Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: حيثية

الوجوب

الوجوب:
[في الانكليزية] Necessity ،obligation
[ في الفرنسية] Necessite ،obligation
بالضم وتخفيف الجيم في اللغة هو الثبوت وفي العرف هو الاستحسان والأولوية، يقال يجب أي يستحسن ويسمّى بالوجوب العرفي والاستحساني، ويقابله الوجوب العقلي والشرعي. أمّا الوجوب العقلي فقال المتكلّمون والحكماء الوجوب والإمكان والامتناع قد تطلق على المعاني المصدرية الانتزاعية وتصوّراتها بالكنه ضرورية إذ ليس كنهها إلّا هذه المعاني الثلاثة المنتزعة الحاصلة في الذّهن، فإنّ كلّ عاقل غير قادر على الكسب يتصوّر حقيقتها كوجوب حيوانية الإنسان وإمكان كاتبيته وامتناع حجريته وتصوّر الحصّة يستلزم تصوّر الطبيعة ضرورة أنّها طبيعة مقيّدة، ومن عرّفها فلم يزد على أن يقول الواجب ما يمتنع عدمه أو لا يمكن عدمه، فإذا قيل له ما الممتنع؟ قال: ما يجب عدميا وما لا يمكن وجوده. وإذا قيل له ما الممكن؟ قال: ما لا يجب وجوده أو ما لا يمتنع وجوده ولا عدمه فيأخذ كلا من الثلاثة في تعريف الآخر وأنّه دور، وعلى هذا القياس الوجوب والإمكان والامتناع. فإن قلت قد عرف الواجب بالممكن العام ثم عرّف الممكن الخاص بالواجب فلا دور. قلت الإمكان العام والخاص حصّة من الإمكان المطلق بهذا المعنى وكذا مشتقّ كلّ منهما حصّة من مشتقّه، وخفاء الحصّة إنّما هو لخفاء الطبيعة. نعم لو عرف الوجوب بالمعنى الآتي مثلا بالإمكان والامتناع بهذا المعنى لم يلزم الدور. وقد تطلق على المعاني التي هي منشأ لانتزاع المعاني المصدرية، والظاهر أنّ تصوّراتها نظرية، ولذا اختلف في ثبوتها واعتباريتها، والظاهر أنّ المبحوث عنها في فنّ الكلام هذه المفهومات بمعنى مصداق الحمل والمبحوث عنها في المنطق بالمعاني المصدرية، والمشهور أنّ المبحوث عنها في فنّ الكلام هي التي جهات القضايا في المنطق، لكن في قضايا مخصوصة محمولاتها وجود الشيء في نفسه، فإنّه إذا أطلق المتكلّمون الواجب والممكن والممتنع أرادوا بها الواجب الوجود والممكن الوجود والممتنع الوجود. ثم الوجوب أي بمعنى مصداق الحمل ومنشأ الانتزاع يقال على الواجب باعتبار ما له من الخواص لا بالمعنى المصدري، فإنّه إذا كان الوجوب مقولا على الواجب ومحمولا عليه باعتبار هذه الخواص فهذه الخواص منشأ لانتزاعه ومصداق لحمله. الأولى استغناء في وجوده عن الغير وقد يعبّر عنها بعدم احتياجه أو بعدم توقّفه فيه على غيره. والثانية كون ذاته مقتضية لوجوده اقتضاء تاما. والثالثة الشيء الذي به يمتاز الذات عن الغير فالمعنيان الأوّلان أمران نسبيان بتاء على أنّ المراد منهما كون وجود الواجب عين ذاته، إلّا أنّ الأول منهما عدمي والثاني ثبوتي. ثم النظر الدقيق يحكم بأنّ كلاهما أمران ثبوتيان لرجوعهما إلى نحو وجود الواجب وخصوصية ذاته فالخاصة الثالثة كما أنّها غير الذات بحسب المفهوم وعينها بحسب ما هو المراد منها كذلك الأولى والثانية إلّا أن يبنى ذلك على مذهب المتكلّمين، ويحمل العينية على حمل المواطأة مطلقا، وبهذا التقرير اندفع ما قيل الخاصة الثانية لا تصدق عليه تعالى على مذهب الحكماء القائلين بغيبة الوجود، هذا هو المستفاد من كلام مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف، وهذا تحقيق تفرّد به. والمستفاد من كلام مولانا عبد الحكيم أنّ الوجوب الذي يقال على الواجب باعتبار تلك الخواص هو الوجوب بالمعنى المصدري يعنى أنّ الوجوب بالمعنى الضروري كيفية نسبة الوجود فهو صفة للنسبة ولا يوصف به ذاته تعالى وإلّا لكان وصفا بحال متعلّقه، بل إنّما يوصف به باعتبار استعماله في أحد تلك المعاني التي تختصّ بذاته تعالى لكون هذه المفهومات لازمة لذلك المعنى الذي هو صفة للنسبة، إمّا بطريق المجاز أو الاشتراك وإطلاق الوجوب على المعنيين الأوّلين ظاهر.
وأمّا إطلاقه على الثالث فإمّا بتأويل الواجب أو إرادة مبدأ الوجوب إذ ليس الوجوب بالمعنى الثالث قائما بذاته تعالى حتى يوصف بما يشتقّ منه، بل هو محمول عليه مواطأة، فلا بدّ من أحد التأويلين، وعلى التأويلين يكون الوجوب عبارة عن كون الشيء بحيث يمتاز عن غيره، وهذه الخواص متغايرة مفهوما لكنها متلازمة، إذ متى كان ذاته كافيا في اقتضاء وجوده لم يحتج في وجوده إلى غيره وبالعكس، ومتى وجد أحد هذين الأمرين وجد ما به يتميّز الذات عن الغير وبالعكس. قال شارح التجريد ما حاصله إنّ الوجوب بالمعنى الأول أي بمعنى الاستغناء عن الغير صفة للوجود وبالمعنى الثاني أي بمعنى اقتضاء الذات للوجود صفة للذات بالقياس إلى الوجود وهو لا يتصوّر إلّا في ذات مغايرة للوجود، فهو عند الحكماء القائلين بعينية الوجود ليس بمتحقّق إذ الشيء لا يقتضي نفسه، ومعنى ذلك الاقتضاء عدم انفكاك الوجود عن الذات، لا أن يكون هناك اقتضاء وتأثير فإنّ ذات البارئ لمّا وجب اتصافه بالوجود ولم يجز أن لا يتصف به لم يكن هناك علّة بها يصير متصفا بالوجود إذ شأن العلّة ترجيح أحد المتساويين على الآخر، فإذا لم يكن هناك طرفان متساويان، فأي حاجة إلى العلّة. ولهذا قال بعض المحقّقين صفات الواجب تعالى لا تكون آثارا له وإنّما يمتنع عدمها لكونها من لوازم الذات. وتوضيح ما قلنا هو أنّ مراتب الوجود في الموجودية بحسب التقسيم العقلي ثلاث لا مزيد عليها، أدناها الموجود بالغير أي الذي يوجده غيره، فهذا الموجود له ذات ووجود مغاير له وموجد مغاير لهما، فإذا نظر إلى ذاته مع قطع النظر عن موجده أمكن في نفس الأمر انفكاك الوجود عنه، ولا شكّ أنّه يمكن تصوّر انفكاكه عنه أيضا. فالتصوّر والمتصوّر كلاهما ممكن، وهذا حال الماهيات الممكنة كما هو المشهور. وأوسطها الموجود بالذات بوجود هو غيره أي الذي يقتضي ذاته وجوده اقتضاء تاما يستحيل معه انفكاك الوجود عنه فهذا الموجود له ذات ووجود مغاير له فيمتنع انفكاك الوجود عنه بالنّظر إلى ذاته، لكن يمكن تصوّر هذا الانفكاك فالمتصوّر محال والتصوّر ممكن، وهذا حال الواجب تعالى عند جمهور المتكلّمين. وأعلاها الموجود بالذات بوجود هو عينه أي الذي وجوده عين الذات فهذا الموجود ليس له وجود مغاير للذات فلا يمكن تصوّر انفكاك الوجود عنه بل الانفكاك وتصوّره كلاهما محال، وهذا حال الواجب تعالى عند جمهور الحكماء. وهذه المراتب مثل مراتب المضيء كما سبقت في محله. قال الصادق الحلواني في حاشية الطيبي: وجوب الوجود عند الحكماء استغناؤه تعالى في الموجودية في الخارج عن غيره. وعند المتكلّمين اقتضاء ذاته وجوده اقتضاء تاما. ومن هاهنا تسمعهم يقولون في الواجب تارة هو ما يستغني في موجوديته عن غيره وأخرى هو ما يقتضي ذاته وجوده اقتضاء تاما، وقد يفسّر بما يكون وجوده ضروريا بالنظر إلى ذاته انتهى.
ومآل التفسير الثالث مع الثاني واحد كما لا يخفى.
اعلم أنّ هذه الثلاثة قد تؤخذ بحسب الذات كما عرفت والقسمة أي قسمة كيفية نسبة المحمول إلى الموضوع إلى هذه الثلاثة حينئذ قسمة حقيقية حاصرة بأن يقال نسبة كلّ محمول سواء كان وجودا أو غيره إلى موضوعه، سواء كانت النسبة إيجابية أو سلبية لا يخلو ذات الموضوع إمّا أن يقتضي تلك النسبة أو لا، وعلى الثاني إمّا أن يقتضي نقيض تلك النسبة أو لا، والأول هو الوجوب والثاني هو الامتناع والثالث هو الإمكان، ولا يمكن انقلاب أحد هذه الثلاثة بالآخر بأن يزول أحدهما عن الذات ويتّصف الذات بالآخر مكانه، فيصير الواجب بالذات ممكنا بالذات وبالعكس لأنّ ما بالذات لا يزول، وقد يؤخذ الوجوب والامتناع بحسب الغير إذ لا ممكن بالغير فالوجوب بالغير هو الذي للذات باعتبار غيره، وهكذا الامتناع بالغير وحينئذ القسمة مانعة الجمع لاستحالة اجتماع الوجود والعدم في ذات دون الخلوّ لانتفائهما عن كلّ من الواجب والممتنع بالذات، ويمكن انقلابهما إذ الواجب بالغير قد يعدم علّته فيصير ممتنعا بالغير، وكذا الممتنع بالغير قد يوجد علّته فيصير واجبا بالغير فالوجوب شامل للذاتي والغيري، وكذا الامتناع والوجوب بالغير والامتناع بالغير إنّما يعرضان للممكن بالذات، وأمّا الواجب بالذات فيمتنع عروض الوجوب بالغير له وإلّا لتوارد علّتان مستقلتان أعني الذات والغير على معلول واحد شخصي هو وجوب ذلك الوجوب، وكذا عروض الامتناع بالغير له وإلّا لكان موجودا ومعدوما في حالة، وعلى هذا القياس الممتنع بالذات. والتحقيق أنّه إن أريد بالإمكان بالغير أن لا يقتضي الغير وجود الماهية ولا عدمها كما أنّ الوجوب بالغير أن يقتضي الغير وجوبها والامتناع بالغير أن يقتضي الغير عدمها، فلا شكّ أنّه لا ينافي الوجوب الذاتي ولا الامتناع الذاتي، وإن أريد بالإمكان بالغير أن يقتضي الغير تساوي نسبة الماهية إلى الوجود والعدم فلا كلام في أنّه ينافي الوجوب والامتناع الذاتيين وكذا الإمكان الذاتي للزوم توارد العلتين على معلول واحد. ثم الإمكان إنّما يعرض للماهية من حيث هي لا مأخوذة مع وجودها ولا مع عدمها ولا مع وجود علّتها وعدمها، أمّا إذا أخذت الماهية مع الوجود فإنّ نسبتها حينئذ إلى الوجود بالوجوب ويسمّى ذلك وجوبا لاحقا، وإذا أخذت مع العدم فنسبتها إلى الوجود حينئذ يكون بالامتناع لا بالإمكان ويسمّى ذلك امتناعا لاحقا، وكلاهما يسمّى ضرورة بشرط المحمول، وإذا أخذت مع وجود علّتها كانت واجبة ما دامت العلّة موجودة ويسمّى ذلك وجوبا سابقا وإذا اخذت مع عدم علتها كانت ممتنعة ما دامت العلّة معدومة ويسمّى ذلك امتناعا سابقا. فكلّ وجود محفوف بوجوبين سابق ولاحق وكلاهما وجوب بالغير، وكلّ معدوم محفوف بامتناعين سابق ولاحق وكلاهما امتناع بالغير.
فائدة:
قال بعض المتكلّمين الواجب والقديم مترادفان لكنه ليس بمستقيم المقطع بتغاير المفهومين، إنّما النزاع في التساوي بحسب الصدق. فقيل القديم أعمّ لصدقه على صفات الواجب وبعض المتأخّرين كالإمام حميد الدين الضريري ومن تبعه صرّحوا بأنّ الواجب الوجود لذاته هو الله تعالى وصفاته، وأوّله البعض بأنّ معناه أن الصفات واجبة الواجب أي لا تفتقر إلى غير الذات، لكن هذا لا يوافق استدلالهم. بأنّ كلّ ما هو قديم لو لم يكن واجبا لذاته لكان جائز العدم في نفسه فيحتاج في وجوده إلى مخصّص فيكون محدثا، إذ لا نعني بالمحدث إلّا ما يتعلّق وجوده بإيجاد شيء آخر.
وقيل منشأ هذا القول إمّا التلبيس خوفا من القول بإمكان الصفات الموجب لحدوثها على أصلهم من أنّ كلّ ممكن حادث، وهو أن يقال لمّا كان الواجب لذاته بمعنيين الواجب بحقيقته بأن تكون ضرورة وجوده ناشئة من حقيقته، والواجب بموصوفه بأن تكون ضرورة وجوده ناشئة من اقتضاء موصوفه لوجوده واستقلاله به وضع أحدهما مكان الآخر في القول بأنّ الصفات واجبة لذواتها، حتى لو سئل هل الصفات واجبة لذواتها لم يكن للقائل أن يجيب عنه بنعم، ويظهر أمر التلبيس، وإمّا الالتباس بأن يقال لمّا كان اقتضاء الواجب وجوده جعل وجوده واجبا توهّم مثلا أنّ اقتضاء العلم مثلا يقتضي كون العلم واجبا، فرّق بينهما بأنّ اقتضاء الواجب وجوده لوجوب غذائه في وجوده عن وجود غيره، واقتضاؤه وجود العلم بوجوب احتياج العلم إلى وجود غيره انتهى.
فائدة:
الإمكان أيضا يقال على الممكن باعتبار ما له من الخواص الأولى احتياجه في وجوده إلى غيره، والثانية عدم اقتضاء ذاته وجوده أو عدمه، والثالثة ما به يمتاز ذات الممكن عن الغير فإمّا أن يراد بالإمكان بمعنى مصداق الحمل والمراد بالخاصتين الأوليين زيادة الوجود على الماهية فهما ترجعان إلى خصوصية الذات، ونحو تقرّرها على قياس الوجوب فكما أنّ الوجوب بمعنى مصداق الحمل نفس ذات الواجب كذلك الإمكان بهذا المعنى نفس ذات الممكن. وإمّا بالمعنى المصدري والحال في تغايرها وتلازمها كما عرفت في الوجوب، وهكذا الامتناع يطلق باعتبار الخواص على الممتنع، إلّا أنّه لا كمال في معرفته، ولذا تركوا بيانه. وأمّا الوجوب الشرعي فقد اختلفت العبارات في تفسيره، فقيل هو حكم بطلب فعل غير كفّ ينتهض تركه في جميع وقته سببا للعقاب، وذلك الفعل المطلوب يسمّى واجبا، فالوجوب قسم من الحكم والواجب قسم من الأفعال وما وقع في عبارة البعض من أنّ الواجب والمندوب ونحوهما أقسام للحكم ليس على ظاهر. فبقيد الطلب خرج الإباحة والوضع. وقوله غير كفّ يخرج الحرمة لأنّها أيضا طلب فعل لكنه فعل هو كفّ، وهذا إشارة إلى الخلاف الواقع بين الأصوليين من أنّ المراد بالنهي هو نفي الفعل أو فعل الضدّ، فقال أبو هاشم بالأول والأشعري بالثاني. وبالجملة فمن يقول بأنّ الكفّ فعل يعرف الوجوب بما مرّ والحرمة بأنّها حكم بطلب الكفّ عن فعل ينتهض ذلك الفعل سببا للعقاب. وأمّا من يقول بأنّ الكفّ نفي فعل فيطرح من حدّ الوجوب قيد غير كفّ ويقول الوجوب حكم بطلب فعل ينتهض تركه الخ، والحرمة حكم بطلب نفي فعل ينتهض فعله سببا للعقاب، وكذا يخرج الكراهة لأنّها طلب كفّ لا فعل عند من يقول بأنّ الكفّ فعل، وأمّا عند من لا يقول به فيخرج بقيد ينتهض، إذ فعلها وتركها كلّ منهما لا ينتهض سببا للعقاب. ثم قوله ينتهض يخرج النّدب. وقوله في جميع وقته ليشتمل الحدّ الواجب الموسع إذ تركه ليس سببا للعقاب إلّا إذا ترك في جميع الوقت، وفيه أنّه لو لم يذكره لما لزم الخلل لأنّ انتهاض تركه سببا في الجملة لا يوجب انتهاضه دائما، فالواجب الموسع داخل فيه حينئذ أيضا. والمراد بسببية الفعل للثواب والعقاب أنّه من الأمارات الدّالة عليه والأسباب العادية له لا السبب الموجب له عقلا كما ذهب إليه الأشعري. قيل يلزم أن لا يكون الصوم واجبا لأنّ صوموا طلب لفعل هو كفّ. وأجيب بمنع كونه كفّا لأنّ جزءه أعني النية غير كفّ. قيل يرد عليه كفّ نفسك عن كذا فإنّه إيجاب ولا يصدق عليه أنّه طلب فعل غير كفّ ويصدق عليه أنّه طلب كفّ عن فعل ينتهض ذلك الفعل سببا للعقاب مع أنّه ليس بتحريم. وأجيب بأنّ الــحيثية معتبرة، فالمراد أنّ الوجوب طلب يعتبر من حيث تعلّقه بفعل والحرمة طلب يعتبر من حيث تعلّقه بكفّ عن فعل، فيكون اكفف عن فعل كذا من حيث تعلّقه بالكفّ إيجابا، وبالفعل المكفوف عنه تحريما، ولكنه حينئذ لم يكن قوله غير كفّ محتاجا إليه ويكفي أن يقال طلب فعل ينتهض تركه الخ، اللهم إلّا أن يقصد زيادة الوضوح والتنبيه.
اعلم أنّ الوجوب والإيجاب متحدان ذاتا مختلفان اعتبارا وقد سبق في لفظ الحكم. وقيل الواجب ما يعاقب تاركه، وردّ بأنّه يخرج عنه الواجب المعفو عن تركه. وقيل ما أوعد بالعقاب على تركه ليندفع ذلك لأنّ الخلف في الوعيد جائز وإن لم يجز في الوعد كما ذهب إليه بعض المتكلّمين. وأمّا عند من لم يجوّز ذلك فالنقض عنده بحاله. وقيل ما يخاف العقاب على تركه وهو مردود بما شكّ في وجوبه ولا يكون واجبا في نفسه فإنّه يخاف العقاب. وقال القاضي أبو بكر ما يذمّ شرعا تاركه بوجه ما، والمراد بالذمّ نصّ الشارع به أو بدليله إذ لا وجوب إلّا بالشرع، وقال بوجه ما ليدخل الواجب الموسع فإنّه يذمّ تاركه إذا تركه في جميع وقته لا في بعض الوقت، وكذا فرض الكفاية فإنّه يذمّ تاركه إذا لم يقم به غيره. ويرد عليه صلاة النّائم والناسي وصوم المسافر لأنّه يصدق على كلّ منها لأنّه يذمّ تاركه على تقدير عدم القضاء بعد التذكّر والتنبه والإقامة. وأجيب بأنّ المراد أنّه يذمّ تاركه من حيث إنّه تارك وباعتبار ذلك الترك وإلّا فيصدق على كلّ فعل أنّه يذم تاركه على تقدير تركك الفرض معه، وفي الصلاة المذكورة ليس الذمّ على ترك الصلاة حال النسيان والنوم والصوم حال السفر بل على ترك القضاء. وإن شئت الزيادة فارجع إلى العضدي وحواشيه.
اعلم أنّ جميع التعاريف للمواجب بالمعنى الأعم الشامل للقطعي والظّنّي على ما ذهب إليه جمهور الأصوليين. وأمّا عند الحنفية القائلين بتخصيصه بالظّنّي فيقال الواجب ما ثبت بدليل ظنّي واستحقّ الذّمّ على تركه مطلقا من غير عذر، وقد سبق في لفظ الفرض. والواجب عند المعتزلة فيما يدرك جهة حسنه أو قبحه بالعقل هو ما اشتمل تركه على مفسدة وقد سبق في لفظ الحسن.
اعلم أنّهم قد يقولون نفس الوجوب وقد يقولون وجوب الأداء فلا بدّ من بيان الفرق، فنقول: الوجوب في عرف الفقهاء على اختلاف العبارات في تفسيره يرجع إلى كون الفعل بحيث يستحقّ تاركه الذّمّ في العاجل والعقاب في الآجل. فمن هاهنا ذهب جمهور الشافعية إلى أنّه لا معنى له إلّا لزوم الإتيان بالفعل وأنّه لا معنى للوجوب بدون وجوب الأداء، بمعنى الإتيان بالفعل أعمّ من الأداء والقضاء والإعادة، فإذا تحقّق السبب ووجد المحل من غير مانع تحقّق وجوب الأداء حتى يأثم تاركه ويجب عليه القضاء، وإن وجد في الوقت مانع شرعي أو عقلي من حيض أو نوم أو نحو ذلك فالوجوب يتأخّر إلى زمان ارتفاع المانع، وحينئذ افترقوا ثلاث فرق. فذهب الجمهور إلى أنّ الفعل في الزمان الثاني قضاء بناء على أنّ المعتبر في وجوب القضاء سبق الوجوب في الجملة لا سبق الوجوب على ذلك الشخص، فعلى هذا يكون فعل النائم والحائض ونحوهما قضاء. وبعضهم يعتبر سبق الوجوب عليه حتى لا يكون فعل النائم والحائض ونحوهما قضاء لعدم الوجوب عليهم بدليل الإجماع على جواز الترك.
وبعضهم يقول بالوجوب عليهم بمعنى انعقاد السبب وصلاحية المحل وتحقّق اللزوم لولا المانع ويسمّيه وجوبا بدون وجوب الأداء، وليس هذا إلّا تغيير عبارة بالنسبة إلى مذهب الحنفية لأنّ مرادهم بتحقّق اللزوم تحقّق لزوم الأداء لولا المانع، فإذا وجد المانع لم يتحقّق وجوب الأداء، وقد قالوا بالوجوب عليهم عند المانع. وأمّا الحنفية فذهب بعضهم إلى أنّه لا فرق بين الوجوب ووجوب الأداء في العبادات البدنية حتى أنّ الشيخ المحقّق أبا المعين بالغ في ردّه وادّعى أنّ استحالته غنية عن البيان. ثم قال إنّ الشارع أوجب على من مضى عليه الوقت وهو نائم مثلا بعد زوال النوم ما كان يوجبه في الوقت لولا النوم بشرائط مخصوصة، ولم يوجب ذلك في باب الصبي والكفر، وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وأوجب الصوم على المريض والمسافر معلّقا باختيارهما الوقت تخفيفا ومرحمة، فإن اختار الأداء في الشهر كان الصوم واجبا فيه وإن أخّراه إلى الصحة والإقامة كان واجبا بعدهما، وهذا بخلاف الواجب المالي فإنّ فيه شيئين إذ الواجب هو المال والأداء فعل في ذلك المال، فيجب على الولي أداء ما وضع في ذمّة الصبي من المال كما لو وضع في بيت الصبي مال معيّن. وأما الذاهبون إلى الفرق فمنهم من اكتفى بالتمثيل فقال نفس وجوب الثمن بالبيع ووجوب الأداء بالمطالبة. وذهب صاحب الكشف إلى أنّ نفس الوجوب عبارة عن اشتغال الذمة بوجود الفعل الذهني ووجوب الأداء عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود الخارجي، ولا شكّ في تغايرهما. ولذا لا يتبدّل ذلك التصوّر بتبدّل الوجود الخارجي بالعدم بل يبقى على حاله، وكذا في المالي أصل الوجوب لزوم مال تصوّر في الذمة ووجوب الأداء إخراجه من العدم إلى الوجود الخارجي، إلّا أنّه لمّا لم يكن في وسع العبد ذلك أقيم مال آخر من جنسه مقامه في حقّ صحة الأداء والخروج عن العهدة وجعل كأنّه ذلك المال الواجب، وهذا معنى قولهم:
الدّيون تقضى بأمثالها لا بأعيانها، فظهر الفرق بين الفعل وأداء الفعل، هذا كلامه. والمراد بالفعل الذّهني أنّه أمر عقلي لا وجود له في الخارج لا أنّه شرط في اشتغال الذّمة به أن يتصوّره من عليه الوجوب أو غيره. وفي تفسير وجوب الأداء بالإخراج تسامح، والمراد لزوم الإخراج. وذهب صدر الشريعة إلى أنّ نفس الوجوب هو اشتغال الذّمة بفعل أو مال ووجوب الأداء لزوم تفريغ الذمة عمّا اشتغلت به، وتحقيقه أنّ للفعل معنى مصدريا وهو الإيقاع ومعنى حاصلا بالمصدر وهو الحالة المخصوصة، فلزوم وقوع تلك الحالة هو نفس الوجوب ولزوم إيقاعها وإخراجها من العدم إلى الوجود هو وجوب الأداء، وكذا في المالي لزوم المال وثبوته في الذّمة نفس الوجوب ولزوم تسليمه إلى من له الحقّ وجوب الأداء، فالوجوب في كلّ منهما صفة لشيء آخر فافترقا في المعنى. ثم إنّهما يفترقان في الوجود أيضا.
أمّا في البدني فكما في صلاة النائم والناسي وصوم المسافر والمريض، فإنّ وقوع الحالة المخصوصة التي هي الصلاة والصوم لازم نظرا إلى وجود السبب وأهلية المحلّ وإيقاعها من هؤلاء غير لازم لعدم الخطاب وقيام المانع.
وأمّا في المالي فكما في الثمن إذا اشترى الرجل شيئا بثمن غير مشار إليه بالتعيين فإنّه يجب في الذمة الامتناع البيع بلا ثمن ولا يجب أداؤه إلّا بعد المطالبة. وإن شئت زيادة التوضيح فارجع إلى التوضيح والتلويح وحواشيه.

التقسيم:
للواجب تقسيمات باعتبارات. الأول باعتبار فاعله ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية. ففرض الكفاية واجب يحصل منه الغرض بفعل بعض المكلّفين، أيّ بعض كان، وفرض العين بخلافه، مثال الكفاية الجهاد فإنّ الغرض منه حراسة المؤمنين وإذلال العدو وإعلاء كلمة الحقّ وذلك حاصل بوجود الجهاد من أيّ فاعل كان، وكذا إقامة الحجج ودفع الشبه إذ الغرض منها حفظ قواعد الدين من أن تزلزلها شبه المبطلين، وحصوله لا يتوقّف إلّا من صدوره من فاعل ما، ومثل هذا لا يتعلّق بكلّ واحد من الأعيان بحيث لا يسقط بفعل البعض لاقتضائه إلى إلزام ما لا حاجة إليه، ولا ببعض معيّن لأدائه إلى الترجيح من غير مرجّح، فتعيّن أن يتعلّق وجوبه بالكلّ على وجه يسقط بفعل البعض أو يتعلّق ببعض غير معيّن. ومثال فرض العين الصلاة والصوم. وبالجملة ففرض العين ما وجب على كلّ واحد واحد من آحاد المكلّفين وفرض الكفاية ما وجب على بعض غير معيّن أو على الكلّ بحيث لو فعل البعض سقط عن الباقين. والثاني باعتبار نفسه إلى معيّن ومخيّر، فالمعيّن ما ثبت بالأمر بواحد معيّن كما يقال سلّ أو يقال أوجبت عليك الصلاة، والمخيّر ما ثبت بالأمر بواحد مبهم من أمور مبهمة ولا فائدة فيه أصلا. فالواجب واحد من تلك الأمور المبهمة يعيّنه فعل المكلّف ولا يعيّنه قوله بأن يقول عيّنت كذا وهذا هو مذهب الفقهاء. وذهب الجبّائي وابنه أنّ الكل واجب على التخيير وفسّره البعض بأنّه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان به، وللمكلّف أن يختار أيا ما كان وهو بعينه مذهب الفقهاء، ولكنه ما ذهب إليه بعض المعتزلة من أنّه يثاب ويعاقب على كلّ واحد ولو أتى بواحد سقط عنه الباقي بناء على أنّ الواجب واحد معيّن عند الله دون المكلّف، ويسقط بفعله أي بفعل ذلك الواحد المعيّن أو بفعل غيره.
والثالث باعتبار وقته إلى مضيّق وموسّع فإنّ زمان الواجب إن كان مساويا له سمّي واجبا مضيّقا كالصوم ووقته يسمّى معيارا، وإن كان زائدا عليه يسمّى واجبا موسّعا كالظهر وقته يسمّى ظرفا، ولا يجوز كون الوقت ناقصا عنه إلّا لغرض القضاء، كما إذا طهرت وقد بقي من الوقت مقدار ركعة فذهب الجمهور من الشافعية والحنفية والمتكلّمين إلى أنّ جميعه وقت للأداء.
وقال القاضي الباقلاني إنّ الواجب الفعل في كلّ جزء ما لم يتضيّق الوقت أو العزم على الفعل، لكن الفعل أصل، وإنّما يجوز تركه ببدل وهو العزم وآخره متعيّن للفعل. ومن الشافعية من عيّن أوله للأداء فإن أخّره فقضاء. ومن الحنفية من عكس وقال آخر الوقت متعيّن للأداء فإن قدّمه فهو نفل يسقط به الفرض كتعجيل الزكاة قبل وقوعها. والرابع باعتبار مقدّمة وجوده إلى مطلق ومقيّد، فالمطلق ما لا يتوقّف وجوبه على مقدّمة وجوده من حيث هو كذلك والمقيّد بخلافه، وفي اعتبار الــحيثية إشارة إلى جواز كون الشيء واجبا مطلقا بالقياس إلى المقدّمة ومقيّدا بالقياس إلى أخرى، فإنّ الصلاة بل التكاليف بأسرها موقوفة على البلوغ والعقل فهي بالقياس إليهما مقيّدة، وأمّا بالإضافة إلى الطهارة فواجبة مطلقا. وقد فسّر الواجب المطلق بما يجب في كلّ وقت وعلى كلّ حال فنوقض بالصلاة، فزيد كلّ وقت قدّره الشارع فنوقض بصلاة الحائض، فزيد إلّا لمانع وهذا لا يشتمل غير المؤقتات ولا مثل الحج والزكاة في إيجاب ما يتوقّف عليه من الشروط والمقدّمات. وان شئت توضيح المقام فارجع إلى العضدي وحواشيه.
الوجوب: الشرعي ما يستحق تاركه الذم والعقاب.

الْجعل الْمُؤلف

الْجعل الْمُؤلف: فَهُوَ جعل الشَّيْء شَيْئا وتصييره إِيَّاه. وأثره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ هُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية الحملية وَلَا يتَعَلَّق بِشَيْء وَاحِد بل لَا بُد لَهُ من مجعول ومجعول إِلَيْهِ وَهَذَا الْجعل إِنَّمَا يتَعَلَّق بصيرورته إِيَّاه. وَقد تبين من هَذَا التَّحْقِيق أَن الْجعل الْبَسِيط متقدس عَن شوائب الْكَثْرَة مُتَعَلق بِذَات الشَّيْء فَقَط. وَهَذَا هُوَ التَّأْخِير الْحَقِيقِيّ فِي الشَّيْء. والجعل الْمركب بِالْحَقِيقَةِ تَأْثِير فِي بعض أَوْصَافه أَعنِي كَونه شَيْئا آخر وَهُوَ الْمَوْجُود أَو غَيره. فَإِن قيل جعل الشَّيْء وإخراجه من الليس إِلَى الايس هُوَ جعله مَوْجُودا أَي تَأْثِير فِي بعض أَوْصَافه وَهُوَ كَونه مَوْجُودا فَلَا جعل إِلَّا الْجعل الْمركب. قُلْنَا إِن أثر الْجعل الْبَسِيط وَمَا يفيضه الْجَاعِل بِهَذَا الْجعل ويبدعه أَولا وبالذات هُوَ نفس الْمَاهِيّة ثمَّ يستتبع ذَلِك جعلا مؤلفا للموجودية مفاده حمل الْوُجُود على المجعول وَحمله عَلَيْهِ حَيْثُ يُقَال الظلمَة مَوْجُودَة والنور مَوْجُود لَكِن هَذَا الْحمل والصدق لَيْسَ باستئناف إفَاضَة من الْجَاعِل أَو باقتضاء من الْمَاهِيّة الفائضة بل بِنَفس استيجاب ذَلِك الْجعل المتقدس الْبَسِيط على سَبِيل الاستلزام والاستتباع. فالحصل أَن تقرر الْمَاهِيّة وفعليتها وَإِن لم تنفك عَن اقتران الْوُجُود إِلَّا فِي اعْتِبَار الْعقل إِلَّا أَنَّهَا مستتبعة للموجودية والموجودية مسبوقة بهَا وفعلية تقرر الْمَاهِيّة بِجعْل الْجَاعِل معيار صِحَة انتزاع الموجودية بِالْفِعْلِ ومناط صدق حمل الْمَوْجُود فَتَأمل.
قَالَ بعض الظانين أَن الْجعل الْمركب يَنْتَهِي إِلَى الْجعل الْبَسِيط الْمُتَعَلّق بِالضَّرُورَةِ أَو الاتصاف أَو لمَفْهُوم مَا فَلَا جعل إِلَّا الْجعل الْبَسِيط. وَهَذَا بعيد بمراحل عَن التَّحْقِيق إِذْ النِّسْبَة الَّتِي هِيَ الصيرورة أَو الاتصاف فِي هَذَا الْجعل إِنَّمَا هِيَ ملحوظة من جِهَة إِنَّهَا بَين المجعول والمجعول إِلَيْهِ غير مُسْتَقلَّة بالمفهومية ورابطة بَين الطَّرفَيْنِ ومرآة لمخلوطية إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى من غير أَن يتَوَجَّه الِالْتِفَات إِلَيْهَا برأسها وَمفَاده الْهَيْئَة التركيبية وَلم يتَعَلَّق الْجعل بهَا إِلَّا بِالْعرضِ من تِلْكَ الْــحَيْثِيَّة لَا من حَيْثُ نَفسهَا وذاتها المتقررة فِي مرتبَة تقرر الذَّات حَتَّى يصير أثرا لجعل الْبَسِيط. نعم إِذا لوحظت لَا من تِلْكَ الْــحَيْثِيَّة بل على الِاسْتِقْلَال وبالالتفات من حَيْثُ إِنَّهَا مَاهِيَّة مَا فَانْظُر فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ ليسَا بمنظورين إِلَّا بِالْعرضِ فَأَيْنَ مُتَعَلق الْجعل الْمركب حَتَّى يتَعَلَّق بِهِ فَانْقَطع عرقه. وَحِينَئِذٍ يعود الْحَال إِلَى السُّؤَال بِأَن هَذِه الْمَاهِيّة هَل هِيَ مفتقرة فِي نَفسهَا إِلَى جَاعل يفيضها أَو مستغنية عَنهُ لِأَن شَأْن الماهيات الِاسْتِغْنَاء بحقائقها التصورية عَن الْجعل والافتقار إِلَيْهِ فِي الْخَلْط بِمَا لَا يدْخل فِي قوامها كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه.
ثمَّ اعْلَم أَن تخَلّل الْجعل الْمركب بَين الشَّيْء وَنَفسه كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان إِنْسَان. وَبَين الشَّيْء وذاتي من ذاتياته كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان نَاطِق محَال لعدم الْخَلْط وَالْحمل فِي مرتبَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ وَالدُّخُول فِي أصل قوامها بل ذَلِك الْجعل مُخْتَصّ بالعرضيات سَوَاء كَانَت لَوَازِم الماهيات كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَة زوج. أَو الْعَوَارِض الممكنة الانفكاك كَقَوْلِنَا الثَّوْب أَبيض لِأَن نفس الشَّيْء بمرتبة مُجَرّدَة عَن العرضيات فِي مرتبَة التقرر وَصِحَّة سلبها عَن الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ ولحوقها فِي مرتبَة مُتَأَخِّرَة.
وَإِن سَأَلت خُلَاصَة مَا ذكرُوا فِي انقسام الْجعل وتعريف قسميه فاستمع لما أتلو عَلَيْك أَن الْجعل قد يكون بِمَعْنى التصيير فَيكون حِينَئِذٍ مُتَعَدِّيا إِلَى مفعولين يكون الأول مِنْهُمَا مجعولا وَالثَّانِي مجعولا إِلَيْهِ وَهُوَ الْجعل الْمركب الاختراعي أَي إِفَادَة أثر على قَابل لَهُ. وَقد يكون بِمَعْنى الْخلق وَحِينَئِذٍ لَا يَقْتَضِي إِلَّا مَفْعُولا وَاحِدًا وَهُوَ الْجعل الْبَسِيط والإبداعي أَي إِخْرَاج نفس الْمَاهِيّة من الليس إِلَى الايس. وَأثر الأول هُوَ اتصاف شَيْء بِشَيْء وَأثر الثَّانِي هُوَ نفس الْمَاهِيّة لَا كَون الْمَاهِيّة مَاهِيَّة وَلَا كَون الْمَاهِيّة مَوْجُودَة بل هما من لَوَازِم جعل الْمَاهِيّة نَفسهَا وَلَا يحْتَاج إِلَى جعل جَدِيد.
ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي أَن أثر الْفَاعِل الْحَقِيقِيّ عز شَأْنه وَجل برهانه مَاذَا إِمَّا نفس الماهيات أَو اتصافها بالوجود أَو غير ذَلِك من الْأَوْصَاف. وَذهب الإشراقيون إِلَى الْجعل الْبَسِيط. والمشائيون إِلَى الْمركب وَيَقُولُونَ إِن الماهيات الممكنة لَيست بمجعولة فأثره تَعَالَى على الأول بِالذَّاتِ هُوَ نفس الشَّيْء من حَيْثُ هُوَ هُوَ والوجود والاتصاف أثر بِالْعرضِ وعَلى الثَّانِي هُوَ الاتصاف من حَيْثُ هُوَ غير مُسْتَقل بالفهومية ورابطة بَين حَاشِيَته أَي مفَاد الْهَيْئَة التركيبية وَمعنى أَن الماهيات لَيست مجعولة أَنَّهَا فِي حد أَنْفسهَا لَا يتَعَلَّق بهَا جعل جَاعل وتأثير مُؤثر. فَإنَّك إِذا لاحظت مَاهِيَّة السوَاد وَلم تلاحظ مَعهَا مفهوما سواهَا لم يعقل هُنَاكَ جعل إِذْ لَا مُغَايرَة بَين الْمَاهِيّة ونفسها حَتَّى يتَصَوَّر توَسط جعل بَينهمَا فَيكون إِحْدَاهمَا مجعولة تِلْكَ الْأُخْرَى. وَكَذَا لَا يتَصَوَّر تَأْثِير الْفَاعِل فِي الْوُجُود بِمَعْنى جعل الْوُجُود وجودا بل تَأْثِيره فِي الْمَاهِيّة بِاعْتِبَار الْوُجُود بِمَعْنى أَنه يَجْعَلهَا متصفة بالوجود لَا بِمَعْنى أَنه يَجْعَل اتصافها مَوْجُودا متحققا فِي الْخَارِج. فَإِن الصّباغ مثلا إِذا صبغ ثوبا فَإِنَّهُ لَا يَجْعَل الثَّوْب ثوبا وَلَا الصَّبْغ صبغا بل يَجْعَل الثَّوْب متصفا بالصبغ فِي الْخَارِج. وَإِن لم يَجْعَل اتصافه مَوْجُودا ثَابتا فِي الْخَارِج فَلَيْسَتْ الماهيات فِي أَنْفسهَا مجعولة وَلَا وجوداتها أَيْضا فِي أَنْفسهَا مجعولة بل الماهيات فِي كَونهَا مَوْجُودَة مجعولة. وَبِمَا ذكرنَا من تَحْقِيق الْجعل ينْدَفع الْإِشْكَال بقولنَا خلق الله الْعَالم وَتَقْرِيره فِي الْمَفْعُول بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فانتظر فَإِنِّي مَعَ المنتظرين.
وَيعلم من كَلَام الْعَارِف النامي مَوْلَانَا نور الدّين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي شرح رباعياته أَن الصوفيين الْمُوَحِّدين متفقون مَعَ الْحُكَمَاء الْمُحَقِّقين فِي نفي المجعولية جعلا بسيطا عَن الْأَعْيَان الثَّابِتَة والماهيات. وَأَيْضًا صرح قدس سره السَّامِي هُنَاكَ فِي شرح هَذَا الرباعي.
(حكم قدر وقضابود بِي مَانع ... برموجب علم لَا يزالي وَاقع)

(تَابع باشد علم ازل أَعْيَان را ... أَعْيَان همه مرشيون حق را تَابع)

بِأَن الْأَعْيَان الثَّابِتَة لَيست بِأُمُور خَارِجَة عَن ذَاته تَعَالَى ومعلومة لَهُ تَعَالَى أزلا بل صور وشؤون ذاتية لَهُ تَعَالَى فَلَا يُمكن تطرق التَّغَيُّر فِيهَا لِأَن ذاتيات الله تَعَالَى منزهة عَن قبُول الْجعل والتغيير والتبديل. وَهَا هُنَا تحقيقات لم يظفر الْوَقْت بتحريرها لتشتت خاطري بإيذاء الإخوان وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مستعان فِي كل حِين ومعين فِي كل آن. وَعَلِيهِ التكلان.

الْحمل

(الْحمل) فلَان حمل على أَهله إِذا كَانَ ثقيل الْمَرَض وَمَا كَانَ فِي بطن أَو على شجر والهودج وَالْبَعِير عَلَيْهِ الهودج (ج) أحمال وحمول وحمال

(الْحمل) مَا يحمل على الظّهْر وَنَحْوه والهودج وَالْبَعِير عَلَيْهِ الهودج و (فِي الرياضيات) الثّقل أَو الْجِسْم الَّذِي يرفع أَو يجر بوساطة الْآلَات (مج)(ج) أحمال وحمول

(الْحمل) الصَّغِير من الضَّأْن (ج) حملان وأحمال وبرج فِي السَّمَاء من البروج الربيعية
الْحمل: بِالْكَسْرِ بار وبالفتح بار برداشتن وبارشكم وهرباري كه باشد. وَالْحمل مُخْتَصّ بالإنسان كالنتاج بِالْحَيَوَانِ وَلذَا قيل فِي كتب الْفِقْه الْحمل مَا فِي بطن الْإِنْسَان وَأَقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر بالِاتِّفَاقِ وَفِي أَكْثَرهَا اخْتِلَاف عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَأَصْحَابه سنتَانِ لما رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لَا يبْقى الْوَلَد فِي رحم أمه أَكثر من سنتَيْن وَلَو بِقدر ظلّ مغزل وَمثل هَذَا لَا يعرف قِيَاسا بل سَمَاعا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله أَربع سِنِين لما رُوِيَ أَن الضَّحَّاك ولد لأَرْبَع سِنِين وَقد بَدَت ثناياه وَهُوَ يضْحك فَسُمي ضحاكا وَعند لَيْث بن سعد الفهمي رَحمَه الله ثَلَاث سِنِين وَعند الزُّهْرِيّ رَحمَه الله سبع سِنِين. وبرج من البروج الاثْنَي عشر من الْفلك الْأَعْظَم.وَالْحمل عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول يُطلق بالاشتراك اللَّفْظِيّ على ثَلَاثَة معَان:

الأول: الْحمل اللّغَوِيّ، وَالثَّانِي: الْحلم الاشتقاقي، وَالثَّالِث: حمل المواطأة. (أما الْحمل اللّغَوِيّ) فَهُوَ الحكم بِثُبُوت شَيْء بِشَيْء أَو انتفائه عَنهُ وَحَقِيقَته الإذعان وَالْقَبُول. (وَأما الْحمل الاشتقاقي) فَهُوَ الْحمل بِوَاسِطَة (فِي) أَو (ذُو) أَو (لَهُ) وَحَقِيقَته الْحُلُول فَإنَّك إِذا قلت زيد ذُو مَال فقد حملت المَال على زيد بِوَاسِطَة (ذُو) . فَإِن قلت: إِن المَال مَحْمُول على زيد بِوَاسِطَة ذُو وَلَيْسَ حَالا فِيهِ فَكيف يَصح أَن حَقِيقَته الْحُلُول. قلت: الْمَحْمُول فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْإِضَافَة الَّتِي بَين زيد وَالْمَال وَهُوَ التَّمَلُّك. وَلَا شكّ أَن التَّمَلُّك حَال فِي زيد والتملك مَحْمُول على زيد فِي ضمن التَّمَلُّك الْمُشْتَقّ مِنْهُ كَمَا أَن الْكِتَابَة مَحْمُول على زيد فِي ضمن الْكَاتِب وَالْكَاتِب مَحْمُول عَلَيْهِ بالاشتقاق وَلِهَذَا سمي هَذَا الْحمل بالاشتقاق وَقس عَلَيْهِ زيد فِي الدَّار وَزيد أَب لعَمْرو فَإِن الْمَحْمُول فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْإِضَافَة الَّتِي بَين زيد وداره وَبَين زيد وَعَمْرو وَهِي الظَّرْفِيَّة والأبوة والنبوة.
وَأما حمل المواطأة فَهُوَ حمل شَيْء بقول على مثل الْإِنْسَان حَيَوَان يَعْنِي الْحَيَوَان مَحْمُول على الْإِنْسَان وَحَقِيقَته هُوَ هُوَ. وَبِعِبَارَة أُخْرَى نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع إِن كَانَت بِلَا وَاسِطَة وَهُوَ القَوْل على الشَّيْء فَهِيَ الْحمل بالمواطأة وَهَذَا الْحمل يرجع إِلَى اتِّحَاد المتغائرين فِي نَحْو من اتِّحَاد الْوُجُود بِحَسب نَحْو آخر من أنحائه فَإِن كَانَ الْمَحْمُول ذاتيا فَهُوَ حمل بِالذَّاتِ أَو عرضيا فَهُوَ حمل بِالْعرضِ. فَفِي حمل الذاتيات اتِّحَاد بِالذَّاتِ وَفِي حمل العرضيات اتِّحَاد بِالْعرضِ.
ثمَّ اعْلَم أَن الْحمل بالمواطأة يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: الأول: حمل الشَّيْء على نَفسه، وَالثَّانِي: الْحمل الْمُتَعَارف وَيُسمى الْحمل الشَّائِع أَيْضا. ثمَّ من الْقسم الأول الْحمل الأولي وَهُوَ يُفِيد أَن الْمَحْمُول هُوَ بِعَيْنِه عنوان حَقِيقَة الْمَوْضُوع وَإِنَّمَا سمي حملا أوليا لكَونه أولي الصدْق أَو الْكَذِب. وَمِنْه حمل الشَّيْء على نَفسه مَعَ تغاير بَين الطَّرفَيْنِ بِأَن يُؤْخَذ. أَحدهمَا: مَعَ حيثية أَو بِدُونِ التغاير بَينهمَا بِأَن يتَكَرَّر الِالْتِفَات إِلَى شَيْء وَاحِد ذاتا واعتبارا فَيحمل ذَلِك الشَّيْء على نَفسه من غير أَن يَتَعَدَّد الملتفت إِلَيْهِ وَالْأول صَحِيح غير مُفِيد وَالثَّانِي غير صَحِيح وَغير مُفِيد ضَرُورَة أَنه لَا يعقل النِّسْبَة إِلَّا بَين اثْنَيْنِ وَلَا يُمكن أَن يتَعَلَّق بِشَيْء وَاحِد التفاتان من نفس وَاحِدَة فِي زمَان وَاحِد والتغاير من جِهَة الِالْتِفَات لَا يَكْفِي هَا هُنَا لِأَن الِالْتِفَات لَا يلْتَفت إِلَيْهِ حِين الِالْتِفَات والتعدد فِي الِالْتِفَات لَا يتَصَوَّر إِلَّا بالتعدد فِي أحد هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة الملتفت والملتفت إِلَيْهِ وَالزَّمَان. وَالْحمل الْمُتَعَارف يُفِيد أَن يكون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو مَا هُوَ فَرد لأَحَدهمَا فَرد للْآخر وَإِنَّمَا سمي متعارفا لتعارفه وشيوع اسْتِعْمَاله.
وَرُبمَا يُطلق الْحمل الْمُتَعَارف فِي الْمنطق على الْحمل المتحقق فِي المحصورات سَوَاء كَانَت حَقِيقَة كَمَا هُوَ الظَّاهِر أَو حكما كالمهملات. فالحمل فِي قَوْلنَا الْإِنْسَان كَاتب مُتَعَارَف على كلا الاصطلاحين وَفِي قَوْلنَا الْإِنْسَان نوع مُتَعَارَف على الِاصْطِلَاح الأول وَغير مُتَعَارَف على الِاصْطِلَاح الثَّانِي.
ثمَّ اعْلَم أَن الفارابي جعل الْحمل على أَرْبَعَة أَقسَام: حمل الْكَلْبِيّ على الجزئي مثل زيد إِنْسَان. وَحمل الْكَلْبِيّ على الْكُلِّي مثل الْإِنْسَان حَيَوَان وَالْإِنْسَان إِنْسَان وَحمل الجزئي على الجزئي مثل هَذَا زيد وَهَذَا الْإِنْسَان هَذَا الْكَاتِب. قَالَ الْفَاضِل الزَّاهِد فِي الْهَامِش على حَوَاشِيه على شرح المواقف أَن الأول وَالثَّالِث حمل مُتَعَارَف وَالْمرَاد بالفرد الْوَاقِع فِي تَعْرِيفه مَا صدق عَلَيْهِ مُطلقًا. وَالثَّانِي يحْتَمل أَن يكون متعارفا أَو غير مُتَعَارَف لِامْتِنَاع أَن يصدق جزئي على جزئي آخر إِلَّا بِأَن يكون الجزئي حِصَّة كحصة من الْإِنْسَان أَو الْكَاتِب فَحمل تِلْكَ الْحصَّة حملا متعارفا على حِصَّة أَو على جزئي آخر أَو عَكسه بِالنّظرِ إِلَى الْوُجُود بِالذَّاتِ أَو الْوُجُود بِالْعرضِ انْتهى.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على شرح الشمسية كَون الجزئي الْحَقِيقِيّ مقولا على وَاحِد إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر وَإِمَّا بِحَسب الْحَقِيقَة فالجزئي الْحَقِيقِيّ لَا يكون مَحْمُولا مقولا على شَيْء أصلا بل يُقَال وَيحمل عَلَيْهِ المفهومات الْكُلية فَهُوَ مقول عَلَيْهِ لَا مقول بِهِ وَكَيف لَا وَحمله على نَفسه لَا يتَصَوَّر قطعا إِذْ لَا بُد فِي الْحمل الَّذِي هُوَ النِّسْبَة بَين الْمَوْضُوع والمحمول أَن تكون بَين أَمريْن متغائرين وَحمله على غَيره بِأَن يُقَال زيد عَمْرو إِيجَابا مُمْتَنع أَيْضا وَأما قَوْلك هَذَا زيد فَلَا بُد فِيهِ من التَّأْوِيل لِأَن هَذَا إِشَارَة إِلَى الشَّخْص الْمعِين فَلَا يُرَاد بزيد ذَلِك الشَّخْص الْمعِين وَإِلَّا فَلَا حمل من حَيْثُ الْمَعْنى كَمَا عرفت بل يُرَاد مَفْهُوم مُسَمّى بزيد أَو صَاحب اسْم زيد وَهَذَا الْمَفْهُوم كلي. وَإِن فرض انحصاره فِي شخص وَاحِد فالمحمول أَعنِي الْمَقُول على غَيره لَا يكون إِلَّا كليا انْتهى.
وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله قَوْله لَا يكون مقولا على شَيْء لِأَن منَاط الْحمل الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن وجودا وَاحِدًا قَائِم بهما لِامْتِنَاع قيام الْعرض الْوَاحِد بمحلين بل مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود لأَحَدهمَا بالإصالة وَللْآخر بالتبع بِأَن يكون منتزعا عَنهُ وَلَا شكّ أَن الجزئي هُوَ الْمَوْجُود إصالة والأمور الْكُلية سَوَاء كَانَت ذاتية أَو عرضية منتزعة عَنهُ على مَا هُوَ تَحْقِيق الْمُتَأَخِّرين. فَالْحكم باتحاد الْأُمُور الْكُلية مَعَ الجزئي صَحِيح دون الْعَكْس فَإِن وَقع مَحْمُولا كَمَا فِي بعض الْإِنْسَان زيد فَهُوَ مَحْمُول على الْعَكْس أَو على التَّأْوِيل فَانْدفع مَا قيل إِنَّه يجوز أَن يُقَال زيد إِنْسَان فليجز الْإِنْسَان زيد لِأَن الِاتِّحَاد من الْجَانِبَيْنِ فَظهر أَنه لَا يُمكن حمله على الْكُلِّي وَأما على الجزئي فَلِأَنَّهُ إِمَّا نَفسه بِحَيْثُ لَا تغاير بَينهمَا أصلا بِوَجْه من الْوُجُوه حَتَّى بالملاحظة والالتفات على مَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين لَهُ إِذا لوحظ شخص مرَّتَيْنِ وَقيل زيد زيد كَانَ مغائرا بِحَسب الملاحظة وَالِاعْتِبَار قطعا وَيَكْفِي هَذَا الْقدر من التغاير فِي الْحمل فَلَا يُمكن تصور الْحمل بَينهمَا فضلا عَن إِمْكَانه. وَإِمَّا جزئي آخر مغائر لَهُ وَلَو بالملاحظة والالتفات فالحمل وَإِن كَانَ يتَحَقَّق ظَاهرا لكنه فِي الْحَقِيقَة حكم بتصادق الاعتبارين على ذَات وَاحِدَة فَإِن معنى الْمِثَال الْمَذْكُور أَن زيدا الْمدْرك أَولا هُوَ زيد الْمدْرك ثَانِيًا. وَالْمَقْصُود مِنْهُ تصادق الاعتبارين عَلَيْهِ وَكَذَا فِي قَوْلك هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب الْمَقْصُود اجْتِمَاع الوصفين فِيهِ فَفِي الْحَقِيقَة الجزئي مقول عَلَيْهِ للاعتبارين. نعم على القَوْل بِوُجُود الْكُلِّي الطبيعي فِي الْخَارِج حَقِيقَة كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين والوجود الْوَاحِد إِنَّمَا قَامَ بالأمور المتعددة من حَيْثُ الْوحدَة لَا من حَيْثُ التَّعَدُّد يَصح حمله على الْكُلِّي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود والاتحاد من الْجَانِبَيْنِ وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيّ على مَا نقل عَن الفارابي وَالشَّيْخ من صِحَة حمل الجزئي انْتهى.
وَقَالَ الباقر فِي الْأُفق الْمُبين نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع إِمَّا بِوُجُود (فِي) أَو توَسط (ذُو) أَو (لَهُ) بَين هُوَ هُوَ وَيُقَال لَهَا الْحمل الاشتقاقي. وَإِمَّا بقول (على) وَيُقَال لَهَا حمل المواطأة أَي الِاتِّحَاد بَين الشَّيْئَيْنِ بهو هُوَ وَهُوَ يُفِيد إِعْطَاء الِاسْم وَالْحَد وَيُشبه أَن يكون قَول الْحمل عَلَيْهِمَا باشتراك الِاسْم أَي بالاشتراك اللَّفْظِيّ دون الْمَعْنى وَالْآخر وَهُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية الحملية حَقِيقَة اتِّحَاد المتغائرين فِي نَحْو من أنحاء لحاظ التعقل بِحَسب نَحْو آخر من أنحاء الْوُجُود اتحادا بِالذَّاتِ أَو بِالْعرضِ وَفَوق ذَلِك ذكر سيقرع سَمعك إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَفْصِيله فِي تبصرة حمل شَيْء على شَيْء. إِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَوْضُوع هُوَ بِعَيْنِه أَخذ مَحْمُولا على أَن يتَكَرَّر إِدْرَاك شَيْء وَاحِد بِتَكَرُّر الِالْتِفَات إِلَيْهِ من دون تكَرر فِي الْمدْرك والملتفت إِلَيْهِ أصلا وَلَو بِالِاعْتِبَارِ وَهُوَ حمل الشَّيْء على نَفسه وتأبى الضَّرُورَة الفطرية إِلَّا أَن تشهد بِبُطْلَانِهِ وَإِن وَقع بعض الأذهان فِي مَخْمَصَة تجويزه فَإِن صَحَّ فَكيف يَصح أَن تلْتَفت نفس وَاحِدَة إِلَى مَفْهُوم وَاحِد ذاتا واعتبارا فِي زمَان بِعَيْنِه مرَّتَيْنِ. وَإِمَّا أَن يَعْنِي ذَلِك لَكِن على أَن يَجْعَل تكَرر الْإِدْرَاك حيثية تقيدية يتكثر بحسبها الْمدْرك فَيحكم بِأَن الْمدْرك بِأحد الإدراكين هُوَ نفس الْمدْرك بالإدراك الآخر وَلَا يلحظ تعددا إِلَّا من تِلْكَ الْجِهَة وَهُوَ الَّذِي يُقَال إِنَّه ضرب مَنْصُور من حمل الشَّيْء على نَفسه وَلكنه هدر غير مُفِيد. وَإِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَحْمُول هُوَ بِعَيْنِه نفس الْمَوْضُوع بعد أَن يلحظ التغاير الاعتباري أَي هُوَ بِعَيْنِه عنوان حَقِيقَته لَا أَن يقْتَصر على مُجَرّد الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَيُسمى الْحمل الأولي الذاتي لكَونه أولى الصدْق أَو الْكَذِب غير معنى بِهِ إِلَّا أَن هَذَا الْمَفْهُوم هُوَ نفس ذَاته وعنوان حَقِيقَته. فَإِذا اعْتبر بَين المفهومات المتغائرة فِي جليل النّظر رُبمَا احْتِيجَ تعْيين الْإِيجَاب أَو السَّلب إِلَى تَدْقِيقه كَمَا يَقُول الْوُجُود هُوَ الْمَاهِيّة أَو لَيْسَ والوجود هُوَ الْوحدَة أَو لَيْسَ يحْتَاج فِي الأذهان إِلَى الْبُرْهَان. وَإِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ مُجَرّد اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمول ذاتا ووجودا وَيرجع إِلَى كَون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو كَون مَا هُوَ فَرد أَحدهمَا هُوَ فَرد الآخر وَيُسمى الْحمل الْعرفِيّ الْمُتَعَارف لشيوعه بِحَسب التعارف الصناعي وينقسم بِحَسب كَون الْمَحْمُول ذاتيا للموضوع أَو عرضيا لَهُ إِلَى الْحمل بِالذَّاتِ وَالْحمل بِالْعرضِ.
ثمَّ إِن فِي الْحمل الْمُتَعَارف قد يكون الْمَوْضُوع فَردا حَقِيقِيًّا للمحمول وَهُوَ مَا يكون أخص بِحَسب الصدْق كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان وَقد يكون فَردا اعتباريا وَهُوَ مَا يكون أخصيته بِحَسب نَحْو الِاعْتِبَار كمفهوم الْمَوْجُود الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعْيِينه وَكَذَلِكَ الْمُمكن الْعَام وَالْمَفْهُوم والكلي وَمَا ضاهاها فتلطف فِي سرك تنتصر انْتهى. وَإِنَّمَا قَالَ وَيُشبه الخ لِأَن معنى حمل المواطأة أَعنِي الِاتِّحَاد الْمَخْصُوص لَا يصلح مقسمًا لَهُ وللحمل الاشتقاقي كَمَا لَا يخفى.
وَفِي الْأَسْفَار اعْلَم أَن حمل الشَّيْء على الشَّيْء واتحاده مَعَه يتَصَوَّر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: الشَّائِع الصناعي الْمُسَمّى بِالْحملِ الْمُتَعَارف وَهُوَ عبارَة عَن مُجَرّد اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمل ووجودا وَيرجع إِلَى كَون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد مَفْهُوم الْمَحْمُول سَوَاء كَانَ الحكم على نفس مَفْهُوم الْمَوْضُوع كَمَا فِي الْقَضِيَّة الطبيعية أَو على أَفْرَاده كَمَا فِي القضايا المتعارفة من المحصورات وَغَيرهَا سَوَاء كَانَ الْمَحْكُوم بِهِ ذاتيا للمحكوم عَلَيْهِ وَيُقَال لَهُ الْحمل بِالذَّاتِ أَو عرضيا لَهُ وَيُقَال لَهُ الْحمل بِالْعرضِ والجميع يُسمى حملا عرضيا. وَثَانِيهمَا: أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَوْضُوع هُوَ بِعَيْنِه نفس مَاهِيَّة الْمَحْمُول وَمَفْهُومه بعد أَن يلحظ نَحْو من التغاير أَي هَذَا بِعَيْنِه عنوان مَاهِيَّة ذَلِك لَا أَن يقْتَصر على مُجَرّد الِاتِّحَاد فِي الذَّات والوجود وَيُسمى حملا ذاتيا أوليا. أما ذاتيا فلكونه لَا يجْرِي وَلَا يصدق إِلَّا فِي الذاتيات. وَأما أوليا فلكونه أولى الصدْق أَو الْكَذِب. فكثيرا مَا يصدق ويكذب مَحْمُول وَاحِد على مَوْضُوع وَاحِد بل مَفْهُوم وَاحِد على نَفسه بِخِلَاف اخْتِلَاف هذَيْن الحملين كالجزئي واللامفهوم واللاممكن بالإمكان الْعَام واللاموجود بالوجود الْمُطلق وَعدم الْعَدَم والحرف وَشريك الْبَارِي والنقيضين وَلذَلِك اعْتبرت فِي التَّنَاقُض وحدة أُخْرَى سوى المشروطات الثَّمَانِية الْمَشْهُورَة وَتلك هِيَ وحدة الْحمل والجزئي مثلا جزئي بِالْحملِ الذاتي لَيْسَ بجزئي بل كلي بِالْحملِ الْمُتَعَارف وَمَفْهُوم الْحَرْف حرف بِالْأولِ اسْم بِالثَّانِي انْتهى. وَإِنَّمَا أطنبت الْكَلَام. فِي هَذَا الْمقَام. لِأَنَّهُ زل فِيهِ اقدام الْإِعْلَام. ونقلت أَيْضا مَا ذكره الْعلمَاء الْكِرَام. عَسى أَن يَتَّضِح بِهِ المرام. حمل النقيض على النقيض: جَائِز عِنْد الْجُمْهُور. فَإِن قلت. حق النقيض أَن يكون مُخَالفا للنقيض لَا مُوَافقا لَهُ فَكيف يحمل أَحدهمَا على الآخر. قلت: النقيض لَهُ طرفان طرف للثبوت وطرف للنَّفْي فَيحمل أَحدهمَا على الآخر لاشْتِرَاكهمَا فِي كَونهمَا طرفين فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة حمل النظير لَا حمل النقيض على النقيض وَقد نبه على هَذَا الشَّيْخ عبد القاهر قدس سره فِي النظير.
(بَاب الْحمل)
يُقالُ للمرأةِ أَوَّلُ مَا تَحْمِلُ (280) : قد نُسِئَتْ تُنْسَأُ نَسْأً، وامرأةٌ نَسِئٌ ونِسْوَةٌ نَسْئٌ ونُسُوءٌ. ثُمَّ يُقالُ لَهَا: حامِلٌ وحُبْلَى. والحَبَلُ إنَّما هُوَ الامتلاءُ. ويُقالُ: حِبِلَ الرجلُ من الشرابِ: إِذا امتلأَ مِنْهُ، ورَجُلٌ حَبْلانُ، وامرأةٌ حَبْلَى. وكأَنَّ الحُبْلَى مُشْتَقٌ من ذَلِك. ورجلٌ حَبْلانُ: إِذا امْتَلَأَ غَضَباً. ويُقال لَهَا إِذا عَظُمَ بَطْنُها: امرأةٌ مُثْقِلٌ، وَقد أَثْقَلَتْ، وَمِنْه قولُ اللهِ عزَّ وجّلَّ: (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) (281) . ويُقالُ [أَيْضا] : امرأةٌ مُجِحٌ، للحامِلِ المُقْرِبِ. وأَصْلُ ذَلِك فِيويُقالُ لبَيْضِها: المَكْنُ، والواحدةُ مَكْنَةٌ. ويُقالُ فِي (308) مِثْلِ ذلكَ مِن ذِي الجَناحِ: جَمَّعَ الطائرُ تَجْمِيعاً. وأَمْكَنَتِ الجرادةُ إِذا جَمَعَتِ البَيْضَ [فِي جوفِها] . وسَرَأَتْ: إِذا باضَتْ، وسَرْؤُها: بَيْضُها مِثالُ سَوْعِها (309) . ويُقالُ: أَرْتَجَتِ الدَّجاجةُ، إِذا امتلأَ بَطْنُها بَيْضاً وأَمْكَنَتْ فَهِيَ مَكُونٌ. ويُقالُ: أَقْطَعَتْ وأَقْفَّتْ، إِذا انقَطَعَ بَيْضُها.

الأمر

الأمر: اقتضاء فعل غير كف، مدلول عليه بغير لفظ كف، ولا يعبر به علو ولا استعلاء على الأصح.
الأمْر: هو في لغة العرب عبارة عن استعمال صِيَغِ الأمر على سبيل الاستعلاء وعرَّفوه: بأنه كلام تامٌّ دال على طلب الفعل على سبيل الاستعلاء، وعند الصوفية: عالم الأمر يطلق على عالمٍ وجد بلا مادَّة الشريعة، وعالمُ الخلق ما وُجد بمدةٍ ومادةٍ.
الأمر:
[في الانكليزية] Apostrophe ،supernatural world
[ في الفرنسية] Apostrophe ،le monde surnaturel
بفتح الألف وسكون الميم في لغة العرب عبارة عن استعمال صيغ الأمر كنزال وأنزل ولينزل وصه على سبيل الاستعلاء، كذا ذكره السيّد السّند في حاشية المطول ناقلا عن المفتاح. وعند المتصوّفة يطلق على عالم وجد بلا مدة ومادة كما في كشف اللغات حيث قال:
أمر بالفتح «كار وفرمان» بالفارسية، وفي اصطلاح المتصوّفة: الأمر: هو عالم بدون مادّة ولا مدّة مثل: عقول ونفوس. وهذا ما يدعونه عالم الأمر وعالم الملكوت وعالم الغيب. وقيل عالم الأمر ما لا يدخل تحت المساحة والمقدار ويجيء في لفظ العالم. وأمّا عند أهل العربية فالنحاة منهم على أنه ما يطلب به الفعل من الفاعل المخاطب بحذف حرف المضارعة سواء طلب على وجه الاستعلاء أو لا على ما قال الرضي. والصرفيون منهم على أنه يشتمل الأمر بغير اللام وباللام، صرّح بذلك في الأطول.
ويؤيده ما قال المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية: الأمر في ألسنة الصرفيين يشتمل الأمر باللام وهو الاصطلاح المشتهر بين المحصّلين. وقال في تعريف المعرب النحوي لا يسمّي ما هو باللام أمرا بل مضارعا مجزوما والأمر باصطلاحه ما هو بغير اللام. لكن في المطول ما يخالفه حيث قال: والقسمان الأوّلان أي الصيغة المقترنة باللام وغير المقترنة بها سمّاهما النحويون أمرا [قال في الأطول:
وسمّاها الصرفيون] سواء استعملا في حقيقة الأمر أو في غيرها حتى أن لفظ اغفر فيّ:
اللهم اغفر لي أمر عندهم. ووجه التسمية غلبة استعمالهما في حقيقة الأمر أعني طلب الفعل على سبيل الاستعلاء انتهى.
أما أسماء الأفعال التي هي بمعنى الأمر فليست بأمر عند الفريقين، لأن الأمر عندهم من أقسام الفعل. وأهل المعاني على أن صيغ الأمر ثلاثة أقسام: المقترنة باللام الجازمة وغير المقترنة بها. والاسم الدّال على طلب الفعل من أسماء الأفعال. وعرّفوه بأنه كلام تام دالّ على طلب الفعل على سبيل الاستعلاء وضعا على ما في الأطول، وهكذا عند الأصوليين والمتكلّمين والمنطقيين، إلّا أنه قد يطلق الأمر عند جمهور الأصوليين على الفعل أيضا مجازا كما ستعرف.
فالكلام جنس. والتامّ صفة كاشفة. وقوله دال على طلب الفعل احتراز عمّا لا يدلّ على الطلب أصلا، وعمّا يدلّ عليه لكن لا يدل على طلب الفعل، بل على طلب الكفّ كالنهي.
وقوله على سبيل الاستعلاء احتراز عن الدعاء والالتماس. وقوله وضعا احتراز عن نحو أطلب منك الفعل فإنه ليس بأمر إذ لم توضع صيغة اطلب أي صيغة المضارع المتكلم للطلب، فإنّ المراد بالوضع الوضع النوعي لا الشخصي.
قيل يخرج عن الحدّ كفّ نفسك عن كذا.
وأجيب بأن الــحيثية معتبرة فإن الــحيثية كثيرا ما تحذف سيّما في التعريفات للشهرة على ما ستعرف في لفظ الأصل فإن الكفّ له اعتباران.
أحدهما من حيث ذاته وأنه فعل في نفسه وبهذا الاعتبار هو مطلوب قولك: كفّ عن الزنا مثلا.
والثاني من حيث أنه كفّ عن فعل وحال من أحواله وآلة لملاحظته، وبهذا الاعتبار هو مطلوب لا تزن مثلا. فإذا قيل طلب فعل من حيث أنه فعل دخل فيه كفّ عن الزنا وخرج لا تزن.
ثم اعلم أنّ اشتراط الاستعلاء هو مذهب البعض كأبي الحسن ومن تبعه. والمراد بالاستعلاء طلب العلوّ وعدّ الطالب نفسه عاليا، سواء كان في نفسه عاليا أو لا. ورأى الأشعري إهمال هذا الشرط. والمعتزلة يشترطون العلوّ.
وإنّما قلنا والمراد بالاستعلاء كذا لأن لفظ الاستعلاء بهذا المعنى من مصنوعات المصنفين، وإلّا ففي الصحاح استعلى الرجل أي علا واستعلاه أي علاه. فظاهر التعريف يوافق مذهب المعتزلة، هكذا ذكر صاحب الأطول.
وإنما اشترط الاستعلاء لأن من هو أعلى رتبة من الغير لو قال له على سبيل التضرّع افعل، لا يقال إنه امره. ولو قال من هو أدنى رتبة لمن هو أعلى منه افعل على سبيل الأمر يقال إنه أمره، ولهذا يصفونه بالجهل والحمق. فعلم أن ملاك الأمر هو الاستعلاء. وقوله تعالى حكاية عن فرعون: فَماذا تَأْمُرُونَ مجاز عن تشيرون للقطع بأن الطلب على سبيل التضرّع أو التساوي لا يسمّى أمرا لا لغة ولا اصطلاحا.
واعلم أنّه لا نزاع في أنّ الأمر كما يطلق على نفس الصيغة كذلك يطلق على التكلّم بالصيغة، وطلب الفعل على سبيل الاستعلاء.
وبالاعتبار الثاني وهو كون الأمر بمعنى المصدر يشتق منه الفعل وغيره مثل أمر يأمر والآمر والمأمور وغير ذلك كذا في التلويح. فهذا التعريف باعتبار الإطلاق الأول. وأما ما قيل من أن الأمر هو قول القائل استعلاء افعل فيمكن تطبيقه على كلا الاعتبارين، فإن القول يطلق بمعنى المقول وبمعنى المصدر. قيل المراد بقوله افعل ما اشتق من مصدره اشتقاق افعل من الفعل. وفيه أنه يخرج من التعريف حينئذ نحو ليفعل ونزال. وقيل المراد من افعل كل ما يدل على طلب الفعل من لغة العرب، ولا فساد في اختصاص التعريف بلغة العرب، لأنّ مقصود الأصوليين مراد الألفاظ العربية لمعرفة أحكام الشرع المستفاد من الكتاب والسنة لا غيرها، فدخل في الحدّ نحو ليفعل ونزال.
وقيل افعل كناية عن كل ما يدل على طلب الفعل من صيغ الأمر على أيّ لغة تكون وعلى أيّ وزن تكون. ويرد على طرد هذا التعريف أنّ صيغة افعل على سبيل الاستعلاء قد تكون للتهديد والتعجيز ونحو ذلك، فإنها ترد لخمسة عشر معنى وليست بأمر. ويقول العبد الضعيف في جوابه: إن هذا إنما يرد لو فسّر افعل بما اشتق من مصدره اشتقاق افعل من الفعل. وأما على التفسيرين الآخرين فلا يرد شيء. ويردّ على عكس هذا التعريف قول الأدنى للأعلى افعل تبليغا أو حكاية عن الآمر المستعلي، فإنه أمر وليس على طريق الاستعلاء من القائل. قيل مثله لا يعدّ في العرف مقول هذا القائل الأدنى بل مقول المبلّغ عنه وفيه استعلاء من جهته. أو قيل الأمر اقتضاء فعل غير كفّ على سبيل الاستعلاء، سواء كان في صيغة سمّاها أهل العربية أمرا أو نهيا أو لا، إذ الاعتبار للمعنى دون الصيغة، فاترك وكفّ ونحوهما نهي نظرا إلى المعنى وإن كان أمرا صيغة، ولا تكف ولا تترك ونحوهما أمر لا نهي انتهى. ولا يخفى أنه اصطلاح ولا مشاحة فيه.
اعلم أنّ من أثبت الكلام النفسي عرّف الأمر على ما هو النفسي من الطلب والاقتضاء وما يجري مجراهما، والنفسي هو الذي لا يختلف بالأوضاع واللغات. وإنما عرف به ليعلم أن اللفظي هو ما يدل عليه من أي لغة كانت.
ولذا قيل إنّ الأمر بالحقيقة هو ذلك الاقتضاء، والصيغة سمّيت به مجازا لدلالتها عليه كذا قيل. فالتعريفان الأولان يحتملان الأمر اللفظي والنفسي. وكذا ما قيل إنه طلب فعل غير كفّ على جهة الاستعلاء، فإنّ الطلب كما يطلق على المعنى المصدري كذلك يطلق على الكلام الدال على الطلب كما يجيء. وما قيل إنه اقتضاء فعل الخ تعريف للأمر النفسي.
اعلم أنه قد ذكر أصحابنا في الأمر وجوّها مزيفة وكذا المعتزلة. أما أصحابنا فقال القاضي: الأمر هو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به وارتضاه الجمهور، واعترض عليه بأنه مشتمل على الدّور، فإنّ المأمور الواقع في الحدّ مرتين مشتق من الأمر فيتوقف معرفته على معرفة الأمر وأيضا الطاعة موافقة للأمر. وأجيب بأنّا إذا عرّفنا الأمر بوجه ما ككونه كلاما كفانا ذلك في أن يعلم المخاطب به وهو المأمور وما يتضمّنه وهو المأمور به وفعل مضمونه وهو طاعة. والحاصل أن المأمور والمأمور به والطاعة لا تتوقف معرفتها على معرفة الأمر بحقيقته، بل على معرفته بوجه ما فلا دور. وقيل هو الخبر بالثواب عن الفعل تارة والعقاب على الترك تارة. ويرد عليه أنه يستلزم الثواب والعقاب حذرا عن الخلف في خبر الصادق وليس كذلك. أما الثواب فلجواز إحباط العمل بالرّدة، وأما العقاب فلجواز العفو والشفاعة. فالأولى أن يقال إنه الخبر باستحقاق الثواب على الفعل والعقاب على الترك. ويرد عليهما أنّ الخبر يستلزم إمّا الصدق أو الكذب والأمر من قبيل الإنشاء المباين للخبر فكيف يجعل أحد المتباينين جنسا للآخر. أمّا المعتزلة فلمّا أنكروا الكلام النفسي وكان الطلب نوعا منه لم يمكنهم تحديده به، فتارة حدّدوه باعتبار اللفظ فقالوا:
هو قول القائل لمن دونه افعل. ويرد عليه الإيرادان السابقان المذكوران في التعريف الثاني مع إيراد آخر وهو أن افعل إذا صدر عن الأدنى على سبيل الاستعلاء لا يكون أمرا. وأجيب بمنع كونه أمرا عندهم لغة وإن سمّي به عرفا.
والمراد بالقول هو اللفظ لأنهم لم يقولوا بالكلام النفسي. وقال قوم هو صيغة افعل مجرّدة عن القرائن الصارفة عن الأمر وفيه أنه تعريف للأمر بالأمر فيشتمل الدّور. وأجيب بأن الأمر المأخوذ في التعريف بمعنى الطلب. وتارة باعتبار ما يقترن بالصيغة من الإرادة. فقال قوم صيغة افعل بإرادات ثلاث: إرادة وجود اللفظ وإرادة دلالتها على الأمر وإرادة الامتثال.
واحترز بالأولى عن النائم إذ يصدر عنه صيغة افعل من غير إرادة وجود اللفظ وبالثانية عن التهديد والتخيير ونحو ذلك، وبالثالثة عن الصيغة التي تصدر عن المبلّغ والحاكي فإنه لا يريد الامتثال. ويرد عليه أن فيه تعريف الشيء بنفسه. وأجيب بأن المراد بالأمر الثاني هو الطلب. وغايته أنه استعمل اللفظ المشترك تعويلا على القرينة. وتارة باعتبار نفس الإرادة فقال قوم الأمر إرادة الفعل. وفيه أنه لو كان الأمر هو الإرادة لوقعت المأمورات كلها لأن الإرادة تخصّص المقدور بحال حدوثه، وإذا لم يوجد لم يحدث، فلا يتصوّر تخصيصه بحال حدوثه. قيل مبنى هذا على أن الإرادة من الله والعبد معنى واحد وأن إرادته فعل العبد يستلزم وقوعه، وهذا لا يطابق أصول المعتزلة وتمام تحقيقه في الكلام.
فائدة:
لفظ الأمر حقيقة في الصيغة بالاتفاق مجاز في الفعل عند الجمهور، وحقيقة عند البعض حتى يكون مشتركا. فقد ذهب أبو الحسين البصري إلى أن لفظ الأمر مشترك بين القول المخصوص والشيء والفعل والصفة والشأن لتردّد الذهن عند إطلاقه إلى هذه الأمور، وردّ بالمنع، بل يتبادر الذهن إلى القول المخصوص. وقيل هو حقيقة في القدر المشترك بين القول والفعل أعني هو مشترك معنوي ومتواطئ بينهما، وهو مفهوم أحدهما دفعا للاشتراك والمجاز. وبعضهم على أنه الفعل أعم من أن يكون باللسان أو بغيره.
ثم اختلفوا في أن صيغة الأمر لماذا وضعت. فقال الجمهور إنها حقيقة في الوجوب فقط. وقال أبو هاشم إنها حقيقة في الندب فقط. وقيل في الطلب وهو القدر المشترك بين الوجوب والندب. وقيل مشتركة بين الوجوب والندب اشتراكا لفظيّا. وقال الأشعري والقاضي بالتوقّف فيهما أي لا ندري أهو للوجوب أو الندب، وقيل مشتركة بين معان ثلاثة الوجوب والندب والإباحة. وقيل للقدر المشترك بين الثلاثة وهو الإذن. وقالت الشيعة هي مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة والتهديد.
فائدة:
ضد الأمر النهي أي كلام دالّ على طلب الكفّ من الفعل على سبيل الاستعلاء وضعا، أو هو قول القائل استعلاء لا تفعل، أو هو القول المقتضي طاعة المنهي بترك المنهي عنه، أو قول القائل لمن دونه لا تفعل مجرّدة عن القرائن الصارفة عن النهي، أو صيغة لا تفعل بإرادات ثلاث: وجود اللفظ ودلالته والامتثال، وعلى هذا القياس. وفوائد القيود والاعتراضات والأجوبة ما مرّت في لفظ الأمر، هذا كله خلاصة ما في العضدي وحاشيته للتفتازاني والتلويح والچلپي والمطول والأطول. وفي تعريفات السيد الجرجاني الأمر بالمعروف هو الإرشاد إلى المراشد المنجية والنهي عن المنكر الزجر عمّا لا يلائم في الشريعة. وقيل الأمر بالمعروف الدلالة على الخير والنهي عن المنكر المنع عن الشر. وقيل الأمر بالمعروف أمر بما يوافق الكتاب والسنة، والنهي عن المنكر نهي عمّا يميل إليه النفس والشهوة. وقيل الأمر بالمعروف إشارة إلى ما يرضي الله تعالى من أفعال العبد وأقواله والنهي عن المنكر تقبيح ما ينفر عنه الشريعة والعفة، وهو ما لا يجوز في دين الله تعالى انتهى.

علم الصرف

علم الصرف
وهو: علم يعرف منه أنواع المفردات الموضوعة بالوضع النوعي ومدلولاتها والهيئات الأصلية العامة للمفردات والهيئات التغيرية وكيفية تغيراتها عن هيئاتها الأصلية على الوجه الكلي بالمقايس الكلية كذا في الموضوعات.
وموضوعه: الصيغ المخصوصة من الــحيثية المذكورة.
وغرضه: ملكة يعرف بها ما ذكر من الأحوال.
وغايته: الاحتراز عن الخطأ من تلك الجهات.
ومباديه: مقدمات مستنبطة من تتبع استعمال العرب. وفي كشاف اصطلاحات الفنون علم الصرف ويسمى بعلم التصريف أيضا وهو: علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب ولا بناء هكذا قال ابن الحاجب والمراد من بناء الكلمة وكذا من صيغتها ووزنها هيئتها التي يمكن أن يشاركها فيها غيرها وهي عدد حروفها المرتبة وحركاتها المعينة وسكونها مع اعتبار حروفها الزائدة والأصلية كل في موضعه.
وموضوعه: هو الكلمة من حيث أن لها بناء ولا محذور في البحث عن قيد الــحيثية إذا كانت بيانا للموضوع فلا محذور في البحث عن الأبنية في هذا العلم ويؤيد هذا ما ذكروه في تقسيم العلوم العربية من أن الصرف يبحث فيه عن المفردات من حيث صورها وهيئاتها وكذا ما ذكر المحقق عبد الحكيم في حاشية شرح الجامي من أن التصريف والمعاني والبيان والبديع والنحو بل جميع العلوم الأدبية تشترك في أن موضوعها الكلمة والكلام إنما الفرق بينها بالحيثيات انتهى.
وفي شرح الشافية للجار بردي أن موضوعه الأبنية من حيث تعرض الأحوال لها والأبنية عبارة عن الحروف والحركات والسكنات الواقعة في الكلمة فيبحث عن الحروف من حيث أنها ثلاثة أو أربعة أو خمسة ومن حيث أنها زائدة أو أصلية وكيف يعرف الزائد عن الأصلي وعن الحركات والسكنات من أنها خفيفة أو ثقيلة.
فيخرج عن هذا العلم معرفة الأبنية ويدخل فيه معرفة أحوالها لأن الصرف علم بقواعد تعرف بها أحوال الأبنية أي الماضي والمضارع والأمر الحاضر إلى غير ذلك فإن جميع ذلك أحوال راجعة إلى أحوال الأبنية لا إلى نفس الأبنية انتهى.
فعلى هذا إضافة أحوال الأبنية ليست بيانية ويرد عليه أن الماضي ونحوه ليس بناء ولا حال بناء بل هو شيء ذو بناء وأضعف منه ما وقع في بعض كتب الصرف من أن موضوعه الأصول والقواعد.
ومباديه: حدود ما تتبنى عليه مسائله كحد الكلمة والاسم والفعل والحرف ومقدمات حججها أي أجزاء على المسائل كقولهم: إنما يوقع الإعلال في الكلمة لإزالة الثقل منها
ومسائله الأحكام المتعلقة بالموضوع كقولهم: الكلمة إما مجردة أو مزيدة أو جزئه كقولهم: ابتداء الكلمة لا يكون ساكنا أو جزئية كقولهم: الاسم إما ثلاثي أو رباعي أو خماسي أو عرضه كقولهم الإعلال إما بالقلب أو الحذف أو الإسكان.
وغايته: غاية الجدوى حيث يحتاج إليه جميع العلوم العربية والشرعية كعلم التفسير والحديث والفقه والكلام ولذا قيل أن الصرف أم العلوم والنحو أبوها.
قال الرضي: إن التصريف جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصيغة والتصريف على ما حكى سيبويه عنهم هو أن تبني من الكلمة بناء لم تبنه العرب على وزن ما بنته ثم تعمل في البناء الذي بنيته ما يقتضيه قياس كلامهم كما يتبين في مسائل التمرين والمتأخرون على أن التصريف علم بأبنية الكلمة وبما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وحذف وصحة وإعلال وإدغام وإمالة وبما يعرض لآخرها مما ليس بإعراب ولا بناء من الوقف وغير ذلك انتهى.
فالصرف والتصريف عند المتأخرين مترادفان والتصريف على ما حكى سيبويه عنهم جزء من الصرف الذي هو جزء من أجزاء النحو انتهى ما في الكشاف وقد أطال الكلام على قيود حد الصرف تركنا ذكره ههنا لقلة فائدته في هذا الكتاب.
قال في مدينة العلوم: إن أول من دون علم الصرف أبو عثمان المازني البصري ومن شعره:
شيئان يعجز ذو الرياضة عنهما ... رأي النساء وإمرة الصبيان
أما النساء فإنهن عواهر ... وأخو الصبا يجري بغير عنان
وصنف في التصريف أبو الفتح بن جني مختصرا سماه التصريف الملوكي وصنف ابن مالك في ضروري التصريف مختصرا وشرحه ووسمه بالتعريف من المتوسطات في هذا العلم كتاب ابن الحاجب المسمى بالشافية وأمثلها الممتع1 لابن عصفور علي بن مؤمن الإشبيلي وشرح الشافية لأحمد بن حسن الجاربردي ولرضي الدين الأسترآبادي ولحسن بن محمد النيسابوري المشهور بالنظام الأعرج وشرحه ممزوج مشهور متداول ومما اشتهر في ديارنا مختصر مسمى بالمقصد وهو كتاب مبارك مشهور بأيدي الناس اليوم وعليه شروح مفيدة مشهورة عند أبناء الزمان ومختصر لعز الدين عبد الوهاب بن إبراهيم الزنجاني وله التصريف المشهور بتصريف العزي وعلى مختصره شروح أفضلها وأحسنها شرح السعد التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني.
ومن المختصرات: مراح الأرواح لأحمد بن علي بن مسعود وعليه شروح مفيدة يعرفها المتأدبون من الصبيان.
وأكثر المصنفات في علم النحو مذيلة بعلم التصريف ومختصر النجاح مفيد في الغاية لكنه غير مشهور وهو لحسام الدين الصغنافي شارح الهداية ومختصر نزهة الطرف في علم الصرف للميداني انتهى ملخصا.
وتركت ما ذكر من تراجم علماء الصرف تحت كل كتاب مذكور فإنه ليس من غرضنا في هذا الموضع.
قال في كشف الظنون ومن الكتب المصنفة في الصرف أساس الصرف تصريف الأفعال جامع الصرف عنقود للزواهر قصارى لامية الأفعال مقصود مضبوط مطلوب منازل الأبنية نجاح هارون انتهى.
قلت: ومنها نقود الصرف للشيخ المفتي ولي الله الفرخ آبادي وفصول أكبري وشفاء الشافية للشيخ المولوي عبد الباسط القنوجي وبنج كنج وصرف مير للسيد الشريف الجرجاني رحمه الله.
ورسائل أخرى وهي كثيرة جدا متداولة بين الصبيان ومؤدبيهم وهي بالفارسية والعربية.

الحرمة

الحرمة:
[في الانكليزية] Holy thing ،taboo ،prohibition
[ في الفرنسية] Chose sacree ،tabou ،interdiction
بالضم وسكون الراء في الشرع هو الحكم بطلب ترك فعل ينتهض فعله سببا للعقاب ويسمّى بالتحريم أيضا. وذلك الفعل يسمّى حراما ومحظورا. قالوا الحرمة والتحريم متّحدان ذاتا ومختلفان اعتبارا وستعرف في لفظ الحكم.
فالطلب احتراز عن غير الطلب. وبقيد ترك فعل خرج الواجب والمندوب. وبقولنا ينتهض فعله الخ خرج المكروه. وفي قولنا سببا للعقاب إشارة إلى أنّه يجوز العفو على الفعل. وقيد الــحيثية معتبر أي ينتهض فعله سببا للعقاب من حيث هو فعل فخرج المباح المستلزم فعله ترك واجب كالاشتغال بالأكل والشرب وقت الصلاة إلى أن فاتت، فإنّ فعل مثل هذا المباح ليس سببا للعقاب من حيث إنّه فعل مباح بل من جهة أنّه مستلزم لترك واجب. إن قيل يخرج من الحدّ المحظور المخير وهو أن يكون المحرم واحدا لا بعينه من أمور متعددة كما إذا قال الشارع هذا حرام أو هذا فلا ينتهض فعل البعض وترك البعض سببا للعقاب، بل يكون فعل الجميع سببا له، فاختص الحدّ بالمحظور المعين. قلت المراد بانتهاض فعله سببا للعقاب هو الانتهاض بوجه ما وهو في المحظور المخيّر أن يفعل جميع الأمور. ولهذا قيل الحرام ما ينتهض فعله سببا للذم شرعا بوجه ما من حيث هو فعل له.
فالقيد الأول احتراز عن الواجب والمندوب والمكروه والمباح، والثاني أي قوله بوجه ما ليشتمل المحظور المخيّر وقيد الــحيثية للاحتراز عن المباح المستلزم فعله ترك واجب.
اعلم أنّ أبا حنيفة وأبا يوسف رحمهما الله لم يقولا بإطلاق الحرام على ما ثبت حرمته بدليل قطعي أو ظني، ومحمّد رحمه الله يقول إنّ ما ثبت حرمته بدليل قطعي فهو حرام ويعرّف الحرام بما كان تركه أولى من فعله مع منع الفعل وثبت ذلك بدليل قطعي، فإن ثبت بدليل ظنّي يسمّى مكروها كراهة التحريم ويجيء في لفظ الحكم. ثم الحرام عند المعتزلة فيما تدرك جهة قبحه بالعقل هو ما اشتمل على مفسدة ويجيء في لفظ الحسن.
التقسيم
الحرام قد يكون حراما لعينه وقد يكون حراما لغيره. توضيحه أنّه قد يضاف الحلّ والحرمة إلى الأعيان كحرمة الميتة والخمر والأمهات ونحو ذلك. وكثير من المحققين على أنّه مجاز من باب إطلاق اسم المحلّ على الحال أو هو مبني على حذف المضاف أي حرّم أكل الميتة وشرب الخمر ونكاح الأمهات لدلالة العقل على الحذف. وذهب بعضهم إلى أنه حقيقة لوجهين. أحدهما أنّ الحرمة معناها المنع ومنه حرم مكّة وحريم البئر، فمعنى حرمة الفعل كونه ممنوعا بمعنى أنّ المكلّف منع من اكتسابه وتحصيله. ومعنى حرمة العين أنها منعت من العبد تصرفا فيها فحرمة الفعل من قبيل منع الرجل عن الشيء كما يقال للغلام لا تشرب هذا الماء. ومعنى حرمة العين منع الشيء عن الرجل بأن يصب الماء مثلا وهو أوكد. وثانيهما أنّ معنى حرمة العين خروجها عن أن يكون محلا شرعا كما أنّ معنى حرمة الفعل خروجه عن الاعتبار شرعا. فالخروج عن الاعتبار متحقّق فيهما فلا يكون مجازا، وخروج العين عن أن يكون محلا للفعل يستلزم منع الفعل بطريق أوكد وألزم بحيث لا يبقى احتمال الفعل أصلا، فنفي الفعل فيه وإن كان طبعا أقوى من نفيه إذا كان مقصودا. ولمّا لاح على هذا الكلام أثر الضعف بناء على أنّ الحرمة في الشرع قد نقلت عن معناه اللغوي إلى كون الفعل ممنوعا عنه شرعا، وكونه بحيث يعاقب فاعله، وكان مع ذلك إضافة الحرمة إلى بعض الأعيان مستحسنة جدا كحرمة الميتة والخمر دون البعض كحرمة خبز الغير، سلك صدر الشريعة في ذلك طريقة متوسطة، وهو أنّ الفعل الحرام نوعان. أحدهما ما يكون منشأ حرمته عين ذلك المحل كحرمة أكل الميتة وشرب الخمر ويسمّى حراما لعينه. والثاني ما يكون منشأ الحرمة غير ذلك المحلّ كحرمة أكل مال الغير فإنها ليست لنفس ذلك المال، بل لكونه ملك الغير. فالأكل ممنوع لكن المحل قابل للأكل في الجملة بأن يأكله مالكه، بخلاف الأولى فإنّ المحلّ قد خرج عن قابلية الفعل، ولزم من ذلك عدم الفعل ضرورة عدم محله ففي الحرام لعينه المحل أصل والفعل تبع بمعنى أنّ المحلّ قد أخرج أولا من قبول الفعل ومنع ثم صار الفعل ممنوعا ومخرجا عن الاعتبار.
فحسن نسبة الحرمة وإضافتها إلى المحل دلالة على أنه غير صالح للفعل شرعا حتى كأنّه الحرام لنفسه، ولا يكون ذلك من إطلاق المحلّ وإرادة الفعل الحال فيه، بأن يراد بالميتة أكلها لما في ذلك من فوات الدلالة على خروج المحلّ عن صلاحية الفعل، بخلاف الحرام لغيره، فإنّه إذا أضيفت الحرمة فيه إلى المحل يكون على حذف المضاف أو إطلاق المحل على الحال. فإذا قلنا الميتة حرام فمعناه أنّ الميتة منشأ لحرمة أكلها. وإذا قلنا خبز الغير حرام فمعناه أنّ أكله حرام إمّا مجازا، أو على حذف المضاف. وذكر في الأسرار أنّ الحلّ والحرمة صفتا فعل لا صفتا محل الفعل، لكن متى أثبت الحلّ أو الحرمة لمعنى العين أضيف إليها لأنها سببه كما يقال جرى النهر لأنه سبيل الجريان وطريق يجري الماء فيه، فيقال حرمت الميتة لأنها حرمت لمعنى فيها، ولا يقال حرمت شاة الغير لأنّ الحرمة هناك لاحترام الملك كذا في التلويح.

الجنس

الجنس: اسم دال على كثيرين مختلِفين بالأنواع، وعند الأصوليين: هو كليٌّ مقول على كثيرين مختلفين بالأغراض، وعند الفقهاء: ما لا يكون بين أفراده تفاوت فاحش بالنسبة إلى الغرض.
الجنس:
[في الانكليزية] Genus ،species ،sex
[ في الفرنسية] Genre ،espece ،sexe
بالكسر وسكون النون في اللغة ما يعم كثيرين. وبهذا المعنى يستعمله الأطباء كذا في بحر الجواهر. ويقرب منه ما في الصّراح، حيث قال: الجنس: اسم عام يدخل تحته أفراد كثيرون. وهكذا في المنتخب ويؤيد ما في الصّراح ما في المغرب قال: الجنس في اللغة الضرب من كل شيء، وهو أعمّ من النوع.
يقال الحيوان جنس والإنسان نوع. والفقهاء يقولون لا يجوز السّلم إلّا في جنس معلوم يعنون به كونه تمرا أو حنطة، وفي نوع معلوم يعنون في التمر كونه برنيا أو معقليا، وفي الحنطة كونها ربيعية أو خريفية انتهى. وعند أهل العربية يراد به الماهية. وبهذا المعنى يقال تعريف الجنس ولام الجنس صرّح به المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي في قوله: والعلم بالحقائق متحقق خلافا للسوفسطائية. وبالنظر إلى هذا قيل اسم الجنس اسم موضوع للماهية من حيث هي وكذا علم الجنس على ما مرّ في لفظ اسم الجنس. ويطلق عندهم أيضا على اسم الجنس صرّح بذلك في نتائج الأفكار حاشية الهداية في كتاب الوكالة حيث قال: الجنس على اصطلاح أهل النحو ما دلّ على شيء وعلى كل ما أشبهه.
وعند الفقهاء والأصوليين عبارة عن كلّي مقول على كثيرين مختلفين بالأغراض دون الحقائق كما ذهب إليه المنطقيون، كالإنسان فإنه مقول على كثيرين مختلفين بالأغراض، فإنّ تحته رجلا وامرأة، والغرض من خلقة الرجل هو كونه نبيّا وإماما وشاهدا في الحدود والقصاص ومقيما للجمع والأعياد ونحوه. والغرض من خلقة المرأة كونها مستفرشة آتية بالولد مدبّرة لأمور البيت وغير ذلك. والرجل والمرأة عندهم من الأنواع، فإنّ النوع عندهم كلي مقول على كثيرين متفقين بالأغراض دون الحقائق كما هو رأي المنطقيين. ولا شكّ أنّ أفراد الرجل والمرأة كلهم سواء في الأغراض، فمثل زيد ليس بجنس ولا نوع. وبالجملة فهم إنّما يبحثون عن الأغراض دون الحقائق. فربّ نوع عند المنطقيين جنس عند الفقهاء، هكذا في نور الأنوار شرح المنار في بحث الخاص. فالمعتبر عندهم في الجنس والنوع الاختلاف والاتفاق في الأغراض دون الحقائق، ويؤيده ما ذكر في البرجندي شرح مختصر الوقاية في فصل السّلم حيث قال: وفي بعض كتب الأصول الجنس عند الفقهاء كلي مقول على أفراد مختلفة من حيث المقاصد والأحكام. والنوع كلي مقول على أفراد متفقة من حيث المقاصد والأحكام انتهى. لكن في العضدي وحاشيته للمحقق التفتازاني في مبحث القياس قبيل بيان الاعتراضات أن اصطلاح الأصوليين في الجنس يخالف اصطلاح المنطقيين. فالمندرج كالإنسان جنس والمندرج فيه كالحيوان نوع على عكس اصطلاح المنطقي. ومن هاهنا الاتفاق في الحقيقة تجانس والاختلاف فيها تنوّع انتهى.
وإلى هذا أشار في جامع الرموز في كتاب البيع حيث قال: الجنس أخصّ من النوع عند الأصولية انتهى. وفيه في فصل المهر ويجوز إطلاق الجنس عند الفقهاء على الأمر العام سواء كان جنسا عند الفلاسفة أو نوعا. وقد يطلق على الخاص، كالرجل والمرأة نظرا إلى فحش التفاوت في المقاصد والأحكام كما يطلق النوع عليهما نظرا إلى اشتراكهما في الإنسانية واختلافهما في الذكورة والأنوثة. وفيه دلالة على أن المتشرعين ينبغي أن لا يلتفتوا إلى ما اصطلح الفلاسفة عليه كما في الكشف انتهى.
وفيه في فصل الربا الجنس شرعا التساوي في المعنى باتحاد اسم الذات والمقصود أو المضاف إليه، أو المنتسب بكل من الصفر والشبه ولحم البقر والغنم، والثوب الهروي والمروي جنسان لفقدان الاتحاد المذكور انتهى.
وفي النهاية في كتاب الوكالة المراد بالجنس والنوع هاهنا غير ما اصطلح عليه أهل المنطق فإن الجنس عندهم المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب ما هو كالإنسان مثلا.
والصنف هو النوع المقيّد بقيد عرضي كالتركي والهندي. والمراد هاهنا بالجنس ما يشتمل إنسانا على اصطلاح أولئك وبالنوع الصنف انتهى.
وفي فتح القدير في باب المهر في بيان قول الهداية وإن تزوجها على هذا العبد فإذا هو حرّ يجب مهر المثل، إلى ما ذكر في بعض شروح الفقه من أنّ الجنس عند الفقهاء المقول على كثيرين مختلفين بالأحكام، إنّما هو على قول أبي يوسف. وعند محمد المختلفين بالمقاصد.
وعلى قول أبي حنيفة هو المقول على متّحدي الصورة والمعنى. وقال أيضا: الحرّ مع العبد والخلّ مع الخمر عند أبي يوسف جنسان مختلفان، لأنّ أحدهما مال متقوم يصلح صداقا أي مهرا والآخر لا. والحرّ مع العبد جنس واحد عند محمد، إذ معنى الذات لا يفترق فيهما، فإنّ منفعتهما تحصل على نمط واحد، فإذا لم يتبدل معنى الذات اعتبر جنسا واحدا.
فأمّا الخلّ مع الخمر فجنسان إذ المطلوب من الخمر غير المطلوب من الخلّ. وأبو حنيفة يقول لا تأخذ الذاتان حكم الجنسين إلّا بتبدل الصورة والمعنى، إذ كل موجود من الحوادث موجود بهما، وصورة الخمر والخلّ واحدة، وكذا صورة الحرّ والعبد، فاتحد الجنس انتهى.
فعلى هذا الجنس عند أبي يوسف رحمه الله هو المقول على كثيرين متفقين بالأحكام. وعند محمد رحمه الله هو المقول على كثيرين متفقين بالمقاصد أي المنافع والأغراض. وعند أبي حنيفة رحمه الله هو المقول على كثيرين متفقين صورة ومعنى. وأمّا على ما ذكره سابقا فالحرّ مع العبد ليسا جنسين بل مندرجين تحت جنس عند أبي يوسف رحمه الله وهو الإنسان، فإنّ الإنسان مقول على كثيرين مختلفين بالأحكام، إذ تحته حرّ وعبد مثلا. وكذا الخلّ والخمر ليسا جنسين لا عند أبي يوسف ولا عند محمد رحمهما الله، بل مندرجان تحت جنس واحد وهو الأشربة.
وعند المنطقيين هو المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو. فالمقول كالجنس البعيد يتناول الكلّي والجزئي لأنّ الجزئي مقول على واحد فيقال هذا زيد وبالعكس. والمقول على كثيرين كالجنس القريب يخرج به الجزئي ويتناول الكلّيات الخمس، فهو كالجنس لها، بل جنس لها لأنه مرادف للكلي، إلّا أنّ دلالته تفصيلية ودلالة الكلي إجمالية.
وقيل هو الكلي المقول على كثيرين الخ وهو لا يخلو عن استدراك. وقولنا مختلفين بالحقائق يخرج النوع لأنه لا يقال على مختلفين بالحقائق بل بالعدد. وقولنا في جواب ما هو يخرج الثلاثة الباقية أي الفصل والخاصّة والعرض العام، إذ لا يقال كل منها في جواب ما هو لعدم دلالتها على الماهية بالمطابقة. فإن قيل الفصل قد يكون مقولا على مختلفين بالحقائق في جواب ما هو كالحسّاس المقول على السمع والبصر، وكذا الخاصة والعرض العام قد يقالان كذلك كالماشي فإنّه خاصة للحيوان وعرض عام للإنسان مقول في جواب ما هو على الماشي على قدمين والماشي على أربع. قلت الكليات من الأمور الإضافية التي تختلف بالنسبة إلى الأشياء، وحينئذ يجب اعتبار قيد الــحيثية فيها.
فالمراد أنّ الجنس مقول في جواب ما هو على حقائق مختلفة من حيث أنه مقول، كذلك فالحسّاس والماشي إذا اعتبر فيهما ما ذكرتموه كانا جنسين داخلين في الحدّ، وإن كانا خارجين عنه باعتبار كونهما فصلا أو خاصة أو عرضا عاما لأنهما بهذا الاعتبار لا يقالان في جواب ما هو أصلا. وهاهنا مباحث تطلب من شرح المطالع وحواشيه.
التقسيم
ثم الجنس إما قريب أو بعيد، لأنه إن كان الجواب عن الماهية وعن جميع مشاركاتها في ذلك الجنس واحدا فهو قريب ويكون الجواب ذلك الجنس فقط كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان فإنّه جواب عن الإنسان وعن جميع ما يشاركه في الحيوانية كالفرس والغنم والبقر ونحوها. وإن كان الجواب عنها وعن جميع مشاركاتها في ذلك الجنس متعددا فهو بعيد ويكون الجواب هو وغيره كالجسم النامي بالنسبة إلى الإنسان فإنه جواب عن الإنسان وعن بعض مشاركاتها فيه كالنباتات. وأمّا الجواب عن الإنسان وعن بعض مشاركاتها الأخر فليس إياه لأنه ليس تمام المشترك بينهما بل الحيوان فكلّما زاد جواب زاد الجنس مرتبة في البعد عن النوع، لأن الجواب الأول هو الجنس القريب.
فإذا حصل جواب آخر يكون بعيدا بمرتبة، وإذا كان جواب ثالث يكون البعد بمرتبتين. وعلى هذا القياس فعدد الأجوبة يزيد على مراتب البعد بواحد، لكن كلّما يتزايد بعد الجنس تتناقض الذاتيات لأنّ الجنس البعيد جزء القريب، وإذا ترقّينا عنه يسقط الجزء الآخر عن الاعتبار. ثم الأجناس ربما تترتب متصاعدة والأنواع متنازلة ولا تذهب إلى غير النهاية بل تنتهي الأجناس في طرف التصاعد إلى جنس لا يكون فوقه جنس آخر، وإلّا لتركّبت الماهية من أجزاء لا تتناهى وهذا محال. والأنواع تنتهي في طرف التنازل إلى نوع لا يكون تحته نوع، وإلّا لم يتحقق الأشخاص إذ بها نهايتها، فلا يتحقق الأنواع. فمراتب الأجناس أربع لأنه إمّا أن يكون فوقه وتحته جنس وهو الجنس المتوسط كالجسم والجسم النامي، أو لا يكون فوقه ولا تحته جنس وهو الجنس المفرد كالعقل إن قلنا إنّه جنس للعقول العشرة والجوهر ليس بجنس له، أو يكون تحته جنس لا فوقه وهو الجنس العالي ويسمّى جنس الأجناس أيضا كالمقولات العشرة، أو يكون فوقه جنس لا تحته وهو الجنس السافل كالحيوان. والشيخ لم يعدّ الجنس المفرد في المراتب بل حصرها في الثلاث، وكأنه نظر إلى أنّ اعتبار المراتب إنما يكون إذا ترتّب الأجناس، والجنس المفرد ليس بواقع في سلسلة الترتيب. وأمّا غيره فلم يلاحظ ذلك بل قاس الجنس بالجنس واعتبر الأقسام بحسب الترتيب وعدمه. ثم للجنس مباحث مشهورة ذكرت في شرح المطالع وغيره تركناها مخافة الإطناب.
الجنس: لغة، الضرب من كل شيء. وعند المنطقيين كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ما هو من حيث هو كذلك، فالكلي جنس فخرج بمختلفين بالحقيقة: النوع والخاصة والفصل القريب وبما بعده الفصل البعيد والفرض التام.

التركيب

التركيب: كالترتيب لكن ليس لبعض الأشياء فيه نسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر.
التركيب:
[في الانكليزية] Synthesis ،composition ،combination
[ في الفرنسية] Synthese ،composition ،combinaison
بالكاف لغة الجمع. وعرفا مرادف التأليف وهو جعل الأشياء المتعدّدة بحيث يطلق عليها اسم الواحد، ولا تعتبر في مفهومه النسبة بالتقديم والتأخير كما عرفت في لفظ الترتيب بخلاف التأليف فإنه تعتبر فيه المناسبة بين الأجزاء لأنه مأخوذ من الإلفة، صرّح بذلك السيّد الشريف في حاشية الكشاف. هكذا في شرح التهذيب لليزدي. فالمركّب على هذا هو مجموع الأشياء المتعدّدة المأخوذة بالــحيثية المذكورة. وفي بعض كتب الصرف هذا معنى مطلق التركيب. وأمّا التركيب في اصطلاح الصرفيين فهو جمع حرفين أو حروف بحيث يطلق عليها اسم الكلمة انتهى. فالمركّب على هذا هو الكلمة التي فيها حرفان أو أكثر.
والتركيب عند النحاة مقابل الإفراد، وكذا عند المنطقيين، لكن بين الاصطلاحين فرقا يجيء بيانه في لفظ المفرد.
اعلم أنّ النحاة قالوا إن كان بين جزئي المركّب وهما اللفظان إسناد سمّي مركّبا إسناديا وجملة، فإن كان ما بينهما إسنادا أصليا مقصودا لذاته سمّي كلاما. فالجملة أعمّ من الكلام.
وإن لم يكن بينهما إسناد فإمّا أن تكون بينهما نسبة تقييدية بأن يكون أحد الجزءين قيدا للآخر يسمّى مركبا تقييديا، فإن كان أحدهما مضافا والآخر مضافا إليه سمّي مركبا إضافيا، وإن كان أحدهما موصوفا والآخر صفة سمّي مركبا توصيفيا. وأمّا المصادر والصفات مع فاعلها فإنها في حكم المركّبات التقييدية لكون إسنادها أيضا غير تام ويجيء ما يؤيّد هذا في بيان الإسناد التام وغير التام. وإمّا أن لا تكون بينهما نسبة تقييدية أيضا ويسمّى مركّبا غير تقييدي. فالمركّب الغير التقييدي ما ليس فيه نسبة إسنادية ولا تقييدية أصلا، لا في الحال ولا قبل التركيب، فخرج تأبّط شرا علما، إذ فيه نسبة قبل العلمية، وكذا نحو عبد الله علما، بخلاف بخت نصّر، فإنّ نصر قبل تركيبه مع بخت أيضا علم، فليست فيه نسبة أصلا.
والمفهوم من الضوء شرح المصباح أنّ المركّب التقييدي هو التوصيفي حيث قال في تعريف الكلام: التأليف إمّا على وجه التعداد كخمسة عشر أو الإضافة نحو غلام زيد أو التقييد أعني التوصيف نحو الرجل الذاهب أو غير ذلك انتهى. ثم المركّب الغير التقييدي إمّا أن يركب تركيبا به يصير في حكم الكلمة الواحدة معدودا في الأسماء أو لا. الثاني نحو بزيد ومنك، والأول إن تضمن الجزء الثاني منه حرفا سواء كان حرف عطف نحو خمسة عشر فإنه في الأصل خمسة وعشر أو غيره كحرف الجر نحو بيت بيت أي بيت منته إلى بيت، أو ملصق به يسمّى مركّبا تضمنيا. وإن لم يتضمن له سمّي مركبا مزجيا وامتزاجيا وذا المزاج أيضا كما في شرح التسهيل. والمزجي وإن كان مختوما بويه كسيبويه وعمرويه يسمّى مركّبا صوتيا. وفي الفوائد الضيائية في بحث أسماء العدد قال خمسة عشر مركّب امتزاجي. قال المولوي عصام الدين في حاشيته: الصواب أن يقال هو مركّب تضمني انتهى.
اعلم أنّ نحو ضاربة وبصري وسيضرب ونحوها مما يعدّ لشدة الامتزاج كلمة واحدة عرفا ليس من المركب بل هو داخل في المفرد على الصحيح، وإن جعله البعض داخلا في المركّب المزجي كما يجيء في لفظ المفرد، فيصح ما قالوا من أنّ الموجود من أقسام المزجي هو المركّب من اسمين حقيقة كبعلبك، فإن بعل اسم صنم وبك اسم سلطان فركّبا وجعلا اسما واحدا وسمّي به البلد الذي كانا فيه، كذا في الفوائد الضيائية. أو حكما كسيبويه فإنّ ويه حكاية صوت غير موضوع لمعنى، لكنه في حكم الاسم حيث أجري مجرى الأسماء المبنية. وسيب اسم بني مع كلمة ويه فجعلا اسما واحدا. وكذا عمرويه وسعدويه، كذا في الصراح. أو من اسم وفعل نحو بخت نصر فإنّ بخت معرب بوخت بمعنى الابن ونصر اسم صنم وهو ماض من باب التفعيل. هذا غاية جهدي في هذا المقام مستنبطا من الإرشاد واللباب والكافية وشروحها وغيرها، أو من فعل واسم نحو تأبّط شرا، فإنّ تأبط ماض من باب التفعل من الإبط يعني (در بغل گرفت بدي را) فإنّه مبني في الأحوال الثلاث. وكذا كل جملة يسمّى بها مثل برق نحره وذرّى حبا كذا في الصراح.
فائدة:
في الرضي ما يكون تركيبه للعلمية ضربان: إمّا أن يكون في الجزء الأخير قبل التركيب سبب البناء أو لا. فإن كان فالأشهر إبقاء الجزء الأخير على البناء، ويجوز إعراب ما لا ينصرف وتجوز على قلة إضافة الصدر إلى العجز كما جاءت في معد يكرب، فيجيء في المضاف إليه الصرف وتركه. وفيه أيضا وإن حذف حرف الجر أو العطف قبل العلمية فبناء الجزءين أولى بعد الجزءين، ويجوز إعراب الثاني مع منع الصرف مع التركيب، وتجوز فيه الإضافة أيضا مع صرف الثاني وتركه. وكذا كلّ ما يتضمن فيه الثاني حرفا يجوز فيه الأوجه الثلاثة بعد العلمية. وفي المنهل المركّب المتضمن للحرف نحو خمسة عشر قيل إنّه يحكى. وقيل يعرب غير منصرف. وفي شرح التسهيل ذو المزج قسمان أحدهما مختوم بغير ويه كمعديكرب ويجوز فيه ثلاث لغات.
الأولى أن يبنيا معا تشبيها له بخمسة عشر.
والثانية إعراب الثاني مع منع الصرف وهو الفصيح. والثالثة الإضافة. هكذا ذكر المولوي عبد الحكيم في حاشية حاشية الفوائد الضيائية في بحث غير المنصرف.
قال المنطقيون اللفظ المركّب يسمّى قولا ومؤلّفا. فهذه الألفاظ الثلاثة مترادفة بحسب الاصطلاح المشهور. وربّما يفرّق بين المركب والمؤلّف فيقال بتثليث القسمة. اللفظ إمّا أن لا يدلّ جزؤه على شيء أصلا وهو المفرد، أو يدلّ. فإمّا أن يدلّ على جزء معناه وهو المؤلّف أو لا على جزء معناه وهو المركّب، وهذا هو المنقول عن بعض المتأخرين. وقيل إنهم عرفوا المؤلّف بما عرّف به المركّب في المشهور، وهو ما تقصد بجزء منه الدلالة على بعض ما يقصد به حين ما يقصد به، والمركّب بما يدلّ جزؤه لا على جزء المعنى. وعلى هذا لا تكون القسمة حاصرة لخروج مثل الحيوان الناطق علما، إذ لا يدخل في المفرد وهو ظاهر ولا في المؤلّف لعدم الدلالة على جزء ما يقصد به، ولا في المركّب لأنه الذي يدلّ جزؤه لا على جزء معناه، اللهم إلّا أن يزاد في تعريف المركّب ويقال بأنه ما يدلّ جزؤه لا على جزء معناه دلالة مقصودة، أو ينقص من تعريف المؤلّف ويقال هو ما يدلّ جزؤه لا على جزء معناه مطلقا أي سواء كانت دلالته مقصودة أو لا. ويطلق المركب أيضا على الأعمّ من الملفوظ والمعقول كما يطلق على الملفوظ.
التقسيم
المركّب إمّا تام ويسمّى كلاما وهو ما يفيد. فإن احتمل الصدق والكذب سمّي قضية وخبرا وإن لم يحتمل، فإن دلّ على طلب الفعل دلالة أوليّة فهو مع الاستعلاء أمر إن كان المطلوب غير كفّ وإن كان كفا فهو نهي، وإلّا فهو التنبيه، ويندرج فيه التمني والنداء والقسم والتّرجي. ومنهم من عدّ التمني والنداء والاستفهام من أقسام الطلب كالأمر والنهي.
وقد يقسم المركب إلى الخبر والإنشاء المتناول للطلب والتنبيه. وإمّا ناقص ويسمّى غير كلام وهو ما لا يفيد. فإمّا أن يكون الثاني فيه قيدا للأول أو لا. والأول المركّب التقييدي وهو إمّا مركب من اسمين أضيف أولهما إلى الثاني أو وصف به، أو من اسم متقدّم وفعل متأخر وقع صفة له أو صلة له، إذ لو تقدّم الفعل أو تأخّر ولم يكن صفة ولا صلة كان المركّب منهما كلاما. والثاني غير تقييدي كالمركّب من اسم وأداة أو فعل وأداة. هذا كله خلاصة ما في شرح المطالع وحاشيته للسيد الشريف.
وفي الجرجاني المركّب ما تقصد بجزء منه الدلالة على جزء معناه. وللمفرد من حيث هو إطلاقات أربعة: فتارة يراد به ما يقابل المثنى والمجموع فيقال هذا مفرد أي ليس مثنى ولا مجموعا، وتارة ما يقابل المضاف أو شبهه فيقال هذا مفرد أي ليس بمضاف ولا شبهه، وتارة ما يقابل الجملة أو شبهها فيقال هذا مفرد أي ليس بجملة ولا شبهها، وتارة ما يقابل المركّب كما مرّ. وينقسم المركّب على خمسة أقسام: مركّب إضافي كغلام زيد، ومركّب تعدادي كخمسة عشر، ومركّب مزجي كبعلبك، ومركّب صوتي كسيبويه، ومركّب إسنادي كقام زيد وزيد قائم انتهى.
والتركيب عند أهل التعمية يطلق على قسم من الأعمال التسهيلية وهو الإتيان بلفظ مركّب بحسب المعنى الشّعري ومفرد بحسب المعنى المعمائي، وهو المعنى المراد وليس اللفظ، ومثاله التعمية باسم مرشد في هذا البيت:
بما أنّ محبته هيأت مكانا لها في قلب الناس فيا جامي تعال نحو ذلك الجاذب للناس كذا في رسالة للمولوي عبد الرحمن الجامي. وعند المحاسبين يطلق على قسم من النسبة، وعلى كون العدد بحيث يعدّه غير الواحد كالأربعة تعدّها الاثنان والستة يعدها الثلاثة، وكذا الاثنان ويقابله الأوليّة، وهي كون العدد بحيث لا يعده غير الواحد كالثلاثة والخمسة والسبعة كذا في شرح المواقف في بحث الكيفيات المختصة بالكميات. فالعدد قسمان أول ومركّب، وتطلق المركب عندهم أيضا على كلّ من الفرد والزوج إذا لم يكن أوّلا أي في أول الأعداد كالأربعة والثلاثة، ويجيء في لفظ العدد. وعلى مقابل المفرد يفسّر بعدد مرتبته اثنتان فصاعدا كخمسة عشر فإنها الآحاد والعشرات، ويفسّر المفرد بعدد مرتبته واحدة فحسب كخمسة وخمسين وخمسمائة، كذا في ضابط قواعد الحساب. وقد يفسّر المفرد بما يعبّر عنه باسم واحد سواء كان خطّا أو سطحا كثلاثة أو جذر ثلاثة. فعلى هذا المركّب ما يعبّر عنه باسمين ويسمّى ذا الاسمين سواء كان خطّا أو سطحا كثلاثة وجذر ثلاثة مجموعين على ما في حواشي تحرير أقليدس.

الخاص

الخاصُّ: هو كلُّ لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد جنساً، كإنس أو نوعاً كرجل أو عيناً كزيد.
الخاص: كل لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد. والمراد بالمعنى ما وضع له اللفظان عينا كان أو عرضا. وبالانفراد اختصاص اللفظ بذلك المعنى، وإنما قيد بالانفراد ليتميز عن المشترك.
الخاص:
[في الانكليزية] Particular
[ في الفرنسية] Particulier
هو عند الأصوليين ما تعرفه بعد هذا.
وعند المنطقيين يطلق بالاشتراك اللفظي على معان. منها ما سيعرف بعد هذا ومنها الخاصة في ميزان المنطق كلّ واحد من العرض اللازم والمفارق إن اختصّ بأفراد حقيقة واحدة فهو خاص. وفي شرحه بديع الميزان الماشي بالنسبة إلى الإنسان خاص إضافي للإنسان انتهى. إلّا أنّ إطلاق لفظ الخاصة هاهنا أشهر، يقال الضاحك خاصّة الإنسان والماشي خاصة له ونحو ذلك. فعلى هذا التاء في لفظ الخاصة ليست للتأنيث بل للنقل من الوصفية إلى الاسمية كما في لفظ الحقيقة. ثم لفظ الخاصة عند المنطقيين يطلق بالاشتراك اللفظي كما وقع في الشفاء على المعنيين. الأول ما يختصّ بالشيء بالقياس إلى كلّ ما يغايره كالضاحك بالقياس إلى الإنسان، ويسمّى خاصّة مطلقة، وهي التي عدّت من الكلّيات الخمس ويقابلها العرض العام، ورسمت بأنّها المقولة على ما تحت طبيعة واحدة فقط قولا عرضيا. والمراد بالطبيعة الحقيقة، وفي اختيارها على لفظ الماهية حيث لم يقل على ما تحت ماهية واحدة، إشارة إلى أنّ الخاصة وكذا العرض العام المقابل له لا تكون للماهية المعدومة، إذ المعدوم مسلوب في نفسه فكيف يتّصف بشيء. والمراد بالحقيقة أعمّ من النوعية والجنسية فتشتمل خواص الأجناس أيضا.
ولا بد من اعتبار قيد الــحيثية لأنّ خواص الأجناس أعراض الماهية بالقياس إلى أنواعها.
وما في قولنا ما تحت طبيعة يراد به جنس الأفراد فيشتمل المختصّ بفرد واحد سواء كان له حقيقة كخواص الأشخاص التي لها ماهية كلية أولا، كخواصه تعالى وخواص التشخصات. ولما كان غرض المنطقي لم يتعلّق بمثل هذه الخواص لأنّه لا يبحث عن أحوال الجزئيات أخرجها البعض من تعريف الخاصة، فقال هي المقولة على أفراد طبيعة واحدة فقط قولا عرضيا. وأراد بالأفراد ما فوق الواحد لا جميع الأفراد، فيدخل في التعريف الخاصّة الشاملة وغير الشاملة. وقيد فقط لإخراج العرض العام، والقيد الأخير لإخراج النوع والفصل القريب. وبكلّ واحد من القيدين خرج الجنس والفصل البعيد.
وقال الشيخ في الشفاء الخاصّة المعتبرة أي التي هي إحدى الكليّات الخمس هي المقولة على أشخاص نوع واحد في جواب أي شيء هو لا بالذات سواء كان نوعا أخيرا أولا. ولا يبعد أن يعني أحد بالخاصّة كل عارض لأيّ كلّي كان ولو جنسا أعلى، ويكون ذلك حسنا جدا، لكن التعارف جرى في إيراد الخاصة على أنّها خاصة للنوع وللفصل. والثاني ما يخصّ الشيء بالقياس إلى بعض ما يغايره ويسمّى خاصة إضافية وغير مطلقة، فهي ما يكون موجودة في غير ذلك الشيء أيضا كالمشي بالنسبة إلى الإنسان. هذا كله خلاصة ما في شرح المطالع وشرح الشمسية وحواشيهما.
وبقي هاهنا شيء وهو أنّه لا يعلم بين العرض العام والخاصة الإضافية فرق ولا محذور في ذلك. قال في الحاشية الجلالية:
الخاصة التي هي إحدى أقسام الكلّيات الخمس هي الخاصة المطلقة، وأمّا إذا جعلت أعمّ من المطلقة والإضافية كما ذهب إليه بعض المتأخرين فيكون الماشي بالنسبة إلى الإنسان خاصا وعرضا عاما معا فيتداخل بعض أقسام الكلّي في بعض، فلا تكون القسمة حقيقية بل اعتبارية انتهى.

التقسيم:
الخاصّة المطلقة إمّا بسيطة أو مركّبة لأنّ اختصاصها بالحقيقة أمّا لأجل التركيب أولا.
والثاني البسيطة كالضحك للإنسان والأول المركّبة، ولا بد أن يلتئم من أمور كلّ واحد منها لا يكون مختصا بالمعروض ويكون مجموعها مختصا به مساويا له أو أخصّ منه كقولنا بادي البشرة مستقيم القامة عريض الأظفار بالنسبة إلى الإنسان. وأيضا كلّ من الخاصة المطلقة والعرض العام ثلاثة أقسام لأنّه قد يكون شاملا لجميع أفراد المعروض، وهو إمّا لازم كالضاحك بالقوة للإنسان والماشي بالقوة، وإمّا مفارق كالضاحك والماشي بالفعل له، وقد يكون غير شامل كالكاتب بالفعل للإنسان والأبيض بالفعل له. وجماعة خصّوا اسم الخاصّة المطلقة بالشاملة اللازمة، وحينئذ تجب تسمية القسمين الآخرين أي الخاصّة الشاملة المفارقة وغير الشاملة بالعرض العام لئلّا يبطل التقسيم المخمّس، أي تقسيم الكلّيات إلى خمس. ونسبه الشيخ في الشفاء إلى الاضطراب لأنّ الكلّي إنّما يكون خاصّة لصدقه على أفراد حقيقة واحدة سواء وجد في كلّها أو بعضها، دام أو لم يدم. والعام موضوع بإزاء الخاصّ فهو إنّما يكون عامّا إذا كان صادقا على حقيقة وغيرها، فلا اعتبار في ذلك التخصيص لجهة العموم والخصوص، بل إنّما هو مجرّد اصطلاح.
فائدة:
المعتبر عند جمهور المتأخرين في التعريفات الخاصّة المطلقة المساوية. وعند المحققين لا فرق بين الأقسام في الاعتبار في التعريفات. ثم الخاصة عند أهل الهيئة تطلق بالاشتراك على أربعة معان. الأول الخاصّة الوسطية بمعنى قوس معيّنة من منطقة التدوير.
والثاني الخاصة الوسطية بمعنى الحركة في تلك القوس. والثالث الخاصّة المرئية بمعنى قوس أخرى معينة من منطقة التدوير. والرابع الخاصّة المرئية بمعنى الحركة في تلك القوس. فالخاصّة الوسطية بمعنى القوس هي قوس من منطقة التدوير بين الذروة الوسطية وبين مركز جرم الكوكب على توالي حركة التدوير موافقا لتوالي حركة البروج كما في المتحيرة، أو مخالفا له كما في القمر. وهذا على قياس ما قيل في النطاقات. والخاصّة المرئية بمعنى القوس هي قوس من منطقة التدوير بين الذروة المرئية ومركز جرم الكوكب على توالي حركة التدوير ويسمّى بالخاصّة المعدلة أيضا لأنّها تحصل بزيادة تعديل الخاصّة على الخاصّة الوسطية إذا كان مركز التدوير هابطا أو بنقصانه عن الخاصة الوسطية إذا كان مركز التدوير صاعدا.
اعلم أنّ الخاصّة الوسطية لا تختلف في الأزمنة المساوية والمرئية تختلف، هكذا يستفاد ممّا ذكره عبد العلي البرجندي في شرح التذكرة وغيره. ومعنى كلّ من الذروة الوسطية والمرئية وتعديل الخاصة يجيء في موضعه، وخاصة الشمس مركزه كما سيجيء. والحركة الخاصّة هي حركة التدوير كما مرّ. وذو الخاصية عند الأطباء هو الدواء الذي يكون تأثيره بصورته فقط موافقا للطبيعة بأن لا يكون مفسدا للحياة ويجيء في لفظ الغذاء.

الرزق

الرزق: ما يسوقه الله إلى الحيوان للتغذي أي ما به قوام الجسم ونماؤه. وعند المعتزلة: مملوك يأكله المستحق فلا يكون حراما.
(الرزق) بِالْفَتْح مصدر وبالكسر اسْم الشَّيْء المرزوق وَهُوَ كل مَا ينْتَفع بِهِ وَيجوز أَن يوضع كل مِنْهُمَا مَوضِع الآخر وَمَا ينْتَفع بِهِ مِمَّا يُؤْكَل ويلبس وَمَا يصل إِلَى الْجوف ويتغذى بِهِ وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {فليأتكم برزق مِنْهُ} والمطر لِأَنَّهُ سَبَب الرزق وَالعطَاء أَو الْعَطاء الْجَارِي يُقَال كم رزقك فِي الشَّهْر كم راتبك (ج) أرزاق
الرزق: متناول للْحَلَال وَالْحرَام لِأَنَّهُ اسْم لما يَسُوقهُ الله تَعَالَى إِلَى الْحَيَوَان فيأكله أَي يتَنَاوَلهُ فَيشْمَل المأكولات والمشروبات. وَلما كَانَ معنى الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى مُعْتَبرا فِي مَفْهُوم الرزق كَانَ هَذَا التَّفْسِير أولى من تَفْسِيره بِمَا يتغذى بِهِ الْحَيَوَان لخلوه عَن معنى الْإِضَافَة إِلَيْهِ تَعَالَى. وَعند الْمُعْتَزلَة الرزق عبارَة عَن مَمْلُوك يَأْكُلهُ الْمَالِك. وَتارَة فسروه بِمَا لَا يمْتَنع شرعا الِانْتِفَاع بِهِ. فعلى هَذَا لَا يكون الْحَرَام رزقا عِنْدهم. فَإِن قيل: إِن خمر الْمُسلم وخنزيره مملوكان لَهُ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَإِذا أكلهما يصدق على كل مِنْهُمَا تَعْرِيف الرزق لِأَنَّهُ مَمْلُوك يَأْكُلهُ الْمَالِك مَعَ أَنه حرَام وَالْحرَام لَيْسَ برزق عِنْدهم فالتعريف الْمَذْكُور لَيْسَ بمانع. قُلْنَا: فِي شرح نظم الأوحدي إِن الْحَرَام لَيْسَ بِملك عِنْد الْمُعْتَزلَة فَلَا انْتِقَاض بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير لعدم كَونهمَا مملوكين للْمُسلمِ عِنْدهم وَإِن سلمنَا أَن الْحَرَام مَمْلُوك لَهُ عِنْدهم فَالْجَوَاب بِأَن المُرَاد بالمملوك المجعول ملكا بِمَعْنى الْمَأْذُون فِي التَّصَرُّف الشَّرْعِيّ بِدَلِيل أَن معنى الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى مُعْتَبر فِي مَفْهُوم الرزق بالِاتِّفَاقِ فَلَو لم يكن المُرَاد مَا ذكرنَا لخلا تَعْرِيف الرزق عَن ذَلِك الْمَعْنى فَيحصل بذلك المُرَاد الْــحَيْثِيَّة الَّتِي ينْدَفع بهَا الانتقاض الْمَذْكُور أَي مَمْلُوك يَأْكُلهُ الْمَالِك من حَيْثُ إِنَّه مَمْلُوك بِأَن يكون مَأْذُونا فِي أكله.
وَأَنت تعلم أَنَّهُمَا من حَيْثُ الْأكل ليسَا بمملوكين لَهُ فَافْهَم. وَمَا فسرنا الرزق بِهِ أَعنِي مَا يَسُوقهُ الله تَعَالَى إِلَى الْحَيَوَان فيأكله مَشْهُور فِي الْعرف. وَقد يُفَسر بِمَا سَاقه الله تَعَالَى إِلَى الْحَيَوَان فَانْتَفع بِهِ بالتغذي أَو غَيره فَهُوَ شَامِل للمأكولات والمشروبات والملبوسات بل المراكب وَسَائِر مَا ينْتَفع بِهِ بِأَيّ وَجه كَانَ كالإنفاق على الْغَيْر. وَلِهَذَا قَالُوا إِن هَذَا التَّفْسِير يُوَافقهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} . لِأَن الِانْتِفَاع بِهِ جِهَة الْإِنْفَاق على الْغَيْر بِخِلَاف التَّفْسِير الأول فَإِنَّهُ لَا يُوَافقهُ لِأَن مَا يتَنَاوَلهُ لَا يُمكن إِنْفَاقه على الْغَيْر. وَقيل فِي تَوْجِيه الْمُوَافقَة إِن الله تَعَالَى أطلق الرزق على الْمُنفق بِصِيغَة الْمَفْعُول مجَازًا بطرِيق المشارفة على وتيرة من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه. يَعْنِي أَن الْمُنفق لما كَانَ مآله أَن يكون رزقا أطلق عَلَيْهِ الرزق فَلَيْسَ الْمُنفق رزقا حَقِيقَة حَتَّى لَا يُوَافق قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} . التَّفْسِير الأول وَلَكِن يرد على التَّفْسِير الثَّانِي كَون العواري أَي مَا يُؤْخَذ بطرِيق الْعَارِية رزقا وَلَيْسَ برزق لِأَنَّهُ لَا يُطلق عَلَيْهَا الرزق بِحَسب الْعرف واللغة. وَثَانِيهمَا: جَوَاز أكل شخص رزق غَيره وَهُوَ خلاف مَذْهَبنَا من أَن الْإِنْسَان لَا يَأْكُل رزق غَيره والرزق الْحسن مَا يصل إِلَى صَاحبه بِلَا كد فِي طلبه. وَقيل مَا وجد بِلَا ترقب وَلَا اكْتِسَاب.

التأكيد

التأكيد: تابع أمر يقرر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول، وقيل عبارة عن إعادة المعنى الحاصل.
التأكيد: هو التقرير، أي جعل الشيء مقرراً ثابتاً في ذهن المخاطب، وذلك بتكرار اللفظ أو بألفاظ خاصة.
التأكيد:
[في الانكليزية] Affirmation ،assertion ،corroborration
[ في الفرنسية] Affirmation ،assertion ،corroboration
وكذا التوكيد في اللغة بمعنى استوار كردن كما في الصراح وغيره. وفي اصطلاح أهل العربية يطلق على معنيين: أحدهما التقرير، أي جعل الشيء مقرّرا ثابتا في ذهن المخاطب كما في الأطول في بحث تأكيد المسند إليه.
وثانيهما اللفظ الدّال على التقرير أي اللفظ المؤكّد الذي يقرّر به. ولذا قال المحقّق التفتازاني في المطول في بحث تقديم المسند إليه المسوّر بلفظ كلّ على المسند المقرون بحرف النفي أنّ التأكيد لفظ يفيد تقوية ما يفيده لفظ آخر انتهى. وهو أعمّ من أن يكون تابعا أو لا. وأمّا ما قيل من أنّ التأكيد الاصطلاحي إنما يكون بألفاظ مخصوصة أو بتكرير اللفظ فأراد بالتأكيد التأكيد الذي هو أحد التوابع الخمسة، كيف وقد قالوا الوصف قد يكون للتأكيد، وأيضا قالوا ضربت ضربا للتأكيد ونحو ذلك، هكذا وقع في بعض حواشي المطول.
وقد يطلق التأكيد مجازا على أن يكون لفظ لافادة معنى كان حاصلا بدونه، أي لفظ يذكر لإفادة معنى كان حاصلا بدون ذكره نحو: لم يقم كل إنسان، فإن لفظ كلّ تأكيد على رأي لأنه كما يفيد لم يقم إنسان عموم النفي كذلك يفيده لم يقم كلّ إنسان، وليس تأكيدا على الأول لأن الإسناد حينئذ إلى كلّ لا إلى إنسان.
وإنما كان هذا المعنى مجازا لأنّ إفادة معنى كان حاصلا بدونه لازمة للتأكيد لا نفس معناه إذ التأكيد يقتضي سابقية مطلوب مذكور، هكذا يستفاد من جمال حاشية المطول. فالتأكيد بالمعنى المجازي أعم منه بالمعنى الاصطلاحي [أي لفظ يذكر لإفادة معنى كان حاصلا بدون ذكره]. وضد التأكيد التأسيس. ثم التأكيد الصناعي أي الاصطلاحي أقسام. منها التابع مطلقا أي سواء كان تابعا للاسم أو تابعا لغيره، وهو التأكيد اللفظي، ويسمّى تأكيدا صريحا أيضا، وهو تكرير اللفظ الأول أو اللفظ المكرّر. والتكرير أعمّ من أن يكون بلفظه حقيقة نحو كانَتْ قَوارِيرَا، قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ونحو فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ونحو هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ ونحو فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ونحو فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أو حكما نحو ضربت أنت، فإنّ تكرير الضمير لا يجوز متصلا، أو يكون بمرادفه نحو ضَيِّقاً حَرَجاً بكسر الراء المهملة. هكذا يستفاد:

من الإتقان. وقال الرّضي: اللفظي ضربان.
أحدهما أن يعيد الأول نحو جاءني زيد زيد، والثاني أن يقوّيه بموازنه مع اتفاقهما في الحرف الأخير ويسمّى اتباعا. وهو على ثلاثة أضرب لأنه إمّا أن يكون للثاني معنى ظاهر نحو هنيئا مريئا، أو لا يكون له معنى أصلا، بل ضمّ إلى الأوّل لتزيين الكلام لفظا وتقويته معنى، وإن لم يكن له حال الإفراد معنى، كقولك حسن بسن وشيطان ليطان، أو يكون له معنى متكلّف غير ظاهر نحو: خبيث نبيث من نبث الشرّ أي استخرجه انتهى. فعلى هذا يكون الإتباع داخلا في اللفظي الحكمي كما لا يخفى.
فائدة:
المؤكد إمّا مستقلّ يجوز الابتداء به والوقف عليه أو غير مستقل. وغير المستقل إن كان على حرف واحد وكان مما يجب اتصاله بأول نوع من الكلم أو بآخر نوع منها يكرّر بتكرار عماده في السّعة نحو بك بك، وضربت ضربت، وإن لم يكن على حرف واحد ولا واجب الاتصال جاز تكريره وحده نحو إنّ إنّ زيدا قائم.
ومنها أحد التوابع الخمسة للاسم وهو تابع يقرر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول، أي يقرر حاله وشأنه عند السامع، يعني يجعل حاله ثابتا متقرّرا عنده في النسبة أي في كونه منسوبا أو منسوبا إليه، نحو زيد قتيل قتيل، وضرب زيد زيد، فيثبت عنده أنّ المنسوب أو المنسوب إليه في هذه النسبة هو المتبوع لا غير، أو يقرر شمول المتبوع أفراده نحو: جاءني القوم كلّهم، وهذا التقرير هو الغرض من جميع ألفاظ التأكيد. فبقولنا يقرر أمر المتبوع خرج البدل وعطف النسق وهذا ظاهر. وكذلك الصفة لأنّ وضعها للدلالة على معنى في متبوعها وإفادتها توضيح متبوعها في بعض المواضع كما في قولنا: نفخة واحدة، ليست بالوضع، وبقولنا في النسبة أو الشمول خرج عطف البيان، فإنّه وإن كان يوضح ويقرر متبوعه لكن لا يوضح في النسبة أو الشمول. فإن قيل قد ذكر صاحب المفصّل أنّ زيد في نحو يا زيد زيد من البدل ويصدق عليه هذا الحد. قيل إن ذكر زيد بهذه الــحيثية فلا شك أنّه تأكيد وإن ذكر زيد أوّلا بحيث يكون توطئة لذكر غيره ثم بدا له أن يقصده دون غيره فذكره ثانيا بهذا الطريق يكون بدلا لكونه مقصودا دون الأول، ولا ضير في كون الشيء الواحد مقصودا وغير مقصود لاختلاف الزمان. ثم إنّ هذا التأكيد قسمان:
لفظي ويسمّى صريحا وقد سبق، ومعنوي ويسمّى غير صريح وهو بخلافه، سمّي به لحصوله من ملاحظة المعنى كما سمّي باللفظي لحصوله من تكرير اللفظ. والتأكيد الغير الصريح مختصّ بألفاظ محصورة وهي نفسه وعينه وكلاهما وكله وأجمع واكتع وأبصع وأبتع.
ومنها ما هو غير تابع للاسم ولا لغيره.
ومنه تأكيد الفعل بمصدره وهو عوض من تكرير الفعل مرتين نحو: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ويجيء ذكره مع ذكر التأكيد لنفسه المسمّى أيضا بالتأكيد الخاص والتأكيد لغيره المسمّى أيضا بالتأكيد العام في لفظ المفعول المطلق. ومنه الحال المؤكّدة نحو وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا، ويذكر في لفظ الحال. ومنه الوصف المؤكّد نحو أمس الدابر، هذا كله خلاصة ما في الإتقان والعباب وشروح الكافية.

الألم

الألم:
[في الانكليزية] Suffering
[ في الفرنسية] Douleur
هو إدراك المنافر من حيث هو منافر، ويقابله اللّذة، وسيجيء ذكره هناك مستوفى.
الألم: الوجع اللازم، ذكره الحرالي. وقال الراغب: إدراك المنافر من حيث إنه منافر ومنافر الشيء ضد ما يلائمه، وفائدته قيد الــحيثية التحرز عن إدراك المنافي من حيث منافاته فإنه غير ألم.

الإعراب

الإعراب: بالكسر، لغة البيان والفصاحة والإيضاح، وعرفا نحويا اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا. وبالفتح سكان البادية.
الإعراب:
[في الانكليزية] Declinaison ،grammatical analysis
[ في الفرنسية] Declinaison ،flexion ،analyse grammaticale
بكسر الهمزة عند النحاة ما اختلف آخر المعرب به على ما ذكره ابن الحاجب في الكافية. والمراد بما الموصولة أو الموصوفة الحركة أو الحرف، فخرج المقتضي.
وبالاختلاف التحوّل أي اتصاف الآخر بشيء لم يكن قبل. وإنما فسّر بذلك لأنّ الاختلاف لا يكون ناشئا إلّا من متعدّد، فيلزم أن لا يكون حركة زيد في ابتداء التركيب إعرابا ولو اعتبر بالنسبة إلى السكون السابق كان زيد في حال عدم التركيب أيضا معربا، لأنّ نسبة الاختلاف إلى الطرفين على السواء. فإذا كان الاسم في أحد طرفيه معربا لزم أن يكون في الطرف الآخر أيضا كذلك دفعا للتحكم، بخلاف التحوّل فإنه ناشئ من الحركة الثانية أو الحرف الثاني، وإن كان تقدّم حرف أو حركة شرطا له فتدبر. وقوله آخر المعرب يخرج اختلاف الوسط في نحو ابنم وامرئ بضم النون والراء وابنما وامرأ بفتحهما وابنم وامرئ بكسرهما، فإنه لا يسمّى إعرابا.
والمعرب شامل للاسم والفعل المضارع.
وقيد الــحيثية معتبر، أي الإعراب حركة أو حرف يتحوّل به آخر المعرب من حيث هو معرب ذاتا كما في الإعراب بالحروف أو صفة كما في الإعراب بالحركات، فخرج حركة نحو غلامي فإنه معرب على اختيار ابن الحاجب، لكن هذه الحركة ليست مما جيء بها من حيث أنها يختلف بها آخر المعرب بل، من حيث أنها توافق الياء وكذا جر الجوار. والباء في به للسببية والمتبادر من السبب السبب القريب فخرج العامل، وإن كان حرفا واحدا، ولو أبقيت ما على عمومها ولم ترد بها الحركة أو الحرف خرج المقتضي والعامل كلاهما بهذا القيد لكونهما من الأسباب البعيدة. ثم التنوين ليس في آخر المعرب لأنه يلحق الحركة. وأما كون الحرف في نحو مسلمان ومسلمون وإن لم يكن في آخره ظاهرا إذ الآخر هو النون إلّا أنّ النون فيهما كالتنوين لحذفه حال الإضافة كالتنوين، فكما أنّ التنوين لعروضه لم يخرج ما قبله عن أن يكون آخر الحروف فكذا النون. فالإعراب عند ابن الحاجب عبارة عمّا به الاختلاف. وأمّا عند غيره فهو عبارة عن الاختلاف، ولذا عرّف بأن يختلف آخر الكلمة باختلاف العوامل أي باختلاف جنس العامل لأن الجمعية بطلت باللام. واحترز بذلك عن حركة نحو غلامي عند من يقول بأنه معرب وجر الجوار. ويعضد هذا المذهب أن الإعراب ضد البناء والبناء عبارة عن عدم الاختلاف اتفاقا، ولا يطلق على الحركات أصلا فالحركة ما به البناء في البناء فكذا في الإعراب. ويعضد المذهب الأول أنّ وضع الإعراب للمعاني المعتورة وتعيين ما به الاختلاف للمعاني أولى لأنه أمر متحقق واضح، بخلاف الاختلاف، فإنه أمر معنوي اعتباري.

ثم للاعراب تقسيمات: الأول الإعراب إمّا أصلي وهو إعراب الاسم لأن الاسم محل توارد المعاني المختلفة على الكلم فتستدعي ما ينتصب دليلا على ثبوتها، والحروف بمعزل عنها، وكذا الأفعال لدلالة صيغها على معانيها.
وستعرف ذلك في لفظ المقتضي. وإمّا غير أصلي وهو إعراب الفعل. الثاني الإعراب إمّا صريح وهو أن يختلف آخر الكلمة باختلاف العوامل، أو غير صريح وهو أن يكون الكلمة موضوعة على وجه مخصوص من الإعراب وذلك في المضمر خاصة لا غير، وذلك لأنّ اختلاف الصيغة لا يكون إعرابا وإنما هو اختلاف الآخر باختلاف العوامل. فإذا قلت:
هو فعل كذا فلفظ هو مبني إلّا أنه كناية عن اسم مرفوع فقط، ولهذا سمّي ضميرا مرفوعا وكذا الحال في الضمير المنصوب والمجرور.
ولما كانت هذه الأسماء نائبة مناب الأسماء الظاهرة ومسّت الحاجة فيها إلى تمييز ما كان كناية عن مرفوع عمّا كان كناية عن منصوب أو مجرور، ولم يمكن إعرابها لعلّة أوجبت بناءها، صيغ لكلّ واحد من هذه الأحوال صيغة ليكونوا لم يبطلوا بناءها ويحصل لهم الغرض المقصود من التمييز بين هذه الأحوال، فكان اختلاف الصيغة فيها لدلالته على ما يدل عليه الإعراب نوع إعراب، إلّا أنها لمّا لم يوجد فيها اختلاف الآخر باختلاف العوامل لم يحكم بإعرابها صريحا، فقيل إنه إعراب غير صريح. الثالث الإعراب إمّا بالحروف أو بالحركات. أمّا بالحرف ففي الاسم كإعراب الأسماء الستّة والمثنى والمجموع وغيرها، وأما في الفعل فكنون يفعلان ونحوه. وأمّا بالحركة ففي الاسم كرفع زيد في ضرب زيد وفي الفعل كرفع آخر يفعل. الرابع الإعراب في الاسم ثلاثة أنواع:
رفع ونصب وجر. فالرفع علم الفاعلية والنصب علم المفعولية والجر علم الإضافة.
وفي الموشّح شرح الكافية لما كان المعاني المعتورة على الأسماء ثلاثة، وأنواع الإعراب كذلك، جعل كلّ واحد منها علما أي علامة لمعنى من المعاني، فجعل الرفع الذي هو الأثقل علامة للفاعلية وما أشبهها ويسمّى عمدة، وهي المعنى الذي فيه خفة من حيث هو أقل من المفعولية لكون الفاعل واحدا والمفعول خمسة. والنصب الذي هو الأخف علما للمفعولية وشبهها ويسمّى فضلة ليعادل ثقل الرفع قلة الفاعلية وخفّة النصب كثرة المفعولية. والجر الذي هو المتوسط بينهما أي أخف من الرفع وأثقل من النصب علم الإضافة وهي المعنى الذي بين الفاعلية والمفعولية في القلّة والكثرة ويسمّى علامة انتهى. وإعراب الفعل رفع ونصب وجزم. الخامس الإعراب إمّا محلي أو غير محلي، فالمحلي يتّصف به اللفظ إذا لم يكن معربا، لكن وقع في موضع المعرب، فهؤلاء مثلا في قولك جاءني هؤلاء مرفوع محلا ومعناه أنه في محل لو كان ثمة معرب لكان مرفوعا، لا أنه مرفوع حقيقة. فإن قلت المعرب محلا هل هو معرب بالحركة أو الحرف وهو بحيث لو فرض في محله المعرب بالحركة كان معربا بالحركة ولو فرض المعرب بالحرف كان معربا بالحرف؟ قلت الأقرب بالاعتبار أن يجعل مثل الذي معربا بالحركة محلا ومثل اللذان واللذين معربا بالحرف محلا، هكذا ذكر المولوي عصام الدين في حاشية الكافية في تعريف المرفوعات.
وغير المحلي إمّا لفظي وهو الذي يتلفّظ به كرفع زيد وإمّا تقديري وهو بخلافه ويكون في المعرب الذي تعذّر فيه الإعراب بأن يمتنع ظهوره في لفظه وذلك بأن لا يكون الحرف الأخير قابلا للحركة الإعرابية سواء كان موجودا كالعصا أو محذوفا كعصا بالتنوين، وفي المعرب الذي استثقل ظهوره فيه كالقاضي في قولك مررت بالقاضي. ومن الإعراب ما هو محكي سواء كان جملة منقولة نحو تأبّط شرّا أو مفردا كقولنا زيد بالجر من مررت بزيد علما للشخص. ونحو خمسة عشر علما يحتمل أن يجعل من التقديري ويحتمل أن يجعل بعد العلمية مبنيا، إعرابه محكي كسائر المبنيات، كذا في العباب.
فائدة:
الإعراب مأخوذ من أعربه إذا أوضحه، فإن الإعراب يوضّح المعاني المقتضية، أو من عربت معدته إذا فسدت، على أن تكون الهمزة للسلب فيكون معناه إزالة الفساد، سمّي به لأنه يزيل فساد التباس بعض المعاني ببعض. هكذا كلّه خلاصة ما في شروح الكافية وغيرها.

لذة

اللذة: إدراك الملائم من حيث إنه ملائم، كطعم الحلاوة عند حاسة الذوق، والنور عند البصر، وحضور المرجوِّ عند القوة الوهمية، والأمور الماضية عند القوة الحافظة تلتذ بتذكرها، وقيد الــحيثية للاحتراز عن إدراك الملائم لا من حيث ملاءمته؛ فإنه ليس بلذة، كالدواء النافع المر؛ فإنه ملائم من حيث إنه نافع، فيكون لذة لا من حيث إنه مرّ.

ل

[ل] ز: "ل" أمر من ولى يلي.
لام الأمر: هي لامٌ يُطلَب بها الفعل.

ل: اللام من الحروف المجهورة وهي من الحروف الذُّلْق، وهي ثلاثة أَحرف:

الراء واللام والنون، وهي في حيز واحد، وقد ذكرنا في أَول حرف الباء كثرة

دخول الحروف الذُّلْق والشَّفَوِيَّة في الكلام.

ل alphabetical letter ل

The twenty-third letter of the alphabet; called لَامٌ. It is one of the letters termed مَجْهُورَة, or vocal, and also belongs to the class of الحُرُوفُ الذُّلْقُ, or ذَوْلَقِيَّة, i. e. letters pronounced by means of the tip of the tongue and the lip; it is one of the letters of augmentation.

A2: As a numeral it denotes thirty.

A3: For the particles لا لِ لَ, &c., see Supplement.
ل: لِ. لَكَ وَلَك أو لك وحدها: لتأكيد الكلام ففي كليلة ودمنة (181:2) فإنما نحن لك ولك أيها الملك.
ل- السنة التاسعة لملك فلان (معجم أبي الفداء).
ل- يبيعها له: يبيعها لحسابه (رولاند).
كان ل: أخضع ل (عبد الواحد 16، 5).
عجباً لقوم لم تكن أذهانهم ... لهوى ولا أجسادهم لنحولِ
من لي بفلان: من يحل محلّي إزاء فلان (رياض النفوس 16): كان هذا القاضي يرى وحيداً، في الأغلب، في الجامع، حين يكون هناك مأتم فيقال له انك انصرفت إلى دارك فيقول فمن لي بالملهوف إذا قصدني فلم يجدني.
ل بدلاً من بعد: وكانت ولادة شيث لمضى مائتين وثلثين سنة من عمر آدم (معجم لبي الفداء).
لك الله: ليعطف عليك الله (عباد 1، 392).
لله علي: ليشهد علي الله (انظره في رياض النفوس في مادة طلب 78:1): لله على أن لا آكل تمراً حتى ألقاه وفي (ص90) في الحديث عن أحد المعلمين: ولما قرأ كتاب أدب المعلمين لمحمد بن سحنون رحمه الله ترك التعليم وقال الله علي لا علمت أبداً وذلك إنه خاف أن يضعف عن القيام بالشرائط التي فيه فتركه تطوعاً (رياض النفوس).
(اللَّامُ) مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ. وَهِيَ ضَرْبَانِ: مُتَحَرِّكَةٌ وَسَاكِنَةٌ. فَالْمُتَحَرِّكَةُ ثَلَاثٌ: لَامُ الْأَمْرِ وَلَامُ التَّأْكِيدِ وَلَامُ الْإِضَافَةِ. فَلَامُ الْأَمْرِ يُؤْمَرُ بِهَا الْغَائِبُ. وَرُبَّمَا أُمِرَ بِهَا الْمُخَاطَبُ، وَقُرِئَ: «فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا» بِالتَّاءِ. وَيَجُوزُ حَذْفُهَا فِي الشِّعْرِ فَتَعْمَلُ مُضْمَرَةً كَقَوْلِهِ: أَوْ يَبْكِ مَنْ بَكَى. وَلَامُ التَّأْكِيدِ خَمْسَةُ أَضْرُبٍ: لَامُ الِابْتِدَاءِ كَقَوْلِهِ: لَزَيْدٌ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو. وَالدَّاخِلَةُ فِي خَبَرِ إِنَّ الْمُشَدَّدَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} [البقرة: 143] . وَالَّتِي تَكُونُ جَوَابًا لِلَوْ وَلَوْلَا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح: 25] . وَالَّتِي تَكُونُ فِي الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُؤَكَّدِ بِالنُّونِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: 32] . وَلَامُ جَوَابِ الْقَسَمِ. وَجَمِيعُ لَامَاتِ التَّأْكِيدِ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِلْقَسَمِ. وَلَامُ الْإِضَافَةِ ثَمَانِيَةُ أَضْرُبٍ: لَامُ الْمِلْكِ كَقَوْلِكَ: الْمَالُ لِزَيْدٍ. وَلَامُ الِاخْتِصَاصِ كَقَوْلِكَ: أَخٌ لِزَيْدٍ. وَلَامُ الِاسْتِغَاثَةِ كَقَوْلِهِ:
يَا لَلرِّجَالِ لِيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ أَمَا يَنْفَكُّ يُحْدِثُ لِي بَعْدَ النُّهَى طَرَبَا وَاللَّامَانِ جَمِيعًا لِلْجَرِّ إِلَّا أَنَّهُمْ فَتَحُوا الْأُولَى وَكَسَرُوا الثَّانِيَةَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَغَاثِ بِهِ وَالْمُسْتَغَاثِ لَهُ. وَقَدْ يَحْذِفُونَ الْمُسْتَغَاثَ بِهِ وَيُبْقُونَ الْمُسْتَغَاثَ لَهُ فَيَقُولُونَ: يَا لِلْمَاءِ يُرِيدُونَ يَا قَوْمُ لِلْمَاءِ أَيْ لِلْمَاءِ أَدْعُوكُمْ. فَإِنْ عَطَفْتَ عَلَى الْمُسْتَغَاثِ بِهِ بِلَامٍ أُخْرَى كَسَرْتَهَا لِأَنَّكَ قَدْ أَمِنْتَ اللَّبْسَ بِالْعَطْفِ كَقَوْلِهِ:

يَا لَلْكُهُولِ وَلِلشُّبَّانِ لِلْعَجَبِ
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

يَا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا
اسْتِغَاثَةٌ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ يَا آلَ بَكْرٍ فَخُفِّفَ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ. وَمِنْهَا لَامُ التَّعَجُّبِ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ كَقَوْلِكَ يَا لَلْعَجَبِ وَالْمَعْنَى يَا عَجَبُ احْضُرْ فَهَذَا أَوَانُكَ. وَلَامُ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى كَيْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] وَضَرَبَهُ لِيَتَأَدَّبَ. وَلَامُ الْعَاقِبَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

فَلِلْمَوْتِ تَغْذُو الْوَالِدَاتُ سِخَالَهَا ... كَمَا لِخِرَابِ الدَّهْرِ تُبْنَى الْمَسَاكِنُ
أَيْ عَاقِبَتُهُ ذَلِكَ. وَلَامُ الْجَحُودِ بَعْدَ مَا كَانَ وَلَمْ يَكُنْ وَلَا تَصْحَبُ إِلَّا النَّفْيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} [الأنفال: 33] أَيْ لِأَنْ يُعَذِّبَهُمْ. وَلَامُ التَّأْرِيخِ تَقُولُ: كَتَبْتُ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ أَيْ بَعْدَ ثَلَاثٍ.
وَأَمَّا اللَّامُ السَّاكِنَةُ فَضَرْبَانِ: لَامُ التَّعْرِيفِ سَاكِنَةٌ أَبَدًا. وَلَامُ الْأَمْرِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا حَرْفُ عَطْفٍ جَازَ فِيهَا الْكَسْرُ وَالتَّسْكِينُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ} [المائدة: 47] . 
اللَّام: على نَوْعَيْنِ اسْمِي وحرفي. اللَّام الاسمي بِمَعْنى الَّذِي مثل الضَّارِب والحرفي تدخل على النكرَة فتجعلها معرفَة وَهِي للْجِنْس والاستغراق والعهد الْخَارِجِي والعهد الذهْنِي لِأَنَّهُ لَا بُد وَأَن يكون لمدخولها مَاهِيَّة وَمَفْهُوم. فَهِيَ إِمَّا تُشِير إِلَى مَاهِيَّة مدخولها من حَيْثُ هِيَ بِأَن لَا تكون الْأَفْرَاد ملحوظة فَهِيَ لَام الْجِنْس مثل الرجل خير من الْمَرْأَة. أَو تُشِير إِلَى مَاهِيَّة مدخولها لَا من تِلْكَ الْــحَيْثِيَّة. فَأَما من حَيْثُ إِنَّهَا متحققة فِي ضمن جَمِيع الْأَفْرَاد. أَو فِي ضمن فَرد مَا نَوْعي أَو شخصي. الأول لَام الِاسْتِغْرَاق كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا} . وعَلى الثَّانِي فَذَلِك الْفَرد إِمَّا مَعْهُود بَين الْمُتَكَلّم والمخاطب أَولا بِأَن يفرضه الْمُتَكَلّم. فعلى الأول لَام الْعَهْد الْخَارِجِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول} . وعَلى الثَّانِي لَام الْعَهْد الذهْنِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {أكله الذِّئْب} . وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول إِذا دخلت اللَّام على اسْم جنس فإمَّا أَن يشار بهَا إِلَى حِصَّة مُعينَة مِنْهُ أَي من ذَلِك الْجِنْس فَردا كَانَت تِلْكَ الْحصَّة الْمعينَة أَو أفرادا مَذْكُورا تَحْقِيقا كَمَا هُوَ الظَّاهِر أَو تَقْديرا كَمَا إِذا قيل خرج الْأَمِير وَلَا يكون هُنَاكَ أَمِير سواهُ وَيُسمى لَام الْعَهْد الْخَارِجِي وَإِمَّا أَن يشار بهَا إِلَى الْجِنْس نَفسه وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يقْصد الْجِنْس من حَيْثُ هُوَ كَمَا فِي التعريفات وَنَحْو قَوْلك الرجل خير من الْمَرْأَة وَتسَمى (لَام الْحَقِيقَة والطبيعة) . وَإِمَّا أَن يقْصد الْجِنْس من حَيْثُ هُوَ مَوْجُود فِي ضمن الْأَفْرَاد بِقَرِينَة الْأَحْكَام الخارجية عَلَيْهِ الثَّابِتَة لَهُ فِي ضمن تِلْكَ الْأَفْرَاد. فإمَّا فِي جَمِيعهَا كَمَا فِي الْمقَام الْخطابِيّ كالمدح والذم واليقيني مثل {إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا} . وَهُوَ الِاسْتِغْرَاق أَو فِي بَعْضهَا وَهُوَ الْمَعْهُود الذهْنِي فَإِن قلت هلا جعلت الْعَهْد الْخَارِجِي كالذهني والاستغراق رَاجعا إِلَى الْجِنْس قلت: لِأَن معرفَة الْجِنْس غير كَافِيَة فِي تعْيين شَيْء من أَفْرَاده بل يحْتَاج فِيهِ إِلَى معرفَة أُخْرَى انْتهى. يَعْنِي لَا بُد فِي الْعَهْد الْخَارِجِي من تعْيين فَرد أَو أَكثر مَذْكُورا فِيمَا سبق تَحْقِيقا أَو تَقْديرا وَلَا بِكَوْنِهِ تَعْرِيف الْجِنْس فَقَط فَلَا يَصح إرجاع الْعَهْد الْخَارِجِي إِلَيْهِ وإدراجه فِيهِ وَإِن أردْت تَفْصِيل هَذَا الْمقَام وَتَحْقِيق هَذَا المرام فَانْظُر فِي الْمعرفَة فَإِنَّهَا مَمْلُوءَة بحقائق ومعارف بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ.
ثمَّ اعْلَم أَن فِي لَام التَّعْرِيف ثَلَاثَة مَذَاهِب. مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وَهُوَ أَن أَدَاة التَّعْرِيف هِيَ اللَّام وَحدهَا زيدت عَلَيْهَا همزَة الْوَصْل لتعذر الِابْتِدَاء بالساكن وَلم تتحرك لِأَن الضمة ثَقيلَة وَعند تحريكها بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح يلْزم الالتباس بِاللَّامِ الجارة وَلَام التَّأْكِيد وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور. وَمذهب الْخَلِيل. أَن أل كهل. وَمذهب الْمبرد. وَهُوَ أَن أَدَاة التَّعْرِيف هِيَ الْهمزَة وَحدهَا زيدت اللَّام للْفرق بَينهَا وَبَين همزَة الِاسْتِفْهَام. وَلنَا تحقيقات عَجِيبَة وتدقيقات فويقة فِي تَفْصِيل هَذِه الْمذَاهب الثَّلَاثَة فِي جَامع الغموض منبع الفيوض شرح الكافية.
ثمَّ اعْلَم أَن لَام التَّعْرِيف تُدْغَم فِي أَرْبَعَة عشر حرفا. فِي التَّاء نَحْو التائبون. وَفِي الثَّاء نَحْو وَمَا تَحت الثرى. وَفِي الدَّال نَحْو وَالدَّم. وَفِي الذَّال نَحْو والذرع. وَفِي الرَّاء نَحْو وَالرُّمَّان. وَفِي الزَّاي نَحْو وَالزَّيْتُون. وَفِي السِّين نَحْو وَالسَّمَاء. وَفِي الشين نَحْو وَالشَّمْس. وَفِي الصَّاد نَحْو وَالصَّافَّات. وَفِي الضَّاد نَحْو وَالضُّحَى وَفِي الطَّاء نَحْو والطيبات. وَفِي الظَّاء نَحْو أَن الظَّن. وَفِي اللَّام نَحْو وَاللَّيْل. وَفِي النُّون نَحْو وَالنَّاس وَتسَمى هَذِه الْحُرُوف حروفا شمسية لِأَن الشَّمْس كَمَا تُؤثر فِي الْقَمَر بِحَيْثُ يصير هُوَ منورا كَذَلِك هَذِه الْحُرُوف عِنْد اتصالها بلام التَّعْرِيف مُؤثرَة فِيهَا بِحَيْثُ تصير اللَّام مثلهَا كَمَا مر وَيُسمى هَذَا الْإِدْغَام بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْحُرُوف إدغاما شمسيا. وَتظهر لَام التَّعْرِيف عِنْد اتِّصَال حرف من حُرُوف (ابغ حجك وخف عقيمه) كَمَا تَقول الْأَعْمَى - والبصير - والغاوون وَالْحَمْد - والجمل وَالْكتاب - والوسواس - والخناس - وَالْفَجْر - وَالْعَادِيات - والقارعات واليتيم - والمسكين - وَالْهَادِي. وَتسَمى هَذِه الْحُرُوف قمرية لِأَن الْقَمَر لَا يُؤثر نوره فِي غَيره كَالشَّمْسِ كَذَلِك هَذِه الْحُرُوف لَا تُؤثر تأثيرها أصلا فِي اللَّام عِنْد اتصالها بهَا وَيُسمى هَذَا الْإِظْهَار بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْحُرُوف قمريا.
ل
1 [كلمة وظيفيَّة]: الحرف الثَّالث والعشرون من حروف الهجاء، وهو صوتٌ لثويّ، مجهور، ساكن جانبيّ، مُرقَّق. 

ل2 [كلمة وظيفيَّة]:
1 - حرف جرّ يفيد الاستحقاق "الحمد لله- {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} ".
2 - حرف جرّ يفيد الاختصاص "الجنّة للمؤمنين- {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} ".
3 - حرف جرّ يفيد الملك أو التمليك "وهبت له مالاً- {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} ".
4 - حرف جرّ يفيد التعليل " {وَقَدْ كَفَرُوا لِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [ق]- {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ. إِيلاَفِهِمْ} ".
5 - حرف جرّ بمعنى (إلى) " {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} ".
6 - حرف جرّ بمعنى بَعْدَ " {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ".
7 - حرف جرّ بمعنى (على)، فيكون للاستعلاء الحقيقيّ أو المجازيّ " {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} - {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ".
8 - حرف جرّ يفيد شبه الملك " {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} ".
9 - حرف جرّ بمعنى (عند) "كتبته لخمس خلون من رمضان- {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لِمَا جَاءَهُمْ} [ق]: بكسر اللام وتخفيف الميم".
10 - حرف جرّ بمعنى (مِنْ) "سمعت له صراخا- *ونحن لكم يوم القيامة أفضل*: ونحن منكم".
11 - حرف جرّ بمعنى (في) " {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ".
12 - حرف جرّ بمعنى (عن).
13 - حرف جرّ يفيد القسم "لله ما يبقى على الأيّام ذو حِيَدٍ".
14 - حرف جرّ يفيد التعجّب "فلله هذا الدهر كيف تردّدا" ° لله دَرُّك.
15 - حرف جرّ يفيد التعدية "ما أحبَّ هذا العالِم للقراءة- {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} ".
16 - حرف جرّ، ويكون زائدًا لتقوية عامل ضعيف، ويسمَّى لام التقوية " {هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} - {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} ".
17 - حرف جرّ يفيد التبليغ "قلت له: بلَّغْتُه".
18 - حرف جرّ يفيد التعدية.
19 - حرف جرّ يفيد البيان؛ أي: بيان أنّ ما بعدها في حكم المفعول وأنّ ما قبلها هو الفاعل "ما أحبني لفلان".
20 - حرف نصب يأتي بعد كونٍ منفيّ، يفيد توكيد النفي، ويسمَّى لام الجحود " {لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} ".
21 - حرف نصب يفيد الصيرورةَ أو العاقبةَ، فيكون ما بعده أمرًا مفاجئًا غير متوقّع بالنسبة لما قبله، ويسمى لام العاقبة " {فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}: وهي الداخلة على المضارع المنصوب بـ أن مضمرة".
22 - حرف نصب يفيد التعليل، وهو الذي يكون ما بعده سببًا لما قبله، ويسمَّى لام التعليل " {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} ".
23 - حرف نصب يكون زائدًا بعد فعل الإرادة والأمر " {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} ".
24 - حرف جزم، يأتي للأمر وللدعاء وللالتماس، ويسمَّى لام الطلب "لتعرني قلبك: - {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} - {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} ".
25 - حرف غير عامل للابتداء يفيد توكيد مضمون الجملة وتخليص المضارع للحالّ، ومنها اللاّم التي تأتي بعد إنّ، وتسمَّى اللام المزحلقة " {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً}: دخلت على المبتدأ- {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}: دخلت على خبر إنَّ وهو اسم- {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}: دخلت على خبر إنَّ وهو فعل مضارع- {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}: دخلت على خبر إنَّ وهو شِبه جملة".
26 - حرف زائد غير عامل "ولكنّني من حبِّها لعميد: دخلت على خبر لكن".
27 - حرف غير عامل، وهي لام الجواب " {لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا}:
 جواب لو- {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}: جواب لولا- {تَاللهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا}: جواب القسم".
28 - حرف غير عامل، يدخل على أداة شرط للإيذان بأنّ الجواب بعدها مبنيّ على قسم قبلها لا على الشرط، ويسمَّى اللاّم الموطِّئة " {لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} ".
29 - حرف غير عامل، وهي اللاّم اللاحقة بأسماء الإشارة للدلالة على البعد أو على توكيده "ذلك الرجل- تلك المرأة". 

ل


لِ (a. prep. As a pronom. prefix.
لَ ), To; according to; belonging
due to.
b. ( foll. by the Aorist ), To, in order to
for the purpose of.
لَعَمْرُك
a. By thy life!

إِنَّ رَبِّي لَسَمِيّع
الدُّعَآء
a. Verily my God (surely) hearkens to
prayer!
يَا لَلْعَجَب
a. O Wonder!

إِنَّ زَيْدًا لَقَامَ
a. As to Zaid, he (surely) has risen.

لَكَ أَلأَمْرُ
a. It is for thee to decide the matter.

لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ
والأَرضِ
a. To Him belongs all that is in Heaven & on
earth!

لِي عِلْمٌ بِذٰلِكَ
a. I have knowledge of that.

لِلّٰهِ وَرَسُوْلِهِ
a. For the love of God & his prophet!

المَجْدُ لِلّٰهِ
a. Glory be to God!

فَلْيَكْتُب &
a. لِيَكْتُب Let him write!

جِئْتُكَ لِأَن أُكْرِمَكَ
a. I have come in order to honour thee.

وَهَبْتُ لِزَيْدٍ دِيْنَارًا
a. I have granted a deenar to Zaid.

الْقُوَّة

(الْقُوَّة) ضد الضعْف والطاقة من طاقات الْحَبل وَتمكن الْحَيَوَان من الْأَعْمَال الشاقة والمؤثر الَّذِي يُغير أَو يمِيل إِلَى تَغْيِير حَالَة سُكُون الْجِسْم أَو حَالَة حركته بِسُرْعَة منتظمة فِي خطّ مُسْتَقِيم (مج) ومبعث النشاط والنمو وَالْحَرَكَة وتنقسم إِلَى طبيعية وحيوية وعقلية كَمَا تَنْقَسِم إِلَى باعثة وفاعلة (ج) قوى وقوات وَيُقَال رجل شَدِيد القوى شَدِيد أسر الْخلق والقوات المسلحة فيالق الْجَيْش فِي الْبر وَالْبَحْر والجو (محدثة)
الْقُوَّة: تمكن الْحَيَوَان من الْأَفْعَال الشاقة أَي الْقُدْرَة. وَاعْلَم أَن الْقُوَّة بِمَعْنى إِمْكَان حُصُول الشَّيْء مَعَ عدم تقَابل الْفِعْل بِمَعْنى الْحُصُول فِي أحد الْأَزْمِنَة. وَقد تطلق الْقُوَّة على الشَّيْء الَّذِي هُوَ مبدأ التَّغَيُّر فِي آخر من حَيْثُ هُوَ آخر سَوَاء كَانَ ذَلِك المبدأ جوهرا أَو عرضا وَسَوَاء كَانَ فَاعِلا أَو غَيره وَفَائِدَة الْــحَيْثِيَّة التَّنْبِيه على أَن الآخر لَا يجب أَن يكون مغايرا لَهُ بِالذَّاتِ بل قد يكون مغايرا بِالِاعْتِبَارِ كَمَا فِي معالجة الْإِنْسَان نَفسه الناطقة فِي الْأَمْرَاض النفسانية فَإِن التغاير هَا هُنَا اعتباري فَإِن الْإِنْسَان من حَيْثُ إِنَّه عَالم بمعالجة تِلْكَ الْأَمْرَاض معالج. وَمن حَيْثُ إِنَّه مَرِيض بِتِلْكَ الْأَمْرَاض معالج. وَأما فِي معالجة الْإِنْسَان فِي الْأَمْرَاض الْبَدَنِيَّة فهما متغايران بِالذَّاتِ أَيْضا قيل قد يُطلق على الْأَمر العرضي الَّذِي هُوَ مبدأ الْأَفْعَال والانفعالات وَقد تطلق على الصُّورَة النوعية بِاعْتِبَار كَونهَا مُؤثرَة ومبدأ للْفِعْل والانفعال. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هذَيْن الإطلاقين منفردان على إِطْلَاق الْقُوَّة على ذَلِك المبدأ فَافْهَم.

حيث

حيث وحوث للعَرَبِ في حَيْثُ لُغَتانِ: حَيْثُ وحَوْثُ، ومنهم مَنْ يَنْصِبُه في مَوْضِعٍ نَصْبٍ، وقد يُجْعَلُ اسْماً فيقُولون: هي أحْسَنُ النّاسِ حَيْثَ نَظَرَ ناظِرٌ؛ يَعْني وَجْهاً. وقال النَّضْرُ: الحَوْثُ عِرْقُ الكَبِدِ.
والحَوْثَاءُ: من أعْفَاجِ البَطْنِ. وضارَ القَوْمُ حَوْثَ بَوْثَ وحاثِ باثِ: إذا تَفَرَّقُوا شِلَالاً، وحَوْثاً بَوْثاً، وحَيْثَ يَبْثَ.
والإحاثَةُ: طَلَبُ الشَّيْءِ في التُّرَابِ، وهو يَسْتَحِيْثُ ويَسْتَبِيْثُ. وجَمْرٌ مُحَاثٌ: مُحَرَّكٌ.
حيث
حيث عبارة عن مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده، نحو قوله تعالى: وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ [البقرة/ 144] ، وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ [البقرة/ 149] .
حيث: حاث باث. تركوا البلادَ حاثِ باثِ: حَيْثَ بَيْثَ (المفصل طبعة بروش ص70).
حَيْث: حيث أن: بما ان. إذ أنَّ. أن، أنَّ.
من حيث: بما أنَّ. إذ أنَّ، بحيث.
بحيث إن من حيث أن: إذ أنَّ إذ كان، بما أنَّ، لأجل أن.
حيث ذلك: بناء عليه.
من حيث كذا: والحلة هذه، بناء عليه، إن كان الأمر كذلك (بوشر).
حَيْثِيَّة: منظر، وجهة نظر، ما يقصده المرء (ويجرز ص55 من التعليقات) وأنظر (ص195 رقم 354).
ح ي ث : حَيْثُ ظَرْفُ مَكَان وَيُضَافُ إلَى جُمْلَةٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ وَبَنُو تَمِيمٍ يَنْصِبُونَ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ نَحْوِ قُمْ حَيْثُ يَقُومُ زَيْدٌ وَتَجْمَعُ مَعْنَى ظَرْفَيْنِ لِأَنَّكَ تَقُولُ أَقُومُ حَيْثُ يَقُومُ زَيْدٌ وَحَيْثُ زَيْدٌ قَائِمٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَقُومُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ زَيْدٌ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ حَيْثُ مِنْ حُرُوفِ الْمَوَاضِعِ لَا مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي وَشَذَّ إضَافَتُهَا إلَى الْمُفْرَدِ فِي الشِّعْرِ وَيَشْتَبِهُ بِحِينٍ وَسَيَأْتِي. 
[حيث] حَيْثُ: كلمةٌ تدلُّ على المكان، لأنه ظرفٌ في الأمكنة بمنزلة حينَ في الأزمنة. وهو اسم مبنى، وإنما حرك آخره لالتقاء الساكنين. فمن العرب من يبنيها على الضم تشبيها بالغايات، لانها لم تجئ إلا مضافة إلى جملة، كقولك أقوم حيث يقوم زيد ولم تقل حيث زيد. وتقول حيث تكون أكون. ومنهم من يبنيها على الفتح مثل كيف، استثقالا للضم مع الياء. وهى من الظروف التي لا يجازى بها إلاّ مع ما، تقول: حيثما تجلسْ أجلس، في معنى أينما. وقوله تعالى: (ولا يُفْلِحُ الساحرُ حيث أتى) في حرف ابن مسعود: (أين أتى) . والعرب تقول: حئت من أين لا تعلم، أي من حيث لا تعلم. 
ح ي ث: (حَيْثُ) ظَرْفُ مَكَانٍ بِمَنْزِلَةِ حِينٍ فِي الزَّمَانِ وَهُوَ اسْمٌ مَبْنِيٌّ وَإِنَّمَا حُرِّكَ آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ: فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَبْنِيهِ عَلَى الضَّمِّ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إِلَّا مُضَافًا إِلَى جُمْلَةٍ. تَقُولُ أَقُومُ حَيْثُ يَقُومُ زَيْدٌ وَلَا تَقُلْ: حَيْثُ زَيْدٌ وَتَقُولُ حَيْثُ تَكُونُ أَكُونُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهِ عَلَى الْفَتْحِ اسْتِثْقَالًا لِلضَّمِّ مَعَ الْيَاءِ. وَهُوَ مِنَ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا يُجَازَى بِهَا إِلَّا مَعَ مَا. تَقُولُ حَيْثُمَا تَجْلِسْ أَجْلِسْ بِمَعْنَى أَيْنَمَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَيْنَ أَتَى» وَالْعَرَبُ تَقُولُ جِئْتُ مِنْ أَيْنَ لَا تَعْلَمُ أَيْ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ. 
حيث
حَيْثُ [كلمة وظيفيَّة]:
1 - ظرف للمكان يُبنى على الضمّ ويضاف للجمل وهو مبهم يوضِّحه ما بعده، وقد يدلّ على الزمان، وقد يسبقه بعض حروف الجرّ خاصّة (من) و (إلى) "سأزورك حيث تتجمَّع أسرتك- أعود من حيث أتيت- مضوا بها إلى حيث لا تعود- {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ".
2 - بسبب أنَّ "حيث حضرت بدون موعد فلن يقابلك المدير" ° حيث إنّ: إذ إنَّ، بما أنَّ. 

حيثما [كلمة وظيفيَّة]: (انظر: ح ي ث م ا - حيثما). 

حيثيَّات [جمع]: مف حَيْثيّة
• الحيثيَّات في القرارات والأحكام: ما يُبنى عليه قرار أو حكم من مقدمة أو مسوّغ، الأسباب الموجبة لها وهي مبتدئة بـ حيث ... وحيث "حيثيّات الحكم- هذه الحيثيّات بارزة". 
(ح ي ث)

حيثُ: ظرف من الْأَمْكِنَة مُبْهَم، مضموم وَبَعض الْعَرَب يَفْتَحهُ. وَزَعَمُوا أَن أَصْلهَا الْوَاو وَإِنَّمَا قلبوا الْوَاو يَاء قلب الخفة. وَهَذَا غير قوي. وَقَالَ بَعضهم: اجْتمعت الْعَرَب على رفع حيثُ فِي كل وَجه، وَذَلِكَ أَن أَصْلهَا حَوثَ، فقلبت الْوَاو يَاء لِكَثْرَة دُخُول الْيَاء على الْوَاو فَقيل حَيْثُ، ثمَّ بنيت على الضَّم لالتقاء الساكنين، واختير لَهَا الضَّم ليشعر ذَلِك بِأَن أَصْلهَا الْوَاو، وَذَلِكَ لِأَن الضمة مجانسة للواو فكأنهم أتبعوا الضَّم الضَّم. قَالَ الْكسَائي: وَقد يكون فِيهَا النصب يحفزها مَا قبلهَا إِلَى الْفَتْح، قَالَ الْكسَائي: وَسمعت فِي بني تَمِيم من بني يَرْبُوع وطُهيَّةَ من ينصب الثَّاء على كل حَال: فِي الْخَفْض وَالنّصب وَالرَّفْع، فَيَقُول حَيْثُ الْتَقَيْنَا، وَمن حَيْثُ لَا يعلمُونَ، وَلَا يُصِيبهُ الرّفْع فِي لغتهم، وَقَالَ: سَمِعت فِي بني أَسد بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة وَفِي بني فقعس كلهَا، يخفضونها فِي مَوضِع الْخَفْض وينصبونها فِي مَوضِع النصب فَيَقُولُونَ: من حَيْثُ لَا يعلمُونَ، وَكَانَ ذَلِك حَيْثُ الْتَقَيْنَا. وَحكى الَّلحيانيّ عَن الْكسَائي أَيْضا، أَن مِنْهُم من يخْفض بِحيثُ، وَأنْشد:

أما ترى حَيْثُ سُهَيلٍ طالعاً قَالَ: وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ.

وَقَوله، أنْشدهُ ابْن دُرَيْد:

بحيثُ ناصَى اللِّمَمَ الكِثاثَا

مَوْر الكثيبِ فَجَرى وحَاثا

يجوز أَن يُرِيد: وحَثا، فَقلب.

حيث



حَيْثُ, (S, Msb, Mughnee, K,) indecl., (S, Msb,) with damm for its termination, (S, Msb, Mughnee,) as being likened to final words [such as قَبْلُ and بَعْدُ ending a proposition], (S, Mughnee,) because it does not [regularly] occur otherwise than prefixed to a proposition, (S,) for the being prefixed to a proposition is like the not being prefixed to anything, as the consequence of being prefixed, which is the sign of the gen. case, is not apparent: (Mughnee:) and حَيْثَ, (S, Mughnee, K,) also indecl., (S,) with fet-h, (S, Mughnee,) to render the pronunciation more easy, (Mughnee,) because damm with ى is deemed difficult to pronounce: (S:) and حَيْثِ, (Mughnee, K,) with kesr, accord. to the general rule observed to prevent the concurrence of two quiescent letters: (Mughnee:) and in like manner, حَوْثُ and حَوْثَ and حَوْثِ: (Mughnee, TA:) of which forms, حوث is asserted to be the original; (L;) though حَيْثُ is more chaste than حَوْثُ, and is the form used in the Kur-án: (Az and TA in art. حوث:) but some of the Arabs make حيث decl.: (Mughnee:) it is an adverbial noun of place, (S, Msb,) a vague adverbial noun of place, (L,) [signifying Where,] like حِينَ with respect to time: (S, K:) or it is a denotative of place, by general consent: but accord. to Akh it sometimes occurs as denoting time, [signifying when,] as in the following verse, (Mughnee, TA,) which is the strongest evidence of its use in this sense: (TA:) حَيْثَمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ اللّٰهُ نَجَاحًا فِى غَابِرِ الأَزْمَانِ [Whenever thou shalt pursue a right course, God will decree thee success in the time to come]: (Mughnee, TA:) but in most instances it occupies the place of an accus., as an adverbial noun of place; or of a gen., governed by مِنْ, and sometimes by another prep., as in the saying (of Zuheyr, TA in art. قشعم), لَدَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَاأُمُّ قَشْعَمِ [At the place where Calamity, or Fate, has put down her saddle, i. e., made her abode]: and sometimes it occurs as an objective complement, as it is said to do in اَللّٰهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ [in the Kur vi. 124], i. e. God is knowing: He knows where to bestow his apostolic commissions; يَعْلَمُ being suppressed, as implied by أَعْلَمُ; or أَعْلَمُ may be rendered by عَالِمٌ, and so may govern the accus. case. (Mughnee.) Accord. to rule, (Mughnee,) in every instance, (S, Mughnee,) it is prefixed to a proposition, (S, Msb, Mughnee,) nominal, or verbal, but in most cases the latter; (Mughnee;) as in أَقُومُ حَيْثُ يَقُومُ زَيْدٌ [I will stand where Zeyd shall stand]; and حَيْثُ تَكُونُ أَكُونُ [Where thou shalt be, I will be]; (S;) and جَلَسْتُ حَيْثُ زَيْدًا أَرَاهُ [I sat where I saw Zeyd], the accus. case being preferred in an instance like this; (Mughnee;) and اذْهَبْ حَيْثُ شئْتَ [Go thou whither thou wilt.] (Msb in art. حَين.) Youshould not say حَيْثُ زَيْدٌ [alone]: (S:) or it occurs prefixed to a single word in poetry; (Msb, Mughnee;) as in the saying, وَنَطْعُنُهُمْ تَحْتَ الكُلَى بَعْدَ ضَرْبِهِمْ بِبِيضِ المَوَاضِى حَيْثُ لَىِّ العَمَائِمِ [And we pierce them beneath the kidneys, after smiting them, with the sharp swords, where the turbans are wound]; (Mughnee;) but this is irregular; (Msb, Mughnee;) though Ks holds it to be regular. (Mughnee.) Lh relates, on the authority of Ks, that some make حيث to govern a noun in the gen. case, as in the saying, أَمَا تَرَى حَيْثُ سُهَيْلٍ طَالِعَا [Seest thou not where Canopus is, rising?]: but he says that this is not of respectable authority: (L:) some write حَيْثَ سُهَيْلٍ: and some, حَيْثُ سُهَيْلٌ, [which is the common reading, سهيل being an inchoative, and] the enunciative, مَوْجُودٌ, being suppressed. (Mughnee.) Abu-l-Fet-h says that he who prefixes حيث to a single word makes it declinable. (Mughnee.) [Accord. to Fei,] BenooTemeem say حَيْثَ when it occupies the place of an accus., as in the phrase, قُمْ حَيْثَ يَقُومُ زَيْدٌ [Stand thou where Zeyd shall stand]. (Msb.) Ks says, I have heard among Benoo-Temeem, of Benoo-Yarbooa and Tuheiyeh, those who say حَيْثَ in every case, when it occupies the place of a gen., and that of an accus., and that of a nom.; saying مِنْ حَيْثَ لَايَعْلَمُونَ [Whence they know not], and حَيْثَ الْتَقَيْنَا [Where we met]: and he says also, I have heard some of Benu-l-HárithIbn-Asad-Ibn-El-Hárith-Ibn-Thaalabeh, and all Benoo-Fak'as, say حَيْثِ when it occupies the place of a gen., and حَيْثَ when it occupies the place of an accus.; saying مِنْ حَيْثِ لَا يَعْلَمُونَ, and حَيْثَ الْتَقَيْنَا. (L.) Sometimes the proposition after حيث commences with إِنَّ, as in اِجْلِسْ حَيْثُ إِنَّ زَيْدًا جَالِسٌ [Sit thou where Zeyd is sitting]. (K in art. أن, and IAk p. 92.) b2: It sometimes comprises the meanings of two adverbial nouns of place, as when you say, حَيْثُ عَبْدُ اللّٰهِ قَاعِدٌ زَيْدٌ قَائِمٌ [Where' Abd-Allah is sitting, there Zeyd is standing]. (AHeyth, L.) b3: The restrictive مَا (مَا كَافَّةٌ) is sometimes affixed to it, and in this case it implies a conditional meaning, [signifying Wherever, or wheresoever, and, accord. to Akh, whenever, or whensoever,] (Mughnee, TA,) and renders two verbs mejzoom, (Mughnee,) as in the saying, حَيْثُمَا تَجْلِسْ أَجْلِسْ [Wherever thou shalt sit, I will sit], (S,) and in the first of the verses cited above: (Mughnee, TA:) it is not [properly, though it is sometimes improperly,] used as a conditional without ما. (S.) b4: [It is also used, in scientific and other post-classical works, in senses different from those explained above. Thus, مِنْ حَيْثُ is used to signify As to, or in respect of: so in the phrase مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَالمَعْنَى

As to, or in respect of, the word and the meaning. Also As, or considered as, absolutely, or abstractedly: so in the phrase مِنْ حَيْثُ هُوَ, or مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ, As, or considered as, such, absolutely, or abstractedly; and الإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ

إِنْسَانٌ Man, as, or considered as, man, absolutely, or abstractedly. And As, meaning considered merely or only or simply as: so in the saying, الإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَصِحُّ وَتَزُولُ عَنْهُ السِّحَّةُ مَوْضُوعُ الطِّبِّ Man, as, or considered merely or only or simply as, being healthy and ceasing to be healthy, is the object of therapeutics. And As, meaning since, or because: so in the saying, النَّارُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا حَارَّةٌ تُسَخِّنُ المَآءَ Fire, as, or since, or because, it is hot, heats water. بِحَيْثُ is also vulgarly used in this sense. And correctly as meaning So that; so as that; in such a state, or condition, that: often syn. with حَتَّى.]

حيث: حَيْثُ: ظرف مُبْهم من الأَمْكِنةِ، مَضموم، وبعض العرب يفتحه،

وزعموا أَن أَصلها الواو؛ قال ابن سيده: وإِنما قلبوا الواو ياء طلبَ

الخِفَّةِ، قال: وهذا غير قويّ. وقال بعضهم: أَجمعت العربُ على وقع حيثُ في كل

وجه، وذلك أَن أَصلها حَوْثُ، قفلبت الواو ياء لكثرة دخول الياء على

الواو، فقيل: حَيْثُ، ثم بنيت على الضم، لالتقاء الساكنين، واختير لها الضم

ليشعر ذلك بأَن أَصلها الواو، وذلك لأَن الضمة مجانسةٌ للواو، فكأَنهم

أَتْبَعُوا الضَّمَّ الضَّمَّ. قال الكسائي: وقد يكونُ فيها النصبُ،

يَحْفِزُها ما قبلها إِلى الفتح؛ قال الكسائي: سمعت في بني تميم من بني يَرْبُوع

وطُهَيَّةَ من ينصب الثاء، على كل حال في الخفض والنصب والرفع، فيقول:

حَيْثَ التَقَيْنا، ومن حيثَ لا يعلمون، ولا يُصيبه الرفعُ في لغتهم. قال:

وسمعت في بني أَسد بن الحارث بن ثعلبة، وفي بني فَقْعَس كلِّها يخفضونها

في موضع الخفض، وينصبونها في موضع النصب، فيقول من حيثِ لا يعلمون، وكان

ذلك حيثَ التَقَيْنا. وحكى اللحياني عن الكسائي أَيضاً أَن منهم من

يخفضُ بحيث؛ وأَنشد:

أَما تَرَى حَيْثَ سُهَيْلٍ طالِعا؟

قال: وليس بالوجه؛ قال: وقوله أَنشده ابن دريد:

بحيثُ ناصَى اللِّمَمَ الكِثَاثَا،

مَوْرُ الكَثِيبِ، فَجَرى وحاثا

قال: يجوز أَن يكون أَراد وحَثَا فقَلَب. الأَزهري عن الليث: للعرب في

حَيْثُ لغتان: فاللغة العالية حيثُ، الثاء مضمومة، وهو أَداةٌ للرفع يرفع

الاسم بعده، ولغة أُخرى: حَوْثُ، رواية عن العرب لبني تميم، يظنون حَيْثُ

في موضع نصب، يقولون: الْقَهْ حيثُ لَقِيتَه، ونحو ذلك كذلك. وقال ابن

كَيْسانَ: حيثُ حرف مبنيٌّ على الضم، وما بعده صلة له يرتفع الاسم بعده

على الابتداء، كقولك: قمت حيثُ زيدٌ قائمٌ. وأَهلُ الكوفة يُجيزون حذف

قائم، ويرفعون زيداً بحيثُ، وهو صلة لها، فإِذا أَظْهَروا قائماً بعد زيدٍ،

أَجازوا فيه الوجهين: الرفعَ، والنصبَ، فيرفعون الاسم أَيضاً وليس بصلة

لها، ويَنْصِبُونَ خَبَرَه ويرفعونه، فيقولون: قامتْ مقامَ صفتين؛ والمعنى

زيدٌ في موضع فيه عمرو، فعمرو مرتفع بفيه، وهو صلة للموضع، وزيدٌ مرتفعٌ

بفي الأُولى، وهي خَبره وليست بصلة لشيء؛ قال: وأَهل البصرة يقولون حيثُ

مُضافةٌ إِلى جملة، فلذلك لم تخفض؛ وأَنشد الفراء بيتاً أَجاز فيه الخفض،

وهو قوله:

أَما تَرَى حيثَ سُهَيْلٍ طالِعا؟

فلما أَضافها فتحها، كما يفعل بِعِنْد وخَلْف، وقال أَبو الهيثم: حَيْثُ

ظرفٌ من الظروف، يَحْتاجُ إِلى اسم وخبر، وهي تَجْمَعُ معنى ظرفين

كقولك: حيثُ عبدُ الله قاعدٌ، زيدٌ قائمٌ؛ المعنة: الموضعُ الذي في عبدُ الله

قاعدٌ زيدٌ قائمُ. قال: وحيثُ من حروف المواضع لا من حروف المعاني،

وإِنما ضُمَّت، لأَنها ضُمِّنَتِ الاسم الذي كانت تَسْتَحِقُّ إِضافَتَها

إِليه؛ قال: وقال بعضهم إِنما ضُمَّتْ لأَن أَصلَها حَوْثُ، فلما قلبوا واوها

ياء، ضَمُّوا آخرَها؛ قال أَبو الهيثم: وهذا خطأٌ، لأَنهم إِنما

يُعْقِبون في الحرف ضمةً دالَّةً على واو ساقطة. الجوهري: حَيْثُ كلمةٌ تدلُّ

على المكان، لأَنه ظرفٌ في الأَمكنة، بمنزلة حين في الأزمنة، وهو اسمٌ

مبنيٌّ، وإِنما حُرِّك آخره لالتقاء الساكنين؛ فمن العرب من يبنيها على الضم

تشبيهاً بالغايات، لأَنها لم تجئْ إِلاَّ مضافة إِلى جملة، كقولك أَقومُ

حيثُ يقوم زيدٌ، ولم تقل حيثُ زيدٍ؛ وتقول حيثُ تكون أَكون؛ ومنهم مَن

يبنيها على الفتح مثل كيف، استثقالاً للضم مع الياء وهي من الظروف التي لا

يُجازَى بها إِلا مع ما، تقول حيثما تجلسْ أَجْلِسْ، في معنى أَينما؛

وقولُه تعالى: ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حيثُ أَتى؛ وفي حرف ابن مسعود:

أَينَ أَتى. والعرب تقول: جئتُ من أَيْنَ لا تَعْلَمُ أَي من حَيْثُ لا

تَعْلَم. قال الأَصمعي: ومما تُخْطئُ فيه العامَّةُ والخاصَّة باب حِينَ

وحيثُ، غَلِطَ فيه العلماءُ مثل أَبي عبيدة وسيبويه. قال أَبو حاتم: رأَيت في

كتاب سيبويه أَشياء كثيرة يَجْعَلُ حين حَيْثُ، وكذلك في كتاب أَبي

عبيدة بخطه، قال أَبو حاتم: واعلم أَن حِين وحَيْثُ ظرفانِ، فحين ظرف من

الزمان، وحيث ظرف من المكان، ولكل واحد منهما حدٌّ لا يجاوزه، والأَكثر من

الناس جعلوهما معاً حَيْثُ، قال: والصواب أَن تقول رأَيتُك حيثُ كنتَ أَي

في الموضع الذي كنت فيه، واذهب حيثُ شئتَ أَي إِلى أَيّ موضعٍ شئتَ؛ وقال

الله عز وجل: وكُلا من حيثُ شِئْتُما. ويقال: رأَيتُكَ حين خَرَجَ

الحاجُّ أَي في ذلك الوقت، فهذا ظرف من الزمان، ولا يجوز حيثُ خَِرَجَ

الحاجُّ؛ وتقول: ائتِني حينَ يَقْدَمُ الحاجُّ، ولا يجوز حيثُ يَقْدَمُ الحاجُّ،

وقد صَيَّر الناسُ هذا كلَّه حَيْثُ، فَلْيَتَعَهَّدِ الرجلُ كلامَهُ.

فإِذا كان موضعٌ يَحْسُنُ فيه أَيْنَ وأَيَّ موضعٍ فهو حيثُ، لأَن أَيْنَ

معناه حَيْثُ؛ وقولهم حيثُ كانوا، وأَيْنَ كانوا، معناهما واحد، ولكن

أَجازوا الجمعَ بينهما لاختلاف اللفظين.

واعلم أَنه يَحْسُنُ في موضع حين: لَمَّا، وإِذ، وإِذا، ووقتٌ، ويومٌ،

وساعةٌ، ومَتَى. تقول: رأَيتُكَ لَمَّا جِئْتَ، وحين جِئْتَ. وإِذا

جِئْتَ.ويقال: سأُعْطيك إِذ جئتَ، ومتى جئتَ.

المشهورات

(المشهورات) قضايا أَو آراء اتّفق كَافَّة النَّاس أَو أغلبهم على التَّصْدِيق بهَا مثل الْعدْل جميل وَالْكذب قَبِيح
المشهورات: هِيَ قضايا يعْتَرف بهَا جَمِيع النَّاس وَسبب شهرتها فِيمَا بَينهم. إِمَّا اشتمالها على مصلحَة عَامَّة كَقَوْلِنَا الْعدْل حسن وَالظُّلم قَبِيح - وَإِمَّا مَا فِي طباعهم من الرقة والرأفة كَقَوْلِنَا مُرَاعَاة الضُّعَفَاء محمودة - وَإِمَّا مَا فيهم من الحمية كَقَوْلِنَا كشف الْعَوْرَة مَذْمُوم - وَإِمَّا انفعالاتهم من عاداتهم كَقَوْل الْكفَّار ذبح الْبَقر مَذْمُوم. وَقَوْلنَا ذبح الْبَقر مَحْمُود - أَو من شرائع وآداب كالأمور الشَّرْعِيَّة وَغَيرهَا.
المشهورات:
[في الانكليزية] Admitted premisses or conventional
[ في الفرنسية] premisses admises ou conventionnelles
في عرف العلماء هي قضايا يعترف بها الناس وهي من المقدّمات الظّنّية، وليس المراد بالناس الاستغراق الحقيقي إذ لا قضية يعترف بها جميع أفراد الإنسان بل العرفي من قرن أو إقليم أو بلدة أو صناعة أو غير ذلك، ولا بدّ من اعتبار الــحيثية أي يحكم بها العقل لأجل اعتراف الناس ليخرج الأوليات، أو يقال بخروجها لكونها من أقسام الظّنّيات. والقول بأنّه يجوز أن يكون بعض القضايا من الأوليات باعتبار ومن المشهورات باعتبار لا يعبأ به لأنّه لا يمكن أن تكون قضية يقينية باعتبار، وظنّية باعتبار، فظهر فساد ما قيل: الجدل قياس مركّب من قضايا مشهورة أو مسلّمة وإن كانت في الواقع يقينية أو أوّلية، على أنّه يستلزم تداخل الصناعات الخمس، هكذا حقّق المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية. وفي الصادق الحلوائي حاشية الطيبي المشهورات في المشهور ما اعترف به جميع الناس أو جمهورهم أو جماعة من أهل الصناعة أو من غيرهم، إمّا لكونها حقّة جليّة كقولنا الضدان لا يجتمعان أو مناسبة للحقّ الجلي مع مخالفتها إيّاه بقيد جلي، فتكون مشهورة مطلقا وحقّا مع ذلك القيد كقولنا حكم الشيء حكم شبهه وهو حقّ لا مطلقا، بل فيما هو شبهه له، أو لاشتماله على مصلحة عامة كقولنا الظلم قبيح والعدل حسن، أو لما يقتضيه الاستقراء كقولنا الملك العقر ظالم، أو لما في طباعهم كالرّقة كقولنا مراعاة الضعفاء محمودة، والحمية كقولنا كشف العورة مذموم [أو] لما أنّه من عاداتهم من غير نفع لهم كقبح ذبح الحيوانات عند أهل الهند، أو من شرائع وآداب كالأمور الشرعية وغيرها، ولكلّ قوم مشهورات بحسب آدابهم وعاداتهم، ولكلّ أهل صناعة أيضا مشهورات بحسب صناعاتهم تسمّى مشهورات خاصّة ومحدودة، كما أنّ مشهورات كافة الناس وجمهورهم تسمّى مشهورات مطلقة دائمة وآراء محمودة إن لم تكن يقينية. والمشهورات جاز أن تكون يقينية بل أوليّة لكن بجهتين مختلفتين، وما لا يكون كذلك ربّما تبلغ شهرته إلى حيث يلتبس بالأوليات، إلّا أنّ العقل إذا خلي ونفسه يحكم بالأوليات دون المشهورات وهي قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة، بخلاف الأوّليات فإنّها صادقة البتة. وربما يختصّ اسم المشهورات بما لا يكون يقينية لابتناء حكم القول بها على مجرّد الشهرة بل هذا القول هو المشهور. وقد تطلق المشهورات على ما يشبه المشهورات الحقيقية وتسمّى مشهورات في بادئ الرأي كقولنا القاتل الأجير يعان ولو كان ظالما انتهى.

المتكرر النَّوْع

المتكرر النَّوْع: هُوَ كل نوع يكون بِحَيْثُ إِذا فرض إِن فَردا أَمنه أَي فَرد كَانَ مَوْجُودا وَجب أَن يَتَّصِف ذَلِك الرَّد بذلك النَّوْع حَتَّى يُوجد ذَلِك النَّوْع فِي ذَلِك الْفَرد مرَّتَيْنِ مرّة على أَنه حَقِيقَته أَي تَمام حَقِيقَة ذَلِك الرَّد وَمرَّة على أَنه صفته وَعرضه. فَلَا يرد أَن كل نوع كَذَلِك فَإِن الْإِنْسَان يُوجد فِي زيد مثلا مرّة على أَنه تَمام حَقِيقَته. وَمرَّة على أَنه يَتَّصِف بالإنسان. وَإِلَّا لم يكن قَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ كل إِنْسَان حَيَوَان مَا دَامَ إنْسَانا مَشْرُوطَة عَامَّة لِأَن الْوَصْف العنواني فِيهِ عين حَقِيقَة ذَات الْمَوْضُوع كَمَا يكون زَائِدَة عَلَيْهِ بِخِلَاف الْوحدَة مثلا فَإِنَّهُ لَو وجد فَرد مِنْهَا لكَانَتْ هِيَ عين حَقِيقَته وعارضة لَهُ أَيْضا.
وَلَا يخفى على الزكي الوكيع أَنه يعلم من هَذَا التَّقْرِير جَوَاب آخر وَهُوَ أَن الْإِنْسَان لَيْسَ بِعَيْنِه عارضا لفرده بل كَونه إنْسَانا وَهُوَ أَمر آخر. بِخِلَاف الْوحدَة فَإِنَّهَا عين حَقِيقَة فَردهَا وَهِي بِعَينهَا عارضة لَهُ. وَالْفرق بَين الجوابين أَن الأول مَبْنِيّ على تَسْلِيم أَن الْإِنْسَان وصف لفرده وَمنع كَونه زَائِدا بِسَنَد أَن الْوَصْف العنواني قد يكون زَائِدا على حَقِيقَة ذَات الْمَوْضُوع وَقد يكون عين حَقِيقَتهَا. وَالثَّانِي على منع كَون الْإِنْسَان بِعَيْنِه وَصفا لفرده فَإِن الْوَصْف الَّذِي هُوَ كَونه إنْسَانا غير الْإِنْسَان فَتَأمل.
ثمَّ اعْلَم أَن كل نوع بل كل مَفْهُوم يكون بِتِلْكَ الْــحَيْثِيَّة يجب أَن يكون أمرا اعتباريا لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج وَإِلَّا لزم التسلسل فِي الْأُمُور الخارجية المترتبة الْمَوْجُودَة مَعًا كالقدم والحدوث والبقاء والوحدة وَالْكَثْرَة والتعين فَإِنَّهُ لَو وجد فَرد كل مِنْهَا لَكَانَ قَدِيما وحادثا وباقيا وَاحِدًا وَكَثِيرًا ومتعينا أَي لَكَانَ متصفا بالقدم والحدوث والبقاء والوحدة وَالْكَثْرَة والتعين وَإِلَّا لَكَانَ الْقَدِيم حَادِثا والحادث قَدِيما وَالْبَاقِي فانيا وَالْوَاحد كثيرا وَالْكثير وَاحِدًا والمتعين غير مُتَعَيّن وَالْكل محَال. فَثَبت وجوب تِلْكَ الْأَفْرَاد بأنواعها.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.