(الــكدرة) من الْحَوْض طينه أَو مَا علاهُ من طحلب وَنَحْوه وَمَا تثيره سنابك الْخَيل (ج) الكدر
(الــكدرة) من الْحَوْض طينه أَو مَا علاهُ من طحلب وَنَحْوه وَمَا تثيره سنابك الْخَيل (ج) الكدر
كدر: الكَدَرُ: نقيض الصفاء، وفي الصحاح: خلاف الصَّفْوِ؛ كَدَرَ
وكَدُرَ، بالضم، كَدارَةً وكَدِرَ، بالكسر، كَدَراً وكُدُوراً وكُدْرَةً
وكُدُورَةً وكَدارَةً واكْدَرَّ؛ قال ابن مَطِيرٍ الأَسَدِيُّ:
وكائنْ تَرى من حال دُنْيا تَغَيَّرتْ،
وحالٍ صَفا، بعد اكدِرارٍ، غَديرُها
وهو أَكْدَرُ وكَدِرٌ وكَدِيرٌ؛ يقال: عَيْشٌ أَكْدَرُ كِدرٌ، وماءٌ
أَكدَرُ كَدِرٌ؛ الجوهري: كَدِرَ الماءُ بالكسر، يَكْدَرُ كَدَراً، فهو
كَدِرٌ وكَدْرٌ، مثل فَخِذٍ وفَخْذٍ؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
لو كنتَ ماءً كنتَ غيرَ كَدرِ
وكذلك تَكَدَّر وكَدَّره غيرُه تَكْديراً: جعله كَدِراً، والاسم
الــكُدْرة والكُدُورَة. والــكُدْرَةُ من الأَلوان: ما نَحا نَحوَ السواد
والغُبْرَةِ، قال بعضهم: الــكُدْرة في اللون خاصةً، والكُدُورة في الماء والعيش،
والكَدَرُ في كلٍّ. وكَدِرَ لونُ الرجل، بالكسر؛ عن اللحياني. ويقال:
كَدُرَ عيش فلان وتَكَدَّرَتْ معيشته، ويقال: كَدِرَ الماء وكَدُرَ ولا يقال
كَدَرَ إِلا في الصبِّ. يقال: كَدَرَ الشيءَ يَكْدُرُه كَدْراً إِذا صبه؛
قال العجاج يصف جيشاً:
فإِن أَصابَ كَدَراً مَدَّ الكَدَرْ،
سَنابِكُ الخَيْلِ يُصَدِّعْنَ الأَيَرّ
والكَدَرُ: جمع الــكَدَرَة، وهي المَدَرَةُ التي يُثيرها السَّنُّ، وهي
ههنا ثُثيرُ سَنابِكُ الخيل.
ونُطفة كَدْراء: حديثة العهد بالسماء، فإِن أُخِذَ لبن حليب فأُنْقِعَ
فيه تمر بَرْنِيٌّ، فهو كُدَيْراء. وكَدَرَةُ الحوض، بفتح الدال: طينه
وكدَرُه؛ عن ابن الأَعرابي؛ وقال مرة: كَدَرَتُه ما علاه من طُحْلُبٍ
وعَرْمَضٍ ونحوهما؛ وقال أَبو حنيفة: إِذا كان السحاب رقيقاً لا يواري السماء
فهو الــكَدَرة، بفتح الدال. ابن الأَعرابي: يقال خُذْ ما صفا ودَعْ ما
كَدَرَ وكدُرَ وكَدِرَ، ثلاث لغات. ابن السكيت: القَطا ضربان: فضرب
جُونِيَّة، وضرب منها الغَطاطُ والكُدْرِيُّ، والجُونيُّ ما كان أَكْدَرَ الظهر
أَسود باطن الجناح مُصْفَرَّ الخلق قصير الرجلين، في ذنبه ريشتان أَطول من
سائر الذنب. ابن سيده: الكُدْرِيُّ والكُدارِيّ؛ الأَخيرة عن ابن
الأَعرابي: ضرب من القَطا قِصارُ الأَذناب فصيحة تُنادي باسمها وهي أَلطف من
الجُونيّ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
تَلْقى به بَيْضَ القَطا الكُدارِي
تَوائماً، كالحَدَقِ الصِّغارِ
واحدته كُدْرِيَّةٌ وكُدارِيَّة، وقيل: إِنما أَراد الكُدْرِيّ فحرّك
وزاد أَلفاً للضرورة، ورواه غيره الكَدَارِيّ، وفسره بأَنه جمع كُدْرِيّة.
قال بعضهم: الكُدْرِيّ منسوبٌ إِلى طير كُدْرٍ، كالدُّبْسِيّ منسوب إِلى
طير دُبْسٍ. الجوهري: القَطا ثلاثة أَضرب: كُدْرِيٌّ وجُونيّ وغَطاطٌ،
فالكُدْرِيّ ما وصفناه وهو أَلطف من الجُونيِّ، كأَنه نسب إِلى معظم القطا
وهي كُدْرٌ، والضربان الآخران مذكوران في موضعيهما.
والكَدَرُ: مصدر الأَكْدَرِ، وهو الذي في لونه كُدْرَة؛ قال رؤبة:
أَكْدَرُ لَفَّافٌ عِنادَ الرُّوع
والــكَدَرَةُ: القُلاعَة الضَّخْمَة المُثارة من مَدَر الأَرض.
والكَدَرُ: القَبضات المحصودة المتفرّقة من الزرع ونحوه، واحدته كَدَرَة؛ قال ابن
سيده: حكاه أَبو حنيفة.
وانْكَدَرَ يَعْدُو: أَسرع بعض الإِسراع، وفي الصحاح: أَسرع وانْقَضّ.
وانكَدَر عليهم القومُ إِذا جاؤوا أَرسالاً حتى يَنْصَبُّوا عليهم.
وانْكَدَرَتِ النجومُ: تَناثَرَتْ. وفي التنزيل: وإِذا النجومُ
انْكَدَرَتْ.والكُدَيْراءُ: حليب يُنْقَع فيه تمر بَرْنيٌّ، وقيل: هو لبن يُمْرَسُ
بالتمر ثم تسقاه النساء ليَسْمَنَّ، وقال كراع: هو صنف من الطعام، ولم
يُحَلِّهِ.
وحمار كُدُرٌّ وكُنْدُر وكُنادِرٌ: غليظ؛ وأَنشد:
نَجاءُ كُدُرٍّ من حَمِيرِ أَتِيدَةٍ،
بفائله والصَّفْحَتَيْن نُدُوبُ
ويقال: أَتان كُدُرَّة. ويقال للرجل الشاب الحادر القوي المكتنز:
كُدُرٌّ، بتشديد الراء؛ وأَنشد:
خُوص يَدَعْنَ العَزَبَ الكُدُرَّا،
لا يَبْرَحُ المنزلَ إِلا حُرّا
وروى أَبو تراب عن شُجاع: غلام قُدُرٌ وكُدُرٌ، وهو التام دون المنخزل؛
وأَنشد:
خوص يدعن العزب الكدرا
ورجل كُنْدُر وكُنادِرٌ: قصير غليظ شديد. قال ابن سيده: وذهب سيبويه
إِلى أَن كُنْدُراً رباعي، وسنذكره في الرباعي أَيضاً.
وبناتُ الأَكْدَرِ: حَميرُ وَحْشٍ منسوبة إِلى فحل منها.
وأُكَيْدِرُ: صاحبُ دُومَةِ الجَنْدَلِ. والكَدْراء، ممدود: موضع.
وأَكْدَرُ: اسم. وكَوْدَرُ: ملك من ملوك حِمْيَر؛ عن الأَصمعي؛ قال النابغة
الجعدي:
ويومَ دَعا وِلْدانَكم عِنْدَ كَوْدَرٍ،
فَخَالُوا لدى الدَّاعي ثَرِيداً مُفلْفَلا
وتَكادَرت العين في الشيء إِذا أَدامت النظر إِليه. الجوهري:
والأَكْدَرِيّة مسأَلة في الفرائض، وهي زوج وأُم وجَدّ وأُخت لأَب وأُم.
رأي: الرُّؤيَة بالعَيْن تَتَعدَّى إلى مفعول واحد، وبمعنى العِلْم
تتعدَّى إلى مفعولين؛ يقال: رأَى زيداً عالماً ورَأَى رَأْياً ورُؤْيَةً
ورَاءَةً مثل راعَة. وقال ابن سيده: الرُّؤيَةُ النَّظَرُ بالعَيْن والقَلْب.
وحكى ابن الأَعرابي: على رِيَّتِكَ أَي رُؤيَتِكَ، وفيه ضَعَةٌ،
وحَقيقَتُها أَنه أَراد رُؤيَتك فَأبْدَلَ الهمزةَ واواً إبدالاً صحيحاً فقال
رُويَتِك، ثم أَدغَمَ لأَنَّ هذه الواوَ قد صارت حرفَ علَّة لمَا سُلِّط
عليها من البَدَل فقال رُيَّتِك، ثم كَسَرَ الراءَ لمجاورة الياء فقال
رِيَّتِكَ. وقد رَأَيْتُه رَأْيَةً ورُؤْيَة، وليست الهاءُ في رَأْية هنا
للمَرَّة الواحدة إنما هو مصدَرٌ كَرُؤيةٍ، إلاَّ أَنْ تُرِيدَ المَرَّةَ
الواحدة فيكون رَأَيْته رَأْية كقولك ضَرَبْتُه ضربة، فأَمَّا إذا لم تُردْ
هذا فرأْية كرؤْية ليست الهاءُ فيها للوَحْدَة. ورَأَيْته رِئْيَاناً:
كرُؤْية؛ هذه عن اللحياني، وَرَيْته على الحَذْف؛ أَنشد ثعلب:
وَجنْاء مُقْوَرَّة الأَقْرابِ يَحْسِبُها
مَنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ رَاهَا رأْيَةً جَمَلا
حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْها خَلْقُ أَرْبَعةٍ
في لازِقٍ لاحِقِ الأَقْرابِ، فانْشَمَلا
خَلْقُ أَربعةٍ: يعني ضُمورَ أَخْلافها، وانْشَمَلَ: ارْتَفَعَ
كانْشمرَ، يقول: من لم يَرَها قبلُ ظَنَّها جَمَلاً لِعظَمها حتي يَدلَّ ضُمورُ
أَخْلافِها فيَعْلَم حينئذ أَنها ناقة لأَن الجمل ليس له خِلْفٌ؛ وأَنشد
ابن جني:
حتى يقول من رآهُ إذْ رَاهْ:
يا وَيْحَه مِنْ جَمَلٍ ما أَشْقاهْ
أَراد كلَّ من رآهُ إذْ رآهُ، فسَكَّنَ الهاءَ وأَلقَى حركةَ الهمزة؛
وقوله:
مَنْ رَا مِثْلَ مَعْمدانَ بنِ يَحْيَى،
إذا ما النِّسْعُ طال على المَطِيَّهْ؟
ومَنْ رَامثلَ مَعْدانَ بن يَحْيَى،
إذا هَبَّتْ شآمِيَةٌ عَرِيَّهْ؟
أَصل هذا: من رأَى فخفَّف الهمزة على حدّ: لا هَناك المَرْتَعُ، فاجتمعت
أَلفان فحذف إحداهما لالتقاء الساكنين؛ وقال ابن سيده: أَصله رأَى
فأَبدل الهمزة ياء كما يقال في سأَلْت سَيَلْت، وفي قرأْت قَرَيْت، وفي
أَخْطأْت أَخْطَيْت، فلما أُبْدِلت الهمزة التي هي عين ياء أَبدلوا الياء
أَلفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الأَلف المنقلبة عن الياء التي هي
لام الفعل لسكونها وسكون الأَلف التي هي عين الفعل؛ قال: وسأَلت أَبا علي
فقلت له من قال:
مَنْ رَا مِثْلَ مَعْدانَ بنِ يَحْيَى
فكيف ينبغي أَن يقول فعلت منه فقال رَيَيْت ويجعله من باب حييت وعييت؟
قال: لأَن الهمزة في هذا الموضع إذا أُبدلت عن الياء تُقلب، وذهب أَبو علي
في بعض مسائله أَنه أَراد رأَى فحذَفَ الهمزةَ كما حذفها من أَرَيْت
ونحوه، وكيف كان الأَمر فقد حذفت الهمزة وقلبت الياء أَلفاً، وهذان إعلالان
تواليا في العين واللام؛ ومثله ما حكاه سيبويه من قول بعضهم: جَا يَجِي،
فهذا إبدال العين التي هي ياء أَلفاً وحذف الهمزة تخفيفاً، فأَعلّ اللام
والعين جميعاً. وأَنا أَرَأُهُ والأَصلُ أَرْآهُ، حذَفوا الهمزةَ
وأَلْقَوْا حَرَكَتها على ما قبلَها. قال سيبويه: كلُّ شيءٍ كانت أَوَّلَه
زائدةٌ سوى أَلف الوصل من رأَيْت فقد اجتمعت العرب على تخفيف همزه، وذلك لكثرة
استعمالهم إياه، جعلوا الهمزةَ تُعاقِب، يعني أَن كل شيءٍ كان أَوّلُه
زائدةً من الزوائد الأَربع نحو أَرَى ويَرَى ونرَى وتَرَى فإن العرب لا
تقول ذلك بالهمز أَي أَنَّها لا تقول أَرْأَى ولا يَرْأَى ولا نَرْأَى ولا
تَرْأَى، وذلك لأَنهم جعلوا همزة المتكلم في أَرَى تُعاقِبُ الهمزةَ التي
هي عين الفعل، وهي همزةُ أَرْأَى حيث كانتا همزتين، وإن كانت الأُولى
زائدةً والثانية أَصليةً، وكأَنهم إنما فرُّوا من التقاء همزتين، وإن كان
بينهما حرف ساكن، وهي الراء، ثم أَتْبعوها سائرَ حروفِ المضارعة فقالوا
يَرَى ونَرَى وتَرَى كما قالوا أَرَى؛ قال سيبويه: وحكى أَبو الخطاب قدْ
أَرْآهم، يَجيءُ به على الأَصل وذلك قليل؛ قال:
أَحِنُّ إذا رَأيْتُ جِبالَ نَجْدٍ،
ولا أَرْأَى إلى نَجْدٍ سَبِيلا
وقال بعضهم: ولا أَرَى على احتمال الزَّحافِ؛ قال سُراقة البارقي:
أُرِي عَيْنَيَّ ما لم تَرْأَياهُ،
كِلانا عالِمٌ بالتُّرَّهاتِ
وقد رواه الأَخفش: ما لم تَرَياهُ، على التخفيف الشائع عن العرب في هذا
الحرف. التهذيب: وتقول الرجلُ يَرَى ذاكَ، على التخفيف، قال: وعامة كلام
العرب في يَرَى ونَرَى وأرَى على التخفيف، قال: ويعضهم يحقِّقُه فيقول،
وهو قليل، زيدٌ يَرْأَى رَأْياً حَسَناً كقولك يرعى رَعْياً حَسَناً،
وأَنشد بيت سراقة البارقي. وارْتَأَيْتُ واسْتَرْأَيْت: كرَأَيْت أَعني من
رُؤية العَين. قال اللحياني: قال الكسائي اجتمعت العرب على همز ما كان من
رَأَيْت واسْتَرْأَيْت وارْتَأََيْت في رُؤْية العين، وبعضهم يَترُك الهمز
وهو قليل، قال: وكل ما جاء في كتاب الله مَهمُوزٌ؛ وأَنشد فيمن خفف:
صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ بِراعٍ
رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَى في الحِلابِ؟
قال الجوهري: وربما جاء ماضيه بلا هَمزٍ، وأَنشد هذا البيت أَيضاً:
صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ
ويروى: في العلاب؛ ومثله للأَحوص:
أَوْ عَرَّفُوا بصَنِيعٍ عندَ مَكْرُمَةٍ
مَضَى، ولم يَثْنِه ما رَا وما سَمِعا
وكذلك قالوا في أَرَأَيْتَ وأَرَأَيْتَكَ أَرَيْتَ وأَرَيْتَك، بلا همز؛
قال أَبو الأَسود:
أَرَيْتَ امرَأً كُنْتُ لم أَبْلُهُ
أَتاني فقال: اتَّخِذْني خَلِيلا
فترَك الهمزةَ، وقال رَكَّاضُ بنُ أَبَّاقٍ الدُّبَيْري:
فقُولا صادِقَيْنِ لزَوْجِ حُبَّى
جُعلْتُ لها، وإنْ بَخِلَتْ، فِداءَ
أَرَيْتَكَ إنْ مَنَعْتَ كلامَ حُبَّى،
أَتَمْنَعُني على لَيْلى البُكاءَ؟
والذي في شعره كلام حبَّى، والذي رُوِيَ كلام لَيْلى؛ ومثله قول الآخر:
أَرَيْتَ، إذا جالَتْ بكَ الخيلُ جَوْلةً،
وأَنتَ على بِرْذَوْنَةٍ غيرُ طائِلِ
قال: وأَنشد ابن جني لبعض الرجاز:
أَرَيْتَ، إنْ جِئْتِ به أُمْلُودا
مُرَجَّلا ويَلْبَسُ البُرُودا،
أَقائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودا
قال ابن بري: وفي هذا البيت الأَخير شذوذ، وهو لحاق نون التأكيد لاسم
الفاعل. قال ابن سيده: والكلامُ العالي في ذلك الهمزُ، فإذا جئتَ إلى
الأَفعال المستقبلة التي في أَوائلها الياء والتاء والنون والأَلف إجتمعت
العرب، الذين يهمزون والذين لا يهمزون، على ترك الهمز كقولك يَرَى وتَرَى
ونَرَى وأَرَى، قال: وبها نزل القرآن نحو قوله عز وجل: فتَرَى الذين في
قُلُوبِهِم مَرَض، وقوله عز وجل: فتَرَى القَوْمَ فيها صَرْعَى، وإنِّي أَرَى
في المَنامِ، ويَرَى الذين أُوتوا العلم؛ إلا تَيمَ الرِّباب فإنهم
يهمزون مع حروف المضارعة فتقول هو يَرْأَى وتَرْأَى ونَرْأَى وأَرْأَى، وهو
الأَصل، فإذا قالوا متى نَراك قالوا متى نَرْآكَ مثل نَرْعاك، وبعضٌ
يقلب الهمزة فيقول متى نَراؤكَ مثل نَراعُك؛ وأَنشد:
أَلا تلك جاراتُنا بالغَضى
تقولُ: أَتَرْأَيْنَه لنْ يضِيقا
وأَنشد فيمن قلب:
ماذا نَراؤُكَ تُغْني في أَخي رَصَدٍ
من أُسْدِ خَفَّانَ، جأْبِ الوَجْه ذي لِبَدِ
ويقال: رأَى في الفقه رأْياً، وقد تركت العرب الهمز في مستقبله لكثرته
في كلامهم، وربما احتاجت إليه فهَمَزَته؛ قال ابن سيده: وأَنشد شاعِرُ
تَيْمِ الرِّباب؛ قال ابن بري: هو للأَعْلم بن جَرادَة السَّعْدي:
أَلَمْ تَرْأَ ما لاقَيْت والدَّهْرُ أَعْصُرٌ،
ومن يَتَمَلَّ الدَّهْرَ يَرْأَ ويَسْمََعِ
قال ابن بري: ويروى ويَسْمَعُ، بالرفع على الاستئناف، لأَن القصيدة
مرفوعة؛ وبعده:
بأَنَّ عَزِيزاً ظَلَّ يَرْمي بحوزه
إليَّ، وراءَ الحاجِزَينِ، ويُفْرِعُ
يقال: أَفْرَعَ إذا أَخذَ في بطن الوادي؛ قال وشاهد ترك الهمزة ما
أَنشده أَبو زيد:
لمَّا اسْتَمَرَّ بها شَيْحانُ مُبْتَجِحٌ
بالبَيْنِ عَنْك بما يَرْآكَ شَنآنا
قال: وهو كثير في القرآن والشعر، فإذا جِئتَ إلى الأَمر فإن أَهل الحجاز
يَتْركون الهمز فيقولون: رَ ذلك، وللإثنين: رَيا ذلك، وللجماعة: رَوْا
ذلك، وللمرأَة رَيْ ذلك، وللإثنين كالرجلين، وللجمع: رَيْنَ ذاكُنَّ، وبنو
تميم يهمزون جميع ذلك فيقولون: ارْأَ ذلك وارْأَيا ولجماعة النساء
ارْأَيْنَ، قال: فإذا قالوا أَرَيْتَ فلاناً ما كان من أَمْرِه أَرَيْتَكُم
فلاناً أَفَرَيْتَكُم فلاناً فإنّ أَهل الحجاز بهمزونها، وإن لم يكن من
كلامهم الهمز، فإذا عَدَوْت أَهلَ الحجاز فإن عامَّة العَرب على ترك الهمز،
نحو أَرأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ أَرَيْتَكُمْ، وبه قرأَ الكسائي تَرَك
الهمز فيه في جميع القرآن، وقالوا: ولو تَرَ ما أَهلُ مكة، قال أَبو علي:
أَرادوا ولو تَرى ما فَحَذَفُوا لكثرة الاسْتِعْمال. اللحياني: يقال إنه
لخَبِيثٌ ولو تَر ما فلانٌ ولو تَرى ما فلان، رفعاً وجزماً، وكذلك ولا تَرَ
ما فلانٌ ولا تَرى ما فُلانٌ
فيهما جميعاً وجهان: الجزم والرفع، فإذا قالوا إنه لَخَبِيثٌ ولم تَرَ
ما فُلانٌ قالوه بالجزم، وفلان في كله رفع وتأْويلُها ولا سيَّما فلانٌ؛
حكى ذلك عن الكسائي كله. وإذا أَمَرْتَ منه على الأَصل قلت: ارْءَ، وعلى
الحذف: را. قال ابن بري: وصوابه على الحذف رَهْ، لأَن الأَمر منه رَ
زيداً، والهمزة ساقطة منه في الاستعمال. الفراء في قوله تعالى: قُلْ
أَرَأَيْتَكُم، قال: العرب لها في أَرأَيْتَ لغتان ومعنيان: أَحدهما أَنْ يسأَلَ
الرجلُ الرجلَ: أَرأَيتَ زيداً بعَيْنِك؟ فهذه مهموزة، فإذا أَوْقَعْتَها
على الرجلِ منه قلت أَرَأَيْتَكَ على غيرِ هذه الحال، يريد هل رأَيتَ
نَفْسَك على غير هذه الحالة، ثم تُثَنِّي وتَجْمع فتقولُ للرجلين
أَرَأَيْتُماكُما، وللقوم أَرَأَيْتُمُوكُمْ، وللنسوة أَرأَيْتُنَّ كُنَّ، وللمرأَة
أَرأََيْتِكِ، بخفض التاءِ لا يجوز إلا ذلك، والمعنى الآخر أَنْ تقول
أَرأَيْتَكَ وأَنت تقول أَخْبِرْني، فتَهْمِزُها وتنصِب التاءَ منها
وتَتركُ الهمزَ إن شئت، وهو أَكثر كلام العرب، وتَتْرُكُ التاءَ مُوحَّدةً
مفتوحة للواحد والواحدة والجمع في مؤَنثه ومذكره، فنقول للمرأَة:
أَرَأَيْتَكِ زيداً هل خَرج، وللنسوة: أَرَأَيْتَكُنَّ زيداً ما فَعَل، وإنما تركت
العرب التاءَ واحدةً لأَنهم لم يريدوا أَن يكون الفعل منها واقعاً على
نفسها فاكتفوا بذكرها في الكاف ووجهوا التاء إلى المذكر والتوحيد إذا لم يكن
الفعل واقعاً، قال: ونحو ذلك قال الزجاج في جميع ما قال، ثم قال: واختلف
النحويون في هذه الكاف التي في أَرأَيتَكُمْ فقال الفراء والكسائي:
لفظها لفظُ نصبٍ وتأْويلُها تأْويلُ رَفْعٍ، قال: ومثلها الكاف التي في دونك
زيداً لأَنَّ المعنى خُذْ زيداً قال أَبو إسحق: وهذا القول لم يَقُلْه
النحويون القُدَماء، وهو خطَأٌ لأَن قولك أَرأَيْتَكَ زيداً ما شأْنُه
يُصَيِّرُ أَرَأَيْتَ قد تَعَدَّتْ إلى الكاف وإلى زيدٍ، فتصيرُ
(* قوله
«فتصير إلخ» هكذا بالأصل ولعلها فتنصب إلخ). أَرأَيْتَ اسْمَيْن فيصير المعنى
أَرأَيْتَ نفْسَكَ زيداً ما حالُه، قال:وهذا محال والذي إليه النحويون
الموثوق بعلمهم أَن الكاف لا موضع لها، وإنما المعنى أَرأَيْتَ زيداً ما
حالُه، وإنما الكاف زيادة في بيان الخطاب، وهي المعتمد عليها في الخطاب
فتقول للواحد المذكر: أَرَأَيْتَكَ زيداً ما حاله، بفتح التاء والكاف،
وتقول في المؤنث: أَرَأَيْتَك زيداً ما حالُه يا مَرْأَةُ؛ فتفتح التاء على
أَصل خطاب المذكر وتكسر الكاف لأَنها قد صارت آخرَ ما في الكلمة
والمُنْبِئَةَ عن الخطاب، فإن عدَّيْتَ الفاعل إلى المفعول في هذا الباب صارت
الكافُ مفعولةً، تقول: رأَيْتُني عالماً بفلان، فإذا سألت عن هذا الشرط قلتَ
للرجل: أَرَأَيْتَكَ عالماً بفلان، وللإثنين أَرأَيتُماكما عالَمْنِ
بفلان، وللجمع أَرَأَيْتُمُوكُمْ، لأَن هذا في تأْويل أَرأَيتُم أَنْفُسَكم،
وتقول للمرأَة: أَرأَيتِكِ عالمَة بفُلانٍ، بكسر التاء، وعلى هذا قياس
هذين البابين. وروى المنذري عن أَبي العباس قال: أَرأَيْتَكَ زيداً
قائماً، إذا اسْتَخْبَر عن زيد ترك الهمز ويجوز الهمز، وإذا استخبر عن حال
المخاطب كان الهمز الاختيار وجاز تَرْكُه كقولك: أَرَأَيْتَكَ نَفْسَك أَي ما
حالُك ما أَمْرُك، ويجوز أَرَيْتَكَ نَفْسَك. قال ابن بري: وإذا جاءت
أَرأَيْتَكُما وأَرأَيْتَكُمْ بمعنى أَخْبِرْني كانت التاء موَحَّدة، فإن
كانت بمعنى العِلْم ثَنَّيْت وجَمَعْت، قُلْتَ: أَرأَيْتُماكُما
خارِجَيْنِ وأَرأَيْتُمُوكُمْ خارِجِينَ، وقد تكرر في الحديث أَرأَيْتَكَ
وأَرأيْتَكُمْ وأَرأَيْتَكما، وهي كلمة تقولها العرب عند الاستخبار بمعنى
أَخبِرْني وأَخْبِراني وأَخْبِرُوني، وتاؤُها مفتوحة أَبداً.
ورجل رَءَّاءٌ: كَثيِرُ الرُّؤيَةِ؛ قال غيلان الرَّبَعي:
كأَنَّها وقَدْ رَآها الرَّءَّاءٌ
ويقال: رأَيْتُه بعَيْني رُؤيَةً ورأَيْتُه رَأْيَ العينِ أَي حيث يقع
البصر عليه. ويقال: من رأْيِ القَلْبِ ارْتَأَيْتُ؛ وأَنشد:
ألا أَيُّها المُرْتَئِي في الأُمُور،
سيَجْلُو العَمَى عنكَ تِبْيانُها
وقال أَبو زيد: إذا أَمرْتَ من رأَيْتَ قلت ارْأَ زيداً كأنَّكَ قلت
ارْعَ زيداً، فإذا أَردت التخفيف قلت رَ زيداً، فتسقط أَلف الوصل لتحريك ما
بعدها، قال: ومن تحقيق الهمز قولك رأَيْت الرجل، فإذا أَردت التخفيف قلت
رأَيت الرجل، فحرَّكتَ الأَلف بغير إشباع الهمز ولم تسقط الهمزة لأَن ما
قبلها متحرك. وفي الحديث: أَن أَبا البَخْترِي قال ترَاءَيْنا الهِلالَ
بذاتِ عِرْق، فسأَلنا ابنَ عباسٍ فقال: إنَّ رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، مَدَّهُ إلى رُؤْيَتِه فإنْ أُغْمِيَ عليكم فأَكْمِلوا العِدَّة، قال
شمر: قوله تَراءَيْنا الهلالَ أَي تَكَلَّفْنا النَّظَر إليه هل نَراهُ
أَم لا، قال: وقال ابن شميل انْطَلِقْ بنا حتى نُِهِلَّ الهلالَ أَي
نَنْظُر أَي نراهُ. وقد تَراءَيْنا الهِلالَ أَي نظرْناه. وقال الفراء: العرب
تقول راءَيْتُ ورأَيْتُ، وقرأَ ابن عباس: يُرَاوُون الناس. وقد رأَيْتُ
تَرْئِيَةً: مثل رَعَّيْت تَرْعِيَةً. وقال ابن الأَعرابي: أَرَيْتُه
الشيءَ إراءةً وإرايَةً وإرءَاءَةً. الجوهري: أَرَيْتُه الشيءَ فرآهُ وأَصله
أَرْأَيْتُه.
والرِّئْيُ والرُّواءُ والمَرْآةُ: المَنْظَر، وقيل: الرِّئْيُ
والرُّواءُ، بالضم، حُسْنُ المَنْظر في البَهاء والجَمال. وقوله في الحديث: حتى
يتَبيَّنَ له رئيْهُما، وهو بكسر الراء وسكون الهمزة، أَي مَنْظَرُهُما
وما يُرَى منهما. وفلان مِنِّي بمَرْأىً ومَسْمَعٍ أَي بحيث أَراهُ
وأَسْمَعُ قولَه. والمَرْآةُ عامَّةً: المَنْظَرُ، حَسَناً كان أَو قَبِيحاً.
وما لهُ رُواءٌ ولا شاهِدٌ؛ عن اللحياني لم يَزِدْ على ذلك شيئاً. ويقال:
امرأَةٌ لها رُواءٌ
إذا كانت حَسَنةَ المَرْآةِ والمَرْأَى كقولك المَنْظَرَة والمَنْظر.
الجوهري: المَرْآةُ، بالفتح على مَفْعَلةٍ، المَنْظر الحَسن. يقال: امرأَةٌ
حَسَنةُ المَرْآةِ والمَرْأَى، وفلان حسنٌ في مَرْآةِ العَين أَي في
النَّظَرِ. وفي المَثل: تُخْبِرُ عن مَجْهولِه مَرْآتُه أَي ظاهرُه يدلُّ
على باطِنِه. وفي حديث الرُّؤْيا: فإذا رجلٌ كَرِيهُ المَرْآةِ أَي قَبِيحُ
المَنْظرِ. يقال: رجل حَسَنُ المَرْأَى والمَرْآةِ حسن في مَرْآةِ
العين، وهي مَفْعَلة من الرؤية. والتَّرْئِيَةُ: حُسْنُ البَهاء وحُسْنُ
المنظرِ، اسم لا مصدر؛ قال ابن مقبل:
أَمَّا الرُّواءُ ففِينا حَدُّ تَرْئِيَةٍ،
مِثل الجِبالِ التي بالجِزْعِ منْ إضَمِ
وقوله عز وجل: هم أَحسن أَثاثاً ورِئْياً؛ قرئت رِئْياً؛ بوزن رِعْياً،
وقرئت رِيّاً؛ قال الفراء: الرِّئْيُ المَنْظَر، وقال الأَخفش: الرِّيُّ
ما ظَهَر عليه مما رأَيْت، وقال الفراء: أَهْلُ المدينة يَقْرؤُونها
رِيّاً، بغير همز، قال: وهو وجه جيد من رأَيْت لأَنَّه مع آياتٍ لَسْنَ
مهموزاتِ الأَواخِر. وذكر بعضهم: أَنَّه ذهب بالرِّيِّ إلى رَوِيت إذا لم يهمز
ونحو ذلك. قال الزجاج: من قرأَ رِيّاً، بغير همز، فله تفسيران أَحدهما
أَن مَنْظَرهُم مُرْتَوٍ من النِّعْمة كأَن النَّعِيم بِّيِّنٌ
فيهم ويكون على ترك الهمز من رأَيت، وقال الجوهري: من همزه جعله من
المنظر من رأَيت، وهو ما رأَتْهُ العين من حالٍ حسَنة وكسوة ظاهرة؛ وأَنشد
أَبو عبيدة لمحمد بن نُمَير الثقفي:
أَشاقَتْكَ الظَّعائِنُ يومَ بانُوا
بذي الرِّئْيِ الجمِيلِ منَ الأَثاثِ؟
ومن لم يهمزه إما أَن يكون على تخفيف الهمز أَو يكون من رَوِيَتْ
أَلْوانهم وجلودهم رِيّاً أَي امْتَلأَتْ وحَسُنَتْ. وتقول للمرأَة: أَنتِ
تَرَيْنَ، وللجماعة: أَنْتُنَّ تَرَيْنَ، لأَن الفعل للواحدة والجماعة سواء
في المواجهة في خَبَرِ المرأَةِ من بنَاتِ الياء، إلا أَن النون التي في
الواحدة علامة الرفع والتي في الجمع إنما هي نون الجماعة، قال ابن بري:
وفرق ثان أَن الياءَ في تَرَيْن للجماعة حرف، وهي لام الكلمة، والياء في
فعل الواحدة اسم، وهي ضمير الفاعلة المؤنثة. وتقول: أَنْتِ تَرَيْنَني، وإن
شئت أَدغمت وقلت تَرَيِنِّي، بتشديد النون، كما تقول تَضْرِبِنِّي.
واسْتَرْأَى الشيءَ: اسْتَدْعَى رُؤيَتَه. وأَرَيْتُه إياه إراءَةً وإراءً؛
المصدر عن سيبويه، قال: الهاء للتعويض، وتركها على أَن لا تعوَّض وَهْمٌ
مما يُعَوِّضُونَ بعد الحذف ولا يُعَوِّضون.
وراءَيْت الرجلَ مُراآةً ورِياءً: أَرَيْته أَنِّي على خلاف ما أَنا
عليه. وفي التنزيل: بَطَراً ورِئاءَ الناسِ، وفيه: الذين هُمْ يُراؤونَ؛
يعني المنافقين أَي إذا صَلَّى المؤمنون صَلَّوا معَهم يُراؤُونهُم أَنَّهم
على ما هم عليه. وفلان مُراءٍ وقومٌ
مُراؤُونَ، والإسم الرِّياءُ. يقال: فَعَلَ ذلك رِياءً وسُمْعَةً. وتقول
من الرِّياء يُسْتَرْأَى فلانٌ، كما تقول يُسْتَحْمَقُ ويُسْتَعْقَلُ؛
عن أَبي عمرو. ويقال: راءَى فلان الناسَ يُرائِيهِمْ مُراآةً، وراياهم
مُراياةً، على القَلْب، بمعنىً، وراءَيْته مُراآةً ورياءً قابَلْته
فرَأَيْته، وكذلك تَرَاءَيْته؛ قال أَبو ذؤيب:
أَبَى اللهُ إلا أَن يُقِيدَكَ، بَعْدَما
تَراءَيْتُموني من قَرِيبٍ ومَوْدِقِ
يقول: أَقاد الله منك عَلانيَةً ولم يُقِدْ غِيلَة. وتقول: فلان
يتَراءَى أَي ينظر إلى وجهه في المِرْآةِ أَو في السيف.
والمِرْآة: ما تَراءَيْتَ فيه، وقد أَرَيْته إياها. ورأَيْتُه
تَرْئِيَةً: عَرَضْتُها عليه أَو حبستها له ينظر نفسَه وتَراءَيْت فيها
وترَأَيْتُ. وجاء في الحديث: لا يتَمَرْأَى أَحدُكم في الماء لا يَنْظُر وَجْهَه
فيه، وَزْنُه يتَمَفْعَل من الرُّؤْية كما حكاه سيبويه من قول العرب:
تَمَسْكَنَ من المَسْكَنة، وتَمدْرَع من المَدْرَعة، وكما حكاه أَبو عبيد من
قولهم: تَمَنْدَلْت بالمِندِيل. وفي الحديث: لا يتَمَرْأَى أَحدُكُم في
الدنيا أَي لا يَنْظُر فيها، وقال: وفي رواية لا يتَمَرْأَى أَحدُكم
بالدُّنيا من الشيء المَرْئِيِّ. والمِرآةُ، بكسر الميم: التي ينظر فيها،
وجمعها المَرائي والكثير المَرايا، وقيل: من حوَّل الهمزة قال المَرايا. قال
أَبو زيد: تَراءَيْتُ في المِرآةِ تَرائِياً ورَأيْتُ الرجل تَرْئِيَةً
إذا أَمْسَكْتَ له المِرآةَ لِيَنْظُر فيها. وأَرْأَى الرجلُ إِذا تراءَى
في المِرآة؛ وأَنشد ابن بري لشاعر:
إِذا الفَتى لم يَرْكَبِ الأَهْوالا،
فأَعْطِه المِرآة والمِكْحالا،
واسْعَ له وعُدَّهُ عِيالا
والرُّؤْيا: ما رأَيْته في منامِك، وحكى الفارسي عن أَبي الحسن رُيَّا،
قال: وهذا على الإِدغام بعد التخفيف البدلي، شبهوا واو رُويا التي هي في
الأَصل همزة مخففة بالواو الأَصلية غير المقدَّر فيها الهمز، نحو لوَيْتُ
لَيّاً وشَوَيْتُ شَيّاً، وكذلك حكى أَيضاً رِيَّا، أَتبع الياء الكسرة
كما يفعل ذلك في الياء الوضعية. وقال ابن جني: قال بعضهم في تخفيف رُؤْيا
رِيَّا، بكسر الراء، وذلك أَنه لما كان التخفيف يصيِّرها إِلى رُويَا ثم
شبهت الهمزة المخففة بالواو المخلصة نحو قولهم قَرْنٌ أَلْوى وقُرُونٌ
لُيٌّ وأَصلها لُويٌ، فقلبت الواو إِلى الياء بعدها ولم يكن أَقيسُ
القولين قَلْبَها، كذلك أَيضاً كسرت الراء فقيل رِيَّا كما قيل قُرون لِيٌّ،
فنظير قلب واو رؤيا إِلحاقُ
التنوين ما فيه اللامُ، ونظير كسر الراءِ إِبدالُ الأَلف في الوقف على
المنوّن المنصوب مما فيه اللام نحو العِتابا، وهي الرُّؤَى. ورأَيتُ عنك
رُؤىً حَسَنَةً: حَلَمتها. وأَرْأَى الرجلُ إِذا كثرت رُؤَاهُ، بوزن
رُعاهُ، وهي أَحْلامه، جمعُ الرُّؤْيا. ورأَى في منامه رُؤْيا، على فُعْلى بلا
تنوين، وجمعُ الرُّؤْيا رُؤىً، بالتنوين، مثل رُعىً؛ قال ابن بري: وقد
جاء الرُّؤْيا في اليَقَظَة؛ قال الراعي:
فكَبَّر للرُّؤْيا وهَشَّ فُؤادُه،
وبَشَّرَ نَفْساً كان قَبْلُ يَلُومُها
وعليه فسر قوله تعالى: وما جعلنا الرُّؤْيا التي أَرَيْناكَ إِلا
فِتْنةً للناس؛ قال وعليه قول أَبي الطَّيِّبِ:
ورُؤْياكَ أَحْلى، في العُيون، من الغَمْضِ
التهذيب: الفراء في قوله، عز وجل: إِن كنتم للرُّؤْيا تَعْْبُرُونَ؛
إِذا تَرَكَتِ العربُ الهمز من الرؤيا قالوا الرُّويا طلباً للخفة، فإِذا
كان من شأْنهم تحويلُ الواو إِلى الياء قالوا: لا تقصص رُيَّاك، في الكلام،
وأَما في القرآن فلا يجوز؛ وأَنشد أَبو الجراح:
لَعِرْضٌ من الأَعْراض يُمْسِي حَمامُه،
ويُضْحي على أَفنانهِ الغِينِ يَهْتِفُ
أَحَبُّ إِلى قَلْبي من الدِّيكِ رُيَّةً
(* قوله «رية» تقدم في مادة عرض: رنة، بالراء المفتوحة والنون، ومثله في
ياقوت).
وبابٍ، إِذا ما مالَ للغَلْقِ يَصْرِفُ
أَراد رُؤْيةً، فلما ترك الهمز وجاءت واو ساكنة بعدها ياء تحولتا ياء
مشددة، كما يقال لَوَيْتُه لَيّاً وكَوَيْتُه كَيّاً، والأَصل لَوْياً
وكَوْياً؛ قال: وإِن أَشرتَ فيها إِلى الضمة فقلت رُيَّا فرفعت الراء فجائز،
وتكون هذه الضمة مثل قوله وحُيِلَ وسُيِق بالإِشارة. وزعم الكسائي أَنه
سمع أَعربيّاً يقرأ: إِن كنتم للرُّيَّا تَعْبُرون. وقال الليث: رأَيتُ
رُيَّا حَسَنة، قال: ولا تُجْمَعُ الرُّؤْيا، وقال غيره: تجمع الرُّؤْيا
رُؤىً كما يقال عُلْياً وعُلىً.
والرَّئِيُّ والرِّئِيُّ: الجِنِّيُّ يراه الإِنسانُ. وقال اللحياني: له
رَئيٌّ من الجن ورِئِيٌّ إِذا كان يُحِبه ويُؤَالِفُه، وتميم تقول
رِئِيٌّ، بكسر الهمزة والراء، مثل سِعيد وبِعِير. الليث: الرَّئِيُّ جَنِّيّ
يتعرض للرجل يُريه كهانة وطِبّاً، يقال: مع فلان رَئِيُّ. قال ابن
الأَنباري: به رَئِيٌّ من الجن بوزن رَعِيّ، وهو الذي يعتاد الإِنسان من الجنّ.
ابن الأَعرابي: أَرْأَى الرجلُ إِذا صار له رَئِيٌّ من الجنّ. وفي حديث
عمر، رضي الله عنه: قال لِسَوادِ بنِ قارِبٍ أَنتَ الذي أَتاكَ رَئِيُّكَ
بِظُهور رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: نَعَمْ. يقال للتابع من
الجن: رَئِيٌّ بوزن كَمِيٍّ، وهو فَعِيلٌ أَو فَعُولٌ، سُمِّي به لأَنه
يَتَراءى لمَتْبوعه أَو هو من الرَّأْيِ، من قولهم فلانٌ رَئِيُّ قومِهِ
إِذا كان صاحب رأْيِهِم، قال: وقد تكسر راؤه لاتباعها ما بعدها؛ ومنه حديث
الخُدْري: فإِذا رَئِيٌّ مثل نحْيٍ، يعني حية عظِيمَةً كالزِّقِّ، سمّاها
بالرَّئِيِّ الجِنِّ لأَنهم يزعمون أَن الحيَّاتِ من مَسْخِ الجِنِّ،
ولهذا سموه شيطاناً وحُباباً وجانّاً. ويقال: به رَئِيٌّ من الجنّ أَي
مَسٌّ. وتَراءى له شيء من الجن، وللاثنين تراءيا، وللجمع تَراءَوْا.
وأَرْأَى الرجلُ إِذا تَبَّيَنت الرَّأْوَة في وجْهِه، وهي الحَماقة.
اللحياني: يقال على وجهه رَأْوَةُ الحُمْقِ إِذا عَرَفْت الحُمْق فيه قبل
أَن تَخْبُرَهُ. ويقال: إِن في وجهه لرَأْوَةً أَي نَظْرَة ودَمامَةً؛ قال
ابن بري: صوابه رَأْوَةَ الحُمْقِ. قال أَبو علي: حكى يعقوب على وجهه
رَأْوَةٌ، قال: ولا أَعرف مثلَ هذه الكلمة في تصريف رَأْى. ورَأْوَةُ
الشيء: دلالَتُه. وعلى فُلان رَأْوَةُ الحُمْقِ أَي دَلالَته. والرَّئِيُّ
والرِّئِيُّ: الثوب يُنْشَر للبَيْع؛ عن أَبي عليّ. التهذيب: الرِّئْيُ بوزن
الرِّعْيِ، بهمزة مسَكَّنَةٍ، الثوبُ الفاخر الذي يُنشَر ليُرى حُسْنُه؛
وأَنشد:
بِذِي الرِّئْيِ الجَميلِ من الأَثاثِ
وقالوا: رَأْيَ عَيْني زيدٌ فَعَلَ ذلك، وهو من نادِرِ
المصادِرِ عند سيبويه، ونظيره سَمْعَ أُذُنِي، ولا نظير لهما في
المُتَعَدِّيات. الجوهري: قال أَبو زيد بعينٍ مَا أَرَيَنَّكَ أَي اعْجَلْ
وكُنْ كأَنِّي أَنْظُر إِلَيْكَ. وفي حديث حنَظلة: تُذَكِّرُنا بالجَنَّةِ
والنَّارِ كأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ. تقول: جعلتُ الشَّيْءَ رَأْيَ عَيْنِك
وبمَرْأَىً مِنْكَ أَي حِذاءَكَ ومُقابِلَك بحيث تراه، وهو منصوب على
المصدر أَي كأَنَّا نراهُما رَأْيَ العَيْنِ.
والتَّرْئِيَةُ، بوزن التَّرْعِيةِ: الرجلُ المُخْتال، وكذلك
التَّرائِيَة بوزْنِ التَّراعِيَة.
والتَّرِيَّة والتَّرِّيَّة والتَّرْيَة، الأَخيرة نادرة: ما تراه
المرأَة من صُفْرةٍ أَو بَياضٍ أَو دمٍ قليلٍ عند الحيض، وقد رَأَتْ، وقيل:
التَّرِيَّة الخِرْقَة التي تَعَْرِفُ بها المرأَةُ حَيْضَها من طهرها، وهو
من الرُّؤْيَةِ. ويقال للمَرْأَةِ: ذاتُ التَّرِيَّةِ، وهي الدم القليل،
وقد رَأَتْ تَرِيَّةً أَي دَماً قليلاً. الليث: التَّرِّيَّة مشدَّدة
الراء، والتَّرِيَّة خفيفة الراء، والتَّرْية بجَزْمِ الراء، كُلُّها لغات
وهو ما تراه المرأَةُ من بَقِيَّة مَحِيضِها من صُفْرة أَو بياض؛ قال
أَبو منصور: كأَنّ الأَصل فيه تَرْئِيَةٌ، وهي تَفْعِلَةٌ من رأَيت، ثم
خُفِّفَت الهَمْزة فقيل تَرْيِيَةٌ، ثم أُدْغِمَت الياءُ في الياء فقيل
تَرِيَّة. أَبو عبيد: التَّرِيَّةُ في بقية حيض المرأَة أَقَلُّ من الصفرة
والــكُدْرَة وأَخْفَى، تَراها المرأَةُ عند طُهْرِها لِتَعْلم أَنَّها قَدْ
طَهُرَت من حَيْضِها، قال شمر: ولا تكون التَّرِيّة إِلا بعد الاغتسال،
فأَما ما كان في أَيام الحيض فليس بتَرِيَّة وهو حيض، وذكر الأَزهري هذا
في ترجمة التاء والراء من المعتل. قال الجوهري: التَّرِيَّة الشيءُ
الخَفِيُّ اليَسيِرُ من الصُّفْرة والــكْدْرة تَراها المرأَةُ بعد الاغْتِسال من
الحَيْضِ. وقد رَأَتِ المرأَة تَرِيئَةً إِذا رَأَت الدم القليلَ عند
الحيض، وقيل: التَّرِيَّة الماءُ الأَصْفَر الذي يكون عند انقطاع الحيض.
قال ابن بري: الأَصل في تَرِيَّة تَرْئِيَة، فنقلت حركة الهمزة على الراء
فبقي تَرِئْيَة، ثم قلبت الهمزة ياء لانكسار ما قبلها كما فعلوا مثل ذلك
في المَراة والكَماة، والأَصل المَرْأَة، فنقلت حركة الهمزة إِلى الراء
ثم أُبدلت الهمزة أَلفاً لانفتاح ما قبلها. وفي حديث أُمّ عطية: كُنَّا
لا نَعُدُّ الــكُدْرة والصُّفْرة والتَّرِيَّة شيئاً، وقد جمع ابن الأَثير
تفسيره فقال: التَّرِيَّة، بالتشديد، ما تراه المرأَة بعد الحيض
والاغتسال منه من كُدْرة أَو صُفْرة، وقيل: هي البياض الذي تراه عند الطُّهْر،
وقيل: هي الخِرْقة التي تَعْرِف بها المرأَة حيضَها من طُهْرِها، والتاءُ
فيها زائدة لأَنه من الرُّؤْية، والأَصل فيها الهمز، ولكنهم تركوه
وشدَّدوا الياءَ فصارت اللفظة كأَنها فعيلة، قال: وبعضهم يشدّد الراءَ والياء،
ومعنى الحديث أَن الحائض إِذا طَهُرت واغْتَسَلت ثم عادت رَأَتْ صُفْرة
أَو كُدْرة لم يُعْتَدَّ بها ولم يُؤَثِّر في طُهْرها.
وتَراءَى القومُ: رَأَى بعضُهُم بعضاً. وتَراءَى لي وتَرَأَّى؛ عن ثعلب:
تَصَدَّى لأَرَاهُ. ورَأَى المكانُ المكانَ: قابَلَه حتى كَأَنَّه
يَراهُ؛ قال ساعدة:
لَمَّا رَأَى نَعْمانَ حَلَّ بِكِرْفِئٍ
عَكِرٍ، كما لَبَجَ النُّزُولَ الأَرْكُبُ
وقرأَ أَبو عمرو: وأَرْنا مَنَاسِكَنا، وهو نادِرٌ لما يلحق الفعلَ من
الإِجْحاف. وأَرْأَتِ الناقَةُ والشاةُ من المَعَز والضَّأْنِ، بتَقْدِير
أَرْعَتْ، وهي مُرْءٍ ومُرْئِيَةٌ: رؤِيَ في ضَرْعها الحَمْلُ واسْتُبينَ
وعَظُمَ ضَرْعُها، وكذلك المَرْأَة وجميعُ الحَوامِل إِلا في الحَافِر
والسَّبُع. وأَرْأَت العَنْزُ: وَرِمَ حَياؤُها؛ عن ابن الأَعرابي،
وتَبَيَّنَ ذلك فيها. التهذيب: أَرْأَت العَنْزُ خاصَّة، ولا يقال لِلنَّعْجة
أَرْأَتْ، ولكن يقال أَثْقَلَت لأَن حَياءَها لا يَظْهَر. وأَرْأَى
الرجلُ إِذا اسْوَدَّ ضَرْعُ شاتِهِ. وتَرَاءَى النَّحْلُ: ظَهَرَت أَلوانُ
بُسْرِهِ؛ عن أَبي حنيفة، وكلُّه من رُؤْيَةِ العين. ودُورُ
القوم مِنَّا رِثَاءٌ أَي مُنْتَهَى البَصَر حيثُ نَرَاهُم. وهُمْ
مِنِّي مَرْأىً ومَسْمَعٌ، وإِن شئتَ نَصَبْتَ، وهو من الظروف المخصوصة التي
أُجْرِيَتْ مُجْرَى غير المخصوصة عند سيبويه، قال: وهو مثل مَناطَ
الثُّرَيَّا ومَدْرَجَ السُّيُول، ومعناه هو مِنِّي بحيثُ أَرَاهُ
وأَسْمَعُه. وهُمْ رِئَاءُ أَي أَلْفٍ زُهَاءُ أَلْفٍ فيما تَرَى العَيْنُ. ورأَيت
زيداً حَلِيماً: عَلِمْتُه، وهو على المَثَل برُؤْيَةِ العَيْن. وقوله
عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلى الذين أُوتُوا نَصِيباً من الكتاب؛ قيل: معناه
أَلَمْ تَعْلَم أَي أَلَمْ
يَنْتَهِ عِلْمُكَ إِلى هَؤُلاء، ومَعْناه اعْرِفْهُم يعني علماء أَهل
الكتاب، أَعطاهم الله عِلْم نُبُوّةِ النبي، صلى الله عليه وسلم، بأَنه
مكتوب عندهم في التوراة والإِنجيل يَأْمرُهم بالمَعْروف ويَنْهاهُمْ عن
المُنْكر، وقال بعضهم: أَلَمْ ترَ أَلَمْ تُخْبِرْ، وتأْويلُهُ سُؤالٌ فيه
إِعْلامٌ، وتَأْوِيلُه أَعْلِنْ قِصَّتَهُم، وقد تكرر في الحديث: أَلَمْ
تَرَ إِلى فلان، وأَلَمْ تَرَ إِلى كذا، وهي كلمة تقولها العربُ عند
التَّعَجُّب من الشيء وعند تَنْبِيهِ المخاطب كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ
إِلى الذينَ خَرجُوا من دِيارِهْم، أَلَمْ تَرَ إِلى الذين أُوتوا
نَصِيباً من الكتاب؛ أَي أَلَمْ تَعْجَبْ لِفِعْلِهِم، وأَلَمْ يَنْتَه
شأْنُهُم إِليك. وأَتاهُم حِينَ جَنَّ رُؤْيٌ رُؤْياً ورَأْيٌ رَأْياً أَي حينَ
اختَلَطَ الظَّلام فلَمْ يَتَراءَوْا. وارْتَأَيْنا في الأَمْرِ
وتَراءَيْنا: نَظَرْناه. وقوله في حديث عمر، رضي الله عنه، وذَكَر المُتْعَة:
ارْتَأَى امْرُؤٌ بعدَ ذلك ما شاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ أَي فكَّر وتَأَنَّى،
قال: وهو افْتَعَل من رُؤْيَة القَلْب أَو من الرَّأْيِ. ورُوِي عن النبي،
صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: أَنا بَرِيءٌ من كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ
مُشْرِكٍ، قيل: لِمَ يا رسول الله؟ قال: لا تَراءَى نَارَاهُما؛ قال ابنُ
الأَثِير: أَي يَلْزَمُ المُسْلِمَ ويجب عليه أَن يُباعِدَ مَنْزِلَه عن
مَنْزِل المُشْرِك ولا يَنْزِل بالموضع الذي إِذا أُوقِدَتْ فيه نارُه
تَلُوح وتَظْهَرُ لِنَارِ
المُشْرِكِ إِذا أَوْقَدَها في مَنْزِله، ولكنه يَنْزِل معَ
المُسْلِمِين في دَارِهِم، وإِنما كره مُجاوَرَة المشركين لأَنهم لا عَهْدَ لهم
ولا أَمانَ، وحَثَّ المسلمين على الهِجْرة؛ وقال أَبو عبيد: معنى الحديث
أَنَّ المسلم لا يَحِلُّ له أَن يَسْكُنَ بلادَ المُشْرِكين فيكونَ مَعَهم
بقْدر ما يَرَى كلُّ واحدٍ منهم نارَ صاحِبه. والتَّرَائِي: تفاعُلٌ من
الرؤية. يقال: تَراءَى القومُ إِذا رَأَى بعضُهُم بعضاً. وتَراءى لي
الشيءُ أَي ظَهَر حتى رَأَيْته، وإِسناد التَّرائِي إِلى النَّارَيْن مجازٌ من
قولهم دَارِي تَنْظُر إِلى دارِ فلان أَي تُقابِلُها، يقول ناراهما
مُخْتَلِفتانِ، هذه تَدْعو إِلى الله وهذه تدعو إِلى الشيطان، فكيف
تَتَّفِقانِ؟ والأَصل في تَراءَى تَتَراءَى فحذف إِحدى التاءين تخفيفاً. ويقال:
تَراءَينا فلاناً أَي تَلاقَيْنا فَرَأَيْتُه ورَآني. وقال أَبو الهيثم في
قوله لا تَراءَى نارَاهُما: أَي لا يَتَّسِمُ المُسْلِم بسِمَةِ
المُشْرِك ولا يَتَشَبَّه به في هَدْيِه وشَكْلِهِ ولا يَتَخَلّق بأَخْلاقِه، من
قولك ما نَارُ بَعِيرِكَ أَي ما سِمةُ بعِيرِكَ. وقولهم: دَارِي تَرَى
دارَ فلانٍ أَي تُقابِلُها؛ وقال ابن مقبل:
سَلِ الدَّار مِنْ جَنْبَيْ حَبِيرٍ، فَواحِفِ،
إِلى ما رأَى هَضْبَ القَلِيبِ المصَبَّحِ
أَراد: إِلى ما قابَلَه. ويقال: مَنازِلُهم رِئَاءٌ على تقدير رِعَاء
إِذا كانت مُتَحاذِيةً؛ وأَنشد:
لَيالِيَ يَلْقَى سرْبُ دَهْماء سِرْبَنَا،
ولَسْنا بِجِيرانٍ ونَحْنُ رِئَاءُ
ويقال: قَوْمِ رِئَاءٌ يقابلُ بعضُهُم بعضاً، وكذلك بُيوتُهُم رِئَاءٌ.
وتَرَاءَى الجَمْعانِ: رَأَى بعضُهُم بعضاً. وفي حديث رَمَلِ
الطَّوافِ: إِنما كُنَّا راءَيْنا به المشركين، هو فاعَلْنا من
الرُّؤْية أَي أَرَيْناهم بذلك أَنَّا أَقْوِياء. وفي حديث النبي، صلى الله عليه
وسلم: إِنَّ أَهلَ الجَنَّةِ ليَتَراءَوْنَ أَهلَ عِلِّيِّين كما
تَرَوْنَ الكَوْكَب الدُّرِّيَّ في كَبِدِ السماء؛ قال شمر: يتَراءَوْنَ أَي
يتَفاعَلون أَي يَرَوْنَ، يَدُلُّ على ذلك قولُه كما تَرَوْن.
والرَّأْيُ: معروفٌ، وجمعه أَرْآءٌ، وآراءٌ أَيضاً مقلوب، ورَئِيٌّ على
فَعِيل مثل ضَأْنٍ وضَئِينٍ. وفي حديث الأَزرق بن قيس: وفِينا رجُلٌ له
رَأْيٌ. يقال: فلانٌ من أَهل الرَّأْي أَي أَنه يَرَى رَأْيَ الخوارج
ويقول بمَذْهَبِهم، وهو المراد ههنا، والمُحَدِّثون يُسَمُّون أَصحابَ
القياسِ أَصحابَ الرَّأْي يَعْنُون أَنهم يأْخذون بآرائِهِم فيما يُشْكِلُ من
الحديث أَو ما لم يَأْتِ فيه حديث ولا أَثَرٌ. والرَّأْيُ: الاعتِقادُ،
اسمٌ لا مصدرٌ، والجمع آراءٌ؛ قال سيبويه: لم يكَسَّر على غير ذلك، وحكى
اللحياني في جمعه أَرْءٍ مثل أَرْعٍ ورُئِيٌّ ورِئِيُّ. ويقال: فلان
يتَراءَى بِرَأْيِ
فلان إِذا كان يَرَى رَأْيَه ويَمِيلُ إِليه ويَقْتَدي به؛ وأَما ما
أَنشده خَلَفٌ الأَحمر من قول الشاعر:
أَما تَراني رَجُلاً كما تَرَى
أَحْمِلُ فَوْقي بِزَّنِي كما تَرَى
على قَلُوص صعبة كما تَرَى
أَخافُ أَن تَطْرَحَني كما تَرَى
فما تَرى فيما تَرَى كما تَرَى
قال ابن سيده: فالقول عندي في هذه الأَبيات أَنها لو كانت عدَّتُها
ثلاثة لكان الخطب فيها أَيسر، وذلك لأَنك كنت تجعل واحداً منها من رُؤْية
العَيْنِ كقولك كما تُبْصِر، والآخر من رُؤْية القَلْبِ في معنى العلم فيصير
كقولك كما تَعْلم، والثالث من رأَيْت التي بمعنى الرَّأْي الاعتقاد
كقولك فلان يرَى رَأْي الشُّراةِ أَي يعتَقِدُ اعْتِقادَهم؛ ومنه قوله عز
وجل: لتَحْكُم بين الناسِ
بما أَرَاكَ اللهُ؛ فحاسَّةُ البَصَر ههنا لا تتَوَجَّه ولا يجوز أَن
يكون بمعنى أَعْلَمَك الله لأَنه لو كان كذلك لوَجَب تعدِّيه إِلى ثلاثة
مَفْعولِين، وليس هناك إِلا مفعولان: أَحدهما الكاف في أَراك، والآخر
الضمير المحذوف للغائب أَي أَراكَه، وإِذا تعدَّت أَرى هذه إلى مفعولين لم
يكن من الثالث بُدُّ، أَوَلا تَراكَ تقول فلان يَرَى رأْيَ الخوارج ولا
تَعْني أَنه يعلم ما يَدَّعون هُمْ عِلْمَه، وإِنما تقول إِنه يعتقد ما
يعتقدون وإِن كان هو وهم عندك غير عالمين بأَنهم على الحق، فهذا قسم ثالث
لرأَيت، قال ابن سيده: فلذلك قلنا لو كانت الأَبيات ثلاثة لجاز أَن لا يكون
فيها إِيطاء لاختلاف المعاني وإِن اتفقت الأَلفاظ، وإِذْ هِي خمسة فظاهر
أَمرها أَن تكون إِيطاء لاتفاق الأَلفاظ والمعاني جميعاً، وذلك أَن العرب
قد أَجرت الموصول والصلة مُجْرى الشيء الواحد ونَزَّلَتْهما منزلة الخبر
المنفرد، وذلك نحو قول الله عز وجل: الذي هو يُطْعِمُني ويَسْقِينِ
وإِذا مَرِضْتُ فهُو يَشْفِينِ والذي يُميتُني ثم يُحْيِينِ والذي أَطْمَعُ
أَنْ يَغْفِرَ لي خطيئَتي يومَ الدِّينِ؛ لأَنه سبحانه هو الفاعل لهذه
الأَشياء كلها وحده، والشيء لا يُعْطَف على نفسِه، ولكن لما كانت الصلة
والموصول كالخبر الواحد وأَراد عطف الصلة جاء معها بالموصول لأَنهما كأَنهما
كلاهما شيء واحد مفرد؛ وعلى ذلك قول الشاعر:
أَبا ابْنَةَ عبدِ الله وابْنَةَ مالِكٍ،
ويا ابْنَةَ ذي الجَدَّينِ والفَرَسِ الوَرْدِ
إِذا ما صَنَعْتِ الزَّادَ، فالْتَمِسي لهُ
أَكِيلاً، فإِني لسْتُ آكُلُه وَحْدي
فإِنما أَراد: أَيا ابْنة عبدِ الله ومالِكٍ وذي الجَدّين لأَنها
واحدةٌ، أَلا تَراهُ يقول صنعتِ ولم يَقُلْ صنعتُنَّ؟ فإِذا جازَ هذا في المضاف
والمضاف إِليه كان في الصِّلَةِ والموصولِ
أَسْوَغَ، لأَنَّ اتِّصالَ الصِّلَةِ بالموصول أَشدُّ من اتصال المضافِ
إِليه بالمُضاف؛ وعلى هذا قول الأَعرابي وقد سأَله أَبو الحسن الأَخفشُ
عن قول الشاعر:
بَناتُ وَطَّاءٍ على خَدِّ اللَّيْل
فقال له: أَين القافية؟ فقال: خدّ الليلْ؛ قال أَبو الحسن الأَخفش:
كأَنه يريد الكلامَ الذي في آخر البيت قلَّ أَو كَثُر، فكذلك أَيضاً يجعل ما
تَرَى وما تَرَى جميعاً القافية، ويجعل ما مَرَّةً مصدراً ومرة بمنزلة
الذي فلا يكون في الأَبيات إِيطاء؛ قال ابن سيده: وتلخيص ذلك أَن يكون
تقديرها أَما تراني رجلاً كُرؤْيَتِك أَحمل فوقي بزتي كمَرْئِيِّك على قلوص
صعبة كعِلْمِكَ أَخاف أَن تطرحني كمَعْلُومك فما ترى فيما ترى
كمُعْتَقَدِك، فتكون ما ترى مرة رؤية العين، ومرة مَرْئِيّاً، ومرة عِلْماً ومرة
مَعلوماً، ومرة مُعْتَقَداً، فلما اختلفت المعاني التي وقعت عليها ما
واتصلت بها فكانت جزءاً منها لاحقاً بها صارت القافية وما ترى جميعاً، كما
صارت في قوله خدّ الليل هي خدّ الليل جميعاً لا الليل وحده؛ قال: فهذا
قياس من القوّة بحيث تراه، فإِن قلت: فما رويّ هذه الأَبيات؟ قيل: يجوز أَن
يكون رَوّيها الأَلفَ فتكون مقصورة يجوز معها سَعَى وأتى لأَن الأَلف
لام الفعل كأَلف سَعَى وسَلا، قال: والوجه عندي أَن تكون رائِيَّة
لأَمرين: أَحدهما أَنها قد التُزِمَت، ومن غالب عادة العرب أَن لا تلتزم أَمراً
إِلا مع وجوبه، وإِن كانت في بعض المواضع قد تتَطوَّع بالتزام ما لا يجب
عليها وذلك أَقل الأَمرين وأَدْوَنُهما، والآخر أَن الشعر المطلق أَضعاف
الشعر المقيد، وإِذا جعلتها رائية فهي مُطْلقة، وإذا جعلتها أَلِفِيَّة
فهي مقيدة، أَلا ترى أَن جميع ما جاء عنهم من الشعر المقصور لا تجد العرب
تلتزم فيه ما قبل الأَلف بل تخالف ليعلم بذلك أَنه ليس رَوِيّاً؟ وأَنها
قد التزمت القصر كما تلتزم غيره من إِطلاق حرف الروي، ولو التزمت ما قبل
الأَلف لكان ذلك داعياً إِلى إِلْباس الأَمر الذي قصدوا لإِيضاحِه،
أَعني القصرَ الذي اعتمدوه، قال: وعلى هذا عندي قصيدة يزيدَ بنِ الحَكَم،
التي فيها مُنْهَوي ومُدَّوي ومُرْعَوي ومُسْتَوي، هي واويَّة عندنا
لالتزامه الواو في جميعها والياءاتُ بعدها وُصُول لما ذكرنا. التهذيب: اليث
رَأْي ا لقَلْب والجمعُ الآراءُ. ويقال: ما أَضلَّ آراءَهم وما أَضلَّ
رأْيَهُمْ. وارْتَآهُ هو: افْتَعَل من الرَّأْي والتَّدْبِير. واسْتَرْأَيْتُ
الرُّجلَ في الرَّأْيِ أَي اسْتَشَرْتُه وراءَيْته. وهو يُرائِيهِ أَي
يشاوِرُه؛ وقال عمران بن حطَّان:
فإِن تَكُنْ حين شاوَرْناكَ قُلْتَ لَنا
بالنُّصْحِ مِنْكَ لَنَا فِيما نُرائِيكا
أَي نستشيرك. قال أَبو منصور: وأَما قول الله عزَّ وجل: يُراؤُونَ
الناسَ، وقوله: يُراؤُونَ ويَمْنَعُون الماعونَ، فليس من المشاورة، ولكن معناه
إِذا أَبْصَرَهُم الناس صَلَّوا وإِذا لم يَرَوْهم تركوا الصلاةَ؛ ومن
هذا قول الله عزَّ وجل: بَطَراً ورِئَاءَ الناسِ؛ وهو المُرَائِي كأَنه
يُرِي الناس أَنه يَفْعَل ولا يَفْعَل بالنية. وأَرْأَى الرجلُ إِذا
أَظْهَر عملاً صالِحاً رِياءً وسُمْعَة؛ وأَما قول الفرزدق يهجو قوماً
ويَرْمِي امرأَة منهم بغير الجَمِيلِ:
وبات يُراآها حَصاناً، وقَدْ جَرَتْ
لَنا بُرَتَاهَا بِالَّذِي أَنَا شَاكِرُه
قوله: يُراآها يظن أَنها كذا، وقوله: لنا بُرَتاها معناه أَنها أَمكنته
من رِجْلَيْها. وقال شمر: العرب تقول أَرَى اللهُ بفلان أَي أَرَى اللهُ
الناسَ بفلان العَذَابَ والهلاكَ، ولا يقال ذلك إِلاَّ في الشَّرِّ؛ قال
الأَعشى:
وعَلِمْتُ أَنَّ اللهَ عَمْـ
ـداً خَسَّها، وأَرَى بِهَا
يَعْنِي قبيلة ذكَرَها أَي أَرَى اللهُ بها عَدُوَّها ما شَمِتَ به.
وقال ابن الأَعرابي: أَي أَرَى الله بها أَعداءَها ما يَسُرُّهم؛
وأَنشد:أَرَانَا اللهُ بالنَّعَمِ المُنَدَّى
وقال في موضع آخر: أَرَى اللهُ بفلان أَي أَرَى به ما يَشْمَتُ به
عَدُوُّه. وأَرِنِي الشَّيءَ: عاطِنيهِ، وكذلك الاثنان والجمع والمؤَنث، وحكى
اللحياني: هو مَرآةً أَنْ يَفْعَلَ كذا أَي مَخْلَقة، وكذلك الاثنان
والجمع والمؤَنث، قال: هو أَرْآهُمْ لأَنْ يَفَعَلَ ذلك أَي أَخْلَقُهُم.
وحكى ابن الأَعرابي: لَوْ تَرَ ما وأَو تَرَ ما ولَمْ تَرَ ما، معناه كله
عنده ولا سِيَّما.
والرِّئَة، تهمز ولا تهمز: مَوْضِع النَّفَس والرِّيحِ من الإِنْسانِ
وغيره، والجمع رِئَاتٌ ورِئُون، على ما يَطّرِد في هذا النحو؛ قال:
فَغِظْنَاهُمُ، حتَّى أَتَى الغَيْظُ مِنْهُمُ
قُلوباً، وأَكْباداً لهُم، ورِئِينَا
قال ابن سيده: وإِنما جاز جمع هذا ونحوه بالواو والنون لأَنها أَسماء
مَجْهودة مُنْتَقَصَة ولا يُكَسَّر هذا الضَّرب في أَوَّلِيَّته ولا في حد
التسمية، وتصغيرها رُؤيَّة، ويقال رُويَّة؛ قال الكميت:
يُنازِعْنَ العَجاهِنَةَ الرِّئِينَا
ورَأَيْته: أَصَبْت رِئَته. ورُؤِيَ رَأْياً: اشْتكى رِئَته. غيره:
وأَرْأَى الرجلُ إِذا اشْتَكى رِئَته. الجوهري: الرِّئَة السَّحْرُ، مهموزة،
ويجمع على رِئِينَ، والهاءُ عوضٌ من الياء المَحْذوفة. وفي حديث لُقْمانَ
بنِ عادٍ: ولا تَمْلأُ رِئَتِي جَنْبِي؛ الرِّئَة التي في الجَوْف:
مَعْروفة، يقول: لست بِجَنان تَنْتَفِخُ رِئَتي فَتَمْلأُ جَنْبي، قال: هكذا
ذكرها الهَرَوي. والتَّوْرُ يَرِي الكَلْبَ إِذا طَعَنَه في رِئَتِه. قال
ابن بُزُرج: ورَيْته من الرِّئَةِ، فهو مَوْرِيّ، ووَتَنْته فهو
مَوْتونٌ وشَويْته فهو مَشْوِيّ إِذا أَصَبْت رِئَتَه وشَوَاتَه ووَتِينِه. وقال
ابن السكيت: يقال من الرِّئة رَأَيْته فهو مَرْئيٌّ إِذا أَصَبْته في
رِئَته. قال ابن بري: يقال للرجل الذي لا يَقْبَل الضَّيم حامِضُ
الرِّئَتَين؛ قال دريد:
إِذا عِرْسُ امْرِئٍ شَتَمَتْ أَخاهُ،
فَلَيْسَ بحامِضِ الرِّئَتَيْن مَحْضِ
ابن شميل: وقد وَرَى البعيرَ الدَّاءُ أَي وقع في رِئَتِه وَرْياً.
ورَأَى الزندُ: وَقَدَ؛ عن كراع، ورَأَيْته أَنا؛ وقول ذي الرمة:
وجَذْب البُرَى أَمْراسَ نَجْرانَ رُكِّبَتْ
أَوَاخِيُّها بالمُرْأَياتِ الرَّواجِفِ
يعني أَواخِيَّ الأَمْراسِ، وهذا مثل، وقيل في تفسيره: رَأْسٌ مُرْأىً
بوزن مُرْعًى طويلُ الخَطْمِ فيه شبِيةٌ بالتَّصْويب كهَيْئة الإِبْرِيقِ؛
وقال نصير:
رُؤُوسٌ مُرْأَياتٌ كَأَنَّها قَراقِيرُ
قال: وهذا لا أَعرف له فعلاً ولا مادَّة. وقال النضر: الإِرْآءُ
انْتِكابُ خَطْمِ البعيرِ على حَلْقِه، يقال: جَمَلٌ مُرأىً وجِمال مُرْآةٌ.
الأَصمعي: يقال لكل ساكِنٍ لا يَتَحَرَّك ساجٍ ورَاهٍ ورَاءٍ؛ قال شمر: لا
أَعرف راء بهذا المعنى إِلاَّ أَن يكون أَراد رَاه، فجعل بدل الهاء ياءً.
وأَرأَى الرجلُ إِذا حَرَّك بعَيْنَيْه عند النَّظَرِ
تَحْرِيكاً كَثِيراً وهو يُرْئي بِعَيْنَيْه.
وسَامَرَّا: المدينة التي بناها المُعْتَصِم، وفيها لغات: سُرَّ مَنْ
رَأَى، وسَرَّ مَنْ رَأَى، وسَاءَ مَنْ رأَى، وسَامَرَّا؛ عن أَحمد بن يحيى
ثعلب وابن الأَنباري، وسُرَّ مَنْ رَاءَ، وسُرَّ سَرَّا، وحكي عن أَبي
زكريا التبريزي أَنه قال: ثقل على الناس سُرَّ مَنْ رأَى فَغَيَّروه إِلى
عكسه فقالوا سامَرَّى؛ قال ابن بري: يريد أَنَّهُمْ حذفوا الهمزة من
سَاءَ ومن رَأَى فصار سَا مَنْ رَى، ثم أُدغمت النون في الراء فصار
سَامَرَّى، ومن قال سَامَرَّاءُ فإِنه أَخَّر همزة رأَى فجعلها بعد الأَلف فصار
سَا مَنْ رَاءَ، ثم أَدغم النون في الراء. ورُؤَيَّة: اسم أَرْضٍ؛ ويروى
بيت الفرزدق:
هل تَعْلَمون غَدَاةً يُطْرَدُ سَبْيُكُم
بالسَّفْحِ، بين رُؤَيَّةٍ وطِحَالِ؟
وقال في المحكم هنا: رَاءَ لغة في رَأَى، والاسم الرِّيءُ. ورَيَّأَهُ
تَرْيِئَة: فَسَّحَ عنه من خِناقهِ. وَرَايا فلاناً: اتَّقاه؛ عن أَبي
زيد؛ ويقال رَاءَهُ في رَآه؛ قال كثير:
وكلُّ خَلِيل رَاءَني، فهْوَ قَائِلٌ
منَ اجْلِك: هذا هامَةُ اليَومِ أَو غَدِ
وقال قيس بن الخطيم:
فَلَيْت سُوَيْداً رَاءَ فَرَّ مَنْ مِنْهُمُ،
ومَنْ جَرَّ، إِذْ يَحْدُونَهُم بالرَّكَائِبِ
وقال آخر:
وما ذاكِ من أَنْ لا تَكُوني حَبِيبَةً،
وإِن رِيءَ بالإِخْلافِ مِنْكِ صُدُودُ
وقال آخر:
تَقَرَّبَ يَخْبُو ضُوْءُهُ وشُعاعُه،
ومَصَّحَ حتى يُسْتَراءَ، فلا يُرى
يُسْتَراءَ: يُسْتَفْعَل من رأَيت. التهذيب: قال الليث يقال من الظنِّ
رِيْتُ فلاناً أَخاكَ، ومن همز قال رؤِِيتُ، فإِذا قلت أَرى وأَخَواتها لم
تهمز، قال: ومن قلب الهمز من رأَى قال راءَ كقولك نأَى وناءَ. وروي عن
سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أَنه بَدأَ بالصَّلاة قبل الخُطْبة
يومَ العِيدِ ثم خَطَبَ فَرُؤِيَ أَنه لم يُسْمِعِ النساءَ فأَتاهُنَّ
ووعَظَهُنَّ؛ قال ابن الأَثير: رُؤِيَ فِعْلٌ لم يسَمّ فاعله من رَأَيْت
بمعنى ظَنَنْت، وهو يَتَعَدَّى إِلى مفعولين، تقول رأَيتُ زيداً عاقِلاً،
فإِذا بَنَيْتَه لما لم يُسَمّ فاعلُه تعدَّى إِلى مفعول واحد فقلت
رُؤِيَ زيدٌ عاقلاً، فقوله إِنه لم يُسَمِع جملة في موضع المفعول الثاني
والمفعول الأَول ضميره. وفي حديث عثمان: أَراهُمُني الباطِلُ شَيْطاناً؛
أَراد أَنَّ الباطِلَ جَعَلَني عندهم شيطاناً. قال ابن الأَثير: وفيه شذوذ من
وجهين: أَحدهما أَن ضمير الغائب إِذا وقع مُتَقَدِّماً على ضمير المتكلم
والمخاطب فالوجه أَن يُجاء بالثاني منفصلاً تقول أَعطاه إِياي فكان من
حقه أَن يقول أَراهم إِياي، والثاني أَن واو الضمير حقها أَن تثبت مع
الضمائر كقولك أَعطيتموني، فكان حقه أَن يقول أَراهُمُوني، وقال الفراء:
قرأَ بعض القراء: وتُرَى الناسَ سُكارى، فنصب الراء من تُرى، قال: وهو وجه
جيد، يريد مثلَ قولك رُؤِيتُ أَنَّك قائمٌ ورُؤِيتُك قائماً، فيجعل
سُكارى في موضع نصب لأَن تُرى تحتاج إِلى شيئين تنصبهما كما تحتاج ظن. قال
أَبو نصور: رُؤِيتُ
مقلوبٌ، الأَصلُ فيه أُريتُ، فأُخرت الهمزة، وقيل رُؤِيتُ، وهو بمعنى
الظن.
ربد: الرُّبْدَةُ: الغُبرة؛ وقيل: لون إِلى الغبرة، وقيل: الرُّبْدَةُ
والرُّبْدُ في النعام سواد مختلط، وقيل هو أَن يكون لونها كله سواداً؛ عن
اللحياني، ظليم أَرْبَدُ ونعامة ربداءُ ورَمْداءُ: لونها كلون الرماد
والجمع رُبْدٌ؛ وقال اللحياني: الرَّبداءُ السوداء؛ وقال مرة: هي التي في
سوادها نقط بيض أَو حمر؛ وقد ارْبَدَّ ارْبِداداً.
ورَبَّدَتِ الشاة ورَمَّدَت وذلك إِذا أَضرعت فترى في ضرعها لُمَعَ
سوادٍ وبياض، وترَبَّدَ ضرعها إِذا رأَيت فيه لُمَعاً من سواد ببياض
خفي.والرَّبْداءُ من المعزى: السوادءُ المنقطة بحمرة وهي المنقطة الموسومة
موضعَ النِّطاق منها بحمرة، وهي من شِيَاتِ المعز خاصة، وشاة ربداء: منقطة
بحمرة وبياض أَو سواد.
وارْبَدَّ وجهه وتَرَبَّدَ: احمرَّ حمرة فيها سواد عند الغضب،
والرُّبْدَةُ: غُبرة في الشفة؛ يقال: امرأَة رَبْداءُ ورجل أَرْبَدُ، ويقال
للظليم:الأَرْيَدُ للونه.
والرُّبْدَةُ والرُّمْدَة: شبه الورقة تضرب إِلى السواد، وفي حديث حذيفة
حين ذكر الفتنة: أَيُّ قلب أُشرِبَها صار مُرْبَدّاً، وفي رواية:
مُرْبادّاً، هما من ارْبَدَّ وارْبادَّ وتَرَبَّد؛ ارْبِدادُ القلب من حيث
المعنى لا الصورة، فإِن لون القلب إِلى السواد ما هو، قال أَبو عبيدة:
الرُّبْدَةُ لَون بين السواد والغبرة، ومنه قيل للنعام: رِبْدٌ جمع رَبْداءَ.
وقال أَبو عدنان: المُرَبَّد المُوَلَّع بسواد وبياض، وقال ابن شميل: لما
رآني تَرَبَّد لونه، وتربُّده: تلونه، تراه أَحمر مرة ومرة أَخضر ومرة
أَصفر، ويَترَبَّد لونه من الغضب أَي يتلوّن، والضرع يتربد لونه إِذا صار
فيه لُمَعٌ؛ وأَنشد الليث في تَرَبَّدَ الضرع:
إِذا والد منها تَرَبَّد ضَرعُها،
جعلتُ لها السكينَ إِحدى القلائد
وتَرَبَّد وجهه أَي تغير من الغضب، وقيل: صار كلون الرماد، ويقال
ارْبَدَّ لونه كما يقال احمرَّ واحمارّ، وإِذا غضب الإِنسان تَرَبَّد وجهه
كأَنه يسودّ منه مواضع، وارْبَدَّ وجهه وارْمَدَّ إِذا تغير، وداهية رَبْداءُ
أَي منكرة، وتَرَبَّد الرجل: تَعَبَّس، وفي الحديث: كان إِذا نزل عليه
الوحي ارْبَدَّ وجهه أَي تغير إِلى الغُبرة؛ وقيل: الرُّبْدة لون من
السواد والغبرة، وفي حديث عمرو بن العاص: أَنه قام من عند عمر مُرْبَدَّ الوجه
في كلام أُسمعه، وترَبَّدت السماءُ: تغيمت.
والأَرْبَدُ: ضرب من الحيات خبيث، وقيل: ضرب من الحيات يَعَضُّ الإِبل.
وَرَبدَ الإِبل يَرْبُدُها رَبْداً: حبسها، والمِرْبَدُ: مَحْبِسُها،
وقيل: هي خشبة أَو عصا تعترض صدور الإِبل فتمنعها عن الخروج؛ قال:
عواصِيَ إِلاَّ ما جعلْتُ وراءَها
عَصَا مِرْبَدٍ، تَغْشَى نُحوراً وأَذْرُعا
قيل: يعني بالمريد ههنا عصا جعلها معترضة على الباب تمنع الإِبل من
الخروج، سماها مربداً لهذا؛ قال أَبو منصور: وقد أَنكر غيره ما قال، وقال:
أَراد عصا معترضة على باب المربد فأَضاف العصا المعترضة إِلى المربد ليس
أَن العصا مربد.
وقال غيره: الرَّبْد الحبس، والرابد: الخازن، والرابدة: الخازنة،
والمِربد: الموضع الذي تحبس فيه الإِبل وغيرها.
وفي حديث صالح بن عبد الله بن الزبير: أَنه كان يعمل رَبَداً بمكة.
الربد، بفتح الباء: الطين، والرَّبَّادُ: الطيَّان أَي بناءٌ من طين
كالسِّكْر، قال: ويجوز أَن يكون من الرَّبْد الحبس لأَنه يحبس الماءَ ويروى
بالزاي والنون، وسيأْتي ذكره؛ ومِرْبَد البصرة: مِن ذلك سمي لأَنهم كانوا
يحبسون فيه الإِبل؛ وقول الفرزدق:
عَشِيَّةَ سال المِرْبَدان، كلاهما،
عَجاجَة مَوْتٍ بالسيوفِ الصوارم
فإِنما سماه مجازاً لما يتصل به من مجاوره، ثم إِنه مع ذلك أَكده وإِن
كان مجازاً، وقد يجوز أَن يكون سمي كل واحد من جانبيه مربداً. وقال
الجوهري في بيت الفرزدق: إِنه عنى به سكة المربد بالبصرة، والسكة التي تليها من
ناحية بني تميم جعلهما المربدين، كما يقال الأَحْوصان وهما الأَحْوص
وعوف بن الأَحوص. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: أَن مسجده كان
مِرْبَداً ليتيمين في حَجْر معاذ بن عَفْراء، فجعله للمسلمين فبناه رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، مسجداً. قال الأَصمعي: المِرْبد كل شيء حبست به
الإِبل والغنم، ولهذا قيل مِرْبد النعم الذي بالمدينة، وبه سمي مِرْبَد
البصرة، إِنما كان موضع سوف الإِبل وكذلك كل ما كان من غير هذه المواضع أَيضاً
إِذا حُبست به الإِبل، وهو بكسر الميم وفتح الباء، من رَبَد بالمكان
إِذا أَقام فيه؛ وفي الحديث: أَنه تَيَمَّمَ بِمِرْبد الغنم. ورَبَدَ
بالمكان يَرْبُدُ ربوداً إِذا أَقام به؛ وقال ابن الأَعرابي: ربده حبسه.
والمِرْبد: فضاء وراء البيوت يرتفق به. والمِرْبد: كالحُجرة في الدار. ومِرْبد
التمر: جَرِينه الذي يوضع فيه بعد الجداد لييبس؛ قال سيببويه: هو اسم
كالمَطْبَخ وإِنما مثله به لأَن الطبخ تيبيس؛ قال أَبو عبيد: والمربد أَيضاً
موضع التمر مثل الجرين، فالمربد بلغة أَهل الحجاز والجرين لهم أَيضاً،
والأَنْدَر لأَهل الشام، والبَيْدَر لأَهل العراق؛ قال الجوهري: وأَهل
المدينة يسمون الموضع الذي يجفف فيه التمر لينشف مربداً، وهو المِسْطَح
والجرين في لغة أَهل نجد، والمربد للتمر كالبيدَر للحنطة؛ وفي الحديث: حتى
يقوم أَبو لبابة يسد ثعلب مِربده بإِزاره؛ يعني موضع تمره.
ورَبد الرجلُ إِذا كنز التمر في الربائد وهو الكراحات
(* قوله «الكراحات
إلخ» كذا بالأصل ولم نجده فيما بأيدينا من كتب اللغة.) وتمر رَبِيد:
نُضِّدَ في الجرار أَو في الحُب ثم نضح بالماء.
والرُّبَد: فِرِنحد السيف. ورُبْد السيف: فرنده، هذلية؛ قال صخر الغي:
وصارِمٍ أُخْلِصَتْ خَشِيبَتُه،
أَبيضَ مَهْوٍ، في مَتْنِهِ رُبَد
وسيف ذو رُبَد، بفتح الباء، إِذا كنت ترى فيه شبه غبار أَو مَدَبّ نمل
يكون في جوهره، وأَنشد بيت صخر الغي الهذلي وقال: الخشيبة الطبيعة
أَخلصتها المداوس والصقل. ومهو: رقيق.
وأَربَدَ الرجل: أَفسد ماله ومتاعه.
وأَرْبَد: اسم رجل. وأَربد بن ربيعة: أَخو لبيد الشاعر. والرُّبيدان:
نبت.
عصف: العَصْفُ والعَصْفة والعَصِيفة والعُصافة؛ عن اللحياني: ما كان على
ساق الزرع من الورق الذي يَيْبَسُ فَيَتَفَتَّتُ، وقيل: هو ورقه من غير
أَن يُعَيَّن بيُبْس ولا غيره، وقيل: ورقه وما لا يؤكل. وفي التنزيل:
والحبُّ ذو العَصْف والرَّيْحانُ؛ يعني بالعصف ورق الزرع وما لا يؤكل منه،
وأَمّا الريحان فالرزق وما أُكل منه، وقيل: العَصف والعَصِيفةُ والعُصافة
التّبْن، وقيل: هو ما على حبّ الحِنطة ونحوها من قُشور التبن. وقال
النضر: العَصْف القَصِيل، وقيل: العصف بقل الزرع لأَن العرب تقول خرجنا
نَعْصِفُ الزرع إذا قطعوا منه شيئاً قبل إدْراكه فذلك العَصْفُ. والعَصْفُ
والعَصِيفةُ: ورق السُّنْبُل. وقال بعضهم: ذو العَصف، يريد المأْكول من
الحبّ، والريحان الصحيح الذي يؤكل، والعصْفُ والعَصِيف: ما قُطِع منه، وقيل:
هما ورق الزرع الذي يميل في أَسفله فتَجُزّه ليكون أَخفّ له، وقيل:
العصْفُ ما جُزَّ من ورق الزرع وهو رَطْب فأُكل. والعَصِيفةُ: الورق
المُجْتَمِع الذي يكون فيه السنبل. والعَصف: السُّنْبل، وجمعه عُصوف. وأَعْصَفَ
الزرعُ: طال عَصْفُه. والعَصِيفةُ: رؤوس سنبل الحِنْطة. والعصف والعَصِيفة:
الورق الذي يَنْفَتح عن الثمرة والعُصافة: ما سقط من السنبل كالتبن
ونحوه. أَبو العباس: العَصْفانِ التِّبْنانِ، والعُصوفُ الأَتْبانُ. قال أَبو
عبيدة: العصف الذي يُعصف من الزرع فيؤكل، وهو العصيفة؛ وأَنشد لعَلْقَمة
بن عَبْدَة:
تَسقِي مذانِبَ قد مالَتْ عَصِيفَتُها
ويروى: زالت عصيفتها أَي جُزَّ ثم يسقى ليعود ورقه. ويقال: أَعْصَف
الزرع حان أَن يجزَّ. وعَصَفْنا الزرع نَعْصِفُه أَي جززنا ورقه الذي يميل في
أَسفله ليكون أخف للزرع، وقيل: جَزَزْنا ورقه قبل أَن يُدْرِك، وإن لم
يُفعل مالَ بالزرع، وذكر اللّه تعالى في أَول هذه السورة ما دلَّ على
وحدانيته من خَلْقِه الإنسان وتَعْلِيمه البيانَ، ومن خلق الشمس والقمر
والسماء والأَرض وما أَنبت فيها من رزقِ من خلق فيها من إنسيّ وبهيمة، تبارك
اللّه أَحسن الخالقين. واسْتعْصفَ الزرعُ: قَصَّب. وعَصَفَه يَعْصِفُه
عَصْفاً: صرمَه من أَقْصابه. وقوله تعالى كعَصْف مأَْكول، له معنيان:
أَحدهما أَنه جعل أَصحاب الفيل كورق أُخذ ما فيه من الحبّ وبقي هو لا حب فيه،
والآخر أَنه أَراد أَنه جعلهم كعصف قد أَكله البهائم. وروي عن سعيد بن
جبير أَنه قال في قوله تعالى كعصف مأَكول، قال: هو الهَبُّور وهو الشعير
النابت، بالنبطية. وقال أَبو العباس في قوله كعصف قال: يقال فلان يَعْتَصِفُ
إذا طلب الرزق، وروي عن الحسن أَنه الزرع الذي أُكل حبه وبقي تِبْنه؛
وأَنشد أَبو العباس محمد بن يزيد:
فصُيِّروا مِثْلَ كعَصْفٍ مأَْكولْ
أَراد مثل عصف مأْكول، فزاد الكاف لتأْكيد الشبه كما أَكده بزيادة الكاف
في قوله تعالى: ليس كمثله شيء، إلا أنه في الآية أَدخل الحرف على الاسم
وهو سائغ، وفي البيت أَدخل الاسم وهو مثل على الحرف وهو الكاف، فإن قال
قائل بماذا جُرَّ عَصْف أَبالكاف التي تُجاوِرُه أَم بإضافة مثل إليه على
أَنه فصل بين المضاف والمضاف إليه؟ فالجواب أَن العصف في البيت لا يجوز
أَن يكون مجروراً بغير الكاف وإن كانت زائدة، يدُلّك على ذلك أَن الكاف في
كل موضع تقع فيه زائدة لا تكون إلا جارَّة كما أَنَّ من وجميع حروف
الجرّ في أَي موضع وقَعْن زوائد فلا بد من أَن يجررن ما بعدهن، كقولك ما
جاءني من أَحد ولست بقائم، فكذلك الكاف في كعصف مأْكول هي الجارَّة للعصف وإن
كانت زائدة على ما تقدَّم، فإن قال قائل: فمن أَيْنَ جاز للاسم أَن يدخل
على الحرف في قوله مثل كعصف مأْكول؟ فالجواب أَنه إنما جاز ذلك لما بين
الكاف ومثل من المُضارَعة في المعنى، فكما جاز لهم أَن يُدخلوا الكاف على
الكاف في قوله:
وصالِياتٍ كَكما يُؤَثْفَينْ
لمشابهته لمثل حتى كأَنه قال كمثل ما يؤثفين كذلك أَدخلوا أَيضاً مثلاً
على الكاف في قوله مثل كعصف، وجعلوا ذلك تنبيهاً على قوَّة الشبه بين
الكاف ومثل. ومَكان مُعْصِفٌ: كثير الزرع، وقيل: كثير التبن؛ عن اللحياني؛
وأَنشد:
إذا جُمادَى مَنَعَت قَطْرها،
زانَ جَنابي عَطَنٌ مُعْصِفُ
(* قوله «جنابي» بالجيم مفتوحة وبالباء هو الفناء وعطن بالنون، وتقدم
البيت في مادة جمد بلفظ زان جناني جمع الجنة، ولعلّ الصواب ما هنا.)
هكذا رواه، وروايتنا مُغْضِف، بالضاد المعجمة، ونسب الجوهري هذا البيت
لأَبي قيس بن الأَسلت الأَنصاري؛ قال ابن بري: هو لأُحَيْحةَ بن الجُلاح
لا لأَبي قيس.
وعَصَفَتِ الرِّيحُ تَعْصِف عَصْفاً وعُصوفاً، وهي ريح عاصِف وعاصِفةٌ
ومُعْصِفَة وعَصوف، وأَعْصفت، في لغة أَسد، وهي مُعصِف من رياح مَعاصِفَ
ومَعاصِيفَ إذا اشتدَّت، والعُصوف للرِّياح. وفي التنزيل: والعاصفاتِ
عَصْفاً، يعني الرياح، والرّيحُ تَعْصِفُ ما مَرَّت عليه من جَوَلان التراب
تمضي به، وقد قيل: إن العَصْف الذي هو التِّبْن مشتق منه لأَن الريح تعصف
به؛ قال ابن سيده: وهذا ليس بقوي. وفي الحديث: كان إذا عَصَفَتِ الريحُ
أَي إذا اشتدَّ هُبوبُها. وريح عاصف: شديدة الهُبوب. والعُصافةُ: ما
عَصَفَت به الريح على لفظ عُصافة السُّنْبُل. وقال الفراء في قوله تعالى:
أَعمالُهم كَرماد اشتدَّت به الريح في يوم عاصف، قال: فجعل العُصوف تابعاً
لليوم في إعرابه، وإنما العُصوف للرياح، قال: وذلك جائز على جهتين: إحداهما
أَن العُصوف وإن كان للريح فإن اليوم قد يوصف به لأَن الريح تكون فيه،
فجاز أَن يقال يوم عاصف كما يقال يوم بارد ويوم حارّ والبرد والحرّ فيهما،
والوجه الآخر أَن يريد في يوم عاصِف الريحِ فتحذف الريح لأَنها قد ذكرت
في أَوَّل كلمة كما قال:
إذا جاء يومٌ مُظْلِمُ الشمسِ كاسِفُ
يريد كاسِف الشمس فحذفه لأَنه قدم ذكره. وقال الجوهري: يوم عاصف أَي
تَعْصِف فيه الريح، وهو فاعل بمعنى مفعول فيه، مثل قولهم لَيْلٌ نائمٌ
وهَمٌّ ناصبٌ، وجمع العاصِف عَواصِفُ. والمُعْصِفاتُ: الرِّياحُ التي تُثير
السَّحاب والوَرَق وعَصْفَ الزَّرعِ. والعَصْفُ والتعصُّف: السُّرعة، على
التشبيه بذلك. وأَعْصَفَتِ الناقةُ في السير: أَسْرَعتْ، فهي مُعْصفة؛
وأَنشد:
ومن كلِّ مِسْحاجٍ، إذا ابْتَلَّ لِيتُها،
تَخَلَّبَ منها ثائبٌ مُتَعَصِّفُ
يعني العَرَق. وأَعْصَفَ الفَرِسُ إذا مرَّ مرّاً سَريعاً، لغة في
أَحْصَف. وحكى أَبو عبيدة: أَعْصَف الرجل أَي هَلَك. والعَصيفةُ: الوَرقُ
المجتمع الذي يكون فيه السُّنْبُل. والعَصُوف: السريعة من الإبل. قال شمر:
ناقة عاصف وعَصُوفٌ سريعة؛ قال الشمَّاخ:
فأَضْحَت بصَحْراء البَسِيطةِ عاصفاً،
تُوالي الحَصى سُمْرَ العُجاياتِ مُجْمِرَا
وتُجْمَعُ الناقةُ العَصوفُ عُصُفاً؛ قال رؤبة:
بعُصُفِ المَرِّ خِماصِ الأَقْصابْ
يعني الأَمعاء. وقال النضر: إعْصافُ الإبل اسْتِدارتها حول البِئر
حِرْصاً على الماء وهي تطحنُ التراب حوله وتُثِيره. ونَعامة عَصُوفٌ: سريعة،
وكذلك الناقة، وهي التي تَعْصِفُ براكبها فتَمضي به.
والإعصاف: الإهْلاك. وأَعْصَف الرجلُ: هلَك. والحَرب تَعْصِف بالقوم:
تَذهَب بهم وتُهْلِكُهم؛ قال الأَعشى:
في فَيْلَقٍ جَأْواء مَلْمُومةٍ
تَعْصِف بالدَّارِعِ والحاسِر
أَي تُهْلِكهما. وأَعصَف الرجلُ: جار عن الطريق. قال المُفَضَّل: إذا
رمى الرجل غَرَضاً فصاف نبلُه قيل إن سهمك لعاصِفٌ، قال: وكلُّ مائل
عاصِفٌ؛ وقال كثِّير:
فَمَرّت بلَيْلٍ، وهي شَدْفاء عاصِفٌ
بمُنْخَرَقِ الدَّوداة، مَرَّ الخَفَيدَدِ
(* قوله «الدوداة» كذا بالأصل مضبوطاً ومثله شرح القاموس، وهي الجلبة
والأرجوحة كما في القاموس وغيره. وفي معجم ياقوت: الدوداء، بالمدّ، موضع
قرب المدينة ا هـ. وشكلت الدوداء فيه بالضم.)
قال اللحياني: هو يَعْصِفُ ويَعْتَصِفُ ويَصْرِفُ ويَصْطَرِف أَي يكسب.
وعَصَفَ يَعْصِفُ عَصْفاً واعتصَف: كسَب وطلَب واحْتالَ، وقيل: هو
كَسْبُه لأَهله. والعَصْفُ: الكسب؛ ومنه قول العجاج:
قد يَكْسِبُ المالَ الهِدانُ الجافي،
بغَير ما عَصْفٍ ولا اصْطِرافِ
والعُصُوفُ: الكَدُّ
(* قوله «والعصوف الكد» عبارة القاموس وشرحه: قال
ابن الاعرابي: العصوف الــكدرة، هكذا في سائر النسخ، وفي العباب: الكدر، وفي
اللسان: الكد.). والعُصوفُ: الخُمور.
رجج: الرَّجاجُ، بالفتح: المهازيل من الناس والإِبل والغنم؛ قال
القُلاخُ بنُ حَزْنٍ:
قد بَكَرَتْ مَحْوَةُ بالعَجَاجِ،
فَدَمَّرَتْ بَقِيَّةَ الرَّجاجِ
مَحوَة: اسم علم لريح الجَنُوب. والعجاج: الغبار. ودَمَّرَت: أَهلكت.
ونعجة رَجَاجَةٌ: مهزولة. والإِبل رَجْراجٌ، وناس رَجْراجٌ: ضُعَفَاء لا
عقول لهم. الأَزهري في أَثناء كلامه على هملج؛ وأَنشد:
أَعطى خَليلي نَعْجَةً هِمْلاجَا
رَجَاجَةً، إِنَّ لها رَجَاجَا
قال: الرَّجاجة الضعيفة التي لا نِقْيَ لها؛ ورجال رَجَاجٌ: ضعفاء.
التهذيب: الرَّجاجُ الضُّعَفاءُ من الناس والإِبل؛ وأَنشد:
أَقْبَلْنَ، مِنْ نِيرٍ ومِنْ سُواجِ،
بالقَوْمِ قد مَلُّوا من الإِدْلاجِ،
يَمْشُونَ أَفْواجاً إِلى أَفْوَاجِ،
مَشْيَ الفَرَارِيجِ مع الدَّجَاجِ،
فَهُمْ رَجَاجٌ وعلى رَجَاجِ
أَي ضعفوا من السير وضعفت رواحلهم.
ورِجْرِجَةُ الناس: الذين لا خير فيهم. والرِّجْرِجةُ: شِرارُ الناس.
وفي حديث الحسن
(* قوله «وفي حديث الحسن» أَي لما خرج يزيد ونصب رايات
سوداً، وقال: أدعوكم إلى سنة عمر بن عبد العزيز. فقال الحسن في كلام له: نصب
قصباً علق عليها خرقاً ثم اتبعه رجرجة من الناس، رعاع هباء. والرجرجة،
بكسر الراءين: بقية الحوض كدرة خاثرة تترجرج. شبه بها الرذال من الأتباع في
أنهم لا يغنون عن المتبوع شيئاً كما لا تغني هي عن الشارب؛ وشبههم أيضاً
بالهباء، وهو ما يسطع مما تحت سنابك الخيل. وهبا الغبار يهبو وأهبى
الفرس، كذا بهامش النهاية.) أَنه ذكر يزيد بن المهلب، فقال: نَصَبَ قَصَباً
عَلَّقَ فيها خِرَقاً، فاتَّبَعَهُ رِجْرِجةٌ من الناس؛ شمر: يعني رُذال
الناس ورِعاعهم الذين لا عقول لهم؛ يقال: رِجْراجَة من الناس ورِجْرجَةٌ.
الكلابيّ: الرِّجْرِجَةُ من القوم: الذين لا عقل لهم. وفي حديث عمر بن
عبد العزيز: الناس رَجاجٌ بعد هذا الشيخ، يعني مَيْمُونَ ابنَ مِهْرانَ؛ هم
رِعاعُ الناس وجُهَّالُهم. ويقال للأَحمق: إِن قبلبك لكثيرُ
الرَّجْرَجَةِ؛ وفلانٌ كثير الرَجْرِجَةِ أَي كثير البُزاق. والرَّجْرِجَةُ: الجماعة
الكثيرة في الحرب. والرَّجاجَةُ: عِرِّيسَةُ الأَسد.
ورَجَّةُ القوم: اختلاط أَصواتهم، ورَجَّةُ الرَّعد: صوته.
والرَّجُّ: التحريك؛ رَجَّهُ يَرُجُّهُ رَجّاً: حَرَّكَهُ وزَلْزَلَه
فارْتَجَّ، ورَجْرَجَهُ فَتَرَجْرَجَ. والرَّجُّ: تحريكك شيئاً كحائط إِذا
حركته، ومنه الرَّجْرَجَةُ، قال الله تعالى: إِذا رُجَّتِ الأَرضُ
رَجًّا؛ معنى رُجَّتْ: حُرِّكَتْ حركة شديدة وزُلْزِلَتْ. والرَجْرَجَةُ:
الاضطراب.
وارْتَجَّ البحر وغيره: اضطرب؛ وفي الحديث: من ركب البحر حين يَرْتَجُّ
فقد برئت منه الذمة، يعني إِذا اضطربت أَمواجه؛ وهو افْتَعَلَ من
الرَّجِّ، وهو الحركة الشديدة؛ ومنه: إِذا رُجَّتِ الأَرضُ رَجًّا. وروي
أَرْتَجَ من الإِرتاج الإِغْلاق، فإِن كان محفوظاً، فمعناه أَغلق عن أَن يركب،
وذلك عند كثرة أَمواجه؛ ومنه حديث النفخ في الصور: فَتَرْتَجُّ الأَرض
بأَهلها أَي تضطرب؛ ومنه حديث ابن المسيب: لما قبض رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، ارْتَجَّتْ مكةُ بِصَوْتٍ عالٍ. وفي ترجمة رخخ: رَخَّه شَدَخَه؛
قال ابن مقبل:
فَلَبَّدَهُ مَسُّ القِطارِ، ورَخَّه
نِعاجٌ رَوافٍ، قَبْلَ أَن يَتَشَدَّدا
قال: ويروى ورَجَّه، بالجيم؛ ومنه حديث عليٍّ، عليه السلام: وأَما شيطان
الرَّدْهَةِ فقد لقِيتُه بِصعْقةٍ سمِعتُ لها وَجْبَةَ قَلْبِه ورَجَّةَ
صدره؛ وحديث ابن الزبير: جاء فَرَجَّ البابَ رَجّاً شديداً أَي زعزعه
وحركه. وقيل لابنةِ الخُسِّ: بمَ تعرفين لِقاحَ ناقتك؟ قالت: أَرى العَيْنَ
هاجَ، والسَّنَامَ راجَ، وتَمْشي وتَفَاجَ. وقال ابن دريد: وأُراها
تَفَاجُّ ولا تبول مكان قوله وتمشي وتَفاج؛ قالت: هاجَ فذكَّرَتِ العَيْنَ
حملاً لها على الطرْف أَو العضو، وقد يجوز أَن تكون احتملت ذلك للسجع.
والرَّجَجُ: الاضطراب. وناقة رَجَّاءُ: مضطربة السَّنامِ؛ وقيل: عظيمة
السَّنامِ.
وكَتِيبَةٌ رَجْراجَة: تَمَخَّضُ في سيرها ولا تكاد تسير لكثرتها؛ قال
الأَعشى:
ورَجْراجَةٍ، تَغْشَى النَّواظِرَ، فَخْمَةٍ،
وكُومٍ، على أَكْنَافِهِنَّ الرَّحائِلُ
وامرأَة رَجْراجَةُ: مُرْتَجَّةُ الكَفَلِ يَتَرَجْرَجُ كفلها ولحمها.
وتَرَجْرَجَ الشيءُ إِذا جاء وذهب.
وثَرِيدَةٌ رِجْراجَةٌ: مُلَيَّنَةٌ مُكْتَنِزَةٌ.
والرِّجْرِجُ: ما ارْتَجَّ من شيء. التهذيب: الارْتِجاجُ مطاوعة
الرَّجِّ.
والرِّجْرِجُ والرِّجْرِجَةُ، بالكسر: بقية الماء في الحوض؛ قال
هِمْيانُ بنُ قُحافَةَ:
فَأَسْأَرَتْ في الحَوْضِ حِضْجاً حاضِجَا،
قَدْ عادَ من أَنْفاسِها رَجَارِجَا
الصحاح: والرِّجْرِجَةُ، بالكسر، بقيةُ الماء، في الحوض،الــكَدِرَةُ
المختلطةُ بالطين. وفي حديث ابن مسعود: لا تقوم الساعة إِلا على شِرارِ الناس
كرِجْرِجَة الماء الخبيت؛ الرِّجرِجة، بكسر الراءين: بقية الماء الكدر
في الحوض المختلطة بالطين ولا ينتفع بها؛ قال أَبو عبيد: الحديث يروى
كرِجْراجَةٍ، والمعروف في الكلام رِجْرِجَة؛ والرَّجْراجَةُ: المرأَة التي
يَتَرَجْرَجُ كفلها. وكَتِيبة رَجْراجَة: تموج من كثرتها؛ قال ابن الأَثير:
فكأَنه، إِن صحت الرواية، قصد الرِّجْرِجة، فجاء بوصفها لأَنها طينة
رقيقة تترجرج؛ وفي حديث عبد الله بن مسعود: لا تقوم الساعة إِلا على شرار
الناس كرِجْراجَةِ الماء التي لا تُطْعِمُ
(* قوله «التي لا تطعم» من اطعم
أي لا طعم لها. وقوله «الذي لا يطعم» هو يفتعل من الطعم، كيطرد من الطرد
أي لا يكون لها طعم، أَفاده في النهاية.) ؛ قال ابن سيده: حكاه أَبو
عبيد، وإِنما المعروف الرِّجْرِجَةُ؛ قال: ولم أَسمع بالرِّجْراجَةِ في هذا
المعنى إِلاَّ في هذا الحديث؛ وفي رواية: كرِجْرِجَةِ الماء الخبيث الذي
لا يَطَّعِمُ. قال أَبو عبيد: أَما كلام العرب فرِجْرِجَةٌ، وهي بقية
الماء في الحوض الــكدرة المختلطة بالطين، لا يمكن شربها ولا ينتفع بها، وإِنما
تقول العرب الرَّجْراجَةُ للكتيبة التي تموج من كثرتها؛ ومنه قيل:
امرأَة رَجْراجَة يتحرك جسدها، وليس هذا من الرِّجْرِجة في شيء.
والرِّجْرِجَةُ: الماء الذي قد خالطه اللُّعابُ. والرِّجرِجُ أَيضاً:
اللُّعابُ؛ قال ابن مقبل يصف بقرة أَكل السبع ولدها:
كادَ اللُّعاعُ مِنَ الحَوْذانِ يَسْحَطُها،
ورِجْرِجٌ بَيْنَ لَحْيَيْها خَنَاطِيلُ
وهذا البيت أَورده الجوهري
(* قوله «وهذا البيت أورده الجوهري إلخ» وضبط
الرجرج في البيت، بكسر الراءين بالقلم، في نسخة من الصحاح، كما ضبط كذلك
في أصل اللسان، ولكن في القاموس الرجرج كفلفل أي بضم الراءين، نبت. ولعل
الضبطين سمعا.) شاهداً على قوله: والرِّجْرِجُ أَيضاً نبت، وأَنشده.
ومعنى يَسْحَطُها: يذبحها ويقتلها، أَي لما رأَت الذئب أَكل ولدها، غصت بما
لا يغص بمثله لشدة حزنها. والخناطيل: القطع المتفرّقة، أَي لا تسيغ أَكل
الحَوْذانِ واللُّعاعِ مع نعومته. والرِّجْرِجُ: ماءُ القَريسِ.
والرَّجْرَجُ: نعت الشيء الذي يَتَرَجْرَجُ؛ وأَنشد:
وكَسَتِ المِرْطَ قَطاةً رَجْرَجا
والرِّجْرِجُ: الثريد المُلَبَّقُ.
والرَّجْراجُ: شيء من الأَدوية.
الأَصمعي وغيره: رَجْرَجْتُ الماءَ ورَدَمْتُه أَي نَبَثْتُه. وارْتَجَّ
الكلامُ: التبس؛ ذكره ابن سيده في هذه الترجمة، قال: وأَرض مُرْتَجَّةُ
كثيرة النبات.
صدأ: الصُّدْأَةُ: شُقْرةٌ تَضْرِبُ إِلى السَّوادِ الغالِبِ. صَدِئَ
صَدَأً، وهو أَصْدَأُ والأُنثى صَدْآءُ وصَدِئةٌ، وفرس أَصْدَأُ وجَدْيٌ
أَصْدَأُ بيِّنُ الصَّدَإِ، إِذا كان أَسودَ مُشْرَباً حُمْرةً، وقد صَدِئَ.وعَناقٌ صَدْآءُ. وهذا اللون من شِياتِ المعِز الخَيْل. يقال: كُمَيْتٌ أَصْدَأُ إِذا عَلَتْه كُدْرةٌ، والفعل على وجهين: صَدِئَ يَصْدَأُ وأَصْدَأَ يُصْدِئُ. الأَصمعي في باب أَلوانِ الإِبل: إِذا خالَطَ كُمْتةَ البَعِيرِ مثْلُ صَدَإِ الحديد فهو الحُوَّةُ.
شمر: الصَّدْآءُ على فَعْلاء: الأَرض التي تَرى حَجَرها أَصْدَأَ أَحمر يَضْرِب إِلى السَّواد، لا تكون إِلاَّ غَلِيظة، ولا تكون مُسْتَوِيةً بالأَرض، وما تحتَ حِجارة الصدْآء أَرض غَلِيظةٌ، وربما كانت طِيناً وحِجارةً. وصُداء، ممدود: حَيٌّ مِنَ اليَمَنِ. وقال لبيد:
فَصَلَقْنا في مُرادٍ صَلْقةً، * وصُداءٌ أَلْحَقَتْهُمْ بالثَّلَلْ
والنِّسبةُ إليه صُداوِيٌّ بمنزلة الرُهاوِي. قال: وهذه الـمَدَّةُ، وإِن
كانت في الأَصل ياءً أَو واواً، فانما تجعل في النِّسْبة واواً كراهيةَ التقاء الياءات. أَلا ترى أَنك تقول: رَحًى ورَحَيانِ، فقد علمت أن أَلف رَحًى
ياء. وقالوا في النسبة اليها رَحَوِيٌّ لتلك العِلّة.
والصَّدَأُ، مهموز مقصور: الطَّبَعُ والدَّنَسُ يَرْكَب الحديدَ.
وصَدَأُ الحديدِ: وسَخهُ. وصَدِئَ الحديدُ ونحوهُ يَصْدَأُ صَدَأً، وهو
أَصْدَأُ: عَلاه الطَّبَعُ، وهو الوسَخُ. وفي الحديث: إِنَّ هذه القُلوب
تَصْدَأُ كما يَصْدَأُ الحَدِيدُ، وهو أَن يَرْكَبَها الرَّيْنُ بِمُباشَرةِ
الـمَعاصِي والآثامِ، فَيَذْهَبَ بِجَلائِها، كما يعلو الصَّدأُ وجْهَ
المِرآةِ والسَّيْفِ ونحوهما.
وكَتِيبةٌ صَدْآء: عِلْيَتُها صَدَأُ الحَديِد، وكَتِيبةٌ جَأْواء إِذا كان عِلْيَتُها صدأَ الحديد. وفي حديث عمر رضي اللّه عنه: أَنه سأَلَ الأُسْقُفَّ عن الخُلَفاء فحَدَّثه حتى انتهى إِلى نَعْتِ الرَّابِع منهم فقال:
صَدَأٌ مِنْ حَدِيدٍ، ويروى: صَدَعٌ من حديد، أَرادَ دَوامَ لُبْس الحَدِيد لاتِّصال الحروب في أَيام عليٍّ عليه السلام، وما مُنِيَ به من مُقاتَلةِ الخَوارِج والبُغاة ومُلابَسةِ الأُمُورِ الـمُشْكِلة والخُطُوبِ
الـمُعْضِلة، ولذلك قال عمر رضي اللّه عنه: وادَفْراه، تَضَجُّراً من ذلك واستِفْحاشاً. ورواه أَبو عبيد غير مهموز، كأَنَّ الصَّدَا لغة في الصَّدَع، وهو اللَّطِيفُ الجِسْمِ. أَراد أَنَّ عَلِيَّاً خَفيفُ الجِسْمِ يَخِفُّ إِلى الحُروب، ولا يَكْسَلُ، لِشدّة بأْسه وشجاعَته.
ويَدِي مِن الحَدِيد صَدِئةٌ أَي سَهِكةٌ. وفلان صاغِرٌ صَدِئ إِذا
لَزِمَه صَدَأُ العارِ واللَّوْمِ. ورجل صَدَأ: لَطِيفُ الجِسمِ كَصَدَعٍ.وروي الحديث: صَدَعٌ من حديد. قال: والصَّدأُ أَشبهُ بالمعنى، لأن الصَّدَأَ له دَفَرٌ، ولذلك قال عمر وادَفْراه، وهو حِدّةُ رائحةِ الشيء خبيثاً(1)
(1 قوله «خبيثاً إلخ» هذا التعميم انما يناسب الذفر بالذال المعجمة كما هو المنصوص في كتب اللغة، فقوله وأَما الذفر بالذال فصوابه بالدال المهملة فانقلب الحكم على المؤلف، جل من لا يسهو.)
كان أَو طيباً. وأَما
الذفر، بالذال، فهو النَّتْن خاصة. قال الأَزهري: والذي ذهب إليه شمر معناه حسن. أَراد أَنه، يعني عَلِيًّا رضي اللّه عنه، خفيفٌ يَخِفُّ إِلى الحُرُوب فلا يَكْسَلُ، وهو حَدِيدٌ لشدةِ بأْسه وشَجاعتِه. قال اللّه تعالى:
وأَنزلنا الحديدَ فيه بأْسٌ شديد. وصَدْآءُ: عَيْنٌ عذبة الماء، أَو بئر.
وفي المثل: ماءٌ ولا كَصَدْآءَ.
قال أَبو عبيد: من أَمثالهم في الرجلين يكونانِ ذَوَيْ فضل غير أَن لأَحدهما فضلاً على الآخر قَولهم: ماءٌ ولا كَصَدْآءَ، ورواه المنذري عن أَبي الهيثم: ولا كَصَدَّاءَ، بتشديد الدال والـمَدّة، وذكر أَن المثَل لقَذورَ بنت قيس بن خالد الشَّيباني، وكانت زوجةَ لَقِيط بن زُرارةَ، فتزوّجها بعده رجُل من قَومها، فقال لها يوماً: أَنا أَجملُ أَم لَقِيطٌ؟ فقالت:
ماءٌ ولا كَصَدْآء أَي أَنت جَميلٌ ولستَ مثلَهُ. قال المفضل: صَدَّاءُ: رَكِيّةٌ ليس عندهم ماء أَعذب من مائها، وفيها يقول ضِرارُ بن عَمرو السَّعْدي:
وإِني، وتَهْيامي بزَيْنَبَ، كالذي * يُطالِبُ، من أَحْواضِ صَدَّاءَ، مَشْرَبا قال الأَزهري: ولا أَدري صدَّاء فَعَّالٌ أَو فعلاء، فإِن كان فَعَّالاً: فهو من صَدا يَصْدُو أَو صَدِيَ يَصْدَى. وقال شمر: صَدا الهامُ يَصْدُو إِذا صاحَ، وإِن كانت صَدَّاءُ فَعْلاء، فهو من الـمُضاعَفِ كقولهم: صَمَّاء من الصَّمَم.
دخخ: الدَّخُّ والدُّخُّ والطَّسْلُ والنُّحاسُ: الدُّخانُ، وحكاه ابن
دريد بالضم فقط؛ وقال الشاعر:
لا خيرَ في الشَّيْخِ إِذا ما اجْلَخَّا،
وسالَ غَرْبُ عينِه فاطْلَخَّا،
والتْوَتِ الرِّجْلُ فصارتْ فَخَّا،
وصارَ وَصْلُ الغانِياتِ أَخّا،
عند سعُارِ النارِ يَغْشَى الدُّخَّا
أَراد الدُّخَانَ. وفي الحديث: قال لابن صَيَّادٍ ما خَبَأْتُ لك؟ قال:
هو الدُّخُّ؛ الدَّخُّ، بفتح الدال وضمها: الدُّخَانُ؛ قال الشاعر:
عند رِوَاق البيتِ يَغْشَى الدُّخَّا
وفسر في الحديث أَنه أَراد بذلك: يوم تأْتي السماء بدُخانٍ مبين. وقيل:
إِن الدجال يقتله عيسى
بن مريم بجبل الدُّخَانِ فيحتمل أَن يكون أَراده تعريضاً بقتله، لأَن
ابن صَيَّادٍ كان يظن أَنه الدجال.
والدَّخَخُ: سواد وكُدْرة.
والدَّخْدَخةُ: مثل التَّدْوِيخ؛ ودَخْدَخَهُم: دَوَّخهم. والدَّخْدَخة:
تَقاربُ الخَطوِ في عَجَلةٍ.
وفي النوادر: مَرَّ فلان مُدَخْدِخاً ومُزَخْزِخاً إِذا مر مسرعاً.
وتَدَخْدَخَ الليلُ إِذا اختلط ظَلامه. وتَدَخْدَخَتْ. والدُّخْدُخُ:
دُوَيْبَّةٌ؛ قال المُؤَرِّج: الدَّخْداخ دويبة صفراء كثيرة الأَرجل؛ قال
الفَقْعَسِيّ:
ضَحِكَتْ ثم أَغْرَبَتْ أَن رأَتني،
لاقْتِطاعِي قَوائمَ الدَّخْداخِ
ورجل دُخْدُخٌ ودُخادِخٌ: قصير. وتَدَخْدَخَ الرجلُ: انقبض، لغة مرغوبٌ
عنها. ودُخْدُخْ ودُخْدُوخْ: كلمة يُسَكَّتُ بها الإِنسانُ ويُقْدَعُ،
ومعناه قد أَقررت فاسكت.
ودَخْدَخْنا القومَ: ذللناهم ووَطِئناهم؛ قال الشاعر:
ودَخْدَخَ العَدُوَّ حتى اخَرَمّسَا
وكذلك دُخْنا البلادَ. والدَّخْدَخةُ: الإِعْياءُ. ودَخْدَخ البعيرُ
إِذا رُكِبَ حتى أَعيا وذَلَّ؛ قال الراجز:
والعَوْدُ يشكو ظَهْرَه قد دَخْدَخا
قهبلس: القَهْبَلِس: الضخمة من النساء. والقَهْبَلِس: الكَمَرَة؛ وقد
توصف به، قال:
فَيْشَلَة قَهْبَلِس كُباس
والقَهْبَلِس، مثال الجَحْمَرِش: الذَّكَر. والقَهْبَلِس: القملة
الصغيرة. ابن الأَعرابي: يقال للقملة الصغيرة الهُنْبُغ والهُنْبوغ
والقَهْبَلِس. والقَهْبَلِس: الأَبيض الذي تعلوه كُدْرة.
سجر: سَجَرَه يَسْجُرُه سَجْراً وسُجوراً وسَجَّرَه: ملأَه. وسَجَرْتُ
النهَرَ: ملأْتُه. وقوله تعالى: وإِذا البِحارُ سُجِّرَت؛ فسره ثعلب فقال:
مُلِئَتْ، قال ابن سيده: ولا وجه له إِلا أَن تكون مُلِئَت ناراً. وقوله
تعالى: والبحرِ المَسْجُورِ؛ جاء في التفسير: أَن البحر يُسْجَر فيكون
نارَ جهنم. وسَجَرَ يَسْجُر وانْسَجَرَ: امتلأَ. وكان علي بن أَبي طالب،
عليه السلام، يقول: المسجورُ بالنار أَي مملوء. قال: والمسجور في كلام
العرب المملوء. وقد سَكَرْتُ الإِناء وسَجَرْته إِذا ملأْته؛ قال لبيد:
مَسْجُورةً مُتَجاوراً قُلاَّمُها
وقال في قوله: وإِذا البِحارُ سُجِّرَت؛ أَفضى بعضها إِلى بعض فصارت
بحراً واحداً. وقال الربيع: سُجِّرَتْ أَي فاضت، وقال قتادة: ذَهَب ماؤها،
وقال كعب: البحر جَهنم يُسْجَر، وقال الزجاج: قرئ سُجِّرت وسُجِرَت،
ومعنى سُجِّرَت فُجِّرَت، وسُجِرَت مُلِئَتْ؛ وقيل: جُعِلَت مَبانِيها
نِيرانَها بها أَهْلُ النار. أَبو سعيد: بحر مسجورٌ ومفجورٌ. ويقال: سَجَّرْ
هذا الماءَ أَي فَجّرْه حيث تُرِيدُ. وسُجِرَت الثِّماد
(* قوله: «وسجرت
الثماد» كذا بالأَصل المعوّل عليه ونسخة خط من الصحاح أَيضاً، وفي المطبوع
منه الثمار بالراء وحرر، وقوله وكذلك الماء إلخ كذا بالأَصل المعوّل عليه
والذي في الصحاح وذلك وهو الأولى). سَجْراً: مُلِئت من المطر وكذلك
الماءُ سُجْرَة، والجمع سُجَر، ومنه البحر المسجور. والساجر: الموضع الذي
يمرّ به السيل فيملؤه، على النسب، أَو يكون فاعلاً في معنى مفعول، والساجر:
السيل الذي يملأ كل شيء. وسَجَرْت الماء في حلقه: صببته؛ قال مزاحم:
كما سَجَرَتْ ذا المَهْدِ أُمٌّ حَفِيَّةٌ،
بِيُمْنَى يَدَيْها، مِنْ قَدِيٍّ مُعَسَّلِ
القَدِيُّ: الطَّيِّبُ الطَّعْمِ من الشراب والطعام. ويقال:
(* قوله:
«ويقال إلخ» عبارة الأساس ومررنا بكل حاجر وساجر وهو كل مكان مر به السيل
فملأه). وَرَدْنا ماءً ساجِراً إذا ملأَ السيْلُ. والساجر: الموضع الذي
يأْتي عليه السيل فيملؤه؛ قال الشماخ:
وأَحْمَى عليها ابْنَا يَزِيدَ بنِ مُسْهِرٍ،
بِبَطْنِ المَراضِ، كلَّ حِسْيٍ وساجِرِ
وبئر سَجْرٌ: ممتلئة والمَسْجُورُ: الفارغ من كل ما تقدم، ضِدٌّ؛ عن
أَبي علي. أَبو زيد: المسجور يكون المَمْلُوءَ ويكون الذي ليس فيه شيء.
الفراء: المَسْجُورُ اللبنُ الذي ماؤه أَكثر من لبنه. والمُسَجَّرُ: الذي غاض
ماؤه.
والسَّجْرُ: إيقادك في التَّنُّور تَسْجُرُه بالوَقُود سَجْراً.
والسَّجُورُ: اسم الحَطَب. وسَجَرَ التَّنُّورَ يَسْجُرُه سَجْراً: أَوقده
وأَحماه، وقيل: أَشبع وَقُودَه. والسَّجُورُ: ما أُوقِدَ به. والمِسْجَرَةُ:
الخَشَبة التي تَسُوطُ بها فيه السَّجُورَ. وفي حديث عمرو بن العاص:
فَصَلِّ حتى يَعْدِلَ الرُّمْحَ ظَلُّه ثم اقْصُرْ فإِن جهنم تُسْجَرُ وتُفتح
أَبوابُها أَي توقد؛ كأَنه أَراد الإِبْرادَ بالظُّهر لقوله، صلى الله
عليه وسلم: أَبْرِدُوا بالظهر فإِن شِدَّةَ الحرّ من فَيْحِ جهنم، وقيل:
أَراد به ما جاء في الحديث الآخر: إِنّ الشمس إِذا استوتْ قارَنَها
الشيطانُ فإِذا زالت فارَقَها؛ فلعل سَجْرَ جهنم حينئذٍ لمقارنة الشيطانِ الشمسَ
وتَهْيِئَتِه لأَن يَسْجد له عُبَّادُ الشمس، فلذلك نهى عن ذلك في ذلك
الوقت؛ قال الخطابي، رحمه الله تعالى: قوله تُسْجَرُ جهنم وبين قرني
الشيطان وأَمثالها من الأَلفاظ الشرعية التي ينفرد الشارع بمعانيها ويجب علينا
التصديقُ بها والوُقوفُ عند الإِقرار بصحتها والعملُ بِمُوجَبِها.
وشَعْرٌ مُنْسَجِرٌ وَمَسْجُورٌ
(* قوله: «ومسجور» في القاموس مسوجر،
وزاد شارحه ما في الأصل): مسترسل؛ قال الشاعر:
إِذا ما انْثَنَى شَعْرُه المُنْسَجِرْ
وكذلك اللؤلؤُ لؤلؤٌ مسجورٌ إِذا انتثر من نظامه.
الجوهري: اللؤلؤُ المَسْجُورُ المنظومُ المسترسل؛ قال المخبل السعدي
واسمه ربيعة بن مالك:
وإِذ أَلَمَّ خَيَالُها طَرَفَتْ
عَيْني، فماءُ شُؤُونها سَجْمُ
كاللُّؤْلُؤِ المَسْجُورِ أُغفِلَ في
سِلْكِ النِّظامِ، فخانه النَّظْمُ
أَي كأَنَّ عيني أَصابتها طَرْفَةٌ فسالت دموعها منحدرة، كَدُرٍّ في
سِلْكٍ انقطع فَتَحَدَّرَ دُرُّه؛ والشُّؤُونُ: جمعُ شَأْنٍ، وهو مَجْرَى
الدمع إِلى العين. وشعر مُسَجَّرٌ: مُرَجَّلٌ. وسَجَرَ الشيءَ سَجْراً:
أَرسله، والمُسَجَّرُ: الشعَر المُرْسَل؛ وأَنشد:
إِذا ثُني فَرْعُها المُسَجَّر
ولؤلؤة مَسْجُورَةٌ: كثيرة الماء. الأَصمعي: إِذا حنَّت الناقة
فَطَرِبَتْ في إِثر ولدها قيل: سَجَرَت الناقةُ تَسْجُرُ سُجوراً وسَجْراً
ومَدَّتْ حنينها؛ قال أَبو زُبَيْد الطائي في الوليد بن عثمان بن عفان، ويروى
أَيضاً للحزين الكناني:
فإِلى الوليدِ اليومَ حَنَّتْ ناقتي،
تَهْوِي لِمُغْبَرِّ المُتُونِ سَمَالِقِ
حَنَّتْ إِلى بَرْقٍ فَقُلْتُ لها: قُرِي
بَعْضَ الحَنِينِ، فإِنَّ سَجْرَكِ شائقي
(* قوله: «إلى برق» كذا في الأَصل بالقاف، وفي الصحاح أَيضاً. والذي في
الأَساس إلى برك، واستصوبه السيد مرتضى بهامش الأصل).
كَمْ عِنْدَه من نائِلٍ وسَماحَةٍ،
وشَمائِلٍ مَيْمُونةٍ وخَلائق
قُرِي: هو من الوَقارِ والسكون، ونصب به بعض الحنين على معنى كُفِّي عن
بعض الحنين فإِنَّ حنينك إِلى وطنك شائقي لأَنه مُذَكِّر لي أَهلي ووطني.
والسَّمالِقُ: جمعُ سَمْلَق، وهي الأَرض التي لا نبات بها. ويروى:
قِرِي، من وَقَرَ. وقد يستعمل السَّجْرُ في صَوْتِ الرَّعْدِ. والساجِرُ
والمَسْجُورُ: الساكن. أَبو عبيد: المَسْجُورُ الساكن والمُمْتَلِئُ
معاً.والساجُورُ: القِلادةُ أَو الخشبة التي توضع في عنق الكلب. وسَجَرَ
الكلبَ والرجلَ يَسْجُرُه سَجْراً: وضع الساجُورَ في عنقه؛ وحكى ابن جني:
كلبٌ مُسَوْجَرٌ، فإِن صح ذلك فشاذٌّ نادر. أَبو زيد: كتب الحجاج إِلى عامل
له أَنِ ابْعَثْ إِليَّ فلاناً مُسَمَّعاً مُسَوْجَراً أَي مُقَيَّداً
مغلولاً. وكلب مَسْجُورٌ: في عنقه ساجورٌ.
وعين سَجْراءُ: بَيِّنَةُ السَّجَرِ إِذا خالط بياضها حمرة. التهذيب:
السَّجَرُ والسُّجْرَةُ حُمْرَةٌ في العين في بياضها، وبعضهم يقول: إِذا
خالطت الحمرة الزرقة فهي أَيضاً سَجْراءُ؛ قال أَبو العباس: اختلفوا في
السَّجَرِ في العين فقال بعضهم: هي الحمرة في سواد العين، وقيل: البياض
الخفيف في سواد العين، وقيل: هي كُدْرَة في باطن العين من ترك الكحل. وفي صفة
علي، عليه
السلام: كان أَسْجَرَ العين؛ وأَصل السَّجَرِ والسُّجْرَةِ الــكُدْرَةُ.
ابن سيده: السَّجَرُ والسُّجْرَةُ أَن يُشْرَبَ سوادُ العين حُمْرَةً،
وقيل: أَن يضرب سوادها إِلى الحمرة، وقيل: هي حمرة في بياض، وقيل: حمرة في
زرقة، وقيل: حمرةٌ يسيرة تُمازج السوادَ؛ رجل أَسْجَرُ وامرأَة سَجْراءُ
وكذلك العين.
والأَسْجَرُ: الغَدِيرُ الحُرُّ الطِّينِ؛ قال الشاعر:
بِغَرِيضِ ساريةٍ أَدَرَّتْه الصَّبَا،
من ماء أَسْجَرَ، طَيِّبَ المُسْتَنْقَعِ
وغَدِيرٌ أَسْجَرُ: يضرب ماؤه إِلى الحمرة، وذلك إِذا كان حديث عهد
بالسماء قبل أَن يصفو؛ ونُطْفَةٌ سَجْراءُ، وكذلك القَطْرَةُ؛ وقيل: سُجْرَةُ
الماء كُدْرَتُه، وهو من ذلك. وأَسَدٌ أَسْجَرُ: إِمَّا للونه، وإِما
لحمرة عينيه.
وسَجِيرُ الرجل: خَلِيلُه وصَفِيُّه، والجمع سُجَرَاءٌ. وسَاجَرَه:
صاحَبَهُ وصافاه؛ قال أَبو خراش:
وكُنْتُ إِذا سَاجَرْتُ منهم مُساجِراً،
صَبَحْتُ بِفَضْلٍ في المُروءَةِ والعِلْم
والسَّجِيرُ: الصَّدِيقُ، وجمعُه سُجَراء.
وانْسَجَرَتِ الإِبلُ في السير: تتابعت. والسَّجْرُ: ضَرْبٌ من سير
الإِبل بين الخَبَب والهَمْلَجَةِ. والانْسِجارُ: التقدّمُ في السير
والنَّجاءُ، وهو بالشين معجمة، وسيأْتي ذكره.
والسَّجْوَرِيُّ: الأَحْمَقُ. والسَّجْوَرِيُّ: الخفيف من الرجال؛ حكاه
يعقوب، وأَنشد:
جاء يَسُوقُ الْعَكَرَ الهُمْهُومَا
السَّجْوَرِيُّ لا رَعَى مُسِيمَا
وصادَفَ الغَضْنْفَرَ الشَّتِيمَا
والسَّوْجَرُ: ضرب من الشجر، قيل: هو الخِلافُ؛ يمانية. والمُسْجَئِرُّ:
الصُّلْبُ. وساجِرٌ: اسم موضع؛ قال الراعي:
ظَعَنَّ ووَدَّعْنَ الجَمَادَ مَلامَةً،
جَمَادَ قَسَا لَمَّا دعاهُنَّ سَاجِرُ
والسَّاجُورُ: اسم موضع. وسِنْجارٌ: موضع؛ وقول السفاح بن خالد التغلبي:
إِنَّ الكُلابَ ماؤُنا فَخَلُّوهْ،
وساجِراً واللهِ لَنْ تَحُلّوهْ
قال ابن بري: ساجراً اسم ماء يجتمع من السيل.
قهب: القَهْبُ: الـمُسِنُّ؛ قال رؤبة:
إِنَّ تميماً كان قَهْباً مِنْ عادْ
وقال:
إِنَّ تَمِـيماً كان قَهْباً قَهْقَبَا
أَي كان قَديمَ الأَصل عادِيَّهُ. ويقال للشيخ إِذا أَسَنَّ: قَحْرٌ وقَحْبٌ وقَهْبٌ.
والقَهْبُ من الإِبل: بعد البازل. والقَهْبُ: العظيم. وقيل: الطويلُ من الجبال، وجمعُه قِهابٌ. وقيل: القِهابُ جبال سُود تُخالِطُها حُمْرة.
والأَقْهَبُ: الذي يَخْلِطُ بياضَه حُمْرة. وقيل: الأَقْهَبُ الذي فيه
حُمْرَة إِلى غُبْرة؛ ويقال: هو الأَبيضُ الأَكْدَرُ؛ وأَنشد لامرئ
القيس:
وأَدْرَكَهُنّ، ثانِـياً من عِنانِه، * كغَيْثِ العَشِـيِّ الأَقْهَبِ الـمُتَوَدِّقِ
الضمير الفاعل في أَدْرَكَ يَعُودُ على الغلام الراكبِ الفرس للصيد، والضمير المؤَنث المنصوبُ عائد على السِّرْبِ، وهو القَطِـيعُ من البَقر والظباءِ وغيرهما؛ وقوله: ثانياً من عِنانِه أَي لم يُخْرِجْ ما عند الفرس من جَرْيٍ، ولكنه أَدْرَكَهُنَّ قبل أَن يَجْهَدَ؛ والأَقْهَبُ: ما كان لَوْنُه إِلى الــكُدْرة مع البياض للسواد.
والأَقْهَبانِ: الفِـيلُ والجامُوسُ؛ كل واحد منهما أَقْهَبُ، لِلَونه؛
قال رؤْبة يَصِفُ نَفْسَه بالشدَّة:
لَيْثٌ يَدُقُّ الأَسدَ الـهَمُوسا، * والأَقْهَبَيْنِ: الفِـيلَ والجامُوسا
والاسم القُهْبة؛ والقُهْبة: لَوْنُ الأَقْهَبِ، وقيل: هو غُبْرة إِلى
سَواد، وقيل: هو لونٌ إِلى الغُبْرة ما هو، وقد قَهِبَ قَهَباً.
والقَهْبُ: الأَبيضُ تَعْلوه كُدْرة، وقيل: الأَبيضُ، وخَصَّ بعضُهم به
الأَبيضَ من أَولاد الـمَعَز والبقر.
يقال: إِنه لقَهْبُ الإِهابِ، وقُهابُه، وقُهَابِـيُّه، والأُنثى قَهْبةٌ لا غير؛ وفي الصحاح: وقَهْباء أَيضاً. الأَزهري: يقال إِنه لقَهْبُ الإِهابِ، وإِنه لقُهابٌ وقُهابيٌّ.
والقَهْبِـيُّ: اليَعْقُوب، وهو الذَّكَر من الـحَجَل؛ قال:
فأَضْحَتِ الدارُ قَفْراً، لا أَنِـيسَ بها، * إِلا القُهَابُ مع القَهْبـيّ، والـحَذَفُ
والقُهَيْبةُ: طائر يكون بتِهامةَ، فيه بياضٌ وخُضْرة، وهو نوع من
الـحَجَل. والقَهَوْبَةُ والقَهَوْباةُ (1)
(1 قوله «والقهوبة والقهوباة» ضبطا بالأصل والتهذيب والقاموس بفتح أولهما وثانيهما وسكون ثالثهما لكن خالف
الصاغاني في القهوبة فقال بوزن ركوبة أي بفتح فضم.) من نِصَالِ السِّهامِ: ذاتُ شُعَبٍ ثلاثٍ، وربما كانَتْ ذاتَ حَديدَتَيْنِ، تَنْضَمَّانِ أَحْياناً، وتَنْفَرِجانِ أُخْرى. قال ابن جني: حكى أَبو عبيدة القَهَوْباةُ، وقد قال سيبويه: ليس في الكلام فَعَوْلى، وقد يمكن أَن يحتج له، فيقال: قد يمكن أَن يأْتي مع الهاء ما لولا هي لما أَتى، نحو تَرْقُوَةٍ وحِذْرِيَةٍ، والجمع القَهَوْبات.
والقَهُوبات: السِّهامُ الصِّغارُ الـمُقَرْطِساتُ، واحدها قَهُوبَةٌ؛ قال الأَزهري: هذا هو الصحيح في تفسير القَهُوبَة؛ وقال رؤْبة:
عن ذي خَناذيذَ قُهَابٍ أَدْلَمُه
قال أَبو عمرو: القُهْبَةُ سَواد في حُمْرة. أَقْهَبُ: بَيِّنُ القُهْبة. والأَدْلَم: الأَسْوَدُ. فالقَهْبُ: الأَبيضُ، والأَقْهَبُ: الأَدْلَم، كما تَرى.
مغر: المَغَرَةُ والمَغْرَةُ: طِينٌ أَحمرُ يُصْبَغُ به. وثوبٌ
مُمَغَّرٌ: مصبوغ بالمغرة. وبُسْرٌ مُمَغَّر: لونُه كلونِ المَغْرَةِ.
والأَمْغَرُ من الإِبل: الذي على لون المَغْرَةِ. والمَغَرُ والمُغْرَةُ: لونٌ إِلى
الحُمْرَةِ. وفرس أَمْغَرُ: من المَغْرَةِ، ومن شِياتِ الخيل أَشْقَرُ
أَمْغَرُ، وقيل: الأَمْغَرُ الذي ليس بناصِع الحُمرَة وليست إِلى الصفرة،
وحمرته كلَوْن المَغْرَةِ، ولون عُرْفِهِ وناصيتِه وأُذنَيه كلون
الصُّهْبة ليس فيها من البياض شيء، وقيل: هو الذي ليس بناصع الحمرة، وهو نحوٌ من
الأَشقَرِ، وشُقْرَتُهُ تَعلوها مُغْرَةٌ أَي كُدْرَةٌ، والأَشقَرُ
الأَقْهَبُ دون الأَشقَرِ في الحُمْرَة وفوق الأَفْضَحِ. ويقال: إِنه
لأَمْغَرُ أَمْكَرُ أَي أَحمر. والمَكْرُ: المَغْرَةُ. الجوهري: الأَمْغَرُ من
الخيل نحوٌ من الأَشقَرِ، وهو الذي شُقْرته تعلوها مُغْرَة أَي كدرةٌ. وفي
حديث يأْجوج ومأْجوج: فَرَمَوْا بِنِبالِهِمْ فخرّت عليهم مُتَمَغِّرَةً
دماً أَي مُحْمرَّة بالدَّم. وصقر أَمْغَرُ: ليس بناصِع الحمرة.
والأَمغرُ: الأَحمرُ الشعَرِ والجِلدِ على لونِ المَغَرَةِ. والأَمغرُ: الذي في
وجهه حمرةٌ وبياضٌ صافٍ، وقيل: المَغَرُ حمرة ليست بالخالصة. وفي الحديث:
أَن أَعرابيّاً قدِم على النبي، صلى الله عليه وسلم، فرآه مع أَصحابه
فقال: أَيُّكُم ابنُ عبد المطلب؟ فقالوا هو الأَمغرُ المرتَفِقُ؛ أَرادوا
بالأَمغرِ الأَبيضَ الوجهِ، وكذلك الأَحمرُ هو الأَبيضُ؛ قال ابن الأَثير:
معناه هو الأَحمرُ المتَّكِئُ على مِرْفَقِه، مأْخوذ من المَغْرَةِ،
وهو هذا المدَرُ الأَحمرُ الذي يُصْبَغُ به، وقيل: أَراد بالأَمغرِ الأَبيضَ
لأَنهم يسمُّون الأَبيضَ أَحمرَ. ولبنٌ مَغِيرٌ: أَحمرُ يخالِطه دمٌ.
وأَمْغَرتِ الشاةُ والناقةُ وأَنْغَرَتْ وهي مُمْغِرٌ: احمرَّ لبنُها
ولم تُخْرِطْ، وقال اللحياني: هو أَن يكون في لبنها شُكْلَةُ من دم أَي
حمرة واختلاط، وقيل: أَمغرَتْ إِذا حُلِبت فخرج مع لبنها دم من داءٍ بها،
فإِن كان ذلك لها عادةً فهي مِمْغارٌ. ونخلة مِمْغارٌ: حمراء التَّمرِ.
ومغَرَ فلان في البلاد إِذا ذهب وأَسرع. ومغَرَ به بعيره يَمْغَرُ:
أَسرع؛ ورأَيته يَمْغَرُ به بعيره. ومغَرَتْ في الأَرض مَغْرَةٌ من مطَرَةٍ:
هي مطرة صالحة.
وقال ابن الأَعرابي: المَغْرَةُ المطَرة الخفيفة. ومَغْرَةُ الصيف
وبَغْرَتُه: شدة حره.
وأَوْسُ بن مَغْراء: أَحد شعراء مُضَر. وقول عبد الملك لجرير: يا جرير
مَغِّرْ لنا أَي أَنشِدْ لنا قولَ ابن مَغْرَاء، والمغراء تأْنيث
الأَمغرِ. ومَغْرَانُ: اسم رجل. وماغِرَةُ: اسم موضع؛ قال الأَزهري: ورأَيت في
بلاد بني سعد رَكِيَّةً تعرف بمكانها، وكان يقال له الأَمغرُ، وبحذائها
ركيةٌ أُخرى يقال لها الحِمارَةُ، وهما شَرُوبٌ. وفي حديث الملاعنة: إِنْ
جاءت به أُمَيْغِرَ سَبِطاً فهو لزوجها؛ هو تصغير الأَمغرِ.
كلف: الكلَف: شيء يعلو الوجه كالسِّمسم. كَلِفَ وجهُه يَكْلَفُ كلَفاً،
وهو أَكلف: تغيَّر. والكلَف والكُلْفَةُ: حُمْرة كَدرة تعلو الوجه، وقيل:
لون بين السواد والحمرة، وقيل: هو سواد يكون في الوجه، وقد كَلِفَ.
وبعير أَكلَف وناقة كلْفاء وبه كُلْفة، كلُّ هذا في الوجه خاصة، وهو لون يعلو
الجلد فيغير بشرته. وثور أَكلف وخدّ أَكلَفُ: أَسفَع؛ قال العجاج يصف
الثور:
عن حَرْفِ خَيْشومٍ وخَدٍّ أَكْلَفا
ويقال للبَهَق الكَلَف. والبعير الأَكلف: يكون في خديه سواد خَفيّ.
الأَصمعي: إذا كان البعير شديد الحمرة يخلِط حُمرته سواد ليس بخالص فتلك
الكلفة. ويقال: كُمَيْت أَكلف للذي كلِفَت حُمرته فلم تَصْفُ ويرى في أَطراف
شعره سواد إلى الاحتراق ما هو. والكَلْفاء: الخمر التي تشتد حُمرتها حتى
تضرب إلى السواد. شمر وغيره: من أَسماء الخمر الكَلْفاء والعَذْراء.
وكَلِف بالشيء كلَفاً وكُلْفة، فهو كلِفٌ ومُكلَّف: لهِج به. أَبو زيد:
كَلِفْت منك أَمْراً كلَفاً. وكلِفَ بها أَشْد الكَلَفِ أَي أَحَبَّها.
ورجل مِكْلاف: مُحِبّ للنساء.
والمُكلَّف والمُتكلِّف: الوقّاعُ فيما لا يَعْنيه. والمُتكلِّف:
العِرِّيض لما لا يعنيه. الليث: يقال كلِفْت هذا الأَمْر وتكلَّفْتُه.
والكُلْفةُ: ما تكلَّفْت من أَمر في نائبة أَو حق. ويقال: كلِفْتُ بهذا الأَمر
أَي أُولِعْتُ به. وفي الحديث: اكلَفُوا من العمل ما تُطيقون، هو من
كَلِفْت بالأَمر إذا أُولِعْت به وأَحْبَبْته. وفي الحديث: عثمان كَلِفٌ
بأَقاربه أَي شديدُ الحبّ لهم. والكلَف: الوُلوع بالشيء مع شغل قلب ومَشقة.
وكلَّفه تكليفاً أَي أَمره بما يشق عليه. وتكلَّفت الشيء: تجشَّمْته على
مشقَّة وعلى خلاف عادتك. وفي الحديث أَراك كلِفْت بعلم القرآن، وكلِفْته إذا
تحمَّلته. ويقال: فلان يتكلف لإخوانه الكُلَف والتكاليف. ويقال: حَمَلْت
الشيء تَكْلِفة إذا لم تُطقه إلا تكلُّفاً، وهو تَفْعِلةٌ. وفي الحديث:
أَنا وأُمتي بُراءٌ من التكلُّف. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: نُهِينا
عن التكلُّف؛ أَراد كثرة السؤال والبحثَ عن الأَشياء الغامضة التي لا يجب
البحث عنها والأَخذَ بظاهر الشريعة وقبولَ ما أَتت به. ابن سيده: كَلِفَ
الأَمرَ وكلفَه تجشَّمه
(* قوله «وكلفه تجشمه» كذا بالأصل مخففاً، ولعله
كلف الأمر وتكلفه تجشمه كما يرشد إليه الشاهد بعد.) على مشقَّة وعُسْرة؛
قال أَبو كبير:
أَزُهَيْرُ، هل عن شَيْبةٍ من مَصْرِفِ،
أَم لا خُلودَ لِباذِلٍ مُتَكَلِّفِ؟
وهي الكُلَف والتكالِف، واحدتها تَكلِفة؛ وقوله:
وهُنَّ يَطْوِينَ على التكالِف
بالسَّوْمِ، أَحياناً، وبالتقاذُف
قال ابن سيده: يجوز أَن يكون من الجمع الذي لا واحد له، ويجوز أَن يكون
جمع تَكْلفة؛ ورواه ابن جني:
وهن يطوين على التكالُف
جاء به في السناد لأَن قبل هذا:
إذا احتسى، يومَ هَجِيرٍ هائف،
غُرورَ عِيدِيَّاتِها الخَوانِف
قال ابن سيده: ولم أَرَ أَحداً رواه التكالُف، بضم اللام، إلا ابن جني.
والكُلافيّ: ضرب من العنب أَبيض فيه خُضرة وإذا زُبِّب جاء زبيبه أَكلف
ولذلك سمي الكُلافي، وقيل: هو منسوب إلى كُلاف، بلد في شق اليمن معروف.
وذو كُلافٍ وكُلْفى: موضعان. التهذيب: وذو كُلاف اسم واد في شعر ابن
مقبل.
دخن: الدُّخْن: الجَاوَرْس، وفي المحكم: حَبُّ الجاوَرْس، واحدته
دُخْنَة. والدُّخَان: العُثانُ، دخان النار معروف، وجمعه أَدْخِنة ودَواخِن
ودَواخِينُ، ومثل دُخَان ودواخِن عُثان وعواثِن، ودَواخِن على غيرقياس؛ قال
الشاعر:
كأَنَّ الغُبارَ، الذي غادَرَتْ
ضُحَيَّا، دَواخِنُ من تَنْضُبِ
ودخن الدُّخانُ دُخوناً إذا سطَع. ودَخَنتِ النارُ تَدْخُن وتَدْخِن
(*
قوله «تدخن وتدخن» ضبط في الأَصل والصحاح من حد ضرب ونصر، وفي القاموس
دخنت النار كمنع ونصر). دُخاناً ودُخُوناً: ارتفع دُخانها، وادَّخَنت مثله
على افْتَعلت. ودَخِنَت تَدْخَن دَخَناً: أُلقِي عليها حطب فأُفْسِدت
حتى هاج لذلك دُخان شديد، وكذلك دَخِن الطعامُ واللحم وغيره دَخَناً، فهو
دَخِن إذا أَصابه الدخان في حال شَيّه أَو طبخه حتى تَغْلبَ رائحتُه على
طعمه، ودَخِن الطبيخ إذا تَدخّنت القدر. وشراب دَخِن: متغير الرائحة؛ قال
لبيد:
وفِتْيان صِدْقٍ قد غَدَوْتُ عليهِمُ
بلا دَخِن، ولا رَجِيع مُجَنَّبِ.
فالمُجَنَّب: الذي جَنَّبَه الناس. والمُجَنَّب: الذي بات في الباطية.
والدَّخَن أَيضاً: الدُّخان؛ قال الأَعشى:
تُبارِي الزِّجاجَ، مغاويرها
شَماطِيط في رهَج كالدَّخَن.
وليلة دَخْنانة: كأَنما تَغَشّاها دُخان من شدّة حَرّها. ويوم دَخْنان:
سَخْنان. وقوله عز وجل: يوم تأْتي السماء بدُخان مبين؛ أَي بِجَدْب
بَيّن. يقال: إن الجائعَ كان يَرَى بينه وبين السماء دخاناً من شدّة الجوع،
ويقال: بل قيل للجوع دُخان ليُبْس الأَرض في الجَدْب وارتفاع الغُبار، فشبه
غُبْرتها بالدخان؛ ومنه قيل لسنة المَجاعة: غَبْراء، وجوع أَغْبَر.
وربما وضعت العرب الدُّخان موضع الشرّ إذا علا فيقولون: كان بيننا أَمر
ارْتفَعَ له دخان، وقد قيل: إن الدخان قد مضى. والدُّخْنة: كالذَّريرة يُدخَّن
بها البيوتُ. وفي المحكم: الدُّخنة بَخُور يُدَخَّن به الثيابُ أَو
البيت، وقد تَدَخَّن بها ودَخَّن غيرَه؛ قال:
آلَيْت لا أَدْفِن قَتْلاكُمُ،
فَدَخِّنوا المَرْءَ وسِرْباله.
والدَّواخِن: الكُوَى التي تتخذ على الأَتُّونات والمَقالِي. التهذيب:
الداخِنة كُوىً
فيها إِرْدَبَّات تتخذ على المقالي والأَتُّونات؛ وأَنشد
(* قوله
«وأَنشد إلخ» الذي في التكملة: وأَنشد لكعب بن زهير:
يثرن الغبار على وجهه كلون الدواخن).
كمِثْل الدَّواخِن فَوْقَ الإِرينا
ودَخَن الغُبارُ دُخوناً: سطع وارتفع؛ ومنه قول الشاعر:
اسْتَلْحَمَ الوَحْشَ على أَكْسائِها
أَهْوجُ مِحضيرٌ، إذا النَّقْعُ دَخَنْ.
أَي سطع. والدَّخَن: الكُدُورة إلى السواد. والدُّخْنة من لون
الأَدْخَن: كُدْرة في سواد كالدُّخان دَخِن دَخَناً، وهو أَدْخَن. وكبش أَدْخَن
وشاة دَخْناء بينة الدَّخَن؛ قال رؤبة:
مَرْتٌ كظَهْر الصَّرْصَران الأَدْخَنِ.
قال: صَرْصَران سمك بحريّ. وليلة دَخْنانة: شديدة الحرّ والغمّ. ويوم
دَخْنانٌ: سَخْنانٌ. والدَّخَن: الحِقْد. وفي الحديث: أَنه ذكر فتْنَةً
فقال: دَخَنُها من تَحْت قَدَمَيْ رجل من أَهل بيتي؛ يعني ظهورها وإثارتها،
شبهها بالدخان المرتفع. والدَّخَن، بالتحريك: مصدر دَخِنَت النار تَدْخَن
إذا أُلْقِي عليها حطب رَطْب وكثُر دخانها. وفي حديث الفتنة: هُدْنةٌ
على دَخَنٍ وجماعةٌ على أَقْذاء؛ قال أَبو عبيد: قوله هُدْنة على دَخَن
تفسيره في الحديث لا ترجع قلوبُ قوم على ما كانت عليه أَي لا يَصْفو
بعضُها لبعض ولا ينْصَعُ حُبّها كالكدورة التي في لون الدابَّة، وقيل: هُدْنة
على دَخَن أَي سكون لِعلَّة لا للصلح؛ قال ابن الأَثير: شبهها بدخان
الحَطب الرَّطْب لما بينهم من الفساد الباطن تحت الصَّلاح الظاهر، وأَصل
الدَّخَن أَن يكون في لَوْن الدابة أَو الثوب كُدْرة إلى سواد؛ قال المعطَّل
الهذلي يصف سيفاً:
لَيْنٌ حُسامٌ لا يُلِيقُ ضَرِيبةً،
في مَتْنه دَخَنٌ وأَثْرٌ أَحلَسُ.
قوله: دَخَن يعني كُدورة إلى السواد؛ قال: ولا أَحسبه إلا من الدُّخان،
وهذا شبيه بلون الحديد، قال: فوجْهه أَنه يقول تكون القلوب هكذا لا
يَصْفو بعضُها لبعض ولا يَنْصَع حُبها كما كانت، وإن لم تكن فيهم فتنة، وقيل:
الدَّخَن فِرِنْدُ السيف في قول الهذلي. وقال شمر: يقال للرجُل إذا كان
خبيث الخُلُق إنه لدَخِن الخُلُق؛ وقال قَعْنَب:
وقد عَلِمْتُ على أَنِي أُعاشِرُهم،
لا نَفْتأُ الدَّهْرَ إلاَّ بيننا دَخَنُ.
ودَخِن خُلُقُه دَخَناً، فهو دَخِن وداخِن: ساءَ وفسَد وخَبُث. ورجل
دَخِن الحسَبَ والدِّين والعقل: متغيرهُنَّ. والدُّخْنَان: ضرْب من
العصافير. وأَبو دُخْنة: طائر يُشْبِه لونه لونَ القُبّرة. وابنا دُخانٍ: غَنِيّ
وباهِلةُ؛ وأَنشد ابن بري للأَخطل:
تَعُوذُ نساؤُهُمْ بابْنَيْ دُخانٍ،
ولولا ذاك أُبْنَ مع الرِّفاقِ.
قال: يريد غنيّاً وباهلةَ؛ قال: وقال الفرزدق يهجو الأَصمَّ الباهلي:
أَأَجْعَل دارِماً كابْنَيْ دُخانٍ،
وكانا في الغَنيمةِ كالرِّكاب. التهذيب: والعرب تقول لغَنيّ وباهلة بنو
دُخان؛ قال الطرمَّاح:
يا عَجَباً ليَشْكُرَ إذا أَعدَّت،
لتنصُرَهم، رُواةَ بَني دُخانِ.
وقيل: سموا به لأَنهم دَخَّنوا على قوم في غار فقتلُوهم، وحكى ابن بري
أَنهم إنما سُمُّوا بذلك لأَنه غَزاهم ملِك من اليمن، فدخل هو وأَصحابُه
في كهف، فنَذِرت بهم غنيّ وباهلةُ فأَخذوا بابَ الكهف ودخَّنوا عليهم حتى
ماتوا، قال: ويقال ابنا دخان جبَلا غنيّ وباهلة. ابن بري: أَبو دخنة طائر
يُشْبه لونه لونَ القُبّرة.
غثر: الغَثَرة والغَثْراء: الجماعة المختلطة، وكذلك الغَيْثرة. أَبو
زيد: الغَيْثَرة الجماعة من الناس المختلطون من الناس الغَوْغاء. والغَثْراء
والغُثْر: سَفِلة الناس، الواحد أَغْثَر، مثل أَحْمَر وحُمْر وأَسْوَدَ
وسُود. وفي الحديث: رَعاع غَثرة؛ هكذا يروى، قيل وأَصله غَيْثرة حذفت منه
الياء، وقيل في حديث عثمان، رضي الله عنه، حين دخل عليه القومُ
ليَقْتُلوه، فقال: إِن هؤلاء رَعْاعٌ غَثَرة أَي جُهَّال؛ قال ابن الأَثير: وهو من
الأَغْثَر الأَغْبَر، وقيل للأَحمق الجاهل: أَغْثَر، استعارةً وتشبيهاً
بالضبع الغَثْراء للونها، قال: والواحد غاثِر، وقال القتيبي: لم أَسمع
غاثِراً، وإِنما يقال رجل أَغْثَر إِذا كان جاهلاً، قال: والأَجود في غَثَرة
أَن يقال هو جمع غاثِرٍ مثل كافرٍ وكَفَرة، وقيل: هو جمع أَغْثَر
فجُمِعَ جمْع فاعِل كما قالوا أَعْزَل وعُزَّل، فجاءَ مثل شاهدٍ وشُهَّد،
وقياسه أَن يقال فيه أَعْزَل وعُزْل وأَغْثَر وغُثْر، فلولا حملهما على معنى
فاعل لم يجمعا على غَثَرة وعُزَّل؛ قال: وشاهد عُزَّل قول الأَعشى:
غيرِ مِيلٍ، ولا عَواوِير في الهَيـْ
ـجا، ولا عُزَّلٍ ولا أَكْفال
وفي حديث أَبي ذر: أُحِبُّ الإِسلامَ وأَهلَه وأُحِبّ الغَثْراءَ أَي
عامّة الناس وجماعتهم، وأَراد بالمحبة المُناصَحةَ لهم والشفقة عليهم. وفي
حديث أُويس: أَكون في غَثْراء الناس؛ هكذا جاء في رواية، أَي في العامّة
المجهولين، وقيل: هم الجماعة المختلطة من قبائل شتى. وقولهم: كانت بين
القوم غَيْثرة شديدة؛ قال ابن الأَعرابي: هي مُداوَسة القوم بعضهم بعضاً في
القتال. قال الأَصمعي: تركت القوم في غَيْثَرة وغَيْثَمةٍ أَي في قتال
واضطراب.
والأَغْثَر: الذي فيه غُبْرة. والأَغْثَر: قريب من الأَغْبَر؛ ويسمى
الطُّحْلُبُ الأَغْثَرَ، والغُثْرةُ: غُبْرة إِلى خضرة، وقيل: الغُثْرة
شبيهة بالغُبْشة يخلطها حمرة، وقيل: هي الغُبْرة، الذكر أَغْثَر والأُنثى
غَثْراء؛ قال عمارة:
حتى اكْتَسَيْتُ مِنَ المَشيبِ عِمامةً
غَثْراء، أُعْفِرَ لَوْنُها بخِضاب
والغَثْراءُ وغَثَارِ معرفة: الضبع، كلتاهما لِلَوْنها. قال ابن
الأَعرابي: الضبع فيها شُكْلة وغُثْرة أَي لونان من سواد وصفرة سَمْجة، وذئب
أَغْثَر كذلك؛ ابن الأَعرابي: الذئب فيه غُبْرة وطُلْسة وغُثْرة.
وكَبْش أَغْثَر: ليس بأَحْمر ولا أَسود ولا أَبيض. وفي حديث لقيامة:
يُؤتى بالموت كأَنه كبش أَغْثَر؛ قال: هو الكَدِر اللون كالأَغْبَر
والأَرْبَدِ والأَغْثَر. والغَثْراء من الأَكْسِية والقطائف ونحوهما: ما كثر صوفه
وزِئْبِرُه، وبه شبِّه الغَلْفَق فوق الماء؛ قال الشاعر:
عَباءة غَثراء مِنْ أَجَن طالي
أَي من ماء ذي أَجَنٍ عليه طلوة عَلَتْه. والأَغْثَر: طائر ملتبس الريش
طويل العنق في لونه غُبْرة، وهو من طير الماء. ورجل أَغْثَر: أَحمق.
والغُنْثَر: الثقيل الوَخِم، نونه زائدة؛ ومنه قول أَبي بكر الصديق، رضي
الله عنه، لابنه عبد الرحمن، رضي الله عنه: يا غُنْثَر. وأَصابَ القومُ من
دُنياهم غَثَرة أَي كثرة. وعليه غَثَرةٌ من مال أَي قطعة. والمَغاثِيرُ:
لغة في المَغافِير. والمُغثور: لغة في المُغْفور. وأَغْثَر الرِّمْثُ
وأَغْفَرَ إِذا سال منه صمغ حلو، ويقال له المُغْثور والمِغْثَر، وجمعه
المَغاثِير والمغافير، يؤكل وربما سال لثَاه على الثَّرى مثل الدِّبس، وله ريح
كريهة، وقال يعقوب: هو شيء يَنْضَحُه الثُّمام والرِّمْثُ والعُرْفُط
والعُشَر حُلْوٌ كالعسل، واحدها مُغٌثور ومِغْثار ومِغْثَر؛ الأَخيرة عن
يعقوب وحده. وخرج الناس يَتَمَغْثَرُون، مثل يَتَمَغْفَرون أَي يَجْتَنُون
المَغافِيرَ.