مأثورات شعبية أَو تراث شعبي (مج)
فُلْكُلور [مفرد]: (فن) فولْكُلور؛ تراث شعبي؛ مجموع التقاليد الشعبيَّة والعادات الخاصّة بثقافة بلدٍ ما وحضارته "فُلْكلور شعبيّ/ تراثيّ/ غنائيّ- الفُلْكلور هو مرآة عادات الشعوب".
صدع: الصَّدْعُ: الشَّقُّ في الشيءِ الصُّلْبِ كالزُّجاجةِ والحائِطِ
وغيرهما، وجمعه صُدُوعٌ؛ قال قيس ابن ذريح:
أَيا كَبِداً طارتْ صُدُوعاً نَوافِذاً،
ويا حَسْرَتا ماذا تَغَلْغَلَ بِالْقَلْبِ؟
ذهب فيه أَي أَن كل جزء منها صار صَدْعاً، وتَأْوِيل الصَّدْعِ في
الزجاج أَن يَبِينَ بعضُه من بعض. وصَدَعَ الشيءَ يَصْدَعُه صَدْعاً وصَدَّعَه
فانْصَدَعَ وتَصَدَّعَ: شَقّه بنصفين، وقيل: صَدّعه شقّه ولم يفترق.
وقوله عز وجل: يومئذ يَصَّدَّعُون؛ قال الزجاج: معناه يَتَفَرَّقُون فيصيرون
فَرِيقَيْنِ فريق في الجنة وفريق في السعير، وأَصلها يَتَصَدَّعُون فقلب
التاء صاداً وأُدغمت في الصاد، وكل نصف منه صِدْعةٌ وصَدِيعٌ؛ قال ذو
الرمة:
عَشِيّةَ قَلْبِي في المُقِيم صَدِيعُه،
وراحَ جَنابَ الظاعِنينَ صَدِيعُ
وصَدَعْتُ الغنم صِدْعَتَيْن، بكسر الصاد، أَي فِرْقَتَيْن، وكل واحدة
منهما صِدْعة؛ ومنه الحديث: أَنَّ المُصَدِّقَ يجعل الغنم صدْعَيْنِ ثم
يأْخذ منهما الصَّدَقةَ، أَي فِرْقَيْنِ؛ وقول قيس بن ذريح:
فلَمّا بَدا منها الفِراقُ كما بَدا،
بِظَهْرِ الصَّفا الصَّلْدِ، الشُّقُوقُ الصَّوادِعُ
يجوز أَن يكون صَدَعَ في معنى تَصَدع لغة ولا أَعرفها، ويجوز أَن يكون
على النسب أَي ذاتُ انْصِداعٍ وتَصَدُّعٍ. وصَدَع الفَلاةَ والنهرَ
يَصْدَعُهما صَدْعاً وصَدَّعَهما: شَقَّهما وقَطَعَهما، على المثل؛ قال
لبيد:فَتَوَسَّطا عُرْضَ السَّرِيِّ، وصَدَّعا
مَسْجُورةً مُتَجاوِراً قُلاَّمُها
وصَدَعْتُ الفَلاةَ أَي قَطَعْتُها في وسَط جَوْزها.
والصَّدْعُ: نباتُ الأَرض لأَنه يَصْدَعُها يَشُقُّها فَتَنْصَدِعُ به.
وفي التنزيل: والأَرضِ ذاتِ الصَّدْعِ؛ قال ثعلب: هي الأَرضُ تَنْصَدِعُ
بالنبات. وتَصَدَّعَتِ الأَرضُ بالنبات: تشَقَّقَت. وانْصَدَعَ الصبحُ:
انشَقَّ عنه الليلُ. والصَّدِيعُ: الفجرُ لانصِداعِه؛ قال عمرو بن
معديكرب:تَرَى السِّرْحانَ مُفْتَرِشاً يَدَيْهِ،
كأَنَّ بَياضَ لَبَّتِه صَدِيعُ
ويسمى الصبح صَدِيعاً كما يسمى فَلَقاً، وقد انْصَدَعَ وانْفَجَرَ
وانْفَلَقَ وانْفَطَرَ إِذا انْشَقَّ.
والصَّدِيعُ: انصِداعُ الصُّبْح، والصَّدِيعُ: الرُّقْعةُ الجديدة في
الثوب الخَلَق كأَنها صُدِعَتْ أَي شُقَّتْ. والصَّدِيعُ: الثوب
المُشَقَّقُ. والصِّدْعةُ: القِطْعةُ من الثوب تُشَقُّ منه؛ قال لبيد:
دَعِي اللَّوْمَ أَوْ بِينِي كشقِّ صَدِيعِ
قال بعضهم: هو الرِّداءُ الذي شُقَّ صِدْعَيْن، يُضْرب مثلاً لكل
فُرْقةٍ لا اجتِماعَ بعدها.
وصَدَعْتُ الشيءَ: أَظهَرْتُه وبَيَّنْتُه؛ ومنه قول أَبي ذؤيب:
وكأَنَّهُنَّ رِبابةٌ، وكأَنَّه
يَسَرٌ يُفِيضُ على القِداحِ ويَصْدَعُ
وصَدَعَ الشيءَ فَتَصَدَّعَ: فزّقه فتفرَّقَ. والتصديعُ: التفريقُ. وفي
حديث الاستسقاء: فتَصَدَّعَ السَّحابُ صِدْعاً أَي تقطَّعَ وتفرَّقَ.
يقال: صَدَعْتُ الرّداء صَدْعاً إِذا شَقَقْتَه، والاسم الصِّدْعُ، بالكسر،
والصَّدْع في الزجاجة، بالفتح؛ ومنه الحديث: فأَعطانِي قُبْطِيّةً وقال:
اصْدَعْها صَدْعَيْنِ أَي شُقَّها بنصفين. وفي حديث عائشة، رضي الله
عنها: فَصَدَعَتْ منه صَدْعةً فاخْتَمَرَتْ بها. وتصَدَّعَ القوم تفرَّقُوا.
وفي الحديث: فقال بعدما تَصَدّعَ كذا وكذا أَي بعدما تفرّقوا؛ وقوله:
فلا يُبْعِدَنْكَ اللهُ خَيْرَ أَخِي امْرئٍ،
إِذا جَعَلَتْ نَجْوى الرِّجالِ تَصَدَّعُ
معناه تَفَرَّقُ فتَظْهَرُ وتُكْشَفُ. وصَدَعَتْهم النَّوَى
وصَدَّعَتْهم: فرَّقَتْهم، والتَّصْداعُ، تَفْعالٌ من ذلك؛ قال قيس بن
ذريح:إِذا افْتَلَتَتْ مِنْكَ النَّوَى ذا مَوَدّةٍ،
حَبِيباً بِتَصْداعٍ مِنَ البَيْنِ ذِي شَعبِ
ويقال: رأَيتُ بين القوم صَدَعاتٍ أَي تفرُّقاً في الرأْي والهَوَى.
ويقال: أَصْلِحوا ما فيكم من الصَّدَعاتِ أَي اجْتَمِعوا ولا تتفَرَّقُوا.
ابن السكيت: الصَّدْعُ الفَصْلُ؛ وأَنشد لجرير:
هو الخَلِيفةُ فارْضَوْا ما قَضَى لكُمُ،
بالحَقِّ يَصْدَعُ، ما في قوله جَنَفُ
قال: يَصْدع يفْصِلُ ويُنَفِّذُ؛ وقال ذو الرمة:
فأَصْبَحْتُ أَرْمي كُلَّ شَبْحٍ وحائِلٍ،
كأَنِّي مُسَوِّي قِسْمةِ الأَرضِ صادِعُ
يقول: أَصبحتُ أَرْمي بعيني كل شَبْحٍ وهو الشخص. وحائِل: كل شيء
يَتَحَرَّكُ؛ يقول: لا يأْخُذُني في عينَيّ كَسْرٌ ولا انْثِناءٌ كأَني
مُسَوٍّ، يقول: كأَني أُرِيكَ قِسْمةَ هذه الأَرض بين أَقوام. صادِعٌ: قاضٍ
يَصْدَعُ يَفْرُقُ بين الحقّ والباطل.
والصُّداعُ: وجَعُ الرأْس، وقد صُدِّعَ الرجلُ تَصْدِيعاً، وجاء في
الشعر صُدِعَ، بالتخفيف، فهو مَصْدُوعٌ.
والصّدِيعُ: الصِّرْمةُ من الإِبل والفِرْقةُ من الغنم. وعليه صِدْعةٌ
من مالٍ أَي قَليلٌ. والصِّدْعةُ والصَّدِيعُ: نحو السِّتين من الإِبل،
وما بين العشرة إِلى الأَربعين من الضأْن، والقِطْعةُ من الغنم إِذا بلغت
سِتين، وقيل: هو القَطِيعُ من الظّباء والغنم. أَبو زيد: الصِّرْمةُ
والقِصْلةُ والحُدْرةُ ما بين العشرة إِلى الأَربعين من الإِبل، فإِذا بلغت
ستين فهي الصِّدْعةُ؛ قال المَرَّارُ:
إِذا أَقْبَلْن هاجِرةً، أَثارَتْ
مِنَ الأَظْلالِ إِجْلاً أَو صَدِيعا
ورجل صَدْعٌ، بالتسكين وقد يحرك: وهو الضَّرْب الخفِيفُ اللحم.
والصَّدَعُ والصَّدْعُ: الفَتِيُّ الشابُّ القَوِيُّ من الأَرْعال والظِّباء
والإِبل والحُمُرِ، وقيل: هو الوَسَطُ منها؛ قال الأَزهري: الصَّدْعُ
الوَعِلُ بين الوَعِلَيْنِ. ابن السكيت: لا يقال في الوَعِل إِلا صَدَعٌ،
بالتحريك، وَعِلٌ بَيْنَ الوَعِلَيْنِ وهو الوَسط منها ليس بالعظيم ولا الصغير،
وقيل: وهو الشيء بين الشيئين من أَيّ نوع كان بين الطويل والقصير
والفَتِيّ والمُسِنّ والسمين والمَهْزول والعظيم والصغير؛ قال:
يا رُبَّ أَبَّازٍ مِنَ العُفْرِ صَدَعْ،
تَقَبَّضَ الذِّئْبُ إِليه واجْتَمَعْ
ويقال: هو الرجل الشابُّ المُسْتَقُِمُ القَناة. وفي حديث عمر، رضي الله
عنه، حين سأَل الأُسْقُفَّ عن الخلفاء فلمّا انتَهى إِلى نعْت الرابع
قال: صَدَعٌ من حديد، فقال عمر: وادَفَراه قال شمر: قوله صَدَعٌ من
حَدِيدٍ يريد كالصَّدَعِ من الوُعُولِ المُدَمَّجِ الشديد الخلق الشابّ
الصُّلْبِ القَوِيِّ، وإِنما يوصف بذلك لاجتماع القوة فيه والخفة، شبّهه في
نَهْضَتِه إِلى صِعابِ الأُمور وخِفَّته في الحروب حتى يُفْضى الأمرُ إِليه
بالوَعِلِ لتوَقُّلِه في رُؤوس الجبال، وجعلَه من حديد مبالغة في وصفه
بالشدّة والبأْس والصبر على الشدائدِ، وكان حماد بن زيد يقول: صَدَأٌ من
حديد. قال الأَصمعي: وهذا أَشبه لأَن الصَّدَأَ له دَفَرٌ وهو النَّتْنُ.
وقال الكسائي: رأَيت رجلاً صَدَعاً، وهو الرَّبْعةُ القليل اللحم. وقال
أَبو ثَرْوانَ: تقول إِنهم على ما تَرى من صَداعَتِهم
(* قوله «صداعتهم» كذا
ضبط في الأصل ولينظر في الضبط والمعنى وما الغرض من حكاية أبي ثروان هذه
هنا.) لَكِرامٌ. وفي حديث حذيفة: فإِذا صَدَعٌ من الرجال، فقلتُ: مَن
هذا الصَّدَعُ؟ يعني هذا الرَّبْعةَ في خَلْقِه رجلٌ بين الرجلين، وهو
كالصَّدَعِ من الوُعُول وعِلٌ بين الوَعِلينِ. والصَّدِيعُ: القميص بين
القميصين لا بالكبير ولا بالصغير.
وصَدَعْتُ الشيء: أَظْهَرْتُه وبَيَّنْتُه؛ ومنه قول أَبي ذؤيب:
يَسَرٌ يُفِيضُ على القِداحِ ويَصْدَعُ
ورجل صَدَعٌ: ماضٍ في أَمرِهِ. وصَدَعَ بالأَمرِ يَصْدَعُ صَدْعاً:
أَصابَ به موضِعَه وجاهَرَ به. وصَدَعَ بالحق: تكلم به جهاراً. وفي التنزيل:
فاصدع بما تؤمر؛ قال بعض المفسرين: اجْهَرْ بالقرآن، وقال ابن مجاهد أَي
بالقرآن، وقال أَبو إِسحق: أَظْهِرْ ما تُؤْمَرُ به ولا تَخفْ أَحداً،
أُخِذَ من الصَّدِيع وهو الصبح، وقال الفراء: أَراد عز وجل فاصْدَعْ
بالأَمر الذي أَظْهَرَ دِينَك، أَقامَ ما مُقامَ المصدر، وقال ابن عرفة: أَي
فَرِّقْ بين الحق والباطل من قوله عز وجل: يومئذ يَصَدَّعون، أَي
يتفرَّقُون، وقال ابن الأَعرابي في قوله: فاصْدَعْ بما تُؤْمَرُ، أَي شُقَّ
جماعتهم بالتوحيد، وقال غيره: فَرِّقِ القول فيهم مجتمعين وفُرادى. قال ثعلب:
سمعت أَعرابيّاً كان يَحْضُر مجلس ابن الأَعرابي يقول معنى اصْدَعْ بما
تُؤْمَرُ أَي اقْصِدْ ما تُؤْمَرُ، قال: والعرب تقول اصدع فلاناً أَي اقصده
لأَنه كريم.
ودلِيلٌ مِصْدَعٌ: ماضٍ لوجهه. وخطِيبٌ مِصْدَعٌ: بَلِيغٌ جرِيءٌ على
الكلام.
قال أَبو زيد: هُمْ إِلْبٌ عليه وصَدْعٌ واحد، وكذلك هم وَعْلٌ عليه
وضِلْعٌ واحد إِذا اجتمعوا عليه بالعَداوةِ، والناسُ علينا صَدْعٌ واحد أَي
مجتمعون بالعَداوة.
وصَدَعْتُ إِلى الشيء أَصْدَعُ صُدُوعاً: مِلْتُ إِليه. وما صَدَعَكَ عن
هذا الأَمرِ صَدْعاً أَي صَرَفَكَ. والمَصْدَعُ: طريق سهل في غِلَظٍ من
الأَرض. وجَبَلٌ صادِعٌ: ذاهِبٌ في الأَرض طولاً، وكذلك سبيل صادِعٌ
ووادٍ صادِعٌ، وهذا الطريق يَصْدَعُ في أَرض كذا وكذا. والمِصْدَعُ:
المِشْقَصُ من السهام.
فنن: الفَنُّ: واحد الفُنُون، وهي الأَنواع، والفَنُّ الحالُ. والفَنُّ:
الضَّرْبُ من الشيء، والجمع أَفنان وفُنونٌ، وهو الأُفْنُون. يقال:
رَعَيْنا فُنُونَ النَّباتِ، وأَصَبْنا فُنُونَ الأَموال؛ وأَنشد:
قد لَبِسْتُ الدَّهْرَ من أَفْنانِه،
كلّ فَنٍّ ناعِمٍ منه حَبِرْ
والرجلُ يُفَنِّنُ الكلام أَي يَشْتَقُّ في فَنٍّ بعد فنٍّ،
والتَّفَنُّنُ فِعْلك. ورجل مِفَنٌّ: يأْتي بالعجائب، وامرأَة مِفْنَّة. ورجل
مِعَنٌّ مِفَنٌّ: ذو عَنَنٍ واعتراض وذو فُنُون من الكلام؛ وأَنشد أَبو
زيد:إِنَّ لنا لكَنَّه
مِعَنَّةً مِفَنَّه
وافْتَنَّ الرجل في حديثه وفي خُطْبته إِذا جاء بالأَفانين، وهو مثلُ
اشْتَقَّ؛ قال أَبو ذؤيب:
فافْتَنَّ، بعد تَمامِ الوِرْدِ، ناجِيةً،
مثْلَ الهِرَاوَةِ ثِنْياً بِكْرُها أَبِدُ
قال ابن بري: فسر الجوهري ا فْتَنَّ في هذا البيت بقولهم افْتَنَّ الرجل
في حديثه وخُطْبته إِذا جاء بالأَفانين، قال: وهو مثلُ اشْتَقَّ، يريد
أَن افْتَنَّ في البيت مستعار من قولهم افْتَنَّ الرجل في كلامه وخصومته
إِذا توسع وتصرف، لأَنه يقال افْتَنَّ الحمارُ بأُتُنه واشْتَقَّ بها إِذا
أَخذ في طَرْدِها وسَوْقها يميناً وشمالاً وعلى استقامة وعلى غير
استقامة؛ فهو يَفْتَنُّ في طَرْدِها أَفانينَ الطَّرْدِ؛ قال: وفيه تفسير آخر
وهو أَن يكون افْتَنَّ في البيت من فَنَنْتُ الإِبلَ إِذا طردتها، فيكون
مثل كسَبْته واكتَسَبْته في كونهما بمعنى واحد، وينتصب ناجية بأَنه مفعول
لافْتَنَّ من غير إِسقاط حرف جر، لأَن افْتَنَّ الرجل في كلامه لا
يتعدَّى إِلا بحرف جرّ؛ وقوله: ثِنياً بكرها أَبِدُ أَي وَلَدَت بَطْنَين،
ومعنى بِكْرُها أَبِدٌ أَي وَلَدُها الأَول قد توحش معها. وافْتَنَّ: أَخذ في
فُنُونٍ من القول. والفُنُونُ: الأَخلاطُ من الناس. وإِن المجلس ليجمع
فُنُوناً من الناس أَي ناساً ليسوا من قبيلة واحدة. وفَنَّنَ الناسَ:
جعلهم فُنُوناً. والتَّفْنينُ: التخليط؛ يقال: ثوبٌ فيه تَفْنين إِذا كان
فيه طرائق ليست من جِنْسه. والفَنَّانُ في شعر الأَعشى: الحمارُ؛ قال:
الوحشي الذي يأْتي بفُنُونٍ من العَدْوِ؛ قال ابن بري وبيت الأَعشى الذي
أَشار إِليه هو قوله:
وإِنْ يَكُ تَقْرِيبٌ من الشَّدِّ غالَها
بمَيْعَةِ فَنَّانِ الأَجارِيِّ، مُجْذِمِ
والأّجارِيُّ: ضُروبٌ من جَرْيه، واحدها إِجْرِيّا، والفَنُّ:
الطَّرْدُ. وفَنَّ الإِبلَ يَفُنُّها فَنّاً إِذا طردها؛ قال الأَعشى:
والبِيضُ قد عَنَسَتْ وطال جِرَاؤُها،
ونَشَأْنَ في فَنٍّ وفي أَذْوادِ
وفَنَّه يَفُنُّه فَنّاً إِذا طرده. والفَنُّ: العَناء. فنَنْتُ الرجلَ
أَفُنُّه فَنّاً إِذا عَنَّيْتَه، وفنَّه يَفُنُّه فَنّاً:
عَنَّاه؛ قال:
لأجْعَلَنْ لابنة عَمْروللهٍ فَناً،
حتى يَكُونَ مَهْرُها دُهْدُنَّا
وقال الجوهري: فنّاً أي أمراً عَجَباً، ويقال: عَناءً أي آخُذُ عليها
بالعَناء حتى تَهَبَ لي مَهْرَها. والفَنُّ: المَطْلُ. والفَنُّ: الغَبْنُ،
والفعل كالفعل، والمصدر كالمصدر. وامرأَة مِفَنَّة: يكون من الغَبْنِ
ويكون من الطَّرْدِ والتَّغْبِيَة.
وأُفْنُونُ الشَّبابِ: أوَّله، وكذلك أُفْنُونُ السحاب. والفَنَنُ:
الغُصْنُ المستقيم طُولاً وعَرْضاً؛ قال العجاج:
والفَنَنُ الشَّارِقُ والغَرْبيُّ
والفَنَنُ: الغُصْنُ، وقيل: الغُصْنُ القَضِيب يعني المقضوب، والفَنَنُ:
ما تشَعَّبَ منه، والجمع أَفْنان. قال سيبويه: لم يُجاوِزُوا به هذا
البناء. والفَنَنُ: جمعه أَفْنانٌ، ثم الأَفانِينُ؛ قال الشاعر يصف
رَحىً:لها زِمامٌ من أَفانِينِ الشَّجَرْ
وأما قول الشاعر:
مِنَا أَنْ ذَرَّ قَرْنُ الشمسِ، حتى
أغاثَ شَرِيدَهمْ فَنَنُ الظَّلام
فإنه استعار للظلمة أَفْناناً، لأَنها تسْتُر الناسَ بأَستارها
وأَوراقِها كما تستر الغصون بأَفنانها وأَوراقها. وشجرة فَنْواءُ: طويلة
الأَفْنانِ، على غير قياس. وقال عكرمة في قوله تعالى: ذَواتَا أَفْنانٍ؛ قال:
ظِلُّ الأغصانِ على الحِيطانِ؛ وقال أَبو الهيثم: فسره بعضهم ذَواتا
أغصانٍ، وفسره بعضهم ذواتا أَلوان، واحدها حينئذ فَنّ وفَنَنٌ، كما قالوا
سَنٌّ وسَنَنٌ وعَنٌّ وعَنَنٌ. قال أَبو منصور: واحدُ الأَفنان إذا أَردت بها
الأَلوان فَنٌّ، وإذا أردْتَ بها الأغصان فواحدها فَنَنٌ. أَبو عمرو:
شجرة فَنْواء ذات أَفنان. قال أبو عبيد: وكان ينبغي في التقدير فَنَّاء.
ثعلب: شجرة فَنَّاء وفَنْواء ذات أَفْنانٍ، وأَما قَنْواء، بالقاف، فهي
الطويلة. قال أَبو الهيثم: الفُنُون تكون في الأغصان، والأغصان تكون في
الشُّعَبِ، والشُّعَبُ تكون في السُّوق، وتسمى هذه الفُروعُ، يعني فروعَ
الشجر، الشَّذَبَ، والشَّذَبُ العِيدانُ التي تكون في الفُنون. ويقال
للجِذعِ إذا قطع عند الشَّذَب: جِذْعٌ مُشَذَّبٌ؛ قال امرؤ القيس:
يُرادَا على مِرْقاةِ جِذْعٍ مُشَذَّبِ
يُرادا أي يُدارا. يقال: رادَيْتُه ودارَيْتُه. والفَنَنُ: الفَرْع من
الشجر، والجمع كالجمع. وفي حديث سِدْرة المُنْتَهَى: يسير الراكب في
ظِلِّ الفَنَنِ مائةَ سَنةٍ. وامرأَة فَنْواء: كثيرة الشعر، والقياس في كل
ذلك فَنَّاء، وشعَر فَيْنان؛ قال سيبويه: معناه أَن له فنوناً كأَفنانِ
الشجر، ولذلك صرف، ورجل فَيْنان وامرأَة فَينانة؛ قال ابن سيده: وهذا هو
القياس لأَن المذكر فَيْنان مصروف مشتق من أَفنان الشجر. وحكي ابن
الأَعرابي: امرأَة فَيْنَى كثيرة الشعر، مقصور، قال: فإن كان هذا كما حكاه فحكم
فَيْنان أن لا ينصرف، قال: وأُرى ذلك وهَماً من ابن الأَعرابي. وفي
الحديث: أَهلُ الجنة مُرْدٌ مُكَحَّلون أُولو أَفانِين؛ يريد أُولو شُعور
وجُمَم. وأَفانِينُ: جمع أَفنان، وأَفنانٌ: جمع فَنَنٍ، وهو الخُصلة من
الشعر، شبه بالغصن؛ قال الشاعر:
يَنْفُضْنَ أَفنانَ السَّبيبِ والعُذَرْ
يصف الخيلَ ونَفْضَها خُصَل شعر نواصيها وأَذنابها؛ وقال المَرَّار:
أَعَلاقَةً أُمَّ الوُلَيِّد، بعدَما
أَفْنانُ رأْسِك كالثَّغام المُخْلِسِ؟
يعني خُصَلَ جُمَّة رأْسِه حين شاب. أَبو زيد: الفَينان الشعر الطويل
الحسَنُ. قال أَبو منصور: فَيْنانٌ فَيعال من الفَنَن، والياء زائدة.
التهذيب: وإن أَخذت قولهم شعر فَيْنانٌ من الفَنَن وهو الغصن صرفته في حالي
النكرة والمعرفة، وإن أَخذته من الفَيْنة وهو الوقت من الزمان أَلحقته بباب
فَعْلان وفَعْلانة، فصرفته في النكرة ولم تصرفه في المعرفة. وفي الحديث:
جاءَت امرأَةٌ تشكو زوجَها فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: تُرِيدينَ
أن تزَوَّجِي ذا جُمَّةٍ فَينانة على كل خُصلة منها شيطان؛ الشعر
الفَيْنانُ: الطويل الحسن، والياء زائدة. ويقال: فَنَّنَ فلانٌ رأْيه إذا لَوَّنه
ولم يثبت على رأْي واحد. والأَفانِينُ: الأَساليب، وهي أَجناس الكلام
وطُرُقه. ورجل مُتفَنِّنٌ أي ذو فُنون. وتَفنَّنَ: اضطرب كالفَنَن. وقال
بعضهم: تَفنَّن اضطرب ولم يَشْتقَّه من الفَنن، والأَول أَولى؛ قال:
لو أَن عُوداً سَمْهَريّاً من قَنا،
أو من جِيادِ الأَرْزَناتِ أَرْزَنا،
لاقى الذي لاقَيْتُه تَفنَّنا
والأُفْنونُ: الحية، وقيل: العجوز، وقيل: العجوز المُسِنَّة، وقيل:
الداهية؛ وأَنشد ابن بري لابن أَحمر في الأُفْنون العجوز:
شَيْخٌ شآمٍ وأُفْنونٌ يَمانِيةٌ،
من دُونِها الهَوْلُ والمَوْماة والعِلَلُ
وقال الأَصمعي: الأُفْنون من التَّفَنُّن؛ قال ابن بري: وبيت ابن أَحمر
شاهد لقول الأَصمعي، وقولُ يعقوب إنَّ الأُفْنون العجوز بعِيدٌ جدّاً،
لأَنَّ ابنَ أَحمر قد ذكر قبل هذا البيت ما يَشْهَد بأَنها محبوبته، وقد
حال بينه وبينها القَفْرُ والعِلل.
والأُفْنون من الغُصن: المُلتفُّ. والأُفنون: الجَرْيُ المختلط من جَرْي
الفرس والناقة. والأُفنون: الكلام المُثبَّجُ من كلام الهِلْباجة.
وأُفْنون: اسم امرأَة، وهو أَيضاً اسم شاعرسمي بأَحد هذه الأَشياء.
والمُفَنَّنة من النساء: الكبيرة السيئة الخُلُق؛ ورجل مُفَنَّنٌ كذلك.
والتَّفْنِينُ: فِعْلُ الثَّوْب إذا بَلِيَ فتفَزَّرَ بعضهُ من بعض،
وفي المحكم: التَّفْنِينُ تفَزُّر الثوب إذا بَليَ من غير تشقق شديد،
وقيل: هو اختلاف عمَله برِقَّة في مكان وكثافة في آخر؛ وبه فسرابن الأَعرابي
قول أَبانَ بن عثمان:: مَثَلُ اللَّحْن في الرجل السَّريِّ ذي الهيئة
كالتَّفنِين في الثوب الجيِّد. وثوب مُفَنَّنٌ: مختلف. ابن الأَعرابي:
التَّفْنِينُ البُقعة السَّخيفة السَّمِجة الرقيقة في الثوب الصفيق وهو عيب،
والسَّريُّ الشريف النفيس من الناس.
والعربُ تقول كنتُ بحال كذا وكذا فَنَّةً من الدهر وفَيْنةً من الدهر
وضَرْبة من الدهر أي طرَفاً من الدهر.
والفَنِينُ: وَرَمٌ في الإبط ووجع؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
فلا تَنْكِحي، يا أَسْمَ، إن كنتِ حُرَّةً
عُنَيْنةَ ناباً نُجَّ عنها فَنِينُها
نصب ناباً على الذم أو على البدل من عُنَينة أي هو في الضعف كهذه الناب
التي هذه صِفَتُها؛ قال ابن سيده: وهكذا وجدناه بضبط الحامِض نُجَّ،
بضم النون، والمعروف نَجَّ. وبعير فَنِينٌ ومَفْنون: به ورم في إبطه؛ قال
الشاعر:
إذا مارَسْت ضِغْناً لابنِ عَمٍّ،
مِراسَ البَكْر في الإبِطِ الفَنِينا
أَبو عبيد: اليَفَنُ، بفتح الياء والفاء وتخفيف النون، الكبير، وقيل:
الشيخ الفاني، والياء فيه أَصلية؛ وقال بعضهم: بل هو على تقديريفعل لأَن
الدهر فَنَّه وأَبلاه، وسنذكره في يفن.
والفَيْنانُ: فرس قرانة بن عُوَيَّة الضَّبّيّ، والله أََعلم.
مدن: مَدَنَ بالمكان: أَقام به، فِعْلٌ مُمات، ومنه المَدِينة، وهي
فَعِيلة، وتجمع على مَدَائن، بالهمز، ومُدْنٍ ومُدُن بالتخفيف والتثقيل؛ وفيه
قول آخر: أَنه مَفْعِلة من دِنْتُ أَي مُلِكْتُ؛ قال ابن بري: لو كانت
الميم في مدينة زائدة لم يجز جمعها على مُدْنٍ. وفلان مَدَّنَ المَدائنَ:
كما يقال مَصَّرَ الأَمصارَ. قال وسئل أَبو عليّ الفَسَوِيُّ عن همزة
مدائن فقال: فيه قولان، من جعله فَعِيلة من قولك مَدَنَ بالمكان أَي أَقام
به همزه، ومن جعله مَفْعِلة من قولك دِينَ أَي مُلِكَ لم يهمزه كما لا
يهمز معايش. والمَدِينة: الحِصْنُ يبنى في أُصطُمَّةِ الأَرض، مشتق من ذلك.
وكلُّ أَرض يبنى بها حِصْنٌ في أُصطُمَّتِها فهي مدينة، والنسبة إِليها
مَدِينّي، والجمع مَدائنُ ومُدُنٌ. قال ابن سيده: ومن هنا حكم أَبو الحسن
فيما حكاه الفارسي أَن مَدِينة فعيلة. الفراء وغيره: المدينة فعيلة، تهمز
في الفعائل لأَن الياء زائدة، ولا تهمز ياء المعايش لأَن الياء أَصلية.
والمدينة: اسم مدينة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خاصة غلبت
عليها تفخيماً لها، شرَّفها الله وصانها، وإِذا نسبت إِلى المدينة فالرجل
والثوب مَدَنيٌّ، والطير ونحوه مَدِينّي، لا يقال غير ذلك. قال سيبويه:
فأَما قولهم مَدَائِني فإِنهم جعلوا هذا البناء اسماً للبلد، وحمامةٌ
مَدِينيَّة وجارية مَدِينيَّة. ويقال للرجل العالم بالأَمر الفَطِنِ: هو ابن
بَجْدَتِها وابنُ مَدِينتها وابن بَلْدَتها وابن بُعْثُطها وابن
سُرْسُورها؛ قال الأَخطل:
رَبَتْ ورَبا في كَرْمِها ابنُ مَدِينةٍ
يَظَلُّ على مِسْحاته يتَرَكَّلُ
ابنُ مَدِينةٍ أَي العالم بأَمرها. ويقال للأَمة: مَدِينة أَي مملوكة،
والميم ميم مَفْعُول، وذكر الأَحولُ أَنه يقال للأَمة ابنُ مَدِينة،
وأَنشد بيت الأَخطل، قال: وكذلك قال ابن الأَعرابي ابنُ مَدِينة ابنُ أَمة،
قال ابن خالويه: يقال للعبد مَدِينٌ وللأَمة مَدِينة، وقد فسر قوله تعالى:
إِنا لمَدِينُون؛ أَي مملوكون بعد الموت، والذي قاله أَهل التفسير
لمَجْزِيُّون. ومَدَنَ الرجلُ إِذا أَتى المدينة. قال أَبو منصور: هذا يدل على
أَن الميم أَصلية. قال: وقال بعض من لا يوثق بعلمه مَدَن بالمكان أَي
أَقام به. قال: ولا أَدري ما صحته، وإِذا نسبت إِلى مدينة الرسول، عليه
الصلاة والسلام، قلت مَدَنيٌّ، وإِلى مدينة المنصور مَدِينيّ، وإِلى مدائن
كِسْرَى مَدائِنيٌّ، للفرق بين النسب لئلا يختلط.
ومَدْيَنُ: اسم أَعجمي، وإِن اشتققته من العربية فالياء زائدة، وقد يكون
مَفْعَلاً وهو أَظهر. ومَدْيَنُ: اسم قرية شعيب، على نبينا وعليه أَفضل
الصلاة والسلام، والنسب إِليها مَدْيَنِيٌّ. والمَدَانُ: صنم. وبَنُو
المَدَانِ: بطْنٌ، على أَن الميم في المَدَان قد تكون زائدة. وفي الحديث
ذِكْرُ مَدَان، بفتح الميم، له ذكر في غزوة زيد بن حارثة بني جُذَام، ويقال
له فَيْفاءُ مَدَانَ؛ قال: وهو وادٍ في بلاد قُضاعَة.
بين: البَيْنُ في كلام العرب جاء على وجْهَين: يكون البَينُ الفُرْقةَ،
ويكون الوَصْلَ، بانَ يَبِينُ بَيْناً وبَيْنُونةً، وهو من الأَضداد؛
وشاهدُ البَين الوَصل قول الشاعر:
لقد فَرَّقَ الواشِينَ بيني وبينَها،
فقَرَّتْ بِذاكَ الوَصْلِ عيني وعينُها
وقال قيسُ بن ذَريح:
لَعَمْرُك لولا البَيْنُ لا يُقْطَعُ الهَوى،
ولولا الهوى ما حَنَّ لِلبَيْنِ آلِفُ
فالبَينُ هنا الوَصْلُ؛ وأَنشد أَبو عمرو في رفع بين قول الشاعر:
كأَنَّ رِماحَنا أَشْطانُ بئْرٍ
بَعيدٍ بينُ جالَيْها جَرُورِ
وأَنشد أَيضاً:
ويُشْرِقُ بَيْنُ اللِّيتِ منها إلى الصُّقْل
قال ابن سيده: ويكون البَينُ اسماً وظَرْفاً مُتمكِّناً. وفي التنزيل
العزيز: لقد تقَطَّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تَزْعُمون؛ قرئَ بينكم
بالرفع والنصب، فالرفع على الفعل أَي تقَطَّع وَصْلُكم، والنصبُ على الحذف،
يريدُ ما بينكم، قرأَ نافع وحفصٌ عن عاصم والكسائي بينَكم نصباً، وقرأَ ابن
كَثير وأَبو عَمْروٍ وابنُ
عامر وحمزة بينُكم رفعاً، وقال أَبو عمرو: لقد تقطَّع بينُكم أَي
وَصْلُكم، ومن قرأَ بينَكم فإن أَبا العباس روى عن ابن الأَعرابي أَنه قال:
معناه تقطَّع الذي كانَ بينَكم؛ وقال الزجاج فيمَنْ فتَحَ المعنى: لقد
تقطَّع ما كنتم فيه من الشَّركة بينَكم، ورُوي عن ابن مسعودٍ أَنه قرأَ لقد
تقطَّع ما بينَكم، واعتمد الفراءُ وغيرُه من النحويين قراءةَ ابن مسعود
لِمَنْ قرأَ بينَكم، وكان أَبو حاتم يُنْكِر هذه القراءةَ ويقول: من قرأَ
بينَكم لم يُجِزْ إلا بمَوْصول كقولك ما بينَكم، قال: ولا يجوز حذفُ
الموصول وبقاء الصلةِ، لا تُجيزُ العربُ إنّ قامَ زيدٌ بمعنى إنّ الذي قام
زيدٌ، قال أَبو منصور: وهذا الذي قاله أَبو حاتم خطأ، لأَن الله جَلّ ثناؤه
خاطَبَ بما أَنزَل في كتابه قوماً مشركين فقال: ولقد جئتمونا فُرادَى كما
خَلقْناكم أَوّلَ مرّةٍ وترَكتم ما خوّلناكم وراءَ ظُهوركم وما نرَى معكم
شُفعاءَكم الذين زعمتم أَنهم فيكم شركاءُ لقد تقطّع بينَكم؛ أَراد لقد
تقطع الشِّرْكُ بينكم أَي فيما بينَكم، فأَضمرَ الشركَ لما جرَى من ذِكْر
الشُّركاء، فافهمه؛ قال ابن سيده: مَن قرأَ بالنصب احتمل أَمرين:
أَحدُهما أَن يكونَ الفاعلُ مضمَراً أَي لقد تقطَّع الأَمرُ أَو العَقْدُ أَو
الودُّ بينََكم، والآخرُ ما كان يراهُ الأَخفشُ من أَن يكونَ بينكم، وإن
كان منصوبَ اللفظ مرفوعَ الموضِع بفعله، غيرَ أَنه أُقِرّتْ عليه نَصْبةُ
الظرف، وإن كان مرفوعَ الموضع لاطِّراد استعمالهم إياه ظرفاً، إلا أَن
استعمالَ الجملة التي هي صفةٌ للمبتدأ مكانَه أَسهلُ من استعمالِها فاعِلةً،
لأَنه ليس يَلزمُ أَن يكون المبتدأُ اسماً محضاً كلزوم ذلك في الفاعل،
أَلا ترى إلى قولهم: تسمعُ بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ من أَن تراه؛ أَي سماعُك
به خيرٌ من رؤْيتك إياه. وقد بانَ الحيُّ بَيْناً وبَيْنونةً؛ وأَنشد
ثعلب:فهاجَ جوىً في القَلْب ضَمَّنه الهَوَى
بَبَيْنُونةٍ، يَنْأَى بها مَنْ يُوادِعُ
والمُبايَنة: المُفارَقَة. وتَبايَنَ القومُ: تَهاجَرُوا. وغُرابُ
البَين: هو الأَبْقَع؛ قال عنترة:
ظَعَنَ الذين فِراقَهم أَتَوَقَّعُ،
وجَرَى ببَيْنِهمُ الغُرابُ الأَبْقَعُ
حَرِقُ الجَناحِ كأَنَّ لحْيَيْ رأْسِه
جَلَمانِ، بالأَخْبارِ هَشٌّ مُولَعُ
وقال أَبو الغَوث: غرابُ البَيْنِ هو الأَحمرُ المِنْقارِ والرِّجْلينِ،
فأَما الأَسْود فإِنه الحاتِمُ لأَنه يَحْتِمُ بالفراق. وتقول: ضربَه
فأَبانَ رأْسَه من جسدِه وفَصَلَه، فهو مُبِينٌ. وفي حديث الشُّرْب: أَبِنِ
القَدَحَ عن فيك أَي افْصِلْه عنه عند التنفُّس لئلا يَسْقُط فيه شيءٌ
من الرِّيق، وهو من البَينِ البُعْد والفِراق. وفي الحديث في صفته، صلى
الله عليه وسلم: ليس بالطويل البائِن أَي المُفْرِطِ طُولاً الذي بَعُدَ عن
قَدِّ الرجال الطِّوال، وبانَ الشيءُ بَيْناً وبُيوناً. وحكى الفارسيُّ
عن أَبي زيد: طَلَبَ إلى أَبَوَيْه البائنةَ، وذلك إذا طَلَب إليهما أَن
يُبِيناهُ بمال فيكونَ له على حِدَةٍ، ولا تكونُ البائنةُ إلا من
الأَبوين أَو أَحدِهما، ولا تكونُ من غيرهما، وقد أَبانَه أَبواه إِبانةً حتى
بانَ هو بذلك يَبينُ بُيُوناً. وفي حديث الشَّعْبي قال: سمعتُ النُّعْمانَ
بن بَشيرٍ يقول: سمعتُ رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، وطَلَبَتْ
عَمْرةُ إلى بشير بن سعدٍ أَن يُنْحِلَني نَحْلاً من ماله وأَن يَنْطلِقَ بي
إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيُشْهدَه فقال: هل لك معه ولدٌ غيرُه؟
قال: نعم، قال: فهل أَبَنْتَ كلَّ واحد منهم بمثل الذي أَبَنتَ هذا؟
فقال: لا، قال: فإني لا أَشهَدُ على هذا، هذا جَورٌ، أَشهِدْ على هذا غيري،
أعْدِلوا بين أَولادكم في النُِّحْل كما تُحِبُّون أَن يَعْدلوا بينكم في
البرِّ واللُّطف؛ قوله: هل أَبَنْتَ كلَّ واحد أَي هل أَعْطَيْتَ كلَّ
واحدٍ مالاً تُبِينُه به أَي تُفْرِدُه، والاسم البائنةُ. وفي حديث
الصديق: قال لعائشة، رضي الله عنهما: إني كنتُ أَبَنْتكِ بنُحْل أَي أَعطيتُكِ.
وحكى الفارسي عن أَبي زيد: بانَ وبانَه؛ وأَنشد:
كأَنَّ عَيْنَيَّ، وقد بانُوني،
غَرْبانِ فَوقَ جَدْوَلٍ مَجْنونِ
وتبَايَنَ الرجُلانِ: بانَ كلُّ واحد منهما عن صاحبه، وكذلك في الشركة
إذا انفصلا. وبانَت المرأَةُ عن الرجل، وهي بائنٌ: انفصلت عنه بطلاق.
وتَطْليقةٌ بائنة، بالهاء لا غير، وهي فاعلة بمعنى مفعولة، أَي تَطْليقةٌ
(*
قوله «وهي فاعلة بمعنى مفعولة أي تطليقة إلخ» هكذا بالأصل، ولعل فيه
سقطاً). ذاتُ بَيْنونةٍ، ومثله: عِيشةٌ راضيةٌ أَي ذاتُ رِضاً. وفي حديث ابن
مسعود فيمن طَلق امرأَتَه ثمانيَ تَطْلِيقاتٍ: فقيل له إنها قد بانَتْ
منك، فقال: صدَقُوا؛ بانَتِ المرأَةُ من زوجِها أَي انفصلت عنه ووقع عليها
طلاقُه. والطَّلاقُ البائِنُ: هو الذي لا يَمْلِك الزوجُ فيه استِرْجاعَ
المرأَةِ إلا بعَقْدٍ جديدٍ، وقد تكرر ذكرها في الحديث. ويقال: بانَتْ
يدُ الناقةِ عن جَنْبِها تَبِينُ بُيوناً، وبانَ الخلِيطُ يَبينُ بَيْناً
وبَيْنونةً؛ قال الطرماح:
أَآذَنَ الثاوي بِبَيْنُونة
ابن شميل: يقال للجارية إذا تزوَّجت قد بانَت، وهُنّ قد بِنَّ
إذا تزوَّجْنَ. وبَيَّن فلانٌ بِنْثَه وأَبانَها إذا زوَّجَها وصارت إلى
زوجها، وبانَت هي إذا تزوجت، وكأَنه من البئر البعيدة أَي بَعُدَتْ عن
بيت أَبيها. وفي الحديث: مَنْ عالَ ثلاثَ بناتٍ حتى يَبِنَّ أَو يَمُتْنَ؛
يَبِنَّ، بفتح الياء، أَي يتزوَّجْنَ. وفي الحديث الآخر: حتى بانُوا أَو
ماتوا. وبئرٌ بَيُونٌ: واسعةُ ما بين الجالَيْنِ؛ وقال أَبو مالك: هي
التي لا يُصيبُها رِشاؤُها، وذلك لأَن جِرابَ البئر مستقيم، وقيل:
البَيُونُ البئرُ الواسعة الرأْسِ الضَّيِّقَة الأَسْفَل؛ وأَنشد أَبو علي
الفارسي:
إِنَّك لو دَعَوْتَني، ودُوني
زَوْراءُ ذاتُ مَنْزعٍ بَيُونِ،
لقُلْتُ: لَبَّيْه لمنْ يَدْعوني
فجعلها زَوْراءَ، وهي التي في جِرابِها عَوَجٌ، والمَنْزَعُ: الموضعُ
الذي يَصْعَدُ فيه الدَّلْوُ إذا نُزِع من البئر، فذلك الهواء هو
المَنْزَعُ. وقال بعضهم: بئرٌ بَيُونٌ وهي التي يُبِينُ المُسْتَقي الحبل في
جِرابِها لِعَوَجٍ في جُولها؛ قال جرير يصف خيلاً وصَهِيلَها:
يَشْنِفْنَ للنظرِ البعيد، كأَنما
إرْنانُها ببَوائنُ الأَشْطانِ
أَراد كأَنها تَصْهَل في ركايا تُبانُ أَشْطانُها عن نواحيها لِعَوَجٍ
فيها إرنانها ذوات
(* قوله «ارنانها ذوات إلخ» كذا بالأصل. وفي التكملة:
والبيت للفرزدق يهجو جريراً، والرواية إرنانها أي كأنها تصهل من آبار
بوائن لسعة أجوافها إلخ. وقول الصاغاني: والرواية إرنانها يعني بكسر الهمزة
وسكون الراء وبالنون كما هنا بخلاف رواية الجوهري فإنها أذنابها، وقد عزا
الجوهري هذا البيت لجرير كما هنا فقد رد عليه الصاغاني من وجهين).
الأَذنِ والنَّشاطِ منها، أَراد أَن في صهيلِها خُشْنة وغِلَظاً كأَنها تَصْهَل
في بئرٍ دَحُول، وذلك أَغْلَظُ لِصَهيلِها. قال ابن بري، رحمه الله:
البيت للفرزدق لا لجرير، قال: والذي في شعره يَصْهَلْنَ. والبائنةُ: البئرُ
البعيدةُ القعر الواسعة، والبَيونُ مثلُه لأَن الأَشْطانَ تَبِينُ عن
جرابِها كثيراً. وأَبانَ الدَّلوَ عن طَيِّ البئر: حادَ بها عنه لئلا
يُصيبَها فتنخرق؛ قال:
دَلْوُ عِراكٍ لَجَّ بي مَنينُها،
لم تَرَ قَبْلي ماتِحاً يُبينُها
وتقول: هو بَيْني وبَيْنَه، ولا يُعْطَفُ عليه إلا بالواو لأَنه لا يكون
إلا من اثنين، وقالوا: بَيْنا نحن كذلك إذ حَدَثَ كذا؛ قال أَنشده
سيبويه:
فبَيْنا نحن نَرْقُبُه، أَتانا
مُعَلّق وَفْضةٍ، وزِناد راعِ
إنما أَراد بَيْنَ نحن نَرْقبُهُ أَتانا، فأَشْبَعَ الفتحة فحدَثتْ
بعدها أَلفٌ، فإِن قيل: فلِمَ أَضافَ الظرفَ الذي هو بَيْن، وقد علمنا أَن
هذا الظرفَ لا يضاف من الأَسماء إلا لما يدلُّ على أَكثر من الواحد أَو ما
عُطف عليه غيره بالواو دون سائر حروف العطف نحو المالُ بينَ القومِ
والمالُ بين زيدٍ وعمرو، وقولُه نحن نرقُبُه جملةٌ، والجملة لا يُذْهَب لها
بَعْدَ هذا الظرفِ؟ فالجواب: أَن ههنا واسطة محذوفةٌ وتقدير الكلام بينَ
أَوقاتِ نحن نرْقُبُه أَتانا أَي أَتانا بين أَوقات رَقْبَتِنا إياه،
والجُمَلُ مما يُضافُ إليها أَسماءُ الزمان نحو أَتيتك زمنَ الحجاجُ أَميرٌ،
وأَوانَ الخليفةُ عبدُ
المَلِك، ثم إنه حذف المضافُ الذي هو أَوقاتٌ ووَليَ الظرف الذي كان
مضافاً إلى المحذوف الجملة التي أُقيمت مُقامَ المضاف إليها كقوله تعالى:
واسأَل القرية؛ أَي أَهلَ القرية، وكان الأَصمعيُّ يَخْفِضُ بعدَ بَيْنا
إذا صلَح في موضعه بَيْنَ ويُنشِد قول أَبي ذؤيب بالكسر:
بَيْنا تَعَنُّقِه الكُماةَ ورَوْغِه،
يوماً، أُتِيحَ له جَرِيءٌ سَلْفَعُ
وغيرُه يرفعُ ما بعدَ بَيْنا وبَيْنَما على الابتداء والخبر، والذي
يُنْشِدُ برَفع تَعنُّقِه وبخفْضِها
(* قوله: «والذي ينشد إلى وبخفضها؛ هكذا
في الأصل، ولعل في الكلام سقطاً). قال ابن بري: ومثلُه في جواز الرفع
والخفض بعدها قولُ الآخر:
كُنْ كيفَ شِئْتَ، فقَصْرُك الموتُ،
لا مَزْحَلٌ عنه ولا فَوْتُ
بَيْنا غِنَى بيتٍ وبَهْجَتِهِ،
زالَ الغِنَى وتَقَوَّضَ البيتُ
قال ابن بري: وقد تأْتي إذْ في جواب بينا كما قال حُمَيْد الأَرقط:
بَيْنا الفَتى يَخْبِطُ في غَيْساتِه،
إذ انْتَمَى الدَّهْرُ إلى عِفْراتِه
وقال آخر:
بيْنا كذلك، إذْ هاجَتْ هَمَرَّجةٌ
تَسْبي وتَقْتُل، حتى يَسْأَمَ الناسُ
وقال القطامي:
فبَيْنا عُمَيْرٌ طامحُ الطَّرف يَبْتَغي
عُبادةَ، إذْ واجَهْت أَصحَم ذا خَتْر
قال ابن بري: وهذا الذي قلناه يدلُّ على فسادِ قول من يقول إنَّ إذ لا
تكون إلا في جواب بَيْنما بزيادة ما، وهذه بعدَ بَيْنا كما ترى؛ ومما يدل
على فساد هذا القول أَنه قد جاء بَيْنما وليس في جوابها إذ كقول ابن
هَرْمة في باب النَّسيبِ من الحَماسةِ:
بينما نحنُ بالبَلاكِثِ فالْقا
عِ سِراعاً، والعِيسُ تَهْوي هُوِيّا
خطَرَتْ خَطْرةٌ على القلبِ من ذكـ
ـراكِ وهْناً، فما استَطَعتُ مُضِيّاً
ومثله قول الأَعشى:
بَيْنَما المرءُ كالرُّدَيْنيّ ذي الجُبْـ
ـبَةِ سَوَّاه مُصْلِحُ التَّثْقِيفِ،
رَدَّه دَهْرُه المُضَلّلُ، حتى
عادَ من بَعْدِ مَشْيِه التَّدْليفِ
ومثله قول أَبي دواد:
بَيْنما المرءُ آمِنٌ، راعَهُ را
ئعُ حَتْفٍ لم يَخْشَ منه انْبِعاقَهْ
وفي الحديث: بَيْنا نحن عند رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه
رجلٌ؛ أَصلُ بَيْنا بَيْنَ، فأُشبِعتْ الفتحة فصارت أَلفاً، ويقال بَيْنا
وبَيْنما، وهما ظرفا زمانٍ بمعنى المفاجأَة، ويُضافان إلى جملة من فعلٍ
وفاعلٍ ومبتدإِ وخبر، ويحْتاجان إلى جواب يَتِمُّ به المعنى، قال:
والأَفصَح في جوابهما أَن لا يكون فيه إذا وإذا، وقد جاءا في الجواب كثيراً،
تقول: بَينا زيدٌ جالسٌ دخَل عليه عمرٌو، وإذ دخَل عليه، وإذا دخل عليه؛ ومنه
قول الحُرَقة بنت النُّعمان:
بَيْنا نَسوسُ الناسَ، والأَمرُ أَمْرُنا،
إذا نحنُ فيهم سُوقةٌ نَتَنَصَّفُ
وأَما قوله تعالى: وجعلنا بينهم مَوْبِقاً؛ فإنّ الزجاج قال: معناه
جعلنا بينَهم من العذاب ما يُوبِقُهم أَي يُهْلِكهم؛ وقال الفراء: معناه
جعلنا بينهم أَي تواصُلهم في الدنيا مَوْبقاً لهم يوم القيامة أَي هُلْكاً،
وتكون بَيْن صفة بمنزلة وسَط وخِلال. الجوهري: وبَيْن بمعنى وسْط، تقول:
جلستُ بينَ القوم، كما تقول: وسْطَ القوم، بالتخفيف، وهو ظرفٌ، وإن جعلته
اسماً أَعرَبْتَه؛ تقول: لقد تقطَّع بينُكم، برفع النون، كما قال أَبو
خِراش الهُذلي يصف عُقاباً:
فلاقَتْه ببَلْقَعةٍ بَراحٍ،
فصادَفَ بينَ عَينَيْه الجَبُوبا
الجبُوب: وجه الأَرض. الأَزهري في أَثناء هذه الترجمة: روي عن أَبي
الهيثم أَنه قال الكواكب البَبانيات
(* وردت في مادة بين «البابانيات» تبعاً
للأصل، والصواب ما هنا). هي التي لا يَنزِلها شمسٌ ولا قمرٌ إنما
يُهْتَدى بها في البرِّ والبحر، وهي شامية، ومَهَبُّ الشَّمالِ منها، أَوَّلها
القُطْب وهو كوكبٌ لا يَزول، والجدْي والفَرْقَدان، وهو بَيْنَ القُطب،
وفيه بَنات نعْشٍ الصغرى، وقال أَبو عمرو: سمعت المبرَّد يقول إذا كان
الاسم الذي يجيء بعد بَيْنا اسماً حقيقيّاً رفَعته بالابتداء، وإن كان اسماً
مصدريّاً خفضْتَه، ويكون بَيْنا في هذا الحال بمعنى بينَ، قال: فسأَلت
أَحمد بن يحيى عنه ولم أُعلِمْه قائله فقال: هذا الدرُّ، إلا أَنَّ من
الفصحاء من يرفع الاسم الذي بعد بَينا وإن كان مصدريّاً فيُلحقه بالاسم
الحقيقي؛ وأَنشد بيتاً للخليل ابن أَحمد:
بَينا غِنَى بيتٍ وبَهْجَتِه،
ذهَبَ الغِنى وتَقَوَّضَ البَيْتُ
وجائز: وبهْجَتُه، قال: وأَما بَيْنما فالاسمُ الذي بعده مرفوعٌ، وكذلك
المصدر. ابن سيده: وبَيْنا وبينما من حروف الابتداء، وليست الأَلف في
بَيْنا بصلةٍ، وبَينا فعْلى أُشبِعت الفتحةُ فصارت أَلفاً، وبينما بَين
زِيدت عليه ما، والمعنى واحد، وهذا الشيء بَينَ بَينَ أَي بَيْنَ الجيِّد
والرَّديء، وهما اسمان جُعِلا واحداً وبُنيا على الفتح، والهمزة المخفَّفة
تسمّى همزة بَيْنَ بَيْنَ؛ وقالوا: بَين بَين، يريدون التَّوَسُّط كما قال
عَبيد بن الأَبرص:
نَحْمي حَقيقَتَنا، وبعـ
ـض القَوْم يَسْقُطُ بَينَ بَيْنا
وكما يقولون: همزة بَين بَين أَي أَنها همزةٌ بَيْنَ الهمزةِ وبين حرف
اللين، وهو الحرف الذي منه حركتُها إن كانت مفتوحة، فهي بين الهمزة
والأَلف مثل سأَل، وإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء مثل سَئِمَ، وإن كانت
مضمومةً فهي بين الهمزة والواو مثل لَؤُم، إلا أَنها ليس لها تمكينُ
الهمزة المحققة، ولا تقَعُ الهمزةُ المخففة أَبداً أَوَّلاً
لقُرْبِها بالضَّعْف من الساكن، إلا أَنها وإن كانت قد قرُبَت من الساكن
ولم يكن لها تَمْكين الهمزةِ المحقَّقة فهي متحرِّكة في الحقيقة،
فالمفتوحة نحو قولك في سأَل سأَلَ، والمكسورةُ نحو قولك في سَئِمَ سَئِمَ،
والمضمومة نحو قولك في لؤُم لؤُم، ومعنى قول سيبويه بَيْنَ بَيْنَ أَنها
ضعيفة ليس لها تمكينُ المحقَّقة ولا خُلوصُ الحرف الذي منه حركتُها، قال
الجوهري: وسميت بَينَ بينَ لضَعْفِها؛ وأَنشد بيت عبيد بن الأَبرص:
وبعض القومِ يسقط بين بينا
أَي يتساقط ضَعيفاً غير معتدٍّ به؛ قال ابن بري: قال السيرافي كأَنه قال
بَينَ هؤلاء وهؤلاء، كأَنه رجلٌ يدخل بينَ فريقين في أَمرٍ من الأُمور
فيسقُطُ ولا يُذْكَر فيه؛ قال الشيخ: ويجوز عندي أَن يريد بينَ الدخول في
الحرب والتأَخر عنها، كما يقال: فلانُ يُقَدِّم رِجْلاً ويُؤَخر أُخرى.
ولَقِيتُه بُعَيدات بَيْنٍ إذا لقِيتَه بعدَ حينٍ ثم أَمسكتَ عنه ثم
أَتيته؛ وقوله:
وما خِفْتُ حتى بَيَّنَ الشربُ والأَذى
بِقانِئِه، إِنِّي من الحيِّ أَبْيَنُ
أَي بائن. والبَيانُ: ما بُيِّنَ به الشيءُ من الدلالة وغيرِها. وبانَ
الشيءُ بَياناً: اتَّضَح، فهو بَيِّنٌ، والجمع أَبْيِناءُ، مثل هَيِّنٍ
وأَهْيِناء، وكذلك أَبانَ الشيءُ فهو مُبينٌ؛ قال الشاعر:
لو دَبَّ ذَرٌّ فوقَ ضاحِي جلدِها،
لأَبانَ من آثارِهِنَّ حُدورُ
قال ابن بري عند قول الجوهري والجمع أَبْيِناء مثل هيِّن وأَهْيِناء،
قال: صوابه مثل هيِّنٍ وأَهْوِناء لأَنه من الهَوانِ. وأَبَنْتُه أَي
أَوْضَحْتُه. واستَبانَ الشيءُ: ظهَر. واستَبَنْتُه أَنا: عرَفتُه. وتَبَيَّنَ
الشيءُ: ظَهَر، وتَبيَّنْتهُ أَنا، تتعدَّى هذه الثلاثةُ ولا تتعدّى.
وقالوا: بانَ الشيءُ واسْتَبانَ وتَبيَّن وأَبانَ وبَيَّنَ بمعنى واحد؛
ومنه قوله تعالى: آياتٍ مُبَيِّناتٍ، بكسر الياء وتشديدها، بمعنى
مُتبيِّنات، ومن قرأَ مُبَيَّنات بفتح الياء فالمعنى أَن الله بَيَّنَها. وفي
المثل: قد بَيَّنَ الصبحُ لذِي عينَين أَي تَبَيَّن؛ وقال ابن ذَريح:
وللحُبِّ آياتٌ تُبَيَّنُ للفَتى
شُحوباً، وتَعْرى من يَدَيه الأَشاحم
(* قوله «الأشاحم» هكذا في الأصل). قال ابن سيده: هكذا أَنشده ثعلب،
ويروى: تُبَيِّن بالفتى شُحوب. والتَّبْيينُ: الإيضاح. والتَّبْيين أَيضاً:
الوُضوحُ؛ قال النابغة:
إلاَّ الأَوارِيّ لأْياً ما أُبَيِّنُها،
والنُّؤْيُ كالحَوض بالمظلومة الجلَد
يعني أَتَبيَّنُها. والتِّبْيان: مصدرٌ، وهو شاذٌّ لأَن المصادر إنما
تجيء على التَّفْعال، بفتح التاء، مثال التَّذْكار والتَّكْرار
والتَّوْكاف، ولم يجيءْ بالكسر إلا حرفان وهما التِّبْيان والتِّلقاء. ومنه حديث آدم
وموسى، على نبينا محمد وعليهما الصلاة والسلام: أَعطاكَ اللهُ التوراةَ
فيها تِبْيانُ كلِّ شيءٍ أَي كشْفُه وإيضاحُه، وهو مصدر قليل لأَن مصادرَ
أَمثاله بالفتح. وقوله عز وجل: وهو في الخِصام غيرُ مُبين؛ يريد النساء
أَي الأُنثى لا تكاد تَسْتَوفي الحجةَ ولا تُبينُ، وقيل في التفسير: إن
المرأَة لا تكاد تحتجُّ بحُجّةٍ إِلا عليها، وقد قيل: إنه يعني به
الأَصنام، والأَوّل أَجود. وقوله عز وجل: لا تُخْرِجوهُنَّ من بيوتهنّ ولا
يَخْرُجْنَ إلا أَن يأْتِين بفاحِشةٍ مُبَيِّنة؛ أَي ظاهرة مُتَبيِّنة. قال
ثعلب: يقول إذا طلَّقها لم يحِلّ لها أَن تَخْرُجَ من بيته، ولا أَن
يُخْرجها هو إلا بحَدٍّ يُقام عليها، ولا تَبينُ عن الموضع الذي طُلِّقت فيه
حتى تنقضي العدّة ثم تخرُج حيث شاءت، وبِنْتُه أَنا وأَبَنتُه واسْتَبنْتُه
وبَيَّنْتُه؛ وروي بيت ذي الرمة:
تُبَيِّنُ نِسْبةَ المَرَئِيّ لُؤْماً،
كما بَيَّنْتَ في الأَدَم العَوارا
أَي تُبَيِّنُها، ورواه عليّ
بن حمزة: تُبيِّن نِسبةُ، بالرفع، على قوله قد بَيَّنَ الصبحُ لذي
عَينين. ويقال: بانَ الحقُّ يَبينُ بَياناً، فهو بائنٌ، وأَبانَ يُبينُ إبانة،
فهو مُبينٌ، بمعناه. ومنه قوله تعالى: حم والكتاب المُبين؛ أَي والكتاب
البَيِّن، وقيل: معنى المُبين الذي أَبانَ طُرُقَ الهدى من طرق الضلالة
وأَبان كلَّ ما تحتاج إليه الأُمّة؛ وقال الزجاج: بانَ الشيءُ وأَبانَ
بمعنى واحد. ويقال: بانَ الشيءُ وأَبَنتُه، فمعنى مُبين أَنه مُبينٌ خيرَه
وبرَكَته، أَو مُبين الحقَّ من الباطل والحلالَ من الحرام، ومُبينٌ أَن
نُبُوَّةَ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حقٌّ، ومُبين قِصَصَ
الأَنبياء. قال أَبو منصور: ويكون المستبين أَيضاً بمعنى المُبين. قال أَبو
منصور: والاسْتِبانةُ يكون واقعاً. يقال: اسْتَبنتُ الشيءَ إذا تأَملتَه
حتى تَبيَّن لك. قال الله عز وجل: وكذلك نُفصِّل الآيات ولِتَستبين سبيلَ
المجرمين؛ المعنى ولتستبينَ أَنت يا محمد سبيلَ المجرمين أَي لتزدادَ
استِبانة، وإذا بانَ سبيلُ المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين، وأَكثرُ القراء
قرؤُوا: ولتَستبينَ سبيلُ المجرمين؛ والاسْتبانة حينئذٍ يكون غير واقع.
ويقال: تبَيَّنْت الأَمر أَي تأَمَّلته وتوسَّمْتُه، وقد تبيَّنَ الأَمرُ
يكون لازِماً وواقِعاً، وكذلك بَيَّنْته فبَيَّن أَي تَبَيَّن، لازمٌ
ومتعدّ. وقوله عز وجل: وأَنزلنا عليكَ الكتاب تِبْياناً لكلّ
شيءٍ؛ أَي بُيِّن لك فيه كلُّ ما تحتاج إليه أَنت وأُمتُك من أَمر
الدِّين، وهذا من اللفظ العامِّ الذي أُريد به الخاصُّ، والعرب تقول: بَيَّنْت
الشيءَ تَبْييناً وتِبْياناً، بكسر التاء، وتِفْعالٌ بكسر التاء يكون
اسماً، فأَما المصدر فإِنه يجيء على تَفْعال بفتح التاء، مثل التَّكْذاب
والتَّصْداق وما أَشبهه، وفي المصادر حرفان نادران: وهما تِلْقاء الشيء
والتِّبْيان، قال: ولا يقاس عليهما. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أَلا
إنَّ التَّبيين من الله والعَجَلة من الشيطان فتبيَّنُوا؛ قال أَبو عبيد:
قال الكسائي وغيره التَّبْيين التثبُّتُ في الأَمر والتَّأَني فيه،
وقرئ قوله عز وجل: إذا ضَرَبتم في سبيل الله فتبيَّنُوا، وقرئ: فتثبَّتوا،
والمعنيان متقاربان. وقوله عز وجل: إنْ جاءكم فاسقٌ بنبإٍ فتبيَّنوا،
وفتَثبَّتُوا؛ قرئ بالوجهين جميعاً. وقال سيبويه في قوله: الكتاب المُبين،
قال: وهو التِّبيان، وليس على الفعل إنما هو بناءٌ على حدة، ولو كان
مصدراً لفُتِحتْ كالتَّقْتال، فإنما هو من بيَّنْتُ كالغارة من أَغَرْت. وقال
كراع: التِّبيان مصدرٌ ولا نظير له إلا التِّلقاء، وهو مذكور في موضعه.
وبينهما بَينٌ أَي بُعْد، لغة في بَوْنٍ، والواو أَعلى، وقد بانَه
بَيْناً. والبَيانُ: الفصاحة واللَّسَن، وكلامٌ بيِّن فَصيح. والبَيان: الإفصاح
مع ذكاء. والبَيِّن من الرجال: الفصيح. ابن شميل: البَيِّن من الرجال
السَّمْح اللسان الفصيح الظريف العالي الكلام القليل الرتَج. وفلانٌ
أَبْيَن من فلان أَي أَفصح منه وأَوضح كلاماً. ورجل بَيِّنٌ: فصيح، والجمع
أَبْيِناء، صحَّت الياء لسكون ما قبلها؛ وأَنشد شمر:
قد يَنْطِقُ الشِّعْرَ الغَبيُّ، ويَلْتَئي
على البَيِّنِ السَّفّاكِ، وهو خَطيبُ
قوله يَلتئي أَي يُبْطئ، من اللأْي وهو الإبطاء. وحكى اللحياني في جمعه
أَبْيان وبُيَناء، فأَما أَبْيان فكميِّت وأَموات، قال سيبويه: شَبَّهوا
فَيْعِلاً بفاعل حين قالوا شاهد وأَشهاد، قال: ومثله، يعني ميِّتاً
وأَمواتاً، قيِّل وأَقيال وكَيِّس وأَكياس، وأَما بُيِّناء فنادر، والأَقيَس
في ذلك جمعُه بالواو، وهو قول سيبويه. روى ابنُ عباس عن النبي، صلى الله
عليه وسلم، أَنه قال: إنّ من البيان لسِحْراً وإنّ من الشِّعر لحِكَماً؛
قال: البَيان إظهار المقصود بأَبلغ لفظٍ، وهو من الفَهْم وذكاءِ القلْب
مع اللَّسَن، وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ، وقيل: معناه إن الرجُلَ يكونُ
عليه الحقُّ، وهو أَقْوَمُ بحُجَّتِه من خَصْمِه، فيَقْلِبُ الحقَّ
بِبَيانِه إلى نَفْسِه، لأَن معنى السِّحْر قَلْبُ الشيءِ في عَيْنِ الإنسانِ
وليس بِقَلْبِ الأَعيانِ، وقيل: معناه إنه يَبْلُغ من بَيانِ ذي الفصاحة
أَنه يَمْدَح الإنسانَ فيُصدَّق فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ إلى قولِه
وحُبِّه، ثم يذُمّه فيُصدّق فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ إلى قوله وبُغْضِهِ،
فكأَنه سَحَرَ السامعين بذلك، وهو وَجْهُ قوله: إن من البيانِ لسِحْراً. وفي
الحديث عن أَبي أُمامة: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: الحياءُ
والعِيُّ شُعْبتان من الإيمانِ، والبَذاءُ والبيانُ شُعْبتانِ من النِّفاق؛
أَراد أَنهما خَصْلتان مَنْشَؤهما النِّفاق، أَما البَذاءُ وهو الفُحْشُ
فظاهر، وأَما البيانُ فإنما أَراد منه بالذّم التعمُّق في النُّطْق
والتفاصُحَ وإظهارَ التقدُّم فيه على الناس وكأَنه نوعٌ من العُجْب والكِبْرِ،
ولذلك قال في رواية أُخْرى: البَذاءُ وبعضُ البيان، لأَنه ليس كلُّ
البيانِ مذموماً. وقال الزجاج في قوله تعالى: خَلَق الإنْسان علَّمَه
البيانَ؛ قيل إنه عنى بالإنسان ههنا النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، علَّمَه
البيان أَي علَّمه القرآنَ الذي فيه بيانُ كلِّ شيء، وقيل: الإنسانُ هنا آدمُ،
عليه السلام، ويجوز في اللغة أَن يكون الإنسانُ اسماً لجنس الناس
جميعاً، ويكون على هذا علَّمَه البيانَ جعَله مميَّزاً حتى انفصل الإنسانُ
ببيَانِه وتمييزه من جميع الحيوان. ويقال: بَيْنَ الرجُلَين بَيْنٌ بَعيدٌ
وبَوْنٌ بعيد؛ قال أَبو مالك: البَيْنُ الفصلُ
(* قوله «البين الفصل إلخ»
كذا بالأصل). بين الشيئين، يكون إمّا حَزْناً أَو بقْرْبه رَمْلٌ،
وبينَهما شيءٌ ليس بحَزنٍ ولا سهلٍ. والبَوْنُ: الفضلُ والمزيّةُ. يقال: بانه
يَبونُه ويَبينُه، والواوُ أَفصحُ، فأَما في البُعْد فيقال: إن بينهما
لَبَيْناً لا غير. وقوله في الحديث: أَولُ ما يُبِينُ على أَحدِكم فَخِذُه
أَي يُعْرب ويَشهد عليه. ونخلةٌ بائنةٌ: فاتَتْ كبائسُها الكوافيرَ وامتدّت
عراجِينُها وطالت؛ حكاه أَبو حنيفة؛ وأَنشد لحَبيب القُشَيْري:
من كل بائنةٍ تَبينُ عُذوقَها
عنها، وحاضنةٍ لها مِيقارِ
قوله: تَبينُ عذوقَها يعني أَنها تَبين عذوقَها عن نفسها. والبائنُ
والبائنةُ من القِسِيِّ: التي بانتْ من وتَرِها، وهي ضد البانِية، إلا أَنها
عيب، والباناةُ مقلوبةٌ عن البانِية. الجوهري: البائنةُ القوسُ التي بانت
عن وَتَرِها كثيراً، وأَما التي قد قرُبَتْ من وَتَرِها حتى كادت تلْصَق
به فهي البانيةُ، بتقديم النون؛ قال: وكلاهما عيب. والباناةُ: النَّبْلُ
الصِّغارُ؛ حكاه السُّكَّريّ عن أَبي الخطاب. وللناقة حالِبانِ:
أَحدُهما يُمْسِك العُلْبة من الجانب الأَيمن، والآخرُ يحلُب من الجانب
الأَيْسر، والذي يَحْلُب يسمَّى المُسْتَعْلي والمُعَلِّي، والذي يُمْسِك يسمَّى
البائنَ. والبَيْنُ: الفراق. التهذيب: ومن أَمثال العرب: اسْتُ البائنِ
أَعْرَفُ، وقيل: أَعلمُ، أَي مَنْ وَلِيَ أَمْراً ومارَسَه فهو أَعلم به
ممن لم يُمارِسْه، قال: والبائن الذي يقومُ على يمين الناقة إذا حلبَها،
والجمع البُيَّنُ، وقيل: البائنُ والمُسْتَعْلي هما الحالبان اللذان
يَحْلُبان الناقةَ أَحدُهما حالبٌ، والآخر مُحْلِب، والمُعينُ هو المُحْلِب،
والبائن عن يمين الناقة يُمْسِك العُلْبةَ، والمُسْتَعْلي الذي عن
شِمالها، وهو الحالبُ يَرْفع البائنُ العُلْبةَ إليه؛ قال الكميت:
يُبَشِّرُ مُسْتعلِياً بائنٌ،
من الحالبَيْنِ، بأَن لا غِرارا
قال الجوهري: والبائنُ الذي يأْتي الحلوبةَ من قِبَل شمالها،
والمُعَلِّي الذي يأْتي من قِبل يمينها. والبِينُ، بالكسر: القطعةُ من الأَرض قدر
مَدِّ البصر من الطريق، وقيل: هو ارتفاعٌ في غِلَظٍ، وقيل: هو الفصل بين
الأَرْضَيْن. والبِينُ أَيضاً: الناحيةُ، قال الباهلي: المِيلُ قدرُ ما
يُدْرِكُ بصره من الأَرضُ، وفَصْلٌ بَيْنَ كلّ أَرْضَيْن يقال له بِينٌ،
قال: وهي التُّخومُ، والجمعُ بُيونٌ؛ قال ابن مُقْبِل يُخاطِبُ الخيالَ:
لَمْ تَسْرِ لَيْلى ولم تَطْرُقْ لحاجتِها،
من أَهلِ رَيْمانَ، إلا حاجةً فينا
بِسَرْوِ حِمْيَر أَبْوالُ البِغالِ به،
أَنَّى تَسَدَّيْتَ وَهْناً ذلكَ البِينا
(* قوله «بسرو» قال الصاغاني، والرواية: من سرو حمير لا غير). ومَن كسَر
التاءَ والكافَ ذهَب بالتأْنيث إلى ابنة البكريّ صاحبة الخيال، قال:
والتذكير أَصْوَبُ. ويقال: سِرْنا ميلاً أَي قدر مدّ البَصَرِ، وهو البِينُ.
وبِينٌ: موضعٌ قريب من الحيرة. ومُبِينٌ: موضع أَيضاً، وقيل: اسمُ ماءٍ؛
قال حَنْظلةُ بن مصبح:
يا رِيَّها اليومَ على مُبِينِ،
على مبينٍ جَرَدِ القَصيمِ
التارك المَخاضَ كالأُرومِ،
وفَحْلَها أَسود كالظَّليمِ
جمع بين النون والميم، وهذا هو الإكْفاء؛ قال الجوهري: وهو جائز
للمطْبوع على قُبْحِه، يقول: يا رِيَّ ناقتي على هذا الماء، فأَخرَجَ الكلامَ
مُخْرَجَ النداء وهو تعجُّب. وبَيْنونةُ: موضع؛ قال:
يا رِيحَ بَيْنونةَ لا تَذْمِينا،
جئْتِ بأَلوانِ المُصَفَّرِينا
(* قوله «بألوان» في ياقوت: بأرواح).وهُما بَيْنونَتانِ بَيْنونةُ
القُصْوَى وبَينونة الدُّنيا، وكِلْتاهما في شِقِّ بني سعدٍ بَيْنَ عُمانَ
ويَبْرِين. التهذيب: بَيْنونة موضعٌ بينَ عُمان والبحرَيْن وبيءٌ. وعَدَنُ
أَبْيَنَ وإِبْيَن: موضعٌ، وحكى السيرافي: عَدَن أَبْيَن، وقال: أَبْيَن
موضع، ومثَّل سيبويه بأَبْيَن ولم يُفَسِّرْهُ، وقيل: عَدَن أَبْيَن اسمُ
قريةٍ على سيفِ البحر ناحيةَ اليمن. الجوهري: أَبْيَنُ اسمُ رجلٍ ينسب
إليه عَدَن، يقال: عَدَنُ أَبْيَنَ. والبانُ: شجرٌ يَسْمُو ويَطُول في
اسْتِواءٍ مثل نَبات الأَثْل، وورَقُه أَيضاً هدبٌ كهَدَب الأَثْل، وليس
لخَشَبه صلابةٌ، واحدتُه بانةٌ؛ قال أَبو زياد: من العِضاه البانُ، وله
هَدَبٌ طُوالٌ شديدُ الخُضْرة، وينبت في الهِضَبِ، وثمرتُه تُشبه قُرونَ
اللُّوبياء إلا أَن خُضْرَتَها شديدةٌ، ولها حبٌّ ومن ذلك الحبِّ يُسْتَخْرَج
دُهْنُ البانِ. التهذيب: البانةُ شجرةٌ لها ثمرة تُرَبَّبُ بأَفاوِيه
الطيِّب، ثم يُعْتَصر دُهْنها طِيباً، وجمعها البانُ، ولاسْتِواءِ نباتِها
ونباتِ أَفنانِها وطُولِها ونَعْمَتِها شَبَّه الشُّعَراءُ الجاريةَ
الناعمة ذاتَ الشِّطاطِ بها فقيل: كأَنها بانةٌ، وكأَنها غُصْنُ بانٍ؛ قال قيس
بن الخَطيم:
حَوْراءَ جَيداء يُسْتَضاءُ بها،
كأَنها خُوطُ بانةٍ قَصِفُ
ابن سيده: قَضَينا على أَلف البانِ بالياء، وإن كانت عيناً لغلبةِ (ب ي
ن) على (ب و ن).
شرف: الشَّرَفُ: الحَسَبُ بالآباء، شَرُفَ يَشْرُفُ شَرَفاً وشُرْفَةً
وشَرافةً، فهو شريفٌ، والجمع أَشْرافٌ. غيره: والشَّرَفُ والمَجْدُ لا
يكونانِ إلا بالآباء. ويقال: رجل شريفٌ ورجل ماجدٌ له آباءٌ متقدِّمون في
الشرَف. قال: والحسَبُ والكَرَمُ يكونانِ وإن لم يكن له آباء لهم شَرَفٌ.
والشَّرَفُ: مصدر الشَّريف من الناس. وشَريفٌ وأَشْرافٌ مثل نَصِيرٍ
وأَنْصار وشَهِيد وأَشْهادٍ، الجوهري: والجمع شُرَفاء وأَشْرافٌ، وقد شَرُفَ،
بالضم، فهو شريف اليوم، وشارِفٌ عن قليل أَي سيصير شريفاً؛ قال الجوهري:
ذكره الفراء. وفي حديث الشعبي: قيل للأَعمش: لمَ لمْ تَسْتَكْثِر من
الشعبي؟ قال: كان يَحْتَقِرُني كنت آتِيه مع إبراهيم فَيُرَحِّبُ به ويقول
لي: اقْعُدْ ثَمَّ أَيـُّها العبدُ ثم يقول:
لا نَرْفَعُ العبدَ فوق سُنَّته،
ما دامَ فِينا بأَرْضِنا شَرَفُ
أَي شريف. يقال: هو شَرَفُ قومه وكَرَمُهم أَي شَريفُهُم وكَريمهم،
واستعمل أَبو إسحق الشَّرَفَ في القرآن فقال: أَشْرَفُ آيةٍ في القرآن آيةُ
الكرسي.
والمَشْرُوفُ: المفضول. وقد شَرَفه وشَرَفَ عليه وشَرَّفَه: جعل له
شَرَفاً؛ وكل ما فَضَلَ على شيء، فقد شَرَفَ. وشارَفَه فَشَرَفَه يَشْرُفه:
فاقَه في الشرفِ؛ عن ابن جني. وَشَرفْتُه أَشْرُفه شَرْفاً أَي غَلَبْته
بالشرَفِ، فهو مَشْرُوف، وفلان أَشْرَفُ منه. وشارَفْتُ الرجل: فاخرته
أَيـُّنا أَشْرَفُ. وفي الحديث: أَن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، قال: ما
ذِئبان عادِيانِ أَصابا فَريقة غَنَمٍ بأَفْسَدَ فيها من حُبِّ المرء
المالَ والشَّرَفَ لِدِينه؛ يريد أَنه يَتَشَرَّفُ للمُباراةِ والمُفاخَرةِ
والمُساماةِ. الجوهري: وشَرَّفَه اللّه تَشْريفاً وتَشَرَّفَ بكذا أَي
عَدَّه شَرَفاً، وشَرَّفَ العظْمَ إذا كان قليل اللحم فأَخذ لحمَ عظم آخرَ
ووضَعَه عليه؛ وقول جرير:
إذا ما تَعاظَمْتُمْ جُعُوراً، فَشَرِّفُوا
جَحِيشاً، إذا آبَتْ من الصَّيْفِ عِيرُها
قال ابن سيده: أَرى أَنَّ معناه إذا عَظُمَتْ في أَعينكم هذه القبيلة من
قبائلكم فزيدوا منها في جَحِيش هذه القبيلة القليلة الذليلة، فهو على
نحو تَشْريفِ العظْمِ باللَّحم.
والشُّرْفةُ: أَعلى الشيء. والشَّرَفُ: كالشُّرْفةِ، والجمع أَشْرافٌ؛
قال الأَخطل:
وقد أَكل الكِيرانُ أَشْرافَها العُلا،
وأُبْقِيَتِ الأَلْواحُ والعَصَبُ السُّمْرُ
ابن بزرج: قالوا: لك الشُّرْفةُ في فُؤَادي على الناس.
شمر: الشَّرَفُ كل نَشْزٍ من الأَرض قد أَشْرَفَ على ما حوله، قادَ أَو
لم يَقُد، سواء كان رَمْلاً أَو جَبَلاً، وإنما يطول نحواً من عشْر
أَذرُع أَو خمس، قَلَّ عِرَضُ طهره أَو كثر. وجبل مُشْرِفٌ: عالٍ. والشَّرَفُ
من الأَرض: ما أَشْرَفَ لك. ويقال: أَشْرَفَ لي شَرَفٌ فما زِلْتُ
أَرْكُضُ حتى علوته؛ قال الهذلي:
إذا ما اشْتَأَى شَرَفاً قَبْلَه
وواكَظَ، أَوْشَكَ منه اقْتِرابا
الجوهري: الشَّرَفُ العُلُوُّ والمكان العالي؛ وقال الشاعر:
آتي النَّدِيَّ فلا يُقَرَّبُ مَجْلِسي،
وأَقُود للشَّرَفِ الرَّفِيعِ حِماري
يقول: إني خَرِفْت فلا يُنتفع برَأْيي، وكبِرْت فلا أَستطيع أَن أَركب
من الأَرض حماري إلا من مكان عال. الليث: المُشْرَفُ المكان الذي تُشْرِفُ
عليه وتعلوه. قال: ومَشارِفُ الأَرض أَعاليها. ولذلك قيل: مَشارِفُ
الشَّامِ. الأَصمعي: شُرْفةُ المال خِيارُه، والجمع الشُّرَفُ. ويقال: إني
أَعُدُّ إتْيانَكم شُرْفةً وأَرى ذلك شُرْفةً أَي فَضْلاً وشَرَفاً.
وأَشْرافُ الإنسان: أُذُناه وأَنـْفُه؛ وقال عديّ:
كَقَصِير إذ لم يَجِدْ غير أَنْ جَدْ
دَعَ أَشْرافَه لمَكْر قَصِير
ابن سيده: الأَشْرافُ أَعلى الإنسانِ، والإشرافُ: الانتصابُ. وفرس
مُشْتَرِفٌ أَي مُشْرِفُ الخَلْق. وفرس مُشْتَرِفٌ: مُشْرِفُ أَعالي العظام.
وأَشْرَف الشيءَ وعلى الشيء: عَلاه. وتَشَرَّفَ عليه: كأَشْرَفَ.
وأَشْرَفَ الشيءُ: علا وارتفع. وشَرَفُ البعير: سَنامه، قال الشاعر:
شَرَفٌ أَجَبُّ وكاهِلٌ مَجْزُولُ
وأُذُن شَرْفاء أَي طويلة. والشَّرْفاء من الآذان: الطويلة القُوفِ
القائمة المُشْرِفةُ وكذلك الشُّرافِيَّة، وقيل: هي المنتصبة في طول، وناقة
شَرْفاء وشُرافِيَّةٌ: ضَخْمةُ الأُذنين جسيمة، وضَبٌّ شُرافيٌّ كذلك،
ويَرْبُوعٌ شُرافيّ؛ قال:
وإني لأَصْطادُ اليَرابيعَ كُلَّها:
شُرافِيَّها والتَّدْمُريَّ المُقَصِّعا
ومنكب أَشْرَفُ: عال، وهو الذي فيه ارتفاع حَسَنٌ وهو نقِيض الأَهدإِ.
يقال منه: شَرِفَ يَشْرَفُ شَرَفاً، وقوله أَنشده ثعلب:
جَزى اللّهُ عَنَّا جَعْفَراً، حين أَشْرَفَتْ
بنا نَعْلُنا في الواطِئين فَزَلَّتِ
لم يفسره وقال: كذا أَنشدَناه عمر بن شَبَّة، وقال: ويروى حين
أَزْلَفَتْ؛ قال ابن سيده: وقوله هكذا أَنشدناه تَبَرُّؤٌ من الرواية.
والشُّرْفةُ: ما يوضع على أَعالي القُصور والمدُن، والجمع شُرَفٌ.
وشَرَّفَ الحائطَ: جعل له شُرْفةً. وقصر مُشَرَّفٌ: مطوَّل.
والمَشْرُوف: الذي قد شَرَفَ عليه غيره، يقال: قد شَرَفَه فَشَرَفَ عليه. وفي حديث
ابن عباس: أُمِرْنا أَن نَبْني المَدائِنَ شُرَفاً والمساجِدَ جُمّاً؛
أَراد بالشُّرَفِ التي طُوّلت أَبْنِيَتُها بالشُّرَفِ، الواحدة شُرْفةٌ،
وهو على شَرَفِ أَمر أَي شَفًى منه. والشَّرَفُ: الإشْفاء على خَطَر من خير
أَو شر.
وأَشْرَفَ لك الشيءُ: أَمْكَنَك. وشارَفَ الشيءَ: دنا منه وقارَبَ أَن
يَظْفَرَ به. ويقال: ساروا إليهم حتى شارَفُوهم أَي أَشْرَفُوا عليهم.
ويقال: ما يُشْرِفُ له شيء إلا أَخذه، وما يُطِفُّ له شيء إلا أَخذه، وما
يُوهِفُ له شيء إلا أَخذه. وفي حديث عليّ، كرم اللّه وجهه: أُمِرْنا في
الأَضاحي أَن نَسْتَشْرفَ العين والأُذن؛ معناه أَي نتأَمل سلامتهما من آفةٍ
تكون بهما، وآفةُ العين عَوَرُها، وآفة الأُذن قَطْعها، فإذا سَلِمَت
الأُضْحِية من العَوَر في العين والجَدْعِ في الأَذن جاز أَن يُضَحَّى بها،
إذا كانت عَوْراء أَو جَدْعاء أَو مُقابَلَةً أَو مُدابَرَةً أَو
خَرْقاء أَو شَرْقاء لم يُضَحَّ بها، وقيل: اسْتِشْرافُ العين والأُذن أَن
يطلبهما شَريفَيْن بالتمام والسلامة، وقيل: هو من الشُّرْفةِ وهي خِيارُ
المال أَي أُمِرْنا أَن نتخيرها. وأَشْرَفَ على الموت وأَشْفى: قارَبَ.
وتَشَرَّفَ الشيءَ واسْتَشْرَفه: وضع يده على حاجِبِه كالذي يَسْتَظِلُّ من
الشمس حتى يُبْصِرَه ويَسْتَبِينَه؛ ومنه قول ابن مُطَيْر:
فَيا عَجَباً للناسِ يَسْتَشْرِفُونَني،
كأَنْ لم يَرَوا بَعْدي مُحِبّاً ولا قبْلي
وفي حديث أَبي طلحة، رضي اللّه عنه: أَنه كان حسَنَ الرمْي فكان إذا رمى
اسْتَشْرَفَه النبي، صلى اللّه عليه وسلم، لينظر إلى مَواقِعِ نَبْله
أَي يُحَقِّقُ نظره ويَطَّلِعُ عليه. والاسْتِشْرافُ: أَن تَضَع يدك على
حاجبك وتنظر، وأَصله من الشرَف العُلُوّ كأَنه ينظر إليه من موضع مُرْتَفِع
فيكون أَكثر لإدراكه. وفي حديث أَبي عبيدة: قال لعمر، رضي اللّه عنهما،
لما قَدِمَ الشامَ وخرج أَهلُه يستقبلونه: ما يَسُرُّني أَن أَهلَ هذا
البلد اسْتَشْرَفُوك أَي خرجوا إلى لقائك، وإنما قال له ذلك لأن عمر، رضي
اللّه عنه، لما قدم الشام ما تَزَيَّا بِزِيِّ الأُمراء فخشي أَن لا
يَسْتَعْظِمُوه. وفي حديث الفِتَن: من تَشَرَّفَ لها اسْتَشْرَفَتْ له أَي من
تَطَلَّعَ إليها وتَعَرَّضَ لها واتَتْه فوقع فيها. وفي الحديث: لا
تُشْرِفْ يُصِبْك سهم أَي لا تَتَشَرَّفْ من أَعْلى الموضع؛ ومنه الحديث: حتى
إذا شارَفَتِ انقضاء عدّتها أَي قَرُبَت منها وأَشْرَفَت عليها. وفي
الحديث عن سالم عن أَبيه: أَن رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، كان يُعْطِي
عُمَر العطاء فيقول له عمر: يا رسولَ اللّه أَعْطِه أَفْقَرَ إليه مني،
فقال له رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم: خُذْه فتَمَوَّلْه أَو
تَصَدَّقْ به، وما جاءك من هذا المال وأَنتَ غيرُ مُشْرِفٍ له ولا سائل فخذه وما
لا فلا تُتْبِعْه نفسَك، قال سالم: فمن أجل ذلك كان عبد اللّه لا
يَسْأَلُ أحداً شيئاً ولا يُرُدُّ شيئاً أُعْطِيَه؛ وقال شمر في قوله وأَنت غير
مُشْرِفٍ له قال: ما تُشْرِفُ عليه وتَحَدَّثُ به نفسك وتتمناه؛ وأَنشد:
لقد عَلِمْتُ، وما الإشْرافُ من طَمَعي،
أَنَّ الذي هُو رِزْقي سَوْفَ يأْتيني
(* قوله «من طمعي» في شرح ابن هشام لبانت سعاد: من خلقي.)
وقال ابن الأَعرابي: الإشْرافُ الحِرْصُ. وروي في الحديث: وأَنتَ غيرُ
مُشْرِفٍ له أَو مُشارِفٍ فخذه. وقال ابن الأعرابي: اسْتَشْرَفَني حَقّي
أَي ظَلمَني؛ وقال ابن الرِّقاع:
ولقد يَخْفِضُ المُجاوِرُ فيهمْ،
غيرَ مُسْتَشْرَفٍ ولا مَظْلوم
قال: غيرَ مُسْتَشْرَف أَي غيرَ مظلوم. ويقال: أَشْرَفْتُ الشيءَ
عَلَوْتُه، وأَشْرَفْتُ عليه: اطَّلَعْتُ عليه من فوق، أَراد ما جاءك منه وأَنت
غيرُ مُتَطَلِّع إليه ولا طامِع فيه، وقال الليث: اسْتَشْرَفْتُ الشيءَ
إذا رَفَعْتَ رأْسَك أَو بصَرك تنظر إليه. وفي الحديث: لا يَنْتَهِبُ
نُهْبةً ذاتَ شَرَفٍ وهو مؤمِنٌ أَي ذاتَ قَدْر وقِيمة ورِفْعةٍ يرفع الناسُ
أَبصارهم للنظر إليها ويَسْتَشْرفونها. وفي الحديث: لا تَشَرَّفُوا
(*
قوله «لا تشرفوا» كذا بالأصل، والذي في النهاية: لا تستشرفوا.) للبلاء؛
قال شمر: التَّشَرُّف للشيء التَّطَلُّعُ والنظرُ إليه وحديثُ النفْسِ
وتَوَقُّعُه؛ ومنه: فلا يَتَشَرَّفُ إبلَ فلان أَي يَتَعَيَّنُها. وأَشْرَفْت
عليه: اطَّلَعْتُ عليه من فوق، وذلك الموضع مُشْرَفٌ. وشارَفْتُ الشيء
أَي أَشْرَفْت عليه. وفي الحديث: اسْتَشْرَفَ لهم ناسٌ أَي رفعوا رؤُوسَهم
وأَبصارَهم؛ قال أَبو منصور في حديث سالم: معناه وأَنت غير طامع ولا
طامِحٍ إليه ومُتَوَقِّع له. وروي عن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال:
من أَخَذَ الدنيا بإشرافِ نفْس لم يُبارَك له فيها، ومن أَخذها بسخاوةِ
نَفْس بُورِك له فيها، أَي بحرْصٍ وطَمَعٍ. وتَشَرَّفْتُ المَرْبَأَ
وأَشْرَفْتُه أَي علوته؛ قال العجاج:
ومَرْبَإٍ عالٍ لِمَن تَشَرَّفا،
أَشْرَفْتُه بلا شَفًى أَو بِشَفى
قال الجوهري: بلا شَفًى أَي حين غابت الشمس، أَو بشَفًى أَي بقِيَتْ من
الشمس بقِيّة. يقال عند غروب الشمس: ما بَقِيَ منها إلا شَفًى.
واسْتَشْرَفَ إبلَهم: تَعَيَّنَها ليُصِيبها بالعين.
والشارِفُ من الإبل: المُسِنُّ والمُسِنَّةُ، والجمع شَوارِفُ وشُرَّفٌ
وشُرُفٌ وشُرُوفٌ، وقد شَرُفَتْ وشَرَفَتْ تَشْرُف شُرُوفاً. والشارِفُ:
الناقةُ التي قد أَسَنَّتْ. وقال ابن الأعرابي: الشارِفُ الناقة
الهِمّةُ، والجمع شُرْفٌ وشَوارِفُ مثل بازِلٍ وبُزْلٍ، ولا يقال للجمل شارِفٌ؛
وأَنشد الليث:
نَجاة من الهُوجِ المَراسِيلِ هِمَّة،
كُمَيْت عليها كَبْرةٌ، فهي شارفُ
وفي حديث عليّ وحَمْزة، عليهما السلام:
أَلا يا حَمْزَ للشُّرُفِ النِّواء،
فَهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بالفِناء
هي جمع شارِفٍ وتضمُّ راؤُها وتسكن تخفيفاً، ويروى ذا الشرَف، بفتح
الراء والشين، أَي ذا العَلاء والرِّفْعةِ. وفي حديث ابن زمْل: وإذا أَمام
ذلك ناقةٌ عَجْفاء شارِفٌ؛ هي المُسِنّةُ. وفي الحديث: إذا كان كذا وكذا
أَنى أَن يَخْرُجَ بكم الشُّرْفُ الجُونُ، قالوا: يا رسول اللّه وما
الشُّرْفُ الجُون؟ قال: فِتَنٌ كقِطْعِ الليلِ المُظْلمِ؛ قال أَبو بكر:
الشُّرْفُ جمع شارِفٍ وهي الناقة الهَرِمةُ، شبَّه الفِتَنَ في اتِّصالها
وامْتِداد أَوقاتها بالنُّوق المُسِنَّة السُّود، والجُونُ: السود؛ قال ابن
الأَثير: هكذا يروى بسكون الراء
(* قوله «يروى بسكون الراء» في القاموس:
وفي الحديث أتتكم الشرف الجون بضمتين.) وهي جمع قليل في جمع فاعل لم يَردْ
إلا في أَسماء معدودة، وفي رواية أُخرى: الشُّرْقُ الجُون، بالقاف، وهو
جمع شارِق وهو الذي يأْتي من ناحية المَشْرِق، وشُرْفٌ جمع شارِفٍ نادر لم
يأْت مثلَه إلا أَحرف معدودة: بازِلٌ وبُزْلٌ وحائلٌ وحُولٌ وعائذٌ
وعُوذٌ وعائطٌ وعُوطٌ. وسهم شارِفٌ: بعيد العهد بالصِّيانةِ، وقيل: هو الذي
انْتَكَثَ رِيشُه وعَقَبُه، وقيل: هو الدقيق الطويل. غيره: وسهم شارِفٌ
إذا وُصِف بالعُتْق والقِدَم؛ قال أَوس بن حجر:
يُقَلِّبُ سَهْماً راشَه بمَناكِبٍ
ظُهار لُؤامٍ، فهو أَعْجَفُ شارِفُ
الليث: يقال أَشْرَفَتْ علينا نفْسُه، فهو مُشْرِفٌ علينا أَي مُشْفِقٌ.
والإشْرافُ: الشَّفَقة؛ وأَنشد:
ومن مُضَرَ الحَمْراء إشْرافُ أَنْفُسٍ
علينا، وحَيّاها إلينا تَمَضُّرا
ودَنٌّ شارِفٌ: قدِيمُ الخَمْر؛ قال الأَخطل:
سُلافةٌ حَصَلَتْ من شارِفٍ حَلِقٍ،
كأَنـَّما فارَ منها أَبْجَرٌ نَعِرُ
وقول بشر:
وطائرٌ أَشْرَفُ ذو خُزْرةٍ،
وطائرٌ ليس له وَكْرُ
قال عمرو: الأَشْرفُ من الطير الخُفّاشُ لأَنَّ لأُذُنيه حَجْماً
ظاهراً، وهو مُنْجَرِدٌ من الزِّفِّ والرِّيش، وهو يَلِدُ ولا يبيض، والطير
الذي ليس له وكر طير يُخبِر عنه البحريون أَنه لا يَسْقط إلا ريثما يَجْعَلُ
لبَيْضِه أُفْحُوصاً من تراب ويُغَطِّي عليه ثم يَطِيرُ في الهواء وبيضه
يتفَقَّس من نفسه عند انتهاء مدته، فإذا أَطاق فَرْخُه الطيَران كان
كأَبوَيه في عادتهما. والإشْرافُ: سُرعةُ عَدْوِ الخيل. وشَرَّفَ الناقةَ:
كادَ يَقْطَعُ أَخلافها بالصَّرّ؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
جَمَعْتُها من أَيْنُقٍ غِزارِ،
من اللَّوا شُرِّفْنَ بالصِّرارِ
أَراد من اللواتي، وإنما يُفعل بها ذلك ليَبْقى بُدْنُها وسِمَنُها
فيُحْمَل عليها في السنة المُقْبلة. قال ابن الأَعرابي: ليس من الشَّرَف ولكن
من التشريف، وهو أَن تَكادَ تقطع أَخْلافها بالصِّرار فيؤثِّر في
أَخْلافِها؛ وقول العجاج يذكر عَيْراً يَطْرُد أُتُنه:
وإنْ حَداها شَرَفاً مُغَرِّبا،
رَفَّهَ عن أَنـْفاسِه وما رَبا
حَداها: ساقها، شرفاً أَي وجْهاً. يقال: طَرَده شرَفاً أَو شَرَفَين،
يريد وجْهاً أَو وجْهَين؛ مُغَرِّباً: مُتَباعداً بعيداً؛ رَفَّهَ عن
أَنفاسه أَي نَفَّسَ وفرَّجَ. وعَدا شَرَفاً أَو شَرَفَينِ أَي شَوْطاً أَو
شَوْطَيْنِ. وفي حديث الخيل: فاسْتَنَّتْ شَرَفاً أو شَرَفين؛ عَدَتْ
شَوْطاً أَو شَوْطَيْن.
والمَشارِفُ: قُرًى من أَرض اليمن، وقيل: من أَرض العرب تَدْنُو من
الرِّيف، والسُّيُوفُ المَشْرَفِيّةُ مَنْسوبة إليها. يقال: سَيفٌ مَشْرَفيّ،
ولا يقال مَشارِفيٌّ لأَن الجمع لا يُنسب إليه إذا كان على هذا الوزن،
لا يقال مَهالِبيّ ولا جَعَافِرِيٌّ ولا عَباقِرِيٌّ. وفي حديث سَطِيح:
يسكن مَشارِفَ الشام؛ هي كل قرية بين بلاد الرِّيفِ وبين جزيرة العرب، قيل
لها ذلك لأَنها أشْرَفَتْ على السواد، ويقال لها أَيضاً المَزارِعُ
والبَراغِيلُ، وقيل: هي القرى التي تَقْرُب من المدن.
ابن الأَعرابي: العُمَرِيَّةُ ثياب مصبوغة بالشَّرَفِ، وهو طين أَحمر.
وثوب مُشَرَّفٌ: مصبوغ بالشَّرَف؛ وأَنشد:
أَلا لا تَغُرَّنَّ امْرَأً عُمَرِيّةٌ،
على غَمْلَجٍ طالَتْ وتَمَّ قَوامُها
ويقال شَرْفٌ وشَرَفٌ للمَغْرةِ. وقال الليث: الشَّرَفُ له صِبْغٌ أَحمر
يقال له الدّارْبَرْنَيان؛ قال أَبو منصور: والقول ما قال ابن الأعرابي
في المُشَرَّفِ. وفي حديث عائشة: أَنها سُئِلَتْ عن الخِمار يُصْبَغُ
بالشَّرْف فلم ترَ به بأْساً؛ قال: هو نبت أَحمر تُصْبَغ به الثياب.
والشُّرافيُّ: لَوْنٌ من الثياب أَبيض.
وشُرَيفٌ: أَطولُ جبل في بلاد العرب. ابن سيده: والشُّرَيْف جبل تزعم
العرب أَنه أَطول جبل في الأَرض. وشَرَفٌ: جبل آخرُ يقرب منه. والأَشْرَفُ:
اسم رجل: وشِرافُ وشَرافِ مَبْنِيَّةً: اسم ماء بعينه. وشَراف: موضع؛ عن
ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
لقد غِظْتَني بالحَزْمِ حَزْمِ كُتَيْفةٍ،
ويومَ الْتَقَيْنا من وراء شَرافِ
(* قوله «غظتني بالحزم حزم» في معجم ياقوت: عضني بالجوّ جوّ.)
التهذيب: وشَرافِ ماء لبني أَسد. ابن السكيت: الشَّرَفُ كَبِدُ نَجْدٍ،
قال: وكانت الملوك من بني آكِل المُرار تَنزِلُها، وفيها حِمَى ضَرِيّةَ،
وضرِيّة بئر، وفي الشرف الرَّبَذةُ وهي الحِمَى الأَيمنُ، والشُّرَيْفُ
إلى جنبه، يَفْرُق بين الشرَف والشُّريفِ وادٍ يقال له التَّسْرِيرُ، فما
كان مُشَرِّقاً فهو الشُّرَيْف، وما كان مغرِّياً، فهو الشرَفُ؛ قال
أَبو منصور: وقولُ ابن السكّيت في الشرَف والشُّريف صحيح. وفي حديث ابن
مسعود، رضي اللّه عنه: يُوشِكُ أَن لا يكونَ بين شَرافِ وأَرضِ كذا جَمَّاءُ
ولا ذاتُ قَرْن؛ شَرافِ: موضع، وقيل: ماء لبني أَسد. وفي الحديث: أَن عمر
حمى الشَّرَفَ والرَّبَذَةَ؛ قال ابن الأَثير: كذا روي بالشين وفتح
الراء، قال: وبعضهم يرويه بالمهملة وكسر الراء. وفي الحديث: ما أُحِبُّ أَن
أَنْفُخَ في الصلاة وأَن لي مَمَرَّ الشرَفِ. والشُّرَيْفُ، مُصَغّر: ماء
لبني نُمير. والشاروفُ: جبل، وهو موَلَّد. والشاروفُ: المِكْنَسةُ، وهو
فارسيٌّ معرَّب. وأَبو الشَّرفاء: من كُناهم؛ قال:
أَنا أَبو الشَّرْفاء مَنَّاعُ الخَفَرْ
أَراد مَنّاع أَهل الخفر.
صحب: صَحِـبَه يَصْحَبُه صُحْبة، بالضم، وصَحابة، بالفتح، وصاحبه: عاشره. والصَّحْب: جمع الصاحب مثل راكب وركب. والأَصْحاب: جماعة الصَّحْب مثل فَرْخ وأَفْراخ.
والصاحب: الـمُعاشر؛ لا يتعدَّى تَعَدِّيَ الفعل، أَعني أَنك لا تقول:
زيد صاحِبٌ عَمْراً، لأَنهم إِنما استعملوه استعمال الأَسماء،
نحو غلام زيد؛ ولو استعملوه استعمال الصفة لقالوا: زيد صاحِبٌ عمراً، أَو زيد صاحبُ عَمْرو، على إِرادة التنوين، كما تقول: زيد ضاربٌ عمراً، وزيد ضاربُ عمْرٍو؛ تريد بغير التنوين ما تريد بالتنوين؛ والجمع أَصحاب، وأَصاحيبُ، وصُحْبان،
مثل شابّ وشُبّان، وصِحاب مثل جائع وجِـياع، وصَحْب وصَحابة وصِحابة، حكاها جميعاً الأَخفش، وأَكثر الناس على الكسر دون الهاءِ، وعلى الفتح معها، والكسر معها عن الفراء خاصة. ولا يمتنع أَن تكون الهاء مع الكسر من جهة القياس، على أَن تزاد الهاء لتأْنيث الجمع. وفي حديث قيلة: خرجت
أَبتغي الصَّحابة إِلى رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم؛ هو بالفتح جمع صاحب،ولم يجمع فاعِل على فَعالة إِلا هذا؛ قال امرؤُ القيس:
فكانَ تَدانِـينا وعَقْدُ عِذارهِ، * وقال صِحابي: قَدْ شَـأَونَك، فاطْلُب
قال ابن بري: أَغنى عن خبر كان الواو التي في معنى مع، كأَنه قال: فكان تدانينا مع عقد عذاره، كما قالوا: كل رجل وضَيْعَتُه؛ فكل مبتدأ، وضيعته معطوف على كل، ولم يأْت له بخبر، وإِنما أَغنى عن الخبر كون الواو في معنى مع، والضيعة هنا: الحرفة، كأَنه قال: كل رجل مع حرفته. وكذلك قولهم: كل رجل وشأْنه. وقال الجوهري: الصَّحابة، بالفتح:
الأَصْحاب، وهو في الأَصل مصدر، وجمع الأَصْحاب أَصاحِـيب.
وأَما الصُّحْبة والصَّحْب فاسمان للجمع. وقال الأَخفش: الصَّحْبُ جمع، خلافاً لمذهب سيبويه، ويقال: صاحب وأَصْحاب، كما يقال: شاهِد وأَشهاد، وناصِر وأَنْصار. ومن قال: صاحب وصُحْبة، فهو كقولك فارِه وفُرْهَة، وغلامٌ رائِق، والجمع
رُوقَة؛ والصُّحْبَةُ مصدر قولك: صَحِبَ يَصْحَبُ صُحْبَةً. وقالوا في النساءِ: هنَّ صواحِبُ يوسف. وحكى الفارسي عن أَبي الحسن: هنّ صواحبات يوسف، جمعوا صَواحِبَ جمع السلامة، كقوله:
فَهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائِداتِها
وقوله:
جَذْب الصَّرارِيِّـين بالكُرور
والصِّحابَة: مصدر قولك صاحبَك اللّهُ وأَحْسَن صحابَتَك. وتقول للرجل عند التوديع: مُعاناً مُصاحَـباً. ومن قال: مُعانٌ مَصاحَبٌ، فمعناه: أَنت معان مُصاحَب. ويقال: إِنه لَـمِصْحاب لنا بما يُحَبّ؛ وقال الأَعشى:
فقد أَراكَ لنا بالوُدِّ مصْحابا
وفُلانٌ صاحِبُ صِدْقٍ. واصْطَحَب الرجلان، وتصاحبا،
واصْطَحَبَ القوم: صَحِبَ بعضهم بعضاً؛ وأَصله اصْتَحَب، لأَن تاء الافتعال تتغير عند الصاد مثل اصطحب، وعند الضاد مثل اضْطَربَ، وعند الطاء مثل اطَّلَب، وعند الظاء مثل اظَّلَم،
وعند الدال مثل ادَّعى، وعند الذال مثل اذّخَر، وعند الزاي مثل ازْدَجَر، لأَن التاء لانَ مَخْرَجُها فلم توافق هذه الحروف لشدة مخارجها، فأُبْدِلَ منها ما يوافقها، لتخفّ على اللسان، ويَعْذُبَ اللفظ به.
وحمارٌ أَصْحَبُ أَي أَصْحَر يضرب لونه إِلى الحمرة.
وأَصْحَبَ: صار ذا صاحب وكان ذا أَصحاب.
وأَصْحَبَ: بلغ ابنه مبلغ الرجال، فصار مثله، فكأَنه صاحبه. واسْتَصْحَبَ الرجُلَ: دَعاه إِلى الصُّحْبة؛ وكل ما لازم شيئاً فقد
استصحبه؛ قال:
إِنّ لك الفَضْلَ على صُحْبَتي، * والـمِسْكُ قدْ يَسْتَصْحِبُ الرّامِكا
الرامِك: نوع من الطيب رديء خسيس.
وأَصْحَبْتُه الشيء: جعلته له صاحباً، واستصحبته الكتاب وغيره.
وأَصْحَبَ الرجلَ واصْطَحَبه: حفظه. وفي الحديث: اللهم اصْحَبْنا بِصُحْبَةٍ واقلِبْنا بذمة؛ أَي احفظنا بحفظك في سَفَرنا، وأَرجِعنا بأَمانتك وعَهْدِك إِلى بلدنا. وفي التنزيل: ولا هم منا يُصْحَبون ؛ قال: يعني الآلهة لا تمنع أَنفسنا، ولا هم منا يُصْحَبون: يجارون أَي الكفار؛ أَلا ترى أَن العرب تقول: أَنا جارٌ لك؛ ومعناه: أُجِـيرُك وأَمْنَعُك. فقال: يُصْحَبون بالإِجارة. وقال قتادة: لا يُصْحَبُون من اللّهِ بخير؛ وقال أَبو عثمان المازنيّ: أَصْحَبْتُ الرجلَ أَي مَنَعْتُه؛ وأَنشد قَوْلَ الـهُذَليّ:
يَرْعَى بِرَوْضِ الـحَزْنِ، من أَبِّه، * قُرْبانَه، في عابِه، يُصْحِبُ
يُصْحِبُ: يَمْنَعُ ويَحْفَظُ وهو من قوله تعالى: ولا هم منا يُصْحَبون
أَي يُمْنعون. وقال غيره: هو من قوله صَحِبَك اللّه أَي حَفِظَكَ وكان لك جاراً؛ وقال:
جارِي وَمَوْلايَ لا يَزْني حَريمُهُما، * وصاحِـبي منْ دَواعي السُّوءِ مُصْطَحَبُ
وأَصْحبَ البعيرُ والدابةُ: انقادا. ومنهم مَن عَمَّ فقال: وأَصْحَبَ
ذلَّ وانقاد من بعد صُعوبة؛ قال امرؤ القيس:
ولَسْتُ بِذِي رَثْيَةٍ إِمَّرٍ، * إِذا قِـيدَ مُسْتَكْرَهاً أَصْحبا
الإِمَّرُ: الذي يأْتَمِرُ لكل أَحد لضَعْفِه، والرَّثْيَةُ: وجَع المفاصل. وفي الحديث: فأَصْحَبَت الناقةُ أَي انقادت، واسترسلت، وتبعت صاحبها.
قال أَبو عبيد: صحِـبْتُ الرجُلَ من الصُّحْبة، وأَصْحَبْتُ أَي انقدت
له؛ وأَنشد:
تَوالى بِرِبْعِـيِّ السّقابُ، فأَصْحَبا
والـمُصْحِبُ الـمُستَقِـيمُ الذَّاهِبُ لا يَتَلَبَّث؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
يا ابن شهابٍ، لَسْتَ لي بِصاحِب، * مع الـمُماري ومَعَ الـمُصاحِب
فسره فقال: الـمُمارِي الـمُخالِفُ، والـمُصاحِبُ الـمُنْقاد، من الإِصْحابِ. وأَصْحَبَ الماءُ: علاه الطُّحْلُب والعَرْمَضُ، فهو ماءٌ مُصْحِبٌ. وأَدِيمٌ مُصْحِبٌ عليه صُوفُه أَو شَعره أَو وبَرُه، وقد أَصْحَبْته: تركت ذلك عليه. وقِربَةٌ مُصْحِـبَة: بقي فيها من صوفها شيء ولم تُعْطَنْهُ. والـحَمِـيتُ: ما ليس عليه شعر.
ورجل مُصْحِب: مجنون.
وصَحَبَ الـمَذْبوحَ: سلَخه في بعض اللغات.
وتَصَحَّب من مُجالَسَتِنا: استَحْيا. وقال ابن برزح (1)
(1 قوله «برزح» هكذا في النسخ المعتمدة بيدنا.)
إِنه يَتَصَحَّبُ من مجالستنا أَي يستَحْيِـي منها. وإِذا قيل: فلان
يتسَحَّب علينا، بالسين، فمعناه: أَنه يَتمادَحُ ويَتَدَلَّل. وقولهم في
النداءِ: يا صاحِ، معناه يا صاحبي؛ ولا يجوز ترخيم المضاف إِلاّ في هذا وحده، سُمِـعَ من العرب مُرخَّماً. وبنو صُحْب: بَطْنان، واحدٌ في باهِلَة، وآخر في كلْب. وصَحْبانُ: اسم رجلٍ.
يمن: اليُمْنُ: البَركةُ؛ وقد تكرر ذكره في الحديث. واليُمْنُ: خلاف
الشُّؤم، ضدّه. يقال: يُمِنَ، فهو مَيْمُونٌ، ويَمَنَهُم فهو يامِنٌ. ابن
سيده: يَمُنَ الرجلُ يُمْناً ويَمِنَ وتَيَمَّنَ به واسْتَيْمَن، وإنَّه
لمَيْمونٌ
عليهم. ويقال: فلان يُتَيَمَّنُ برأْيه أَي يُتَبَرَّك به، وجمع
المَيْمونِ مَيامِينُ. وقد يَمَنَه اللهُ يُمْناً، فهو مَيْمُونٌ، والله
الْيَامِنُ. الجوهري: يُمِن فلانٌ على قومه، فهو مَيْمُونٌ إذا صار مُبارَكاً
عليهم، ويَمَنَهُم، فهو يامِنٌ، مثل شُئِمَ وشَأَم. وتَيَمَّنْتُ به:
تَبَرَّكْتُ.
والأَيامِنُ: خِلاف الأَشائم؛ قال المُرَقِّش، ويروى لخُزَزَ بن
لَوْذَانَ.
لا يَمنَعَنَّكَ، مِنْ بُغَا
ءِ الخَيْرِ، تَعْقَادُ التَّمائم
وكَذَاك لا شَرٌّ ولا
خَيْرٌ، على أَحدٍ، بِدَائم
ولَقَدْ غَدَوْتُ، وكنتُ لا
أَغْدُو على وَاقٍ وحائم
فإذَا الأَشائِمُ كالأَيا
مِنِ، والأَيامنُ كالاشائم
وقول الكيمت:
ورَأَتْ قُضاعةُ في الأَيا
مِنِ رَأْيَ مَثْبُورٍ وثابِرْ
يعني في انتسابها إلى اليَمَن، كأَنه جمع اليَمَنَ على أَيْمُن ثم على
أَيَامِنَ مثل زَمَنٍ وأَزْمُن. ويقال: يَمِينٌ وأَيْمُن وأَيمان ويُمُن؛
قال زُهَير:
وحَقّ سلْمَى على أَركانِها اليُمُنِ
ورجل أَيْمَنُ: مَيْمُونٌ، والجمع أَيامِنُ. ويقال: قَدِمَ فلان على
أَيْمَنِ اليُمْن أَي على اليُمْن. وفي الصحاح: قدم فلان على أَيْمَن
اليَمِين أَي اليُمْن. والمَيْمنَةُ: اليُمْنِ. وقوله عز وجل: أُولئك أَصحاب
المَيْمَنةِ؛ أَي أَصحاب اليُمْن على أَنفسهم أَي كانوا مَامِينَ على
أَنفسهم غير مَشَائيم، وجمع المَيْمَنة مَيَامِنُ.
واليَمِينُ: يَمِينُ الإنسانِ وغيرِه، وتصغير اليَمِين يُمَيِّن،
بالتشديد بلا هاء. وقوله في الحديث: إِنه كان يُحِبُّ التَّيَمُّنَ في جميع
أَمره ما استطاع؛ التَّيَمُّنُ: الابتداءُ في الأَفعال باليد اليُمْنى
والرِّجْلِ اليُمْنى والجانب الأَيمن. وفي الحديث: فأَمرهم أَن
يَتَيَامَنُواعن الغَمِيم أَي يأْخذوا عنه يَمِيناً. وفي حديث عَدِيٍّ: فيَنْظُرُ
أَيْمَنَ منه فلا يَرَى إلاَّ ما قَدَّم؛ أَي عن يمينه. ابن سيده: اليَمينُ
نَقِيضُ اليسار، والجمع أَيْمانُ وأَيْمُنٌ
ويَمَائنُ. وروى سعيد بن جبير في تفسيره عن ابن عباس أَنه قال في كهيعص:
هو كافٍ هادٍ يَمِينٌ
عَزِيزٌ صادِقٌ؛ قال أَبو الهيثم: فجعَل قولَه كاف أَوَّلَ اسم الله
كافٍ، وجعَلَ الهاء أَوَّلَ اسمه هادٍ، وجعلَ الياء أَوَّل اسمه يَمِين من
قولك يَمَنَ اللهُ الإنسانَ يَمينُه يَمْناً ويُمْناً، فهو مَيْمون، قال:
واليَمِينُ واليامِنُ يكونان بمعنى واحد كالقدير والقادر؛ وأَنشد:
بَيْتُكَ في اليامِنِ بَيْتُ الأَيْمَنِ
قال: فجعَلَ اسم اليَمِين مشقّاً من اليُمْنِ، وجعل العَيْنَ عزيزاً
والصاد صادقاً، والله أَعلم. قال اليزيدي: يَمَنْتُ أَصحابي أَدخلت عليهم
اليَمِينَ، وأَنا أَيْمُنُهم يُمْناً ويُمْنةً ويُمِنْتُ عليهم وأَنا
مَيْمونٌ
عليهم، ويَمَنْتُهُم أَخَذْتُ على أَيْمانِهم، وأَنا أَيْمَنُهُمْ
يَمْناً ويَمْنةً، وكذلك شَأَمْتُهُم. وشأَمْتُهُم: أَخَذتُ على شَمائلهم،
ويَسَرْتُهم: أَخذْتُ على يَسارهم يَسْراً. والعرب تقول: أَخَذَ فلانٌ
يَميناً وأَخذ يساراً، وأَخذَ يَمْنَةً أَو يَسْرَةً. ويامَنَ فلان:
أَخذَ ذاتَ اليَمِين، وياسَرَ: أَخذَ ذاتَ الشِّمال. ابن السكيت: يامِنْ
بأَصحابك وشائِمْ بهم أَي خُذْ بهم يميناً وشمالاً، ولا يقال: تَيامَنْ بهم
ولا تَياسَرْ بهم؛ ويقال: أَشْأَمَ الرجلُ وأَيْمَنَ إذا أَراد اليَمين،
ويامَنَ وأَيْمَنَ إذا أَراد اليَمَنَ. واليَمْنةُ: خلافُ اليَسْرة.
ويقال: قَعَدَ فلان يَمْنَةً. والأَيْمَنُ والمَيْمَنَة: خلاف الأَيْسَر
والمَيْسَرة. وفي الحديث: الحَجرُ الأَسودُ يَمينُ الله في الأَرض؛ قال ابن
الأَثير: هذا كلام تمثيل وتخييل، وأَصله أَن الملك إذا صافح رجلاً قَبَّلَ
الرجلُ يده، فكأنَّ الحجر الأَسود لله بمنزلة اليمين للملك حيث يُسْتلَم
ويُلْثَم. وفي الحديث الآخر: وكِلْتا يديه يمينٌ
أَي أَن يديه، تبارك وتعالى، بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما لأَن
الشمال تنقص عن اليمين، قال: وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد
والأَيدي واليمين وغير ذلك من أَسماء الجوارح إلى الله عز وجل فإنما هو
على سبيل المجاز والاستعارة، والله منزَّه عن التشبيه والتجسيم. وفي حديث
صاحب القرآن يُعْطَى الملْكَ بِيَمِينه والخُلْدَ بشماله أَي يُجْعَلانِ
في مَلَكَتِه، فاستعار اليمين والشمال لأَن الأَخذ والقبض بهما؛ وأَما
قوله:
قَدْ جَرَتِ الطَّيرُ أَيامِنِينا،
قالتْ وكُنْتُ رجُلاً قَطِينا:
هذا لعَمْرُ اللهِ إسْرائينا
قال ابن سيده: عندي أَنه جمع يَميناً على أَيمانٍ، ثم جمع أَيْماناً على
أَيامِين، ثم أَراد وراء ذلك جمعاً آخر فلم يجد جمعاً من جموع التكسير
أَكثر من هذا، لأَن باب أَفاعل وفواعل وفعائل ونحوها نهاية الجمع، فرجع
إلى الجمع بالواو والنون كقول الآخر:
فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائداتها
لَمّا بلَغ نهاية الجمع التي هي حَدَائد فلم يجد بعد ذلك بناء من أَبنية
الجمع المكسَّر جَمَعه بالأَلف والتاء؛ وكقول الآخر:
جَذْبَ الصَّرَارِيِّينَ بالكُرور
جَمَع صارِياً على صُرَّاء، ثم جَمع صُرَّاء على صَراريّ، ثم جمعه على
صراريين، بالواو والنون، قال: وقد كان يجب لهذا الراجز أَن يقول
أَيامينينا، لأَن جمع أَفْعال كجمع إفْعال، لكن لمَّا أَزمَع أَن يقول في النصف
الثاني أَو البيت الثاني فطينا، ووزنه فعولن، أَراد أَن يبني قوله
أَيامنينا على فعولن أَيضاً ليسوي بين الضربين أَو العروضين؛ ونظير هذه التسوية
قول الشاعر:
قد رَوِيَتْ غيرَ الدُّهَيْدِهينا
قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرينا
كان حكمه أَن يقول غير الدُّهَيْدِيهينا، لأَن الأَلف في دَهْداهٍ رابعة
وحكم حرف اللين إذا ثبت في الواحد رابعاً أَن يثبت في الجمع ياء، كقولهم
سِرْداح وسَراديح وقنديل وقناديل وبُهْلُول وبَهاليل، لكن أَراد أَن
يبني بين
(* قوله «يبني بين» كذا في بعض النسخ، ولعل الأظهريسوي بين كما
سبق). دُهَيْدِهينا وبين أُبَيْكِرينا، فجعل الضَّرْبَيْنِ جميعاً أو
العَرُوضَيْن فَعُولُن، قال: وقد يجوز أَن يكون أَيامنينا جمعَ أَيامِنٍ الذي
هو جمع أَيمُنٍ فلا يكون هنالك حذف؛ وأَما قوله:
قالت، وكنتُ رجُلاً فَطِينا
فإن قالت هنا بمعنى ظنت، فعدّاه إلى مفعولين كما تعَدَّى ظن إلى
مفعولين، وذلك في لغة بني سليم؛ حكاه سيبويه عن الخطابي، ولو أَراد قالت التي
ليست في معنى الظن لرفع، وليس أَحد من العرب ينصب بقال التي في معنى ظن
إلاَّ بني سُلَيم، وهي اليُمْنَى فلا تُكَسَّرُ
(* قوله «وهي اليمنى فلا
تكسر» كذا بالأصل، فانه سقط من نسخة الأصل المعول عليها من هذه المادة نحو
الورقتين، ونسختا المحكم والتهذيب اللتان بأيدينا ليس فيهما هذه المادة
لنقصهما). قال الجوهري: وأَما قول عمر، رضي الله عنه، في حديثه حين ذكر ما
كان فيه من القَشَفِ والفقر والقِلَّة في جاهليته، وأَنه واخْتاً له خرجا
يَرْعَيانِ ناضِحاً لهما، قال: أَلْبَسَتْنا أُمُّنا نُقْبَتَها
وزَوَّدَتْنا بيُمَيْنَتَيها من الهَبِيدِ كلَّ يومٍ، فيقال: إنه أَراد
بيُمَيْنَتَيْها تصغير يُمْنَى، فأَبدل من الياء الأُولى تاء إذ كانت للتأْنيث؛
قال ابن بري: الذي في الحديث وزوَّدتنا يُمَيْنَتَيْها مخففة، وهي تصغير
يَمْنَتَيْن تثنية يَمْنَة؛ يقال: أَعطاه يَمْنَة من الطعام أَي أَعطاه
الطعام بيمينه ويده مبسوطة. ويقال: أَعطى يَمْنَةً ويَسْرَةً إذا أَعطاه
بيده مبسوطة، والأَصل في اليَمْنةِ أَن تكون مصدراً كاليَسْرَة، ثم سمي
الطعام يَمْنَةً لأَنه أُعْطِي يَمْنَةً أَي باليمين، كما سَمَّوا الحَلِفَ
يَميناً لأَنه يكون بأْخْذِ اليَمين؛ قال: ويجوز أَن يكون صَغَّر يَميناً
تَصْغِيرَ الترخيم، ثم ثنَّاه، وقيل: الصواب يَمَيِّنَيْها، تصغير يمين،
قال: وهذا معنى قول أَبي عبيد. قال: وقول الجوهري تصغير يُمْنى صوابه
أَن يقول تصغير يُمْنَنَيْن تثنية يُمْنَى، على ما ذكره من إبدال التاء من
الياء الأُولى. قال أَبو عبيد: وجه الكلام يُمَيِّنَيها، بالتشديد،
لأَنه تصغير يَمِينٍ، قال: وتصغير يَمِين يُمَيِّن بلا هاء. قال ابن سيده:
وروي وزَوَّدتنا بيُمَيْنَيْها، وقياسه يُمَيِّنَيْها لأَنه تصغير يَمِين،
لكن قال يُمَيْنَيْها على تصغير الترخيم، وإنما قال يُمَيْنَيْها ولم يقل
يديها ولا كفيها لأَنه لم يرد أَنها جمعت كفيها ثم أَعطتها بجميع
الكفين، ولكنه إنما أَراد أَنها أَعطت كل واحد كفّاً واحدة بيمينها، فهاتان
يمينان؛ قال شمر: وقال أَبو عبيد إنما هو يُمَيِّنَيْها، قال: وهكذا قال
يزيد بن هرون؛ قال شمر: والذي آختاره بعد هذا يُمَيْنَتَيْها لأَن
اليَمْنَةَ إنما هي فِعْل أَعطى يَمْنةً ويَسْرَة، قال: وسعت من لقيت في غطفانَ
يتكلمون فيقولون إذا أهْوَيْتَ بيمينك مبسوطة إلى طعام أَو غيره فأَعطيت
بها ما حَمَلَتْه مبسوطة فإنك تقول أَعطاه يَمْنَةً من الطعام، فإن أَعطاه
بها مقبوضة قلت أَعطاه قَبْضَةً من الطعام، وإن حَشَى له بيده فهي
الحَثْيَة والحَفْنَةُ، قال: وهذا هو الصحيح؛ قال أَبو منصور: والصواب عندي ما
رواه أَبو عبيد يُمَيْنَتَيْها، وهو صحيح كما روي، وهو تصغير
يَمْنَتَيْها، أَراد أَنها أَعطت كل واحد منهما بيمينها يَمْنةً، فصَغَّرَ اليَمْنَةَ ثم
ثنَّاها فقال يُمَيْنَتَيْنِ؛ قال: وهذا أَحسن الوجوه مع السماع. وأَيْمَنَ:
أَخَذَ يَميناً.ويَمَنَ به ويامَنَ ويَمَّن وتَيامَنَ: ذهب به ذاتَ
اليمين. وحكى سيبويه: يَمَنَ يَيْمِنُ أَخذ ذاتَ اليمين، قال: وسَلَّمُوا
لأَن الياء أَخف عليهم من الواو، وإن جعلتَ اليمين ظرفاً لم تجمعه؛ وقول
أَبي النَّجْم:
يَبْري لها، من أَيْمُنٍ وأَشْمُلِ،
ذو خِرَقٍ طُلْسٍ وشخصٍ مِذْأَلِ
(* قوله «يبري لها» في التكملة الرواية: تبري له، على التذكير أي
للممدوح، وبعده:
خوالج بأسعد أن أقبل
والرجز للعجاج).
يقول: يَعْرِض لها من ناحية اليمين وناحية الشمال، وذهب إلى معنى
أَيْمُنِ الإبل وأَشْمُلِها فجمع لذلك؛ وقال ثعلبة بن صُعَيْر:
فتَذَكَّرَا ثَقَلاً رَثِيداً، بعدما
أَلْقَتْ ذُكاءُ يَمِينَها في كافِر
يعني مالت بأَحد جانبيها إلى المغيب. قال أَبو منصور: اليَمينُ في كلام
العرب على وُجوه، يقال لليد اليُمْنَى يَمِينٌ. واليَمِينُ: القُوَّة
والقُدْرة؛ ومنه قول الشَّمّاخ:
رأَيتُ عَرابةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو
إلى الخَيْراتِ، مُنْقَطِعَ القَرينِ
إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ،
تَلَقَّاها عَرابَةُ باليَمينِ
أَي بالقوَّة. وفي التنزيل العزيز: لأَخَذْنا منه باليَمين؛ قال الزجاج:
أَي بالقُدْرة، وقيل: باليد اليُمْنَى. واليَمِينُ: المَنْزِلة.
الأَصمعي: هو عندنا باليَمِينِ أَي بمنزلة حسَنةٍ؛ قال: وقوله تلقَّاها عَرابة
باليمين، قيل: أَراد باليد اليُمْنى، وقيل: أَراد بالقوَّة والحق. وقوله
عز وجل: إنكم كنتم تَأْتونَنا عن اليَمين؛ قال الزجاج: هذا قول الكفار
للذين أَضَلُّوهم أَي كنتم تَخْدَعُوننا بأَقوى الأَسباب، فكنتم تأْتوننا من
قِبَلِ الدِّين فتُرُوننا أَن الدينَ والحَقَّ ما تُضِلُّوننا به
وتُزَيِّنُون لنا ضلالتنا، كأَنه أَراد تأْتوننا عن المَأْتَى السَّهْل، وقيل:
معناه كنتم تأْتوننا من قِبَلِ الشَّهْوة لأَن اليَمِينَ موضعُ الكبد،
والكبدُ مَظِنَّةُ الشهوة والإِرادةِ، أَلا ترى أَن القلب لا شيء له من ذلك
لأَنه من ناحية الشمال؟ وكذلك قيل في قوله تعالى: ثم لآتِيَنَّهم من بين
أَيديهم ومن خَلْفهم وعن أَيمانهم وعن شَمائلهم؛ قيل في قوله وعن
أَيمانهم: من قِبَلِ دينهم، وقال بعضهم: لآتينهم من بين أَيديهم أَي
لأُغْوِيَنَّهم حتى يُكذِّبوا بما تقَدَّم من أُمور الأُمم السالفة، ومن خلفهم حتى
يكذبوا بأَمر البعث، وعن أَيمانهم وعن شمائلهم لأُضلنَّهم بما يعملون
لأَمْر الكَسْب حتى يقال فيه ذلك بما كسَبَتْ يداك، وإن كانت اليدان لم
تَجْنِيا شيئاً لأَن اليدين الأَصل في التصرف، فجُعِلتا مثلاً لجميع ما عمل
بغيرهما. وأَما قوله تعالى: فَراغَ عليهم ضَرْباً باليمين؛ ففيه أَقاويل:
أَحدها بيمينه، وقيل بالقوَّة، وقيل بيمينه التي حلف حين قال: وتالله
لأَكِيدَنَّ أَصنامَكم بعدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرين.
والتَّيَمُّنُ: الموت. يقال: تَيَمَّنَ فلانٌ
تيَمُّناً إذا مات، والأَصل فيه أَنه يُوَسَّدُ يَمينَه إذا مات في
قبره؛ قال الجَعْدِيّ
(* قوله «قال الجعدي» في التكملة: قال أبو سحمة
الأعرابي):
إذا ما رأَيْتَ المَرْءَ عَلْبَى، وجِلْدَه
كضَرْحٍ قديمٍ، فالتَّيَمُّنُ أَرْوَحُ
(* قوله «وجلده» ضبطه في التكملة بالرفع والنصب).
عَلْبَى: اشْتَدَّ عِلْباؤُه وامْتَدَّ، والضِّرْحُ: الجِلدُ،
والتَّيَمُّن: أَ يُوَسَّدَ
يمِينَه في قبره. ابن سيده: التَّيَمُّن أَن يُوضعَ الرجل على جنبه
الأَيْمن في القبر؛ قال الشاعر:
إذا الشيخُ عَلْبى، ثم أَصبَحَ جِلْدُه
كرَحْضٍ غَسيلٍ، فالتَّيَمُّنُ أَرْوَحُ
(* لعل هذه رواية أخرى لبيت الجعدي الوارد في الصفحة السابقة).
وأَخذَ يَمْنةً ويَمَناً ويَسْرَةً ويَسَراً أَي ناحيةَ يمينٍ ويَسارٍ.
واليَمَنُ: ما كان عن يمين القبلة من بلاد الغَوْرِ، النَّسَبُ إليه
يَمَنِيٌّ
ويَمانٍ، على نادر النسب، وأَلفه عوض من الياء، ولا تدل على ما تدل عليه
الياء، إذ ليس حكم العَقِيب أَن يدل على ما يدل عليه عَقيبه دائباً، فإن
سميت رجلاً بيَمَنٍ ثم أَضفت إليه فعلى القياس، وكذلك جميع هذا الضرب،
وقد خصوا باليمن موضعاً وغَلَّبوه عليه، وعلى هذا ذهب اليَمَنَ، وإنما
يجوز على اعتقاد العموم، ونظيره الشأْم، ويدل على أَن اليَمن جنسيّ غير
علميّ أَنهم قالوا فيه اليَمْنة والمَيْمَنة. وأَيْمَنَ القومُ ويَمَّنُوا:
أَتَوا اليَمن؛ وقول أَبي كبير الهذلي:
تَعْوي الذئابُ من المَخافة حَوْلَه،
إهْلالَ رَكْبِ اليامِن المُتَطوِّفِ
إمّا أَن يكون على النسب، وإِما أَن يكون على الفعل؛ قال ابن سيده: ولا
أََعرف له فعلاً. ورجل أَيْمَنُ: يصنع بيُمْناه. وقال أَبو حنيفة: يَمَنَ
ويَمَّنَ جاء عن يمين.
واليَمِينُ: الحَلِفُ والقَسَمُ، أُنثى، والجمع أَيْمُنٌ وأَيْمان. وفي
الحديث: يَمِينُك على ما يُصَدِّقُك به صاحبُك أَي يجب عليك أَن تحلف له
على ما يُصَدِّقك به إذا حلفت له.
الجوهري: وأَيْمُنُ اسم وُضعَ للقسم، هكذا بضم الميم والنون وأَلفه أَلف
وصل عند أَكثر النحويين، ولم يجئ في الأَسماء أَلف وصل مفتوحة غيرها؛
قال: وقد تدخل عليه اللام لتأْكيد الابتداء تقول: لَيْمُنُ اللهِ، فتذهب
الأَلف في الوصل؛ قال نُصَيْبٌ:
فقال فريقُ القومِ لما نشَدْتُهُمْ:
نَعَمْ، وفريقٌ: لَيْمُنُ اللهِ ما نَدْري
وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير لَيْمُنُ الله قَسَمِي،
ولَيْمُنُ الله ما أُقسم به، وإذا خاطبت قلت لَيْمُنُك. وفي حديث عروة بن
الزبير أَنه قال: لَيْمُنُك لَئِنْ كنت ابْتَلَيْتَ لقد عافَيْتَ، ولئن كنت
سَلبْتَ لقد أَبقَيْتَ، وربما حذفوا منه النون قالوا: أَيْمُ الله وإيمُ
الله أَيضاً، بكسر الهمزة، وربما حذفوا منه الياء، قالوا: أَمُ اللهِ،
وربما أَبْقَوُا الميم وحدها مضمومة، قالوا: مُ اللهِ، ثم يكسرونَها
لأَنها صارت حرفاً واحداً فيشبهونها بالباء فيقولون مِ اللهِ، وربما قالوا
مُنُ الله، بضم الميم والنون، ومَنَ الله
بفتحها، ومِنِ الله بكسرهما؛ قال ابن الأَثير: أَهل الكوفة يقولون
أَيْمُن جمعُ يَمينِ القَسَمِ، والأَلف فيها أَلف وصل تفتح وتكسر، قال ابن
سيده: وقالوا أَيْمُنُ الله وأَيْمُ اللهِ وإيمُنُ اللهِ ومُ اللهِ، فحذفوا،
ومَ اللهِ أُجري مُجْرَى مِ اللهِ. قال سيبويه: وقالوا لَيْمُ الله،
واستدل بذلك على أَن أَلفها أَلف وصل. قال ابن جني: أَما أَيْمُن في القسم
ففُتِحت الهمزة منها، وهي اسم من قبل أَن هذا اسم غير متمكن، ولم يستعمل
إلا في القسَم وحده، فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه فتح تشبيهاً بالهمزة
اللاحقة بحرف التعريف، وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم لمضارعته الحرف،
وأَيضاً فقد حكى يونس إيمُ الله، بالكسر، وقد جاء فيه الكسر أَيضاً كما ترى،
ويؤَكد عندك أَيضاً حال هذا الإسم في مضارعته الحرف أَنهم قد تلاعبوا به
وأَضعفوه، فقالوا مرة: مُ الله، ومرة: مَ الله، ومرة: مِ الله، فلما
حذفوا هذا الحذف المفرط وأَصاروه من كونه على حرف إلى لفظ الحروف، قوي شبه
الحرف عليه ففتحوا همزته تشبيهاً بهمزة لام التعريف، ومما يجيزه القياس،
غير أَنه لم يرد به الاستعمال، ذكر خبر لَيْمُن من قولهم لَيْمُن الله
لأَنطلقن، فهذا مبتدأٌ محذوف الخبر، وأَصله لو خُرِّج خبره لَيْمُنُ الله ما
أُقسم به لأَنطلقن، فحذف الخبر وصار طول الكلام بجواب القسم عوضاً من
الخبر.
واسْتَيْمَنْتُ الرجلَ: استحلفته؛ عن اللحياني. وقال في حديث عروة بن
الزبير: لَيْمُنُكَ إنما هي يَمينٌ، وهي كقولهم يمين الله كانوا يحلفون
بها. قال أَبو عبيد: كانوا يحلفون باليمين، يقولون يَمِينُ
الله لا أَفعل؛ وأَنشد لامرئ القيس:
فقلتُ: يَمِينُ الله أَبْرَحُ قاعِداً،
ولو قَطَعُوا رأْسي لَدَيْكِ وأَوْصالي
أَراد: لا أَبرح، فحذف لا وهو يريده؛ ثم تُجْمَعُ اليمينُ أَيْمُناً كما
قال زهير:
فتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا ومِنْكُمْ
بمُقْسَمةٍ، تَمُورُ بها الدِّماءُ
ثم يحلفون بأيْمُنِ الله، فيقولون وأَيْمُنُ اللهِ لأَفْعَلَنَّ كذا،
وأَيْمُن الله لا أَفعلُ كذا، وأَيْمُنْك يا رَبِّ، إذا خاطب ربَّه، فعلى
هذا قال عروة لَيْمُنُكَ، قال: هذا هو الأَصل في أَيْمُن الله، ثم كثر في
كلامهم وخفَّ على أَلسنتهم حتى حذفوا النون كما حذفوا من لم يكن فقالوا:
لم يَكُ، وكذلك قالوا أَيْمُ اللهِ؛ قال الجوهري: وإلى هذا ذهب ابن كيسان
وابن درستويه فقالا: أَلف أَيْمُنٍ أَلفُ قطع، وهو جمع يمين، وإنما خففت
همزتها وطرحت في الوصل لكثرة استعمالهم لها؛ قال أَبو منصور: لقد أَحسن
أَبو عبيد في كل ما قال في هذا القول، إلا أَنه لم يفسر قوله أَيْمُنك
لمَ ضمَّت النون، قال: والعلة فيها كالعلة في قولهم لَعَمْرُك كأَنه
أُضْمِرَ فيها يَمِينٌ
ثانٍ، فقيل وأَيْمُنك، فلأَيْمُنك عظيمة، وكذلك لَعَمْرُك فلَعَمْرُك
عظيم؛ قال: قال ذلك الأَحمر والفراء. وقال أَحمد بن يحيى في قوله تعالى:
الله لا إله إلا هو؛ كأَنه قال واللهِ الذي لا إله إلا هو ليجمعنكم. وقال
غيره: العرب تقول أَيْمُ الله وهَيْمُ الله، الأَصل أَيْمُنُ الله، وقلبت
الهمزة فقيل هَيْمُ اللهِ، وربما اكْتَفَوْا بالميم وحذفوا سائر الحروف
فقالوا مُ الله ليفعلن كذا، وهي لغات كلها، والأَصل يَمِينُ الله وأَيْمُن
الله. قال الجوهري: سميت اليمين بذلك لأَنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل
امرئ منهم يَمينَه على يمين صاحبه، وإن جعلتَ اليمين ظرفاً لم تجمعه،
لأَن الظروف لا تكاد تجمع لأَنها جهات وأَقطار مختلفة الأَلفاظ، أَلا ترى
أَن قُدَّام مُخالفٌ لخَلْفَ واليَمِين مخالف للشِّمال؟ وقال بعضهم: قيل
للحَلِفِ يمينٌ
باسم يمين اليد، وكانوا يبسطون أَيمانهم إذا حلفوا وتحالفوا وتعاقدوا
وتبايعوا، ولذلك قال عمر لأَبي بكر، رضي الله عنهما: ابْسُطْ يَدَك
أُبايِعْك. قال أَبو منصور: وهذا صحيح، وإن صح أَن يميناً من أَسماء الله تعالى،
كما روى عن ابن عباس، فهو الحَلِفُ بالله؛ قال: غير أَني لم أَسمع
يميناً من أَسماء الله إلا ما رواه عطاء بن الشائب، والله أَعلم.
واليُمْنةَ واليَمْنَةُ: ضربٌ من بُرود اليمن؛ قال: واليُمْنَةَ
المُعَصَّبا. وفي الحديث: أَنه عليه الصلاة والسلام، كُفِّنَ في يُمْنة؛ هي، بضم
الياء، ضرب من برود اليمن؛ وأَنشد ابن بري لأَبي فُرْدُودة يرثي ابن
عَمَّار:
يا جَفْنَةً كإزاء الحَوْضِ قد كَفَأُوا،
ومَنْطِقاً مثلَ وَشْيِ اليُمْنَةِ الحِبَرَه
وقال ربيعة الأَسدي:
إنَّ المَودَّةَ والهَوادَةَ بيننا
خلَقٌ، كسَحْقِ اليُمْنَةِ المُنْجابِ
وفي هذه القصيدة:
إنْ يَقْتُلوكَ، فقد هَتَكْتَ بُيوتَهم
بعُتَيْبةَ بنِ الحرثِ بنِ شِهابِ
وقيل لناحية اليَمنِ يَمَنٌ لأَنها تلي يَمينَ الكعبة، كما قيل لناحية
الشأْم شأْمٌ لأَنها عن شِمال الكعبة. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم،
وهو مُقْبِلٌ من تَبُوكَ: الإيمانُ يَمانٍ والحكمة يَمانِيَة؛ وقال أَبو
عبيد: إِنما قال ذلك لأَن الإيمان بدا من مكة، لأَنها مولد النبي، صلى الله
عليه وسلم، ومبعثه ثم هاجر إلى المدينة. ويقال: إن مكة من أَرض
تِهامَةَ، وتِهامَةُ من أَرض اليَمن، ومن هذا يقال للكعبة يَمَانية، ولهذا سمي ما
وَلِيَ مكةَ من أَرض اليمن واتصل بها التَّهائمَ، فمكة على هذا التفسير
يَمَانية، فقال: الإيمانُ يَمَانٍ، على هذا؛ وفيه وجه آخر: أَن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قال هذا القول وهو يومئذ بتَبُوك، ومكّةُ والمدينةُ
بينه وبين اليَمن، فأَشار إلى ناحية اليَمن، وهو يريد مكة والمدينة أَي هو
من هذه الناحية؛ ومثلُ هذا قولُ النابغة يذُمُّ يزيد بن الصَّعِق وهو رجل
من قيس:
وكنتَ أَمِينَه لو لم تَخُنْهُ،
ولكن لا أَمانَةَ لليمَانِي
وذلك أَنه كان مما يلي اليمن؛ وقال ابن مقبل وهو رجل من قيس:
طافَ الخيالُ بنا رَكْباً يَمانِينا
فنسب نفسه إلى اليمن لأَن الخيال طَرَقَه وهو يسير ناحيتها، ولهذا قالوا
سُهَيْلٌ
اليَمانيّ لأَنه يُرى من ناحية اليمَنِ. قال أَبو عبيد: وذهب بعضهم إلى
أَنه، صلى الله عليه وسلم، عنى بهذا القول الأَنصارَ لأَنهم يَمانُونَ،
وهم نصروا الإسلام والمؤْمنين وآوَوْهُم فنَسب الإيمانَ إليهم، قال: وهو
أَحسن الوجوه؛ قال: ومما يبين ذلك حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه
قال لما وَفَدَ عليه وفْدُ اليمن: أَتاكم أَهلُ اليَمن هم أَلْيَنُ قلوباً
وأَرَقُّ أَفْئِدَة، الإيمانُ يَمانٍ والحكمةُ يَمانِيةٌ. وقولهم: رجلٌ
يمانٍ منسوب إلى اليمن، كان في الأَصل يَمَنِيّ، فزادوا أَلفاً وحذفوا
ياء النسبة، وكذلك قالوا رجل شَآمٍ، كان في الأَصل شأْمِيّ، فزادوا أَلفاً
وحذفوا ياء النسبة، وتِهامَةُ كان في الأَصل تَهَمَةَ فزادوا أَلفاً
وقالوا تَهامٍ. قال الأَزهري: وهذا قول الخليل وسيبويه. قال الجوهري:
اليَمَنُ بلادٌ للعرب، والنسبة إليها يَمَنِيٌّ
ويَمانٍ، مخففة، والأَلف عوض من ياء النسب فلا يجتمعان. قال سيبويه:
وبعضهم يقول يمانيّ، بالتشديد؛ قال أُميَّة ابن خَلَفٍ:
يَمانِيّاً يَظَلُّ يَشُدُّ كِيراً،
ويَنْفُخُ دائِماً لَهَبَ الشُّوَاظِ
وقال آخر:
ويَهْماء يَسْتافُ الدليلُ تُرابَها،
وليس بها إلا اليَمانِيُّ مُحْلِفُ
وقوم يَمانية ويَمانُون: مثل ثمانية وثمانون، وامرأَة يَمانية أَيضاً.
وأَيْمَن الرجلُ ويَمَّنَ ويامَنَ إذا أَتى اليمَنَ، وكذلك إذا أَخذ في
سيره يميناً. يقال: يامِنْ يا فلانُ بأَصحابك أَي خُذ بهم يَمْنةً، ولا تقل
تَيامَنْ بهم، والعامة تقوله. وتَيَمَّنَ: تنَسَّبَ إلى اليمن. ويامَنَ
القومُ وأَيْمنوا إذا أَتَوُا اليَمن. قال ابن الأَنباري: العامة
تَغْلَطُ في معنى تَيامَنَ فتظن أَنه أَخذ عن يمينه، وليس كذلك معناه عند العرب،
إنما يقولون تَيامَنَ إذا أَخذ ناحية اليَمن، وتَشاءَمَ إذا أَخذ ناحية
الشأْم، ويامَنَ إذا أَخذ عن يمينه، وشاءمَ إذا أَخذ عن شماله. قال
النبي، صلى الله عليه وسلم: إذا نشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثم تشاءَمَتْ فتلك
عَيْنٌغُدَيْقَةٌ؛ أَراد إذا ابتدأَتِ السحابة من ناحية البحر ثم أَخذت ناحيةَ
الشأْم. ويقال لناحية اليَمَنِ يَمِينٌ
ويَمَنٌ، وإذا نسبوا إلى اليمن قالوا يَمانٍ.
والتِّيمَنِيُّ: أَبو اليَمن
(* قوله «والتيمني أبو اليمن» هكذا بالأصل
بكسر التاء، وفي الصحاح والقاموس: والتَّيمني أفق اليمن ا هـ. أي بفتحها)
، وإذا نسَبوا إلى التِّيمَنِ قالوا تِيمَنِيٌّ. وأَيْمُنُ: إسم رجل.
وأُمُّ أَيْمَن: امرأة أَعتقها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي حاضنةُ
أَولاده فزَوَّجَها من زيد فولدت له أُسامة. وأَيْمَنُ: موضع؛ قال
المُسَيَّبُ أَو غيره:
شِرْكاً بماءِ الذَّوْبِ، تَجْمَعُه
في طَوْدِ أَيْمَنَ، من قُرَى قَسْرِ
عون: العَوْنُ: الظَّهير على الأَمر، الواحد والاثنان والجمع والمؤنث
فيه سواء، وقد حكي في تكسيره أَعْوان، والعرب تقول إذا جاءَتْ السَّنة: جاء
معها أَعْوانها؛ يَعْنون بالسنة الجَدْبَ، وبالأَعوان الجراد والذِّئاب
والأَمراض، والعَوِينُ اسم للجمع. أَبو عمرو: العَوينُ الأَعْوانُ. قال
الفراء: ومثله طَسيسٌ جمع طَسٍّ. وتقول: أَعَنْتُه إعانة واسْتَعَنْتُه
واستَعَنْتُ به فأَعانَني، وإنِما أُعِلَّ اسْتَعانَ وإِن لم يكن تحته
ثلاثي معتل، أَعني أَنه لا يقال عانَ يَعُونُ كَقام يقوم لأَنه، وإن لم
يُنْطَق بثُلاثِيَّة، فإِنه في حكم المنطوق به، وعليه جاءَ أَعانَ يُعِين، وقد
شاع الإِعلال في هذا الأَصل، فلما اطرد الإِعلال في جميع ذلك دَلَّ أَن
ثلاثية وإن لم يكن مستعملاً فإِنه في حكم ذلك، والإسم العَوْن والمَعانة
والمَعُونة والمَعْوُنة والمَعُون؛ قال الأَزهري: والمَعُونة مَفْعُلة في
قياس من جعله من العَوْن؛ وقال ناسٌ: هي فَعُولة من الماعُون، والماعون
فاعول، وقال غيره من النحويين: المَعُونة مَفْعُلة من العَوْن مثل
المَغُوثة من الغَوْث، والمضوفة من أَضافَ إذا أَشفق، والمَشُورة من أَشارَ
يُشير، ومن العرب من يحذف الهاء فيقول مَعُونٌ، وهو شاذ لأَنه ليس في كلام
العرب مَفْعُل بغير هاء. قال الكسائي: لا يأْتي في المذكر مَفْعُلٌ، بضم
العين، إلاَّ حرفان جاءَا نادرين لا يقاس عليهما: المَعُون، والمَكْرُم؛
قال جميلٌ:
بُثَيْنَ الْزَمي لا، إنَّ لا إنْ لزِمْتِه،
على كَثْرة الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ
يقول: نِعْمَ العَوْنُ قولك لا في رَدِّ الوُشاة، وإن كثروا؛ وقال آخر:
ليَوْم مَجْدٍ أَو فِعالِ مَكْرُمِ
(* قوله «ليوم مجد إلخ» كذا بالأصل والمحكم، والذي في التهذيب: ليوم
هيجا). وقيل: مَعُونٌ جمع مَعونة، ومَكْرُم جمع مَكْرُمة؛ قاله الفراء.
وتعاوَنوا عليَّ واعْتَوَنوا: أَعان بعضهم بعضاً. سيبويه: صحَّت واوُ
اعْتَوَنوا لأَنها في معنى تعاوَنوا، فجعلوا ترك الإِعلال دليلاً
على أَنه في معنى ما لا بد من صحته، وهو تعاونوا؛ وقالوا: عاوَنْتُه
مُعاوَنة وعِواناً، صحت الواو في المصدر لصحتها في الفعل لوقوع الأَلف
قبلها. قال ابن بري: يقال اعْتَوَنوا واعْتانوا إذا عاوَنَ بعضهم بعضاً؛ قال
ذو الرمة:
فكيفَ لنا بالشُّرْبِ، إنْ لم يكنْ لنا
دَوانِيقُ عندَ الحانَوِيِّ، ولا نَقْدُ؟
أَنَعْتانُ أَمْ نَدَّانُ، أَم يَنْبَري لنا
فَتًى مثلُ نَصْلِ السَّيفِ، شِيمَتُه الحَمْدُ؟
وتَعاوَنَّا: أَعان بعضنا بعضاً. والمَعُونة: الإِعانَة. ورجل مِعْوانٌ:
حسن المَعُونة. وتقول: ما أَخلاني فلان من مَعاوِنه، وهو وجمع مَعُونة.
ورجل مِعْوان: كثير المَعُونة للناس. واسْتَعَنْتُ بفلان فأَعانَني
وعاونَني. وفي الدعاء: رَبِّ أَعنِّي ولا تُعِنْ عَليَّ. والمُتَعاوِنة من
النساء: التي طَعَنت في السِّنِّ ولا تكون إلا مع كثرة اللحم؛ قال الأَزهري:
امرأَة مُتَعاوِنة إذا اعتدل خَلْقُها فلم يَبْدُ حَجْمُها. والنحويون
يسمون الباء حرف الاستعانة، وذلك أَنك إذا قلت ضربت بالسيف وكتبت بالقلم
وبَرَيْتُ بالمُدْيَة، فكأَنك قلت استعنت بهذه الأَدوات على هذه الأَفعال.
قال الليث: كل شيء أَعانك فهو عَوْنٌ لك، كالصوم عَوْنٌ على العبادة،
والجمع الأَعْوانُ. والعَوانُ من البقر وغيرها: النَّصَفُ في سنِّها. وفي
التنزيل العزيز: لا فارضٌ ولا بِكْرٌ عَوانٌ بين ذلك؛ قال الفراء: انقطع
الكلام عند قوله ولا بكر، ثم استأْنف فقال عَوان بين ذلك، وقيل: العوان من
البقر والخيل التي نُتِجَتْ بعد بطنها البِكْرِ. أَبو زيد: عانَتِ
البقرة تَعُون عُؤُوناً إذا صارت عَواناً؛ والعَوان: النَّصَفُ التي بين
الفارِضِ، وهي المُسِنَّة، وبين البكر، وهي الصغيرة. ويقال: فرس عَوانٌ وخيل
عُونٌ، على فُعْلٍ، والأَصل عُوُن فكرهوا إلقاء ضمة على الواو فسكنوها،
وكذلك يقال رجل جَوادٌ وقوم جُود؛ وقال زهير:
تَحُلُّ سُهُولَها، فإِذا فَزَعْنا،
جَرَى منهنَّ بالآصال عُونُ.
فَزَعْنا: أَغَثْنا مُسْتَغيثاً؛ يقول: إذا أَغَثْنا ركبنا خيلاً، قال:
ومن زعم أَن العُونَ ههنا جمع العانَةِ بفقد أَبطل، وأَراد أَنهم
شُجْعان، فإِذا اسْتُغيث بهم ركبوا الخيل وأَغاثُوا. أَبو زيد: بَقَرة عَوانٌ
بين المُسِنَّةِ والشابة. ابن الأَعرابي: العَوَانُ من الحيوان السِّنُّ
بين السِّنَّيْنِ لا صغير ولا كبير. قال الجوهري: العَوَان النَّصَفُ في
سِنِّها من كل شيء. وفي المثل: لا تُعَلَّمُ العَوانُ الخِمْرَةَ؛ قال ابن
بري: أَي المُجَرِّبُ عارف بأَمره كما أَن المرأَة التي تزوجت تُحْسِنُ
القِناعَ بالخِمار. قال ابن سيده: العَوانُ من النساء التي قد كان لها
زوج، وقيل: هي الثيِّب، والجمع عُونٌ؛ قال:
نَواعِم بين أَبْكارٍ وعُونٍ،
طِوال مَشَكِّ أَعْقادِ الهَوادِي.
تقول منه: عَوَّنَتِ المِرأَةُ تَعْوِيناً إذا صارت عَواناً، وعانت
تَعُونُ عَوْناً. وحربٌ عَوان: قُوتِل فيها مرة
(* قوله: مرة، أي مرّةً بعد
الأخرى). كأَنهم جعلوا الأُولى بكراً، قال: وهو على المَثَل؛ قال:
حَرْباً عواناً لَقِحَتْ عن حُولَلٍ،
خَطَرتْ وكانت قبلها لم تَخْطُرِ
وحَرْبٌ عَوَان: كان قبلها حرب؛ وأَنشد ابن بري لأَبي جهل:
ما تَنْقِمُ الحربُ العَوانُ مِنِّي؟
بازِلُ عامين حَدِيثٌ سِنِّي،
لمِثْل هذا وَلَدَتْني أُمّي.
وفي حديث علي، كرم الله وجهه: كانت ضَرَباتُه مُبْتَكَراتٍ لا عُوناً؛
العُونُ: جمع العَوان، وهي التي وقعت مُخْتَلَسَةً فأَحْوَجَتْ إلى
المُراجَعة؛ ومنه الحرب العَوانُ أَي المُتَردّدة، والمرأَة العَوان وهي
الثيب، يعني أَن ضرباته كانت قاطعة ماضية لا تحتاج إلى المعاودة والتثنية.
ونخلة عَوانٌ: طويلة، أَزْدِيَّة. وقال أَبو حنيفة: العَوَانَةُ النخلة، في
لغة أَهل عُمانَ. قال ابن الأََعرابي: العَوانَة النخلة الطويلة، وبها
سمي الرجل، وهي المنفردة، ويقال لها القِرْواحُ والعُلْبَة. قال ابن بري:
والعَوَانة الباسِقَة من النخل، قال: والعَوَانة أَيضاً دودة تخرج من
الرمل فتدور أَشواطاً كثيرة. قال الأَصمعي: العَوانة دابة دون القُنْفُذ تكون
في وسط الرَّمْلة اليتيمة، وهي المنفردة من الرملات، فتظهر أَحياناً
وتدور كأَنها تَطْحَنُ ثم تغوص، قال: ويقال لهذه الدابة الطُّحَنُ، قال:
والعَوانة الدابة، سمي الرجل بها. وبِرْذَوْنٌ مُتَعاوِنٌ
ومُتَدارِك ومُتَلاحِك إذا لَحِقَتْ قُوَّتُه وسِنُّه. والعَانة: القطيع
من حُمُر الوحش. والعانة: الأَتان، والجمع منهما عُون، وقيل: وعانات.
ابن الأَعرابي: التَّعْوِينُ كثرةُ بَوْكِ الحمار لعانته. والتَّوْعِينُ:
السِّمَن. وعانة الإِنسان: إِسْبُه، الشعرُ النابتُ على فرجه، وقيل: هي
مَنْبِتُ الشعر هنالك. واسْتَعان الرجلُ: حَلَقَ عانَتَه؛ أَنشد ابن
الأَعرابي:
مِثْل البُرام غَدا في أُصْدَةٍ خَلَقٍ،
لم يَسْتَعِنْ، وحَوامي الموتِ تَغْشاهُ.
البُرام: القُرادُ، لم يَسْتَعِنْ أَي لم يَحْلِقْ عانته، وحَوامي
الموتِ: حوائِمُه فقلبه، وهي أَسباب الموت. وقال بعض العرب وقد عرَضَه رجل على
القَتْل: أَجِرْ لي سَراويلي فإِني لم أَسْتَعِنْ. وتَعَيَّنَ:
كاسْتَعان؛ قال ابن سيده: وأَصله الواو، فإِما أَن يكون تَعَيَّنَ تَفَيْعَلَ،
وإِما أَن يكون على المعاقبة كالصَّيَّاغ في الصَّوَّاغ، وهو أَضعف القولين
إذ لو كان ذلك لوجدنا تَعَوَّنَ، فعَدَمُنا إِياه يدل على أَن تَعَيَّنَ
تَفَيْعَل. الجوهري: العانَة شعرُ الركَبِ. قال أَبو الهيثم: العانة
مَنْبِت الشعر فوق القُبُل من المرأَة، وفوق الذكر من الرجل، والشَّعَر
النابتُ عليهما يقال له الشِّعْرَةُ والإِسْبُ؛ قال الأَزهري: وهذا هو
الصواب. وفلان على عانَة بَكْرِ بن وائل أَي جماعتهم وحُرْمَتِهم؛ هذه عن
اللحياني، وقيل: هو قائم بأَمرهم. والعانَةُ: الحَظُّ من الماء للأَرض، بلغة
عبد القيس. وعانَةُ: قرية من قُرى الجزيرة، وفي الصحاح: قرية على الفُرات،
وتصغير كل ذلك عُوَيْنة. وأَما قولهم فيها عاناتٌ فعلى قولهم رامَتانِ،
جَمَعُوا كما ثَنَّوْا. والعانِيَّة: الخَمْر، منسوبة إليها. الليث:
عاناتُ موضع بالجزيرة تنسب إليها الخمر العانِيَّة؛ قال زهير:
كأَنَّ رِيقَتَها بعد الكَرى اغْتَبَقَتْ
من خَمْرِ عانَةَ، لَمَّا يَعْدُ أَن عَتَقا.
وربما قالوا عاناتٌ
كما قالوا عرفة وعَرَفات، والقول في صرف عانات كالقول في عَرَفات
وأَذْرِعات؛ قال ابن بري: شاهد عانات قول الأَعشى:
تَخَيَّرَها أَخُو عاناتِ شَهْراً،
ورَجَّى خَيرَها عاماً فعاما.
قال: وذكر الهرويُّ أَنه يروى بيت امرئ القيس على ثلاثة أَوجه:
تَنَوَّرتُها من أَذرِعاتٍ بالتنوين، وأَذرعاتِ بغير تنوين، وأَذرعاتَ بفتح
التاء؛ قال: وذكر أَبو علي الفارسي أَنه لا يجوز فتح التاء عند سيبويه.
وعَوْنٌ وعُوَيْنٌ
وعَوانةُ: أَسماء. وعَوانة وعوائنُ: موضعان؛ قال تأبَّط شرّاً:
ولما سمعتُ العُوصَ تَدْعو، تنَفَّرَتْ
عصافيرُ رأْسي من برًى فعَوائنا.
ومَعانُ: موضع بالشام على قُرب مُوتة؛ قال عبد الله ابن رَواحة:
أَقامتْ ليلَتين على مَعانٍ،
وأَعْقَبَ بعد فَتَرتها جُمومُ.