Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: سلاح

كَرَّاك

كَرَّاك
من صنعته العمل بالكريك وهو الخشبة التي يدفع بها الخباز الأرغفة وجذبها، وأداة ذات يد خشبية طويلة تنتهي بــسلاح من الحديد يحفر بها.

طِلاح

طِلاح:
من نواحي مكة، قال جعدة بن عبد الله الخزاعي يوم فتح مكة:
أكعب بن عمرو! دعوة غير باطل ... لحين له يوم الحديد متاح
أتيحت له من أرضه وسمائه ... ليقتله ليلا بغير سلاح
ونحن الأولى سدّت غزال خيولنا، ... ولفتا سددناه وفجّ طلاح
خطرنا وراء المسلمين بجحفل ... ذوي عضد من خيلنا ورماح

جُنْدَيْسابُورُ

جُنْدَيْسابُورُ:
بضم أوله، وتسكين ثانيه، وفتح الدال، وياء ساكنة، وسين مهملة، وألف، وباء موحدة مضمومة، وواو ساكنة، وراء: مدينة بخوزستان بناها سابور بن أردشير فنسبت إليه وأسكنها سبي الروم وطائفة من جنده وقال حمزة: جنديسابور تعريب به از انديسافور، ومعناه خير من أنطاكية، وقال ابن الفقيه: إنما سمّيت بهذا الاسم لأن أصحاب سابور الملك لما فقدوه كما ذكرته في منارة الحوافر خرج أصحابه يطلبونه فبلغوا نيسابور فلم يجدوه فقالوا: نه سابور أي ليس سابور، فسمّيت نيسابور، ثم وقعوا إلى سابور خواست فقيل لهم: ما تصنعون ههنا؟ فقالوا: سابور خواست أي نطلب سابور، ثم وجدوه بجنديسابور فقالوا: وندي سابور، فسمّيت بذلك، وهي مدينة خصبة واسعة الخير بها النخل والزروع والمياه، نزلها يعقوب ابن الليث الصفّار، اجتزت بها مرارا، ولم يبق منها عين ولا أثر إلا ما يدلّ على شيء من آثار بائدة لا
تعرف حقائقها إلا بالأخبار، فسبحان الله الحيّ الباقي كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ 28: 88 ولما قدم خوزستان يعقوب المذكور مراغما للسلطان سنة 262 أو 263 لحصانتها واتصالها بالمدن الكثيرة، فمات بها في سنة 265، وقبره بها، وقام أخوه عمرو بن الليث مقامه وأما فتحها فإن المسلمين افتتحوها سنة فتح نهاوند وهي سنة 19 في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حاصروها مدة فلم يفجإ المسلمين إلا وأبوابها تفتح وخرج السرح وفتحت الأسواق وانبثّ أهلها، فأرسل المسلمون أن ما خبركم، قالوا: إنكم رميتم إلينا بالأمان فقبلناه وأقررنا لكم بالجزاء على أن تمنعونا، فقالوا:
ما فعلنا، فقالوا: ما كذبنا، فسأل المسلمون فيما بينهم فإذا عبد يدعى مكنفا كان أصله منها هو الذي كتب لهم الأمان، فقال المسلمون: إن الذي كتب إليكم عبد، قالوا: لا نعرف عبدكم من حرّكم فقد جاء الأمان ونحن عليه قد قبلناه ولم نبدّل فإن شئتم فاغدروا، فأمسكوا عنهم وكتبوا بذلك إلى عمر، رضي الله عنه، فأمر بإمضائه، فانصرفوا عنهم وقال عاصم بن عمرو في مصداق ذلك:
لعمري لقد كانت قرابة مكنف ... قرابة صدق، ليس فيها تقاطع
أجارهم من بعد ذلّ وقلّة ... وخوف شديد، والبلاد بلاقع
فجاز جوار العبد بعد اختلافنا ... وردّ أمورا كان فيها تنازع
إلى الركن والوالي المصيب حكومة، ... فقال بحقّ ليس فيه تخالع
هذا قول سيف وقال البلاذري بعد ذكره فتح تستر:
ثم سار أبو موسى الأشعري إلى جنديسابور وأهلها متخوّفون فطلبوا الأمان فصالحهم على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يتعرّض لأموالهم سوى الــسلاح، ثم إن طائفة من أهلها تجمّعوا بالكلتانية فوجّه إليهم أبو موسى الأشعري الربيع بن زياد فقتلهم وفتح الكلتانية وخرج منها جماعة من أهل العلم، منهم: حفص بن عمر القنّاد الجنديسابوري، روى عن داود بن أبي هند، روى عنه عبد الله بن رشيد الجنديسابوري.

الصَّفْقَةُ

الصَّفْقَةُ:
بالفتح ثم السكون، وفاء، وقاف، والصفقة:
البيعة، ويوم الصفقة: من أيّام العرب، قالوا إنّه أوّل أيّام الكلاب وهو يوم المشقّر، وسمي يوم الصفقة لأن باذام عامل كسرى على اليمن أنفذ لطيمة إلى كسرى أبرويز في خفارة هوذة بن علي الحنفي، فلمّا قاربوا أرض العراق خرجت عليهم بنو تميم فيهم ناجية بن عفان فأخذوا اللطيمة بموضع يقال له نطاع فبلغ كسرى ذلك فأراد إرسال جيش إليهم فقيل له:
هي بادية لا طاقة لجيشك بركوبها ولكن لو أرسلت إلى ماجشنثت وهو المعكبر وهو بهجر من أرض البحرين لكفاهم، فأرسل إليه في ذلك فأطمع بني تميم في الميرة وأعطاهم إيّاها عامين، فلمّا حضروا في الثالثة جلس على باب حصنه المشقّر
وقال: أريد عرضكم عليّ، فجعل ينظر إلى الرجل ويأمره بدخول الحصن فإذا دخل فيه أخذ سلاحــه وقتل ولم يدر آخر، ثمّ نذر أحد بني تميم بذلك فأخذ سيفه وقاتل به حتى نجا فأصفق الباب على باقيهم في الحصن فقتلوا فيه فلذلك سمّي يوم الصفقة، قال الأعشى يمدح هوذة:
سائل تميما به أيّام صفقتهم ... لمّا رآهم أسارى كلّهم ضرعا
وسط المشقّر في غيطاء مظلمة، ... لا يستطيعون بعد الضرب منتفعا
بظلمهم بنطاع الملك إذ غدروا، ... فقد حسوا بعد من أنفاسها جرعا

شَاطِبَةُ

شَاطِبَةُ:
بالطاء المهملة، والباء الموحدة: مدينة في شرقي الأندلس وشرقي قرطبة، وهي مدينة كبيرة قديمة، قد خرج منها خلق من الفضلاء، ويعمل الكاغد الجيّد فيها ويحمل منها إلى سائر بلاد الأندلس، يجوز أن يقال إن اشتقاقها من الشّطبة وهي السّعفة الخضراء الرطبة، وشطبت المرأة الجريدة شطبا إذا شققتها لتعمل حصيرا، والمرأة شاطبة، قال الأزهري:
شطب إذا عدل، ورمية شاطبة: عادلة عن المقتل، وممّن ينسب إلى شاطبة عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة أبو محمد السعدي الأندلسي الشاطبي، قال ابن عساكر: قدم دمشق طالب علم وسمع بها أبا الحسين ابن أبي الحديد وعبد العزيز الكناني ورحل إلى العراق وسمع بها أبا محمد الصريفيني وأبا منصور بن عبد العزيز العكبري وأبا جعفر بن مسلمة وصنف غريب حديث أبي عبيد الله القاسم بن سلّام على حروف المعجم وجعله أبوابا، وحدث، وتوفي في شهر رمضان سنة 465 في حوران، ومنها أيضا أحمد بن محمد بن خلف بن محرز بن محمد أبو العباس المالكي الأندلسي الشاطبي المقري، قدم دمشق وقرأ بها القرآن المجيد بعدّة روايات، وكان قرأ على أبي عبد الله الحسين بن موسى بن
هبة الله المقري الدينوري وأبي الحسن علي بن مكوس الصقلي وأبي الحسن يحيى بن علي بن الفرج الخشاب المصري وأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد المالكي المحاربي المقري، وصنف كتاب المقنع في القراءات السبع، قال الحافظ أبو القاسم: وأجاز في مصنّفاته وكتب سماعاته سنة 504، وكان مولده في رجب سنة 454 بالأندلس، وقال أبو بحر صفوان ابن إدريس المرسي في وصف شاطبة:
شاطبة الشّرق شرّ دار، ... ليس لسكّانها فلاح
الكسب من شأنهم ولكن ... أكثر مكسوبهم سلاح
إنّ لهم في الكنيف حفظا، ... وهي بأستاههم مباح

سَيْلَحُونَ

سَيْلَحُونَ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه، وفتح لامه ثمّ حاء مهملة، وواو ساكنة، ونون، وقد يعرب إعراب جمع السلامة فيقال: هذه سيلحون ورأيت سيلحين ومررت بسيلحين، ومنهم من يجعله اسما واحدا يعربه إعراب ما لا ينصرف فيقول: هذه سيلحين ورأيت سيلحين ومررت بسيلحين، وذكر سيلحين في الفتوح وغيرها من الشعر يدلّ على أنّها قرب الحيرة ضاربة في البر قرب القادسية، ولذلك ذكرها الشعراء أيّام القادسية مع الحيرة والقادسية، فقال سليمان بن ثمامة حين سيّر امرأته من اليمامة إلى الكوفة:
فمرّت بباب القادسيّة غدوة ... وراحتها بالسيلحين العبائر
فلمّا انتهت دون الخورنق عادها ... وقصر بني النعمان حيث الأواخر
إلى أهل مصر أصلح الله حاله ... به المسلمون والجهود الأكابر
فصارت إلى أرض الجهاد وبلدة ... مباركة والأرض فيها مصائر
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
فهذا يدلّ على أن السيلحون بين الكوفة والقادسيّة، وقال الأشعث بن عبد الحجر بن عوف بن الأحوص ابن جعفر بن كلاب وكان شهد الحيرة والقادسية وتلك المشاهد فعقرت ناقته فقال:
وما عقرت بالسّيلحين مطيّتي ... وبالقصر إلّا خشية أن أعيّرا
فباست امرئ يبأى عليّ برهطه، ... وقد ساد أشياخي معدّا وحميرا
وقال عمرو بن الأهتم:
ما في بني الأهتم من طائل ... يرجى ولا خير به يصلحون
لولا دفاعي كنتم أعبدا ... مسكنها الحيرة والسيلحون
جاءت بكم عفرة من أرضها ... حيريّة ليس كما تزعمون
في ظاهر الكفّ وفي بطنها ... وشم من الدّاء الذي تكتمون
وقال الجعدي:
وإذا رأيت السّيلحين وبارقا ... أغنين عن عمرو وأمّ قبال
ملك الخورنق والسّدير ودانها ... ما بين حمير أهلها وأوال
وممّا يقوي أن السيلحين قرب الحيرة قول هانئ بن مسعود يرثي النعمان بن المنذر ويذكر قتل كسرى إيّاه، قال:
إنّ ذا التاج، لا أبا لك، أضحى ... وذرى بيته نحور الفيول
إنّ كسرى عدا على الملك النّع ... مان حتى سقاه أمّ البليل
قد عمرنا وقد رأينا لدى الحي ... رة في السيلحين خير قتيل
وهذه غير سيلحون التي باليمن، وقد تقدم ذكرها، وقد ذكر شعراء الجاهلية كالأعشى وغيره هذا الموضع، وكتّاب الخراج يجعلون السيلحين طسّوجا برأسه من كورة بهقباذ الأسفل من الجانب الغربي، قال الأعشى:
فذاك وما أنجى من الموت ربّه ... بساباط حتى مات وهو محرزق
وتجبى إليه السيلحون ودونها ... صريفون في أنهارها والخورنق
وبين هذه الناحية وبغداد ثلاثة فراسخ، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم، وقيل: إنّها سميت سيلحون لأنّها كانت بها مسالح لكسرى، وهم قوم بــسلاح يرتّبون في الثغور والمخافات، واحدهم مسلحيّ، والعامة تقول مصلحيّ، وهو خطأ.

البصرة

ذكر خطط البصرة وقراها
وقد ذكرت بعض ذلك في أبوابه وذكرت بعضه هاهنا، قال أحمد بن يحيى بن جابر: كان حمران ابن أبان للمسيّب بن نجبة الفزاري أصابه بعين التمر فابتاعه منه عثمان بن عفّان وعلمه الكتابة واتخذه كاتبا، ثم وجد عليه لأنه كان وجّهه للمسألة عما رفع على الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فارتشى منه وكذّب ما قيل فيه، ثم تيقّن عثمان صحة ذلك فوجد عليه
وقال: لا تساكنّي أبدا، وخيّره بلدا يسكنه غير المدينة، فاختار البصرة وسأله أن يقطعه بها دارا وذكر ذرعا كثيرا استكثره عثمان وقال لابن عامر:
أعطه دارا مثل بعض دورك، فأقطعه دار حمران التي بالبصرة في سكة بني سمرة بالبصرة، كان صاحبها عتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، قال المدايني: قال أبو بكرة لابنه: يا بنيّ والله ما تلي عملا قط وما أراك تقصر عن إخوتك في النفقة، فقال: إن كتمت عليّ أخبرتك، قال: فإني أفعل، قال: فإني أغتلّ من حمّامي هذا في كلّ يوم ألف درهم وطعاما كثيرا. ثم إنّ مسلما مرض فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأخبره بغلة حمّامه، فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمّام، وكانت الحمامات لا تبنى بالبصرة إلّا بإذن الولاة، فأذن له واستأذن غيره فأذن له وكثرت الحمامات، فأفاق مسلم بن أبي بكرة من مرضه وقد فسد عليه حمّامه فجعل يلعن عبد الرحمن ويقول: ما له قطع الله رحمه! وكان لزياد مولى يقال له فيل، وكان حاجبه، فكان يضرب المثل بحمّامه بالبصرة، وقد ذكرته في حمام فيل. نهر عمرو: ينسب إلى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان. نهر ابن عمير: منسوب إلى عبد الله بن عمير بن عمرو بن مالك اللّيثي، كان عبد الله بن عامر بن كريز أقطعه ثمانية آلاف جريب فحفر عليها هذا النهر، ومن اصطلاح أهل البصرة أن يزيدوا في اسم الرجل الذي تنسب إليه القرية ألفا ونونا، نحو قولهم طلحتان:
نهر ينسب إلى طلحة بن أبي رافع مولى طلحة بن عبيد الله. خيرتان: منسوب إلى خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلّب بن أبي صفرة. مهلّبان:
منسوب إلى المهلّب بن أبي صفرة، ويقال بل كان لزوجته خيرة فغلب عليه اسم المهلب، وهي أمّ أبي عيينة ابنه. وجبيران: قرية لجبير بن حيّة.
وخلفان: قطيعة لعبد الله بن خلف الخزاعي والد طلحة الطلحات. طليقان: لولد خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي، وكان خالد ولي قضاء البصرة. روّادان: لروّاد بن ابي بكرة.
شط عثمان: ينسب إلى عثمان بن أبي العاصي الثقفي، وقد ذكرته، فأقطع عثمان أخاه حفصا حفصان وأخاه أميّة أميّان وأخاه الحكم حكمان وأخاه المغيرة مغيرتان. أزرقان: ينسب إلى الأزرق بن مسلم مولى بني حنيفة. محمّدان: منسوب إلى محمد ابن علي بن عثمان الحنفي. زيادان: منسوب إلى زياد مولى بني الهجيم جدّ مونس بن عمران بن جميع بن يسار بن زياد وجد عيسى بن عمر النحوي لأمّهما.
عميران: منسوب إلى عبد الله بن عمير الليثي. نهر مقاتل بن حارثة بن قدامة السعدي. وحصينان:
لحصين بن أبي الحرّ العنبري. عبد الليان: لعبد الله بن أبي بكرة. عبيدان: لعبيد بن كعب النّميري. منقذان: لمنقذ بن علاج السّلمي. عبد الرحمانان: لعبد الرحمن بن زياد. نافعان: لنافع ابن الحارث الثقفي. أسلمان: لأسلم بن زرعة الكلابي. حمرانان: لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفّان. قتيبتان: لقتيبة بن مسلم. خشخشان:
لآل الخشخاش العنبري. نهر البنات: لبنات زياد، أقطع كلّ بنت ستين جريبا، وكذلك كان يقطع العامة. سعيدان: لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. سليمانان: قطيعة لعبيد بن نشيط صاحب الطرف أيام الحجاج، فرابط به رجل من الزهاد يقال له سليمان بن جابر فنسب إليه. عمران:
لعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي. فيلان: لفيل
مولى زياد. خالدان: لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة. المسماريّة: قطيعة مسمار مولى زياد بن أبيه، وله بالكوفة ضيعة.
سويدان: كانت لعبيد الله بن أبي بكرة قطيعة مبلغها أربعمائة جريب فوهبها لسويد بن منجوف السّدوسي، وذلك أن سويدا مرض فعاده عبيد الله بن أبي بكرة فقال له: كيف تجدك؟ فقال: صالحا إن شئت، فقال: قد شئت، وما ذلك؟ قال: إن أعطيتني مثل الذي أعطيت ابن معمر فليس عليّ بأس، فأعطاه سويدان فنسب إليه. جبيران: لآل كلثوم بن جبير. نهر أبي برذعة بن عبيد الله بن أبي بكرة.
كثيران: لكثير بن سيّار. بلالان: لبلال بن أبي بردة، كانت قطيعة لعبّاد بن زياد فاشتراه. شبلان:
لشبل بن عميرة بن تيري الضّبيّ.

ذكر ما جاءَ في ذم البصرة
لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم غير أني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة، أقوم أرض الله قبلة، قارئها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ومتصدقها أعظم الناس صدقة، منها إلى قرية يقال لها الأبلّة أربعة فراسخ يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي، وهذا الخبر بالمدح أشبه، وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:
يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسّبخة والخريبة أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خرابا وغرقا، ألا إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها؟ ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها ترابا وأسرعها خرابا، ليأتينّ عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجؤجؤ السفينة في لجة البحر، ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له! فقيل: يا أمير المؤمنين ما الويح وما الويل؟ فقال: الويح والويل بابان، فالويح رحمة والويل عذاب، وفي رواية أن عليّا، رضي الله عنه، لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أما بعد، فان الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله الرابعة يا جند المرأة، ثم ذكر الذي قبله ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم، وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال: الحمد لله الذي أخرجني من شرّ البقاع ترابا وأسرعها خرابا. ودخل فتى من أهل المدينة البصرة فلما انصرف قال له أصحابه: كيف رأيت البصرة؟ قال: خير بلاد الله للجائع والغريب والمفلس، أما الجائع فيأكل خبز الأرز والصحناءة فلا ينفق في شهر إلّا درهمين، وأما الغريب فيتزوّج بشقّ درهم، وأما المحتاج فلا عليه غائلة ما بقيت له استه يخرأ ويبيع، وقال الجاحظ: من عيوب البصرة اختلاف هوائها في يوم واحد لأنهم يلبسون القمص مرة والمبطّنات مرة لاختلاف جواهر
الساعات، ولذلك سمّيت الرّعناء، قال الفرزدق:
لولا أبو مالك المرجوّ نائله ... ما كانت البصرة الرّعناء لي وطنا
وقد وصف هذه الحال ابن لنكك فقال:
نحن بالبصرة في لو ... ن من العيش ظريف
نحن، ما هبّت شمال، ... بين جنّات وريف
فإذا هبّت جنوب، ... فكأنّا في كنيف
وللحشوش بالبصرة أثمان وافرة، ولها فيما زعموا تجار يجمعونها فإذا كثرت جمع عليها أصحاب البساتين ووقفهم تحت الريح لتحمل إليهم نتنها فإنه كلما كانت أنتن كان ثمنها أكثر، ثم ينادى عليها فيتزايد الناس فيها، وقد قصّ هذه القصة صريع الدّلاء البصري في شعر له ولم يحضرني الآن، وقد ذمّتها الشعراء، فقال محمد بن حازم الباهلي:
ترى البصريّ ليس به خفاء، ... لمنخره من البثر انتشار
ربا بين الحشوش وشبّ فيها، ... فمن ريح الحشوش به اصفرار
يعتّق سلحة، كيما يغالي ... به عند المبايعة التجار
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي:
لهف نفسي على المقام ببغدا ... د، وشربي من ماء كوز بثلج
نحن بالبصرة الذميمة نسقي، ... شرّ سقيا، من مائها الأترنجي
أصفر منكر ثقيل غليظ ... خاثر مثل حقنة القولنج
كيف نرضى بمائها، وبخير ... منه في كنف أرضنا نستنجي
وقال أيضا:
ليس يغنيك في الطهارة بال ... بصرة، إن حانت الصلاة، اجتهاد
إن تطهّرت فالمياه سلاح، ... أو تيمّمت فالصعيد سماد
وقال شاعر آخر يصف أهل البصرة بالبخل وكذب عليهم:
أبغضت بالبصرة أهل الغنى، ... إني لأمثالهم باغض
قد دثّروا في الشمس أعذاقها، ... كأنّ حمّى بخلهم نافض

ذكر ما جاء في مدح البصرة
كان ابن أبي ليلى يقول: ما رأيت بلدا أبكر إلى ذكر الله من أهل البصرة، وقال شعيب بن صخر:
تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة فقال زياد: لو ضلّت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلّني عليها، وقال ابن سيرين: كان الرجل من أهل البصرة يقول لصاحبه إذا بالغ في الدعاء عليه: غضب الله عليك كما غضب على المغيرة وعزله عن البصرة وولاه الكوفة، وقال ابن أبي عيينة المهلبي يصف البصرة:
يا جنّة فاقت الجنان، فما ... يعدلها قيمة ولا ثمن
ألفتها فاتخذتها وطنا، ... إنّ فؤادي لمثلها وطن
زوّج حيتانها الضّباب بها، ... فهذه كنّة وذا ختن
فانظر وفكّر لما نطقت به، ... إنّ الأديب المفكّر الفطن
من سفن كالنّعام مقبلة، ... ومن نعام كأنها سفن
وقال المدائني: وفد خالد بن صفوان على عبد الملك ابن مروان فوافق عنده وفود جميع الأمصار وقد اتخذ مسلمة مصانع له، فسأل عبد الملك أن يأذن للوفود في الخروج معه إلى تلك المصانع، فأذن لهم، فلما نظر إليها مسلمة أعجب بها فأقبل على وفد أهل مكة فقال: يا أهل مكة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فقالوا: لا الا أن فينا بيت الله المستقبل، ثم أقبل على وفد أهل المدينة فقال: يا أهل المدينة هل فيكم مثل هذه؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا قبر نبي الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة هل فيكم مثل هذه المصانع؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا تلاوة كتاب الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل البصرة فقال: يا أهل البصرة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فتكلم خالد بن صفوان وقال: أصلح الله الأمير! إن هؤلاء أقرّوا على بلادهم ولو أن عندك من له ببلادهم خبرة لأجاب عنهم، قال: أفعندك في بلادك غير ما قالوا في بلادهم؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! أصف لك بلادنا؟ فقال: هات، قال: يغدو قانصانا فيجيء هذا بالشّبوط والشّيم ويجيء هذا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس عاجا وساجا وخزّا وديباجا وبرذونا هملاجا وخريدة مغناجا، بيوتنا الذهب ونهرنا العجب أوله الرّطب وأوسطه العنب وآخره القصب، فأما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالزّيتون عندكم في منابته، هذا على أفنانه كذاك على أغصانه، هذا في زمانه كذاك في إبّانه، من الراسخات في الوحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل يخرجن أسفاطا عظاما وأقساطا ضخاما، وفي رواية: يخرجن أسفاطا وأقساطا كأنما ملئت رياطا، ثم ينفلقن عن قضبان الفضة منظومة باللؤلؤ الأبيض ثم تتبدّل قضبان الذهب منظومة بالزبرجد الأخضر ثم تصير ياقوتا أحمر وأصفر ثم تصير عسلا في شنّة من سحاء ليست بقربة ولا إناء حولها المذابّ ودونها الجراب لا يقربها الذباب مرفوعة عن التراب ثم تصير ذهبا في كيسة الرجال يستعان به على العيال، وأما نهرنا العجب فإنّ الماء يقبل عنقا فيفيض مندفقا فيغسل غثّها ويبدي مبثّها، يأتينا في أوان عطشنا ويذهب في زمان ريّنا فنأخذ منه حاجتنا ونحن نيام على فرشنا فيقبل الماء وله ازدياد وعباب ولا يحجبنا عنه حجاب ولا تغلق دونه الأبواب ولا يتنافس فيه من قلّة ولا يحبس عنّا من علّة، وأما بيوتنا الذهب فإنّ لنا عليهم خرجا في السنين والشهور نأخذه في أوقاته ويسلمه الله تعالى من آفاته وننفقه في مرضاته، فقال له مسلمة: أنّى لكم هذه يا ابن صفوان ولم تغلبوا عليها ولم تسبقوا إليها؟ فقال: ورثناها عن الآباء ونعمّرها للأبناء ويدفع لنا عنها ربّ السماء ومثلنا فيها كما قال معن بن أوس:
إذا ما بحر خندف جاش يوما ... يغطمط موجه المتعرّضينا
فمهما كان من خير، فإنّا ... ورثناها أوائل أوّلينا
وإنّا مورثون، كما ورثنا ... عن الآباء إن متنا، بنينا
وقال الأصمعي: سمعت الرشيد يقول: نظرنا فإذا كلّ ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة. وقال أبو حاتم: ومن العجائب، وهو مما أكرم الله به الإسلام، أنّ النخل لا يوجد إلّا في بلاد الإسلام البتة مع أن بلاد الهند والحبش والنوبة بلاد حارة خليقة بوجود النخل فيها، وقال ابن أبي عيينة يتشوّق البصرة:
فإن أشك من ليلي بجرجان طوله، ... فقد كنت أشكو منه بالبصرة القصر
فيا نفس قد بدّلت بؤسا بنعمة، ... ويا عين قد بدّلت من قرّة عبر
ويا حبذاك السائلي فيم فكرتي ... وهمّي، ألا في البصرة الهمّ والفكر
فيا حبّذا ظهر الحزيز وبطنه، ... ويا حسن واديه، إذا ماؤه زخر
ويا حبذا نهر الأبلّة منظرا، ... إذا مدّ في إبّانه الماء أو جزر
ويا حسن تلك الجاريات، إذا غدت ... مع الماء تجري مصعدات وتنحدر
فيا ندمي إذ ليس تغني ندامتي! ... ويا حذري إذ ليس ينفعني الحذر!
وقائلة: ماذا نبا بك عنهم؟ ... فقلت لها: لا علم لي، فاسألي القدر
وقال الجاحظ: بالبصرة ثلاث أعجوبات ليست في غيرها من البلدان، منها: أنّ عدد المدّ والجزر في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم إليه ويرتدّ عند استغنائهم عنه، ثم لا يبطئ عنها إلّا بقدر هضمها واستمرائها وجمامها واستراحتها، لا يقتلها غطسا ولا غرقا ولا يغبّها ظمأ ولا عطشا، يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة، يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فلا يخفى على أهل الغلّات متى يتخلفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد أن يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر، فهي آية وأعجوبة ومفخر وأحدوثة، لا يخافون المحل ولا يخشون الحطمة، قلت أنا: كلام الجاحظ هذا لا يفهمه إلّا من شاهد الجزر والمد، وقد شاهدته في ثماني سفرات لي إلى البصرة ثم إلى كيش ذاهبا وراجعا، ويحتاج إلى بيان يعرفه من لم يشاهده، وهو أن دجلة والفرات يختلطان قرب البصرة ويصيران نهرا عظيما يجري من ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب فهذا يسمونه جزرا، ثم يرجع من الجنوب إلى الشمال ويسمونه مدّا، يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرّتين، فإذا جزر نقص نقصانا كثيرا بيّنا بحيث لو قيس لكان الذي نقص مقدار ما يبقى وأكثر، وليست زيادته متناسبة بل يزيد في أول كل شهر، ووسطه أكثر من سائره، وذاك أنه إذا انتهى في أول الشهر إلى غايته في الزيادة وسقى المواضع العالية والأراضي القاصية أخذ يمدّ كل يوم وليلة أنقص من اليوم الذي قبله، وينتهي غاية نقص زيادته في آخر يوم من الأسبوع الأول من الشهر، ثم يمدّ في كل يوم أكثر من مدّه في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مدّه في نصف الشهر، ثم يأخذ في النقص إلى آخر الأسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا أبدا لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الاستمرار، قال الجاحظ: والأعجوبة الثانية ادّعاء أهل أنطاكية وأهل حمص وجميع بلاد الفراعنة
الطلسمات، وهي بدون ما لأهل البصرة، وذاك أن لو التمست في جميع بيادرها وربطها المعوّذة وغيرها على نخلها في جميع معاصر دبسها أن تصيب ذبابة واحدة لما وجدتها إلا في الفرط، ولو أن معصرة دون الغيط أو تمرة منبوذة دون المسنّاة لما استبقيتها من كثرة الذّبّان، والأعجوبة الثالثة أن الغربان القواطع في الخريف يجيء منها ما يسوّد جميع نخل البصرة وأشجارها حتى لا يرى غصن واحد إلا وقد تأطّر بكثرة ما عليه منها ولا كربة غليظة إلا وقد كادت أن تندقّ لكثرة ما ركبها منها، ثم لم يوجد في جميع الدهر غراب واحد ساقط إلا على نخلة مصرومة ولم يبق منها عذق واحد، ومناقير الغربان معاول وتمر الأعذاق في ذلك الإبّان غير متماسكة، فلو خلاها الله تعالى ولم يمسكها بلطفه لاكتفى كل عذق منها بنقرة واحدة حتى لم يبق عليها إلا اليسير، ثم هي في ذلك تنتظر أن تصرم فإذا أتى الصرام على آخرها عذقا رأيتها سوداء ثم تخللت أصول الكرب فلا تدع حشفة إلا استخرجتها، فسبحان من قدّر لهم ذلك وأراهم هذه الأعجوبة، وبين البصرة والمدينة نحو عشرين مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة قرب معدن النّقرة، وأخبار البصرة كثيرة والمنسوبون إليها من أهل العلم لا يحصون، وقد صنف عمر بن شبّة وأبو يحيى زكرياء الساجي وغيرهما في فضائلها كتابا في مجلدات، والذي ذكرناه كاف.

والبَصْرَةُ:
أيضا: بلد في المغرب في أقصاه قرب السوس، خربت، قال ابن حوقل وهو يذكر مدن المغرب من بلاد البربر: والبصرة مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالمنيع، ولها عيون خارجها عليها بساتين يسيرة، وأهلها ينسبون إلى السلامة والخير والجمال وطول القامة واعتدال الخلق، وبينها وبين المدينة المعروفة بالأقلام أقلّ من مرحلة، وبينها وبين مدينة يقال لها تشمّس أقلّ من مرحلة أيضا، ولما ذكر المدن التي على البحر قال: ثم تعطف على البحر المحيط يسارا وعليه من المدن، قريبة منه وبعيدة، جرماية وساوران والحجا على نحر البحر، ودونها في البرّ مشرقا: الأقلام ثم البصرة، وقال البشّاري:
البصرة مدينة بالمغرب كبيرة، كانت عامرة وقد خربت، وكانت جليلة، وكان قول البشّاري هذا في سنة 378، وقرأت في كتاب المسالك والممالك لأبي عبيد البكري الأندلسي: بين فاس والبصرة أربعة أيام، قال: والبصرة مدينة كبيرة، وهي أوسع تلك البلاد مرعى وأكثرها ضرعا ولكثرة ألبانها تعرف ببصرة الذّبّان وتعرف ببصرة الكتان، كانوا يتبايعون في بدء أمرها في جميع تجاراتهم بالكتان، وتعرف أيضا بالحمراء لأنها حمراء التربة، وسورها مبنيّ بالحجارة والطوب، وهي بين شرفين، ولها عشرة أبواب، وماؤها زعاق، وشرب أهلها من بئر عذبة على باب المدينة، وفي بساتينها آبار عذبة، ونساء هذه البصرة مخصوصات بالجمال الفائق والحسن الرائق، ليس بأرض المغرب أجمل منهن، قال أحمد بن فتح المعروف بابن الخزّاز التيهرتي يمدح أبا العيش عيسى بن إبراهيم بن القاسم:
قبح الإله الدهر، إلّا قينة ... بصريّة في حمرة وبياض
الخمر في لحظاتها، والورد في ... وجناتها، والكشح غير مفاض
في شكل مرجيّ ونسك مهاجر، ... وعفاف سنّيّ وسمت إباض
تيهرت أنت خلية، وبرقّة ... عوّضت منك ببصرة، فاعتاضي
لا عذر للحمراء في كلفي بها، ... أو تستفيض بأبحر وحياض
قال: ومدينة البصرة مستحدثة أسست في الوقت الذي أسست فيه أصيلة أو قريبا منه.

بَقيعُ الغَرْقَدِ

بَقيعُ الغَرْقَدِ:
بالغين المعجمة، أصل البقيع في اللغة:
الموضع الذي فيه أروم الشجر من ضروب شتى، وبه سمي بقيع الغرقد. والغرقد: كبار العوسج، قال الراجز:
ألفن ضالا ناعما وغرقدا
وقال الخطيم العكلي:
أواعس في برث من الأرض طيّب، ... وأودية ينبتن سدرا وغرقدا
وهو مقبرة أهل المدينة، وهي داخل المدينة، قال عمرو بن النعمان البياضي يرثي قومه وكانوا قد دخلوا حديقة من حدائقهم في بعض حروبهم وأغلقوا بابها عليهم ثم اقتتلوا فلم يفتح الباب حتى قتل بعضهم بعضا، فقال في ذلك:
خلت الديار فسدت غير مسوّد، ... ومن العناء تفرّدي بالسّودد
أين الذين عهدتهم في غبطة ... بين العقيق إلى بقيع الغرقد؟
كانت لهم أنهاب كل قبيلة، ... وسلاح كل مدرّب مستنجد
نفسي الفداء لفتية، من عامر، ... شربوا المنيّة في مقام أنكد
قوم هم سفكوا دماء سراتهم، ... بعض ببعض فعل من لم يرشد
يا للرجال! لعثرة من دهرهم ... تركت منازلهم كأن لم تعهد
وهذه الأبيات في الحماسة منسوبة إلى رجل من خثعم وفي أولها زيادة على هذا، وقال الزبير: أعلى أودية العقيق البقيع، وأنشد لأبي قطيفة: [1] ويروى أيضا. المرجّى.
ليت شعري وأين مني ليت، ... أعلى العهد يلبن فبرام
أم كعهدي العقيق أم غيّرته ... بعدي الحادثات والأيام؟

تُرْكِسْتَانُ

تُرْكِسْتَانُ:
هو اسم جامع لجميع بلاد الترك وفي الحديث: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: الترك أول من يسلب أمتي ما خوّلوا وعن ابن عباس أنه قال: ليكوننّ الملك، أو قال الخلافة، في ولدي حتى يغلب على عزهم الحمر الوجوه الذين كأنّ وجوههم المجانّ المطرّقة وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يجيء قوم عراض الوجوه صغار الأعين فطس الأنوف حتى يربطوا خيولهم بشاطئ دجلة وعن معاوية:
لا تبعثوا الرّابضين اتركوهم ما تركوكم الترك والحبشة وخبر آخر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: اتركوا الترك ما تركوكم. وقيل: إن الشاة لا تضع في بلاد الترك أقلّ من أربعة وربما وضعت خمسة أو ستة كما تضع الكلاب، وأما اثنين أو ثلاثة فإنما يكون نادرا، وهي كبار جدّا، ولها ألايا كبار تجرها على الأرض. وأوسع بلاد الترك بلاد التغزغز، وحدّهم الصين والتّبّت والخرلخ والكيماك والغزّ والجفر والبجناك والبذكش واذكس وخفشاق وخرخيز، وأول حدّهم من جهة المسلمين فاراب، قالوا: ومدائنهم المشهورة ست عشرة مدينة،
والتغزغز في الترك كالبادية، أصحاب عمد يرحلون ويحلّون، والبذكشية أهل بلاد وقرّى. وكان هشام بن عبد الملك بعث إلى ملك الترك يدعوه إلى الإسلام، قال الرسول: فدخلت عليه وهو يتخذ سرجا بيده فقال للترجمان: من هذا؟ فقال: رسول ملك العرب، قال: غلامي! قال: نعم، قال:
فأسر بي إلى بيت كثير اللحم قليل الخبز، ثم استدعاني وقال لي: ما بغيتك؟ فتلطّفت له وقلت: إن صاحبي يريد نصيحتك ويراك على ضلال ويحبّ لك الدخول في الإسلام، قال: وما الإسلام؟
فأخبرته بشرائطه وحظره وإباحته وفروضه وعبادته، فتركني أياما ثم ركب ذات يوم في عشرة أنفس مع كل واحد منهم لواء وأسر بحملي معه، فمضينا حتى صعد تلّا وحول التلّ غيضة، فلما طلعت الشمس أمر واحدا من أولئك أن ينشر لواءه ويليح به، ففعل، فوافى عشرة آلاف فارس مسلّح كلّهم يقول: جاه جاه، حتى وقفوا تحت التلّ وصعد مقدّمهم فكفّر للملك، فما زال يأمر واحدا واحدا أن ينشر لواءه ويليح به، فإذا فعل ذلك وافى عشرة آلاف فارس مسلّح فيقف تحت التلّ حتى نشر الألوية العشرة وصار تحت التلّ مائة ألف فارس مدجّج، ثم قال للترجمان: قل لهذا الرسول يعرّف صاحبه أن ليس في هؤلاء حجّام ولا إسكاف ولا خياط فإذا أسلموا والتزموا شروط الإسلام من أين يأكلون؟
ومن ملوك الترك كيماك دون ألفين، وهم بادية يبيعون الكلأ، فإذا ولد للرجل ولد ربّاه وعاله وقام بأمره حتى يحتلم ثم يدفع إليه قوسا وسهاما ويخرجه من منزله ويقول له: احتل لنفسك، ويصيّره بمنزلة الغريب الأجنبي ومنهم من يبيع ذكور ولده وإناثهم بما ينفقونه ومن سنتهم أن البنات البكور مكشفات الرؤوس، فإذا أراد الرجل أن يتزوّج ألقى على رأس إحداهن ثوبا فإذا فعل ذلك صارت زوجته لا يمنعها منه مانع وذكر تميم بن بحر المطّوّعي أن بلدهم شديد البرد، وإنما يسلك فيه ستة أشهر في السنة، وأنه سلك في بلاد خاقان التغزغزي على بريد أنفذه خاقان إليه وأنه كان يسير في اليوم والليلة ثلاث سكك بأشد سير وأحثه، فسار عشرين يوما في بواد فيها عيون وكلأ وليس فيها قرية ولا مدينة إلا أصحاب السكك، وهم نزول في خيام، وكان حمل معه زادا لعشرين يوما، ثم سافر بعد ذلك عشرين يوما في قرى متصلة وعمارات كثيرة، وأكثر أهلها عبدة نيران على مذهب المجوس، ومنهم زنادقة على مذهب ماني، وأنه بعد هذه الأيام وصل إلى مدينة الملك وذكر أنها مدينة حصينة عظيمة حولها رساتيق عامرة وقرى متصلة ولها اثنا عشر بابا من حديد مفرطة العظم، قال: وهي كثيرة الأهل والزحام والأسواق والتجارات، والغالب على أهلها مذهب الزنادقة، وذكر أنه حزر ما بعدها إلى بلاد الصين مسيرة ثلاثمائة فرسخ، قال: وأظنه أكثر من ذلك، قال: وعن يمين بلدة التغزغز بلاد الترك لا يخالطها غيرهم، وعن يسار التغزغز كيماك وأمامها بلاد الصين، وذكر أنه نظر قبل وصوله إلى المدينة خيمة الملك من ذهب وعلى رأس قصره تسعمائة رجل، وقد استفاض بين أهل المشرق أن مع الترك حصى يستمطرون به، ويجيئهم الثلج حين أرادوا.
وذكر أحمد بن محمد الهمذاني عن أبي العباس عيسى ابن محمد المروزي قال: لم نزل نسمع في البلاد التي من وراء النهر وغيرها من الكور الموازية لبلاد الترك الكفرة الغزّيّة والتغزغزية والخزلجية، وفيهم المملكة، ولهم في أنفسهم شأن عظيم ونكاية في الأعداء شديدة،
إن من الترك من يستمطر في السفارة وغيرها فيمطر ويحدث ما شاء من برد وثلج ونحو ذلك، فكنا بين منكر ومصدق، حتى رأيت داود بن منصور بن أبي علي الباذغيسي، وكان رجلا صالحا قد تولى خراسان، فحمد أمره بها، وقد خلا بابن ملك الترك الغزية، وكان يقال له بالقيق بن حيّويه، فقال له: بلغنا عن الترك أنهم يجلبون المطر والثلج متى شاءوا فما عندك في ذلك؟ فقال: الترك أحقر وأذلّ عند الله من أن يستطيعوا هذا الأمر، والذي بلغك حق ولكن له خبر أحدثك به: كان بعض أجدادي راغم أباه، وكان الملك في ذلك العصر قد شذّ عنه واتخذ لنفسه أصحابا من مواليه وغلمانه وغيرهم ممن يجب الصعلكة، وتوجه نحو شرق البلاد يغير على الناس ويصيد ما يظهر له ولأصحابه، فانتهى به المسير إلى بلد ذكر أهله أن لا منفذ لأحد وراءه، وهناك جبل، قالوا: إنّ الشمس تطلع من وراء هذا الجبل، وهي قريبة من الأرض جدّا، فلا تقع على شيء إلا أحرقته، قال: أو ليس هناك ساكن ولا وحش؟
قالوا: بلى، قال: فكيف يتهيأ لهم المقام على ما ذكرتم؟ قالوا: أما الناس فلهم أسراب تحت الأرض وغيران في الجبال، فإذا طلعت الشمس بادروا إليها واستكنوا فيها حتى ترتفع الشمس عنهم فيخرجون، وأما الوحوش فإنها تلتقط حصّى هناك قد ألهمت معرفته، فكلّ وحشيّة تأخذ حصاة بفيها وترفع رأسها إلى السماء فتظلّلها وتبرز عند ذلك غمامة تحجب بينها وبين الشمس، قال: فقصد جدي تلك الناحية فوجد الأمر على ما بلغه، فحمل هو وأصحابه على الوحوش حتى عرف الحصى والتقطه، فحملوا منه ما قدروا عليه إلى بلادهم، فهو معهم إلى الآن، فإذا أرادوا المطر حرّكوا منه شيئا يسيرا فينشأ الغيم فيوافي المطر، وإن أرادوا الثلج والبرد زادوا في تحريكه فيوافيهم الثلج والبرد، فهذه قصتهم، وليس ذلك من حيلة عندهم، ولكنه من قدرة الله تعالى.
قال أبو العباس: وسمعت إسماعيل بن أحمد الساماني أمير خراسان يقول: غزوت الترك في بعض السنين في نحو عشرين ألف رجل من المسلمين، فخرج إليّ منهم ستون ألفا في الــسلاح الشاك، فواقعتهم أياما، فإني ليوما في قتالهم إذ اجتمع إليّ خلق من غلمان الأتراك وغيرهم من الأتراك المستأمنة فقالوا لي: إن لنا في عسكر الكفرة قرابات وإخوانا، وقد أنذرونا بموافاة فلان، قال: وكان هذا الذي ذكروه كالكاهن عندهم، وكانوا يزعمون أنه ينشئ سحاب البرد والثلج وغير ذلك، فيقصد بها من يريد هلاكه، وقالوا: قد عزم أن يمطر على عسكرنا بردا عظاما لا يصيب البرد إنسانا إلا قتله، قال: فانتهرتهم وقلت لهم: ما خرج الكفر من قلوبكم بعد، وهل يستطيع هذا أحد من البشر؟ قالوا: قد أنذرناك وأنت أعلم غدا عند ارتفاع النهار فلما كان من الغد وارتفاع النهار نشأت سحابة عظيمة هائلة من رأس جبل كنت مستندا بعسكري إليه ثم لم تزل تنتشر وتزيد حتى أظلّت عسكري كله، فهالني سوادها وما رأيت منها وما سمعت فيها من الأصوات الهائلة وعلمت أنها فتنة، فنزلت عن دابّتي وصلّيت ركعتين وأهل العسكر يموج بعضهم في بعض وهم لا يشكّون في البلاء، فدعوت الله وعفرت وجهي في التراب وقلت:
اللهم أغثنا فإن عبادك يضعفون عن محنتك وأنا أعلم أن القدرة لك وأنه لا يملك الضرّ والنّفع الا أنت، اللهم إن هذه السحابة إن أمطرت علينا كانت فتنة للمسلمين وسطوة للمشركين، فاصرف عنا شرها
بحولك وقوتك يا ذا الجلال والحول والقوة قال:
وأكثرت الدعاء ووجهي على التراب رغبة ورهبة إلى الله تعالى وعلما أنه لا يأتي الخير إلا من عنده ولا يصرف السوء غيره، فبينما أنا كذلك إذ تبادر إليّ الغلمان وغيرهم من الجند يبشرونني بالسلامة وأخذوا بعضدي ينهضونني من سجدتي ويقولون: انظر أيها الأمير، فرفعت رأسي فإذا السحابة قد زالت عن عسكري وقصدت عسكر الترك تمطر عليهم بردا عظاما وإذا هم يموجون، وقد نفرت دوابهم وتقلّعت خيامهم، وما تقع بردة على واحد منهم إلا أوهنته أو قتلته، فقال أصحابي: نحمل عليهم؟ فقلت: لا، لأن عذاب الله أدهى وأمرّ، ولم يفلت منهم إلا القليل، وتركوا عسكرهم بجميع ما فيه وهربوا، فلما كان من الغد جئنا إلى معسكرهم فوجدنا فيه من الغنائم ما لا يوصف، فحملنا ذلك وحمدنا الله على السلامة وعلمنا أنه هو الذي سهل لنا ذلك وملكناه قلت: هذه أخبار سطرتها كما وجدتها، والله أعلم بصحتها.

الجِنَابُ

الجِنَابُ:
بالكسر يقال فرس طوع الجناب، بكسر الجيم، إذا كان سلس القياد، ويقال لجّ فلان في جناب قبيح إذا لجّ في مجانبة أهله، والجناب: موضع بعراض خيبر وسلاح ووادي القرى، وقيل هو من منازل بني مازن، وقال نصر:
الجناب من ديار بني فزارة بين المدينة وفيد وقال ابن هرمة:
فاضت على إثرهم عيناك دمعهما، ... كما ينابيع يجري اللؤلؤ النسق
فاستبق عينك، لا بودي البكاء بها، ... واكفف بوادر دمع منك تستبق
ليس الشئون، وإن جادت، بباقية، ... ولا الجفون على هذا ولا الحدق
راعوا فؤادك، إذ بانوا على عجل، ... فاستردفوه كما يستردف النّسق
بانوا بأدماء من وحش الجناب، لها ... أحوى أخينس في أرطاته خرق
وقال أبو قلابة الهذلي:
يئست من الحذيّة، أمّ عمرو، ... غداة إذ انتحوني بالجناب
كذا ضبطه السكري وقال سحيم بن وثيل الرياحي:
تذكّرني قيسا أمور كثيرة، ... وما الليل، ما لم ألق قيسا، بنائم
تحمّل من وادي الجناب، فناشني ... بأجماد جوّ من وراء الخضارم
قال ابن حبيب في فسره: الجناب من بلاد فزارة، والخضارم من ناحية اليمامة. وجناب الحنظل:
موضع باليمن.

سِنْجَارُ

سِنْجَارُ:
بكسر أوّله، وسكون ثانيه ثمّ جيم، وآخره راء: مدينة مشهورة من نواحي الجزيرة، بينها وبين الموصل ثلاثة أيّام، وهي في لحف جبل عال، ويقولون: إن سفينة نوح، عليه السلام، لما مرّت به نطحته فقال نوح: هذا سنّ جبل جار علينا، فسميت سنجار، ولست أحقّق هذا، والله أعلم به، إلّا أن أهل هذه المدينة يعرفون هذا صغيرهم وكبيرهم ويتداولونه، وقال ابن الكلبي: إنّما سميت سنجار وآمد وهيت باسم بانيها، وهم بنو البلندى ابن مالك بن دعر بن بويب بن عنقاء بن مدين بن إبراهيم، عليه السلام، ويقال: سنجار بن دعر نزلها، قالوا: ودعر هو الذي استخرج يوسف من الجبّ وهو أخو آمد الذي بنى آمد وأخو هيت الذي بنى هيت، وذكر أحمد بن محمد الهمذاني قال: ويقال إن سفينة نوح نطحت في جبل سنجار بعد ستة أشهر وثمانية أيّام من ركوبه إيّاها فطابت نفسه وعلم أن الماء قد أخذ ينضب فسأل عن الجبل فأخبر به، فقال: ليكن هذا الجبل مباركا كثير الشجر والماء! ثمّ وقفت السفينة على جبل الجودي بعد مائة واثنين وتسعين يوما فبنى هناك قرية سماها قرية الثمانين لأنّهم كانوا ثمانين نفسا، وقال حمزة الأصبهاني: سنجار تعريب سنكار، ولم يفسره، وهي مدينة طيبة في وسطها نهر جار، وهي عامرة جدّا، وقدّامها واد فيه بساتين ذات أشجار ونخل وترنج ونارنج، وبينها وبين نصيبين ثلاثة أيام أيضا، وقيل: إن السلطان سنجر بن ملك شاه بن ألب أرسلان بن سلجوق ولد بها فسمّي باسمها، عن الزمخشري، قال في الزيج: طول سنجار ثلاثون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة ونصف وثلث، وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب والشعر، قال أبو عبيدة: قدم خالد الزبيدي في ناس معه من زبيد إلى سنجار ومعه ابنا عمّ له يقال لأحدهما صابي وللآخر عويد، فشربوا يوما من شراب سنجار فحنّوا إلى بلادهم فقال خالد:
أيا جبلي سنجار ما كنتما لنا ... مقيظا ولا مشتى ولا متربّعا
ويا جبلي سنجار هلّا بكيتما ... لداعي الهوى منّا شنينين أدمعا
فلو جبلا عوج شكونا إليهما ... جرت عبرات منهما أو تصدّعا
بكى يوم تلّ المحلبيّة صابئ، ... وألهى عويدا بثّه فتقنّعا
فانبرى له رجل من النمر بن قاسط يقال له دثار أحد بني حييّ فقال:
أيا جبلي سنجار هلّا دققتما ... بركنيكما أنف الزّبيديّ أجمعا
لعمرك ما جاءت زبيد لهجرة، ... ولكنّها كانت أرامل جوّعا
تبكّي على أرض الحجاز وقد رأت ... جرائب خمسا في جدال فأربعا
جرائب: جمع جريب، وجدال: قرية قرب سنجار، كأنّه يتعجب من ذلك ويقول كيف تحنّ إلى أرض الحجاز وقد شبعت بهذه الديار؟ فأجابه خالد يقول:
وسنجار تبكي سوقها كلّما رأت ... بها نمريّا ذا كساوين أيفعا
إذا نمريّ طالب الوتر غرّه ... من الوتر أن يلقى طعاما فيشبعا
إذا نمريّ ضاف بيتك فاقره ... مع الكلب زاد الكلب وازجرهما معا
أمن أجل مدّ من شعير قريته ... بكيت وناحت أمّك الحول أجمعا؟
بكى نمريّ أرغم الله أنفه ... بسنجار حتى تنفد العين أدمعا
وقال المؤيد بن زيد التكريتي يخاطب الحسين بن عليّ السنجاري المعروف بابن دبّابة ويلقّب بأمين الدين:
زاد أمين الدّين في وصفه ... سنجار حتى جئن سنجارا
فعاينت عيناي إذ جئتها ... مصيدة قد ملئت فارا
وقد نسب إلى سنجار جماعة وافرة من أهل العلم، منهم من أهل عصرنا: أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور الشاعر يعرف بالبهاء السنجاري أحد المجيدين المشهورين، وكان أوّلا فقيها شافعيّا ثمّ غلب عليه قول الشعر فاشتهر به وقدّم عند الملوك وناهز التسعين وكان جريّا ثقة كيّسا لطيفا فيه مزاح وخفة روح، وله أشعار جيدة، منها في غلام اسمه عليّ وقد سئل القول فيه فقال في قطعة وكان مرّ به ومعه سيف:
بي حامل الصارم الهنديّ منتصرا، ... ضع الــسّلاح قد استغنيت بالكحل
ما يفعل الظّبي بالسّيف الصّقيل وما ... ضرب الصّوارم بالضّروب بالمقل
قد كنت في الحبّ سنّيّا فما برحت ... بي شيعة الحبّ حتى صرت عبد علي
وخرج من الموصل في سنة تسع عشرة وستمائة.

بَدْوَةُ

بَدْوَةُ:
واحدة الذي قبله: جبل بنجد لبني العجلان، قال عامر بن الطفيل يرثي ابن أخيه عبد عمرو بن حنظلة بن طفيل:
وهل داع فيسمع عبد عمرو ... لأخرى الخيل، تصرعها الرماح
فلا وأبيك لا أنسى خليلي ... ببدوة، ما تحرّكت الرياح
وكنت صفيّ نفسي دون قومي، ... وودّي دون حامله الــسلاح
وقال تميم بن أبيّ بن مقبل:
أأنت محيّي الرّبع أم أنت سائله، ... بحيث أفاضت في الرّكاء مسايله
وكيف تحيّي الربع قد بان أهله، ... فلم يبق إلّا أسّه وجنادله
وقد قلت من فرط الأسى، إذ رأيته ... وأسبل دمعي مستهلّا أوائله:
ألا يا لقومي للديار ببدوة، ... وأنّى مراح المرء والشّيب شامله

حائطُ العجُوزِ

حائطُ العجُوزِ:
قال أحمد بن إسحاق الهمذاني: وبمصر حائط العجوز على شاطئ النيل بنته عجوز كانت في أول الدهر ذات مال، وكان لها ابن واحد فأكله السبع فقالت: لأمنعنّ السباع أن ترد النيل، فبنت ذلك الحائط حتى منعت السباع أن تصل إلى النيل، قال: ويقال إن ذلك الحائط كان مطلسما، وكان فيه تماثيل كلّ إقليم على هيئته ووزنه وزيّه وصور الناس والدوابّ والــسلاح التي فيه وطريق كل إقليم إلى مصر، قال: ويقال إن ذلك الحائط بني ليكون حاجزا بين الصعيد والنوبة لأنهم كانوا يغيرون على أهل الصعيد فلا يشعرون بهم حتى هجموا على بلادهم، فبني ذلك الحائط لذلك السبب، وقال بعض أهل العلم: أمر بعض ملوك مصر ببناء الحائط مما يلي البرّ، طوله ثلاثمائة فرسخ، وقيل: ثلاثون يوما ما بين الفرما إلى أسوان، ليكون حاجزا بينهم وبين الحبشة، وقال القاضي أبو عبد الله القضاعي: حائط العجوز من العريش إلى أسوان يحيط بأرض مصر شرقا وغربا، وقال آخرون: لما أغرق الله فرعون وقومه بقيت مصر وليس فيها من أشراف أهلها أحد ولم يبق إلا العبيد والأجراء والنساء، فأعظم أشراف النساء أن يولّين أحدا من العبيد والأجراء وأجمع رأيهنّ أن يولّين امرأة منهنّ يقال لها دلوكة بنت ريّا، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب، وكانت من أشرف بيت فيهن، وهي يومئذ ابنة مائة سنة، فملّكوها فخافت أن يغزوها ملوك الأرض إذا علموا قلّة رجالها، فجمعت نساء الأشراف وقالت لهن: إن بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد وقد هلك أكابرنا ورجالنا وقد ذهب السحرة الذين كنّا نصول بهم وقد رأيت أن أبني حائطا أحدق به جميع بلادنا، فصوّبن رأيها، فبنت على النيل بناء أحاطت به على جميع ديار مصر المزارع والمدائن والقرى وجعلت دونه خليجا يجري فيه الماء وجعلت عليه القناطر وجعلت فيه محارس ومسالح على كل ثلاثة أميال مسلحا ومحرسا، وفيما بين ذلك محارس صغار على كلّ ميل، وجعلت في كل محرس رجالا وأجرت عليهم الأرزاق وأمرتهم أن لا يغفلوا ومتى رأوا أمرا يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض الأجراس، وإن كان ليلا أشعلوا النيران على الشرف فيأتي الخبر في أسرع وقت، وكان الفراغ منه في ستة أشهر
لكثرة من كان يعمل فيه، وقد بقي من هذا الحائط بقية إلى وقتنا هذا بنواحي الصعيد، ثم إن دلوكة أحضرت تدورة وصنعت البرابي كما ذكرناه في البرابي وملكتهم عشرين سنة، ثم إن بعض أولاد ملوكهم كبر فملّكوه كما ذكرنا في مصر.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.