Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: ذلك

فطر

(فطر) الشَّيْء مُبَالغَة فطر والصائم جعله يفْطر وَالرجل قدم لَهُ مَا يفْطر بِهِ
(فطر)
نَاب الْبَعِير وَنَحْوه فطرا شقّ اللَّحْم وطلع والنبات شقّ الأَرْض وَنبت مِنْهَا وَالشَّيْء شقَّه وَالْأَمر ابتدأه واخترعه وَالله الْعَالم أوجده ابْتِدَاء وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز على لِسَان سيدنَا إِبْرَاهِيم {إِنِّي وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا} والعجين اختبزه من سَاعَته وَلم يخمره وَيُقَال فطر الْأَجِير الطين طين بِهِ قبل أَن يختمر والناقة وَنَحْوهَا حلبها بالسبابة والإبهام
فطر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا أقبل اللَّيْل من هَهُنَا وَأدبر النَّهَار وغربت الشَّمْس فقد أفطر الصَّائِم. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه إِن أكل أَو لم يَأْكُل [فَهُوَ مفطر -] هَذَا يرد قَول الموا
فطر
عن العبرية بمعنى فتح وباكورة وأول انتاج الماشية، أو بمعنى فتح زناد البندقية.
فطر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا أقبل اللَّيْل من هَهُنَا وَأدبر النَّهَار وغربت الشَّمْس فقد أفطر الصَّائِم. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه إِن أكل أَو لم يَأْكُل [فَهُوَ مفطر -] هَذَا يرد قَول المواصلين يَقُول لَيْسَ للمواصل فضل على الْآكِل لِأَن الصّيام لَا يكون بِاللَّيْلِ فَهُوَ مفطر على كل حَال أكل أَو ترك.
ف ط ر
فطر الله الخلق، وهو فاطر السموات: مبتدعها. وافتطر الأمر: ابتدعه. " وكل مولود يولد على الفطرة " أي على الجبلة القابلة لدين الحق. وقد فطر هذه البئر. وفطر الله الشجر بالورق فانفطر به وتفطّر. وتفطّرت الأرض بالنبات. وتفطرت اليد والثوب: تشقّقت. وفطر ناب البعير: طلع. وهذا كلام يفطر الصوم أي يفسده. وفطرت المرأة العجين، والأجير الطين، وعجين وطين فطير وهو ما خبز أو طين به من ساعته قبل أن يختمر، وجلد فطير: لم يلق في الدباغ. وسوط فطير: محرم لم يمرن بالدباغ. وسيف فطار: عمل حديثاً لم يعتق، وقيل: فيه تشقق، وتقول: قلب مطار، وسيف فطار. وأفطر الصائم وأفطره غيره وفطّره، وفلان يفطّر الصّوّام بفطور حسن. وإذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم أي دخل في وقت الفطر. وذبحنا فطيرة وفطورة وهي الشاة التي تذبح يوم الفطر.

ومن المجاز: لا خير في الرأي الفطير. وتقول: رأيه فطير، ولبّه مستطير.
فطر قَالَ أَبُو عبيد: وأصل الدلوك أَن تَزُول عَن موضعهَا فقد يكون هَذَا فِي قَول ابْن عمر وَقَول أبي وَائِل جَمِيعًا. وَفِي هَذَا الحَدِيث حجّة لمن ذهب بِالْقُرْآنِ إِلَى كَلَام الْعَرَب إِذا لم يكن فِيهِ حكم وَلَا حَلَال وَلَا حرَام أَلا ترَاهُ يَقُول: وَهُوَ فِي كَلَام الْعَرَب دلكت براح. وَقد رُوِيَ مثل هَذَا عَن ابْن عَبَّاس - قَالَ: حَدَّثَنِيهِ يحيى عَن سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم بْن مهَاجر عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت لَا أَدْرِي مَا فاطِرُ السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يختصمان فِي بِئْر فَقَالَ أَحدهمَا: أَنا فَطَرْتُها. أَي أَنا ابْتَدَأتهَا. قَالَ: وَحدثنَا هشيم عَن حُصَيْن عَن عبيد الله بْن عبد الله بْن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يُسئل عَن الْقُرْآن فينشد فِيهِ الشّعْر] .
(فطر) - في الحديث: "عَشْرٌ من الفِطْرة"
أي من السُّنَّة، يعني: سُنَن الأَنْبياء عليهم الصّلاة والسّلام الَّذِين أُمِرنا أن نَقتَدِىَ بهم.
والفِطْرة: الدِّين الذي طُبِعَت عليه الخَليقَة.
وأَصلُ ذلك ابتداءُ الشَّيءِ وابْتِكارُه من دين وغيره.
وفَطَر الله تَعالَى الخَلْق: خَلَقَهم. والفَاطِر: المُبدِع للأَشياء المُبدِئُ. وفَطَر نَابُ البَعير: طَلَع، أي شَقَّ المَوضِع الذي طَلَع منه. وانْفَطَر الشيءُ، وتَفطَّر: انشَقَّ،
- في الحديث: "إذا جَاءَ اللَّيلُ وذَهَبَ النهارُ فقد أَفطَر الصائِمُ"
: أي دَخَل في وَقْتِ الإفطار ، وجاز له أن يُفطر؛ كقولهم: أَصبحَ وأَمسَى. وقيل: أي صار في حكم المُفطِر وإن لم يَأْكُل.
- في الحديث: "أَفطَر الحاجِمُ والمَحْجُوم"
: أي تَعرَّضا للإفْطَارِ. وقيل: إنه مَرَّ بهما مساء فعَذَرَهُما بهذا القول إذْ كَانَا قد أَمسَيَا. وقيل: معناه جَازَ لهما أن يُفطِرا. وقيل: هو على التَّغْلِيظِ والدُّعاءِ.
ف ط ر: (أَفْطَرَ) الصَّائِمُ وَالِاسْمُ (الْفِطْرُ) . وَ (فَطَّرَهُ) غَيْرُهُ (تَفْطِيرًا) . وَرَجُلٌ (مُفْطِرٌ) وَقَوْمٌ (مَفَاطِيرُ) مِثْلُ مُوسِرٍ وَمَيَاسِيرَ. وَرَجُلٌ (فِطْرٌ) وَقَوْمٌ فِطْرٌ أَيْ مُفْطِرُونَ. وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ. وَ (الْفَطُورُ) بِالْفَتْحِ مَا يُفْطَرُ عَلَيْهِ وَكَذَا (الْفَطُورِيُّ) كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ. وَ (فَطَّرَتِ) الْمَرْأَةُ الْعَجِينَ حَتَّى اسْتَبَانَ فِيهِ (الْفُطْرُ) بِالضَّمِّ. وَ (الْفِطْرَةُ) بِالْكَسْرِ الْخِلْقَةُ. وَ (الْفَطْرُ) الشِّقُّ يُقَالُ: (فَطَرَهُ فَانْفَطَرَ) . وَ (تَفَطَّرُ) الشَّيْءُ تَشَقَّقَ. وَ (الْفَطْرُ) أَيْضًا الِابْتِدَاءُ وَالِاخْتِرَاعُ. وَبَابُ الْأَرْبَعَةِ نَصَرَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ حَتَّى أَتَانِي أَعُرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا (فَطَرْتُهَا) أَيِ ابْتَدَأْتُهَا. وَ (الْفَطِيرُ) ضِدُّ الْخَمِيرِ وَهُوَ الْعَجِينُ الَّذِي لَمْ يَخْتَمِرْ. وَكُلُّ شَيْءٍ أَعْجَلْتَهُ عَنْ إِدْرَاكِهِ فَهُوَ فَطِيرٌ. يُقَالُ: إِيَّاكَ وَالرَّأْيَ الْفَطِيرَ. وَيُقَالُ: عِنْدِي خُبْزٌ خَمِيرٌ وَحَيْسٌ فَطِيرٌ أَيْ طَرِيٌّ. 

فطر


فَطَرَ(n. ac. فَطْر)
a. Split, clave; cracked; slit, rent.
b. Began, commenced; originated; produced;
created.
c. Made unleavened (dough); used untempered
(clay).
d.(n. ac. فَطْر
فِطْر
فُطُوْر), Broke his fast; breakfasted.
e.
(n. ac.
فَطْر), Milked.
f. Pressed, squeezed.

فَطَّرَa. see I (a)b. Made to break his fast; breakfasted.
c. [ coll. ], Was unleavened, did
not rise (dough).
أَفْطَرَa. see I (d)
& II (b).
c. Was at breakfast.

تَفَطَّرَa. see II (c)
& VII.
إِنْفَطَرَa. Split, cracked; was split &c.
b. Opened, sprouted (plant).
فَطْر
(pl.
فُطُوْر)
a. Split, crack; cleft, fissure.

فَطْرِيّa. see 2yi
فِطْرa. The breaking one's fast.
b. One breaking his fast.
c. Budding grapes.

فِطْرَة
(pl.
فِطَر)
a. Creation; make, construction; nature; character
disposition, temperament; quality, property; characteristic
peculiarity, idiosyncrasy.
b. Primary knowledge; intuition.
c. Religious faculty.

فِطْرِيّa. Natural, innate, in-born; constitutional.

فُطْرa. see 2 (c)b. Fungus, toadstool; mushroom.

فُطُرa. see 3 (b)
فَاْطِرa. Creator; maker; originator.
b. see N. Ag.
أَفْطَرَ
فُطَاْرa. Notched, jagged, blunt (sword).

فُطَاْرِيّa. Nonentity, nobody.

فَطِيْرa. Unleavened (bread); azyme.
b. Precipitate, hasty, immature.

فَطِيْرَة
(pl.
فَطَاْئِرُ)
a. [ coll. ], A kind of pastry
tart.
فَطُوْر
فَطُوْرِيّa. Breakfast.
b. [ coll. ], Dinner.
فُطُوْر
a. [ coll. ]
see 26
تَفَاْطِيْرa. Pimples.

N. Ag.
أَفْطَرَ
(pl.
مَفَاْطِيْرُ)
a. One breaking his fast; one having breakfasted.
b. [ coll. ], One having dined.

أُفْطُوْر (pl.
أَفَاْطِيْرُ)
a. Chap, crack; pimple.

عِيْد الفِطْر
a. Feast that follows the fast of Ramadān.

عِيْد الفَطِيْر
a. The feast of unleavened bread.
فطر مني مذي ودي وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث عمر [رَضِي الله عَنهُ -] أَنه سُئِلَ عَن الْمَذْي فَقَالَ: هُوَ الفَطْر وَفِيه الْوضُوء. قَوْله: الفَطر نرى وَالله أعلم أَنه إِنَّمَا سمي فطرا لِأَنَّهُ شبه بالفَطر فِي الْحَلب يُقَال: فطرت النَّاقة أفطِرها [وأفُطرها -] فطرا وَهُوَ الْحَلب بأطراف الْأَصَابِع فَلَا يخرج اللَّبن إِلَّا قَلِيلا وَكَــذَلِكَ يخرج الْمَذْي وَلَيْسَ الْمَنِيّ كَــذَلِك لِأَنَّهُ يخذف بِهِ خذفا. وَقد قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا سمي المَذْي فَطْرا [لِأَنَّهُ -] شبه بفَطر نَاب الْبَعِير يُقَال: فَطَر نابُه إِذا طلع فَشبه طُلُوع هَذَا من الإحليل بِطُلُوع ذَلِك. وَقد روى عَن ابْن عَبَّاس [رَحمَه الله -] فِي تَفْسِير الْمَنِيّ والمذْي والوَدُي. قَالَ: فالمني هُوَ الغليظ الَّذِي يكون مِنْهُ الْوَلَد والمذي الَّذِي يكون من الشَّهْوَة تعرض بِالْقَلْبِ أَو من الشَّيْء يرَاهُ الْإِنْسَان أَو من ملاعبة أَهله والوَدْي الَّذِي يخرج بعد الْبَوْل وَفِي هذَيْن الْوضُوء: [المذْى والودُى -] وَفِي الْمَنِيّ وَحده الغُسل. وَيُقَال من الْمَنِيّ: أمنيت بِالْألف لَا أعرف مِنْهُ غير ذَلِك وَمِنْه قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون} بِضَم التَّاء وَلم أسمع أحدا قَرَأَهَا بِالْفَتْح. وَأما الْمَذْي فَفِيهِ لُغَتَانِ: مَذَيت وأمذيت. وَأما الودْي فَلم أسمع بِفعل اشتق مِنْهُ إِلَّا فِي حَدِيث يرْوى عَن عَائِشَة [رَحْمَة الله عَلَيْهَا -] .
فطر الفُطْرُ: ضَرْبٌ من الكَمْاةِ، الواحِدَةُ فُطْرَةٌ. والفُطْرَةُ: شَيْءٌ قَلِيْل من التَبَنِ يُحْلَبُ ساعَتَئِذٍ. وفَطَرْتُ النّاقَةَ فَطْراً: وهو حَلبُها بأطْرَافِ الأصَابع. والفُطْرُ: المَذِي الذي يَظْهَرُ على إحْلِيْلِ الذَّكَرِ، وهو مُشَبهٌ بالفُطْرِ الذي يَظْهَرُمن اللَبَنِ على إحْلِيْلِ الضَرْعِ. وفَطَرْتُ العَجِيْنَ: وهو أنْ تَعْجِنَه ثم تَخْتَبِزَه من ساعَتِه، أفْطِرُه وأفْطُرُه، وأطْعِمَةٌ فَطْرى. وفَطَرَ اللهُ الخَلْقَ: أي خَلَقَهم. وفاطِرُ السماواتِ والأرْضِ.
والفِطْرَةُ: الديْنُ الذي طُبِعَتْ عليه الخَلِيْقَةُ. وفي الحَدِيْثِ: " كُل مَوْلُوْدٍ يُوْلَدُ على الفِطْرَةِ ". وفَطَرَ نابُ البَعِيرِ: طَلَعَ. وانْفَطَرَ الثوْبُ: انْشَقَّ، وتَفَطَّرَ: كــذلك. وتَفَطَرَتِ الأرْضُ والجِبَالُ. والانْفِطَارُ: الانْصِدَاعُ في ظاهِرِ الأدِيْمِ.
وتَفَطَّرَتِ القَدَمُ: تَشَققَت في ظاهِرِها. وفَطرْتُ إصْبَعَ فلانٍ: إذا غَمَزْتَها أو ضَرَبْتَها فانْفَطَرَتْ دَماً.
وسَيْفٌ فُطَارٌ: فيه تَشَفقٌ.
والفِطْرُ: تَرْكُ الصَّوْمِ، أفْطَرَ الرَّجُلُ، وفَطَّرْتُه وأفْطَرْتُه. وفي الحَدِيث: " أفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجُوْمُ ". وذَبَحْنَا فَطِيْرَةً وفَطُوْرَة: أي شاةً تُذْبَحُ يَوْمَ الفِطْرِ. والفَطِيْرُ: الداهِيَةُ. والأمْرُ البَدِيْعُ المُفْتَطَرُ. وجِلْد فَطِيْرٌ: لم يُلْقَ في الدبَاغ.
والأفَاطِيْرُ: جَمْعُ أفْطُوْرٍ وهو تَشَققٌ يَخْرُجُ في أنْفِ الشابِّ ووَجْهِه.
(ف ط ر) : (الْفَطْرُ) إيجَادُ الشَّيْءِ ابْتِدَاءً وَابْتِدَاعًا وَيُقَال فَطَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَطْرًا إذَا ابْتَدَعَهُمْ (وَالْفِطْرَةُ) الْخِلْقَةُ وَهِيَ مِنْ الْفَطْرِ كَالْخِلْقَةِ مِنْ الْخَلْقِ فِي أَنَّهَا اسْمٌ لِلْحَالَةِ ثُمَّ إنَّهَا جُعِلَتْ اسْمًا لِلْخِلْقَةِ الْقَابِلَةِ لِدِينِ الْحَقِّ عَلَى الْخُصُوصِ (وَعَلَيْهِ) الْحَدِيثُ الْمَشْهُور «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِمِلَّةِ الْإِسْلَامِ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِ صَاحِبِهَا (وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ) قَصُّ الْأَظْفَارِ مِنْ الْفِطْرَةِ (وَأَمَّا قَوْلُهُ) فِي الْمُخْتَصَرِ (الْفِطْرَةُ) نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَمَعْنَاهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَدْ جَاءَتْ فِي عِبَارَاتِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ وَإِنْ لَمْ أَجِدْهَا فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْأُصُولِ وَيُقَالُ (فَطَّرْتُ) الصَّائِمَ فَأَفْطَرَ نَحْو بَشَّرْتُهُ فَأَبْشَرَ (وَقَوْلُهُ) فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ ابْتَلَعَ حَصَاةً فَطَرَ أَيْ فَطَّرَهُ ابْتِلَاعُهَا وَكَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفَطِّرْهُ أَيْ لَمْ يُفَطِّرْهُ الْقَيْءُ وَهَذَا إنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ وَإِلَّا فَالصَّوَابُ أَفْطَرَ وَلَمْ يُفْطِرْ وَأَمَّا لَمْ يُفْطَرْ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَرَكِيكٌ وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أَيْ دَخَلَ فِي الْفِطْرِ كَأَصْبَح وَأَمْسَى إذَا دَخَلَ فِي الْوَقْتَيْنِ وَعَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِع إنْ أَفْطَرْتُ بِالْكُوفَةِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَانَ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْفِطْرِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْكُل حَنِثَ.
فطر: فطر الصائم فطرا وفطورا: أكل وشرب أو ابتدأ الأكل والشرب (محيط المحيط) وفطر فطورا (فوك) فطر القلب: أتعب فؤاده. (بوشر).
تفطر: تغدى، أكل الغداء وهو وجبة الظهر من الطعام. (فوك).
انفطر: مطاوع فطر بمعنى أوجد الشيء ابتداء وخلقه، ومعنى انفطر: خلق. (فوك).
انفطر: تعب فؤاده، زهقت روحه. (بوشر).
فطر: عند العامة عجر مستديرة، رخفة تخرج في أبدان الشجر يقتدح بها، ومنها ما ينعقد في الأرض كالكمأة يستخرج ويؤكل. (محيط المحيط).
وفطر: نوع من الكمأة والجمع فطاري (همبرت ص48، بوشر): فطر: قرع كبير، يقطين، نوع من الدباء كبير جدا (بوشر).
فطرة، والجمع فطر: طبيعة، طبع، جبلة، سجية، سليقة. (فوك).
فطرة: استعداد غريزي، (عبد الواحد ص137، المقدمة 1: 69، 72، 165).
فطرة: صدقة الفطر وهي صدقة يتصدق بها على الفقراء في عيد الفطر، وقد صارت في أيام بني مرين صدقة واجبة وضريبة لازمة (كرتاس ص258) مع تعليقة تورنبرج (ص441).
فطرة: غداء. (الكالا).
فطري: طبيعي، غريزي. (فوك).
فطران: من لم يتغد. (زيشر 11: 481).
فطار: الشهر العاشر عند المسلمين وهو شهر شوال. (رولاند).
فطور، وفي محيط المحيط فطور: طعام الوجبة الأولى في الصباح (بوشر، محيط المحيط). (لين عادات 1: 200 برتون 1: 177).
فطور: غداء. (جاكسون ص185، محيط المحيط).
فطور: شهر شوال عند العامة. (هوست ص251) وهو افطور عند دومب (ص58) فطير طلمة (بسكويت). (براكس مجلة الشرق والجزائر 6: 349).
فطير: فطيرة، رقيقة من العجين تخبز. (براكس مجلة الشرق، والجزائر 10: 316).
فطير: طلمة بالزبد. فعند دسكرياك (ص14): (طلمة كبيرة في ثخن الإصبع وحجم البرنيطة الفرنسية ذات الحاشية العريضة تخبز تحت الجمر).
وعند فاسليب (ص334): (الفطير نوع من الطلمة المرققة المشربة بالعسل). عواده (ص63). وفي صفة مصر (12: 36 رقم 2): (نوع من الحلوى تشبه بعض الشبه العجينة الصلبة لشارع (بون نوقيل) التي عجنت بالسمن). (فسكيه ص55) ويقول فسكيه في (ص92): (إن الشرهين النهمين من الرعاع يأكلون الفطير الذي يعمل بالجبن والسمن الزنج).
خمر فطير: مسطار، نبيذ لم يتخمر. (همبرت ص17).
فطورة، والجمع فطور: فطر. (فوك).
فطورات (جمع): حلويات. (بوشر).
فطيرا: حشيشة القمل (نبات) عرف الديك (بوشر).
فطيرة: خبز غير خمير (فوك).
عيد الفطيرة: عيد الفصح عند اليهود. (دوماس حياة العرب ص 486).
فطيرة، والجمع فطائر: في (كباب) (ص 78 ق): والفطائر رغائف رقاق تطبخ في التنور وتسمى عندنا الجرادق- وفي محيط المحيط: الفطيرة عند العامة رقاق من العجين يوضع فيه توابل ثم يثنى عليها مثلثا ويخبز، وتطلق أيضا على رغيف معجون بالسمن والزيت (ميشيل) (ص115): الفطائر: نوع من العجائن توضع فيها التوابل أو اللحوم وأنواع من الخضرة أو الفاكهة وتخبز ويستطيبها العرب.
وعند شيرب: نوع من الرقائق المغموسة بالزيت. وعند برتون (1: 178): (نوع من الرقائق المسطحة المدورة تؤكل في الفطور صباحا): وأنظر (بركهارت نوبييه ص174، بارت رحلة إلى كردستان ص151، لين عادات 1: 200، 2: 118، 267، ألف ليلة 3: 423). فطيرة والجمع فطير: قطيفة، قطائف، نوع من الحلويات (بوشر).
فطيرة حلوة: قطيفة. (همبرت ص16).
فطيرة رقاق: ضرب من المعجنات الرقاق، ضرب من الحلوى ملفوفة على شكل قمح (بوشر) فطاطري: بائع الفطائر. (لين عادات 2: 17) فطاطري: حلواني، صانع الحلوى أو بائعها.
بوش، همبرت ص75.
فاطر: عند العامة نقيض صائم (محيط المحيط).
أفطور: انظر فطور.
فطر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة حَتَّى يكون أَبَوَاهُ يُهَوَّدانِه أَو يُنَصِّرَانِه. قَالَ أَبُو عُبَيْد: فَسَأَلت عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: كَانَ هَذَا فِي أول الْإِسْلَام قبل أَن تَنْزل الْفَرَائِض وَقبل أَن يُؤمر الْمُسلمُونَ بِالْجِهَادِ. قَالَ أَبُو عبيد: كَأَنَّهُ يذهب إِلَى أَنه لَو كَانَ يُولد على الْفطْرَة ثُمَّ مَاتَ قبل أَن يُهَوِّدَه أَبَوَاهُ أَو يُنَصِّرَاه مَا ورثهما وَلَا ورثاه لِأَنَّهُ مُسْلِم وهما كَافِرَانِ وَكَــذَلِكَ مَا كَانَ يجوز أَن يسبى يَقُول: فَلَمَّا نزلت الْفَرَائِض وَجَرت السّنَن بِخِلَاف ذَلِك علم أَنه يُولد على دينهما هَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن فَأَما عبد الله ابْن الْمُبَارك فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: تَأْوِيله الحَدِيث الآخر أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن أَطْفَال الْمُشْركين فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين يذهب إِلَى أَنهم يولدون على مَا يصيرون إِلَيْهِ من إِسْلَام أَو كفر فَمن كَانَ فِي علم اللَّه أَن يصير مُسلما فَإِنَّهُ يُولد على الْفطْرَة وَمن كَانَ فِي علمه أَنه يَمُوت كَافِرًا ولد على ذَلِك قَالَ: وَمِمَّا يشبه هَذَا الحَدِيث حَدِيثه الآخر أَنه قَالَ: يَقُول الله تَعَالَى: خلقت عبَادي جَمِيعًا حنفَاء فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِين عَن دينهم وَجعلت مَا نحلت لَهُم من رزق فَهُوَ لَهُم حَلَال فَحرم عَلَيْهِم الشَّيْطَان مَا أحللت. كَأَنَّهُ يُرِيد قَول اللَّه تَعَالَى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّاَ أنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِّنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَّحَلاَلاً قُلْ اللهُ أذِنَ لَكُمْ أمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُوْنَ} ويروى فِي التَّفْسِير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وحلالا} أَنَّهَا البحائر والسيب فَقَالَ أَبُو عُبَيْد: يَعْنِي مَا كَانُوا يحرمُونَ من ظهروها وَأَلْبَانهَا وَالِانْتِفَاع بهَا. وفيهَا نزلت هَذِه الْآيَة: {مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيْرَةٍ ولاَ سَائِبَةٍ وَّلاَ وصيلة وَلَا حام} . وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ ذَات غَدَاة: أَنه أَتَانِي اللَّيْلَة آتيان فابتعثاني فَانْطَلَقت مَعَهُمَا فأتينا على رَجُل مُضْطَجع وَإِذا رَجُل قَائِم عَلَيْهِ بصخرة وَإِذا هُوَ يهوي بالصخرة فَيَثْلَغُ بهَا رَأسه فَتَدَهْدَى الصَّخْرَة قَالَ: ثمَّ انطلقنا فأتينا على رَجُل مستلق وَإِذا رَجُل قَائِم عَلَيْهِ بكلوب وَإِذا هُوَ يَأْتِي أحد شقي وَجهه فيشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ ثُمَّ انطلقنا فأتينا على مثل بِنَاء التَّنور فِيهِ رجال وَنسَاء يَأْتِيهم لَهب من أَسْفَل فَإِذا أَتَاهُم ذَلِك ضوضوا فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى دوحة عَظِيمَة فَقَالَا لي: أرق [فِيهَا -] فارتقينا فَإِذا نَحْنُ بِمَدِينَة مَبْنِيَّة بِلَبن من ذهب وَفِضة فسما بَصرِي صعدا فَإِذا قصر مثل الربابة الْبَيْضَاء.
[ف ط ر] فَطَرَ الشَيءَ يَفْطُرُه فَطْراً، وفَطَّرَه: شَقَّه. والفَطْرُ: الشَّقُّ، وجَمْعُه: فُطُورٌ. وفي التَّنْزِيلِ: {هل ترى من فطور} [الملك: 3] . أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:

(شَقَقْتِ القَلْبَ ثُمَّ ذَرَرْتِ فيه ... هَوَاكِ فَلِيمَ فَالْتَامَ الفُطُورُ)

وفَطَرَ الشَّيءُ، وتَفَطَّرَ، وانْفَطَِرَ، وفي التَّنْزيِلِ: {السماء منفطر به} [المزمل: 18] . ذُكِّرَ عَلَى النَسَبِ، كَما قَالُوا: دَجاجَةٌ مُعْضِلٌ. وسَيْفٌ فُطَارٌ: فيه صُدُوعُ، قَالَ عَنْتَرَةُ:

(وسَيْفِي كالعَقِيقَةِ وهو كِمْعي ... سِلاحِي لا أَفَلَّ ولا فُطارا)

وفَطَرَ نَابُ البَعيرِ يَفْطُرُ فَطْراً، وفَطُوراً: شَقَّ وطَلَعَ، وقَولُ هِميانَ:

(آمُلُ أَنْ يَحْمِلَنيِ أَمِيرِي ... )

(عَلَى عَلاَةٍ لأْمَةِ الفُطُورِ ... )

يَجوزُ أَنْ تكونَ الفُطُورُ فيه الشُّقُوقَ، أي: أََنَّها مُلْتَئِمةُ ما تَبايَنَ من غَيرِها فَلَم يَلْتَئِمْ، وقِيلَ: مَعْناهُ شَدِيدةُ عِنْدَ فُطُورِ نابِها مُوَثَّقَةٌ. وفَطَرَ النَّافَةَِ والشّاةَ يَفَطُرُها فَطْراً: حَلَبَها بأَطْرافِ أَصابِعه، وقِيلَِ: هُو أَنْ يَحْلُبَها كَما تَعْقَدُ ثَلاثِينَ بالإْبهامَيْنِ والسَّبَّابتَيْنِ. والفُطْرُ: القَليلُ من اللَّبنِ حِينَ يُحْلَبُ. والفُطْرُ: الَمذْيُ، شُبِّه بالحَلْبِ؛ لأنَّه لا يكونُ إلاَّ بأَطْرِافِ الأَصابعِ، فَلا يَخْرجُ اللَّبنُ إلاَّ قَلِيلاً، وكَــذِلكَ يَخْرَجُ المّذْي، ولَيْسَ المَنِيُّ كَــذِلَكَ. والفُطْرُ: ما يَتَفَطَّرُ مِنَ النَّباتِ. والفُطْرُ أيضاً: جِنْسٌ من الكَمْءِ؛ لأنَّ الأَرْضَ تَتَفَطَّرُ عَنْهُ، وَاحِدَتُه فُطْرةٌ. والفُطْرُ: العِنَبُ إذاَِ بَدَتْ رُءُوسُه؛ لأنَّ القُضْبانَ تَتَفَطَّرُ عنه. والتَّفاطيرُ: أَولُ نَباتِ الوَسْمِيِّ، ونَظِيرُه التَّعاشِيبُ والتَّعاجِيبُ وتَباشِيرُ الصُّبْحِ، ولا واحِدَ لشَيءٍ من هذه الأَرْبَعةِ. والتَّفَاطِيرُ، والنفَاطِيرُ: بَثْرٌ يَخْرُجُ في وَجِه الغُلامِ والجَارِيةِ، قَالَ:

(نَفَاطِيرُ الحُبون بوَجْه سَلْمَي ... قَدِيماً لا نَفَاطِيرُ الشَّبابِ)

وَاحِدَتُها نُفْطُورٌ. وفَطَرَ أَصابِعَة فَطْراً، غَمَزَها. وفَطَرَ اللهُ الخَلْقَ يَفْطُرُهم: خَلَقَهم وبَدَأَهم. وفي التَّنْزيِلِ: {فاطر السماوات والأرض} . وقَالَ ابنُ عَبّاس: ((ما كُنْتُ أَدْرِي ما فَاطُر السَّمُواتِ والأَرْضِ حَتَّى اخْتَصَمَ أعْرَابِيَّانِ في بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُما: أَنَا فَطَرْتُها: أي: ابْتَدَأْتُها)) . والفِطْرةُ: الخَليقَةُ، أنْشَدَ ثَعَلبٌ:

(هَوِّنْ عَليكَ فَقَدْ نَالَ الغِنَي رَجُلٌ ... في فِطْرَةِ الكَلْبِ لا بالدِّينِ والحَسِبِ)

والفِطْرةُ: ما فَطَرَ اللهُ عليه الخَلْقَ من المَعْرِفَةِ به. وفَطَرَ الشَّيءَ: أَنْشَأَه. وفَطَرَ الشَّيءَ: بَدَأَه. والفِطْرُ: نَقِيضُ الصَّومِ، وقَدْ أَفْطَرَ، وفَطَرَ، وأَفْطَرَه، وفَطَّرَه. قَالَ سِيبَويَه: فَطَّرْتُه فَأَفْطَرَ، نَادِرٌ. ورَجُلٌ فِطْرٌ، وقَوْم فِطْرٌ، وُصِفَ بالمَصْدَرِ، ومُفْطِرٌ من قَوْمِ مَفَاطِيرَ، عن سِيبَويِهِ، قال أَبُو الحَسَنِ: إنَّما ذَكَرْتُ مِثْلَ هذا الجَمْعَ لأنَّ حُكْمَ مِثْلِ هَذَا أَنْ يَجْمعَ بالواوِ والنُّونِ في المُذكَّرِ، وبالأَلِف والتّاء في المُؤَنَّثِ. والفَطُورُ: ما يُفْطَرُ عَلَيه. وفَطَرَ العَجِينَ يَفْطِرهُ ويَفْطُرُه، فهو فَطِيرٌ: إذَا اخْتَبَزَه من سَاعَتِه ولم يُخَمِّرْه، والجَمْعُ: فَطْرَي، مَقْصُورَةٌ. وخُبزٌ فَطيرٌ، وخُبزَةٌ فِطيرٌ، كِلاهُما بغَيرِ هَاءِ، عَنِ اللِّحيانِيّ، وكَــذَلِكَ الطِّينُ. وكُلُّ ما أُعْجِلَ عْن إدْراكِه: فَطِيرٌ، ومنه قَولهم: ((شَرُّ الرَّاْي الفَطِيرُ)) . وفَطَر جِلْدَه، فهو فَطِيرٌ وأفْطَرَه: لَمْ يُرْوِه مِن الدِّباغِ، عن ابنِ الأَعرابِيّ. وفِطْرٌ: من أَِسمائِهم مُحَدِّثٌ، وهو فِطْرُ بنُ خَليفَة.
ف ط ر فَطَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَطْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ خَلَقَهُمْ وَالِاسْمُ الْفِطْرَةُ بِالْكَسْرِ قَالَ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وَقَوْلُهُمْ تَجِبُ الْفِطْرَةُ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالْأَصْلُ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْبَدَنُ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ وَاسْتُغْنِيَ بِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» قِيلَ مَعْنَاه الْفِطْرَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَالدِّينُ الْحَقُّ «وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ» أَيْ يَنْقُلَانِهِ إلَى دِينِهِمَا وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُشْكِلٌ إنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَوَارَثُ الْمُشْرِكُونَ مَعَ أَوْلَادِهِمْ الصِّغَارِ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدُوهُمْ وَيُنَصِّرُوهُمْ وَاللَّامُ مُنْتَفٍ بَلْ الْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا أَمَّا حَمْلُهُ عَلَى مَجَازِهِ فَعَلَى مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَــذَلِكَ أَنَّ إقَامَةَ الْأَبَوَيْنِ عَلَى دِينِهِمَا سَبَبٌ يَجْعَلُ الْوَلَدَ تَابِعًا لَهُمَا فَلَمَّا كَانَتْ الْإِقَامَةُ سَبَبًا جُعِلَتْ تَهْوِيدًا وَتَنْصِيرًا مَجَازًا ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الْأَبَوَيْنِ تَوْبِيخًا لَهُمَا وَتَقْبِيحًا عَلَيْهِمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ بِإِقَامَتِهِمَا عَلَى الشِّرْكِ يَجْعَلَانِهِ مُشْرِكًا وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرْكِ وَأَسْلَمَ الْآخَرُ لَا يَكُونُ مُشْرِكًا بَلْ مُسْلِمًا وَقَدْ جَعَلَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَالَ وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَ الْأَوْلَادِ قَبْلَ أَنْ يُفْصِحُوا
بِالْكُفْرِ وَقَبْلَ أَنْ يَخْتَارُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ حُكْمُ الْآبَاءِ فَمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَعَلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِوُجُودِ الْكُفْرِ مِنْ الْأَوْلَادِ.

وَفَطَرَ نَابُ الْبَعِيرِ فَطْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْضًا فَهُوَ فَاطِرٌ.

وَفَطَّرْتُ الصَّائِمَ بِالتَّثْقِيلِ أَعْطَيْتُهُ فَطُورًا أَوْ أَفْسَدْتُ عَلَيْهِ صَوْمَهُ فَأَفْطَرَ هُوَ وَيُفْطِرُ بِالِاسْتِمْنَاءِ أَيْ وَيَفْسُدُ صَوْمُهُ وَالْحُقْنَةُ تُفْطِرُ كَــذَلِكَ وَأَفْطَرَ عَلَى تَمْرٍ جَعَلَهُ فَطُورَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَالْفَطُورُ وِزَانُ رَسُولٍ مَا يُفْطَرُ عَلَيْهِ وَالْفُطُورُ بِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَالِاسْمُ الْفِطْرُ بِالْكَسْرِ وَرَجُلٌ فِطْرٌ وَقَوْمٌ فِطْرٌ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ وَلِهَذَا يُذَكَّرُ فَيُقَالُ كَانَ الْفِطْرُ بِمَوْضِعِ كَذَا وَحَضَرْتُهُ وَرَجُلٌ مُفْطِرٌ وَالْجَمْعُ مَفَاطِيرُ بِالْيَاءِ مِثْلُ مُفْلِسٍ وَمَفَالِيسَ وَإِذَا غَرَبْتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ كَمَا يُقَالُ أَصْبَحَ وَأَمْسَى إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالْهَمْزَةُ لِلصَّيْرُورَةِ وَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ اللَّامُ بِمَعْنَى بَعْدَ أَيْ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ وَمِثْلُهُ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ أَيْ بَعْدَهُ قَالَ النَّابِغَةُ
تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا ... لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامُ سَابِعُ
أَيْ بَعْدَ سِتَّةِ أَعْوَامٍ

وَعِيدُ الْفَطِيرِ عِيدٌ لِلْيَهُودِ يَكُونُ فِي خَامِسَ عَشَرَ نَيْسَانَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَيْسَانَ الرُّومِيَّ بَلْ شَهْرٌ مِنْ شُهُورِهِمْ يَقَعُ فِي آذَار الرُّومِيِّ وَحِسَابُهُ صَعْبٌ فَإِنَّ السِّنِينَ عِنْدَهُمْ شَمْسِيَّةٌ وَالشُّهُورَ قَمَرِيَّةٌ وَتَقْرِيبُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ نُزُولِ الشَّمْسِ الْحَمَلِ بِأَيَّامٍ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ. 
[فطر] فيه: كل مولود يولد على "الفطرة"، الفطر الابتداء والاختراع، والفطرة الحالة، يريد أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، وإنما يعدل عنه لآفة من التقليد، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السليمة، وقيل: يريد كل مولود يولد على معرفة الله والإقرار به فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن له صانعا وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره. ن: هي ما أخذ علهم وهم في صلابهم، أو قيل: ما قضى عليهم من سعادة أو شقاوة؟ أبو عبيد: قال محمد بن الحسن: كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وأمر بالجهاد، قال: كأنه يعني أنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات قبل أن يهوده أو ينصره أبواه لم يرثهما ولم يرثاه لأنه مسلم وهما كافران ولما جاز سبيه، والأصح أن معناه: يولد متهيئا للإسلام. ط: فلو ترك عليها لاستمر عليها لأن حسن هذا الدين مطبوع، ويولد - خبر ما، وقيل: أريد به إيمان يوم الميثاق. غ: أي على ابتداء الخلقة في علم الله مؤمنا أو كافرا فأبواه يهودانه، أي في حكم الدنيا. مف: أو الفطرة التي فطروا عليها وركب في عقولهم استحسانها. نه: ومنه ح: على غير "فطرة" محمد صلى اللهأن يفطر، وقيل: أي صار في حكم المفطرين وإن لم يأكل ويشرب. ط: وفيه رد على المواصلين، وقيل: هو إنشاء أي فليفطر، قوله: من ههنا- أي أقبل ظلمة الليل من جانب المشرق وأدبر ضوء النهار من جانب المغرب، قوله: غربت الشمس- مبالغة لرفع ظن جواز الإفطار بغروب بعضها. ن: جمع بين غروبها وإقبال الليل وإدبار النهار وإن كان يغني كل عن أخويه، لأنه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروبها فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء. نه: "أفطر" الحاجم والمحجوم، أي تعرضا للإفطار، وقيل: حان لهما أن يفطرا، أو هو على التغليظ لهما والدعاء عليهما. ط: تعرضا له بعروض الضعف ووصول شيء إلى جوف الحاجم بمص القارورة، وعند أحمد وإسحاق هو على ظاهره. ك: كان يأمر "بالفطر"، أي لمن أصبح جنبًا، والأول أسند- أي حديث أمهات المؤمنين أصلح إسنادًا. و"السماء "منفطر" به"، أي مثقلة بيوم القيامة إثقالًا يؤدي إلى انفطارها. غ: "يتفطرن" ينشققن. و"من" فطور"" شقوق. نه: قام صلى الله عليه وسلم حتى "تفطرت" قدماه، أي تشققت، تفطرت وانفطرت بمعنى. وفيه: سئل عن المذي فقال: "هو "الفطر"، ويروى بالضم، فالفتح مصدر: فطر ناب البعير فطرًا- إذا شق اللحم فطلع، فشبه به خروج المذي في قلته، أو مصدر: فطرت الناقة- إذا حلبتها بأطراف الأصابع فلا يخرج إلا قليلًا، والضم اسم ما يظهر من اللبن على حلمتي الضرع. ومنه ح: كيف تحلبها مَصْرا أو "فَطْرا"، هو أن تحلبها بإصبعين وطرف الإبهام، وقيل: بالسبابة والإبهام. وفيه: ماء نمير وحيس "فطير"، أي طري قريب حديث العمل.
فطر
فطَرَ1 يَفطُر، فَطْرًا، فهو فاطِر، والمفعول مَفْطور
• فطَر الحزنُ قلبَه: مزّقه، شقّه، أثّر فيه تأثيرًا عميقًا "كان منظرها يَفطُر القلب".
• فطَر الشَّيءَ: اخترعه، أوجده، أنشأه، ابتدأه "فطر الله الخلق: خلقهم- {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} - {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} ". 

فطَرَ2 يَفطُر، فُطورًا، فهو فاطِر، والمفعول مفطور (للمتعدِّي)
• فطَر الصَّائمُ: أكل وشرب، قطع صيامه بتناول الطعام ونحوه "فاطر في نهار رمضان".
• فطَر إصبعَ فلان: ضربها فانفطرت دمًا. 

أفطرَ/ أفطرَ بـ/ أفطرَ على يُفطر، إفطارًا، فهو مُفطِر، والمفعول مُفطَر (للمتعدِّي)
• أفطر الرَّجلُ:
1 - تناول وجبة الصباح.
2 - قطع صيامه بتناول الطعام والشراب أو أكل وشرب بعد انتهاء صيامه "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ يومًا [حديث]: الهلال".
3 - دخل في وقت الإفطار.
• أفطر الصَّائمَ: أفسد صيامه "التدخين يُفطر الصائم".
• أفطر بتمرٍ/ أفطر على تمرٍ: جعله فَطُوره "*وبسُنَّة الله الرَّضيَّة تُفْطِر*". 

انفطرَ ينفطر، انفطارًا، فهو مُنفطِر
• انفطر الشَّيءُ: مُطاوع فطَرَ1 وفطَرَ2: انشقَّ "انفطر قلبُه حُزْنًا- {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} - {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} ". 

تفطَّرَ يتفطَّر، تفطُّرًا، فهو مُتفطِّر
• تفطَّرَ الشَّيءُ: تشقَّق، تصدّع "تفطّر قلبه حزنًا على صديقه- تفطّرت قدمه- {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} ".
• تفطَّر الثَّوبُ: تشقَّق من القِدَم والبِلى. 

فطَّرَ يفطِّر، تفطيرًا، فهو مُفَطِّر، والمفعول مُفَطَّر
• فطَّر فلانًا: قدم له وجبة الصَّباح أو وجبة الإفطار في رمضان "فطَّر عددًا من زملائه في رمضان طمعًا في الثواب".
• فطَّر الصَّائمَ: أفسد صيامه، جعله يُفْطر "التدخين يفطِّر الصائم- فطَّر الصَّائمَ مرضٌ ألمَّ به". 

إفطار [مفرد]:
1 - مصدر أفطرَ/ أفطرَ بـ/ أفطرَ على.
2 - طعام الصباح، أول وجبة طعام في اليوم تُؤكل في العادة صباحًا "تناول إفطاره ثم انطلق مسرعًا للعمل".
3 - طعام الصائم بعد غروب الشمس "دعا صديقه على الإفطار". 

انفطار [مفرد]: مصدر انفطرَ.
• الانفطار: اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 82 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها تسع عشرة آية. 

فاطِر [مفرد]:
1 - اسم فاعل من فطَرَ1 وفطَرَ2.
2 - اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 35 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها خمسٌ وأربعون آية.
• الفاطِر: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الخالق المُوجد المُبدع على غير مثال سابق " {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} ". 

فطايريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى فطائر: وسُهِّلت الهمزة للتخفيف: صانع الفطائر وبائعها. 

فَطْر [مفرد]: ج فُطُور (لغير المصدر):
1 - مصدر فطَرَ1.
2 - شَقٌّ، صَدْع " {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} ". 

فُطْر [جمع]: جج أفطار وفُطُور، مف فُطْرة: (نت) اسم جنس يطلق على طائفة من اللازهريّات، منها ما يؤكل، وما هو سام، وما هو طفيليّ على النبات أو الحيوان، ومنها المترمِّم، ومن أنواعه الكمأة ° الفُطر الجلديّ: أي من أنواع الفطور التي يمكن أن تتسبَّب بمرض أو عدوى طفيليَّة جلديّة- الفُطر الطُّحْلُبيّ: أي من فطريات عديدة تشبه الطحالب كالعفن وعفن النبات- فُطْر شعاعيّ: أي من الكائنات الحيَّة العضوية الدقيقة الخيطيَّة أو العضوية
 الموجودة في التربة والمسبِّبة لمرض الحارش. 

فِطْر [مفرد]: إفطار؛ طعام الصائم بعد غروب الشمس "فانعمْ بيوم الفِطْر عينًا إنَّه ... يومٌ أعزُّ من الزَّمان مُشَهَّر" ° صدقة الفطر/ زكاة الفطر: صدقة واجبة يقدمها المسلمون للمحتاجين بمناسبة عيد الفطر- عيد الفِطْر: العيد الذي يَعقُب صومَ رمضان. 

فِطْرة [مفرد]: ج فِطْرات وفِطَر:
1 - خِلْقة، صفة يتَّصف بها المخلوق أول خلقه؛ صفة الإنسان الطبيعيّة "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ [حديث]- {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}: ما ركَّزه الله في الإنسان من قدرة على معرفة الإيمان" ° بالفِطرة: مُتَّصف بصفة أو موهبة معيَّنة منذ الولادة.
2 - (نف) خلقة يكون عليها كلّ موجود أوّل خلقه.
• الفِطْرة السَّليمة: (سف) استعداد لإصابة الحُكم والتَّمييز بين الحق والباطل. 

فُطْريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى فُطْر: "نبات فُطْريّ- يفضل البعضُ أكل الكمأة وهي نوع من الفُطْريات".
• العفن الفُطْريّ: (حي) فُطريات تتكوَّن سطحيًّا على النَّباتات والموادّ العضويَّة.
• فُطريَّات: (نت) فُطر؛ طائفة من اللازهريّات منها ما يُؤكل وما هو سامّ وما هو طفيليّ على النبات أو الحيوان، ومنها المترمِّم على الكائنات الميِّتة.
• علم الفطريّات: (نت) علم يعنى بدراسة أنواع الفطريات كالعفن والخمائر وأمراض البياض وخصائصها وحياتها. 

فِطْريّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى فِطْرة: (حي) ما يخص طبيعة الكائن الحي ويصاحبه من نشأته، غريزيّ، طبيعيّ، عكسه مكتسَب "رد فعل/ سلوك فِطريّ".
2 - من يتصرَّف بتلقائيَّة دون خبرة ومعرفة. 

فِطْريَّة [مفرد]:
1 - مصدر صناعيّ من فِطْرة.
2 - (سف) مذهب فلسفيّ يقول بأنّ الأفكار والمبادئ جِبِلِّيَّة، موجودة في النفس قبل التعلم والتلقين. 

فَطور [مفرد]:
1 - طعام الصباح "تناول فُطوره مبكرًا".
2 - طعام الصائم بعد أذان المغرب "دعاه على الفطور".
3 - تناوُل الصائم طعامه بعد غروب الشمس، وتناول طعام الصباح. 

فُطور [مفرد]:
1 - مصدر فطَرَ2.
2 - فَطور؛ طعام الصباح "تناول فطوره مبكرًا- تناول وجبة الفُطور".
3 - فَطور؛ طعام الصائم بعد أذان المغرب "دعاه على الفُطور".
4 - تناوُل الصائم طعامه بعد غروب الشمس، وتناول طعام الصباح. 

فَطير [مفرد]: كلّ ما أعجل به قبل نضجه، خلاف الخمير "عجين/ خبز فطير" ° جِلْدٌ فَطير: لم يُلْق في الدِّباغ- رأي فطير: أُبدِيَ بلا رَوِيَّة، بديهي قُدِّم دون تمحيص- رأيه فطير ولبه مستطير- عيد الفَطير: من أعياد اليهود. 

فطيرة [مفرد]: ج فطائر وفَطير:
1 - رُقاقة من العجين تُحشى باللحم أو الخُضر أو الفاكهة أو أيّ مكونات أخرى وتُثنى وتُخبز.
2 - ما يُعجن بالسمن أو الزيت أو نحوهما. 

فطر

1 فَطَرَهُ, (S, M, K,) aor. ـُ (M, K, TA,) and, accord. to the K, فَطِرَ also, but this latter form requires consideration, for it is related by Sgh, from Fr, in another sense, that of milking a camel, and not unrestrictedly, (TA,) inf. n. فَطْرٌ; (S, M;) and ↓ فطّرهُ, (M, TA,) inf. n. تَفْطِيرٌ; (TA;) [but the latter is with teshdeed to denote muchness, or frequency, or repetition, of the action, or its application to many objects;] He clave, split, slit, rent, or cracked, it. (S, M, K.) b2: Hence, (S,) فَطَرَ, (S, Msb, K,) aor. ـُ (Msb, TA,) inf. n. فَطْرٌ (Msb, K) and فُطُورٌ, (K,) It (the tooth called ناب, of a camel,) came forth; (S, K;) it clave the flesh and came forth. (TA.) b3: See also 7.

A2: فَطَرَهُ, (S, Mgh, Msb, K,) aor. ـُ inf. n. فَطْرٌ, (S, Mgh, Msb,) He (God, Msb, K) created it, (S, Msb, K,) namely, the creation: (Msb, K:) he caused it to exist, produced it, or brought it into existence, newly, for the first time, it not having existed before; originated it; commenced, or began it; (S, M, A, Mgh, K;) as also ↓ افتطرهُ, relating to an affair. (TA.) I'Ab says, I did not know what is [the meaning of] السَّمٰوَاتِ ↓ فَاطِرُ [The Originater, or Creator, of the heavens] until two Arabs of the desert came to me, disputing together respecting a well, and one of them said أَنَا فَطَرْتُهَا, meaning, I originated, or began, it. (S.) فُطِرَ عَلَى الشَّىْءِ: see طُبِعَ. [The explanation there given is confirmed by explanations of فِطْرَةٌ.]

A3: فَطَرَ العَجِينَ, (Lth, S, K,) aor. ـُ inf. n. فَطْرٌ; (S;) and ↓ فطرّهُ; (Ks, TA;) He made the dough into bread, or baked it, without leavening it, or leaving it until it should become good [or mature]; (K;) he kneaded the dough and made it into bread, or baked it, immediately; (Lth;) he hurried the dough, or prepared it hastily, so as to prevent its becoming mature. (S.) You say فَطَرَت الْمَرْأَةُ

↓ العَجِينَ حَتَّى اسْتَبَانَ فِيهِ الفَطْرُ [The woman hurried the dough, or prepared it hastily, so that immaturity, or want of leaven, was manifest in it]. (S.) b2: And in like manner, فَطَرَ الطِّينَ He prepared, or kneaded, the clay, or mud, [without leaving it until it should become mature,] and plastered with it immediately. (Lth, TA.) b3: And فَطَرَ الجِلْدَ, (IAar, K,) inf. n. فَطْرٌ; (TA;) and ↓ افطرهُ; (K;) He did not saturate the skin with the tanning liquid: (IAar, K:) or he did not put it therein. (A.) A4: And فَطَرَ, (Fr, O, K,) aor. ـُ and فَطِرَ, (Fr, O, K, * TA,) inf. n. فَطْرٌ, (Fr, S, O, K,) He milked a she-camel, (Fr, S, O, K,) and a ewe or goat, (TA,) with the fore finger and the thumb: (Fr, S, O, K, TA:) or with the ends of the fingers: (K, TA:) or, as one does in indicating the number thirty, i. e., with the two thumbs and the two fore fingers: [but this is app. a mistake for what next follows:] (L, TA:) or, accord. to IAth, with two fingers [and] with the end of the thumb. (TA. See also ضَبَّ النَّاقَةَ.) b2: And [hence, app.,] فَطَرَ أَصَابِعَهُ He pressed, or squeezed, his fingers. (TA.) And He struck his (another's) fingers so that they burst forth with blood (اِنْفَطَرَتْ دَمًا). (TA.) A5: See also 2: b2: and 4, first sentence.2 فطّرهُ: see 1, first sentence.

A2: Also, (inf. n. تَفْطِيرٌ, S,) He made him to break his fast; or to eat and drink; (S, * Mgh, * K;) as also ↓ افطرهُ, and ↓ فَطَرَهُ: (K:) he gave him breakfast: he, or it, (namely, the action termed إِسْتِمْنَآءٌ, and a clyster, [&c.,] Msb,) broke, or vitiated, his fast. (Msb.) And you say also هٰذَا كَلَامٌ يُفْطِرُ الصَّوْمَ, [and, more commonly, يُفَطِّرُهُ,] This is speech which breaks, or vitiates, the fast. (TA.) A3: فطّر العَجِينَ: see 1.4 افطر He broke his fast; (S, * Mgh; *) he breakfasted; he ate and drank after fasting; (Msb, * K;) as also ↓ فَطَرَ, (K,) aor. ـُ (TA,) inf. n. فُطُورٌ: (Msb, TA:) his fast became vitiated. (Msb.) افطر as quasi-pass. of فَطَّرْتُهُ is extr., (Sb,) like أَبْشَرَ as quasi-pass. of بَشَّرْتُهُ. (Sb, Mgh.) Yousay افطر عَلَى تَمْرٍ [He breakfasted upon dates, or dried dates;] he made dates, or dried dates, his breakfast, after sunset [in Ramadán]. (Msb.) In the saying صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُوْيَتِهِ [Fast ye after the sight of it, namely, the new moon commencing Ramadán, and break ye your fast after the sight of it, namely, the new moon commencing Showwál], the ل is in the sense of بَعْد, i. e., بَعْدَ رُؤْيَتِهِ. (Msb.) b2: It was time for him to break his fast: (K:) he entered upon the time of breaking his fast; (Mgh, Msb, K;) like أَصْبَحَ and أَمْسَى as meaning “ he entered upon the time of morning ” and “ upon the time of evening: ” (Mgh, * Msb:) or he became in the predicament of those who break their fast, and so though he neither ate nor drank: whence the trad., أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ The cupper and the cupped place themselves in the predicament of those who break their fast: or it is time for the cupper and the cupped to break their fast: or it is used after the manner of a harsh expression, and an imprecation against them. (IAth.) A2: افطرهُ: see 2.

A3: افطر الجِلْدَ: see 1.5 تَفَطَّرَ see the next paragraph, in six places.7 انفطر, and ↓ تفطّر, (S, M, K,) and ↓ فَطَرَ, (M,) [but the second is with teshdeed as quasi-pass. of 2, to denote muchness, or frequency, or repetition, or application to many subjects of the action, as is indicated in the S by its being expl. by تَشَقَّقَ,] It became cleft, split, slit, rent, or cracked. (S, M, K.) إِذَا السَّمَآءُ انْفَطَرَتْ [in the Kur lxxxii. 1] means When the heaven shall become cleft. (Bd, TA.) And مِنْهُ ↓ تَكَادُ السَّمٰوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ [in the Kur xix. 92] The heavens are near to becoming repeatedly rent in consequence thereof. (Bd.) and قَدَمَاهُ ↓ تَفَطَّرَتْ His feet became cracked: [or much cracked.] (TA, from a trad.) And ↓ تَفَطَّرَتِ الأَرْضُ بِالنَّبَاتِ The earth became cracked [in many places by the plants coming forth]. (TA.) and الشَّجَرُ بِوَرَقٍ ↓ تَفَطَّرَ [The trees broke forth with leaves; as also انفطر, often occurring in this sense; see Har p. 58; and see فِطْرٌ]. (S and K, voce رَاحَ; &c.) And قَدَمَاهُ دَمًا ↓ تَفَطَّرَتْ [and انفطرت (see 1, last sentence but one,)] His feet [burst forth or] flowed with blood. (TA.) b2: And انفطر الصُّبْحُ (assumed tropical:) The dawn broke. (TA in art. صدع.) 8 إِفْتَطَرَ see 1. And see also 8 in art. شرع.

فَطْرٌ [as an inf. n.: see 1: b2: as a subst.,] A cleft, split, slit, rent, or crack: (K:) or, accord. to some, a first cleft &c.: (MF:) pl. فُطُورٌ: (K:) occurring in the saying هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [Dost thou see any clefts?], in the Kur [lxvii. 3]. (TA.) A2: 'Omar, being asked respecting [the discharge termed] المَذْى, answered, It is الفَطْرُ: (O, K:) thus as related by A 'Obeyd: (TA:) it is said that he likened it, in respect of its paucity, to what is drawn from the udder by means of the milking termed الفَطْرُ: (O, K:) or, as some say, it is from تَفَطَّرَتْ قَدَمَاهُ دَمًا [expl. above]: (TA:) or he likened its coming forth from the orifice of the ذَكَر to the coming forth of the نَاب of the camel: or, as it is related by En-Nadr, he said ↓ الفُطْرُ, with damm: meaning the milk that appears upon the orifice of the teat of the udder. (O, K.) فُطْرٌ Such as has broken forth [with buds or leaves] (مَا تَفَطَّرَ), of plants. (TA.) See also فِطْرٌ. b2: And, (S, K,) as also ↓ فُطُرٌ, (K,) the latter used in poetry, (TA,) [The toadstool;] a species of كَمْأَة [or fungus], (S, K,) white and large, (S,) and deadly: (K:) [so called] because the ground cleaves asunder from it: (TA:) n. un. فُطْرَةٌ. (S.) [Also applied in the present day to The common mushroom; agariens campestris. And Any fungus.]

A2: [Also, the former, Immaturity, or want of leaven, in dough:] see the explanation of فَطَرَتِ المَرْأَةُ العَجِينَ.

A3: And فُطْرٌ and ↓ فُطُرٌ signify also Somewhat of that which remains of milk [in the udder], which is then milked: (L, K:) or a small quantity of milk when it is milked: (TA:) or milk at the time when it is milked. (AA, TA.) See also فَطْرٌ, last sentence.

فِطْرٌ Grapes when the heads thereof appear; (K, TA;) [so called] because the [fruit-] stalks [then] break forth (تَنْفَطِرُ); (TA;) as also ↓ فُطْرٌ. (K, TA.) A2: Also a subst. from أَفْطَرَ; (S;) [as such] it signifies The breaking of a fast; contr. of صَوْمٌ. (TA.) [Hence, عِيدُ الفِطْرِ The festival of the breaking of the fast, immediately after Rama-dán; sometimes called الفِطْرُ alone.] ↓ الفِطْرَةُ means صَدَقَةُ الفِطْرِ [The alms of the breaking of the fast], (O, K, TA,) which is a صَاع [q. v.] of wheat: the prefixed noun (صدقه) is rejected, and ة is affixed to its complement (الفطر) to indicate that such has been done: but it is a word used by the lawyers; not of the classical language. (TA.) A3: See also مُفْطِرٌ.

فُطُرٌ: see فُطْرٌ, in two places.

فِطْرَةٌ Creation: (Msb:) the causing a thing to exist, producing it, or bringing it into existence, newly, for the first time; originating it. (TA.) b2: The natural constitution with which a child is created in his mother's womb; (AHeyth, K;) i. q. خِلْقَةٌ. (S, Mgh.) It is said to have this signification in the Kur xxx. 29. (TA.) And so in the saying of Mohammad, كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى

الفِطْرَةِ Every infant is born in a state of conformity to the natural constitution with which he is created in his mother's womb, either prosperous or unprosperous [in relation to the soul]; and if his parents are Jews, they make him a Jew, with respect to his worldly predicament; [i. e., with respect to inheritances &c.;] and if Christians, they make him a Christian, with respect to that predicament; and if Magians, they make him a Magian, with respect to that predicament; his predicament is the same as that of his parents until his tongue speaks for him: but if he die before his attaining to the age when virility begins to show itself, he dies in a state of conformity to his preceding natural constitution, with which he was created in his mother's womb. (AHeyth, TA.) [See another explanation of the word, as occurring in this trad., below.] b3: Nature; constitution; or natural, native, innate, or original, disposition, or temper or other quality or property; idiosyncrasy. (Th, TA.) b4: The faculty of knowing God, with which He has created mankind: (TA:) the natural constitution with which a child is created in his mother's womb, whereby he is capable of accepting the religion of truth: this is a secondary application: and this is [said to be] the signification meant in the trad. mentioned above. (Mgh.) b5: Hence, The religion of el-Islám: (Mgh:) the profession whereby a man becomes a Muslim, which is the declaration that there is no deity but God, and that Mohammad is his servant and his apostle, who brought the truth from Him, and this is (AHeyth, TA) religion. (AHeyth, K, TA.) This is shown by a trad., in which it is related that Mohammad taught a man to repeat certain words when lying down to sleep, and said فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ [And then, if thou die that same night, thou diest in the profession of the true religion]. (AHeyth, TA.) Also by the saying, قَصُّ الأَظْفَارِ مِنَ الفِطْرَةِ The paring of the nails is [a point] of the religion of el-Islám. (Mgh.) b6: Also i. q. سُنَّةٌ [app. meaning The way, course, mode, or manner, of acting, or conduct, or the like, pursued, and prescribed to be followed, by Mohammad]. (TA.) b7: In the Kur xxx. 29, accord. to some, The covenant received, or accepted, from Adam and his posterity. (Bd.) b8: The pl. is فِطَرَاتٌ and فِطْرَاتٌ and فِطِرَاتٌ. (TA.) A2: See also فِطْرٌ.

الإِيمَانُ الفِطْرِىُّ [The faith to which one is disposed by the natural constitution with which he is created]. (Msb.) فُطَارٌ A sword having in it cracks; (S, Z, O, K;) and (K) that will not cut: (IAar, O, K:) or recently made. (TA.) فَطُورٌ (S, Msb, K) and ↓ فَطُورِىٌّ, (S, K,) as though the latter were a rel. n. from the former, (S,) A breakfast; a thing [i. e. food or beverage] upon which one breaks his fast. (S, Msb, K.) فَطِيرٌ Dough unleavened; or not left until it has become good [or mature]; contr. of خَمِيرٌ: (S, TA:) and in like manner clay, or mud. (TA.) [Hence,] عِيدُ الفَطِيرِ [The feast of unleavened bread; also called, of the Passover;] a festival of the Jews, [commencing] on the fifteenth day of their month نِيسَان, and lasting seven days. (Msb. [See also الفِصْحُ.]) b2: Anything prepared, made, or done, hastily, or hurried, so as to prevent its becoming mature: (Lth, S, K:) fresh; recent; newly made: (S, TA:) pl. فَطْرَى: (Sgh, IAth, TA:) for أَطْعَمَهُ فَطْرَى, in the K, expl. as meaning [He fed him] with فَطِير, is a gross mistake, a mistranscription of أَطْعِمَةٌ فَطْرَى, as the phrase stands in the handwriting of Sgh himself, in wellformed letters, and with the syll. signs, meaning meats [newly prepared, &c.]. (TA.) You say عِنْدِى خُبْزٌ خَمِيرٌ وَحَيْسٌ فَطِيرٌ [I have leavened bread, and] fresh, recent, or newly made, حيس [q. v.]. (S, TA.) You say also إِيَّاكَ وَالرَّأْىَ الفَطِيرُ (tropical:) Beware thou of a hastily formed, immature, opinion. (S.) And شَرُّ الرَّأْىِ الفَطِيرُ (tropical:) [The worst opinion is the hastily formed, and immature]. (TA.) b3: A skin not saturated with the tanning liquid: or not put therein: (TA:) a whip not tanned: not softly tanned: (TA:) or not newly tanned. (L.) A2: Also A calamity; syn. دَاهِيَةٌ. (O, K, TA.) فَطُورَةٌ: see what next follows.

فَطِيرَةٌ and ↓ فَطُورَةٌ A sheep, or goat, that is slaughtered on the day of [the festival of] the فِطْر: (K, TA:) mentioned by Sgh, and in the B. (TA.) فُطَارِىٌّ A man possessing neither good nor evil; (IAar, O, K, * TA;) such as is termed فَدْم [impotent in speech or actions, heavy, or dull; &c.]: (TA:) from فُطَارٌ applied to a sword, meaning that will not cut. (IAar, O, TA. *) فَطُورِىٌّ: see فَطُورٌ.

فَاطِرٌ A camel whose نَاب [or tush] is coming forth, (S,) or cleaving the flesh and coming forth. (TA.) A2: فَاطِرُ السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضِ [in the Kur xlii.

9, &c.,] means The Originater [or Creator] of the heavens and of the earth. (I'Ab, S, * TA.) See 1.

فُوطِيرٌ a subst. for الجِمَاع, in Syriac. (TA.) أُفْطُورٌ, and the pl. أَفَاطِيرُ: see the next paragraph.

تَفَاطِيرُ, a word similar to تَعَاشِيبُ and تَعَاجِيبُ and تَبَاشِيرُ [q. v.], none of which four words has a sing., Pimples that come forth in the face of a boy or young man, and of a girl or young woman; as also ↓ نَفَاطِيرُ: thus correctly, with ت and ن: the author of the K, following Sgh [in the O], says that ↓ أَفَاطِيرُ is the pl. of ↓ أُفْطُورٌ, and signifies a cracking, or chapping, in the nose of a young man, and in his face. (TA.) b2: Also, thus correctly, with ت, The first of [the herbage of the rain called] the وَسْمِىّ [q. v.]; and in this sense also it has no sing.: but it is said in the K that ↓ نَفَاطِيرُ is pl. of ↓ نُفْطُورَةٌ, with ن; [in the O, that it is pl. of ↓ نُفْطُورٌ;] and [in both] that it signifies scattered herbage; (TA;) and Lh says, as is stated by AHn, that مِنْ عُشْبٍ ↓ نَفَاطِيرُ means small quantities of herbage in land: (O, TA:) it is also added in the K, in explanation of ↓ نَفَاطِيرُ, or it signifies the first herbage of [the rain called] the وَسْمِىّ: (TA:) [and it is said that] تَفَاطِيرُ نَبَاتٍ signifies what break forth of, or from, plants, or herbage. (TA voce تَبَاشِيرُ.) مُفْطِرٌ A man breaking his fast; eating and drinking after fasting: (S, * Msb, * K, TA:) pl. مَفَاطِيرُ, (Sb, S, Msb, K,) like as مَيَاسِيرُ is pl. of مُوسِرٌ, (S,) and مَفَالِيسُ of مُفْلِسٌ: (Msb:) and ↓ فِطْرٌ signifies the same, as sing. and pl., (S, Msb, K,) being originally an inf. n. (S, Msb.) مُنْفَطِرٌ is used in the Kur [lxxiii. 18], in the phrase السَّمَآءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ [The heaven shall be with rents by reason of it], in the manner of a possessive noun, [not as an act. part. n.,] like مُعْضِلٌ in the phrase دَجَاجَةٌ مُعْضِلٌ. (TA.) نُفْطُورٌ and نُفْطُورَةٌ, and the pl. نَفَاطِيرُ: see تفاطير, in six places.

فطر: فطَرَ الشيءَ يَفْطُرُه فَطْراً فانْفَطَر وفطَّرَه: شقه.

وتَفَطَّرَ الشيءُ: تشقق. والفَطْر: الشق، وجمعه فُطُور. وفي التنزيل العزيز: هل

ترى من فُطُور؛ وأَنشد ثعلب:

شَقَقْتِ القلبَ ثم ذَرَرْتِ فيه

هواكِ، فَلِيمَ، فالتَأَمَ الفُطُورُ

وأَصل الفَطْر: الشق؛ ومنه قوله تعالى: إذا السماء انْفَطَرَتْ؛ أَي

انشقت. وفي الحديث: قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى تَفَطَّرَتْ قدماه

أَي انشقتا. يقال: تَفَطَّرَتْ بمعنى؛ ،منه أُخذ فِطْرُ الصائم لأَنه

يفتح فاه. ابن سيده: تَفَطَّرَ الشيءُ وفَطَر وانْفَطَر. وفي التنزيل

العزيز: السماء مُنْفَطِر به؛ ذكّر على النسب كما قالوا دجاجة مُعْضِلٌ. وسيف

فُطَار: فيه صدوع وشقوق؛ قال عنترة: وسيفي كالعَقِيقَةِ ، وهو كِمْعِي،

سلاحي لا أَفَلَّ ولا فُطارا

ابن الأَعرابي: الفُطَارِيّ من الرجال الفَدْم الذي لا خير عنده ولا شر،

مأْخوذ من السيف الفُطارِ الذي لا يَقْطع. وفَطَر نابُ البعير يَفْطُر

فَطْراً: شَقّ وطلع، فهو بعير فاطِر؛ وقول هميان:

آمُلُ أن يَحْمِلَني أَمِيري

على عَلاةٍ لأْمَةِ الفُطُور

يجوز أَن يكون الفُطُور فيه الشُّقوق أَي أَنها مُلْتَئِمةُ ما تباين من

غيرها فلم يَلْتَئِم، وقيل: معناه شديدة عند فُطورِ نابها موَثَّقة.

وفَطَر الناقة

(* قوله «وفطر الناقة» من باب نصر وضرب،. عن الفراء. وما

سواه من باب نصر فقط أَفاده شرح القاموس) . والشاة يَفْطِرُها فَطْراً:

حلبها بأَطراف أَصابعه، وقيل: هو أَن يحلبها كما تَعْقِد ثلاثين

بالإِبهامين والسبابتين . الجوهري: الفَطْر حلب الناقة بالسبابة والإِبهام،

والفُطْر: القليل من اللبن حين يُحْلب. التهذيب: والفُطْر شيء قليل من اللبن

يحلب ساعتئذٍ؛ تقول: ما حلبنا إلا فُطْراً؛ قال المرَّار:

عاقرٌ لم يُحْتلب منها فُطُرْ

أَبو عمرو:

الفَطِيرُ اللبن ساعة يحلب. والفَطْر: المَذْي؛ شُبِّه بالفَطْر في

الحلب. يقال: فَطَرْتُ الناقة أَفْطُِرُها فَطْراً، وهو الحلب بأَطراف

الأَصابع. ابن سيده: الفَطْر المذي، شبه بالحَلْب لأَنه لا يكون إِلا بأَطراف

الأَصابع فلا يخرج اللبن إِلا قليلاً، وكــذلك المذي يخرج قليلاً، وليس

المنيّ كــذلك؛ وقيل: الفَطْر مأْخوذ من تَفَطَّرَتْ قدماه دماً أَي سالَتا،

وقيل: سمي فَطْراً لأَنه شبّه بفَطْرِ ناب البعير لأَنه يقال: فَطَرَ نابُه

طلع، فشبّه طلوع هذا من الإِحْليلِ بطلوع ذلك. وسئل عمر، رضي الله عنه، عن

المذي فقال: ذلك الفَطْرُ؛ كذا رواه أَبو عبيد بالفتح، ورواه ابن شميل:

ذلك الفُطْر، بضم الفاء؛ قال ابن الأََثير: يروى بالفتح والضم، فالفتح من

مصدر فَطَرَ نابُ البعير فَطْراً إذا شَقّ اللحم وطلع فشُبِّه به خروج

المذي في قلته، أَو هو مصدر فَطَرْتُ الناقة أَفْطُرُها إذا حلبتها

بأَطراف الأَصابع، وأَما الضم فهو اسم ما يظهر من اللبن على حَلَمة الضَّرْع.

وفَطَرَ نابُه إِذا بَزَل؛ قال الشاعر:

حتى نَهَى رائِضَه عن فَرِّهِ

أَنيابُ عاسٍ شَاقِئٍ عن فَطْرِهِ

وانْفَطر الثوب إِذا انشق، وكــذلك تَفَطَّر. وتَفَطَّرَت الأَرض بالنبات

إِذا تصدعت.

وفي حديث عبدالملك: كيف تحلبها مَصْراً أَم فَطْراً؟ هو أَن تحلبها

بإصبعين بطرف الإِبهام. والفُطْر: ما تَفَطَّر من النبات، والفُطْر أَيضاً:

جنس من الكَمْءِ أَبيض عظام لأَن الأَرض تَنْفطر عنه، واحدته فُطْرةٌ.

والفِطْرُ: العنب إِذا بدت رؤوسه لأَن القُضْبان تتَفَطَّر.

والتَّفاطِيرُ: أَول نبات الرَسْمِيّ، ونظيره التَّعاشِيب والتَّعاجيب

وتَباشيرُ الصبحِ ولا واحد لشيء من هذه الأَربعة. والتَّفاطير

والنَّفاطير: بُثَر تخرج في وجه الغلام والجارية؛ قال:

نَفاطيرُ الجنونِ بوجه سَلْمَى،

قديماً، لا تفاطيرُ الشبابِ

واحدتها نُفْطور. وفَطَر أَصابعَه فَطْراً: غمزها.وفَطَرَ الله الخلق

يَفْطُرُهم: خلقهم وبدأَهم. والفِطْرةُ: الابتداء والاختراع. وفي التنزيل

العزيز: الحمد لله فاطِرِ السمواتِ والأَرضِ؛ قال ابن عباس، رضي الله عنهما:

ما كنت أَدري ما فاطِرُ السموات والأَرض حتى أَتاني أَعرابيّان يختصمان في

بئر فقال أَحدهما: أَنا فَطَرْتُها أَي أَنا ابتدأْت حَفْرها. وذكر أَبو

العباس أَنه سمع ابن الأَعرابي يقول: أَنا أَول من فَطَرَ هذا أَي

ابتدأَه. والفِطْرةُ، بالكسر: الخِلْقة؛ أَنشد ثعلب:

هَوِّنْ عليكََ فقد نال الغِنَى رجلٌ،

في فِطْرةِ الكَلْب، لا بالدِّينِ والحَسَب

والفِطْرةُ: ما فَطَرَ الله عليه الخلقَ من المعرفة به. وقد فَطَرهُ

يَفْطُرُه، بالضم، فَطْراً أَي خلقه. الفراء في قوله تعالى: فِطْرَةَ اللهِ التي

فَطَرَ الناسَ عليها، لا تبديل لخلق الله؛ قال: نصبه على الفعل، وقال أَبو

الهيثم: الفِطْرةُ الخلقة التي يُخْلقُ عليها المولود في بطن أُمه؛ قال

وقوله تعالى: الذي فَطَرَني فإِنه سَيَهْدين؛ أَي خلقني؛ وكــذلك قوله

تعالى: وما لِيَ لا أَعبدُ الذي فَطَرَني. قال: وقول النبي، صلى الله عليه

وسلم: كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطْرةِ؛ يعني الخِلْقة التي فُطِرَ عليها

في الرحم من سعادةٍ أَو شقاوة، فإِذا ولَدَهُ يهوديان هَوَّداه في حُكْم

الدنيا، أَو نصرانيان نَصَّرَاه في الحكم، أَو مجوسيان مَجَّساه في

الحُكم، وكان حُكْمُه حُكْمَ أَبويه حتى يُعَبِّر عنه لسانُه، فإِن مات قبل

بلوغه مات على ما سبق له من الفِطْرةِ التي فُطرَ عليها فهذه فِطْرةُ

المولود؛ قال: وفِطْرةٌ ثانية وهي الكلمة التي يصير بها العبد مسلماً وهي

شهادةُ أَن لا إله إلا الله وأَن محمداً رسوله جاء بالحق من عنده فتلك

الفِطْرةُ للدين؛ والدليل على ذلك حديث البَرَاءِ بن عازِب، رضي الله عنه، عن

النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه علَّم رجلاً أَن يقول إذا نام وقال: فإِنك

إن مُتَّ من ليلتك مُتَّ على الفِطْرةِ. قال: وقوله فأَقِمْ وجهك للدين

حنيفاً فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناسَ عليها؛ فهذه فِطْرَة فُطِرَ عليها

المؤمن. قال: وقيل فُطِرَ كلُّ إنسان على معرفته بأَن الله ربُّ كلِّ شيء

وخالقه، والله أَعلم. قال: وقد يقال كل مولود يُولَدُ على الفِطْرة التي

فَطَرَ الله عليها بني آدم حين أَخرجهم من صُلْب آدم كما قال تعالى: وإذ أَخذ

ربُّكَ من بني آدم من ظهورهم ذُرّياتهم وأَشهدهم على أَنفسهم أَلَسْتُ

بربكم قالوا بَلى. وقال أَبو عبيد: بلغني عن ابن المبارك أَنه سئل عن

تأْويل هذا الحديث، فقال: تأْويله الحديث الآخر: أَن النبي، صلى الله عليه

وسلم، سُئِل عن أَطفال المشركين فقال: الله أَعلم بما كانوا عاملين؛ يَذْهَبُ

إلى أَنهم إنما يُولدون على ما يَصيرون إليه من إسلامٍ أَو كفرٍ. قال

أَبو عبيد: وسأَلت محمد بن الحسن عن تفسير هذا الحديث فقال: كان هذا في أول

الإِسلام قبل نزول الفرائض؛ يذهب إلى أَنه لو كان يُولدُ على الفِطْرَةِ

ثم مات قبل أَن يُهَوِّدَه أَبوان ما وَرِثَهُما ولا وَرِثَاه لأَنه مسلم

وهما كافران؛ قال أَبو منصور: غَبَا على محمد بن الحسن معنى قوله الحديث

فذهب إلى أَنَّ قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كلُّ مولود يُولد على

الفِطْرةِ، حُكْم من النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل نزول الفرائض ثم نسخ

ذلك الحُكْم من بَعْدُ؛ قال: وليس الأَمرُ على ما ذهب إليه لأَن معنى

كلُّ مولود يُولد على الفِطْرةِ خبر أَخبر به النبي، صلى الله عليه وسلم،

عن قضاءٍ سبقَ من الله للمولود، وكتابٍ كَتَبَه المَلَكُ بأَمر الله جل وعز من

سعادةٍ أَو شقاوةٍ، والنَّسْخ لا يكون في الأَخْبار إنما النسخ في

الأَحْكام؛ قال: وقرأْت بخط شمر في تفسير هذين الحديثين: أَن إِسحق ابن

إِبراهيم الحَنْظلي روى حديثَ أَبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه

وسلم: كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة «الحديث» ثم قرأَ أَبو هريرة بعدما

حَدَّثَ بهذا الحديث: فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عليها، لا تَبْديل

لخَلْقِ الله. قال إسحق: ومعنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم، على ما

فَسَّر أَبو هريرة حين قَرَأَ: فِطْرَةَ اللهِ، وقولَه: لا تبديل، يقول:

لَتلْكَ الخلقةُ التي خَلَقهم عليها إِمَّا لجنةٍ أَو لنارٍ حين أَخْرَجَ من

صُلْب آدم ذرية هو خالِقُها إلى يوم القيامة، فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء

للنار، فيقول كلُّ مولودٍ يُولَدُ على تلك الفِطْرةِ، أَلا ترى غلامَ

الخَضِر، عليه السلام؟ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: طَبَعهُ الله يوم طَبَعه

كافراً وهو بين أَبوين مؤمنين فأَعْلَمَ اللهُ الخضرَ، عليه السلام،

بِخلْقته التي خَلَقَه لها، ولم يُعلم موسى، عليه السلام، ذلك فأَراه الله تلك

الآية ليزداد عِلْماً إلى علمه؛ قال: وقوله فأَبواهُ يُهوِّدانِهِ

ويُنَصِّرانِه، يقول: بالأبوين يُبَيِّن لكم ما تحتاجون إليه في أَحكامكم من

المواريث وغيرها، يقول: إذا كان الأَبوان مؤمنين فاحْكُموا لِولدهما بحكم

الأبوين في الصلاة والمواريث والأَحكام، وإن كانا كافرين فاحكموا لولدهما

بحكم الكفر... ( *كذا بياض بالأصل). أَنتم في المواريث والصلاة؛ وأَما

خِلْقَته التي خُلِقَ لها فلا عِلْمَ لكم بــذلك، أَلا ترى أَن ابن عباس، رضي

ا عنهما، حين كَتَبَ إليه نَجْدَةُ في قتل صبيان المشركين، كتب إليه:

إنْ علمتَ من صبيانهم ما عَلِمَ الخضُر من الصبي الذي قتله فاقْتُلْهُم؟

أَراد به أَنه لا يعلم عِلْمَ الخضرِ أَحدٌ في ذلك لما خصه الله به كما

خَصَّه بأَمر السفينة والجدار، وكان مُنْكَراً في الظاهر فَعَلَّمه الله علم

الباطن، فَحَكَم بإرادة اللهتعالى في ذلك؛ قال أَبو منصور: وكــذلك أَطفال

قوم نوح، عليه السلام، الذين دعا على آبائهم وعليهم بالغَرَقِ، إنما

الدعاء عليهم بــذلك وهم أَطفال لأَن الله عز وجل أَعلمه أَنهم لا يؤمنون حيث

قال له: لن يُؤْمِنَ من قومك إلا منْ آمن، فأَعْلَمه أَنهم فُطِروا على

الكفر؛ قال أَبو منصور: والذي قاله إِسحق هو القول الصحيح الذي دَلَّ عليه

الكتابُ ثم السنَّةُ؛ وقال أَبو إسحق في قول الله عز وجل: فِطْرَةَ الله

التي فَطَرَ الناس عليها: منصوب بمعنى اتَّبِعْ فِطْرَةَ الله، لأَن

معنى قوله: فأَقِمْ وجهَك، اتََّبِعِ الدينَ القَيّم اتَّبِعْ فِطْرَةَ الله

أَي خِلْقةَ الله التي خَلَق عليها البشر. قال: وقول النبي، صلى الله

عليه وسلم: كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطرةِ، معناه أَن الله فَطَرَ الخلق

على الإِيمان به على ما جاء في الحديث: إن الله أَخْرَجَ من صلب آدم

ذريتَه كالذَّرِّ وأَشهدهم على أَنفسهم بأَنه خالِقُهم، وهو قوله تعالى: وإذ

أَخذ ربُّك من بني آدم إلى قوله: قالوا بَلى شَهِدْنا؛ قال: وكلُّ

مولودٍ هو من تلك الذريَّةِ التي شَهِدَتْ بأَن الله خالِقُها، فمعنى فِطْرَة

الله أَي دينَ الله التي فَطَر الناس عليها؛ قال الأَزهري: والقول ما

قال إِسحقُ ابن إِبراهيم في تفسير الآية ومعنى الحديث، قال: والصحيح في

قوله: فِطْرةَ اللهِ التي فَطَرَ الناس عليها، اعلَمْ فِطْرةَ اللهِ التي

فَطَرَ الناس عليها من الشقاء والسعادة، والدليل على ذلك قوله تعالى: لا

تَبديلَ لخلق الله؛ أَي لا تبديل لما خَلَقَهم له من جنة أَو نار؛

والفِطْرةُ: ابتداء الخلقة ههنا؛ كما قال إسحق. ابن الأَثير في قوله: كلُّ مولودٍ

يُولَدُ على الفِطْرةِ، قال: الفَطْرُ الابتداء والاختراع، والفِطرَةُ

منه الحالة، كالجِلْسةِ والرِّكْبةِ، والمعنى أَنه يُولَدُ على نوع من

الجِبِلَّةِ والطَّبْعِ المُتَهَيِّء لقبول الدِّين، فلو تُرك عليها

لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يَعْدل عنه من يَعْدل لآفة من

آفات البشر والتقليد، ثم بأَولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم

والميل إلى أَديانهم عن مقتضى الفِطْرَةِ السليمة؛ وقيل: معناه كلُّ مولودٍ

يُولد على معرفة الله تعالى والإِقرار به فلا تَجِد أَحداً إلا وهو

يُقِرّ بأَن له صانعاً، وإن سَمَّاه بغير اسمه، ولو عَبَدَ معه غيره، وتكرر

ذكر الفِطْرةِ في الحديث. وفي حديث حذيفة: على غير فِطْرَة محمد؛ أَراد

دين الإسلام الذي هو منسوب إليه. وفي الحديث: عَشْر من الفِطْرةِ؛ أَي من

السُّنّة يعني سُنن الأَنبياء، عليهم الصلاة والسلام، التي أُمِرْنا أَن

نقتدي بهم فيها. وفي حديث علي، رضي الله عنه: وجَبَّار القلوب على

فِطَراتِها أَي على خِلَقِها، جمع فِطَر، وفِطرٌ جمع فِطْرةٍ، وهي جمع فِطْرةٍ

ككِسْرَةٍ وكِسَرَات، بفتح طاء الجميع . يقال فِطْرات وفِطَرَات

وفِطِرَات.ابن سيده: وفَطَر الشيء أَنشأَه، وفَطَر الشيء بدأَه، وفَطَرْت إصبع

فلان أَي ضربتها فانْفَطَرتْ دماً.

والفَطْر للصائم، والاسم الفِطْر، والفِطْر: نقيض الصوم، وقد أَفْطَرَ

وفَطَر وأَفْطَرَهُ وفَطَّرَه تَفْطِيراً. قال سيبويه: فَطَرْته

فأَفْطَرَ، نادر. ورجل فِطْرٌ. والفِطْرُ: القوم المُفْطِرون. وقو فِطْرٌ، وصف

بالمصدر، ومُفْطِرٌ من قوم مَفاطير؛ عن سيبويه، مثل مُوسِرٍ ومَياسير؛ قال

أَبو الحسن: إنما ذكرت مثل هذا الجمع لأَن حكم مثل هذا أَن يجمع بالواو

والنون في المذكَّر، وبالأَلف والتاء في المؤنث. والفَطُور: ما يُفْطَرُ

عليه، وكــذلك الفَطُورِيّ، كأَنه منسوب إليه. وفي الحديث: إذا أَقبل الليل

وأَدبر النهار فقد أَفْطَرَ الصائم أَي دخل في وقت الفِطْر وحانَ له أَن

يُفْطِرَ، وقيل: معناه أَنه قد صار في حكم المُفْطِرين، وإن لم يأْكل ولم

يشرب. ومنه الحديث: أَفْطَرَ الحاجمُ والمحجومُ أَي تَعرَّضا للإفطارِ،

وقيل: حان لهما أَن يُفْطِرَا، وقيل: هو على جهة التغليظ لهما والدعاء

عليهما.

وفَطَرَتِ المرأَةُ العجينَ حتى استبان فيه الفُطْرُ، والفَطِير: خلافُ

الخَمِير، وهو العجين الذي لم يختمر. وفَطَرْتُ العجينَ أَفْطُِره

فَطْراً إذا أَعجلته عن إدراكه. تقول: عندي خُبْزٌ خَمِيرٌ وحَيْسٌ فَطِيرٌ

أَي طَرِيّ. وفي حديث معاوية: ماء نَمِيرٌ وحَيْسٌ فَطِير أَي طَريٌّ

قَرِيبٌ حَدِيثُ العَمَل. ويقال: فَطَّرْتُ الصائمَ فأَفْطَر، ومثله

بَشَّرُتُه فأَبْشَر. وفي الحديث: أَفطر الحاجمُ والمَحْجوم. وفَطَر العجينَ

يَفْطِرُه ويَفْطُره، فهو فطير إذا اختبزه من ساعته ولم يُخَمّرْه، والجمع

فَطْرَى، مَقصورة. الكسائي: خَمَرْتُ العجين وفَطَرْته، بغير أَلف، وخُبْز

فَطِير وخُبْزة فَطِير، كلاهما بغير هاء؛ عن اللحياني، وكــذلك الطين. وكل

ما أُعْجِلَ عن إدراكه: فَطِير. الليث: فَطَرْتُ العجينَ والطين، وهو أَن

تَعْجِنَه ثم تَخْتَبزَه من ساعته، وإذا تركته ليَخْتَمِرَ فقد

خَمَّرْته، واسمه الفَطِير. وكل شيءٍ أَعجلته عن إدراكه، فهو فَطِير. يقال: إِيايَ

والرأْيَ الفَطِير؛ ومنه قولهم: شَرُّ الرأْيِ الفَطِير.

وفَطَرَ جِلْدَه، فهو فَطِيرٌ، وأَفْطَره: لم يُرْوِه من دِباغٍ؛ عن ابن

الأَعرابي. ويقال: قد أَفْطَرْتَ جلدك إذا لم تُرْوِه من الدباغ.

والفَطِيرُ من السِّياطِ: المُحَرَّمُ الذي لم يُجَدْ دباغُه.

وفِطْرٌ، من أَسمائهم: مُخَدِّثٌ، وهو فِطْرُ بن خليفة.

فطر
الفَطْر، بالفَتْح: الشَّقُّ، وقَيَّدَه بعضُهم بأَنّه الشَّقُّ الأَوّلُ، كَمَا نَقَلَه شَيْخُنَا، ج فُطُورٌ، وَهِي الشُّقُوقُ، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز: هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور. وأَنْشَدَ ثَعْلَب:
(شَقَقْتِ القَلْبَ ثمَّ ذَرَرْتِ فِيهِ ... هَوَاكِ فلِيمَ فالْتَأَمَ الفُطُورُ)
والفُطْرُ، بالضَّمّ، وجاءَ فِي الشِّعْرِ بضمَّتَيْن: ضَرْبٌ من الكَمْأَة أَبْيَضُ عُظَامُ، لأَنَّ الأَرْضَ تَنْفَطِرُ عَنهُ وَهُوَ قَتّالٌ، واحدَتُه فُطْرَةٌ. والفُطْرُ، بالوَجْهَيْن: القَلِيلُ من اللَّبَنِ حِينَ يُحْلَب. وَفِي التَّهْذيب: شَيْءٌ قَلِيلٌ من فَضْلِ اللَّبَنِ، ولَوْ قالَ: من اللَّبَن، كَمَا هُوَ نصّ التَّهْذِيب، كانَ أَخْصَرَ مَعَ بقاءِ المَعْنَى المَقْصُودِ، يُحْلَبُ ساعَتَئِذٍ وَقَالَ أَبو عَمْرو: هُوَ اللَّبَنُ ساعَةً. يُحْلَب، تقولُ: مَا حَلَبْنَا إِلاَّ فُطْراً. والفِطْرُ، بالكَسْرِ: العِنَبُ إِذا بَدَتْ رُؤُوسُه، لأَنَّ القُضْبَانَ تَنْفَطِرُ، ويُضَمّ. وفَطَرَهُ، أَي الشَّيْءَ، يَفْطِرُه، بالكضسْرِ، ويَفْطُرُه، بالضَّمّ. أَمَّا كَوْنُه من بابِ نَصَرَ فهُوَ المَشْهُورُ عِندَهم، وأَما يَفْطِرُه، بالكَسْر، فإِنّه رَوَاهُ الصاغَانيّ عَن الفَرّاءِ فِي: فَطَرْتُ النَّاقَةَ إِذا حَلَبْتَهَا، فَطْراً. لَا مُطْلقاً، فَفِيهِ نظرٌ ظاهِرٌ، وأُغْفِلَ أَيضاً عَن: فَطَّرَه تَفْطِيراً. فقد نَقَلَهُ صاحِبُ الْمُحكم حَيْثُ قَالَ: فَطَرَ الشَيْءَ يَفْطُرُه فَطْراً وفَطَّرَهُ: شَقَّهُ فانْفَطَر وتَفَطَّرَ، وَمِنْه قولُه تعالَى: إِذا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ. أَي انْشَقَّتْ. وَفِي الحَدِيث: قَامَ رَسُولُ الله صلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وسلَّم حَتَّى تَفَطَّرَتْ قَدَمَاهُ، أَي انْشَقَّتَا. وَفِي الْمُحكم: تَفَطَّرَ الشَّيْءُ وانْفَطَرَ وفَطَرَ. وَفِي قَوْله تَعَالَى: السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ. ذُكِّرَ عَلَى النَّسَبِ، كَمَا قالُوا دَجَاجَةٌ مُعْضِلٌ. وفَطَرَ الناقَةَ والشاةَ يَفْطِرُهَا فَطْراً: حَلَبَهَا بالسّبَابَةِ)
والإِبْهَام، كَمَا قالَهُ الجَوْهَرِيّ أَو بأَطْرَافِ أَصابِعِه، وَقيل: هُوَ أَنْ يَحْلُبَها كَمَا تَعْقِدُ ثلاثِينَ وبالإِبْهامَيْن والسَّبّابَتَيْن. وَفِي حديثِ عبدِ المَلِك: كَيْف تَحْلُبُها، مَصْراً أَم فَطْراً قَالَ ابنُ الأَثِير: هُوَ أَنْ تَحْلُبَها بإِصْبَعَيْن وطَرَف الإِبْهَام. وفَطَرَ العَجِينَ يَفْطُرُه ويَفْطِرُه فَطْراً: اخْتَبَرَهُ من ساعَتِه وَلم يُخَمِّرْه، وكذَا فَطَرَ الأَجِيرُ الطِّينَ، إِذا طَيَّنَ بِهِ من ساعتِه قبلَ أَن يَخْتَمِرَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: فَطَرْتُ العَجِينَ والطِّينَ، وهُوَ أَنْ تَعْجِنَه ثُمَّ تَخْتَبِزَه من ساعَتِه، وإِذا تَرَكْتَه لِيَخْتَمِرَ فَقضدْ خَمّرْتَه. وقالَ الكِسائيّ: خَمَرْتُ العَجينَ وفَطَرْتُه، بغَيْرِ أَلِفٍ. فَفِي كَلامِ المُصَنِّف قُصُورٌ من وَجْهَيْن. وفَطَرَ الجِلْدَ فَطْراً، فَهُوَ فَطِيرٌ: لَمْ يُرْوِه من الدَّبَاغِ، عَن ابْن الأَعرابِيّ. وَفِي الأَسَاس: لم يُلْقَ فِي الدِّباغ، كأَفْطَرَه، لُغَة فِيهِ. وفَطَرَ نَابُ البَعِيرِ يَفْطُرُ، بالضّمّ، فَطْراً، بالفَتْح، وفُطُوراً، كقُعُود: شَقَّ اللَّحْمَ وطَلَعَ، فَهُوَ بَعِيرٌ فاطِرٌ. وفَطَرَ اللهُ الخَلْقَ يَفْطُرُهم فَطراً: خَلَقَهم، وَفِي الأَساسِ: ابْتَدَعَهُم. وقولُه بَرَأَهُم هَكَذَا فِي النّسخ بالراءِ، والصَّوَابُ كَمَا فِي اللّسَان: بَدَأَهُمْ بِالدَّال.
وفَطَرَ الأَمْرَ: ابْتَدَأَه وأَنْشَأَه. ثُمّ رأَيتُ فِي المُحْكَم قَالَ: وفَطَرَ الشَّيْءَ: أَنْشَأَه، وفَطَرَ الشَّيْءَ: بَدَأَه، فعُلِمَ من ذَلِك أَنَّ الرَّاءَ تَحْرِيفٌ. وَقَالَ ابنُ عَبّاس: مَا كُنْتُ أَدْرِي مَا فاطِر السَّمواتِ والأَرْضِ حَتَّى أَتانِي أَعْرَابِيّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْر، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنا فَطَرْتُها، أَي أَنا ابْتَدَأْتُ حَفْرَهَا. وذَكَرَ أَبو العَبّاسِ أَنَّه سَمِعَ ابنَ الأَعرابي ّ يقولُ: أَنا أَوَّل من فَطَرَ هَذَا، أَي ابتَدَأَه. والفِطْرُ، بالكَسْرِ: نَقِيضُ الصَّوْم، فَطَرَ الصائِمُ يَفْطُر فُطُوراً: أَكَلَ وشَرِب، كأَفْطَر. وفَطَرْتُه وفَطَّرْتُه، بالتَشْدِيد، وأَفْطَرْتُه. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَطَّرْتُه فأَفْطَر نادِرٌ. قلتُ: فَهُوَ مِثْلُ بَشَّرْتُه فأَبْشَرَ. ورَجُلٌ فِطْرٌ، بِالْكَسْرِ: للواحِدِ والجَمِيع، وَصْفٌ بالمَصْدر، ومُفْطِرٌ من قوم مَفَاطِيرَ، عَن سِيبَوَيْهٍ، مِثْلُ مُوسِر ومَيَاسِيرَ.
قَالَ أَبو الحَسَنِ: إِنَّمَا ذَكَرْتُ مِثْلَ هَذَا الجَمْع لأَنَّ حُكْمَ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُجْمَعَ بالوَاو والنُّون فِي المُذَكّر، وبالأَلف والتاءِ فِي المُؤَنَّثِ. والفَطُورُ، كصَبُور: مَا يُفْطَرُ عَلَيْه، كالفَطُورِيّ، بياءِ النِّسْبة، كأَنّه مَنْسُوب إِليه. والفَطِيرُ، كأَمِيرٍ: خلافُ الخَمِير، وَهُوَ العَجِين الَّذِي لم يَخْتَمِرْ، تقولُ: عِنْدِي خُبْزٌ خَميرٌ وحَيْسٌ فَطِيرٌ، أَي طَرِيٌّ. وَفِي حَدِيث مُعَاويَةَ: ماءٌ نَمِيرٌ، وحَيْسٌ فَطِيرٌ أَي طَرِيّ قريبٌ حَدِيثُ العَمَلِ. وَقَالَ اللَّحْيَانيّ: خُبْزٌ فَطِيرٌ، وخُبْزَةٌ فَطِيرٌ، كِلاهُمَا بِغَيْر هاءٍ، وَكَــذَلِكَ الطِّينُ. وكلُّ مَا أُعْجِلَ عَن إِدْرَاكِه فَطِيرٌ، وَهَكَذَا قالَهُ اللَّيْثُ أَيضاً: ويُقَالُ: أَطْعَمَه فَطْرَي، كسَكْرَى، أَي فَطِيراً، وَهَذَا خِلافُ مَا ذَكَرَهُ ابنُ الأَثِير أَنَّ جَمْعَ الفَطِيرِ فَطْرَى مَقْصُورَة، ثُمَّ رَأَيْتُ المُصنِّفَ قد أَخَذَ ذَلِك من عِبَارَة الصاغَانِيّ فحَرَّفَهَ ووَهِمَ فِيهَا، وَــذَلِكَ أَنَّ نَصَّ الصاغانيّ:)
وأَطْعِمَةٌ فَطْرَى: من الفَطِير، كَذَا هُوَ بِخَطّه مُجَوَّداً مَضْبُوطاً، جَمْعُ طَعَامٍ، فظَنَّ المصنِّف أَنَّه فِعْلٌ مَاض، وهُوَ وَهَمٌ كبيرٌ، فليُحْذَر من ذَلِك، ولَوْلا أَنِّي رأَيتُ ابنَ الأَثِير وغَيْرَه قد صَرَّحُوا بأَنَّهُ جَمْعُ فَطِير، وَهُوَ مقصُورٌ، لَسلَّمْتُ لَهُ مَا ذَهَب إِليه فتَأَمَّلْ. والفَطِيرُ: الدّاهِيَةُ، نَقَلَه الصاغانيّ. وفُطَيْرٌ كزُبَيْرِ: تابِعِيّ. وفُطَيْرٌ: فَرضسٌ وَهَبَهُ قَيْسُ بن ضِرارِ للرُّقَادِ بنِ المُنْذِرِ الضَّبِّيّ، كَذَا نَقَلَه الصَّاغَانِي. وَفِي التَّكْمِلَة: وقولُهم الفِطْرَة صاعٌ من بُرٍّ فمَعْنَى الفِطْرَةِ صَدَقَةُ الفِطْر، هَذَا نَصُّ الصاغانيّ بعَيْنِه. وهُنَا للشَّيْخ ابنِ حَجَرٍ المَكِّيّ كلامٌ فِي شَرْحِ التُّحْفَة، حيثُ قَال: الفِطْرَة مُوَلَّدَةٌ، وأَمّا مَا وَقَع فِي القَامُوس من أَنَّهَا عَرَبِيَّةٌ فغَيْرُ صَحِيح. ثمَّ قَالَ: وَقد وَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا مِنْ خَلْطِ الحَقَائِق الشَّرْعيَّة باللُّغَوِيَّة شَيْءٌ كثيرُ، وَهُوَ غَلَطٌ يجب التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قلتُ: وَقد وَقَعَ مِثْلُ ذَلِك فِي شُرُوح الوِقَايَة، فإِنَّهم صَرَّحُوا بأَنَّهَا مُوَلَّدَة، بل قِيل: إِنَّهَا مِن لَحْنِ العامَّة.
وصَرَّحَ الشِّهَابُ فِي شِفَاءِ الغَلِيلِ بأَنَّهَا من الدَّخِيل. وإِنّمَا مُرَادُ الصاغانيّ من ذِكْرِه مُسْتَدْرِكاً بِهِ على الجوهريّ بيانُ أَنّ قَوْلَ الفُقَهَاءِ الفِطْرَةُ صاعٌ من بُرٍّ على حَذْفِ المُضَافِ، أَي صَدَقَة الفِطْر، فحُذِفَ المُضَاف، وأُقِيمَتِ الهاءُ فِي المُضَاف إِلَيْه لِتَدُلَّ على ذَلِك. وجاءَ المُصَنِّف وقَلَّده فِي ذَلِك، وراعَى غايةَ الاخْتِصار مَعَ قَطْعِ النَّظْرِ أَنّها من الحَقَائق الشَّرْعِيَّة أَو اللُّغَوِيَّة، كَمَا هِيَ عادَتُه فِي سائرِ الكِتاب، ادّعاءً للإِحاطَة، وتَقْلِيداً لِلصّاغانيّ وابنِ الأَثِيرِ فِيمَا أَبْدَيَاهُ من هذِه الأَقوالِ. فَمَنْ عَرَف ذَلِك لَا يَلُومُه على مَا يُورِدهُ، بَلْ يَقْبَلُ عُذْرَه فِيهِ. والشيخُ ابنُحَجَرٍ رَحِمَه الله تعالَى نَسَبَ أَهلَ اللُّغَةِ قاطِبَةً إِلى الجَهْلِ مُطْلقاً، وليت شِعْرِي إِذا جَهِلَتْ أَهْلُ اللُّغَة فمَنْ الَّذِي عَلِمَ وَهل الحَقَائق الشَّرْعِيَّة إِلاّ فُرُوعُ الحقائقِ اللُّغَوِيّة وَقد سَبَقَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي التَّعْزِيرِ من إِقامَة النَّكير، وَقد تَصَدَّيْنا لِلْجَوابِ عَنهُ هُنالِكَ على التَّيْسِيرِ. واللهُ يَعْفُو عَن الجَمِيع، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيْءٍ قدير. والفِطْرَةُ: الخِلْقَة. أَنْشَد ثَعْلَب:
(هَوَّنْ عَلَيْك فقد نَالَ الغِنَى رَجُلٌ ... فِي فِطْرَةِ الكَلْبِ لَا بالدِّينِ والحَسَبِ) والفِطْرَةُ: مَا فَطَرَ اللهُ عَلَيْهِ الخَلْقَ من المَعْرِفةِ بِهِ. وَقَالَ أَبو الهَيْثَم: الفِطْرَة: الخِلْقة الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا المَوْلُودُ فِي بَطْنِ أُمِّه، وَبِه فَسَّر قولَه تَعَالَى: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ. قَالَ: وقولُه صَلَّى الله تعالَى عَلَيْهِ وسَلّم: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الفِطْرَةِ يَعْنِي الخِلْقَةَ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا فِي رَحِمِ أُمِّه من سَعادَة أَو شَقاوَة، فإِذا وَلَدَه يَهُودِيّان هَوَّدَاه فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، أَو نَصْرانِيان نَصَّرَاه فِي الحُكْمِ، أَو مَجُوسِيّان مَجَّسَاه فِي الحُكمِ، وَكَانَ حُكْمُه حُكْمَ أَبَوَيْه حَتَّى يُعَبِّرَ)
عَنهُ لِسانُه. فإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِه مَاتَ على مَا سَبَق لَهُ من الفِطْرَة الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا، فهذِه فِطْرَةُ المُوْلُود. قَالَ: وفِطْرَة ثانِيَة، وَهِي الكَلِمَةُ الَّتِي يَصِير بهَا العَبْدُ مُسْلِماً، وَهِي شَهادةُ أَن لَا إِله إِلَّا الله وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُه جاءَ بالحَقّ مِنْ عِنْدِهِ، فتِلْكَ الفِطْرَةُ الدِّينُ، والدَّلِيلُ على ذَلِك حَدِيثُ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ عَن النّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم: أَنّه عَلَّم رَجُلاً أَنْ يَقُولَ ذَلِك إِذا نامَ، وَقَالَ: فإِنّكَ إِنْ مُتَّ من لَيْلَتِكَ مُتَّ على الفِطْرَةِ، هَذَا كلُّه كَلاَمُ أَبي الهَيْثم. وهُنَا كَلامٌ لأَبِي عُبَيْد حِينَ سَأَلَ محمّدَ بنَ الحَسَنِ وجَوابُه، وَمَا ذَهَبَ إِليه إِسحاقُ بنُ إِبراهيمَ الحَنْظَلِيّ، وتَصْوِيبُ الأَزْهريّ لَهُ مَبْسُوطٌ فِي التَّهْذِيب، فراجِعْه. ومِنْ سَجَعَاتِ الأَساسِ: قَلْبٌ مُطَارٌ وسَيْف فُطَارٌ. كغُراب: عُمِلَ حَدِيثاً لم يَعْتُقْ. وقِيلَ: الَّذِي فِيهِ تَشَقُّقٌ، قَالَه الزمخشريّ. وَفِي اللّسَان: صُدُوعٌ وشُقُوقٌ. قَالَ عَنْتَرَةُ:
(وسَيْفِي كالعَقِيقَةِ وَهُوَ كِمْعِى ... سِلاحِي لَا أَفَلَّ وَلَا فُطَارَا)
وقِيلَ: هُوَ الّذي لَا يَقْطَعُ. وَعَن ابنِ الأَعرابيّ: الفُطَارِيّ، بالضمِّ: الرَّجلُ الفَدْمُ الّذِي لاَ خَيْرَ فِيهِ، ونَصُّ ابنِ الأَعرابيِّ: لَا خَيْرَ عِنْدَه وَلَا شَرَّ، قَالَ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ من السَّيْفِ الفُطَارِ. وَفِي التَّكْمِلَة: الأَفاطِيرُ: جَمْعُ أُفْطُورٍ، بالضمّ، وَهُوَ تَشقُّقٌ يَخرج فِي أَنْفِ الشابِّ ووَجْهِه، هَكَذَا نَقله الصاغانيّ فِيهَا، وَهِي البَثْرُ الَّذِي يَخْرُج فِي وَجْهِ الغُلامِ والجارشيَة، وَهِي التَّفاطِيرُ والنَّفَاطِيرُ، بالتاءِ والنُّون. قَالَ الشَّاعِر:
(نَفاطِيرُ الجُنونِ بوَجْهِ سَلْمَى ... قَديماً لَا تَفَاطِيرُ الشَّبابِ)
واحِدُهَا نُفْطُورَةٌ. والذِي ذكره الصاغانيّ بالأَلِف غريبٌ، والمصنّف يَتْرُكُ المَنْقُولَ الْمَشْهُور ويَتَّبِعُ الغَرِيبَ، وهُوَ غَرِيبٌ. والنَّفاطِيرُ: جَمْعُ نُفْطُورَة بالنُّون الزَّائِدَة، وَهِي الكَلأُ المُتَفَرِّقُ، ونَقَلَ أَبو حنيفَة عَن اللَّحْيَانيّ: يُقَال: فِي الأَرض نَفَاطِيرُ من عُشْب: أَي نَبْذٌ مُتَفرِّقٌ، لَا واحِدَ لَهُ أَو هِيَ أَوَّلُ نَبَاتِ الوَسْمِىّ، قَالَ طُفَيل:
(أَبَتْ إِبِلِي ماءَ الحِيَاضِ وآلَفَتْ ... نَفَاطِيرَ وَسْمِىٍّ وأَحْنَاءَ مَكْرَعِ)
وَفِي اللّسَان: التَّفَاطِيرُ: أَوَّلُ نَباتِ الوَسْمِىّ، ونَظِيرُهُ التَّعاشِيبُ والتَّعَاجيب وتَباشِيرُ الصُّبْحِ، وَلَا واحِدَ لشيْءٍ من هذِه الأَرْبَعَة. وكلامُ المُصَنِّف هُنَا غَيْرُ مُحَرَّر، فإِنَّ الصَّوابَ فِي البَئْر على وَجْهِ الغُلام هُوَ التَّفاطِير والنَّفَاطِيرُ بالتاءِ وَالنُّون، فجَعَلَه أَفاطِيرَ بالأَلف تَبَعاً للصاغانيّ، وجَعَلَ أَوَّل الوَسْمِىّ النَّفَاطِيرَ بالنُّون، وأَنَّهَا جَمْعُ نُفْطُورَة، وصَوَابُه التَّفاطِيرُ، بالتاءِ، وأَنه لَا واحِدَ لَهُ، فَتَأَمَّل. وَفِي الحَدِيثِ: إِذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وأَدْبَرَ النَّهَارُ فقد أَفْطَرَ الصائِمُ: معناهُ حانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ،)
وقِيلَ: دَخَلَ فِي وَقْتِه، أَي الإِفْطَارِ، وقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنّه قد صَارَ فِي حُكْمِ المُفْطِرِين
وإِنْ لم يَأْكُل وَلم يَشْرَبْ، وَمِنْه الحَدِيث: أَفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجُوم أَي تَعَرَّضَا للإِفْطَارِ، وقِيلَ: حَانَ لَهُمَا أَن يُفْطِرَا، وقِيلَ: هُوَ على جِهَةِ التَّغْلِيظِ لَهُمَا والدُّعاءِ. كُلّ ذَلِك قالَهُ ابنُ الأَثير. وَيُقَال: ذَبَحْنا فَطِيرَةً وفَطُورَةً، بفَتْحِهِمَا، أَي شَاة يَوْمَ الفِطْرِ، نَقَلَه الصاغانيّ والمُصَنّف فِي البَصَائر. وقولُ أَميرِ المُؤْمِنِين عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهُ، وَقد سُئلَ عَن المَذْيِ فَقَالَ: هُوَ، وَفِي النّهَاية، ذلِكَ الفَطْرُ، بالفَتْح، هَكَذَا رَواه أَبو عُبَيْد، قِيلَ: شَبَّهَ المَذْيَ فِي قِلَّته بِمَا يُحْتَلَب بالفَطْرِ، وَهُوَ الحَلْبُ بأَطْرَاف الأَصابِع. يُقَال فَطَرْتُ الناقَةَ أَفْطِرُها وأَفْطُرُها فَطْراً، فَلَا يَخْرُجُ اللَّبَنُ إِلاَّ قَلِيلاً، وَكَــذَلِكَ المَذْيُ يخرج قَلِيلاً، وَلَيْسَ المَنِىُّ كَــذَلِك قَالَه ابنُ سِيدَه. وقِيلَ: الفَطْرُ مأْخُوذ من تَفَطَّرَتْ قَدَمَاهُ دَماً، أَي سَالَتَا، أَو سُمِّيَ فَطْراً من فَطَرَ نَابُ البَعِير فَطْراً: إِذا شَقَّ اللَّحْمَ وَطَلَع، شَبَّهَ طُلُوعَهُ من الإِحْلِيلِ بطُلُوع النّابِ. نَقَلَه ابنُ الأَثِير قَالَ ورَوَاه النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: ذَلِك الفُطْرُ، بالضَّمّ، وأَصْلُه مَا يَظْهَر من اللَّبَن على إِحْليل الضَّرْعِ، هَكَذَا ذكره ابنُ الأَثِير وغَيْرُه. وَمِمَّا يُستَدْرَك عَلَيْهِ: تَفَطَّرَتِ الأَرْضُ بالنَّبَاتِ، إِذا تَصَدَّعَتْ. والفُطْرُ، بالضَّمّ: مَا تَفَطَّر من النَّبَاتِ. والفِطْرَةُ، بالكَسْرِ: الإبْتِداعُ والاخْتِرَاع. وافْتَطَرَ الأَمْرَ: ابْتَدَعَهُ. والفِطْرَةُ: السُّنَّةُ. وجَمْعُ الفِطْرَة فِطراتٌ، بفَتْح الطاءِ وسُكُونِهَا وكَسْرِها، وبالثَّلاثَة
رُوِىَ حَدِيثُ عليّ رَضِيَ الله عَنهُ: وجَبّارَ القُلُوب عَلَى فِطَرَاتَهَا. وفَطَرَ أَصابِعَه فَطْراً: غَمَزَها. وفَطَرْتُ إِصْبَعَ فُلانٍ، أَي ضَرَبْتُها فانْفَطَرت دَماً. وشَرُّ الرَّأْيِ الفَطِيرُ، وَهُوَ مَجازٌ. ويُقَال: رَأْيُهُ فَطِيرٌ ولُبُّه مُسْتَطِيرٌ. والفَطِيرُ من السِّيَاطِ: المُحَرَّمُ الَّذِي يُمَرَّنُ بدِبَاغِه. وَهَذَا كَلاَمٌ يُفْطِرُ الصَّوْمَ، أَي يُفْسِده. وبالكَسْرِ: فِطْرُ بنُ حَمّادِ بن واقِدٍ البَصْرِيّ، وفِطْرُ بنُ خَلِيفَةَ، وفِطْرُ بنُ مُحَمَّد العَطَّارُ الأَحْدَبُ، مُحَدِّثون. وفُطْرَةُ، بالضَّمّ: قَالَ ابنُ حبيب: فِي طَيِّئ. ومُحَمّدُ بنُ مُوسَى الفِطْرِيّ المَدَنِيّ شيخٌ لِقُتَيْبَة، وآخَرُون.
فطر: {فطور}: صدوع. {فطرة}: خلقة. {انفطرت}: انشقت، ومنه {السماء منفطر به}.
[فطر] أفْطَرَ الصائمُ. والاسمُ الفِطْرُ. وفَطَّرتُهُ أنا تَفْطيراً. ورجلٌ مُفْطِرٌ وقوم مفاطير، مثل موسر ومياسير. ورجل فطر وقوم فِطْرٌ، أي مفطِرونَ، وهو مصدر في الأصل. والفَطورُ: ما يُفْطَرُ عليه، وكــذلك الفَطورِيُّ كأنَّه منسوب إليه. وفَطَرَتِ المرأةُ العجينَ حتَّى استبان فيه الفُطْرُ. والفُطْرُ أيضاً: ضربٌ من الكمأة أبيضُ عِظامٌ، الواحدة فُطْرَةٌ. والفِطْرَةُ بالكسر: الخِلقةُ. وقد فَطَرَهُ يَفْطُرُهُ بالضم فَطْراً، أي خلقهُ. والفَطْرُ أيضاً: الشقُّ. يقال: فطرته فانفطر. ومنه فطر ناب البعير: طَلَعَ، فهو بعيرٌ فاطِرٌ. وتفطر الشئ: تشقق. وسيف فطار، أي فيه تشقُّقٌ. قال عنترة: وسيفي كالعَقيقةِ فهو كِمْعي * سلاحي لا أفَلَّ ولا فُطارا - والفَطْرُ: الابتداءُ والاختراعُ. قال ابن عبَّاس رضي الله عنه: كنت لا أدري ما فاطِرُ السموات حتَّى أتاني أعربيَّانِ يختصِمان في بئر فقال أحدهما: أنا فَطَرْتُها أي أنا ابتدأتها.

(99 - صحاح 2) . والفطر: حلب الناقة بالسبَّابة والإبهام. والفَطيرُ: خلاف الخمير، وهو العجين الذي لم يختمر. وكل شئ أعجلته عن إدراكه فهو فَطيرٌ. يقال: إيَّاك والرأيَ الفَطيرَ. وفَطَرْتُ العجين أفْطُرُهُ فَطْراً، إذا أعجلته عن إدراكه. تقول: عندي خبز خمير، وحيس فطير، أي طرى.
فطر
أصل الفَطْرِ: الشّقُّ طولا، يقال: فَطَرَ فلان كذا فَطْراً، وأَفْطَرَ هو فُطُوراً، وانْفَطَرَ انْفِطَاراً. قال تعالى: هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ
[الملك/ 3] ، أي: اختلال ووهي فيه، وذلك قد يكون على سبيل الفساد، وقد يكون على سبيل الصّلاح قال: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا
[المزمل/ 18] . وفَطَرْتُ الشاة: حلبتها بإصبعين، وفَطَرْتُ العجين: إذا عجنته فخبزته من وقته، ومنه: الفِطْرَةُ. وفَطَرَ الله الخلق، وهو إيجاده الشيء وإبداعه على هيئة مترشّحة لفعل من الأفعال، فقوله: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها
[الروم/ 30] ، فإشارة منه تعالى إلى ما فَطَرَ. أي: أبدع وركز في النّاس من معرفته تعالى، وفِطْرَةُ الله: هي ما ركز فيه من قوّته على معرفة الإيمان، وهو المشار إليه بقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف/ 87] ، وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

[فاطر/ 1] ، وقال: الَّذِي فَطَرَهُنَّ [الأنبياء/ 56] ، وَالَّذِي فَطَرَنا [طه/ 72] ، أي: أبدعنا وأوجدنا. يصحّ أن يكون الِانْفِطَارُ في قوله: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ [المزمل/ 18] ، إشارة إلى قبول ما أبدعها وأفاضه علينا منه. والفِطْرُ: ترك الصّوم. يقال:
فَطَرْتُهُ، وأَفْطَرْتُهُ، وأَفْطَرَ هو ، وقيل للكمأة:
فُطُرٌ، من حيث إنّها تَفْطِرُ الأرض فتخرج منها.

الْبُلْعُومُ 

(الْبُلْعُومُ) مَجْرَى الطَّعَامِ فِي الْحَلْقِ. وَقَدْ يُحْذَفُ فَيُقَالُ بُلْعُمٌ. وَغَيْرُ مُشْكِلٍ أَنَّ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ بَلِعَ، إِلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ مَا زِيدَ لِجِنْسٍ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي مَعْنَاهُ. وَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (بُحْتُرٌ) وَهُوَ الْقَصِيرُ الْمُجْتَمِعُ الْخَلْقُ. فَهَذَا مَنْحُوتٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، مِنَ الْبَاءِ وَالتَّاءِ وَالرَّاءِ، وَهُوَ مِنْ بَتَرْتُهُ فَبُتِرَ، كَأَنَّهُ حُرِمَ الطُّولَ فَبُتِرَ خَلْقُهُ. وَالْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ الْحَاءُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ، هُوَ مِنْ حَتَرْتُ وَأَحْتَرْتُ، وَــذَلِكَ أَنْ لَا تُفْضِلَ عَلَى أَحَدٍ. يُقَالُ أَحْتَرَ عَلَى نَفْسِهِ [وَعِيَالِهِ] أَيْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ. فَقَدْ صَارَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْقَصِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطَ مَا أُعْطِيَهُ الطَّوِيلُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (بَحْثَرْتُ) الشَّيْءَ، إِذَا بَدَّدْتُهُ. وَالْبَحْثَرَةُ: الْكَدَرُ فِي الْمَاءِ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ بَحَثْتُ الشَّيْءَ فِي التُّرَابِ - وَقَدْ فُسِّرَ فِي الثُّلَاثِيِّ - وَمِنَ الْبَثْرِ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى الْبَدَنِ، وَهُوَ عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ. وَــذَلِكَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْجِلْدِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْبَعْثَقَةُ) وَتَفْسِيرُهُ خُرُوجُ الْمَاءِ مِنَ الْحَوْضِ. يُقَالُ تَبَعْثَقَ الْمَاءُ مِنَ الْحَوْضِ إِذَا انْكَسَرَتْ مِنْهُ نَاحِيَةٌ فَخَرَجَ مِنْهَا. وَــذَلِكَ مَنْحُوتٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: بَعَقَ وَبَثَقَ، يُقَالُ انْبَعَقَ الْمَاءُ تَفَتَّحَ - وَقَدْ فُسِّرَ فِي الثُّلَاثِيِّ - وَبَثَقْتُ الْمَاءَ، وَهُوَ الْبَثْقُ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْبُرْجُدُ) وَهُوَ كِسَاءٌ مُخَطَّطٌ. وَقَدْ نُحِتَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنَ الْبِجَادِ وَهُوَ الْكِسَاءُ - وَقَدْ فُسِّرَ - وَمِنَ الْبُرْدِ. وَالشَّبَهُ بَيْنَهُمَا قَرِيبٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ (ابْلَنْدَحَ) وَتَفْسِيرُهُ اتَّسَعَ. وَهُوَ مَنْحُوتٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مَنَّ الْبَدَاحِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ، وَمِنَ الْبَلَدِ وَهُوَ الْفَضَاءُ الْبَرَازُ. وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُمَا.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ ضَرَبَهُ فَ (بَخْذَعَهُ) وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ خُذِّعَ إِذَا حُزِّزَ وَقُطِّعَ. وَمِنْهُ:

فَكِلَاهُمَا بَطَلُ اللِّقَاءِ مُخَذَّعٌ

وَقَدْ فُسِّرَ - وَمِنْ بُذِعَ، يُقَالُ بُذِعُوا فَابْذَعَرُّوا، إِذَا تَفَرَّقُوا.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ (بَلْطَحَ) الرَّجُلُ، إِذَا ضَرَبَ بِنَفْسِهِ الْأَرْضَ. فَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ بُطِحَ وَأُبْلِطَ، إِذَا لَصِقَ بِبَلَاطِ الْأَرْضِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ (بَزْمَخَ) الرَّجُلُ إِذَا تَكَبَّرَ. وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ زَمَخَ إِذَا شَمَخَ بِأَنْفِهِ، وَهُوَ زَامِخٌ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ بَزَخَ إِذَا تَقَاعَسَ، وَمَشَى مُتَبَازِخًا إِذَا تَكَلَّفَ إِقَامَةَ صُلْبِهِ. وَقَدْ فُسِّرَ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ (تَبَلْخَصَ) لَحْمُهُ، إِذَا غَلُظَ. وَــذَلِكَ مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ، مِنَ اللَّخَصِ وَهُوَ كَثْرَةُ اللَّحْمِ، يُقَالُ ضَرْعٌ لَخِيصٌ، وَمِنَ الْبَخَصِ، وَهِيَ لَحْمَةُ الذِّرَاعِ وَالْعَيْنِ وَأُصُولِ الْأَصَابِعِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (تَبَزْعَرَ) أَيْ سَاءَ خُلُقُهُ. وَهَذَا مِنَ الزَّعَرِ وَالزَّعَارَةِ، وَالتَّبَزُّعِ. وَقَدْ فُسِّرَا فِي مَوَاضِعِهِمَا مِنَ الثُّلَاثِيِّ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْبِرْقِشُ) وَهُوَ طَائِرٌ. وَهُوَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ رَقَشْتُ الشَّيْءَ - وَهُوَ كَالنَّقْشِ - وَمِنَ الْبَرَشِ وَهُوَ اخْتِلَافُ اللَّوْنَيْنِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْبَهْنَسَةُ) التَّبَخْتُرُ، فَهُوَ مِنَ الْبَهْسِ صِفَةِ الْأَسَدِ، وَمِنْ بَنَسَ إِذَا تَأَخَّرَ. مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمْشِي مُقَارِبًا فِي تَعَظُّمٍ وَكِبْرٍ.

وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا قَوْلُهُمْ (بَلْهَسَ) إِذَا أَسْرَعَ. فَهُوَ مِنْ بَهَسَ وَمِنْ بَلِهَ، وَهُوَ صِفَةُ الْأَبْلَهِ. 

محمد

ذو الخصال المحمودة المشكورة أو كثيرها، والمرضيّ عنه، ونبي المسلمين. وقد ورد ذكره في القرآن باسم رسول، ورسول الله، وأحمد، والنبي، والنبي الأميّ. ورد في صحيح البخاري هذه الأسماء أيضًا: الماحي (لأنه يمحو الله به الكفر) والحاشر (لأنه يحشر الناس خلفه وعلى ملّته دون غيره) والعاقب (لأنه عَقَب من كان قبله من الأنبياء أي جاء بعدهم) والمقفَّى (المكرَّم) والشاهد (أي الشاهد على أمته بالإبلاغ والرسالة عملًا بالآية: ((إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا))، والبشر، والنذير، والضحوك، والخاتَم (خاتمة الأنبياء أي آخرهم) والمتوكل، والمصطفى، والفاتح (أي الحاكم القاضي بين الناس) والقتّال، والمتوكل، والقُتَم (أي الكثير الطاء وجامع الخير والعيال) ونبيّ الملاحم (جمع مَلحمة، موضع التحام الحرب، أي نبيّ القتال، أو نبيّ الصلاح وتأليف الناس كأنه يؤلف أمر الأمة) ونبيّ الرحمة، ونبيّ التوبة.
محمد
رسم القرآن لمحمد صورة محبّبة إلى النفوس، فيها لين ورقة، وفيها الخلق المثالى، والقلب الرءوف الرحيم، والنّفس الوادعة المطمئنة، نزل عليه روح من أمر الله، يهدى إلى الصراط المستقيم، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، يقول الله تعالى يخاطبه: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم 1 - 4). ويقول: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة 128). ويقول:
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
(آل عمران 159). ويقول: وَكَــذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ (الشورى 52، 53). ويقول: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (الطلاق 10، 11).
ويدعوه سراجا منيرا، فى قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (الأحزاب 45، 46). ورحمة في قوله: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء 107). ويأمره باستشارتهم وخفض الجناح لهم إذ يقول:
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (آل عمران 159). ويقول: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (الحجر 88 - 89).
ولكن هذه الصفات في سموّها المثالى لم ترفع محمدا عن البشرية، وهذه صفة من الصفات التى أكدها القرآن وأطال في الحديث عنها، فهو حينا يثبت هذه الصفة على لسانه، وحينا ينفى عن نفسه القدرة على ما لا يقدر عليه البشر، قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (الكهف 110). وهو لهذا لا يملك لنفسه أمرا، ولا يدرى من الغيب شيئا، قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف 188).
ولننصت إليه يتبرأ من قدرته على فعل ما ليس في طاقته، عند ما سألوه ما ليس فى طوقه، وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (الإسراء 90 - 93)، ومما يلحظ أنهم طالبوه بأمور يستحيل وجودها في الصحراء، من تفجير الأرض ينابيع وأنهارا، وانظر إليه كيف يعجب من أمرهم، وكيف يقرر في صراحة أنه ليس سوى بشر رسول. ولأنه بشر، يجوز أن يموت كما يموت سائر البشر، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران 144). ولم يتميز محمد من البشر إلا بأنه كالرسل بشير ونذير، قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (الأحقاف 9). إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (البقرة 119). وهو ليس إلا مذكّرا، لا سيطرة له على القلوب، ولا مقدرة عنده على تحويل الأفئدة، فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (الغاشية 21، 22).
ومما أكده القرآن من صفات محمد الأمّية، يصفه بها في قوله: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف 158). ويبين حكمة اختياره أميا في قوله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (العنكبوت 48). وإذا كانت الأمية مما يعاب فهى المعجزة التى تحول بين رسالة النبى والشك فيها، ولو أنه كان يقرأ ويكتب، لكان للمبطلين مجال للرّيب في صدق رسالته.
والقرآن يعظم أمر الرسول، فيحدّثنا عن صلاة الله عليه والملائكة، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب 56). ويعظم من أمر مبايعته، حتى لكأن من يبايعه إنما يبايع الله، إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ (الفتح 10). ويشهد له القرآن بالخلق القويم كما سبق أن نقلنا، وبأنه لا ينطق عن هوى النفس، ولا يميل إلى ضلالة ولا غواية، ويقسم على ذلك: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم 1 - 4)، كما يقسم على رسالته فيقول: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (يس 2 - 5). ويعدّد القرآن نعم الله عليه فيقول: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح 1 - 4). أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (الضحى 6 - 8). ويقسم له القرآن أن الله ما تخلى عنه وما قلاه، ويؤكد أن الذين يناصبونه العداء سيكبتون ويخذلون مذلولين، إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (المجادلة 20). ويحذر المؤمنين من معصيته، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ (المجادلة 9). ويأمرهم بأن يقفوا عند الحدود التى رسمها الرسول، ولا يبطلوا أعمالهم بعصيانه، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (محمد 33). وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر 7). وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (الأحزاب 36). ويؤكد لهم أنهم لن يكونوا مؤمنين حقا حتى يجدوا العدالة المطلقة في أحكامه، ولا يجدوا فيها غضاضة ولا حرجا في نفوسهم، ويقسم على ذلك قائلا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء 65). ذلك أنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى.
وإذا كان محمد رسولا، فله حرمته ومنزلته الاجتماعية، ومن الواجب احترامه، فلا يليق أن ينادى باسمه، كما ينادى الناس بعضهم بعضا، ولا أن ترتفع أصواتهم فوق صوته، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(الحجرات 2 - 5). ولا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (النور 63). وفي تربية الشعب على احترام الرسول ما يدفعهم إلى طاعته، فإن الطاعة أساسها الاحترام كما وضع القرآن أساسها الثانى وهو الحب، بما وصف القرآن به محمدا من حبّ لهداية قومه، وحدب عليهم، ورحمة بهم ورأفة، وشوق ملح إلى هدايتهم، حتى صح للقرآن أن يقول: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (الكهف 6). وهكذا بنى القرآن الطاعة على أساسين من الحب والاحترام معا.
ويؤيد القرآن رسالة محمد بشهادة الله الذى لا يشهد بغير الحق، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ (المنافقون 1). وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (الرعد 43). لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (النساء 166). وبأن عيسى قد بشر به قومه، وأخبرهم برسالته، وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (الصف 6). وبأنه فيما أتى ليس بدعا، فقد أوحى الله إلى كثير من الرسل قبله، إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (النساء 163).
وبأنه أمى ما كان يتلو قبله كتابا، ولا يخطه بيمينه. كما سبق أن ذكرنا، أوليس من يشهد الله له بالرسالة، ويبشر به رسول ذو كتاب، ويجرى على سنن من سبقه من الأنبياء- جديرا بأن يصدق إذا ادعى، وأن يطاع إذا أمر؟ ويناقش من أنكر رسالته، ويدفع دعاويهم في هدوء وقوّة معا، فأخبرنا القرآن مرّة أنهم كانوا ينسبون ما يعرفه محمد من قصص وأخبار وأحكام إلى عالم فارسى يعلمه، وما كان أسهل دحض تلك الدعوى بأن لسان من يدعون أنه يعلّم محمدا- أعجمى، أما هذا الكتاب فعربى مبين، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل 103). وحينا نسبوه إلى أنه سحر أو شعر أو كهانة، بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ (الأنبياء 5)، وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (الصافات 36). فوجه القرآن أنظارهم إلى أن النظرة الصائبة تنفى عن القرآن السحر والشعر والكهانة، فللحق آياته البينات التى لا تشتبه بالسحر، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (سبأ 43). ونفى القرآن عن النبى قول الشعر والكهانة، وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (يس 69). وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (الحاقة 41، 42).
ومن أكبر ما أنكروه على الرسول أنهم وجدوه لا يمتاز على البشر في شىء فهو يأكل الطعام كما يأكلون، ويمشى في الأسواق يبيع ويشترى كما يمشون، وظنوا أنه لا يكون نبيا إلا إذا امتاز بملك ينذر الناس معه، أو أصبح غنيا غنى مطلقا عن الناس، فألقى إليه كنز، أو كانت له جنة يأكل منها، وقد حكى القرآن عنهم ذلك الحديث، وردّ عليهم ردّا رفيقا في قوله: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (الفرقان 7 - 10). فهو يشير في رفق إلى أن الحكمة إنما هى فى أن يساوى الرسول الشعب في الاحتياج، حتى لا يكون امتيازه على الناس في أمور لا تتصل بالرسالة، ولا دخل لها في النبوة، وحتى يبقى تقويم الرسول بعيدا عن زخارف الحياة وما ليس من صميم الرسالة، فقد يتهيأ الغنى الفاحش لفرد من الناس، من غير أن يجلب له ذلك رسالة ولا نبوّة ولو أراد الله لفعل للرسول ما اقترحوه وزاد عليه، ولكن الخير والحكمة فيما كان، أما ما اقترحوه من نزول الملك مع الرسول فقد رد عليه في قوله: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (الأنعام 8، 9). ألا ترى أن نزول الملك كما اقترحوا لا يدع لهم فرصة التفكير بعد نزوله، ومن الخير أن يترك لهم مجال التدبّر وتقليب الأمر على وجوهه، وإنزال الملك لن يحل المشكل، لأنه سيكون في هيئة رجل، ويلتبس الأمر كما لو كان الرسول رجلا والقرآن برغم ذلك، يوحى بأن الرسول كانت عنده رغبة ملحة في أن يحقق لهم بعض ما اقترحوه ليؤمنوا، ولتجتمع كلمتهم على الدين، حتى صحّ للقرآن أن يقول للرسول: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (الأنعام 35).
ويقول في أخرى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (هود 12).
وكانت صفة البشرية حائلة دون الايمان به، ومدعاة للهزء بالرسول والسخرية به، فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (القمر 24). وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (المؤمنون 34). وقد رد الله تلك الدعوى بأن الحكمة تقضى بأن الرسول يكون من جنس المرسل إليهم، ليكون أدنى إلى نفوسهم، يألفونه ويسهل اتصالهم به، ولو أن في الأرض ملائكة يسكنونها، ما أرسل الله إليهم رسولا، سوى ملك من جنسهم، قال سبحانه: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (الإسراء 94 - 95).
وعند ما تعرّض القرآن للاستهزاء بالرسول، كان لا يعنيه كثيرا الردّ على ما يتعلق بشخص الرسول، بل ينتقل مباشرة إلى صميم الدعوى يناقشهم فيها، ويحدثهم عن مغبّة كفرهم، قال تعالى: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (الأنبياء 36 - 40). ألا تراه قد مرّ مرّ الكرام باستهزائهم بالرسول، وكأنه لغو لا يؤبه له، ولا يستحق الالتفات إليه، ولا التّنبّه لشأنه، وانتقل من ذلك إلى الحديث عما يعنى القرآن بشأنه، من الحديث عن الله واليوم الآخر، وما ينتظرهم من عذاب كان جديرا به أن يصرفهم عن التمادى في الباطل، لو أنهم فكروا في الأمر وتدبّروا العاقبة، ويقول في موضع آخر: وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (الفرقان 41 - 44). وهو هنا أيضا ينتقل إلى صميم الدعوى، فيتحدث عن اتخاذهم الهوى إلها، وأنهم لا يستخدمون آذانهم وعقولهم فيما خلقت لأجله، فصاروا بــذلك أضل سبيلا من الأنعام.
ويهوّن القرآن على الرسول أمر الاستهزاء به وتكذيبه، فحينا يخبره بأن ذلك دأب الرّسل، يكذّبون برغم ما يجيئون به من البينات والهدى، ويؤكد له مرة بأن هؤلاء الساخرين سينالهم ما نبّئوا بنزوله بهم، وكانوا يسخرون ولا يطيعون، فيقول للرسول: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (آل عمران 184). وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (الأنعام 10).
وينذر القرآن المكذبين والمستهزئين بأن عاقبتهم كعاقبة من كذّب الرسل من قبل: أخذ شديد وعقاب أليم، وهنا يلجأ القرآن إلى غريزة المحافظة على النفس، فيصوّر رفض الدعوة والتكذيب لها معرّضا أنفسهم للتهلكة، وجالبا الوبال عليها، فماذا تكون النتيجة إذا هم أصرّوا على كفرهم؟ أضمنوا أعمارا طويلة، يصلحون فيها ما كانوا قد أفسدوه؟ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (الأعراف 185). أأمنوا مكر الله؟ أم اطمأنوا إلى أن القيامة لن تأتيهم فجأة؟ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (يوسف 107). إنهم بنهيهم عنه، ونأيهم عنه لا يضرون إلا أنفسهم ولا يهلكون غيرها، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (الأنعام 26). ولن يضرّ الرسول بكفرهم، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (النحل 82). فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ (الشورى 48).
أوليس في قصر أمر الرسول على البلاغ، ما يدفعهم إلى التفكير في أمر هذه الدعوة التى لن يحمل عبء أضرار رفضها غيرهم، والتى يتحمّل الرسول المشاق فى سبيل إذاعتها، لا يبغى من وراء ذلك أجرا، ولا يريد إلا أن تصل الهداية إلى قلوبهم، قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (سبأ 47).
وإن في تنزّه الرسول عن الغرض المادىّ، وإخلاصه في دعوتهم وإرشادهم، لبعثا لهم على تدبر أمر هذه الدعوة المبرأة من الهوى والغرض، والنفس بطبيعتها تنقاد لمثل هذه الدعوة وتؤمن بها. وقد دعاهم القرآن إلى التفكير في شأن الرسول، فرادى وجماعات، ليقلبوا أمره على وجوهه، ويتفكروا أبه جنّة أو شذوذ؟ وسوف يصلون إذا فكروا إلى أنه نذير لهم بين يدى عذاب شديد.
ويمضى القرآن محببا لهم إجابة دعوة محمد، مبينا طبيعتها، وأنها توافق الإنسانية السليمة، فهو لا يأمر إلا بما تعترف به النفوس الصحيحة ولا ينهى إلا عما تنكره، ولا يحلّ سوى الطّيب، ولا يحرّم سوى الخبيث، وأنه يعمل على تخليصهم من عادات ثقيلة على النفوس، وقيود كانت تغل حياتهم، وقد خفف الإسلام كثيرا من القيود التى كانت على أهل الكتاب، يقول الله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الأعراف 157). أما الأميون، وقد كانوا في ضلال مبين فإنه يعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم، هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (الجمعة 2). ويجعل طريق حب الله ونيل رضوانه اتباع منهجه والاقتداء به، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران 31). ومن أطاعه فسيكون مع من أنعم الله عليهم من أكرم الرفقاء، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء 69). ومن آمن وعمل صالحا فسوف يورّثه الله الأرض، ويمكن له دينه، ويبدله بالخوف أمنا وطمأنينة، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (النور 55).
ولا يكتفى القرآن بالوعد المحبوب حين طلب إليهم طاعة الرسول، بل أنذرهم وأوعدهم، وأكّد لهم أن النهاية ستكون نصرا مؤزرا للرسول أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها (التوبة 63). ويقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (النور 63). إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً
(الأحزاب 57). ويخاطب الرسول قائلا:
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (الأنعام 34). وينزل القرآن إلى أعماق نفوسهم، فيحدثنا عن شكوكهم التى تنتابهم، فهم يقولون في أغوار قلوبهم: إذا كان محمد على صواب، ونحن على خطأ، فلم يدعنا الله أحرارا في هذه الحياة ولا يعذبنا بسبب هذه التّصرّفات، والله ينبئهم بأن جهنم مصيرهم المنتظر، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (المجادلة 8).
ويعلم القرآن ما لحوادث التاريخ من الأثر في النفوس، ولذا أكثر، فى معرض الأمر بطاعة الرسول، من توجيه أنظارهم إلى من كذّب من الماضين كيف كانت عاقبتهم، فلعلهم يتّعظون بها، فيسأل: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (غافر 21، 22). ويقصّ عليهم قصص الماضين كقوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (فصلت 13 - 18).
ولم يأل القرآن جهدا في تصوير من لا يستجيب إلى دعوة محمد في صورة ينفر منها العاقل، ويأنف من أن تكون صورته، فحينا يرسمهم أمواتا لا يعون، صما لا يسمعون، عميا لا يبصرون، فيقول: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (فاطر 22، 23).
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (يونس 42، 43).
وأكثر القرآن من أمر الرسول بالصّبر، وهو خليقة أولى العزم من الرسل فقال:
فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ (الأحقاف 35). وقال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا (الطور 48). وقال: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ (النحل 127). وقال: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (المزمل 10). إلى غير ذلك من كثير الآيات التى تدعو الرسول إلى الصبر، وتحثه عليه، ولا ريب أن دعوة دينية جديدة تتطلب زادا لا ينفد من الصبر على المكروه حتى تنجح وتؤتى ثمارها.
أما المنهج الذى رسمه ــالقرآن، لكى ينهجه محمد في دعوته، فقد بينه في قوله:
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل 125). وتلك هى خطة الإقناع التى تتألف القلوب وتستهوى الأفئدة.
ولكى أكمل الصورة التى رسمها القرآن لمحمد صلوات الله عليه، أضعه بين صحبه الذين أخلصوا له، فهم رحماء فيما بينهم، أشداء على أعدائهم، قد أخذ أمره بهم يشتد، كما يشتد الزرع إذا أخرج براعمه، فيصبح مرآة باعثا الزراع على الإعجاب به، فهم بين يدى الله يبتغون رضوانه، وأمام أعدائهم قوة لا يستهان بها، ترى تلك الصورة في قوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الفتح 29).

التّعديل

التّعديل:
[في الانكليزية] Rectification ،parallax ،equation
[ في الفرنسية] Rectification ،parallaxe ،equation
في اللغة التّسوية. وتعديل الأركان عند أهل الشرع تسكين الجوارح في الركوع والسجود والقومة والجلسة قدر تسبيحة، ويطلق على كلّ، فإنّه صار كاسم جنس، كذا في جامع الرموز في فصل صفة الصلاة. والتعديل عند الرياضيين يطلق على معان منها ما ذكره بعض المحاسبين كما سيأتي في لفظ الجبر ولفظ الرّد ومنها التعديل الأول ويسمّى بالاختلاف الأول أيضا لأنّه أول تفاوت وجد ويسمّى بالتعديل المفرد أيضا لانفراده عن غيره بخلاف التعديل الثاني فإنّه مخلوط بالأول، هذا عند أهل الهيئة. وأهل العمل منهم أي أصحاب الزيجات يسمّونه بالتعديل الثاني لتأخره بحسب العمل عن التعديل الثالث الذي يسمّونه تعديلا أولا، وهو قوس بين الوسط والتقويم. قال عبد العلي البرجندي في حاشية الچغميني هذا في الشمس والقمر صحيح وأمّا في المتحيّرة فما بين الوسط المعدّل والتقويم هو التعديل الأول، وأمّا ما بين الوسط الغير المعدّل والتقويم فلا يسمّى عندهم باسم.
فالظاهر أنّه أراد المصنّف بالوسط الوسط المعدل أي المعدّل بالتعديل الثالث. وزاوية التعديل وقد تسمّى بالتعديل أيضا كما يستفاد من شرح التذكرة للعلي البرجندي هي الحادثة على مركز العالم بين خطين خارجين منه أحدهما وسطي والآخر تقويمي، وهذا هو قول المحقّقين منهم. ومقدار هذه الزاوية هو قوس التعديل لأنّ مقدار الزاوية قوس فيما بين ضلعيها موترة لها من دائرة مركزها رأس الزاوية وهذا هو الحق.
وقيل القوس الواقعة من فلك البروج بين طرفي الخطين أي الخطّ الخارج عن مركز الخارج والخط الخارج من مركز العالم المارّين بمركز الشمس المنتهيين إلى دائرة البروج هي تعديل الشمس. ولما كان الخطان المذكوران متقاطعين عند مركز الشمس كان هناك زاويتان متقابلتان متساويتان، إحداهما فوق مركز الشمس وتسمّى زاوية تعديلية والأخرى تحت مركز الشمس وتسمّى أيضا بزاوية تعديلية لكونها مساوية للأولى، وهذا القول ليس بصحيح، وإن شئت وجهه فارجع إلى كتب علم الهيئة.
اعلم أنّ الشمس إذا كانت صاعدة أي متوجهة من الحضيض إلى الأوج يزاد هذا التعديل على وسطها، فالمجموع هو التقويم.
وإذا كانت هابطة أي متوجهة من الأوج إلى الحضيض ينقص هذا التعديل من الوسط، فبالباقي هو التقويم، وليس في الشمس سوى هذا تعديل آخر. وأما الخمسة المتحيّرة فيزاد فيها التعديل على الوسط إذا كانت هابطة وينقص عنه إذا كانت صاعدة، فالمجموع أو الباقي هو التقويم. والحال في القمر بالعكس.
ودلائل هذه المقدمات تطلب من كتب الهيئة، وغاية هذا التعديل بقدر نصف قطر التدوير.
ومنها التعديل الثاني ويسمّى بالاختلاف الثاني أيضا وهو القوس المذكورة أي التعديل الأول باعتبار اختلافها في الرؤية صغرا وكبرا بحسب بعد مركز التدوير عن مركز العالم وقربه منه، وذلك لأنّ مركز التدوير إذا كان في حضيض الحامل فنصف قطره بسبب قربه من مركز العالم يرى أكبر وإذا كان في أوج الحامل فنصف قطره بسبب بعده عنه يرى أصغر فلــذلك تختلف القوس المذكورة وهذا الاختلاف يلحق الاختلاف الأول بقدر ذلك الاختلاف في نصف القطر، فينقص منه إذا كان مركز التدوير أبعد من البعد الأوسط ويزاد عليه إذا كان أقرب منه، ويكون بعد ذلك أي بعد نقصانه عن الاختلاف الأول أو زيادته عليه تابعا له أي للاختلاف الأول في الزيادة والنقصان على الوسط، وهذا عند من وضع مراكز تداوير المتحيّرة في البعد الأوسط واستخرج الاختلاف الأول منها فيه فإنّ الاختلاف الثاني فيها قد يكون بحسب البعد الأبعد فيكون ناقصا عن الاختلاف الأول وقد يكون بحسب البعد الأقرب فيكون زائدا عليه.
وأما عند من وضع مراكز تداويرها في الأوج واستخرج الاختلاف الأول منها فيه فلا محالة يزيد الاختلاف الثاني دائما على الأول، وهكذا الحال في القمر فإنّ اختلاف الأول للقمر إنما وضع في الأوج الذي هو البعد الأبعد. ثم إنّ ما حصل من زيادة الاختلاف الثاني على الأول أو ما بقي بعد نقصه منه يسمّى تعديلا معدلا.
اعلم أنّ هذا الاختلاف في المتحيّرة يسمّى أيضا اختلاف البعد الأبعد والأقرب لاشتماله عليهما، فهو إمّا على سبيل التغليب وإمّا على أنه اختلاف بعد هو أبعد من البعد الأوسط أو أقرب منه، وهذا بخلاف ما في القمر فإنه يسمّى اختلاف البعد الأقرب فقط، إمّا لتغليب أقرب الأبعاد أعني الحضيضية على سائرها وإمّا لأنه اختلاف بعد هو أقرب من البعد الأوجي. وقيل غاية الاختلاف الثاني اختلاف البعد الأقرب وهو الموافق لما ذهب إليه صاحب المجسطي ومن تبعه من أصحاب الزيجات من تسمية الاختلاف الثاني عند كون مركز التدوير في الحضيض باختلاف البعد الأقرب، وقد يسمونها بالاختلاف المطلق أيضا. هذا وقد قيل إنّ أهل الهيئة يسمّون الاختلاف الثاني مطلقا سواء كان مركز التدوير في الحضيض أو لم يكن اختلاف البعد الأقرب لما دلّ البرهان على وجوده وإن لم يعرفوا مقداره. وأما أهل العمل أي أصحاب الزيجات فيسمّون الاختلاف الثاني عند كون مركز التدوير في الحضيض اختلاف البعد الأقرب لأنه معلوم عندهم موضوع في الجدول. وأمّا في سائر المنازل فهو غير معلوم لهم ولا بموضوع في الجدول لجزء جزء إلّا غايته، فإنها مستخرجة لسهولة تظهر في العمل، فلهذا لم يسمّوه في سائر المنازل باسم، وتوضيح السهولة التي ذكرناها أنهم استخرجوا الاختلافات الثانية لنقطة التماس بحسب كون مركز التدوير في الأبعاد المختلفة ونقلوها إلى أجزاء يكون الاختلاف الثاني لنقطة التماس عند كون مركز التدوير في الحضيض، أعني غاية الاختلاف الثاني لنقطة التماس بتلك الأجزاء ستين دقيقة، وسمّوها دقائق الحضيض، ووضعوها بإزاء أجزاء المركز.
كما أنهم وضعوا الاختلاف الأول وغاية الاختلاف الثاني لأجزاء التدوير معا بإزاء أجزاء الخاصة المعدّلة. وقد تقرّر أنّ نسبة غاية الاختلاف الثاني لنقطة التماس إلى غاية الاختلاف الثاني لجزء مفروض كنسبة الاختلاف الثاني لنقطة التماس عند كون التدوير في بعد غير الحضيض، أعني كنسبة دقائق الحضيض إلى الاختلاف الثاني لــذلك الجزء في ذلك البعد، ولمّا كان المقدّم في النسبة الأولى واحدا أعني ستين دقيقة وقسمة المضروب عليه وعدمها سواء فبقاعدة الأربعة المتناسبة إذا ضرب غاية الاختلاف الثاني للجزء المفروض في دقائق الحضيض وهما معلومان من الجدول، ويكون الحاصل الاختلاف الثاني لــذلك الجزء بحسب البعد المفروض، فيحصل بهذا العمل الاختلافات الثانية لأجزاء التدوير بحسب كونها في الأبعاد المختلفة من غير أن يحتاج إلى وضع جميعها في الجدول.
فائدة:
قد فسّر صاحب التذكرة وشارحوها الاختلاف الأول والثاني بالزاوية الحاصلة عند مركز العالم لا بالقوس، والأمر في ذلك سهل، فإنّ الزوايا إنما تتقدر بالقسي الموترة لها فيجوز أن يفسّر الاختلاف الأول بقوس بين الوسط والتقويم وأن يفسر بزاوية حادثة على مركز العالم بين خطّين الخ، فإنّ المآل واحد كما لا يخفى.
فائدة:
هذا الاختلاف هو الاختلاف الأول بعينه في الحقيقة سواء كان مركز التدوير في البعد الأبعد أو لم يكن، إلّا أنهم لما أرادوا وضع التعديل في الجدول فرضوا مركز التدوير في بعد معيّن واستخرجوا مقادير زوايا التعديل بحسب ذلك البعد ووضعوها في جدول واستخرجوا أيضا تفاوت التعديلات بحسب وقوع مركز التدوير في أبعاد اخر بقاعدة مذكورة سابقا، ويجمعون هذا التفاوت مع التعديل المذكور أو ينقصونه منه ليحصل التعديل بحسب ما هو الواقع في البعد المفروض، ففرض بطليموس ومن تابعه مركز التدوير القمري ثابتا في الأوج وسمّوا تلك الزوايا عند كونه في الأوج بالاختلاف الأول، والزيادات عليها في سائر المنازل بالاختلافات الثانية. وبعض أصحاب الزيجات فرض مركز تدويره ثابتا في الحضيض واستخرج مقادير الزوايا ويسمّى النقصانات عنها في سائر المنازل بالاختلافات الثانية. وبعضهم فرضه ثابتا في البعد الأوسط ويسمّى الزيادات في النصف الحضيضي والنقصانات في النصف الأوجي بالاختلافات الثانية، ولا مشاحة في الاصطلاحات. والغرض من جميع ذلك تسهيل الأمر على أهل العمل، وإلّا فالاختلاف بحسب الواقع واحد، والأليق بعلم الهيئة إنما هو ذكر هذا الاختلاف. وأمّا تشقيصه إلى الاختلاف الأول والثاني فلائق بكتب العمل أي الزيجات كما لا يخفى، لكن جميع أهل الهيئة ذكروا هذين الاختلافين. هكذا ذكر العلي البرجندي في شرح التذكرة وحاشية الچغميني.
ومنها التعديل الثالث ويسمّى بالاختلاف الثالث أيضا. وأهل العمل يسمّونه بالتعديل الأول سواء كان في القمر أو في غيره لتقدمه على الأولين بحسب العمل، كذا في شرح، التذكرة. وهو يطلق على معنيين: أحدهما تعديل المركز لتعديله به، والثاني تعديل الخاصة لتعديلها به، ويسمّى أيضا فضل ما بين الخاصتين، كذا في شرح التذكرة أيضا. فتعديل المركز هو قوس من الممثل في المتحيّرة ومن المائل في القمر محصورة بين طرف خط وسطي وخط المركز المعدّل أي المخرج من مركز العالم المارّ بمركز التدوير إلى الممثل أو المائل. وتعديل الخاصة هو قوس من منطقة التدوير بين الذروة المرئية والوسطية.
وتوضيح ذلك أنّه إذا أخرج خطان أحدهما من مركز العالم إلى مركز التدوير والآخر من مركز معدل المسير إليه، فبعد إخراجهما يحصل عند مركز التدوير أربع زوايا، اثنتان منها حادّتان متساويتان، فالتي في جانب الفوق يعتبر مقدارها من منطقة التدوير وهو قوس منها ما بين الذروتين من الجانب الأقرب وتسمّى تعديل الخاصة والتي في جانب السفل يعتبر مقدارها من منطقة الممثل، وذلك بأن يخرج من مركز العالم خط مواز للخط الخارج من مركز معدّل المسير إلى مركز التدوير ويخرجان إلى سطح الممثل، فالقوس الواقعة من الممثل بين طرفي هذين الخطين من الجانب الأقرب هي مقدار تلك الزاوية وتسمّى تعديل المركز. فإذا كان مركز التدوير في النصف الهابط كانت الزاوية الحاصلة عند مركز معدّل المسير من الخطين من أحدهما إلى الأوج والآخر إلى مركز التدوير أعظم من الزاوية الحاصلة عند مركز العالم بقدر تعديل المركز، وفي النصف الصاعد الأمر بالعكس، فلــذلك ينقص عن المركز، أي عن مركز التدوير في النصف الهابط، ويزاد عليه في النصف الصاعد ليحصل المركز المعدل. ثم نقول إن تقاطع الخط المارّ بمركز التدوير مع أعلى منطقته كان أقرب إلى الأوج إن كان خارجا عن مركز العالم وأبعد عنه إن كان خارجا عن مركز معدل المسير، فإن كان مركز التدوير هابطا يزاد عليه تعديل الخاصة على الخاصة الوسطية التي هي معلومة في كل حال، لأن حركات التداوير معلومة لكونها على وتيرة واحدة، وفي النصف الآخر ينقص منها لتحصل الخاصة المعدّلة المسمّاة بالخاصة المرئية، التي بها يعلم التعديل الأول والثاني. ولمّا كان ما بين الذروتين في المتحيّرة مساويا لما بين الخط الوسطي وخط المركز المعدّل لتساوي الزاويتين الحادّتين الحاصلتين عند مركز التدوير من إخراج هذين الخطين كما عرفت، لم يحتج في استخراج تقويمها إلى تعديل أزيد من الثلاثة أي تعديل المركز والتعديل الأول والثاني، وكان تعديل المركز والخاصة فيها واحدا. ولمّا كان خط الوسط وخط المركز المعدل في القمر ينطبق أحدهما على الآخر أبدا لكون حركة تدوير القمر متشابهة حول مركز العالم لم يحتج في القمر إلى تعديل المركز، بل إلى تعديل الخاصة، والتعديلين الأولين. هكذا يستفاد من تصانيف عبد العلي البرجندي. وكأنه لهذا التساوي والانطباق قال صاحب التذكرة في بيان التعديل الثالث للقمر: ويسمّى هذا التعديل تعديل الخاصة. وقال في بيان التعديل الثالث للمتحيّرة: ويسمّى هذا التعديل تعديل المركز والخاصة. وقال شارحه أي العلي البرجندي إنما سمّي بتعديل المركز والخاصة لتعديلهما به.
فائدة:
حال هذا التعديل في القمر في زيادته على الخاصة الوسطية ونقصه منها كحال المتحيّرة لأنّ حركة أعلى تدوير القمر وإنّ كانت مخالفة لحركة أعالي تداوير المتحيّرة لكن مركز معدل المسير في المتحيّرة فوق مركز العالم ونقطة المحاذاة في القمر تحت مركز العالم بالنسبة إلى الأوج. ومنها تعديل النقل وهو التفاوت بين بعد موضعي القمر من منطقتي الممثل والمائل عن العقدتين ويسمّى الاختلاف الرابع أيضا. وأهل العمل يسمّونه التعديل الثالث أيضا، وذلك لأنهم سمّوا الاختلاف الثالث والأول بالتعديل الأول والتعديل الثاني فسمّوا هذا بالتعديل الثالث ويعتبر ذلك التفاوت إذا أريد تحويل موضعه أي موضع القمر من المائل إلى موضعه من الممثل، وقلّما يحتاج إلى عكسه. ولهذا أي لكون الاحتياج إلى عكسه قليلا يسمّى هذا التحويل في كتب العمل نقل القمر من المائل إلى البروج، هكذا ذكر عبد العلي البرجندي في شرح التذكرة. وقال في حاشية الچغميني توضيحه أنّ وسط القمر مأخوذ من منطقة المائل لأنّه إذا أخذ ذلك من منطقة البروج لا يكون متشابها وإن اتّحد مركزاهما لاختلاف منطقتيهما، فإذا مرّت دائرة عرض بمركز التدوير تقاطع منطقة البروج على قوائم فيحدث من قوس العرض ومن القوسين الكائنتين من المائل والممثل اللتين مبدأهما العقدة ومنتهاهما دائرة العرض المذكورة مثلّث زاوية تقاطع العرضية مع الممثل فيه قائمة، وزاوية تقاطعها مع المائل حادّة، فالقوس من المائل التي هي الوسط أعظم من القوس التي هي من الممثل، أعني التقويم، والتفاوت بينهما يسمّى تعديل النقل إذ به ينقل مقدار القوس من المائل إلى القوس من الممثل، فإن كان الوسط من الربع الأول والثالث أعني مؤخرا عن إحدى العقدتين ينقص تعديل النقل منه، وإن كان من الربعين الآخرين يزاد عليه لتحصل القوس من الممثل. وهذا التفاوت ليس شيئا واحدا دائما بل إذا صار مركز التدوير إلى بعد ثمن من العقدة تقريبا صار هذا التفاوت في الغاية، وبعد ذلك يتناقص إلى أن يبلغ مركز التدوير إلى منتصف ما بين العقدتين، وحينئذ ينعدم التفاوت. وقال في شرح التذكرة: اعلم أنه ذكر المحقّق الشريف تبعا لصاحب التحفة أنّ تعديل النقل هو القوس الواقعة من الممثل بين تقاطعي الممثل مع الدائرتين المارّتين بمركز القمر، إحداهما تمرّ بقطبي الممثل والأخرى بقطبي المائل وهو سهو. ومنها تعديل النهار وهو قوس بين مطالع جزء من أجزاء فلك البروج بخط الإستواء، وبين مطالعه بالبلد، وذلك لأنّ لأجزاء فلك البروج مطالع في خط الاستواء، وكذا لها مطالع في الآفاق المائلة وبين المطالعين تفاوت، وهذا التفاوت يسمّى تعديل النهار، وتعديل نهار نقطة الانقلاب يسمّى بتعديل النهار الكلّي.
اعلم أنّ قوس فضل مطالع الاستواء على مطالع البلد وقوس فضل مغارب البلد على مغارب الاستواء في الآفاق الشمالية متساويتان، فإذا زيدتا على نهار الإستواء حصل نهار البلد وإذا نقصتا عن نهار البلد كان الباقي نهار الاستواء، وكذا الحال في الآفاق الجنوبية، إلّا أنّ الأمر فيها على عكس ذلك في الزيادة والنقصان كما يظهر بأدنى تأمّل. فتعديل النهار في الحقيقة هو مجموع القوسين لا إحداهما التي هي قوس فضل المطالع على المطالع، لكن القوم أطلقوا تعديل النهار عليها إذ بها يعرف التعديل، وتوضيحه يطلب من شرح الملخّص للسيد السند. ومنها تعديل الأيام بلياليها وهو التفاوت بين اليوم الحقيقي واليوم الوسطي كما سيجيء في لفظ اليوم. ومنها اسم عمل مخصوص يعلم به التعديلات وغيرها المجهولة أي غير المسطورة في جداول الزيجات.

ويقول في سراج الاستخراج: إذا كانوا يريدون حصة تعديل عددي من جدول التعديل وليس موجودا في سطر العدد، فيبحثون عن عددين متواليين، بحيث يكون العدد الأول أقلّ من المطلوب والثاني أكثر. فحينئذ يأخذون التفاضل بين الحصتين في العددين المذكورين.
ثم يضربون رقم التفاضل في العدد المفروض ثم يقسمون الحاصل على التفاضل بين كلا العددين، وما يبقى خارج القسمة يضيفونه إلى حصة العدد الأقل حتى يحصلوا على المطلوب.
وهذا العمل يسمّونه التعديل.
وإذا كانت الحصّة معلومة والعدد مجهولا فتطلب حصتين متواليتين إحداهما من عدد معلوم أقلّ والثانية من عدد معلوم أكثر. ثم التفاضل ما بين كلا العددين نضربه بالتفاضل بين الحصّة المقدّمة والحصّة المعلومة. ونقسم الحاصل على التفاضل الموضوع بين كلا الحصتين. ونضيف الخارج على العدد الأقلّ حتى يصير العدد المجهول معلوما، وهذا العمل يقال له التقويس، ذلك لأنه بهذا العمل قوس تلك الحصة يصير معلوما، وهذا الأسلوب في استخراج الطوالع من المطالع ناجح. وقريب من هذا العمل عمل التعديل الذي يعملونه من الأسطرلاب. ومبنى كلا العملين على الأربعة المتناسبة، وتحقيق هذا العمل يجب أن يكون معلوما من باب (العشرين بابا) وشرحه.

الرَّيّ

الرَّيّ:
بفتح أوّله، وتشديد ثانيه، فإن كان عربيّا فأصله من رويت على الراوية أروي ريّا فأنا راو إذا شددت عليها الرّواء، قال أبو منصور:
أنشدني أعرابي وهو يعاكمني:
ريّا تميميّا على المزايد
وحكى الجوهري: رويت من الماء، بالكسر، أروى ريّا وريّا وروى مثل رضى: وهي مدينة مشهورة من أمّهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الفواكه والخيرات، وهي محطّ الحاجّ على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخا ومن قزوين إلى أبهر اثنا عشر فرسخا ومن أبهر إلى زنجان خمسة عشر فرسخا، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة الريّ طولها خمس وثمانون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وست وثلاثون دقيقة، وارتفاعها سبع وسبعون تحت ثماني عشرة درجة من السرطان خارجة من الإقليم الرابع داخلة في الإقليم الخامس، يقابلها مثلها من الجدي في قسمة النسر الطائر ولها شركة في الشعرى والغميصاء رأس الغول من قسمة سعد بلع، ووجدت في بعض تواريخ الفرس أن كيكاوس كان قد عمل عجلة وركّب عليها آلات ليصعد إلى السماء فسخر الله الريح حتى علت به إلى السحاب ثمّ ألقته فوقع في بحر جرجان، فلمّا قام كيخسرو بن سياوش بالملك حمل تلك العجلة وساقها ليقدم بها إلى بابل، فلمّا وصل إلى موضع الريّ قال الناس: بريّ آمد كيخسرو، واسم العجلة بالفارسيّة ريّ، وأمر بعمارة مدينة هناك فسميت الريّ بــذلك، قال العمراني: الرّي بلد بناه فيروز ابن يزدجرد وسمّاه رام فيروز، ثمّ ذكر الرّي المشهورة بعدها وجعلهما بلدتين، ولا أعرف الأخرى، فأمّا الرّي المشهورة فإنّي رأيتها، وهي مدينة عجيبة الحسن مبنية بالآجر المنمق المحكم الملمع بالزرقة
مدهون كما تدهن الغضائر في فضاء من الأرض، وإلى جانبها جبل مشرف عليها أقرع لا ينبت فيه شيء، وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها، واتفق أنّني اجتزت في خرابها في سنة 617 وأنا منهزم من التتر فرأيت حيطان خرابها قائمة ومنابرها باقية وتزاويق الحيطان بحالها لقرب عهدها بالخراب إلّا أنّها خاوية على عروشها، فسألت رجلا من عقلائها عن السبب في ذلك فقال: أمّا السبب فضعيف ولكن الله إذا أراد أمرا بلغه، كان أهل المدينة ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقل، وحنفية وهم الأكثر، وشيعة وهم السواد الأعظم، لأن أهل البلد كان نصفهم شيعة وأما أهل الرستاق فليس فيهم إلّا شيعة وقليل من الحنفيين ولم يكن فيهم من الشافعيّة أحد، فوقعت العصبيّة بين السنّة والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعيّة وتطاولت بينهم الحروب حتى لم يتركوا من الشيعة من يعرف، فلمّا أفنوهم وقعت العصبيّة بين الحنفية والشافعيّة ووقعت بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعيّة هذا مع قلّة عدد الشافعيّة إلّا أن الله نصرهم عليهم، وكان أهل الرستاق، وهم حنفية، يجيئون إلى البلد بالسلاح الشاك ويساعدون أهل نحلتهم فلم يغنهم ذلك شيئا حتى أفنوهم، فهذه المحالّ الخراب التي ترى هي محالّ الشيعة والحنفية، وبقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية وهي أصغر محالّ الرّيّ ولم يبق من الشيعة والحنفية إلّا من يخفي مذهبه، ووجدت دورهم كلها مبنية تحت الأرض ودروبهم التي يسلك بها إلى دورهم على غاية الظلمة وصعوبة المسلك، فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر بالغارات ولولا ذلك لما بقي فيها أحد، وقال الشاعر يهجو أهلها:
الرّيّ دار فارغه ... لها ظلال سابغة
على تيوس ما لهم ... في المكرمات بازغه
لا ينفق الشّعر بها ... ولو أتاها النّابغه
وقال إسماعيل الشاشي يذمّ أهل الرّيّ:
تنكّب حدّة الأحد ... ولا تركن إلى أحد
فما بالرّيّ من أحد ... يؤهل لاسم الأحد
وقد حكى الاصطخري أنّها كانت أكبر من أصبهان لأنّه قال: وليس بالجبال بعد الريّ أكبر من أصبهان، ثمّ قال: والرّيّ مدينة ليس بعد بغداد في المشرق أعمر منها وإن كانت نيسابور أكبر عوصة منها، وأمّا اشتباك البناء واليسار والخصب والعمارة فهي أعمر، وهي مدينة مقدارها فرسخ ونصف في مثله، والغالب على بنائها الخشب والطين، قال: وللرّيّ قرى كبار كلّ واحدة أكبر من مدينة، وعدّد منها قوهذ والسّدّ ومرجبى وغير ذلك من القرى التي بلغني أنها تخرج من أهلها ما يزيد على عشرة آلاف رجل، قال: ومن رساتيقها المشهورة قصران الداخل والخارج وبهزان والسن وبشاويه ودنباوند، وقال ابن الكلبي: سميت الريّ بريّ رجل من بني شيلان ابن أصبهان بن فلوج، قال: وكان في المدينة بستان فخرجت بنت ريّ يوما إليه فإذا هي بدرّاجة تأكل تينا، فقالت: بور انجير يعني أن الدّرّاجة تأكل تينا، فاسم المدينة في القديم بورانجير ويغيره أهل الرّيّ فيقولون بهورند، وقال لوط بن يحيى:
كتب عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، إلى عمار بن ياسر وهو عامله على الكوفة بعد شهرين من فتح
نهاوند يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الرّيّ ودستبى في ثمانية آلاف، ففعل وسار عروة لــذلك فجمعت له الديلم وأمدوا أهل الرّيّ وقاتلوه فأظهره الله عليهم فقتلهم واستباحهم، وذلك في سنة 20 وقيل في سنة 19، وقال أبو نجيد وكان مع المسلمين في هذه الوقائع:
دعانا إلى جرجان والرّيّ دونها ... سواد فأرضت من بها من عشائر
رضينا بريف الرّيّ والرّيّ بلدة ... لها زينة في عيشها المتواتر
لها نشز في كلّ آخر ليلة ... تذكّر أعراس الملوك الأكابر
قال جعفر بن محمد الرازي: لما قدم المهديّ الرّيّ في خلافة المنصور بنى مدينة الرّيّ التي بها الناس اليوم وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا، وجرى ذلك على يد عمار بن أبي الخصيب، وكتب اسمه على حائطها، وتمّ عملها سنة 158، وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين آجر، والفارقين: الخندق، وسمّاها المحمديّة، فأهل الرّيّ يدعون المدينة الداخلة المدينة ويسمون الفصيل المدينة الخارجة والحصن المعروف بالزينبدى في داخل المدينة المعروفة بالمحمدية، وقد كان المهدي أمر بمرمّته ونزله أيّام مقامه بالرّيّ، وهو مطلّ على المسجد الجامع ودار الإمارة، ويقال: الذي تولّى مرمّته وإصلاحه ميسرة التغلبي أحد وجوه قواد المهدي، ثمّ جعل بعد ذلك سجنا ثمّ خرب فعمره رافع بن هرثمة في سنة 278 ثمّ خرّبه أهل الرّيّ بعد خروج رافع عنها، قال:
وكانت الرّيّ تدعى في الجاهليّة أزارى فيقال إنّه خسف بها، وهي على اثني عشر فرسخا من موضع الرّيّ اليوم على طريق الخوار بين المحمدية وهاشمية الرّيّ، وفيها أبنية قائمة تدل على أنّها كانت مدينة عظيمة، وهناك أيضا خراب في رستاق من رساتيق الرّيّ يقال له البهزان، بينه وبين الرّيّ ستة فراسخ يقال إن الرّيّ كانت هناك، والناس يمضون إلى هناك فيجدون قطع الذهب وربّما وجدوا لؤلؤا وفصوص ياقوت وغير ذلك من هذا النوع، وبالرّيّ قلعة الفرّخان، تذكر في موضعها، ولم تزل قطيعة الرّيّ اثني عشر ألف ألف درهم حتى اجتاز بها المأمون عند منصرفه من خراسان يريد مدينة السلام فلقيه أهلها وشكوا إليه أمرهم وغلظ قطيعتهم فأسقط عنهم منها ألفي ألف درهم وأسجل بــذلك لأهلها، وحكى ابن الفقيه عن بعض العلماء قال: في التوراة مكتوب الرّيّ باب من أبواب الأرض وإليها متجر الخلق، وقال الأصمعي: الرّيّ عروس الدنيا وإليه متجر الناس، وهو أحد بلدان الأرض، وكان عبيد الله ابن زياد قد جعل لعمر بن سعد بن أبي وقاص ولاية الرّيّ إن خرج على الجيش الذي توجّه لقتال الحسين ابن عليّ، رضي الله عنه، فأقبل يميل بين الخروج وولاية الرّيّ والقعود، وقال:
أأترك ملك الرّيّ والرّيّ رغبة، ... أم ارجع مذموما بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها ... حجاب وملك الرّيّ قرّة عين
فغلبه حبّ الدنيا والرياسة حتى خرج فكان من قتل الحسين، رضي الله عنه، ما كان. وروي عن جعفر الصادق، رضي الله عنه، أنّه قال: الرّيّ وقزوين وساوة ملعونات مشؤومات، وقال إسحاق بن سليمان: ما رأيت بلدا أرفع للخسيس من الرّيّ،
وفي أخبارهم: الريّ ملعونة وتربتها تربة ملعونة ديلمية وهي على بحر عجاج تأبى أن تقبل الحق، والرّيّ سبعة عشر رستاقا منها دنباوند وويمة وشلمبة، حدث أبو عبد الله بن خالويه عن نفطويه قال: قال رجل من بني ضبّة وقال المدائني:
فرض لأعرابي من جديلة فضرب عليه البعث إلى الري وكانوا في حرب وحصار، فلمّا طال المقام واشتدّ الحصار قال الأعرابي: ما كان أغناني عن هذا! وأنشأ يقول:
لعمري لجوّ من جواء سويقة ... أسافله ميث وأعلاه أجرع
به العفر والظّلمان والعين ترتعي ... وأمّ رئال والظّليم الهجنّع
وأسفع ذو رمحين يضحي كأنّه ... إذا ما علا نشزا، حصان مبرقع
أحبّ إلينا أن نجاور أهلنا ... ويصبح منّا وهو مرأى ومسمع
من الجوسق الملعون بالرّيّ كلّما ... رأيت به داعي المنيّة يلمع
يقولون: صبرا واحتسب! قلت: طالما ... صبرت ولكن لا أرى الصبر ينفع
فليت عطائي كان قسّم بينهم ... وظلّت بي الوجناء بالدّوّ تضبع
كأنّ يديها حين جدّ نجاؤها ... يدا سابح في غمرة يتبوّع
أأجعل نفسي وزن علج كأنّما ... يموت به كلب إذا مات أجمع؟
والجوسق الملعون الذي ذكره ههنا هو قلعة الفرّخان، وحدث أبو المحلّم عوف بن المحلم الشيباني قال: كانت لي وفادة على عبد الله بن طاهر إلى خراسان فصادفته يريد المسير إلى الحجّ فعادلته في العماريّة من مرو إلى الريّ، فلمّا قاربنا الرّيّ سمع عبد الله بن طاهر ورشانا في بعض الأغصان يصيح، فأنشد عبد الله بن طاهر متمثلا بقول أبي كبير الهذلي:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر، ... وغصنك ميّاد، ففيم تنوح؟
أفق لا تنح من غير شيء، فإنّني ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح
ولوعا فشطّت غربة دار زينب، ... فها أنا أبكي والفؤاد جريح
ثمّ قال: يا عوف أجز هذا، فقلت في الحال:
أفي كلّ عام غربة ونزوح؟ ... أما للنّوى من ونية فنريح؟
لقد طلّح البين المشتّ ركائبي، ... فهل أرينّ البين وهو طليح؟
وأرّقني بالرّيّ نوح حمامة، ... فنحت وذو الشجو القديم ينوح
على أنّها ناحت ولم تذر دمعة، ... ونحت وأسراب الدّموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما، ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فتضحي عصا الأسفار وهي طريح
فإنّ الغنى يدني الفتى من صديقه، ... وعدم الغنى بالمقترين نزوح
فأخرج رأسه من العمارية وقال: يا سائق ألق زمام البعير، فألقاه فوقف ووقف الخارج ثمّ دعا بصاحب
بيت ماله فقال: كم يضمّ ملكنا في هذا الوقت؟
فقال: ستين ألف دينار، فقال: ادفعها إلى عوف، ثمّ قال: يا عوف لقد ألقيت عصا تطوافك فارجع من حيث جئت، قال: فأقبل خاصة عبد الله عليه يلومونه ويقولون أتجيز أيّها الأمير شاعرا في مثل هذا الموضع المنقطع بستين ألف دينار ولم تملك سواها! قال: إليكم عني فإنّي قد استحييت من الكرم أن يسير بي جملي وعوف يقول: عسى جود عبد الله، وفي ملكي شيء لا ينفرد به، ورجع عوف إلى وطنه فسئل عن حاله فقال: رجعت من عند عبد الله بالغنى والراحة من النوى، وقال معن بن زائدة الشيباني:
تمطّى بنيسابور ليلي وربّما ... يرى بجنوب الرّيّ وهو قصير
ليالي إذ كلّ الأحبّة حاضر، ... وما كحضور من تحب سرور
فأصبحت أمّا من أحبّ فنازح ... وأمّا الألى أقليهم فحضور
أراعي نجوم اللّيل حتى كأنّني ... بأيدي عداة سائرين أسير
لعلّ الذي لا يجمع الشمل غيره ... يدير رحى جمع الهوى فتدور
فتسكن أشجان ونلقى أحبّة، ... ويورق غصن للشّباب نضير
ومن أعيان من ينسب إليها أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم صاحب الكتب المصنفة، مات بالرّيّ بعد منصرفه من بغداد في سنة 311، عن ابن شيراز، ومحمد بن عمر بن هشام أبو بكر الرازي الحافظ المعروف بالقماطري، سمع وروى وجمع، قال أبو بكر الإسماعيلي: حدّثني أبو بكر محمد بن عمير الرازي الحافظ الصدوق بجرجان، وربّما قال الثقة المأمون، سكن مرو ومات بها في سنة نيف وتسعين ومائتين، وعبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد ابن أبي حاتم الرازي أحد الحفّاظ، صنف الجرح والتعديل فأكثر فائدته، رحل في طلب العلم والحديث فسمع بالعراق ومصر ودمشق، فسمع من يونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم والربيع بن سليمان والحسن بن عرفة وأبيه أبي حاتم وأبي زرعة الرازي وعبد الله وصالح ابني أحمد بن حنبل وخلق سواهم، وروى عنه جماعة أخرى كثيرة، وعن أبي عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا أحمد محمد بن محمد ابن أحمد بن إسحاق الحاكم الحافظ يقول: كنت بالرّيّ فرأيتهم يوما يقرؤون على محمد بن أبي حاتم كتاب الجرح والتعديل، فلمّا فرغوا قلت لابن عبدويه الورّاق: ما هذه الضحكة؟ أراكم تقرؤون كتاب التاريخ لمحمد بن إسماعيل البخاري عن شيخكم على هذا الوجه وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم! فقال: يا أبا محمد اعلم أن أبا زرعة وأبا حاتم لما حمل إليهما هذا الكتاب قالا هذا علم حسن لا يستغنى عنه ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا، فأقعدا أبا محمد عبد الرحمن الرازي حتى سألهما عن رجل معه رجل وزادا فيه ونقصا منه، ونسبه عبد الرحمن الرازي، وقال أحمد بن يعقوب الرازي: سمعت عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي يقول: كنت مع أبي في الشام في الرحلة فدخلنا مدينة فرأيت رجلا واقفا على الطريق يلعب بحيّة ويقول: من يهب لي درهما حتى أبلع هذه الحيّة؟ فالتفت إليّ أبي وقال: يا بني احفظ دراهمك فمن أجلها تبلع الحيّات! وقال أبو يعلى الخليل بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ القزويني: أخذ عبد الرحمن بن أبي حاتم علم أبيه وعلم أبي زرعة وصنّف
منه التصانيف المشهورة في الفقه والتواريخ واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان من الأبدال ولد سنة 240، ومات سنة 327، وقد ذكرته في حنظلة وذكرت من خبره هناك زيادة عمّا ههنا، وإسماعيل بن عليّ بن الحسين بن محمد بن زنجويه أبو سعد الرازي المعروف بالسمّان الحافظ، كان من المكثرين الجوّالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ، سمع ببغداد أبا طاهر المخلص ومحمد بن بكران بن عمران، روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو علي الحداد الأصبهاني وغيرهما، مات في الرابع والعشرين من شعبان سنة 445، وكان معتزليّا، وصنف كتبا كثيرة ولم يتأهّل قط، وكان فيه دين وورع، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازي والد تمام بن محمد الرازي الحافظان ويعرف في الرّيّ بأبي الرستاقي، سمع ببلده وغيره وأقام بدمشق وصنف، وكان حافظا ثقة مكثرا، مات سنة 347، وابنه تمام بن محمد الحافظ، ولد بدمشق وسمع بها من أبيه ومن خلق كثير وروى عنه خلق، وقال أبو محمد بن الأكفاني: أنبأنا عبد العزيز الكناني قال: توفي شيخنا وأستاذنا تمام الرازي لثلاث خلون من المحرم سنة 414، وكان ثقة مأمونا حافظا لم أر أحفظ منه لحديث الشاميّين، ذكر أن مولده سنة 303، وقال أبو بكر الحداد: ما لقينا مثله في الحفظ والخبر، وقال أبو علي الأهوازي:
كان عالما بالحديث ومعرفة الرجال ما رأيت مثله في معناه، وأبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم ابن الحكم بن عبد الله الحافظ الرازي، قال الحافظ أبو القاسم: قدم دمشق سنة 347 فسمع بها أبا الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرازي والد تمام، وبنيسابور أبا حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال وأبا الحسن علي بن أحمد الفارسي ببلخ وأبا عبد الله بن مخلد ببغداد وأبا الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني بمصر وعمر بن إبراهيم بن الحدّاد بتنّيس وأبا عبد الله المحاملي وأبا العباس الأصمّ، وحدث بدمشق في تلك السنة فروى عنه تمام وعبد الرحمن بن عمر بن نصر والقاضيان أبو عبد الله الحسين بن محمد الفلّاكي الزّنجاني وأبو القاسم التنوخي وأبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد الجارودي الحافظ وحمزة بن يوسف الخرقاني وأبو محمد إبراهيم بن محمد بن عبد الله الزنجاني الهمداني وعبد الغني بن سعيد والحاكم أبو عبد الله وأبو العلاء عمر بن علي الواسطي وأبو زرعة روح بن محمد الرازي ورضوان بن محمد الدّينوري، وفقد بطريق مكّة سنة 375، وكان أهل الريّ أهل سنّة وجماعة إلى أن تغلب أحمد بن الحسن المارداني عليها فأظهر التشيع وأكرم أهله وقرّبهم فتقرّب إليه الناس بتصنيف الكتب في ذلك فصنف له عبد الرحمن بن أبي حاتم كتابا في فضائل أهل البيت وغيره، وكان ذلك في أيّام المعتمد وتغلبه عليها في سنة 275، وكان قبل ذلك في خدمة كوتكين ابن ساتكين التركي، وتغلب على الرّيّ وأظهر التشيع بها واستمرّ إلى الآن، وكان أحمد بن هارون قد عصى على أحمد بن إسماعيل الساماني بعد أن كان من أعيان قواده وهو الذي قتل محمد بن زيد الراعي فتبعه أحمد بن إسماعيل إلى قزوين فدخل أحمد بن هارون بلاد الديلم وأيس منه أحمد بن إسماعيل فرجع فنزل بظاهر الري ولم يدخلها، فخرج إليه أهلها وسألوه أن يتولّى عليهم ويكاتب الخليفة في ذلك ويخطب ولاية الرّيّ، فامتنع وقال: لا أريدها لأنّها
مشؤومة قتل بسببها الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وتربتها ديلمية تأبى قبول الحقّ وطالعها العقرب، وارتحل عائدا إلى خراسان في ذي الحجة سنة 289، ثمّ جاء عهده بولاية الرّيّ من المكتفي وهو بخراسان، فاستعمل على الرّيّ من قبله ابن أخيه أبا صالح منصور بن إسحاق بن أحمد بن أسد فوليها ستّ سنين، وهو الذي صنف له أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم كتاب المنصوري في الطبّ، وهو الكنّاشة، وكان قدوم منصور إليها في سنة 290، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.

علم الظاهر والباطن

علم الظاهر والباطن
أما الظاهر فهو علم الشرع وقد تقدم.
وأما الباطن فيقال له: علم الطريقة وعلم التصوف وعلم السلوك وعلم الأسرار وقد تقدم أيضا ولا حاجة لنا إلى الإعادة ولكن نتحفك هنا بفائدة جديدة وعائدة سديدة اشتملت على حكم هذا العلم.
قال شيخنا الإمام العلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني رضي الله عنه وأرضاه في الفتح الرباني ولفظه: اعلم أن معنى التصوف المحمود يعني: علم الباطن هو الزهد في الدنيا حتى يستوي عنده ذهبها وترابها.
ثم الزهد فيما يصدر عن الناس من المدح والذم حتى يستوي عنده مدحهم وذمهم.
ثم الاشتغال بذكر الله وبالعبادة المقربة إليه فمن كان هكذا فهو الصوفي حقا وعند ذاك يكون من أطباء القلوب فيداويها بما يمحو عنها الطواغيت الباطنية من الكبر والحسد والعجب والرياء وأمثال هذه الغرائز الشيطانية التي هي أخطر المعاصي أقبح الذنوب ثم يفتح الله له أبوابا كان عنها محجوبا كغيره لكنه لما أماط عن ظاهره وباطنه في غشاوة صار حينئذ صافيا عن شوب الكدر مطهرا عن دنس الذنوب فيبصر ويسمع ويفهم بحواس لا يحجبها عن حقائق الحق حاجب ولا يحول بينها وبين درك الصواب حائل ويدل على ذلك أتم دلالة وأعظم برهان ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزته بالمحاربة" وفي رواية: "فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه".
ومعلوم أن من كان يبصر بالله سبحانه ويسمع به ويبطش به ويمشي به له حال يخالف حال من لم يكن كــذلك لأنها تنكشف له الأمور كما هي وهذا هو سبب ما يحكى عنهم من المكاشفة لأنه قد ارتفع عنهم حجب الذنوب وذهب عنهم أدران المعاصي وغيرهم من لا يبصر ولا يسمعه به ولا يبطش به ولا يمشي به لا يدرك من ذلك شيئا بل هو محجوب عن الحقائق غير مهتد إلى مستقيم الطريق كما قال الشاعر:
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ... سواها وما طهرتها بالمدامع
وتلتذ منها بالحديث وقد جرى ... حديث سواها في خروق المسامع
أجلك يا ليلى عن العين إنما ... أراك بقلب خاشع لك خاضع
وأما من صفا عن الكدر وسمع وأبصر فهو كما قال الآخر:
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه ... من المسك كافورا وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هندا عشية ... تمشت وجوت في جوانبه بردا
ومما يدل على هذا المعنى الذي أفاده حديث أبي هريرة حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله" وهو حديث صححه الترمذي فإنه أفاد أن المؤمنين من عباد الله يبصرون بنور الله سبحانه وهو معنى ما في الحديث الأول من قوله صلى الله عليه وسلم: "فبي يبصر".
فما وقع من هؤلاء القوم الصالحين من المكاشفات هو من هذه الحيثية الواردة في الشريعة المطهرة وقد ثبت أيضا في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر بن الخطاب ففي هذا الحديث فتح باب المكاشفة لصالحي عباد الله وأن ذلك من الله سبحانه فيحدثون بالوقائع بنور الإيمان الذي هو من نور الله سبحانه فيعرفونها كما هي حتى كان محدثا يحدثهم بها ويخبرهم بمضمونها.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقع له من ذلك الكثير الطيب في وقائع معروفة منقولة في دواوين الإسلام ونزل بتصديق ما تكلم به القرآن1 الكريم فمن كان من صالحي العباد متصفا بهذه الصفات متسما بهذه السمات فهو رجل العالم فرد الدهر وزين العصر والاتصال به مما تلين به القلوب وتخشع له الأفئدة وتنجذب بالاتصال به العقول الصحيحة إلى مراضي الرب سبحانه وكلماته هي الترياق المجرب وإشاراته هي طب القلوب القاسية وتعليماته كيمياء السعادة وإرشاداته هي الموصلة إلى الخير الأكبر والكرمات الدائمة التي لا نفاذ لها ولا انقطاع ولم تصف البصائر ولا صلحت السرائر بمثل الاتصال بهؤلاء القوم الذين هم خيرة الخيرة وأشرف الذخيرة فيا لله قوم لهم السلطان الأكبر على قلوب هذا العالم يجذبونها إلى طاعات الله سبحانه والإخلاص له والاتكال عليه والقرب منه والبعد عما يشغل عنه ويقطع عن الوصول إليه وقل أن يتصل بهم ويختلط بخيارهم إلا من سبقت له السعادة وجذبته العناية الربانية إليهم لأنهم يخفون أنفسهم ويطهرون في مظاهر الخمول ومن عرفهم لم يدل عليهم إلا من أذن الله له ولسان حاله يقول كما قال الشاعر:
وكم سائل عن سر ليلى كتمته ... بعمياي عن ليلى بعين يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها ... وما أنا إن خبرتهم بأمين
فيا طالب الخير إذا ظفرت يدك بواحد من هؤلاء الذين هم صفوة الصفوة وخيرة الخيرة فاشددها عليه واجعله مؤثرا على الأهل والمال والقريب والحبيب والوطن والسكن فإنا إن وزنا هؤلاء بميزان الشرع واعتبرناهم بمعيار الدين وجدناهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقلنا لمعاديهم أو للقادح في علي مقامهم أنت ممن قال فيه الرب سبحانه كما حكاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وقد آذنته بالحرب" لأنه لا عيب لهم إلا انهم أطاعوا الله كما يحب وآمنوا به كما يحب ورفضوا الدنيا الدنية وأقبلوا على الله عز وجل في سرهم وجهرهم وظاهرهم وباطنهم وإذا فرضنا أن في المدعين للتصوف والسلوك من لم يكن بهذه الصفات وعلى هذا الهدى القويم فإن بدا منه ما يخالف هذه الشريعة المطهرة وينافي منهجها الذي هو الكتاب والسنة فليس من هؤلاء والواجب علينا رد بدعته عليه والضرب بها في وجهه كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وكل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد" وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل بدعة ضلالة" ومن أنكر علينا ذلك قلنا له وزنا هذا بميزان الشرع فوجدناه مخالفا له ورددنا أمره إلى الكتاب والسنة فوجدناه مخالفا لهما وليس المدين إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والخارج عنهما المخالف لهما ضال مضل ولا يقدح على هؤلاء الأولياء وجود من هو هكذا فإنه ليس معدودا منهم ولا سالكا طريقتهم ولا مهديا بهديهم فاعرف هذا فإن القدح في قوم بمجرد فرد أو أفراد منسوبين إليهم نسبة غير مطابقة للواقع لا تقع إلا ممن لا يعرف الشرع ولا يهتدي بهديه ولا يبصر بنوره.
وبالجملة فمن أراد أن يعرف أولياء هذه الأمة وصالحي المؤمنين المتفضل عليهم بالفضل الذي لا يعد له فضل والخير الذي لا يساويه خير فليطالع الحلية لأبي نعيم وصفوة الصفوة لابن الجوزي فإنهما تحريا ما صح وأودعا كتأبيهما من مناقب الأولياء المروية بالأسانيد الصحيحة ما يجذب بعضه بطبع من يقف عليه إلى طريقتهم والاقتداء بهم وأقل الأحوال أن يعرف مقادير أولياء الله وصالحي عباده ويعلم أنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنت مع من أحببت" فمحبة الصالحين قربة لا تهمل وطاعة لا تضيع وإن لم يعمل كعملهم ولا جهد نفسه كجهدهم انتهى حاصله.
وأما ما يحدث من أولياء الله سبحانه وتعالى من الكرامات الظاهرة التي لا شك فيها ولا شبهة فهو حق صحيح لا يمتري فيه من له أدنى معرفة بأحوال صالحي عباد الله المخصوصين بالكرامات التي أكرمهم بها وتفضل بها عليهم ومن شك في شيء من ذلك نظر في كتب الثقات المدونة في هذا الشأن كحلية الأولياء للشرجي وكتاب روض الرياحين لليافعي وسائر الكتب المصنفة في تاريخ العالم فإن كلها مشتملة على تراجم كثير منهم ويغني عن ذلك كله ما قصه الله إلينا في كتابه العزيز عن صالحي عباده الذين لم يكونوا أنبياء كقصة ذي القرنين وما تهيأ له مما تعجز عنه الطباع البشرية وقصة مريم كما حكاه الله تعالى.
ومن ذلك قصة أصحاب كهف فقد قص الله علينا فيها أعظم كرامة وقصة آصف من برخيا حيث حكى عنه قوله: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} وغير ذلك مما حكاه عن غير هؤلاء والجميع ليسوا بأنبياء وثبت في الأحاديث الثابتة في الصحيح مثل حديث الثلاثة الذي انطبقت عليهم الصخرة وحديث جريج الراهب الذي كلمه الطفل وحديث المرأة التي قالت سائلة الله عز وجل أن يجعل الطفل الذي ترضعه مثل الفارس فأجاب الطفل بما أجاب وحديث البقرة التي كلمت من أراد أن يحمل عليها وقالت إني لم أخلق لهذا.
ومن ذلك وجود القطف من العنب عند خبيب الذي أسرته الكفار.
وحديث أن أسيد بن حضير وعبادة بن بشر خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصاحبين وحديث رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره.
وحديث لقد كان فيمن قبلكم محدثون.
وحديث إن في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر.
ومن ذلك كون سعد بن أبى وقاص مجاب الدعوة وهذه الأحاديث كلها ثابتة في الصحيح وورد لكثير من الصحابة رضي الله عنهم كرامات قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير.
ومن ذلك الأحاديث الواردة في فضلهم والثناء عليهم كما ثبت في الصحيح أنه قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول الله؟ قال: "مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله" قال: ثم من؟ قال: "ثم رجل معتزل في شعب من شعاب يعبد ربه".
وحديث "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وهذه الأحاديث كلها في الصحيح وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. 

التقديم والتأخير

التقديم والتأخير
إذا كانت الواو لمطلق الجمع، ولا تقتضى ترتيبا، ولا تعقيبا، فليس معنى ذلك أن الآية القرآنية، تجمع بها معطوفات على غير ترتيب ولا نظام، وإذا كان من الجائز أن يتقدم بعض أجزاء الجملة على بعض، فقد حرصت الجملة في القرآن، على أن يكون هذا التقديم، مشيرا إلى مغزى، دالا على هدف، حتى تصبح الآية بتكوينها، تابعة لمنهج نفسى، يتقدم عندها فيها ما تجد النفس تقديمه أفضل من التأخير، فيتقدم مثلا بعض أجزاء الجملة حين يكون المحور الذى يدور عليه الحديث وحده، فيكون هو المقصود والمعنى، والنفس يتقدم عندها من يكون هذا شأنه، فلا جرم أن يتقدم في الجملة، كما تقدم في النفس، ويدعو البلاغيون هذا التقديم بالاختصاص، ومن أمثلته قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة 5). فالله هنا وحده أهل العبادة، ومنه وحده نستمد المعونة، وقوله: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (الحاقة 30 - 32). أولا ترى أن الجحيم وهذه السلسلة، لن يفلت منهما أبدا هذا العاصى الأثيم، وقوله تعالى: اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا فتقديم شاخصة على أبصار، يصورها لك كأن كل صفة أخرى لها قد انمحت، ولم يبق لها سوى الانفتاح الذى يؤذن بالخوف، والذهول معا. ولــذلك كان نفى الغول مقصورا على خمر الآخرة، دون خمر هذه الحياة الدنيا، دل على ذلك قوله تعالى: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (الصافات 45 - 47). وكان الإنكار منصبا على عبادة غير الله في قوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (الزمر 64). قال عبد القاهر «ومن أجل ذلك قدم غَيْرَ فى قوله تعالى: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ (الأنعام 40). وكان له من الحسن والمزية والفخامة ما تعلم أنه لا يكون لو أخر فقيل: قل أأتخذ غير الله وليّا، وأ تدعون غير الله، وذلك لأنه قد حصل بالتقديم معنى قولك أيكون غير الله بمثابة أن يتخذ وليّا، وأ يرضى عاقل من نفسه أن يفعل ذلك، أو يكون جهل أجهل، وعمى أعمى من ذلك؟! ولا يكون شىء من ذلك إذا قيل: أأتخذ غير الله وليّا، وذلك لأنه حينئذ يتناول الفعل أن يكون فقط، ولا يزيد على ذلك فاعرفه. وكــذلك الحكم في قوله تعالى: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ (القمر 24). وذلك لأنهم بنوا كفرهم على أن من كان مثلهم بشرا، لم يكن بمثابة أن يتبع ويطاع، وينتهى إلى أن يأمر ويصدق أنه مبعوث من الله تعالى، وأنهم مأمورون بطاعته».
وقلّ في القرآن أن يأتى التقديم للاحتفاظ بالموسيقى في الآية القرآنية، ولزيادة التناسق اللفظى فحسب، ومن ذلك قوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (طه 67، 68). فالتقديم والتأخير لهذه الصياغة التى يعنى بها القرآن، وهى إحدى وسائل تأثيره في النفس، وأصل الجملة «فأوجس موسى في نفسه خيفة» وإذا أنت قرنت هذا التعبير بالآية السابقة واللاحقة، وجدت خروجا على النسق، ونفرة لا تلتئم. وللمحافظة على هذه الموسيقى كــذلك ورد قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (الضحى 9، 10)، وعد ابن الأثير منها قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ
(يس 37 - 39). قال : فقوله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ، ليس تقديم المفعول به على الفعل من باب الاختصاص، وإنما هو من باب مراعاة نظم الكلام، فإنه قال: اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ، ثم قال: وَالشَّمْسُ تَجْرِي، فاقتضى حسن النظم أن يقول: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ، ليكون الجميع على نسق واحد في النظم أى أن تبدأ الجمل كلها بالأسماء المتناسبة.
وبتقديم بعض المعطوفات والصفات على بعض، كما يتقدم السبب على المسبب، فى قوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة 5). فتقديمهم العبادة على الاستعانة، تقديم للوسيلة، قبل طلب الحاجة، وذلك أنجح في توقع حصولها، وقوله سبحانه: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (الفرقان 48، 49). فتقدم ذكر البلدة الميتة؛ لأن في حياتها حياة الأنعام، فمن نباتها تأكل وتنمو، وتقدم الأنعام على الأناس، لأن في حياة تلك حياة هؤلاء؛ ولهذا قدمت التوبة، على الطهارة، فى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة 222). وقدم الإفك على الإثم في قوله سبحانه: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (الجاثية 7). والاعتداء عليه، فى قوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (القلم 10 - 12). ويرد الحكيم بعد العليم، فى معظم الآيات التى ورد فيها الوصفان، فإن ورد الوصف بالحكمة أولا كان ذلك لاتجاهات أخرى، اقتضاها سياق الآية.
وتتقدم الكلمة لتقدمها في الزمن، أو العمل، كما في الآيات التى ورد فيها ذكر الأنبياء وكتبهم، فإن بعضهم يتقدم على بعض، يسبق زمنه، كقوله تعالى:
وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ (آل عمران 3، 4). وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (الحج 77). وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (المائدة 6).
وللترقى من العدد القليل إلى الكثير، كما في قوله سبحانه: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (النساء 3). وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (المجادلة 7). وأما قوله سبحانه: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (سبأ 46). فقد سيقت في مقام دعوتهم إلى التفكير في شأن محمد ورسالته، وربما كان اجتماعهم مثنى، أسرع في وصولهم إلى الحق، فقد تعترض أحدهم شبهة، فيبددها صاحبه، ولهذا قدم مثنى على فرادى.
ولتقديم الكثير على ما دونه، ولهذا قدم السارق على السارقة في قوله تعالى:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (المائدة 38). لأن السرقة في الذكور أكثر. والأزواج على الأولاد، فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التغابن 14)؛ لأن العداوة في الأزواج أكثر منها في الأولاد.
وقدمت الأموال على الأولاد، فى قوله سبحانه: إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التغابن 15). لأن الأموال أكثر فتنة من الأولاد، كما قدمت في الآية الكريمة: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا (الكهف 46). ولكنه عند ذكر الشهوات، قدم النساء والبنين عليها، فقال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (آل عمران 14).
ولشرف المقدم وعلو رتبته، ولهذا قدم اسمه تعالى في قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء 59). وقوله تعالى:
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً (المؤمنون 50). أما قوله تعالى: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء 91). فلأن الكلام السابق كان حديثا عنها.
ولأنه أدل على القدرة، كما في قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ (النور 45). ومما يحتاج إلى تدبر لإدراك سر تقدمه قوله سبحانه: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ (البقرة 255). فقد يبدو أن نفى النوم بعد السنة لا محل له، فنفى السنة يدل من باب أولى على نفى النوم، ولكن نسق الآية يريد أن ينفى الشبه بين الله والإنسان، فهو قيوم، مدبر لشئون السموات والأرض، لا يدركه ما يدرك الناس، من سنة، يعقبها نوم، فيترك شئون العالم، ولا يديرها، فالترتيب هنا ترتيب زمنى، لا ترتيب يتجه إلى نفى الأدنى فالأكثر. وتقدم ضمير المخاطبين على الضمير العائد على الأولاد في قوله سبحانه:
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (الأنعام 151). وفي موضع آخر، تقدّم الضمير العائد على الأولاد، وتأخر ضمير المخاطبين في قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ (الإسراء 31). ولعل السّر في ذلك أنه في الآية الأولى يخاطب آباء مملقين، بدليل قوله من إملاق، فكان من البلاغة أن يسرع فيعد هؤلاء الآباء بما يغنيهم من الرّزق، وأن يكمل ذلك بعدتهم برزق أبنائهم، حتى تسكن نفوسهم، ولا يجد القلق سبيلا إليها. أما في الآية الثانية فالخطاب للأغنياء، بدليل قوله خشية
إملاق، فإنه لا يخشى الفقر إلا من كان غنيّا، إذ الفقير منغمس في الفقر، فكان من البلاغة أن يقدم وعد الأبناء بالرزق، حتى يسرع بإزالة ما يتوهمون من أنهم بإنفاقهم على أبنائهم، صائرون إلى الفقر بعد الغنى، ثم مضى يكمل طمأنينتهم فوعدهم بالرزق بعد عدة أبنائهم به.
وهكذا نرى القرآن الكريم، لا ينهج في ترتيب كلماته سوى هذا المنهج الفنّى الذى يقدم ما يقدم، لمعنى نفهمه وراء رصف الألفاظ، وحكمة ندركها من هذا النسج المحكم المتين.

طَبَرِستانُ

طَبَرِستانُ:
بفتح أوله وثانيه، وكسر الراء، قد ذكرنا معنى الطبر قبله، واستان: الموضع أو الناحية، كأنه يقول: ناحية الطبر، وسنذكر سبب تسمية هذا الموضع بــذلك، والنسبة إلى هذا الموضع الطّبري، قال البحتري:
وأقيمت به القيامة في ق ... مّ على خالع وعات عنيد
وثنى معلما إلى طبرستا ... ن بخيل يرحن تحت اللّبود
وهي بلدان واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم، خرج من نواحيها من لا يحصى كثرة من أهل العلم والأدب والفقه، والغالب على هذه النواحي الجبال، فمن أعيان بلدانها دهستان وجرجان واستراباذ وآمل، وهي قصبتها، وسارية، وهي مثلها، وشالوس، وهي مقاربة لها، وربما عدّت جرجان من خراسان إلى غير ذلك من البلدان، وطبرستان في البلاد المعروفة بمازندران، ولا أدري متى سميت بمازندران فانه اسم لم نجده في الكتب القديمة وإنما يسمع من أفواه أهل تلك البلاد ولا شكّ أنهما واحد، وهذه البلاد مجاورة لجيلان وديلمان، وهي بين الرّي وقومس والبحر وبلاد الديلم والجيل، رأيت أطرافها وعاينت جبالها، وهي كثيرة المياه متهدّلة الأشجار كثيرة الفواكه إلا أنها مخيفة وخمة قليلة الارتفاع كثيرة الاختلاف والنّزاع، وأنا أذكر ما قال العلماء في هذا القطر وأذكر فتوحه واشتقاقه ولا بدّ من احتمالك لفصل فيه تطويل بالفائدة الباردة، فهذا من عندنا مما استفدناه بالمشاهدة والمشافهة، وخذ الآن ما قالوه في كتبهم: زعم أهل العلم بهذا الشأن أن الطّيلسان والطالقان وخراسان ما عدا خوارزم من ولد اشبق بن إبراهيم الخليل والديلم بنو كماشج بن يافث بن نوح، عليه السلام، وأكثرهم سميت جبالهم بأسمائهم إلا الإيلام قبيل من الديلم فإنهم ولد باسل بن ضبّة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، كما نذكره إن شاء الله في كتاب النسب، وموقان وجبالها وهم أهل طبرستان من ولد كماشج بن يافث بن نوح، عليه السّلام، وفيما روى ثقات الفرس قالوا: اجتمع في جيوش بعض الأكاسرة خلق كثير من الجناة وجب عليهم القتل فتحرّج منه وشاور وزراءه وسألهم عن عدّتهم فأخبروه بخلق كثير فقال: اطلبوا لي موضعا أحبسهم فيه، فساروا إلى بلاده يطلبون موضعا خاليا حتى وقعوا بجبال طبرستان فأخبروه بــذلك فأمر بحملهم إليه وحبسهم فيه، وهو يومئذ جبل لا ساكن فيه، ثم سأل عنهم بعد حول فأرسلوا من يخبر بخبرهم فأشرفوا عليهم فإذا هم أحياء لكن بالسوء، فقيل لهم: ما تشتهون؟ وكان الجبل أشبا كثير الأشجار، فقالوا: طبرها طبرها، والهاء فيه بمعنى الجمع في جميع كلام الفرس، يعنون نريد أطبارا نقطع بها
الشجر ونتخذها بيوتا، فلما أخبر كسرى بــذلك أمر أن يعطوا ما طلبوا فحمل إليهم ذلك، ثم أمهلهم حولا آخر وأنفذ من يتفقدهم فوجدهم قد اتخذوا بيوتا فقال لهم: ما تريدون؟ فقالوا: زنان زنان، أي نريد نساء، فأخبر الملك بــذلك فأمر بحمل من في حبوسه من النساء أن يحملن إليهم، فحملن فتناسلوا فسميت طبرزنان أي الفؤوس والنساء ثم عرّبت فقيل طبرستان، فهذا قولهم، والذي يظهر لي وهو الحقّ ويعضده ما شاهدناه منهم أن أهل تلك الجبال كثير والحروب وأكثر أسلحتهم بل كلها الأطبار حتى إنك قلّ أن ترى صعلوكا أو غنيّا إلا وبيده الطّبر صغيرهم وكبيرهم، فكأنها لكثرتها فيهم سميت بــذلك، ومعنى طبرستان من غير تعريب موضع الأطبار، والله أعلم، وقال أبو العلاء السروي يصف طبرستان فيما كتبنا عن أبي منصور النيسابوري:
إذا الريح فيها جرّت الريح أعجلت ... فواختها في الغصن أن تترنّما
فكم طيّرت في الجوّ وردا مدنّرا ... تقلّبه فيه ووردا مدرهما
وأشجار تفّاح كأنّ ثمارها ... عوارض أبكار يضاحكن مغرما
فإن عقدتها الشمس فيها حسبتها ... خدودا على القضبان فذّا وتوأما
ترى خطباء الطير فوق غصونها ... تبثّ على العشّاق وجدا معتّما
وقد كان في القديم أول طبرستان آمل ثم مامطير، وبينها وبين آمل ستة فراسخ، ثم ويمة، وهي من مامطير على ستة فراسخ، ثم سارية ثم طميس، وهي من سارية على ستة عشر فرسخا، هذا آخر حدّ طبرستان وجرجان، ومن ناحية الديم على خمسة فراسخ من آمل مدينة يقال لها ناتل ثم شالوس، وهي ثغر الجبل، هذه مدن السهل، وأما مدن الجبل فمنها مدينة يقال لها الكلار ثم تليها مدينة صغيرة يقال لها سعيدآباذ ثم الرويان، وهي أكبر مدن الجبل، ثم في الجبل من ناحية حدود خراسان مدينة يقال لها تمار وشرّز ودهستان، فإذا جزت الأرز وقعت في جبال ونداد هرمز، فإذا جزت هذه الجبال وقعت في جبال شروين، وهي مملكة ابن قارن، ثم الديلم وجيلان، وقال البلاذري: كور طبرستان ثمان: كورة سارية وبها منزل العامل وإنما صارت منزل العامل في أيام الطاهرية وقبل ذلك كان منزل العامل بآمل، وجعلها أيضا الحسن بن زيد ومحمد بن زيد دار مقامهما، ومن رساتيق آمل أرم خاست الأعلى وأرم خاست الأسفل والمهروان والأصبهبذ ونامية وطميس، وبين سارية وسلينة على طريق الجبال ثلاثون فرسخا، وبين سارية والمهروان عشرة فراسخ، وبين سارية والبحر ثلاثة فراسخ، وبين جيلان والرويان اثنا عشر فرسخا، وبين آمل وشالوس وهي إلى ناحية الجبال عشرون فرسخا، وطول طبرستان من جرجان إلى الرويان ستة وثلاثون فرسخا، وعرضها عشرون فرسخا، في يد الشكري من ذلك ستة وثلاثون فرسخا في عرض أربعة فراسخ والباقي في أيدي الحروب من الجبال والسفوح، وهو طول ستة وثلاثين فرسخا في عرض ستة عشر فرسخا والعرض من الجبل إلى البحر.

ذكر فتوح طبرستان
وكانت بلاد طبرستان في الحصانة والمنعة على ما هو مشهور من أمرها، وكانت ملوك الفرس يولّونها
رجلا ويسمونه الأصبهبذ فإذا عقدوا له عليها لم يعزلوه عنها حتى يموت فإذا مات أقاموا مكانه ولده إن كان له ولد وإلّا وجّهوا بأصبهبذ آخر، فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وفتحت المدن المتّصلة بطبرستان، وكان صاحب طبرستان يصالح على الشيء اليسير فيقبل منه لصعوبة المسلك، فلم يزل الأمر على ذلك حتى ولّى عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، سعيد ابن العاصي الكوفة سنة 29 وولى عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس البصرة فكتب إليهما مرزبان طوس يدعوهما إلى خراسان على أن يملكه عليها من غلب، وخرجا جميعا يريدانها فسبق ابن عامر فغزا سعيد بن العاصي طبرستان ومعه في غزاته فيما يقال الحسن والحسين، رضي الله عنهما، وقيل:
إن سعيدا غزاها من غير أن يأتيه كتاب أحد بل سار إليها من الكوفة ففتح طميس أو طميسة، وهي قرية، وصالح ملك جرجان على مائتي ألف درهم بغليّة وافية فكان يؤدّيها الى المسلمين، وافتتح أيضا من طبرستان الرويان ودنباوند وأعطاه أهل الجبال مالا، فلما ولي معاوية ولّى مصقلة بن هبيرة أحد بني ثعلبة بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة فسار إليها ومعه عشرون ألف رجل فأوغل في البلد يسبي ويقتل فلما تجاوز المضايق والعقاب أخذها عليه وعلى جيشه العدوّ عند انصرافه للخروج ودهدهوا عليه الحجارة والصخور من الجبال فهلك أكثر ذلك الجيش وهلك مصقلة فضرب الناس به مثلا فقالوا: لا يكون هذا حتى يرجع مصقلة من طبرستان، فكان المسلمون بعد ذلك إذا غزوا هذه البلاد تحفّظوا وتحذّروا من التوغّل فيها، حتى ولي يزيد بن المهلّب خراسان في أيام سليمان بن عبد الملك وسار حتى أناخ على طبرستان فاستجاش الأصبهبذ الديلم فأنجدوه وقاتله يزيد أياما ثم صالحه على أربعة آلاف ألف درهم وسبعمائة ألف درهم مثاقيل في كل عام وأربعمائة وقر زعفران وأن يوجّهوا في كل عام أربعمائة رجل على رأس كل رجل ترس وجام فضة ونمرقة حرير، وفتح يزيد الرويان ودنباوند ولم يزل أهل طبرستان يؤدّون هذا الصلح مرة ويمتنعون أخرى إلى أيام مروان بن محمد فإنهم نقضوا ومنعوا ما كانوا يحملونه، فلما ولي السفاح وجّه إليهم عاملا فصالحوه على مال ثم غدروا وقتلوا المسلمين، وذلك في خلافة المنصور، فوجّه المنصور إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلّبي ومعهما مرزوق أبو الخصيب فنزلوا على طبرستان وجرت مدافعات صعب معها بلوغ غرض وضاق عليهم الأمر فواطأ أبو الخصيب خازما وروحا على أن ضرباه وحلقا رأسه ولحيته ليوقع الحيلة على الأصبهبذ فركن إلى ما رأى من سوء حاله واستخصّه حتى أعمل الحيلة وملك البلد، وكان عمرو بن العلاء الذي يقول فيه بشّار بن برد:
إذا أيقظتك حروب العدى ... فنبّه لها عمرا ثمّ نم
جزّارا من أهل الريّ فجمع جمعا وقاتل الديلم فأبلى بلاء حسنا فأوفده جهور بن مرار العجلي إلى المنصور فقوّده وجعل له منزلة وتراقت به الأمور حتى ولي طبرستان واستشهد في خلافة المهدي، ثم افتتح موسى بن حفص بن عمرو بن العلاء ومازيار بن قارن جبال شروين من طبرستان، وهي من أمنع الجبال وأصعبها، وذلك في أيام المأمون، فولّى المأمون عند ذلك بلاد طبرستان المازيار وسماه محمدا وجعل له مرتبة الأصبهبذ، فلم يزل واليا عليها حتى توفي المأمون واستخلف المعتصم فأقرّه عليها ولم يعزله فأقام على الطاعة مدة ثم غدر وخالف وذلك بعد ست
سنين من خلافة المعتصم فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر وهو عامله على المشرق خراسان والريّ وقومس وجرجان يأمره بمحاربته، فوجّه إليه عبد الله الحسن ابن الحسين في جماعة من رجال خراسان ووجّه المعتصم محمد بن إبراهيم بن مصعب في جماعة من الجند، فلما قصدته العساكر خرج إلى الحسن بن الحسين بغير عهد ولا عقد فأخذه وحمله إلى سرّ من رأى في سنة 225 فضرب بالسياط بين يدي المعتصم حتى مات وصلب بسرّ من رأى مع بابك الخرّمي على العقبة التي بحضرة مجلس الشّرطة وتقلد عبد الله بن طاهر طبرستان، وكان ممن ذكرنا جماعة من الولاة من قبل بني العباس لم يكن منهم حادثة ولم يتحقق أيضا عندنا وقت ولاية كل واحد منهم، ثم وليها بعد عبد الله بن طاهر ابنه طاهر بن عبد الله وخلفه عليها أخوه سليمان بن عبد الله بن طاهر فخرج عليه الحسن ابن زيد العلوي الحسني في سنة 249 فأخرجه عنها وغلب عليها إلى أن مات وقام مقامه أخوه محمد بن زيد، وقد ذكرت قصة هؤلاء الزيدية في كتاب المبدإ والمآل مشبعا على نسق، وقال عليّ بن زين الطبري كاتب المازيار وكان حكيما فاضلا له تصانيف في الأدب والطب والحكمة، قال: كان في طبرستان طائر يسمونه ككم يظهر في أيام الربيع فإذا ظهر تبعه جنس من العصافير موشّاة الريش فيخدمه كل يوم واحد منها نهاره أجمع يجيئه بالغذاء ويزقّه به فإذا كان في آخر النهار وثب على ذلك العصفور فأكله حتى إذا أصبح وصاح جاءه آخر من تلك العصافير فكان معه على ما ذكرنا فإذا أمسى أكله فلا يزال على هذا مدة أيام الربيع فإذا زال الربيع فقد هو وسائر أشكاله وكــذلك أيضا ذلك الجنس من العصافير فلا يرى شيء من الجميع إلى قابل في ذلك الوقت، وهو طائر في قدر الفاختة وذنبه مثل ذنب الببغاء وفي منسره تعقيف، هكذا وجدته وحققته.

خَجَا 

(خَجَا) الْخَاءُ وَالْجِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَوِ الْمَهْمُوزُ لَيْسَ أَصْلًا. يَقُولُونَ رِجْلٌ خُجَأَةٌ، أَيْ أَحْمَقُ. وَخَجَأَ الْفَحْلُ أُنْثَاهُ، إِذَا جَامَعَهَا. وَفَحْلٌ خُجَأَةٌ: كَثِيرُ الضِّرَابِ. 

مِنْ ذَلِكَ (الْخَلْجَمُ) ، وَهُوَ الطَّوِيلُ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، أَصْلُهُ خَلَجَ. وَــذَلِكَ أَنَّ الطَّوِيلَ يَتَمَايَلُ، وَالتَّخَلُّجُ: الِاضْطِرَابُ وَالتَّمَايُلُ، كَمَا يُقَالُ تَخَلَّجَ الْمَجْنُونُ.

وَمِنْهُ (الْخُشَارِمُ) ، وَهِيَ الْأَصْوَاتُ، وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ زَائِدَتَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْ خَشَّ.

وَكَــذَلِكَ (الْخَشْرَمُ) : الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّحْلِ، إِنَّمَا سُمِّيَ بِــذَلِكَ لِحِكَايَةِ أَصْوَاتِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْخِضْرِمُ) ، وَهُوَ الرَّجُلُ الْكَثِيرُ الْعَطِيَّةِ. وَكُلُّ كَثِيرٍ خِضْرِمٌ. وَالرَّاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَالْأَصْلُ الْخَاءُ [وَالضَّادُ] وَالْمِيمُ. وَمِنْهُ الرَّجُلُ الْخِضَمُّ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْخُبَعْثِنَةُ) ، وَهُوَ الْأَسَدُ الشَّدِيدُ، وَبِهِ شُبِّهَ الرَّجُلُ، وَالْعَيْنُ وَالنُّونُ فِيهِ زَائِدَتَانِ، وَأَصْلُهُ الْخَاءُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ.

وَمِنْهُ (الْخَدَلَجَّةُ) ، وَهِيَ الْمُمْتَلِئَةُ السَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ، وَالْجِيمُ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْخَدَالَةِ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ.

وَمِنْهُ (الْخِرْنِقُ) وَهُوَ وَلَدُ الْأَرْنَبِ. وَالنُّونُ [زَائِدَةٌ] ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِــذَلِكَ لِضَعْفِهِ وَلُزُوقِهِ بِالْأَرْضِ. مِنَ الْخَرَقِ، وَقَدْ مَرَّ. وَيُقَالُ أَرْضٌ مُخَرْنِقَةٌ. وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: خَرْنَقَتِ النَّاقَةُ، إِذَا كَثُرَ فِي جَانِبَيْ سَنَامِهَا الشَّحْمُ حَتَّى تَرَاهُ كَالْخَرَانِقِ.

وَمِنْهُ رَجُلٌ (خَلَبُوتٌ) أَيْ خَدَّاعٌ. وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ، إِنَّمَا هُوَ مَنْ خَلَبَ. وَمِنْهُ (الْخَنْثَرُ) : الشَّيْءُ الْخَسِيسُ يَبْقَى مِنْ مَتَاعِ الْقَوْمِ فِي الدَّارِ إِذَا تَحَمَّلُوا. وَهَذَا مَنْحُوتٌ مَنْ خَنَثَ وَخَثَرَ. وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُمَا.

وَمِنْهُ (الْمُخْرَنْطِمُ) : الْغَضْبَانُ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ خَطَمَ وَخَرَطَ ; لِأَنَّ الْغَضُوبَ خَرُوطٌ رَاكِبٌ رَأْسَهُ. وَالْخَطْمُ: الْأَنْفُ ; وَهُوَ شَمَخٌ بِأَنْفِهِ. قَالَ الرَّاجِزُ فِي الْمُخْرَنْطِمِ:

يَا هَيْءَ مَالِي قَلِقَتْ مَحَاوِرِي ... وَصَارَ أَمْثَالَ الْفَغَا ضَرَائِرِي

مُخْرَنْطِمَاتٍ عُسُرًا عَوَاسِرِي

قَوْلُهُ قَلِقَتْ مُحَاوِرِي، يَقُولُ: اضْطَرَبَتْ حَالِي وَمَصَايِرُ أَمْرِي. وَالْفَغَا: الْبُسْرُ الْأَخْضَرُ الْأَغْبَرُ. يَقُولُ: انْتَفَخَنَ مِنْ غَضَبِهِنَّ. وَمُخْرَنْطِمَاتٌ: مُتَغَضِّبَاتٌ. وَعَوَاسِرِي: يُطَالِبْنَنِي بِالشَّيْءِ عِنْدَ الْعُسْرِ. وَ (الْمُخْرَنْشِمُ) مِثْلُ الْمُخْرَنْطِمِ، وَيَكُونُ الشِّينُ بَدَلًا مِنَ الطَّاءِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (خَرْدَلْتُ) اللَّحْمَ: قَطَّعْتُهُ وَفَرَّقَتُهُ. وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالْحَبِّ الَّذِي يُسَمَّى الْخَرْدَلَ، وَهُوَ اسْمٌ وَقَعَ فِيهِ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ مِنْ غَيْرِ اشْتِقَاقٍ.

وَمَنْ قَالَ (خَرْذَلَ) جَعَلَ الذَّالَ بَدَلًا مِنَ الدَّالِ.

وَ (الْخُثَارِمُ) : الَّذِي يَتَطَيَّرُ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ لِأَنَّهُ إِذَا تَطَيَّرَ خَثِرَ وَأَقَامَ. قَالَ:

وَلَسْتُ بِهَيَّابٍ إِذَا شَدَّ رَحْلَهُ ... يَقُولُ عَدَّانِي الْيَوْمَ وَاقٍ وَحَاتِمُ وَلَكِنَّنِي أَمْضِي عَلَى ذَاكَ مُقْدِمًا

إِذَا صَدَّ عَنْ تِلْكَ الْهَنَاتِ الْخُثَارِمُ

وَمِنْهُ (الْخُلَابِسُ) : الْحَدِيثُ الرَّقِيقُ. وَيُقَالُ خَلْبَسَ قَلْبَهُ: فَتَنَهُ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: خَلَبَ وَخَلَسَ، وَقَدْ مَضَى.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْخَنْثَعْبَةُ) النَّاقَةُ الْغَزِيرَةُ. وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ مَنْ خَنَثَ وَثَعَبَ، فَكَأَنَّهَا لَيِّنَةُ الْخِلْفِ يَثْعَبُ بِاللَّبَنِ ثَعْبًا.

وَمِنْهُ (الْخُضَارِعُ) قَالُوا: هُوَ الْبَخِيلُ. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ خَضَعَ وَضَرَعَ، وَالْبَخِيلُ كَذَا وَصْفُهُ.

وَمِنْهُ (الْخَيْتَعُورُ) ، وَيُقَالُ هِيَ الدُّنْيَا. وَكُلُّ شَيْءٍ يَتَلَوَّنُ وَلَا يَدُومُ عَلَى حَالٍ خَيْتَعُورٌ. وَالْخَيْتَعُورُ: الْمَرْأَةُ السَّيِّئَةُ الْخُلُقِ. وَالْخَيْتَعُورُ: الشَّيْطَانُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ خَتَرَ وَخَتَعَ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُمَا.

وَمِنْهُ (الْخَرْعَبَةُ) وَ (الْخُرْعُوبَةُ) ، وَهِيَ الشَّابَّةُ الرَّخْصَةُ الْحَسَنَةُ الْقَوَامِ. وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنَ الْخَرَعِ وَهُوَ اللِّينُ، وَمِنَ الرُّعْبُوبَةِ، وَهِيَ النَّاعِمَةُ. وَقَدْ فُسِّرَ فِي مَوْضِعِهِ. ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا فَيُقَالُ جَمَلٌ خُرْعُوبٌ: طَوِيلٌ فِي حُسْنِ خَلْقٍ. وَغُصْنٌ خُرْعُوبٌ: مُتَثَنٍّ. [قَالَ] : كَخُرْعُوبَةِ الْبَانَةِ الْمُنْفَطِرْ

وَمِنْهُ (خَرْبَقَ) عَمَلَهُ: أَفْسَدَهُ. وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ مِنْ خَرَبَ وَخَرِقَ. وَــذَلِكَ أَنَّ الْأَخْرَقَ: الَّذِي لَا يُحْسِنُ عَمَلَهُ. وَخَرَبَهُ: إِذَا ثَقَبَهُ. وَقَدْ مَضَى.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِذَكَرِ الْعَنَاكِبِ (خَدَرْنَقُ) فَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لَا يُعَوَّلُ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَا وَجْهَ لِلشُّغْلِ بِهِ.

وَ [أَمَّا] قَوْلُهُمْ لِلْقُرْطِ (خَرْبَصِيصُ) فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، لِأَنَّ الْخَرْصَ الْحَلْقَةُ. وَقَدْ مَرَّ. قَالَ فِي الْخَرْبَصِيصِ:

جَعَلَتْ فِي أَخْرَاتِهَا خَرْبَصِيصًا ... مِنْ جُمَانٍ قَدْ زَانَ وَجْهًا جَمِيلَا

وَيَقُولُونَ (خَلْبَصَ) الرَّجُلُ، إِذَا فَرَّ. وَالْبَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَهُوَ مِنْ خَلَصَ. وَقَالَ:

لَمَّا رَآنِي بِالْبَرَازِ حَصْحَصَا ... فِي الْأَرْضِ مِنِّي هَرَبًا وَخَلْبَصَا

وَيَقُولُونَ (الْخَنْبَصَةُ) : اخْتِلَاطُ الْأَمْرِ. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَالنُّونُ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ خَبَصَ، وَبِهِ سُمِّي الْخَبِيصُ.

وَ (الْخُرْطُومُ) مَعْرُوفٌ، وَالرَّاءُ زَائِدَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْخَطْمُ، وَقَدْ مَرَّ. فَأَمَّا الْخَمْرُ فَقَدْ تُسَمَّى بِــذَلِكَ. وَيَقُولُونَ: هُوَ أَوَّلُ مَا يَسِيلُ عِنْدَ الْعَصْرِ. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَهُوَ قِيَاسُ الْبَابِ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَقَدِّمٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِقَاقُ الْخَطْمِ وَالْخِطَامِ. وَمِنَ الْبَابِ تَسْمِيَتُهُمْ سَادَةَ الْقَوْمِ الْخَرَاطِيمَ. وَمِنْ ذَلِكَ (الْخُنْطُولَةُ) : الطَّائِفَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا. وَالْجَمْعُ حَنَاطِيلُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

دَعَتْ مَيَّةَ الْأَعْدَادُ وَاسْتَبْدَلَتْ بِهَا ... خَنَاطِيلَ آجَالٍ مِنَ الْعِينِ خُذَّلِ

وَالنُّونُ فِي ذَلِكَ زَائِدَةٌ ; لِأَنَّ فِي الْجَمَاعَاتِ إِذَا اجْتَمَعَتْ الِاضْطِرَابَ وَتَرَدُّدَ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ (تَخَطْرَفَ) الشَّيْءَ، إِذَا جَاوَزَهُ. وَهِيَ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: خَطَرَ وَخَطَفَ ; لِأَنَّهُ يَثِبُ كَأَنَّهُ يَخْتَطِفُ شَيْئًا. قَالَ الْهُذَلِيُّ:

فَمَاذَا تَخَطْرَفَ مِنْ حَالِقٍ ... وَمِنْ حَدَبٍ وَحِجَابٍ وَجَالِ

وَمِنْ ذَلِكَ (الْخُذْرُوفُ) ، وَهُوَ السَّرِيعُ فِي جَرْيِهِ، وَالرَّاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ خَذَفَ، كَأَنَّهُ فِي جَرْيِهِ يَتَخَاذَفُ، كَمَا يُقَالُ يَتَقَاذَفُ إِذَا تَرَامَى. وَالْخُدْرُوفُ: عُوَيْدٌ أَوْ قَصَبَةٌ يُفْرَضُ فِي وَسَطِهِ وَيُشَدُّ بِخَيْطٍ، إِذَا مُدَّ دَارَ وَسَمِعْتَ لَهُ حَفِيفًا. وَمِنْ ذَلِكَ تَرَكْتُ اللَّحْمَ خَذَارِيفَ، إِذَا قَطَّعْتَهُ، كَأَنَّكَ شَبَّهْتَ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْهُ بِحَصَاةِ خَذْفٍ.

وَأَمَّا (الْخَنْدَرِيسُ) وَهِيَ الْخَمْرُ، فَيُقَالُ إِنَّهَا بِالرُّومِيَّةِ، وَلِــذَلِكَ لَمْ نَعْرِضْ لِاشْتِقَاقِهَا. وَيَقُولُونَ: هِيَ الْقَدِيمَةُ ; وَمِنْهُ حِنْطَةٌ خَنْدَرِيسٌ: قَدِيمَةٌ. وَ (الْمُخْرَنْبِقُ) : السَّاكِتُ، وَالنُّونُ وَالْبَاءُ زَائِدَتَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْخَرَقِ وَهُوَ خَرَقُ الْغَزَالِ [وَلُزُوقُهُ] بِالْأَرْضِ خَوْفًا. فَكَأَنَّ السَّاكِتَ خَرِقٌ خَائِفٌ.

وَيَقُولُونَ: نَاقَةٌ بِهَا (خَزْعَالٌ) ، أَيْ ظَلْعٌ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ خَزَلَ أَيْ قَطَعَ، وَخَزَعَ أَيْ قَطَعَ. وَقَدْ مَرَّا.

وَمِمَّا وُضِعَ وَضْعًا وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِنَا مُشْتَقًّا. رَجُلٌ (مُخَضْرَمُ) الْحَسَبِ، وَهُوَ الدَّعِيُّ. وَلَحْمٌ مُخَضْرَمٌ: لَا يُدْرَى أَمِنْ ذَكَرٍ هُوَ أَوْ مِنْ أُنْثَى.

وَمِنْهُ الْمَرْأَةُ (الْخَبَنْدَاةُ) ، وَهِيَ التَّامَّةُ الْقَصَبِ.

وَ (الْخَيْعَلُ) : قَمِيصٌ لَا كُمَّيْ لَهُ. قَالَ تَأَبَّطَ:

عَجُوزٌ عَلَيْهَا هِدْمِلٌ ذَاتُ خَيْعَلِ

وَ (الْخَنَاذِيذُ) الشَّمَارِيخُ مِنَ الْجِبَالِ الطِّوَالِ. وَالْخِنْذِيذُ: الْفَحْلُ. وَالْخِنْذِيذُ: الْخَصِيُّ.

وَ (الْخَنْشَلِيلُ) : الْمَاضِي.

وَ (الْخَنْفَقِيقُ) : الدَّاهِيَةُ. وَ (الْخُوَيْخِيَةُ) : الدَّاهِيَةُ. قَالَ:

وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُمْ ... خُوَيْخِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الْأَنَامِلُ 

كبر

(ك ب ر) : (كَبُرَ) فِي الْقَدْر مِنْ بَابِ قَرُبَ (وَكَبِرَ فِي السِّنِّ) مِنْ بَابِ لَبِسَ كِبَرًا وَهُوَ كَبِيرٌ (وَكُبْرُ الشَّيْءِ وَكِبْرُهُ) مُعْظَمُهُ (وَقَوْلُهُمْ الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ) أَيْ لِأَكْبَرِ أَوْلَادِ الْمُعْتِقِ وَالْمُرَادُ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا لَا أَكْبَرُهُمْ سِنَّا وَكِبْرِيَاءُ اللَّهِ عَظَمَتُهُ (وَاَللَّهُ أَكَبَرُ) أَيْ أَكَبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءِ وَتَفْسِيرُهُمْ إيَّاهُ بِالْكَبِيرِ ضَعِيفٌ (وَالْكَبْرُ) بِفَتْحَتَيْنِ اللَّصَفُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَمِنْهُ أَرَأَيْتَ شَرَابًا يُصْنَعُ مِنْ الْكَبَرِ وَالشَّعِيرِ وَالثَّاءُ الْمُثَلَّثَةُ تَصْحِيفٌ.
(كبر) الشَّيْء جعله كَبِيرا وَرَآهُ كَبِيرا وَفُلَان تَكْبِيرا قَالَ الله أكبر تَعْظِيمًا لله

كبر

1 كَبُرَ, aor. ـُ (S, A, Msb, K,) inf. n. كُبْرٌ (A, Msb, K) and كِبَرٌ and كَبَارَةٌ, (A, K,) He, (TA,) or it, (Msb,) was, or became, great, [big, or large in body, or corporeal substance: and in years, or age; (when said of a human being, often particularly signifying he attained to puberty;) and in estimation or rank or dignity;] contr. of ضَغُرَ; (A, K;) syn. عَظُمَ, (S, Msb, K,) and جَسُمَ. (K.) [In the K the pret. is twice mentioned: where it is explained as signifying the contr. of صَغُرَ, the above inf. ns. are mentioned, as in the A: where it is explained by عَظُمَ and جَسُمَ in the K, no inf. n. is mentioned; but in the TA it is there said that in the sense of عَظُمَ it relates to an affair or case, and that the inf. n. is كِبَرٌ and كَبَارَةٌ; and that in the sense of جَسُمَ it relates to anything.] b2: كَبُرَ الأَمْرُ [The affair, or case, was, or became, of great moment; it was, or became, momentous: or it signifies as in the phrase next following]. (A.) b3: كَبُرَ عَلَيْهِ الأَمْرُ The affair, or case, was, or became, difficult, hard, severe, grievous, distressing, afflictive, troublesome, or burdensome, to him or in its effect upon him; syn. شَقَّ. (A, * TA.) In this sense the verb is used in the Kur, x, 72, (TA,) and xlii, 11. (Bd, ii. 42.) and so in the Kur again, xvii, 53, أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِى صدُورِكُمْ, (TA,) meaning, أَوْخَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ عِنْدَكُمْ عَنْ قُبُولِ الحَيَاةِ [Or a created thing of those which are too difficult in your minds to receive life], as being the thing most remote from capability to receive life. (Bd.) [This signification is from the primary application of the verb.]

A2: كَبِرَ, aor. ـَ inf. n. كِبَرٌ and مَكْبِرٌ, He (a man, S, a human being, and a beast, TA, and a child, Msb,) became full-grown, or old, or advanced in age. (S, K.) Hence the prov., كَبِرَ عَمْرُو عَنِ الطَّوْقِ: see art. طوق.] b2: [In modern Arabic, and, I believe, sometimes, in classic authors, it also signifies He became big; (said of a boy, or child, in the TA in art. رع, &c.;) i. e. attained to full growth: and to adolescence: and to puberty: see كَبِيرٌ.] This form of the verb and that first mentioned are sometimes erroneously used, each for the other, by persons of distinction as well as by the vulgar. (TA.) b3: See كَبْرَةٌ, below.

A3: كَابَرْتُهُ فَكَبَرْتُهُ, aor. of the latter, كَبُرَ: see 3. b2: كَبَرَهُ بِسَنَةٍ, aor. ـُ He exceeded me in age by a year. (K.) and مَا كَبَرَنِى إِلَّا بِسَنَةٍ He did not exceed me in age save by a year. (IAar.) 2 كبّر, inf. n. تكَبِيرٌ, He made a thing great. (K.) b2: He magnified, or honoured; syn. عَظَّمَ. (S) b3: Also, inf. n. as above, and كِبَّارٌ, (Sgh, K,) which latter is of the dial. of Belhárith Ibn-Kaab and many of the people of El-Yemen, (Sgh,) He said اَللّٰهُ أَكْبَر. (K.) See أَكْبَرُ, below.3 كَابَرْتُهُ فَكَبَرْتُهُ, aor. of the latter كَبُرَ, [I contended, or disputed, with him for superiority in greatness, and I overcame him therein.] (A.) You say كَابَرَ فُلَانٌ فُلَانًا Such a one disputed with such a one for superiority in greatness, and said I am greater than thou. (A.) b2: كابرهُ, inf. n. مُكَابَرَةٌ, He vied with him; or contended with him for superiority; syn. غَالَبَهُ: and he contended against him; or he contended against him, or disputed with him, not knowing the truth or falsity of what he or his adversary said; syn. عَانَدَهُ: (Msb:) or he contended or disputed with him, knowing that what he himself said was false, and that what his adversary said was true. (Kull, p. 342.) b3: It is said in a trad., لَاتُكَابِرُوا الصَّلَاةَ, meaning, لَا تُغَالِبُوهَا [app., Contend not ye against prayer.] (TA.) b4: كُوبِرَ فَأَبَى [It was contended with, and refused, or would not]: said of what he would utter by a man who had an impediment in his speech. (A.) b5: كَابَرَهُ عَلَى حَقِّهِ He denied, or disacknowledged, to him his right, or due, and contended with him for it; expl. by جَاحَدَهُ وَغَالَبَهُ. (A, TA. [See 1 in art. جحد.]) b6: كُوبِرَ عَلَى مَالِهِ He had his property taken from him by force. (A, TA.) 4 اكبرهُ, (S, Msb, K,) inf. n. إِكْبَارٌ; (Msb;) and ↓ استكبرهُ; (K;) He deemed it great [or formidable; see an ex., voce فَظِعَ;] it was great in his estimation; (IJ, K;) syn. إِسْتَعْظَمَهُ. (S, Msb.) b2: اكبرت She brought forth a great child, or young one. (IKtt.) b3: أَصْغَرَتِ النَّاقَةُ وَأَكْبَرَتْ: see art. صغر.5 تكبّر and ↓ استكبر (S, K) and ↓ تكابر (K) He magnified himself; behaved proudly, haughtily, or insolently; (K;) syn. تَعَظَّمَ: (S:) or تكبّر signifies, as used in the Kur, vii. 143, he considered himself as of the most excellent of the creation, and as having rights which others have not: (Zj:) or this verb has two significations: one of them, he did really good and great actions, exceeding the good actions of others; and hence المُتَكَبِّرُ [applied to God] in the Kur, lix. 23: the other, he affected to do such actions, and boasted of great qualities which he did not possess; as do the generality of men; and hence, مُتَكَبِّر in the Kur, xl. 37; and the verb itself in the Kur, vii. 143: and ↓ استكبر is nearly syn. with تكبّر, and likewise has two significations: one of them, he endeavoured, and sought, to become great; and to do so, when the manner and place and time are such as are requisite, is praiseworthy: the other, he boasted of qualities which he did possess, and feigned such qualities; and to do so is blameable; and in this sense the verb is used in the Kur, ii. 32: (El-Basáïr:) and ↓ تكابر signifies he feigned himself great in estimation or rank or dignity, or in age. (A, TA.) b2: تكبّر عَلَى اللّٰهِ He magnified himself against God, by refusing to accept the truth. (El-Basáïr.) b3: [تكبّر عَنْ كَذَا He was disdainful of such a thing; he disdained it; turned from it with disdain; he held himself above it; like تَعَظَّمَ and تَعَاظَمَ and تَجَالَّ and تَرَفَّعَ.]6 تَكَاْبَرَ see 5, in two places.10 إِسْتَكْبَرَ see 4: A2: see also 5, in two places.

كُبْرٌ: see كِبْرٌ, in two senses: A2: and see كِبْرَةٌ in three places.

كِبْرٌ Greatness [in corporeal substance, and in estimation or rank or dignity]. (IKoot, Msb.) b2: Nobility; eminence; highness; (K, * TA;) as also ↓ كُبْرٌ: (K:) eminence, or highness, in, or with respect to, nobility; (K;) as also ↓ كُبُرٌ, with two dammehs. (TA.) b3: I. q. عَظَمَةٌ [which, as an attribute of God, signifies greatness, or majesty, or the like: (see مُنَكَبِّرٌ:) and as an attribute of a man, pride]: (S, Msb, K:) a subst. from التَّكَبُّرُ: (Msb:) as also ↓ كِبْرِيَآءُ; (S, Msb, K;) a word, says Kr, of which there is not the like [in measure], except سِيمِيَآءُ and جِرْبِيَآءُ; for, he adds, as to كِيمِيَآءُ, I think it a foreign word: (TA:) the latter [↓ كِبْرِيَاءُ] occurs as an attribute of God, in the sense of عَظَمَةٌ, (A, Mgh, Jel,) in the Kur, xlv. 36: (Jel:) and as an attribute of men, in the Kur, x. 79, where it is said to signify proud behaviour towards others, (Bd,) or dominion: (IAmb, Bd, Jel:) and both signify pride, haughtiness, or insolence: (K:) or the former, self-admiration, or self-conceit; and the holding one's self greater than others: and the ↓ latter, disdain of submission; an attribute to which none but God has a right. (El-Basáïr.) b4: Unbelief: the association of any other being with God. So in a trad., in which it is said, that he who has in his heart the weight of a grain of mustard-seed of كِبْر shall not enter paradise. (TA.) b5: See also كَبِيرَةٌ.

A2: The main, or greater, or greatest, part of a thing; (Fr. ISk, Az, S, Mgh, K;) as also ↓ كُبْرٌ, (Fr, Mgh, Sgh, K,) like عُظْمٌ; (Fr;) thought by Ibn-ElYezeedee to be a dial. form; but Az says, that the Arabs used the other form [كِبْرٌ]. (TA.) So in the Kur, xxiv. 11, وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ (Fr, S) And he who took upon himself, or undertook, the main part thereof; namely, of the very wicked lie against 'Áïsheh: (Jel:) thus accord. to the “ Seven Readers ”: and ↓ كُبْرَهُ, which is an extr. reading, (Msb,) the reading of Homeyd Ibn-El-Aaraj, (Fr, Sgh,) and of Yaakoob. (Sgh, Bd.) كُبْرُ سِيَاسَةِ النَّاسِ فِى المَالِ, [app. signifies The main part of men's management is with respect to property, or camels, &c.]. (S.) كَبَرٌ [The caper, or capparis of Linnæus;] a certain plant having thorns; (TA;) an arabicized word, from the Persian [كَبَرْ]; (S;) called in Arabic لَصَفٌ, (Mgh,) or أَصَفٌ: (S, K:) the vulgar say ↓ كُبَّارٌ. (K.) A beverage is described as made of كَبَر and barley: كثر is a mistranscription. (Mgh.) كُبُرٌ: see كِبْرٌ.

كِبَرٌ inf. n. of 1: b2: see also كَبْرَةٌ.

كُبُرٌّ: see كِبْرَةٌ.

كَبْرَةٌ, a subst. from كَبِرَ, (S,) Oldness; age; old age; (S, Msb, K; *) as also ↓ كَبُرَةٌ and ↓ مَكْبَرَةٌ and ↓ مَكبُرَةٌ (K) and ↓ مَكْبِرٌ (S, K) and ↓ كِبَرٌ. (TA.) The last two, the latter of which is the most common of all, are inf. ns. of كَبِرَ.] You say عَلَتْهُ كَبُرَةٌ, (S, Msb, K,) and كَبُرَةٌ, and مُكْبَرَةٌ, and مَكْبُرَةٌ, (K,) and عَلَاهُ المَكْبِرُ, (S,) or مَكْبِرٌ, (K,) and كِبَرٌ, (TA,) [Age overcame him;] he became old, or advanced in age. (Msb.) عَلَتْهُ كَبْرَةٌ is also said, tropically, of a sword, and of the iron head or blade of a weapon, when it has become old: (TA:) or of an old iron head or blade of a weapon when spoilt by rust. (M, TA.) And كَبْرَةٌ is used by AHn with respect to dates and the like. (L.) [See also an ex. voce حَلْقَةٌ.]

كِبْرَةٌ: see كَبِيرَةٌ.

A2: هُوَ كِبْرَتُهُمْ, (K,) and ↓ كُبُرَّتُهُمْ, (Az, K,) so in the handwriting of AHeyth., (TA,) and ↓ إِكْبِرَّتُهُمْ, and ↓ أَكْبِرَّتُهُمْ, and ↓ كُبْرُهُمْ, and ↓ كُبُرُّهُمْ, (K,) He is the greatest of them (K, TA) in age, or in headship: (TA:) or he is the nearest of them in kin to his chief, or oldest, ancestor; (K, TA;) his intermediate ancestors being fewer in number: (TA:) but some of these epithets are differently explained, as follows:] هٰذَا كِبْرَةُ أَبِيهِ this is the greatest, or oldest, (أَكْبَرُ,) of the children of his father; contr. of صِغْرَةُ أَبِيهِ: (A:) and هُوَ كِبْرَةُ وَلَدِ أَبَوَيْهِ he is the greatest, or oldest, (اكبر,) of the children of his parents: (Ks, Az:) or he is the last of the children of his parents; (Sh, S;) and the like is said of a female, (Sh, ISk, S,) and of a pl. number: (ISk, S:) it is like عِجْزَةُ وَلَدِ أَبَوَيْهِ: (Sh, A'Obeyd, S:) or, accord. to Ks and Az, this last phrase has this meaning; but Az says, that كِبْرَة means otherwise, namely, أَكْبَرُ: (TA:) and فُلَانٌ إِكْبِرَّةُ قَوْمِهِ such a one is the greatest, or oldest, (أَكْبَرُ,) of his people; and the like is said of a female, and of a pl. number: (S:) and قَوْمِهِ ↓ هُوَ كُبْرُ, (S,) or قَوْمِهِ ↓ أَكْبَرُ, and قَوْمِهِ ↓ أُكْبُرُّ, of the measure of أُفْعُلّ, and applied to a woman as to a man, (TA,) he is the nearest of his people in kin to his chief, or oldest, ancestor; (S, TA;) in which sense, قَوْمِهِ ↓ كَانَ كُبْرَ is said of El-'Abbás, in a trad., because there remained not, in his lifetime, any one of the descendants of Háshim more nearly related to him than he: (L:) and in another trad. it is said, الَولآءُ للكُبْرِ (S, Mgh, Msb) the right to the inheritance of the property left by an emancipated slave belongs to the nearest in kin [to the emancipater] (Mgh, Msb) of the sons of the emancipater; (Mgh;) i. e., when a man [who has emancipated a slave] dies, leaving a son and a grandson, the right to the inheritance of the property left by the emancipated slave belongs to the son, not the grandson. (S.) كَبُرَةٌ: see كَبْرَةٌ.

كُبُرَّةٌ: see كِبْرَةٌ.

كِبْرِيَآءُ: see كِبْرٌ.

كِبْرِيتٌ: see art. كبرت.

كُبَارٌ: see كَبِيرٌ.

كَبِيرٌ Great [in body, or corporeal substance, and in estimation or rank or dignity; contr. of صَغِيرٌ, but see عَظِيمٌ]; (S, K;) as also كِبِيرٌ, as asserted by En-Nawawee and others, (TA,) and ↓ كُبَارٌ (S, K) [in an intensive sense, like عُطَامٌ,] and ↓ كَابِرٌ and ↓ كُبَّارٌ: (K:) or the last signifies excessively great: (S, TA:) and كَابِرٌ is an epithat applied to a man, and signifying great in dignity and nobility; (S, TA;) or great and noble; (Msb;) or one overcoming in greatness; (A;) or a lord, or chief; and the greatest, or oldest, ancestor: (AA:) the fem. [of كَبِيرٌ] is with ة: (K:) and the pl. is كِبَارٌ (S, K) and كُبَرَآءُ, applied to men, (TA,) and مَكْبُورَآءُ, (S, * K,) [or rather the last is a quasi-pl. n.,] like مَشْيُوخَآءُ; [see شَيْخٌ;] (TA;) and [of كُبَّارٌ] كُبَّارُونَ. (K.) [See also أَكْبَرُ, and مُتَكَبِّرٌ.] You say تَوَارَثُوا ↓ الْمَجْدَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ They inherited by degrees dignity, or nobility, one great in dignity and nobility from another great in dignity and nobility: (S:) or one great and noble from another great and noble: (Msb:) or عَنْ is here used in the sense of بَعْدَ [after]: (TA voce طَبَقٌ:) or one overcoming in greatness from another overcoming in greatness. (A.) [In the A and Msb, instead of توارثوا, I find وَرِثُوا.] b2: Great, or advanced, in age; old: (A, Msb, TA:) and also big; meaning full-grown; and adolescent: (see كَبِرَ:) occurring in apposition to بَالِغٌ in art. برك in the S; and often, like بَالِغٌ, when applied to a human being, signifying one who has attained to puberty; opposed to صَغِيرٌ:] fem. with ة: and pl. كِبَارٌ. (Msb.) b3: [Hence,] A teacher, and master: so in the Kur, xx. 74, and xxvi. 48: (Ks:) and the most knowing, or learned, of a people: so in the Kur, xii. 80. (Mujáhid.) b4: Difficult, severe, grievous, distressing, afflictive, troublesome, or burdensome: (TA:) fem. with ة; occurring in this sense in the Kur, ii. 42. (Bd, TA.) [The fem. is often used in the present day as an epithet in which the quality of a subst. predominates, meaning, An affair, or a matter, that is difficult, severe, grievous, &c.] b5: الكَبِيرُ as an epithet applied to God is syn. with العَظِيمُ [signifying The Incomparably-great]. (TA in art. عظم.) كَبِيرَة A foul, or an abominable, sin, or crime, or offence, forbidden by the law, of great magnitude; such as murder and adultery or forni-cation, and fleeing from an army proceeding against an enemy [of the Muslims], &c.; [contr. of صَغِيرَةٌ;] an epithet in which the quality of a subst. predominates: (TA:) and ↓ كِبْرٌ and ↓ كِبْرَةٌ [in like manner] signify a great sin, or crime, or offence, for which one deserves punishment: (M, K:) the ة is to give intensiveness to the signification: (TA:) or ↓ كِبْرٌ signifies [simply] a sin, a crime, or an offence, for which one deserves punishment, [as كَبِيرَةٌ is said, not well, to signify, in the Msb,] and is from كَبِيرَةٌ, like خِطْ from خَطِيْئَةٌ: (TA:) pl. of the first, كَبَائِرُ, (Msb, TA,) and كَبِيرَاتٌ also occurs. (Msb.) b2: And see كَبِيرٌ.

كُبَّارٌ: see كَبِيرٌ: A2: and see كَبَرٌ.

كِبَّارٌ: see 2.

كَابِرٌ: see كَبِيرٌ.

أَكْبَرُ [Greater, and greatest, in body, or corporeal substance, and in estimation or rank or dignity: and] more, or most, advanced in age; older, and oldest: (Msb:) fem. كُبْرَى: (S, Msb:) pl. masc. أَكَابِرُ (S, Msb) and أَكْبَرُونَ; but not كُبْرٌ, because this is of a form specially appropriated to an epithet such as أَسْوَدُ and أَحْمَرُ, and you do not use اكبر in the manner of such an epithet, for you do not say هٰذَا رَجُلٌ أَكْبَرُ, unless you conjoin it with a following word by مِنْ, or prefix to it the article ال: (S:) [but see the phrase دَعَا بِكُبْرِهِ, below:] the pl. fem. is كُبَرٌ (S, Msb, K) and كُبْرَيَاتٌ. (Msb.) b2: أَكْبَرُ is also used in the sense of كَبِيرٌ: (Msb:) accord. to some, اَللّٰهُ أَكْبَر means God is great; (Az, Mgh, Msb;) like as هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [in the Kur, xxx. 26,] means هُوَ هَيِّنٌ عَلَيْهِ; (Az, TA;) but this explanation is of weak authority: (Mgh:) accord. to others, the phrase is elliptical, and means God is the greatest great [being]: (Az, TA:) or God is greater than every [other] great [being]: (Msb:) or greater than every [other] thing: (Mgh, TA:) or greater than such as that one knows the measure of His majesty: (TA:) [or it may be rendered God is most great, meaning, greater than any other being:] it is considered as elliptical because it is necessary that اكبر should have the article ال, or be followed by a noun in the gen. case [or by the prep. مِنْ]. (TA.) In the phrase اَللّٰهُ أَكْبَرُ كَبِيراً, the word كبيرا is put in the accus. case [as a corroborative] in the place of the inf. n. تَكْبِيراً, as though one said أُكَبِّرُ تَكْبِيرًا [I magnify Him greatly, after saying اللّٰه اكبر]. (TA.) b3: يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ [The day of the greater pilgrimage,] means the day of the sacrifice: or, as some say, the day of 'Arafeh: and others say otherwise. (TA.) b4: In the following words, in a trad. of Mázin, بُعِثَ نَبِىٌّ مِنْ مُضَرَ بِدِينِ اللّٰهِ الكُبَرِ, there is an ellipsis, and the meaning is, بِشَرَئِعِ دِينِ اللّٰهِ الكُبَرِ [A prophet of Mudar hath been sent with the greatest, or greater, or great, ordinances of God]. (TA.) b5: In a trad. respecting burial, وَيُجْعَلُ الْأَكْبَرُ مِمَّا يَلِى الْقِبْلَةَ means, And the most excellent shall be placed towards the Kibleh: or, if they be equal [in dignity], the oldest. (TA.) [Agreeably with the former rendering,] أَكْبَرُ, in the Kur, xxix. 44, is explained as signifying Better. (TA, art. ذكر.) [And agreeably with the second rendering of the above trad.,] you say هٰذَا أَكْبَرُ مِنْ زَيْدٍ, meaning, This is older than Zeyd. (Msb.) b6: In a trad. of Ibn-Ez-Zubeyr, the phrase دَعَا بِكُبْرِهِ means He summoned his sheykhs, and elders, or great men: كُبْر being here [notwithstanding what has been said above,] pl. of أَكْبَرُ, like as حُمْرٌ is pl. of أَحْمَرُ. (TA.) b7: هٰذِهِ الجَارِيَةُ مِنْ كُبْرَى بَنَاتِ فُلَانٍ means, [This girl is of those advanced in age of the daughters of such a one,] مِنْ كِبَارِ بَنَاتِهِ. (Ibn-Buzurj.) b8: هُوَ أَكْبَرُ قَوْمِهِ: see كِبْرَةٌ.

أُكْبُرٌّ: see كِبْرَةٌ.

إِكْبِرَّةٌ and أَكْبِرَّةٌ: see كِبْرَةٌ; the former, in two places.

مَكْبِرٌ: see كَبْرَةٌ.

مَكْبَرَةٌ and مَكْبُرَةٌ: see كَبْبَرةٌ.

هُوَ مُكَابَرٌ عَلَيْهِ He has had it (his property) taken from him by force. (A, TA.) المُتَكَبِّرُ, as an epithet applied to God, signifies The Great in majesty: (A:) or the Most Excellent of beings, who has rights which no other has; the Possessor of power and excellence the like of which no other possesses: (TA:) or He whose acts are really good, exceeding the good acts of any other: (El-Basáïr:) or, as also ↓ الكَبِيرُ, the Majestic: or He who disdains having the attributes of created beings: or He who magnifies Himself against the proud and exorbitant among his creatures: the ت in the former word is to denote individuation, not endeavour. (TA.)
كبر: {كبر}: تكبر. {كبرياء}: عظمة. {أكابر}: عظماء. {كبارا}: كبيرا. {كِبْرَه}: معظمه. كُبره: عظمه. {أكبرنه}: أعظمنه.
(كبر) الرجل أَو الْحَيَوَان كبرا طعن فِي السن فَهُوَ كَبِير (ج) كبار وكبراء وَهِي كَبِيرَة (ج) كبار

(كبر) كبرا وكبرا وكبارة عظم وجسم وَيُقَال كبر الْأَمر فَهُوَ كَبِير وكبار (ج) كبار وَيُقَال رجل كبار وكبار كَبِير وَعَلِيهِ الْأَمر شقّ وَثقل
ك ب ر

كبر الأمر، وخطب كبير. وكبر عليّ ذلك إذا شقّ عليك " كبر على المشركين ما تدعوهم إليه " وكبر الرجل في قدره، وكبر في سنّه، وشيخ كبير، وذو كبر وكُبرٍ، وعلته الكبرة والمكبر: علوّ السن. قال:

عجوز علتها كبرة في ملاحة ... أقاتلتي يا للرّجال عجوز

وقال الحارث بن حرجة:

فأبدت معارفها والرسو ... م داء دفينا على المكبر

وهو كبر قومه: أكبرهم في السنّ أو في الرياسة أو في النسب: أقعدهم فيه. وفي يده كبر أمرهم وكبره أي عظمه. يقال: كبر سياسة الناس في المال " والذي تولّى كبره منهم " قرئ باللغتين. وهذا كبرة أبيه وصغرة أبيه: لأكبر ولده وأصغرهم. وورثوا المد كابراً عن كابر. وهو من كابرته فكبرته أكبره فأنا كابر. وكابر فلان فلاناً: طاوله بالكبر وقال أنا أكبر منك، وكابره على حقّه: جاحده وغالبه عليه. وكوبر على ماله، وإنه لمكابر عليه إذا أخذ منه عنوة وقهراً. وأرتج على رجل فقال: إن القول يجيء أحياناً ويذهب أحياناً فيعزّ عند عزوبه طلبه وربما كوبر فأبى وعولج فقساً. " ومكروا مكراً كبّاراً " وتكبّر واستكبر، وفيه كبرٌ وكبرياء. والله المتكبّر: البليغ الكبرياء والعظمة. وكبّرت الله تكبيراً، وما بها مكبّرٌ ولا مخبّرٌ أي ما بها أحد. وتكابر فلان: أرى من نفسه أنه كبير القدر أو كبير السن. وأكبرته: أعظمته " فلمّا رأينه أكبرنه ": عظم في صدورهنّ.

ومن المجاز: قولهم للنصل العتيق: علَه كبرةٌ. قال الراعي:

وبيض رقاقٍ قد علتهنّ كبرة ... يداوى بها الصاد الذي في النواظر

وقال الطرمّاح:

سلاجم يثرب اللاتي علتها ... بيثرب كبرةٌ بعد المرون

وقال الشمّاخ:

جماليّة لو يجعل السيف غرضها ... على حدّه لاستكبرت أن تضوّرا
ك ب ر: (كَبِرَ) أَيْ أَسَنَّ وَبَابُهُ طَرِبَ، وَ (مَكْبِرًا) أَيْضًا بِوَزْنِ مَجْلِسٍ يُقَالُ: عَلَاهُ الْمَكْبِرُ وَالِاسْمُ (الْكَبْرَةُ) بِالْفَتْحِ، يُقَالُ: عَلَتْهُ كَبْرَةٌ. وَ (كَبُرَ) أَيْ عَظُمَ يَكْبُرُ بِالضَّمِّ (كِبَرًا) بِوَزْنِ عِنَبٍ فَهُوَ (كَبِيرٌ) وَ (كُبَارٌ) بِالضَّمِّ فَإِذَا أَفْرَطَ قِيلَ: (كُبَّارٌ) بِالتَّشْدِيدِ. وَ (الْكِبْرُ) بِالْكَسْرِ الْعَظَمَةُ وَكَذَا (الْكِبْرِيَاءُ) مَكْسُورًا مَمْدُودًا. وَ (كِبْرُ) الشَّيْءِ أَيْضًا مُعْظَمُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: 11] . وَقَوْلُهُمْ: هُوَ (كُبْرُ) قَوْمِهِ بِالضَّمِّ أَيْ أَقْعَدُهُمْ فِي النَّسَبِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ» وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ وَيَتْرُكَ ابْنًا وَابْنَ ابْنٍ فَيَكُونَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ ابْنِ الِابْنِ. وَ (الْكَبَرُ) بِفَتْحَتَيْنِ الْأَصَفُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. وَ (الْكُبْرَى) تَأْنِيثُ (الْأَكْبَرِ) وَالْجَمْعُ (الْكُبَرُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَجَمْعُ الْأَكْبَرِ (الْأَكَابِرُ) وَ (الْأَكْبَرُونَ) . وَلَا يُقَالُ: كُبْرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْبِنْيَةَ جُعِلَتْ لِلصِّفَةِ خَاصَّةً كَالْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَ (أَكْبَرُ) لَا يُوصَفُ بِهِ كَمَا يُوصَفُ بِأَحْمَرَ. لَا تَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ أَكْبَرُ حَتَّى تَصِلَهُ بِمِنْ أَوْ تُدْخِلَ عَلَيْهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ. وَقَوْلُهُمْ: تَوَارَثُوا الْمَجْدَ (كَابِرًا) عَنْ كَابِرٍ أَيْ كَبِيرًا عَنْ كَبِيرٍ فِي الْعِزِّ وَالشَّرَفِ. وَ (أَكْبَرَ) الشَّيْءَ اسْتَعْظَمَهُ. وَ (التَّكْبِيرُ) التَّعْظِيمُ. وَ (التَّكَبُّرُ) وَ (الِاسْتِكْبَارُ) التَّعَظُّمُ. وَقَوْلُهُمْ: أَعَزُّ مِنَ (الْكِبْرِيتِ) الْأَحْمَرِ كَقَوْلِهِمْ: أَعَزُّ مِنْ بَيْضِ الْأَنُوقِ. وَيُقَالُ: ذَهَبٌ (كِبْرِيتٌ) أَيْ خَالِصٌ. 
[كبر] الكِبَرُ في السنّ وقد كَبِرَ الرجل يَكْبَرُ كِبَراً، أي أسن، ومكبرا أيضا، بكسر الباء. ويقال: علاه المَكْبِرُ. والاسم الكَبْرَةُ بالفتح. يقال: عَلَتْ فلاناً كَبْرَةٌ. وكَبُرَ بالضم يَكْبُرُ، أي عَظُمَ، فهو كَبيرٌ وكُبارٌ. فإذا أفرط قيل: كُبَّارٌ بالتشديد. والكبر بالكسر: العظمة، وكــذلك الكبرياء. وكبر الشئ أيضا: معظمه. قال الله تعالى:

(والذي تَوَلَّى كِبْرَهُ ) *. وقال قيس بن الخطيم: تَنامُ عن كِبْرِ شَأنها فإذا * قامت رويدا تكاد تنغرف - ويقال أيضاً: فلانٌ كِبْرَةُ ولدِ أبويهِ، إذا كان آخرهم. وقال ابن السكيت: يستوى فيه الواحد والجمع والمؤنث. وقال أبو عبيد: هو مثل قولهم: عجزة ولد أبويه. وقولهم: كبر قومه بالضم، أي هو أقْعَدَهَمْ في النسب، وفى الحديث: " الولاء للكبر "، وهو أن يموت الرجل ويترك ابنا وابن ابن، فالولاء للابن دون ابن الابن. ويقال أيضا: كبر سياسة الناس في المال. وفلانٌ إكْبِرَّةُ قومِهِ، بالكسر والراء مشدَّدة أي كُبْرُ قومه، يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث. والكَبَرُ بالتحريك: الأصَفُ، فارسيٌّ معرب. والكُبْرى: تأنيث الأكْبَرِ، والجمع الكُبَرُ وجمع الأكْبَرِ الأَكابِرُ والاكبرون، ولايقال كبر، لان هذه البنية جعلت للصفة خاصة، مثل الاحمر والاسود، وأنت لا تصف بأكبر. كما تصف بأحمر ولا تقول هذا رجل أكبر حتى تصله بمن أو تدخل عليه الالف واللام. والمكبوراء: الكِبارُ. وقولهم: توارثوا المجد كابِراً عن كابِرٍ، أي كَبيراً عن كَبيرٍ في العزّ والشرف. وأكْبَرْتُ الشئ، استعظمته. وأكبر الصبى، أي تَغَوَّطَ، وهو كنايةٌ. والتَكْبيرُ: التعظيمُ. والتكبر والاستكبار: التعظيم. والكبريت معروف. وقولهم: " أعز من الكِبْريتِ الأحمرِ " إنَّما هو كقولهم: " أعزُّ من بَيْضِ الأَنوقِ ". ويقال أيضاً: ذهبٌ كِبْريتٌ، أي خالص. قال رؤبة بن العجاج: هل ينفعني كذب سختيت * أو فضة أو ذهب كبريت -
كبر
الكِبْرُ: العَظَمَةُ. والإِثْمُ الكَبِير، وهي الكَبِيْرَةُ أيضاً. وقولُه عَزَّ وجَلَّ: " والذي تَوَلَّى كِبْرَه " قال: عُظْمَ القَذْفِ، وكُبْرَه: يَعْني إثْمَه وخَطَأَه.
وإذا تَعَظَّمَ قيل: كَبُرَ يَكْبُرُ. وكَبُرَ الأمْرُ علينا كَبَارَةً.
والكُبْرُ: الرفْعَةُ في الشَّرَف.
والكِبْرِيَاءُ: اسْمٌ للتَّكَبُّرِ.
وقولُه عَز وجَلَّ: " وتكونَ لكما الكِبْرِيَاءُ في الأرض ". أي المُلْكُ.
والكِبَرُ: مَصدَْرُ الكَبِيرِ السِّنِّ من الناس والدَّوَابِّ، كَبِرَ يَكْبَرُ. والكُبَارُ والكُبَارَة: في معنى الكَبِير، وكــذلك الكُبّارُ والكُبَارُ في نُعُوتِ الإِناثِ.
ووَرِثُوا المَجْدَ كابِراً عن كابِرٍ: أي كَبِيراً عن كَبِيرٍ، وأصْلُه أنْ يَكْبُرَ الرجُلُ الرَّجُلَ في المُلْكِ: أي يَغْلِبَه، فإذا كَبَرَه أي غَلَبَه فهو كابِرٌ.
ومُلُوْكٌ أكابِرُ: جَماعَةُ الأكْبَرِ.
وعَلَتْه كَبْرَةٌ ومَكْبرَةٌ.
ويُقال للسَّهْم والنَّصْل العَتِيق الذي أفْسَدَه الوَسَخُ: قد عَلَتْه كَبْرَةٌ.
والكُبْرى - فُعْلى من الكَبير - والجميعِ كُبَرٌ.
وهذا كِبْرَةُ أبيه: أي أكْبَرُ أوْلادِه، وكَبْرَةُ ولَدِه.
والوَلاَءُ للكُبْرِ من الوَلَدِ: أي أكْبَر وَلَدِه.
وهُوَ كُبْرُ رِجَالِه: أي أقْعَدُهم في النَّسَب. وقيل: الكُبْرُ أنْ يَنْتَسِبَ الرَّجُلُ إلى جَدِّه الأكْبَرِ لآباء يَسِيْرة. وهو كُبْرُ قَوْمِه وأُكْبُرةُ قَوْمِه.
والمَكْبُوْرَاءُ: الكِبَارُ.
والمَكْبِرُ - بكَسْر الباء -: الكِبَرُ.
والكَبِيْرَةُ من كَبَائرِ الذنُوب: التي تُوْجِبُ لأهْلِها النارَ.
والإِكْبَارُ: الإِمْذَاء والإِمْنَاءُ، وقد أكْبَرَ الرَّجُلُ. وقيل: هو الجِمَاعُ نفسُه.
وقَوْلُه عَزّ وجلَّ: " فَلَمّا رَأيْنَه أكْبَرْنَه " يقال: أكْبَرْنَ: حِضْنَ، وقيل: أعْظَمْنَ.
وهذا أكْبَرُ العَسَل: وهو المُوْمُ.
وما بها مُكبِّرٌ: أي دَيّارٌ، وكأنَّ مَعْناه: ليس بها مَنْ يُكَبِّر تَكْبِيراً ولا مَنْ يُخَبِّرُ خَبَراً.
والكَبَرُ: الطبْلُ الذي له وَجْهٌ واحِدٌ بلُغَةِ الكُوفِّيين.

كبر


كَبَرَ(n. ac. كَبْر)
a. [acc. & Bi], Was older than....by.
كَبِرَ(n. ac. كِبَر
مَكْبِر)
a. Was, became full-grown.
b. Was old. _ast;

كَبُرَ(n. ac. كُبْر
كِبَر
كَبَاْرَة)
a. Was, became great, large, big; waxed, grew, increased;
grew up.
b. Was momentous, important; was troublesome
grievous.
c. ['Ala], Was hard for; troubled, distressed.
كَبَّرَa. Made great; increased, enlarged, augmented.
b. Magnified, aggrandized.

كَاْبَرَa. Contended against; disputed with.
b. Scorned, disdained, spurned.
c. [acc. & 'Ala], Refused, denied ( his right ).
d. [pass.], ['Ala], Was deprived of ( his property ).

أَكْبَرَa. Deemed, declared great, important; made much
of.

تَكَبَّرَa. Became proud, insolent; magnified, exalted
himself.
b. ['Ala], Magnified himself against.
c. ['An], Disdained, scorned, spurned.
تَكَاْبَرَa. see V (a)
إِسْتَكْبَرَa. see IV
& V (a).
c. Sought to become great.

كَبْرَةa. Age; oldness, agedness; senility.

كِبْرa. Greatness; largeness, bigness; magnitude; bulkiness;
corpulency.
b. Grandeur, eminence, nobility, highness;
majesty.
c. Pride, haughtiness, arrogance, insolence;
self-conceit.
d. Unbelief, infidelity.
e. Bulk, main part.
f. see 25t (b)
كِبْرَةa. see 1t & 25t
(b).
كُبْرa. see 2 (b) (e).
كُبْرَى
(pl.
كُبَر
&
a. كُبْرَيَات ), fem. of
أَكْبَرُb. Major ( of a syllogism ).
كَبَر
P.
a. Caper (plant).
b. (pl.
كِبَاْر
أَكْبَاْر), Drum.
كَبُرَةa. see 1t
كِبَرa. see 1t & 2
(a).
كُبُرa. see 2 (b)
أَكْبَرُ
( pl.
reg. &
أَكَاْبِرُ
37)
a. Greater; greatest.
b. Older, elder; oldest, eldest.

مَكْبَرَة
مَكْبِر
مَكْبُرَةa. see 1t
كَاْبِر
كُبَاْرa. see 25 (a) (b).
كَبِيْر
(pl.
كِبَاْر كُبَرَآءُ)
a. Great, large, big, huge; bulky, corpulent.
b. Eminent, illustrious, distinguished; grand; noble;
chief, lord.
c. Important, momentous; grave, serious; difficult
grievous, burdensome, afflictive (matter).
d. (pl.
كِبَاْر), Full-grown; adolescent; adult.
e. Aged, old.
f. Teacher, master.
g. see N. Ag.
تَكَبَّرَ
(b).
كَبِيْرَة
( pl.
reg. &
كَبَاْئِرُ
46)
a. fem. of
كَبِيْرb. Sin, offence, enormity.

كُبَّاْرa. see 25 (a)b. [ coll. ]
see 4 (a)
أَكَاْبِرُ
a. [art.], The great; the chief men; the nobles, the
dignitaries.
N. Ac.
كَبَّرَa. Augmentative.

N. Ag.
تَكَبَّرَa. Proud, haughty, arrogant.
b. [art.], The Great in majesty; the majestic.
N. Ac.
تَكَبَّرَa. see 2 (c)
كِبْرِيَآء
a. Pride, haughtiness; selfconceit.
b. Grandeur, magnificence, pomp, splendour.

هُوَ كِبْرَتُهُم
هُوَ كُِبُرَّتُهُم
هُوَ كُبْرُهُم
هُوَ أَـِكْبِرَّتُهُم
a. He is their elder, their senior.

هُوَ مُكَابَر عَلَيْه
a. He has been despoiled of it.

كَابَرْتُهُ فَكَبَرْتُهُ
a. I contended with him for superiority & overcame
him.
ك ب ر : كَبِرَ الصَّبِيُّ وَغَيْرُهُ يَكْبَرُ مِنْ بَابِ تَعِبَ مُكَبَّرًا مِثْلُ مَسْجِدٍ وَكِبَرًا وِزَانُ عِنَبٍ فَهُوَ كَبِيرٌ وَجَمْعُهُ كِبَارٌ وَالْأُنْثَى كَبِيرَةٌ.
وَفِي التَّفْضِيلِ هُوَ الْأَكْبَرُ وَجَمْعُهُ الْأَكَابِرُ وَهِيَ الْكُبْرَى وَجَمْعُهَا كُبَرٌ وَكُبْرَيَاتٌ وَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ زَيْدٍ إذَا زَادَتْ سِنُّهُ عَلَى سِنِّ زَيْدٍ وَالْكَبِيرَةُ الْإِثْمُ وَجَمْعُهَا كَبَائِرُ وَجَاءَ أَيْضًا كَبِيرَاتٌ وَتَقَدَّمَ فِي صَغُرَ كَلَامٌ فِيهَا وَكَبُرَ الشَّيْءُ كُبْرًا مِنْ بَابِ قَرُبَ عَظُمَ فَهُوَ كَبِيرٌ أَيْضًا وَكُبْرُ الشَّيْءِ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا مُعْظَمُهُ.
وَفِي التَّنْزِيلِ {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: 11] بِالْكَسْرِ فِي الطُّرُقِ السَّبْعَةِ وَبِالضَّمِّ شَاذًّا وَالْكِبْرُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْ التَّكَبُّرِ وَقَالَ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ الْكِبْرُ اسْمٌ مِنْ كَبُرَ
الْأَمْرُ وَالذَّنْبُ كُبْرًا إذَا عَظُمَ وَالْكِبْرُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ مِثْلُهُ وَكَابَرْتُهُ مُكَابَرَةً غَالَبْتُهُ مُغَالَبَةً وَعَانَدْتُهُ وَأَكْبَرْتُهُ إكْبَارًا اسْتَعْظَمْتُهُ وَوَرِثُوا الْمَجْدَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ أَيْ كَبِيرًا شَرِيفًا عَنْ كَبِيرٍ شَرِيفٍ وَيَكُونُ أَكْبَرُ بِمَعْنَى كَبِيرٍ تَقُولُ الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ أَيْ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَمِنْهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ اللَّهُ أَكَبَرُ أَيْ الْكَبِيرُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ كَبِيرٍ وَعَلَتْهُ كَبْرَةٌ مِثْلُ تَمْرَةٍ إذَا كَبِرَ وَأَسَنَّ وَالْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ بِالضَّمِّ أَيْ لِمَنْ هُوَ أَقْعَدُ بِالنَّسَبِ وَأَقْرَبُ وَالْكَبَرُ بِفَتْحَتَيْنِ الطَّبْلُ لَهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ وَجَمْعُهُ كِبَارٌ مِثْلُ جَبَلٍ وَجِبَالٍ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ أَصَفٌ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وِزَانُ سَبَبٍ وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَكْبَارٍ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَدَّ التَّكْبِيرُ فِي التَّحَرُّمِ عَلَى الْبَاءِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ مَوْضُوعِ التَّكْبِيرِ إلَى لَفْظِ الْأَكْبَارِ الَّتِي هِيَ جَمْعُ الطَّبْلِ وَالْكِبْرِيتُ فِعْلِيتٌ مَعْرُوفٌ. 
(كبر) - في أسماء الله تعالى: "المُتَكَبِّرُ ".
والتاء التي فيه تَاءُ التّفَرّد والتَّخَصُّص للكِبريَاء، لا تاءُ التَّعاطِي والتّكَلُّف، وقيلَ: إنّه من باب الكِبْرياء الذي هو عَظَمة الله تعالى لا منِ الكِبْر.
- في الحديث: "الوَلاءُ لِلْكُبْر".
يعني: لأكْبَر ذُرَّيَّة الرّجُل إذا ماتَ عن ابنَين، ثم مات أحدُهما عن أولادَ يكون الوَلاءُ للابن الباقى، دُون أوَلادِ الآخَر.
- وفي حديث القَسامَة : "الكُبْرَ الكُبْرَ"
: أي لِيَبْدأ الأَكْبرُ بالكلام، أَو قَدِّموا الأَكْبَر، إرشَاداً إلى الأدَب في تَقْديم الأَسَنِّ. - في حديث عذاب القَبْر : "ما يُعَذَّبَان في كَبِير"
: أي ليس في أَمرٍ كان يَكبر عليهما، أو يَشُقُّ فِعْلُه لو أرادَاهُ، لا أَنَّ الأَمْرَ في نَفْسِهِ غَيرُ كبير، وكيف لَا يكُون كبيرًا وهما يُعذَّبان فيه؟
وفي رِوايَة: "بلى": أي هو كَبيرٌ في نفسِه.
- في الحديث : "لا يَدخُل الجنَّةَ مِثقالُ حَبَّة خرْدَل من كِبْرِ"
وفي رواية: "مَن في قَلبِه ذلك".
يعني: كِبْرَ الكفر والشِّرك، كما في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ....} الآية، و {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} ، ونحو ذلك.
ألَا تَرى أَنّه قابَلَه في نَقيضِه بالإيمان فقال: "ولا يَدخُل النّارَ مَنْ في قَلْبِه مِثْل ذلك منِ الإيمانِ"
وقيل: إذا أرادَ أن يُدخِلَه الجنةَ نَزعَ ما في قَلْبِه من الكِبْر، كما قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} .
وقوله: "لا يَدخُل النَّارَ"، اُى دُخولَ تَأبِيدٍ. - وفي حديث آخر: "وَلكنّ الكِبْرَ مَن بَطِرَ الحَقَّ".
: أي ولكنّ الكِبْرَ كِبْرُ مَن بَطِرَ الحَقَّ، نحو قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} .
- قوله تَبارَك وتعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} .
قال أبو عُبَيْدة: الكُبَّارُ أكثرُ كِبْرًا.
- في صِفَةِ العباس - رضي الله عنه -: "كُبْرُ قَومِه "
: أي كان أَقْعَدَهم في النَّسَب، وهو أن يَنْتَسِبَ إلى جَدِّه الأَكْبر بآباءٍ قلِيلين.
- وقوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} .
بالكَسرِ والضَّم: أي مُعظَمه.
- في الحديث : "دَفَعُوا مالَه إلى أكْبر خُزَاعة"
: أي كُبْرهم، وهو أقربُهم إلى الجَدِّ الأَكْبَرِ. - سُئل عَطاء : "عن التَّعويذِ يُعلَّقُ على الحائض، قال: إن كان في كَبَرٍ فلا بَأس".
: أي في طَبْل صَغِير.
وفي رِواية: "إن كان في قَصَبَة ".
(ك ب ر)

الكِبَر: نقِيض الصِّغَر.

كَبُرَ كِبَراً، وكُبْرا، فَهُوَ كَبِير، وكُبَار وكُبَّار وَالْأُنْثَى: بِالْهَاءِ.

وَالْجمع: كِبَار، وكُبَّارُون.

وَاسْتعْمل أَبُو حنيفَة الكِبَر فِي البُسْر وَنَحْوه من الثَّمر.

واستكبر الشَّيْء: رَآهُ كَبِيرا وعَظُم عِنْده، عَن ابْن جِنّي.

والمكبُوراء: الكِبار.

وَيُقَال: سادوك كَابِرًا عَن كَابر: أَي كَبِيرا عَن كَبِير.

وورثوا الْمجد كَابِرًا عَن كَابر، وأكبرَ أكبرَ.

وكَبَّر الْأَمر: جعله كَبِيرا.

واستكبره: رَآهُ كَبِيرا.

وَأما قَوْلهم: الله أكبرُ: فَإِن بَعضهم يَجعله بِمَعْنى: كبِير.

وَحمله سِيبَوَيْهٍ على الْحَذف، أَي: أكبر من كل شَيْء كَمَا تَقول: أَنْت افضل، تُرِيدُ: من غَيْرك.

وكبَّر: قَالَ: الله أكبر.

وكَبِر الرجل والدابَّة كِبَرا، فَهُوَ كَبِير: طعن فِي السِنّ.

وَقد علته كَبْرَة، ومَكْبِرَة، ومَكْبُرَة، ومَكْبِر.

وَيُقَال للنصل الْعَتِيق الَّذِي قد علاهُ صَدَأ فأفسده: علته كَبْرَة. وحَكَى ابْن الأعرابيّ: مَا كَبَرني إلاّ بسَنَة: أَي مَا زَاد عليَّ إِلَّا ذَلِك.

وكُبْر ولد الرجل: اكبرهم من الذُّكُور، وَمِنْه قَوْلهم: الوَلاء للكُبْر.

وكِبْرتهم، وإكبِرَّتهم: ككُبْرهم.

وكُبْرُ الْقَوْم، وإكبِرَّتهم: أقعدُهم بالنَسَب وَالْمَرْأَة فِي ذَلِك: كَالرّجلِ. وَقَالَ كُرَاع: لَا يُوجد فِي الْكَلَام على إفْعِل غَيره.

وكبُرَ الْأَمر كِبَراً، وكَبَارة: عَظُم.

وكلّ مَا جَسُم: فقد كَبُر، وَفِي التَّنْزِيل: (قُلْ كونُوا حِجارة أَو حديدا أَو خَلْقاً ممّا يكبرُ فِي صُدوركم) قَالَ ثَعْلب: قَوْله: أَو خَلْقاً ممّا يكبر فِي صدوركم مَعْنَاهُ: كونُوا أشدَّ مَا يكون فِي أَنفسكُم فَإِنِّي أُميتكم وأُبليكم. وَقَوله تَعَالَى: (وإنْ كانَتْ لكبيرة إلاّ على الَّذين هَدَى اللهُ) يَعْنِي: وَإِن كَانَ اتّباع هَذِه القِبلة، يَعْنِي قبْلَة بَيت الْمُقَدّس، إِلَّا فَعلة كَبِيرَة.

الْمَعْنى: أَنَّهَا كَبِيرَة على غير المصحِّحين فأمّا مَن أخْلص فَلَيْسَتْ بكبيرة عَلَيْهِ.

والكِبْر: مُعظم الشَّيْء، وَقَوله تَعَالَى: (والَّذِي توَّلى كِبْرَه مِنْهُم) قَالَ ثَعْلَب: يَعْنِي مُعظَم الإفْك.

والكِبْر: الإثْم الْكَبِير وَمَا وعد الله عَلَيْهِ النَّار.

والكبيرة: كالكِبْر، التَّأْنِيث على الْمُبَالغَة. وَفِي التَّنْزِيل: (الَّذين يجتنبون كبائرَ الْإِثْم وَالْفَوَاحِش) .

والكُبْر: الرّفْعَة فِي الشَّرَف.

والكِبْر والكِبْرياء: العَظَمة والتجبّر.

قَالَ كرَاع: وَلَا نَظِير لَهُ إلاّ السِّيمياء: العَلاَمة والجِرْبِياء: للريح الَّتِي بَين الصّبَا والجنوب.

قَالَ: فَأَما الكِيمياء فكلمة أحسبها أعجميَّة.

وَقد تكبَّر، واستكبر، وتكابر.

وَقيل: تكبَّر: من الكِبْر، وتكابر: من السِنّ.

وَقَوله تَعَالَى: (لَخَلْقُ السَّمواتِ وَالْأَرْض أكبرُ من خَلْقِ النَّاس) أَي أعجبُ.

والإكْبِرُ، والأكبر: شَيْء كَأَنَّهُ خَبِيص يَابِس، فِيهِ بعض اللين لَيْسَ بشَمَع وَلَا عَسَل، وَلَيْسَ بشديد الْحَلَاوَة وَلَا عَذْب، تَجِيء النحلُ بِهِ كَمَا تَجِيء بالشَّمَع.والكَبَر: نَبَات لَهُ شوك.

وَالْكبر: طَبْل لَهُ وَجه وَاحِد.

وَذُو كِبَار: رجل.

وإكْبِرَة، وأكْبَرة: من بِلَاد بني أَسد، قَالَ المَرَّار الفقعسِيّ:

فَمَا شَهِدت كَوادسُ إذْ رَحَلْنا ... وَلَا عَتَبتْ بأكبرة الوعولُ
كبر: كَبُرَ: صار قادراً، قوياً، مقتدراً، فعالاً، مؤثراً، (مباحث، ملحق9).
كَبُر: ازدهى، تكبّر، تعظم. (ألكالا).
كَبُر: كبرت نفسه عن: أنف من، استنكف من واستكبر. (بوشر).
كَبُر: كبر عليه ذلك: رآه شاقاً، متعباً، مضنياً. ففي رياض النفوس (ص46): وقد أسقط الجرة فانقلبت ولم يبقَ لديه ماء وكانت ليلة كثيرة الريح والبرد والماجل أسفل القصر فكبر عليّ النزول في طلب الماء.
كَبَّر (بالتشديد). كبَّر المنزل: وسَّعه وجعله كبيراً. (معجم البلاذري).
كّبَّر: عظَّم، فخَّم، وجعله متكبراً متعجرفاً، صلفاً، متغطرساً. (ألكالا).
كَبّر لله: كبَّر لله، قال الله أكبر، تعظيماً له (فوك).
كابَر: عَنَد، عاند، تشبث برأيه، ركب رأسه. ففي بدرون (ص249): فأبوا أن يأذنوا بالدخول إلى أن كابرتُ ودخلت. وفي ألف ليلة (867:1): ما أنت إلا شاب بليد مكابر أحمق كابَر: ناقض، عارض، خاصم. (فوك).
كابَرَ: ماحك، لاجَّ، نازع. (ألف ليلة برسل 160:4، 183، بوشر).
أكْبَر: اغتاظ من، تغيَّظ مِن، سخط. (معجم البلاذري، معجم الطرائف).
تكبَّر: تعاظم، تفاخر، تباهى. (معجم الطرائف).
تكابَر: تنازَعَ، تخاصَم. (ألف ليلة برسل 178:4).
تكابَر معه: خاصمه ونازعه وحاربه (فوك).
كِبْر: نجد عند أبي المحاسن الكبر البعلكي اسماً لنوع من القماش (دي ساسي طرائف 61:2، ليون ص665) وفي ألف ليلة (برسل 278:9): وربط على بطنه قطعة كبر مضرب. وفي طبعة ماكن: وربط على بطنه بعض قماش.
كِبْر: تنّورة داخلية، تنّورة قصيرة تحتانية (زيشر94:22) رقم (1) ومعطف نسائي ص164). وانظر: كَبر، وكبر في معظم قُلَّرز.
كُبْر. كُبْر المَحاشِم: أدرة، قروة. (سانج).
كَبَر: خصام، شجار، نزاع. (فوك).
كَبَر (باللاتينية corus. courus) والجمع إكْبار: الريح الشمالية الغربية. ففي المعجم (اللاتيني- العربي corus ريح وكَبر، و cores إكْبار جمع كَبَر).
كبر؟ في (المقري 711:2) في كلامه عن خيمة: وإكبارها من فضة مذهبة.
كبر؟ في ابن البيطار (168:1) في مادة بُلْ: الرازي قالت الخوزانه قثاء هندي وهو مثل قثاء الكبر (وفي مخطوطة ب: مثل الكَبَر).
كبر باللبن: شراب يُتخذ من ورق نبات اللبسان. واللبن (ميهران ص37).
كُبْران، والجمع كَبارين: ثوب إلى الوسط يُلبس فوق الصدرية. وهو من كلام العامة (محيط المحيط).
كَبار: هضبة، تّل، أكمة، جثوة، نجف، وهو شبيه بالجبل وليس به ما دام السيل يمكن أن يجرفه كما يجرف الطين (النويري في مملوك 1، 26:2).
كَبِير: رئيس. (دي ساسي طرائف 26:2، المعجم الجغرافي).
كَبِير: معلّم. ففي حكاية باسم الحداد (ص21): أهلاً وسهلاً في الحاج باسم معلّي وكبيري.
كَبِير: رئيس الخصيان، رئيس الطواشية. (تاريخ البربر 341:2، ألف ليلة 1، 182، برسل 99:2، 150:4).
كَبِير: رئيس النجار، شيخ التجار، أمين التجار، شاه بندر. (ألف ليلة 80:3).
كبير بيوت الفنش: كبير خدم ألفونس، قهرمان دار ألفونس، أستاذ الدار عند ألفونس. (كرتاس ص225).
السّت الكبيرة، أو الكبيرة فقط: الزوجة الأولى للرجل الذي تزوج بعدها عدة زوجات وهي تتمتع بمنزلة كبيرة في المنزل فهي سيّدة المنزل. (لين عادات 275:1، برتون 184:2، ألف ليلة 327:1).
كبيرة: لقب يُطلق على أم أولاد السلطان. أو على النسوة اللاتي كنَّ من محظياته ثم أصبحن قهرمانات للأخريات أو مربيات وحاضنات لأولادهن. (ليون ص98).
كَبِير: قدح ضخم، رَفْد، مَرْفِد. (عباد 41:1، 46، 90 رقم 95، 17:3، المقري 587:2، ألف ليلة 304:1).
كَبِير: اسم نقد تام. (فريتاج نقلاً عن سياسي، كّبَّاب ص92 و، أماري ديب ص173).
كبير، أو كبير: نبات اسمه بالفرنسية Asa foetida ( سنج).
كبيرة: قدح ضخم، رِفْد، مَرفِد (مثل كبير). (أخبار ص162).
كُبَيْبَر: تصغير كبير، ليس بالكبير. (ألكالا).
كَبَّار باليونانية (كَبَّارس) واحدته كَبّارة: كَبَر.
(فوك) وفي (المستعني) مادة أصف: هو الكَبَر وهو القبَّار- وتعرفه العامَّة الكبّار.
أكْبَر: مشايخ العلم، جهابذة، علماء.
(دي سياسي طرائف 102:1).
الزوجة الكبْرَى: السلطانية، زوجة السلطان المفضَّلة.
تَكْبير: من مصطلح قواعد العربية. (أنظر: مُكَبَّر).
تَكبِيرة: نطق الله أكبر مرة واحدة. (بوسييه، المقري 533:2).
مُكَبَّر: اسم فيه حرف من حروف الزوائد، فعابد، ومَعْبد، وعَبَّاد، وعَبُّود، وأعْبُد أسماء مكبَّرة لما فيها من الزوائد. (الحماسة ص94) وأسود تكبير أيضاً (الكامل ص179). غير أن اسم التصغير الذي فيه حرف زائد على أصل الكلمة يسمَّى مُصَغَّر، فالاسم سليم مثلاً إذا نقطته سَلِيم بفتح السين وكسر اللام وليس سُلَيم بضم السين وفتح اللام مكبَّر (المقري 607:1) وهو ضد مصغَّر.
مُكبَّر: كبير الرعاة، رئيس الكهنة. (معجم الإسبانية ص178).
مُكبّر: شراب الكَبَر، وهو شراب يوضع فيه قشر جذر الكبر المدقوق. (شيكوري ص216 و (فيه وصف مطوَّل له)، ابن العوام 410:2، 414، ابن ليون ص30، ألكالا، دوكانج).
مُكَبَّر: موظف في المسجد يعيد بصوتٍ عالٍ إقامة الصلاة وتكبيرات الإمام أو الخطيب (لُب اللباب ص253) وأبدل فيه كلمة المُبْلِغ بكلمة المُبَلَّغ.
مُكَبَّريَّة: مَقْرأ من الحجر على أربعة أعمدة في مسجد المدينة. (برتون 298:1).
[كبر] نه: في أسمائه "المتكبر" و"الكبير"، أي العظيم ذو الكبرياء، أو المتعالي عن صفات الخلق، أو المتكبر على عتاة خلقه- أقوال، والكبرياء: العظمة والملك، أو كمال الذات وكمال الوجود- قولان، ولا يوصف بها إلا الله، من الكبر- بالكسر، وهو العظمة، كبر- بالضم- إذا عظم، فهو كبير. والله "أكبر"، معناه الكبير، أو أكبر من كل شيء، أو من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته، ورؤاه في الأذان والصلاة ساكنة للوقف، فإذا وصل ضم. ومنه ح: الله "أكبر كبيرًا"، ونصبه بتقدير: أكبر كبيرًا، أو على القطع من اسم الله. ط: والحمد لله كثيرًا- بتقدير: حمدًا كثيرًا. نه: ومنه: "يوم الحج "الأكبر"" هو يوم النحر، أو يوم عرفة، ويسمون العمرة الحج الأصغر. ك: أو أيام الحج كلها، أو القِران، أو يوم حج أبو بكر، والأصغر العمرة أو يوم عرفة أو الإفراد. نه: وفي ح: من مات بلا وارث ادفعوا ماله إلى "أكبر" خزاعة، أي كبيرهم وهو أقربهم إلى الجد الأعلى. وفيه: الولاء "للكُبر"، أي أكبر ذرية الرجل، مثل أن يموت عن ابنين فيرثان الولاء، ثم يموت أحد الابنين عن أولاد فلا يرثون نصيب أبيهما من الولاء، وإنما يكون لعمهما وهو الابن الآخر، هو كبر قومه- بالضم، أي أقعدهم في النسب إلى جده بآباء أقل عددًا من غيره. ومنه ح العباس: كان "كُبر" قومه، لأنه لم يبق من بني هاشم أقرب منه إليه.في أمر المعاش مرخص بل مستحب، والمبلغ: الغاية، أي لا تجعلنا بحيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أحوال الدنيا. وح: عائل "متكبر"، أي ذو عيال لا يقدر على تحصيل حوائجهم "يتكبر" عن طلب الزكاة والصدقة وطجلب بيت المال فهو آثم لإيصاله الضرر إلى عياله. وح: "الكبرياء" ردائي، هو العظمة والملك، وقيل: كمال الذات وكمال الوجود، ولا يوصف بهما إلا الله. ن: ما منعه إلا "الكبر"، استدل به على كون الرجل منافقًا، ونقض بأن مجرد الكبر والمعصية لا يقتضي النفاق بل العصيان إن كان أمر إيجاب، والرجل بشر وهو صحابي مشهور. وح: إلا رداء "الكبر" في جنة عدن، هو بلا ياء وألف بعد راء، وفي جنة- ظرف للناظر، وإزالة الرداء مجاز لإزالة المانع- ومر في ز. وح: ما أعددت لها "كبيرًا"، ضبطوه في كل المواضع بمثلثة وبموحدة. ن: لا "كبر" سنك، لم يرد به حقيقته بل هو مثل ويلك. ج: "فكبر" ذلك في ذرعي، أي عظم عندي وجلّ لدى، من ضاق ذرعي به وكبر في ذرعي. وح: "فكبر" ثنتين وعشرين "تكبيرة"، هذا العدد إنما يكون في الرباعية بإضافة الافتتاح والقيام من التشهد الأول، والحميدي هو شيخ البخاري لا صاحب الجمع. وح: أمرنا بكسر كوبة و"كبارة"، يجيء في كو.
كبر
الْكَبِيرُ والصّغير من الأسماء المتضايفة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشيء قد يكون صغيرا في جنب شيء، وكبيرا في جنب غيره، ويستعملان في الكمّيّة المتّصلة كالأجسام، وذلك كالكثير والقليل، وفي الكمّيّة المنفصلة كالعدد، وربما يتعاقب الكثير والكبير على شيء واحد بنظرين مختلفين نحو: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة/ 219] و: كثير قرئ بهما. وأصل ذلك أن يستعمل في الأعيان، ثم استعير للمعاني نحو قوله: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها
[الكهف/ 49] ، وقوله:
وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ
[سبأ/ 3] ، وقوله: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ
[التوبة/ 3] إنما وصفه بالأكبر تنبيها أنّ العمرة هي الحجّة الصّغرى كما قال صلّى الله عليه وسلم: «العمرة هي الحجّ الأصغر» فمن ذلك ما اعتبر فيه الزمان، فيقال: فلان كَبِيرٌ، أي: مسنّ. نحو قوله: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما
[الإسراء/ 23] ، وقال: وَأَصابَهُ الْكِبَرُ [البقرة/ 266] ، وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ [آل عمران/ 40] ، ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرّفعة نحو: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
[الأنعام/ 19] ، ونحو: الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ
[الرعد/ 9] ، وقوله: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ [الأنبياء/ 58] فسماه كبيرا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدر ورفعة له على الحقيقة، وعلى ذلك قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء/ 63] ، وقوله: وَكَــذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها
[الأنعام/ 123] أي:
رؤساءها وقوله: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ [طه/ 71] أي: رئيسكم. ومن هذا النّحو يقال: ورثه كَابِراً عن كابر، أي: أبا كبير القدر عن أب مثله. والْكَبِيرَةُ متعارفة في كلّ ذنب تعظم عقوبته، والجمع: الْكَبَائِرُ. قال: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم/ 32] ، وقال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النساء/ 31] قيل: أريد به الشّرك لقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/ 13] . وقيل: هي الشّرك وسائر المعاصي الموبقة، كالزّنا وقتل النّفس المحرّمة، ولــذلك قال: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً [الإسراء/ 31] ، وقال: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة/ 219] .
وتستعمل الكبيرة فيما يشقّ ويصعب نحو:
وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ [البقرة/ 45] ، وقال: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ
[الشورى/ 13] ، وقال: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ [الأنعام/ 35] ، وقوله:
كَبُرَتْ كَلِمَةً [الكهف/ 5] ففيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذّنوب وعظم عقوبته.
ولــذلك قال: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ [الصف/ 3] ، وقوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ
[النور/ 11] إشارة إلى من أوقع حديث الإفك. وتنبيها أنّ كلّ من سنّ سنّة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه أكبر.
وقوله: إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ [غافر/ 56] ، أي تكبّر. وقيل: أمر كَبِيرٌ من السّنّ، كقوله:
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ [النور/ 11] ، والْكِبْرُ والتَّكَبُّرُ والِاسْتِكْبَارُ تتقارب، فالكبر الحالة التي يتخصّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. وأعظم التّكبّر التّكبّر على الله بالامتناع من قبول الحقّ والإذعان له بالعبادة. والاسْتِكْبارُ يقال على وجهين:
أحدهما: أن يتحرّى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا، وذلك متى كان على ما يجب، وفي المكان الذي يجب، وفي الوقت الذي يجب فمحمود.
والثاني: أن يتشبّع فيظهر من نفسه ما ليس له، وهذا هو المذموم، وعلى هذا ما ورد في القرآن. وهو ما قال تعالى: أَبى وَاسْتَكْبَرَ
[البقرة/ 34] . وقال تعالى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ [البقرة/ 87] ، وقال: وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً [نوح/ 7] ، اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ [فاطر/ 43] ، فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ [فصلت/ 15] ، تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ
[الأحقاف/ 20] ، وقال: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ [الأعراف/ 40] ، قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف/ 48] ، وقوله:
فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا [غافر/ 47] قابل المستكبرين بالضّعفاء تنبيها أنّ استكبارهم كان بما لهم من القوّة من البدن والمال. وقال تعالى: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا [الأعراف/ 75] فقابل المستكبرين بالمستضعفين فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ [الأعراف/ 133] نبّه بقوله:
فَاسْتَكْبَرُوا
على تكبّرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظّمهم عن الإصغاء إليه، ونبّه بقوله: وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ [الأعراف/ 133] أنّ الذي حملهم على ذلك هو ما تقدّم من جرمهم، وأنّ ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل. وقال تعالى: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [النحل/ 22] ، وقال بعده: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل/ 23] . والتَّكَبُّرُ يقال على وجهين:
أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا وصف الله تعالى بالتّكبّر. قال: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
[الحشر/ 23] .
والثاني: أن يكون متكلّفا لــذلك متشبّعا، وذلك في وصف عامّة الناس نحو قوله: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ
[الزمر/ 72] ، وقوله:
كَــذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر/ 35] ومن وصف بالتّكبّر على الوجه الأوّل فمحمود، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم، ويدلّ على أنه قد يصحّ أن يوصف الإنسان بــذلك ولا يكون مذموما، وقوله:
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف/ 146] فجعل متكبّرين بغير الحقّ، وقال: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر/ 35] بإضافة القلب إلى المتكبّر.
ومن قرأ: بالتّنوين جعل المتكبّر صفة للقلب، والْكِبْريَاءُ: الترفع عن الانقياد، وذلك لا يستحقه غير الله، فقال: وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[الجاثية/ 37] ولما قلنا روي عنه صلّى الله عليه وسلم يقول عن الله تعالى: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته» ، وقال تعالى: قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ [يونس/ 87] ، وأكْبَرْتُ الشيء:
رأيته كَبِيراً. قال تعالى: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ
[يوسف/ 31] . والتَّكْبِيرُ يقال لــذلك، ولتعظيم الله تعالى بقولهم: الله أَكْبَرُ، ولعبادته واستشعار تعظيمه، وعلى ذلك: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ
[البقرة/ 185] ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً
[الإسراء/ 111] ، وقوله: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر/ 57] فهي إشارة إلى ما خصّهما الله تعالى به من عجائب صنعه، وحكمته التي لا يعلمها إلّا قليل ممّن وصفهم بقوله: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران/ 191] فأمّا عظم جثّتهما فأكثرهم يعلمونه. وقوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى
[الدخان/ 16] فتنبيه أنّ كلّ ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدّنيا وفي البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم.
والْكُبَارُ أبلغ من الْكَبِيرُ، والْكُبَّارُ أبلغ من ذلك.
قال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً
[نوح/ 22] . 
كبر
كبَرَ يَكبُر، كَبْرًا، فهو كابر، والمفعول مَكْبور
• كبَره في السِّنّ: زاد عليه فيها "أخي يكبُرُني بسنة وأختي تكبُرُه بسنتين". 

كبُرَ/ كبُرَ على/ كبُرَ عن/ كبُرَ في يَكبُر، كِبَرًا وكُبْرًا، فهو كبير، والمفعول مكبور عليه
• كبُر الشَّخصُ/ كبُر الأمرُ: عظُم وجسُم، نما وازداد، نشأ وترعرع، عكسه صَغُر "كبُر قَدْرُه عندي- كبُر الشرُّ- كبُرت المدينةُ: توسَّعت- {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} " ° كبُرت نفسُه: كان كريمًا شُجاعًا.
• كبُر عليه الأمرُ: شَقّ وثَقُل، اشتدَّ وصعُب "كبُر عليه أن يطلب الصّفحَ- {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} - {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} ".
• كبُر عن مخالطة الأشرار: ترفّع، وتَنزّه.
• كبُر في القَدْر: عَظُم، نقيض صَغُر "كبُر في بلدِه: أصبح معروفًا مشهورًا". 

كبِرَ يَكبَر، كِبَرًا، فهو كَبير
• كبِر الشّخصُ أو الحيوانُ: تقدَّم في السِّن وطعَن "كُلّما يَكبَر الإنسانُ تزداد خبراته بالحياة- {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} - {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ". 

أكبرَ يُكبر، إِكبارًا، فهو مُكبِر، والمفعول مُكبَر
• أكبر الموضوعَ: استكبره؛ رآه كبيرًا وعظُم عنده "أكبر المشكلةَ وهي صغيرة- أكبر الأزمةَ بدون سبب".
• أكبر الشَّخصَ: عدَّه عظيمًا، كبيرًا، هابه وأجلّه "أظهر له الإكبارَ: الاحترام المقرون بالإعجاب والتقدير- {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَه}: عَظُمَ في صدورهنّ". 

استكبرَ/ استكبرَ على/ استكبرَ عن يستكبر، استكبارًا، فهو مُسْتكبِر، والمفعول مُسْتكبَر (للمتعدِّي)
• استكبر الرَّجلُ: تكبَّر، عاند، تجبَّر وتعاظم وامتنع عن قبول الحقّ وتمرَّد " {إلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} - {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} - {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} ".
• استكبر الشَّيءَ: رآه كبيرًا وعظُم عنده "استكبر علمَه وسعةَ اطلاعه".
• استكبر على الأمر/ استكبر عن الأمر: ترفَّع عنه "استكبر على زملائه/ مَنْ دونه- {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} " ° استكبر على النَّاس: تكبّر عليهم. 

تكابرَ يتكابر، تكابُرًا، فهو مُتكابِر
• تكابر فلانٌ:
1 - رأى من نفسه أنّه كبير القَدْر أو السِّنِّ.
2 - كان ذا كِبرياء.
3 - تمرّد وتجبَّر. 

تكبَّرَ/ تكبَّرَ على/ تكبَّرَ عن يتكبَّر، تكبُّرًا، فهو مُتكَبِّر، والمفعول مُتكبَّر عليه
• تكبَّرَ فلانٌ: استكبر، تجبَّر وتعاظم وعاند في قبول الحقّ "من تكبَّر على الناس ذلّ- آفة العلم التكبُّر- فدع التكبُّر ما حَيي ... تَ ولا تصاحب أهلهُ- {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَاِ} ".
• تكبَّر على صديقه/ تكبَّر عن الأمرِ: استكبر؛ استعظم، ترفَّع. 

كابرَ/ كابرَ على/ كابرَ في يكابر، مُكابَرةً، فهو مكابِر، والمفعول مكابَر
 • كابر فلانٌ فلانًا:
1 - طاوله بالكِبَر وقال: أنا أكبر منك.
2 - قاهره ونازعه وغالبه.
• كابر على الأمر: جاحده وغالبه عليه "كابره على حقّه".
• كابر في الخبر أو الحقّ: عانَده فيه "الجهلة يكابرون- يكابر في المحسوس المرئيّ". 

كبَّرَ يكبِّر، تكبيرًا، فهو مُكبِّر، والمفعول مُكبَّر (للمتعدِّي)
• كبَّر المُصلّي: قال: الله أكبر، تعظيمًا لله " {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} - {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}: تعظِّموه وتبجِّلوه".
• كبَّر المسألةَ: جعلها أو رآها كبيرة، زاد أبعادَها وضخّمها وعظَّمها "كبَّر رأس ماله: نمّاه- يستعمل الباحثون نظارات مكبِّرة- عرض الموضوع في صورة مُكبَّرة: في صورة مبالغ فيها- كبَّر الصوتَ- طلب من المصوِّر تكبير الصورة الفوتوغرافيّة" ° عدسة مكبِّرة: تسهِّل رؤية الأشياء الصغيرة وفحصها- كبَّرته الهمومُ: شيَّبته- كبّره هِندامُه: أضفى عليه مظهرًا يتعدّى الواقع. 

أكبرُ [مفرد]: ج أكابِرُ، مؤ كُبْرَى، ج مؤ كُبريات وكُبَر:
1 - اسم تفضيل من كبَرَ: للمقارنة أو الإطلاق، عكسه أصغر "أنا أكبر من أخي- الفيل من أكبر الحيوانات: أضخمها- هو أكبر قومه: أقربهم إلى الجدّ- بيته أكبر من بيتي: أوسع، أرحب- {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} - {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} - {وَكَــذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} " ° أكبر الظَّنِّ أنه مُصيب: أغلب الظَّنِّ- الحرب الكبرى: المتميِّزة عن غيرها من حيث الشُّمول- الدُّول الكبرى: المتميِّزة عن غيرها من حيث القدر والنفوذ ولها المقام الأوّل بين الدّول- الله أكبر: أكبر من كلّ كبير- في الأمر شيء أكبر: أهمّ- له الأولويَّة الكُبرى: أهمّ من أيّ شيء آخر- يَوْمُ الحجِّ الأكبر: يومُ عرفة، يوم النَّحر.
2 - لقب لرتبة عُليا "الإمام الأكْبر" ° أكابر القوم: عظماؤهم وشرفاؤهم- أكابر الكُتَّاب: المبرزون منهم- مِنْ أبناء الأكابر: من عائلة محترمة شريفة.
• الأكبر: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: أكمل الموجودات وأشرفها، وأكبر من كلّ ما سواه.
• الأكبران: الهِمَّة والفِعال أو الهِمَّة والنَّفْس. 

استكباريَّة [مفرد]:
1 - مصدر صناعيّ من استكبار.
2 - نزعة تعاظميّة تسلّطيّة للسّيطرة على شعب أو حكم "يشهد العراق الآن أبشع هجمة استكباريّة تقودها الولايات المتحدة- ترسّخ العداء بين دول الشرق الأوسط والدول الغربيّة الاستكباريّة". 

تكبير [مفرد]:
1 - مصدر كبَّرَ.
2 - (فز) إظهار جسم أكبر مما هو عليه، وذلك بالنظر إليه خلال عدسة أو مجموعة من العدسات. 

تكبيرة [مفرد]:
1 - اسم مرَّة من كبَّرَ.
2 - ثناء المسلم على ربِّه بقول: الله أكبر "كبَّر اللهَ ثلاثًا وثلاثين تكبيرة".
• تكبيرة الصَّلاة: (فق) قول المسلم في صلاته: الله أكبر، في مواضع مخصوصة.
• تكبيرة الإحرام: (فق) قول المسلم في بداية صلاته: الله أكبر، بغرض الدّخول في الصَّلاة والانقطاع عمّا سواها. 

كابِر [مفرد]: اسم فاعل من كبَرَ ° ورِث المَجْدَ كابِرًا عن كابِر: صار مَجْدُهم إليه. 

كُبَّار [مفرد]: صيغة مبالغة من كبُرَ/ كبُرَ على/ كبُرَ عن/ كبُرَ في: بالغ العظم، مُفْرِط في الجسامة أو العِظَم أو السّوء "أمرٌ كُبّار- {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}: بالغ السُّوء". 

كَبْر [مفرد]: مصدر كبَرَ. 

كَبَر [جمع]: (نت) نبات مُعَمَّر، ينبت طبيعيًّا ويُزرَع، وتُؤكل سُوقه وورقه وبراعمه مُخلَّلة أو مُملّحة، وتستعمل جذوره في الطبّ. 

كُبْر [مفرد]: مصدر كبُرَ/ كبُرَ على/ كبُرَ عن/ كبُرَ في. 

كُبَر [جمع]: مف كُبْرَى: بلايا عظام " {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} ". 

كِبْر [مفرد]:
1 - عظمة وتجبُّر وترفُّع عن الانقياد، عكسه تواضع "مُنْتفِخ كِبْرًا- تبدو عليه علامات الكِبر والعجرفة- *الكِبْر عَيْبٌ للفتى أبدا*- لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ [حديث]- {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إلاَّ كِبْرٌ} ".
2 - إثمٌ كبير "الشّرك بالله كِبْر عظيم- عقوق الرّجل والديه كِبْر عظيم- {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: المراد به هنا: حديث الإفك". 

كِبَر [مفرد]: مصدر كبِرَ وكبُرَ/ كبُرَ على/ كبُرَ عن/ كبُرَ في. 

كبرياءُ [مفرد]:
1 - كِبْر؛ عظمة وتجبُّر وترفُّع عن الانقياد واستعلاء "غنيٌّ لا يُخْفِي كبرياءه عن الناس- منعته كبرياؤه من التذلُّل لمن هو أقوى منه- من تبع كبرياءَه ضلّ ومن خضَع لشهواته ذلّ- الكِبْرِيَاءُ رِدَائيِ، والعِزُّ إِزَاري [حديث قدسي]- {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} " ° جرَح كبرياءَه: أصاب كرامتَه- يعتصم بكبريائه زمن الشَّدائد: يحتمي بما حقَّق من مكانة في وقت الرّخاء.
2 - مُلْك، قوّة وسلطان " {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} ".
• الكبرياءُ: كمال الذَّات وكمال الوجود لا يُوصف به إلاّ الله ذو العظمة والجلال. 

كبير [مفرد]: ج كِبار وكُبراءُ، مؤ كبيرة، ج مؤ كبيرات وكبائِرُ (لغير العاقل):
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من كبِرَ وكبُرَ/ كبُرَ على/ كبُرَ عن/ كبُرَ في ° إلى حدٍّ كبير- العيد الكبير: عيد الأضحى- شَخْصٌ كبير في دائرته: مهمّ- فضل كبير: ذو أهمية لا يمكن التغاضي عنها- كبير الشأن: عظيم- مُوظَّف كبير: عالي المقام، ذو مرتبة عالية- يعلم كُلّ صغيرة وكبيرة: يعلم كُلَّ شيء وينتبه للتفاصيل.
2 - رئيس "كِبار الضباط/ الموظفين/ الهيئات- كبير الأطباء/ القضاة- {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} " ° كبير القوم: سيّدهم.
• الكبير: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الموصوف بالجلال وعِظم الشَّأن وكمال الذَّات، الكبير عن شبه المخلوقات " {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} - {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} ". 

كبيرة [مفرد]: ج كبيرات وكبائِرُ (لغير العاقل):
1 - مؤنَّث كبير.
2 - إثمٌ كبير منْهِيٌّ عنه شَرْعًا ووردت فيه عقوبة شرعيَّة، عكسها صغيرة "قتلُ النَّفْس كبيرة- {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} " ° أمُّ الكبائر: الخَمْر. 

مُتَكَبِّر [مفرد]: اسم فاعل من تكبَّرَ/ تكبَّرَ على/ تكبَّرَ عن ° شعب مُتكبِّر: مُتعجرف، شامخ الرأس.
• المُتكبِّر: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: العظيم المتعالي عن صفات الخلق، المُتفرِّد بالعظمة والكبرياء، الملكُ الذي لا يزول سلطانُه، والعظيمُ الذي لا يجري في ملكه إلاّ ما يريد " {السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} ". 

مكابرة [مفرد]:
1 - مصدر كابرَ/ كابرَ على/ كابرَ في.
2 - منازعة في المسألة العلميَّة لا لإظهار الصَّواب، بل لإلزام الخصم "تمخضت المناقشة بين الباحثين عن مكابرة كلٍّ منهما". 

مُكبِّر [مفرد]: ج مُكبِّرات:
1 - اسم فاعل من كبَّرَ.
2 - (فز) جهاز إلكترونيّ لتضخيم الموجات الكهربيّة والصَّوتيّة.
• عدسة مُكبِّرة: (فز) عدسة زجاجيَّة يُتبيَّن من خلالها دقائق الشَّيء الذي ننظر إليه مُكبَّرةً مُجسَّمَة وهي أشبه ما تكون بالمجهر البسيط، وتوفِّر خدمات عظيمة لأعمال المراقبة والملاحظة. 

كبر: الكَبير في صفة الله تعالى: العظيم الجليل والمُتَكَبِّر الذي

تَكَبَّر عن ظلم عباده، والكِبْرِياء عَظَمَة الله، جاءتْ على فِعْلِياء؛ قال

ابن الأَثير: في أَسماء الله تعالى المتكبر والكبير أَي العظيم ذو

الكبرياء، وقيل: المتعالي عن صفات الخلق، وقيل: المتكبر على عُتاةِ خَلْقه،

والتاء فيه للتفرّد والتَّخَصُّصِ لا تاء التَّعاطِي والتَّكَلُّف.

والكِبْرِياء: العَظَمة والملك، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات وكمال

الوجود ولا يوصف بها إلا الله تعالى، وقد تكرر ذكرهما في الحديث، وهما من

الكِبْرِ، بالكسر، وهو العظمة.

ويقال كَبُرَ بالضم يَكْبُرُ أَي عَظُمَ، فهو كبير. ابن سيده: الكِبَرُ

نقيض الصِّغَرِ، كَبُرَ كِبَراً وكُبْراً فهو كبير وكُبَار وكُبَّار،

بالتشديد إذا أَفرط، والأُنثى بالهاء، والجمع كِبارٌ وكُبَّارونَ. واستعمل

أَبو حنيفة الكِبَرَ في البُسْر ونحوه من التمر، ويقال: علاه المَكْبَِرُ،

والاسم الكَبْرَةُ، بالفتح، وكَبُرَ بالضم يَكْبُر أَي عظم. وقال مجاهد

في قوله تعالى: قال كَبِيرُهم أَلم تعلموا أَن أَباكم؛ أَي أَعْلَمُهم

لأَنه كان رئيسهم وأَما أَكبرهم في السِّنِّ فَرُوبِيلُ والرئيسُ كان

شَمْعُونَ؛ قال الكسائي في روايته: كَبيرهم يَهُوذا. وقوله تعالى: إنه لكبيركم

الذي علَّمكم السِّحْرَ؛ أَي مُعَلِّمكم ورئيسكم. والصبي بالحجاز إِذا

جاء من عند مُعَلِّمه قال: جئت من عند كَبيري. واسْتَكْبَر الشيءَ: رآه

كبيراً وعَظُمَ عنده؛ عن ابن جني. والمَكْبُوراء: الكِبَارُ. ويقال: سادُوك

كابِراً عن كابِرٍ أَي كبيراً عن كبير، ووَرِثُوا المَجْدَ كابِراً عن

كابِرٍ، وأَكْبَرَ أَكْبَرَ. وفي حديث الأَقْرَعِ والأَبْرَصِ: ورِثْتُه

كابِراً عن كابِرٍ أَي ورثته عن آبائي وأَجدادي كبيراً عن كبير في العز

والشرف. التهذيب: ويقال ورثوا المجد كابراً عن كابر أَي عظيماً وكبيراً عن

كبير. وأَكْبَرْتُ الشيءَ أَي استعظمته. الليث: المُلوك الأَكابِرُ جماعة

الأَكْبَرِ ولا تجوز النَّكِرَةُ فلا تقول مُلوك أَكابِرُ ولا رجالٌ

أَكابِرُ لأَنه ليس بنعت إِنما هو تعجب. وكَبَّرَ الأَمْرَ: جعله كبيراً،

واسْتَكْبَرَه: رآه كبيراً؛ وأَما قوله تعالى: فلما رَأَيْنَه

أَكْبَرْنَه؛فأَكثر المفسرين يقولون: أَعظَمْنَه. وروي عن مجاهد أَنه قال: أَكبرنه

حِضْنَ وليس ذلك بالمعروف في اللغة؛ وأَنشد بعضهم:

نَأْتي النساءَ على أَطْهارِهِنّ، ولا

نأْتي النساءَ إِذا أَكْبَرْنَ إِكْباراً

قال أَبو منصور: وإِن صحت هذه اللفظة في اللغة بمعنى الحيض فلها

مَخْرَجٌ حَسَنٌ، وذلك أَن المرأَة أَوَّلَ ما تحيض فقد خرجت من حَدِّ الصِّغَرِ

إِلى حد الكِبَر، فقيل لها: أَكْبَرَتْ أَي حاضت فدخلت في حد الكِبَر

المُوجِبِ عليها الأَمْرَ والنهي. وروي عن أَبي الهيثم أَنه قال: سأَلت

رجلاً من طَيِّء فقلت: يا أَخا طيء، أَلك زوجة؟ قال: لا والله ما تزوّجت وقد

وُعِدْتُ في ابنة عم لي، قلت: وما سِنُّها؟ قال: قد أَكْبَرَتْ أَو

كَبِرَت، قلت: ما أَكْبَرَتْ؟ قال: حاضت. قال أَبو منصور: فلغة الطائي تصحح

أَن إِكْبارَ المرأَة أَول حيضها إِلا أَن هاء الكناية في قوله تعالى

أَكْبَرْنَهُ تنفي هذا المعنى، فالصحيح أَنهن لما رأَين يوسف راعَهُنَّ

جَمالُه فأَعظمنه. وروى الأَزهري بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى: فلما

رأَينه أَكبرنه، قال: حِضْنَ؛ قال أَبو منصور: فإِن صحت الرواية عن ابن عباس

سلمنا له وجعلنا الهاء في قوله أَكبرنه هاء وقفة لا هاء كناية، والله

أَعلم بما أَراد. واسْتِكْبارُ الكفار: أَن لا يقولوا لا إِله إِلاَّ اللهُ؛

ومنه قوله: إِنهم كانوا إِذا قيل لهم لا إِله إِلا الله يستكبرون؛ وهذا

هو الكِبْرُ الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلم: إِن من كان في قلبه

مِثْقالُ ذَرَّة من كِبْرٍ لم يدخل الجنة، قال: يعني به الشرك، والله أَعلم،

لا أَن يتكبر الإِنسان على مخلوق مثله وهو مؤمن بريه. والاستكبار:

الامتناع عن قبول الحق مُعاندة وتَكَبُّراً. ابن بُزُرْجٍ: يقال هذه الجارية من

كُبْرَى بناتِ فلان ومن صُغْرَى بناته، يريدون من صِغارِ بناته، ويقولون

من وُسْطى بنات فلان يريدون من أَوساط بنات فلان، فأَما قولهم: الله

أَكبر، فإِن بعضهم يجعله بمعنى كَبِير، وحمله سيبويه على الحذف أَي أَكبر من

كل شيء، كما تقول: أَنت أَفضلُ، تريد: من غيرك.

وكَبَّرَ: قال: الله أَكبر. والتكبير: التعظيم. وفي حديث الأَذان: الله

أَكبر. التهذيب: وأَما قول المصلي الله أَكبر وكــذلك قول المؤذن ففيه

قولان: أَحدهما أَن معناه الله كبير فوضع أَفعل موضع فَعِيل كقوله تعالى: وهو

أَهْوَنُ عليه؛ أَي هو هَيِّنٌ عليه؛ ومثله قول مَعْنِ بن أَوس:

لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وإِني لأَوْجَلُ

معناه إِني وَجِل، والقول الآخر ان فيه ضميراً، المعنى الله أَكْبَرُ

كَبيرٍ، وكــذلك الله الأَعَزُّ أَي أَعَزُّ عَزيز؛ قال الفرزدق:

إِن الذي سَمَكَ السماءَ بَنَى لنا

بيتاً، دَعائِمُه أَعَزُّ وأَطْوَلُ

أَي عزيزة طويلة، وقيل: معناه الله أَكبر من كل شيء أَي أَعظم، فحذف

لوضوح معناه، وأَكبر خبر، والأَخبار لا ينكر حذفها، وقيل: معناه الله أَكبر

من أن يُعْرف كُنْه كبريائه وعظمته، وإِنما قُدِّرَ له ذلك وأُوّلَ لأَن

أَفعل فعل يلزمه الأَلف واللام أَو الإِضافة كالأَكْبَر وأَكْبَر

القَوْمِ، والراء في أَكبر في الأَذان والصلاة ساكنة لا تضم للوقف، فإِذا وُصِلَ

بكلام ضُمَّ. وفي الحديث: كان إِذا افتتح الصلاة قال: الله أَكبر

كبيراً، كبيراً منصوب بإِضمار فعل كأَنه قال أُكَبِّرُ كَبيراً، وقيل: هو منصوب

على القطع من اسم الله. وروى الأَزهري عن ابن جُبَيْر ابن مُطْعِم عن

أَبيه: أَنه رأَى النبي، صلى الله عليه وسلم، يصلي قال: فكَبَّرَ وقال:

الله أَكبر كبيراً، ثلاث مرات، ثم ذكر الحديث بطوله؛ قال أَبو منصور: نصب

كبيراً لأَنه أَقامه مقام المصدر لأَن معنى قوله الله أَكْبَرُ أَُكَبِّرُ

اللهَ كَبيراً بمعنى تَكْبِيراً، يدل على ذلك ما روي عن الحسن: أَن نبي

الله، صلى الله عليه وسلم، كان إِذا قام إِلى صلاته من الليل قال: لا إِله

إِلا الله، الله أَكبر كبيراً، ثلاث مرات، فقوله كبيراً بمعنى تكبيراً

فأَقام الاسم مقام المصدر الحقيقي، وقوله: الحمد لله كثيراً أَي أَحْمَدُ

الله حَمْداً كثيراً.

والكِبَرُ: في السن؛ وكَبِرَ الرجلُ والدابةُ يَكْبَرُ كِبَراً

ومَكْبِراً، بكسر الباء، فهو كبير: طعن في السن؛ وقد عَلَتْه كَبْرَةٌ ومَكْبُرة

ومَكْبِرَة ومَكْبَرٌ وعلاه الكِبَرُ إِذا أَسَنَّ. والكِبَرُ: مصدر

الكبِيرِ في السِّنِّ من الناس والدواب. ويقال للسيف والنَّصْلِ العتيقِ الذي

قَدُمَ: عَلَتْهُ كَبْرَة؛ ومنه قوله:

سَلاجِمُ يَثْرِبَ اللاتي عَلَتْها،

بِيَثْرِبَ، كَبْرَةُ بعد المُرونِ

ابن سيده: ويقال للنصل العتيق الذي قد علاه صَدَأٌ فأَفسده: علته

كَبْرَةٌ. وحكى ابن الأَعرابي: ما كَبَرَني

(* قوله« ما كبرني إلخ» بابه نصر

كما في القاموس.) إِلا بسنة أَي ما زاد عَلَيَّ إِلا ذلك. الكسائي: هو

عِجْزَةُ وَلَدِ أَبويه آخِرُهم وكــذلك كِبْرَةُ ولد أَبويه أَي أَكبرهم. وفي

الصحاح: كِبْرَةُ ولد أَبويه إِذا كان آخرهم، يستوي فيه الواحد والجمع،

والمذكر والمؤنث في ذلك سواء، فإِذا كان أَقعدَهم في النسب قيل: هو

أَكْبَرُ قومه وإِكْبِرَّةُ قومه، بوزن إِفْعِلَّة، والمرأَة في ذلك كالرجل.

قال أَبو منصور: معنى قول الكسائي وكــذلك كِبْرَةُ ولد أَبويه ليس معناه

أَنه مثل عِجْزَة أَي أَنه آخرهم، ولكن معناه أَن لفظه كلفظه، وأَنه للمذكر

والمؤنث سواء، وكِبْرَة ضِدُّ عِجْزَة لأَن كِبْرة بمعنى الأَكْبَر

كالصِّغْرَة بمعنى الأَصْغَر، فافهم. وروى الإِيادي عن شمر قال: هذا كبْرَة

ولد أَبويه للذكر والأُنثى، وهو آخر ولد الرجل، ثم قال: كِبْرَة ولد أَبيه

بمعنى عِجْزة. وفي المؤلف للكسائي: فلان عِجْزَةُ ولَدِ أَبيه آخرهم،

وكــذلك كِبْرَة ولد أَبيه، قال الأَزهري: ذهب شمر إِلى أَن كِبْرَة معناه

عِجْزَة وإِنما جعله الكسائي مثله في اللفظ لا في المعنى. أَبو زيد: يقال هو

صِغْرَةُ ولد أَبيه وكِبْرَتُهم أَي أَكبرهم، وفلان كِبْرَةُ القوم

وصِغْرَةُ القوم إِذا كان أَصْغَرَهم وأَكبرهم. الصحاح: وقولهم هو كُبْرُ

قومه، بالضم، أَي هو أَقْعَدُهم في النسب. وفي الحديث: الوَلاءُ للكُبْرِ،

وهو أَن يموت الرجل ويترك ابناً وابن ابن، فالولاء للابن دون ابن الابن.

وقال ابن الأَثير في قوله الولاء للكُبْر أَي أَكْبَرِ ذرية الرجل مثل أَن

يموت عن ابنين فيرثان الولاء، ثم يموت احد الابنين عن أَولاد فلا يرثون

نصيب أَبيهما من الولاء، وإِنما يكون لعمهم وهو الابن الآخر. يقال: فلان

كُبْر قومه بالضم إِذا كان أَقعدَهم في النسب، وهو أَن ينتسب إِلى جده

الأَكبر بآباء أَقل عدداً من باقي عشيرته. وفي حديث العباس: إِنه كان

كُبْرَ قومه لأَنه لم يبق من بني هاشم أَقرب منه إِليه في حياته. وفي حديث

القسامة: الكُبْرَ الكُبْرَ أَي لِيَبْدَإِ الأَكْبَرُ بالكلام أَو قَدِّموا

الأَكْبَر إِرْشاداً إِلى الأَدب في تقديم الأَسَنِّ، ويروى: كَبِّر

الكُبْرَ أَي قَدِّمِ الأَكبر. وفي الحديث: أَن رجلاً مات ولم يكن له وارث

فقال: ادْفعوا ماله إِلى أَكْبَرِ خُزاعة أَي كبيرهم وهو أَقربهم إِلى

الجد الأَعلى. وفي حديث الدفن: ويجعل الأَكْبَرُ مما يلي القبلة أَي

الأَفضل، فإِن استووا فالأَسن. وفي حديث ابن الزبير وهدمه الكعبة: فلما أَبرَزَ

عن رَبَضه دعا بكُبْرِه فنظروا إِليه أَي بمشايخه وكُبَرائه، والكُبْرُ

ههنا: جمع الأَكْبَرِ كأَحْمَر وحُمْر. وفلان إِكْبِرَّة قومه، بالكسر

والراء مشددة، أَي كُبْرُ قومه، ويستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث. ابن

سيده: وكُبْرُ وَلَدِ الرجل أَكْبَرُهم من الذكور، ومنه قولهم: الولاء

للكُبْر. وكِبْرَتُهم وإِكبِرَّتُهم: ككُبرهم. الأَزهري: ويقال فلان كُبُرُّ

ولد أَبيه وكُبُرَّةُ ولد أَبيه، الراء مشددة، هكذا قيده أَبو اليثم بخطه.

وكُبْرُ القوم وإِكْبِرَّتُهم: أَقعدهم بالنسب، والمرأَة في ذلك كالرجل،

وقال كراع: لا يوجد في الكلام على إِفْعِلٍّ إِكْبِرٌّ.

وكَبُرَ الأَمْرُ كِبَراً وكَبارَةً: عَظُمَ. وكلُّ ما جَسُمَ، فقد

كَبُرَ. وفي التنزيل العزيز: قُلْ كُونُوا حجارَةً أَو حديداً أَو خلقاً مما

يَكْبُر في صدوركم؛ معناه كونوا أَشد ما يكون في أَنفسكم فإِني أُمِيتكم

وأُبْلِيكم. وقوله عز وجل: وإِن كانت لَكَبيرةً إِلا على الذين هَدَى

اللهُ؛ يعني وإِن كان اتباعُ هذه القبلة يعني قبلة بيت المقدس إِلاَّ

فَعْلَة كبيرة؛ المعنى أَنها كبيرة على غير المخلصين، فأَما من أَخلص فليست

بكبيرة عليه. التهذيب: إِذا أَردت عِظَمَ الشيء قلت: كَبُرَ يَكْبُرُ

كِبَراً، كما لو قلت: عَظُمَ يَعظُم عِظَماً. وتقول: كَبُرَ الأَمْرُ يَكْبُر

كَبارَةً. وكُِبْرُ الشيء أَيضاً: معظمه. ابن سيده: والكِبْرُ معظم الشيء،

بالكسر، وقوله تعالى: والذي تولى كِبْرَه منهم له عذاب عظيم؛ قال ثعلب:

يعني معظم الإِفك؛ قال الفراء: اجتمع القراء على كسر الكاف وقرأَها

حُمَيْدٌ الأَعرج وحده كُبْرَه، وهو وجه جيد في النحو لأن العرب تقول: فلان

تولى عُظْمَ الأَمر، يريدون أَكثره؛ وقال ابن اليزيدي: أَظنها لغة؛ قال

أَبو منصور: قاسَ الفراء الكُبْرَ على العُظْمِ وكلام العرب على غيره. ابن

السكيت: كِبْرُ الشيء مُعْظَمُه، بالكسر؛ وأَنشد قول قَيْسِ بن

الخَطِيمِ:تَنامُ عن كِبْرِ شأْنِها، فإِذا

قامَتْ رُوَيْداً، تَكادُ تَنْغَرِفُ

وورد ذلك في حديث الإِفك: وهو الذي تَوَلَّى كِبْرَه أَي معظمه، وقيل:

الكِبر الإِثم وهو من الكبيرة كالخِطْءِ من الخَطيئة. وفي الحديث أَيضاً:

إِن حسان كان ممن كَبَّر عليها. ومن أَمثالهم: كِبْرُ سِياسَةِ الناس في

المال. قال: والكِبْرُ من التَّكَبُّرِ أَيضاً، فأَما الكُبْرُ، بالضم،

فهو أَكْبَرُ ولد الرجل. ابن سيده: والكِبْرُ الإِثم الكبير وما وعد الله

عليه النار. والكِبْرَةُ: كالكِبْرِ، التأْنيث على المبالغة.

وفي التنزيل العزيز: الذين يَجْتَنِبُون كبائرَ الإِثم والفَواحشَ.وفي

الأَحاديث ذكر الكبائر في غير موضع، واحدتها كبيرة، وهي الفَعْلةُ

القبيحةُ من الذنوب المَنْهِيِّ عنها شرعاً، العظيم أَمرها كالقتل والزنا

والفرار من الزحف وغير ذلك، وهي من الصفات الغالبة. وفي الحديث عن ابن عباس:

أَن رجلاً سأَله عن الكبائر: أَسَبْعٌ هي ففقال: هي من السبعمائة أَقْرَبُ

إِلا أَنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إِصرار. وروى مَسْرُوقٌ قال:

سُئِلَ عبد الله عن الكبائر فقال: ما بين فاتحة النساء إِلى رأْس

الثلثين.

ويقال: رجل كَبِير وكُبارٌ وكُبَّارٌ؛ قال الله عز وجل: ومَكَرُوا

مَكْراً كُبَّاراً. وقوله في الحديث في عذاب القبر: إِنهما ليعذبان وما

يُعَذَّبان في كَبير أَي ليس في أَمر كان يَكْبُر عليهما ويشق فعله لو أَراداه،

لا أَنه في نفسه غير كبير، وكيف لا يكون كبيراً وهما يعذبان فيهف وفي

الحديث: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة خردل من كِبر؛ قال ابن

الأَثير: يعني كِبْرَ الكفر والشرك كقوله تعالى: إِن الذين يستكبرون عن عبادتي

سيدخلون جهنم داخرين؛ أَلا تَرى أَنه قابله في نقيضه بالإِيمان فقال: ولا

يَدْخُلُ النارَ من في قلبه مثل ذلك من الإِيمان؛ أَراد دخول تأْبيد؛

وقيل: إِذا دَخَلَ الجنةَ نُزِعَ ما في قلبه من الكِبر كقوله تعالى: ونزعنا

ما في صدورهم من غِلٍّ؛ ومنه الحديث: ولكنّ الكِبْرَ مَن بَطِرَ الحَقَّ؛

هذا على الحذف، أَي ولكنّ ذا الكبر مَن بَطِرَ، أَو ولكنَّ الكِبْرَ

كِبْرُ من بَطِر، كقوله تعالى: ولكنَّ البِرَّ من اتقى. وفي الحديث: أَعُوذ

بك من سُوءِ الكِبر؛ يروى بسكون الباء وفتحها، فالسكون من هذا المعنى،

والفتح بمعنى الهَرَم والخَرَفِ. والكِبْرُ: الرفعة في الشرف. ابن

الأَنباري: الكِبْرِياء الملك في قوله تعالى: وتكون لكما الكبرياء في الأَرض؛ أَي

الملك. ابن سيده: الكِبْر، بالكسر، والكبرياء العظمة والتجبر؛ قال كراع:

ولا نظير له إِلا السِّيمِياءُ العَلامةُ، والجِرْبِياءُ الريحُ التي

بين الصَّبا والجَنُوب، قال: فأَما الكِيمياء فكلمة أَحسبها أَعجمية. وقد

تَكَبَّر واستكْبَر وتَكابَر وقيل تَكَبَّرَ: من الكِبْر، وتَكابَر: من

السِّنّ. والتكَبُّر والاستِكبار: التَّعظّم. وقوله تعالى: سأَصْرِفُ عن

آياتيَ الذين يَتَكَبَّرون في الأَرض بغير الحق؛ قال الزجاج: أَي أَجْعَلُ

جزاءَهم الإِضلال عن هداية آياتي؛ قال: ومعى يتكبرون أَي أَنهم يَرَوْنَ

أَنهم أَفضل الخلق وأَن لهم من الحق ما ليس لغيرهم، وهذه الصفة لا تكون

إِلا لله خاصة لأَن الله، سبحانه وتعالى، هو الذي له القدرة والفضل الذي

ليس لأَحد مثله، وذلك الذي يستحق أَن يقال له المُتَكَبِّر، وليس لأَحد

أَن يتكبر لأَن الناس في الحقوق سواء، فليس لأَحد ما ليس لغيره فالله

المتكبر، وأَعْلَم اللهُ أَن هؤلاء يتكبرون في الأَرض بغير الحق أَي هؤلاء هذه

صفتهم؛ وروي عن ابن العباس أَنه قال في قوله يتكبرون في الأَرض بغير

الحق: من الكِبَر لا من الكِبْرِ أَي يتفضلون ويَرَوْنَ أَنهم أَفضل الخلق.

وقوله تعالى: لَخَلْقُ السموات والأَرض أَكبر من خلق الناس؛ أَي أَعجب.

أَبو عمرو: الكابِرُ السيدُ، والكابِرُ الجَدُّ الأَكْبَرُ. والإِكْبِرُ

والأَكْبَرُ: شيء كأَنه خبيص يابس فيه بعض اللين ليس بشمع ولا عسل وليس

بشديد الحلاوة ولا عذب، تجيء النحل به كما تجيء بالشمع.

والكُبْرى: تأْنيث الأَكْبَر والجمع الكُبَرُ، وجمع الأَكْبَرِ

الأَكابِرُ والأَكْبَرُون، قال: ولا يقال كُبْرٌْ لأَن ههذ البنية جعلت للصفة

خاصة مثل الأَحمر والأَسود، وأَنت لا تصف بأَكبر كما تصف بأَحمر، لا تقول

هذا رجل أَكبر حتى تصله بمن أَو تدخل عليه الأَلف واللام. وفي الحديث:

يَوْم الحَجِّ الأَكْبَرِ، قيل: هو يوم النحر، وقيل: يوم عرفة، وإِنما سمي

الحج الأَكبر لأَنهم يسمون العمرة الحج الأَصغر. وفي حديث أَبي هريرة:

سَجَدَ أَحدُ الأَكْبَرَيْنِ في: إِذا السماءُ انشَقَّتْ؛ أَراد الشيخين أَبا

بكر وعمر. وفي حديث مازِنٍ: بُعِثَ نبيّ من مُضَر بدين الله الكُبَر،

جمع الكبرى؛ ومنه قوله تعالى: إِنها لإِحدى الكُبَرِ، وفي الكلام مضاف

محذوف تقديره بشرائع دين الله الكُبَرِ. وقوله في الحديث: لا تُكابِرُوا

الصلاةَ بمثلها من التسبيح في مقام واحد كأَنه أَراد لا تغالبوها أَي خففوا

في التسبيح بعد التسليم، وقيل: لا يكن التسبيح الذي في الصلاة أَكثر منها

ولتكن الصلاة زائدة عليه. شمر: يقال أَتاني فلان أَكْبَرَ النهار وشَبابَ

النهار أَي حين ارتفع النهار، قال الأَعشى:

ساعةً أَكْبَرَ النهارُ، كما شدَّ

مُحِيلٌ لَبُونَه إِعْتاما

يقول: قتلناهم أَول النهار في ساعة قَدْرَ ما يَشُدّ المُحِيلُ أَخْلافَ

إِبله لئلا يَرْضَعَها الفُصْلانُ. وأَكْبَر الصبيُّ أَي تَغَوَّطَ، وهو

كناية.

والكِبْرِيتُ: معروف، وقولهم أَعَزُّ من الكبريت الأَحمر، إِنما هو

كقولهم: أَعَزُّ من بَيْضِ الأَنُوقِ. ويقال: ذَهَبٌ كِبْرِيتٌ أَي خالص؛ قال

رُؤْبَةُ ابنُ العَجَّاج بن رؤبة:

هل يَنْفَعَنّي كذبٌ سِخْتِيتُ،

أَو فِضَّةٌ أَو ذَهَبٌ كِبْرِيتُ؟

والكَبَرُ: الأَصَفُ، فارسي معرب. والكَبَرُ: نبات له شوك. والكَبَرُ:

طبل له وجه واحد. وفي حديث عبد الله بن زيد صاحب الأَذان: أَنه أَخَذَ

عوداً في منامه ليتخذ منه كَبَراً؛ رواه شمر في كتابه قال: الكبر بفتحتين

الطبلُ فيما بَلَغَنا، وقيل: هو الطبل ذو الرأْسين، وقيل: الطبل الذي له

وجه واحد. وفي حديث عطاء: سئل عن التعويذ يعلق على الحائط، فقال: إِن كان

في كَبَرٍ فلا بأْس أَي في طبل صغير، وفي رواية: إِن كان في قَصَبَةٍ،

وجمعه كِبارٌ مثل جَمَلٍ وجِمالٍ.

والأَكابِرُ: إَحياء من بكر بن وائل، وهم شَيْبانُ وعامر وطلحة من بني

تَيْم الله بن ثعلبة بن عُكابَة أَصابتهم سنة فانْتَجَعُوا بلادَ تَميم

وضَبَّةَ ونزلوا على بَدْرِ بن حمراء الضبي فأَجارهم ووفى لهم، فقال بَدْرٌ

في ذلك:

وَفَيْتُ وفاءً لم يَرَ الناسُ مِثْلَهُ

بتِعشارَ، إِذ تَحْبو إِليَّ الأَكابِرُ

والكُِبْرُ في الرِّفْعةِ والشَّرَف؛ قال المَرَّارُ:

ولِيَ الأَعْظَمُ من سُلاَّفِها،

ولِيَ الهامَةُ فيها والكُبُرْ

وذُو كِبار: رجل. وإِكْبِرَةُ وأَكْبَرَةُ: من بلاد بني أَسد؛ قال

المَرَّارُ الفَقْعَسيّ:

فما شَهِدَتْ كَوادِسُ إِذْ رَحَلْنا،

ولا عَتَبَتْ بأَكْبَرَةَ الوُعُولُ

كبر
كبُرَ الرَّجُل، ككَرُم، يَكْبُر كِبَراً، كَعِنَبٍ، وكُبْراً بالضَّم، وكَبارةً، بِالْفَتْح: نَقيضُ صَغُرَ، فَهُوَ كَبيرٌ وكُبَّارٌ، كرُمَّان، إِذا أَفْرَط، ويُخَفَّف، وَهِي بهاءٍ، ج كِبارٌ، بِالْكَسْرِ، وكُبَّارون، مُشَدَّدة، أَي مَعَ ضمِّ الكافِ، ومَكْبُوراء، كمَعْيوراءَ ومَشْيوخاء. والكابِر: الكَبيرُ، وَمِنْه قولُهم: سادوكَ كابِراً عَن كابِرٍ، أَي كَبيراً عَن كَبيرٍ، فِي المجْد والشَّرَف. وكَبَّرَ تَكْبِيراً وكِبَّاراً، بالكَسْر مشدَّدةً وَهِي لُغة بَلْحَارِث بن كَعْبٍ وكَثير من الْيمن، كَمَا نَقَلَه الصَّاغَانِي.: قَالَ: الله أَكْبَرُ، قَالَ الأزهريُّ: وَفِيه قَولَانِ: أحدُهُما أنَّ مَعْنَاهُ، الله كَبيرٌ، فَوَضَع أَفْعَلَ مَوْضِع فَعيل، كَقَوْلِه تَعَالَى: هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه أَي هُوَ هَيِّن عَلَيْهِ، والقولُ الآخَر: أنَّ فِيهِ ضَميراً: المَعْنى: اللهُ أَكْبَرُ كَبيرٍ. وَكَــذَلِكَ الله الأعَزُّ: أَي أَعَزُّ عزيزٍ.
وَقيل: مَعْنَاهُ: الله أَكْبَرُ من كلِّ شيءٍ، أَي أَعْظَم، فحُذِف لوضوح مَعْنَاهُ. وأَكْبَرُ خبرٌ، والأَخبارُ لَا يُنْكَر حَذْفُها.
وَقيل: مَعْنَاهُ: اللهُ أَكْبَرُ من أنْ يُعرَف كُنْهُ كِبْريائِه وعَظَمَتِه، وَإِنَّمَا قُدِّرَ لَهُ ذَلِك وأُوِّلَ لأنَّ أَفْعَل فَعْلَىبوزْن إِفْعِلَّة، والمرأةُ فِي ذَلِك كالرَّجلِ، وَقَالَ الكسائيُّ: هُوَ عِجْزَةُ وَلَد أَبَوَيْه: آخِرُهم، وَكَــذَلِكَ كِبْرة وَلَدِ أَبَوَيه،)
أَي أَكْبَرهُم، وروى الإياديّ عَن شَمِر قَالَ: هَذَا كِبْرَةُ ولدِ أَبَوَيهِ، للذَّكَر والأُنثى، وَهُوَ آخِرُ ولد الرجل، ثمَّ قَالَ: كِبْرَةُ ولدِ أَبِيه مثل عِجْزَة. قَالَ الأزهريّ: وَالصَّوَاب أنَّ كِبْرَةَ ولدِ أَبِيه أَكْبَرهُم، وأمّا آخِرُ ولدِ أَبِيه فَهُوَ العِجْزَة. وَفِي الحَدِيث: الوَلاءُ للكُبْرِ، أَي لأَكْبَرِ ذُرَّيَّةِ الرّجل، وَفِي حَدِيث آخَر: أنَّ العبَّاسَ كَانَ كُبْرَ قَوْمِه لأنَّه لم يَبْقَ من بني هاشِم أَقْرَب مِنْهُ إِلَيْهِ، وَفِي حَدِيث الدَّفْن: ويُجعَلُ الأَكْبَرُ ممَّا يَلِي القِبْلَة أَي الأَفْضَل، فإنْ استَوَوْا فالأَسَنّ وأمّا حديثُ ابنِ الزُّبَيْر. وهَدْمِه الكَعبة: فلمَّا أبرزَ عَن رَبَضِه دَعَا بكُبْرِه فَهُوَ جمع أَكْبَر، كأَحْمَر وحُمْر، أَي بمشايخه وكُبَرائه. وكَبُرَ الأَمرُ، كصَغُرَ، كِبَراً وكَبَاَرةً: عَظُمّ، وكلُّ مَا، جَسُمَ فقد كَبُرَ. والكِبْرُ، بالكَسْر: مُعْظَم الشَّيء، وَبِه فسَّر ثعلبٌ قولَه تَعَالَى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنهُم لهُ عذابٌ عَظيم يَعْنِي مُعظَم الإِفك. وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: كِبْرُ الشَّيءِ: مُعظَمُه، بالكَسْر، وَأنْشد قولَ قَيْسِ بنِ الخَطيم:
(تَنامُ عَن كِبْرِ شَأْنِها فَإِذا ... قامَتْ رُوَيْداً تكادُ تَنْغَرِفُ)
الكِبْرُ: الرِّفْعَة والشَّرَفُ، ويُضَمُّ فيهمَا، قَالَ الفرَّاء: اجْتمع القُرّاء على كسر الْكَاف فِي كِبْرَهُ وَقرأَهَا حُميْدٌ الأعرَج وَحْدَه كُبْرَه بالضَّمِّ وَهُوَ وَجْهٌ جيِّد فِي النّحو، لأنَّ الْعَرَب تَقول: فلانٌ تَولَّى عُظْمَ الْأَمر، يُرِيدُونَ أَكْثَره. وَقَالَ ابنُ اليَزيديّ: أظنُّها لُغةً. وَقَالَ الأزهريُّ: قَاس الفَرَّاء الكُبْر على العُظْم، وكلامُ العربِ على غَيْرِه. وَقَالَ الصَّاغَانِي: وكُبْرُ الشَّيءِ، بالضمِّ، مُعظَمُه. وَمِنْه قراءةُ يَعْقُوب وحُميْد الْأَعْرَج وَالَّذِي تَوَلَّى كُبْرَه وعَلى هَذِه اللُّغَة أنْشد أَبُو عَمْرو قَوْلَ قَيْسِ بن الخَطيم السّابق. الكِبْرُ: الإثْم، وَهُوَ من الكَبيرة، كالخِطْءِ من الخَطيئة. وَفِي المُحكَم: الكِبْر: الإثْم الكَبير كالكِبْرَة، بالكَسْر، التَّأْنِيث على المُبالَغة. الكِبْر: الرِّفْعَة فِي الشَّرَف. الكِبْر: العَظَمَة والتَّجَبُّر، كالكِبْرِياء، قَالَ كُراع: وَلَا نَظير لَهُ إلاَّ السِّسيمياء: الْعَلامَة، والجِرْبِياء: الرِّيح الَّتِي بَين الصَّبا والجَنوب، قَالَ: فأمَّا الكيمياءُ فكلمة أحسبها أعجميّة. وَقَالَ ابنُ الْأَنْبَارِي: الكِبْرِياء: المُلْك فِي قَوْله تَعَالَى: وتَكونَ لكُما الكِبْرِياءُ فِي الأرضِ أَي المُلْك.
وَقد تَكَبَّر واسْتَكْبَر وتَكابَر، وَقيل: تَكَبَّر من الكِبْرِ، وتَكابَر من السِّنِّ. والتَّكَبُّر والاسْتِكْبار: التَّعَظُّم. وَقَوله تَعَالَى: سَأَصْرِفُ عنْ آياتيَ الذينَ يَتَكَبَّرونَ فِي الأَرْض بِغَيْرِ الحقِّ. قَالَ الزَّجَّاج: معنى يتكبَّرون أنَّهم يَرَوْن أنَّهم أفضلُ الخَلْق، وأنّ لَهُم منَ الحقِّ مَا لَيْسَ لغَيرهم، وَهَذِه لَا تكون إِلَّا لله خاصَّة، لِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي لَهُ القُدْرَة والفَضل الَّذِي لَيْسَ لأحد مثله وَــذَلِكَ الَّذِي يَستحِقُّ أَن يُقال لَهُ المُتَكَبِّر، وَلَيْسَ لأحدٍ أَن يتَكَبَّر، لأنَّ النَّاس فِي الْحُقُوق سواءٌ، فَلَيْسَ لأحد مَا لَيْسَ لغيره، وَقيل: إنَّ يتَكَبَّرون هُنَا من الكِبَرِ لَا من الكِبْرِ، أَي يَتَفَضَّلون ويَرَوْن أنّهم أفضلُ الخَلْق.وَأَنت لَا تَصف بأَكْبر كَمَا تصف بأَحْمَر، وَلَا تَقول هَذَا رجلٌ أكبرُ حَتَّى تَصلَه بمِنْ أَو تُدخِل عَلَيْهِ الألِف وَاللَّام. وأمّا حديثُ مازِنٍ: بُعِثَ نَبيٌّ من مُضَرَ بدِين اللهِ الكُبَر فعلى حذف مُضافٍ، تَقْدِيرهُ بشَرائع دينِ اللهِ الكُبَر. الكَبَرُ بالتَّحْريك: الأَصَف فارسيٌّ مُعَرَّب، وَهُوَ نَباتٌ لَهُ شَوْكٌ، والعامةُ تَقول: كُبَّارٌ، كرُمَّان. الكَبَرُ: الطَّبْل، وَبِه فُسِّر حديثُ عبدِ الله بنِ زيد صاحبِ الْأَذَان: أنَّه أَخَذَ عوداً فِي منامِه ليتَّخِذ مِنْهُ كَبَرَاً رَوَاهُ شَمِرٌ فِي كِتَابه، قَالَ: الكَبَر: الطَّبْل، فِيمَا بَلَغَنا، وَقيل: هُوَ الطَّبْل ذُو الرَّأْسَيْن، وَقيل: الطَّبْلُ الَّذِي لَهُ وَجْهٌ واحدٌ، بِلُغَة أهل الْكُوفَة، قَالَه اللَّيْث وَفِي حَدِيث عَطاءٍ: أنَّه سُئلَ عَن التَّعْويذ يُعَلَّقُ على الْحَائِض فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي كَبَرٍ فَلَا بَأْس أَي فِي طَبْل صَغِير، وَفِي رِوَايَة: إنْ كَانَ فِي قَصَبَة. ج كِبارٌ وأَكْبَارٌ، كَجَمَل وجِمال وَسَبَب وأَسْبَاب. الكَبَرُ: جبلٌ عظيمٌ، والمضْبوطُ فِي التَّكْمِلَة الكُبَر، بالضَّمِّ، ومثلُه فِي مُخْتَصر البُلدان. كَبَرُ: ناحيةٌ بخوزِسْتان، نَقله الصَّاغَانِي. قلتُ: وَهُوَ من أَعمال الباسِيان من خُوزسِتان، وباؤه فارسيَّة. من الْمجَاز: أَكْبَرَ الصَّبِيُّ، إِذا تَغَوَّطَ، وأَكْبَرَت المرأةُ: حاضَتْ، وَبِه فَسَّر مُجاهدٌ قولَه تَعَالَى: فلمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرنَهُ، قَالَ: أَي حِضْن، وَلَيْسَ ذَلِك بِالْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَة، وَأنْشد بعضُهم:
(نَأْتِي النِّساءَ على أَطْهَارِهِنَّ وَلَا ... نَأْتِي النِّساءَ إِذا أَكْبَرْنَ إكْبارا)
قَالَ الأزْهريُّ: فإنْ صَحَّتْ هَذِه اللَّفْظَة فِي اللُّغة بِمَعْنى الحَيْض فلهَا مَخْرَجٌ حَسَنٌ، وَــذَلِكَ أنَّ المرأةَ إِذالَا كَبيرةَ مَعَ الاستِغْفار، وَلَا صَغيرةَ مَعَ الْإِصْرَار.
والكَبيرة: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُرْب جَيْحُونَ، نَقله الصَّاغانِيّ. قلت: وَمِنْهَا إسْحاق بن إِبْرَاهِيم بن مُسلِمٍ الكَبيريّ، روى عَنهُ مُحَمَّد بن نَصْرٍ وَغَيره. قَالَ الْحَافِظ. والأكْبر، كإثْمِد وأَحْمَد: شيءٌ كأنَّه خَبيصٌ يابِسٌ فِيهِ بعض اللِّين لَيْسَ بشَمعٍ وَلَا عَسَلٍ، وَلَيْسَ بشَديد الحَلاوَة وَلَا عَذْب، يجيءُ بِهِ النَّحْلُ كَمَا يَجيءُ بالشَّمْعِ. إكْبِرَة وأَكْبَرَة بهاء: ع من بِلَاد بني أَسد قَالَ المَرَّارُ الفَقْعسِيّ:
(فَما شَهِدَتْ كَوادِسُ إذْ رَحَلْنا ... وَلَا عَتَبَتْ بأَكْبَرةَ الوُعولُ)
وَفِي مُخْتَصر البُلدان أنَّه من أَوْدِيةِ سَلْمَى الجبلِ المعروفِ، بِهِ نخلٌ وآبارٌ مَطْوِيَّة، سَكَنَها بَنو حُداد. وَمِمَّا يُستدرك عَلَيْهِ: المُتَكَبِّر والكَبير فِي أَسْمَاءِ الله تَعَالَى: العَظيم ذُو الكِبْرِياء، وَقيل: المُتعالي عَن صِفات الخَلْق وَقيل: المُتَكَبِّر على عُتاةِ خَلْقِه، وَالتَّاء فِيهِ للتفرُّد والتَّخَصُّص لَا تاءُ التَّعاطي والتَّكَلُّف. والكِبْرِياء، بالكَسْر: عِبارةٌ عَن كَمال الذَّاتِ وكَمالِ الوُجوبِ، وَلَا يُوصف بهَا إلاَّ اللهُ تَعَالَى. واستعملَ أَبُو حَنيفةَ الكِبَرَ فِي البُسْرِ ونَحْوِه من التَّمْرِ. ويُقال: علاهُ المَكْبَرُ، وَالِاسْم الكَبْرَةُ. وَقَالَ ابنُ بُزُرْج: هَذِه الجاريةُ من كُبْرى بَناتِ فُلان: يُرِيدُونَ من كِبارِ بناتهِ. ويُقال للسَّيْفِ والنَّصْلِ العَتيقِ الَّذِي قدُم: عَلَتْهُ كَبْرَةٌ، وَهُوَ مَجاز، وَمِنْه قولُه:
(سَلاجِمُ يَثْرِبَ اللَّاتِي عَلَتْها ... بِيَثْرِبَ كَبْرَةٌ بَعْدَ المُرونِ)
وَفِي المُحْكَم: يُقال للنَّصْل العَتيق الَّذِي قد علاهُ صَدَأٌ فَأَفْسده: عَلَتَهُ كَبْرَةٌ. وكَبُرَ عَلَيْهِ الأمرُ، ككَرُمَ: شَقَّ واشْتَدَّ وثَقُلَ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: إنْ كانَ كَبُرَ عليكُم وقَوْلُهُ تَعالى: أوْ خَلْقَاً ممَّا يَكْبُرُ فِي صُدوركم وقَوْلُهُ تَعالى: وإنَّها لكَبيرةٌ وَفِي الحَدِيث: وَمَا يُعَذَّبانِ فِي كَبيرٍ أَي أمرٍ كَانَ يَكْبُرُ عَلَيْهِمَا ويَشقُّ فِعلُه لَو أراداه، لَا أنَّه فِي نَفْسِه غَيْرُ كَبير. والكِبْرُ بالكَسْر: الكُفْرُ والشِّرك، وَمِنْه الحَدِيث: لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ منْ فِي قَلْبِه مِثْقالُ حبَّة خَرْدَلٍ منْ كِبْرٍ. وَعَن أبي عَمْرُو: الكابِرُ: السَّيِّد. والكابِر: الجَدُّ الأَكْبَر. وَيَوْمُ الحجِّ الأَكْبَر، قيل: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَقيل: يومُ عَرَفَةَ، وَقيل)
غير ذَلِك. وَفِي الحَدِيث: لَا تُكابِروا الصَّلاةَ، أَي لَا تُغالِبوها. وَقَالَ شَمِرٌ: يُقال: أَتَانِي فُلانٌ أَكْبَرَ النَّهارِ، وشبابَ النَّهارِ، أَي حينَ ارْتَفَعَ النَّهارُ. قَالَ الْأَعْشَى:
(سَاعَة أَكْبَرَ النَّهارِ كَمَا شَدَّ ... مُحيلٌ لبُونَه إعْتاما)
وَهُوَ مَجازٌ، يَقُول: قَتَلْناهُم أوَّلَ النّهار فِي ساعةٍ قَدْرَ مَا يَشُدُّ المُحيلُ أخلافَ إبلِهِ لئلاَّ يَرْضَعها الفُصْلان. والكِبْريت فِعْليتٌ، على قَوْلِ بعض، فَهَذَا محلُّ ذِكْره، يُقال: ذهبٌ كِبْريتٌ، أَي خالِصٌ، وَقد تَقَدَّم ذكرُه فِي التَّاء. وقَوْلُهُ تَعالى: قَالَ كَبيرُهم أَلَمْ تَعْلَموا أنَّ أباكُم قَالَ مجاهدٌ: أَي أَعْلَمُهم، كأنَّه كَانَ رئيسَهم. وأمّا أَكْبَرُهُم فِي السِّنِّ فرُبيل. والرَّئيسُ كَانَ شَمعون. وَقَالَ الكَسائيُّ فِي رِوَايَته: كَبيرُهم يَهوذا. وقَوْلُهُ تَعالى: إنَّه لكَبيرُكُم الَّذِي علَّمَكُم السِّحْر أَي مُعَلِّمُكُم ورئيسُكم. والصَّبيُّ بالحجاز إِذا جاءَ من عِنْد مُعلِّمه قَالَ: جئتُ من عِنْد كَبيري. والأَكابِر: أَحْيَاءٌ من بَكْرِ بن وَائِل، وهم: شَيْبَان وعامرٌ وجُلَيْحَةُ من بني تَيْم الله بن ثَعْلَبةَ بنِ عُكابَة، أصابتْهُم سنَةٌ فانْتَجَعوا بلادَ تَميم وضَبَّةَ، ونزلوا على بَدْرِ بن حَمْرَاءَ الضَّبِّيِّ فأجارَهُم، وَوَفَى لَهُم، وَفِي ذَلِك يَقُول بَدْرٌ:
(وَفَيْتُ وَفاءً لمْ يرَ الناسُ مِثْلَهُ ... بتِعْشارَ إذْ تَحْبُو إليَّ الأَكابِرُ)
والكُبُر، بضَمَّتَيْن: الرِّفْعَةُ فِي الشَّرف، قَالَ المَرَّار:
(وليَ الأَعْظَمُ من سُلاَّفِها ... وليَ الهامةُ فِيهَا والكُبُرْ)
وكِبيرٌ، بكسرِ الْكَاف لُغةٌ فِي فتحهَا، صرَّح بِهِ النَّوَويُّ فِي تَحْرِيره وَغَيره. وكابرهُ على حقِّه: جاحَدَهُ وغالَبَهُ عَلَيْه وكُوبِرَ على مَاله، وإنَّه لمُكابَرٌ عَلَيْه، إِذا أُخِذ مِنْهُ عَنْوَةً وقَهْرَاً. وأُرْتِجَ على رجل فَقَالَ:وأحمدُ بنُ أبي الفائز الشّروطيّ بن الكُبْريّ، بالضمّ، سَمِعَ من ابْن الحُصَيْن. وَإِبْرَاهِيم بن عَقيل الكُبْريّ، من شُيُوخ)
الْخَطِيب. وبفتح الراءِ المُمالة الشَّيْخ أَو الجَنَّاب أحمدُ الخِيوقيّ يُلَقَّبُ نَجْمُ الدِّين الكُبْرَى، وَقد تقدم فِي جنب. وَأَبُو الفَرَج عبدُ الرَّحْمَن بن عَبْدِ اللَّطيف المُكَبِّر، كمُحَدِّث، البغداديّ، حدَّث عَن أبي سُكَيْنَة، أجَاز العِزَّ بن جَماعة.
ومُكَبِّرُ بنُ عُثْمَان التَّنُوخيّ، كمُحَدِّث، عَن الوَضين بن عَطاء. وأَيْفَع بنُ شَراحيل الكُباريّ، بالضمّ، والدُ الْعَالِيَة زَوْجَة أبي إسْحاقَ السَّبيعيّ. وَأَبُو كَبير: قريةٌ بمصْر، وَأَبُو القاسِم الكَبّارى، بِالتَّشْدِيدِ، هُوَ القبّاريّ، بِالْقَافِ، وَقد تقدّم ذكرُه.

واسِطٌ

واسِطٌ:
في عدة مواضع: نبدأ أولا بواسط الحجاج لأنه أعظمها وأشهرها ثم نتبعها الباقي، فأوّل ما نذكر لم سميت واسطا ولم صرفت: فأما تسميتها فلأنها متوسطة بين البصرة والكوفة لأن منها إلى كل واحدة منهما خمسين فرسخا، لا قول فيه غير ذلك إلا ما ذهب إليه بعض أهل اللغة حكاية عن الكلبي أنه كان قبل عمارة واسط هناك موضع يسمّى واسط قصب، فلما عمّر الحجاج مدينته سمّاها باسمها، والله أعلم، قال المنجمون: طول واسط إحدى وسبعون درجة وثلثان، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الثالث، قال أبو حاتم:
واسط التي بنجد والجزيرة يصرف ولا يصرف، وأما واسط البلد المعروف فمذكّر لأنهم أرادوا بلدا واسطا أو مكانا واسطا فهو منصرف على كل حال والدليل على ذلك قولهم واسطا بالتذكير ولو ذهب به إلى التأنيث لقالوا واسط، قالوا: وقد يذهب به مذهب البقعة والمدينة فيترك صرفه، وأنشد سيبويه في ترك الصرف:
منهنّ أيام صدق قد عرفت بها ... أيام واسط والأيام من هجرا
ولقائل أن يقول: إنه لم يرد واسط هذه، فيرجع إلى
ما قاله أبو حاتم، قال الأسود: وأخبرني أبو النّدى قال: إن للعرب سبعة أواسط: واسط نجد، وهو الذي ذكره خداش بن زهير حيث قال:
عفا واسط كلّاؤه فمحاضره ... إلى حيث نهيا سيله فصدائره
وواسط الحجاز، وهو الذي ذكره كثيّر فقال:
أجدّوا فأما أهل عزّة غدوة ... فبانوا وأما واسط فمقيم
وواسط الجزيرة، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرّباب خيالا؟
وقال أيضا:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل ... فمجتمع الحرّين فالصبر أجمل
وواسط اليمامة، وهو الذي ذكره الأعشى، وواسط العراق، قال: وقد نسيت اثنين، وأول أعمال واسط من شرقي دجلة فم الصلح ومن الجانب الغربي زرفامية، وآخر أعمالها من ناحية الجنوب البطائح وعرضها الخيثمية المتصلة بأعمال باروسما وعرضها من ناحية الجانب الشرقي عند أعمال الطيب، وقال يحيى بن مهدي بن كلال: شرع الحجاج في عمارة واسط في سنة 84 وفرغ منها في سنة 86 فكان عمارتها في عامين في العام الذي مات فيه عبد الملك بن مروان، ولما فرغ منها كتب إلى عبد الملك: إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسمّيتها واسطا، فلــذلك سمّي أهل واسط الكرشيّين، وقال الأصمعي: وجّه الحجاج الأطبّاء ليختاروا له موضعا حتى يبني فيه مدينة فذهبوا يطلبون ما بين عين التمر إلى البحر وجوّلوا العراق ورجعوا وقالوا: ما أصبنا مكانا أوفق من موضعك هذا في خفوف الريح وأنف البرّيّة، وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر وحفر بها نهر الصين وجمع له الفعلة ثم بدا له فعمّر واسطا ثم نزل واحتفر النيل والزاب وسمّاه زابا لأخذه من الزاب القديم وأحيا ما على هذين النهرين من الأرضين ومصر مدينة النيل، وقال قوم: إن الحجاج لما فرغ من حروبه استوطن الكوفة فآنس منهم الملال والبغض له، فقال لرجل ممن يثق بعقله:
امض وابتغ لي موضعا في كرش من الأرض أبني فيه مدينة وليكن على نهر جار، فأقبل ملتمسا ذلك حتى سار إلى قرية فوق واسط بيسير يقال لها واسط القصب فبات بها واستطاب ليلها واستعذب أنهارها واستمرأ طعامها وشرابها فقال: كم بين هذا الموضع والكوفة؟ فقيل له: أربعون فرسخا، قال: فإلى المدائن؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فإلى الأهواز؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فللبصرة؟
قالوا: أربعون فرسخا، قال: هذا موضع متوسط، فكتب إلى الحجاج بالخبر ومدح له الموضع، فكتب إليه: اشتر لي موضعا ابني فيه مدينة، وكان موضع واسط لرجل من الدهاقين يقال له داوردان فساومه بالموضع فقال له الدهقان: ما يصلح هذا الموضع للأمير، فقال: لم؟ فقال: أخبرك عنه بثلاث خصال تخبره بها ثم الأمر إليه، قال: وما هي؟ قال: هذه بلاد سبخة البناء لا يثبت فيها، وهي شديدة الحرّ والسموم وإن الطائر لا يطير في الجوّ إلا ويسقط لشدّة الحر ميتا، وهي بلاد أعمار أهلها قليلة، قال: فكتب بــذلك إلى الحجاج، فقال: هذا رجل يكره مجاورتنا فأعلمه أنّا سنحفر بها الأنهار ونكثر من البناء والغرس فيها ومن الزرع حتى تعذو وتطيب، وأما
قوله إنها سبخة وإن البناء لا يثبت فيها فسنحكمه ثم نرحل عنه فيصير لغيرنا، وأما قلة أعمار أهلها فهذا شيء إلى الله تعالى لا إلينا، وأعلمه أننا نحسن مجاورتنا له ونقضي ذمامه بإحساننا إليه، قال: فابتاع الموضع من الدهقان وابتدأ في البناء في أول سنة 83 واستتمه في سنة 86 ومات في سنة 95.
وحدّث عليّ بن حرب الموصلي عن أبي البختري وهب عن عمرو بن كعب بن الحارث الحارثي قال:
سمعت خالي يحيى بن الموفق يحدث عن مسعدة بن صدقة العبدي قال: أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا سماك بن حرب قال: استعملني الحجاج بن يوسف على ناحية بادوريا، فبينما أنا يوما على شاطئ دجلة ومعي صاحب لي إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر فصاح باسمي واسم أبي، فقلت: ما تشاء؟ فقال: الويل لأهل مدينة تبنى ههنا، ليقتلنّ فيها ظلما سبعون ألفا! كرّر ذلك ثلاث مرّات ثم أقحم فرسه في دجلة حتى غاب في الماء، فلما كان من قابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع فإذا أنا برجل على فرس فصاح بي كما صاح في المرّة الأولى وقال كما قال وزاد: سيقتل من حولها ما يستقلّ الحصى لعددهم، ثم أقحم فرسه في الماء حتى غاب، قال: وكانوا يرون أنها واسط وما قتل الحجاج فيها، وقيل إنه أحصي في محبس الحجاج ثلاثة وثلاثون ألف إنسان لم يحبسوا في دم ولا تبعة ولا دين وأحصي من قتله صبرا فبلغوا مائة وعشرين ألفا، ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع أبوابا من الزند ورد والدّوقرة ودير ماسرجيس وسرابيط فضجّ أهل هذه المدن وقالوا:
قد غصبتنا على مدائننا وأموالنا، فلم يلتفت إلى قولهم، قالوا: وأنفق الحجاج على بناء قصره والجامع والخندقين والسور ثلاثة وأربعين ألف ألف درهم، فقال له كاتبه صالح بن عبد الرحمن: هذه نفقة كثيرة وإن احتسبها لك أمير المؤمنين وجد في نفسه، قال: فما نصنع؟
قال: الحروب لها أجمل، فاحتسب منها في الحروب بأربعة وثلاثين ألف ألف درهم واحتسب في البناء تسعة آلاف ألف درهم، قال: ولما فرغ منه وسكنه أعجبه إعجابا شديدا، فبينما هم ذات يوم في مجلسه إذ أتاه بعض خدمه فأخبره أن جارية من جواريه وقد كان مائلا إليها قد أصابها لمم فغمّه ذلك ووجّه إلى الكوفة في إشخاص عبد الله بن هلال الذي يقال له صديق إبليس، فلما قدم عليه أخبره بــذلك فقال: أنا أحل السحر عنها، فقال له: افعل، فلما زال ما كان بها قال الحجاج: ويحك إني أخاف أن يكون هذا القصر محتضرا! فقال له: أنا أصنع فيه شيئا فلا ترى ما تكرهه، فلما كان بعد ثلاثة أيام جاء عبد الله بن هلال يخطر بين الصفين وفي يده قلّة مختومة فقال: أيها الأمير تأمر بالقصر أن يمسح ثم تدفن هذه القلة في وسطه فلا ترى فيه ما تكرهه أبدا، فقال الحجاج له: يا ابن هلال وما علامة ذلك؟ قال:
أن يأمر الأمير برجل من أصحابه بعد آخر من أشداء أصحابه حتى يأتي على عشرة منهم فليجهدوا أن يستقلوا بها من الأرض فإنهم لا يقدرون، فأمر الحجاج محضره بــذلك فكان كما قال ابن هلال، وكان بين يدي الحجاج مخصرة فوضعها في عروة القلة ثم قال:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، ثم شال القلة فارتفعت على المخصرة فوضعها ثم فكّر منكّسا رأسه ساعة ثم التفت إلى عبد الله بن هلال فقال له: خذ قلتك والحق بأهلك، قال: ولم؟ قال:
إن هذا القصر سيخرب بعدي وينزله غيري ويختفر محتفر فيجد هذه القلة فيقول لعن الله الحجاج إنما كان
يبدأ أمره بالسحر، قال: فأخذها ولحق بأهله، قالوا: وكان ذرع قصره أربعمائة في مثلها وذرع مسجد الجامع مائتين في مائتين وصف الرحبة التي تلي صفّ الحدّادين ثلاثمائة في ثلاثمائة وذرع الرحبة التي تلي الجزّارين والحوض ثلاثمائة في مائة والرحبة التي تلي الإضمار مائتين في مائة، وكان محمد بن القاسم مقلد الهند والسند فأهدى إلى الحجاج فيلا فحمل من البطائح في سفينة فلما صار بواسط أخرج في المشرعة التي تدعى مشرعة الفيل فسميت به إلى الساعة، ولما فرغ الحجاج من بناء واسط أمر بإخراج كل نبطيّ بها وقال: لا يدخلون مدينتي فإنهم مفسدة، فلما مات دخلوها عن قريب، وذكر الحجاج عند عبد الوهاب الثقفي بسوء فغضب وقال: إنما تذكرون المساوي، أوما تعلمون أنه أول من ضرب درهما عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام وأول من اتخذ المحامل، وأن امرأة من المسلمين سبيت بالهند فنادت يا حجاجاه فاتصل به ذلك فجعل يقول:
لبيك لبيك! وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى افتتح الهند واستنقذ المرأة وأحسن إليها واتخذ المناظر بينه وبين قزوين، وكان إذا دخّن أهل قزوين دخّنت المناظر إن كان نهارا، وإن كان ليلا أشعلوا نيرانا فتجرّد الخيل إليهم فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط فكانت قزوين ثغرا حينئذ. وأما قولهم تغافل واسطيّ قال المبرّد: سألت الثوري عنه فقال: إن الحجاج لما بناها قال: بنيت مدينة في كرش من الأرض، كما قدمنا، فسمي أهلها الكرشيّين، فكان إذا مر أحدهم بالبصرة نادوا يا كرشيّ فتغافل عن ذلك ويري أنه لا يسمع أو أن الخطاب ليس معه، ولقد جاءني بخوارزم أحد أعيان أدبائها وسألني عن هذا المثل وقال لي:
قد أطلت السؤال عنه والتفتيش عن معنى قولهم: تغافل واسطي، فلم أظفر به، ولم يكن لي في ذلك الوقت به علم حتى وجدته بعد ذلك فأخبرته ثم وضعته أنا ههنا، ورأيت أنا واسطا مرارا فوجدتها بلدة عظيمة ذات رساتيق وقرى كثيرة وبساتين ونخيل يفوت الحصر، وكان الرخص موجودا فيها من جميع الأشياء ما لا يوصف بحيث أني رأيت فيها كوز زبد بدرهمين واثنتي عشرة دجاجة بدرهم وأربعة وعشرين فروجا بدرهم والسمن اثنا عشر رطلا بدرهم والخبز أربعون رطلا بدرهم واللبن مائة وخمسون رطلا بدرهم والسمك مائة رطل بدرهم وجميع ما فيها بهذه النسبة، وممن ينسب إليها خلف بن محمد بن علي ابن حمدون أبو محمد الواسطي الحافظ صاحب كتاب أطراف أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي والحسين بن أحمد المديني وأبي بكر الإسماعيلي وغيرهم، روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وأنشدني التنوخي للفضل الرقاشي يقول:
تركت عيادتي ونسيت برّي، ... وقدما كنت بي برّا حفيّا
فما هذا التغافل يا ابن عيسى؟ ... أظنّك صرت بعدي واسطيّا
وأنشدني أحمد بن عبد الرحمن الواسطي التاجر قال:
أنشدني أبو شجاع بن دوّاس القنا لنفسه:
يا ربّ يوم مرّ بي في واسط ... جمع المسرة ليله ونهاره
مع أغيد خنث الدلال مهفهف ... قد كاد يقطع خصره زنّاره
وقميص دجلة بالنسيم مفرّك ... كسر تجرّ ذيوله أقطاره
وأنشدني أيضا لأبي الفتح المانداني الواسطي:
عرّج على غربيّ واسط إنني ... دائي الدويّ بها وفرط سقامي
وطني وما قضّيت فيه لبانتي، ... ورحلت عنه وما قضيت مرامي
وقال بشار بن برد يهجو واسطا:
على واسط من ربها ألف لعنة، ... وتسعة آلاف على أهل واسط
أيلتمس المعروف من أهل واسط ... وواسط مأوى كلّ علج وساقط؟
نبيط وأعلاج وخوز تجمّعوا ... شرار عباد الله من كل غائط
وإني لأرجو أن أنال بشتمهم ... من الله أجرا مثل أجر المرابط
وقال غيره يهجوهم:
يا واسطيين اعلموا أنني ... بذمّكم دون الورى مولع
ما فيكم كلكم واحد ... يعطي ولا واحدة تمنع
وقال محمد بن الأجلّ هبة الله بن محمد بن الوزير أبي المعالي بن المطلب يلقب بالجرد يذكر واسطا:
لله واسط ما أشهى المقام بها ... إلى فؤادي وأحلاه إذا ذكرا!
لا عيب فيها، ولله الكمال، سوى ... أنّ النسيم بها يفسو إذا خطر!
وواسط أيضا: قرية متوسطة بين بطن مرّ ووادي نخلة ذات نخيل، قال لي صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود النجار: كنت ببطن مرّ فرأيت نخلا عن بعد فسألت عنه فقيل لي هذه قرية يقال لها واسط، وقال بعض شعراء الأعراب يذكر واسطا في بلادهم:
ألا أيها الصّمد الذي كان مرّة ... تحلّل سقّيت الأهاضيب من صمد
ومن وطن لم تسكن النفس بعده ... إلى وطن في قرب عهد ولا بعد
ومنزلتي دلقاء من بطن واسط ... ومن ذي سليل كيف حالكما بعدي
تتابع أمطار الربيع عليكما، ... أما لكما بالمالكية من عهد؟
وواسط أيضا: قرية مشهورة ببلخ، قال إبراهيم ابن أحمد السراج: حدثنا محمد بن إبراهيم المستملي بحديث ذكره محمد بن محمد بن إبراهيم الواسطي واسط بلخ، قال أبو إسحاق المستملي في تاريخ بلخ:
نور بن محمد بن علي الواسطي واسط بلخ وبشير بن ميمون أبو صيفي من واسط بلخ عن عبيد المكتب وغيره حدث عنه قتيبة، وقال أبو عبيدة في شرح قول الأعشى:
في مجدل شيّد بنيانه ... يزلّ عنه ظفر الطائر
مجدل: حصن لبني السّمين من بني حنيفة يقال له واسط.
واسط أيضا: قرية بحلب قرب بزاعة مشهورة عندهم وبالقرب منها قرية يقال لها الكوفة.
وواسط أيضا: قرية بالخابور قرب قرقيسيا، وإياها عنى الأخطل فيما أحسب لأن الجزيرة منازل تغلب:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل وواسط أيضا: بدجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، قال الحافظ أبو موسى: سمعت أبا عبد الله يحيى بن
أبي علي البنّاء ببغداد، حدثني القاضي أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن شاده الأصبهاني ثم الواسطي، واسط دجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، ومحمد بن عمر بن علي العطار الحربي ثم الواسطي واسط دجيل، روى عن محمد بن ناصر السلامي، روى عنه جماعة، منهم:
محمد بن عبد الغني بن نقطة.
واسط الرّقّة: كان أول من استحدثها هشام بن عبد الملك لما حفر الهنيّ والمريّ، قال أبو الفضل قال أبو علي صاحب تاريخ الرقة: سعيد بن أبي سعيد الواسطي واسم أبيه مسلمة بن ثابت خراسانيّ سكن واسط الرقة وكان شيخا صالحا، حدث أبوه مسلمة عن شريك وغيره، قال أبو علي:
سمعت الميمون يقول ذكروا أن الزهري لما قدم واسط الرقة عبر إليه سبعة من أهل الرقة، وذكر قصة، وواسط هذه: قرية غربي الفرات مقابل الرقة، وقال أبو حاتم: واسط بالجزيرة فهي هذه أو التي بقرقيسيا أو غيرها، قال كثيّر عزة:
سألت حكيما أين شطّت بها النوى، ... فخبّرني ما لا أحبّ حكيم
أجدّوا، فأما آل عزّة غدوة ... فبانوا وأما واسط فمقيم
فما للنوى؟ لا بارك الله في النوى! ... وعهد النوى عند الفراق ذميم
شهدت لئن كان الفؤاد من النوى ... معنّى سقيما إنني لسقيم
فإمّا تريني اليوم أبدي جلادة ... فإني لعمري تحت ذاك كليم
وما ظعنت طوعا ولكن أزالها ... زمان بنا بالصالحين غشوم
فوا حزني لمّا تفرّق واسط ... وأهل التي أهذي بها وأحوم!
قال محمد بن حبيب: واسط هذه بناحية الرقة، قاله في شرح ديوان كثير، وأنا أرى أنه أراد واسط التي بالحجاز أو بنجد بلا شك ولكن علينا أن ننقل عن الأئمة ما يقولونه، والله أعلم، وقال ابن السكيت في قول كثير أيضا:
فإذا غشيت لها ببرقة واسط ... فلوى لبينة منزلا أبكاني
قال واسط بين العذيبة والصفراء.
وواسط أيضا: من منازل بني قشير لبني أسيدة وهم بنو مالك بن سلمة بن قشير وأسيدة وحيدة من بني سعد بن زيد مناة، وبنو أسيدة يقولون هي عربية.
وواسط أيضا: بمكة، وذكر محمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب مكة قال: واسط قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين فضرب حتى ذهب، قال: ويقال له واسط لأنه بين الجبلين اللذين دون العقبة، قال:
وقال بعض المكيين بل تلك الناحية من بركة القسري إلى العقبة تسمى واسط المقيم، ووقف عبد المجيد بن أبي روّاد بأحمد بن ميسرة على واسط في طريق منى فقال له: هذا واسط الذي يقول فيه كثير عزّة:
... وأما واسط فمقيم وقد ذكر، وقال ابن إدريس قال الحميدي: واسط الجبل الذي يجلس عنده المساكين إذا ذهبت إلى منى، قاله في شرح قول عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي في قصيدته التي أولها:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
ولم يتربّع واسطا وجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر
وأبدلنا ربي بها دار غربة ... بها الجوع باد والعدوّ محاصر
قال السهيلي في شرح السيرة قال الفاكهي: يقال إن أول من شهده وضرب فيه قبّة خالصة مولاة الخيزران.
وواسط أيضا: بالأندلس بليدة من أعمال قبرة، قال ابن بشكوال: أحمد بن ثابت بن أبي الجهم الواسطي ينسب إلى واسط قبرة، سكن قرطبة، يكنى أبا عمر، روى عن أبي محمد الأصيلي وكان يتولى القراءة عليه، حدث عنه أبو عبد الله بن ديباج ووصفه بالخير والصلاح، قال ابن حبّان: توفي الواسطي في جمادي الآخرة سنة 437 وكفّ بصره.
وواسط أيضا: قرية كانت قبل واسط في موضعها خرّبها الحجاج، وكانت واسط هذه تسمى واسط القصب، وقد ذكرتها مع واسط الحجاج، قال ابن الكلبي:
كان بالقرب من واسط موضع يسمى واسط القصب هي التي بناها الحجاج أولا قبل أن يبني واسط هذه التي تدعى اليوم واسطا ثم بنى هذه فسماها واسطا بها.
وواسط أيضا: قرية قرب مطيراباذ قرب حلّة بني مزيد يقال لها واسط مرزاباذ، قال أبو الفضل: أنشدنا أبو عبد الله أحمد الواسطي، واسط هذه القرية، قال:
أنشدنا أبو النجم عيسى بن فاتك الواسطي من هذه القرية لنفسه من قصيدة يمدح بعض العمّال:
وما على قدره شكرت له، ... لكنّ شكري له على قدري
لأن شكري السّهى وأنعمه ال ... بدر، وأين السهى من البدر!
وواسط أيضا قال العمراني: واسط مواضع في بلاد بني تميم، وهي التي أرادها ذو الرمة بقوله:
غربيّ واسط نها ... ومجّت في الكثيب الأباطح [1]
وقال ابن دريد: واسط مواضع بنجد، ولعلها التي قبلها، والله أعلم.
وواسط أيضا: قرية في شرقي دجلة الموصل بينهما ميلان ذات بساتين كثيرة.
وواسط أيضا: قرية بالفرج من نواحي الموصل بين مرق وعين الرّصد أو بين مرق والمجاهدية، فإني نسيت هذا المقدار.
وواسط أيضا: باليمن بسواحل زبيد قرب العنبرة التي خرج منها علي بن مهدي المستولي على اليمن.

كَفَرَ 

(كَفَرَ) الْكَافُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ السَّتْرُ وَالتَّغْطِيَةُ. يُقَالُ لِمَنْ غَطَّى دِرْعَهُ بِثَوْبٍ: قَدْ كَفَرَ دِرْعَهُ. وَالْمُكَفِّرُ: الرَّجُلُ الْمُتَغَطِّي بِسِلَاحِهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ:

حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ ... وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا

فَيُقَالُ: إِنَّ الْكَافِرَ: مَغِيبُ الشَّمْسِ. وَيُقَالُ: بَلِ الْكَافِرُ: الْبَحْرُ. وَكَــذَلِكَ فُسِّرَ قَوْلُ الْآخَرِ:

فَتَذَكَّرَا ثَقَلًا رَثِيدًا بَعْدَمَا ... أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمِينَهَا فِي كَافِرِ

وَالنَّهْرُ الْعَظِيمُ كَافِرٌ، تَشْبِيهٌ بِالْبَحْرِ. وَيُقَالُ لِلزَّارِعِ كَافِرٌ، لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَبَّ بِتُرَابِ الْأَرْضِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد: 20] . وَرَمَادٌ مَكْفُورٌ: سَفَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ عَلَيْهِ حَتَّى غَطَّتْهُ. قَالَ:

قَدْ دَرَسَتْ غَيْرَ رَمَادٍ مَكْفُورْ

وَالْكُفْرُ: ضِدُّ الْإِيمَانِ، سُمِّيَ لِأَنَّهُ تَغْطِيَةُ الْحَقِّ. وَكَــذَلِكَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ: جُحُودُهَا وَسَتْرُهَا. وَالْكَافُورُ: كِمُّ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يُنَوِّرَ. وَسُمِّيَ كَافُورًا لِأَنَّهُ كَفَرَ الْوَلِيعَ، أَيْ غَطَّاهُ. قَالَ: كَالْكَرْمِ إِذْ نَادَى مِنَ الْكَافُورِ

وَيُقَالُ لَهُ الْكُفُرَّى. فَأَمَّا الْكَفِرَاتُ وَالْكَفَرُ فَالثَّنَايَا مِنَ الْجِبَالِ، وَلَعَلَّهَا سُمِّيَتْ كَفِرَاتٍ، لِأَنَّهَا مُتَطَامِنَةٌ، كَأَنَّ الْجِبَالَ الشَّوَامِخَ قَدْ سَتَرَتْهَا. قَالَ:

تَطَلَّعُ رَيَّاهُ مِنَ الْكَفِرَاتِ

وَالْكَفْرُ مِنَ الْأَرْضِ: مَا بَعُدَ مِنَ النَّاسِ، لَا يَكَادُ يَنْزِلُهُ وَلَا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ. وَمَنْ حَلَّ بِهِ فَهُمْ أَهْلُ الْكُفُورِ. وَيُقَالُ: بَلِ الْكُفُورُ: الْقُرَى. جَاءَ فِي الْحَدِيثِ " «لِتُخْرِجَنَّكُمُ الرُّومُ مِنْهَا كَفْرًا كَفْرًا» ".

 مِنْ ذَلِكَ (الْكَنْفَلِيلَةُ) : اللِّحْيَةُ الضَّخْمَةُ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ مَعَ الزِّيَادَةِ فِي حُرُوفِهِ، وَهُوَ مِنَ الْكَفْلِ، وَهُوَ جَمْعُ الشَّيْءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكَرْبَلَةُ) : وَهِيَ رَخَاوَةٌ فِي الْقَدَمَيْنِ. وَجَاءَ يَمْشِي مُكَرْبِلًا، كَأَنَّهُ يَمْشِي فِي الطِّينِ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مِنْ رَبَلٍ وَكَبَلٍ. أَمَّا رَبْلٌ فَاسْتِرْخَاءُ اللَّحْمِ، وَقَدْ مَرَّ. وَأَمَّا الْكَِبْلُ فَالْقَيْدُ، فَكَأَنَّهُ إِذَا مَشَى بِبُطْءٍ مُقَيِّدٌ مُسْتَرْخِي الرِّجْلِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكَلْثَمَةُ) : اجْتِمَاعُ لَحْمِ الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ جُهُومَةٍ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ اللَّامُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَثَمَ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكَمْثَرَةُ) : اجْتِمَاعُ الشَّيْءِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَهُوَ مِنَ الْكَثْرَةِ.

وَمِنْ ذَلِكَ (تَكَنْبَثَ) الشَّيْءُ: تَقَبَّضَ. وَرَجُلٌ كُنَابِثٌ: جَهْمُ الْوَجْهِ. وَهَذَا مِنْ كَبِثَ، وَقَدْ مَرَّ، وَهُوَ اللَّحْمُ الْمُتَغَيِّرُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكُنْدُرُ) وَ (الْكُنَيْدِرُ) وَ (الْكُنَادِرُ) : الرَّجُلُ الْغَلِيظُ وَالْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ النُّونُ، وَالْأَصْلُ الْكَدَرُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (كَرْدَمَ) الرَّجُلُ: أَسْرَعَ الْعَدْوَ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَهُوَ مِنْ كَرَدَ، وَقَدْ مَرَّ. وَمِنْ ذَلِكَ (الْمُكْلَنْدِدُ) : الشَّدِيدُ.

وَمِنْ ذَلِكَ (كَرْسَفْتُ) عُرْقُوبَ الدَّابَّةِ. وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الرَّاءُ، وَالْأَصْلُ كَسَفْتُ، وَقَدْ مَرَّ.

وَمِنْ ذَلِكَ (الْكُرْدُوسُ) ، وَهِيَ الْخَيْلُ الْعَظِيمَةُ. وَهَذِهِ مَنْحُوتَةٌ مِنْ كَلِمٍ ثَلَاثٍ: مِنْ كَرَدَ، وَكَرَسَ، وَكَدَسَ، وَكُلُّهَا يَدُلُّ عَلَى التَّجَمُّعِ. وَالْكَرْدُ: الطَّرْدُ، ثُمَّ اشْتُقَّ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِكُلِّ عَظْمٍ عَظُمَتْ نَحْضَتُهُ: كُرْدُوسٌ. وَمِنْهُ كُرْدِسَ الرَّجُلُ: جُمِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ.

وَمِمَّا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا وَضْعًا مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ (الْكِرْنَافَةُ) : أَصْلُ السَّعَفَةِ الْمُلْتَزِقُ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ. يَقُولُونَ: كَرْنَفَهُ، أَيْ ضَرَبَهُ، كَأَنَّهُ ضُرِبَ بِالْكِرْنَافَةِ.

وَيَقُولُونَ: (الْكِنْفِيرَةُ) : أَرْنَبَةُ الْأَنْفِ.

وَ (الْكُرْتُومُ) : الصَّفَاةُ.

وَ (الْكُمَّثْرَى) مَعْرُوفٌ.

وَ (الْكِبْرِيتُ) : لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ.

وَ (الْكَمْتَرَةُ) : مِشْيَةٌ فِيهَا تَقَارُبٌ.

وَ (الْكَرْزَمُ) وَ (الْكَرْزَنُ) : فَأْسٌ. وَيَقُولُونَ إِنَّ (الْكَرَازِمَ) : شَدَائِدُ الدَّهْرِ. وَأَنْشَدَ فِيهِ الْخَلِيلُ:

إِنَّ الدُّهُورَ عَلَيْنَا ذَاتُ كِرْزِيمِ وَأَظُنُّ هَذَا مِمَّا قَدْ تُجُوِّزَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِمَّا لَا يَصْلُحُ قَبُولُهُ بَتَّةً.

وَقَالُوا: (الْكُنْدُشُ) : الْعَقْعَقُ، يَقُولُونَ " أَخْبَثُ مِنْ كُنْدُشٍ ". وَمَا أَدْرِي كَيْفَ يَقْبَلُ الْعُلَمَاءُ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ.

وَكَــذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ (الْكِرْبَالَ) : مِنْدَفُ الْقُطْنِ. وَيُنْشِدُونَ:

كَالْبُِرْسِ طَيَّرَهُ [ضَرْبُ] الْكَرَابِيلِ.

وَكُلُّ هَذَا قَرِيبٌ فِي الْبُطْلَانِ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

الطائفُ

الطائفُ:
بعد الألف همزة في صورة الياء ثم فاء:
وهو في الإقليم الثاني، وعرضها إحدى وعشرون درجة، وبالطائف عقبة وهي مسيرة يوم للطالع من مكة ونصف يوم للهابط إلى مكة، عمّرها حسين ابن سلامة وسدّها ابنه، وهو عبد نوبيّ وزر لأبي
الحسين بن زياد صاحب اليمن في حدود سنة 430 فعمّر هذه العقبة عمارة يمشي في عرضها ثلاثة جمال بأحمالها، وقال أبو منصور: الطائف العاسّ بالليل، وأما الطائف التي بالغور فسميت طائفا بحائطها المبنيّ حولها المحدق بها، والطائف والطيف في قوله تعالى:
إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ من الشَّيْطانِ 7: 201، ما كان كالخيال والشيء يلمّ بك، وقوله تعالى: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ 68: 19، لا يكون الطائف إلا ليلا ولا يكون نهارا، وقيل في قول أبي طالب بن عبد المطلب:
نحن بنينا طائفا حصينا قالوا: يعني الطائف التي بالغور من القرى. والطائف:
هو وادي وجّ وهو بلاد ثقيف، بينها وبين مكة اثنا عشر فرسخا، قرأت في كتاب ابن الكلبي بخط أحمد بن عبيد الله محجج النحوي: قال هشام عن أبي مسكين عن رجل من ثقيف كان عالما بالطائف قال:
كان رجل من الصّدف يقال له الدّمون بن عبد الملك قتل ابن عمّ له يقال له عمرو بحضرموت ثم أقبل هاربا، وقال:
وحربة ناهك أوجرت عمرا، ... فما لي بعده أبدا قرار
ثم أتى مسعود بن معتب الثقفي ومعه مال كثير وكان تاجرا فقال: أحالفكم لتزوّجوني وأزوّجكم وأبني لكم طوفا عليكم مثل الحائط لا يصل إليكم أحد من العرب، قالوا: فابن، فبنى بــذلك المال طوفا عليهم فسمّيت الطائف وتزوّج إليهم فزوّجوه ابنة، قال هشام: وبعض ولد الدمون بالكوفة ولهم بها خطّة مع ثقيف، وكان قبيصة من الدمون هذا على شرطة المغيرة بن شعبة إذ كان على الكوفة، وكانت الطائف تسمّى قبل ذلك وجّا بوجّ بن عبد الحيّ من العماليق وهو أخو أجإ الذي سمّي به جبل طيّء، وهو من الأمم الخالية، قال عرّام:
والطائف ذات مزارع ونخل وأعناب وموز وسائر الفواكه وبها مياه جارية وأودية تنصبّ منها إلى تبالة، وجلّ أهل الطائف ثقيف وحمير وقوم من قريش، وهي على ظهر جبل غزوان، وبغزوان قبائل هذيل، وقال ابن عباس: سمّيت الطائف لأن إبراهيم، عليه السلام، لما أسكن ذرّيته مكة وسأل الله أن يرزق أهلها من الثمرات أمر الله عز وجل قطعة من الأرض أن تسير بشجرها حتى تستقرّ بمكان الطائف فأقبلت وطافت بالبيت ثم أقرّها الله بمكان الطائف فسمّيت الطائف لطوافها بالبيت، وهي مع هذا الاسم الفخم بليدة صغيرة على طرف واد وهي محلّتان: إحداهما على هذا الجانب يقال لها طائف ثقيف والأخرى على هذا الجانب يقال لها الوهط والوادي بين ذلك تجري فيه مياه المدابغ التي يدبغ فيها الأديم يصرع الطيور رائحتها إذا مرّت بها، وبيوتها لاطئة حرجة، وفي أكنافها كروم على جوانب ذلك الجبل فيها من العنب العذب ما لا يوجد مثله في بلد من البلدان، وأما زبيبها فيضرب بحسنه المثل، وهي طيبة الهواء شمالية ربما جمد فيها الماء في الشتاء، وفواكه أهل مكة منها، والجبل الذي هي عليه يقال له غزوان، وروى أبو صالح: ذكرت ثقيف عند ابن عباس فقال، إن ثقيفا والنّخع كانا ابني خالة فخرجا منتجعين ومعهما أعنز لهما وجدي فعرض لهما مصدق لبعض ملوك اليمن فأراد أخذ شاة منهما فقالا: خذ ما شئت إلا هذه الشاة الحلوب فإنّا من لبنها نعيش وولدها، فقال: لا آخذ سواها، فرفقا به فلم يفعل فنظر أحدهما إلى صاحبه وهمّا بقتله ثم إن أحدهما انتزع له سهما فلق به قلبه فخرّ ميتا، فلما نظرا إلى ذلك قال
أحدهما لصاحبه: إنه لن تحملني وإياك الأرض أبدا فاما أن تغرّب وأنا أشرّق وإما أن أغرّب وتشرق أنت، فقال ثقيف: فاني أغرب، وقال النخع:
فأنا أشرق، وكان اسم ثقيف قسيّا واسم النخع جسرا، فمضى النخع حتى نزل ببيشة من أرض اليمن ومضى ثقيف حتى أتى وادي القرى فنزل على عجوز يهودية لا ولد لها فكان يعمل نهارا ويأوي إليها ليلا فاتخذته ولدا لها واتخذها امّا له، فلما حضرها الموت قالت له: يا هذا إنه لا أحد لي غيرك وقد أردت أن أكرمك لإلطافك إيّاي، انظر إذا أنا متّ وواريتني فخذ هذه الدنانير فانتفع بها وخذ هذه القضبان فإذا نزلت واديا تقدر فيه على الماء فاغرسها فاني أرجو أن تنال من ذلك فلاحا بيّنا. ففعل ما أمرته به، فلما ماتت دفنها وأخذ الدنانير والقضبان ومضى سائرا حتى إذا كان قريبا من وجّ، وهي الطائف، إذا هو بأمة حبشية ترعى مائة شاة فطمع فيها وهمّ بقتلها وأخذ الغنم فعرفت ما أراد فقالت: إنك أسررت في طمعا لتقتلني وتأخذ الغنم ولئن فعلت ذلك لتذهبنّ نفسك ولا تحصل من الغنم شيئا لأن مولاي سيد هذا الوادي وهو عامر بن الظرب العدواني، وإني لأظنّك خائفا طريدا، قال: نعم، فقالت: فاني أدلك على خير مما أردت، فقال: وما هو؟ قالت:
إن مولاي يقبل إذا طفلت الشمس للغروب فيصعد هذا الجبل ثم يشرف على الوادي فإذا لم ير فيه أحدا وضع قوسه وجفيره وثيابه ثم انحدر رسوله فنادى: من أراد اللحم والدّرمك، وهو دقيق الحوارى، والتمر واللبن فليأت دار عامر بن الظرب، فيأتيه قومه فاسبقه أنت إلى الصخرة وخذ قوسه ونباله وثيابه فإذا رجع ومن أنت فقل رجل غريب فأنزلني وخائف فأجرني وعزب فزوّجني، ففعل ثقيف ما قالت له الأمة وفعل عامر صاحب الوادي فعله، فلما أن أخذ قوسه ونشّابه وصعد عامر قال له: من أنت؟
فأخبره وقال: أنا قسيّ بن منبّه، فقال هات ما معك فقد أجبتك إلى ما سألت، وانصرف وهو معه إلى وجّ وأرسل إلى قومه كما كان يفعل فلما أكلوا قال لهم عامر: ألست سيدكم؟ قالوا: بلى، قال:
وابن سيّدكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تجيرون من أجرت وتزوّجون من زوّجت؟ قالوا: بلى، قال: هذا قسيّ بن منبّه بن بكر بن هوازن وقد زوّجته ابنتي فلانة وأمّنته وأنزلته منزلي، فزوّجه ابنة له يقال لها زينب، فقال قومه: قد رضينا بما رضيت، فولدت له عوفا وجشما ثم ماتت فزوّجه أختها فولدت له سلامة ودارسا فانتسبا في اليمن، فدارس في الأزد والآخر في بعض قبائل اليمن، وغرس قسيّ تلك القضبان بوادي وجّ فنبتت فلما أثمرت قالوا: قاتله الله كيف ثقف عامرا حتى بلغ منه ما بلغ وكيف ثقف هذه العيدان حتى جاء منها ما جاء، فسمي ثقيفا من يومئذ، فلم يزل ثقيف مع عدوان حتى كثر ولده وربلوا وقوي جأشهم، وجرت بينهم وبين عدوان هنات وقعت في خلالها حرب انتصرت فيها ثقيف فأخرجوا عدوان عن أرض الطائف واستخلصوها لأنفسهم ثم صارت ثقيف أعز الناس بلدا وأمنعه جانبا وأفضله مسكنا وأخصبه جنابا مع توسطهم الحجاز وإحاطة قبائل مضر واليمن وقضاعة بهم من كل وجه فحمت دارها وكاوحت العرب عنها واستخلصتها وغرست فيها كرومها وحفرت بها أطواءها وكظائمها، وهي من أزد السراة وكنانة وعذرة وقريش ونصر بن معاوية وهوازن جمعا والأوس والخزرج ومزينة وجهينة وغير ذلك من القبائل، ذلك كله يجري والطائف تسمّى وجّا إلى
أن كان ما كان مما تقدّم ذكره من تحويط الحضرمي عليها وتسميتها حينئذ الطائف، وقد ذكر بعض النّساب في تسميتها بالطائف أمرا آخر وهو أنه قال:
لما هلك عامر بن الظرب ورثته ابنتاه زينب وعمرة وكان قسيّ بن منبّه خطب إليه فزوّجه ابنته زينب فولدت له جشما وعوفا ثم ماتت بعد موت عامر فتزوّج أختها وكانت قبله عند صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن فولدت له عامر بن صعصعة، فكانت الطائف بين ولد ثقيف وولد عامر بن صعصعة، فلما كثر الحيّان قالت ثقيف لبني عامر: إنكم اخترتم العمد على المدن والوبر على الشجر فلستم تعرفون ما نعرف ولا تلطفون ما نلطف ونحن ندعوكم إلى حظ كبير لكم ما في أيديكم من الماشية والإبل والذي في أيدينا من هذه الحدائق فلكم نصف ثمره فتكونوا بادين حاضرين يأتيكم ريف القرى ولا تتكلفوا مؤونة وتقيموا في أموالكم وماشيتكم في بدوكم ولا تتعرضوا للوباء وتشتغلوا عن المرعى، ففعلوا ذلك فكانوا يأتونهم كل عام فيأخذون نصف غلّاتهم، وقد قيل: إن الذي وافقوهم عليه كان الربيع، فلما اشتدّت شوكة ثقيف وكثرت عمارة وجّ رمتهم العرب بالحسد وطمع فيهم من حولهم وغزوهم فاستغاثوا ببني عامر فلم يغيثوهم فأجمعوا على بناء حائط يكون حصنا لهم فكانت النساء تلبّن اللبن والرجال يبنون الحائط حتى فرغوا منه وسموه الطائف لإطافته بهم، وجعلوا لحائطهم بابين: أحدهما لبني يسار والآخر لبني عوف، وسموا باب بني يسار صعبا وباب بني عوف ساحرا، ثم جاءهم بنو عامر ليأخذوا ما تعوّدوه فمنعوهم عنه وجرت بينهم حرب انتصرت فيها ثقيف وتفرّدت بملك الطائف فضربتهم العرب مثلا، فقال أبو طالب ابن عبد المطلب:
منعنا أرضنا من كل حيّ، ... كما امتنعت بطائفها ثقيف
أتاهم معشر كي يسلبوهم، ... فحالت دون ذلكــم السيوف
وقال بعض الأنصار:
فكونوا دون بيضكم كقوم ... حموا أعنابهم من كل عادي
وذكر المدائني أن سليمان بن عبد الملك لما حجّ مرّ بالطائف فرأى بيادر الزبيب فقال: ما هذه الحرار؟
فقالوا: ليست حرارا ولكنها بيادر الزبيب، فقال:
لله درّ قسيّ بأيّ أرض وضع سهامه وأيّ أرض مهّد عشّ فروخه! وقال مرداس بن عمرو الثقفي:
فانّ الله لم يؤثر علينا ... غداة يجزّئ الأرض اقتساما
عرفنا سهمنا في الكف يهوي ... كذا نوح، وقسّمنا السهاما
فلما أن أبان لنا اصطفينا ... سنام الأرض، إنّ لها سناما
فأنشأنا خضارم متجرات ... يكون نتاجها عنبا تؤاما
ضفادعها فرائح كلّ يوم ... على جوب يراكضن الحماما
وأسفلها منازل كلّ حيّ، ... وأعلاها ترى أبدا حراما
ثم حسدهم طوائف العرب وقصدوهم فصمدوا لهم وجدّوا في حربهم، فلما لم يظفروا منهم بطائل ولا طمعوا منهم بغرّة تركوهم على حالهم أغبط العرب عيشا إلى أن جاء الإسلام فغزاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فافتتحها في سنة تسع من الهجرة
صلحا وكتب لهم كتابا، نزل عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في شوال سنة ثمان عند منصرفه من حنين وتحصنوا منه واحتاطوا لأنفسهم غاية الاحتياط فلم يكن إليهم سبيل، ونزل إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، رقيق من رقيق أهل الطائف، منهم: أبو بكرة نفيع بن مسروح مولى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في جماعة كثيرة منهم الأزرق الذي تنسب إليه الأزارقة والد نافع بن الأزرق الخارجي الشاري فعتقوا بنزولهم إليه ونصب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، منجنيقا ودبّابة فأحرقها أهل الطائف فقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: لم نؤذن في فتح الطائف، ثم انصرف عنها إلى الجعرّانة ليقسم سبي أهل حنين وغنائمهم فخافت ثقيف أن يعود إليهم فبعثوا اليه وفدهم وتصالحوا على أن يسلموا ويقرّوا على ما في أيديهم من أموالهم وركازهم، فصالحهم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على أن يسلموا وعلى أن لا يزنوا ولا يربوا، وكانوا أهل زنا وربا، وفي وقعة الطائف فقئت عين أبي سفيان بن حرب، وقصّة ذلك في كتب المغازي، وكان معاوية يقول: أغبط الناس عيشا عبدي أو قال مولاي سعد، وكان يلي أمواله بالحجاز ويتربّع جدّة ويتقيّظ الطائف ويشتو بمكة، ولــذلك وصف محمد بن عبد الله النّميري زينب بنت يوسف أخت الحجاج بالنعمة والرّفاهية فقال:
تشتو بمكة نعمة ... ومصيفها بالطائف
وذكر الأزرقي أبو الوليد عن الكلبي باسناده قال:
لما دعا إبراهيم، عليه السلام: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات، فاستجاب الله له فجعله مثابة ورزق أهله من الثمرات فنقل إليهم الطائف، وكانت قرية بالشام وكانت ملجأ للخائف إذا جاءها أمن، وقد افتخرت ثقيف بــذلك بما يطول ذكره ويسئم قارئه، وسأقف عند قول غيلان بن سلمة في ذلك حيث قال:
حللنا الحدّ من تلعات قيس ... بحيث يحلّ ذو الحسب الجسيم
وقد علمت قبائل جذم قيس، ... وليس ذوو الجهالة كالعليم،
بأنّا نصبح الأعداء قدما ... سجال الموت بالكأس الوخيم
وأنّا نبتني شرف المعالي، ... وننعش عثرة المولى العديم
وأنّا لم نزل لجأ وكهفا، ... كذاك الكهل منّا والفطيم [1]
وسنذكر في وجّ من القول والشعر ما نوفّق له ويحسن ذكره إن شاء الله تعالى.

الْقِصَّة

الْقِصَّة: أَن هَذَا الرجل ذهب إِلَى الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف وَمَعَهُمْ الرِّوَايَات المستخرجة على انْتِقَال من الْمَذْهَب، فَقَالَ الْمُفْتِي الْعَارِف أَن لَا حَاجَة للانتقال عَن الْمَذْهَب، وَقد استخرجت رِوَايَة جَوَاز هَذَا النِّكَاح على مَذْهَبنَا.
وَلما كَانَت هَذِه الرِّوَايَة قد أرْسلت إِلَى القَاضِي مَعَ هَذَا الشَّخْص. وَلما رأى القَاضِي هَذِه الرِّوَايَة بالخط الشريف أجْرى النِّكَاح، وَلما كَانَ مُحَمَّد كَمَال وَبِنَاء على فَتْوَى الْمُفْتِي ورسالته قد أوقع النِّكَاح. فَجَاءَنِي هَذَا الرجل بعد وُقُوع النِّكَاح وعَلى الشماتة وَقَالَ لقد أَعْطَانِي الْمفْتُون فَتْوَى وأجريت النِّكَاح، وَكَــذَلِكَ وصلني ذَلِك عَن طَرِيق النَّقْل، وحينها استدعي الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف وَسُئِلَ من أَيْن أَعْطَيْت رِوَايَة جَوَاز هَذَا النِّكَاح، فأظهر أَن هَذِه الرِّوَايَة مَكْتُوبَة فِي (فُصُول الْعِمَادِيّ) وَهِي (وَلَو قضى بِجَوَاز نِكَاح مزنية الْأَب أَو مزنية الابْن لَا ينفذ عِنْد أبي يُوسُف لِأَن الْحَادِثَة مَنْصُوص عَلَيْهَا فِي الْكتاب، وَعند مُحَمَّد ينفذ، وَمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا، أَنه قَالَ الْحَرَام لَا يحرم الْحَلَال يُؤَيّد قَول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ مُجْتَهدا فِيهِ فَينفذ حكمه، كَذَا ذكر فِي الْمُحِيط) .
قيل إِن هَذِه الرِّوَايَة لَيست محصورة فِي (فُصُول الْعِمَادِيّ) وَلكنهَا مَوْجُودَة فِي كتب أُخْرَى. وَلكنهَا لَا تدل على مقصودكم، أما لماذا، لِأَن الْمَذْكُور فِي هَذِه الرِّوَايَة هُوَ نَفاذ الْقَضَاء فِي مزنية الْأَب أَو مزنية الابْن وَلَيْسَ جَوَاز نِكَاحهَا، وَإِذا كَانَت الْعبارَة (لَو نكح أحد بمزنية الْأَب) فَإِنَّهَا تُؤدِّي هَذَا الْمَعْنى، وَلَكِن الْعبارَة هِيَ (لَو قضى) وَالْقَضَاء فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء مَشْرُوط بالدعوة أَو الْقَضِيَّة، وتريد دَعْوَى سبق النِّكَاح. يَعْنِي أَن النِّكَاح قد سبق، وَوَقع بَين الزَّوْجَيْنِ دَعْوَى لجِهَة الْمهْر أَو النَّفَقَة وأمثال ذَلِك، وترافعوا لَدَى القَاضِي، وَأخذ القَاضِي حكما بِنَاء على بَيِّنَة أَو أَي من الْحجَج الشَّرْعِيَّة. فَهَذَا الحكم يُقَال لَهُ الْقَضَاء. وَلَيْسَ كل مَا قَالَه القَاضِي بِصِيغَة الْأَمر هُوَ قَضَاء. كَأَن يَقُول مثلا ضع الإبريق فِي بَيت الْخَلَاء، فَهَذَا لَيْسَ قَضَاء بالاصطلاح الشَّرْعِيّ فالقضاء بحاجة إِلَى الِاصْطِلَاح الْعرفِيّ.
وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمُتَعَارف على اصْطِلَاحه لَدَى الْعلمَاء ومشهور فِيمَا بَينهم، وَمَعَ هَذَا فقد صرح بعض المصنفين عَن هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى لَا يَقع أحد فِي الْغَلَط. كَمَا فِي (حسب الْمُفْتِينَ) إِذا قضى القَاضِي مُجْتَهدا فِيهِ وَهُوَ لَا يعلم بــذلك الْأَصَح أَنه يجوز قَضَاؤُهُ وَأَن ينفذ إِذا علم بِكَوْنِهِ مُجْتَهدا فِيهِ، قَالَ شمس الْأَئِمَّة، وَهَذَا ظَاهر الْمَذْهَب وَهَا هُنَا شَرط لنفاذ الْقَضَاء فِي الْمُجْتَهد فِيهِ وَهُوَ أَن يصير الحكم حَادِثَة فتجري فِيهِ خُصُومَة صَحِيحَة بَين يَدي القَاضِي من خصم على خصم، وَفِي الْبَحْر الرَّائِق هَا هُنَا شَرط لنفاذ الْقَضَاء فِي المجتهدات وَهُوَ أَن تصير حَادِثَة تجْرِي بَين القَاضِي من خصم على خصم حَتَّى لَو فَاتَ هَذَا الشَّرْط لَا ينفذ الْقَضَاء لِأَنَّهُ فَتْوَى) .
وَالْأَصْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هُوَ أَنه إِذا اخْتلف المجتهدون فِي الْقَضِيَّة، ترجع إِلَى القَاضِي وَيظْهر القَاضِي حكمه بِخِلَاف مذْهبه. عِنْد الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه إِذا حكم سَاهِيا فَينفذ. وَإِذا كَانَ عَامِدًا فَإِن فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعند الصاحبين نَافِذ مُطلقًا سَاهِيا كَانَ أم عَامِدًا. وَأَصْحَاب الْمُتُون مثل (وفاية الرِّوَايَة) وَغَيره وَأَصْحَاب الشُّرُوح مثل (الْهِدَايَة) وَشرح (الْوِقَايَة) وَغَيره وعَلى قَول الصاحبين هُوَ فَتْوَى، وَكتب الشَّيْخ كَمَال الدّين بن همام فِي (فتح الْقَدِير) حَاشِيَة (الْهِدَايَة) إِنَّه فِي زَمَاننَا الْفَتْوَى على قَول الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ فِي هَذَا الزَّمن كل من يحكم بِخِلَاف مذْهبه، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَو لَيْسَ خَالِيا من الطمع. إِذا فِي هَذِه الْحَادِثَة إِذا تحقق الْقَضَاء الَّذِي اصْطلحَ عَلَيْهِ الْعلمَاء، فَإِن نَفاذ الْقَضَاء على الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة يثبت، وَلَكِن بقول الصاحبين فَإِن قَضَاء الْمُفْتِي لَا ينفذ فِي جَوَاز النِّكَاح، وَلَا إِمْكَان.
وعلاوة على ذَلِك فَإِن فِي نَفاذ مثل هَذَا الْقَضَاء شَرطه اجْتِهَاد القَاضِي حَتَّى لَا ينفذ قَضَاء من قضى وَهُوَ غير مُجْتَهد عِنْد الإِمَام والصاحبين. وَهَذَا الِاشْتِرَاط يفهم من كَلَام صَاحب (الْهِدَايَة) وَكَــذَلِكَ صرح صَاحب (الْفَتْح الْقَدِير) وَغَيره من الْمُحَقِّقين، (هَذَا كُله فِي القَاضِي الْمُجْتَهد فَأَما الْمُقَلّد فَإِنَّمَا ولاه ليحكم بِمذهب أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثلا فَلَا يملك الْمُخَالفَة فَيكون معزولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك الحكم) .
وَكَــذَلِكَ مَعَ أَن هَذِه الرِّوَايَة لَا دلَالَة لَهَا على الْمَقْصُود، فَإِنَّهَا لَيست خَالِيَة من الضعْف لِأَنَّهَا تخَالف الْقَاعِدَة الْكُلية الْمَذْكُورَة فِي جَمِيع الْمُتُون والشروح، مَعَ وجود أَن الْعلمَاء صَرَّحُوا أَن رِوَايَات الْمُتُون مُقَدّمَة على رِوَايَات الشُّرُوح، وَرِوَايَات الشُّرُوح مُقَدّمَة على رِوَايَات فَتَاوَى الْخُصُوص. وَكتب أَيْضا أَن تَصْحِيح صَاحب الْهِدَايَة مقدم على الآخرين، وَبعد الَّتِي واللتيا، لما فهم الْمُفْتِي (الْمَذْكُور سَابِقًا) وَأدْركَ سوء فهمه وَعرف أَن مَدْلُول الرِّوَايَة هُوَ نَفاذ الْقَضَاء وَلَيْسَ زواج النِّكَاح، قَالَ هَذَا خطأ القَاضِي لِأَنَّهُ أذن بِالنِّكَاحِ وَلَيْسَ مني لأنني أَعْطَيْت سَابِقًا فَتْوَى نَفاذ قَضَاء هَذَا النِّكَاح ومضمون الرِّوَايَة شَرْطِيَّة، والشرطية صَادِقَة، حَتَّى وَلَو لم يتَحَقَّق مَا تقدم. قيل إِنَّه هُنَا لَا يسري صدق الشّرطِيَّة، وَيجب الْمُطَابقَة بَين سُؤال، فالمستفتي يسْأَل عَن جَوَاز النِّكَاح، وَأَنت تجيب عَن نَفاذ الْقَضَاء. وَإِذا كتبت فِي جَوَاب الاستفتاء الْمَذْكُور (كل مَا يخرج من السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء) فَإِن الرِّوَايَة فِي نَفسهَا صَحِيحَة وَلكنهَا من حَيْثُ الْمُطَابقَة كَاذِبَة. وعَلى قَول مولوي فِي المثنوي:
(أيتها الْخَالَة بطريقة سَيِّئَة أَصبَحت خالا ... )
أَي على صدق هَذِه الشّرطِيَّة فَلَا يمكننا اجراء أَحْكَام الْخَال على الْخَالَة. وَقد قيل كَــذَلِك فِي نَفاذ الْقَضَاء على مَدْلُول الرِّوَايَة كَلَام، لِأَنَّهُ مُخَالف للمتون والشروح الَّتِي فِيهَا الْفَتَاوَى على قَول الصاحبين، وَنُخَالِف الْمُحَقِّقين الَّذين اشترطوا الِاجْتِهَاد وعدوا الافتاء على رِوَايَة غير الْمُفْتِي بِخِلَاف آدَاب الْإِفْتَاء وَالدّين. قَالَ لقد أتيت (السبهري) بالمفتي الثَّانِي، وَقد جَاءَ كل من الْمُفْتِي الْمَذْكُور مَعَ مُحَمَّد يحيى الَّذِي أصبح الْمُفْتِي الثَّانِي وَأصْبح الْحل وَالْعقد فِي الْقَضَاء بِيَدِهِ مَعَ مُحَمَّد كَامِل الَّذِي وصلت إِلَيْهِ خُلَاصَة افتاء الْمُفْتِي الثَّانِي وَلما فهم القَاضِي والمفتيان أَن معنى الرِّوَايَة بِخِلَاف ذَلِك الَّذِي بنوا عَلَيْهِ الْعَمَل، فبدل مُحَمَّد يحيى مجْرى الْوَاقِعَة مقررا بقوله بِمَا أَن هَذَا النِّكَاح قد انْعَقَد أَمَامه وترافعوا لَدَيْهِ، فَحكم القَاضِي بِجَوَازِهِ وموافقته لمَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وَحكم بِهِ، قيل فِي جَوَابه، لماذا هَذَا التَّحْرِير فِي التَّقْرِير، أَولا لقد أعْطى القَاضِي الْإِذْن الَّذِي بِمُوجبِه انْعَقَد النِّكَاح، وَلم ينْعَقد أَولا النِّكَاح وَبعد ذَلِك ترافعوا أَمَام القَاضِي. وَمن الاتفاقات الجيدة، كَانَ الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف قد حضر، وَفِي الْوَقْت نَفسه حضر فَجْأَة ذَلِك الشَّخْص المبتلي، وَمن أجل الْآخِرَة وَحَتَّى لَا يحور النَّاس تَقْرِيره بعد أَن سمعُوا معنى الرِّوَايَة كَانَ يجب أَخذ الْإِقْرَار من ذَلِك الرجل المبتلي على مَا حدث فَسئلَ هَذَا الرجل المبتلي عَمَّا إِذا أَخذ الْإِذْن من القَاضِي أَولا وَبعد ذَلِك عقد النِّكَاح أم أَنه عقد النِّكَاح ثمَّ جَاءَ إِلَى القَاضِي ليَأْخُذ مِنْهُ حكما بِجَوَازِهِ، فَقَالَ أَولا حصلت على الرِّوَايَة وَبِنَاء عَلَيْهَا اعطاني القَاضِي الْإِذْن وبموجب ذَلِك عقد مُحَمَّد كَامِل عقد النِّكَاح، فَلَمَّا ثَبت كذب مُحَمَّد يحيى وتحويره للتقرير، أَخذ الْمُفْتِي الْعَارِف شَاهدا وَقيل لَهُ أَن لَا تكْتم الشَّهَادَة. وَمَا سمعته من هَذَا الرجل صباحا أعده وقله، فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أظهر مَا سَمعه. وَكَــذَلِكَ قيل لمُحَمد يحيى على تَقْدِير أَن النِّكَاح كَانَ سَابِقًا لإذن القَاضِي، فَكيف لَهُ أَن يُعْطي حكما بِجَوَاز هَذَا النِّكَاح. لِأَن الثَّابِت عِنْد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حُرْمَة الْمُصَاهَرَة بالزنى، وَهَذَا النِّكَاح غير جَائِز عِنْد أَي وَاحِد مِنْهُم، وَمهما كَانَ القَاضِي مُجْتَهدا فَلَا يجوز لَهُ أَن يحكم بِمَا يُخَالف الْعلمَاء الثَّلَاثَة.
وَقد جَاءَ التَّنْصِيص على أَنه (إِذا اتّفق أَصْحَابنَا أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله تَعَالَى فِي مَسْأَلَة، لَا يسع القَاضِي أَن يخالفهم وَلَا يبقي ذَلِك محلا للِاجْتِهَاد، وَإِن اخْتلفُوا فِي مَسْأَلَة فِيمَا بَينهم قَالَ عَامَّة مَشَايِخنَا رَحِمهم الله إِن كَانَ القَاضِي من أهل الِاجْتِهَاد يجْتَهد، فَإِن وَقع اجْتِهَاده على قَول الْوَاحِد أَخذ بقوله وَيتْرك قَول الْمثنى وَإِن كَانَ فِي الْمثنى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى) وَالرِّوَايَة الْمَذْكُورَة لَا تدل على أَنه يجوز للْقَاضِي أَن يُعْطي حكما بِجَوَاز هَذَا النِّكَاح. وَلكنهَا تدل على أَنه على تَقْدِير أَنه حكم، فَإِن حكمه ينفذ كَمَا هِيَ الْعبارَة (لَو قضى القَاضِي _ الخ) وَهُوَ نَص صَرِيح وَكتب الْفِقْه مشحونة بأمثال هَذِه الْعبارَة. مثل (لَو وطئ رجل دبر امْرَأَة وَلَو وطئ فرج بَهِيمَة فَعَلَيهِ الْغسْل) فَهَذِهِ الْعبارَات تدل على وجوب الْغسْل على تَقْدِير الوطئ فِي الدبر أَو فِي فرج الْبَهِيمَة، أم تدل على جَوَاز الوطئ فِي الدبر أَو فِي فرج الْبَهِيمَة. وَبعد تَقولُونَ إِن القَاضِي حكم بعد سَماع المرافعة وعَلى تَقْدِير صدق هَذَا القَوْل من أَيْن كَانَ للْقَاضِي أَن يحكم، وَمَا هُوَ الدَّلِيل الَّذِي حكم بِهِ. بعد ذَلِك اعتذروا وَمضى مَا سَمِعُوهُ.) انْتهى) .
(الْقِصَّة) الَّتِي تكْتب وَالْجُمْلَة من الْكَلَام والْحَدِيث وَالْأَمر وَالْخَبَر والشأن وحكاية نثرية طَوِيلَة تستمد من الخيال أَو الْوَاقِع أَو مِنْهُمَا مَعًا وتبنى على قَوَاعِد مُعينَة من الْفَنّ الْكِتَابِيّ (محدثة) (ج) قصَص

(الْقِصَّة) الْخصْلَة من الشّعْر وَشعر مقدم الرَّأْس (ج) قصَص وقصاص

الْإِنْسَان

(الْإِنْسَان) الْكَائِن الْحَيّ المفكر (ج) أناسي (أَصله أناسين) وإنسان الْعين ناظرها وإنسان السَّيْف والسهم حدهما وَالْإِنْسَان الراقي ذهنا وخلقا وَالْإِنْسَان المثالي الَّذِي يفوق العادي بقوى يكتسبها بالتطور (مج)(ج) أناسي
الْإِنْسَان: نوع من أَنْوَاع الْعَالم وَجمعه النَّاس وَأَصله وكنهه مَعْلُوم على من أَتَى الله بقلب سليم أَنه أشرف الْمَخْلُوقَات وَثَمَرَة شَجَرَة الْوُجُود والمجودات وَللَّه در الشَّاعِر.
(سر وجود ذَات بِإِنْسَان رسيد وماند ... جون وَحي آسمان كه بقرآن رسيد وماند)

وَلَكِن أصل لفظ النَّاس الأناس فَخفف بِحَذْف الْهمزَة وعوضت اللَّام عَنْهَا لَكِنَّهَا غير لَازِمَة. وَلِهَذَا يُقَال فِي سَعَة الْكَلَام نَاس. وَقَالَ قوم أَصله انسيان على افعلان فحذفت الْيَاء اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَة مَا يجْرِي على الْأَلْسِنَة. وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بقول ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه إِنَّمَا سمي إنْسَانا لِأَنَّهُ عهد إِلَيْهِ فنسي. وَالْإِنْسَان يُطلق على الْمُذكر والمؤنث وَرُبمَا يُطلق للْأُنْثَى إنسانة وَقد جَاءَ فِي قَول الشَّاعِر:
(لقد كستني فِي الْهوى ... ملابس الصب الْغَزل)

(إنسانة فتانة ... بدر الدجى مِنْهَا خجل)

(إِذا زنت عَيْني بهَا ... فبالدموع تَغْتَسِل)

وَفِي تَحْقِيق الْإِنْسَان تَفْصِيل وتدقيق وَتَحْقِيق فِي المطولات وَمَا يذكر هَا هُنَا نبذ مِنْهَا. فَاعْلَم أَن للْإنْسَان إِطْلَاق مشهورين عِنْد الْعَوام وَإِطْلَاق لَدَى الْخَواص.
الأول إِطْلَاقه على الْأَشْخَاص الْمعينَة الْمَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان كزيد وَعَمْرو وَغير ذَلِك مِمَّا يشاركهما فِي النَّوْع وَلَفظ الْإِنْسَان بِهَذَا الْمَعْنى مَشْهُور بَين الْقَوْم وهم لَا يعلمُونَ من الْإِنْسَان سوى هَذَا وَطَرِيق معرفَة كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَشْخَاص على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْخَارِج إِنَّمَا هُوَ الإحساس إِذْ بِهِ يمتاز كل من أشخاصه عَن كل مَا عداهُ امتيازا تَاما بِحَيْثُ لَا يلتبس بِغَيْرِهِ أصلا وَلَا يلْزم من معرفَة شخص مِنْهَا معرفَة شخص آخر مِنْهَا وَلِهَذَا لَا يجْرِي الْكسْب والاكتساب فِي الْأَشْخَاص أَي الجزئيات الْحَقِيقِيَّة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. والسر فِيهِ أَن لكل وَاحِد مِنْهَا حَقِيقَة شخصية مباينة لحقيقة غَيره فِي الذِّهْن وَالْخَارِج وَهَذَا مُرَاد الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله مِمَّا قَالَ إِن لكل وَاحِد من أَفْرَاد الْإِنْسَان حَقِيقَة على حِدة وَإِن وجود كل وَاحِد مِنْهَا عين حَقِيقَته يَعْنِي أَنه أَرَادَ بِالْحَقِيقَةِ الْوُجُود الْخَاص لكل شخص من تِلْكَ الْأَشْخَاص وَالْإِنْسَان بِهَذَا الْمَعْنى يُوصف بالجزئية الْحَقِيقِيَّة وَهُوَ الْمصدر للآثار والمظهر للْأَحْكَام وَهُوَ الْمُكَلف بالشرائع.
وَالثَّانِي إِطْلَاقه على الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الْكُلِّي المنطبق على كل وَاحِد من أَفْرَاده الْمَوْجُودَة والمعدومة وَهَذَا الْإِطْلَاق مَشْهُور بَين الْخَواص. وَالْإِنْسَان بِهَذَا الْمَعْنى يُوصف بِالْكُلِّيَّةِ والنوعية وَله وجود فِي الْأَعْيَان فِي إِفْرَاده وَلَا وجود لَهُ ممتاز عَنْهَا فِي الْأَعْيَان وَإِلَّا لما أمكن حمله على شَيْء من إِفْرَاده أصلا لِأَن الْحمل عبارَة عَن تغاير الشَّيْئَيْنِ فِي الذِّهْن واتحادهما فِي الْخَارِج فَلَو كَانَ لَهُ وجود ممتاز عَن إِفْرَاده فِي الْأَعْيَان لما صَحَّ اتحاده مَعَ فَرد من أَفْرَاده فِي الْأَعْيَان. فالإنسان بِهَذَا الْمَعْنى مَفْهُوم عَقْلِي انتزعه الْعقل من تِلْكَ الْأَفْرَاد بتجريدها عَن التشخصات واللواحق المادية. وَــذَلِكَ الْمَفْهُوم الْعقلِيّ عِنْد الْحُكَمَاء تَمام الْحَقِيقَة النوعية لإفراده وعرفوه بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق. وَقَالُوا إِنَّه حد تَامّ للْإنْسَان لِأَن الْحَيَوَان جنس قريب للْإنْسَان. والناطق فصل قريب لَهُ والتعريف بِالْجِنْسِ والفصل القريبين حد تَامّ. وَالْحَيَوَان جَوْهَر جسم نَام حساس متحرك بالإرادة وكل فَرد من أَفْرَاد الْإِنْسَان كَــذَلِك. أما أَنه جسم فَلِأَنَّهُ مركب من الهيولى وَالصُّورَة وشاغل للحيز بِالذَّاتِ وقابل للأبعاد الثَّلَاثَة وَلَا نعني بالجسم إِلَّا هَذَا. وَإِمَّا أَنه نَام فَلِأَنَّهُ يزِيد فِي الأقطار الثَّلَاثَة على تناسب طبيعي وَهُوَ الْمَعْنى بالنامي. وَإِمَّا أَنه حساس فَلِأَنَّهُ يدْرك الْأَشْيَاء بالحواس وَلَا معنى للحساس سوى ذَلِك. وَإِمَّا أَنه متحرك بالإرادة فَلِأَنَّهُ ينْتَقل من مَكَان إِلَى مَكَان آخر بِقَصْدِهِ وإرادته وَيُوجد الحركات إِن شَاءَ وَلَا يوجدها إِن لم يَشَأْ وَهُوَ معنى المتحرك بالإرادة فقد ثَبت أَن الْإِنْسَان حَيَوَان. وَإِمَّا أَنه نَاطِق فَلَمَّا سَيَجِيءُ.
ثمَّ اعْلَم أَن نَاطِق فصل قريب للْإنْسَان فَإِن قيل من شَأْن الْفضل الْقَرِيب للماهية اخْتِصَاصه بهَا والناطق لَيْسَ كَــذَلِك لِأَن المُرَاد بالنطق إِمَّا التَّكَلُّم فَالله تَعَالَى وَالْمَلَائِكَة وَسَائِر الْحَيَوَانَات متكلمون. أَو المُرَاد بِهِ إِدْرَاك الكليات وَهُوَ أَيْضا لَيْسَ مُخْتَصًّا بالإنسان لِأَنَّهُ تَعَالَى وَسَائِر المجردات كالعقول والنفوس مدركون. فالناطق على أَي حَال لَيْسَ مُخْتَصًّا بماهية الْإِنْسَان فضلا أَن يكون فصلا لَهُ وَاعْلَم أَن الْمَلَائِكَة عِنْد الْحُكَمَاء هِيَ الْعُقُول الْمُجَرَّدَة وَإِن لَيْسَ لَهَا وللنفوس الفلكية عِنْدهم نطق أَي تكلم أصلا لَكِن لَهَا إِدْرَاك الكليات كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وَأَيْضًا لَو أُرِيد بالنطق إِدْرَاك الكليات لزم أحد الْأَمريْنِ وَكِلَاهُمَا بَاطِل أَحدهمَا أَن لَا يكون النَّاطِق ذاتيا فصلا قَرِيبا للْإنْسَان الَّذِي من الْجَوَاهِر لِأَن الْإِدْرَاك فِي الممكنات من مقولة الْإِعْرَاض عِنْدهم قطعا فَيكون خَارِجا عارضا لَا دَاخِلا ذاتيا فضلا عَن أَن يكون فصلا. وَثَانِيهمَا أَن الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ من الْجَوَاهِر لَو فَرضنَا أَنه مركب من الْجَوْهَر وَالْعرض الَّذِي هُوَ الْإِدْرَاك لزم أَن لَا يكون الْإِنْسَان جوهرا فَإِن الْمركب من الْجَوْهَر وَالْعرض لَيْسَ بجوهر عِنْدهم أصلا وَالْجَوَاب بِأَن المُرَاد بالنطق إِدْرَاك الكليات وَهُوَ مُخْتَصّ بالإنسان لِأَن غَيره من الْحَيَوَانَات لَيْسَ بمدرك للكليات لَا يُفِيد الْمَطْلُوب. كَيفَ فَإِن عدم إِدْرَاك غير الْإِنْسَان من الْحَيَوَانَات للكليات مَمْنُوع نعم إِنَّه غير مَعْلُوم لنا وَعدم الْعلم بالشَّيْء لَا يسْتَلْزم عَدمه فِي نَفسه وَإِن سلمنَا ذَلِك فَلَا نسلم أَنه يلْزم من هَذَا الْقدر اخْتِصَاصه بالإنسان كَيفَ فَإِنَّهُ تَعَالَى مدرك الكليات وَكَذَا الْعُقُول الْمُجَرَّدَة والنفوس الفلكية نعم لَو أثبت نفي النُّطْق عَمَّا سوى الْإِنْسَان لثبت اخْتِصَاصه بِهِ وَأما إِثْبَات هَذَا بِدُونِ ذَلِك أصعب من خرط القتاد وَمَعَ هَذَا إِدْرَاك الكليات عرض كَمَا عرفت فَكيف يكون فصلا للجوهر. وَالْحق فِي الْجَواب أَن المُرَاد بالنطق إِدْرَاك الكليات والناطق لَيْسَ فصلا قَرِيبا للْإنْسَان فِي الْحَقِيقَة بل فَصله الْقَرِيب الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ مبدأ الْآثَار المختصة بِهِ كالنطق والتعجب والضحك وَالْكِتَابَة وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُوجد فِي غير الْإِنْسَان فَــذَلِك الْجَوْهَر هُوَ الْفَصْل فِي الْحَقِيقَة. وَلما لم يكن ذَلِك الْجَوْهَر مَعْلُوما لنا بكنهه بل بعوارضه المختصة فَيدل عَلَيْهِ بأقوى عوارضه وَهُوَ النُّطْق الَّذِي بِمَعْنى إِدْرَاك الكليات ويشتق مِنْهُ النَّاطِق وَيحمل على الْإِنْسَان وَيُسمى بِالْفَصْلِ مجَازًا من قبيل إِطْلَاق اسْم الشَّيْء على أَثَره.
وَإِن أردْت تَفْصِيل هَذَا الْمُجْمل فَارْجِع إِلَى مَا فصلناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي الْفَاضِل اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق وَلَكِن اذكر فِي هَذَا الْمقَام نبذا من ذَلِك المرام.
فَأَقُول إِن الصُّورَة النوعية الَّتِي هِيَ أَمر جوهري وَفصل قريب للماهيات ومبدأ للآثار المختصة قد تكون مَجْهُولَة بكنهها مَعْلُومَة بعوارضها المختصة بهَا وَتلك الْعَوَارِض لَا تَخْلُو من أَن تكون مترتبة أَو لَا. فَإِن كَانَت مترتبة كالنطق والتعجب والضحك فَيُؤْخَذ أقواها وأقدمها كالنطق ويشتق مِنْهُ مَحْمُولا كالناطق وَيُطلق عَلَيْهِ اسْم الْفَصْل تسامحا كَمَا مر. وَإِن لم تكن مترتبة لعدم ترتبها فِي نفس الْأَمر أَو بِسَبَب اشْتِبَاه تقدم أَحدهمَا على الآخر فيشتق عَن كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَعْرَاض مَحْمُولا وَيجْعَل الْمَجْمُوع قَائِما مقَام ذَلِك الْأَمر الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ فصل حَقِيقَة وَيُسمى فصلا مجَازًا كالحساس والمتحرك بالإرادة. فَإِن الْفَصْل الْحَقِيقِيّ للحيوان هُوَ الْجَوْهَر المعروض للحس وَالْحَرَكَة الإرادية وَلما اشْتبهَ تقدم أَحدهمَا على الآخر اشتق عَن كل مِنْهُمَا للدلالة على ذَلِك الْفَصْل الْحَقِيقِيّ اسْم أَعنِي الحساس والمتحرك بالإرادة وَجعل الْمَجْمُوع فصلا قَائِما مقَام الْفَصْل الْحَقِيقِيّ للحيوان تسامحا فَلَيْسَ الْفَصْل الْقَرِيب للحيوان إِلَّا أَمر وَاحِد جوهري لَا تعدد فِيهِ وَإِنَّمَا التَّعَدُّد فِي الدَّال.
واندفع من هَذَا الْبَيَان عَظِيم الشَّأْن (الِاعْتِرَاض الْمَشْهُور) أَيْضا بِأَن الحساس يَكْفِي للفصل فَلَا حَاجَة إِلَى المتحرك بالإرادة وَلَا يجوز للماهية فصلان فِي مرتبَة وَاحِدَة كَمَا لَا يجوز جِنْسَانِ فِي مرتبَة وَاحِدَة واندفع أَيْضا أَن لِلْأَمْرِ الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ فصل الْإِنْسَان حَقِيقَة عوارض مُتعَدِّدَة مُخْتَصَّة بِهِ فَمَا الدَّاعِي إِلَى اخْتِيَار النَّاطِق مِنْهَا وقيامه مقَامه وتسميته باسمه فصلا وَإِلَّا يلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح. وَلَكِن بَقِي الْإِشْكَال بِأَن إِدْرَاك الكليات لَيْسَ مُخْتَصًّا بالإنسان لما مر فَنَقُول نعم مُطلق الْإِدْرَاك الْمَذْكُور لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ لَكِن الْإِدْرَاك الَّذِي هُوَ أثر ذَلِك المبدأ أَعنِي الصُّورَة النوعية الَّتِي للْإنْسَان مُخْتَصّ بِهِ. أَو المُرَاد بِهِ الْإِدْرَاك الْحَادِث وَهُوَ فِي ذَاته تَعَالَى قديم بالِاتِّفَاقِ هَكَذَا فِي الْعُقُول والنفوس الفلكية عِنْد الْحُكَمَاء. أَو نقُول المُرَاد بالنطق إِدْرَاك الكليات بطرِيق الِاكْتِسَاب. وَلَا شكّ أَن الْإِدْرَاك الْمَذْكُور بِهَذَا الْمَعْنى مُخْتَصّ بالإنسان فَإِن علمه تَعَالَى حضوري وَكَذَا علم المجردات. وَالْعلم الاكتسابي من أَقسَام الْعلم الحصولي كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه. قيل المُرَاد بالناطق فِي تَعْرِيف الْإِنْسَان إِمَّا النَّاطِق بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ وعَلى كل من التَّقْدِيرَيْنِ يلْزم فَسَاد التَّعْرِيف أما على الأول فلخروج الْأَطْفَال فَإِنَّهُم لَيْسُوا من أهل النُّطْق بِشَيْء من الْمَعْنيين أَي لَا بِمَعْنى التَّكَلُّم بالحروف والأصوات وَلَا بِمَعْنى إِدْرَاك الكليات وَأما على الثَّانِي فلصدق التَّعْرِيف حِينَئِذٍ على المضغة والعلقة والمني بل على اللَّحْم وَالْخبْز اللَّذين يحصل مِنْهُمَا الْمَنِيّ لِأَن كَلَامهَا حَيَوَان نَاطِق بِالْقُوَّةِ فعلى الأول التَّعْرِيف لَيْسَ بِجَامِع وعَلى الثَّانِي لَيْسَ بمانع وَالْجَوَاب وَاضح مِمَّا ذكرنَا آنِفا فَإِن المُرَاد بالناطق لما تقرر أَنه ذُو مبدأ نطق فَهُوَ مَوْجُود بِالْفِعْلِ فِي الصّبيان ومفقود بِالْفِعْلِ فِي المضغة والعلقة وَغير ذَلِك. وَلما تبين بِمَا ذكرنَا فِيمَا سبق أَن الْإِنْسَان حَيَوَان فَالْآن نبين كَونه ناطقا فَنَقُول إِنَّه ذُو نفس ناطقة لوَجْهَيْنِ. الْوَجْه الأول أَنه يظْهر فِي كل فَرد من أَفْرَاده آثَار النَّفس الناطقة من النُّطْق بالحروف والأصوات وَإِدْرَاك الكليات والتعجب والضحك وأمثالها مِمَّا تقرر فِي الْحِكْمَة أَنَّهَا من آثَار النَّفس الناطقة وَهَذِه الْآثَار لَا تُوجد فِي غير الْإِنْسَان فَيكون مبدأها وَهُوَ النَّفس مَخْصُوصًا بِهِ فَيكون هُوَ ذَا نفس دون غَيره فَهَذَا دَلِيل أَنِّي على ثُبُوتهَا فِي الْإِنْسَان. وَالْوَجْه الثَّانِي مَا تحقق أَن العناصر إِذا تصغرت أجزاءها غَايَة التصغر وامتزج بَعْضهَا بِبَعْض امتزاجا كَامِلا يَقع بَينهَا بِاعْتِبَار كيفيتها الْمُخْتَلفَة فعل وانفعال تنكسر سُورَة كل وَاحِدَة مِنْهَا بِالْأُخْرَى فَتحدث هُنَاكَ كَيْفيَّة وَاحِدَة متوسطة معتدلة قريبَة بالاعتدال الْحَقِيقِيّ فَحِينَئِذٍ يشْتَد كَمَال الامتزاج بَين تِلْكَ الْأَجْزَاء ويرتفع الامتزاج بَينهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَيصير شَيْئا وَاحِدًا متكيفا بكيفية وَاحِدَة فَيحصل لَهُ بتينك الوحدتين أَعنِي الْوحدَة فِي الْمَادَّة والوحدة فِي الْكَيْفِيَّة مُنَاسبَة تَامَّة بالمبدأ الْحَقِيقِيّ الْوَاحِد من جَمِيع الْجِهَات فيفيض مِنْهُ عَلَيْهِ بِسَبَب تِلْكَ الْمُنَاسبَة جَوْهَر مُجَرّد شرِيف يتَعَلَّق بِهِ تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف فَيحصل لَهُ بــذلك قُوَّة النُّطْق بالحروف والأصوات إِذا لم يكن هُنَاكَ مَانع وَقُوَّة إِدْرَاك الكليات والتعجب والضحك وَمَا أشبههَا وَهُوَ الْمُسَمّى بِالنَّفسِ الناطقة عِنْدهم. وَلَا شكّ أَن تِلْكَ الْمُنَاسبَة التَّامَّة بالمبدأ الْحَقِيقِيّ الْحَاصِلَة بِسَبَب الامتزاج الْكَامِل المستتبعة لفيضان تِلْكَ النَّفس تُوجد فِي بدن الْإِنْسَان بالدلائل الدَّالَّة عَلَيْهَا وَلَا تُوجد فِي غَيره فَيكون هُوَ ذَا نفس ناطقة.
وَفِي حَيَاة الْحَيَوَان افْتتح عبد الْمَسِيح ابْن يختشوع كِتَابه فِي الْحَيَوَان بالإنسان وَقَالَ إِنَّه أعدل الْحَيَوَان مزاجا وأكمله أفعالا وألطفه حسا وأنفذه رَأيا فَهُوَ كالملك الْمُسَلط القاهر لسَائِر الخليقة الْآمِر لَهَا وَــذَلِكَ لما وهبه الله تَعَالَى لَهُ من الْعقل الَّذِي بِهِ يتَمَيَّز على كل الْحَيَوَان البهيمي فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ملك الْعَالم وَلــذَلِك سَمَّاهُ قوم من القدماء الْعَالم الْأَصْغَر. ثمَّ قَالَ وَمِمَّا ذكر فِي الْخَواص وَشهِدت بِهِ التجربة أَنه مَتى صور صُورَة صبي حسن الْوَجْه وَنصب بِحَيْثُ ترَاهُ وَقت الْجِمَاع خرج الْوَلَد يشبه تِلْكَ الصُّورَة فِي أَكثر الْأَعْضَاء. وَله خَواص يطول الْكتاب بذكرها مِنْهَا: أَنه إِن أَخذ نجو صبي حِين يُولد وجفف وسحق وكحل بِهِ بَيَاض الْعين نفع وينفع من الغشاوة أَيْضا. وَدم الْحيض إِذا طلي بِهِ من عضه الْكَلْب الْكَلْب يبرأ وَكَــذَلِكَ البرص والبهق. وَقَالَ الْقزْوِينِي فِي عجائب الْمَخْلُوقَات إِذا رعف الْإِنْسَان فليكتب اسْمه بدمه على خرقَة وَيجْعَل نصب عينه فَإِنَّهُ يَنْقَطِع رعافه. ونطفة الْإِنْسَان إِذا طلي بهَا البهق والبرص والقوبا أبرأتهم.
وَقَالَ الْأَطِبَّاء إِذا أردْت أَن تعلم أَن الْمَرْأَة عقيم أم لَا فَمُرْهَا أَن تحمل ثومة فِي قطنة وتمكث سبع سَاعَات فَإِن فاح من فمها رَائِحَة الثوم فعالجها بالأدوية فَإِنَّهَا تحمل بِإِذن الله تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا وَالله أعلم. وَالْإِنْسَان الْكَامِل لجَمِيع العوالم الإلهية والكونية الْكُلية والجزئية وَفِي تَفْصِيله طول فِي كتب الْحَقَائِق وَللَّه در الشَّاعِر. شعر:
(آنجه برجستيم وَكم ديديم وبسيار است ونيست)

(نيست جز انسان درين عَالم كه بسياراست)

التصوير بالاستعارة

التصوير بالاستعارة
اقتصر الأقدمون عند ما تحدثوا عن الاستعارة في القرآن على ذكر أنواعها، من استعارة محسوس لمحسوس بجامع محسوس أو بجامع عقلى، ومن استعارة محسوس لمعقول، ومن استعارة معقول لمعقول أو لمحسوس، ومن استعارة تصريحية أو مكنية، ومن مرشحة أو مجردة، إلى غير ذلك من ألوان الاستعارة، وهم يذكرون هذه الألوان، ويحصون ما ورد في القرآن منها، ويقفون عند ذلك فحسب، وبعضهم يزيد فيجرى الاستعارة، ظانا أنه بــذلك قد أدى ما عليه، من بيان الجمال الفنى في هذا اللون من التصوير، ولم أر إلا ما ندر من وقوف بعضهم يتأمل بعض هذه اللمحات الفنية المؤثرة، وليس مثل هذه الدراسة بمجد في تذوق الجمال وإدراك أسراره، ومن الخير أن نتبين الأسرار التى دعت إلى إيثار الاستعارة على الكلمة الحقيقة.
وإذا أنت مضيت إلى الألفاظ المستعارة رأيتها من هذا النوع الموحى؛ لأنها أصدق أداة تجعل القارئ يحس بالمعنى أكمل إحساس وأوفاه، وتصور المنظر للعين، وتنقل الصوت للأذن، وتجعل الأمر المعنوى ملموسا محسّا، وحسبى أن أقف عند بعض هذه الألفاظ المستعارة الموحية، نتبين سر اختيارها:
قال سبحانه: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (الكهف 99). فكلمة يَمُوجُ لا تقف عند حد استعارتها لمعنى «الاضطراب» بل إنها تصور للخيال هذا الجمع الحاشد من الناس، احتشادا ألا تدرك العين مداه، حتى صار هذا الحشد الزاخر كبحر، ترى العين منه ما تراه في البحر الزاخر من حركة وتموّج واضطراب، ولا تأتى كلمة يَمُوجُ إلا موحية بهذا المعنى، ودالة عليه. وقال سبحانه: قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً (مريم 4). وهنا لا تقف كلمة اشْتَعَلَ عند معنى انتشر فحسب، ولكنها تحمل معنى دبيب الشيب في الرأس في بطء وثبات، كما تدب النار في الفحم مبطئة، ولكن في دأب واستمرار، حتى إذا تمكنت من الوقود اشتعلت في قوة لا تبقى ولا تذر، كما يحرق الشيب ما يجاوره من شعر الشباب، حتى لا يذر شيئا إلا التهمه، وأتى عليه، وفي إسناد الاشتعال إلى الرأس ما يوحى بهذا الشمول الذى التهم كل شىء في الرأس. وقد تحدثنا فيما مضى عما توحى به كلمة تنفس، من إثارة معنى الحياة التى تغمر الكون عند مطلع الفجر.
وقال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (يس 37). فكلمة نَسْلَخُ تصور للعين انحسار الضوء عن الكون قليلا قليلا، ودبيب الظلام إلى هذا الكون في بطء، حتى إذا تراجع الضوء ظهر ما كان مختفيا من ظلمة الليل. وقال تعالى: وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (الذاريات 41، 42).
ففي العقم ما يحمل إلى النفس معنى الإجداب الذى تحمله الريح معها.
وكثر في القرآن أخذ الكلمات الموضوعة للأمور المحسوسة، يدل بها على معقول معنوى، يصير به كأنه ملموس مرئى، فضلا عن إيحاءات الكلمة إلى النفس، خذ مثلا قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (آل عمران 187). ألا ترى أن كلمة (نبذ)، فضلا عن أنها تدل على الترك، توحى إلى نفس القارئ معنى الإهمال والاحتقار، لأن الذى (ينبذ) وراء الظهر إنما هو الحقير المهمل. وقوله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ (الأنبياء 18). فكلمة القذف توحى بهذه القوة التى يهبط بها الحق على الباطل، وكلمة فَيَدْمَغُهُ توحى بتلك المعركة التى تنشب بين الحق والباطل، حتى يصيب رأسه ويحطمه، فلا يلبث أن يموت وتأمل قوة التعبير بالظلمات والنور يراد بهما الكفر والإيمان، فى قوله تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (إبراهيم 1). وجمع الظلمات يصور لك إلى أى مدى ينبهم الطريق أمام الضال، فلا يهتدى إلى الحق، وسط هذا الظلام المتراكم.
ومن ذلك قوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ (البقرة 237). فإنك تشعر في كلمة العقدة بهذا الربط القلبى، الذى يربط بين قلبى الزوجين. ويطول بى القول إذا أنا وقفت عند كل استعارة، من هذا اللون وحسبى أن أشير إلى بعض نماذجه كقوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (الحجر 94). فكلمة الصدع بمعنى الجهر توحى بما سيكون من أثر هذه الدعوة الجديدة، من أنها ستشق طريقها إلى القلوب وتحدث في النفوس أثرا قويّا، وقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران 103). فأى صلة متينة ذلك الدين الذى يربطك بالله، يثير هذا المعنى في نفسك هذا التعبير القوى المصور: حبل الله.
وقوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (الشعراء 224، 225). وقوله تعالى: لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً (آل عمران 99). وقوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ (الأنعام 68). وتأمل جمال أَفْرِغْ فى قوله سبحانه: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً (الأعراف 126). وما يثيره في نفسك من الطمأنينة التى يحس بها من هدأ جسمه بماء يلقى عليه، وهذه الراحة تشبهها تلك الراحة النفسية، ينالها من منح هبة الصبر الجميل، ومن الدقة القرآنية في استخدام الألفاظ المستعارة أنه استخدم أَفْرِغْ وهى توحى باللين والرفق وعند حديثه عن الصبر، وهو من رحمته، فإذا جاء إلى العذاب استخدم كلمة (صب) فقال: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (الفجر 13). وهى مؤذنة بالشدة والقوة معا.
وتأمل كــذلك قوة كلمة زُلْزِلُوا فى قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة 214). ولو أنك جهدت في أن تضع كلمة مكانها ما استطاعت أن تؤدى معنى هذا الاضطراب النفسى العنيف.
وقد تحدثنا فيما مضى عن جمال التعبير في قوله تعالى: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (البقرة 27). وقوله سبحانه: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ (البقرة 7). وقد يستمر القرآن في رسم الصورة المحسوسة بما يزيدها قوة تمكّن لها في النفس، كما ترى ذلك في قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (البقرة 16). فقد أكمل صورة الشراء بالحديث عن ربح التجارة والاهتداء في تصريف شئونها.
وقد يحتاج المرء إلى تريث يدرك به روعة التعبير، كما تجد ذلك في قوله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (النحل 112). فقد يبدو أن المناسبة تقضى أن يقال: فألبسها الله لباس الجوع، ولكن إيثار الذوق هنا؛ لأن الجوع يشعر به ويذاق، وصح أن يكون للجوع لباس؛ لأن الجوع يكسو صاحبه بثياب الهزال والضنى والشحوب.
وقد يشتد وضوح الأمر المعنوى في النفس، ويقوى لديها قوة تسمح بأن يكون أصلا يقاس عليه، كما ترى ذلك في قوله سبحانه: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (الحاقة 11). فهنا كان الطغيان المؤذن بالثورة والفوران أصلا يشبه به خروج الماء عن حده، لما فيه من فورة واضطراب، وعلى هذا النسق جاء قوله تعالى: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (الحاقة 6). فهذه الريح المدمرة يشبه خروجها عن حدها العتوّ والجبروت.
وقد يجسم القرآن المعنى، ويهب للجماد العقل والحياة، زيادة في تصوير المعنى وتمثيله للنفس، وذلك بعض ما يعبر عنه البلاغيون بالاستعارة المكنية، ومن أروع هذا التجسيم قوله سبحانه: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ (الأعراف 154). ألا تحس بالغضب هنا وكأنه إنسان يدفع موسى ويحثه على الانفعال والثورة، ثم سكت وكفّ عن دفع موسى وتحريضه، ومن تعقيل الجماد قوله سبحانه: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (فصلت 11). وفي ذلك التعبير ما يدل على خضوعهما واستسلامهما، وقوله سبحانه: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ (الكهف 77). وكأنما الجدار لشدة وهنه وضعفه يؤثر الراحة لطول ما مر به من زمن. وقوله تعالى: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (الملك 6 - 8). فهذا التميز من الغيظ يشعر بشدة ما جناه أولئك الكفرة، حتى لقد شعر به واغتاظ منه هذا الذى لا يحس.
وعلى هذا النسق قوله سبحانه: كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (المعارج 15 - 17). ألا تحس في هذا التعبير كأن النار تعرف أصحابها
بسيماهم، فتدعوهم إلى دخولها ومنه قوله تعالى: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ (يونس 24). وفي ذلك ما يشعرك بالحياة التى تدب في الأرض، حين تأخذ زخرفها وتتزين.
هذا وقد كثر الحديث عن قوله سبحانه: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (الإسراء 24). ورووا ما يفهم منه أن أبا تمام قلد هذا التعبير فقال:
لا تسقنى ماء الملام، فإننى ... صبّ قد استعذبت ماء بكائى
حتى إنه يروى أن أحدهم أرسل إليه زجاجة يطلب منه فيها شيئا من ماء الملام، فقال أبو تمام: حتى تعطينى ريشة من جناح الذل. قيل: فاستحسنوا منه ذلك. وعندى أن ليس الأمر على ما ذكروه، وأن هذا التعبير كناية عن الرفق في معاملة الوالدين، وأخذهما باللين والرقة، كما تقول: «واخفض لهما الجناح ذلا» ولكن لما كان ثمة صلة بين الجناح بمعنى جانب الإنسان وبين الذل، إذ إن هذا الجانب هو مظهر الغطرسة حين يشمخ المرء بأنفه، ومظهر التواضع حين يتطامن- أجازت هذه الصلة إضافة الجناح للذل لا على معنى الملكية، فلسنا بحاجة إلى تشبيه الذل بطائر نستعير جناحه، ولكنا بحاجة إلى استعارة الجناح للجانب، وجمال ذلك هنا في أن اختيار كلمة الجناح في هذا الموضع يوحى بما ينبغى أن يظلّ به الابن أباه من رعاية وحب، كما يظل الطائر صغار فراخه.
وبما ذكرناه يبدو أن بيت أبى تمام لم يجر على نسق الآية الكريمة، فليس هناك صلة ما بين الماء والملام تجيز هذه الإضافة، ولا سيما أن إيحاء الكلمات فى الجملة لا تساعد أبا تمام على إيصال تجربته إلى قارئه، فليس في سقى الماء ما يثير ألما، ولو أنه قال: لا تجر عنى غصص الملام، لاستطاع بــذلك أن يصور لنا شعوره تصويرا أدقّ وأوفى، لما تثيره هاتان اللفظتان في النفس من المشقة والألم.
*** 

المقابلة

المقابلة:
[في الانكليزية] Opposition ،reciprocity ،oxymoron
[ في الفرنسية] Opposition ،reciprocite ،oxymoron
هي عند المنجّمين كون الكوكبين بحيث يكون البعد بينهما بقدر نصف فلك البروج ككون الزهرة في أول درجة الحمل والمريخ في أول درجة الميزان، ومقابلة الشمس والقمر يسمّى استقبالا وامتلاء. وعند المحاسبين عبارة عن إسقاط الأجناس المشتركة في كلّ واحد من المتعادلين أي المتساويين وهذا مستعمل في علم الجبر والمقابلة. مثاله شيء وعشرة أعداد يعدل مائة، فالجنس المشترك في الطرفين المتعادلين والعشرة التي هي من جنس العدد توجد في كلّ واحد من شيء وعشرة ومائة، فإذا أسقطناها من الطرفين بقي شيء معادلا لتسعين، فهذا الإسقاط هو المقابلة كذا في شرح خلاصة الحساب.
وعند أهل البديع هي أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو بمعان متوافقة، ثم بما يقابل ذلك على الترتيب ويسمّى بالتقابل أيضا. وأمّا ما وقع في العضدي من أنّ التقابل ذكر معنيين متقابلين، فقد قال السّيّد السّند إنّه خلاف المشهور فإنّ ما ذكره تفسير للمطابقة، والتقابل قسم منها، وهو أن يؤتى بمعنيين إلى آخره، إلّا أنّه لا مناقشة في الاصطلاحات فجاز أن يطلق التقابل على ما يسمّى مطابقة وبالعكس. ثم المراد بالتوافق خلاف التقابل لا أن يكونا متناسبين ومتماثلين فإنّ ذلك غير مشروط في المقابلة. قيل يختصّ اسم المقابلة بالإضافة إلى العدد الذي وقع عليه المقابلة مثل مقابلة الواحد بالواحد وذلك قليل جدا، كقوله تعالى لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ومقابلة الاثنين بالاثنين كقوله فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ومقابلة الثلاثة بالثلاثة كقول الشاعر:
وما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل ومقابلة الأربعة بالأربعة نحو فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى والمراد باستغنى أنّه زهد فيما عند الله تعالى كأنّه مستغن عنه والاستغناء مستلزم لعدم الاتقاء المقابل للاتقاء، فإنّ المقابلة قد يتركّب بالطّباق وقد يتركّب مما هو يلحق بالطّباق. ومقابلة الخمسة بالخمسة كقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي الآيات قابل بين بعوضة فما فوقها وبين فأمّا الذين آمنوا، وأمّا الذين كفروا وبين يضلّ ويهدي وبين ينقضون وميثاقه ويقطعون وأن يوصل. ومقابلة الستّة بالستّة كقوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ الآية ثم قال: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ الآية. قابل الجنات والأنهار والخلد والأرواح والتطهير والرضوان بإزاء النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث. وقسّم بعضهم المقابلة إلى ثلاثة أنواع: نظيري ونقيضي وخلافي. مثال الأول مقابلة السّنة بالنوم في قوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ فإنّهما من باب الرّقاد المقابل باليقظة في آية وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ فهذه الآية مثال النقيضي. ومثال الخلافي مقابلة الشّر بالرشد في قوله تعالى وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً فإنّهما خلافان لا نقيضان، فإن نقيض الشر الخير والرشد البغي. قال ابن أبي الأصبع: الفرق بين الطّباق والمقابلة من وجهين: أحدهما أنّ الطباق لا يكون بين ضدين فقط والمقابلة لا يكون إلّا بما زاد من الأربعة إلى العشرة وثانيهما أنّ الطّباق لا يكون بالأضداد والمقابلة تكون بالأضداد وبغيرها.
قال السّكّاكي ومن خواصّ المقابلة أنّه إذا شرط في الأول أمر شرط في الثاني ضدّ ذلك الأمر نحو فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى الآية. فإنّه لما جعل في الأول التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق جعل ضده مشتركا بين أضدادها، فعلى هذا لا يكون البيت المذكور سابقا من المقابلة عنده لأنّه اشترط في الدين والدنيا الاجتماع ولم يشترط في الكفر والإفلاس ضده. وقال السّيّد السّند ظاهر هذا الكلام أنّه لا يجب أن يكون في المقابلة شرط لكن إذا اعتبر في أحد الطرفين شرط وجب اعتبار ضدّه في الطرف الآخر. ثم إنّ السّكاكي مثّل في المطابقة بقوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ولا شكّ أنّه مندرج عنده في المقابلة أيضا إذ لم يجب فيها اعتبار الشرط، ومن ذلك يعلم انتفاء التباين بين المطابقة والمقابلة. فإذا تؤمّل في أحدهما عرف كونها أخصّ من المطابقة. هذا كله خلاصة ما في المطول وحواشيه والاتقان.
وقد يطلق المقابلة على المشاكلة أيضا كما مرّ؛ وعلى هذا وقع في البيضاوي معنى قوله تعالى اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أي يجازيهم على استهزائهم سمّى جزاء الاستهزاء باسمه كما سمّى جزاء السّيّئة سيئة بمقابلة اللفظ باللفظ.
وعند الحكماء هي امتناع اجتماع شيئين في موضوع واحد من جهة واحدة ويسمّى بالتقابل أيضا، والشيئان يسمّيان بالمتقابلين وهو قسم من التخالف، وليس المراد بامتناع الاجتماع امتناعه في نفس الأمر لأن المفهومين المتخالفين قد يمتنع اجتماعهما في نفس الأمر مع عدم تقابلهما كالموت مع العلم والقدرة بل امتناع الاجتماع في العقل بأن لم يجوّز العقل اجتماعهما. ثم امتناع تجويز الاجتماع الذي هو عبارة عن حصول الشيئين معا إمّا بامتناع تجويز الحصول أو بامتناع المعية، والأول ليس بمراد إذ المتقابلان لا يمتنع حصولهما في المحلّ فضلا عن التجويز فتعيّن الثاني، وامتناع تجويز معيّتهما في المحلّ يستلزم تجويز تعاقبهما فصار معنى التعريف أنّ العقل إذا لاحظهما وقاسهما إلى موضوع شخصي جوّز بمجرّد ملاحظتهما ثبوت كلّ واحد منهما فيه على سبيل التبدّل دون الاجتماع من جهة واحدة، واندفع ما قيل إنّ المعتبر في مفهوم المتقابلين نسبة كلّ منهما إلى محلّ واحد. وأمّا أنّه يجب أن يجوّز العقل ثبوت كلّ منهما فيه بدلا عن الآخر فلا، والمراد بمجرّد الملاحظة أن لا يلاحظ ما في الواقع من ثبوت أحدهما لا أن لا يلاحظ شيء آخر سوى المفهومين حتى يلزم قطع النظر عمّا هو خارج عنهما فلا يرد ما قيل إنّ العقل يجوّز ثبوت الوحدة والكثرة مثلا بمجرّد النظر إلى مفهوميهما، وعدم التجويز إنّما كان بملاحظة أنّ محل الوحدة جزء لمحل الكثرة فتحقّق المقابلة بالذات بين الوحدة والكثرة مع أنّه لا تقابل بالذات بينهما كما تقرّر. والمراد بامتناع الاجتماع امتناعه بحسب الحلول لا بحسب الصدق والحمل فإنّ امتناع الاجتماع من حيث الصدق قد يسمّى تباينا فلا يدخل نحو الإنسان والفرس في المتقابلين بخلاف مفهومي البياض واللابياض فإنّه يمتنع اجتماعهما باعتبار الحلول في محلّ واحد. إن قلت اللابياض ليس له حلول من المحل لأنّه مختص بالموجودات، قلت: الحلول أعمّ من أن يكون حقيقيا أو شبيها به، واتصاف المحلّ باللابياض اتصاف خارجي شبيه بالحلول، فالمراد بالاجتماع الاتصاف سواء كان بطريق الحلول أو لا.
وأجاب شارح حكمة العين عنه بتعميم امتناع الاجتماع حيث قال: عدم الاجتماع أعمّ من أن يكون بحسب الوجود أو بحسب القول والحمل، وفيه ما عرفت. وقيد من جهة واحدة لإدخال المتضايفين كالأبوّة والبنوّة العارضتين لزيد من جهتين، فعلى هذا لا تضاد في الجواهر إذ لا موضوع لها، فإنّ الموضوع هو المحل المستغني عمّا يحلّ فيه، فالجسم والهيولى والمفارق ليس لها محل، والصورة النوعية والجسمية وإن كان لهما محل لكنهما ليسا مستغنيين عنه. واعتبر بعضهم المحل مطلقا ولــذلك أثبت التّضاد بين الصور النوعية للعناصر بخلاف الصور الجسمية لتماثلها، وبخلاف الصور النوعية للأفلاك لاختصاص كلّ صورة منها بمادتها لا يمكن زوالها عن مادتها، فلا يصحّ اعتبار نسبتها إلى محلّ واحد بالشخص يجوز العقل تواردهما عليه فلا تقابل بينهما.

التقسيم:
المتقابلان إمّا وجوديان أي ليس السلب داخلا في مفهوم شيء منهما أو لا، وعلى الأول إمّا أن يعقل كلّ منهما بالقياس إلى الآخر فهما المتضايفان أو لا، فهما المتضادان. وعلى الثاني يكون أحدهما وجوديا والآخر عدميا فإمّا أن يعتبر في العدمي محلّ قابل للوجودي فهما العدم والملكة وإلّا فهما السّلب والإيجاب، فالتقابل أربعة أقسام: تقابل التضاد وتقابل التضايف، وقد سبقا، وتقابل العدم والملكة وتقابل السلب والإيجاب. ثم المتقابلان تقابل العدم والملكة قسمان لأنّهما إن اعتبر نسبتهما إلى قابل للأمر الوجودي واعتبر قبوله لــذلك الأمر في ذلك الوقت فهما العدم والملكة المشهوريان كالكوسج فإنّه عدم اللحية عمّا من شأنه في ذلك الوقت أن يكون ملتحيا، بخلاف الأمرد فإنه لا يقال له كوسج إذ ليس من شأنه اللحية في ذلك الوقت، وإن اعتبر نسبتهما إليه واعتبر قبوله له أعمّ من ذلك، سواء كان بحسب شخصه في ذلك أو قبله أو بعده أو بحسب نوعه كالعمى للأكمه وعدم اللحية للمرأة، أو بحسب جنسه القريب كالعمى للعقرب فإنّ البصر من شأن جنسها القريب كالحيوان أو جنسه البعيد كالسكون المقابل للحركة الإرادية للجبل فإنّ جنسه البعيد أعني الجنس الذي هو فوق قابل للحركة الإرادية فهما العدم والملكة الحقيقيتان. فالعدم الحقيقي هو عدم كلّ معنى وجودي يكون ممكنا للشيء بحسب الأمور الأربعة والعدم المشهوري هو ارتفاع المعنى الوجودي بحسب الوقت الذي يمكن حصوله فيه، فالمتقابلان تقابل العدم والملكة هما المتقابلان تقابل السّلب والإيجاب باعتبار النسبة إلى المحل القابل وهو المذكور في التجريد.

لكن قال المحقّق الدّواني: إنّ مجرّد امتناع الاجتماع بالنسبة إلى الموضوع القابل لا يكفي في العدم والملكة، بل لا بد مع ذلك أن تكون النسبة إليه مأخوذة في مفهوم العدمي.
فائدة:
المتقابلان تقابل التضاد قد يتقابلان باعتبار وجودهما في الخارج بالنسبة إلى محلّ واحد كالسواد والبياض ولا يلزم كونهما موجودين بل أن يكون السلب جزءا من مفهومهما، وكذا الحال في المتضايفين عند من قال بوجود الإضافات في الخارج. وأمّا على مذهب من قال بعدمها مطلقا فالتقابل بينهما باعتبار اتصاف المحلّ بهما في الخارج، وكذا الحال في العدم والملكة كالبصر مثلا فإنّه بحسب الوجود الخارجي في المحل يقابل العمي بحسب اتصاف المحل به بخلاف الإيجاب والسّلب فإنّه لا يكون لهما وجود في الخارج أصلا لأنّهما أمران عقليان واردان على النسبة التي هي عقلية أيضا لأنّهما بمعنى ثبوت النسبة وانتفائها الذين هما جزء القضية، وقد يعبّر عنهما بوقوع النسبة ولا وقوعها أيضا، فهما يوجدان في الذهن حقيقة أو في القول إذا عبّر عنهما بعبارة مجازا، وهذا معنى ما قيل إنّ تقابل الإيجاب والسلب راجع إلى القول والعقد أي الاعتقاد وليس المراد بالإيجاب والسلب هاهنا إدراك الوقوع وإدراك اللاوقوع إذ هما بهذا المعنى متقابلان تقابل التضاد لكونهما قسما من العلم قائمين بالذهن قيام العرض بمحله.
فائدة:

قال الشيخ في الشفاء: المتقابلان بالإيجاب والسلب إن لم يحتملا الصدق والكذب فبسيط كالفرسية واللافرسية وإلّا فمركّب، كقولنا زيد فرس وزيد ليس بفرس انتهى. وهذا كلام ظاهري إذ لا تقابل بين الفرسية واللافرسية إلّا باعتبار وقوع تلك النسبة إيجابا ولا وقوعها سلبا فيرجعان حينئذ إلى القضيتين بالقوة، وإذا اعتبر مفهوم الفرسية ولم يلاحظ معه نسبة بالصدق على شيء بأن يكون مفهوم اللافرسية حينئذ هو مفهوم كلمة لا مقيّدا بمفهوم الفرسية ولا سلب في الحقيقة هاهنا إذ السلب رفع الإيجاب، والإيجاب إنّما يرد على النسبة وهو ظاهر، فكذا السلب. فإذا عبرت عن مفهوم واحد ولم تعتبر معه نسبته إلى مفهوم آخر لا يمكنك تصوّر وقوع أو لا وقوع متعلّق بــذلك المفهوم الواحد ضرورة. فمفهوما الفرسية واللافرسية المأخوذان على هذا الوجه متباعدان في أنفسهما غاية التباعد ومتدافعان في الصدق على ذات واحدة فهما متقابلان بهذا الاعتبار.
وبالجملة فمبنى كلام الشيخ على تشبيه الاعتبار الثاني بالاعتبار الأول في كون المفهومين في كلّ منهما في غاية التباعد، فيراد بالإيجاب وجود أيّ معنى كان سواء كان وجوده في نفسه أو وجوده بغيره، وبالسلب لا وجود أي معنى كان سواء كان لا وجوده في نفسه أو لا وجوده بغيره.
فائدة:
التقابل بالذات بمعنى انتفاء الواسطة في الإثبات والثبوت والعروض إنّما هو بين الإيجاب والسّلب وغيرهما من الأقسام إنّما يثبت التقابل فيها لأنّ كلّ واحد منها مستلزم لسلب الآخر، ولولا ذلك الاستلزام لم يتقابلا، فإنّ معنى التقابل ذلك الاستلزام فتقابل الإيجاب والسلب أقوى. وقيل بل هو التضاد إذ في المتضادين مع السّلب الضمني أمر آخر وهو غاية الخلاف المعتبرة في التضاد الحقيقي.
والمراد بالذات في قولهم تقابل الوحدة والكثرة ليس بالذات انتفاء الواسطة في العروض، ولا تقابل بين الأعدام لامتناع كون العدم المطلق مقابلا للعدم المطلق، وإلّا لزم تقابل الشيء لنفسه، وكذا للعدم المضاف لكونه جزءا منه.
فائدة:
المتقابلان بالإيجاب والسلب يكون أحدهما كاذبا فقط وهو ظاهر وسائر المتقابلين يجوز أن يكذبا، أمّا المضافان فبخلوّ المحلّ عنهما كقولك زيد بن عمر أو ابوه إذا لم يكن واحدا منهما واما العدم والملكة فلــذلك أيضا اما المشهوريان فكقولك بصير أو أعمى للجنين، وأمّا الحقيقيان فكقولك للهواء البحت مستنير أو مظلم، وأمّا الضدان فعند عدم المحلّ كقولك لزيد المعدوم هو أبيض أو أسود وعند وجود المحلّ أيضا لاتصافه بالوسط كالفاتر للماء الذي ليس بحار ولا بارد، أو لخلوّه عن الوسط كالشفاف فإنّه خال عن السواد والبياض إذ لا لون له، هذا كلّه خلاصة ما في شرح المواقف وحاشيته للمولوي عبد الحكيم وشرح حكمة العين.

أصبهان

أَصبَهَانُ:
منهم من يفتح الهمزة، وهم الأكثر، وكسرها آخرون، منهم: السمعاني وأبو عبيد البكري الأندلسي: وهي مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها، ويسرفون في وصف عظمها حتى يتجاوزوا حدّ الاقتصاد إلى غاية الإسراف، وأصبهان:
 اسم للإقليم بأسره، وكانت مدينتها أوّلا جيّا ثم صارت اليهودية، وهي من نواحي الجبل في آخر الإقليم الرابع، طولها ست وثمانون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، طول أصبهان أربع وسبعون درجة وثلثان وعرضها أربع وثلاثون درجة ونصف، ولهم في تسميتها بهذا الاسم خلاف، قال أصحاب السير: سميت بأصبهان بن فلّوج بن لنطي بن يونان بن يافث، وقال ابن الكلبي: سميت بأصبهان بن فلوّج بن سام بن نوح، عليه السلام، قال ابن دريد: أصبهان اسم مركّب لأن الأصب البلد بلسان الفرس، وهان اسم الفارس، فكأنه يقال بلاد الفرسان، قال عبيد الله المستجير بعفوه:
المعروف أن الأصب بلغة الفرس هو الفرس، وهان كأنه دليل الجمع، فمعناه الفرسان والأصبهانيّ الفارس، وقال حمزة بن الحسن: أصبهان اسم مشتقّ من الجندية وذلك أن لفظ أصبهان، إذا ردّ إلى اسمه بالفارسية، كان أسباهان وهي جمع أسباه، وأسباه: اسم للجند والكلب، وكــذلك سك: اسم للجند والكلب، وإنما لزمهما هذان الاسمان واشتركا فيهما لأن أفعالهما لفق لأسمائهما وذلك أن أفعالهما الحراسة، فالكلب يسمى في لغة سك وفي لغة أسباه، وتخفف، فيقال:
أسبه، فعلى هذا جمعوا هذين الاسمين وسمّوا بهما بلدين كانا معدن الجند الأساورة، فقالوا لأصبهان:
أسباهان، ولسجستان: سكان وسكستان، قال: وذكر ابن حمزة في اشتقاق أصبهان حديثا يلهج به عوامّ الناس وهوامّهم، قال: أصله أسباه آن أي هم جند الله، قال: وما أشبه قوله هذا، باشتقاق عبد الأعلى القاصّ حين قيل له: لم سمّي العصفور؟
قال: لأنه عصى وفرّ، قيل له: فالطّفشيل؟ قال:
لأنه طفا وشال. قالوا ولم يكن يحمل لواء ملوك الفرس من آل ساسان إلّا أهل أصبهان! قلت:
ولــذلك سبب ربما خفي عن كثير من أهل هذا الشأن وهو أن الضحّاك المسمّى بالازدهاق، ويعرف ببيوراسب وذي الحيّتين، لما كثر جوره على أهل مملكته من توظيفه عليهم في كل يوم رجلين يذبحان وتطعم أدمغتهما للحيّتين اللتين كانتا نبتتا في كتفيه، فيما تزعم الفرس، فانتهت النوبة إلى رجل حدّاد من أهل أصبهان يقال له كابي، فلما علم أنه لا بد من ذبح نفسه أخذ الجلدة التي يجعلها على ركبتيه ويقي النار بها عن نفسه وثيابه وقت شغله، ثم إنه رفعها على عصا وجعلها مثل البيرق، ودعا الناس إلى قتل الضحاك وإخراج فريدون جدّ بني ساسان من مكمنه وإظهار أمره، فأجابه الناس إلى ما دعاهم إليه من قتل الضحاك حتى قتله وأزال ملكه وملك فريدون، وذلك في قصة طويلة ذات تهاويل وخرافات، فتبركوا بــذلك اللواء إذ انتصروا به وجعلوا حمل اللواء إلى اهل أصبهان من يومئذ لهذا السبب، قال مسعر بن مهلهل: وأصبهان صحيحة الهواء نفيسة الجوّ خالية من جميع الهوامّ، لا تبلى الموتى في تربتها، ولا تتغير فيها رائحة اللّحم ولو بقيت القدر بعد أن تطبخ شهرا، وربما حفر الإنسان بها حفيرة فيهجم على قبر له ألوف سنين والميّت فيه على حاله لم يتغيّر، وتربتها أصح تراب الأرض، ويبقى التّفاح فيها غضّا سبع سنين ولا تسوس بها الحنطة كما تسوس في غيرها، قلت أنا: وسألت جماعة من عقلاء أهل أصبهان عمّا يحكى من بقاء جثّة الميّت بها في مدفنها؟
فذكروا لي أن ذلك بموضع منها مخصوص، وهو في مدفن المصلى لا في جميع أرضها، قال الهيثم بن عدي: لم يكن لفارس أقوى من كورتين، واحدة سهلية والأخرى جبلية، أما السهلية فكسكر، وأما الجبلية فأصبهان، وكان خراج كل كورة اثني عشر ألف ألف مثقال ذهبا، وكانت مساحة أصبهان ثمانين فرسخا في مثلها وهي ستة عشر رستاقا، كل رستاق ثلاثمائة وستون قرية قديمة سوى المحدثة، وهي: جيّ وماربانان والنجان والبراءان وبرخوار ورويدشت وأردستان وكروان وبرزآباذان ورازان وفريدين وقهستان وقامندار وجرم قاشان والتيمرة الكبرى والتيمرة الصّغرى ومكاهن الداخلة، وزاد حمزة:
رستاق جابلق ورستاق التيمرة ورستاق أردستان ورستاق أنارباذ ورستاق ورانقان، ونهر أصبهان المعروف بزند روذ غاية في الطيب والصحة والعذوبة، وقد ذكر في موضعه، وقد وصفته الشعراء، فقال بعضهم:
لست آسى، من أصبهان، على شي ... ء، سوى مائها الرحيق الزّلال
ونسيم الصّبا، ومنخرق الرّي ... ح، وجوّ صاف على كلّ حال
ولها الزعفران والعسل الما ... ذيّ، والصافنات تحت الجلال
وكــذلك قال الحجّاج لبعض من ولاه أصبهان:
قد وليّتك بلدة حجرها الكحل وذبابها النحل وحشيشها الزعفران، وقال آخر:
لست آسى، من أصبهان على شي ... ء، فأبكي عليه عند رحيلي
غير ماء، يكون بالمسجد الجا ... مع، صاف مروّق مبذول
وأرض أصبهان حرّة صلبة فلــذلك تحتاج إلى الطّعم، فليس بها شيء أنفق من الحشوش فإن قيمتها عندهم وافرة، وحدّثني بعض التجار قال: رأيت بأصبهان رجلا من الثّنّاء يطعم قوما ويشرط عليهم أن يبرّزوا في خربة له، قال: ولقد اجتزت به مرّة وهو يخاصم رجلا وهو يقول له: كيف تستخير أن تأكل طعامي وتفعل كذا عند غيري ولا يكني؟
وقد ذكر ذلك شاعر فقال:
بأصبهان نفر، ... خسوا وخاسوا نفرا
إذا رأى كريمهم ... غرّة ضيف نفرا
فليس للناظر في ... أرجائها، إن نظرا،
من نزهة تحيي القلو ... ب غير أوقار الخرى
ووجد في غرفة بعض الخانات التي بطريق أصبهان مكتوب هذه الأبيات:
قبّح السالكون في طلب الرّز ... ق، على أيذج إلى أصبهان
ليت من زارها، فعاد إليها، ... قد رماه الإله بالخذلان
ودخل رجل على الحسن البصري فقال له: من أين أنت؟
فقال له: من أهل أصبهان، فقال: الهرب من بين يهودي ومجوسي وأكل ربا، وأنشد بعضهم لمنصور ابن باذان الأصبهاني:
فما أنا من مدينة أهل جيّ، ... ولا من قرية القوم اليهود
وما أنا عن رجالهم براض، ... ولا لنسائهم بالمستريد
وقال آخر في ذلك:
لعن الله أصبهان بلادا، ... ورماها بالسيل والطاعون
بعت في الصيف قبّة الخيش فيها، ... ورهنت الكانون في الكانون
وكانت مدينة أصبهان بالموضع المعروف بجيّ وهو الآن يعرف بشهرستان وبالمدينة، فلما سار بخت نصّر وأخذ بيت المقدس وسبى أهلها حمل معه يهودها وأنزلهم أصبهان فبنوا لهم في طرف مدينة جيّ محلّة ونزلوها، وسمّيت اليهودية، ومضت على ذلك الأيام والأعوام فخربت جيّ وما بقي منها إلا القليل وعمّرت اليهودية، فمدينة أصبهان اليوم هي اليهودية، هذا قول منصور بن باذان، ثم قال:
إنك لو فتّشت نسب أجلّ من فيهم من الثناء والتجار لم يكن بدّ من أن تجد في أصل نسبه حائكا أو يهوديّا، وقال بعض من جال البلدان: إنه لم ير مدينة أكثر زان وزانية من أهل أصبهان، قالوا:
ومن كيموس. هواؤها وخاصيتها أنها تبخل فلا ترى بها كريما، وحكي عن الصاحب أبي القاسم بن عبّاد أنه كان إذا أراد الدخول إلى أصبهان، قال:
من له حاجة فليسألنيها قبل دخولي إلى أصبهان، فإنني إذا دخلتها وجدت بها في نفسي شحّا لا أجده في غيرها. وفي بعض الأخبار أن الدّجّال يخرج من أصبهان، قال: وقد خرج من أصبهان من العلماء والأئمة في كلّ فنّ ما لم يخرج من مدينة من المدن، وعلى الخصوص علوّ الاسناد، فإن أعمار أهلها تطول ولهم مع ذلك عناية وافرة بسماع الحديث، وبها من الحفّاظ خلق لا يحصون، ولها عدّة تواريخ، وقد فشا الخراب في هذا الوقت وقبله في نواحيها لكثرة الفتن والتعصّب بين الشافعية والحنفية والحروب المتصلة بين الحزبين، فكلما ظهرت طائفة نهبت محلّة الأخرى وأحرقتها وخرّبتها، لا يأخذهم في ذلك إلّ ولا ذمة، ومع ذلك فقلّ أن تدوم بها دولة سلطان، أو يقيم بها فيصلح فاسدها، وكــذلك الأمر في رساتيقها وقراها التي كل واحدة منها كالمدينة. وأما فتحها فإن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في سنة 19 للهجرة المباركة بعد فتح نهاوند بعث عبد الله بن عبد الله بن عتبان وعلى مقدّمته عبد الله بن ورقاء الرياحي وعلى مجنبته عبد الله بن ورقاء الأسدي، قال سيف:
الذين لا يعلمون يرون أن أحدهما عبد الله بن بديل ابن ورقاء الخزاعي لذكر ورقاء فظنوا أنه نسب إلى جده، وكان عبد الله بن بديل بن ورقاء قتل بصفّين وهو ابن أربع وعشرين سنة فهو أيّم صبيّ، وسار عبد الله بن عتبان إلى جيّ والملك يومئذ بأصبهان القاذوسقان، ونزل بالناس على جيّ فخرجوا إليه بعد ما شاء الله من زحف، فلما التقوا قال القاذوسقان لعبد الله: لا تقتل أصحابي ولا أصحابك ولكن ابرز لي فإن قتلتك رجع أصحابك وإن قتلتني سالمتك أصحابي، فبرز له عبد الله، فقال له: اما أن تحمل عليّ واما ان أحمل عليك، فقال: أنا أحمل عليك فاثبت لي، فوقف له عبد الله وحمل عليه القاذوسقان فطعنه فأصاب قربوس السّرج فكسره وقطع اللبب والحزام فأزال اللبب والسرج، فوقف عبد الله قائما ثم استوى على فرسه عريانا، فقال له:
اثبت، فحاجزه وقال له: ما أحبّ ان أقاتلك فإني قد رأيت رجلا كاملا، ولكني أرجع معك إلى عسكرك فأصالحك وأدفع المدينة إليك على أن من شاء أقام وأدى الجزية وأقام على ماله وعلى ان يجري من أخذتم أرضه مجراهم، ومن أبى ان يدخل في ذلك ذهب حيث شاء ولكم أرضه، قال: ذلك لك. وقدم عليه ابو موسى الأشعري من ناحية الأهواز، وكان عبد الله قد صالح القاذوسقان، فخرج القوم من جيّ ودخلوا في الذمة إلا ثلاثين رجلا من أصبهان لحقوا بكرمان، ودخل عبد الله وابو موسى جيّا، وجيّ: مدينة أصبهان.
وكتب عبد الله بالفتح إلى عمر، رضي الله عنه، فرجع إليه الجواب يأمره أن يلحق بكرمان مددا للسّهيل بن عدي لقتال أهلها، فاستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع ومضى، وكان نسخة كتاب صلح أصبهان: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله للقاذوسقان واهل أصبهان وحواليها، انكم آمنون ما أدّيتم الجزية، وعليكم من الجزية على قدر طاقتكم كل سنة تؤدونها إلى من يلي بلدكم من كل حاكم، ودلالة المسلم، وإصلاح طريقه، وقراه يومه وليلته، وحملان الراجل إلى رحله، لا تسلطوا على مسلم، وللمسلمين نصحكم وأداء ما عليهم، ولكم الأمان بما فعلتم، فإن غيّرتم شيئا أو غيّره منكم مغيّر ولم تسلموه فلا أمان لكم، ومن سبّ مسلما بلغ منه، فإن ضربه قتلناه، وكتب: وشهد عبد الله بن قيس وعبد الله بن ورقاء وعصمة بن عبد الله، وقال عبد الله بن عتبان في ذلك:
ألم تسمع؟ وقد أودى ذميما، ... بمنعرج السّراة من أصبهان،
عميد القوم، إذ ساروا إلينا ... بشيخ غير مسترخي العنان؟
وقال أيضا:
من مبلغ الأحياء عني، فإنني ... نزلت على جيّ وفيها تفاقم
حصرناهم حتى سروا ثمّت انتزوا، ... فصدّهم عنّا القنا والصوارم
وجاد لها القاذوسقان بنفسه، ... وقد دهدهت بين الصفوف الجماجم
فثاورته، حتى إذا ما علوته، ... تفادى وقد صارت إليه الخزائم
وعادت لقوحا أصبهان بأسرها، ... يدرّ لنا منها القرى والدراهم
وإني على عمد قبلت جزاءهم، ... غداة تفادوا، والعجاج فواقم
ليزكوا لنا عند الحروب جهادنا، ... إذا انتطحت في المأزمين الهماهم
هذا قول أهل الكوفة يرون أن فتح أصبهان كان لهم، وأما أهل البصرة وكثير من أهل السير فيرون أن أبا موسى الأشعري لما انصرف من وقعة نهاوند إلى الأهواز فاستقراها ثم أتى قمّ فأقام عليها أياما ثم افتتحها، ووجّه الأحنف بن قيس إلى قاشان ففتحها عنوة، ويقال: بل كتب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى أبي موسى الأشعري يأمره بتوجيه عبد الله بن بديل الرياحي إلى أصبهان في جيش فوجهه، ففتح عبد الله بن بديل جيّا صلحا على أن يؤدي أهلها الخراج والجزية، وعلى أن يؤمّنوا على أنفسهم وأموالهم خلا ما في أيديهم من السلاح. ونزل الأحنف بن قيس على اليهودية فصالحه أهلها على مثل صلح أهل جيّ، قال البلاذري: وكان فتح أصبهان ورساتيقها في بعض سنة 23 وبعض 24 في خلافة عمر، رضي الله عنه، ومن نسب إلى أصبهان من العلماء لا يحصون، إلّا أنني أذكر من أعيان أئمتهم جماعة غلبت على نسبهم فلا يعرفون إلا بالأصبهاني، منهم: الحافظ الإمام أبو نعيم أحمد بن عبد الله ابن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران سبط محمد ابن موسى البنّاء الحافظ المشهور صاحب التصانيف، منها: حلية الأولياء، وغير ذلك، مات يوم الاثنين العشرين من محرم سنة 430 ودفن بمردبان، ومولده في رجب سنة 330، قاله ابن مندة يحيى.

الإسكَنْدَرِيَّة

الإسكَنْدَرِيَّة:
قال أهل السير: إنّ الإسكندر بن فيلفوس الرومي قتل كثيرا من الملوك وقهرهم، ووطئ البلدان إلى أقصى الصين وبنى السدّ وفعل الأفاعيل، ومات وعمره اثنتان وثلاثون سنة وسبعة أشهر، لم يسترح في شيء منها، قال مؤلف الكتاب: وهذا إن صح، فهو عجيب مفارق للعادات، والذي أظنّه، والله أعلم، أنّ مدّة ملكه أو حدة سعده هذا المقدار، ولم تحسب العلماء غير ذلك من عمره، فإن تطواف الأرض بسير الجنود مع ثقل حركتها لاحتياجها في كل منزل إلى تحصيل الأقوات والعلوفة ومصابرة من يمتنع عليه من أصحاب الحصون يفتقر إلى زمان غير زمان السير ومن المحال أن تكون له همة يقاوم بها الملوك العظماء، وعمره دون عشرين سنة، وإلى أن يتسق ملكه ويجتمع له الجند وتثبت له هيبة في النفوس وتحصل له رياسة وتجربة وعقل يقبل الحكمة التي تحكى عنه يفتقر إلى مدة أخرى مديدة، ففي أيّ زمان كان سيره في البلاد وملكه لها ثم إحداثه ما أحدث من المدن في كل قطر منها واستخلافه الخلفاء عليها؟ على أنه قد جرى في أيامنا هذه وعصرنا الذي نحن فيه في سنة سبع عشرة وثماني عشرة وستمائة من التتر الواردين من أرض الصين ما لو استمرّ لملكوا الدنيا كلها في أعوام يسيرة، فإنهم ساروا من أوائل أرض الصين إلى أن خرجوا من باب الأبواب وقد ملكوا وخرّبوا من البلاد الإسلامية ما يقارب نصفها، لأنهم ملكوا ما وراء النهر وخراسان وخوارزم وبلاد سجستان ونواحي غزنة وقطعة من السند وقومس وأرض الجبل بأسره غير أصبهان وطبرستان وأذربيجان وأرّان وبعض أرمينية وخرجوا من الدربند، كلّ ذلك في أقل من عامين. وقتلوا أهل كل مدينة ملكوها ثم خذلهم الله وردهم من حيث جاءوا، ثم إنّهم بعد خروجهم من الدربند ملكوا بلاد الخزر واللّان وروس وسقسين وقتلوا القبجاق في بواديهم حتى انتهوا إلى بلغار في نحو عام آخر فكأن هذا عضد قصة الإسكندر، على أنّ الإسكندر كان إذا ملك البلاد عمرها واستخلف عليها، وهذا يفتقر إلى زمان غير زمان الخراب فقط، قال أهل السير: بنى الإسكندر ثلاث عشرة مدينة وسمّاها كلها باسمه ثم تغيرت أساميها بعده، وصار لكل واحدة منها اسم جديد، فمنها الإسكندرية التي بناها في باورنقوس ومنها الإسكندرية التي بناها تدعى المحصّنة ومنها الإسكندرية التي بناها ببلاد الهند ومنها الإسكندرية التي في جاليقوس ومنها الإسكندرية التي في بلاد السّقوياسيس ومنها الإسكندرية التي على شاطئ النهر الأعظم ومنها الإسكندرية التي بأرض بابل ومنها الإسكندرية التي هي ببلاد الصّغد وهي سمرقند، ومنها الإسكندرية التي تدعى مرغبلوس وهي مرو، ومنها الإسكندرية التي في مجاري الأنهار بالهند ومنها الإسكندرية التي سميت كوش وهي بلخ، ومنها الإسكندرية العظمى التي ببلاد مصر، فهذه ثلاث عشرة إسكندرية نقلتها من كتاب ابن الفقيه كما كانت فيه مصورة، وقرأت في كتاب الحافظ أبي سعد:
أنشدني أبو محمد عبد الله بن الحسن بن محمد الإيادي من لفظه بالإسكندرية قرية بين حلب وحماة، قال الأديب الأبيوردي:
فيا ويح نفسي لا أرى الدهر منزلا ... لعلوة، إلّا ظلّت العين تذرف
ولو دام هذا الوجد لم يبق عبرة ... ولو أنني من لجّة البحر أغرف
والإسكندرية أيضا: قرية على دجلة بإزاء الجامدة بينها وبين واسط خمسة عشر فرسخا، ينسب إليها أحمد ابن المختار بن مبشّر بن محمد بن أحمد بن عليّ بن المظفّر أبو بكر الإسكندراني من ولد الهادي بالله أمير المؤمنين، تفقّه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وكان أديبا فاضلا خيّرا قدم بغداد في سنة 510 متظلّما من عامل ظلمه، فسمع منه أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ وغيره أبياتا من شعره، قاله صاحب الفيصل.
ومنها الإسكندرية قرية بين مكة والمدينة ذكرها الحافظ أبو عبد الله بن النّجّار في معجمه وأفادنيها من لفظه، وجميع ما ذكرنا من المدن ليس فيها ما يعرف الآن بهذا الاسم إلا الإسكندرية العظمى التي بمصر، قال المنجّمون: طول الإسكندرية تسع وستون درجة ونصف، وعرضها ست وثلاثون درجة وثلث، وفي زيج أبي عون: طول الإسكندرية إحدى وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الثالث، وذكر آخر أنّ الإسكندرية في الإقليم الثاني، وقال: طولها إحدى وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة، واختلفوا في أول من أنشأ الإسكندرية التي بمصر اختلافا كثيرا نأتي منه بمختصر لئلّا نملّ بالإكثار:
ذهب قوم إلى أنها إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. وقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنّه قال: خير مسالحكم الإسكندرية. ويقال: إنّ الإسكندر والفرما أخوان، بنى كلّ واحد منهما مدينة بأرض مصر وسمّاها باسمه، ولما فرغ الإسكندر من مدينته، قال: قد بنيت مدينة إلى الله فقيرة، وعن الناس غنيّة، فبقيت بهجتها ونضارتها إلى اليوم، وقال الفرما لما فرغ من مدينته:
قد بنيت مدينة عن الله غنيّة وإلى الناس فقيرة، فذهب نورها فلا يمرّ يوم إلّا وشيء منها ينهدم، وأرسل الله عليها الرمال فدمّتها إلى أن دثرت وذهب أثرها.
وعن الأزهر بن معبد قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: أين تسكن من مصر؟ قلت: أسكن الفسطاط، فقال: أفّ أمّ نتن! أين أنت عن الطيبة؟
قلت أيّتهنّ هي؟ قال: الإسكندرية، وقيل: إنّ الإسكندر لما همّ ببناء الإسكندرية دخل هيكلا عظيما كان لليونانيّين فذبح فيه ذبائح كثيرة وسأل ربّه أن يبيّن له أمر هذه المدينة هل يتمّ بناؤها أم هل يكون أمرها إلى خراب؟ فرأى في منامه كأن رجلا قد ظهر له من الهيكل، وهو يقول له: إنّك تبني مدينة يذهب صيتها في أقطار العالم ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم، وتختلط الرياح الطيبة بهوائها، ويثبت حكم أهلها وتصرف عنها السّموم والحرور وتطوى عنها قوّة الحرّ والبرد والزمهرير ويكتم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل وإن جلبت عليها ملوك الأرض بجنودهم وحاصروها لم يدخل عليها ضرر. فبناها وسمّاها الإسكندرية ثم رحل عنها بعد ما استتمّ بناءها فجال الأرض شرقا وغربا، ومات بشهرزور وقيل ببابل وحمل إلى الإسكندرية فدفن فيها.
وذكر آخرون أنّ الذي بناها هو الإسكندر الأوّل ذو القرنين الرومي، واسمه أشك بن سلوكوس، وليس هو الإسكندر بن فيلفوس، وأن الإسكندر الأول هو الذي جال الأرض وبلغ الظّلمات وهو صاحب موسى والخضر، عليهما السلام، وهو الذي بنى السّدّ، وهو الذي لما بلغ إلى موضع لا ينفذه أحد صوّر فرسا من نحاس وعليه فارس من نحاس ممسك يسرى يديه على عنان الفرس وقد مدّ يمناه وفيها مكتوب: ليس ورائي مذهب. وزعموا أنّ بينه وبين الإسكندر الأخير صاحب دارا المستولي على أرض فارس وصاحب أرسطاطاليس الحكيم الذي زعموا أنّه عاش اثنتين وثلاثين سنة دهر طويل وأنّ الأوّل كان مؤمنا كما قص الله عنه في كتابه وعمّر عمرا طويلا وملك الأرض، وأما الأخير فكان يرى رأي الفلاسفة ويذهب إلى قدم العالم كما هو رأي أستاذه أرسطاطاليس، وقتل دارا ولم يتعدّ ملكه الروم وفارس. وذكر محمد بن إسحاق أنّ يعمر بن شدّاد بن عاد بن عوض ابن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، هو الذي أنشأ الإسكندرية وهي كنيسة حنس، وزبر فيها: أنا يعمر بن شداد أنشأت هذه المدينة وبنيت قناطرها ومعابرها قبل أن أضع حجرا على حجر، وأجريت ماءها لأرفق بعمّالها حتى لا يشقّ عليهم نقل الماء، وصنعت معابر لممرّ أهل السّبيل وصيّرتها إلى البحر وفرّقتها عند القبّة يمينا وشمالا. وكان يعمل فيها تسعون ألفا لا يرون لهم ربّا إلا يعمر بن شداد، وكان تاريخ الكتاب ألفا ومائتي سنة.
وقال ابن عفير: ان أول من بنى الإسكندرية جبير المؤتفكي وكان قد سخّر بها سبعين ألف بنّاء وسبعين ألف مخندق وسبعين ألف مقنطر فعمّرها في مائتي سنة وكتب على العمودين اللذين عند البقرات بالإسكندرية، وهما أساطين نحاس يعرفان بالمسلّتين:
أنا جبير المؤتفكي عمرت هذه المدينة في شدّتي وقوّتي حين لا شيبة ولا هرم أضناني، وكنزت أموالها في مراجل جبيريّة وأطبقته بطبق من نحاس وجعلته داخل البحر، وهذان العمودان بالإسكندرية عند مسجد الرحمة، وروي أيضا أنّه كان مكتوبا عليهما بالحميرية: أنا شداد بن عاد الذي نصب العماد وجنّة الأجناد وسدّ بساعده الواد بنيت هذه الأعمدة في شدّتي وقوّتي إذ لا موت ولا شيب، وكنزت كنزا على البحر في خمسين ذراعا لا تصل إليه إلا أمة هي آخر الأمم، وهي أمّة محمد، صلى الله عليه وسلم. ويقال: إنما دعا جبيرا المؤتفكي إلى بنائها أنّه وجد بالقرب منها في مغارة على شاطئ البحر تابوتا من نحاس ففتحه فوجد فيه تابوتا من فضّة، ففتحه فإذا فيه درج من حجر الماس، ففتحه فإذا فيه مكحلة من ياقوتة حمراء مرودها عرق زبرجد أخضر فدعا بعض غلمانه فكحّل إحدى عينيه بشيء مما كان في تلك المكحلة فعرف مواضع الكنوز ونظر إلى معادن الذهب ومغاص الدّرّ، فاستعان بــذلك على بناء الإسكندرية وجعل فيها أساطين الذهب والفضة وأنواع الجواهر حتى إذا ارتفع بناؤها مقدار ذراع أصبح وقد ساخ في الأرض، فأعاده أيضا فأصبح وقد ساخ فمكث على ذلك مائة سنة كلما ارتفع البناء ذراعا أصبح سائخا في الأرض فضاق ذرعا بــذلك، وكان من أهل تلك الأرض راع يرعى على شاطئ البحر وكان يفقد في كل ليلة شاة من غنمه إلى أن أضرّ به ذلك فارتصد ليلة، فبينما هو يرصد إذا بجارية قد خرجت من البحر كأجمل ما يكون من النساء فأخذت شاة من غنمه فبادر إليها وأمسكها قبل أن تعود إلى البحر وقبض على شعرها فامتنعت عليه ساعة ثم قهرها وسار بها إلى منزله فأقامت عنده مدّة لا تأكل إلّا اليسير ثم واقعها فأنست به وبأهله وأحبّتهم ثم حملت وولدت فازداد أنسها وأنسهم بها، فشكوا إليها يوما ما يقاسونه من تهدّم بنائهم وسيوخه كلما علّوه وأنهم إذا خرجوا بالليل اختطفوا، فعملت لهم الطلسمات وصوّرت لهم الصّور فاستقرّ البناء وتمّ أمر المدينة وأقام بها جبير المؤتفكي خمسمائة سنة ملكا لا ينازعه أحد، وهو الذي نصب العمودين اللذين بها ويسمّيان المسلّتين. وكان أنفذ في قطعهما وحملهما إلى جبل بريم الأحمر سبعمائة عامل، فقطعوهما وحملوهما، ونصبهما في مكانهما غلام له يقال له قطن بن جارود المؤتفكي وكان أشد من رؤي في الخلق، فلما نصبهما على السّرطانين النّحاس جعل بإزائهما بقرات نحاس كتب عليها خبره وخبر المدينة وكيف بناها ومبلغ النفقة عليها والمدة، ثم غزاه رومان بن تمنع الثّمودي فهزمه وقتل أصحابه قتلا ذريعا وأقام عمودا بالقرب منهما وكتب عليه:
أنا رومان الثمودي صنّفت أصناف هذه المدينة وأصناف مدينة هرقل الملك بالدوام على الشهور والأعوام ما اختلف ابنا سمير، وبقيت حصاة في ثبير، وأنا غيّرت كتاب جبير الشديد ونشرته بمناشير الحديد وستجدون قصّتي ونعتي في طرف العمود، فولد رومان بزيعا فملك الإسكندرية بعده خمسين سنة لم يحدث فيها شيئا، ثم ملك بعده ابنه رحيب، وهو الذي بنى الساطرون بالإسكندرية وزبر على حجر منه: أنا رحيب بن بزيع الثمودي بنيت هذه البنية في قوّتي وشدّتي وعمّرتها في أربعين سنة على رأس ست وتسعين سنة من ملكي، وولد رحيب مرّة، وولد مرة موهبا ملك بعد أبيه مائتي سنة وغزا أنيس بن معدي كرب العادي موهبا بالإسكندرية وملكها بعده، ثم ملكها بعده يعمر بن شدّاد بن جنّاد بن صيّاد بن شمران بن ميّاد بن شمر بن يرعش فغزاه ذفافة بن معاوية بن بكر العمليقي فقتل يعمر وملك الإسكندرية، وهو أول من سمّي فرعون بمصر، وهو الذي وهب هاجر أمّ إسماعيل، عليه السلام، إلى ابراهيم، عليه السلام، وهذه أخبار نقلناها كما وجدناها في كتب العلماء، وهي بعيدة المسافة من العقل لا يؤمن بها إلّا من غلب عليه الجهل، والله أعلم.
ولأهل مصر بعد إفراط في وصف الإسكندرية وقد أثبتها علماؤهم ودوّنوها في الكتب، فيها وهم، ومنها ما ذكره الحسن بن ابراهيم المصري قال: كانت الإسكندرية لشدّة بياضها لا يكاد يبين دخول الليل فيها إلّا بعد وقت، فكان الناس يمشون فيها وفي أيديهم خرق سود خوفا على أبصارهم، وعليهم مثل لبس الرّهبان السواد، وكان الخيّاط يدخل الخيط في الإبرة بالليل، وأقامت الإسكندرية سبعين سنة ما يسرج فيها ولا يعرف مدينة على عرضها وطولها وهي شطرنجية ثمانية شوارع في ثمانية، قلت: أما صفة بياضها فهو إلى الآن موجود، فإن ظاهر حيطانها شاهدناها مبيّضة جميعها إلّا اليسير النادر لقوم من الصعاليك، وهي مع ذلك مظلمة نحو جميع البلدان. وقد شاهدنا كثيرا من البلاد التي تنزل بها الثلوج في المنازل والصحارى وتساعدها النجوم بإشراقها عليها إذا أظلم الليل أظلمت كما تظلم جميع البلاد لا فرق بينها، فكيف يجوز لعاقل أن يصدّق هذا ويقول به؟ قال: وكان في الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق، قال: وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إني فتحت مدينة فيها اثنا عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر وأصبت فيها أربعين ألف يهودي عليهم الجزية. وروي عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم لما ولي مصر وبلغه ما كانت الإسكندرية عليه استدعى مشايخها، وقال:
أحبّ أن أعيد بناء الإسكندرية على ما كانت عليه فأعينوني على ذلك وأنا أمدّكم بالأموال والرجال.
قالوا: أنظرنا أيها الأمير حتى ننظر في ذلك. وخرجوا من عنده وأجمعوا على أن حفروا ناووسا قديما وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة إلى المدينة، فأمر بالرأس فكسر وأخذ ضرس من أضراسه فوجد وزنه عشرين رطلا على ما به من النخر والقدم، فقالوا: إذا جئتنا بمثل هؤلاء الرجال نعيد عمارتها على ما كانت، فسكت. ويقال: إن المعاريج التي بالإسكندرية مثل الدّرج كانت مجالس العلماء يجلسون عليها على طبقاتهم فكان أوضعهم علما الذي يعمل الكيمياء من الذهب والفضة، فإن مجلسه كان على الدّرجة السّفلى. وأما خبر المنارة فقد رووا لها أخبارا هائلة وادّعوا لها دعاوى عن الصدق عادلة وعن الحق مائلة، فقالوا: إنّ ذا القرنين لما أراد بناء منارة الإسكندرية أخذ وزنا معروفا من حجارة ووزنا من آجرّ ووزنا من حديد ووزنا من نحاس ووزنا من رصاص ووزنا من قصدير ووزنا من حجارة الصّوّان ووزنا من ذهب ووزنا من فضة وكــذلك من جميع الأحجار والمعادن، ونقع جميع ذلك في البحر حولا ثم أخرجه فوجده قد تغير كله وحال عن حاله ونقصت أوزانه إلّا الزجاج فإنه لم يتغير ولم ينقص، فأمر أن يجعل أساس المنارة من الزجاج، وعمل على رأس المنارة مرآة ينظر فيها الناظر فيرى المراكب إذا خرجت من أفرنجة أو من القسطنطينية أو من سائر البلاد لغزو الإسكندرية، فأضرّ ذلك بالروم فلم يقدروا على غزوها. وكانت فيها حمّة تنفع من البرص ومن جميع الأدواء، وكان على الرّوم ملك يقال له سليمان فظهر البرص في جسمه فعزم الرّوم على خلعه والاستبدال منه، فقال: أنظروني أمض إلى حمّة الإسكندرية وأعود فإن برئت وإلّا شأنكم وما قد عزمتم عليه، قال: وكان فعله هذا من إظهار البرص بجسمه حيلة ومكرا، وإنما أراد قلع المرآة من المنارة ليبطل فعلها، فسار إليها في ألف مركب، وكان من شرط هذه الحمة أن لا يمنع منها أحد يريد الاستشفاء بها، فلما سار إليها فتحوا له أبوابها الشارعة إلى البحر فدخلها، وكانت الحمة في وسط المدينة بإزاء المعاريج التي تجلس العلماء عليها، فاستحم في مائها أياما. ثم ذكر أنه قد عوفي من دائه وذهب ما كان به من بلوائه. ولما أشرف على هذه الحمة وما تشفي من الأدواء وكان قد تمكّن من البلد بكثرة رجاله، قال: هذه أضرّ من المرآة. ثم أمر بها فغوّرت وأمر أن تقلع المرآة ففعل وأنفذ مركبا إلى القسطنطينية وآخر إلى أفرنجة وأمر من أشرف على المنارة ونظر إلى المركبين إذا دخلا القسطنطينية وأفرنجة وخرجا منها فأعلم أنهما لما بعدا عن الإسكندرية يسيرا غابا عنه، فعاد إلى بلاده وقد أمن غائلة المرآة.
وقيل: إن أول من عمر المنارة امرأة يقال لها دلوكة بنت ريّا، وسيأتي ذكرها في هذا الكتاب في حائط العجوز وغيره. وقيل: بل عمرتها ملكة من ملوك الرّوم، يقال لها قلبطرة، وهي في زعم بعضهم التي ساقت الخليج إلى الإسكندرية حق جاءت به إلى مدينتها، وكان الماء لا يصل إلّا إلى قرية يقال لها كسا، والأخبار والأحاديث عن مصر وعن الإسكندرية ومنارتها من باب حدّث عن البحر ولا حرج، وأكثرها باطل وتهاويل لا يقبلها إلّا جاهل، ولقد دخلت الإسكندرية وطوّفتها فلم أر فيها ما يعجب منه إلّا عمودا واحدا يعرف الآن بعمود السّواري تجاه باب من أبوابها يعرف بباب الشجرة، فإنه عظيم جدا هائل كأنه المنارة العظيمة، وهو قطعة واحدة مدوّر منتصب على حجر عظيم كالبيت المربّع قطعة واحدة أيضا وعلى رأس العمود حجر آخر مثل الذي في أسفله، فهذا يعجز أهل زماننا عن معالجة مثله في قطعه من مقطعه وجلبه من موضعه ثم نصبه على ذلك الحجر ورفع الآخر إلى أعلاه ولو اجتمع عليه أهل الإسكندرية بأجمعهم، فهو يدل على شدة حامليه وحكمة ناصبية وعظمة همة الآمر به. وحدثني الوزير الكبير الصاحب العالم جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، أدام الله أيّامه، ثم وقفت على مثل ما حكاه سواء في بعض الكتب وهو كتاب ابن الفقيه وغيره: أنّه شاهد في جبل بأرض أسوان عمودا قد نقر وهندم في موضعه من الجبل طوله ودوره ولونه مثل هذا العمود المذكور، كأن المنية عاجلت بالملك الذي أمر بعمله فبقي على حاله.
قال أحمد بن محمد الهمذاني: وكانوا ينحتون السواري من جبال أسوان وبينها وبين الإسكندرية مسيرة شهر للبريد ويحملونها على خشب الأطواف في النيل، وهو خشب يركّب بعضه على بعض وتحمل الأعمدة وغيرها عليه، وأما منارة الإسكندرية فقد قدمنا إكثارهم في وصفها ومبالغتهم في عظمها وتهويلهم في أمرها وكل ذلك كذب لا يستحيي حاكيه ولا يراقب الله راويه، ولقد شاهدتها في جماعة من العلماء وكلّ عاد منا متعجبا من تخرّص الرّواة، وذلك إنما هي بنيّة مربّعة شبيهة بالحصن والصّومعة مثل سائر الأبنية، ولقد رأيت ركنا من أركانها وقد تهدّم فدعمه الملك الصالح ابن رزيك أو غيره من وزراء المصريين، واستجدّه فكان أحكم وأتقن وأحسن من الذي كان قبله، وهو ظاهر فيه كالشامة لأن حجارة هذا المستجدّ أحكم وأعظم من القديم وأحسن وضعا ورصفا، وأما صفتها التي شاهدتها فإنها حصن عال على سنّ جبل مشرف في البحر في طرف جزيرة بارزة في ميناء الإسكندرية، بينها وبين البرّ نحو شوط فرس وليس إليها طريق إلّا في ماء البحر الملح، وبلغني أنه يخاض من إحدى جهاته الماء إليها، والمنارة مربّعة البناء ولها درجة واسعة يمكن الفارس أن يصعدها بفرسه، وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفي الدّرجة فيرتقى إلى طبقة عالية يشرف منها على البحر بشرافات محيطة بموضع آخر، كأنه حصن آخر مربّع يرتقى فيه بدرج أخرى إلى موضع آخر، يشرف منه على السطح الأول بشرفات أخرى، وفي هذا الموضع قبة كأنها قبة الديدبان وليس فيها، كما يقال، غرف كثيرة ومساكن واسعة يضل فيها الجاهل بها، بل الدرجة مستديرة بشيء كالبئر فارغ، زعموا أنه مهلك وأنه إذا ألقي فيها الشيء لا يعرف قراره، ولم أختبره والله اعلم به، ولقد تطلّبت الموضع الذي زعموا أن المرآة كانت فيه فما وجدته ولا أثره، والذي يزعمون انها كانت فيه هو حائط بينه وبين الأرض نحو مائة ذراع أو أكثر، وكيف ينظر في مرآة بينها وبين الناظر فيها مائة ذراع أو أكثر، ومن أعلى المنارة؟
فلا سبيل للناظر في هذا الموضع، فهذا الذي شاهدته وضبطته وكلّ ما يحكى غير هذا فهو كذب لا أصل له. وذكر ابن زولاق أنّ طول منارة الإسكندرية مائتا ذراع وثلاثون ذراعا وأنها كانت في وسط البلد وإنما الماء طفح على ما حولها فأخربه وبقيت هي لكون مكانها كان مشرفا على غيره.
وفتحت الإسكندرية سنة عشرين من الهجرة في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على يد عمرو بن العاص بعد قتال وممانعة، فلما قتل عمر وولي عثمان، رضي الله عنه، ولّى مصر جميعها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاع، فطمع أهل الإسكندرية ونقضوا، فقيل لعثمان: ليس لها إلا عمرو بن العاص فإن هيبته في قلوب أهل مصر قوية. فأنفذه عثمان ففتحها ثانية عنوة وسلمها إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وخرج من مصر، فما رجع إليها إلا في أيام معاوية. حدثني القاضي المفضل أبو الحجاج يوسف بن أبي طاهر إسماعيل بن أبي الحجاج المقدسي عارض الجيش لصلاح الدين يوسف بن أيوب، قال: حدثني الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد الأبّي، وأبّة من بلاد افريقية، قال: اذكر ليلة وانا امشي مع الأديب ابي بكر احمد بن محمد العيدي على ساحل بحر عدن، وقد تشاغلت عن الحديث معه فسألني: في أي شيء أنت مفكر؟ فعرّفته أنني قد عملت في تلك الساعة شعرا، وهو هذا:
وأنظر البدر مرتاحا لرؤيته، ... لعلّ طرف الذي أهواه ينظره
فقال مرتجلا:
يا راقد الليل بالإسكندرية لي ... من يسهر الّليل، وجدا بي، وأسهره
ألاحظ النجم تذكارا لرؤيته، ... وإن مرى دمع أجفاني تذكّره
وأنظر البدر مرتاحا لرؤيته، ... لعلّ عين الذي أهواه تنظره قلت: ولو استقصينا في أخبار الإسكندرية جميع ما بلغنا لجاء في غير مجلّد، وهذا كاف بحمد الله.

أسلوب القرآن

أسلوب القرآن
أول ما يتّسم به أسلوب القرآن هو الفخامة والقوة والجلال، يكتسبها من انتقاء ألفاظ، لا امتهان فيها ولا ابتذال، ومن استخدام ألوان التوكيد والتكرير. تشعر بهذه الفخامة في كل ما تناوله القرآن من الأغراض، واستمع إليه يصف جنة الخلد قائلا: إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (الإنسان 10 - 22). وهكذا يكتسب الأسلوب القرآنى قوّته من اختيار ألفاظه وموسيقاه.
وثانى ما يتصف به التصوير، وقد أوضحنا بعض ذلك فيما مضى، عند ما تحدثنا عن تخيّر اللفظ في الجملة، وعن التصوير بالتشبيه والاستعارة، ونضيف إلى ذلك أنه كثيرا ما ينقل الحوار، ويحكى نص القول بعثا للحياة في الأسلوب، واستمع إلى ألوان الحوار في قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (الأعراف 37 - 39). والحوار كما ترى ينقل
الحقيقة أمامك مصورة.
وثالث ما يختص به هذا الانسجام الموسيقيّ، الذى فيه تؤلف العبارة من كلمات متّسقة، ذات حركات وسكنات، يشعر المرء عند تلاوتها بما يكمن وراء هذا النظام من موسيقى واتساق، وإن هذه الموسيقى التى تكمن وراء هذا النظم هى التى مكنت المرتلين من تلاوته بهذه الأنغام الموسيقية، وإن شدّة هذا الانسجام يصل في بعض الأحيان إلى أن تتفق الآية مع وزن بحر من بحور الشعر، كما نرى ذلك في قوله تعالى: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ (سبأ 13). فهى تتفق مع بحر الرمل، وقوله تعالى: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ (فاطر 18). مما يتّزن على بحر الخفيف، وقوله تعالى: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (المؤمنون 36)، مما هو شطر بيت من بحر السريع، وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق 2، 3). مما يوزن على بحر المتقارب، وقوله سبحانه: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (الإنسان 14). وبإشباع حركة الميم يوزن على بحر الرّجز، وقوله تعالى: وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (التوبة 14) وزنوه على بحر الوافر، وقوله تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (العاديات 1، 2). وما على شاكلته، مما يوزن على بحر البسيط. وليس ذلك بمدخل القرآن في الشعر؛ لأنه «إنما يطلق متى قصد القاصد إليه، على الطريق الذى يعمد ويسلك، ولا يصح أن يتفق مثله إلّا من الشعراء، دون ما يستوى فيه العامىّ والجاهل، والعالم بالشعر واللسان وتصرّفه، وما يتفق من كل واحد، فليس يكتسب اسم الشعر، ولا صاحبه اسم شاعر، لأنه لو صح أن يسمى شاعرا كل من اعترض في كلامه ألفاظ تتزن بوزن الشعر، أو أن تنتظم انتظام بعض الأعاريض، كان الناس كلهم شعراء، لأن كل متكلم لا ينفك من أن يعرض في جملة كلام كثير يقوله ما قد يتزن بوزن الشعر، وينتظم انتظامه، ألا ترى أن العامى قد يقول لصاحبه: «أغلق الباب، وائتنى بالطعام» ... ومتى تتبع الإنسان هذا عرف أنه يكثر في تضاعيف الكلام مثله وأكثر منه» .
ويتسم الأسلوب القرآنى بالهدوء عند ما يتطلب الأمر هدوءا وتأملا وفضل تدبر، كما في الآيات التى تدعو إلى إعمال الفكر، وفي القصص والأخبار والأحكام، كما في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (الرعد 2 - 6).
وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَكَــذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام 74 - 82).
وحينا يتدفق الأسلوب ويندفع، فى جمل قصيرة، مثيرا بــذلك الانفعال السريع العنيف، وذلك حيث يتطلب هجوم الحق على الباطل هذا العنف المثير، كما تجد ذلك في قوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنبياء 21 - 24). وقوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (المدثر 11 - 28). أو عند ما يتطلب الأمر إسراعا كما في قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (المدثر 1 - 7).
وأسلوب القرآن منه المسجوع ومنه المرسل، وهو في كليهما يخالف غالبا ما ألف الناس في السجع والإرسال، فالقرآن يلتزم حرف السجع في أكثر من آيتين، بل قد تكون السورة كلها على حرف واحد، كسورة القمر، التى التزم فيها حرف الرّاء، ومن أمثلة ما تعدى فيه السجع جملتين، قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (عبس 1 - 10).
وقد يأتى بين الجمل المسجوعة بجملة لا تتفق فاصلتها مع ما سبقها ولحقها، وكأنما تلك الكلمة تتطلّب عناية خاصة، تستدعى قدرا كبيرا من الرعاية، تثيره هذه المخالفة لنسق الآيات كقوله تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (عبس 19 - 37). فأنت ترى كلمتى: طعامه والصاخة، بخروجهما على النسق، قد أثارا انتباه السامع، ودفعاه إلى التريث وإنعام النظر. كما أنك ترى في الآيات السالفة أن الكلمة قد تحافظ على وزن زميلتها في السجع لا في الحرف الأخير، كما نجد ذلك في قضبا ونخلا، وقد سبق أن تحدثنا عن ذلك في فصل الفاصلة.
وقد تكون الجملتان المسجوعتان متوازنتين في القصر، كما في قوله تعالى:
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (التكوير 1 - 5)، وحينا تتوازنان في الطول، ولا يكون باقيا من مظاهر السجع سوى هذه الفاصلة التى تتفق في آخر الآيات، أما الآيات نفسها فمرسلة، وإن كانت لا تتفق مع مرسل كلام الناس، لوجود الفاصلة المتحدة أو المتماثلة في آخرها، كما ترى ذلك في قوله سبحانه: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُــمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ الْعالَمِينَ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (غافر 64 - 67)، وفي هذه الآيات فضلا عن ذلك، مظهر من مخالفة السجع القرآنى لسجعنا العادى، فبينا يجلب تكرير الكلمة، لغير تورية أو جناس، ضعفا في التأليف، إذا به في نظم الآى يزيدها جمالا ورونقا، وكأنما هذه الكلمة لازمة النشيد، تكرر فتزيده حسنا وحلاوة.
وقد تتوازن الآى القرآنية من غير سجع، كما في قوله تعالى: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رافِعَةٌ إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (الواقعة 1 - 9).
وفي القرآن إرسال، كما في قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المجادلة 22). وهو يخالف إرسالنا العادى بهذه الفواصل في آخره كما ذكرنا.
*** 
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.