Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: ثمانون

طَنْجَةُ

طَنْجَةُ:
مثل الذي قبله وزيادة هاء، مدينة في الإقليم الرابع، طولها من جهة المغرب ثمانون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة ونصف من جهة الجنوب: بلد على ساحل بحر المغرب مقابل الجزيرة الخضراء وهو من البر الأعظم وبلاد البربر، قال ابن حوقل:
طنجة مدينة أزلية آثارها ظاهرة بناؤها بالحجارة قائمة على البحر، والمدينة العامرة الآن على ميل من البحر وليس لها سور وهي على ظهر جبل، وماؤها في قناة يجري إليهم من موضع لا يعرفون منبعه على الحقيقة، وهي خصبة، وبين طنجة وسبتة مسيرة يوم واحد، وقيل: إن عمل طنجة مسيرة شهر في مثله، وهي آخر حدود إفريقية، عن السكري عن أبي عبيدة، وبينها وبين القيروان ألفا ميل، وينسب إليها أبو عبد الملك مروان بن عبد الملك بن سنجون اللّواتي الطنجي، روى عن أبي محمد عبد الله بن الوليد الحجازي وطبقته ورحل إلى المشرق فأقام به سبع عشرة سنة يقرأ الحديث ويتردد فيه، ومن جملة مشايخه طاهر بن بابشاذ النحوي، وكان له شعر وإنما قرأ المسائل والوافي بعد رجوعه إلى المغرب، وكان يقول: لم أدخل إلى الشرق حتى حفظت أربعة وثلاثين ألف بيت من أشعار الجاهلية، وله خطب وهو من الفصحاء الكبار بطنجة، وينسب إليها أيضا أبو محمد عبدون بن علي بن أبي عزيزة الطنجي الصنهاجي، روى عن الأصبغ بن سهل ومروان بن سنجون وغيرهما، ولّي القضاء ببلده. وطنجة أيضا:
متنزه برأس عين على العين التي بنى الملك الأشرف بها دارا وقصرا عظيما.

الحِقابُ

الحِقابُ:
بالكسر، جمع حقب: وهو ثمانون سنة، نحو قفّ وقفاف: وهو اسم جبل، قال الشاعر يصف كلبة طلبت وعلا مسنّا في الجبل:
قد قلت لما جدّت العقاب، ... وضمّها والبدن الحقاب:
جدّي، لكل عامل ثواب، ... الرأس والأكرع والإهاب
العقاب: اسم الكلبة، والبدن: الوعل المسنّ، والحقاب: موضع بنعمان من منازل بني هذيل، قال سراقة بن خثعم:
تبغّين الحقاب وبطن برم، ... وقنّع، من عجاجتهن، صار

شنت بَرِيّة

شنت بَرِيّة:
الشطر الأول تقدّم تحقيقه ثم باء موحدة مفتوحة، وراء مكسورة بعدها ياء مثناة من تحت مشددة: مدينة متصلة بحوز مدينة سالم بالأندلس، وهي شرقي قرطبة، وهي مدينة كبيرة، كثيرة الخيرات، لها حصون كثيرة نذكر منها ما بلغنا في مواضعها، وفيها شجر الجوز والبندق، وهي الآن بيد الأفرنج، بينها وبين قرطبة ثمانون فرسخا.

السِّيرجان

السِّيرجان:
بكسر أوّله، وسكون ثانيه ثمّ راء، وجيم، وآخره نون: مدينة بين كرمان وفارس، وهي في الإقليم الثالث، طولها ثلاث وثمانون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة ونصف، وقال ابن الفقيه: السيرجان مدينة كرمان، بينها وبين شيراز أربعة وعشرون فرسخا، وكانت تسمّى القصرين، وكان ابن البنّاء البشّاري يقول: السيرجان مصر إقليم كرمان وأكبر القصبات وأكثرها علما وفهما وأحسنها رسما، ذات بساتين ومياه وأسواق فسيحة أبهى من شيراز وأوسع، هواؤها صحيح، وماؤها معتدل، بنى بها عضد الدولة دارا ومنارة في جامعها، ومياه البلد من قناتين شقّهما عمرو وطاهر ابنا ليث تدور في البلد وتدخل دورهم، قال الصولي: حدّثني أبو الفضل اليزيدي عن المازني عن الأصمعي قال: أنا منذ ستين سنة أسأل عن معنى قول الشاعر:
ولا تقربنّ قرى السيرجان ... فإنّ عليها أبا برذعه
شديد شكيمته مثله ... يلفّ الثّلاث مع الأربعه
فلا أدري ما هو ولا أحد عبّر لي عنه، قال الرّهني:
منها حرب بن إسماعيل لقي أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، وصحبه، وله مؤلفات في الفقه، منها كتاب السّنّة والجماعة قال شتم فيه فرق أهل الصلاة وقد نقضه عليه أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي.

السَّوَادُ

السَّوَادُ:
موضعان: أحدهما نواحي قرب البلقاء سميت بذلك لسواد حجارتها فيما أحسب، والثاني يراد به رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنّه حيث تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزروع والأشجار فيسمونه سوادا كما إذا رأيت شيئا من بعد قلت ما ذلك السواد، وهم يسمون الأخضر سوادا والسواد أخضر، كما قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب وكان أسود فقال:
وأنا الأخضر من يعرفني؟ ... أخضر الجلدة من نسل العرب
فسموه سوادا لخضرته بالزروع والأشجار، وحدّ السواد من حديثة الموصل طولا إلى عبّادان ومن العذيب بالقادسيّة إلى حلوان عرضا فيكون طوله مائة وستين فرسخا، وأما العراق في العرف فطوله يقصر عن طول السواد وعرضه مستوعب لعرض السواد لأنّ أوّل العراق في شرقي دجلة العلث على حدّ طسوج بزرجسابور، وهي قرية تناوح حربى موقوفة على العلوية، وفي غربي دجلة حربى ثمّ تمتد إلى آخر أعمال البصرة من جزيرة عبّادان، وكانت تعرف بميان روذان معناه بين الأنهر، وهي من كورة بهمن أردشير، فيكون طوله مائة وخمسة وعشرين فرسخا، يقصر عن طول السواد بخمسة وثلاثين فرسخا، وعرضه كالسواد ثمانون فرسخا، قال قدامة: يكون ذلك منكسرا عشرة آلاف فرسخ وطول الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة ويكون بذراع المسافة وهي الذراع الهاشمية تسعة آلاف ذراع، فيكون الفرسخ إذا ضرب في مثله اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة جريب، فإذا ضربت في عشرة آلاف بلغت مائتي ألف ألف وعشرين ألف جريب يسقط منها بالتخمين آكامها وآجامها وسباخها ومجاري أنهارها ومواضع مدنها وقراها ومدى ما بين طرقها الثلث فيبقى مائة ألف ألف وخمسون ألف ألف جريب، يراح منها النصف على ما فيها من الكرم والنخل والشجر والعمارة الدائمة المتصلة مع التخمين بالتقريب على كلّ جريب قيمة ما يلزمه للخراج درهمان وذلك أقلّ من العشر على أن
يضرب بعض ما يؤخذ منها من أصناف الغلّات ببعض فيبلغ ذلك مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، هذا سوى خراج أهل الذمّة وسوى الصدقة، فإن ذلك لا مدخل له في الخراج، وكانت غلّات السواد تجري على المقاسمة في أيّام ملوك فارس إلى ملك قباذ بن فيروز فإنّه مسحه وجعل على أهله الخراج، وقال الأصمعي: السواد سوادان: سواد البصرة دستميسان والأهواز وفارس، وسواد الكوفة كسكر إلى الزاب وحلوان إلى القادسية، وقال أبو معشر: إن الكلدانيين هم الذين كانوا ينزلون بابل في الزمن الأوّل، ويقال: إن أوّل من سكنها وعمّرها نوح، عليه السلام، حين نزلها عقيب الطوفان طلبا للرفاء فأقام بها وتناسلوا فيها وكثروا من بعد نوح وملّكوا عليهم ملوكا وابتنوا بها المدائن واتصلت مساكنهم بدجلة والفرات إلى أن بلغوا من دجلة إلى أسفل كسكر ومن الفرات إلى ما وراء الكوفة، وموضعهم هذا هو الذي يقال له السواد، وكانت ملوكهم تنزل بابل، وكان الكلدانيّون جنودهم، فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل دارا، وهو آخر ملوكهم، ثمّ قتل منهم خلق كثير فذلوا وانقطع ملكهم، وقد ذكرت بابل في موضعها، وقال يزيد بن عمر الفارسي: كانت ملوك فارس تعدّ السواد اثني عشر استانا وتحسبه ستين طسوجا، وتفسير الاستان اجارة، وترجمة الطسوج ناحية، وكان الملك منهم إذا عني بناحية من الأرض عمّرها وسمّاها باسمه، وكانوا ينزلون السواد لما جمع الله في أرضه من مرافق الخيرات وما يوجد فيها من غضارة العيش وخصب المحلّ وطيب المستقرّ وسعة ميرها من أطعمتها وأوديتها وعطرها ولطيف صناعتها، وكانوا يشبهون السواد بالقلب وسائر الدنيا بالبدن، وكذلك سموه دل إيرانشهر أي قلب إيرانشهر، وإيرانشهر: الإقليم المتوسط لجميع الأقاليم، قال:
وإنّما شبهوه بذلك لأن الآراء تشعّبت عن أهله بصحة الفكر والرويّة كما تتشعّب عن القلب بدقائق العلوم ولطائف الآداب والأحكام، فأمّا من حولها فأهلها يستعملون أطرافهم بمباشرة العلاج، وخصب بلاد إيرانشهر بسهولة لا عوائق فيها ولا شواهق تشينها ولا مفاوز موحشة ولا براري منقطعة عن تواصل العمارة والأنهار المطردة من رساتيقها وبين قراها مع قلّة جبالها وآكامها وتكاثف عمارتها وكثرة أنواع غلّاتها وثمارها والتفاف أشجارها وعذوبة مائها وصفاء هوائها وطيب تربتها مع اعتدال طينتها وتوسط مزاجها وكثرة أجناس الطير والصيد في ظلال شجرها من طائر بجناح وماش على ظلف وسابح في بحر، قد أمنت ممّا تخافه البلدان من غارات الأعداء وبواثق المخالفين مع ما خصّت به من الرافدين دجلة والفرات إذ قد اكتنفاها لا ينقطعان شتاء ولا صيفا على بعد منافعهما في غيرها فإنّه لا ينتفع منهما بكثر فائدة حتى يدخلاها فتسيح مياههما في جنباتها وتنبطح في رساتيقها فيأخذون صفوه هنيئا ويرسلون كدره وأجنه إلى البحر لأنّهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمرّان بها ولا ينتفع بهما في غير السواد إلّا بالدوالي والدواليب بمشقة وعناء، وكانت غلات السواد تجري على المقاسمة في أيّام ملوك الفرس والأكاسرة وغيرهم إلى أن ملك قباذ بن فيروز فإنّه مسحه وجعل على أهله الخراج، وكان السبب في ذلك أنّه خرج يوما متصيّدا فانفرد عن أصحابه بصيد طرده حتى وغل في شجر ملتفّ وغاب الصيد الذي اتبعه عن بصره فقصد رابية يتشوّفه فإذا تحت الرابية قرية كبيرة، ونظر إلى بستان قريب منه فيه نخل ورمّان
وغير ذلك من أصناف الشجر وإذا امرأة واقفة على تنّور تخبز ومعها صبيّ لها كلّما غفلت عنه مضى الصبي إلى شجرة رمّان مثمرة ليتناول من رمّانها فتعدو خلفه وتمنعه من ذلك ولا تمكّنه من أخذ شيء منه، فلم تزل كذلك حتى فرغت من خبزها والملك يشاهد ذلك كلّه، فلمّا لحق به أتباعه قصّ عليهم ما شاهده من المرأة والصبيّ ووجّه إليها من سألها عن السبب الذي من أجله منعت ولدها من أن يتناول شيئا من الرّمّان فقالت: للملك فيه حصّة ولم يأتنا المأذون بقبضها وهي أمانة في أعناقنا ولا يجوز أن نخونها ولا أن نتناول ممّا بأيدينا شيئا حتى يستوفي الملك حقّه، فلمّا سمع قباذ ذلك أدركته الرّقّة عليها وعلى الرعيّة وقال لوزرائه: إن الرعية معنا لفي بليّة وشدّة وسوء حال بما في أيديهم من غلاتهم لأنهم ممنوعون من الانتفاع بشيء من ذلك حتى يرد عليهم من يأخذ حقنا منهم، فهل عندكم حيلة نفرّج بها عنهم؟
فقال بعض وزرائه: نعم، يأمر الملك بالمساحة عليهم ويأمر أن يلزم كلّ جريب من كل صنف بقدر ما يحصّ الملك من الغلّة فيؤدّى ذلك إليه وتطلق أيديهم في غلاتهم ويكون ذلك على قرب مخارج المير وبعدها من الممتارين، فأمر قباذ بمساحة السواد وإلزام الرعية الخراج بعد حطيطة النفقة والمؤونة على العمارة والنفقة على كري الأنهار وسقاية الماء وإصلاح البريدات وجعل جميع ذلك على بيت المال فبلغ خراج السواد في السنة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، فحسنت أحوال الناس ودعوا للملك بطول البقاء لما نالهم من العدل والرفاهية، وقد ذكرنا المشهور من كور السواد في المواضع التي قضى بها الترتيب حسب وضع الكتاب، وقد وقع اختلاف مفرط بين مساحة قباذ ومساحة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ذكرته كما وجدته من غير أن أحقّق العلة في هذا التفاوت الكبير: أمر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بمسح السواد الذي تقدّم حدّه لم يختلف صاحب هذه الرواية فيه فكان بعد أن أخرج عنه الجبال والأودية والأنهار ومواضع المدن والقرى ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم والشجر ستة دراهم وحتم الجزية على ستمائة ألف إنسان وجعلها طبقات، الطبقة العالية ثمانية وأربعون درهما والوسطى أربعة وعشرون درهما والسّفلى اثنا عشر درهما، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وقال عمر بن عبد العزيز: لعن الله الحجّاج! فإنّه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة، فإن عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، جبى العراق بالعدل والنصفة مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وجباه زياد مائة ألف ألف وخمسة وعشرين ألف ألف درهم، وجباه ابنه عبيد الله أكثر منه بعشرة آلاف ألف درهم، ثمّ جباه الحجاج مع عسفه وظلمه وجبروته ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط وأسلف الفلاحين للعمارة ألفي ألف فحصل له ستة عشر ألف ألف، قال عمر بن عبد العزيز: وها أنا قد رجع إليّ على خرابه فجبيته مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بالعدل والنصفة وإن عشت له لأزيدنّ على جباية عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، وكان أهل السواد قد شكوا إلى الحجاج خراب بلدهم فمنعهم من ذبح البقر لتكثر العمارة، فقال شاعر:
شكونا إليه خراب السّواد، ... فحرّم جهلا لحوم البقر
وقال عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان: مال السواد ألف ألف ألف درهم، فما نقص ممّا في يد السلطان منه فهو في يد الرعية، وما نقص من يد الرعية فهو في بيت مال السلطان، قالوا: وليس لأهل السواد عهد إلّا الحيرة وأليس وبانقيا فلذلك يقال لا يصحّ بيع أرض السواد دون الجبل لأنّها فيء للمسلمين عامّة إلّا أراضي بني صلوبا وأرض الحيرة، قالوا: وكتب عمر بن الخطّاب إلى سعد بن أبي وقّاص حين افتتح السواد: أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس قد سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء الله عليهم، وإن أتاك كتابي فانظر ما أجلب عليه العسكر بخيلهم وركابهم من مال وكراع فاقسمه بينهم بعد الخمس واترك الأنهار والأرض بحالها ليكون ذلك في عطيات المسلمين فإنّك إذا قسمتها بين من حضر لم يبق لمن بعدهم شيء، وسئل مجاهد عن أرض السواد فقال: لا تباع ولا تشترى لأنّها فتحت عنوة ولم تقسم فهي فيء للمسلمين عامة، وقيل: أراد عمر قسمة السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا فوجدوا الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين فشاور أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في ذلك فقال عليّ، رضي الله عنه:
دعهم يكونوا مادّة للمسلمين، فبعث عثمان بن حنيف الأنصاري فمسح الأرض ووضع الخراج ووضع على رؤوسهم ما بين ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين درهما واثني عشر درهما، وشرط عليهم ضيافة المسلمين وشيئا من برّ وعسل، ووجد السواد ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهما وقفيزا، قال أبو عبيد: بلغني أن ذلك القفيز كان مكوّكا لهم يدعى السابرقان، وقال يحيى بن آدم: وهو المحتوم الحجاجيّ، وقال محمد ابن عبد الله الثقفي: وضع عمر، رضي الله عنه، على كلّ جريب من السواد، عامرا كان أو غامرا يبلغه الماء، درهما وقفيزا وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعشرة أقفزة، ولم يذكر النخل، وعلى رؤوس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر درهما، وحتم عثمان بن حنيف على رقاب خمسمائة ألف وخمسين ألف علج بأخذ الجزية، وبلغ الخراج في ولايته مائة ألف ألف درهم، ومسح حذيفة بن اليمان سقي الفرات، ومات بالمدائن، والقناطر المعروفة بقناطر حذيفة منسوبة إليه، وذلك لأنّه نزل عندها، وكان ذراعه وذراع ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وإبهاما ممدودة.

سَمَرْقَنْدُ

سَمَرْقَنْدُ:
بفتح أوّله وثانيه، ويقال لها بالعربيّة سمران: بلد معروف مشهور، قيل: إنّه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر، وهو قصبة الصّغد مبنيّة
على جنوبي وادي الصغد مرتفعة عليه، قال أبو عون:
سمرقند في الإقليم الرابع، طولها تسع وثمانون درجة ونصف، وعرضها ست وثلاثون درجة ونصف، وقال الأزهري: بناها شمر أبو كرب فسميت شمر كنت فأعربت فقيل سمرقند، هكذا تلفظ به العرب في كلامها وأشعارها، وقال يزيد بن مفرّغ يمدح سعيد بن عثمان وكان قد فتحها:
لهفي على الأمر الذي ... كانت عواقبه النّدامه
تركي سعيدا ذا النّدى، ... والبيت ترفعه الدّعامه
فتحت سمرقند له، ... وبنى بعرصتها خيامه
وتبعت عبد بني علا ... ج، تلك أشراط القيامه
وبالبطيحة من أرض كسكر قرية تسمى سمرقند أيضا، ذكره المفجّع في كتاب المنقذ من الإيمان في أخبار ملوك اليمن قال: لما مات ناشر ينعم الملك قام بالملك من بعده شمر بن افريقيس بن أبرهة فجمع جنوده وسار في خمسمائة ألف رجل حتى ورد العراق فأعطاه يشتاسف الطاعة وعلم أن لا طاقة له به لكثرة جنوده وشدّة صولته، فسار من العراق لا يصدّه صادّ إلى بلاد الصين فلمّا صار بالصّغد اجتمع أهل تلك البلاد وتحصّنوا منه بمدينة سمرقند فأحاط بمن فيها من كلّ وجه حتى استنزلهم بغير أمان فقتل منهم مقتلة عظيمة وأمر بالمدينة فهدمت فسميت شمركند، أي شمر هدمها، فعرّبتها العرب فقالت سمرقند، وقد ذكر ذلك دعبل الخزاعي في قصيدته التي يفتخر فيها ويردّ بها على الكميت ويذكر التبابعة:
وهم كتبوا الكتاب بباب مرو، ... وباب الصّين كانوا الكاتبينا
وهم سمّوا قديما سمرقندا، ... وهم غرسوا هناك التّبّتينا
فسار شمر وهو يريد الصين فمات هو وأصحابه عطشا ولم يرجع منهم مخبّر، فبقيت سمرقند خرابا إلى أن ملك تبّع الأقرن بن أبي مالك بن ناشر ينعم فلم تكن له همّة إلّا الطلب بثأر جدّه شمر الذي هلك بأرض الصين فتجهّز واستعدّ وسار في جنوده نحو العراق فخرج إليه بهمن بن إسفنديار وأعطاه الطاعة وحمل إليه الخراج حتى وصل إلى سمرقند فوجدها خرابا، فأمر بعمارتها وأقام عليها حتى ردّها إلى أفضل ما كانت عليه، وسار حتى أتى بلادا واسعة فبنى التّبّت كما ذكرنا، ثمّ قصد الصين فقتل وسبى وأحرق وعاد إلى اليمن في قصة طويلة، وقيل: إن سمرقند من بناء الإسكندر، واستدارة حائطها اثنا عشر فرسخا، وفيها بساتين ومزارع وأرحاء، ولها اثنا عشر بابا، من الباب إلى الباب فرسخ، وعلى أعلى السور آزاج وأبرجة للحرب، والأبواب الاثنا عشر من حديد، وبين كلّ بابين منزل للنوّاب، فإذا جزت المزارع صرت إلى الربض وفيه أبنية وأسواق، وفي ربضها من المزارع عشرة آلاف جريب، ولهذه المدينة، أعني الداخلة، أربعة أبواب، وساحتها ألفان وخمسمائة جريب، وفيها المسجد الجامع والقهندز وفيه مسكن السلطان، وفي هذه المدينة الداخلة نهر يجري في رصاص، وهو نهر قد بني عليه مسنّاة عالية من حجر يجري عليه الماء إلى أن يدخل المدينة من باب كسّ، ووجه هذا النهر رصاص كلّه، وقد عمل في خندق المدينة مسنّاة وأجري عليها، وهو نهر يجري في وسط السوق بموضع يعرف بباب الطاق،
وكان أعمر موضع بسمرقند، وعلى حافات هذا النهر غلّات موقوفة على من بات في هذا النهر وحفظة من المجوس عليهم حفظ هذا النهر شتاء وصيفا مستفرض ذلك عليهم، وفي المدينة مياه من هذا النهر عليها بساتين، وليس من سكة ولا دار إلّا وبها ماء جار إلّا القليل، وقلّما تخلو دار من بستان حتى إنّك إذا صعدت قهندزها لا ترى أبنية المدينة لاستتارها عنك بالبساتين والأشجار، فأمّا داخل سوق المدينة الكبيرة ففيه أودية وأنهار وعيون وجبال، وعلى القهندز باب حديد من داخله باب آخر حديد، ولما ولي سعيد بن عثمان خراسان في سنة 55 من جهة معاوية عبر النهر ونزل على سمرقند محاصرا لها وحلف لا يبرح حتى يدخل المدينة ويرمي القهندز بحجر أو يعطوه رهنا من أولاد عظمائهم، فدخل المدينة ورمى القهندز بحجر فثبت فيه فتطيّر أهلها بذلك وقالوا:
ثبت فيها ملك العرب، وأخذ رهانهم وانصرف، فلمّا كانت سنة 87 عبر قتيبة بن مسلم النهر وغزا بخارى والشاش ونزل على سمرقند، وهي غزوته الأولى، ثمّ غزا ما وراء النهر عدّة غزوات في سنين سبع وصالح أهلها على أن له ما في بيوت النيران وحلية الأصنام، فأخرجت إليه الأصنام فسلب حليها وأمر بتحريقها، فقال سدنتها: إن فيها أصناما من أحرقها هلك! فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، وأخذ شعلة نار وأضرمها فاضطرمت فوجد بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب خمسين ألف مثقال، وبسمرقند عدّة مدن مذكورة في مواضعها، منها: كرمانية ودبوسية وأشروسنة والشاش ونخشب وبناكث، وقالوا: ليس في الأرض مدينة أنزه ولا أطيب ولا أحسن مستشرفا من سمرقند، وقد شبهها حضين بن المنذر الرقاشي فقال:
كأنّها السماء للخضرة وقصورها الكواكب للإشراق ونهرها المجرّة للاعتراض وسورها الشمس للإطباق، ووجد بخط بعض ظرفاء العراق مكتوبا على حائط سمرقند:
وليس اختياري سمرقند محلّة ... ودار مقام لاختيار ولا رضا
ولكنّ قلبي حلّ فيها فعاقني ... وأقعدني بالصغر عن فسحة الفضا
وإنّي لممّن يرقب الدّهر راجيا ... ليوم سرور غير مغرى بما مضى
وقال أحمد بن واضح في صفة سمرقند:
علت سمرقند أن يقال لها ... زين خراسان جنّة الكور
أليس أبراجها معلّقة ... بحيث لا تستبين للنّظر
ودون أبراجها خنادقها ... عميقة ما ترام من ثغر
كأنّها وهي وسط حائطها ... محفوفة بالظّلال والشّجر
بدر وأنهارها المجرّة وال ... آطام مثل الكواكب الزّهر
وقال البستي:
للنّاس في أخراهم جنّة، ... وجنّة الدنيا سمرقند
يا من يسوّي أرض بلخ بها، ... هل يستوي الحنظل والقند؟
قال الأصمعي: مكتوب على باب سمرقند بالحميرية:
بين هذه المدينة وبين صنعاء ألف فرسخ، وبين بغداد وبين إفريقية ألف فرسخ، وبين سجستان وبين البحر مائتا فرسخ، ومن سمرقند إلى زامين سبعة عشر
فرسخا، وقال الشيخ أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله ابن المظفّر الكسّي بسمرقند أنبأنا أبو الحسن عليّ بن عثمان بن إسماعيل الخرّاط إملاء أنبأنا عبد الجبار بن أحمد الخطيب أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله الخطيب أنبأنا محمد بن عبد الله بن عليّ السائح الباهلي أنبأنا الزاهد أبو يحيى أحمد بن الفضل أنبأنا مسعود بن كامل أبو سعيد السكّاك حدثنا جابر بن معاذ الأزدي أنبأنا أبو مقاتل حفص بن مسلم الفزاري أنبأنا برد بن سنان عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أنّه ذكر مدينة خلف نهر جيحون تدعى سمرقند ثمّ قال: لا تقولوا سمرقند ولكن قولوا المدينة المحفوظة، فقال أناس:
يا أبا حمزة ما حفظها؟ فقال: أخبرني حبيبي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أن مدينة بخراسان خلف النهر تدعى المحفوظة، لها أبواب على كلّ باب منها خمسة آلاف ملك يحفظونها يسبّحون ويهلّلون، وفوق المدينة خمسة آلاف ملك يبسطون أجنحتهم على أن يحفظوا أهلها، ومن فوقهم ملك له ألف رأس وألف فم وألف لسان ينادي يا دائم يا دائم يا الله يا صمد احفظ هذه المدينة، وخلف المدينة روضة من رياض الجنة، وخارج المدينة ماء حلو عذب من شرب منه شرب من ماء الجنّة ومن اغتسل فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، وخارج المدينة على ثلاثة فراسخ ملائكة يطوفون يحرسون رساتيقها ويدعون الله بالذكر لهم، وخلف هؤلاء الملائكة واد فيه حيّات وحيّة تخرج على صفة الآدميّين تنادي يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ارحم هذه المدينة المحفوظة، ومن تعبّد فيها ليلة تقبّل الله منه عبادة سبعين سنة، ومن صام فيها يوما فكأنّما صام الدهر، ومن أطعم فيها مسكينا لا يدخل منزله فقر أبدا، ومن مات في هذه المدينة فكأنّما مات في السماء السابعة ويحشر يوم القيامة مع الملائكة في الجنة، وزاد حذيفة بن اليمان في رواية: ومن خلفها قرية يقال لها قطوان يبعث منها سبعون ألف شهيد يشفع كلّ شهيد منهم في سبعين من أهل بيته، وقال حذيفة: وددت أن يوافقني هذا الزمان وكان أحبّ إليّ من أن أوافق ليلة القدر، وهذا الحديث في كتاب الأفانين للسمعاني، وينسب إلى سمرقند جماعة كثيرة، منهم: محمد بن عدي بن الفضل أبو صالح السمرقندي نزيل مصر، سمع بدمشق أبا الحسين الميداني، وبمصر أبا مسلم الكاتب وأبا الحسن عليّ بن محمد بن إسحاق الحلبي وأبا الحسين أحمد بن محمد الأزهر التنيسي المعروف بابن السمناوي ومحمد ابن سراقة العامري وأحمد بن محمد الجمّازي وأبا القاسم الميمون بن حمزة الحسيني وأبا الحسن محمد بن أحمد بن العباس الإخميمي وأبا الحسن علي بن محمد ابن سنان، روى عنه أبو الربيع سليمان بن داود بن أبي حفص الجبلي وأبو عبد الله بن الخطّاب وسهل بن بشر وأبو الحسن عليّ بن أحمد بن ثابت العثماني الديباجي وأبو محمد هيّاج بن عبيد الحطّيني، ومات سنة 444 وأحمد بن عمر بن الأشعث أبو بكر السمرقندي، سكن دمشق مدة وكان يكتب بها المصاحف ويقرأ ويقرئ القرآن، وسمع بدمشق أبا علي بن أبي نصر وأبا عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، روى عنه أبو الفضل كمّاد بن ناصر بن نصر المراغي الحدّادي، حدث عنه ابنه أبو القاسم، قال ابن عساكر:
سمعت الحسن بن قيس يذكر أن أبا بكر السمرقندي كان يكتب المصاحف من حفظه وكان لجماعة من أهل دمشق فيه رأي حسن فسمعت الحسن بن قيس يذكر أنّه خرج مع جماعة إلى ظاهر البلد في فرجة فقدّموه يصلي بهم وكان مزّاحا، فلمّا سجد بهم تركهم في الصلاة وصعد إلى شجرة، فلمّا طال عليهم انتظاره رفعوا رؤوسهم فلم يجدوه فإذا هو في الشجرة يصيح صياح السنانير فسقط من أعينهم، فخرج إلى بغداد وترك أولاده بدمشق واتصل ببغداد بعفيف الخادم القائمي فكان يكرمه وأنزله في موضع من داره، فكان إذا جاءه الفرّاش بالطعام يذكر أولاده بدمشق فيبكي، فحكى الفرّاش ذلك لعفيف الخادم فقال:
سله عن سبب بكائه، فسأله فقال: إن لي بدمشق أولادا في ضيق فإذا جاءني الطعام تذكّرتهم، فأخبره الفرّاش بذلك، فقال: سله أين يسكنون وبمن يعرفون، فسأله فأخبره، فبعث عفيف إليهم من حملهم من دمشق إلى بغداد، فما أحسّ بهم أبو بكر حتى قدم عليه ابنه أبو محمد وقد خلّف أمّه وأخويه عبد الواحد وإسماعيل بالرحبة ثمّ قدموا بعد ذلك فلم يزالوا في ضيافة عفيف حتى مات، وسألت ابنه أبا القاسم عن وفاته فقال في رمضان سنة 489.

سُقُطْرَى

سُقُطْرَى:
بضم أوّله وثانيه، وسكون طائه، وراء، وألف مقصورة، ورواه ابن القطاع سقطراء، بالمدّ، في كتاب الأبنية: اسم جزيرة عظيمة كبيرة فيها عدّة قرى ومدن تناوح عدن جنوبيها عنها، وهي إلى برّ العرب أقرب منها إلى برّ الهند، والسالك إلى بلاد الزّنج يمرّ عليها، وأكثر أهلها نصارى عرب، يجلب منها الصبر ودم الأخوين، وهو صمغ شجر لا يوجد إلّا في هذه الجزيرة ويسمونه القاطر، وهو صنفان: خالص يكون شبيها بالصمغ في الخلقة إلّا أن لونه كأحمر شيء خلقه الله تعالى، والصنف الآخر مصنوع من ذلك، وكان أرسطاطاليس كتب إلى الإسكندر حين سار إلى الشام في أمر هذه الجزيرة يوصيه بها وأرسل إليه جماعة من اليونانيين ليسكنهم بها لأجل الصبر القاطر الذي يقع في الايارجات، فسيّر الإسكندر إلى هذه الجزيرة جماعة من اليونانيين وأكثرهم من مدينة أرسطاطاليس، وهي مدينة اسطاغرا، في المراكب بأهاليهم وسيّرهم في بحر القلزم فلمّا حصلوا بها غلبوا على من كان بها من الهند وملكوا الجزيرة بأسرها، وكان للهند بها صنم عظيم فنقل ذلك الصنم إلى بلاد الهند في أخبار يطول شرحها، فلما مات الإسكندر وظهر المسيح بن مريم، عليه السلام، تنصّر من كان بها من اليونانيّين وبقوا على ذلك إلى هذا الوقت، فليس في الدنيا موضع، والله أعلم، فيه قوم من اليونانيّين يحفظون أنسابهم ولم يداخلهم فيها غيرهم غير أهل جزيرة سقطرى، وكان يأوي إليها بوارج الهند الذين يقطعون على المسافرين من التجار، فأمّا الآن فلا، وقال الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني اليمني: وممّا يجاور سواحل اليمن من الجزائر جزيرة سقطرى وإليها ينسب الصبر السقطري، وهي جزيرة بربر ممّا يقع بين عدن وبلد الزنج، فإذا خرج الخارج من عدن إلى بلد الزنج أخذ كأنّه يريد عمان وجزيرة سقطرى تماشيه عن يمينه حتى ينقطع ثم التوى بها من ناحية بحر الزنج، وطول هذه الجزيرة ثمانون فرسخا، وفيها من جميع قبائل مهرة، وبها نحو عشرة آلاف مقاتل، وهم نصارى، ويذكرون أن قوما من بلد الروم طرحهم بها كسرى ثمّ نزلت بهم قبائل من مهرة فساكنوهم وتنصر معهم بعضهم، وبها نخل كثير، ويسقط بها العنبر، وبها دم الأخوين وهو الأيدع والصّبر الكثير، قال: وأما أهل عدن فإنّهم يقولون لم يدخلها من الروم أحد ولكن كان لأهلها الرهبانية ثمّ فنوا، وسكنها مهرة وقوم من الشراة، وظهرت فيها دعوة الإسلام ثمّ كثر بها الشراة فعدوا على من بها من المسلمين وقتلوهم غير عشرة أناسية، وبها مسجد بموضع يقال له السوق.

سَعْدٌ

سَعْدٌ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه: وهو موضع معروف قريب من المدينة، بينهما ثلاثة أميال، كانت غزاة ذات الرقاع قريبة منه، قال نصر: سعد جبل بالحجاز بينه وبين الكيد ثلاثون ميلا وعنده قصر ومنازل وسوق وماء عذب على جادّة طريق كان يسلك من فيد إلى المدينة، قال: والكديد على ثلاثة أميال من المدينة، قال نصيب:
وهل مثل أيّام بنعف سويقة ... عوائد أيّام كما كنّ بالسّعد؟
تمنّيت أنّا من أولئك والمنى ... على عهد عاد ما نعيد ولا نبدي
ودير سعد: بين بلاد غطفان والشام. وحمّام سعد:
في طريق حاجّ الكوفة. ومسجد سعد: على ستة أميال من الزّبيدية بين القرعاء والمغيثة في طريق حاج الكوفة فيه بركة وبئر رشاؤها خمس وثمانون قامة ماؤها غليظ تشربه الإبل والمضطر، ينسب إلى سعد ابن أبي وقّاص، قال ابن الكلبي: وكان لمالك وملكان ابني كنانة بساحل جدّة وبتلك الناحية صنم يقال له سعد، وكان صخرة طويلة، فأقبل رجل منهم بإبل له ليقفها عليه يتبرك بذلك فيها، فلمّا أدناها منه نفرت منه فذهبت في كلّ وجه وتفرّقت عنه، فأسف وتناول حجرا فرماه به وقال: لا بارك الله فيك إلها أنفرت عليّ إبلي! ثمّ انصرف عنه وهو يقول:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا، ... فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
وهل سعد إلّا سخرة بتنوفة ... من الأرض لا تدعو لغيّ ولا رشد؟

سَرَنْديبُ

سَرَنْديبُ:
بفتح أوّله وثانيه، وسكون النون، ودال مهملة مكسورة، وياء مثناة من تحت، وباء موحدة، ديب بلغة الهنود: هو الجزيرة، وسرن لا أدري ما هو، قال الشاعر:
وكنت كما قد يعلم الله عازما ... أروم بنفسي من سرنديب مقصدا
هي جزيرة عظيمة في بحر هركند بأقصى بلاد الهند، طولها ثمانون فرسخا في مثلها، وهي جزيرة تشرع إلى بحر هركند وبحر الأعباب، وفي سرنديب الجبل الذي هبط عليه آدم، عليه السلام، يقال له الرّهون، وهو ذاهب في السماء يراه البحريون من مسافة أيّام كثيرة، وفيه أثر قدم آدم، عليه السلام، وهي قدم واحدة مغموسة في الحجر طولها نحو سبعين ذراعا، ويزعمون أنّه خطا الخطوة الأخرى في البحر، وهو منه على مسيرة يوم وليلة، ويرى على هذا الجبل في كلّ ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا غيم، ولا بد له في كل يوم من مطر يغسله يعني موضع قدم آدم، عليه السلام، ويقال: إن الياقوت الأحمر يوجد على هذه الجبال تحدره السيول والأمطار إلى الحضيض فيلقط، وفيه يوجد الماس أيضا، ومنه يجلب العود فيما قيل، وفيها نبت طيب الريح لا يوجد بغيرها، ولها ثلاثة ملوك كلّ واحد منهم عاص على صاحبه، وإذا مات ملكهم الأكبر قطع أربع قطع وجعل كلّ قطعة في صندوق من الصندل والعود فيحرقونه بالنار وامرأته أيضا تتهافت بنفسها على النار حتى تحترق معه أيضا.

سِجِسْتَانُ

سِجِسْتَانُ:
بكسر أوّله وثانيه، وسين أخرى مهملة، وتاء مثناة من فوق، وآخره نون: وهي ناحية كبيرة وولاية واسعة، ذهب بعضهم إلى أن سجستان اسم للناحية وأن اسم مدينتها زرنج، وبينها وبين هراة عشرة أيّام ثمانون فرسخا، وهي جنوبي هراة، وأرضها كلّها رملة سبخة، والرياح فيها لا تسكن أبدا ولا تزال شديدة تدير رحيّهم، وطحنهم كلّه على تلك الرحى. وطول سجستان أربع وستون درجة وربع، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وسدس، وهي من الإقليم الثالث. وقال حمزة في اشتقاقها واشتقاق أصبهان: إن أسباه وسك اسم للجند وللكلب مشترك وكل واحد منهما اسم للشيئين فسميت أصبهان والأصل أسباهان وسجستان والأصل سكان وسكستان لأنّهما كانتا بلدتي الجند، وقد ذكرت في أصبهان بأبسط من هذا، قال الإصطخري: أرض سجستان سبخة ورمال حارة، بها نخيل، ولا يقع بها الثلج، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل، وأقرب جبال منها من ناحية فره، وتشتد رياحهم وتدوم على أنّهم قد نصبوا عليها أرحية تدور بها وتنقل رمالهم من مكان إلى مكان ولولا أنّهم يحتالون فيها لطمست على المدن والقرى، وبلغني أنّهم إذا أحبوا نقل الرمل من مكان إلى مكان من غير أن يقع على الأرض التي إلى جانب الرمل جمعوا حول الرمل مثل الحائط من حطب وشوك وغيرهما بقدر ما يعلو على ذلك الرمل وفتحوا إلى أسفله بابا فتدخله الريح فتطير الرمال إلى أعلاه مثل الزّوبعة فيقع على مدّ البصر حيث لا يضرّهم، وكانت مدينة سجستان قبل زرنج يقال لها رام شهرستان، وقد ذكرت في موضعها، وبسجستان نخل كثير وتمر، وفي رجالهم عظم خلق وجلادة ويمشون في أسواقهم وبأيديهم سيوف مشهورة، ويعتمّون بثلاث عمائم وأربع كلّ واحدة لون ما بين أحمر وأصفر وأخضر وأبيض وغير ذلك من الألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان كل واحدة منها، وأكثر ما تكون هذه العمائم إبريسم طولها ثلاثة أذرع أو أربعة وتشبه الميانبندات، وهم فرس وليس بينهم من المذاهب غير الحنفية من الفقهاء إلّا قليل نادر، ولا تخرج لهم امرأة من منزل أبدا وإن أرادت زيارة أهلها فبالليل، وبسجستان كثير من الخوارج يظهرون مذهبهم ولا يتحاشون منه ويفتخرون به عند المعاملة، حدثني رجل من التجار قال: تقدمت إلى رجل من سجستان لأشتري منه حاجة فماكسته فقال: يا أخي أنا من الخوارج لا تجد عندي إلّا الحق ولست ممن يبخسك حقك، وإن كنت لا تفهم حقيقة ما أقول فسل عنه، فمضيت وسألت عنه متعجبا، وهم يتزيون بغير زيّ الجمهور فهم معروفون مشهورون، وبها بليدة يقال لها كركويه كلّهم خوارج، وفيهم الصوم والصلاة والعبادة الزائدة، ولهم فقهاء وعلماء على حدة، قال محمد بن بحر الرّهني: سجستان إحدى بلدان المشرق ولم تزل لقاحا على الضيم ممتنعة من الهضم منفردة بمحاسن متوحدة بمآثر لم تعرف لغيرها من البلدان، ما في الدنيا سوقة أصح منهم معاملة ولا أقل منهم مخاتلة، ومن شأن سوقة البلدان أنّهم إذا باعهم أو اشترى منهم العبد أو الأجير أو الصبي كان أحبّ إليهم من
أن يشتري منهم الصاحب المحتاط والبالغ العارف، وهم بخلاف هذه الصفة، ثمّ مسارعتهم إلى إغاثة الملهوف ومداركة الضعيف، ثمّ أمرهم بالمعروف ولو كان فيه جدع الأنف، منها جرير بن عبد الله صاحب أبي عبد الله جعفر بن محمد الباقر، رضي الله عنه، ومنها خليدة السجستاني صاحب تاريخ آل محمد، قال الرهني: وأجلّ من هذا كلّه أنّه لعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منبرها إلّا مرّة، وامتنعوا على بني أميّة حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد ولا يصطادوا في بلدهم قنفذا ولا سلحفاة، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة؟ وبين سجستان وكرمان مائة وثلاثون فرسخا، ولها من المدن زالق وكركويه وهيسوم وزرنج وبست، وبها أثر مربط فرس رستم الشديد ونهرها المعروف بالهندمند، يقول أهل سجستان: إنّه ينصب إليه مياه ألف نهر فلا تظهر فيه زيادة وينشقّ منه ألف نهر فلا يرى فيه نقصان، وفي شرط أهل سجستان على المسلمين لما فتحوها أن لا يقتل في بلدهم قنفذ ولا يصطاد لأنّهم كثير والأفاعي والقنافذ تأكل الأفاعي، فما من بيت إلّا وفيه قنفذ، قال ابن الفقيه: ومن مدنها الرّخّج وبلاد الداور، وهي مملكة رستم الشديد، ملّكه إيّاها كيقاوس، وبينها وبين بست خمسة أيّام، وقال ابن الفقيه: بسجستان نخل كثير حول المدينة في رساتيقها وليس في جبالها منه شيء لأجل الثلج وليس بمدينة زرنج وهي قصبة سجستان لوقوع الثلج بها، وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
نضّر الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
كان لا يحرم الخليل ولا يع ... تلّ بالنّجل طيّب العذرات
وقال بعضهم يذمّ سجستان:
يا سجستان قد بلوناك دهرا ... في حراميك من كلا طرفيك
أنت لولا الأمير فيك لقلنا: ... لعن الله من يصير إليك!
وقال آخر:
يا سجستان لا سقتك السحاب، ... وعلاك الخراب ثمّ اليباب
أنت في القرّ غصّة واكتئاب، ... أنت في الصيف حيّة وذباب
وبلاء موكّل ورياح ... ورمال كأنّهنّ سقاب
صاغك الله للأنام عذابا، ... وقضى أن يكون فيك عذاب
وقال القاضي أبو علي المسبحي:
حلولي سجستان إحدى النّوب، ... وكوني بها من عجيب العجب
وما بسجستان من طائل ... سوى حسن مسجدها والرّطب
وذكر أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت محمد بن أبي نصر قل هو الله أحد، خوان [1] ، يقول أبو داود السجستاني الإمام: هو من قرية بالبصرة يقال لها سجستان وليس من سجستان خراسان، وكذلك ذكر لي بعض الهرويين في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة قوله: قل هو الله أحد خوان، هو لقب محمد بن أبي نصر، ومعناه قارئ هذه السورة.
قال: سمعت محمد بن يوسف يقول أبو حاتم السجستاني من كورة بالبصرة يقال لها سجستانة وليس من سجستان خراسان. وذكر ابن أبي نصر المذكور أنّه تتبع البصريين فلم يعرفوا بالبصرة قرية يقال لها سجستان غير أن بعضهم قال: إن بقرب الأهواز قرية تسمّى بشيء من نحو ما ذكره، ودرس من كتابي هذا لا أعرف له حقيقة لأنّه ورد أن ابن أبي داود كان بنيسابور في المكتب مع ولد إسحاق بن راهويه وأنّه أوّل ما كتب كتب عند محمد بن أسلم الطوسي وله دون عشر سنين، ولم يذكر أحد من الحفاظ أنّه من غير سجستان المعروف، وينسب إليها السجزي، منهم: أبو أحمد خلف بن أحمد بن خلف ابن الليث بن فرقد السجزي، كان ملكا بسجستان وكان من أهل العلم والفضل والسياسة والملك وسمع الحديث بخراسان والعراق، روى عن أبي عبد الله محمد بن علي الماليسي وأبي بكر الشافعي، سمع منه الحاكم أبو عبد الله وغيره، توفي في بلاد الهند محبوسا، وسلب ملكه في سنة 399 في رجب، ومولده في نصف محرم سنة 326، ودعلج بن علي السجزي، ومنها إمام أهل الحديث عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود أصله من سجستان، كتب من تاريخ الخطيب هو وأبوه وزاد ابن عساكر في تاريخه بإسناد إلى أبي عليّ الحسن بن بندار الزنجاني الشيخ الصالح قال: كان أحمد بن صالح يمتنع على المرد من رواية الحديث لهم تعفّفا وتنزها ونفيا للمظنة عن نفسه، وكان أبو داود يحضر مجلسه ويسمع منه، وكان له ابن أمرد يحب أن يسمع حديثه وعرف عادته في الامتناع عليه من الرواية فاحتال أبو داود بأن شد على ذقن ابنه قطعة من الشعر ليتوهم أنّه ملتح ثمّ أحضره المجلس وأسمعه جزءا، فأخبر الشيخ بذلك فقال لأبي داود: أمثلي يعمل معه هذا؟ فقال له: أيّها الشيخ لا تنكر عليّ ما فعلته واجمع أمردي هذا مع شيوخ الفقهاء والرواة فإن لم يقاومهم بمعرفته فاحرمه حينئذ من السماع عليك، قال: فاجتمع طائفة من الشيوخ فتعرض لهم هذا الأمرد مطارحا وغلب الجميع بفهمه ولم يرو له الشيخ مع ذلك من حديثه شيئا وحصل له ذلك الجزء الأوّل وكان ليس إلّا أمرد يفتخر بروايته الجزء الأوّل.

سامَرّاء

سامَرّاء:
لغة في سرّ من رأى: مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة وقد خربت، وفيها لغات: سامرّاء، ممدود، وسامرّا، مقصور، وسرّ من رأ، مهموز الآخر، وسرّ من را، مقصور الآخر، أمّا سامرّاء فشاهده قول البحتري:
وأرى المطايا لا قصور بها ... عن ليل سامرّاء تذرعه
وسرّ من را مقصور غير مهموز في قول الحسين بن الضحاك:
سرّ من را أسرّ من بغداد، ... فاله عن بعض ذكرها المعتاد
وسرّ من راء ممدود الآخر في قول البحتري:
لأرحلنّ وآمالي مطرّحة ... بسرّ من راء مستبطي لها القدر
وسامرّا، مقصور، وسرّ من رأى وساء من رأى، عن الجوهري، وسرّاء، وكتب المنتصر إلى المتوكل وهو بالشام:
إلى الله أشكو عبرة تتحيّر، ... ولو قد حدا الحادي لظلّت تحدّر
فيا حسرتا إن كنت في سرّ من رأى ... مقيما وبالشام الخليفة جعفر!
وقال أبو سعد: سامرّاء بلد على دجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخا يقال لها سرّ من رأى فخففها الناس وقالوا سامرّاء، وهي في الإقليم الرابع، طولها تسع وستون درجة وثلثا درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وسدس، تعديل نهارها أربع عشرة ساعة، غاية ارتفاع الشمس بها تسع وسبعون درجة وثلث، ظل الظهر درجتان وربع، ظل العصر أربع عشرة درجة، بين الطولين ثلاثون درجة، سمت القبلة إحدى عشرة درجة وثلث، وعن الموصلي ثلاث وثمانون درجة، وعرضها مائة وسبع عشرة درجة وثلث وعشر، وبها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منه، وقد ينسبون إليها بالسّرّ مرّي، وقيل: إنّها مدينة بنيت لسام فنسبت إليه بالفارسية سام راه، وقيل: بل هو موضع عليه الخراج، قالوا بالفارسية: ساء مرّة أي هو موضع الحساب، وقال حمزة: كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل إليها الإتاوة التي
كانت موظفة لملك الفرس على ملك الروم، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة لأن سا اسم الإتاوة، ومرّة اسم العدد، والمعنى أنّه مكان قبض عدد جزية الروم، وقال الشعبي: وكان سام بن نوح له جمال ورواء ومنظر، وكان يصيف بالقرية التي ابتناها نوح، عليه السلام، عند خروجه من السفينة ببازبدى وسماها ثمانين، ويشتو بأرض جوخى، وكان ممرّه من أرض جوخى إلى بازبدى على شاطئ دجلة من الجانب الشرقي، ويسمّى ذلك المكان الآن سام راه يعني طريق سام، وقال إبراهيم الجنيدي: سمعتهم يقولون إن سامراء بناها سام بن نوح، عليه السلام، ودعا أن لا يصيب أهلها سوء، فأراد السفاح أن يبنيها فبنى مدينة الأنبار بحذائها، وأراد المنصور بعد ما أسس بغداد بناءها، وسمع في الرواية ببركة هذه المدينة فابتدأ بالبناء في البردان ثمّ بدا له وبنى بغداد وأراد الرشيد أيضا بناءها فبنى بحذائها قصرا وهو بإزاء أثر عظيم قديم كان للأكاسرة ثمّ بناها المعتصم ونزلها في سنة 221، وذكر محمد بن أحمد البشّاري نكتة حسنة فيها قال: لما عمرت سامرّاء وكملت واتسق خيرها واحتفلت سميت سرور من رأى، ثمّ اختصرت فقيل سرّ من رأى، فلمّا خربت وتشوّهت خلقتها واستوحشت سميت ساء من رأى، ثمّ اختصرت فقيل سامراء، وكان الرشيد حفر نهرا عندها سمّاه القاطول وأتى الجند وبنى عنده قصرا ثمّ بنى المعتصم أيضا هناك قصرا ووهبه لمولاه أشناس، فلمّا ضاقت بغداد عن عساكره وأراد استحداث مدينة كان هذا الموضع على خاطره فجاءه وبنى عنده سرّ من رأى، وقد حكي في سبب استحداثه سرّ من رأى أنّه قال ابن عبدوس: في سنة 219 أمر المعتصم أبا الوزير أحمد بن خالد الكاتب بأن يأخذ مائة ألف دينار ويشتري بها بناحية سرّ من رأى موضعا يبني فيه مدينة وقال له: إني أتخوّف أن يصيّح هؤلاء الحربية صيحة فيقتلوا غلماني فإذا ابتعت لي هذا الموضع كنت فوقهم فإن رابني رائب أتيتهم في البر والبحر حتى آتي عليهم، فقال له أبو الوزير: آخذ خمسة آلاف دينار وإن احتجت إلى زيادة استزدت، قال: فأخذت خمسة آلاف دينار وقصدت الموضع فابتعت ديرا كان في الموضع من النصارى بخمسة آلاف درهم وابتعت بستانا كان في جانبه بخمسة آلاف درهم ثمّ أحكمت الأمر فيما احتجت إلى ابتياعه بشيء يسير فانحدرت فأتيته بالصكاك، فخرج إلى الموضع في آخر سنة 220 ونزل القاطول في المضارب ثمّ جعل يتقدّم قليلا قليلا وينتقل من موضع إلى موضع حتى نزل الموضع وبدأ بالبناء فيه سنة 221، وكان لما ضاقت بغداد عن عسكره وكان إذا ركب يموت جماعة من الصبيان والعميان والضعفاء لازدحام الخيل وضغطها، فاجتمع أهل الخير على باب المعتصم وقالوا: إمّا أن تخرج من بغداد فإن الناس قد تأذوا بعسكرك أو نحاربك، فقال: كيف تحاربونني؟ قالوا: نحاربك بسهام السحر، قال: وما سهام السحر؟ قالوا:
ندعو عليك، فقال المعتصم: لا طاقة لي بذلك، وخرج من بغداد ونزل سامراء وسكنها وكان الخلفاء يسكنونها بعده إلى أن خربت إلّا يسيرا منها، هذا كلّه قول السمعاني ولفظه، وقال أهل السير: إن جيوش المعتصم كثروا حتى بلغ عدد مماليكه من الأتراك سبعين ألفا فمدوا أيديهم إلى حرم الناس وسعوا فيها بالفساد، فاجتمع العامة ووقفوا للمعتصم وقالوا: يا أمير المؤمنين ما شيء أحبّ إلينا من مجاورتك لأنّك الإمام والحامي للدين وقد أفرط علينا أمر غلمانك وعمّنا أذاهم فإمّا منعتهم عنّا أو نقلتهم
عنّا، فقال: أمّا نقلهم فلا يكون إلّا بنقلي ولكني أفتقدهم وأنهاهم وأزيل ما شكوتم منه، فنظروا وإذا الأمر قد زاد وعظم وخاف منهم الفتنة ووقوع الحرب وعاودوه بالشكوى وقالوا: إن قدرت على نصفتنا وإلّا فتحوّل عنّا وإلّا حاربناك بالدعاء وندعو عليك في الأسحار، فقال: هذه جيوش لا قدرة لي بها، نعم أتحوّل وكرامة، وساق من فوره حتى نزل سامرّاء وبنى بها دارا وأمر عسكره بمثل ذلك، فعمّر الناس حول قصره حتى صارت أعظم بلاد الله، وبنى بها مسجدا جامعا في طرف الأسواق، وأنزل أشناس بمن ضم إليه من القوّاد كرخ سامرّاء، وهو كرخ فيروز، وأنزل بعضهم في الدور المعروفة بدور العرباني، فتوفي بسامرّاء في سنة 227، وأقام ابنه الواثق بسامرّاء حتى مات بها ثمّ ولي المتوكل فأقام بالهاروني وبنى به أبنية كثيرة وأقطع الناس في ظهر سرّ من رأى في الحيّز الذي كان احتجره المعتصم، واتسع الناس بذلك، وبنى مسجدا جامعا فأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارة لتعلو أصوات المؤذنين فيها وحتى ينظر إليها من فراسخ فجمع الناس فيه وتركوا المسجد الأوّل، واشتقّ من دجلة قناتين شتويّة وصيفيّة تدخلان الجامع وتتخلّلان شوارع سامرّاء، واشتقّ نهرا آخر وقدره للدخول إلى الحيّز فمات قبل أن يتمّم، وحاول المنتصر تتميمه فلقصر أيامه لم يتمم ثمّ اختلف الأمر بعده فبطل، وكان المتوكل أنفق عليه سبعمائة ألف دينار، ولم يبن أحد من الخلفاء بسرّ من رأى من الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكل، فمن ذلك: القصر المعروف بالعروس أنفق عليه ثلاثين ألف ألف درهم، والقصر المختار خمسة آلاف ألف درهم، والوحيد ألفي ألف درهم، والجعفري المحدث عشرة آلاف ألف درهم، والغريب عشرة آلاف ألف درهم، والشيدان عشرة آلاف ألف درهم، والبرج عشرة آلاف ألف درهم، والصبح خمسة آلاف ألف درهم، والمليح خمسة آلاف ألف درهم، وقصر بستان الايتاخيّة عشرة آلاف ألف درهم، والتلّ علوه وسفله خمسة آلاف ألف درهم، والجوسق في ميدان الصخر خمسمائة ألف درهم، والمسجد الجامع خمسة عشر ألف ألف درهم، وبركوان للمعتز عشرين ألف ألف درهم، والقلائد خمسين ألف دينار، وجعل فيها أبنية بمائة ألف دينار، والغرد في دجلة ألف ألف درهم، والقصر بالمتوكلية وهو الذي يقال له الماحوزة خمسين ألف ألف درهم، والبهو خمسة وعشرين ألف ألف درهم، واللؤلؤة خمسة آلاف ألف درهم، فذلك الجميع مائتا ألف ألف وأربعة وتسعون ألف ألف درهم، وكان المعتصم والواثق والمتوكل إذا بنى أحدهم قصرا أو غيره أمر الشعراء أن يعملوا فيه شعرا، فمن ذلك قول عليّ بن الجهم في الجعفري الذي للمتوكل:
وما زلت أسمع أنّ الملو ... ك تبني على قدر أقدارها
وأعلم أنّ عقول الرّجا ... ل يقضى عليها بآثارها
فلمّا رأينا بناء الإما ... م رأينا الخلافة في دارها
بدائع لم ترها فارس ... ولا الرّوم في طول أعمارها
وللرّوم ما شيّد الأوّلون ... وللفرس آثار أحرارها
وكنّا نحسّ لها نخوة ... فطامنت نخوة جبّارها
وأنشأت تحتجّ للمسلمين ... على ملحديها وكفّارها
صحون تسافر فيها العيون ... إذا ما تجلّت لأبصارها
وقبّة ملك كأنّ النجوم ... تضيء إليها بأسرارها
نظمن الفسافس نظم الحليّ ... لعون النّساء وأبكارها
لو انّ سليمان أدّت له ... شياطينه بعض أخبارها
لأيقن أنّ بني هاشم ... يقدّمها فضل أخطارها
وقال الحسين بن الضحاك:
سرّ من را أسرّ من بغداد، ... فاله عن بعض ذكرها المعتاد
حبّذا مسرح لها ليس يخلو ... أبدا من طريدة وطراد
ورياض كأنّما نشر الزّه ... ر عليها محبّر الأبراد
واذكر المشرف المطلّ من ال ... تلّ على الصّادرين والورّاد
وإذا روّح الرّعاء فلا تن ... س رواعي فراقد الأولاد
وله فيها ويفضلها على بغداد:
على سرّ من را والمصيف تحيّة ... مجلّلة من مغرم بهواهما
ألا هل لمشتاق ببغداد رجعة ... تقرّب من ظلّيهما وذراهما؟
محلّان لقّى الله خير عباده ... عزيمة رشد فيهما فاصطفاهما
وقولا لبغداد إذا ما تنسمت ... على أهل بغداد جعلت فداهما
أفي بعض يوم شفّ عينيّ بالقذى ... حرورك حتى رابني ناظراهما؟
ولم تزل كل يوم سر من رأى في صلاح وزيادة وعمارة منذ أيّام المعتصم والواثق إلى آخر أيّام المنتصر ابن المتوكل، فلمّا ولي المستعين وقويت شوكة الأتراك واستبدوا بالملك والتولية والعزل وانفسدت دولة بني العبّاس لم تزل سر من رأى في تناقص للاختلاف الواقع في الدولة بسبب العصبية التي كانت بين أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سر من رأى بالكلية المعتضد بالله أمير المؤمنين كما ذكرناه في التاج وخربت حتى لم يبق منها إلا موضع المشهد الذي تزعم الشيعة ان به سرداب القائم المهدي ومحلّة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامراء وسائر ذلك خراب يباب يستوحش الناظر إليها بعد أن لم يكن في الأرض كلّها أحسن منها ولا أجمل ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكا منها، فسبحان من لا يزول ولا يحول، وذكر الحسن بن أحمد المهلبي في كتابه المسمّى بالعزيزي قال: وأنا اجتزت بسر من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد مادّ عليه من جانبيه دور كأن اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلّا الأبواب والسقوف، فأمّا حيطانها فكالجدد، فما زلنا نسير إلى بعد الظهر حتى انتهينا إلى العمارة منها، وهي مقدار قرية يسيرة في وسطها، ثمّ سرنا من الغد على مثل تلك الحال فما خرجنا من آثار البناء إلى نحو الظهر، ولا شك أن طول البناء كان أكثر من ثمانية فراسخ،
وكان ابن المعتز مجتازا بسامرّاء متأسفا عليها وله فيها كلام منثور ومنظوم في وصفها، ولما استدبر أمرها جعلت تنقض وتحمل أنقاضها إلى بغداد ويعمّر بها، فقال ابن المعتز:
قد أقفرت سرّ من را، ... وما لشيء دوام
فالنّقض يحمل منها ... كأنّها آجام
ماتت كما مات فيل ... تسلّ منه العظام
وحدثني بعض الأصدقاء قال اجتزت بسامرّاء أو قال أخبرني من اجتاز بسامرّاء: فرأيت على وجه حائط من حيطانها الخراب مكتوبا:
حكم الضّيوف بهذا الرّبع أنفذ من ... حكم الخلائف آبائي على الأمم
فكلّ ما فيه مبذول لطارقه، ... ولا ذمام به إلّا على الحرم
وأظنّ هذا المعنى سبق إليه هذا الكاتب فإذا هو مأخوذ من قول أرطاة بن سهية المري حيث قال:
وإنّي لقوّام لدى الضيف موهنا ... إذا أغدف الستر البخيل المواكل
دعا فأجابته كلاب كثيرة ... على ثقة مني بأنّي فاعل
وما دون ضيفي من تلاد تحوزه ... لي النّفس إلّا أن تصان الحلائل
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد وأهلها ويفضل سامراء: كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكانها، وأقعد جدرانها، فشاهد اليأس فيها ينطق، وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى، وكأنّ خرابها ينشر، وقد وكّلت إلى الهجر نواحيها، واستحثّ باقيها إلى فانيها، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حقّ جوار، فالظاعن منها ممحوّ الأثر، والمقيم بها على طرف سفر، نهاره إرجاف، وسروره أحلام، ليس له زاد فيرحل ولا مرعى فيرتع، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذمّ الدنيا، بعد ما كانت بالمرأى القريب جنة الأرض وقرار الملك، تفيض بالجنود أقطارها عليهم أردية السيوف وغلائل الحديد، كأنّ رماحهم قرون الوعول، ودروعهم زبد السيول، على خيل تأكل الأرض بحوافرها وتمدّ بالنقع حوافرها، قد نشرت في وجوهها غررا كأنّها صحائف البرق وأمسكها تحجيل كأسورة اللّجين ونوّطت عذرا كالشّنوف في جيش يتلقّف الأعداء أوائله ولم ينهض أواخره، وقد صبّ عليه وقار الصبر، وهبّت له روائح النصر، يصرفه ملك يملأ العين جمالا، والقلوب جلالا، لا تخلف مخيلته، ولا تنقض مريرته، ولا يخطئ بسهم الرأي غرض الصواب، ولا يقطع بمطايا اللهو سفر الشباب، قابضا بيد السياسة على أقطار ملك لا ينتشر حبله، ولا تتشظّى عصاه، ولا تطفى جمرته، في سن شباب لم يجن مأثما، وشيب لم يراهق هرما، قد فرش مهاد عدله، وخفض جناح رحمته، راجما بالعواقب الظنون، لا يطيش عن قلب فاضل الحزم بعد العزم، ساعيا على الحقّ يعمل به عارفا بالله يقصد إليه، مقرّا للحلم ويبذله، قادرا على العقاب ويعدل فيه، إذ الناس في دهر غافل قد اطمأنّت بهم سيرة لينة الحواشي خشنة المرام تطير بها أجنحة السرور، ويهب فيها نسيم الحبور، فالأطراف على مسرة، والنظر إلى مبرّة، قبل أن تخب مطايا الغير، وتسفر
وجوه الحذر، وما زال الدهر مليئا بالنوائب، طارقا بالعجائب، يؤمّن يومه، ويغدر غدره، على أنّها وإن جفيت معشوقة السكنى، وحبيبة المثوى، كوكبها يقظان، وجوها عريان، وحصاها جوهر، ونسيمها معطّر، وترابها مسك أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، وتاجرها مالك، وفقيرها فاتك، لا كبغدادكم الوسخة السماء، والومدة الهواء، جوها نار، وأرضها خبار، وماؤها حميم، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم في شمسها من محترق وفي ظلّها من عرق، ضيقة الديار، قاسية الجوار، ساطعة الدخان، قليلة الضيفان، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، ومالهم مكتوم، لا يجوز إنفاقه، ولا يحل خناقه، حشوشهم مسايل، وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل، وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وبعد اللجاجة انتهاء والهم إلى فرجة، ولكل سابلة قرار، وبالله أستعين وهو محمود على كل حال.
غدت سر من را في العفاء فيا لها ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وأصبح أهلوها شبيها بحالها ... لما نسجتهم من جنوب وشمأل
إذا ما امرؤ منهم شكا سوء حاله ... يقولون لا تهلك أسى وتجمّل
وبسامراء قبر الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى ابن جعفر وابنه الحسن بن علي العسكريّين، وبها غاب المنتظر في زعم الشيعة الإمامية، وبها من قبور الخلفاء قبر الواثق وقبر المتوكل وابنه المنتصر وأخيه المعتز والمهتدي والمعتمد بن المتوكل.

التّاريخ

التّاريخ:
[في الانكليزية] History ،chronology
[ في الفرنسية] L'histoire chronologie ،annales
في اللغة تعريف الوقت. فقيل هو قلب التأخير. وقيل هو بمعنى الغاية، يقال: فلان تاريخ قومه أي ينتهي إليه شرفهم. فمعنى قولهم فعلت في تاريخ كذا فعلت في وقت الشيء الذي ينتهي إليه. وقيل وهو ليس بعربي، فإنّه مصدر المؤرّخ، وهو معرب ماه روز. وأمّا في اصطلاح المنجّمين وغيرهم فهو تعيين يوم ظهر فيه أمر شائع من ملّة أو دولة أو حدث فيه هائل كزلزلة وطوفان ينسب إليه، أي إلى ذلك اليوم ما يراد تعيين وقته في مستأنف الزمان أو في متقدمه. وقد يطلق على نفس ذلك اليوم وعلى المدّة الواقعة بين ذلك اليوم والوقت المفروض، كذا في شرح التذكرة. والبلغاء يطلقونه على اللفظ الدّال بحساب الجمل بحسب حروفه المكتوبة على تعيين ذلك اليوم، على ما في مجمع الصنائع، حيث قال: التاريخ عند البلغاء: هو أن يعمد الشاعر إلى أن يجمع حروفا لواقعة أو أمر في كلمة، أو مصراعا بحساب الجمل موافقا للتاريخ الهجري، فتكون الكلمة أو المصراع بحسب مقدار حروفها بحساب الجمل هي تاريخ لتلك الواقعة، وأحسن أنواع التاريخ أن يكون الكلام مناسبا للموضوع كما في المثل التالي: فقد بنى ابراهيم خان مسجدا في بلاد البنغال وضع أحدهم تاريخا لذلك بهذا المصراع: «بناى كعبه ثاني نهاد ابراهيم» أي وضع ابراهيم بناء الكعبة الثانية انتهى.
اعلم أن التواريخ بحسب اصطلاح كلّ قوم مختلفة. فمنها تاريخ الهجرة [ويسمى بالتاريخ الهجري أيضا] وهو أوّل المحرّم من السنة التي وقع فيها هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة. وشهور هذا التاريخ معروفة مأخوذة من رؤية الهلال، ولا يزيد شهر على ثلاثين يوما ولا ينتقص من تسعة وعشرين يوما. ويمكن أن يجيء أربعة أشهر ثلاثين يوما على التّوالي، لا أزيد منها، وأن يجيء ثلاثة أشهر تسعة وعشرين يوما على التّوالي لا أزيد منها. وسنوهم وشهورهم قمرية حقيقة، وكلّ سنة فهو اثنا عشر شهرا. والمنجّمون يأخذون للمحرّم ثلاثين يوما وللصّفر تسعة وعشرين يوما وهكذا إلى الآخر، فسنوهم وشهورهم قمرية اصطلاحية. ويجيء تفصيله في لفظ السّنة.
وسبب وضع التاريخ الهجري أنه كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر رضي الله تعالى عنه أنّا قد قرأنا صكّا من الكتب التي تأتينا من قبل أمير المؤمنين، رضي الله تعالى عنه، وكان محلّه شعبان، فما ندري أيّ الشعبانين هو الماضي أو الآتي، فجمع أعيان الصّحابة واستشارهم فيما تضبط به الأوقات، وكان فيهم ملك أهواز اسمه الهرمزان وقد أسلم على يده حين أسر، فقال: إنّ لنا حسابا نسمّيه ماه روز، أي حساب الشهور والأعوام، وشرح كيفية استعماله، فأمر عمر بوضع التاريخ. فأشار بعض اليهود إلى تاريخ الروم فلم يقبله لما فيه من الطول. وبعضهم إلى تاريخ الفرس فردّه لعدم استناده إلى مبدأ معيّن، فإنهم كانوا يجدّدونه كلّما قام ملك ويطرحون ما قبله، فاستقرّ رأيهم على تعيين يوم من أيامه عليه الصلاة والسلام لذلك. ولم يصلح وقت المبعث لكونه غير معلوم ولا وقت الولادة للاختلاف فيه. فقيل إنّه قد ولد ليلة الثاني أو الثامن أو الثالث عشر من ربيع الآخر سنة أربعين أو اثنتين وأربعين أو ثلاثة وأربعين من ملك نوشيروان، ولا وقت الوفاة لتنفّر الطبع عنه. فجعل مبدأ الهجرة من مكّة إلى المدينة إذ بها ظهرت دولة الإسلام. وكانت الهجرة يوم الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الأوّل، وأوّل تلك السنة يوم الخميس من المحرّم بحسب الأمر الأوسط، وكان اتفاقهم على هذا سنة سبع عشرة من الهجرة.
ومنها تاريخ الروم ويسمّى أيضا بالتاريخ [الرومي] الإسكندري، ومبدؤه يوم الاثنين بعد مضي اثنتي عشرة سنة شمسية من وفاة ذي القرنين اسكندر بن فيلقوس الرومي الذي استولى على الأقاليم السبعة. وقيل بعد مضي ست سنين من جلوسه. وقيل مبدؤه أوّل ملكه.
وقيل أوّل ملك سولوقس وهو الذي أمر ببناء أنطاكية وملك الشام والعراق وبعض الهند والصين، ونسب بعده إلى اسكندر واشتهر باسمه إلى الآن. وقيل مبدؤه مقدّم على مبدأ الهجري بثلاثمائة وأربعين ألفا وسبعمائة يوم. وذكر كوشيار في زيجه الجامع أنّ هذا التاريخ هو تاريخ السريانيين، وليس بينهم وبين الروم خلاف إلّا في أسماء الشهور وفي أوّل شهور السنة، فإنه عند الروم كانون الثاني باسم رومي على الترتيب. وأسماء الشهور في لسان السريانيين على الترتيب هي هذه: تشرين الأول تشرين الآخر كانون الأول كانون الآخر شباط آذار نيسان أيار حزيران تموز آب أيلول. والمشهور أنّ هذه الأسماء بلسان الروم وأن مبدأ سنتهم أوّل تشرين الأول ووقته قريب من توسّط الشمس الميزان على التقديم والتأخير. والسنة الشمسية يأخذون كسرها ربعا تامّا بلا زيادة ونقصان. وأيام أربعة أشهر منها وهي تشرين الآخر ونيسان وحزيران وأيلول ثلاثون ثلاثون، وشباط ثمانية وعشرون، والبواقي أحد وثلاثون أحد وثلاثون. ويزيدون يوم الكبيسة في أربع سنين مرة في آخر شباط فيصير تسعة وعشرين.
وقيل في آخر كانون الأول ويسمّون تلك السنة سنة الكبيسة فسنوهم [وشهورهم] شمسية اصطلاحية. ومنها تاريخ القبط المحدث.

وأسماء شهوره هذه: توت بابه هثور كيهك طوبه أمشير برمهات برموزه بشنشد بونه ابيب مسري.
وأيام سنتهم كأيام سنة الروم، إلّا أنّ أيام شهورهم ثلاثون ثلاثون، والخمسة المسترقة تزاد في آخر الشهر الأخير وهو مسري، والكبيسة ملحقة بآخر السنة. وأوّل سنتهم وهو التاسع والعشرون من شهر آب الرومي، إلّا أن يكون في سنة الروم كبيسة فإنّه حينئذ يكون أول السنة هو الثلاثون منه. ومبدأ هذا التاريخ حين استولى دقيانوس ملك الروم على القبط، وهو مؤخّر عن مبدأ تاريخ الروم بمائتين وسبعة عشر ألف يوم ومأتين وأحد وتسعين يوما. وأوله كان يوم الجمعة وعلى هذا التاريخ يعتمد أهل مصر وإسكندرية.
ومنها تاريخ الفرس، ويسمّى تاريخا يزدجرديا وقديما أيضا. اعلم أنّ أهل الفرس كانوا يأخذون كسر السنة الشمسية أيضا ربعا تاما كالروم. وأول وضعه كان في زمن جمشيد. ثم كانوا يجدّدون التاريخ في زمان كلّ سلطان عظيم لهم. وأيام شهورهم ثلاثون ثلاثون. وأسماء شهورهم هذه: فروردين ماه أرديبهشتماه خرداد ماه تير ماه مرداد ماه شهريور ماه مهر ماه آبان ماه آذر ماه ديماه بهمن ماه اسفندارمذماه. لكن يقيّد جميعها بالقديم بأن يقال فروردين ماه القديم الخ. وهذه الأسماء بعينها أسماء شهور التاريخ الجلالي، إلّا أنّها تقيّد بالجلالي. ثم إنّهم كانوا يزيدون في كل مائة وعشرين سنة شهرا فتصير شهور السنة ثلاثة عشر ويسمّونه باسم الشهر الذي ألحق به، وينقلون الشهر الزائد من شهر إلى شهر، حتى إذا تكرّر فروردين في سنة تكرّر ارديبهشت بعد مائة وعشرين سنة وهكذا إلى أن تصل النوبة إلى اسفندارمذ، وذلك في ألف وأربعمائة وأربعين سنة، وتسمّى دور الكبيسة، ويزيدون الخمسة المسترقة في سنة الكبيسة في آخر الشهر الزائد، فيصير خمسة وثلاثون يوما. وفي السنين الأخرى يزيدونها في آخر الشهر الذي وافق اسمه اسم هذا الشهر. فإذا تمّت مائة وعشرون سنة أخرى ووقعت كبيسة أخرى وصار اسم الشهر الزائد موافقا لاسم شهر آخر يزيدونها على آخر هذا الشهر وهكذا. وكان مبدأ السنة أبدا هو الشهر الذي يكون بعد الخمسة. ولمّا جدّدوا التاريخ ليزدجرد كان قد مضى تسعمائة وستون سنة من دور الكبيس، وانتهى الشهر الزائد إلى آبانماه والمسترقة كانت في آخره. ثم لمّا ذهبت دولة الفرس على يده في زمن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، حيث انهزم من العرب عند محاربتهم إيّاه ولم يقم مقامه من يجدّد له التاريخ، اشتهر هذا التاريخ به من بين سائر ملوك الفرس، وبقيت الخمسة تابعة لآبانماه من غير نقل ولا كبس. وكان كذلك إلى سنة ثلاثمائة وخمس وسبعين يزدجردية، وقد تمّ الدّور حينئذ، وحلّت الشمس أوّل الحمل في أوّل فروردين ماه، فنقلت الخمسة بفارس إلى آخر اسفندارمذماه، وتركت في بعض النواحي إلى آخر آبانماه، لأنهم كانوا يظنون أنّ ذلك دين المجوسية، لا يجوز أنّ يبدّل ويغير. ولمّا خلا هذا التاريخ عن الكسور حينئذ، صار استعمال المنجّمين له أكثر من غيره. وأوّل هذا التاريخ يوم الثلاثاء أوّل يوم من تلك السنة فيها يزدجرد، وهو مؤخّر عن مبدأ الهجري بثلاثة آلاف وستمائة وأربعة وعشرين يوما.
ومنها التاريخ الملكي ويسمّى بالتاريخ الجلالي أيضا وهو تاريخ وضعه ثمانية من الحكماء لمّا أمرهم جلال الدين ملك شاه السلجوقي بافتتاح التّقويم من بلوغ مركز الشمس أوّل الحمل. وكانت سنو التواريخ المشهورة غير مطابقة لذلك، فوضعوا هذا التاريخ ليكون انتقال الشمس أوّل الحمل أبدا أوّل يوم من سنتهم. وأسماء شهورهم هي أسماء الشهور اليزدجردية، إلّا أنها تقيّد بالجلالي. وأوّل أيام هذا التاريخ كان يوم الجمعة، وكان في وقت وضعه قد اتّفق نزول الشمس أوّل الحمل في الثّامن عشر من فروردين ماه القديم، فهم جعلوه أوّل فروردين ماه الجلالي، وجعلوا الأيام الثمانية عشر كبيسة.
ومن هذا تسمعهم يقولون إنّ مبدأ التاريخ الملكي هو الكبيسة الملك شاهية، وهو متأخّر عن مبدأ التاريخ اليزدجردي بمائة وثلاثة وستين ألف يوم ومائة وثلاثة وسبعين يوما.
ومنها التاريخ الإيلخاني وهو كالتاريخ الملكي مبدأ وشهورا بلا تفاوت. وكان ابتدءوه في سنة أربع وعشرين ومأتين من التاريخ الملكي وكان أوّل هذا التاريخ يوم الاثنين.
ومنها تاريخ القبط القديم وهو تاريخ بخت نصّر الأول من ملوك بابل. وأيّام سنة هذا التاريخ ثلاثمائة وخمسة وستون يوما بلا كسر.

وأسماء شهوره هذه: توت فاوفي اتور خوافي طوبى ما خير فامينوث فرموت باخون باويتي ابيفي ماسوري. وأيام كل شهر ثلاثون.
والخمسة المسترقة تلحق بالشهر الأخير. وأوّل هذا التاريخ كان يوم الأربعاء من أول جلوس بخت نصر. ومبدؤه مقدّم على مبدأ تاريخ الروم بمائة وتسعة وخمسين ألف يوم ومائتي يوم ويومين. وعلى هذا التاريخ وضع بطلميوس أوساط الكواكب في المجسطي.
ومنها تاريخ اليهود وسنوه [كسني تاريخ الروم كما يفهم من زيج إيلخاني،] شمسية حقيقية وشهوره قمرية. وأسماء شهورهم هي هذه: تسري مرخشوان كسليو طيبث شفط آذر نيسن ايرسيون تموز أب أيلول. وسبب وضعه أنّ موسى عليه السلام لمّا نجا من فرعون وقومه وغرقوا، استبشر بذلك اليوم وأمر بتعظيمه وجعله عيدا. وكان ذلك في ليلة الخميس خامس عشر شهر نيسن، وقد طلع القمر مع غروب الشمس في ذلك الوقت، وكان القمر في الميزان والشمس في الحمل، وكانوا يفركون سنبل الحنطة بأيديهم. وذلك يكون في المصر بقرب أوائل الحمل. فاحتاجوا إلى استعمال السّنة الشمسية والشهور القمرية وكبس بعض السنين بشهر زائد لئلّا يتغير وقت عبادتهم.
وسمّوا سنة الكبيسة عبّورا وغير الكبيسة بسيطة، وكبسوا تسع عشرة سنة بسبعة أشهر قمرية على ترتيب بهزيجوج كبائس. لكنّ العرب كانوا يزيدون الشهر الزائد على جميع السنة، واليهود أبدا يكرّرون الشهر السادس وهو آذر، فيصير في السنة آذران، آذر الكبس فيعدونه زائدا وبعده آذر الأصل ويعدّونه من أصل السنة وبعدهما نيسن.
وأول سنتهم يكون متردّدا بين أواخر آب وأيلول من سنة الروم. وأمّا الشهور فبعضهم يأخذونها من رؤية الأهلّة ولا يلتفتون إلى التفاوت الواقع في الأقاليم كالمسلمين، وكان في زمن موسى عليه السلام كذلك. وبعضهم يأخذون بعض الشهور ثلاثين وبعضها تسعة وعشرين، على ترتيب أهل الحساب حتى لا يتغيّر ابتداء الشهور في جميع العالم. فالشهور تكون قمرية وسطية.
لكنهم يجعلون كلا من البسيطة والكبيسة ناقصة ومعتدلة وكاملة. فالبسيطة الناقصة شنجه يوما. والمعتدلة شند. والكاملة شنه. والكبيسة الناقصة شفد يوما. والمعتدلة شدد. والكاملة شنه. فأيام كل من تشري وشفط ونيسن وسيون واوب ثلاثون. وكذا أيام آذر الكبس. وأيام كل من طيبث وآذر الأصل وأير وتموز وأيلول تسعة وعشرون. وأيام مرخشوان في السنة المعتدلة تسعة وعشرون. وأيام كسليو فيها ثلاثون.
وأيامها في السنة الزائدة ثلاثون ثلاثون، وفي الناقصة تسعة وعشرون تسعة وعشرون.
والحاصل أنهم رتّبوا الشهور في السنة البسيطة إلى آخرها وفي السنة الكبيسة إلى الشهر الزائد كترتيب الشهور العربية، أعني جعل الشهر الأول ثلاثين والثاني تسعة وعشرين، وعلى هذا إلى آخر السنة البسيطة. وأمّا في الكبيسة فيتغيّر ترتيب شهرين فقط وهما الخامس والسادس المكبوس، فإنّ كلّ واحد منهما ثلاثون يوما.
وفي السنة الناقصة من البسيطة والكبيسة يكون كلّ من الشهرين الثاني والثالث تسعة وعشرين يوما. وفي الكاملة كلّ واحد منهما يكون ثلاثين يوما. ويشترطون أن يكون أوّل أيام السنة أحد أيام السبت والاثنين والثلاثاء والخميس لا غير، وأن يكون الخامس عشر من نيسن الذي هو عندهم هو الأحد أو الثلاثاء أو الخميس أو السبت لا غير، ويكون حينئذ الشمس في الحمل والقمر في الميزان، وهو إمّا يوم الاستقبال أو اليوم الذي قبله أو بعده. وقد تزحفان إلى أوائل الثور والعقرب بسبب الكبس وهو نادر.
ويجعلون مبدأ تاريخهم من هبوط آدم عليه السلام، ويزعمون أنّ بين هبوطه وزمان موسى عليه السلام أي زمان خروج بني إسرائيل من مصر وهو زمان غرق فرعون ألفين وأربعمائة وثمان وأربعين سنة، وبين موسى وإسكندر ألف سنة أخرى.
ومنها تاريخ الترك وسنوه أيضا شمسية حقيقية. ويقسمون اليوم بليلته اثنى عشر قسما، كل قسم يسمى چاغا وكل چاغ يقسم ثمانية أقسام يسمّى كل قسم ركها لها. وأيضا يقسمون اليوم بليلته بعشرة آلاف قسم، يسمّى كل قسم منها فنكا. والسنة الشمسية بحسب أرصادهم ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وألفان وأربعمائة وستة وثلاثون فنكا. ويقسمون السنة بأربعة وعشرين قسما متساوية خمسة عشر يوما وألفان ومائة وأربعة وثمانون فنكا وخمسة أسداس فنك. ومبدأ السنة يكون عند وصول الشمس إلى الدرجة السادسة عشر من الدّلو.
وكذا مبادئ الفصول الباقية تكون في أواسط البروج الباقية. وأما شهورهم فتكون قمرية حقيقية، ومبدأ كل منها الاجتماع الحقيقي.

وأسماء الشهور هذه: آرلم آي ايكندي آي جونج آي دونج آي بيشخ آي اليتخ آي شكيسح آي طوفتج آي لوترنج آي ان پيرنج آي چغشاباط آي، ويقع في كل شهر من الشهور القمرية قسم زوج من أقسام السنة يكون عدده ضعف عدد ذلك الشهر. فإن لم يقع في شهر قسم زوج وهو ممكن، لأن مجموع قسمين أعظم من شهر واحد، فذلك الشهر يكون زائدا ويسمّى بلغتهم شون آي. وإنما يزيدون هذا الشهر ليكون مبدأ الشهر الأول أبدا في حوالي مبدأ السنة، وهذا الشهر هو الكبيسة. وترتيب سني الكبائس عندهم كترتيبها عند العرب، أعني أنهم يكبسون أحد عشر شهرا في كلّ ثلاثين سنة قمرية على ترتيب بهزيجوج أدوط، لكن لا يقع شهر الكبيس في موضع معيّن من السنة، بل يقع في كل موضع منها. وعدد أيام الشهر عندهم إما ثلاثون أو تسعة وعشرون. ولا يقع أكثر من ثلاثة أشهر متوالية تاما، ولا أكثر من شهرين متواليين ناقصا. وإذا أسقط من السنين الناقصة اليزدجردية ستمائة واثنان وثلاثون، وطرح من الباقي ثلاثون ثلاثون إلى أنّ يبقى ثلاثون أو أقل منه، فإن وافقت إحدى السنين المذكورة للكبيس فكبيسة وإلّا فلا. وأمّا أنّ هذا الشهر يكون بعد أيّ شهر من شهور السنة فذلك إنّما يعرف بالاستقراء وحساب الاجتماعات. واعلم أنّ لهم أدوارا. الأول منها يعرف بالدور العشري ومدته عشر سنين، لكل سنة منها اسم بلغتهم، والثاني يعرف بالدور الاثنا عشري ومدّته اثنتا عشرة سنة، وكل سنة منها تنسب إلى حيوان بلغتهم، وهذا الدور هو المشهور فيما بين الأمم. والثالث الدور الستوني ومدته ستون سنة وهو مركب من الدورين الأولين، فإنه ستة أدوار عشرية وخمسة أدوار اثنا عشرية. وأول هذا الدور يكون أول العشري وأول الاثنا عشري جميعا.
وبهذه الأدوار الثلاثة يعدون الأيام أيضا كما يعدّون السنين بها. ولهم دور آخر يسمّى بالدور الرابع والدور الاختياري يعدّون به الأيام فقط ومدته اثنا عشر يوما، وهو مثل أيام الأسابيع عندهم، وكل يوم منه ينسب إلى لون من الألوان، ويسمّى باسم ذلك اللون بلغتهم.
وبعض هذه الأيام عندهم منحوس وقريب منه.
وبعضها مسعود وقريب منه، وفي الاختيارات يعتمدون على ذلك. وإذا بلغ هذا الدور إلى أول قسم فرد من أقسام السنة يكرّر يوم هذا الدور أعني يعد اللازم الأول من هذا القسم واليوم الذي قبله في هذا الدور واحدا. ولكل قسم من أقسام السنة وكذا لكل يوم من أيام الأدوار الأربعة اسم بلغتهم وتفصيل ذلك يطلب من كتب العمل. ويجعلون مبدأ تاريخهم ابتداء خلق العالم، وقد انقضت بزعمهم في سنة ستين وثمانمائة يزدجردية من ابتداء خلق العالم ثمانية آلاف وثمانمائة وثلاثة وستون قرنا وتسعة آلاف وتسعمائة وخمس وستون سنة، ويزعمون أنّ مدة بقاء العالم ثلاثمائة ألف قرن، كل قرن عشرة آلاف سنة. هذا كله خلاصة ما في شرح التذكرة وغيره. وإن شئت زيادة التوضيح فارجع إلى الزيجات.

الرَّيّ

الرَّيّ:
بفتح أوّله، وتشديد ثانيه، فإن كان عربيّا فأصله من رويت على الراوية أروي ريّا فأنا راو إذا شددت عليها الرّواء، قال أبو منصور:
أنشدني أعرابي وهو يعاكمني:
ريّا تميميّا على المزايد
وحكى الجوهري: رويت من الماء، بالكسر، أروى ريّا وريّا وروى مثل رضى: وهي مدينة مشهورة من أمّهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الفواكه والخيرات، وهي محطّ الحاجّ على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخا ومن قزوين إلى أبهر اثنا عشر فرسخا ومن أبهر إلى زنجان خمسة عشر فرسخا، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة الريّ طولها خمس وثمانون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وست وثلاثون دقيقة، وارتفاعها سبع وسبعون تحت ثماني عشرة درجة من السرطان خارجة من الإقليم الرابع داخلة في الإقليم الخامس، يقابلها مثلها من الجدي في قسمة النسر الطائر ولها شركة في الشعرى والغميصاء رأس الغول من قسمة سعد بلع، ووجدت في بعض تواريخ الفرس أن كيكاوس كان قد عمل عجلة وركّب عليها آلات ليصعد إلى السماء فسخر الله الريح حتى علت به إلى السحاب ثمّ ألقته فوقع في بحر جرجان، فلمّا قام كيخسرو بن سياوش بالملك حمل تلك العجلة وساقها ليقدم بها إلى بابل، فلمّا وصل إلى موضع الريّ قال الناس: بريّ آمد كيخسرو، واسم العجلة بالفارسيّة ريّ، وأمر بعمارة مدينة هناك فسميت الريّ بذلك، قال العمراني: الرّي بلد بناه فيروز ابن يزدجرد وسمّاه رام فيروز، ثمّ ذكر الرّي المشهورة بعدها وجعلهما بلدتين، ولا أعرف الأخرى، فأمّا الرّي المشهورة فإنّي رأيتها، وهي مدينة عجيبة الحسن مبنية بالآجر المنمق المحكم الملمع بالزرقة
مدهون كما تدهن الغضائر في فضاء من الأرض، وإلى جانبها جبل مشرف عليها أقرع لا ينبت فيه شيء، وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها، واتفق أنّني اجتزت في خرابها في سنة 617 وأنا منهزم من التتر فرأيت حيطان خرابها قائمة ومنابرها باقية وتزاويق الحيطان بحالها لقرب عهدها بالخراب إلّا أنّها خاوية على عروشها، فسألت رجلا من عقلائها عن السبب في ذلك فقال: أمّا السبب فضعيف ولكن الله إذا أراد أمرا بلغه، كان أهل المدينة ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقل، وحنفية وهم الأكثر، وشيعة وهم السواد الأعظم، لأن أهل البلد كان نصفهم شيعة وأما أهل الرستاق فليس فيهم إلّا شيعة وقليل من الحنفيين ولم يكن فيهم من الشافعيّة أحد، فوقعت العصبيّة بين السنّة والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعيّة وتطاولت بينهم الحروب حتى لم يتركوا من الشيعة من يعرف، فلمّا أفنوهم وقعت العصبيّة بين الحنفية والشافعيّة ووقعت بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعيّة هذا مع قلّة عدد الشافعيّة إلّا أن الله نصرهم عليهم، وكان أهل الرستاق، وهم حنفية، يجيئون إلى البلد بالسلاح الشاك ويساعدون أهل نحلتهم فلم يغنهم ذلك شيئا حتى أفنوهم، فهذه المحالّ الخراب التي ترى هي محالّ الشيعة والحنفية، وبقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية وهي أصغر محالّ الرّيّ ولم يبق من الشيعة والحنفية إلّا من يخفي مذهبه، ووجدت دورهم كلها مبنية تحت الأرض ودروبهم التي يسلك بها إلى دورهم على غاية الظلمة وصعوبة المسلك، فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر بالغارات ولولا ذلك لما بقي فيها أحد، وقال الشاعر يهجو أهلها:
الرّيّ دار فارغه ... لها ظلال سابغة
على تيوس ما لهم ... في المكرمات بازغه
لا ينفق الشّعر بها ... ولو أتاها النّابغه
وقال إسماعيل الشاشي يذمّ أهل الرّيّ:
تنكّب حدّة الأحد ... ولا تركن إلى أحد
فما بالرّيّ من أحد ... يؤهل لاسم الأحد
وقد حكى الاصطخري أنّها كانت أكبر من أصبهان لأنّه قال: وليس بالجبال بعد الريّ أكبر من أصبهان، ثمّ قال: والرّيّ مدينة ليس بعد بغداد في المشرق أعمر منها وإن كانت نيسابور أكبر عوصة منها، وأمّا اشتباك البناء واليسار والخصب والعمارة فهي أعمر، وهي مدينة مقدارها فرسخ ونصف في مثله، والغالب على بنائها الخشب والطين، قال: وللرّيّ قرى كبار كلّ واحدة أكبر من مدينة، وعدّد منها قوهذ والسّدّ ومرجبى وغير ذلك من القرى التي بلغني أنها تخرج من أهلها ما يزيد على عشرة آلاف رجل، قال: ومن رساتيقها المشهورة قصران الداخل والخارج وبهزان والسن وبشاويه ودنباوند، وقال ابن الكلبي: سميت الريّ بريّ رجل من بني شيلان ابن أصبهان بن فلوج، قال: وكان في المدينة بستان فخرجت بنت ريّ يوما إليه فإذا هي بدرّاجة تأكل تينا، فقالت: بور انجير يعني أن الدّرّاجة تأكل تينا، فاسم المدينة في القديم بورانجير ويغيره أهل الرّيّ فيقولون بهورند، وقال لوط بن يحيى:
كتب عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، إلى عمار بن ياسر وهو عامله على الكوفة بعد شهرين من فتح
نهاوند يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الرّيّ ودستبى في ثمانية آلاف، ففعل وسار عروة لذلك فجمعت له الديلم وأمدوا أهل الرّيّ وقاتلوه فأظهره الله عليهم فقتلهم واستباحهم، وذلك في سنة 20 وقيل في سنة 19، وقال أبو نجيد وكان مع المسلمين في هذه الوقائع:
دعانا إلى جرجان والرّيّ دونها ... سواد فأرضت من بها من عشائر
رضينا بريف الرّيّ والرّيّ بلدة ... لها زينة في عيشها المتواتر
لها نشز في كلّ آخر ليلة ... تذكّر أعراس الملوك الأكابر
قال جعفر بن محمد الرازي: لما قدم المهديّ الرّيّ في خلافة المنصور بنى مدينة الرّيّ التي بها الناس اليوم وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا، وجرى ذلك على يد عمار بن أبي الخصيب، وكتب اسمه على حائطها، وتمّ عملها سنة 158، وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين آجر، والفارقين: الخندق، وسمّاها المحمديّة، فأهل الرّيّ يدعون المدينة الداخلة المدينة ويسمون الفصيل المدينة الخارجة والحصن المعروف بالزينبدى في داخل المدينة المعروفة بالمحمدية، وقد كان المهدي أمر بمرمّته ونزله أيّام مقامه بالرّيّ، وهو مطلّ على المسجد الجامع ودار الإمارة، ويقال: الذي تولّى مرمّته وإصلاحه ميسرة التغلبي أحد وجوه قواد المهدي، ثمّ جعل بعد ذلك سجنا ثمّ خرب فعمره رافع بن هرثمة في سنة 278 ثمّ خرّبه أهل الرّيّ بعد خروج رافع عنها، قال:
وكانت الرّيّ تدعى في الجاهليّة أزارى فيقال إنّه خسف بها، وهي على اثني عشر فرسخا من موضع الرّيّ اليوم على طريق الخوار بين المحمدية وهاشمية الرّيّ، وفيها أبنية قائمة تدل على أنّها كانت مدينة عظيمة، وهناك أيضا خراب في رستاق من رساتيق الرّيّ يقال له البهزان، بينه وبين الرّيّ ستة فراسخ يقال إن الرّيّ كانت هناك، والناس يمضون إلى هناك فيجدون قطع الذهب وربّما وجدوا لؤلؤا وفصوص ياقوت وغير ذلك من هذا النوع، وبالرّيّ قلعة الفرّخان، تذكر في موضعها، ولم تزل قطيعة الرّيّ اثني عشر ألف ألف درهم حتى اجتاز بها المأمون عند منصرفه من خراسان يريد مدينة السلام فلقيه أهلها وشكوا إليه أمرهم وغلظ قطيعتهم فأسقط عنهم منها ألفي ألف درهم وأسجل بذلك لأهلها، وحكى ابن الفقيه عن بعض العلماء قال: في التوراة مكتوب الرّيّ باب من أبواب الأرض وإليها متجر الخلق، وقال الأصمعي: الرّيّ عروس الدنيا وإليه متجر الناس، وهو أحد بلدان الأرض، وكان عبيد الله ابن زياد قد جعل لعمر بن سعد بن أبي وقاص ولاية الرّيّ إن خرج على الجيش الذي توجّه لقتال الحسين ابن عليّ، رضي الله عنه، فأقبل يميل بين الخروج وولاية الرّيّ والقعود، وقال:
أأترك ملك الرّيّ والرّيّ رغبة، ... أم ارجع مذموما بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها ... حجاب وملك الرّيّ قرّة عين
فغلبه حبّ الدنيا والرياسة حتى خرج فكان من قتل الحسين، رضي الله عنه، ما كان. وروي عن جعفر الصادق، رضي الله عنه، أنّه قال: الرّيّ وقزوين وساوة ملعونات مشؤومات، وقال إسحاق بن سليمان: ما رأيت بلدا أرفع للخسيس من الرّيّ،
وفي أخبارهم: الريّ ملعونة وتربتها تربة ملعونة ديلمية وهي على بحر عجاج تأبى أن تقبل الحق، والرّيّ سبعة عشر رستاقا منها دنباوند وويمة وشلمبة، حدث أبو عبد الله بن خالويه عن نفطويه قال: قال رجل من بني ضبّة وقال المدائني:
فرض لأعرابي من جديلة فضرب عليه البعث إلى الري وكانوا في حرب وحصار، فلمّا طال المقام واشتدّ الحصار قال الأعرابي: ما كان أغناني عن هذا! وأنشأ يقول:
لعمري لجوّ من جواء سويقة ... أسافله ميث وأعلاه أجرع
به العفر والظّلمان والعين ترتعي ... وأمّ رئال والظّليم الهجنّع
وأسفع ذو رمحين يضحي كأنّه ... إذا ما علا نشزا، حصان مبرقع
أحبّ إلينا أن نجاور أهلنا ... ويصبح منّا وهو مرأى ومسمع
من الجوسق الملعون بالرّيّ كلّما ... رأيت به داعي المنيّة يلمع
يقولون: صبرا واحتسب! قلت: طالما ... صبرت ولكن لا أرى الصبر ينفع
فليت عطائي كان قسّم بينهم ... وظلّت بي الوجناء بالدّوّ تضبع
كأنّ يديها حين جدّ نجاؤها ... يدا سابح في غمرة يتبوّع
أأجعل نفسي وزن علج كأنّما ... يموت به كلب إذا مات أجمع؟
والجوسق الملعون الذي ذكره ههنا هو قلعة الفرّخان، وحدث أبو المحلّم عوف بن المحلم الشيباني قال: كانت لي وفادة على عبد الله بن طاهر إلى خراسان فصادفته يريد المسير إلى الحجّ فعادلته في العماريّة من مرو إلى الريّ، فلمّا قاربنا الرّيّ سمع عبد الله بن طاهر ورشانا في بعض الأغصان يصيح، فأنشد عبد الله بن طاهر متمثلا بقول أبي كبير الهذلي:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر، ... وغصنك ميّاد، ففيم تنوح؟
أفق لا تنح من غير شيء، فإنّني ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح
ولوعا فشطّت غربة دار زينب، ... فها أنا أبكي والفؤاد جريح
ثمّ قال: يا عوف أجز هذا، فقلت في الحال:
أفي كلّ عام غربة ونزوح؟ ... أما للنّوى من ونية فنريح؟
لقد طلّح البين المشتّ ركائبي، ... فهل أرينّ البين وهو طليح؟
وأرّقني بالرّيّ نوح حمامة، ... فنحت وذو الشجو القديم ينوح
على أنّها ناحت ولم تذر دمعة، ... ونحت وأسراب الدّموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما، ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فتضحي عصا الأسفار وهي طريح
فإنّ الغنى يدني الفتى من صديقه، ... وعدم الغنى بالمقترين نزوح
فأخرج رأسه من العمارية وقال: يا سائق ألق زمام البعير، فألقاه فوقف ووقف الخارج ثمّ دعا بصاحب
بيت ماله فقال: كم يضمّ ملكنا في هذا الوقت؟
فقال: ستين ألف دينار، فقال: ادفعها إلى عوف، ثمّ قال: يا عوف لقد ألقيت عصا تطوافك فارجع من حيث جئت، قال: فأقبل خاصة عبد الله عليه يلومونه ويقولون أتجيز أيّها الأمير شاعرا في مثل هذا الموضع المنقطع بستين ألف دينار ولم تملك سواها! قال: إليكم عني فإنّي قد استحييت من الكرم أن يسير بي جملي وعوف يقول: عسى جود عبد الله، وفي ملكي شيء لا ينفرد به، ورجع عوف إلى وطنه فسئل عن حاله فقال: رجعت من عند عبد الله بالغنى والراحة من النوى، وقال معن بن زائدة الشيباني:
تمطّى بنيسابور ليلي وربّما ... يرى بجنوب الرّيّ وهو قصير
ليالي إذ كلّ الأحبّة حاضر، ... وما كحضور من تحب سرور
فأصبحت أمّا من أحبّ فنازح ... وأمّا الألى أقليهم فحضور
أراعي نجوم اللّيل حتى كأنّني ... بأيدي عداة سائرين أسير
لعلّ الذي لا يجمع الشمل غيره ... يدير رحى جمع الهوى فتدور
فتسكن أشجان ونلقى أحبّة، ... ويورق غصن للشّباب نضير
ومن أعيان من ينسب إليها أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم صاحب الكتب المصنفة، مات بالرّيّ بعد منصرفه من بغداد في سنة 311، عن ابن شيراز، ومحمد بن عمر بن هشام أبو بكر الرازي الحافظ المعروف بالقماطري، سمع وروى وجمع، قال أبو بكر الإسماعيلي: حدّثني أبو بكر محمد بن عمير الرازي الحافظ الصدوق بجرجان، وربّما قال الثقة المأمون، سكن مرو ومات بها في سنة نيف وتسعين ومائتين، وعبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد ابن أبي حاتم الرازي أحد الحفّاظ، صنف الجرح والتعديل فأكثر فائدته، رحل في طلب العلم والحديث فسمع بالعراق ومصر ودمشق، فسمع من يونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم والربيع بن سليمان والحسن بن عرفة وأبيه أبي حاتم وأبي زرعة الرازي وعبد الله وصالح ابني أحمد بن حنبل وخلق سواهم، وروى عنه جماعة أخرى كثيرة، وعن أبي عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا أحمد محمد بن محمد ابن أحمد بن إسحاق الحاكم الحافظ يقول: كنت بالرّيّ فرأيتهم يوما يقرؤون على محمد بن أبي حاتم كتاب الجرح والتعديل، فلمّا فرغوا قلت لابن عبدويه الورّاق: ما هذه الضحكة؟ أراكم تقرؤون كتاب التاريخ لمحمد بن إسماعيل البخاري عن شيخكم على هذا الوجه وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم! فقال: يا أبا محمد اعلم أن أبا زرعة وأبا حاتم لما حمل إليهما هذا الكتاب قالا هذا علم حسن لا يستغنى عنه ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا، فأقعدا أبا محمد عبد الرحمن الرازي حتى سألهما عن رجل معه رجل وزادا فيه ونقصا منه، ونسبه عبد الرحمن الرازي، وقال أحمد بن يعقوب الرازي: سمعت عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي يقول: كنت مع أبي في الشام في الرحلة فدخلنا مدينة فرأيت رجلا واقفا على الطريق يلعب بحيّة ويقول: من يهب لي درهما حتى أبلع هذه الحيّة؟ فالتفت إليّ أبي وقال: يا بني احفظ دراهمك فمن أجلها تبلع الحيّات! وقال أبو يعلى الخليل بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ القزويني: أخذ عبد الرحمن بن أبي حاتم علم أبيه وعلم أبي زرعة وصنّف
منه التصانيف المشهورة في الفقه والتواريخ واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان من الأبدال ولد سنة 240، ومات سنة 327، وقد ذكرته في حنظلة وذكرت من خبره هناك زيادة عمّا ههنا، وإسماعيل بن عليّ بن الحسين بن محمد بن زنجويه أبو سعد الرازي المعروف بالسمّان الحافظ، كان من المكثرين الجوّالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ، سمع ببغداد أبا طاهر المخلص ومحمد بن بكران بن عمران، روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو علي الحداد الأصبهاني وغيرهما، مات في الرابع والعشرين من شعبان سنة 445، وكان معتزليّا، وصنف كتبا كثيرة ولم يتأهّل قط، وكان فيه دين وورع، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازي والد تمام بن محمد الرازي الحافظان ويعرف في الرّيّ بأبي الرستاقي، سمع ببلده وغيره وأقام بدمشق وصنف، وكان حافظا ثقة مكثرا، مات سنة 347، وابنه تمام بن محمد الحافظ، ولد بدمشق وسمع بها من أبيه ومن خلق كثير وروى عنه خلق، وقال أبو محمد بن الأكفاني: أنبأنا عبد العزيز الكناني قال: توفي شيخنا وأستاذنا تمام الرازي لثلاث خلون من المحرم سنة 414، وكان ثقة مأمونا حافظا لم أر أحفظ منه لحديث الشاميّين، ذكر أن مولده سنة 303، وقال أبو بكر الحداد: ما لقينا مثله في الحفظ والخبر، وقال أبو علي الأهوازي:
كان عالما بالحديث ومعرفة الرجال ما رأيت مثله في معناه، وأبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم ابن الحكم بن عبد الله الحافظ الرازي، قال الحافظ أبو القاسم: قدم دمشق سنة 347 فسمع بها أبا الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرازي والد تمام، وبنيسابور أبا حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال وأبا الحسن علي بن أحمد الفارسي ببلخ وأبا عبد الله بن مخلد ببغداد وأبا الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني بمصر وعمر بن إبراهيم بن الحدّاد بتنّيس وأبا عبد الله المحاملي وأبا العباس الأصمّ، وحدث بدمشق في تلك السنة فروى عنه تمام وعبد الرحمن بن عمر بن نصر والقاضيان أبو عبد الله الحسين بن محمد الفلّاكي الزّنجاني وأبو القاسم التنوخي وأبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد الجارودي الحافظ وحمزة بن يوسف الخرقاني وأبو محمد إبراهيم بن محمد بن عبد الله الزنجاني الهمداني وعبد الغني بن سعيد والحاكم أبو عبد الله وأبو العلاء عمر بن علي الواسطي وأبو زرعة روح بن محمد الرازي ورضوان بن محمد الدّينوري، وفقد بطريق مكّة سنة 375، وكان أهل الريّ أهل سنّة وجماعة إلى أن تغلب أحمد بن الحسن المارداني عليها فأظهر التشيع وأكرم أهله وقرّبهم فتقرّب إليه الناس بتصنيف الكتب في ذلك فصنف له عبد الرحمن بن أبي حاتم كتابا في فضائل أهل البيت وغيره، وكان ذلك في أيّام المعتمد وتغلبه عليها في سنة 275، وكان قبل ذلك في خدمة كوتكين ابن ساتكين التركي، وتغلب على الرّيّ وأظهر التشيع بها واستمرّ إلى الآن، وكان أحمد بن هارون قد عصى على أحمد بن إسماعيل الساماني بعد أن كان من أعيان قواده وهو الذي قتل محمد بن زيد الراعي فتبعه أحمد بن إسماعيل إلى قزوين فدخل أحمد بن هارون بلاد الديلم وأيس منه أحمد بن إسماعيل فرجع فنزل بظاهر الري ولم يدخلها، فخرج إليه أهلها وسألوه أن يتولّى عليهم ويكاتب الخليفة في ذلك ويخطب ولاية الرّيّ، فامتنع وقال: لا أريدها لأنّها
مشؤومة قتل بسببها الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وتربتها ديلمية تأبى قبول الحقّ وطالعها العقرب، وارتحل عائدا إلى خراسان في ذي الحجة سنة 289، ثمّ جاء عهده بولاية الرّيّ من المكتفي وهو بخراسان، فاستعمل على الرّيّ من قبله ابن أخيه أبا صالح منصور بن إسحاق بن أحمد بن أسد فوليها ستّ سنين، وهو الذي صنف له أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم كتاب المنصوري في الطبّ، وهو الكنّاشة، وكان قدوم منصور إليها في سنة 290، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.

رَاشْت

رَاشْت:
بالشين المعجمة، وآخره تاء: بلد بأقصى خراسان، وهو آخر حدود خراسان، بينه وبين ترمذ ثمانون فرسخا، وهي بين جبلين، وكان منها مدخل الترك إلى بلاد الإسلام للغارة عليهم فعمل الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك هناك بابا محكما.

دَنْدَرَةُ

دَنْدَرَةُ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه، ودال أخرى مفتوحة، ويقال لها أيضا أندرا: بليد على غربي
النيل من نواحي الصعيد دون قوص، وهي بليدة طيبة ذات بساتين ونخل كثيرة وكروم، وفيها برابي كثيرة، منها بربا فيه مائة وثمانون كوة تدخل الشمس كل يوم من كوة واحدة بعد واحدة حتى تنتهي إلى آخرها ثم تكرّ راجعة إلى الموضع الذي بدأت منه، وتضاف إلى دندرة كورة جليلة، حدثني السديد محمد ابن عليّ الموصلي الفاضل قال: حدثني القاضي أبو المعالي محمد قاضي دندرة قال: كان عمّي القاضي الأسعد حسن قد لحقه قولنج فوصف له الطبيب حقنة فهيئت له فأخذ بعض الحاضرين آلة الحقنة يتأملها وضحك فأحدث في ثيابه، فقلت أو قال فقال عمّي:
إنّ قاض بدندرا ... قال بيتين سطّرا:
مخرج البول والخرا ... حيّرا كل من يرى
وهما آفة الورى، ... عسرا أو تيسّرا

خُوارِزْم

خُوارِزْم:
أوله بين الضمة والفتحة، والألف مسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة، هكذا يتلفظون به، هكذا ينشد قول اللحّام فيه:
ما أهل خوارزم سلالة آدم، ... ما هم، وحقّ الله، غير بهائم
أبصرت مثل خفافهم ورؤوسهم ... وثيابهم وكلامهم في العالم
إن كان يرضاهم أبونا آدم، ... فالكلب خير من أبينا آدم
قال ابن الكلبي: ولد إسحاق بن إبراهيم الخليل الخزر والبزر والبرسل وخوارزم وفيل، قال بطليموس في كتاب الملحمة: خوارزم طولها مائة وسبع عشرة درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وأربعون درجة، وهي في الإقليم السادس، طالعها السماك ويجمعها الذراع، بيت حياتها العقرب، مشرقة في قبة الفلك تحت ثلاث وعشرين درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، وقال أبو عون في زيجه: هي في آخر الإقليم الخامس، وطولها إحدى وتسعون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها أربع وأربعون درجة وعشر دقائق، وخوارزم ليس اسما للمدينة إنما هو اسم للناحية بجملتها، فأما القصبة العظمى فقد يقال لها اليوم الجرجانية، وقد ذكرت في موضعها، وأهلها يسمونها كركانج، وقد ذكروا في سبب تسميتها بهذا الاسم أن أحد الملوك القدماء غضب على أربعمائة من أهل مملكته وخاصة حاشيته فأمر بنفيهم إلى موضع منقطع عن العمارات بحيث يكون بينهم وبين العمائر مائة فرسخ، فلم يجدوا على هذه الصفة إلا موضع مدينة كاث، وهي إحدى مدن خوارزم، فجاؤوا بهم إلى هذا الموضع وتركوهم وذهبوا، فلما كان بعد مدة جرى ذكرهم على بال الملك فأمر قوما بكشف خبرهم، فجاؤوا فوجدوهم قد بنوا أكواخا ووجدوهم يصيدون السمك وبه يتقوّتون وإذا حولهم حطب كثير، فقالوا لهم: كيف حالكم؟ فقالوا: عندنا هذا اللحم، وأشاروا إلى السمك، وعندنا هذا الحطب فنحن نشوي هذا بهذا ونتقوّت به، فرجعوا إلى الملك وأخبروه بذلك فسمى ذلك الموضع خوارزم لأن اللحم بلغة الخوارزمية خوار والحطب رزم، فصار خوارزم فخفف وقيل خوارزم استثقالا لتكرير الراء، وقد جاء به بعض العرب على الأصل، فقال الأسدي:
أتاني، عن أبي أنس، وعيد، ... فسلّ تغيّظ الضحّاك جسمي
ولم أعص الأمير، ولم أربه، ... ولم أسبق أبا أنس بوغم
ولكنّ البعوث جرت علينا، ... فصرنا بين تطويح وغرم
وخافت من رمال السّغد نفسي، ... وخافت من رمال خوارزم
فقارعت البعوث وقارعتني، ... ففاز بضجعة في الحيّ سهمي
وأعطيت الجعالة، مستميتا، ... خفيف الحاذ من فتيان جرم
وأقرّ أولئك الذين نفاهم بذلك المكان وأقطعهم إياه وأرسل إليهم أربعمائة جارية تركية وأمدهم بطعام من الحنطة والشعير وأمرهم بالزرع والمقام هناك، فلذلك في وجوههم أثر الترك وفي طباعهم أخلاق الترك وفيهم جلد وقوة، وأحوجهم مقتضى القضية للصبر على الشقاء، فعمّروا هناك دورا وقصورا وكثروا وتنافسوا في البقاع فبنوا قرى ومدنا وتسامع بهم من يقاربهم من مدن خراسان فجاؤوا وساكنوهم فكثروا وعزّوا فصارت ولاية حسنة عامرة، وكنت قد جئتها في سنة 616، فما رأيت ولاية قط أعمر منها، فإنها على ما هي عليه من رداءة أرضها وكونها سبخة كثيرة النزوز متصلة العمارة متقاربة القرى كثيرة البيوت المفردة والقصور في صحاريها، قلّ ما يقع نظرك في رساتيقها على موضع لا عمارة فيه، هذا مع كثرة الشجر بها، والغالب عليه شجر التوت والخلاف لاحتياجهم إليه لعمائرهم وطعم دود الإبريسم، ولا فرق بين المارّ في رساتيقها كلها والمارّ في الأسواق، وما ظننت أن في الدنيا بقعة سعتها سعة خوارزم وأكثر من أهلها مع أنهم قد مرنوا على ضيق العيش والقناعة بالشيء اليسير، وأكثر ضياع خوارزم مدن ذات أسواق وخيرات ودكاكين، وفي النادر أن يكون قرية لا سوق فيها مع أمن شامل وطمأنينة تامة.
والشتاء عندهم شديد جدّا بحيث أني رأيت جيحون نهرهم وعرضه ميل وهو جامد، والقوافل والعجل الموقرة ذاهبة وآتية عليه، وذلك أن أحدهم يعمد إلى رطل واحد من أرز أو ما شاء ويكثر من الجزر والسلجم فيه ويضعه في قدر كبيرة تسع قربة ماء ويوقد تحتها إلى أن ينضج ويترك عليه أوقية دهنا ثم يأخذ المغرفة ويغرف من تلك القدر في زبدية أو زبديتين فيقنع به بقية يومه، فإن ثرد فيه رغيفا لطيفا خبزا فهو الغاية، هذا في الغالب عليهم، على أن فيهم أغنياء مترفهين إلّا أن عيش أغنيائهم قريب من هذا ليس فيه ما في عيش غيرهم من سعة النفقة وإن كان النزر من بلادهم تكون قيمته قيمة الكثير من بلاد غيرهم، وأقبح شيء عندهم وأوحشه أنهم يدوسون حشوشهم بأقدامهم ويدخلون إلى مساجدهم على تلك الحالة لا يمكنهم التحاشي من ذلك لأن حشوشهم ظاهرة على وجه الأرض، وذلك لأنهم إذا حفروا في الأرض مقدار ذراع واحد نبع الماء عليهم، فدروبهم وسطوحهم ملأى من القذر، وبلدهم كنيف جائف منتن، وليس لأبنيتهم أساسات إنما يقيمون أخشابا مقفصة ثم يسدونها باللبن، هذا غالب أبنيتهم، والغالب على خلق أهلها الطول والضخامة، وكلامهم كأنه أصوات الزرازير، وفي رؤوسهم عرض، ولهم جبهات واسعة، وقيل لأحدهم: لم رؤوسكم تخالف رؤوس الناس؟ فقال: إن قدماءنا كانوا يغزون الترك فيأسرونهم وفيهم شية من الترك فما كانوا يعرفون، فربما وقعوا إلى الإسلام فبيعوا في الرقيق، فأمروا النساء إذا ولدن أن يربطن أكياس الرمل على رؤوس الصبيان من الجانبين حتى ينبسط الرأس، فبعد ذلك
لم يسترقّوا وردّ من وقع منهم إليهم إلى الكوفة، قال عبد الله الفقير إليه: وهذا من أحاديث العامة لا أصل له، هب أنهم فعلوا ذلك فيما مضى فالآن ما بالهم؟ فإن كانت الطبيعة ورثته وولدته على الأصل الذي صنعه بهم أمهاتهم كان يجب أن الأعور الذي قلعت عينه أن يلد أعور وكذلك الأحدب وغير ذلك، وإنما ذكرت ما ذكر الناس.
قال البشاري: ومثل خوارزم في إقليم الشرق كسجلماسة في الغرب، وطباع أهل خوارزم مثل طبع البربر، وهي ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا، آخر كلامه، قلت: ويحيط بها رمال سيّالة يسكنها قوم من الأتراك والتركمان بمواشيهم، وهذه الرمال تنبت الغضا شبه الرمال التي دون ديار مصر، وكانت قصبتها قديما تسمى المنصورة، وكانت على الجانب الشرقي فأخذ الماء أكثر أرضها فانتقل أهلها إلى مقابلها من الغربي، وهي الجرجانية، وأهلها يسمونها كركانج، وحوّطوا على جيحون بالحطب الجزل والطرفاء يمنعونه من خراب منازلهم يستجدّونه في كل عام ويرمّون ما تشعث منه، وقرأت في كتاب ألفه أبو الريحان البيروني في أخبار خوارزم ذكر فيه أنّ خوارزم كانت تدعى قديما فيل، وذكر لذلك قصة نسيتها فإن وجدها واحد وسهل عليه أن يلحقها بهذا الموضع فعل مأذونا له في ذلك عنّي، قال محمد بن نصر بن عنين الدمشقي:
خوارزم عندي خير البلاد، ... فلا أقلعت سحبها المغدقه
فطوبى لوجه امرئ صبّحت ... هـ، أوجه فتيانها المشرقة
وما ان نقمت بها حالة، ... سوى أن أقامت بها مقلقه
وكان المؤذّن يقوم في سحرة من الليل يقارب نصفه فلا يزال يزعق إلى الفجر قامت، وقال الخطيب أبو المؤيد الموفّق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي يتشوّقها:
أأبكاك لمّا أن بكى في ربى نجد ... سحاب ضحوك البرق منتحب الرعد
له قطرات كاللآلئ في الثرى، ... ولي عبرات كالعقيق على خدّي
تلفّتّ منها نحو خوارزم والها ... حزينا، ولكن أين خوارزم من نجد؟
وقرأت في الرسالة التي كتبها أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة ذكر فيها ما شاهده منذ خرج من بغداد إلى أن عاد إليها فقال بعد وصوله إلى بخارى، قال: وانفصلنا من بخارى إلى خوارزم وانحدرنا من خوارزم إلى الجرجانية، وبينها وبين خوارزم في الماء خمسون فرسخا، قلت: هكذا قال ولا أدري أي شيء عنى بخوارزم لأن خوارزم هو اسم الإقليم بلا شك، ورأيت دراهم بخوارزم مزيفة ورصاصا وزيوفا وصفرا، ويسمون الدرهم طازجه، ووزنه أربعة دوانق ونصف، والصيرفي منهم يبيع الكعاب والدوامات والدراهم، وهم أوحش الناس كلاما وطبعا، وكلامهم أشبه بنقيق الضفادع، وهم يتبرؤون من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في دبر كل صلاة، فأقمنا بالجرجانية أياما وجمد جيحون من أوله إلى آخره، وكان سمك الجمد تسعة عشر شبرا، قال عبد الله الفقير: وهذا كذب منه، فإنّ أكثر ما يجمد خمسة أشبار وهذا يكون نادرا، فأما العادة فهو شبران أو ثلاثة، شاهدته وسألت عنه أهل تلك البلاد، ولعله
ظنّ أنّ النهر يجمد كلّه وليس الأمر كذلك، إنما يجمد أعلاه وأسفله جار، ويحفر أهل خوارزم في الجليد ويستخرجون منه الماء لشربهم، لا يتعدّى الثلاثة أشبار إلّا نادرا، قال: وكانت الخيل والبغال والحمير والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطريق، وهو ثابت لا يتحلحل، فأقام على ذلك ثلاثة أشهر فرأينا بلدا ما ظننا إلّا أنّ بابا من الزمهرير فتح علينا منه، ولا يسقط فيه الثلج إلّا ومعه ريح عاصف شديدة، قلت: وهذا أيضا كذب فإنه لولا ركود الهواء في الشتاء في بلادهم لما عاش فيها أحد، قال: وإذا أتحف الرجل من أهله صاحبه وأراد بره قال: تعال إليّ حتى نتحدّث فإن عندي نارا طيبة، هذا إذا بلغ في برّه وصلته، إلّا أنّ الله عز وجلّ قد لطف بهم في الحطب وأرخصه عليهم، حمل عجلة من حطب الطاغ وهو الغضا بدرهمين يكون وزنها ثلاثة آلاف رطل، قلت: وهذا أيضا كذب لأن العجلة أكثر ما تجرّ على ما اختبرته، وحملت قماشا لي عليها، ألف رطل لأن عجلتهم جميعها لا يجرها إلّا رأس واحد إما بقر أو حمار أو فرس، وأما رخص الحطب فيحتمل ان كان في زمانه بذلك الرخص، فأما وقت كوني بها فإن مائة من كان بثلث دينار ركنيّ، قال: ورسم سؤالهم أن لا يقف السائل على الباب بل يدخل إلى دار الواحد منهم فيقعد ساعة عند ناره يصطلي ثم يقول:
پكند، وهو الخبز، فإن أعطوه شيئا وإلّا خرج، قلت أنا: وهذا من رسمهم صحيح إلّا أنه في الرستاق دون المدينة شاهدت ذلك، ثم وصف شدة بردهم الذي أنا شاهدته من بردها أنّ طرقها تجمد في الوحول ثم يمشى عليها فيطير الغبار منها، فإن تغيّمت الدنيا ودفئت قليلا عادت وحولا تغوص فيها الدواب إلى ركبها، وقد كنت اجتهدت أن أكتب شيئا بها فما كان يمكنني لجمود الدواة حتى أقرّبها من النار وأذيبها، وكنت إذا وضعت الشربة على شفتي التصقت بها لجمودها على شفتي ولم تقاوم حرارة النفس الجماد، ومع هذا فهي لعمري بلاد طيبة وأهلها علماء فقهاء أذكياء أغنياء، والمعيشة بينهم موجودة وأسباب الرزق عندهم غير مفقودة، وأما الآن فقد بلغني أن التتر صنف من الترك وردوها سنة 618 وخرّبوها وقتلوا أهلها وتركوها تلولا، وما أظنّ أنه كان في الدنيا لمدينة خوارزم نظير في كثرة الخير وكبر المدينة وسعة الأهل والقرب من الخير وملازمة أسباب الشرائع والدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والذين ينسبون إليها من الأعلام والعلماء لا يحصون، منهم: داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي، رحل فسمع بدمشق الوليد بن مسلم وأبا الزرقاء عبد الله بن محمد الصغاني، وسمع بغيرها خلقا، منهم بقية بن الوليد وصالح بن عمرو وحسان بن إبراهيم الكرماني وأبو حفص عمر بن عبد الرحمن الأمار وغيرهم، روى عنه مسلم بن الحجاج وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وصالح بن محمد جزرة، روى البخاري عن محمد بن عبد الرحيم في كفّارات الأيمان، وقال البخاري:
مات في سنة 239، وآخر من روى عنه أبو القاسم البغوي.

السّكر

السّكر:
[في الانكليزية] Drunkenness ،intoxication
[ في الفرنسية] Ivresse

بالضم وسكون الكاف بمعنى: فقدان الوعي، ونبيذ التّمر وكلّ ما هو مسكر، كما في المنتخب. وقال العلماء: السّكر بمعنى مستى- فقدان الوعي- حالة تعرض للإنسان من امتلاء دماغه من الأبخرة المتصاعدة من الخمر وما يقوم مقامها إليه، فيتعطّل معه عقله المميّز بين الأمور الحسنة والقبيحة. قيل السّكر غفلة تعرض للإنسان مع الطّرب والنشاط وفتور الأعضاء من غير مرض ولا علّة بمباشرة ما يوجبها من المأكول والمشروب والمشموم. وقيل هو فتور يغلب على العقل من غير أن يزيله. وقيل هو معنى يزيل به العقل. وفي كشف الكبير:
قيل هو سرور يغلب على العقل بمباشرة بعض الأسباب الموجبة له، فيمنع الإنسان عن العمل بموجب عقله من غير أن يزيله، ولهذا بقي السّكران أهلا للخطاب انتهى. وقال أبو حنيفة:
السّكران هو الذي لا يعقل مطلقا قليلا ولا كثيرا، ولا الرجل من المرأة. وعندهما هو الذي يهذي ويختلط جدّه بهزله ولا يستقرّ على شيء في جواب وخطاب، وإليه مال أكثر المشايخ كما في الهداية. وفي فتاوى قاضي خان، قال أبو حنيفة: السّكران من لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة. وقال صاحباه إذا اختلط كلامه بالهذيان فهو سكران وعليه الفتوى. وفي الملتقط عن أبي يوسف هو الذي لا يستطيع أن يقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ كذا في البرجندي. أقول هذا الاختلاف إنّما هو في وجوب الحدّ بالسّكر في غير الخمر. يعني ما قال الإمام الأعظم في حدّ السّكر إنما هو في وجوب الحدّ عليه بالمسكر غير الخمر. أمّا في حدّ الحرمة فقوله مثل قولها. وأمّا في وجوب الحدّ بالخمر فلا يشترط السّكر بل يجب الحدّ بشرب القليل من الخمر ولو بقطرة، كما قال في شرح الوقاية: حدّ الشرب ثمانون سوطا بشرب الخمر ولو قطرة.
فمن أخذ بريح الخمر أو سكران زائل العقل بنبيذ إلى قوله يحد صاحبا. اعلم أنّ السكر عند أبي حنيفة في وجوب الحدّ بشرب الأشربة التي هي غير الخمر هو أن لا يعرف شيئا حتى الأرض من السماء؛ وفي حق الحرمة أن يهذو، وعندهما يهذو مطلقا أي في وجوب الحرمة والحدّ وإليه مال أكثر المشايخ. وعند الشافعي أن يظهر أثره في مشيه وحركاته وأطرافه. هذا خلاصة ما في شرح الوقاية.
والسّكر عند الصوفية دهش يلحق سرّ المحبّ في مشاهدة جمال المحبوب فجأة، لأنّ روحانية الإنسان التي هي جوهر العقل لمّا انجذبت إلى جمال المحبوب بعد شعاع العقل عن النفس وذهل الحسّ عن المحسوس، وألمّ بالباطن فرح ونشاط وهزّة وانبساط لتباعده عن عالم التفرقة، وأصاب السرّ دهش ووله وهيجان لتحيّر نظره في شهود جمال الحقّ. وتسمّى هذه الحالة سكرا لمشاركتها السّكر الظاهر في الأوصاف المذكورة إلّا أنّ السبب لاستتار نور العقل في السّكر المعنوي غلبة نور الشهود، وفي السّكر الظاهر غشيان ظلمة الطبيعة لأنّ النور كما يستتر بالظلمة كذلك يستتر بالنور الغالب كاستتار نور الكواكب بغلبة نور الشمس. وقلنا فجأة لأنّ صدمة نور الجمال في النظرة الأولى أكثر وفي النظرات بعدها تقلّ على التدريج لحصول الأنس بوصول الجنس، حتى إذا استقرّ نازل حال المشاهدة ونزل كل جزء من أجزاء الوجود إلى أصله عاد شعاع العقل إلى عالم النّفس والعقل وظهر التمييز بين المتفرّقات من المعقولات والمحسوسات. وتسمّى هذه الحالة صحّوا، نظيره في هذا العالم محبوب دخل على محبّه فجأة فأذهله عما فيه من الأمر بحيث غاب متحيّرا في مشاهدته عن العقل والتمييز فلمّا كرّر النظر إلى محاسنه وجماله واستأنس بلقائه ووصاله عاد التمييز والتبصير وزال الدهش والتحير. والسّكر حال شريف يعتور عليه صحوان: صحو قبله وهو تفرقة محضة ليس من الأحوال بشيء، وصحو بعده، ويسمّى الصحو الثاني وصحو الجمع والصحو بعد المحو، وهو حال يصير مقاما ويكون أعزّ من السّكر لاشتماله على الجمع والتفرقة، ولكونه لا ينال إلّا بعد العبور على ممر السّكر والجمع.
فالصحو الأول حضيض النقصان لإفادته إثبات الحدث. والسّكر معراج السالكين لإفادته محو الحدث. والصحو الثاني أوج الكمال لإفادته إثبات القدم وإفادة السّكر محو الحدث لأنه نتيجة مشاهدة جمال القدم، ونور القدم يزيل ظلمة الحدث، إلّا أنّ حال الشهود لا تدوم في البداية بل تلوح وتخفي سريعا كالبوارق فلا يزيل نوره ظلمة وجود السيّار بالكلية بل يزول تارة ويعود أخرى. ويتردد السائر بين الصّحو الأوّل المثبت للحدث والسّكر الماحي له، وتسمّى هذه الحالة تلوينا. فإذا استقرّ حال المشاهدة دام محو الحدث وإثبات القدم، وتسمّى هذه الحالة تمكينا لدوام الوجدان. وصاحب السّكر لا يدوم وجدانه بل يجد تارة ويفقد أخرى، ويكون مأسورا تحت تصرّف التلوين. ومناط تلوينه الوجود الذي هو مثار الصّحو الأوّل. والسالك لا يستغني عن السّكر ما لم يخلص عن الصّحو الأوّل، فإذا خلص إلى الصّحو الثاني صار غنيا عن السّكر.
اعلم أنّ السّكر الزائل في الصّحو الثاني هو الذي يظهر من مشاهدة جمال الصّفات، ولا تستقرّ من حال الشهود إلّا هذه. والسّكر الواقع في الصّحو الثاني هو الذي يظهر من مشاهدة جمال الذات فلا يزول لعدم استقرار حال شهود الذات، فإنّه لا تحصل لأحد منها في الدنيا إلّا لمحات يسيرة كقوله عليه السلام: «لي مع الله وقت» عبارة عنها وموطن استقرارها الآخرة، والرؤية الموجودة في الآخرة لأهلها هي هذه، والمقام المحمود لعله عبارة عنها، كذا في شرح القصيدة الفارضية.

البرج

(البرج) الْجَمِيل الْحسن الْوَجْه (ج) أبراج
البرج: بِالْفَتْح الْبيَاض أَو السوَاد الشَّديد وبالضم مَا هُوَ الْمَشْهُور. وَعند الْحُكَمَاء هُوَ الثَّانِي عشر من اثْنَي عشر قسما من أَقسَام منْطقَة الْفلك الثَّامِن أَعنِي فلك البروج الَّذِي فِيهِ الْكَوَاكِب الثابتات. وفوقه الْفلك التَّاسِع الْمُسَمّى بالفلك الأطلس لكَونه ساذجا عَن الْكَوَاكِب. ففلك البروج منقسمة بِتِلْكَ الْأَقْسَام من الْجنُوب إِلَى الشمَال. وآسامي البروج هَكَذَا: الْحمل - والثور - والجوزاء - والسرطان - والأسد - والسنبلة - وَالْمِيزَان - وَالْعَقْرَب - والقوس - والجدي - والدلو - والحوت. وآسامي البروج بالهندية هَكَذَا: ميش - ورشبه - متهن - كرك - سنهو - كنيا - تل - ورسجك - دهن - مكر - كنبه - مين. وَالتَّرْتِيب فِيهَا على تَرْتِيب الذّكر.
ثمَّ قسموا كل برج على ثَلَاثِينَ قسما وَسموا كل قسم مِنْهَا دَرَجَة ففلك البروج منقسم على ثَلَاث مائَة وَسِتِّينَ دَرَجَة. ثمَّ قسموا كل دَرَجَة على سِتِّينَ وَسموا كل قسم مِنْهَا دقيقة ثمَّ الدقيقة على سِتِّينَ وَسموا كل قسم مِنْهَا ثَانِيَة. وَقس عَلَيْهَا الثَّالِثَة إِلَى الْعَاشِرَة.
وَاعْلَم أَنهم أخذُوا أَسمَاء البروج من صور يخيلونها من وصل الخطوط بَين الْكَوَاكِب الثوابت. وَلِهَذَا قسموا فلك البروج أَي الْفلك الثَّامِن الَّذِي فِيهِ الثوابت بِتِلْكَ الْأَقْسَام وفلك الأفلاك أَعنِي الْفلك الأطلس الَّذِي هُوَ الْفلك التَّاسِع أَيْضا منقسم بِتِلْكَ الْأَقْسَام. فالقطعة مِنْهُ الْمُوازِية لقطعة من الْفلك الثَّامِن الْمُسَمّى بفلك البروج تكون حملا إِن كَانَت تِلْكَ الْقطعَة حملا وَقِيَاس الْبَوَاقِي عَلَيْهِ.
ثمَّ اعْلَم أَن ثَلَاثَة بروج من تِلْكَ البروج ربيعية وَهِي الْحمل - والثور - والجوزاء - وَثَلَاثَة صيفية وَهِي السرطان - والأسد - والسنبلة. وَهَذِه البروج السِّتَّة شمالية. وَثَلَاثَة خريفية وَهِي الْمِيزَان - وَالْعَقْرَب - والقوس. وَثَلَاثَة شتوية وَهِي الجدي - والدلو - والحوت - وَهَذِه السِّتَّة جنوبية. يَعْنِي كَون الشَّمْس - فِي الجدي - والدلو - والحوت - سَبَب عادي لحُصُول الشتَاء فَهَذِهِ البروج الثَّلَاثَة شتوية. وَقس عَلَيْهِ الْبَوَاقِي.
البرج:
[في الانكليزية] Tower ،constallation ،zodiac
[ في الفرنسية] Tour ،constallation ،signes du zodiaque
بالضم وسكون الراء المهملة في اللغة القصر والحصن. وعند أهل الجفر اسم لسطر التكسير، ويسمّى أيضا بالزمام والاسم والحصة.
وعند أهل الهيئة قسم من فلك البروج محصور بين نصفي دائرتين من الدوائر السّتّ العظام المتوهّمة على فلك البروج المتقاطعة على قطبيه على ما يجيء في بيان دائرة البروج. وجميع البروج اثنا عشر، فالبرج نصف سدس فلك البروج. وأسماؤها هذه الحمل والثور والجوزاء، وتسمّى هذه بروجا ربيعية. والسرطان والأسد والسنبلة، وتسمّى هذه بروجا صيفية، وهذه الستة تسمّى بروجا شمالية وعالية.
والميزان والعقرب والقوس، وتسمّى هذه بروجا خريفية. والجدي والدلو والحوت وتسمّى هذه بروجا شتوية، وهذه الستة تسمّى بروجا جنوبية ومنخفضة، من أول الجدي إلى آخر الجوزاء صاعدة ومعوجّة الطلوع، ومن أول السرطان إلى آخر القوس مستقيمة الطلوع وهابطة ومطيعة وآمرة. وبعضهم نظمه بالفارسية:
مثل الحمل ومثل الثّور ومثل الجوزاء والسرطان والأسد السنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدّلو والحوت
ثمّ هذا الترتيب يسمّى التوالي وهو من المغرب إلى المشرق وعكس ذلك، أي من المشرق إلى المغرب يسمّى خلاف التوالي. ثم الأول من كلّ واحد من البروج الربيعية والصيفية والخريفية والشتوية يسمّى بالبرج المنقلب لأنه إذا حلّت الشمس فيه انقلب الفصل بالفصل الآخر. والثاني من كلّ واحد منها يسمّى برجا ثابتا. والثالث من كل منها يسمّى برجا ذا جسدين لكون الهواء ممتزجا من هواء فصلين إذا حلّت الشمس فيه، وعلى هذا القياس وجه تسمية الثابت بالثابت.
ثم اعلم أنّ كل قطعة من منطقة البروج واقعة بين نصفي دائرتين على شكل حزات البطيخ كما تسمّى برجا كما عرفت. كذلك القطع الواقعة من سطح الفلك الأعلى بين أنصاف تلك الدوائر تسمّى برجا. فطول كل برج فيما بين المغرب والمشرق ثلاثون درجة.
وعرضه ما بين القطبين ثمانون درجة. توضيحه أنه إذا فرضت هذه الدوائر السّت قاطعة لكرة العالم في السطوح الموهومة لها تنقسم الأفلاك الممثلة والفلك الأعظم أيضا باثني عشر برجا.
فالبروج معتبرة في هذه الأفلاك بأسرها.
والأولى اعتبارها على السطح الأعلى أو الأدنى من الفلك الأعظم لتسهل مقايسة حركات الثوابت أيضا إلى البروج وتصوّر انتقالها من برج إلى برج، ولذا قد يسمّى الفلك الأعظم بفلك البروج أيضا وكأنها إنما اعتبرت أولا في الثامن لتتمايز الأقسام بالكواكب التي فيها، إذ أسماء البروج مأخوذة من صور توهّمت من كواكب وقعت فيها. ثم اعتبرت أقسام الفلك الأعظم الواقعة بإزاء الثامن وسميت بصور الكواكب المحاذية لها، فإذا خرجت تلك الصورة عن المحاذاة جاز أن تتغير أسماؤها، وإن كان الأولى أن لا تتغير لئلّا يقع خبط في أحوال البروج بسبب التباس اسمائها. واعلم أيضا أن أصحاب العمل اعتبروا أيضا في الخارج المراكز والحوامل والتداوير. والبروج والدرجات والدقائق والثواني والثوالث وغير ذلك من الأجزاء، فإنهم قسّموا محيط كل دائرة بثلاثمائة وستين قسما متساوية، وسمّوا كلّ قسم واحد درجة، وكل ثلاثين منها برجا. هذا كله خلاصة ما حققه السيّد السّند في شرح المواقف وشرح الملخص والفاضل عبد العلي البرجندي في تصانيفه.

الإقليم

(الإقليم)
جُزْء من الأَرْض تَجْتَمِع فِيهِ صِفَات طبيعية أَو اجتماعية تَجْعَلهُ وحدة خَاصَّة (مَعَ)
(الإقليم) عِنْد القدماء وَاحِد الأقاليم السَّبْعَة وَهِي أَقسَام الأَرْض وبلاد تسمى باسم خَاص كإقليم الْهِنْد وإقليم الْيمن ومنطقة من مناطق الأَرْض تكَاد تتحد فِيهَا الْأَحْوَال المناخية وَالنّظم الاجتماعية كالإقليم الشمالي والإقليم الجنوبي
الإقليم:
[في الانكليزية] Zone ،region
[ في الفرنسية] Zone ،region
بكسر الهمزة كشور، الأقاليم الجمع- وجمعه أقاليم- كما في المهذب. وفي كنز اللّغات: الإقليم هو قطعة من الأرض. اعلم أن أهل الهيئة قسّموا الأرض إلى أربعة أقسام متساوية، وسموا واحدا من تلك الأقسام بالربع المسكون والربع المعمور، وذلك أنهم فرضوا على سطح الأرض دائرتين، إحداهما هي المسمّاة بخط الإستواء وهي تقطع الأرض بنصفين شمالي وجنوبي. فالشمالي ما كان في جهة القطب الذي يلي بنات النعش، والجنوبي ما يقابله. وثانيتهما هي التي تمر بقطبي خط الإستواء، وهي تنصف كلّ واحد من نصفيه المذكورين، فتصير كرة الأرض بتقاطعي الدائرتين المذكورتين أرباعا، ربعان شماليان وربعان جنوبيان، والمعمور منها أحد الربعين الشماليين وهو المسمّى بالربع المسكون، والعمارة ليست واقعة في تمامه بل في بعضه وسائر الأرباع الثلاثة لا يعلم حالها في العمارة على التحقيق. قيل في تعين الربع المعمور تعذر أو تعسر لأنه لو قيل هو الفوقاني من الشماليين كما قيل لورد أن كلا منهما فوقاني بالنسبة إلى من هو عليه، ولو قيل هو الربع الذي كثر فيه العمارات لكان دورا مع أن قلة العمارة في الربع الآخر مشكوك فيه. ثم إنّ عرض المعمور أي بعده عن خط الإستواء ست وستون درجة، وطوله نصف الدور أي مائة وثمانون درجة، وابتداء الطول عند اليونانيين من المغرب لأنه أقرب إليهم، وعند أهل الهند من المشرق لذلك وسيأتي في لفظ الطول.
ثم إنهم قسموا المعمور سبع قطاع دقيقة مستطيلة على موازاة خط الإستواء ليكون كل قسم منها تحت مدار واحد حكما، فيتشابه أحوال البقاع الواقعة في ذلك القسم، وسمّوا تلك الأقسام بالأقاليم. فابتداء الإقليم الأول من خط الإستواء لأنه متعيّن لذلك طبعا والنهار هناك أبدا اثنتا عشرة ساعة ولا عرض هناك.
وعند بعضهم ابتداء الإقليم الأول من حيث يكون النهار الأطول من السنة اثنتي عشرة ساعة وخمسا وأربعين دقيقة من دقائق الساعات، ويكون العرض هناك اثنتي عشرة درجة وأربعين دقيقة. وإنما جعلوه مبدأ إذ من هنا إلى خط الإستواء عمارات متفرقة لا اعتبار لها ووسط الإقليم الأول باتفاق الطائفتين حيث يكون النهار الأطول من السنة ثلاث عشرة ساعة ويكون العرض ست عشرة درجة ونصف درجة وثمنها.
وابتداء الإقليم الثاني وهو آخر الإقليم الأول حيث يكون النهار الأطول ثلاث عشرة وربع ساعة ويكون العرض عشرين درجة وسبعا وعشرين دقيقة، ووسط الإقليم الثاني حيث يكون النهار الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة ويكون العرض أربعا وعشرين درجة وأربعين دقيقة. وابتداء الإقليم الثالث حيث يكون النهار الأطول ثلاث عشرة ساعة وثلاثة أرباع ساعة، ويكون العرض سبعا وعشرين درجة ونصف درجة، ووسطه حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة والعرض ثلاثين درجة وأربعين دقيقة، ومبدأ الرابع حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة وربعا والعرض ثلاثة وثلاثين درجة وسبعا وثلاثين دقيقة، ووسطه حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة ونصفا، والعرض ستا وثلاثين درجة واثنتين وعشرين دقيقة. ومبدأ الخامس حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة وثلاثة أرباع ساعة، والعرض ثمانيا وثلاثين درجة وأربعا وخمسين دقيقة، ووسطه حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة والعرض إحدى وأربعين درجة وخمس عشرة دقيقة. ومبدأ السادس حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة وربعا والعرض ثلاثا وأربعين درجة وثلاثا وعشرين دقيقة، ووسطه حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة ونصفا والعرض خمسا وأربعين درجة وإحدى وعشرين دقيقة.
ومبدأ السابع حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة وثلاثة أرباع، والعرض سبعا وأربعين درجة واثنتي عشرة دقيقة، ووسطه حيث يكون النهار الأطول ست عشرة ساعة والعرض ثمانيا وأربعين درجة واثنتين وخمسين دقيقة، وآخره عند البعض آخر العمارة، وعند البعض حيث يكون النهار ست عشرة ساعة وربعا والعرض ثلاثا وخمسين درجة، هكذا في الملخص وشروحه.

قصص

(قصص) : أَقَصَّ هذا البَعِيرُ هُزَالاً، وهو الَّذي لا يَسْتَطِيعُ أن يَنْبَعِثَ، وقد كرَبَ.
ق ص ص

قصّ الشّعر والريش وقصّصه، وجناح مقصوص ومقصّصٌ. وقصّ شاربك. وعنده مقص جيد ومقاص جياد. وشجّه قصاص شعره وعلى قصاص شعره وهو منتهاه من مقدّم الرأس، وقيل: حوالي الرأس، ورمى بقصاصة شعره وهي ما أخذ المقصّ. وأخذ بقصّته: بناصيته، وكلّ خصلة من الشعر: قصةٌ. وقصصت أثره، وقصصته: اتبعته قصصاً " وقالت لأخته قصّيه " واقتصصته وتقصّصته، وخرجت في أثر فلان قصصاً " فارتدا على آثارهما قصصاً " وهو يقرو مقصّه: يتّبع اثره. ووجب عليه القصاص. واقتصّ منه، وأقصّه الأمير منه: أقاده، واستقصّه: سأله أن يقصّه منه. وقصّ عليه الحديث والرؤيا، واقتصّه. وتقصّصت كلام فلان، وله قصّة عجيبة، وقصص حسن، وقصيصة وقصص وقصائص وأقاصيص. قال هدبة بن خشرم:

فقصوا عليه ذنبنا وتجاوزوا ... ذنوبهم عند القصيصة والأثر

أي عند القصّة والحكاية. ورفع قصّته إلى السلطان. والقصّاص يقصّون على الناس ما يرقّ قلوبهم. " وهو ألزم لك من شعرات قصّك " وقصصك وهو الصدر. ونهي عن تقصيص القبور. ولا تغتسلي حتى تري القصّة البيضاء. والقصّ: الجصّ.

ومن المجاز: عضّ بقصاص كتفيه وهو منتهاهما حيث التقيا. وقاصصته بما كان لي قبله أي حبست عنه مثل ذلك. وتقاصّوا: قاصّ كل واحد منهم صاحبه في الحساب وغيره، مأخوذ من مقاصّة وليّ المقتول القاتل.
(ق ص ص) : (الْقَصُّ) الْقَطْعُ (وَقُصَاصُ) الشَّعْرِ مَقْطَعُهُ وَمُنْتَهَى مَنْبَتِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ أَوْ حَوَالَيْهِ وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ فِي الضَّمِّ وَالْقُصَّةُ) بِالضَّمِّ الطُّرَّةُ وَهِيَ النَّاصِيَةُ تُقَصُّ حِذَاءَ الْجَبْهَةِ وَقِيلَ كُلُّ خُصْلَةٌ مِنْ الشَّعْرِ وَقَوْلُهُ يَجْعَل شَعْرَهُ (قُصَّةً) كَمَا يَجْعَلُ أَهْلُ الذِّمَّةِ (وَمِنْهُ) الْقِصَاصُ وَهُوَ مُقَاصَّة وَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلَ وَالْمَجْرُوحِ الْجَارِحَ وَهِيَ مُسَاوَاتُهُ إيَّاهُ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ ثُمَّ عَمَّ فِي كُلِّ مُسَاوَاةٍ (وَمِنْهُ) تَقَاصُّوا إذَا قَاصَّ كُلٌّ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي الْحِسَابِ فَحَبَسَ عَنْهُ مِثْل مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ نَهَى عَنْ (تَقْصِيصِ الْقُبُورِ) أَيْ عَنْ تَجْصِيصِهَا مِنْ الْقَصَّةِ بِالْفَتْحِ وَهِيَ الْجَصَّةُ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِلنِّسَاءِ لَا تَغْتَسِلَنَّ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنْ تَخْرُجَ الْقُطْنَةُ أَوْ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَحْتَشِي بِهَا الْمَرْأَةُ كَأَنَّهَا قَصَّةٌ لَا تُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ وَلَا تَرِيَّةٌ وَقِيلَ إنَّ (الْقَصَّةَ) شَيْءٌ كَالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ يَخْرُجُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ كُلِّهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ انْتِفَاءُ اللَّوْنِ وَأَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ أَلْبَتَّةَ فَضَرَبَتْ رُؤْيَةَ الْقَصَّةِ مَثَلًا لِذَلِكَ لِأَنَّ رَائِي الْقَصَّةِ غَيْرُ رَاءٍ شَيْئًا مِنْ سَائِرِ أَلْوَانِ الْحَيْضِ.

قصص


قَصَّ(n. ac. قَصّ)
a. Cut, clipped, sheared; pared (nails).
b.(n. ac. قَصَص) [acc. & 'Ala], Related, told, communicated, announced to;
explained to
c.(n. ac. قَصّ
قَصَص), Followed, tracked, traced.
d.(n. ac. قَصّ) ['Ala], Approached, drew near to (death).
e. Was gravid, big with young (female).

قَصَّصَa. Plastered (wall).
b. see I (a)
قَاْصَصَa. Retaliated, revenged himself upon, requited, repaid;
was even, quits with.
b. Punished, chastised, corrected.
c. Settled accounts, reckoned with.

أَقْصَصَ
a. [acc. & Min], Retaliated for, avenged upon.
b. [La & Min], Authorized, permitted to retaliate upon.
c. [acc.
amp; 'Ala ], Brought near to (
death ).
d. Was weak, feeble.
e. see I (d) (e).
تَقَصَّصَa. see I (c)b. Remembered, retained.
c. see VIII (a)
تَقَاْصَصَa. Requited one another; settled accounts
together.

إِنْقَصَصَa. see VIII (a)
إِقْتَصَصَa. Was cut, clipped.
b. Related, repeated, told accurately, with
exactness.
c. [Min], Requited, retaliated upon.
d. see I (c)e. [acc.
or
La & Min]
see IV (b)f. see X (a)
إِسْتَقْصَصَa. Asked to retaliate, to take vengeance.
b. Asked to tell.

قَصّa. Cutting, clipping, paring.
b. (pl.
قِصَاْص), Breast, chest; sternum.
c. Gypsum, plaster.

قَصَّةa. see 1 (c)
قِصّa. see 1 (c)
قِصَّة
(pl.
قِصَص أَقَاْصِيْصُ)
a. Tale, story, narrative.
b. Memoir, record.
c. Affair, case.
d. see 1 (c)
قُصَّة
(pl.
قُصَص
قِصَاْص
23)
a. Front hair; forelock.

قَصَصa. see 1 (a) (b) &
قِصَّة
(a).
مَقْصَص
(pl.
مَقَاْصِصُ)
a. Place of growth ( of the hair ).

مِقْصَص
(pl.
مَقَاْصِصُ)
a. Scissors.
قَاْصِص
(pl.
قُصَّاْص)
a. Relater, storyteller.

قَصَاْصa. see 24 (a) (b).
c. A certain plant of which bees are fond.

قِصَاْصa. Reprisal, requital, retaliation; correction
punishment, chastisement.
b. see 24
قُصَاْصa. Nape of the neck.
b. Chest, sternum.

قُصَاْصَةa. Cuttings, clippings, parings.

قَصِيْصa. see N. P.
قَصڤصَ
قَصِيْصَةa. A species of plant.

قَصَّاْصa. see 21
N. P.
قَصڤصَa. Cut, clipped, shorn.

N. P.
قَصَّصَa. see N. P.
قَصڤصَb. Plastered with gypsum.
ق ص ص : قَصَصْتُهُ قَصًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ قَطَعْتُهُ وَقَصَّيْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ وَالْأَصْلُ قَصَّصْتُهُ فَاجْتَمَعَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالٍ فَأُبْدِلَ مِنْ إحْدَاهَا يَاءٌ لِلتَّخْفِيفِ وَقِيلَ قَصَّيْتُ الظُّفْرَ وَنَحْوَهُ وَهُوَ الْقَلْمُ وَقَصَصْتُ الْخَبَرَ قَصًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْضًا حَدَّثْتُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَالِاسْمُ الْقَصَصُ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَصَصْتُ الْأَثَرَ تَتَبَّعْتُهُ وَقَاصَصْتُهُ مُقَاصَّةً وَقِصَاصًا مِنْ بَابِ قَاتَلَ إذَا كَانَ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْكَ فَجَعَلْتَ الدَّيْنَ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ اقْتِصَاصِ الْأَثَرِ ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْقِصَاصِ فِي قَتْلِ الْقَاتِلِ وَجُرْحِ الْجَارِحِ وَقَطْعِ الْقَاطِعِ
وَيَجِبُ إدْغَامُ الْفِعْلِ وَالْمَصْدَرِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ يُقَالُ قَاصَّهُ مُقَاصَّةً مِثْلُ سَارَّهُ مُسَارَّةً وَحَاجَّهُ مُحَاجَّةً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَقَصَّ السُّلْطَانُ فُلَانًا إقْصَاصًا قَتَلَهُ قَوَدًا وَأَقَصَّهُ مِنْ فُلَانٍ جَرَحَهُ مِثْلُ جَرْحِهِ وَاسْتَقَصَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يُقِصَّهُ.

وَالْقِصَّةُ الشَّأْنُ وَالْأَمْرُ يُقَالُ مَا قِصَّتُكَ أَيْ مَا شَأْنُكَ وَالْجَمْعُ قِصَصٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ وَالْقُصَّةُ بِالضَّمِّ الطُّرَّةُ وَهِيَ النَّاصِيَةُ تُقَصُّ حِذَاءَ الْجَبْهَةِ وَالْجَمْعُ قُصَصٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ وَالْقَصَّةُ بِالْفَتْحِ الْجِصُّ بِلُغَةِ الْحِجَازِ قَالَهُ فِي الْبَارِعِ وَالْفَارَابِيُّ وَجَاءَ عَلَى التَّشْبِيهِ «لَا تَغْتَسِلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنْ تَخْرُجَ الْقُطْنَةُ أَوْ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَحْتَشِي بِهَا الْمَرْأَةُ كَأَنَّهَا قَصَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ النَّقَاءُ مِنْ أَثَرِ الدَّمِ وَرُؤْيَةِ الْقَصَّةِ مَثَلٌ لِذَلِكَ. 
[قصص] قَصَّ أثرَه، أي تتبَّعه. قال الله تعالى: {فارتدا على آثارِهما قَصَصاً} . وكذلك اقْتَصَّ أثرَه، وتَقَصَّصَ أثرَه. والقِصَّةُ: الأمرُ والحديث. وقد اقْتَصَصْتُ الحديث: رويته على وجهه. وقد قَصَّ عليه الخبرَ قَصَصاً. والاسمُ أيضاً القَصَصُ بالفتح، وُضِعَ موضع المصدر حتَّى صار أغلبَ عليه. والقِصَصُ، بكسر القاف: جمع القصة التى تكتب. والقصاص: القَوَدُ. وقد أقَصَّ الأميرُ فلاناً من فلان، إذا اقْتَصَّ له منه فجرحه مثل جرحه، أو قتَلَه قَوَداً. واسْتَقَصَّهُ : سأله أن يُقِصَّهُ منه. وتَقاصَّ القومُ، إذا قاصَّ كلُّ واحدٍ منهم صاحبَه في حسابٍ أو غيره. ويقال: ضربه حتَّى أقَصَّهُ من الموت، أي أدناه منه. وقال الفراء: قَصَّهُ الموتُ وأقَصَّهُ بمعنًى، أي دنا منه. وكان يقول: ضربه حتَّى أقَصَّهُ الموت. وقَصَصْتُ الشَعرَ: قطعته. وطائرٌ مَقْصوصُ الجناح. والمِقَصُّ: المقراضُ، وهما مِقَصَّانِ. قال الأصمعي: قُصاصُ الشَعْرِ حيث تنتهي نبتَتُهُ من مقدّمه ومؤخّره. وفيه ثلاث لغاتٍ: قُصاصُ وقَصاصٌ وقِصاصٌ، والضم أعلى. قال ابن السكيت: القَصيصَةُ: نبتٌ يخرج إلى جانبه الكمأةُ، والجمع قَصيصٌ. وقد أقَصَّتِ الأرضُ، أي أنبتته. ويقال أيضاً: أقَصَّتِ الشاة والفرس استبان حملهما، فهى مقص من خيل مقاص، عن الاصمعي . والقصيصة من الإبل: الزاملةُ يُحْمَلُ عليها الطعامُ والمتاعُ لضعفها. والقَصُّ: رأس الصدر، يقال له بالفارسية " سَرْسينَه ". وكذلك القَصَصُ للشاة وغيرها. ومنه قولهم: هو ألْزَمُ لك من شُعَيْراتِ قَصِّكَ . والقَصَّةُ: الجِصُّ، لغةٌ حجازيةٌ. وقد قَصَّصَ دارَهُ، أي جصصها. وفى الحديث: " الحائض لا تغتسل حتى ترى القصة البيضاء "، أي حتى تخرج القطنة أو الخرقة التى تحتشى بها كأنها قصة لا يخالطها صفرة ولا ترية . والقصة بالضم: شعر الناصية. وقال يصف فرسا له قصة فشغت حاجبي‍ * هـ والعين تبصر ما في الظلم * ورجل قصقصة بالضم، أي قصيرٌ غليظٌ مع شدَّة. وجملٌ قُصاقِصٌ، أي عظيمٌ، وأسدٌ قَصاقِصُ بالفتح، وهو نعتٌ له في صوته. وحَيَّةٌ قَصاقِصُ أيضاً، وهو نعت لها في خبثها.
(قصص) - في الحديث: "أتاني آتٍ فقَدَّ مِن قَصِّي إلى شِعْرَتي "
القَصُّ والقَصَصُ: عَظْمُ الصَّدْرِ؛ وهو المُشَاشُ المَغْروزُ فيه شَراسِيفُ الأَضْلاعِ في وَسَطِ الصَّدْرِ.
ومنه حديث عَطَاء: "أنّه كَرِهَ أَن تُذْبَحَ الشَّاةُ من قَصِّهَا" والجمع قُصُوصٌ وأقصَاصٌ .
- وفي حديث جابر - رضي الله عنه: "أنَّ النّبي- صلّى الله عليه وسلّم - كان يَسْجُدُ على قَصاصِ الشَّعْرِ"
وهو مُنتَهى شَعْر الرَّأْسِ, حيث يُؤخَذ بالجَلَم .
وقيل: مُنتَهى مَنْبتِه مِن مُقدَّمه؛ وتُفْتَح القَافُ وتُكْسَر.
وقُصَاصُ الوَركَيْن: مُلْتقَاهما مِن مُؤَخّرهما.
وقُصَاصُ الكَتِفَين: مُلْتقَاهما، كأنّه مِن قُصاصِ الشَّعر، ومِن اقْتِصاصِ الأَثَرِ واقْتِصاصِ الحديثِ.
- وفي الحديث: "فجاء واقْتصَّ أثَرَ الدَّم "
قال الأَصمعِيُّ: خَرجَ فُلانٌ قَصَصًا في أَثَر فُلانٍ وقَصًّا؛ إذَا اقْتصَّ أثَرَه. - في حديث الرُّؤْيا: "لا تَقُصَّها إلَّا على وادٍّ "
يقال: قَصَصْتُ الرُّؤْيا على فُلانٍ: أخْبَرْتُه بها
قال الله - عَزَّ وجَلَّ -: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ}
- وفي حديث ابنِ سِيرين: "كَرِهَ أن يَرفَع قِصَّةً لا يَعْلَم ما فِيهَا"
وهي كِتَاب يُخِبرُ فيه عن حالِه، وما في ضَمِيره، وهي فَعَلَة من القَصَصِ. وقد يُفسَّرُ بالأمر والحديث.
- في الحديث : "لا يَقُصُّ على النّاس إلَّا أَمِيرٌ أو مَأْمُورٌ أَو مُرَاءٍ" ورُوِى: "أو مُخْتال" بَدَل "المُرائِي".
وألفاظُ هذا الحديث مَشْهُورةٌ إلَا أنّها تحتاج إلى معنى؛ وهو أَنه لا يَنْبَغي ذلك إلَّا لِأميرِ يَعِظُ الناسَ ويُخْبِرهم بما مَضى ليَعْتَبِرُوا، أَو مأمُور بذلك يكون مذَهَبُه مَذهبَ الأَمير، ولا يَقُصُّ تَكَسُّبًا، أو مُختالٌ يَفْعَل ذلك تَكَبُّراً على الناسِ، وطَلباً للرِّياء، فهو مُخْتالٌ يُرَائِي بعَمله وقَولِه، لا يكون وعْظُه وكلامُه حقيقة.
وقال ابن سُرَيْج: هذا في الخُطبة كان الأمراءُ يَلُونَ الخُطبةَ فَيعِظون الناسَ فيها. وقيل: إنّ المتكلّمين على النّاس ثلاثةُ أَصْنَافٍ: مُذَكِّرٌ وواعِظٌ وقاصٌّ؛ فالمذكِّرُ: الذي يُذكِّر الناسَ آلاءَ الله تعالى ولقاءَه؛ يَبعثُهم على الشكْر له.
والواعِظُ: يُخوِّفُهم بالله - عزّ وجلّ - ويُنذِرُهم عقوبَتَهُ، فيردَعُهم عن المعاصي.
والقاصُّ: هو الذي يَروِي لهم أخبارَ الماضِن، وَيسْرُدُ عليهم القَصَصَ، فلا يَأْمَنُ أن يزيدَ أو ينقُصَ
- فلهذا جاء في الحديث الآخر: "القاصُّ يَنتَظِرُ المَقْتَ ".
والآخران: مَأمُونٌ عليهما ذلك.
ذكر بعضُهم: ولا يُفتى الناسَ إلاَّ كذَا وكَذَا.
- وفي الحديث: "أَنَّ بَني إسرائيل لمَّا قَصُّوا هَلَكُوا" وروي: "لَمَّا هَلَكُوا قَصُّوا"
: أي اتَّكلُوا على الكَلام والقِصَصِ، وتركُوا العَملَ، فكان ذلك سَببَ هَلاكِهم .
- في حديث عُمَر: "أقِصَّ منه بعِشْرين"
: أي اجْعل شِدَّة الضربِ الذي ضربْتَه قِصاصاً بالعِشْرِين البَاقِية وعِوَضًا عنها 
[قصص] نه: فيه: «لا تقصها» إلا على واد، من قصصت الرؤيا عليه - إذا أخبرته أقصها قصًّا، والقص: البيان، والقصص: بالفتح الاسم، وبالكسر جمع قصة، ص من يأتي بالقصة على وجهها كأنه يتتبع معانيها وألفاظها. ومنه ح: «لا يقص» إلا أمير أو مأمور أو مختال، أي لا ينبغي ذلك إلا لأمير يعظ الناس ويخبرهم بما مضى ليعتبروا به، وأما مأمور به فحكمه حكم الأمير ولا يقص تكسبًا، أو يكون القاص مختالًا يفعل ذلك تكبرًا على الناس، أو مرائيًا يرائي الناس بقوله وعمله لا يكون وعظه وكلامه حقيقة، وقيل: أراد الخطبة لن الأمراء كانوا يلونها في الأول ويعظون الناس فيها ويقصون عليهم أخبار الأمم السالفة. مف: القصص التحدث بالقصص ويستعمل في الوعظ، يريد من يعظهم إما أمير أو مأموره ويجوز لهما الوعظ، وإما مختال يعظ لطلب الرئاسة والتكبر، قيل: هذا في الخطبة فإن الأمر فيها إلى الأمراء وإلى من يتولاها من قبلهم. ط: قلت: وكل من وعظ وقص داخل في غمارهم، وأمره موكول إلى الولاة، قوله: لا يقص، خبر لا نهي، أي لا يصدر هذا الفعل إلا عن هؤلاء الثلاثة، وقد علم أن الاقتصاص مندوب إليه، فيجب تخصيصه بالأمير والمأمور دون المختال، وهذا كما يقال عند رؤية الأمر الخطير: لا يخوض فيه إلا حكيم عارف بكيفية الورود أو جاهل لا يدري كيف يدخل ويخرج فيهلك. ك: لا يسجد سجود «القاص»، أي الذي يقرأ القصص والأخبار والمواعظ، لكونه غير قاصد للتلاوة. ش: و «قاص» يقرأ، أي يقص الأخبار بقراءة القرآن، وتكدى فاسترجع - أي قال: إنا لله، لما ابتلى بهذه المصيبة، لأنها من أمارات القيامة. نه: ومنه ح: «القاص» ينتظر المقت لما يعرض في قصصه من الزيادة والنقصان. وح: إن بني إسرائيل لما «قصوا»عنها. ك: «فيتقاصون» هذا التقاص لمن لا يستغرق مظالمهم جميع حسناتهم، لأنه لو استغرقت جميعها لكانوا أهل النار، ولا يقال فيهم: خلصوا من النار، والتفاعل لا يكون إلا بين اثنين، وكان لكل منهما مظلمة على أخيه ولم يكن في شيء منها ما يستحق عليه النار فيتقاصون الحسنات لا السيئات، فمن كانت مظلمته أكثر من مظلمة أخيه أخذ من حسناته فيدخلون الجنة ويعطون المنازل فيها على قدر ما بقي كل من الحسنات، فلهذا يتقاصون بعد خلاصهم من النار؛ قال المهلب: هذه المقاصة إنما تكون في مظالم الأبدان من اللطمة وشبهها مما الظالم فيها ملي لأداء القصاص فيه بحضور بدنه، وقيل: القصاص في العرض والمال قد يكون بالحسنات والسيئات، فيزاد في حسنات المظلوم وسيئات الظالم وماله وفاء له. ن: «القصاص القصاص» - بالنصب، أي ادوهما. وح: والله «لا تقتص»، ليس برد لحكمه بل رغبة في العفو، وحلف ثقة بأنهم لا يحنثوه. ج: فليرفعه إلى «أقصه» منه، أي أخذ منه القصاص بما فعل به. ولك قرنان أو «قصتان»، هو بالضم شعر الناصية. ط «قص» الشارب، قطعه، ويستحب أن يبدأ بالأيمن ولو ولي غيره بقصه جاز من غير هتك مروة ولا حرمة بخلاف الإبط والعانة، والمختار قصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله، ومعنى: أحفوا الشوارب - أحفوا ما طال على الشفتين، ويحصل نتف الإبط بالحلق والنورة، وذهب بعضهم بظاهر ح: أحفوا، إلى استئصاله وحلقه، وهو قول الكوفيين وأهل الظاهر، ومنعه أخرون ورآه مثلة، وندب بعض الحنفيين توفير الشارب للغازي في دار الحرب لإرهاب العدو - ومر في أحفوا وسبالة - في س.
قصص
قَصَّ قَصَصْتُ، يَقُصّ، اقْصُصْ/ قُصَّ، قَصًّا، فهو قاصّ، والمفعول مَقْصوص
• قَصَّ الشَّعْرَ ونحوَه: قصّره، قطعه بالمقصّ "قَصَصْتُ الثوبَ/ القماشَ- قصّ أظافرَه" ° قَصَّ أظافرَ المجرم: ردَعَه- قَصَّ جناح فلان: أضعفه- قصَّ ما بينهما: قطع الصِّلة بينهما- مقصوص الجناح: ذليل، عاجز، قصير الباع.
• قَصَّ القصَّةَ على أصدقائه: حكاها، رواها لهم، أخبرهم بها "قصّ عليه الرُّؤيا: أخبره بها- {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ".
• قصَّ أَثَرَ فلانٍ: راقبه، تتبّع أثَره " {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِِ} ". 

أقصَّ/ أقصَّ من يُقِصّ، أقْصِصْ/ أقِصَّ، إقصاصًا، فهو مُقِصّ، والمفعول مُقَصٌّ
• أقصَّه الحاكمُ: مكَّنه من أخذ القصاص.
• أقصَّ الشَّخصُ من نفسه: مكّن غيرَه من الاقتصاص منه.
• أقصَّ من غريمه: تمكَّن من الاقتصاص منه. 

اقتصَّ/ اقتصَّ من يقتصّ، اقْتَصِصْ/ اقْتَصَّ، اقْتِصاصًا، فهو مُقتَصّ، والمفعول مُقتَصّ
• اقتصَّ الأَثَر: قصّه، تتبّعه.
• اقتصَّ من عَدُوِّه: فَعَل بعدُوِّه مثل ما فَعل به، أخذ منه القصاص. 

تقاصَّ يتقاصّ، تَقاصَصْ/ تَقاصَّ، تقاصًّا، فهو مُتقاصّ
• تقاصَّ القومُ: قاصّ كلُّ واحدٍ منهم صاحبَه في حساب أو غيره، جعل كلُّ واحد منهم حسابَه في مقابل حساب الآخر. 

تقصَّصَ يتقصَّص، تقصُّصًا، فهو مُتقصِّص، والمفعول مُتَقَصَّص
• تقصَّصَ الشَّخصُ أثرَهُ: قصَّه، تتبَّعَهُ "تقصَّص الشُّرْطِيّ أثرَ المُجْرِم". 

قاصَّ يُقاصّ، قاصِصْ/ قاصَّ، مُقاصَّةً وقِصاصًا، فهو مُقاصّ، والمفعول مُقاصّ
• قاصَّ الدائنُ مَدينَه: جعل ديْنَه في مقابل ديْنِ الآخر.
• قاصَّ خَصْمَه: أوقع به القصاص، أي الجزاء على الذَّنب، جازاه وفعل به مثل ما فعل. 

قصَّصَ يقصِّص، تَقْصِيصًا، فهو مُقَصِّص، والمفعول مُقَصَّص
• قَصَّص الشَّعْرَ ونحوَه: قصَّه؛ قطعه بالمقصّ. 

أُقْصوصَة [مفرد]: ج أَقَاصِيصُ: (دب) قِصّة قصيرة؛ قطعة نثريّة روائيّة شخصيّاتها قليلة العدد تهدف إلى وحدة التأثير "محمود تيمور كاتبٌ للأقْصُوصَة- أقاصيص مسلِّية". 

قاصّ [مفرد]: ج قاصّون وقُصَّاص:
1 - اسم فاعل من قَصَّ.
2 - كاتِب القِصَّة "نجيب محفوظ قاصٌّ عالميّ". 

قِصاص [مفرد]:
1 - مصدر قاصَّ.
2 - (فق) أن يُوقَعَ على الجاني مثل ما جَنى، النّفس بالنّفس والجرح بالجرح "إذا تساهل شعبٌ مشى إليه الشّتاتُ ... للنّاس في العفو موتٌ وفي القِصاص حياةُ- {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} - {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ". 

قُصاصة [مفرد]: ما يُقصُّ من الورق والعُشْب والظُّفر وغيره "قُصاصاتٌ من الصُّحُف والمجلاّت- قُصاصَة الشَّعْرِ/ الأظافر/ قُماش". 

قَصّ [مفرد]: ج قِصاص (لغير المصدر):
1 - مصدر قَصَّ.
2 - ما تَمَّ قصُّهُ من شَعَر أو صوف أو نحوهما.
• عظمة القَصّ: (شر) عظمة طويلة مسطّحة في معظم الفقاريّات تقع على طول الخطّ الوَسَطيّ للصّدر تحمي القلب
 وتتّصل بأضلع القفص الصّدريّ من الأمام. 

قَصَص [مفرد]:
1 - رواية الخبَر " {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ".
2 - خبر مقصوص " {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ".
• القَصَص:
1 - اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 28 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها ثمانٍ وثمانون آية.
2 - (دب) فنّ من فنون الأدب، هدفه التَّرويح عن النَّفس بما يتضمّنه من لهو، وما يحتويه من تثقيف للعقل وتهذيب للخلق بالحكمة والموعظة الحسنة. 

قَصّاص [مفرد]: ج قَصّاصون وقُصَّاص:
1 - صيغة مبالغة من قَصَّ: مَنْ يكثر من رواية القصص في تجمّعات النّاس "كان للقَصَّاص كرسيّ في المقهى يجتمع حوله المستمعون".
2 - كاتِبُ القِصَّة "نجيب محفوظ من كبار القَصَّاصين- كان من القَصَّاصين العرب المعروفين".
3 - حرفة من يقصّ أوبار الجِمال ونحوها. 

قَصَّاصَة [مفرد]: اسم آلة من قَصَّ: آلة تُقَص بها أطرافُ الكتاب أو العشب ونحوه "قَصَّاصَة ورق/ أظْرف". 

قَصَّة [مفرد]: ج قَصَّات وقِصاص:
1 - اسم مرَّة من قَصَّ.
2 - طريقة قَصّ شَعْر "قَصَّة عَصْريّة". 

قُصَّة [مفرد]: ج قُصَّات وقِصاص وقُصَص:
1 - شَعَرُ مُقدَّم الرأس، شعر النَّاصية "قُصَّة الفتاة".
2 - خُصْلة من الشَّعَر. 

قِصَّة [مفرد]: ج أَقَاصِيصُ وقِصَص:
1 - حديثٌ وخَبَر "قِصَّة يُوسُفَ عليه السلام- لن تستطيع الحكم على إنسان قبل أن تعرف قِصَّته [مثل أجنبيّ]: يماثله في المعنى المثل العربيّ: قبل الرِّماء تُملأ الكنائن" ° قصّة هذا الشَّيء أنّ: موضوعه ومحتواه- ما قِصَّتك؟: ما شأنك؟.
2 - (دب) حكاية نَثْريّة تُستمدّ أحداثُها من الخيال أو الواقع أو منهما معًا، وتبنى على قواعد معيّنة من الفن الكتابيّ "قِصَّة طويلة- قِصَّة تمثيليَّة محزنة".
3 - شأن "لا تتدخَّل في القِصَص الخاصَّة بغيرك".
• قِصَّة قَصِيرة: (دب) قطعة نثريَّة روائيّة فيها عدد قليل من الشخصيّات وتهدف إلى وحدة التأثير. 

قَصَصِيّ/ قِصَصيّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى قَصَص وقِصَص: "شعر/ أسلوب قصصيّ- مجموعة قَصَصِيّة".
2 - كاتِب القِصّة "قَصَصِيّ بارع".
• الشِّعر القَصَصِيّ: (دب) الشِّعر الملحميّ أو الذي يتضمن في سياقه قصّة أو حكاية. 

مُقاصّة [مفرد]:
1 - مصدر قاصَّ.
2 - (قص) عمليّة مصرفيّة قوامها أن تُسَدَّد جميع المدفوعات والمقبوضات بواسطة حوالات متبادلة، اتِّفاق بين بلدين على فتح حساب لكلّ منهما لدى الآخر يُسجّل في الجانب الدّائن صفقات التّصدير وفي الجانب المدين صفقات الاستيراد ويُسَوَّى الفرق بينهما في آخر المدَّة المحدّدة. 

مُقتصّ [مفرد]: اسم فاعل من اقتصَّ/ اقتصَّ من.
• مُقتصّ الأثر: الشّخص الذي يحاول تحديدَ مواقع الممتلكات أو الأشخاص المفقودين. 

مِقَصّ [مفرد]: ج مِقصّات ومَقَاصّ: اسم آلة من قَصَّ: وهو آلة ذات نَصْلَين يُقَصّ بهما "مِقَصّ خياطة/ أظافِر".
• حركة المِقَصّ: (رض) حَركة في الرِّياضة الجُمْبَازيّة تتَّخذ فيها الرِّجلان وَضْعًا أشبه بالمِقَصّ.
• إطباقة المِقَصّ: (رض) مَسْكَة يُطوّق بها المصارع رأس خَصْمه وجسمه برجلَيه.
• رفسة المِقَصّ: (رض) رَفْسة سِباحيّة تحرّك فيها الرِّجْلان بطريقة تشبه انفتاح المِقَصّ وانغلاقه. 

مَقْصوصَة [مفرد]:
1 - صيغة المؤنَّث لمفعول قَصَّ.
2 - مغرفة مسطّحة مثقبة ينشل بها اللّحمَ ونحوَه من القِدْر. 
قصص
الْقَصُّ: تتبّع الأثر، يقال: قَصَصْتُ أثره، والْقَصَصُ: الأثر. قال تعالى: فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً
[الكهف/ 64] ، وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ
[القصص/ 11] ومنه قيل لما يبقى من الكلإ فيتتبّع أثره: قَصِيصٌ، وقَصَصْتُ ظُفْرَهُ، والْقَصَصُ: الأخبار المتتبّعة، قال: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران/ 62] ، لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ [يوسف/ 111] ، وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ
[القصص/ 25] ، نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
[يوسف/ 3] ، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ [الأعراف/ 7] ، يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ [النمل/ 76] ، فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
[الأعراف/ 176] .
والقِصاصُ: تتبّع الدّم بالقود. قال تعالى:
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [البقرة/ 179] وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ
[المائدة/ 45] ويقال:
قَصَّ فلان فلانا، وضربه ضربا فَأَقَصَّهُ، أي: أدناه من الموت، والْقَصُّ: الجصّ، و «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن تَقْصِيصِ القبور» .
ق ص ص: (قَصَّ) أَثَرَهُ تَتَبَّعَهُ مِنْ بَابِ رَدَّ وَ (قَصَصًا) أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] وَكَذَا (اقْتَصَّ) أَثَرَهُ وَ (تَقَصَّصَ) أَثَرَهُ. وَ (الْقِصَّةُ) الْأَمْرُ وَالْحَدِيثُ وَقَدِ (اقْتَصَّ) الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَلَى وَجْهِهِ. وَ (قَصَّ) عَلَيْهِ الْخَبَرَ (قَصَصًا) وَالِاسْمُ أَيْضًا (الْقَصَصُ) بِالْفَتْحِ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ حَتَّى صَارَ أَغْلَبَ عَلَيْهِ. وَ (الْقِصَصُ) بِالْكَسْرِ جَمْعُ (الْقِصَّةِ) الَّتِي تُكْتَبُ. وَ (الْقِصَاصُ) الْقَوَدُ وَقَدْ (أَقَصَّ) الْأَمِيرُ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ إِذَا (اقْتَصَّ) لَهُ مِنْهُ فَجَرَحَهُ مِثْلَ جَرْحِهِ أَوْ قَتَلَهُ قَوَدًا. وَ (اسْتَقَصَّهُ) سَأَلَهُ أَنْ يُقِصَّهُ مِنْهُ. وَ (تَقَاصَّ) الْقَوْمُ (قَاصَّ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي حِسَابٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَ (قَصَّ) الشَّعْرَ قَطَعَهُ وَبَابُهُ رَدَّ. وَ (الْمِقَصُّ) بِالْكَسْرِ الْمِقْرَاضُ وَهُمَا مِقَصَّانِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: (قُصَاصُ) الشَّعْرِ حَيْثُ تَنْتَهِي نِبْتَتُهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: ضَمُّ الْقَافِ وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا وَالضَّمُّ أَعْلَى. وَ (الْقَصُّ) بِالْفَتْحِ رَأْسُ الصَّدْرِ وَكَذَا (الْقَصَصُ) لِلشَّاةِ وَغَيْرِهَا. وَ (الْقَصَّةُ) بِالْفَتْحِ
الْجِصُّ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ. وَ (الْقُصَّةُ) بِالضَّمِّ شَعْرُ النَّاصِيَةِ. 

قصص: قَصَّ الشعر والصوف والظفر يقُصُّه قَصّاً وقَصّصَه وقَصّاه على

التحويل: قَطعَه. وقُصاصةُ الشعر: ما قُصّ منه؛ هذه عن اللحياني، وطائر

مَقْصُوص الجناح. وقُصَاصُ الشعر، بالضم، وقَصَاصُه وقِصاصُه، والضم أَعلى:

نهايةُ منبته ومُنْقَطعه على الرأْس في وسطه، وقيل: قُصاصُ الشعر حدُّ

القفا، وقيل: هو حيث تنتهي نبْتتُه من مُقدَّمه ومؤخَّره، وقيل: قُصاص

الشعر نهايةُ منبته من مُقدَّم الرأْس. ويقال: هو ما استدار به كله من خلف

وأَمام وما حواليه، ويقال: قُصاصَة الشعر. قال الأَصمعي: يقال ضربَه على

قُصاصِ شعره ومقَصّ ومقاصّ. وفي حديث جابر: أَن رسول اللّه، صلّى اللّه

عليه وسلّم، كان يسجد على قِصاص الشعر وهو، بالفتح والكسر، منتهى شعر الرأْس

حيث يؤخذ بالمِقَصّ، وقد اقْتَصَّ وتَقَصّصَ وتقَصّى، والاسم القُصّةُ.

والقُصّة من الفرس: شعر الناصية، وقيل: ما أَقْبَلَ من الناصية على

الوجه. والقُصّةُ، بالضم: شعرُ الناصية؛ قال عدي بن زيد يصف فرساً:

له قصّةٌ فَشَغَتْ حاجِبَيـ

ـه، والعيْنُ تُبْصِرُ ما في الظُّلَمْ

وفي حديث سَلْمان: ورأَيته مُقَصَّصاً؛ هو الذي له جُمّة. وكل خُصْلة من

الشعر قُصّة. وفي حديث أَنس: وأَنتَ يومئذ غُلامٌ ولك قَرْنانِ أَو

قُصّتانِ؛ ومنه حديث معاوية: تنَاوَلَ قُصّةً من شعر كانت في يد حَرَسِيّ.

والقُصّة: تتخذها المرأَة في مقدمِ رأْسها تقصُّ ناحيتَيْها عدا

جَبِينها.والقَصُّ: أَخذ الشعر بالمِقَصّ، وأَصل القَصِّ القَطْعُ. يقال: قصَصْت

ما بينهما أَي قطعت.

والمِقَصُّ: ما قصَصْت به أَي قطعت. قال أَبو منصور: القِصاص في الجِراح

مأْخوذ من هذا إِذا اقْتُصَّ له منه بِجِرحِه مثلَ جَرْحِه إِيّاه أَو

قتْله به.

الليث: القَصُّ فعل القاصّ إِذا قَصَّ القِصَصَ، والقصّة معروفة. ويقال:

في رأْسه قِصّةٌ يعني الجملة من الكلام، ونحوُه قوله تعالى: نحن نَقُصُّ

عليك أَحسنَ القصص؛ أَي نُبَيّن لك أَحسن البيان. والقاصّ: الذي يأْتي

بالقِصّة من فَصِّها.

ويقال: قَصَصْت الشيء إِذا تتبّعْت أَثره شيئاً بعد شيء؛ ومنه قوله

تعالى: وقالت لأُخْته قُصّيه؛ أَي اتّبِعي أَثَرَه، ويجوز بالسين: قسَسْت

قَسّاً.

والقُصّةُ: الخُصْلة من الشعر. وقُصَّة المرأَة: ناصيتها، والجمع من ذلك

كله قُصَصٌ وقِصاصٌ. وقَصُّ الشاة وقَصَصُها: ما قُصَّ من صوفها. وشعرٌ

قَصِيصٌ: مقصوصٌ. وقَصَّ النسّاجُ الثوبَ: قطَع هُدْبَه، وهو من ذلك.

والقُصاصَة: ما قُصَّ من الهُدْب والشعر. والمِقَصُّ: المِقْراض، وهما

مِقَصَّانِ. والمِقَصَّان: ما يَقُصّ به الشعر ولا يفرد؛ هذا قول أَهل اللغة،

قال ابن سيده: وقد حكاه سيبويه مفرداً في باب ما يُعْتَمل به. وقصَّه

يقُصُّه: قطَعَ أَطراف أُذُنيه؛ عن ابن الأَعرابي. قال: وُلدَ لِمَرْأَةٍ

مِقْلاتٍ فقيل لها: قُصِّيه فهو أَحْرى أَن يَعِيشَ لكِ أَي خُذي من أَطراف

أُذنيه، ففعلَتْ فعاش. وفي الحديث: قَصَّ اللّهُ بها خطاياه أَي نقَصَ

وأَخَذ.

والقَصُّ والقَصَصُ والقَصْقَصُ: الصدر من كل شيء، وقيل: هو وسطه، وقيل:

هو عَظْمُه. وفي المثل: هو أَلْزَقُ بك من شعرات قَصِّك وقَصَصِك.

والقَصُّ: رأْسُ الصدر، يقال له بالفارسية سَرِسينه، يقال للشاة وغيرها.

الليث: القص هو المُشاشُ المغروزُ فيه أَطرافُ شراسِيف الأَضلاع في وسط الصدر؛

قال الأَصمعي: يقال في مثل: هو أَلْزَمُ لك من شُعَيْراتِ قَصِّك، وذلك

أَنها كلما جُزَّتْ نبتت؛ وأَنشد هو وغيره:

كم تمَشَّشْتَ من قَصٍّ وانْفَحَةٍ،

جاءت إِليك بذاك الأَضْؤُنُ السُّودُ

وفي حديث صَفْوانَ بن مُحْرز: أَنه كان إِذا قرأَ: وسيَعْلَمُ الذين

ظَلَموا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبون، بَكى حتى نقول: قد انْدَقَّ قَصَصُ

زَوْرِه، وهو منبت شعره على صدره، ويقال له القصَصُ والقَصُّ. وفي حديث

المبعث: أَتاني آت فقدَّ من قَصِّي إِلى شِعْرتي؛ القصُّ والقَصَصُ: عظْمُ

الصدر المغروزُ فيه شَراسِيفُ الأَضلاع في وسطه. وفي حديث عطاء: كَرِه

أَن تُذْبَحَ الشاةُ من قَصِّها، واللّه أَعلم.

والقِصّة: الخبر وهو القَصَصُ. وقصّ عليّ خبَره يقُصُّه قَصّاً

وقَصَصاً: أَوْرَدَه. والقَصَصُ: الخبرُ المَقْصوص، بالفتح، وضع موضع المصدر حتى

صار أَغْلَبَ عليه. والقِصَص، بكسر القاف: جمع القِصّة التي تكتب. وفي

حديث غَسْل دَمِ الحيض: فتقُصُّه بريقها أَي تعَضُّ موضعه من الثوب

بأَسْنانها وريقها ليذهب أَثره كأَنه من القَصّ القطع أَو تتبُّع الأَثر؛ ومنه

الحديث: فجاء واقْتصّ أَثَرَ الدم. وتقَصّصَ كلامَه: حَفِظَه. وتقَصّصَ

الخبر: تتبّعه. والقِصّة: الأَمرُ والحديثُ. واقْتَصَصْت الحديث: رَوَيْته

على وجهه، وقَصَّ عليه الخبَرَ قصصاً. وفي حديث الرؤيا: لا تقُصَّها إِلا

على وادٍّ. يقال: قَصَصْت الرؤيا على فلان إِذا أَخبرته بها، أَقُصُّها

قَصّاً. والقَصُّ: البيان، والقَصَصُ، بالفتح: الاسم. والقاصُّ: الذي

يأْتي بالقِصّة على وجهها كأَنه يَتَتَبّع معانيَها وأَلفاظَها. وفي الحديث:

لا يقصُّ إِلا أَميرٌ أَو مأْمورٌ أَو مُخْتال أَي لا ينبغي ذلك إِلا

لأَمير يَعظُ الناس ويخبرهم بما مضى ليعتبروا، وأَما مأْمورٌ بذلك فيكون

حكمُه حكمَ الأَمير ولا يَقُصّ مكتسباً، أَو يكون القاصّ مختالاً يفعل ذلك

تكبراً على الناس أَو مُرائياً يُرائي الناس بقوله وعملِه لا يكون وعظُه

وكلامه حقيقة، وقيل: أَراد الخطبة لأَن الأُمَراء كانوا يَلونها في

الأَول ويَعظون الناس فيها ويَقُصّون عليهم أَخبار الأُمم السالفة. وفي

الحديث: القاصُّ يَنْتظر المَقْتَ لما يَعْرِضُ في قِصَصِه من الزيادة

والنقصان؛ ومنه الحديث: أَنّ بَني إِسرائيل لما قَصُّوا هَلَكوا، وفي رواية: لما

هلكوا قَصُّوا أَي اتكَلوا على القول وتركوا العمل فكان ذلك سببَ هلاكهم،

أَو العكس لما هلكوا بترك العمل أَخْلَدُوا إِلى القَصَص.

وقَصَّ آثارَهم يَقُصُّها قَصّاً وقَصَصاً وتَقَصّصَها: تتبّعها بالليل،

وقيل: هو تتبع الأَثر أَيَّ وقت كان. قال تعالى: فارتدّا على آثارهما

قَصصاً. وكذلك اقْتَصَّ أَثره وتَقَصّصَ، ومعنى فارتدّا على آثارهما

قَصَصاً أَي رَجَعا من الطريق الذي سلكاه يَقُصّان الأَثر أَي يتّبعانه؛ وقال

أُمية بن أَبي الصلت:

قالت لأُخْتٍ له: قُصِّيهِ عن جُنُبٍ،

وكيف يَقْفُو بلا سَهْلٍ ولا جَدَدِ؟

قال الأَزهري: القصُّ اتِّباع الأَثر. ويقال: خرج فلان قَصَصاً في أَثر

فلان وقَصّاً، وذلك إِذا اقْتَصَّ أَثره. وقيل: القاصُّ يَقُصُّ القَصَصَ

لإِتْباعه خبراً بعد خبر وسَوْقِه الكلامَ سوقاً. وقال أَبو زيد:

تقَصّصْت الكلامَ حَفِظته.

والقَصِيصَةُ: البعيرُ أَو الدابةُ يُتَّبع بها الأَثرُ. والقَصيصة:

الزامِلةُ الضعيفة يحمل عليها المتاع والطعام لضعفها. والقَصيصةُ: شجرة تنبت

في أَصلها الكَمأَةُ ويتخذ منها الغِسْل، والجمع قَصائِصُ وقَصِيصٌ؛ قال

الأَعشى:

فقلت، ولم أَمْلِكْ: أَبَكْرُ بن وائلٍ

متى كُنْتَ فَقْعاً نابتاً بقَصائِصا؟

وأَنشد ابن بري لامرئ القيس:

تَصَيَّفَها، حتى إِذا لم يَسُغ لها

حَلِيّ بأَعْلى حائلٍ وقَصِيص

وأَنشد لعدي بن زيد:

يَجْنِي له الكَمْأَةَ رِبْعِيّة،

بالخَبْءِ، تَنْدَى في أُصُولِ القَصِيص

وقال مُهاصِر النهشلي:

جَنَيْتُها من مُجْتَنىً عَوِيصِ،

من مُجْتَنى الإِجْرِدِ والقَصِيصِ

ويروى:

جنيتها من منبِتٍ عَوِيصِ،

من مَنبت الإِجرد والقصيص

وقد أَقَصَّت الأَرضُ أَي أَنْبَتَتْه. قال أَبو حنيفة: زعم بعض الناس

أَنه إِنما سمي قَصيصاً لدلالته على الكمأَة كما يُقْتَصّ الأَثر، قال:

ولم أَسمعه، يريد أَنه لم يسمعه من ثقة. الليث: القَصِيص نبت ينبت في أُصول

الكمأَة وقد يجعل غِسْلاً للرأْس كالخِطْمِيّ، وقال: القَصِيصة نبت يخرج

إِلى جانب الكمأَة.

وأَقَصّت الفرسُ، وهي مُقِصّ من خيل مَقاصَّ: عظُم ولدها في بطنها،

وقيل: هي مُقِصّ حتى تَلْقَح، ثم مُعِقٌّ حتى يَبْدو حملها، ثم نَتُوج، وقيل:

هي التي امتنعت ثم لَقِحت، وقيل: أَقَصّت الفرس، فهي مُقِصٌّ إِذا حملت.

والإِقْصاصُ من الحُمُر: في أَول حملها، والإِعْقاق آخره. وأَقَصّت

الفرس والشاة، وهي مُقِصٌّ: استبان ولدُها أَو حملُها، قال الأَزهري: لم

أَسمعه في الشاء لغير الليث. ابن الأَعرابي: لَقِحت الناقة وحملت الشاة

وأَقَصّت الفرس والأَتان في أَول حملها، وأَعَقَّت في آخره إِذا استبان حملها.

وضرَبه حتى أَقَصَّ على الموت أَي أَشْرف. وأَقْصَصْته على الموت أَي

أَدْنَتْه. قال الفراء: قَصَّه من الموت وأَقَصَّه بمعنى أَي دنا منه، وكان

يقول: ضربه حتى أَقَصَّه الموت. الأَصمعي: ضربه ضرباً أَقصَّه من الموت

أَي أَدناه من الموت حتى أَشرف عليه؛ وقال:

فإِن يَفْخَرْ عليك بها أَميرٌ،

فقد أَقْصَصْت أُمَّك بالهُزال

أَي أَدنيتها من الموت. وأَقَصَّته شَعُوبٌ إِقْصاصاً:

أَشرف عليها ثم نجا.

والقِصاصُ والقِصاصاءُ والقُصاصاءُ: القَوَدُ وهو القتل بالقتل أَو

الجرح بالجرح.

والتَّقاصُّ: التناصفُ في القِصَاص؛ قال:

فَرُمْنا القِصَاصَ، وكان التقا

صُّ حُكماً وعَدْلاً على المُسْلِمينا

قال ابن سيده: قوله التقاص شاذ لأَنه جمع بين الساكنين في الشعر ولذلك

رواه بعضهم: وكان القصاصُ؛ ولا نظير له إلا بيت واحد أَنشده الأَخفش:

ولولا خِداشٌ أَخَذْتُ دوا

بَّ سَعْدٍ، ولم أُعْطِه ما عليها

قال أَبو إِسحق: أَحسَب هذا البيت إِن كان صحيحاً فهو:

ولولا خداش أَخذت دوابِـ

ـب سعدٍ، ولم أُعْطِه ما عليها

لأَن إِظهار التضعيف جائز في الشعر، أَو: أَخذت رواحل سعد. وتقاصَّ

القومُ إِذا قاصَّ كل واحد منهم صاحبَه في حساب أَو غيره. والاقْتِصاصُ:

أَخْذُ القِصاصِ. والإِقْصاصُ: أَن يُؤْخَذ لك القِصاصُ، وقد أَقَصَّه.

وأَقَصَّ الأَمير فُلاناً من فلان إِذا اقْتَصَّ له منه فجرحه مثل جرحه أَو

قتَلَه قوَداً. واسْتَقَصَّه: سأَله أَن يُقِصَّه منه. الليث: القِصاصُ

والتَّقاصُّ في الجراحات شيءٌ بشيء، وقد اقْتَصَّ من فلان، وقد أَقْصَصْت

فلاناً من فلان أَقِصّه إِقْصاصاً، وأَمْثَلْت منه إِمْثالاً فاقتَصَّ منه

وامْتَثَل. والاسْتِقْصاص: أَن يَطْلُب أَن يُقَصَّ ممن جرحه. وفي حديث

عمر، رضي اللّه عنه: رأَيت رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، يُقِصّ من

نفسه. يقال: أَقَصَّه الحاكم يُقِصّه إِذا مكَّنَه من أَخذ القِصاص، وهو

أَن يفعل به مثل فعله من قتل أَو قطع أَو ضرب أَو جرح، والقِصَاصُ الاسم؛

ومنه حديث عمر: رأَيت رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، أُتِيَ

بشَارِبٍ فقال لمُطيع بن الأَسود: اضرِبْه الحَدَّ، فرآه عمرُ وهو يَضْرِبُه

ضرباً شديداً فقال: قتلت الرجل، كم ضَرَبْتَه؟ قال سِتِّينَ فقال عُمر:

أَقِصّ منه بِعِشْرِين أَي اجعل شدة الضرب الذي ضرَبْتَه قِصاصاً بالعشرين

الباقية وعوضاً عنها.

وحكى بعضهم: قُوصَّ زيد ما عليه، ولم يفسره؛ قال ابن سيده: وعندي أَنه

في معنى حوسِبَ بما عليه إِلا أَنه عُدِّيَ بغير حرف لأَن فيه معنى

أُغْرِمَ ونحوه. والقَصّةُ والقِصّة والقَصُّ: الجَصُّ، لغة حجازية، وقيل:

الحجارة من الجَصِّ، وقد قَصّصَ دارَه أَي جَصّصَها. ومدينة مُقَصَّصة:

مَطْليّة بالقَصّ، وكذلك قبر مُقَصَّصٌ. وفي الحديث: نهى رسول اللّه، صلّى

اللّه عليه وسلّم، عن تَقْصِيص القُبور، وهو بناؤها بالقَصّة.

والتَّقْصِيصُ: هو التجْصِيص، وذلك أَن الجَصّ يقال له القَصّة. يقال: قصّصْت البيتَ

وغيره أَي جَصّصْته. وفي حديث زينب: يا قَصّةً على مَلْحودَةٍ؛ شَبَّهت

أَجسامَهم بالقبور المتخذة من الجَصّ، وأَنفُسَهم بجِيَف الموتى التي تشتمل

عليها القبورُ. والقَصّة: القطنة أَو الخرقةُ البيضاء التي تحْتَشي بها

المرأَة عند الحيض. وفي حديث الحائض: لا تَغْتَسِلِنَّ حتى تَرَيْنَ

القَصّة البَيْضاءَ، يعني بها ما تقدم أَو حتى تخرج القطنة أَو الخرقة التي

تحتشي بها المرأَة الحائض، كأَنها قَصّة بيضاء لا يُخالِطُها صُفْرة ولا

تَرِيّةٌ، وقيل: إِن القَصّة كالخيط الأَبيض تخرج بعد انقطاع الدم كله،

وأَما التَّريّة فهو الخَفِيّ، وهو أَقل من الصفرة، وقيل: هو الشيء الخفي

اليسير من الصفرة والكُدْرة تراها المرأَة بعد الاغتسال من الحيض، فأَما

ما كان من أَيام الحيض فهو حَيض وليس بِتَرِيّة، ووزنها تَفْعِلة، قال ابن

سيده: والذي عندي أَنه إِنما أَراد ماء أَبيض من مَصَالة الحيض في آخره،

شبّهَه بالجَصّ وأَنّتَ لأَنه ذهب إِلى الطائفة كما حكاه سيبويه من

قولهم لبَنة وعَسَلة.

والقَصّاص: لغة في القَصّ اسم كالجيَّار. وما يَقِصُّ في يده شيء أَي ما

يَبْرُدُ ولا يثبت؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:

لأُمِّكَ وَيْلةٌ وعليك أُخْرى،

فلا شاةٌ تَقِصّ ولا بَعِيرُ

والقَصَاصُ: ضرب من الحمض. قال أَبو حنيفة: القَصاصُ شجر باليمن

تَجْرُسُه النحل فيقال لعسلها عَسَلُ قَصَاصٍ، واحدته قَصَاصةٌ. وقَصْقَصَ

الشيء: كَسَره.

والقُصْقُصُ والقُصْقُصة، بالضم، والقُصَاقِصُ من الرجال: الغليظُ

الشديد مع قِصَر. وأَسد قُصْقُصٌ وقُصْقُصةٌ وقُصاقِصٌ: عظيم الخلق شديد؛

قال:قُصْقُصة قُصاقِص مُصَدَّرُ،

له صَلاً وعَضَلٌ مُنَقَّرُ

وقال ابن الأَعرابي: هو من أَسمائه. الجوهري: وأَسد قَصْقاصٌ، بالفتح،

وهو نعت له في صوته. والقَصْقاصُ: من أسماء الأَسد، وقيل: هو نعت له في

صوته. الليث: القَصْقاصُ نعت من صوت الأَسد في لغة، والقَصْقاصُ أَيضاً:

نَعْتُ الحية الخبيثة؛ قال: ولم يجئ بناء على وزن فَعْلال غيره إِنما

حَدُّ أَبْنِيةِ المُضاعَفِ على وزن فُعْلُل أَو فُعْلول أَو فِعْلِل أَو

فِعْلِيل مع كل مقصور ممدود منه، قال: وجاءت خمس كلمات شواذ وهي: ضُلَضِلة

وزُلزِل وقَصْقاص والقلنقل والزِّلزال، وهو أَعمّها لأَن مصدر الرباعي

يحتمل أَن يبنى كله على فِعْلال، وليس بمطرد؛ وكل نَعْتٍ رُباعِيٍّ فإِن

الشُّعَراء يَبْنُونه على فُعالِل مثل قُصَاقِص كقول القائل في وصف بيت

مُصَوَّرٍ بأَنواع التَّصاوير:

فيه الغُواةُ مُصَوَّرو

ن، فحاجِلٌ منهم وراقِصْ

والفِيلُ يرْتكبُ الرِّدَا

ف عليه، والأَسد القُصاقِصْ

التهذيب: أَما ما قاله الليث في القُصَاقِص بمعنى صوت الأَسد ونعت

الحيّة الخبيثة فإِني لم أَجِدْه لغير الليث، قال: وهو شاذٌ إِن صَحَّ. وروي

عن أَبي مالك: أَسد قُصاقِصٌ ومُصَامِصٌ وفُرافِصٌ شديد. ورجل قُصَاقِصٌ

فُرافِصٌ: يُشَبَّه بالأَسد. وجمل قُصاقِصٌ أَي عظيمٌ. وحيَّة قَصْقاصٌ:

خبيث. والقَصْقاصُ: ضرْبٌ من الحمض؛ قال أَبو حنيفة: هو ضعيف دَقِيق أَصفر

اللون. وقُصاقِصا الوَرِكَين: أَعلاهما.

وقُصاقِصَةُ: موضع. قال: وقال أَبو عمرو القَصقاص أُشْنان الشَّأْم. وفي

حديث أَبي بكر: خَرَجَ زمَنَ الرِّدّة إِلى ذي القَصّةِ؛ هي، بالفتح،

موضع قريب من المدينة كان به حصىً بَعَثَ إِليه رسول اللّه، صلّى اللّه

عليه وسلّم، محمدَ بن مَسْلمة وله ذكر في حديث الردة.

Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.