جَمِيع الْأُمَرَاء وَالْأَصْحَاب والقادة الْكِبَار وَأَصْحَاب الخدمات بِبِنَاء العمائر الْكَبِيرَة والضخمة، فبنوها على النمط الْمصْرِيّ والبغدادي وارفقوها بالعديد من الْمَسَاجِد والحمامات وجروا إِلَيْهَا عدَّة أنهر وزرعوا عدَّة حدائق جميلَة ورائعة تخلب الأنظار والقلوب مَعًا فَأَصْبَحت (أَحْمد نكر) خضراء أَكثر وَأفضل من (كشمير) وهواها ألطف وأرق من سَائِر الْبِلَاد.
وَبعد وَفَاة ملك أشرف صَاحب قلعة (دولت آباد) ضم أَحْمد نظام شاه بحري هَذِه القلعة إِلَى سلطته فَبنى مَا تهدم مِنْهَا وترفق بِالنَّاسِ ثمَّ قفل إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) منصورا مظفرا. فِي هَذِه الفترة مَاتَ وزيره نصير الْملك كجراتي فعين مَكَانَهُ كَمَال خَان دكهني، بعْدهَا مرض أَحْمد نظام شاه بحري وَاسْتمرّ مَرضه مُدَّة ثَلَاثَة أشهر، فَجمع أَرْكَان دولته إِلَيْهِ وأعلن ابْنه الْأَمِير وليا لعهده الْبَالِغ من الْعُمر سبع سنوات. حكم أَحْمد نظام شاه مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة وَتُوفِّي سنة (904) . فارتعدت السَّمَاء وَالْأَرْض عِنْد مَوته وَحمل نعشه الطَّاهِر السَّادة والفضلاء والأمراء بِجلَال ووقار السلطنة إِلَى الْقرب من نهر (السِّين) حَيْثُ دفن هُنَاكَ:
(أَيهَا الْمَوْت لقد دمرت آلَاف الْبيُوت ... وخطفت الْأَرْوَاح من عَالم الْوُجُود)
(وكل درة نفيسة أَتَت إِلَى هَذِه الدُّنْيَا ... أَخَذتهَا ووضعتها تَحت التُّرَاب)
بني على قبر أَحْمد نظام شاه بحري قبَّة عالية وأحيط بسور كَبِير ووسيع أطلق عَلَيْهِ اسْم (حديقة الرَّوْضَة) وَفِي دَاخل هَذَا السُّور هُنَاكَ قُبُور عديدة وعدة قبب صَغِيرَة، أما الأَرْض خَارج السُّور فَهِيَ مليئة بالقبور لمساحة رمية سَهْمَيْنِ أَو أَكثر لجِهَة الْجنُوب حَتَّى يُمكن القَوْل أَن لَيْسَ فِيهَا وجبا وَاحِدًا خَالِيا من قبر.
لقد تحولت هَذِه الْمقْبرَة إِلَى مقصد للْعُلَمَاء لطلاب الْعلم الَّذين يَجْلِسُونَ تَحت قبَّة قبر أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى الْمِحْــرَاب الْوَاقِع لجِهَة الشمَال حَيْثُ يعقدون الحلقات، وأبرز هَؤُلَاءِ الْعلمَاء المرحوم مير عنايت الله ولد مير طَاهِر جنيري الَّذِي قبل الانتساب إِلَى بيُوت الْفقر من أجل تَحْصِيل الْعلم فَقضى مُعظم أوقاته فِي تِلْكَ الْمقْبرَة.
وَلَقَد اسميت هَذَا الْمُحــب السعيد بالشهيد لِأَنَّهُ فِي شهر رَمَضَان الْمُبَارك من هَذِه السّنة جَاءَ إِلَى منزلي وَقَالَ إِنَّه إِذا ربح بطيخة فَأولى لَهُ أَن يربح أَو يكْسب الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة فَقبلت مَعَه فَقضيت مَعَه شهر رَمَضَان فِي تكْرَار درس ((شرح الْوِقَايَة)) بحاشية ((الْجبلي)) فِي ذَلِك الْمِحْــرَاب.
وَكنت فِي بعض الأحيان اذْهَبْ إِلَى ((حديقة الرَّوْضَة)) لزيارة الْقُبُور وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة على العظماء المدفونين فِيهَا وأجلس إِلَى قبر حَافظ مُحَمَّد عبد الله التلميذ النجيب لوالد المرحوم المدفونين دَاخل سور الحديقة. الَّذِي كَانَ لَهُ الِاطِّلَاع الْوَاسِع والمعرفة الْحجَّة والبصيرة الواسعة والفكر الصائب، وَقَالَ كلَاما مجيدا وَوَجهه إِلَى الْمُلُوك الْمُخْتَلِفين وَكَانَ لَهُ اطلَاع وَاسع على علم الْقِرَاءَة وصنف رِسَالَة فِي التجويد شعرًا ونثرا. وَقد اسْتَفَدْت مِنْهُ فِي دراسة ((شرح الملا)) وَبَعض أَبْوَاب ((كنز الْفَوَائِد)) اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وَأَنت الْغفار الرَّحِيم.
وَظهر يَوْم الْأَحَد من سنة 1164 اسْتشْهد محبي لله مير عنايت الله فِي المعركة الَّتِي نشبت بَين هدايت محيي الدّين خَان ((وفاغنة)) والقصة أَن مكمل خَان انفق جهدا كَبِيرا فِي تربية وَتَعْلِيم وتأديب برهَان نظام شاه ولمدة عشرَة سنوات الَّتِي كَانَت كَافِيَة وجيدة لاتقان الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة بِخَط جميل بشكل جيد.
وَكتب ((مُحَمَّد قَاسم)) يَقُول إِن برهَان نظام شاه كتب رِسَالَة فِي علم الْأَخْلَاق وسلوك الْمُلُوك ووصلت إِلَيْهِ وَقد كتب فِي آخرهَا هَذِه الْجُمْلَة ((كَاتبه الشَّيْخ برهَان بن أَحْمد الملقب بنظام الْملك بحري)) . وَقد كَانَ برهَان نظام شاه مَعْرُوفا بالشجاعة وَالتَّقوى وَالصَّلَاح وَالْكَرم وفريدا فِي عصره. وَيُقَال إِنَّه كَانَ عِنْدَمَا يركب فرسه وَيخرج إِلَى السُّوق فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَعَ أَصْحَابه، فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا يسارا، وعندما سَأَلَهُ أحد المقربين عَن عدم التفاتة إِلَى الْأَطْرَاف والجوانب قَالَ لَهُ: عِنْدَمَا أعبر فَإِن كثيرا من الرِّجَال وَالنِّسَاء يقفون لمشاهدة هَذَا الفاني، وَأَنا أَخَاف. أَن تلفت أَن تقع عَيْني على شَيْء حرَام فَينزل عَليّ وبال ذَلِك. وَلما كَانَ هَذَا الْملك الْعَظِيم شَابًّا ومغامرا فِي أَوَائِل سلطنته أَرَادَ أَن يسيطر على قلعة (كاويل) ، فَخرج من أجل ذَلِك من دَار السلطنة فِي (أَحْمد نكر) باتجاه تِلْكَ القلعة وسيطر عَلَيْهَا، وَكَانَ من جملَة الأسرى الَّذين وَقَعُوا فِي يَد قَائِد جَيْشه جَارِيَة بَالِغَة الْحسن وَالْجمال تشابه الْقَمَر أَو المُشْتَرِي، فَلَمَّا وَقع نظره على وَجه الْملاك هَذَا فشاهد الْمُسْتَقْبل فِي مرْآة وَجههَا تملكه الوله والحيرة وَلم يملك سَبِيلا إِلَّا أَن يحملهَا إِلَى السُّلْطَان وَيرى أَثَرهَا عَلَيْهِ، وَفِي خلْوَة بَينهمَا قَالَ نصير الْملك للسُّلْطَان دَامَ ضله أَنه قد حجب عَن بَاقِي الْعَسْكَر وَالنَّاس فاتنه من بَين الأسرى لَا مثيل لَهَا وَلَا تلِيق إِلَّا بالسلطان فَإِذا أَمر السُّلْطَان فَإِنَّهُ يبْعَث بهَا إِلَى الْجنَاح الليلي، فتملك شهريار حَالَة من الانشراح والفرح فَاسْتحْسن نصير الْملك ذَلِك وَلما ذهبت هَذِه الْجَارِيَة إِلَى الْجنَاح الليلي كَانَت تضع على رَأسهَا شادورا كحليا مقصبا بِالذَّهَب وَكَأَنَّهَا ملاك يسير باتجاه برهَان نظام شاه، وَلما تمّ اللِّقَاء بَينهمَا، شرفها الشاه بِالْحَدِيثِ مَعهَا فَسَأَلَهَا من أَي قوم هِيَ وَإِلَى من تنْسب وَمن يتَّصل بهَا بِالْقَرَابَةِ أيتها الوردة الجميلة الخالية من الشوك. فأجابت، روحي فدَاء للعلي الْقَدِير أَنا من قَبيلَة (فلَان) وَأبي وَأمي وَزَوْجي هم فعلا فِي قَبْضَة السُّلْطَان. فَلَمَّا سمع الْملك اسْم زَوجهَا سيطرت عَلَيْهِ الحمية وَاجْتنَاب الْمعاصِي فذوت شَهْوَته وَقَالَ لَهَا مطيبا خاطرها سَوف أطلق سراح والدك ووالدتك وزوجك وأهبك إيَّاهُم. عِنْدهَا ركعت الْجَارِيَة وَقبلت الأَرْض بَين يَدَيْهِ وشرعت بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ. وَفِي الصَّباح عِنْدَمَا دخل عَلَيْهِ نصير الْملك يُرِيد تهنئته بِهَذِهِ اللَّيْلَة الجميلة، فَضَحِك ((يُوسُف زَمَانه)) وَقَالَ: لقد سترنا عَورَة هَذَا الشّرف الْكَرِيم وأعطيتها وَعدا أَن أعيدها إِلَى زَوجهَا فَلذَلِك أحضر لي والدها ووالدتها وَزوجهَا إِلَى هَذَا الْمجْلس فأنعم عَلَيْهِم وأغدق ووهبهم لَهَا.
وَفِي عهد برهَان نظام شاه ازدهرت مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَأخذت رونقا جَدِيدا فَاجْتمع فِيهَا الْعلمَاء والسادات والأكابر وَالشعرَاء أَصْحَاب الْفُنُون والحرف والفقراء.
التقى الملا بير مُحَمَّد الشيرواني من كبار عُلَمَاء الْمَذْهَب السّني وأستاذ الْملك الْمُعظم عَن طَرِيق الِاتِّفَاق بالشاه طَاهِر دكنهي عِنْد جهان كاوان الَّذِي كَانَ ركن السلطنة لَدَى مُحَمَّد شاه بهمني فِي قلعة (بريندا) ، ودرس عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) فِي علم الْهَيْئَة لمُدَّة سنة وعندما عَاد إِلَى (أَحْمد نكر) سَأَلَهُ برهَان نظام شاه عَن سَبَب توقفه هُنَاكَ. فَقَالَ لَهُ الملا بير مُحَمَّد ظَاهر أَنه كَانَ طول هَذِه الْمدَّة برفقة عَالم محلق فِي الْفَهم الإنساني، وَلَيْسَ من طَرِيق إِلَى إِدْرَاك سر كَمَاله وعقله يزن عقول أهل زَمَانه وَلَا أحد يبلغ شرف مرتبَة علمه، فاعتبرت ذَلِك فوزا عَظِيما أَن أَقرَأ عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) الَّذِي يعْتَبر محك امتحان الْفُضَلَاء لَا بل ميزَان معركة حكماء اليونان وَالْعراق وَأنْشد فِي وصف شاه طَاهِر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ: (لقد حَار الْعُقَلَاء فِي وصف كَمَاله ... فَلَا يُدْرِكهُ لَا بقراط الْحَكِيم وَلَا أَبُو عَليّ)
(مَعَ علمهمْ وحكمتهم وفضلهم وكمالهم ... فَإِنَّهُم جَمِيعًا يدرسون علم الْألف فِي صفه)
لقد رغب برهَان نظام شاه بمصاحبة الْعلمَاء والفضلاء، وخصوصا صُحْبَة شاه طَاهِر فَأرْسل لَهُ رِسَالَة حملهَا شوقه وحبه واحترام مَعَ الملا بير مُحَمَّد، وعندما وصلت الرسَالَة إِلَى شاه طَاهِر فِي (بريندا) فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن اطلع (خواجه جهان) على الرسَالَة الَّذِي لم ير بدا من مركب السّفر لشاه طَاهِر وَيبْعَث بِهِ إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) ، فَخرج أَعْيَان وأمراء وأقرباء الْملك من الْمَدِينَة لمسافة أَرْبَعَة فراسخ لاستقباله بِكُل اعزاز وإكرام وأدخلوه الْمَدِينَة. وَبعد أَن التقاه برهَان نظام شاه وَكَرمه وعظمه اعترافا بِقَدرِهِ ومنزلته، الَّتِي ادركها شاه طَاهِر من بَين جَمِيع المقربين، وَبعد أَن فرغ من مراسم الِاسْتِقْبَال والمهمات مَعَ السُّلْطَان (بهادر الكجراتي) ، اتخذ لَهُ مَكَانا فِي أَسْفَل قلعة (أَحْمد نكر) للدرس الَّذِي تحول فِيمَا بعد إِلَى مَسْجِد جَامع فَجَلَسَ للدرس يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوع يدرس الْعلمَاء الْكِبَار ويطلعهم على الْكتب الدراسية. وَقد حضر دروسه كل من السَّيِّد جَعْفَر أَخ الشاه طَاهِر، وشاه حسن الْجواد، والملا مُحَمَّد النيشابوري، والملا حيدر الاسترآبادي، وَالسَّيِّد حسن المشهدي، والملا عَليّ كلمش الاسترآبادي، والملا ولي مُحَمَّد، والملا رستم الْجِرْجَانِيّ، والملا عَليّ المازندراني، وَأَبُو الْبركَة والملا عَزِيز الله الكيلاني، والملا مُحَمَّد الأسترآبادي، وَالْقَاضِي زين العابدين وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر وَالسَّيِّد عبد الْحق (كَاتب بركنه ((انبر)) ) وَالشَّيْخ جَعْفَر، ومولانا عبد الأول وَالْقَاضِي مُحَمَّد نور الْمُخَاطب بِأَفْضَل خَان وَالشَّيْخ عبد الله القَاضِي، وَآخَرين من الْفُضَلَاء وطلاب الْعلم وَقد جلس إِلَيْهِ فِي درسه كَذَلِك كل من برهَان نظام شاه واستاذه الملا بير مُحَمَّد الشرواني فَكَانَ يجلس من أول الدَّرْس إِلَى آخِره وَيسْأل ويجيب ويناقش ويعارض.
وَلما كَانَ شاه طَاهِر على مَذْهَب الإمامية، فَإِن برهَان نظام شاه قد اخْتَار مَذْهَب الإمامية هُوَ وَجَمِيع أَهله وَعِيَاله والمقربين لَهُ، وَبعد النقاش الَّذِي دَار بَين شاه طَاهِر وَجمع من الْفُضَلَاء حول هَذَا الْمَذْهَب عمد برهَان نظام شاه إِلَى قتل قَاضِي (انبر) ، وَلَيْسَ هُنَا مقَام الْكَلَام على هَذَا الْمَوْضُوع.
لقد توفّي الشاه طَاهِر فِي زمن سلطنة برهَان نظام شاه سنة 956 وَدفن دَاخل سور حديقة الرَّوْضَة خَارج قبَّة نظام شاه بحري إِلَى الْجَانِب الشمالي. وَقد عمد هاني نظام شاه بعد مُدَّة إِلَى نقل رفاة شاه طَاهِر إِلَى كربلاء المعظمة. وَخلف شاه طَاهِر وَرَاءه أَرْبَعَة أَبنَاء هم: شاه حيدر وشاه رفيع الدّين حُسَيْن وشاه أَبُو الْحسن وشاه أَبُو طَالب وَثَلَاثَة بَنَات بقيت اسماميهن مستورة كَمَا كن هن مستورات. وَبَقِي أَوْلَاد شاه طَاهِر حَتَّى زمن كِتَابَة هَذِه الْكَلِمَات يسكنون فِي عمارات عامرة فِي مَكَان اقامة شاه طَاهِر فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) ويتولون تصريفها وادارتها، وَالْحَال أَن الْكَاتِب قد اشْترى منزلا من وَرَثَة شاه طَاهِر فِي منطقته، وَقد عمد برهَان نظام شاه بعد جُلُوسه على عرش السلطة سنة (908) إِلَى بِنَاء قلعة من الْحجر الْمَطْبُوخ فِي أَرَاضِي (حديقة نظام) وَبنى فِيهَا أَرْبَعَة أبراج وَأعْطى كل برج وتوابعه إِلَى أحد الْأُمَرَاء المرموقين، وَمَعَ مُرُور وَقت قصير أَصبَحت قلعة (أَحْمد نكر) من القلاع النادرة وَبلا نَظِير وشيرازة (نِسْبَة إِلَى شيراز) ملك الدكن، فَكَانَت فِي بنائها وصقل أحجارها وتدويرها وأسلوب أَحْكَامهَا فريدة بَين قلاع الأَرْض وأصبحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَدِينَة مَشْهُورَة بِطيب هوائها ومائها ومناخها بَين جَمِيع الْخلق من الْخَاصَّة والعامة فِي جَمِيع الْبِلَاد والأمصار.
وَقد بنى أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى جَانب الشمالي من مَدِينَة (أَحْمد نكر) حديقة سميت بحديقة (فيض نجش) والمشهورة بحديقة (الْجنَّة) وَبنى دَاخل الحديقة حوضا ضخما مثمن الاضلاع، وَفِي دَاخل الْحَوْض بنى عمَارَة كمنزل لَهُ مثمن الاضلاع، وَإِلَى جَانب الْحَوْض بنى إيوانه وحماما جميلا ومترفا. وَفِي أَيَّام التعطيل نَذْهَب مَعَ الطّلبَة الرفقاء إِلَى تِلْكَ الحديقة لصيد السّمك والتفرج والنزهة، لَكِن النَّهر خرب هَذَا الْحَوْض وأصبحت الحديقة تعاني من قلَّة المَاء فآلت إِلَى الخراب، فأصبحنا عِنْدَمَا نعبر هَذِه الحديقة تتملكنا الْحَسْرَة والندم عَلَيْهَا.
أما برهَان نظام شاه فقد بنى حديقة إِلَى الْجَانِب الجنوبي من (أَحْمد نكر) وأسماها حديقة (فَرح نجش) وَبنى دَاخل الحديقة (حوضا) مربع وَبنى وسط هَذَا الْحَوْض (جبوتره) مثمنة وواسعة، وَبنى فَوق (جبوتره) بِنَاء عَالِيا ومثمن من طبقتين بطراز غَرِيب وَعَجِيب يعجز الْقَلَم وَاللِّسَان عَن وَصفه ويحتار بِهِ، وَلَا يَسْتَطِيع عقل المهندسين ادراك عَظمَة تصميمه، وَكم حاول وسعى شاه طَاهِر لوصفه وتكلف الْمَشَقَّة غير أَنه لم يصل إِلَى إيفائه حَقه، وَمِمَّا قَالَه قصيدة طَوِيلَة فِي سِتَّة وَعشْرين بَيْتا يصف فِيهَا عَظمَة الْبناء وعظمة الْبَانِي وَالْقُدْرَة على تصميمه وَأَن لَا أحد من الْمُلُوك العظماء من سبق يَسْتَطِيع انجاز مَا أنْجز فِي هَذَا الْبناء حَتَّى أَن ديوَان كسْرَى وكلستان خسرو لَا يُمكن لَهما أَن يصلا إِلَى مستوى هَذَا الْبناء.
وَفِي حديقة (فَرح نجش) نهر عَظِيم يصل إِلَيْهَا من السوَاد من مَوضِع يُقَال لَهُ (كافور باري) ويدخلها من تَحت السُّور ويصل إِلَى خزان للمياه عَظِيم، وَقد خطّ تأريخ لهَذِهِ الحديقة على لوح رُخَام قرب خزان المَاء كتب عَلَيْهِ مَا مَعْنَاهُ. اسْمهَا (فَرح نجش) اشتق من طيب هوائها ومائها فاشتهرت بذلك:
(لتكن النِّعْمَة مرافقة للساعي ببنائها ... فَجَمِيع سَعْيه مشكور)
(أردْت أَن أأرخ لهَذَا الْكَبِير والحكيم ... فَقلت يَا رب لتكن عامرة إِلَى الْأَبَد) وَبِمَا أَن شاه طَاهِر كَانَ مَعَ نعمت خَان كدورتي فقد أنْشد حول الحديقة بَيْتَيْنِ من الشّعْر قَالَ فِيمَا مَعْنَاهُ:
(مر على حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه ... وَانْظُر إِلَى أصل النشاط)
(فقد بنى نعمت خَان وَمن فضل التَّارِيخ ... فَخَرجُوا أقمارا من حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه)
وَبعدهَا أنْشد شاه نور المتخلص بنزهت من قَصَبَة (جمار كونده قلندرانه) شعرًا بِوَصْف هَذِه الحديقة، وشاه نور كَانَ على علاقَة بشاه مُسَافر النقشبندي وَصَاحب بَاعَ فِي الخطابة وخطب مرّة فِي حَضْرَة شاه مُسَافر خطْبَة تقَارب الاعجاز وشعره رفيع بمقام شعر ميرزا صائب رَحمَه الله صَاحب الدِّيوَان والقصائد الغراء. وَقد التقاه الْكَاتِب وتباحث مَعَه مطولا لمرتين، ولنزهت حَاجِب ديوَان للشعر يُقَلّد فِي كَثِيره نسق ميرزا صائب.
ونعمت خَان كَانَ فِي عهد برهَان نظام شاه ذَا سليقة شعرية وسلوك حسن ورفيع وَصَاحب حَسَنَات فريدة. ومكانة نعمت خَان فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) أظهر من الشَّمْس فَكَانَ صَاحب عمارات وَمَسْجِد وبركة مَاء خلف الْمَسْجِد ودكاكين رفيعة الشَّأْن ووقف دكاكين السُّوق وخراجها وَبنى خلف الْمَسْجِد حَماما لَا مثيل لَهُ فِي سَائِر الْبِلَاد وَقد كتب شاه ظَاهر فِي تَارِيخ بِنَاء هَذَا الْحمام (وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا) (سنة 925) .
وَكَانَ ل (نعمت خَان) ولد وَاحِد كَانَ اسْمه (الملا نادري) توفّي فِي حَيَاة وَالِده فدفنه تَحت دكان فِي شمال السُّوق، أما قبر نعمت خَان وزوجه فقد دفنا فِي دَاخل سرداب إِلَى جَانب الْمَسْجِد فِي الْجِهَة الشمالية، وَلَا ولد لَهُ. وَتلك الدكاكين والعمارات الَّتِي كَانَ يملكهَا وصلت إِلَى الخراب وَقد بيع ترابها وحجارتها، فَإِذا كَانَ تعاقب الْأَيَّام على هَذَا المنوال فَلَنْ يبْقى لَهُ بعد أَيَّام أَي ذكر أَو أَكثر فسبحان الله. لقد كَانَ يعرف بحاتم زَمَانه.
الْقِصَّة من زمن برهَان نظام شاه راج مَذْهَب الإمامية وحينها أَصبَحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) ذَات رونق جَدِيد بِفضل العمارات والدكاكين والحدائق والحمامات المتعددة والأنهر الْكَثِيرَة ... وَلما شرع برهَان نظام شاه بترويج هَذَا الْمَذْهَب مُعْتَمدًا على شاه طَاهِر فقد اسند المناصب والوظائف الَّتِي قررها أَحْمد نظام شاه بحري لأهل السّنة إِلَى أَتبَاع الْمَذْهَب الشيعي وَبنى لَهُم سورا ومسجدا عَظِيما وبركة وغرفا كَثِيرَة فِي الْجِهَة الْمُقَابلَة لقلعة (أَحْمد نكر) وأصبحت مدرسة لَهُم.
وَسمي هَذَا الْمَكَان ب (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) ووقف لَهُم قصبات (جيور) و (سيور) و (راسيابور) وَبَعض الْقرى الْأُخْرَى لنفقات السَّادة والطلبة والفضلاء من الشِّيعَة، جعل لَهُم طَعَاما يوزع عَلَيْهِم يوميا لمرتين.
أما أَسمَاء الْأُمَرَاء المعروفين فِي ذَلِك الْعَهْد فهم: مير أَحْمد الْمُخَاطب بمير مرتضى خَان تكتي، وجنكيز خَان، وشرزه خَان، واعتماد خَان، وفرهاد خَان يُوسُف، وزمرد فرهاد خَان، ونعمت خَان، ورومي خَان، وصلابت خَان كرجي، وَحَكِيم كاشي، وَصدر جهان، وَاخْتِيَار خَان، وابهنك خَان، وفولاد خَان حبشِي، وبساط خَان، وغالب خَان شَهِيد، وآتش خَان، وَسيد منتجب الدّين، وعالم خَان ميواتي، وشمشير خَان جبشي، وَسيد الهداد خَان، وَسُهيْل خَان، وَسيد جلال الدّين، وخواجه سُهَيْل، وقاسم خَان، وميرزا خَان سبزواري، وجمشيد خَان، وبهائي خَان، وجمال خَان، وبحري خَان، وَأسد خَان الرُّومِي، وبهادر خَان الكيلاني كور، وموثي خَان وَغَيرهم.
وَالِدَة برهَان نظام شاه ابْنة أحد أكَابِر استرآباد توفيت فِي (جنير) ودفنت هُنَاكَ، أما قبَّة غَالب خَان الشَّهِيد تقع على مَسَافَة رميتي سهم من مَقْبرَة قدوة الواصلين وزبدة السالكين وجامع الكمالات الصورية والمعنوية حَضْرَة السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الجشتي من أَتبَاع ومريدي حَضْرَة شاه نظام نارنولي، الَّتِي تتصل سلسلة بيعَته بالشيخ نصير الدّين مَحْمُود مَنَارَة دلهي قدس الله تَعَالَى أسرارهم.
وَقد توفّي برهَان نظام شاه سنة 961 وَدفن تَحت الْقبَّة فِي حديقة الرَّوْضَة إِلَى جَانب أَحْمد نظام شاه بحري، وَبعد مُدَّة نقلت رفاتهما إِلَى كربلاء ودفنت على مَسَافَة درع وَاحِدَة من الْقبَّة الْخَاص بآل الْعَبَّاس. وَكَانَ عمر برهَان نظام شاه 54 سنة حكم مِنْهَا 47 سنة. خَلفه على سَرِير الْملك وَلَده حُسَيْن نظام الْملك وَكَانَ شجاعا وكريما وحاتميا وَقَامَ بأعمال جلة وفتوحات عديدة. وَكَانَ فِي زَمَانه (رامراج) وَكَانَ لَدَيْهِ فرقة من الفرسان وتسع فرق من المشاة ويسيطر على (بيجانكر) ويتسلط على من فِيهَا وتحالف مَعَ الْكَفَرَة السامريين فِي قَصَبَة (بهنكار) وَفِي أحد الْأَيَّام فِي السُّوق وأثناء الازدحام أَخذ يتداخل بَين النَّاس ويستعطيهم، وَلما كَانَ (راجه ساهو) فِي يَد (عالمكير بادشاه) فقد نجاه من قَيده مُحَمَّد أعظم شاه ابْن عالمكير بادشاه بِالْقربِ من منْطقَة (فردابور) بِنَاء على توصية ذُو الفقار خَان ابْن وَزِير الممالك اسد خَان، وعندما رَجَعَ إِلَى الْقَوْم الْكَفَرَة اجْتَمعُوا حوله فوصل إِلَى (أَحْمد نكر) وأغار على قَصَبَة (بهنكار) وأحرق الْبيُوت، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء وَقعت على رَأسه صَاعِقَة حارقة فَاحْتَرَقَ.
أما حُسَيْن نظام الْملك فقد بنى مَسْجِدا عَظِيما سَمَّاهُ الْمَسْجِد الْجَامِع دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) فِي مَكَان مدرسة شاه طَاهِر الْمَوْقُوفَة لسَائِر الْعلمَاء وَقد حكم حُسَيْن نظام الْملك مُدَّة 13 سنة وَمَات، فخلفه وبحكم الْوَصِيَّة وَلَده مرتضى نظام الْملك بن حُسَيْن نظم الْملك وَبعد عدَّة أَيَّام أَصَابَهُ مس فِي دماغه فانزوى فِي (رَوْضَة الْجنَّة - بَاغ بهشت) فَعمد ميرزا خَان السبزواري إِلَى ربطه فِي حمام رَوْضَة الْجنَّة حَتَّى مَاتَ من حرارة الْحمام، استمرت حكومته مُدَّة سِتَّة سنوات وعدة أشهر، وَيُقَال إِن أفضل شَيْء فعله فِي حكمه هُوَ مَوته. وَفِي عَهده تولى الْخطْبَة الملا ملك القمي وَكَانَ إِلَى جَانب ذَلِك شَاعِرًا عالي الدرجَة، وَفِي عَهده كَذَلِك وصلت الخطابة إِلَى أقْصَى الدَّرَجَات فِي (أَحْمد نكر) وَكَانَ لنسق الملا ظهوري فِي النّظم والنثر طرز خَاص وَألف (ساقي نامه) (رِسَالَة الساقي) على اسْم النامي برهَان نظام شاه وَكَانَ لَهَا صفاء وطلاوة وحلاوة خَاصَّة بهَا تنم عَن ذائقة رفيعة، وعندما رأى الملا ملك القمي هَذَا التمايز وَهَذِه القابلية والكمال من الملا ظهوري زوجه ابْنَته لِأَنَّهُ كَانَ فِي تَمام مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَبعد سنة من وَفَاة الملا ملك القمي، انْتقل الملا ظهوري إِلَى رَحْمَة الله وَالدَّار الْبَاقِيَة فَأشْعلَ نَار فِي قُلُوب الخطباء. وعندما مَاتَ أفلاطون قَالَ هَذِه الْكَلِمَات (من الحيف أَن يَمُوت الْعلمَاءأُصِيب فِيهَا بِسَهْم الْهَلَاك وَمَات، فَأَرَادَ بعض الْأُمَرَاء تنصيب (أَحْمد) ابْن (خوابنده بكلاني) وَبَعْضهمْ أَرَادَ تنصيب (موتِي شاه) ابْن (قَاسم شاه بن برهَان نظام شاه) مِمَّا أصَاب مملكة (أَحْمد نكر) بالفتور الْعَظِيم فتحول الْأَمر وعصمة المآب وعفت الإياب إِلَى (ملكة زماني جاند بِي بِي) ابْنة حُسَيْن نظام شاه بن برهَان نظام شاه بن أَحْمد نظام شاه بن أشرف همايون نظام الْملك بحري الَّتِي فاقت أقرانها من الشجعان والمقدامين فِي قدرتها واستيعابها للمراحل الْمَاضِيَة من تواريخ السلاطين، وأصبحت سيدة على (أَحْمد نكر) واستعملت الْأُمَرَاء الأجلاء مثل عنبر جنكيز خاني الْمَعْرُوف بعدله وأمانته وتدينه وَقدرته على تَدْبِير أُمُور المملكة فَكَانَ بِلَا نَظِير وشبيه وَكَذَلِكَ استعانت ب (اعْتِمَاد خَان الثَّانِي) وَغَيره من الْأُمَرَاء. وَمَعَ تحين أول فرْصَة أصبح عنبر غُلَام جنكيز خَان وَكيلا للسلطنة وَتسَمى بِالْملكِ عنبر وَبسط سلطته مُعْلنا بَدْء دولة الْملك عنبر وَجلسَ على كرْسِي الحكم وَقد قَالَ الشَّاعِر فِي ذَلِك:
(لم يكن للرسول غير بِلَال ذَاك ... )
(وَبعد ألف سنة جَاءَ ملك عنبر ... )
وَلما مَاتَ الْملك عنبر دفن فِي رَوْضَة (خلد آباد) بِالْقربِ من (دولت آباد) بِالْقربِ من قبَّة قدوة الواصلين وزبدة العارفين السَّيِّد يُوسُف بن السَّيِّد عَليّ بن السَّيِّد مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الدهلوي الدولت آبادي الْمَشْهُور ب (سدراجا) وَالْمَعْرُوف فِي هَذَا الْوَقْت ب (شاه راجو قتال) ، وَالِد الْمَاجِد حَضْرَة السَّيِّد مُحَمَّد كيسو دراز قدس الله تَعَالَى أسرارهم وَبني فَوق قَبره قبَّة عَظِيمَة الشَّأْن.
وعندما وصلت أَخْبَار الإفراط والتفريط بسلطنة (أَحْمد نكر) إِلَى أكبر شاه، جرد الْأَمِير الشاه مُرَاد عسكرا جرارا يرافقه الْأُمَرَاء المعروفين قَاصِدا السيطرة على (أَحْمد نكر) ، وعندما علمت (جاند بِي بِي) بِهَذَا الْخَبَر سارعت إِلَى تنصيب بهادر نظام شاه ابْن إِبْرَاهِيم نظام شاه بن برهَان نظام شاه على عرش (أَحْمد نكر) وتفرغت للاستعداد إِلَى الْحَرْب والقتال وإدارة الدولة، وَبعد عدَّة أشهر حاصر شاه مُرَاد قلعة (أَحْمد نكر) وَهزمَ فَعَاد إِلَى دلهي فَتوفي فِي أثْنَاء عودته، فَأَرَادَ الْأَمِير دانيال معاودة فتح (أَحْمد نكر) والسيطرة على ملك (الدكن) فَاسْتَأْذن لذَلِك الْخَانَات وكل من ميرزا شاه رخ وميرزا يُوسُف خَان، فحاصر الشاه دانيال (أَحْمد نكر) لمُدَّة أَرْبَعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام، وَفتحهَا فِي النِّهَايَة بِوَاسِطَة حِيلَة مُحرمَة سنة (1008) وَقبض على بهادر نظام الْملك، أما (جاند بِي بِي) الَّتِي كَانَت رائعة الْجمال بحسنها وشديدة العفاف فخافت أَن تقع فِي يَد عَسَاكِر دلهي الَّتِي سَمِعت عَنْهُم أَنهم سَوف يهتكون سترهَا، فرمت بِنَفسِهَا فِي حَوْض من (مَاء النَّار) فتحولت فِي طرفَة عين إِلَى أثر بعد عين فَكَانَ مَوتهَا سترا لَهَا من يَد الْعَسْكَر والمحــارم عَنْهَا. و (جاند بِي بِي) هَذِه كَانَت مخطوبة لأحد أَبنَاء سلاطين (بيجابور) وَكَانَ والدها قد أرسلها بوفير التَّجْهِيز وَركب عَظِيم إِلَى زَوجهَا فِي (بيجابور) فَكَانَ برفقة الْأُمَرَاء وَأَصْحَاب السلطة فِي استقبالها، وَلكنهَا وَفِي لَيْلَة الزفاف رَأَتْ من زَوجهَا مَا كدرها، وَأَنه لَا يَلِيق بهَا فاعتزلته، حَتَّى آخر اللَّيْل وَفِي الصَّباح خرجت من (بيجابور) راكبة حصانها عَائِدَة إِلَى (أَحْمد نكر) . فلحقتها أَفْوَاج عديدة من (بيجابور) ولمسافة أَرْبَعِينَ فرسخا ساعين إِلَى اعادتها لكِنهمْ لم يوفقوا إِلَى ذَلِك فَعَادَت ظافرة غانمة إِلَى دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) أما اعْتِمَاد خَان الثَّانِي وبسبب من وسواس كَانَ فِي باله فَإِنَّهُ ذهب إِلَى (بجنير) وعندما حوصرت (جاند بِي بِي) من قبل الْأَمِير دانيال ارسلت لَهُ رِسَالَة تعهد مختومة بخاتمها الْخَاص ونقشت عَلَيْهَا كف يَدهَا المضمخة بالزعفران والصندل ورسالة التعهد هَذِه مَوْجُود لَدَى أَوْلَاد اعْتِمَاد خَان، وبرأي الْكَاتِب فَإِن أَصَابِع تِلْكَ الْيَد العفيفة طَوِيلَة وضعيفة وراحة يَدهَا صَغِيرَة وَكَانَت تلبس خَاتمًا فِي خنصرها، وَقد تملك كل من كَانَ حَاضرا ذَلِك الْمجْلس وَشَاهد هَذَا التعهد وَنقش الْيَد عَلَيْهِ وانتبه إِلَى البلاغة والفصاحة والعبارة الَّتِي يتحلى بهَا هَذَا التعهد ومعانيه المتنوعة والمتينة تغلب عَلَيْهِ الْحَسْرَة ويسيل الدمع أسفا عَلَيْهَا وَيضْرب أَخْمَاسًا بأسداس.
إِن بَلْدَة (أَحْمد نكر) وَحَتَّى كِتَابَة هَذِه السطور قد تعرضت ثَلَاثَة مَرَّات للغارات:
الْمرة الأولى: عِنْدَمَا هاجمها الْكَافِر الشقي (رامراج) حَاكم (بيجانكرد) فِي عهد حُسَيْن نظام شاه بأفواجه الجرارة من الفرسان والمشاة الكثر واحتل (أَحْمد نكر) وذبحوا الْخَنَازِير فِي مَسْجِد (لنكرد) الْأَئِمَّة الاثنا عشر عَلَيْهِم وعَلى جدهم الأمجد الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَقِي فِي الْمَدِينَة مُدَّة تِسْعَة أشهر محاصرا قلعتها غير أَنه انهزم فِي النِّهَايَة وهرب مهزوما خائبا وخاسرا.
الْمرة الثَّانِيَة: حِين استغل (بابونا) ابْن الْملك عنبر جنكيز خَان اضْطِرَاب العلاقة بَين السلطة النظامية والأمراء فَأَغَارَ على (أَحْمد نكر) واحرق عمارات الْأُمَرَاء المبنية من الْخشب، وَكَذَلِكَ الْبيُوت الْوَاقِعَة فِي أَعلَى بوابة (كلان) فِي محلّة شاه طَاهِر وَأبقى على أبنية أهل الْحَرْف والغرباء وَالَّذين عاونوه.
الْمرة الثَّالِثَة: كَانَت فِي السّنة السَّادِسَة فِي عهد مُحَمَّد فرخ سير حَاكم (دلهي) فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الأول سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وَألف فِي زمن أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان الْمُتَوَلِي على (الدكن) وَكَانَ يتَوَلَّى امرة القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان (كهندو دبهارية) من طرف عَسَاكِر (غنيم) الْبَالِغَة أَرْبَعِينَ ألف خيال وراجل الَّذين انحدروا إِلَيْهَا من نَاحيَة (كنجاله) و (نيبه دهيره) وحاصروها (أَي أَحْمد نَكِير) ، وَلم يسْتَطع مُحَمَّد إِبْرَاهِيم مُتَوَلِّي القلعة من قبل آمرها الصمود بِوَجْهِهِ هَؤُلَاءِ لقلَّة الْعدَد الَّذِي كَانَ مَعَه فَخرج من القلعة فَارًّا مِنْهَا قبل سُقُوطهَا بساعات فَدَخلَهَا المغيرون وَعمِلُوا بالنهب وَالسَّلب طوال اللَّيْل وَبَعض النَّهَار التَّالِي واحرقوا كثيرا من الْأَبْنِيَة والدكاكين، وَلما سمع المغيرون أَن سيف الدّين عَليّ خَان شَقِيق أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان قد وصل إِلَى مشارف (كنجاله) وَمَعَهُ خَمْسُونَ ألف فَارس قَاصِدا النّيل من (غنيم) عَمدُوا إِلَى الْفِرَار. حينها لم يسْتَطع أَكثر السَّادة والفقراء الْوُصُول إِلَى القلعة فلجأوا بأهلهم وعيالهم إِلَى (تاراجى) وَالْكَاتِب حينها لم يكن قد بلغ سنّ الْبلُوغ بعد فَذهب مَعَ وَالِده الْمَاجِد المرحوم بعد صَلَاة الظّهْر إِلَى القلعة وَقَالَ للشَّيْخ فتح مُحَمَّد الملا من قَصَبَة (جيور) وَكَانَ من الْفُقَهَاء القدماء لَدَى وَالِده طَالبا مِنْهُ أَن يُوصل الْأَشْيَاء المهمة والمستورات إِلَى القلعة وَكَذَلِكَ إِيصَال مَا تحويه المكتبات من كتب الَّتِي كَانَ يعدها هَذَا الشَّيْخ أهم من الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْجَامِع. فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أَمر بتحميل جَمِيع الْكتب الَّتِي كَانَت فِي (بالكي وبهل) وأرسلها إِلَى القلعة أما مَا بَقِي من أثاث الْبَيْت والماشية فقد نهب وسرق، وَيَقُول الشَّيْخ عصمت الله ابْن الشَّيْخ تَاج مُحَمَّد أَنه قضى اللَّيْل كُله على سطح منزله الْوَاقِع فِي محلّة شاه طَاهِر دكهني خوفًا من أَن يَنَالهُ أَذَى جمَاعَة غنيم، وَأَنه شَاهد هَؤُلَاءِ المغيرين يخرجُون من منزل (شعريعت بناه) اثْنَا عشر جملا محملًا بالفرش والأواني وَغَيرهَا من الْمَتَاع وَأَن كثيرا من أرزاق وَأَسْبَاب معاش الْفُقَرَاء وَأهل الْحَرْف والشرف والغرباء ذهب نهبا وأحرقت مَنَازِلهمْ وَتَفَرَّقُوا فِي جَمِيع الأنحاء. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي كَانَت (أَحْمد نكر) تحترق فِيهَا، كَانَت النَّار ترى على مَسَافَة سِتَّة فراسخ من جَمِيع الْجِهَات، ويحضر فِي بالي أنني فِي حينها شَكَوْت إِلَى والدتي الماجدة المرحومة الْجُوع فَلم يكن لَدَيْهَا شَيْء، وَفِي منتصف الْيَوْم الثَّانِي أرسل صَاحب القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان طَعَاما، فَمَا كَانَ من وَالِدي إِلَّا أَن قسمه على التَّابِعين والأقرباء. وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاء جَاءَ الشَّيْخ عبد الْملك قريب وَالِدي بِخَبَر مفاده أَن جَمِيع دكاكين السُّوق ومنازل النَّاس، وَمَا أخرجناه من غلَّة قد احْتَرَقَ، كَمَا احْتَرَقَ منزلنا ومحلنا وديوانيتنا، وَمَا بَقِي لنا هُوَ السَّلامَة، فَشكر وَالِدي الله على هَذِه النِّعْمَة.
وَقَالَ راجي مُحَمَّد وَهُوَ شخص ورع وشريف وكهاران بالكي أَنه يجب إرْسَال بعض الْغلَّة إِلَى القلعة وتوزيعها على أَتبَاع شاه أَبُو تُرَاب وشاه قَاسم وَغَيرهم من أَبنَاء شاه طَاهِر دكهني وَكَذَلِكَ الأتباع من السَّادة الْأَشْرَاف وَأهل الْمعرفَة والحقيقة فالسيد بخش الْكرْمَانِي الخيرآبادي قدس سره الَّذِي حزت شرف خدمته وقرأت عَلَيْهِ بعض
رسائل الْمنطق وكل من يسْتَحق من الْجِيرَان فَمَا كَانَ مِنْهُم إِلَّا أَن أوصلوا ذَلِك إِلَى القلعة ووزعوه من سَاعَته على الْجَمِيع وَهَذَا مَا يشْهد لوالدي بِتِلْكَ الهمة الْعَالِيَة فِي فعل الْخَيْر وخدمة الْفُقَرَاء والسادة وَهِي صِحَة أظهر من الشَّمْس وَأبين من الأمس. فقد كَانَ يوزع الطَّعَام على الْفُقَرَاء مطبوخا ونيئا، وَقد وضع عدَّة قطع من الأَرْض فِي تصرف الْقَضَاء من جُمْلَتهَا (يكجاور وبنجاه بيكه) من الأَرْض من أجل سد حاجات الْكِبَار وَهِي بَاقِيَة حَتَّى الْآن وَقد أضفت عَلَيْهَا بعض الْأَرَاضِي وفقا على حاجات السَّادة. وَقد تلقى وَالِدي المرحوم هَذِه الْخِصَال الحميدة والعقيدة والتربية من الْعَارِف بِاللَّه الغواص فِي بحار معرفَة الله حَضْرَة الشاه عبد الْمَاجِد نبيره قدوة الواصلين وزبدة السالكين حَضْرَة الشاه وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله تَعَالَى أسرارهما، وَكَذَلِكَ من حَضْرَة الشاه نصير الدّين خلف الصدْق شاه عبد الْمَاجِد وَكَذَلِكَ الملا أَحْمد بن سُلَيْمَان بن مشاهير عُلَمَاء (أَحْمد آباد) صَاحب التصانيف أنار الله برهانهم ودرس عَلَيْهِ الْعُلُوم الظَّاهِرِيَّة المطولة ودرس التجويد على فريد الْعَصْر الشَّيْخ فريد رَحْمَة الله عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ الْحَوَاشِي والمعروفة عَليّ الْمولى زَاده وَكتب دراسية أُخْرَى مَشْهُورَة ومعروفة، واتصل فِي (بيران بتن) بِخِدْمَة الفاضلي العارفي الَّذِي كَانَ يجلس مُنْفَردا فِي مَسْجِد (آدينه) ونال مَعَه الْبركَة والسعادة والتوفيق، وبأمر مِنْهُ ذهب إِلَى (شاه جهان آياد) وَتَوَلَّى قَضَاء (دهولقه) من تَوَابِع (أَحْمد آباد) فَقضى فِيهَا خمس سِنِين ثمَّ استعفى من ذَلِك وَعَاد إِلَى (أَحْمد آباد) واتصل بِخِدْمَة المرشد لعدة سنوات حظي فِيهَا بالتوفيق وَلما كَانَ المرشد يُرِيد الالتحاق بِجَيْش مُحَمَّد اورنك زيب عالمكير المعسكر فِي قَرْيَة (كلكله) ، فقد عزم الْأَمر على الرحيل، وَلما صَادف مُرُور الْعَسْكَر بِجَانِب (أَحْمد نكر) وَكَانَ فِيهَا آنذاك شاه عَسْكَر قدس سره الَّذِي وصلت إِلَيْهِ شهرة الْوَاحِد فَأَرَادَ الِاتِّصَال بِهِ وَكَانَ حينها يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشرَة) ، وَبِمَا أَن المرحوم وَالِدي كَانَ قد سمع عَن كمالاته فَأحب أَن يلازمه، وَلكنه وَهُوَ فِي الطَّرِيق أَخذ يفكر فِي مَاهِيَّة مَذْهَب شاه عَسْكَر فِي حِين أَنه يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) وَهُوَ مَعْرُوف أَنه لأتباع الْمَذْهَب الإمامية، ولكنهما عِنْدَمَا التقيا وتباحثا فِي الْمسَائِل والقضايا، وَبَان الِاتِّفَاق بَينهمَا، فَقَامَ وَالِدي بتقبيل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، فَأَجَازَهُ، فالتحق وَالِدي بالعسكر وَأمره بِقَضَاء (أَحْمد نكر) ، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء زَارَهُ طَائِر الْمَوْت فَتوفي وَجعل قَبره مَا بَين (أَحْمد نكر) و (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) خَارج بوابة (شاه كنج) ، بعد ذَلِك وبسبب من ظلم مُتَوَلِّي (أَحْمد نكر) الَّذِي كَانَ يحمي الْكفَّار وَيظْلم النَّاس قرر المرحوم وَالِدي السكن فِي قلعة (أَحْمد نكر) ، فَلم يبْق أحد من أكَابِر والسادات وَجَمَاعَة الْمُسلمين إِلَّا وأتى إِلَى قلعة (أَحْمد نكر) طَالبا مِنْهُ أَن يعود للسكن فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَلكنه لم يقبل. وَفِي سنة (1130) وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس التَّاسِع عشر من شهر شَوَّال فِي الهزيع الْأَخير من اللَّيْل فَارق الدُّنْيَا إِلَى الدَّار الْآخِرَة، وَدفن فِي مَقْبرَة حَضْرَة شاه
بنكالي قدس سره الْوَاقِعَة فِي مُقَابل القلعة وَقد كَانَ عثماني النّسَب يَعْنِي أَنه من أَوْلَاد جَامع الْقُرْآن كَامِل الْحَيَاة وَالْإِيمَان حَضْرَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وجده الْأَعْلَى صَاحب الْفَضَائِل والكمالات الْوَاصِل إِلَى منزلَة الْحَقَائِق والمعارف قدوة العارفين حَضْرَة مَوْلَانَا حسام الدّين قدس سره وَنور مرقده. وينتسب إِلَيْهِ عَن طَرِيق الشَّيْخ عبد الرَّسُول ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْوَارِث ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْملك ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد إِسْمَاعِيل ابْن الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن مَوْلَانَا الشَّيْخ حسام الدّين العثماني قدس الله تَعَالَى أسرارهم ومرقده الشريف يَقع فِي (كلكشت) من نَاحيَة (كبيرنبج) الْوَاقِع على بعد سِتَّة فراسخ من (أَحْمد آباد) إِلَى الْجِهَة الغربية وَهُوَ مقصد للزائرين. والناحية الْمَذْكُورَة تعْتَبر موطن وَمَكَان ولادَة المرحوم وَالِدي وأجداده. وَقد توَلّوا فِيهَا الْقَضَاء والخطابة مُنْذُ الْقَدِيم، أما جده لأمه فَهُوَ الْعَارِف بِاللَّه الْمُسْتَغْرق فِي بحار معرفَة الله (مخدوم شيخو) قدس الله سره الْعَزِيز وَهُوَ فيض من جناب قدوة الواصلين وزبدة العارفين أستاذ الْجَمِيع حَضْرَة شاه (وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين) الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله سرهما وَنور مرقدهما. وَقد أنْشد الشَّاعِر (بزركي) قصيدة فِي شمائل هَذَا الشَّيْخ تقع فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ بَيْتا تحدث فِيهَا عَن فَضَائِل وأخلاق وَعلم ودرجة هَذَا الْعَالم الْجَلِيل ومكانته العلمية والأدبية والاجتماعية وموقعه الديني فِي زَمَانه.

الْيَوْم

(الْيَوْم) يُقَال يَوْم يَوْم طَوِيل شَدِيد

(الْيَوْم) زمن مِقْدَاره من طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا
والزمن الْحَاضِر وَمِنْه فِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} و (فِي الْفلك) مِقْدَار دوران الأَرْض حول محورها ومدته أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة (ج) أَيَّام وَيَوْم ذُو أَيَّام وَذُو أياويم وَذُو أياوم أَي شَدِيد وَأَيَّام الْعَرَب وقائعهم وَأَيَّام الله نقمه فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة ونعمه أَيْضا وَبِهِمَا فسر قَوْله عز وَجل {وَذكرهمْ بأيام الله إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور}
الْيَوْم: حَقِيقَة فِي النَّهَار فَإِذا اقْترن مَعَ فعل ممتد يُرَاد بِهِ النَّهَار لَا غير لصِحَّة حمله على الْحَقِيقَة حِينَئِذٍ. وَإِذا اقْترن مَعَ فعل غير ممتد فيراد بِهِ الْوَقْت الْمُطلق مجَازًا. وَهَذَا تَفْصِيل مَا قَالُوا إِنَّه حَقِيقَة فِي النَّهَار ومجاز فِي الْوَقْت الْمُطلق سَوَاء كَانَ جُزْء اللَّيْل أَو النَّهَار. وَكَلَام الْمُحِــيط مشْعر باشتراكه بَين النَّهَار وَمُطلق الْوَقْت إِلَّا أَن الْمُتَعَارف اسْتِعْمَاله فِي النَّهَار إِذا اقْترن مَعَ فعل ممتد. - وَإِذا اقْترن بِفعل غير ممتد يُرَاد بِهِ الْوَقْت مُطلقًا سَوَاء كَانَ جُزْء اللَّيْل أَو النَّهَار لِأَن ظرف الزَّمَان إِذا تعلق بِالْفِعْلِ بِلَا كلمة فِي يكون معيارا لَهُ كَقَوْلِك صمت السّنة بِخِلَاف قَوْلنَا صمت فِي السّنة. فَإِذا كَانَ الْفِعْل ممتدا كالأمر بِالْيَدِ كَانَ المعيار ممتدا فيراد بِالْيَوْمِ النَّهَار. وَإِن كَانَ الْفِعْل غير ممتد كوقوع الطَّلَاق كَانَ المعيار غير ممتد فيراد بِالْيَوْمِ الْوَقْت مُطلقًا.
ثمَّ اعْلَم أَن الامتداد وَعَدَمه إِنَّمَا يعْتَبر أَن فِي عَامل الْيَوْم لَا فِي مَا أضيف إِلَيْهِ عِنْد الْمُحَــقِّقين وَبَعض الْمَشَايِخ اعتبروهما فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَفِي شرح الْوِقَايَة فَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا غير ممتد كَقَوْلِك أَنْت طَالِق يَوْم يقدم زيد يُرَاد بِالْيَوْمِ مُطلق الْوَقْت وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا أَي عَامله وَمَا أضيف إِلَيْهِ ممتدا نَحْو أَمرك بِيَدِك يَوْم أسكن هَذِه الدَّار يُرَاد بِالْيَوْمِ النَّهَار وَإِن كَانَ الْفِعْل الَّذِي تعلق بِهِ الْيَوْم أَي عَامله غير ممتد وَالْفِعْل الَّذِي أضيف إِلَيْهِ الْيَوْم ممتدا نَحْو أَنْت طَالِق يَوْم أسكن هَذِه الدَّار أَو بِالْعَكْسِ نَحْو أَمرك بِيَدِك يَوْم يقدم زيد يَنْبَغِي أَن يُرَاد بِالْيَوْمِ النَّهَار تَرْجِيحا لجَانب الْحَقِيقَة. وَفِي التَّحْقِيق شرح الحسامي. وَاعْلَم أَن لفظ الْيَوْم يُطلق على بَيَاض النَّهَار بطرِيق الْحَقِيقَة اتِّفَاقًا وعَلى مُطلق الْوَقْت بطرِيق الْحَقِيقَة عِنْد الْبَعْض فَيصير مُشْتَركا وبطريق الْمجَاز عِنْد الْأَكْثَر وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن حمل الْكَلَام على الْمجَاز أولى من حمله على الِاشْتِرَاك عِنْد التَّعَارُض بَين كَونه حَقِيقَة وَكَونه مجَازًا لِأَن الْمجَاز فِي الْكَلَام أَكثر فَيحمل على الْأَغْلَب وَلِأَن الْحمل على الْمجَاز لَا يفْتَقر إِلَى إِثْبَات الْوَضع بِخِلَاف الْحمل على الْحَقِيقَة فَإِنَّهُ مفتقر إِلَيْهِ والغني أولى من الْفَقِير وَلِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى إِيهَام المُرَاد لِأَن اللَّفْظ إِن خلا عَن قرينَة الْمجَاز فالحقيقة متعينة وَإِن لم يخل عَنْهَا فَالَّذِي تدل عَلَيْهِ الْقَرِينَة وَهُوَ الْمجَاز مُتَعَيّن بِخِلَاف الِاشْتِرَاك فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَال فِي الْكَلَام لعدم إفهام المرام ثمَّ لَا شكّ أَن الْيَوْم ظرف على كلا التَّقْدِيرَيْنِ عِنْد الْفَرِيقَيْنِ فيترجح أحد محتمليه لمظروفه. فَإِن كَانَ مظروفه مِمَّا يَمْتَد وَهُوَ مَا يَصح فِيهِ ضرب الْمدَّة أَي يَصح تَقْدِيره بِمدَّة كاللبس وَالرُّكُوب والمساكنة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يَصح أَن يقدر بِزَمَان يُقَال لبست هَذَا الثَّوْب يَوْمًا وَركبت هَذِه الدَّابَّة يَوْمًا وسكنت فِي الدَّار وَاحِدَة شهرا يحمل على بَيَاض النَّهَار لِأَنَّهُ يصلح مِقْدَارًا فَكَانَ الْحمل عَلَيْهِ أولى وَإِن كَانَ مظروفه مِمَّا لَا يَمْتَد كالخروج وَالدُّخُول والقدوم فَإِنَّهَا لكَونهَا آنِية لَا يَصح تقديرها بِزَمَان يحمل على مُطلق الْوَقْت اعْتِبَارا للتناسب انْتهى. وكل من الْفِعْل الممتد وَغير الممتد والمعيار فِي مَحَله وَالْيَوْم الَّذِي وَصفه الله تَعَالَى بنحس مُسْتَمر أَي مُسْتَمر شؤمه هُوَ يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر الشَّهْر.
وَاعْلَم أَن اللَّيْل وَالْيَوْم يكونَانِ متساويين بِأَدْنَى تفَاوت بِاعْتِبَار الــلمحــات إِذا كَانَت الشَّمْس فِي الْحمل مثلا ثمَّ يتفاوتان فَإِن أردْت أَن تعلم الْمُسَاوَاة والتفاوت بَينهمَا فَاعْلَم أَولا أَن اللَّيْل وَالْيَوْم كِلَاهُمَا يكونَانِ سِتِّينَ طاسا وَهِي أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ سَاعَة والساعة عبارَة عَن طاسين وَنصف طاس والطاس بِالْفَارِسِيَّةِ (كهري) وَهُوَ يكون سِتِّينَ لمحــة وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ يانيئول وبالهندية بل بِالْبَاء الفارسية الْمَفْتُوحَة فَإِذا كَانَ الْيَوْم ثَلَاثِينَ طاسا يكون اللَّيْل أَيْضا ثَلَاثِينَ طاسا وَإِذا كَانَ الْيَوْم أقل من ثَلَاثِينَ طاسا أَو أَكثر يكون اللَّيْل مَا بَقِي من سِتِّينَ طاسا وَإِن أردْت معرفَة زِيَادَة مِقْدَار اللَّيْل وَالنَّهَار فِي الْفُصُول الْأَرْبَعَة فَارْجِع إِلَى الْفَصْل وَإِن أردْت أَن تعلم الْمُسَاوَاة والتفاوت بَين الْأَيَّام والليالي بسهولة فَانْظُر إِلَى الجداول الثَّلَاثَة فَإِنَّهَا لم تتْرك شَيْئا وأسامي البروج اثْنَي عشر بالعربي (حمل) (ثَوْر) (جوزاء) (سرطان) (أَسد) (سنبله) (ميزَان) (عقرب) (قَوس) (جدي) (دلو) (حوت) .
وأسامي الشُّهُور بالفارسي (فروردي) (اردي بهشت) (خورداد) (تير) (امرداد) (شهر يور) (مهر) (آبان) (آذر) (دي) (بهمن) (اسفندار) . وبالهندي ويساك - جيته - اسار - سارون - بهادون - آسين - كاتك - اكهن. بوس - ماهو - بهاكن - جيت - وَتلك الجداول هَذِه.
اعلموا أَن الْمسَائِل والدلائل والتحقيقات والتدقيقات والسؤالات والجوابات غير متناهية فَمن ادّعى الإحاطاة فقد خسر خسرانا مُبينًا - وَمن تكلّف جمعهَا بالتحرير فقد جعل نَفسه بالمحــال رهينا - وَالْمُحِــيط بهَا من هُوَ بِكُل شَيْء مُحِيط - والعليم بهَا من هُوَ بِكُل شَيْء عليم - فتبت واستغفرت من الدَّعَاوَى إِلَى الله الْغفار التواب - وختمت بِحسن توفيقه هَذَا الْكتاب - يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر من الْمحــرم الْحَرَام المنتظم فِي سلك شهور ألف وَمِائَة وَثَلَاث وَسبعين من الْهِجْرَة المقدسة فِي الْبَلدة الطّيبَة أَحْمد نكر من مضافات أَو رنكك آباد خجسته بنياد عمرهما الله تَعَالَى إِلَى يَوْم التناد - اللَّهُمَّ اغْفِر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي فِي أَمْرِي وَأَنت أعلم بِهِ مني اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي وخطائي وعمدي وكل ذَلِك عِنْدِي {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} . {رَبنَا لَا تزع قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب} - رَبنَا تب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم - الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيد الْمُرْسلين وَآله الطيبين وَأَصْحَابه الطاهرين وَالتَّابِعِينَ وَتبع التَّابِعين أَجْمَعِينَ.
تمّ الْجُزْء الثَّالِث من دستور الْعلمَاء
ويليه الْجُزْء الرَّابِع والأخير
وَهُوَ " ضميمة دستور الْعلمَاء "
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(] حرف الْألف [)

الهجاء

(الهجاء) السب وتعديد المعايب وَيكون بالشعر غَالِبا وتقطيع اللَّفْظَة إِلَى حروفها والنطق بِهَذِهِ الْحُرُوف مَعَ حركاتها وَيُقَال هَذَا على هجاء كَذَا على شكله وَفُلَان على هجاء فلَان على مِقْدَاره فِي الطول والشكل و (حُرُوف الهجاء) مَا تتركب مِنْهَا الْأَلْفَاظ من الْألف إِلَى الْيَاء وترتيبها مستمد من تَرْتِيب الأبجدية بِوَضْع الْحُرُوف المتشابهة فِي الرَّسْم بَعْضهَا بجوار بعض

(الهجاء) من يكثر سبّ غَيره وتعديد معايبه يُقَال رجل هجاء
الهجاء: فِي التهجي وأصل الْحُرُوف الْعَرَبيَّة تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا وَهِي حُرُوف الهجاء كَمَا مر فِي الْمخْرج وَلها بِحَسب الصِّفَات انقسامات كَثِيرَة. - ذكر بَعضهم أَرْبَعَة وَأَرْبَعين وَزَاد بَعضهم وَنقص بَعضهم - وَالْمَشْهُور مَا ذكره الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى فِي الشافية حَيْثُ قَالَ - وَمِنْهَا المجهورة والمهموسة - وَمِنْهَا الشَّدِيدَة والرخوة وَمَا بَينهمَا. وَمِنْهَا المطبقة والمنفتحة - وَمِنْهَا المستعلية والمنخفضة - وَمِنْهَا حُرُوف الذلاقة والمصمتة - وَمِنْهَا حُرُوف القلقلة والصفير واللينة والمنحرف والمكرر والهاوي والمهتوت انْتهى.
وَإِن أردْت تَعْرِيف كل فاطلب فِي مَوضِع كل. وَفَائِدَة هَذِه الصِّفَات الْفرق بَين ذَوَات الْحُرُوف لِأَنَّهُ لَوْلَا هِيَ لَا تحدث أصواتها فَكَانَت كأصوات الْبَهَائِم لَا تدل على معنى. فسبحان من كنز وأودع جَوَاهِر حكمه البديعة فِي كل شَيْء.
الهجاء
فى القرآن هجاء لمن تعرض للدعوة، ووقف في سبيل نجاحها، ولمن أنكرها من غير حجة ولا برهان، ولمن نافق فأظهر بلسانه الإيمان، ولم يؤمن قلبه ولا ضميره، وجدير بهؤلاء أن ينالهم الذم والتقريع. والهجاء في القرآن يمتاز بهذه النزاهة التى ينأى بها عن الفحش ويبعد عن الدنس، كما يمتاز بأنه يتجه إلى الفعل يندد به، ويعيبه، ولا يعنيه الأشخاص ولا يذكرها، لأنه يرمى إلى ترك الفعل والابتعاد عنه، ومن الحكمة ألا يذكر فاعله، لأن ذلك أدعى إلى أن يجد الباب مفتوحا أمامه، يدخله من غير أن يكون لماضيه ما يحول بينه وبين قبول الدين الجديد، أو يكون سمة خالدة تؤذيه دائما، إذا هو قبل هذا الدين الجديد، فالقرآن يهجو الفعل، ويترك لفاعله فرصة اجتنابه، وهذه بعض نماذج تبين النهج القرآنى فى الهجاء، قال سبحانه في المنافقين: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (المنافقون 1 - 8)، فأنت تراه يهاجم عقيدة المنافقين وأعمالهم وأقوالهم ويفندها، ويصورهم ويصور عقليتهم، ويرد على مزاعمهم في قوة تحطم نفسيتهم، وتبعث في قلوبهم الوهن. وللمنافقين من الأثر السيئ في صفوف المؤمنين ما ليس لخلص الكافرين، فلا عجب إذا نالوا هذا الهجاء العنيف.
صورت الآيات المنافقين جبناء، يتخذون نفاقهم وسيلة لسلامتهم، وسببا يصلون به إلى هدفهم من الصد عن سبيل الله، فهم يجيئون إلى الرسول ويقسمون له إنهم يشهدون برسالته، ويؤمنون بها، ولكن الله يفضح نيتهم، ويعلن أمرهم ويؤكد كذبهم، ويذم هذه الخطة النكراء، التى نتجت من أنهم أغلقوا قلوبهم، وأهملوا عقولهم، فلم يدعو لأنفسهم مجالا للتفكير السليم، ويمضى القرآن في تحقيرهم، فيسخر من هذه الأجسام التى تغر بمرآها، ولكنها تحمل قلوبا خاوية ضعيفة، ملأها الجبن، واستولى عليها الخوف، فهى تهلع لكل صيحة، تظنّ العدو قادما يغير عليهم، ويصور حركة استهزائهم إذا دعوا إلى التوبة، واستكبارهم عن الخضوع والطاعة، فهم يلوون رءوسهم إعراضا وكبرا، وهنا يهددهم القرآن بأن الله لن يغفر لهم لأنهم قوم فاسقون، يعملون على هدم الدعوة، والتضييق عليها من الناحية المالية، فيدعون الناس إلى قبض أيديهم عن معاونتها بمالهم، وهنا يسخر القرآن من أوهامهم، فيذكرهم بأن لله خزائن السموات والأرض، وينسبون لأنفسهم العزة، وأنهم قادرون على إخراج المؤمنين من المدينة، وهنا يؤكد القرآن أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
تصوير القرآن للمنافقين فيه حركة وحياة، ينقل أعمالهم، ويسجل كلامهم، ويصف ما يختلج في أعماق نفوسهم، فكأنك تراهم قادمين إلى الرسول يقسمون له أغلظ الأيمان، فإذا مضوا أخذوا يصدون عن سبيل الله، وتــلمح لىّ رءوسهم عند ما يدعون إلى التوبة والإنابة، وتسمعهم يدعون الناس إلى قبض أيديهم عن معونة المؤمنين، ويقولون والغيظ يملأ أفئدتهم: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.
وتأمل القرآن يندد بالفعل ويعيبه قائلا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (البقرة 204 - 206). والقرآن هنا مصور كذلك،
يرسم العمل، ويحكى القول، ويسجل الجواب، كما تراه يصور المهجوين في قوله سبحانه: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (آل عمران 78)، ألا ترى أن لىّ لسان هذا الفريق بالكتاب، يصور ما يريد أن يقوم به هذا الفريق من إيهام الناس كذبا أن ما يقولونه من عند الله، وما هو من عند الله.
ومن أوجع الهجاء في القرآن قوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (الأنفال 55 - 56)، ففي إطلاق اسم الدواب ما يؤذن بخروجهم عن دائرة العقلاء، كما قال في موضع آخر: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (محمد 12)، وفي موضع ثان وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (البقرة 171).
وتأمل الاستفهام التهكمى في قوله سبحانه: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (البقرة 170). والتشبيه الموجع في قوله: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة 5).
وإذا كان القرآن الكريم يقصد من الهجاء ذم الفعل للتنفير منه، فإنا نراه يتبع الهجاء بما يستخلص منه من عظة حينا، ومن أمر يجب اتباعه حينا آخر، ومن موازنة بين هذا الذى استحق الهجاء بسوء ما فعل، وذاك الذى انتهج النهج السليم ففاز وظفر، وفي ذلك تحقيق لهدف القرآن الذى يهدى بالتى هى أحسن.

الْمحرم

لْمحــرم) ذُو الْحُرْمَة وَمن الْإِبِل الصعب الَّذِي لَا يركب كَأَنَّمَا حرم ظَهره وَأول الشُّهُور الْعَرَبيَّة وَمن الْجُلُود مَا لم يدبغ أَو مَا لم تتمّ دباغته وَمن السِّيَاط الْجَدِيد الَّذِي لم يلين بعد وَمن الْأنف مارنه

لْمحــرم) ذُو الْحُرْمَة وَمن النِّسَاء وَالرِّجَال الَّذِي يحرم التَّزَوُّج بِهِ لرحمه وقرابته وَمَا حرم الله تَعَالَى (ج) محارم ومحارم اللَّيْل مخاوفه

لْمحــرم) لِبَاس الْإِحْرَام
الْمحــرم: بِالْكَسْرِ من الْإِحْرَام مَا يَجْعَل الشَّيْء حَرَامًا مَمْنُوعًا. وَعند الْفُقَهَاء فِي بَاب الْحَج من يَجْعَل الْمُبَاح عَلَيْهِ حَرَامًا بنية الْحَج أَو الْعمرَة. وَهُوَ أَنْوَاع مُفْرد بِالْحَجِّ وَهُوَ أَن يحرم بِهِ من الْمِيقَات أَو قبله فِي أشهر الْحَج أَو قبلهَا - ومفرد بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ من يحرم بهَا من الْمِيقَات أَو قبله - وقارن وَهُوَ من يجمع بَينهمَا بِالْإِحْرَامِ من الْمِيقَات أَو قبله فِي أشهر الْحَج أَو قبلهَا - ومتمتع وَهُوَ من يحرم
بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج أَو قبلهَا. ثمَّ يحجّ من عَامه ذَلِك قبل أَن يلم بأَهْله إلماما صَحِيحا. وبالفتح من التَّحْرِيم المكرم والمعظم وَمَا جعل حَرَامًا مَمْنُوعًا والإلمام نَوْعَانِ صَحِيح وفاسد الْإِلْمَام الصَّحِيح أَن يرجع إِلَى أَهله وَلَا يكون الْعود إِلَى مَكَّة مُسْتَحقّا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِــيط - والإلمام الْفَاسِد أَن يلم بأَهْله حرا مَا كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ - والإلمام الصَّحِيح إِنَّمَا يكون فِي الْمُتَمَتّع الَّذِي لَا يَسُوق الْهَدْي. أما إِذا سَاق الْهَدْي فإلمامه فَاسد لَا يمْنَع صِحَة التَّمَتُّع خلافًا لمُحَــمد رَحمَه الله تَعَالَى كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج.

المثلث

(المثلث) سطح يُحِيط بِهِ ثَلَاثَة خطوط مُسْتَقِيمَة وشراب طبخ حَتَّى ذهب ثُلُثَاهُ
المثلث: كتب الْحَكِيم الأرزاني رَحمَه الله فِي (القرابادين القادري) أَن المثلث عِنْد جُمْهُور الْأَطِبَّاء عبارَة عَن الشَّرَاب الْمُسْتَخْرج من عصير الْعِنَب الَّذِي يغلى حَتَّى يذهب ثلثه، وَهُوَ مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء كَذَلِك، وَلَكِن الآملي فِي شرح (الكليات) للإيلافي كتب يَقُول إِن المثلث هُوَ ثَلَاثَة أَجزَاء من شراب الْعِنَب وجزء من المَاء تغلى على النَّار حَتَّى يذهب الثُّلُث وَيُسمى كَذَلِك (المغسول) . وباختصار فَإِن المثلث يُقَوي الباه وَيقوم مقَام الْخمر. 
المثلث: فِي اصْطِلَاح الهندسة هُوَ السَّطْح المحــاط بِثَلَاث خطوط مُسْتَقِيمَة. وَهُوَ تَارَة يَنْقَسِم بِاعْتِبَار الأضلاع. وَتارَة بِاعْتِبَار الزاوية. فَهُوَ بِاعْتِبَار الأضلاع على ثَلَاثَة أَقسَام - متساوي الأضلاع - ومتساوي السَّاقَيْن - ومختلف الأضلاع.
أما متساوي الأضلاع ومختلفها فظاهران - وَأما متساوي السَّاقَيْن فَهُوَ المثلث الَّذِي يكون ساقاه متساويان دون قَاعِدَته - وَفِي المثلث إِذا عين أحد أضلاعه قَاعِدَة يُسمى الضلعان الباقيان بساقين - وَأما بِاعْتِبَار الزاوية فأقسامه ثَلَاثَة. قَائِم الزاوية - ومنفرج الزاوية - وحاد الزوايا. والأقسام الْعَقْلِيَّة تِسْعَة حَاصِلَة من ضرب الثَّلَاثَة بِاعْتِبَار الضلع فِي الثَّلَاثَة بِاعْتِبَار الزاوية. وَثَلَاثَة مِنْهَا غير مُمكن الْوُقُوع إِذْ لَا يجوز فِي المثلث قائمتان أَو منفرجتان أَو قَائِمَة ومنفرجة. إِذْ برهن فِي الهندسة أَن الزوايا الثَّلَاث للمثلث مُسَاوِيَة لقائمتين. فأقسامه الممكنة الْوُقُوع سَبْعَة: الأول: المتساوي الأضلاع حاد الزوايا - وَالثَّانِي: المتساوي السَّاقَيْن فَقَط قَائِم الزاوية - وَالثَّالِث: المتساوي السَّاقَيْن منفرج الزاوية - وَالرَّابِع: المتساوي السَّاقَيْن حاد الزوايا - الْخَامِس: مُخْتَلف الأضلاع قَائِم الزاوية - السَّادِس: مُخْتَلف الأضلاع منفرج الزاوية - السَّابِع: مُخْتَلف الأضلاع حاد الزوايا - والمثلث العنبي مَاء الْعِنَب الَّذِي يطْبخ حَتَّى يذهب ثُلُثَاهُ وَبَقِي ثلثه ثمَّ يوضع حَتَّى يغلى ويشتد ويقذف بالزبد. وَكَذَا إِن صب فِيهِ المَاء حَتَّى يرق بَعْدَمَا ذهب ثُلُثَاهُ ثمَّ يطْبخ أدنى طبخة ثمَّ يتْرك إِلَى أَن يغلى ويشتد ويقذف بالزبد يُسمى مثلثا أَيْضا إِلَّا أَنه مُخَالف لعامة الْكتب فَإِنَّهُ يُسمى بأسامي أخر كالجمهوري لاستعمال الْجُمْهُور. والْحميدِي مَنْسُوب إِلَى حميد فَإِنَّهُ صنعه. وَأَبُو يوسفي ويعقوبي لِأَنَّهُ اتخذ لهارون الرشيد وَهُوَ حَلَال عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى مَا لم يسكر خلافًا لمُحَــمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى.

الْفَيْء

(الْفَيْء) الظل بعد الزَّوَال ينبسط شرقا وَالْخَرَاج وَالْغنيمَة تنَال بِلَا قتال (ج) أفياء وفيوء
الْفَيْء: الرُّجُوع من فَاء يفِيء إِذا رَجَعَ. والفيء فِي بَاب الْإِيلَاء الوطي إِذا قدر عَلَيْهِ وَإِلَّا أَن يَقُول فئت إِلَيْهَا. وَأَيْضًا الْفَيْء الْغَنِيمَة. وَإِنَّمَا سمي الظل الَّذِي من الزَّوَال إِلَى الْغُرُوب فَيْئا لرجوعه من جَانب إِلَى جَانب وَغلب اسْتِعْمَال الظل فِيمَا هُوَ من طُلُوع الشَّمْس إِلَى الزَّوَال. وَحكى أَبُو عُبَيْدَة عَن رؤبة كل مَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّمْس فَزَالَتْ فَهُوَ فَيْء. وَمَا لم تكن عَلَيْهِ الشَّمْس فَهُوَ ظلّ. وَفِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم رَحمَه الله فَيْء الزَّوَال هُوَ الظل الْحَاصِل للأشياء عِنْد اسْتِوَاء الشَّمْس إِلَى خطّ نصف النَّهَار وَهُوَ يخْتَلف طولا وقصرا باخْتلَاف الْأَمَاكِن والأزمان. وَغَايَة طوله عِنْد تحول الشَّمْس إِلَى الجدي وقصره عِنْد التَّحَوُّل إِلَى السرطان.
وَالتَّفْصِيل فِي هَذَا الْمقَام أَن فَيْء كل شَيْء عِنْد التَّحَوُّل إِلَى السرطان سَبْعَة فَإِن كَانَ الْفَيْء قدما عِنْده تتزايد فِي كل سَبْعَة عشرَة يَوْمًا نصف قدم إِلَى أَن يمْضِي أحد وَخَمْسُونَ يَوْمًا - ثمَّ فِي كل تِسْعَة نصفه إِلَى أَن يمْضِي سَبْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا - ثمَّ فِي كل سَبْعَة نصفه إِلَى أَن يمْضِي مائَة وَخَمْسَة أَيَّام. وَبعد هَذِه الْأَيَّام يكون التَّحَوُّل إِلَى الجدي وَصَارَ الْفَيْء حِينَئِذٍ أحد عشر قدما وَنصفه ثمَّ ينقص نصف قدم على عكس التَّرْتِيب الْمَذْكُور إِلَى أَن يؤول إِلَى قدم وَاحِد بعد مُضِيّ تِلْكَ الْمدَّة.
وَهَذَا الْكَلَام على اعْتِبَار الظَّن والتقريب. وَتَحْقِيق ذَلِك مفوض إِلَى دقائق علم النُّجُوم انْتهى. وَفِيه أَيْضا وَوقت الظّهْر من وَقت الزَّوَال إِلَى وَقت بُلُوغ ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى فَيْء الزَّوَال إِن كَانَ لَهُ فَيْء فِي وقته وَإِن لم يكن لَهُ فَيْء فِيهِ كَمَا فِي الْحَرَمَيْنِ فِي أطول الْأَيَّام فالتقدير ببلوغ ظله مثلَيْهِ انْتهى.
وَاعْلَم أَنه إِذا بلغ ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى فَيْء الزَّوَال يخرج وَقت الظّهْر وَيدخل وَقت الْعَصْر فِي ظَاهر الرِّوَايَة عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى. وَعنهُ فِي رِوَايَة أَنه إِذا صَار الظل مثله سوى الْفَيْء يخرج الظّهْر وَيدخل الْعَصْر وَهُوَ قَوْلهمَا وَقَول الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَعِنْدَهُمَا أَيْضا بِرِوَايَة الْحسن وَأسد بن عَمْرو أَنه إِذا صَار مثله سواهُ خرج وَقت الظّهْر وَلم يدْخل وَقت الْعَصْر مَا لم يصر مثلَيْهِ فَكَانَ بَينهمَا وَقت مهمل وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّاس بَين الصَّلَاتَيْنِ. وفيء الزَّوَال عبارَة عَن ظلّ كل شَيْء يكون وَقت زَوَال الشَّمْس من كبد السَّمَاء. ولمعرفته طرق شَتَّى مِنْهَا الدائرة الْهِنْدِيَّة كَمَا فِي شرح الْوِقَايَة وأيسر الطّرق أَن يغرز خَشَبَة فِي كل مَكَان مستو غَايَة الاسْتوَاء فلهَا ظلّ قطعا فَمَا دَامَ الظل ينقص فَهُوَ قبل الزَّوَال. وَإِذا أَخذ فِي التزايد فَهُوَ بعد الزَّوَال وَإِذا لم يزدْ وَلم ينقص فَهُوَ وَقت الزَّوَال. والظل الْحَاصِل حِينَئِذٍ هُوَ الْفَيْء والظل الْأَصْلِيّ. فِي الْفَتَاوَى الْكَامِل لَا يدْخل وَقت الظّهْر بَعْدَمَا زَالَت الشَّمْس حَتَّى يصير ظلّ جِدَار عشرَة أَذْرع ذِرَاعا وَاحِدًا فَدخل وَقت الظّهْر وَهُوَ الْأَصَح وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. وَفِي رِوَايَة لَا يدْخل الظّهْر حَتَّى لَا يخرج الظل الْأَصْلِيّ كلما خرج ذَلِك دخل وَقت الظّهْر.
وَإِنِّي التمست إِلَى جناب الأقدس الأطهر جَامع الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول حاوي الْفُرُوع وَالْأُصُول الَّذِي أخضرت رياض الرياضيات بزلال حِيَاض أفكاره وأنورت آفَاق سماوات الْعُلُوم الغريبة بِطُلُوع شموس أنواره. معاذي وأستاذي السَّيِّد السَّنَد شمس الدّين الْمَدْعُو بِسَيِّد مُحَمَّد ميرك بن شاه منيب الله الخجندي النقشبندي خلد الله ظلاله وضاعف عمره وجلاله الدائرة الْهِنْدِيَّة فرسمها بِحَيْثُ لَا يرى أحد مثلهَا وَكتب سلمه الله تَعَالَى فِي حاشيتها هَذِه الْعبارَة.
اعْلَم أَن وَقت الظّهْر إِلَى وُصُول ظلّ المقياس بقوس الْعَصْر للمثل على مَا أفتى بِهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى والمحــققون من الْعلمَاء الْحَنَفِيَّة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم لَا كَمَا اشْتهر بَين النَّاس أَن وقته إِلَى وُصُول الظل قوسه للمثلين عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن رِوَايَات الْمُحَــقِّقين وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تنادي بِخِلَافِهِ وَقد سنح ببالي دَلِيل حسن لم يسبقني بِهِ أحد وَهُوَ أَن ارْتِفَاع الْعَصْر للمثلين (يح) حِين كَون الشَّمْس أول الجدي ودائرة على مَا استخرجنا بالأسطرلاب وَالرّبع الْمُجيب (الب) وَهُوَ سَاعَة وَنصف مثلا تَقْرِيبًا فَلَو كَانَ وَقت الظّهْر إِلَى وُصُول الظل قَوس الْعَصْر للمثلين يكون وقته فِي ذَلِك الْيَوْم أَي كَون الشَّمْس أول الجدي إِلَى أَن يبْقى من الْيَوْم سَاعَة وَنصف وَهُوَ غير الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول جدا على أَن هَذَا فِي بلدنا (يط) عرضا وَأما فِي مَكَّة المعظمة وَالْمَدينَة المشرفة يكون الْبَاقِي من الْيَوْم فِي نِهَايَة وَقت الظّهْر أقل مِمَّا ذكرنَا لِأَنَّهُمَا أعرض من بلدنا فَإِن عرض مَكَّة (كَا) وَالْمَدينَة (اله) وَلَا رِيبَة أَنه قد بَان مِمَّا نقدنا تزبيب الرِّوَايَات فِي بَاب المثلين فَافْهَم واحفظ وَقد نطق بحفظه الذّكر الْحَكِيم {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} . أكملت الْعَمَل لمحــبي فِي الله القَاضِي عبد النَّبِي سلمه الله وأبقاه انْتهى. والضابطة فِي معرفَة قدر فَيْء الزَّوَال أَن يغرز المقياس بِقدر سَبْعَة أَصَابِع فِي مَرْكَز الدائرة الْهِنْدِيَّة فَلَا يكون لَهُ ظلّ أصلا إِذا كَانَت الشَّمْس فِي الجوزاء وَمن السرطان إِلَى الْقوس يزِيد الظل اصبعا إِلَى سِتَّة أَصَابِع ثمَّ من الجدي إِلَى الثور ينقص اصبعا اصبعا.
وَاعْلَم أَن الشَّمْس تكون فِي الجوزاء فِي (خوردادماه) بالهندية اكهار. وَتَكون فِي السرطان فِي (تيرماه) يَعْنِي ساون. وَفِي الْأسد فِي (امْر دادماه) يَعْنِي بهادون. وَفِي السنبلة فِي (شهر يورماه) يَعْنِي آسين. وَفِي الْمِيزَان فِي (مهرماه) يَعْنِي كارتك. وَفِي الْعَقْرَب فِي (آبان) ماه يَعْنِي ماركيسر. وَفِي الْقوس فِي (آذرماه) يَعْنِي بوس. وَفِي الجدي فِي (دي ماه) يَعْنِي ماهو. وَفِي الدَّلْو فِي (بهمن ماه) يَعْنِي بهاكن. وَفِي الْحُوت فِي (اسفندار ماه) يَعْنِي جيت. وَفِي الْحمل فِي (فروردى ماه) يَعْنِي ويساك. وَفِي الثور فِي (اردي بهشت) يَعْنِي جيته.

الْعرض أَعم من العرضي

الْعرض أَعم من العرضي: قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْقَدِيمَة الْأَبْيَض إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء فَهُوَ عرضي وَإِذا أَخذ بِشَرْط شَيْء فَهُوَ الثَّوْب الْأَبْيَض مثلا وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا شَيْء فَهُوَ الْعرض الْمُقَابل للجوهر فَكَمَا أَن طبيعة الذاتي جنس ومادة باعتبارين أَو فصل وَصُورَة باعتبارين فطبيعة العرضي عرض وعرضي باعتبارين. وَهَذَا تَحْقِيق الْفرق بَين الْعرض والعرضي لَا مَا يتخيل من أَن الْفرق بَينهمَا بِالذَّاتِ فالمدرك بالبصر أَولا وبالذات هُوَ الْأَبْيَض ثمَّ من خَارج يعلم أَن الْأَبْيَض مُقَارن بموجود آخر هُوَ ثوب أَو حجر أَو غَيرهمَا حَتَّى لَو لم تكن تِلْكَ الملاحظة لم يعلم أَنه شَيْء أَبيض بل جَازَ أَن يكون أَبيض بِذَاتِهِ كَمَا أَن الثَّوْب ثوب بِذَاتِهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ بَيَاضًا وأبيض فَيكون أَبيض ببياض هُوَ عين ذَاته إِذْ الْبيَاض هُوَ الْأَبْيَض بِاعْتِبَار التحصل وَلذَلِك لَا يحمل على مَجْمُوع المعروض والعارض. وَذَلِكَ كَمَا أَن الْبدن اسْم للجسم من حَيْثُ هُوَ مَادَّة للنَّفس وَلذَلِك لَا يحمل على مَجْمُوع النَّفس وَالْبدن بِخِلَاف الْجِسْم فَإِنَّهُ اسْم لَهُ بِأَيّ اعْتِبَار أَخذ فَلذَلِك يحمل على الْمَجْمُوع إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء وَهَذَا وَإِن كَانَ مُخَالفا لظَاهِر أقاويل الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء فَهُوَ الْحق ويلوح إِلَيْهِ كَلَام الْمعلم الثَّانِي فِي الْمدْخل الْأَوْسَط وَيُوَافِقهُ تَعْلِيم الْمعلم الأول بِحَسب ترجمتي حنين بن اسحاق فَإِنَّهُ عبر عَن أَكثر المقولات بالمشتقات كالفاعل والمنفعل والمضاف وَغَيرهَا. وَأَرَادَ فِي التَّمْثِيل المشتقات وَمَا فِي حكمهَا كَالْأَبِ وَالِابْن وَفِي الدَّار وَفِي الْوَقْت ونظائرها وَيشْهد بِهِ الْفطْرَة السليمة من ذَوي فطنة قويمة انْتهى.
وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الْأُمُور الْعَامَّة من شرح المواقف وَبِهَذَا يظْهر أَن الْعرض أَعم من العرضي والمشتقات وَمَا فِي حكمهَا أَعْرَاض كَمَا يلوح إِلَيْهِ مَا نقل من الْمعلم الأول فَافْهَم فَإِنَّهُ مَعَ وضوحه لَا يَخْلُو عَن دقة انْتهى.
وَقَالَ زبدة الْعلمَاء أُسْوَة الْفُضَلَاء مَوْلَانَا مُحَمَّد أكبر الْمُفْتِي فِي أَحْمد آباد رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي حَوَاشِيه على تِلْكَ الْحَوَاشِي. قَوْله: وَبِهَذَا ظهر أَي بِإِرَادَة الاتصاف الْأَعَمّ الشَّامِل للمواطأة والاشتقاق فِي مَفْهُوم النَّعْت يظْهر عُمُوم الْعرض وشموله للعرضي فَإِن المشتقات عرضيات بِلَا ريب. وبهذه الْإِرَادَة صَار الْعرض متناولا لَهَا تنَاوله للمبادىء الَّتِي اعراض بِلَا رِيبَة. وَلَو اقْتصر على إِرَادَة الاتصاف بِوَاسِطَة ذُو لَا يظْهر ذَلِك.
فَإِن قيل قد تنبهت مِمَّا أسلفنا أَن المشتقات على تَحْقِيق الْمُحَــقق بِاعْتِبَار شَرط لَا أَعْرَاض ومحمول بِوَاسِطَة ذُو فعلى الِاقْتِصَار أَيْضا يكون الْعرض متناولا للعرضيات (قُلْنَا) الْكَلَام فِي هَذِه الْمرتبَة على زعم الْمحــشِي وَهُوَ غافل عَنهُ إِذْ نقُول الْمَقْصُود تنَاول الْعرض للعرضي من حَيْثُ إِنَّه عرضي وَهُوَ مقتصر على إِرَادَة الْأَعَمّ وَفِي الِاقْتِصَار إِنَّمَا يظْهر التَّنَاوُل لما صدق عَلَيْهِ الْعرض لَا من حَيْثُ إِنَّه عرضي فَتدبر فَإِنَّهُ دَقِيق. وانتظر لما نتكلم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بالتكلم حقيق.
قَوْله والمشتقات وَمَا فِي حكمهَا إِلَى آخِره إِمَّا دَاخل تَحت الظُّهُور أَو اسْتِئْنَاف دفعا لما يتَوَهَّم على الظَّاهِر من الْمُخَالفَة المشتهرة بَين الْأَلْسِنَة فَإِن كَلِمَات الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء صَرِيحَة فِي الْفرق بَين الْعرض والعرضي وَإِن المشتقات عرضيات لَيست بأعراض. والمبادىء أَعْرَاض لَيست بعرضيات بِأَن مَا نقل من الْمعلم الأول يلوح إِلَيْهِ حَيْثُ عبر عَن أَكثر المقولات بالمشتقات وَمثل لَهَا أَيْضا بالمشتقات وَمَا فِي حكمهَا على مَا سَيظْهر بعد. فَقَوله كَمَا يلوح إِلَيْهِ على الأول مُرْتَبِط بقوله يظْهر. وعَلى الثَّانِي بالمستأنف كَمَا لَا يخفى على المتأمل. وَبِالْجُمْلَةِ الْمَقْصُود أَنه وَإِن كَانَ مُخَالفا لمُخَالفَة الْمُتَأَخِّرين لكنه مُوَافق لكَلَام من هُوَ أفضل مِنْهُم من القدماء. قَوْله وَمَا فِي حكمهَا أَي مثل ذِي سَواد. قَوْله فَافْهَم فَإِنَّهُ مَعَ وضوحه دَقِيق فهم هَذَا المرام وتنقيح هَذَا الْمقَام دَاع إِلَى نوع بسط فِي الْكَلَام.
فَاعْلَم إِن السوَاد عرض وَالْأسود عرضي على مَا هُوَ الْمَشْهُور وَالْمَفْهُوم من كَلَام الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ آنِفا وَأَن الْفرق بَينهمَا والتغاير بِالذَّاتِ وَأَن الأول مَحْمُول اشتقاقا _ وَالثَّانِي مَحْمُول مواطأة وَالْعرض مُقَابل الْجَوْهَر غير العرضي الْمُقَابل للذاتي.
وَخَالفهُم الْمُحَــقق الْأُسْتَاذ الدواني مستنبطا من كَلَام القدماء على مَا لوحنا إِلَيْهِ. وَقَالَ إنَّهُمَا متحدان ذاتا لَا تغاير بَينهمَا إِلَّا اعْتِبَارا فالأسود هُوَ السوَاد وَكَذَا الْعَكْس إِلَّا أَنه إِذْ أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء عرضي مَحْمُول مواطأة. وبشرط لَا شَيْء عرض مَحْمُول اشتقاقا ومبنى كَلَامه هَذَا على مَا يظْهر من الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة على أَمريْن.
أَحدهمَا: أَن الْمدْرك بالبصر أَولا وبالذات هُوَ الْأسود أَو الْأَبْيَض ثمَّ من خَارج يعلم أَن الْأسود والأبيض مُقَارن لموجود آخر هُوَ ثوب أَو حجر أَو غَيرهمَا حَتَّى لَو لم يكن تِلْكَ الملاحظة لم يعلم أَنه شَيْء أسود أَو أَبيض _ بل جَازَ أَن يكون أسود وأبيض بِذَاتِهِ كَمَا أَن الثَّوْب ثوب بِذَاتِهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ بَيَاضًا وأبيض وسوادا وأسود.
وتوضيحه إِنَّه إِذا رُؤِيَ شَيْء أَبيض مثلا فالمرئي بِالذَّاتِ هُوَ الْبيَاض على مَا قَالُوا ونعلم بِالضَّرُورَةِ أَنا قبل مُلَاحظَة أَن الْبيَاض عرض وَأَن الْعرض لَا يُوجد قَائِما بِنَفسِهِ نحكم بِأَنَّهُ بَيَاض وأبيض _ فَفِي تِلْكَ الْمرتبَة كَمَا يحكم بِأَنَّهُ بَيَاض يحكم بِأَنَّهُ أَبيض وَلَوْلَا الِاتِّحَاد بِالذَّاتِ بَينهمَا لم يجوز الْعقل قبل مُلَاحظَة تِلْكَ الْمُقدمَات كَونه أَبيض.
وَثَانِيهمَا: أَنه لَا يدْخل فِي مَفْهُوم الْمُشْتَقّ الْمَوْصُوف وَلَا النِّسْبَة فَيكون عين الصّفة. وتفصيله أَن فِي معنى الْمُشْتَقّ أقوالا _ الأول مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَنه مركب من الذَّات وَالصّفة وَالنِّسْبَة. وَالثَّانِي مَا اخْتَارَهُ السَّيِّد السَّنَد الْأُسْتَاذ الْعَلامَة الشريف وَهُوَ أَنه مركب من نِسْبَة والمشتق مِنْهُ فَقَط. وَمعنى القَوْل الأول ظَاهر لَا ستْرَة فِيهِ فَإِن تَفْسِير الْكَاتِب مثلا على مَا اشْتهر وَدَار على الْأَلْسِنَة أَعنِي شَيْء لَهُ الْكِتَابَة صَرِيح الدّلَالَة عَلَيْهِ ومطمح نظر السَّيِّد السَّنَد قدس سره أَنه لَا يُمكن اعْتِبَار مَفْهُوم الشَّيْء وَلَا مَا صدق عَلَيْهِ فِيهِ للُزُوم دُخُول الْعرض الْعَام فِي الْفِعْل على الأول وَدخُول النَّوْع فِيهِ مَعَ لُزُوم انقلاب مُشْتَقّ الْإِمْكَان بِالْوُجُوب على الثَّانِي فَمَا بَقِي إِلَّا الصّفة وَالنِّسْبَة.
والمحــقق لما رأى أَن دُخُول النِّسْبَة الَّتِي هِيَ غير مُسْتَقلَّة المفهومية فِي حَقِيقَة مُسْتَقلَّة من غير دُخُول المنتسبين أَمر غير مَعْقُول ذهب إِلَى أَن الْمُشْتَقّ أَمر بسيط غير مُشْتَمل على النِّسْبَة إِذْ لَا يرى أَنه يعبر عَن معنى الْأسود والأبيض (بسياه وسفيد) . (كَذَا) على الْمَوْصُوف لَا عَاما وَلَا خَاصّا بل عبارَة عَن الْمُشْتَقّ مِنْهُ فَقَط وَلَيْسَ بَينه وَبَين الْمُشْتَقّ مِنْهُ تغاير بِحَسب الْحَقِيقَة فَهُوَ إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء فَهُوَ عرضي ومشتق. وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا شَيْء فَهُوَ عرض ومشتق مِنْهُ مَحْمُول اشتقاقا كَمَا ذكرنَا آنِفا وَهَذَا هُوَ القَوْل الثَّالِث.
وَقد يُؤَيّد هَذَا القَوْل بِمَا قَالُوا إِن الضَّوْء إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ ضوءا مضيا على مَا يُشِير إِلَيْهِ كَلَام بهمنيار وَإِن الْوُجُود إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ وجودا وموجودا حَقِيقَة وَإِن الْحَرَارَة إِذا كَانَت قَائِمَة بِنَفسِهَا وَكَانَت يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْآثَار الْمَطْلُوبَة يُقَال إِنَّهَا حرارة وحارة كَمَا بَين فِي بحث عَيْنِيَّة الْوُجُود للْوَاجِب وَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ إِن الضَّوْء بِمُجَرَّد قِيَامه بِذَاتِهِ لَا يتبدل ذَاته وجوهره فَإِذا كَانَ عِنْد الْقيام بِالنَّفسِ مضيا ومتحدا مَعَه بِحَسب الذَّات وَالْمَفْهُوم وَلَا شكّ أَنه حِينَئِذٍ لَا يتَصَوَّر دُخُول أَمر فِيهِ يتَوَهَّم اعْتِبَاره كالموصوف وَالنِّسْبَة علم أَنَّهُمَا ليسَا بمتغائرين _ بل هما متحدان ذاتا ثمَّ إِنَّه مُتَعَلق أَيْضا بِمَا نقل من الْمعلم الأول ومترجم كَلَامه حَيْثُ عبروا عَن المقولات بالمشتقات وَمثل أَكْثَرهم بهَا فَإِنَّهُ لَوْلَا الِاتِّحَاد لما صَحَّ ذَلِك إِلَّا بالتكلف وَاعْتِبَار الْمُسَامحَة.
وَأَيْضًا وَقع النزاع فِي عرضية بعض الْأَعْرَاض كالألوان وَلَو كَانَ حَقِيقَتهَا مبادىء الِاشْتِقَاق لم يكن النزاع ضَرُورَة أَن السوَاد وَالْبَيَاض بِمَعْنى المبدأ ليسَا بجوهرين. وَأَنت خَبِير بِمَا فِي مبْنى هَذَا القَوْل من الْوَجْهَيْنِ وَغَيرهمَا من التأييد وَالتَّعْلِيق من قدح ووهن. أما فِي الْوَجْه الأول فبأنا إِذا فَرضنَا أَن أحدا لم يسمع لفظ الْبيَاض والأبيض والجسم وَغَيره وَلم يتَصَوَّر مَعَاني هَذِه ثمَّ رأى جسما أَبيض فَفِي هَذِه الْحَالة يدْرك الْبيَاض أَي هَذَا الْعرض الْخَاص وَحده وَلم يعلم أَن هَا هُنَا شَيْئا آخر ثمَّ إِذا شَاهد أَن الْأَمر قد زَالَ وَبَقِي شَيْء آخر علم إِن هَا هُنَا شَيْء آخر كَانَ ذَلِك الْأَمر حَالا فِيهِ وَهَذَا هُوَ المُرَاد بالأبيض. وَلَا شكّ أَن هَذَا الْمَعْنى الْأَخير الَّذِي أدْركهُ آخر غير الْمَعْنى الأول وَلَا نعني بالأبيض إِلَّا هَذَا نعم لَو اصْطلحَ أحد على أَن يَجْعَل الْأَبْيَض بِمَعْنى مَا يصدر عَنهُ الْأَثر الَّذِي يُشَاهد من الْجِسْم ذِي الْبيَاض أَعنِي تَفْرِيق الْبَصَر مثلا فَحِينَئِذٍ يَصح أَن الشَّخْص الْمَفْرُوض حِين مُشَاهدَة الْبيَاض بمشاهدة الْآثَار الَّتِي تترتب عَلَيْهِ يتخيل فِي بادىء الرَّأْي أَن الشَّيْء الَّذِي تترتب عَلَيْهِ تِلْكَ الْآثَار هُوَ ذَلِك الْأَمر الْمشَاهد أَعنِي الْبيَاض لَكِن على هَذَا يصير النزاع لفضيا على إننا حِينَئِذٍ أَيْضا نقُول إِنَّه بِمُجَرَّد أَن يتخيل فِي بادىء الرَّأْي أَن الْبيَاض هُوَ الْأَبْيَض لَا يلْزم أَن يكون مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا بِالذَّاتِ مغائرا بِالِاعْتِبَارِ. أَلا ترى أَن من أدْرك أَولا الصُّورَة الجسمية ووجدها بِحَيْثُ تتصل وتنفصل يتخيل أَن الْقَابِل للاتصال والانفصال هُوَ الْأَمر ثمَّ بعد مُلَاحظَة الْبُرْهَان يظْهر لَهُ أَن الْقَابِل لَيْسَ هُوَ ذَلِك الْأَمر بل أَمر آخر وبمجرد هَذَا التخيل فِي بادىء الرَّأْي لَا يلْزم أَن يكون الْقَابِل فِي الْوَاقِع هُوَ ذَلِك فضلا عَن أَن يكون مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا وَمَعَ ذَلِك نقُول إِنَّه لَا شكّ أَن الْبيَاض والجسم موجودان فِي الْخَارِج بِوُجُود مغائر. وَلَا شكّ أَن المتغاير فِي الْوُجُود الْخَارِجِي لَا يُمكن حمل أَحدهمَا على الآخر بِأَيّ اعْتِبَار أَخذ من الاعتبارات الثَّلَاثَة. وَأما فِي الْوَجْه الثَّانِي فبأن الْمَوْصُوف لَا يدْخل فِيهِ على وَجه الْعُمُوم وَلَا على وَجه الْخُصُوص حَتَّى يرد عَلَيْهِ مَا ذكر بل بعنوان مُتَعَلق الْحَدث الَّذِي هُوَ مَأْخَذ الِاشْتِقَاق كَمَا يدل عَلَيْهِ تَفْسِير الْقَوْم إِيَّاه بِمَا يدل على ذَات مُبْهمَة بِاعْتِبَار معنى معِين فَفِي الْأَبْيَض مثلا لَا يدْخل الْمَوْصُوف فِي مَفْهُومه لَا بعنوان الشيئية وَلَا بعنوان الثوبية بل بعنوان المنسوبية إِلَى الْبيَاض وَذي الْبيَاض لَا بِمَعْنى أَنه معنى مفصل بل هُوَ أَمر إجمالي إِذا فصل وحلل يعبر عَنهُ بالمنسوب إِلَى الْبيَاض. وَهَذَا كَمَا يَقُولُونَ إِن التَّصْدِيق عبارَة عَن إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة ومرادهم أَنه أَمر بسيط إجمالي يفصله الْعقل إِلَى ذَلِك لَا أَنه معنى تفصيلي فَلَا يلْزم التسلسل على مَا توهم ثمَّ إِنَّه كَمَا يدْخل الْمَوْصُوف إِجْمَالا يدْخل النِّسْبَة ومبدء الِاشْتِقَاق إِجْمَالا أَيْضا وَعدم المعقولية إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ بِدُونِ الْمَوْصُوف تَفْصِيلًا _ وَهَذَا تَحْقِيق مَا حَقَّقَهُ السَّيِّد السَّنَد صدر الدّين رَحمَه الله بِحَيْثُ انْدفع بِهِ مَا أورد عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ الْمُحَــقق الجديدة كَمَا يظْهر على من يطالع كَلَام الأستاذين فِي الحاشيتين.
وَالتَّحْقِيق إِن مصداق حمل الْمُشْتَقّ على شَيْء قيام مبدء الِاشْتِقَاق بِهِ. وَالْقِيَام إِمَّا قيام (حَقِيقِيّ) وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ مبدء الِاشْتِقَاق غير الْمَوْصُوف ذاتا أَو اعْتِبَارا أَو (غير حَقِيقِيّ) وَهُوَ فِيمَا إِذا لم يكن غَيره أصلا بل يكون حَاصِلا بِنَفسِهِ وَأما فِي التأييد فَمَا ذكره الْمحــشِي المدقق فِي بحث الْأَجْزَاء أَنه اشْتِبَاه مَفْهُوم الْمُشْتَقّ بِمَا صدق عَلَيْهِ.
ومحصله إِن مَا يعلم من هَذَا الَّذِي فالوا إِن الضَّوْء على تَقْدِير الْقيام بِالنَّفسِ يكون فَردا للمضيء لَا أَنه يكون عين مَفْهُوم المضيء وَحَقِيقَته. وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِيهِ وَلَو قَالَ الْمُؤَيد إِنَّا سلمنَا مَا قلت وَنحن أَيْضا نعلمهُ كَمَا قلت لِأَنَّك خَبِير بِأَن صدق المضيء عَلَيْهِ لَيْسَ كصدقه على الْجِسْم المضيء بِهِ بِأَن يكون هَا هُنَا ذَات وَنسبَة وَوصف فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَّا ضوء فَقَط فَلَا يكون الصدْق إِلَّا بِاعْتِبَار أَنه ضوء فَلَو لم يكن الِاتِّحَاد بَين الضَّوْء والمضيء لم يكن الصدْق. وَهَذَا لَيْسَ من اشْتِبَاه فِي شَيْء بل الِاسْتِدْلَال من الصدْق والفردية على الِاتِّحَاد فِي الْمَفْهُوم والحقيقة يدْفع مَا قَالَ فَإنَّك خَبِير أَيْضا بِمَا قَالُوا إِن الضَّوْء إِذا كَانَ قَائِما بِغَيْرِهِ إِن لم يكن مضيئا بل الْغَيْر مضيء بِهِ وَإِن وجودات الممكنات لَيست بموجودة وَكَذَا الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ لَيْسَ بأبيض فَلَو كَانَ الِاتِّحَاد صدق المضيء وَالْمَوْجُود والأبيض على مبادئها وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مَعْلُوم الانتفاء بِالضَّرُورَةِ.
وَمَا يتَوَهَّم إِن وجودات الممكنات موجودات والضوء الْقَائِم بِغَيْرِهِ مضيء وَكَذَا الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ أَبيض إِلَّا أَن لَا يُطلق عَلَيْهِ فِي عرف اللُّغَة لاشْتِرَاط الْقيام بِالنَّفسِ فِي الاطلاق فَلَو تمّ لَا يتم كليا ضَرُورَة إِن عدم كَون وجودات الممكنات مَوْجُودَة لَيْسَ بِاعْتِبَار أَمر لَفْظِي بل هُوَ أَمر معنوي إِذْ من الْمَعْلُوم بديهة إِنَّهَا لَيست بموجودة بِالْمَعْنَى البديهي الْعَام الَّذِي نفهمه من لفظ الْمَوْجُود ونحمله على الماهيات من دون أَن يلاحظه الْعرف واللغة.
فَاعْلَم إِن صدق المضيء على الضَّوْء الْقَائِم بِنَفسِهِ لَيْسَ مَبْنِيا على الِاتِّحَاد. بل التَّحْقِيق إِن مصداق حمل الْمُشْتَقّ على شَيْء قيام مبدء الِاشْتِقَاق بِهِ قيَاما (حَقِيقِيًّا) وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف غير الشَّيْء الْمَوْصُوف سَوَاء كَانَ غَيره بِالذَّاتِ كَمَا فِي الضَّوْء الْقَائِم بالشمس وَالْبَيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ أَو بِالِاعْتِبَارِ كحصة الْوُجُود الْقَائِم بِهِ لَو اعْتبر الْوُجُود مَوْجُودا أَو غير حَقِيقِيّ وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف حَاصِلا بِنَفسِهِ والوجود الْقَائِم بِنَفسِهِ وَالْبَيَاض الَّذِي يكون كَذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ قَائِما بِالْغَيْر لَا ذاتا وَلَا اعْتِبَارا.
وَلَا شكّ فِي أَن الْقيام بكلا قسميه فِي الضَّوْء وَالْبَيَاض القائمين بِغَيْرِهِمَا مُنْتَفٍ. أما الثَّانِي فَظَاهر. وَأما الأول فلَان الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ مثلا إِنَّمَا هُوَ وصف لَهُ وَاعْتبر قِيَامه بِهِ وَلم يعْتَبر فِيهِ قيام بَيَاض آخر مغائر لَهُ حَقِيقَة أَو اعْتِبَارا فَلَا يكون ذَلِك مصداق حمل الْأَبْيَض أصلا بِخِلَاف الْقَائِم بِنَفسِهِ. فَإِن الْقيام على النَّحْو الثَّانِي مُتَحَقق فِيهِ. (نعم) لَو اعْتبر الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ فِي مرتبَة الْمَوْصُوف وَاعْتبر قيام بَيَاض آخر بِهِ مغائر لَهُ اعْتِبَارا كَمَا فِي حِصَّة الْوُجُود الْقَائِم بالوجود يكون مصداقا لذَلِك لكنه حِينَئِذٍ لَا يكون فِي مرتبَة الْوَصْف والمبدء بل فِي مرتبَة الْمَوْصُوف. وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ وَلَو اتَّحد الْبيَاض والأبيض ذاتا ومفهوما لَكَانَ فِي مرتبَة الوصفية لغيره أَيْضا أَبيض وَلَيْسَ فَلَيْسَ. فَإِن قيل إِن الْبيَاض الْقَائِم بِنَفسِهِ لم يعْتَبر فِيهِ أَيْضا قيام بَيَاض آخر بِهِ فَمَا الْفرق بَينه وَبَين الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ فِي أَن لَا يكون فِي الثَّانِي قيام غير حَقِيقِيّ وَيكون فِي الأول. قُلْنَا الْفرق ظَاهر فَإِنَّهُ فِيمَا إِذا كَانَ قَائِما بِذَاتِهِ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب فِي الْقَائِم بِغَيْرِهِ على مَجْمُوع الذَّات وَالْوَصْف فَيكون هَذَا فِي مرتبَة الذَّات وَالْوَصْف وَالنِّسْبَة فَكَأَنَّهُ ذَات قَامَ بِهِ وصف لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى اعْتِبَار قيام وصف آخر بِهِ وَلَو اعْتِبَارا. بِخِلَاف الْقَائِم بِغَيْرِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّب فِيهِ على مُجَرّد الْوَصْف بل على ذَات مَعَ ذَلِك فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمرتبَة قَائِما مقَام الذَّات وَالْوَصْف بل يحْتَاج فِي كَونه أَبيض إِلَى مُلَاحظَة قيام حِصَّة الْبيَاض بِهِ وَهُوَ فِي هَذِه الْمرتبَة لَيْسَ من قبيل الْوَصْف والمبدء. وَأما مَا تعلق بِهِ مِمَّا نقل من الْمعلم الأول من التَّعْبِير والتمثيل فَهُوَ لَا يُوجب إِلَّا أَن يكون الْمُشْتَقّ عرضا وَهُوَ لَيْسَ بمستلزم لِأَن يكون مَعْنَاهُ عين معنى المبدء بل الْمُشْتَقّ مَعَ كَونه مغائرا لَهُ لَهُ اعتباران. بِاعْتِبَار عرض. وَبِاعْتِبَار عرضي على مَا يظْهر فِيمَا يذكر بعد عَن الْمحــشِي وَكَذَا وُقُوع النزاع فِي عرضية بعض الْأَعْرَاض كالألوان لَا يدل على مَا رامه. فَإِن الْبيَاض المحــسوس وَأَمْثَاله لَيْسَ مِمَّا يَأْبَى الْعقل كَونه صُورَة نوعية بديهية حَتَّى لَا يتَصَوَّر النزاع فِيهِ على تَقْدِير كَونه عبارَة عَن نفس المبدء.
وَبِالْجُمْلَةِ مَا قَالَه الْمُحَــقق وَتفرد بِهِ مستبعد جدا مُخَالف لما يشْهد بِهِ الوجدان والبرهان. وَلما رأى الْمحــشِي المدقق مَا رَأينَا وأريناك مَا ارتضى بذلك. وَقَالَ فِي بحث الْأَجْزَاء أَنَّهُمَا متغائران ذاتا وَحَقِيقَة. وَمعنى الْمُشْتَقّ أَمر بسيط ينتزعه الْعقل عَن الْمَوْصُوف نظرا إِلَى الْوَصْف الْقَائِم بِهِ. والموصوف وَالْوَصْف وَالنِّسْبَة كل مِنْهَا لَيْسَ عينه وَلَا دَاخِلا فِيهِ وَهُوَ يصدق على الْمَوْصُوف. وَرُبمَا يصدق على الْوَصْف وَالنِّسْبَة انْتهى.
وتوضيحه إِن الْمَوْصُوف لَيْسَ بداخل فِيهِ لَا عَاما وَلَا خَاصّا وَلَا عينه وَكَذَا الْوَصْف وَالنِّسْبَة بل هُوَ معنى بسيط انتزاعي ينتزعه الْعقل عَن الْمَوْصُوف بملاحظة قيام الْوَصْف بِهِ سَوَاء كَانَ الْقيام حَقِيقِيًّا كَمَا إِذا كَانَ الْوَصْف غير الْمَوْصُوف غيرا بِالذَّاتِ أَو غيرا بِالِاعْتِبَارِ. أَو غير حَقِيقِيّ كَمَا إِذا كَانَ حَاصِلا بِلَا مَحل على مَا عرفت. وَصدقه على الْمَوْصُوف ظَاهر وَأما صدقه على الْوَصْف وَالنِّسْبَة وَإِن كَانَ لَيْسَ كليا فَإِنَّهُ لَا يصدق الْأَبْيَض على الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ وعَلى نِسْبَة الْبيَاض وَلَا على الْمَجْمُوع. لكنه قد يصدق كالموجود الْمُطلق فَإِنَّهُ يصدق على الْوُجُود وَالنِّسْبَة. وَفِيه كَلَام نذكرهُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ أَيْضا قبل هَذَا الْكَلَام بأوراق أَن الْحمل يُطلق على ثَلَاثَة معَان: الأول: الْحمل اللّغَوِيّ وَهُوَ الحكم بِثُبُوت الشَّيْء وانتفائه عَنهُ وَحَقِيقَة الإذعان وَالْقَبُول. وَالثَّانِي: الْحمل الاشتقاقي وَيُقَال لَهُ الْحمل بِوُجُود شَيْء يتوسط ذُو. وَحَقِيقَة الْحُلُول وَهُوَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بالمبادىء بل يجْرِي فِي المشتقات أَيْضا. فَإِن الْعرض أَعم من العرضي كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ سَابِقًا.
وَقَالَ فِي هَامِش الْحَاشِيَة فالعرضي هُوَ الْعرض لَكِن باعتبارين فَإِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء كَانَ عرضيا ومحمولا مواطاة وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا كَانَ عرضا ومحمولا بالاشتقاق _ وَأما مَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمُحَــقِّقين من أَن الْعرض والعرضي كالسواد وَالْأسود متحدان بِالذَّاتِ ومتغائران بِالِاعْتِبَارِ _ فَإِن أَخذ بِشَرْط الْأسود عرض _ والمأخوذ لَا بِشَرْط أسود عرضي. فَكَلَام بعيد هُوَ متفرد عَسى أَن يطلع عَلَيْهِ من مُسْتَقْبل القَوْل إِن شَاءَ الله تَعَالَى انْتهى الكلامان.
ولعلك استنبطت من هَذِه الْكَلِمَات أمورا: أَحدهَا: إِن الْمُشْتَقّ والمبدأ متغائران حَقِيقَة. وَالثَّانِي: إِن الْمُشْتَقّ مَعَ كَونه مغائرا للمبدأ لَهُ اعتباران بِاعْتِبَار عرض وَبِاعْتِبَار عرضي. وَالثَّالِث: إِن الْعرض يصدق على مَا يصدق عَلَيْهِ العرضي لَكِن بِاعْتِبَار آخر. وَالرَّابِع: إِن الْمُعْتَبر فِي اعْتِبَار الْعرض كَونه مَحْمُولا اشتقاقا وَفِي العرضي كَونه مَحْمُولا مواطأة. وَالْخَامِس: إِن الْحمل الاشتقاقي غير مُخْتَصّ بالمبادىء بل يجْرِي فِي المشتقات أَيْضا بِاعْتِبَار _ وعساك تنبهت الْفرق أَيْضا بَين مَا عِنْد الْمُحَــقق فِي هَذَا المبحث بِوُجُوه _ أما: أَولا: فبأن الْمُشْتَقّ عِنْد الْمُحَــقق عبارَة عَن نفس المبدأ وَعند الْمحــشِي عَن أَمر بسيط انتزاعي لَيْسَ بداخل فِيهِ فضلا عَن أَن يكون عينه كَمَا عرفت _ وَأما ثَانِيًا: فبأن الاعتبارين اللَّذين يكون الْمُشْتَقّ عرضا وعرضيا بحسبهما إِنَّمَا هما للمبدأ عِنْد الْمُحَــقق وَعند الْمحــشِي لَيْسَ كَذَلِك بل البدء عرض فَقَط والاعتباران الْمَذْكُورَان عِنْده للمعنى الْبَسِيط الانتزاعي المغائر لَهُ. وَكَذَا الْحمل الاشتقاقي وَالْحمل الموطاتي يكونَانِ للمبدأ فِي الْحَقِيقَة عِنْد الْمُحَــقق وَعند الْمحــشِي إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى المغائر لَهُ الانتزاعي _ وَأما: ثَالِثا: فبأن الْعرض والعرضي متساويان فِي التَّحْقِيق عِنْد الْمُحَــقق _ وَعند الْمحــشِي الْعرض أَعم من العرضي فَإِن المبدأ عرض وَلَيْسَ بعرضي بِلَا خَفَاء والمشتق المغائر لَهُ عرض كَمَا هُوَ عرضي باعتبارين عِنْده بِخِلَافِهِ عِنْد الْمُحَــقق فَإِن الْمُشْتَقّ عِنْده لَيْسَ إِلَّا المبدأ وَهُوَ عرض بِاعْتِبَار كَمَا هُوَ عرضي بِاعْتِبَار على مَا حققت آنِفا إِلَّا أَنَّهُمَا متفقان فِي أَن الْمُعْتَبر فِي جِهَة العرضية كَونه مَحْمُولا اشتقاقا.
وَإِذا مَا لاحظت جَمِيع جَوَانِب الْكَلَام. وتنقح عنْدك مَا هُوَ تَحْقِيق المرام. فَاعْلَم إِن كَلَام الْمحــشِي الَّذِي وَقع هَا هُنَا أَعنِي قَوْله وَبِهَذَا يظْهر أَن الْعرض أَعم من العرضي مَعْنَاهُ بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْكَلِمَات أَن الْعرض أَعم مِنْهُ تحققا فَإِنَّهُ يتَحَقَّق فِي كل من المبدأ والمشتق بِخِلَاف العرضي فَإِنَّهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي الْمُشْتَقّ أَو صدقا إِن أُرِيد بالعرضي مُجَرّد ذَات العرضي لَا من حَيْثُ أَنه عرضي فَإِن الْعرض لَا يصدق على العرضي من حَيْثُ هُوَ عرضي لِأَنَّك تفطنت مِمَّا نقلنا أَن الْعرض يصدق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار لَا يصدق عَلَيْهِ العرضي بذلك الِاعْتِبَار فَلَا يكون مَا هُوَ عرضي فَردا للعرض _ وَمعنى قَوْله والمشتقات أَعْرَاض إِنَّهَا أَعْرَاض بِاعْتِبَار غير اعْتِبَار كَونهَا عرضيات.
قَوْله على مَا يلوح إِلَيْهِ مَا نقل من الْمعلم الأول. فِيهِ تلويح إِلَى أَن مَا نقل من التَّعْبِير والتمثيل لَا يدل على أَن المشتقات عبارَة عَن المبدأ وَإِنَّهَا عينه. بل إِنَّمَا يدل على كَون المشتقات أعراضا وَهُوَ غير موجوب لَهُ فَإِن للمشتق مَعَ كَونه عبارَة عَن معنى بسيط انتزاعي كَمَا عرفت اعتبارين أَيْضا بِاعْتِبَار عرض ومحمول اشتقاقا وَبِاعْتِبَار عرضي مَحْمُول مواطأة فَإِن الْأَبْيَض مَعْنَاهُ (سبيد) فَإِن لوحظ لَا بِشَرْط فَهُوَ عرضي يحمل مواطأة على الثَّوْب وَإِن لوحظ بِشَرْط لَا وتجريده عَن الثَّوْب فَهُوَ عرض يحمل اشتقاقا _ وَيُقَال إِنَّه ذُو (سبيدي) _ أَولا يرى أَن الثَّوْب فِيمَا إِذا كَانَ أسود وأبيض وأحمر وأخضر يُقَال إِنَّه ذُو هَذِه الْأَوْصَاف والنعوت. فَفِي هَذِه الْحَالة إِنَّمَا يعْتَبر المشتقات بِشَرْط لَا _ وَهَذَا وَإِن استبعد بِهِ فِي بادىء الرَّأْي إِلَّا أَنَّك لَو رجعت إِلَى الوجدان لوجدت بِهَذَا العنوان فَظهر بِهَذَا الْبَيَان أَن الملحوظ فِي جِهَة كَونهَا اعراضا هُوَ الِاعْتِبَار الَّذِي بِهِ هَا هُنَا يكون مَحْمُولَة اشتقاقا فَالْمُعْتَبر فِي الْعرض هُوَ الْحمل الاشتقاقي لَكِن قَوْله وَالْمرَاد بالنعت مَا يَتَّصِف بِهِ الشَّيْء مواطأة واشتقاقا مشْعر بِأَن الْعرض يصدق على العرضي من حَيْثُ عرضي حَيْثُ اعْتبر الاتصاف فِيهِ أَعم من أَن يكون مواطاة واشتقاقا فَيكون المشتقات اعراضا بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي يكون عرضيات ومحمولات مواطاة فَيكون الْمُعْتَبر فِي الْعرض الْحمل الْمُطلق لَا الاشتقاقي فَقَط.
وَإِن توهم أحد أَنه لَا يلْزم من جعل النَّعْت أَعم من مَا يَتَّصِف بِهِ الشَّيْء مواطاة أَو اشتقاقا لإدخال المشتقات فِي الْعرض اعْتِبَار الْحمل أَيْضا أَعم فِي كَون الشَّيْء عرضا فَإِنَّهُ يَصح بِأَن يكون مَا هُوَ مَحْمُول مواطاة عرضا بِاعْتِبَار يكون بذلك مَحْمُولا اشتقاقا إِنَّمَا يلْزم ذَلِك لَو لم يكن لــلمحــمولات مواطاة اعْتِبَار بهَا يَصح كَونهَا محمولات اشتقاقا وَلَيْسَ كَذَلِك فتوهمه توهم مَحْض فَإِنَّهُ لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لما كَانَ لإيراده على الْمُحَــقق بِخُرُوج المشتقات لاقتصاره على الْحمل الاشتقاقي وَجه. وَأَيْضًا مَا نقل عَنهُ فِي هَامِش الْحَاشِيَة هَا هُنَا أَعنِي قَوْله الصِّفَات المشتقة لَهَا اخْتِصَاص بموصوفاتها هُوَ منشأ لاتحادها مَعهَا اتحادا بِالْعرضِ وَحملهَا عَلَيْهَا حمل المواطاة انْتهى صَرِيح فِي أَن صدق الْعرض على المشتقات بِاعْتِبَار حمل المواطاة. ثمَّ إِن قَوْله فِيهِ اتحادا بِالْعرضِ إِشَارَة إِلَى مَا حقق الْمُحَــقق الدواني فِي مَوْضِعه. وَيَجِيء فِي هَذِه الْحَاشِيَة أَيْضا أَن اتِّحَاد الذاتيات لما هِيَ ذاتيات لَهُ اتِّحَاد بِالذَّاتِ واتحاد العرضيات اتِّحَاد بِالْعرضِ.
وَقد خَالف فِيهِ السَّيِّد السَّنَد صدر الدّين ونفصل الْكَلَام بعون الله الْملك العلام. فِي ذَلِك الْمقَام. بَقِي هَا هُنَا شَيْء وَهُوَ أَن كَلَام الْمُحَــقق الدواني لَيْسَ ينص فِي الِاقْتِصَار على الْحمل الاشتقاقي فِي تَعْرِيف الْحُلُول إِنَّمَا استنبط مِنْهُ الْمحــشِي المدقق من طَرِيقَته جَوَابه وَسِيَاق كَلَامه فِي الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة فِي بحث الْجَوَاهِر. وَلَا يخفى هَذَا على من نظر فِيهِ من أهل البصائر إِنَّمَا أطنبنا الْكَلَام. فِي هَذَا الْمقَام. لِأَنَّهُ كَانَ من مزال أَقْدَام الْعلمَاء الْأَعْلَام. فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ التَّام. والاستعانة بالعليم العلام. انْتهى.
اعلموا أَيهَا الناظرون أَن هَذَا الْمُؤلف الضَّعِيف العَاصِي عَفا الله عَنهُ تلمذ أَكثر كتب التَّحْصِيل من خدمَة أُسْوَة الْفُضَلَاء وزبدة الْعلمَاء الحبر النحرير صَاحب التَّقْرِير والتحرير الشَّيْخ الْأَجَل مَوْلَانَا مُحَمَّد محسن ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الصديقي الأحمد آبادي وَهُوَ من تلاميذ أستاذ الْكل من الْكل الْفَاضِل الْكَامِل الْمُحَــقق والمدقق ملا مُحَمَّد أكبر بن مُحَمَّد أشرف الدهلوي الْمُفْتِي فِي أَحْمد آباد نور الله مضجعهما بِنور الْمَغْفِرَة والرضوان وَأنزل عَلَيْهِمَا شآبيب الرَّحْمَة والغفران.
الْعرض أَعم من العرضي: فَإِن الْبيَاض عرض لَيْسَ بعرضي والأبيض عرض وعرضي على مَذْهَب كَمَا ستقف عَلَيْهِ. وَالشَّيْخ الرئيس صرح بِأَن الْعرض الْمُقَابل للجوهر غير العرضي الْمُقَابل للذاتي وَهَذَا هُوَ الْحق لَا ريب فِيهِ. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْعرض هُوَ العرضي بِحَذْف الْيَاء تَخْفِيفًا وَبعد الْحَذف جَاءَ الِاشْتِبَاه نعم هَذَا الْعرض يُقَابل الْجَوْهَر بِمَعْنى الأَصْل كَمَا يُقَال أَي شَيْء هُوَ فِي جوهره أَو عرضه ثمَّ إِنَّه فِي الإشارات رُبمَا قَالُوا الْعرض محذوفا عَنهُ الْيَاء انْتهى.
وتفصيل هَذَا الْمقَام وتنقيح هَذَا المرام أَنهم اخْتلفُوا فِي أَن الْعرض غير العرضي ومبائن لَهُ حَقِيقَة أم اعْتِبَارا وَفِي أَن الْعرض يباين الْمحــل حَقِيقَة أم اعْتِبَارا. وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن الْعرض غير العرضي وَغير الْمحــل حَقِيقَة. وَاسْتَدَلُّوا على مُغَايرَة الْعرض للعرضي ومباينته لَهُ حَقِيقَة بِأَن الْعرض يباين الْمحــل والعرضي يتحد مَعَه وَاخْتِلَاف اللوازم يدل على اخْتِلَاف الملزومات وعَلى أَن الْعرض مباين لــلمحــل بِأَنَّهُ يُقَال وجدت الْأَعْرَاض فَقَامَتْ بالموضوعات، فللأعراض وجود سوى وجود الموضوعات وَوُجُود الْإِعْرَاض مُتَأَخّر عَن وجود موضوعاتها.
أَلا ترى أَن وجود الْبيَاض مُتَأَخّر عَن وجود الْمَوْضُوع وَبِه يمتاز عَن العدميات كالعمى فَإِن الْعقل إِذا لاحظ مَفْهُوم الْأَعْمَى بِحَدّ أَنه لَا يتَوَقَّف الاتصاف بِهِ إِلَّا على سلب الْبَصَر عَمَّا يصلح لَهُ بِالْقُوَّةِ الشخصية أَو النوعية أَو الجنسية من غير أَن يزِيد هُنَاكَ أَمر فِي الْوُجُود بِخِلَاف الْأَبْيَض فَإِن الْجِسْم إِنَّمَا يصير أَبيض إِذا زَاد عَلَيْهِ شَيْء فِي الْوُجُود بِهِ يصير أَبيض فَذَلِك الزَّائِد الْمُتَأَخر هُوَ الْبيَاض والجسم الْمَزِيد عَلَيْهِ الْمُتَقَدّم مَحَله.
وَمَا قَالَ الشَّيْخ الرئيس وجود الْأَعْرَاض فِي أَنْفسهَا هُوَ وجودهَا لمحــالها وَإِن كَانَ صَرِيحًا فِي أَن الْعرض عين الْمحــل وَلَا يباينه وَلِهَذَا تمسك بِهِ من يَدعِي الِاتِّحَاد والعينية لَكِن الْحق أَن مُرَاده وجود الْإِعْرَاض فِي أَنْفسهَا وجودهَا فِي موضوعاتها فَلَا يجوز حمل كَلَامه على الظَّاهِر كَيفَ لَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي التعليقات وجود الْأَعْرَاض فِي أَنْفسهَا هُوَ وجودهَا فِي موضوعاتها سوى الْعرض الَّذِي هُوَ الْوُجُود لاستغنائه عَن الْوُجُود انْتهى. وَأَيْضًا حمل كَلَامه على الظَّاهِر يُوجب إثارة الْخلَل وَالْفساد فَإِن الْوُجُود وجودان أُصَلِّي يتَعَدَّى بفي، وتبعي يتَعَدَّى بِاللَّامِ وَالثَّانِي للأحوال عِنْد الْقَائِلين بهَا الأول لغَيْرهَا إعْرَاضًا كَانَ أَو جَوَاهِر فَلَو كَانَت الْإِعْرَاض مَوْجُودَة بِالثَّانِي لزم أَن تكون أحوالا والفلاسفة يُنْكِرُونَهَا وَذهب جلال الْعلمَاء وَمن تَابعه إِلَى أَن بَينهَا اتحادا بِالذَّاتِ وتغايرا بِالِاعْتِبَارِ فَإِن لطبيعة الْعرض ثَلَاث اعتبارات لَا بِشَرْط شَيْء وبشرط شَيْء وبشرط لَا شَيْء فَإِذا أخذت لَا بِشَرْط شَيْء أَي من حَيْثُ هِيَ هِيَ مَعَ قطع النّظر عَن مُقَارنَة الْمَوْضُوع وَعدمهَا فَهِيَ عرضي مَحْمُول. وَإِذا أخذت بِشَرْط شَيْء أَي بِشَرْط مُقَارنَة الْمَوْضُوع مَعهَا فعين الْمحــل. وَإِذا أخذت بِشَرْط لَا شَيْء أَي بِشَرْط عدم مُقَارنَة الْمَوْضُوع مَعهَا فَعرض مُقَابل للجوهر فالبياض مثلا بِالِاعْتِبَارِ الأول يكون أَبيض وعرضيا مَحْمُولا وَبِالثَّانِي ثوبا أَبيض وبالثالث بَيَاضًا وعرضا مبائنا للموضوع.
ف (70)

الطلاء

(الطلاء) وَأَصله الطلال الدَّم المطلول
(الطلاء) من يطلي الْمَعَادِن وَنَحْوهَا
الطلاء: ما يُطبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه وهي المُثلَّث.
(الطلاء) كل مَا طلي بِهِ كالهناء والقطران والدهن والطين وَمَا طبخ من عصير الْعِنَب وَالْفِضَّة الْخَالِصَة وَالْحَبل ترْبط بِهِ رجل الطلا
الطلاء: بِالْكَسْرِ وَفتح الثَّانِي الذَّهَب وَمَاء عِنَب قد طبخ أَو ترك فِي الشَّمْس فَذهب أقل من ثُلثَيْهِ وَهُوَ حرَام وَإِنَّمَا قيد بقَوْلهمْ أقل لِأَنَّهُ لَو ذهب ثُلُثَاهُ فَمَا دَامَ حلوا يحل شربه عِنْد الْكل وَإِذا غلي وَاشْتَدَّ يحل شربه عِنْدهمَا مَا لم يسكر خلافًا لمُحَــمد رَحمَه الله تَعَالَى.

الاقتباس

الاقتباس: أصله طلب القبس وهو الشعلة، ثم استعير لطلب العلم والهداية، ومنه {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} . وهو عرفا تضمين الكلام نثرا أو نظما شيئا من قرآن أو حديث لا على أنه منه.
الاقتباس: فِي اللُّغَة (نور جيدن) . وَفِي البديع هُوَ أَن يضمن الْكَلَام نظما أَو نثرا شَيْئا من الْقُرْآن أَو الحَدِيث لَا على طَريقَة أَن ذَلِك الشَّيْء من الْقُرْآن أَو الحَدِيث يَعْنِي على وَجه لَا يكون فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُ مِنْهُ كَمَا يُقَال فِي أثْنَاء الْكَلَام قَالَ الله تَعَالَى كَذَا وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَذَا وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يكون اقتباسا كَقَوْل ابْن شَمْعُون فِي وعظه يَا قوم اصْبِرُوا عَن الْمُحــرمَات. وَصَابِرُوا على المفترضات. وَرَابطُوا بالمراقبات. وَاتَّقوا الله فِي الخلوات. يرفع لكم الدَّرَجَات. وكقول الحريري قُلْنَا شَاهَت الْوُجُوه وقبح وَهُوَ لفظ الحَدِيث على مَا رُوِيَ أَنه لما اشْتَدَّ الْحَرْب يَوْم حنين أَخذ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كفا من الْحَصْبَاء فَرمى بِهِ وُجُوه الْمُشْركين وَقَالَ علية الصَّلَاة وَالسَّلَام شَاهَت الْوُجُوه وقبح أَي قبحت الْوُجُوه. وقبح على الْمَبْنِيّ على للْمَفْعُول أَي لعن من قبحه الله بِفَتْح الْعين أَي أبعده عَن الْخَيْر. والاقتباس على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا مَا لم ينْقل فِيهِ المقتبس عَن مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّوَالثَّانِي خِلَافه مِثَال الأول مَا تقدم وَمِثَال الثَّانِي كَقَوْل ابْن الرُّومِي:
(لَئِن أَخْطَأت فِي مدحك مَا أَخْطَأت فِي منعي ... لقد أنزلت حاجاتي بواد غير ذِي زرع)

مقتبس من قَوْله تَعَالَى {رب إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحــرم} لَكِن مَعْنَاهُ فِي الْقُرْآن وَاد لَا مَاء فِيهِ وَلَا نَبَات. وَقد نَقله ابْن الرُّومِي إِلَى جناب لَا خير فِيهِ وَلَا نفع (يَعْنِي درمدح توخطا نكرده ام اكربر تقديريكه خطا كرده ام ليكن توخطا نخواهي كرد در منع من ازحاجت زيرا كه آورده ام حاجت خود را در جنابى كه خير ونفع نداره) .
الاقتباس:
[في الانكليزية] Quotation from the Koran and hadith
[ في الفرنسية] Citation du Coran ou de hadith
بالباء الموحدة هو عند البلغاء أن يضمن الكلام نثرا كان أو نظما شيئا من القرآن أو الحديث لا على أنه منه، أي على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن أو الحديث وهذا احتراز عمّا يقال في أثناء الكلام قال الله تعالى كذا أو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذا، وفي الحديث كذا. ونحو ذلك. وهو ضربان: أحدهما ما لم ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي، فمن المنثور قول الحريري:
فلم يكن إلّا كــلمح البصر وهو أقرب. ومن المنظوم قول الآخر:
إن كنت أزمعت على هجرنا من غير ما جرم فصبر جميل وإن تبدّلت بنا غيرنا فحسبنا الله ونعم الوكيل والثاني ما نقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي كقول ابن الرومي:
لئن أخطأت في مدحك ما أخطأت في منعي لقد أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع أراد بقوله بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ جنابا لا خير فيه ولا نفع، وأريد في القرآن بذلك مكّة إذ لا ماء فيه ولا نبات؛ ولا بأس في اللفظ المقتبس أن يقع تغيير يسير للوزن أو غيره كالتقفية كقول البعض:
قد كان ما خفت أن يكونا إنا إلى الله راجعونا وفي القرآن إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
كذا في المطول.
قال في الإتقان في نوع آداب تلاوة القرآن: قد اشتهر عن المالكية تحريم الاقتباس وتشديد النكير على فاعله. وأما أهل مذهبنا فلم يتعرض له المتقدمون ولا أكثر المتأخرين مع شيوع الاقتباس في أعصارهم واستعمال الشعراء له قديما وحديثا. وقد تعرض له جماعة من المتأخرين، فسئل عنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام فأجازه، واستدل بما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله في الصلاة وغيرها وجهت وجهي إلى آخره، وقوله: «اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني ديني وأغنني من الفقر».
وهذا كله إنما يدل على جوازه في مقام المواعظ والثناء والدعاء وفي النثر ولا دلالة فيه على جوازه في الشعر وبينهما فرق لأن القاضي أبا بكر من المالكية صرح بأن تضمينه في الشعر مكروه وفي النثر جائز. وقال الشرف إسماعيل بن المقري اليمني صاحب مختصر الروضة في شرح بديعية: ما كان منه في الخطب والمواعظ ومدحه صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه ولو في النظم فهو مقبول وغيره مردود.

وفي شرح بديعية ابن حجة: الاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود. ومباح وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص. ومردود وهو على ضربين: أحدهما ما نسبه الله تعالى إلى نفسه ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه، كما نقل عن أحد بني مروان وأنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم. والثاني تضمين آية في معنى هزل ونعوذ بالله من ذلك كقوله:
أوحى إلى عشاقه طرفه هيهات هيهات لما توعدون وردفه ينطق من خلفه لمثل هذا فليعمل العاملون انتهى.
قال قلت وهذا التقسيم حسن جدا.

ويقرب من الاقتباس شيئان: أحدهما قراءة القرآن يراد بها الكلام. قال النووي: في هذا إختلاف، فروي عن النخعي أنه كان يكره أن يتأوّل القرآن بشيء يعرض من أمر الدنيا.
وأخرج عن عمر بن الخطاب أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة والتين والزيتون وطور سينين ثم رفع صوته، وقال: هذا البلد الأمين. وقال بعضهم: يكره ضرب الأمثال من القرآن صرّح به من أصحابنا العماد النتهي تلميذ البغوي.
الثاني التوجيه بالألفاظ القرآنية في الشعر وغيره وهو جائز بلا شك. قال الزركشي في البرهان:
لا يجوز تعدي أمثلة القرآن ولذلك أنكر على الحريري قوله فأدخلني بيتا أحرج من التابوت وأوهن من بيت العنكبوت انتهى.

التَّيَمُّم

التَّيَمُّم: تتريب الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ مُرَتبا بِقصد التَّطْهِير.
التَّيَمُّم: فِي اللُّغَة الْقَصْد. وَفِي الشَّرْع قصد الصَّعِيد الطَّاهِر واستعماله بِصفة مَخْصُوصَة لإِزَالَة الْحَدث. وَفِي جَامع الرموز التَّيَمُّم لُغَة الْقَصْد وَشرعا أَفعَال مَخْصُوصَة. وَفِي الْكَافِي وَغَيره الْقَصْد إِلَى الصَّعِيد لإِزَالَة الْحَدث وَلَا يخفى أَنه لَا يَخْلُو عَن شَيْء.
وَاعْلَم أَنه لَا بُد فِي التَّيَمُّم من سَبْعَة أَشْيَاء - النِّيَّة - وضربة للْوَجْه - وضربة للذراعين - والاستيعاب - والصعيد الطَّاهِر - وَالْمسح بِثَلَاثَة أَصَابِع وَعدم الْقُدْرَة على المَاء - وَشَرطه أَن يكون الْمَنوِي عبَادَة مَقْصُودَة لَا تصح إِلَّا بِالطَّهَارَةِ أَو اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو الطَّهَارَة أَو رفع الْحَدث أَو الْجَنَابَة. فَلَو تيَمّم لصَلَاة الْجِنَازَة أَو سَجْدَة التِّلَاوَة جَازَ لَهُ أَن يُصَلِّي بِهِ وَلَو تيَمّم وَهُوَ مُحدث أَو جنب لقِرَاءَة الْقُرْآن عَن ظهر الْقلب أَو عَن الْمُصحف أَو لمس الْمُصحف أَو لزيارة الْقُبُور أَو لدفن الْمَيِّت أَو للأذان أَو للإقامة أَو لدُخُول الْمَسْجِد أَو للسلام أَو لرد السَّلَام أَو لعيادة الْمَرِيض أَو لتعليم التَّيَمُّم للْغَيْر وَصلى بذلك التَّيَمُّم لَا يجوز كَذَا فِي الْفَتَاوَى العالمكيري.
وَاعْلَم أَن اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم جَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا خلافًا لمُحَــمد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لما ذكر فِي كتب الْأُصُول. وخلاصته أَن التَّيَمُّم طَهَارَة مُطلقَة عِنْد عدم المَاء عندنَا وَعند مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله طَهَارَة ضَرُورِيَّة بِقدر مَا تنْدَفع بِهِ الضَّرُورَة حَتَّى لم يجز أَدَاء الْفَرَائِض بِتَيَمُّم وَاحِد فَلَا يجوز اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم وَأَن الخلفية عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الجوهرين أَي التُّرَاب وَالْمَاء لِأَنَّهُ تَعَالَى نَص عِنْد النَّقْل إِلَى التَّيَمُّم على عدم المَاء فَيكون المَاء أصلا وَالتُّرَاب خلفا وَلما كَانَ المَاء أصلا وَالتُّرَاب خلفا وَكَانَ الطَّهَارَة حكم الأَصْل كَانَ شَرط الصَّلَاة مَوْجُودا فِي كل مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ لِأَن الْخلف لَا يُخَالف الأَصْل فِي الحكم فَيجوز اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم وَعند مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله الخلفية بَين التَّيَمُّم وَالْوُضُوء أَي الْفِعْلَيْنِ المخصوصين لَا الجوهرين لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِالْوضُوءِ أَولا ثمَّ أَمر بِالتَّيَمُّمِ عِنْد الْعَجز بقوله فَتَيَمَّمُوا ليَكُون الخلفية بَين الْوضُوء وَالتَّيَمُّم لَا بَين المَاء وَالتُّرَاب فَلَا يكون شَرط الصَّلَاة مَوْجُودا فِي كل مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ إِذْ كَمَا لَهما بِاعْتِبَار أَنَّهُمَا حكمان للْمَاء وَالتُّرَاب وَهُوَ مُنْتَفٍ فَيكون شَرط الصَّلَاة فِي أَحدهمَا مَوْجُودا بِكَمَالِهِ وَفِي الآخر بنقصانه. واقتداء الْمُتَوَضِّئ وَأَدَاء صلوته بالمتيمم وأدائه فِي ضمن أَدَاء الإِمَام تَفْرِيغ عَلَيْهِ فَلَا يجوز اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم عِنْد مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لِأَن الْمُتَوَضِّئ صَاحب الأَصْل والمتيمم صَاحب الْفَرْع وَلَيْسَ لصَاحب الأَصْل القوى أَن يَبْنِي صلواته على صَاحب الْخلف الضَّعِيف كَمَا لَا يبْنى من صلى بركوع وَسُجُود على من يُصَلِّي بإيماء فَافْهَم. وَالتَّيَمُّم لمس الْمُصحف وَدخُول الْمَسْجِد مَعَ وجود المَاء جَائِز كَذَا فِي الْمَبْسُوط وَفِي الْفَتَاوَى (العالمكيري) يجوز التَّيَمُّم لمن حَضرته جَنَازَة وَالْوَلِيّ غَيره فخاف أَن اشْتغل بِالطَّهَارَةِ أَن تفوته الصَّلَاة صلى على جَنَازَة بِتَيَمُّم ثمَّ أُتِي بِأُخْرَى فَإِن كَانَ بَين الثَّانِيَة وَالْأولَى مِقْدَار مُدَّة يذهب وَيتَوَضَّأ ثمَّ يَأْتِي وَيُصلي أعَاد التَّيَمُّم وَإِن لم يكن مِقْدَار مَا يقدر على ذَلِك صلى بذلك التَّيَمُّم وَعَلِيهِ الْفَتْوَى هَكَذَا فِي الْمُضْمرَات.
وَالتَّيَمُّم لصَلَاة الْعِيد عِنْد وجود المَاء قبل الشُّرُوع فِيهَا لَا يجوز للْإِمَام إِذا لم يخف خُرُوج الْوَقْت وَإِلَّا يجوز وَيجوز للمقتدي إِن خَافَ فَوت الصَّلَاة لَو تَوَضَّأ وَلَو أحدث أَحدهمَا بعد الشُّرُوع فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ تيَمّم وَيَبْنِي وَكَذَلِكَ بعد الشُّرُوع بِالْوضُوءِ إِن خَافَ ذهَاب الْوَقْت أَو فَوت الصَّلَاة لَو تَوَضَّأ هَكَذَا فِي النِّهَايَة. وَيجوز التَّيَمُّم للْجنب لصَلَاة الْجِنَازَة وَصَلَاة الْعِيد كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة.

ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء ضَرُورِيّ وسلبه عَنهُ مُمْتَنع: قَالَ الزَّاهِد رَحمَه الله هَذَا على تَقْدِير تقومه بالجعل الْبَسِيط أَو بوجوديته بالجعل الْمركب على اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ فِي الْجعل انْتهى فَلَا يرد النَّقْض على مَا هُوَ الْمَشْهُور أَعنِي مَا لَيْسَ بموجود لَيْسَ بِشَيْء من الْأَشْيَاء حَتَّى يصدق سلبه عَن نَفسه.
ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء فرع لثُبُوت الْمُثبت لَهُ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور لَكِن الصَّوَاب أَن ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء فرع لثُبُوت الْمُثبت لَهُ أَو مُسْتَلْزم لَهُ فِي ظرف الثُّبُوت وستطلع على تَحْقِيق هَذَا المرام مَعَ تدقيقات فويقة فِي الْمُوجبَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَمعنى قَوْلهم ثُبُوت الْمَحْــمُول للموضوع فرع ثُبُوته فِي نَفسه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن ثُبُوته فِي نَفسه أصل يُوجب ذَلِك الْفَرْع كَمَا يُوجب الدَّلِيل الَّذِي هُوَ أصل للْحكم والنتيجة اللَّذين هما فرعاه وَإِلَّا لَكَانَ ضَرُورِيًّا بل مَعْنَاهُ أَن ثُبُوت الْمَحْــمُول لَا يَصح إِلَّا إِذا كَانَ الْمَوْضُوع ثَابتا فالمحــمول فرع على ثُبُوته فِي نَفسه أَي مَوْضُوع عَلَيْهِ. وَكَذَا قَول جلال الْعلمَاء رَحمَه الله تَعَالَى أَنه مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمَوْضُوع فِي نَفسه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن ثُبُوت الْمَحْــمُول عَلَيْهِ مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمَوْضُوع بل مَعْنَاهُ إِن صدق ثُبُوت الْمَحْــمُول لَهُ يسْتَلْزم صدق ثُبُوته فِي نَفسه فَلَا تخَالف فِي المُرَاد والمآل.
وَهَا هُنَا مطَالب لم يرخصني تردد الخاطر بذكرها وَلَكِن اذكر هَا هُنَا مغالطة غَرِيبَة لتشحيذ ذهنك فاستمع وَهِي أَنا لَا نسلم أَن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فرع لثُبُوت الْمُثبت لَهُ أَو مُسْتَلْزم لَهُ بِوُجُوه: الْوَجْه الأول: أَنه لَو كَانَ ثُبُوت الشي للشَّيْء فرعا أَو مستلزما لثُبُوت الْمُثبت لَهُ لزم التسلسل وَاللَّازِم بَاطِل فَكَذَا الْمَلْزُوم. بَيَان الْمُلَازمَة أَنه إِذا وَجب الثُّبُوت للمثبت لَهُ وَجب أَن يكون هُنَاكَ ثُبُوت آخر للمثبت لَهُ يثبت الثُّبُوت بِهِ وننقل الْكَلَام إِلَى هَذَا الثُّبُوت الثَّانِي فَيلْزم هُنَاكَ ثُبُوت ثَالِث وهلم جرا فَيلْزم التسلسل. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه لَو صحت هَذِه الْمُقدمَة لزم تقدم الْمَعْلُول الَّذِي هُوَ الْعقل الأول عِنْدهم على الْوَاجِب تَعَالَى وَالثَّانِي بَاطِل فالمقدم مثله. بَيَان الْمُلَازمَة أَنه لاشك فِي أَن الله تَعَالَى متصف بالوجود الْمُطلق اتصافا ذهنيا فعلى تَقْدِير أَن يكون ثُبُوت الشَّيْء لغيره فرعا أَو مستلزما لثُبُوت ذَلِك فِي ظرف الثُّبُوت يلْزم أَن يكون الْوَاجِب تَعَالَى مَوْجُودا فِي ذهن ذاهن قبل اتصافه بالوجود الْمُطلق والذاهن بعد الْوَاجِب بِلَا وَاسِطَة هُوَ الْعقل الأول. وَالْوَجْه الثَّالِث: أَنه لَو صحت الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة لزم بطلَان مَا هُوَ الْمُقَرّر بَين الْحُكَمَاء من تحقق عِلّة بسيطة من جَمِيع الْجِهَات لِأَن كل مَعْلُول حِينَئِذٍ يتَوَقَّف على كَونه مَوْجُودا فِي الذِّهْن قبل تَأْثِير الْعلَّة فِيهِ بل نقُول على تَقْدِير صِحَة الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة يتَوَقَّف كل مَعْلُول على كَونه مَوْجُودا بوجودات غير متناهية حَتَّى تُؤثر الْعلَّة فِيهِ كَمَا لَا يخفى عِنْد من أجْرى الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة على الْوُجُود الْحَاصِل لَهُ فِي الذِّهْن قبل الْوُجُود الْحَاصِل لَهُ من تَأْثِير علته فَافْهَم.
وحلها أَن الْوُجُود والثبوت من الْأُمُور الَّتِي ينتزع عَن الْأَشْيَاء الَّتِي يحكم عَلَيْهَا بِكَوْنِهَا مَوْجُودَة أَو ثَابِتَة على معنى أَن مَا فِي نفس الْأَمر إِذا لاحظه الْعقل بالشَّيْء الْمَوْجُود ينتزع عَنهُ الْوُجُود والأمور المنتزعة بِهَذَا الْمَعْنى جَازَ أَن تقع أوصافا لموصوفاتها فِي نفس الْأَمر. وَبِهَذَا الْحل ينْحل أَكثر المغالطات والأوهام عَن الْقَوَاعِد الَّتِي تمسك بهَا الْحُكَمَاء على مطالبهم.

ثبي

ثبي: {ثُباتٍ}: جماعات في تفرقة، الواحدة ثبة. 
ثبي
ثُبات [جمع]: مف ثُبَة: جماعات، وبخاصّة من الفرسان " {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} ". 
[ث ب ي] الثُّبّةُ العُصْبَةُ من الفُرْسانِ والجمعُ ثُباتٌ وثُبُونَ وثِبُون على حَدِّ ما يَطَّرِدُ في هذا النَّحْوِ وتَصْغِيرُها ثُبَيَّةٌ والثُّبّةُ والأُثْبِيَّةُ الجَماعَةُ من النّاسِ والجَمْعُ أَثابِيُّ وأَثابِيَةٌ الهاءُ فِيها بدَلٌ من الياءِ الأَخِيرةِ وثَبَّيْتُ الشَّيءَ جَمَعْتُه ثُبَةً ثُبَةً قالَ

(هَلْ يَصْلُحُ السَّيْفُ بغَيْرِ غِمْدِ ... )

(فثَبِّ ما سَلَّفْتَهُ من شُكْدِ ... )

أَي فَأَضِفْ إِليهِ غَيْرَهُ واجْمَعْهُ وقولُه

(كم لي من ذِي تُدْرَإٍ مِذَبِّ ... )

(أَشْوَسَ أَبّاءٍ عَلَى المُثَبِّي ... )

إِنّما أَرادَ الَّذِي يَعْذُلُه ويُكْثِرُ لَوْمَه ويَجْمَعُ له العَذْلَ من هُنا ومن هُنا وثَبَّيْتُ الرًّجُلَ مَدَحْتُه وأَثْنَيْتُ عليه في حَياتِه وهُوَ من ذلك لأَنَّه جَمْعٌ لمحَــاسِنِه وحَشْدٌ لمَناقِبهِ والتَّثْبِيَةُ الدَّوامُ عَلَى الشَّيْءِ والتَّثْبِيَةُ أَنْ تفعلَ مِثْلَ فِعلِ أَبِيكَ أَنْشَدَ ابن الأَعرابيِّ

(أُثَبِّي في البِلادِ بذِكْرِ قَيْس ... ووَدُّوا لو تَسُوخُ بي البِلادُ)

ولا أَدْرِي ما وَجْهُ هذا وعِنْدِي أَنَّ أُثَبِّي هاهُنا أُثْنِي وتَثَبَّيتُ المالَ حَفِظْتُه عن كُراع وقَوْلُ الفِنْدِ الزِّمانِيِّ أَنْشَدَه ابنُ الأَعْرابِيِّ

(تَرَكْتُ الخَيْلَ من آثارِ ... رُمْحِي في الثُّبَى العالِي)

(تَفادَى كتَفادِي الوَحْشِ ... من أَغْضَفَ رِثْبالِ) قال الثُّبَى العالِي من مَجالِسِ الأَشْرافِ وهذا غَرِيبٌ نادِرٌ لم أَسْمَعْهُ إِلاّ في شِعْر الفِنْدِ والأُثْبِيَةُ الجَماعَةُ كالثُّبَةِ وإِنّما قَضَيْنا على ما لم تَظْهَرْ فيه الياءُ من هذا البابِ بالياءِ لأنَّها لامٌ وجَعَلَ ابنُ جِنِّي هذا البابَ كُلَّه من الواوِ واحْتَجّ بأَنَّ أكثرَ ما ذَهَبَتْ لامُه إِنّما هُو من الواوِ نحو أَبٍ وغَدٍ وأَخٍ وهَنٍ وسيَأْتِي في الواو

ثبي


ثَبَى(n. ac. ثَبْي)
a. Collected, gathered together.

ثَبَّيَa. see Ib. Added to, increased.
c. Kept, guarded.
d. ['Ala], Kept to, persevered in, with.
e. Improved.

ثُبَة
a. Troop, band.

رَوَدَ

(رَوَدَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي صفَة الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ «يَدْخُلون رُوَّاداً ويَخْرُجُون أدِلَّة» أَيْ يَدْخُلُون عَلَيْهِ طاَلِبين العِلْم ومُلْتمِسين الحُكْم مِنْ عِنْدِهِ، ويَخْرُجُون أدِلَّة هدَاة للنَّاسِ. والرُّوَّادُ: جَمْعُ رَائِدٍ، مثلُ زَائِر وزُوَّار. وأصلُ الرَّائِدِ الَّذِي يتقَدَّم الْقَوْمَ يُبْصر لَهُمُ الكَلأ ومَساقِطَ الغيْث. وَقَدْ رَادَ يَرُودُ رِيَاداً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ فِي صفَة الغيْث «وسَمِعت الرُّوَّاد تدعُو إِلَى رِيَادَتِهَا» أَيْ تَطلبُ النَّاسَ إِليها.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الحُمَّى رَائِدُ المَوْت» أَيْ رسُوله الَّذِي يتقدَّمه كَمَا يَتَقَدَّمُ الرَّائِدُ قومَه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ المَوْلد «أُعيذُك بالواحدِ، مِنْ شَرِّ كُل حاسِدِ، وكُل خَلْقٍ رَائِد» أَيْ مُتَقدم بِمَكْرُوهٍ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ «إِنَّا قَوْمٌ رَادَةٌ» هُوَ جَمْعُ رَائِدٍ، كحائِك وحَاكَة: أَيْ نَرُود الخَير والدِّين لأهْلنا. (هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا بالَ أحدُكم فَلْيَرْتَدْ لِبوْله» أَيْ يَطْلُب مَكَانًا لَيّناً لِئَلَّا يرجعَ عَلَيْهِ رَشاَش بَوْله. يُقَالُ رَادَ وارْتَادَ واسْتَرَادَ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ مَعْقل بْنِ يَسار وأخْتِه «فَاسْتَرَادَ لأمْر اللَّهِ» أَيْ رْجَعَ ولانَ وانْقادَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «حَيْثُ يُرَاوِدُ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ عَلَى الإسْلاَم» أَيْ يراجعُه ويرادِدُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ «قَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: قدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى أدْنَى مِنْ ذَلِكَ فتركُوه» .
وَفِي حَدِيثِ أنْجَشَه «رُوَيْدَك رِفْقاً بالقَوارِير» أَيْ أمْهِل وتأَنَّ، وَهُوَ تَصغِير رُودٍ. يُقَالُ أَرُودُ بِهِ إِرْوَاداً: أَيْ رَفَقَ. وَيُقَالُ رُوَيْدَ زَيْدٍ، ورُوَيْدَكَ زَيْدًا، وَهِيَ فِيهِ مصْدرٌ مُضَافٌ. وَقَدْ تَكُونُ صِفَةً نَحْوَ: سارُوا سَيْرًا رُوَيْداً، وَحَالًا نَحْوَ: سارُوا رُوَيْداً، وَهِيَ مِنْ أسْمَاءِ الأفْعال المُتعدِّية.
(س) وَفِي حَدِيثِ قُس:
ومَرَاداً لمَحــشر الخلْق طُرّاً أَيْ موضِعاً يُحْشر فِيهِ الخَلْق، وَهُوَ مَفْعَل مِنْ رَادَ يَرُودُ، وَإِنْ ضُمَّت الْمِيمُ فَهُوَ اليومُ الَّذِي يُرَادُ أَنْ تُحْشر فِيهِ الْخَلْقُ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.