Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=36339#915b3f
الــتوجع: التشكي من الوجع.
وجع: الوَجَع: اسم جامِعٌ لكل مَرَضٍ مُؤْلِمٍ، والجمع أَوْجاعٌ، وقد
وَجِعَ فلان يَوْجَعُ ويَيْجَعُ وياجَعُ، فهو وجِعٌ، من قوم وَجْعَى
ووَجاعَى ووَجِعِينَ ووِجاعٍ وأَوجاعٍ، ونِسْوةٌ وَجاعى ووَجِعاتٌ؛ وبنو أَسَد
يقولون يِيجَعُ، بكسر الياء، وهم لا يقولون يِعْلَمُ اسْتِثْقالاً للكسرة
على الياء، فلما اجتمعت الياءَان قَوِيَتا واحْتَمَلَتْ ما لم تحتمله
المفردة، وينشد لمتمم بن نويرة على هذه اللغة:
قَعِيدَكِ أَن لا تُسْمِعِيني مَلامةً،
ولا تَنْكَئِي قَرْحَ الفُؤادِ فَيِيجَعا
ومنهم من يقول: أَنا إِيجَعُ وأَنت تِيجَعُ، قال ابن بري: الأَصل في
يِيجَعُ يَوْجَعُ، فلما أَرادوا قلب الواو ياء كسروا الياء التي هي حرف
المضارعة لتنقلب الواو ياء قلباً صححياً، ومن قال يَيْجلُ ويَيْجَعُ فإِنه
قلب الواو ياء قلباً ساذَجاً بخلاف القلب الأَول لأَنَّ الواو الساكنة
إِنما تَقْلِبُها إِلى الياء الكسرةُ قبلها. قال الأَزهري: ولُغةٌ قبيحةٌ من
يقول وَجِعَ يَجِعُ، قال: ويقول أَنا أَوْجَعُ رأْسي ويَوْجَعُني رأْسي
وأَوْجَعْتُه أَنا. ووَجِعَ عُضْوُه: أَلِمَ وأَوْجَعَهُ هو. الفراء: يقال
للرجل وَجِعْتَ بَطْنَكَ مثل سَفِهْتَ رأْيَكَ ورَشِدْتَ أَمرَك، قال:
وهذا من المعرفة التي كالنكرة لأَن قولك بَطْنَكَ مُفَسِّرٌ، وكذلك
غُبِنْتَ رأْيَك، والأَصل فيه وَجِعَ رأْسُك وأَلم بَطْنُكَ وسَفِهَ رأْيُك
ونَفْسُك، فلما حُوِّلَ الفعلُ خرج قولك وَجِعْتَ بطنَك وما أَشبهه
مَفَسِّراً، قال: وجاء هذا نادراً في أَحرف معدودة؛ وقال غيره: إِنما نصبوا
وَجِعْتَ بطنَك بنزع الخافض منه كأَنه قال وَجِعْت من بطنك، وكذلك سفهت في
رأْيك، وهذا قول البصريين لأَن المُفَسِّراتِ لا تكون إِلا نكرات. وحكى ابن
الأَعرابي: أَمَضَّني الجُرْحُ فَوَجِعْتُه. قال الأَزهري: وقد وَجِعَ
فلانٌ رأْسَه وبطنَه. وأَوْجَعْتُ فلاناً ضَرْباً وجِيعاً، وضَرْبٌ وجِيعٌ
أَي مُوجِعٌ، وهو أَحد ما جاء على فَعِيلٍ من أَفْعَلَ، كما يقال عذاب
أَلِيمٌ بمعنى مؤلم، وقيل: ضربٌ وجِيعٌ وأَلِيمٌ ذو أَلَمٍ. وفلان يَوْجَعُ
رأْسَه، نصبْتَ الرأْسَ، فإِن جئت بالهاء قلت يَوْجَعُه رأْسُه وأَنا
أَيْجَع رأْسي ويَوْجَعُني رأْسي، ولا تقل يُوجِعني رأْسي، والعامة تقوله؛
قال صِمّة بن عبد الله القشيري:
تَلَفَّتُّ نحوَ الحَيِّ، حتى وجَدْتُني
وجِعْتُ من الإِصْغاءِ لِيتاً وأَخْدَعا
والإِيجاعُ: الإِيلامُ. وأَوْجَعَ في العَدُوّ: أَثْخَنَ. وتَوَجَّعَ:
تَشَكَّى الوجَعَ. وتوجَّعَ له مما نزل به: رَثى له من مكروه نازل.
والوجْعاءُ: السافِلةُ وهي الدُّبُر، ممدودة؛ قال أَنسُ ابن مُدْرِكةَ
الخَثْعَمِي:
غَضِبتُ للمَرْءِ، إِذْ نِيكَتْ حَلِيلَتُه،
وإِذْ يُشَدُّ على وَجْعائِها الثَّفَرُ
أَغْشَى الحُزوبَ، وسِرْبالي مُضاعَفةٌ
تَغْشَى البَنانَ، وسَيْفي صارِمٌ ذَكَرُ
إِني وقَتْلي سُلَيْكاً ثم أَعْقِلَه،
كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عافَتِ البَقَرُ
يعني أَنها بُوضِعَتْ. وجمعُ الوَجْعاءِ وَجْعاواتٌ، والسبب في هذا
الشعْرِ أَنَّ سُلَيْكاً مَرَّ في بعض غَزَواتِه ببيت من خَثْعَمَ، وأَهله
خُلوفٌ، فَرأَى فيهنَّ امرأَة بَضَّةً شابةً فَعلاها، فأُخْبر أَنس بذلك
فأَدْركه فقتله. وفي الحديث: لا تَحِلُّ المسأَلةُ إِلا لذي دَمٍ مُوجِعٍ؛
هو أَنْ يتحمل دِيةً فيسعى بها حتى يُؤَدِّيَها إِلى أَولياءِ المقتول،
فإِن لم يؤدِّها قُتِل المُتَحَمَّلُ عنه فَيُوجِعُه قَتْلُه. وفي الحديث:
مُري بَنِيكِ يقلموا أَظْفارَهم أَن يُوجِعُوا الضُّرُوعَ أَي لئلا
يُوجِعُوها إِذا حَلَبُوها بأَظْفارِهم.
وذكر الجوهري في هذه الترجمة الجِعةَ فقال: والجِعةُ نَبِيذُ الشعير، عن
أَبي عبيد، قال: ولست أَدري ما نُقْصانُه؛ قال ابن بري: الجِعةُ لامها
واو من جَعَوْت أَي جَمَعْتُ كأَنها سميت بذلك لكونها تَجْعُو الناسَ على
شُرْبِها أَي تجمعهم، وذكر الأَزهري هذا الحرف في المعتل، وسنذكره هناك.
وأُمُّ وجَعِ الكَبدِ: نبتة تنفع من وجَعِها.
أوه: الآهَةُ: الحَصْبَةُ. حكى اللحياني عن أَبي خالد في قول الناس
آهَةٌ وماهَةٌ: فالآهَةُ ما ذكرناه، والماهَةُ الجُدَرِيُّ. قال ابن سيده:
أَلف آهَةٍ واو لأَن العين واواً أَكثر منها ياء.
وآوَّهْ وأَوَّهُ وآووه، بالمدّ وواوينِ، وأَوْهِ، بكسر الهاء خفيفة،
وأَوْهَ وآهِ، كلها: كلمة معناه التحزُّن. وأَوْهِ من فلان إِذا اشتدَّ
عليك فَقْدُه، وأَنشد الفراء في أَوْهِ:
فأَوْهِ لِذكْراها إِذا ما ذَكَرتُها،
ومن بُعْدِ أَرْضٍ بيننا وسماءٍ
ويروى: فأَوِّ لِذِكراها، وهو مذكور في موضعه، ويروى: فآهِ لذكراها؛ قال
ابن بري: ومثل هذا البيت:
فأَوْهِ على زِيارَةِ أُمِّ عَمْروٍٍ
فكيفَ مع العِدَا، ومع الوُشاةِ؟
وقولهم عند الشكاية: أَوْهِ من كذا، ساكنة الواو، إِنما هو توجع، وربما
قلبوا الواو أَلفاً فقالوا: آهِ من كذا وربما شدّدوا الواو وكسروها
وسكنوا الهاء، قالوا: أَوِّهْ من كذا، وربما حذفوا الهاء مع التشديد فقالوا:
أَوِّ من كذا، بلا مدٍّ. وبعضهم يقول: آوَّهْ، بالمدّ والتشديد وفتح
الواو ساكنة الهاء، لتطويل الصوت بالشكاية. وقد ورد الحديث بأَوْهِ في حديث
أَبي سعيد فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، عند ذلك: أَوْهِ عَيْنُ
الرِّبا. قال ابن الأَثير: أَوْهِ كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والــتوجع، وهي
ساكنة الواو مكسورة الهاء، قال: وبعضهم يفتح الواو مع التشديد، فيقول
أَوَّهْ. وفي الحديث: أَوَّهْ لفِراخِ محمدٍ من خليفة يُسْتَخْلَفُ. قال
الجوهري: وربما أَدخلوا فيه التاء فقالوا أَوَّتاه، يمدّ ولا يمدّ. وقد
أَوَّهَ الرجلُ تأْويهاً وتَأَوَّه تأَوُّها إِذا قال أَوَّه، والاسم منه
الآهَةُ، بالمد، وأَوَّه تأْويهاً. ومنه الدعاء على الإِنسان: آهَةً له
وأَوَّةً له، مشدَّده الواو، قال: وقولهم آهَةً وأَمِيهةً هو الــتوجع.
الأَزهري: آهِ هو حكاية المِتَأَهِّه في صوته، وقد يفعله الإِنسان شفقة وجزعاً؛
وأَنشد:
آهِ من تَيَّاكِ آهَا
تَرَكَتْ قلبي مُتاها
وقال ابن الأَنباري: آهِ من عذاب الله وآهٍ من عذاب الله وأَهَّةً من
عذاب الله وأَوَّهْ من عذاب الله، بالتشديد والقصر. ابن المظفر: أَوَّهَ
وأَهَّهَ إِذا توجع الحزين الكئيب فقال آهِ أَو هاهْ عند الــتوجع، وأَخرج
نَفَسه بهذا الصوت ليتفرَّج عنه بعض ما به. قال ابن سيده: وقد تأَوَّهَ
آهاً وآهَةً. وتكون هاهْ في موضعه آهِ من الــتوجع؛ قال
المُثَقِّبُ العَبْدِي:إِذا ما قمتُ أَرْحَلُها بليلٍ،
تأَوَّهُ آهَةَ الرجلِ الحزينِ
قال ابن سيده: وعندي أَنه وضع الاسم موضع المصدر أَي تأَوَّهَ تأَوُّهَ
الرجل، قيل: ويروى تَهَوَّهُ هاهَةَ الرجل الحزين. قال: وبيان القطع
أَحسن، ويروى أَهَّةَ من قولهم أَهَّ أَي توجع؛ قال العجاج:
وإِن تَشَكَّيْتُ أَذَى القُرُوحِ،
بأَهَّةٍ كأَهَّةِ المَجْرُوحِ
ورجل أَوَّاهٌ: كثير الحُزنِ، وقيل: هو الدَّعَّاءُ إِلى الخير، وقيل:
الفقيه، وقيل: المؤْمن، بلغة الحبشة، وقيل: الرحيم الرقيق. وفي التنزيل
العزيز: إِن إِبراهيم لحليمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ، وقيل: الأَوّاهُ هنا
المُتَأَوِّهُ شَفَقاً وفَرَقاً، وقيل: المتضرع يقيناً أَي إِيقاناً بالإِجابة
ولزوماً للطاعة؛ هذا قول الزجاج، وقيل: الأَوَّاهُ المُسَبّحُ، وقيل: هو
الكثير الثناء. ويقال: الأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ. وروي عن النبي صلى الله
عليه وسلم، أَنه قال: الأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ. وقيل: الكثير البكاء. وفي
الحديث: اللهم اجْعَلني مُخْبِتاً أَوَّاهاً مُنِيباً؛ الأَوَّاهُ:
المُتَأَوِّهُ المُتَضَرِّع. الأَزهري: أَبو عمرو ظبية مَوْؤُوهة ومأْووهة،
وذلك أن الغزال إِذا نجا من الكلب أَو السهم وقف وَقْفَةً، ثم قال أَوْهِ،
ثم عَدا.
أهه: الأَهَّةُ: التَّحَزُّنُ. وقد أَهَّ أَهّاً وأَهَّةً. وفي حديث
معاوية: أَهّاً أَبا حَفْص؛ قال: هي كلمة تأَسُّفٍ، وانتصابها على إِجرائها
مُجْرَى المصادر كأَنه قال أَتَأَسَّفُ تأَسُّفاً، قال: وأَصل الهمزة
واو، وترجم ابن الأَثير واه. وقال في الحديث: من ابْتُليَ فَصَبر فَواهاً
واهاً قيل: معنى هذه الكلمة التلهف، وقد توضع موضع الإِعجاب بالشيء، يقال:
واهاً له.
وقد تَرِدُ بمعنى الــتَّوَجُّع، وقيل: الــتوجعُ يقال فيه آهاً، قال: ومنه
حديث أَبي الدرداء ما أَنكرتم من زمانكم فيما غَيَّرتُمْ من أَعمالكم،
إِن يَكُنْ خيراً فواهاً واهاً، وإِن يكن شَرّاً فآهاً آهاً؛ قال: والأَلف
فيها غير مهموزة، قال: وإِنما ذكرتها في هذه الترجمة للفظها.
أحح: أَحّ: حكاية تنحنح أَو توجع. وأَحَّ الرجلُ: رَدَّدَ التَّنَحْنُحَ
في حلقه، وقيل: كأَنه تَوَجُّعٌ مع تَنَحْنُح.
والأُحاحُ، بالضم: العَطَشُ. والأُحاحُ: اشتداد الحرّ، وقيل: اشتداد
الحزن أَو العَطش. وسمعت له أُحاحاً وأَحِيحاً إِذا سمعته يــتوجع من غيظ أَو
حزن؛ قال:
يَطْوي الحَيازِيمَ على أُحاحِ
والأُحَّة: كالأُحاحِ. والأُحاحُ والأَحِيحُ والأَحِيحَةُ: الغيظ
والضِّغْنُ وحرارة الغم؛ وأَنشد:
طَعْناً شَفَى سَرائر الأُحاحِ
الفراء: في صدره أُحاحٌ وأَحِيحَةٌ من الضِّغْن، وكذلك من الغيظ والحقد،
وبه سمي أُحَيْحَةُ بن الجُلاحِ، وهو اسم رجل من الأَوْسِ، مصغَّر.
وأَحَّ الرجلُ يَؤُحُّ أَحّاً: سَعَلَ؛ قال رؤْبة بن العجاج يصف رجلاً
بخيلاً إِذا سئل تنحنح وسَعَلَ:
يَكادُ من تَنَحْنُحٍ وأَحِّ،
يَحْكي سُعالَ النَّزِقِ الأَبَحِّ
وأَحَّ القومُ يَئِحُّونَ أَحّاً إِذا سمعت لهم حفيفاً عند مشيهم، وهذا
شاذٌّ.
حسس: الحِسُّ والحَسِيسُ: الصوتُ الخَفِيُّ؛ قال اللَّه تعالى: لا
يَسْمَعُون حَسِيسَها. والحِسُّ، بكسر الحاء: من أَحْسَسْتُ بالشيء. حسَّ
بالشيء يَحُسُّ حَسّاً وحِسّاً وحَسِيساً وأَحَسَّ به وأَحَسَّه: شعر به؛
وأَما قولهم أَحَسْتُ بالشيء فعلى الحَذْفِ كراهية التقاء المثلين؛ قال
سيبويه: وكذلك يفعل في كل بناء يُبْنى اللام من الفعل منه على السكون ولا تصل
إِليه الحركة شبهوها بأَقَمْتُ. الأَزهري: ويقال هل أَحَسْتَ بمعنى
أَحْسَسْتَ، ويقال: حَسْتُ بالشيء إِذا علمته وعرفته، قال: ويقال أَحْسَسْتُ
الخبَرَ وأَحَسْتُه وحَسَيتُ وحَسْتُ إِذا عرفت منه طَرَفاً. وتقول: ما
أَحْسَسْتُ بالخبر وما أَحَسْت وما حَسِيتُ ما حِسْتُ أَي لم أَعرف منه
شيئا ً
(* عبارة المصباح: وأحس الرجل الشيء إحساساً علم به، وربما زيدت
الباء فقيل: أحسّ به على معنى شعر به. وحسست به من باب قتل لغة فيه،
والمصدر الحس، بالكسر، ومنهم من يخفف الفعلين بالحذف يقول: أحسته وحست به،
ومنهم من يخفف فيهما بإبدال السين ياء فيقول: حسيت وأَحسيت وحست بالخبر من
باب تعب ويتعدى بنفسه فيقال: حست الخبر، من باب قتل. اهـ. باختصار.). قال
ابن سيده: وقالوا حَسِسْتُ به وحَسَيْتُه وحَسِيت به وأَحْسَيْتُ، وهذا
كله من محوَّل التضعيف، والاسم من كل ذلك الحِسُّ. قال الفراء: تقول من
أَين حَسَيْتَ هذا الخبر؛ يريدون من أَين تَخَبَرْته. وحَسِسْتُ بالخبر
وأَحْسَسْتُ به أَي أَيقنت به. قال: وربما قالوا حَسِيتُ بالخبر وأَحْسَيْتُ
به، يبدلون من السين ياء؛ قال أَبو زُبَيْدٍ:
خَلا أَنَّ العِتاقَ من المَطايا
حَسِينَ به، فهنّ إِليه شُوسُ
قال الجوهري: وأَبو عبيدة يروي بيت أَبي زبيد:
أَحَسْنَ به فهن إليه شُوسُ
وأَصله أَحْسَسْنَ، وقيل أَحْسَسْتُ؛ معناه ظننت ووجدت.
وحِسُّ الحمَّى وحِساسُها: رَسُّها وأَولها عندما تُحَسُّ؛ الأَخيرة عن
اللحياني. الأَزهري: الحِسُّ مس الحُمَّى أَوّلَ ما تَبْدأُ، وقال
الأَصمعي: أَول ما يجد الإِنسان مَسَّ الحمى قبل أَن تأْخذه وتظهر، فذلك
الرَّسُّ، قال: ويقال وَجَدَ حِسّاً من الحمى. وفي الحديث: أَنه قال لرجل متى
أَحْسَسْتَ أُمَّْ مِلْدَمٍ؟ أَي متى وجدت مَسَّ الحمى.
وقال ابن الأَثير: الإِحْساسُ العلم بالحواسِّ، وهي مَشاعِرُ الإِنسان
كالعين والأُذن والأَنف واللسان واليد، وحَواسُّ الإِنسان: المشاعر الخمس
وهي الطعم والشم والبصر والسمع واللمس. وحَواسُّ الأَرض خمس: البَرْدُ
والبَرَدُ والريح والجراد والمواشي.
والحِسُّ: وجع يصيب المرأَة بعد الولادة، وقيل: وجع الولادة عندما
تُحِسُّها، وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: أَنه مَرَّ بامرأَة قد ولدت فدعا
لها بشربة من سَوِيقٍ وقال: اشربي هذا فإِنه يقطع الحِسَّ. وتَحَسَّسَ
الخبر: تطلَّبه وتبحَّثه. وفي التنزيل: يا بَنيَّ اذهبوا فَتحَسَّسوا من يوسف
وأَخيه. وقال اللحياني: تَحَسَّسْ فلاناً ومن فلان أَي تَبَحَّثْ،
والجيم لغيره. قال أَبو عبيد: تَحَسَّسْت الخبر وتَحَسَّيته، وقال شمر:
تَنَدَّسْتُه مثله. وقال أَبو معاذ: التَحَسُّسُ شبه التسمع والتبصر؛ قال:
والتَجَسُّسُ، بالجيم، البحث عن العورة، قاله في تفسير قوله تعالى: ولا
تَجَسَّسوا ولا تَحَسَّسُوا. ابن الأَعرابي: تَجَسَّسْتُ الخبر وتَحَسَّسْتُه
بمعنى واحد. وتَحَسَّسْتُ من الشيء أَي تَخَبَّرت خبره. وحَسَّ منه خبراً
وأَحَسَّ، كلاهما: رأَى. وعلى هذا فسر قوله تعالى: فلما أَحسَّ عيسى
منهم الكُفْرَ. وحكى اللحياني: ما أَحسَّ منهم أَحداً أَي ما رأَى. وفي
التنزيل العزيز: هل تُحِسُّ منهم من أَحد، وقيل في قوله تعالى: هل تحس منهم
من أَحد، وقيل في قوله تعالى: هل تحس منهم من أَحد، معناه هل تُبْصِرُ هل
تَرى؟ قال الأَزهري: وسمعت العرب يقول ناشِدُهم لِضَوالِّ الإِبل إِذا
وقف على
(* كذا بياض بالأَصل.) ... أَحوالاً وأَحِسُّوا ناقةً صفتها كذا
وكذا؛ ومعناه هل أَحْسَستُم ناقة، فجاؤوا على لفظ الأَمر؛ وقال الفراء في
قوله تعالى: فلما أَحسَّ عيسى منهم الكفر، وفي قوله: هل تُحِسُّ منهم من
أَحد، معناه: فلما وَجَد عيسى، قال: والإِحْساسُ الوجود، تقول في الكلام:
هل أَحْسَسْتَ منهم من أَحد؟ وقال الزجاج: معنى أَحَسَّ علم ووجد في
اللغة. ويقال: هل أَحسَست صاحبك أَي هل رأَيته؟ وهل أَحْسَسْت الخبر أَي هل
عرفته وعلمته. وقال الليث في قوله تعالى: فلما أَحس عيسى منهم الكفر؛ أَي
رأَى. يقال: أَحْسَسْتُ من فلان ما ساءني أَي رأَيت. قال: وتقول العرب ما
أَحَسْتُ منهم أَحداً، فيحذفون السين الأُولى، وكذلك في قوله تعالى:
وانظر إِلى إِلهك الذي ظَلْتَ عليه عاكفاً، وقال: فَظَلْتُم تَفَكَّهون،
وقرئ: فَظِلْتُم، أُلقيت اللام المتحركة وكانت فَظَلِلْتُم. وقال ابن
الأَعرابي: سمعت أَبا الحسن يقول: حَسْتُ وحَسِسْتُ ووَدْتُ ووَدِدْتُ وهَمْتُ
وهَمَمْتُ. وفي حديث عوف بن مالك: فهجمت على رجلين فلقت هل حَسْتُما من
شيء؟ قالا: لا. وفي خبر أَبي العارِم: فنظرت هل أُحِسُّ سهمي فلم أَرَ
شيئاً أَي نظرت فلم أَجده.
وقال: لا حَساسَ من ابْنَيْ مُوقِدِ النار؛ زعموا أَن رجلين كانا يوقدان
بالطريق ناراً فإِذا مرَّ بهما قوم أَضافاهم، فمرَّ بهما قوم وقد ذهبا،
فقال رجل: لا حَساسَ من ابْنَيْ مُوقِدِ النار، وقيل: لا حَسَاسَ من ابني
موقد النار، لا وجود، وهو أَحسن. وقالوا: ذهب فلان فلا حَساسَ به أَي لا
يُحَسُّ به أَو لا يُحَسُّ مكانه. والحِسُّ والحَسِيسُ: الذي نسمعه مما
يمرّ قريباً منك ولا تراه، وهو عامٌّ في الأَشياء كلها؛ وأَنشد في صفة
بازٍ:
تَرَى الطَّيْرَ العِتاقَ يَظَلْنَ منه
جُنُوحاً، إِن سَمِعْنَ له حَسِيسا
وقوله تعالى: لا يَسْمَعُون حَسِيسَها أَي لا يسمعون حِسَّها وحركة
تَلَهُّبِها. والحَسيسُ والحِسُّ: الحركة. وفي الحديث: أَنه كان في مسجد
الخَيْفِ فسمع حِسَّ حَيَّةٍ؛ أَي حركتها وصوت مشيها؛ ومنه الحديث: إِن
الشيطان حَسَّاس لَحَّاسٌ؛ أَي شديد الحسَّ والإَدراك. وما سمع له حِسّاً ولا
جِرْساً؛ الحِسُّ من الحركة والجِرْس من الصوت، وهو يصلح للإِنسان وغيره؛
قال عَبْدُ مَناف بن رِبْعٍ الهُذَليّ:
وللقِسِيِّ أَزامِيلٌ وغَمْغَمَةٌ،
حِسَّ الجَنُوبِ تَسُوقُ الماءَ والبَرَدا
والحِسُّ: الرَّنَّةُ. وجاءَ بالمال من حِسَّه وبِسِّه وحَسِّه وبَسِّه،
وفي التهذيب: من حَسِّه وعَسِّه أَي من حيث شاءَ. وجئني من حَسِّك
وبَسِّك؛ معنى هذا كله من حيث كان ولم يكن. وقال الزجاج: تأْويله جئ به من
حيث تُدركه حاسَّةٌ من حواسك أَو يُدركه تَصَرُّفٌ من تَصَرٍّفِك. وفي
الحديث أَن رجلاً قال: كانت لي ابنة عم فطلبتُ نَفْسَها، فقالت: أَو تُعْطيني
مائة دينار؟ فطلبتها من حَِسِّي وبَِسِّي؛ أَي من كل جهة. وحَسَّ، بفتح
الحاء وكسر السين وترك التنوين: كلمة تقال عند الأَلم. ويقال: إِني لأَجد
حِسّاً من وَجَعٍ؛ قال العَجَّاجُ:
فما أَراهم جَزَعاً بِحِسِّ،
عَطْفَ البَلايا المَسَّ بعد المَسِّ
وحَرَكاتِ البَأْسِ بعد البَأْسِ،
أَن يَسْمَهِرُّوا لضِراسِ الضَّرْسِ
يسمهرّوا: يشتدوا. والضِّراس: المُعاضَّة. والضَّرْسُ: العَضُّ. ويقال:
لآخُذَنَّ منك الشيء بِحَسٍّ أَو بِبَسٍّ أَي بمُشادَّة أَو رفق، ومثله:
لآخذنه هَوْناً أَو عَتْرَسَةً. والعرب تقول عند لَذْعة النار والوجع
الحادِّ: حَسِّ بَسِّ، وضُرِبَ فما قال حَسٍّ ولا بَسٍّ، بالجر والتنوين،
ومنهم من يجر ولا ينوَّن، ومنهم من يكسر الحاء والباء فيقول: حِسٍّ ولا
بِسٍّ، ومنهم من يقول حَسّاً ولا بَسّاً، يعني الــتوجع. ويقال: اقْتُصَّ من
فلان فما تَحَسَّسَ أَي ما تَحَرَّك وما تَضَوَّر. الأَزهري: وبلغنا أَن
بعض الصالحين كان يَمُدُّ إِصْبعه إِلى شُعْلَة نار فإِذا لذعته قال:
حَسِّ حَسِّ كيف صَبْرُكَ على نار جهنم وأَنت تَجْزَعُ من هذا؟ قال
الأَصمعي: ضربه فما قال حَسِّ، قال: وهذه كلمة كانت تكره في الجاهلية، وحَسِّ
مثل أَوَّهْ، قال الأَزهري: وهذا صحيح. وفي الحديث: أَنه وضع يده في
البُرْمَة ليأْكل فاحترقت أَصابعه فقال: حَسِّ؛ هي بكسر السين والتشديد، كلمة
يقولها الإِنسان إِذا أَصابه ما مَضَّه وأَحرقه غفلةً كالجَمْرة
والضَّرْبة ونحوها. وفي حديث طلحة، رضي اللَّه عنه: حين قطعت أَصابعه يوم أُحُدٍ
قال: حَسَّ، فقال رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم: لو قلت بسم اللَّه
لرفعتك الملائكة والناس ينظرون. وفي الحديث: أَن النبي، صلى اللَّه عليه
وسلم، كان ليلة يَسْري في مَسِيره إِلى تَبُوك فسار بجنبه رجل من أَصحابه
ونَعَسا فأَصاب قَدَمُه قَدَمَ رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم، فقال:
حَسِّ؛ ومنه قول العجاج، وقد تقدم.
وبات فلانٌ بِحَسَّةٍ سَيِّئة وحَسَّةِ سَوْءٍ أَي بحالة سَوْءٍ وشدّة،
والكسر أَقيس لأَن الأَحوال تأْتي كثيراً على فِعْلَة كالجِيْئَةِ
والتَّلَّةِ والبِيْئَةِ. قال الأَزهري: والذي حفظناه من العرب وأَهل اللغة:
بات فلان بجيئة سوء وتلة سوء وبيئة سوء، قال: ولم أَسمع بحسة سوء لغير
الليث.
وقال اللحياني: مَرَّتْ بالقوم حَواسُّ أَي سِنُونَ شِدادٌ.
والحَسُّ: القتل الذريع. وحَسَسْناهم أَي استَأْصلناهم قَتْلاً.
وحَسَّهم يَحُسُّهم حَسّاً: قتلهم قتلاً ذريعاً مستأْصلاً. وفي التنزيل العزيز:
إِذ تَحُسُّونهم بإِذنه؛ أَي تقتلونهم قتلاً شديداً، والاسم الحُساسُ؛ عن
ابن الأَعرابي؛ وقال أَبو إِسحق: معناه تستأْصلونهم قتلاً. يقال:
حَسَّهم القائد يَحُسُّهم حَسّاً إِذا قتلهم. وقال الفراء: الحَسُّ القتل
والإِفناء ههنا. والحَسِيسُ؛ القتيل؛ قال صَلاءَةُ بن عمرو الأَفْوَهُ:
إِنَّ بَني أَوْدٍ هُمُ ما هُمُ،
للحَرْبِ أَو للجَدْبِ، عامَ الشُّمُوسْ
يَقُونَ في الجَحْرَةِ جِيرانَهُمْ،
بالمالِ والأَنْفُس من كل بُوسْ
نَفْسِي لهم عند انْكسار القَنا،
وقد تَرَدَّى كلُّ قِرْنٍ حَسِيسْ
الجَحْرَة: السنة الشديدة. وقوله: نفْسي لهم أَي نفسي فداء لهم فحذف
الخبر. وفي الحديث: حُسُّوهم بالسيف حَسّاً؛ أَي استأْصلوهم قتلاً. وفي حديث
علي: لقد شَفى وحاوِح صَدْري حَسُّكم إِياهم بالنِّصال. والحديث الآخر:
كما أَزالوكم حَسّاً بالنصال، ويروى بالشين المعجمة. وجراد محسوسٌ: قتلته
النار. وفي الحديث: أَنه أُتِيَ بجراد مَحْسوس. وحَسَّهم يَحُسُّهم:
وَطِئَهم وأَهانهم.
وحَسَّان: اسم مشتق من أَحد هذه الأَشياءِ؛ قال الجوهري: إِن جعلته
فَعْلانَ من الحَسِّ لم تُجْره، وإِن جعلته فَعَّالاً من الحُسْنِ أَجريته
لأَن النون حينئذ أَصلية.
والحَسُّ: الجَلَبَةُ. والحَسُّ: إِضْرار البرد بالأَشياء. ويقال:
أَصابتهم حاسَّة من البرد. والحِسُّ: برد يُحْرِق الكلأَ، وهو اسم، وحَسَّ
البَرْدُ. والكلأَ يَحُسُّه حَسّاً، وقد ذكر أَن الصاد لغة؛ عن أَبي حنيفة.
ويقال: إِن البرد مَحَسَّة للنبات والكلإِ، بفتح الجيم، أَي يَحُسُّه
ويحرقه. وأَصابت الأَرضَ حاسَّةٌ أَي بَرْدٌ؛ عن اللحياني، أَنَّته على معنى
المبالغة أَو الجائحة. وأَصابتهم حاسَّةٌ: وذلك إِذا أَضرَّ البردُ أَو
غيره بالكلإِ؛ وقال أَوْسٌ:
فما جَبُنُوا أَنَّا نَشُدُّ عليهمُ،
ولكن لَقُوا ناراً تَحُسُّ وتَسْفَعُ
قال الأَزهري: هكذا رواه شمر عن ابن الأَعرابي وقال: تَحُسُّ أَي
تُحْرِقُ وتُفْني، من الحاسَّة، وهي الآفة التي تصيب الزرع والكلأَ فتحرقه.
وأَرض مَحْسوسة: أَصابها الجراد والبرد. وحَسَّ البردُ الجرادَ: قتله. وجراد
مَحْسُوس إِذا مسته النار أَو قتلته. وفي الحديث في الجراد: إِذا حَسَّه
البرد فقتله. وفي حديث عائشة: فبعثت إِليه بجراد مَحْسُوس أَي قتله
البرد، وقيل: هو الذي مسته النار. والحاسَّة: الجراد يَحُسُّ الأَرض أَي
يأْكل نباتها. وقال أَبو حنيفة: الحاسَّة الريح تَحْتِي التراب في الغُدُرِ
فتملؤها فيَيْبَسُ الثَّرَى. وسَنَة حَسُوس إِذا كانت شديدة المَحْل قليلة
الخير. وسنة حَسُوس: تأْكل كل شيء؛ قال:
إِذا شَكَوْنا سَنَةً حَسُوسا،
تأْكلُ بَعْدَ الخُضْرَةِ اليَبِيسا
أَراد تأْكل بعد الأَخضر اليابس إِذ الخُضرة واليُبْسُ لا يؤكلان
لأَنهما عَرَضانِ. وحَسَّ الرأْسَ يَحُسُّه حَسّاً إِذا جعله في النار فكلما
شِيطَ أَخذه بشَفْرَةٍ. وتَحَسَّسَتْ أَوبارُ الإِبل: تَطَايَرَتْ وتفرّقت.
وانْحَسَّت أَسنانُه: تساقطت وتَحاتَّتْ وتكسرت؛ وأَنشد للعجاج:
في مَعْدِنِ المُلْك الكَريمِ الكِرْسِ،
ليس بمَقْلوع ولا مُنْحَسِّ
قال ابن بري: وصواب إِنشاد هذا الرجز بمعدن الملك؛ وقبله:
إِن أَبا العباس أَولَى نَفْسِ
وأَبو العباس هو الوليد بن عبد الملك، أَي هو أَولى الناس بالخلافة
وأَولى نفس بها، وقوله:
ليس بمقلوع ولا منحس
أَي ليس بمحوّل عنه ولا مُنْقَطِع.
الأَزهري: والحُساسُ مثل الجُذاذ من الشيء، وكُسارَةُ الحجارة الصغار
حُساسٌ؛ قال الراجز يذكر حجارة المنجنيق:
شَظِيَّة من رَفْضَّةِ الحُساسِ،
تَعْصِفُ بالمُسْتَلْئِم التَّرَّاسِ
والحَسُّ والاحْتِساسُ في كل شيء: أَن لا يترك في المكان شيء. والحُساس:
سمك صِغار بالبحرين يجفف حتى لا يبقى فيه شيء من مائه، الواحدة حُساسَة.
قال الجوهري: والحُساس، بالضم، الهِفُّ، وهو سمك صغار يجفف. والحُساسُ:
الشُّؤْمُ والنَّكَدُ. والمَحْسوس: المشؤوم؛ عن اللحياني. ابن الأَعرابي:
الحاسُوس المشؤوم من الرجال. ورجل ذو حُساسٍ: ردِيء الخُلُقِ؛ قال:
رُبَّ شَريبٍ لك ذي حُساسِ،
شَرابُه كالحَزِّ بالمَواسِي
فالحُساسُ هنا يكون الشُّؤْمَ ويكون رَداءة الخُلُق. وقال ابن الأَعرابي
وحده: الحُساسُ هنا القتل، والشريب هنا الذي يُوارِدُك على الحوض؛ يقول:
انتظارك إِياه قتل لك ولإِبلك.
والحِسُّ: الشر؛ تقول العرب: أَلْحِقِ الحِسَّ بالإِسِّ؛ الإِسُّ هنا
الأَصل، تقول: أَلحق الشر بأَهله؛ وقال ابن دريد: إِنما هو أَلصِقوا
الحِسَّ بالإِسِّ أَي أَلصقوا الشر بأُصول من عاديتم. قال الجوهري: يقال
أَلْحِقِ الحِسَّ بالإِسِّ، معناه أَلحق الشيء بالشيء أَي إِذا جاءَك شيء من
ناحية فافعل مثله. والحِسُّ: الجَلْدُ.
وحَسَّ الدابة يَحُسُّها حَسّاً: نفض عنها التراب، وذلك إِذا فَرْجَنها
بالمِحَسَّة أَي حَسَّها. والمِحَسَّة، بكسر الميم: الفِرْجَوْنُ؛ ومنه
قول زيد بن صُوحانَ حين ارْتُثَّ يوم الجمل: ادفنوني في ثيابي ولا
تَحُسُّوا عني تراباً أَي لا تَنْفُضوه، من حَسَّ الدابة، وهو نَفْضُكَ التراب
عنها. وفي حديث يحيى بن عَبَّاد: ما من ليلة أَو قرية إِلا وفيها مَلَكٌ
يَحُسُّ عن ظهور دواب الغزاة الكَلالَ أَي يُذْهب عنها التَّعَب بَحسِّها
وإِسقاط التراب عنها. قال ابن سيده: والمِحَسَّة، مكسورة، ما يُحَسُّ به
لأَنه مما يعتمل به.
وحَسَسْتُ له أَحِسُّ، بالكسر، وحَسِسْتُ حَِسّاً فيهما: رَقَقْتُ له.
تقول العرب: إِن العامِرِيَّ ليَحِسَّ للسَّعْدِي، بالكسر، أَي يَرِقُّ
له، وذلك لما بينهما من الرَّحِم. قال يعقوب: قال أَبو الجَرَّاحِ
العُقَيْلِيُّ ما رأَيت عُقيليّاً إِلا حَسَسْتُ له؛ وحَسِسْتُ أَيضاً، بالكسر:
لغة فيه؛ حكاها يعقوب، والاسم الحَِسُّ؛ قال القُطامِيُّ:
أَخُوكَ الذي تَملِكُ الحِسَّ نَفْسُه،
وتَرْفَضُّ، عند المُحْفِظاتِ، الكتائِفُ
ويروى: عند المخطفات. قال الأَزهري: هكذا روى أَبو عبيد بكسر الحاء،
ومعنى هذا البيت معنى المثل السائر: الحَفائِظُ تُحَلِّلُ الأَحْقادَ، يقول:
إِذا رأَيتُ قريبي يُضام وأَنا عليه واجدٌ أَخرجت ما في قلبي من
السَّخِيمة له ولم أَدَعْ نُضْرَته ومعونته، قال: والكتائف الأَحقاد، واحدتها
كَتِيفَة. وقال أَبو زيد: حَسَسْتُ له وذلك أَن يكون بينهما رَحِمٌ
فَيَرِقَّ له، وقال أَبو مالك: هو أَن يتشكى له ويــتوجع، وقال: أَطَّتْ له مني
حاسَّةُ رَحِم. وحَسَِسْتُ له حَِسّاً: رَفَقْتُ؛ قال ابن سيده: هكذا وجدته
في كتاب كراع، والصحيح رَقَقْتُ، على ما تقدم. الأَزهري: الحَسُّ
العَطْفُ والرِّقَّة، بالفتح؛ وأَنشد للكُمَيْت:
هل مَنْ بكى الدَّارَ راجٍ أَن تَحِسَّ له،
أَو يُبْكِيَ الدَّارَ ماءُ العَبْرَةِ الخَضِلُ؟
وفي حديث قتادة، رضي اللَّه عنه: إِن المؤمن ليَحِسُّ للمنافق أَي يأْوي
له ويــتوجع. وحَسِسْتُ له، بالفتح والكسر، أُحِسُّ أَي رَقَقْتُ له.
ومَحَسَّةُ المرأَة: دُبُرُها، وقيل: هي لغة في المَحَشَّة.
والحُساسُ: أَن يضع اللحم على الجَمْرِ، وقيل: هو أَن يُنْضِجَ أَعلاه
ويَتْرُكَ داخِله، وقيل: هو أَن يَقْشِرَ عنه الرماد بعد أَن يخرج من
الجمر. وقد حَسَّه وحَسْحَسَه إِذا جعله على الجمر، وحَسْحَسَتُه صوتُ
نَشِيشِه، وقد حَسْحَسَتْه النار، ابن الأَعرابي: يقال حَسْحَسَتْه النارُ
وحَشْحَشَتْه بمعنى. وحَسَسْتُ النار إِذا رددتها بالعصا على خُبْزَة
المَلَّةِ أَو الشِّواءِ من نواحيه ليَنْضَجَ؛ ومن كلامهم: قالت الخُبْزَةُ لولا
الحَسُّ ما باليت بالدَّسِّ.
ابن سيده: ورجل حَسْحاسٌ خفيف الحركة، وبه سمي الرجل. قال الجوهري:
وربما سَمَّوا الرجلَ الجواد حَسْحاساً؛ قال الراجز:
مُحِبَّة الإِبْرام للحَسْحاسِ
وبنو الحَسْحَاسِ: قوم من العرب.
أنن: أَنَّ الرجلُ من الوجع يَئِنُّ أَنيناً، قال ذو الرمة:
يَشْكو الخِشاشَ ومَجْرى النَّسْعَتَين، كما
أَنَّ المرِيضُ، إلى عُوَّادِه، الوَصِبُ
والأُنانُ، بالضم: مثل الأَنينِ؛ وقال المغيرة بن حَبْناء يخاطب أَخاه
صخراً:
أَراكَ جَمَعْتَ مسْأَلةً وحِرْصاً،
وعند الفَقْرِ زَحّاراً أُنانا
وذكر السيرافي أَن أُُناناً هنا مثل خُفافٍ وليس بمصدر فيكون مثل زَحّار
في كونه صفة، قال: والصِّفتان هنا واقِعتان موقع المصدر، قال: وكذلك
التأْنانُ؛ وقال:
إنَّا وجَدْنا طَرَدَ الهَوامِلِ
خيراً من التَّأْنانِ والمَسائِلِ
(* قوله «إنا وجدنا إلخ» صوّب الصاغاني زيادة مشطور بين المشطورين وهو:
بين الرسيسين وبين عاقل).
وعِدَةِ العامِ وعامٍ قابِلِ
مَلْقوحةً في بَطْنِ نابٍ حائلِ.
ملقوحة: منصوبةٌ بالعِدَة، وهي بمعنى مُلْقَحَةً، والمعنى أَنها عِدةٌ
لا تصح لأَن بطنَ الحائل لا يكون فيه سَقْبٌ مُلْقَحة. ابن سيده: أَنَّ
الرجلُ يَئِنُّ أَنّاً وأَنيناً وأُناناً وأَنَّةً تأَوَّه. التهذيب: أَنَّ
الرجلُ يَئِنُّ أَنيناً وأَنَتَ يأْنِتُ أَنيتاً ونأَتَ يَنْئِتُ
نَئِيتاً بمعنى واحد. ورجل أَنّانٌ وأُنانٌ وأُنَنةٌ: كثيرُ الأَنين، وقيل:
الأُنَنةُ الكثيرُ الكلام والبَثِّ والشَّكْوَى، ولا يشتقّ منه فعل، وإذا
أَمرت قلت: إينِنْ لأَن الهمزتين إذا التَقَتا فسكنت الأَخيرة اجتمعوا على
تَلْيينِها، فأَما في الأَمر الثاني فإنه إذا سكنت الهمزة بقي النونُ مع
الهمزة وذهبت الهمزة الأُولى. ويقال للمرأَة: إنِّي، كما يقال للرجل
اقْررْ، وللمرأَة قِرِّي، وامرأَة أنّانةٌ كذلك. وفي بعض وصايا العرب: لا
تَتّخِذْها حَنَّانةً
ولا مَنّانةً ولا أَنّانةً. وما له حانَّةٌ ولا آنّةٌ أَي ما لَه ناقةٌ
ولا شاةٌ، وقيل: الحانّةُ الناقةُ والآنّةُ الأَمَةُ تَئِنّ من التعب.
وأَنَّتِ القوسُ تَئِنُّ أَنيناً: أَلانت صوتَها ومَدّته؛ حكاه أَبو حنيفة؛
وأَنشد قول رؤبة:
تِئِنُّ حينَ تجْذِبُ المَخْطوما،
أَنين عَبْرَى أَسْلَمت حَميما.
والأُنَنُ: طائرٌ يَضْرِبُ إلى السَّواد، له طَوْقٌ
كهيئة طَوْق الدُّبْسِيّ، أَحْمَرُ الرِّجْلين والمِنْقار، وقيل: هو
الوَرَشان، وقيل: هو مثل الحمام إلا أَنه أَسود، وصوتُه أَنِينٌ: أُوهْ
أُوهْ. وإنِّه لَمِئنّةٌ أَن يفعل ذلك أَي خَليقٌ، وقيل: مَخْلَقة من ذلك،
وكذلك الإثنان والجمع والمؤنث، وقد يجوز أَن يكون مَئِنّةٌ فَعِلَّةً، فعلى
هذا ثلاثيٌّ. وأَتاه على مَئِنّةِ ذلك أَي حينهِ ورُبّانِه. وفي حديث
ابن مسعود: إنّ طُولَ الصلاةِ وقِصَرَ الخُطْبةِ مَئِنّةٌ من فِقْهِ الرجل
أَي بيانٌ منه. أَبو زيد: إنِّه لَمَئِنّةٌ أَن يفعل ذلك، وأَنتما
وإنّهنّ لَمَئِنّةٌ أَن تفعلوا ذلك بمعنى إنّه لخَليق أَن يفعل ذلك؛ قال
الشاعر:
ومَنْزِل منْ هَوَى جُمْلٍ نَزَلْتُ به،
مَئِنّة مِنْ مَراصيدِ المَئِنّاتِ
به تجاوزت عن أُولى وكائِده،
إنّي كذلك رَكّابُ الحَشِيّات.
أَول حكاية
(* قوله «أول حكاية» هكذا في الأصل). أَبو عمرو: الأَنّةُ
والمَئِنّة والعَدْقةُ والشَّوْزَب واحد؛ وقال دُكَيْن:
يَسْقِي على درّاجةٍ خَرُوسِ،
مَعْصُوبةٍ بينَ رَكايا شُوسِ،
مَئِنّةٍ مِنْ قَلَتِ النُّفوسِ
يقال: مكان من هلاكِ النفوس، وقولُه مكان من هلاك النفوس تفسيرٌ
لِمَئِنّةٍ، قال: وكلُّ ذلك على أَنه بمنزلة مَظِنَّة، والخَروسُ: البَكْرةُ
التي ليست بصافية الصوتِ، والجَروسُ، بالجيم: التي لها صوت. قال أَبو عبيد:
قال الأَصمعي سأَلني شعبة عن مَئِنَّة فقلت: هو كقولك عَلامة وخَليق، قال
أََبو زيد: هو كقولك مَخْلَقة ومَجْدَرة؛ قال أبو عبيد: يعني أَن هذا
مما يُعْرَف به فِقْهُ الرجل ويُسْتَدَلُّ به عليه، قال: وكلُّ شيءٍ دلَّكَ
على شيءٍ فهو مَئِنّةٌ له؛ وأَنشد للمرّار:
فَتَهامَسوا سِرّاً فقالوا: عَرِّسوا
من غَيْر تَمْئِنَةٍ لغير مُعَرِّسِ
قال أَبو منصور: والذي رواه أَبو عبيد عن الأَصمعي وأَبي زيد في تفسير
المَئِنّة صحيحٌ، وأمّا احْتِجاجُه برأْيه ببَيْت المرار في التَّمْئِنَة
للمَئِنَّة فهو غلط وسهوٌ، لأَن الميمَ في التَّمْئِنة أَصليةٌ، وهي في
مَئِنّةٍ مَفْعِلةٌ ليست بأَصلية، وسيأْتي تفسير ذلك في ترجمة مأَن.
اللحياني: هو مَئِنَّةٌ أَن يفعل ذلك ومَظِنَّة أَن يفعل ذلك؛ وأَنشد:
إنَّ اكتِحالاً بالنَّقِيّ الأمْلَجِ،
ونَظَراً في الحاجِبِ المُزَجَّجِ
مَئِنَّةٌ منَ الفعال الأعْوجِ
فكأَن مَئِنّةً، عند اللحياني، مبدلٌ الهمزةُ فيها من الظاء في
المَظِنَّة، لأَنه ذكر حروفاً
تُعاقِب فيها الظاءُ الهمزةَ، منها قولُهم: بيتٌ حسَنُ الأَهَرَةِ
والظَّهَرةِ. وقد أَفَرَ وظَفَر أَي وثَب. وأَنَّ الماءَ يؤُنُّه أنّاً إذا
صبَّه. وفي كلام الأَوائل: أُنَّ ماءً ثم أَغْلِه أَي صُبَّه وأَغْلِه؛
حكاه ابن دريد، قال: وكان ابن الكلبي يرويه أُزّ ماءً ويزعُمُ أَنَّ أُنَّ
تصحيفٌ. قال الخليل فيما روى عنه الليث: إنَّ الثقيلةُ تكون منصوبةَ
الأَلفِ، وتكونُ مكسورةَ الأَلف، وهي التي تَنْصِبُ الأَسماء، قال: وإذا كانت
مُبتَدأَةً ليس قبلها شيءٌ يُعْتمد عليه، أَو كانت مستأْنَفَةً بعد كلام
قديم ومَضَى، أَو جاءت بعدها لامٌ مؤكِّدَةٌ يُعْتمد عليها كُسِرَتْ
الأَلفُ، وفيما سوى ذلك تُنْصَب الأَلف. وقال الفراء في إنَّ: إذا جاءت بعد
القول وما تصرَّف من القول وكانت حكايةً لم يَقَعْ عليها القولُ وما
تصرَّف منه فهي مكسورة، وإن كانت تفسيراً للقول نَصَبَتْها وذلك مثل قول الله
عز وجل: ولا يَحْزُنْك قولُهم إن العِزَّة لله جميعاً؛ وكذلك المعنى
استئنافٌ كأَنه قال: يا محمد إن العزَّة لله جميعاً، وكذلك: وقوْلِهم إنَّا
قَتَلْنا المسيحَ عيسى بن مَريَمَ، كسَرْتَها لأَنها بعد القول على
الحكاية، قال: وأَما قوله تعالى: ما قلتُ لهم إلا ما أَمَرْتَني به أَنِ
اعْبُدوا الله فإنك فتحْتَ الأَلفَ لأَنها مفسِّرة لِمَا وما قد وقع عليها
القولُ فنصبَها وموضعُها نصبٌ، ومثله في الكلام: قد قلت لك كلاماً حسَناً
أَنَّ أَباكَ شريفٌ وأَنك عاقلٌ، فتحتَ أَنَّ لأَنها فسَّرت الكلام
والكلامُ منصوبٌ، ولو أَردْتَ تكريرَ القول عليها كسَرْتَها، قال: وقد تكون إنَّ
بعد القول مفتوحةً
إذا كان القول يُرافِعُها، منْ ذلك أَن تقول: قولُ عبد الله مُذُ اليومِ
أَن الناس خارجون، كما تقول: قولُكَ مُذ اليومِ كلامٌ لا يُفْهم. وقال
الليث: إذا وقعت إنَّ على الأَسماء والصفات فهي مشدّدة، وإذا وقعت على
فعلٍ أَو حرفٍ لا يتمكن في صِفةٍ أَو تصريفٍ فخفِّفْها، تقول: بلغني أَن قد
كان كذا وكذا، تخفِّف من أَجل كان لأَنها فعل، ولولا قَدْ لم تحسن على
حال من الفعل حتى تعتمد على ما أَو على الهاء كقولك إنما كان زيد غائباً،
وبلَغني أَنه كان أَخو بكر غَنِيّاً، قال: وكذلك بلغني أَنه كان كذا وكذا،
تُشَدِّدُها إذا اعتمدَتْ، ومن ذلك قولك: إنْ رُبَّ رجل، فتخفف، فإذا
اعتمدَتْ قلت: إنه رُبَّ رجل، شدَّدْت وهي مع الصفات مشدّدة إنَّ لك وإنَّ
فيها وإنَّ بك وأَشباهها، قال: وللعرب لغتان في إنَّ المشدَّدة: إحداهما
التثقيل، والأُخرى التخفيف، فأَما مَن خفَّف فإنه يرفع بها إلا أَنَّ
ناساً من أَهل الحجاز يخفِّفون وينصبون على توهُّم الثقيلة، وقرئَ: وإنْ
كلاً لما ليُوفّينّهم؛ خففوا ونصبوا؛ وأَنشد الفراء في تخفيفها مع المضمر:
فلوْ أَنْكِ في يَوْمِ الرَّخاءِ سأَلْتِني
فِراقَك، لم أَبْخَلْ، وأَنتِ صديقُ
وأَنشد القول الآخر:
لقد عَلِمَ الضَّيفُ والمُرْمِلون،
إذا اغْبَرَّ أُفْقٌ وهَبَّتْ شمالا،
بأَنَّكَ ربيعٌ وغَيْثٌ مريع،
وقِدْماً هناكَ تكونُ الثِّمالا
قال أَبو عبيد: قال الكسائي في قوله عز وجل: وإنَّ الذين اختلفوا في
الكتاب لفي شقاق بعيد؛ كسرت إنّ لِمكان اللام التي استقبلتها في قوله لَفي،
وكذلك كلُّ ما جاءَك من أَنَّ فكان قبله شيءٌ يقع عليه فإنه منصوب، إلا
ما استقبَله لامٌ فإن اللام تُكْسِره، فإن كان قبل أَنَّ إلا فهي مكسورة
على كل حال، اسْتَقبَلَتْها اللام أَو لم تستقبلها كقوله عز وجل: وما
أَرسلْنا قبْلَك من المُرْسَلين إلا إنهم ليَأْكلون الطعامَ؛ فهذه تُكْسر وإن
لم تستقبلها لامٌ، وكذلك إذا كانت جواباً ليَمين كقولك: والله إنه
لقائمٌ، فإذا لم تأْتِ باللام فهي نصبٌ: واللهِ أَنَّكَ قائم، قال: هكذا سمعته
من العرب، قال: والنحويون يكسرون وإن لم تستقبلها اللامُ. وقال أَبو
طالب النحوي فيما روى عنه المنذري: أَهل البصرة غير سيبويه وذَوِيه يقولون
العرب تُخَفِّف أَنَّ الشديدة وتُعْمِلها؛ وأَنشدوا:
ووَجْهٍ مُشْرِقِ النَّحْر،
كأَنْ ثَدْيَيْه حُقَّانِ
أَراد كأَنَّ فخفَّف وأََعْمَلَ، قال: وقال الفراء لم نسمع العربَ
تخفِّف أَنَّ وتُعْمِلها إلا مع المَكْنيّ لأَنه لا يتبيَّن فيه إعراب، فأَما
في الظاهر فلا، ولكن إذا خَفَّفوها رفَعُوا، وأَما من خفَّف وإنْ كلاً
لمَا ليُوَفِّيَنَّهم، فإنهم نصبوا كُلاًّ بِلَيُوَفِّيَنَّهم كأَنه قال:
وإنْ ليُوفِّينَّهم كُلاًّ، قال: ولو رُفِعت كلٌّ لصلَح ذلك، تقول: إنْ
زيدٌ لقائمٌ. ابن سيده: إنَّ حرف تأْكيد. وقوله عز وجل: إنَّ هذانِ
لساحِران، أَخبر أَبو علي أَن أَبا إسحق ذهب فيه إلى أَنَّ إنَّ هنا بمعنى
نَعَمْ، وهذان مرفوعٌ بالابتداء، وأَنَّ اللامَ في لَساحران داخلةٌ على غير
ضرورة، وأَن تقديره نَعَمْ هذان هما ساحِران، وحكي عن أَبي إسحق أَنه قال:
هذا هو الذي عندي فيه، والله أَعلم. قال ابن سيده: وقد بيَّن أَبو عليٍّ
فسادَ ذلك فغَنِينا نحن عن إيضاحه هنا. وفي التهذيب: وأَما قول الله عز
وجل: إنَّ هذان لَساحِران، فإنَّ أبا إسحق النحوي اسْتَقْصى ما قال فيه
النحويون فحَكَيْت كلامه. قال: قرأَ المدنيُّون والكوفيون إلا عاصماً: إنَّ
هذان لَساحِران، وروي عن عاصم أَنه قرأَ: إنْ هذان، بتخفيف إنْ، وروي عن
الخليل: إنْ هذان لساحِران، قال: وقرأَ أَبو عمرو إنّ هذين لساحران،
بتشديد إنّ ونصْبِ هذين، قال أَبو إسحق: والحجةُ في إنّ هذان لساحِران،
بالتشديد والرفع، أَن أَبا عبيدة روى عن أَبي الخطاب أَنه لغةٌ لكنانةَ،
يجعلون أَلفَ الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون: رأَيت
الزيدان، وروى أَهلُ الكوفة والكسائي والفراء: أَنها لغة لبني الحرث بن
كعب، قال: وقال النحويون القُدَماء: ههنا هاءٌ مضمرة، المعنى: إنه هذانِ
لساحِران، قال: وقال بعضهم إنّ في معنى نعَمْ كما تقدم؛ وأَنشدوا لابن قيس
الرُّقَيَّات:
بَكَرَتْ عليَّ عواذِلي
يَلْحَيْنَنِي وأَلومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ: شَيْبٌ قدْ علاّ
كَ، وقد كَبِرْتَ، فقلتُ: إنَّهْ.
أَي إنه قد كان كما تَقُلْن؛ قال أَبو عبيد: وهذا اختصارٌ من كلام العرب
يُكتفى منه بالضمير لأَنه قد عُلِم معناه؛ وقال الفراء في هذا: إنهم
زادوا فيها النونَ في التثنية وتركوها على حالها في الرفع والنصب والجر، كما
فعَلوا في الذين فقالوا الَّذِي، في الرفع والنصب والجر، قال: فهذا جميع
ما قال النحويون في الآية؛ قال أَبو إسحق: وأَجودُها عندي أَن إنّ وقعت
موقع نَعَمْ، وأَن اللام وَقَعتْ موقِعَها، وأَنّ المعنى نعَمْ هذان لهما
ساحران، قال: والذي يلي هذا في الجَوْدَة مذهبُ بني كنانة وبَلْحَرِث بن
كعب، فأَما قراءةُ أَبي عمرو فلا أُجيزُها لأَنها خلافُ المصحف، قال:
وأَستحسن قراءةَ عاصم والخليل إنْ هذان لَساحِران. وقال غيرُه: العرب تجعل
الكلام مختصراً ما بعْدَه على إنَّه، والمراد إنه لكذلك، وإنه على ما
تقول، قال: وأَما قول الأَخفش إنَّه بمعنى نَعَمْ فإنما يُراد تأْويله ليس
أَنه موضوع في اللغة لذلك، قال: وهذه الهاء أُدْخِلت للسكوت. وفي حديث
فَضالة بن شَريك: أَنه لقِيَ ابنَ الزبير فقال: إنّ ناقتي قد نَقِبَ خفُّها
فاحْمِلْني، فقال: ارْقَعْها بجِلدٍ واخْصِفْها بهُلْبٍ وسِرْ بها
البَرْدَين، فقال فَضالةُ: إنما أَتَيْتُك مُسْتَحْمِلاً لا مُسْتَوْصِفاً، لا
حَمَلَ الله ناقةً حمَلتْني إليك فقال ابن الزبير: إنّ وراكِبَها أَي
نعَمْ مع راكبها. وفي حديث لَقيط ابن عامر: ويقول رَبُّكَ عز وجل وإنه أَي
وإنه كذلك، أَو إنه على ما تقول، وقيل: إنَّ بمعنى نعم والهاء للوقف،
فأَما قوله عز وجل: إنا كلَّ شيء خلْقناه بقَدَر، وإنَّا نحنُ نحْيي ونميت،
ونحو ذلك فأَصله إنَّنا ولكن حُذِفَت إحدى النُّونَين من إنَّ تخفيفاً،
وينبغي أَن تكونَ الثانيةَ منهما لأَنها طرَفٌ، وهي أَضعف، ومن العرب من
يُبْدِلُ هَمْزَتَها هاء مع اللام كما أَبدلوها في هَرَقْت، فتقول:
لَهِنَّك لَرَجُلُ صِدْقٍ، قال سيبويه: وليس كلُّ العرب تتكلم بها؛ قال
الشاعر:أَلا يا سَنا بَرْقٍ على قُنَنِ الحِمَى،
لَهِنّكَ من بَرْقٍ عليَّ كريم
وحِكى ابن الأَعرابي: هِنّك وواهِنّك، وذلك على البدل أَيضاً. التهذيب
في إنّما: قال النحويون أَصلها ما مَنَعت إنَّ من العمل، ومعنى إنما
إثباتٌ لما يذكر بعدها ونفيٌ لما سواه كقوله:
وإنما يُدافعُ عن أَحسابهم أَنا ومِثْلي
المعنى: ما يُدافع عن أَحسابِهم إلا أَنا أَو مَنْ هو مِثْلي، وأَنَّ:
كإن في التأْكيد، إلا أَنها تقع مَوْقِعَ الأَسماء ولا تُبْدَل همزتُها
هاءً، ولذلك قال سيبويه: وليس أَنَّ كإنَّ، إنَّ كالفِعْلِ، وأَنَّ
كالاسْمِ، ولا تدخل اللامُ مع المفتوحة؛ فأَما قراءة سعيد بن جُبيَر: إلاَّ
أَنهم ليأْكلون الطعام، بالفتح، فإن اللام زائدة كزيادتها في قوله:
لَهِنَّك في الدنيا لبَاقيةُ العُمْرِ
الجوهري: إنَّ وأَنَّ حرفان ينصبان الأَسماءَ ويرفعان الأَخبارَ،
فالمكسورةُ منهما يُؤكَّدُ بها الخبرُ، والمفتوحة وما بعدها في تأْويل المصدر،
وقد يُخَفِّفان، فإذا خُفِّفتا فإن شئتَ أَعْمَلْتَ وإن شئت لم تُعْمِلْ،
وقد تُزادُ على أَنَّ كافُ التشبيه، تقول: كأَنه شمسٌ، وقد تخفف أَيضاً
فلا تعْمَل شيئاً؛ قال:
كأَنْ ورِيداهُ رِشاءَا خُلُب
ويروى: كأَنْ ورِيدَيْهِ؛ وقال آخر:
ووَجْهٍ مُشْرِقِ النحرِ،
كأَنْ ثَدْياه حُقَّانِ
ويروى ثَدْيَيْه، على الإعمال، وكذلك إذا حذفْتَها، فإن شئت نصبت، وإن
شئت رفعت، قال طرفة:
أَلا أَيُّهَذا الزاجِرِي أَحْضُرَ الوغَى،
وأَن أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ، هل أَنتَ مُخْلدي؟
يروى بالنصب على الإعمال، والرفْعُ أَجود. قال الله تعالى: قل أَفغَيْرَ
الله تأْمرونِّي أَعبُدُ أَيُّها الجاهلون، قال النحويون: كأَنَّ
أَصلُها أَنَّ أُدخِلَ عليها كافُ التشبيه، وهي حرفُ تشبيه، والعربُ تنصب به
الاسمَ وترفع خبرَه، وقال الكسائي: قد تكون كأَنَّ بمعنى الجحد كقولك كأَنك
أميرُنا فتأْمُرُنا، معناه لستَ أََميرَنا، قال: وكأَنَّ أُخرى بمعنى
التَّمَنِّي كقولك كأَنك بي قد قلتُ الشِّعْرَ فأُجِيدَه، معناه لَيْتَني
قد قلتُ الشِّعْرَ فأُجيدَه، ولذلك نُصِب فأُجيدَه، وقيل: تجيء كأَنَّ
بمعنى العلم والظنِّ كقولك كأَنَّ الله يفعل ما يشاء، وكأَنك خارجٌ؛ وقال
أَبو سعيد: سمعت العرب تُنشِد هذا البيت:
ويومٍ تُوافينا بوَجْهٍ مُقَسَّمٍ،
كأَنْ ظَبْيَةً تَعْطُو إلى ناضِرِ السَّلَمْ
وكأَنْ ظَبْيَةٍ وكأَنْ ظَبْيَةٌ، فمن نَصَبَ أَرادَ كأَنَّ ظَبْيَةً
فخفف وأَعْمَل، ومَنْ خفَض أَراد كظَبْيَةٍ، ومَن رفع أَراد كأَنها
ظبْيَةٌ فخفَّفَ وأَعْمَل مع إضمارِ الكِناية؛ الجرار عن ابن الأَعرابي أَنه
أَنشد:
كأمَّا يحْتَطِبْنَ على قَتادٍ،
ويَسْتَضْكِكْنَ عن حَبِّ الغَمامِ.
قال: يريد كأَنما فقال كأَمَّا، والله أَعلم. وإنِّي وإنَّني بمعنى،
وكذلك كأَنِّي وكأَنَّني ولكنِّي ولكنَّني لأَنه كثُر استعمالهم لهذه
الحروف، وهم قد يَسْتَثْقِلون التضعيف فحذفوا النون التي تَلي الياء، وكذلك
لَعَلِّي ولَعَلَّني لأَن اللام قريبة من النون، وإن زِدْتَ على إنَّ ما
صارَ للتَّعيين كقوله تعالى: إنما الصَّدَقاتُ للفُقراء، لأَنه يُوجِبُ
إثْباتَ الحكم للمذكور ونَفْيَه عما عداه. وأَنْ قد تكون مع الفعل المستقبل
في معنى مصدرٍ فتَنْصِبُه، تقول: أُريد أن تقومَ، والمعنى أُريد قيامَك،
فإن دخلت على فعل ماضٍ كانت معه بمعنى مصدرٍ قد وقَع، إلا أَنها لا
تَعْمَل، تقول: أَعْجَبَني أَن قُمْتَ والمعنى أَعجبني قيامُك الذي مضى، وأَن
قد تكون مخفَّفة عن المشدَّدة فلا تعمل، تقول: بَلَغَني أَنْ زيدٌ خارجٌ؛
وفي التنزيل العزيز: ونُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الجنَّةُ أُورِثْتُموها؛ قال
ابن بري: قوله فلا تعمل يريدُ في اللفظ، وأَما في التقدير فهي عاملةٌ،
واسمها مقدَّرٌ
في النيَّة تقديره: أَنه تِلْكُمْ الجنة. ابن سيده: ولا أَفعل كذا ما
أَنَّ في السماء نجْماً؛ حكاه يعقوب ولا أَعرف ما وجهُ فتْح أَنَّ، إلا أَن
يكون على توهُّم الفعل كأَنه قال: ما ثبت أَنَّ في السماء نجْماً، أَو
ما وُجد أَنَّ في السماء نجْماً. وحكى اللحياني: ما أَنَّ ذلك الجَبَل
مكانَه، وما أَن حِراءً مكانَه، ولم يفسّره وقال في موضع آخر: وقالوا لا
أَفْعَله ما أَنَّ في السماء نجْمٌ، وما عَنَّ في السماء نجْمٌ أَي ما
عَرَضَ، وما أَنَّ في الفُرات قَطْرةٌ
أَي ما كان في الفُراتِ قطرةٌ، قال: وقد يُنْصَب، ولا أَفْعَله ما أَنَّ
في السماء سماءً، قال اللحياني: ما كانَ وإنما فسره على المعنى.
وكأَنَّ: حرفُ تشْبيهٍ إنما هو أَنَّ دخلت عليها الكاف؛ قال ابن جني: إن سأَل
سائلٌ فقال: ما وَجْهُ دخول الكاف ههنا وكيف أَصلُ وضْعِها وترتيبها؟
فالجوابُ أَن أَصلَ قولنا كأَنَّ زيداً عمرٌو إنما هو إنَّ زيداً كعمْرو،
فالكاف هنا تشبيهٌ صريحٌ، وهي متعلقة بمحذوف فكأَنك قلت: إنَّ زيداً كائنٌ
كعمْرو، وإنهم أَرادُوا الاهتمامَ بالتشبيه الذي عليه عقَدُوا الجملةَ،
فأَزالُوا الكاف من وسَط الجملة وقدّموها إلى أَوَّلها لإفراطِ عنايَتهم
بالتشبيه، فلما أَدخلوها على إنَّ من قَبْلِها وجب فتحُ إنَّ، لأَنَّ
المكسورة لا يتقدَّمُها حرفُ الجر ولا تقع إلاَّ أَولاً أَبداً، وبقِي معنى
التشبيه الذي كانَ فيها، وهي مُتوسِّطة بحالِه فيها، وهي متقدّمة، وذلك
قولهم: كأَنَّ زيداً
عمروٌ، إلا أَنَّ الكافَ الآنَ لمَّا تقدَّمت بطَل أَن تكون معلَّقةً
بفعلٍ ولا بشيءٍ في معنى الفعل، لأَنها فارَقَت الموضعَ الذي يمكن أَن
تتعلَّق فيه بمحذوف، وتقدمت إلى أَوَّل الجملة، وزالت عن الموضع الذي كانت
فيه متعلّقة بخبرِ إنَّ المحذوف، فزال ما كان لها من التعلُّق بمعاني
الأَفعال، وليست هنا زائدةً لأَن معنى التشبيه موجودٌ فيها، وإن كانت قد
تقدَّمت وأُزِيلت عن مكانها، وإذا كانت غير زائدة فقد بَقي النظرُ في أنَّ
التي دخلت عليها هل هي مجرورة بها أَو غير مجرورة؛ قال ابن سيده: فأَقوى
الأَمرين عليها عندي أََن تكون أنَّ في قولك كأَنك زيدٌ مجرورة بالكاف، وإن
قلت إنَّ الكافَ في كأَنَّ الآن ليست متعلقة بفعل فليس ذلك بمانعٍ من
الجرِّ فيها، أَلا ترى أَن الكاف في قوله تعالى: ليس كمِثْله شيءٌ، ليست
متعلقة بفعل وهي مع ذلك جارّة؟ ويُؤَكِّد عندك أَيضاً
هنا أَنها جارّة فتْحُهم الهمزة بعدها كما يفْتحونها بعد العَوامِل
الجارّة وغيرها، وذلك قولهم: عجِبتُ مِن أَنك قائم، وأَظنُّ أَنك منطلق،
وبلغَني أَنك كريمٌ، فكما فتحت أَنَّ لوقوعِها بعد العوامل قبلها موقعَ
الأَسماء كذلك فتحت أَيضاً في كأَنك قائم، لأَن قبلها عاملاً قد جرَّها؛ وأَما
قول الراجز:
فبادَ حتى لَكأَنْ لمْ يَسْكُنِ،
فاليومَ أَبْكي ومَتى لمْ يُبْكنِي
(* قوله «لكأن لم يسكن» هكذا في الأصل بسين قبل الكاف). فإنه أَكَّد
الحرف باللام؛ وقوله:
كأَنَّ دَريئةً، لمّا التَقَيْنا
لنَصْل السيفِ، مُجْتَمَعُ الصُّداعِ
أَعْمَلَ معنى التشبيه في كأَنَّ في الظرف الزَّمانيّ الذي هو لما
التَقَيْنا، وجاز ذلك في كأَنَّ لما فيها من معنى التشبيه، وقد تُخَفَّف أَنْ
ويُرْفع ما بعدها؛ قال الشاعر:
أَنْ تقْرآنِ على أَسْماءَ، وَيحَكُما
منِّي السلامَ، وأَنْ لا تُعْلِما أَحَدا
قال ابن جني: سأَلت أَبا عليّ، رحمه الله تعالى، لِمَ رَفَع تَقْرآنِ؟
فقال: أَراد النون الثقيلة أَي أَنكما تقْرآن؛ قال أَبو علي: وأَوْلى أَنْ
المخففة من الثقيلة الفعل بلا عِوَض ضرورة، قال: وهذا على كل حال وإن
كان فيه بعضُ الصَّنعة فهو أَسهلُ مما ارتكبه الكوفيون، قال: وقرأْت على
محمد بن الحسن عن أَحمد بن يحيى في تفسير أَنْ تقْرآنِ، قال: شبَّه أَنْ
بما فلم يُعْمِلها في صِلَتها، وهذا مذهب البَغْداديّين، قال: وفي هذا
بُعْدٌ، وذلك أَنَّ أَنْ لا تقع إذا وُصلت حالاً أَبداً، إنما هي للمُضيّ أَو
الاستقبال نحو سَرَّني أَن قام، ويُسرُّني أَن تقوم، ولا تقول سَرَّني
أَن يقوم، وهو في حال قيام، وما إذا وُصِلت بالفعل وكانت مصدراً فهي للحال
أَبداً نحو قولك: ما تقومُ حسَنٌ أَي قيامُك الذي أَنت عليه حسن،
فيَبْعُد تشبيهُ واحدةٍ منهما بالأُخرى، ووُقوعُ كلّ واحدة منهما مَوْقِعَ
صاحبتها، ومن العرب من يَنصب بها مخففة، وتكون أَنْ في موضع أَجْل. غيره:
وأَنَّ المفتوحةُ قد تكون بمعنى لعلّ، وحكى سيبويه: إئتِ السوقَ أَنك تشتري
لنا سَويقاً أَي لعلك، وعليه وُجِّه قوله تعالى: وما يُشْعِركم أَنها إذا
جاءت لا يؤْمنون؛ إذ لو كانت مفتوحةً عنها لكان ذلك عذراً لهم، قال
الفارسي: فسأَلتُ عنها أَبا بكر أَوانَ القراءة فقال: هو كقول الإنسان إنَّ
فلاناً يَقْرأُ فلا يَفْهم، فتقول أَنتَ: وما يُدْريك أَنه لا يَفْهَمُ
(*
قوله «إن فلاناً يقرأ فلا يفهم فتقول أنت وما يدريك إنه لا يفهم» هكذا
في الأصل المعوَّل عليه بيدنا بثبوت لا في الكلمتين). وفي قراءة أُبَيٍّ:
لعلها إذا جاءَت لا يؤْمنون؛ قال ابن بري: وقال حُطائِط بن يعْفُر،
ويقال هو لدُريد:
أَريني جَواداً مات هَزْلاً، لأَنَّني
أَرى ما تَرَيْنَ، أَو بَخيلاً مُخَلَّدا
وقال الجوهري: أَنشده أَبو زيد لحاتم قال: وهو الصحيح، قال: وقد وجدته
في شعر مَعْن بن أَوس المُزَني؛ وقال عدي بن زيد:
أَعاذِلَ، ما يُدريكِ أَنَّ مَنِيَّتي
إلى ساعةٍ في اليوم، أَو في ضُحى الغَدِ؟
أَي لعل منيتي؛ ويروى بيت جرير:
هَلَ انْتُمْ عائجون بِنا لأَنَّا
نرى العَرَصاتِ، أَو أَثَرَ الخِيامِ
قال: ويدُلك على صحة ما ذكرت في أَنَّ في بيت عديّ قوله سبحانه: وما
يُدْريك لعله يَزَّكَّى، وما يُدْريك لعل الساعةَ تكون قريباً. وقال ابن
سيده: وتُبْدِل من همزة أَنَّ مفتوحةً عيناً فتقول: علمتُ عَنَّكَ منطلق.
وقوله في الحديث: قال المهاجرون يا رسول الله، إنَّ الأَنصارَ قد فَضَلونا،
إنهم آوَوْنا وفَعَلوا بنا وفَعَلوا، فقال: تَعْرفون ذلك لهم؟ قالوا:
نعم، قال: فإنَّ ذلك؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاء مقطوع الخبر ومعناه إنَّ
اعترافكم بصنيعهم مُكافأَةٌ منكم لهم؛ ومنه حديثه الآخر: من أُزِلَّتْ
إليه نِعمةٌ فليُكافِئْ بها، فإن لم يجِدْ فَليُظهِر ثناءً حسَناً، فإنَّ
ذلك؛ ومنه الحديث: أَنه قال لابن عمر في سياق كلامٍ وَصَفه به: إنَّ عبدَ
الله، إنَّ عبدالله، قال: وهذا وأَمثاله من اختصاراتهم البليغة وكلامهم
الفصيح. وأَنَّى: كلمة معناها كيف وأَين. التهذيب: وأَما إنْ الخفيفةُ
فإنّ المنذري روى عن ابن الزَّيْدي عن أَبي زيد أَنه قال: إنْ تقع في موضع
من القرآن مَوْضعَ ما، ضَرْبُ قوله: وإنْ من أَهل الكتاب إلاَّ
لَيُؤْمِنَنَّ به قبْل موتِه؛ معناه: ما مِن أَهل الكتاب، ومثله: لاتَّخَذْناه من
لَدُنَّا إنْ كنَّا فاعلين؛ أَي ما كنا فاعلين، قال: وتجيء إنْ في موضع
لَقَدْ، ضَرْبُ قوله تعالى: إنْ كانَ وعْدُ رَبِّنا لَمَفْعولاً؛ المعنى:
لقَدْ كان من غير شكٍّ من القوم، ومثله: وإنْ كادوا لَيَفْتِنونك، وإنْ
كادوا ليَسْتَفِزُّونك؛ وتجيء إنْ بمعنى إذْ، ضَرْبُ قوله: اتَّقُوا اللهَ
وذَروا ما بَقِيَ من الرِّبا إن كنتم مُؤْمنين؛ المعنى إذْ كنتم مْمنين،
وكذلك قوله تعالى: فرُدُّوه إلى الله والرسول إن كُنتمْ تُؤْمنون بالله؛
معناه إذْ كنتم، قال: وأَنْ بفتح الأَلف وتخفيف النون قد تكون في موضع
إذْ أَيضاً، وإنْ بخَفْض الأَلف تكون موضعَ إذا، من ذلك قوله عز وجل: لا
تَتَّخِذوا آباءَكُم وإخْوانَكم أَوْلياءَ إن اسْتَحَبُّوا؛ مَنْ خَفضَها
جعلَها في موضع إذا، ومَنْ فتحها جعلها في موضع إذْ على الواجب؛ ومنه قوله
تعالى: وامْرأَةً مُؤمِنةً إن وَهَبَتْ نَفْسَها للنبيّ؛ من خفضها جعلها
في موضع إذا، ومن نصبها ففي إذ. ابن الأَعرابي في قوله تعالى: فذَكِّرْ
إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى؛ قال: إنْ في معنى قَدْ، وقال أَبو العباس: العرب
تقول إنْ قام زيد بمعنى قد قام زيد، قال: وقال الكسائي سمعتهم يقولونه
فظَنَنْتُه شَرْطاً، فسأَلتهم فقالوا: نُرِيدُ قد قام زيد ولا نُرِيدُ ما
قام زيد. وقال الفراء: إن الخفيفةُ أُمُّ الجزاء، والعرب تُجازِي بحروف
الاستفهام كلها وتَجْزمُ بها الفعلين الشرطَ والجزاءَ إلاَّ الأَلِفَ
وهَلْ فإنهما يَرْفعَانِ ما يليهما. وسئل ثعلبٌ: إذا قال الرجل لامرأَته إن
دَخلتِ الدارَ إن كَلَّمْتِ أَخاكِ فأَنتِ طالقٌ، متى تَطْلُق؟ فقال: إذا
فَعَلَتْهما جميعاً، قيل له: لِمَ؟ قال: لأَنه قد جاء بشرطين، قيل له:
فإن قال لها أَنتِ طالقٌ إن احْمَرّ البُسْرُ؟ فقال: هذه مسأَلةُ محال
لأَن البُسْرَ لا بُدّ من أَن يَحْمَرّ، قيل له: فإن قال أَنت طالِقٌ إذا
احْمَرَّ البُسْرُ؟ قال: هذا شرط صحيح تطلُقُ إذا احْمرَّ البُسْرُ، قال
الأَزهري: وقال الشافعي فيما أُثْبِت لنا عنه: إن قال الرجل لامرأَته أَنتِ
طالقٌ إن لم أُطَلِّقْكِ لم يَحْنَِثْ حتى يُعْلَم أَنه لا يُطَلِّقُها
بموته أَو بموتِها، قال: وهو قول الكوفيين، ولو قال إذا لم أُطَلِّقْك
ومتى ما لم أُطَلِّقْك فأَنت طالق، فسكتَ مدَّةً
يمكنه فيها الطّلاق، طَلُقَت؛ قال ابن سيده: إنْ بمعنى ما في النفي
ويُوصل بها ما زائدة؛ قال زهير:
ما إنْ يَكادُ يُخلِّيهمْ لِوِجْهَتِهمْ
تَخالُجُ الأَمْرِ، إنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكُ
قال ابن بري: وقد تزاد إنْ بعد ما الظرفية كقول المَعْلوط بن بَذْلٍ
القُرَيْعيّ أَنشده سيبويه:
ورجَّ الفتى للْخَيْر، ما إنْ رأَيْتَه
على السِّنِّ خيراً لا يَزالُ يَزِيدُ
وقال ابن سيده: إنما دخَلت إنْ على ما، وإن كانت ما ههنا مصدريةً،
لِشَبَهَها لفظاً
بما النافية التي تُؤكِّد بأَنْ، وشَبَهُ اللفظ بينهما يُصَيِّر ما
المصدريةَ إلى أَنها كأَنها ما التي معناها النفيُ، أَلا ترى أَنك لو لم
تَجْذِب إحداهما إلى أَنها كأَنها بمعنى الأُخرى لم يجز لك إلحاقُ إنْ بها؟
قال سيبويه: وقولُهم افْعَل كذا وكذا إمّا لا، أَلْزَموها ما عوضاً، وهذا
أَحْرى إذ كانوا يقولون آثِراً
ما، فيُلْزمون ما، شبَّهوها بما يَلْزَم من النوتات في لأَفعلنّ،
واللامِ في إِنْ كان لَيَفْعل، وإن كان ليْس مِثْلَه، وإنَّما هو شاذ، ويكونُ
الشرطَ نحو إنْ فعلتَ فعلتُ. وفي حديث بيع الثمر: إمّا لا فلا تبَايَعُوا
حتى يَبْدُوَ صلاَحُه؛ قال ابن الأَثير: هذه كلمة تَرِدُ في المُحاورَات
كثيراً، وقد جاءَت في غير موضع من الحديث، وأَصلها إنْ وما ولا،
فأُدْغِمت النونُ في الميم، وما زائدةٌ في اللفظ لا حُكمَ لها، وقد أَمالت العربُ
لا إمالةً
خفيفةً، والعوامُّ يُشْبِعون إمالَتها فتَصيرُ أَلفُها ياءً، وهي خطأٌ،
ومعناها إنْ لم تَفعلْ هذا فلْيَكن هذا، وأَما إنْ المكسورة فهو حرفُ
الجزاء، يُوقِع الثانيَ من أَجْل وُقوع الأَوَّل كقولك: إنْ تأْتني آتِك،
وإن جِئْتني أَكْرَمْتُك، وتكون بمعنى ما في النفي كقوله تعالى: إنِ
الكافرون إلاّ في غُرور؛ ورُبَّما جُمِع بينهما للتأْكيد كما قال الأَغْلَبُ
العِجْليُّ:
ما إنْ رَأَينا مَلِكاً أَغارا
أَكْثَرَ منه قِرَةً وقَارا
قال ابن بري: إنْ هنا زائدةٌ وليست نفياً كما ذكر، قال: وقد تكون في
جواب القسم، تقول: والله إنْ فعلتُ أَي ما فعلت، قال: وأَنْ قد تكون بمعنى
أَي كقوله تعالى: وانطَلَق الملأُ منهم أَنِ امْشُوا؛ قال: وأَن قد تكون
صِلةً
لِلَمَّا كقوله تعالى: فلما أَنْ جاء البشيرُ؛ وقد تكون زائدةً كقوله
تعالى: وما لهم أَن لا يُعَذِّبَهم الله؛ يريد وما لهُم لا يعذِّبُهُم
الله؛ قال ابن بري: قول الجوهري إنَّها تكونُ صلةً
لِلَمّا وقد تكون زائدةً، قال: هذا كلامٌ مكرَّر لأَنَّ الصلةَ هي
الزائدةُ، ولو كانت زائدةً في الآية لم تَنْصِب الفعلَ، قال: وقد تكونُ
زائدةً مع ما كقولك: ما إنْ يقُومُ زيد، وقد تكون مخففةً من المشددة فهذه لا بد
من أَنْ يدخُلَ اللامُ في خبرها عوضاً مما حُذِفَ من التشديد كقوله
تعالى: إنْ كُلُّ نفسٍ لمَّا عليها حافظٌ؛ وإنْ زيدٌ لأَخوك، لئلا يلتبس بإنْ
التي بمعنى ما للنفي. قال ابن بري: اللامُ هنا دخلت فرقاً
بين النفي والإيجاب، وإنْ هذه لا يكون لها اسمٌ
ولا خبر، فقولُه دخلت اللامُ في خبرها لا معنى له، وقد تدخُلُ هذه
اللامُ مع المَفعول في نحو إنْ ضربت لزَيداً، ومع الفاعل في قولك إن قام
لزيدٌ، وحكى ابن جني عن قطرب أَن طَيِّئاً تقول: هِنْ فَعَلْتَ فعلتُ، يريدون
إنْ، فيُبْدِلون، وتكون زائدةً مع النافية. وحكى ثعلب: أَعْطِه إنْ شاء
أَي إذا شاء، ولا تُعْطِه إنْ شاءَ، معناه إذا شاء فلا تُعْطِه. وأَنْ
تَنْصب الأَفعال المضارِعة ما لم تكن في معنى أَنَّ، قال سيبويه: وقولُهم
أَمَّا أَنت مُنْطلِقاً
انْطلقْتُ مَعَك إنما هي أَنْ ضُمّت إليها ما، وهي ما للتوكيد، ولَرِمَت
كراهية أَن يُجْحِفوا بها لتكون عوضاً من ذَهاب الفعل، كما كانت الهاءُ
والأَلفُ عوضاً في الزّنادقةِ واليَماني من الياء؛ فأَما قول الشاعر:
تعَرَّضَتْ لي بمكانٍ حِلِّ،
تَعَرُّضَ المُهْرَةِ في الطِّوَلِّ،
تَعَرُّضاً لم تأْلُ عن قَتْلاً لي
فإنه أَراد لم تأْلُ أَن قَتْلاً أَي أَنْ قَتَلَتْني، فأَبدل العينَ
مكان الهمزة، وهذه عَنْعنةُ تميمٍ، وهي مذكورة في موضعها، ويجوز أَنْ يكون
أَراد الحكاية كأَنه حكى النصبَ الذي كان معتاداً في قولها في بابه أَي
كانت قول قَتْلاً قَتْلاً
أَي أَنا أَقْتُلُه قَتْلاً، ثم حكى ما كانت تَلَفَّظُ به؛ وقوله:
إني زَعيمٌ يا نُوَيْـ
ـقَةُ، إنْ نجَوْتِ من الرَّزاح،
أَنْ تَهْبِطينَ بلادَ قَوْ
مٍ يَرْتَعُون من الطِّلاح.
قال ثعلب: قال الفراء هذه أَن الدائرةُ يليها الماضي والدائم فتَبْطُل
عنهما، فلما وَلِيها المستقبل بطلت عنه كما بطلت عن الماضي والدائم، وتكون
زائدة مع لما التي بمعنى حين، وتكون بمعنى أَي نحو قوله: وانْطَلَق
الملأُ منهم أَنِ امْشُوا؛ قال بعضهم: لا يجوز الوقوف عليها لأَنها تأْتي
ليُعبَّر بها وبما بعدها عن معنى الفعل الذي قبل، فالكلامُ شديدُ الحاجةِ
إلى ما بعدها ليُفَسَّر به ما قبلها، فبحسب ذلك امتنع الوقوفُ عليها،
ورأَيت في بعض نسخ المحكم وأَنْ نِصْفُ اسمٍ تمامُه تَفْعَل، وحكى ثعلب أيضاً:
أَعْطِه إلا أَن يشاءَ أَي لا تُعْطِه إذا شاء، ولا تُعْطِه إلا أَن
يشاءَ، معناه إذا شاء فأَعْطِه. وفي حديث رُكوبِ الهَدْيِ: قال له
ارْكَبْها، قال: إنها بَدنةٌ، فكرر عليه القولَ فقال: ارْكَبْها وإنْ أَي وإن كانت
بَدنةً. التهذيب: للعرب في أَنا لغاتٌ، وأَجودها أَنَّك إذا وقفْتَ
عليها قلت أَنا بوزن عَنَا، وإذا مضَيْتَ عليها قلت أَنَ فعلتُ ذلك، بوزن
عَنَ فَعَلْتُ، تحرّك النون في الوصل، وهي ساكنة منْ مثلِه في الأَسماء غير
المتمكنة مثل مَنْ وكَمْ إذا تحرَّك ما قبلها، ومن العرب من يقول أَنا
فعلت ذلك فيُثْبِتُ الأَلفَ في الوصل ولا يُنوِّن، ومنهم مَن يُسَكِّنُ
النونَ، وهي قليلة، فيقول: أَنْ قلتُ ذلك، وقُضاعةُ تمُدُّ الأَلفَ الأُولى
آنَ قلتُه؛ قال عديّ:
يا لَيْتَ شِعْري آنَ ذُو عَجَّةٍ،
مَتى أَرَى شَرْباً حَوالَيْ أَصيصْ؟
وقال العُدَيْل فيمن يُثْبِت الأَلفَ:
أَنا عَدْلُ الطِّعانِ لِمَنْ بَغاني،
أَنا العَدْلُ المُبَيّنُ، فاعْرِفوني
وأَنا لا تَثنيهَ له من لفظه إلا بنَحْن، ويصلح نحنُ في التثنية والجمع،
فإن قيل: لم ثَنَّوا أَنْ فقالوا أَنْتُما ولم يُثَنُّوا أَنا؟ فقيل:
لمَّا لم تُجِزْ أَنا وأَنا لرجلٍ آخرَ لم يُثَنُّوا، وأَما أَنْتَ
فَثَنَّوْه بأَنْتُما لأَنَّك تجيز أَن تقول لرجل أَنتَ وأَنتَ لآخرَ معه، فلذلك
ثُنِّيَ، وأَما إنِّي فتَثْنيتُه إنَّا، وكان في الأَصل إنَّنا فكثُرت
النوناتُ فحُذِفت إحداها، وقيل إنَّا، وقوله عز وجل: إنَّآ أَو إِيَّاكم
(الآية) المعنى إنَّنا أَو إنَّكم، فعطف إياكم على الاسم في قوله إنَّا
على النون والأَلف كما تقول إني وإيَّاك، معناه إني وإنك، فافْهمه؛ وقال:
إنّا اقْتَسَمْنا خُطَّتَيْنا بَعْدَكم،
فحَمَلْت بَرَّةَ واحْتَمَلت فَجارِ
إنَّا تثنيةُ إني في البيت. قال الجوهري: وأَما قولهم أَنا فهو اسمٌ
مكنيٌّ، وهو للمتكَلِّم وحْدَه، وإنما يُبْنى على الفتح فرقاً
بينه وبين أَن التي هي حرفٌ ناصب للفعل، والأَلفُ الأَخيرةُ إنما هي
لبيان الحركة في الوقف، فإن وُسِّطت سَقَطت إلا في لغة رديئةٍ كما قال:
أَنا سَيْفُ العَشيرةِ، فاعْرفوني
جميعاً، قد تَذَرَّيْتُ السَّنامَا
واعلم أَنه قد يُوصل بها تاءُ الخطاب فيَصيرانِ كالشيء الواحد من غير
أَن تكون مضافة إليه، تقول: أَنت، وتكسر للمؤَنث، وأَنْتُم وأَنْتُنَّ، وقد
تدخلُ عليه كافُ التشبيه فتقول: أَنتَ كأَنا وأَنا كأَنتَ؛ حكي ذلك عن
العرب، وكافُ التشبيه لا تتَّصِلُ بالمضمر، وإنما تتصل بالمُظهر، تقول:
أَنتَ كزيدٍ، ولا تقول: أَنت كِي، إلا أَن الضمير المُنْفَصل عندهم كان
بمنزلة المُظْهَر، فلذلك حَسُنَ وفارقَ المُتَّصِل. قال ابن سيده: وأَنَ اسم
المتكلم، فإذا وَقفْت أَلْحَقْتَ أَلَفاً للسكوت، مَرْويّ عن قطرب أَنه
قال: في أَنَ خمسُ لغات: أَنَ فعلتُ، وأَنا فعلْتُ، وآنَ فَعلتُ، وأَنْ
فعلت، وأَنَهْ فعلت؛ حكى ذلك عنه ابن جني، قال: وفيه ضعف كما ترى، قال ابن
جني: يجوز الهاء في أَنَهْ بدلاً
من الأَلف في أَنا لأَن أَكثر الاستعمال إنما هو أَنا بالأَلف والهاء
قِبَلَه، فهي بدل من الأَلف، ويجوز أَن تكون الهاءُ أُلْحِقَتْ لبيان
الحركة كما أُلحقت الأَلف، ولا تكون بدلاً منها بل قائمة بنفسها كالتي في
كتابِيَة وحسابِيَة، ورأَيت في نسخة من المحكم عن الأَلف التي تلحق في أَنا
للسكوت: وقد تحذفُ وإثباتُها أَحْسَنُ. وأَنْتَ: ضميرُ المخاطَب، الاسمُ
أَنْ والتاء علامةُ المخاطَب، والأُنثى أَنْتِ، وتقول في التثنية
أَنْتُما، قال ابن سيده: وليس بتثنيةِ أَنْتَ إذ لو كان تثنيتَه لوجب أَن تقول في
أَنْتَ أَنْتانِ، إنما هو اسمٌ مصوغٌ
يَدُلُّ على التثنية كما صيغَ هذان وهاتان وكُما مِنْ ضرَبْتُكما وهُما،
يدلُّ على التثنية وهو غيرُ مُثَنّىً، على حدّ زيد وزيدان. ويقال: رجل
أُنَنَةٌ قُنَنَةٌ أَي بليغ.
ألم: الأَلَمُ: الوجَعُ، والجمع آلامٌ. وقد أَلِمَ الرجلُ يَأْلَمُ
أَلَماً، فهو أَلِمٌ. ويُجْمَعُ الأَلَمُ آلاماً، وتَأَلَّم وآلَمْتُه.
والأَلِيمُ: المُؤلِمُِ المُوجِعُ مثل السَّمِيع بمعنى المُسْمِع؛ وأَنشد ابن
بري لذي الرمة:
يَصُكُّ خُدُودَها وهَجٌ أَلِيمُ
والعَذاب الأَلِيمُ: الذي يَبْلغ إِيجاعُهُ غاية البلوغ، وإِذا قلت
عَذاب أَلِيمٌ فهو بمعنى مُؤلِم، قال: ومثله رجل وجِع. وضرْب وَجِع أَي
مُوجِع. وتَأَلَّم فلان من فلان إِذا تَشَكَّى وتَوَجَّع منه. والتَّأَلُّم:
الــتَّوجُّع. والإِيلامُ: الإِيجاعُ. وأَلِمَ بَطنَه: من باب سَفِه رأْيَه.
الكسائي: يقال أَلِمْت بطنَك ورَشِدْت أَمْرَك أَي أَلِمَ بَطنُك
ورَشِدَ أَمْرُك، وانتِصاب قوله بَطْنَك عند الكسائي على التفسير، وهو معرفة،
والمُفَسرات نَكرت كقولك قَرِرْت به عَيْناً وضِقْتُ
به ذَرْعاً، وذلك مذكور عند قوله عز وجل: إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَه،
قال: ووجه الكلام أَلِمَ بَطْنُه يَأْلَم أَلَماً، وهو لازم فَحُوِّل
فِعْلُه إِلى صاحب البَطْن، وخَرَج مُفَسّراً في قوله أَلِمْتَ بَطْنَك.
والأَيْلَمَةُ: الأَلمُ. ويقال: ما أَخذ أَيْلمةً ولا أَلماً، وهو
الوجَع. وقال ابن الأَعرابي: ما سمعت له أَيْلمةً أََي صَوْتاً. وقال شمر عنه:
ما وَجَدْت أَيلمةً ولا أَلَماً
أَي وَجَعاً. وقال أَبو عمرو: الأَيْلمةُ الحَركة؛ وأَنشد:
فما سمعت بعد تلك النَّأَمَهْ
منها ولا مِنْهُ، هناك، أَيْلمهْ
قال الأَزهري: وقال شمر تقول العرب أَما والله لأُبِيتَنَّك على
أَيْلَمَةٍ، ولأَدَعَنَّ نَوْمَك تَوْثاباً، ولأُثئِدَنَّ مَبْرَكَك،
ولأُدْخِلنَّ صَدْرك غمَّة: كلُّه في إِدْخال المشقَّة عليه والشدَّة.
وأَلُومةُ: موضع؛ قال صَخْر الغيّ:
القَائد الخَيْلَ من أَلومَةَ أَو
من بَطْن وادٍ، كأَنها العجَدُ
(* قوله «قال صخر الغيّ» أنشده في ياقوت هكذا:
هم جلبوا الخيل من ألومة أو * من بطن عمق كأنها البجد
جمع بجاد وهو كساء مخطط اه. وتقدم للمؤلف في مادة عجد بغير هذه
الألفاط).وفي التهذيب:
ويَجْلُبُوا الخَيْلَ من أَلُومَةَ أَوْ
من بَطْنِ عَمْقٍ، كأَنَّها البُجُدُ
فجع: الفجيعة: الرَّزِيّةُ المُوجِعةُ بما يَكْرُمُ فَجَعَه يَفْجَعُه
فَجْعاً، فهو مَفْجُوعٌ وفَجِيعٌ، وفَجَّعَه، وهي الفَجِيعةُ، وكذلك
التفْجِيعُ. وفَجَعَتْه المُصِيبةُ أَي أَوْجَعَتْه. والفَواجِعُ: المَصائِبُ
المُؤْلِمَةُ التي تَفْجَعُ الإِنسان بما يَعِزُّ عليه من مال أَو
حَمِيم، الواحدة فاجِعةٌ؛ وفي التهذيب: ودَهْرٌ فاجعٌ له حَمِيمٌ
(* كذا
بالأصل)؛ قال لبيد:
فَجَّعَني الرَّعْدُ والصَّواعِقُ بالـ
ـفارِسِ، يَوْمَ الكَريهةِ، النُّجُدِ
ونزلت بفلان فاجِعةٌ. والتَّفَجُّعُ: الــتَّوَجُّعُ والتَّضَوُّر
للرزيّةِ. وتَفَجَّعَتْ له أَي تَوَجَّعَــت. والفاجِعُ: الغُرابُ، صفة غالبة
لأَنه يَفْجَعُ لنَعْيِه بالبين، ورجل فاجِعٌ ومُتَفَجِّعٌ: لَهْفانُ
مُتَأَسِّفٌ. وميّت فاجِعٌ ومُفْجِعٌ: جاء على أَفْجَع، ولم يتكلم به.
حوب: الحَوْبُ والحَوْبَةُ: الأَبَوانِ والأُخْتُ والبِنْتُ. وقيل: لِي
فيهم حَوْبَةٌ وحُوبَةٌ وحِيبَةٌ أَي قرابة من قِبَلِ الأُمِّ، وكذلك كلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وإِن لِي حَوْبَةً أَعُولُها أَي ضَعَفَة وعِيالاً. ابن السكيت: لي في بَني فُلان حَوْبَةٌ، وبعضُهم يقول حِيبَةٌ، فتذهب
الواوُ إِذا انْكَسَر ما قَبْلَها، وهي كلُّ حُرْمةٍ تَضِيع من أُمٍّ أَو
أُخْتٍ أَو بِنتٍ، أَو غير ذلك من كل ذاتِ رَحِمٍ. وقال أَبو زيد: لي فيهم حَوْبَة إِذا كانت قرابةً من قِبَلِ الأُمّ، وكذلك كلُّ ذِي رَحِمٍ
مَحْرَمٍ.
وفي الحديث: اتَّقُوا اللّهَ في الحَوْبَاتِ؛ يريدُ النِّساءَ الـمُحْتاجات، اللاَّتي لا يَسْتَغْنِينَ عَمَّنْ يقومُ عليهِنَّ، ويَتَعَهَّدُهُنَّ؛ ولا بُدَّ في الكلامِ من حذفِ مُضافٍ تَقْدِيرُه ذات حَوْبَةٍ، وذات حَوْباتٍ.
والحَوْبَةُ: الحاجَة. وفي حديث الدعاءِ: إِليك أَرْفَعُ حَوْبَتي أَي
حاجَتي. وفي رواية: نَرْفَعُ حَوْبَتَنا إِليك أَي حاجَتَنا. والحَوْبَة رقة
فُؤَادِ الأُمِّ؛ قال الفرزدق:
فهَبْ لِي خُنَيْساً، واحْتَسِبْ فيه مِنَّةً * لحَوْبَةِ أُمٍّ، ما يَسُوغُ شَرَابُها
قال الشيخ ابن بري: والسبب في قول الفرزدق هذا البيت، أَن امرأَةً عاذتْ بقبر أَبيه غالبٍ، فقال لها: ما الذي دَعاكِ إِلى هذا؟ فقالت: إِن لِي ابْناً بالسِّنْدِ، في اعْتِقالِ تميم بن زيد القَيْنيِّ(1)
(1 قوله «تميم بن زيد إلخ» هكذا في الأصل وفي تفسير روح المعاني للعلامة الالوسي عند قوله تعالى نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب، الآية روايته بلفظ تميم بن مرّ.) ، وكان عامِلَ خالدٍ القَسْرِيِّ على السِّنْدِ؛ فكتَبَ من ساعتِه إِليه:
كَتَبْتُ وعَجَّلْتُ البِرَادَةَ إِنَّنِي، * إِذا حاجَة حاوَلْتُ، عَجَّتْ رِكابُها
ولِي، بِبِلادِ السِّنْدِ، عند أَميرِها، * حَوائِجُ جَمَّاتٌ، وعندِي ثوابُها
أَتتْنِي، فعاذَتْ ذاتُ شَكْوَى بغالِبٍ، * وبالحرَّةِ، السَّافِي عليه تُرابُها
فقُلْتُ لَها: إِيهِ؛ اطْلُبِي كُلَّ حاجةٍ * لَدَيَّ، فخَفَّتْ حاجةٌ وطِلاَبُها
فقالَتْ بِحُزْنٍ: حاجَتِي أَنَّ واحِدِي * خُنَيْساً، بأَرْضِ السِّنْدِ، خَوَّى سَحابُها
فَهَبْ لِي خُنَيْساً، واحْتَسِبْ فِيهِ مِنَّةً * لِحَوْبَةِ أُمٍّ، ما يَسُوغُ شَرابُهَا
تَمِيمَ بنَ زَيْدٍ، لا تَكُونَنَّ حاجَتِي، * بِظَهْرٍ، ولا يَعْيَا، عَلَيْكَ، جَوابُها
ولا تَقْلِبَنْ، ظَهْراً لِبَطْنٍ، صَحِيفَتِي، * فَشَاهِدُهَا، فِيها، عَلَيْكَ كِتابُها
فلما ورد الكِتابُ على تَميمٍ، قال لكاتبه: أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ فقال:
كَيفَ أَعْرِفُ مَنْ لَمْ يُنْسَبْ إِلى أَبٍ ولا قَبِيلَةٍ، ولا تحَقَّقْت اسْمَه أَهُو خُنَيْسٌ أَو حُبَيْشٌ؟ فقال: أَحْضِرْ كلّ مَن اسْمُه خُنَيْسٌ أَو حُبَيْشٌ؛ فأَحْضَرَهم، فوجَدَ عِدَّتَهُم أَرْبَعِين رجُلاً، فأَعْطَى كلَّ واحِدٍ منهُم ما يَتَسَفَّرُ بهِ، وقال: اقْفُلُوا إِلى حَضْرة أَبي فِراسٍ. والحَوْبَة والحِيبَة: الهَمُّ والحاجَة؛ قال أَبو كَبِير الهُذلي:
ثُمَّ انْصَرَفْتُ، ولا أَبُثُّكَ حِيبَتِي، * رَعِشَ البَنانِ، أَطِيشُ، مَشْيَ الأَصْورِ
وفي الدعاءِ على الإِنْسانِ: أَلْحَقَ اللّهُ به الحَوْبَة أَي الحاجَةَ
والـمَسْكَنَة والفَقْرَ.
والحَوْبُ: الجَهْدُ والحاجَة؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وصُفَّاحَة مِثْل الفَنِيقِ، مَنَحْتها * عِيالَ ابنِ حَوْبٍ، جَنَّبَتْه أَقارِبُهْ
وقال مرَّة: ابنُ حَوْبِ رجلٌ مَجْهودٌ مُحْتاجٌ، لا يَعْنِي في كلِّ ذلك رجُلاً بعَيْنِه، إِنما يريدُ هذا النوعَ. ابن الأَعرابي: الحُوبُ: الغَمُّ والهَمُّ والبَلاءُ. ويقال: هَؤُلاءِ عيالُ ابنِ حَوْبٍ. قال: والحَوْبُ: الجَهْدُ والشِّدَّة. الأَزهري: والحُوبُ: الهَلاكُ؛ وقال الهذلي(1)
(1 قوله «وقال الهذلي إلخ» سيأتي أنه لابي دواد الايادي وفي شرح القاموس أن فيه خلافاً.) :
وكُلُّ حِصْنٍ، وإِنْ طَالَتْ سَلامَتُه، * يَوماً، ستُدْرِكُه النَّكْراءُ والحُوبُ
أَي يَهْلِكُ. والحَوْبُ والحُوبُ: الحُزنُ؛ وقيل: الوَحْشة؛ قال
الشاعر:
إِنَّ طَريقَ مِثْقَبٍ لَحُوبُ
أَي وَعْثٌ صَعْبٌ. وقيل في قول أَبي دُوَاد الإِيادي:
يوماً سَتُدْرِكه النَّكْراءُ والحُوبُ
أَي الوَحْشَة؛ وبه فسر الهَرَوِيُّ قوله، صلى اللّه عليه وسلم، لأَبي
أَيُّوب الأَنصاري، وقد ذهب إِلى طَلاق أُمِّ أَيُّوبَ: إِنَّ طَلاقَ أُمِّ
أَيُّوبَ لَحُوبٌ. التفسير عن شمر، قال ابن الأَثير: أَي لَوَحْشَة أَو
إِثْمٌ. وإِنما أَثَّمهَ بطلاقِها لأَنـَّها كانت مُصْلِحةً له في دِينِهِ. والحَوْبُ: الوجع.
والتَّحَوُّبُ: الــتَّوَجُّعُ، والشَّكْوَى، والتَّحَزُّنُ. ويقال: فلان يَتَحَوَّب من كذا أَي يَتَغَيَّظُ منه، ويَــتَوَجَّعُ.
وحَوْبَةُ الأُمِّ عَلى وَلَدِها وتَحَوُّبُها: رِقَّتُها وتَوَجُّعُــها.
وفيه: ما زَالَ صَفْوانُ يَتَحَوَّبُ رِحَالَنَا مُنْذ
اللَيْلَة؛ التَّحَوُّبُ: صَوْتٌ مع تَوَجُّعٍ، أَراد به شِدَّةَ صِياحِهِ بالدُّعاءِ؛
ورِحَالَنَا مصوبٌ على الظُّرْفِ.
والحَوْبَةُ والحِيبَة: الهَمُّ والحُزْنُ. وفي حديث عُرْوَة لـمَّا ماتَ أَبُو لَهَبٍ: أُرِيَه بعضُ أَهْلِه بشَرِّ حِيبَةٍ أَي بشَرِّ حالٍ.
والحِيبَةُ والحَوْبَة: الهَمُّ والحُزْنُ. والحِيبَة أَيضاً: الحاجَةُ
والـمَسْكَنة؛ قال طُفَيْل الغَنَوي:
فَذُوقُوا كما ذُقْنا، غَداةَ مُحَجَّرٍ، * مِنَ الغَيْظِ، في أَكْبادِنا،
والتَّحَوُّبِ
وقال أَبو عبيد: التَّحَوُّبُ في غير هذا التَّأَثُّم من الشيءِ، وهو من
الأَوَّلِ، وبعضُه قريبٌ من بعض.
ويقال لابنِ آوَى: هو يَتَحَوَّبُ، لأَنَّ صَوْتَه كذلك، كأَنه يَتَضَوَّرُ. وتحَوَّبَ في دعائه: تَضَرَّعَ. والتَّحَوُّب أَيضاً: البكاءُ في جَزَعٍ وصِياحٍ، ورُبَّما عَمَّ به الصِّياحَ؛ قال العجاج:
وصَرَّحَتْ عنه، إِذا تحوَّبا، * رواجبُ الجوفِ السحيلَ الصُّلَّبا(1)
(1 قوله «وصرحت عنه إلخ» هو هكذا في الأصل وانظر ديوان العجاج.)
ويقال: تحَوَّبَ إِذا تَعَبَّد، كأَنه يُلْقِي الحُوبَ عن نَفسِه، كما
يقال: تَأَثَّمَ وتحَنَّثَ إِذا أَلْقَى الحِنْثَ عن نَفْسِه بالعِبادةِ؛ وقال الكُمَيْت يذكر ذِئْباً سَقاهُ وأَطْعَمَه:
وصُبَّ له شَوْلٌ، مِن الماءِ، غائرٌ * به كَفَّ عنه، الحِيبةَ، الـمُتَحَوِّبُ
والحِيبة: ما يُتَأَثَّم منه.
وفي حديث النبي، صلى اللّه عليه وسلم: اللهم اقْبَلْ تَوْبَتِي،
وارْحَمْ حَوْبَتِي؛ فَحَوْبَتِي، يجوز أَن تكون هنا توَجُّعِــي، وأَن تكونَ
تَخَشُّعِي وتَمَسْكُنِي لَكَ. وفي التهذيب: رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي واغْسِلْ حَوْبَتِي. قال أَبو عبيد: حَوْبَتِي يَعْنِي الـمَأْثمَ، وتُفْتَح الحاء وتُضَم، وهو من قوله عز وجل: إِنه كان حُوباً كَبيراً. قال: وكل مَأْثَمٍ حُوبٌ وحَوْبٌ، والواحدة حَوْبةٌ؛ ومنه الحديث الآخر: أَن رجُلاً
أَتَى النبيَّ، صلى اللّه عليه وسلم، فقال: إِني أَتيتُك لأُجاهِدَ مَعَكَ؛
فقال: أَلَكَ حَوْبةٌ؟ قال: نعم. قال: فَفِيها فجاهِدْ. قال أَبو عبيد:
يعني ما يَأْثَمُ به إِنْ ضَيَّعه من حُرْمةٍ. قال: وبعضُ أَهلِ العِلْمِ
يَتَأَوّلُه على الأُمِّ خاصَّةٌ. قال: وهي عندي كلُّ حُرْمةٍ تَضِيعُ إِن
تَركَها، مَن أُمٍّ أَو أُخْتٍ أَو ابْنةٍ أَو غيرها. وقولهم: إِنما فلانٌ
حَوْبةٌ أَي ليس عنده خيرٌ ولا شرٌّ.
ويقال: سمعتُ من هذا حَوْبَيْنِ، ورأَيتُ منه حَوْبَيْن أَي فَنَّيْن
وضَرْبَيْن؛ وقال ذو الرمة:
تَسْمَعُ، من تَيْهائهِ الأَفْلالِ، * حَوْبَينِ من هَماهِمِ الأَغْوالِ
أَي فنَّيْن وضَرْبَين، وقد رُوِيَ بيتُ ذي الرُّمَّة بفتح الحاء.
والحَوْبَة والحُوبة: الرجُلُ الضَّعيفُ، والجمع حُوَب، وكذلك المرأَة إِذا كانت ضعِيفة زَمِنة. وبات فلانٌ بِحيبةُ سوءٍ وحَوبةِ سوءٍ أَي بحالِ سُوءٍ؛وقيل: إِذا باتَ بِشِدَّةٍ وحالٍ سَيِّئةٍ لا يقال إِلا في الشَّر؛ وقد استُعمل منه فعْلٌ قال:
وإِن قَلُّوا وحابُوا
ونزَلنا بِحيبةٍ من الأَرض وحُوبةٍ أَي بأَرض سوءٍ.
أَبو زيد: الحُوبُ: النَّفْسُ، والحَوْباءُ: النفْس، مـمدودةٌ ساكنةُ
الواو، والجمع حَوْباوَاتٌ؛ قال رؤْبة:
وقاتِلٍ حَوْباءَهُ من أَجْلي، * ليس له مِثْلي، وأَينَ مِثْلي؟
وقيل: الحَوْباءُ رُوعُ القَلْبِ؛ قال:
ونَفْسٍ تَجُودُ بحَوْبائها
وفي حديث ابنِ العاص: فَعَرَفَ أَنه يريدُ حَوْباءَ نَفْسه.
والحَوْبُ والحُوبُ والحابُ: الإِثْمُ، فالحَوْبُ، بالفتح، لأَهْلِ
الحجاز، والحُوبُ، بالضم، لتَميمٍ، والحَوْبةُ: الـمَرَّة الواحدة منه؛ قال المخبل:
فَلا يَدْخُلَنَّ، الدَّهْرَ، قَبرَكَ، حَوْبَةٌ * يَقُومُ، بها، يَوماً، عَليْكَ حَسيبُ
وقد حَابَ حَوباً وحِيبَةً. قال الزجاج: الحُوبُ الإِثْمُ، والحَوْبُ
فِعْلُ الرَّجُلِ؛ تقولُ: حابَ حَوْباً، كقولك: قد خانَ خَوناً. وفي حديث أَبي هريرة، رضي اللّه عنه، أَنّ النبي، صلى اللّه عليه وسلم، قال: الرِّبا سَبْعُونَ حَوباً، أَيْسَرُها مِثْلُ وُقُوعِ الرجُلِ على أُمِّهِ، وأَرْبَى الرِّبا عِرْض الـمُسْلِمِ. قال شمر: قوله سَبْعون حَوْباً،
كأَنـَّه سبعون ضرباً من الإِثْمِ. الفرَّاءُ في قوله تعالى إِنه كان
حُوباً: الحُوبُ الإِثم العظيم. وقرأَ الحسن: انـَّه كان حَوْباً؛ وروى
سعد عن قَتادة أَنه قال: انـَّه كان حُوباً أَي ظُلْماً.
وفلان يَتَحوَّب من كذَا أَي يتَأَثَّم. وتَحَوَّب الرجُل: تَأَثَّمَ.
قال ابن جني: تَحَوَّبَ تَرَكَ الحُوبَ، من باب السَّلْبِ، ونَظِيرُه
تأَثَّمَ أَي ترَكَ الإِثْمَ، وإِن كانَ تَفَعَّل لِلإِثباتِ أَكْثرَ منه، للسلب، وكذلك نحو تَقَدَّم وتأَخَّر، وتعَجَّل وتأَجَّل. وفي الحديث: كان إِذا
دَخَلَ إِلى أَهْلِه قال: تَوْباً تَوْباً، لا يُغادِرُ عَلَيْنا حَوْباً. ومنه الحديث: إِنَّ الجَفاءَ والحَوْبَ في أَهْلِ الوبرِ والصُّوفِ.
وتَحَوَّب من الإِثمِ إِذا تَوَقَّاه، وأَلقى الحَوْبَ عن نفسِه.
ويقال: حُبْتَ بكذا أَي أَثِمْتَ، تَحوبُ حَوْباً وحَوْبَة وحِيابَةً؛
قال النابغة(1)
(1 قوله «قال النابغة إلخ» سيأتي في مادة جعع عزو هذا البيت
لنهيكة الفزاري.) :
صَبْراً، بَغِيض بنَ رَيْثٍ؛ انـَّها رَحِمٌ * حُبْتُمْ بها، فأَناخَتْكُمْ بجَعْجَاعِ
وفلانٌ أَعَقُّ وأَحْوَبُ.
قال الأَزهري: وبنو أَسد يقولون: الحائِبُ للقاتِل، وقد حَاب يحُوبُ.
والـمُحَوِّب والـمُتَحَوِّبُ الذي يَذْهَب مالُه ثم يَعودُ. الليث:
الحَوْبُ الضَّخمُ من الجِمالِ؛ وأَنشد:
ولا شَرِبَتْ في جِلْدِ حَوْب مُعَلَّبِ
قال: وسُمِّيَ الجَمَلُ حَوْباً بزَجْره، كما سُمِّيَ البَغْلُ عَدَساً
بزَجْرِه، وسُمِّيَ الغُراب غاقاً بصَوْتِهِ. غيره: الحَوْبُ الجَمَلُ،
ثم كَثُر حتى صارَ زجْراً له. قال الليث: الحَوْبُ زَجْرُ البَعير
ليَمْضِيَ، وللنَّاقةِ: حَلْ، جَزْمٌ، وحَلٍ وحَلي. يقال للبَعير إِذا زُجِرَ:
حَوْبَ، وحوبِ، وحَوْبُ، وحابِ.
وحَوَّبَ بالإِبِلِ: قال لها حَوْب، والعَرَبُ تَجُرُّ ذلك، ولو رُفِعَ
أَو نُصِبَ، لكان جائِزاً، لأَنَّ الزَّجْرَ والحِكاياتِ تُحَرَّك أَواخِرُها، على غيرِ إِعرابٍ لازمٍ، وكذلك الأَدواتُ التي لا تَتَمَكَّن في
التَّصْريفِ، فإِذا حُوِّلَ من ذلك شيءٌ إِلى الأَسماءِ، حُمِلَ عليه الأَلف واللام، فأُجْريَ مُجْرَى الأَسْماءِ، كقوله:
والحَوْبُ لـمَّا يُقَلْ والحَلُ
وحَوَّبْت بالإِبل: من الحوب. وحَكَى بعضهم: حَبْ لا مَشَيْتَ، وحَبٍ لا مَشَيْتَ، وحَابِ لا مَشَيْت، وحَابٍ لا مَشَيْتَ. وفي الحديث: أَنه كان إِذا قَدِمَ من سَفَرٍ قال: آيِبُون تائِبُون، لرَبِّنا حامدُون، حَوْباً حَوْباً. قال: كأَنه لما فَرَغَ من كلامه، زَجَر بَعِيرَه. والحَوْبُ: زَجْرٌ لذكُور الإِبِلِ. ابن الأَثير: حَوْبُ زَجْرٌ لِذُكُورة الإِبل، مثلُ حَلْ لإِناثِها، وتضمّ الباء وتفتح وتكسر، وإِذا نُكِّر دَخَلَهُ التنوين، فقوله: حَوْباً، بمنزلةِ قولك: سيراً سيراً؛ فأَما
قوله:
هِيَ ابْنَةُ حَوْبٍ، أُمُّ تِسْعينَ، آزَرَتْ * أَخا ثِقَةٍ، تَمْري، جَباها، ذَوائِبُهْ
فإِنه عَنى كِنانَةً عُمِلَت من جِلْدِ بعيرٍ، وفيها تِسْعونَ سَهْماً،
فجعلها أُمّاً للسهام، لأَنها قد جمعتها، وقوله: أَخَا ثِقَةٍ، يعني
سَيْفاً، وَجَباها: حَرْفُها، وَذَوائِبُه: حمائله أَي إِنه تَقَلَّد السَّيْفَ،
ثم تَقَلَّدَ بعده الكِنانةَ تمري حَرْفَها، يريد حرفَ الكِنانَة. وقال
بعضهم في كلام له: حَوْبُِ حَوْبُِ، إِنه يومُ دَعْقٍ وشَوْب، لا لعاً لبَني الصَّوبِ. الدَّعْق: الوَطْءُ الشدِيدُ، وذكر الجوهري الحوأَب هنا. قال ابن بري: وحقه أَن يُذْكر في حأَب، وقد ذكرناه هناك.
فسأ: فَسَأَ الثوبَ يَفْسَؤُه فَسْأً وفَسَّأَه فَتَفَسَّأَ: شَقَّه فتَشَقَّقَ. وتفسَّأَ الثوبُ أَي تَقَطَّع وبَلِيَ. وتَفَصَّأَ: مثله.
أَبو زيد: فَسَأْتُه بالعَصا إِذا ضربت بها ظهرَه. وفَسَّأْتُ الثوب
تَفْسئةً وتَفْسِيئاً: مَدَدْتُه حتى تَفَزَّر. ويقال: ما لَكَ تَفْسَأُ ثوبَك؟وفَسَأَه يَفْسَؤُه فَسْأً: ضرب ظهرَه بالعَصا.
والأَفْسَأُ: الأَبْزَخُ، وقيل هو الذي خَرج صدْرُه ونَتَأَتْ خَثْلَتُه، والأُنثى فَسْآءُ.
والأَفْسأُ والمَفسُوءُ: الذي كأَنه إِذا مشَى يُرَجِّعُ اسْتَه. ابن
الأَعرابي: الفَسَأُ دُخول الصُّلْب، والفَقَأُ خُروجُ الصَدْر؛ وفي
وَرِكَيْه فَسَأٌ. وأَنشد ثعلب:
قد حَطَأَتْ أُمُّ خُثَيْمٍ بأَدَنّ * بِخارِج الخَثْلةِ، مَفْسوءِ القَطَنْ(1)
(1 قوله «بأدن» هو بالدال المهملة كما في مادة د ن ن ووقع في مادة ح ط أ بالذال المعجمة تبعاً لما في نسخة من المحكم.)
وفي التهذيب:
بِناتِئِ الجَبْهةِ، مفسوءِ القَطَنْ
عدّى حَطَأَتْ بالباء لأَنّ فيه معنى فازَتْ أَو بَلَّتْ، ويروى
خَطَأَتْ، والاسم، من ذلك كله، الفَسَأُ. وتفاسَأَ الرَّجل تفاسُؤًا، بهمز وغير همز: أَخرج عَجيزَته وظهره.
أخخ: أَخُّ: كلمةُ توجع وتأَوُّه من غيظ أَو حزن؛ قال ابن دريد:
وأَحسبها مُحْدَثةً.
ويقال للبعير: إِخْ، إذا زُجر ليَبْرُكَ ولا فعل له.
ولا يقال: أَخَخْتُ الجملَ ولكن أَنَخْته.
والأَخُّ: القَذَر؛ قال:
وانْثَنَتِ الرجلُ فصارت فَخَّا،
وصار وَصْلُ الغانياتِ أخَّا
أي قَذَراً. وأَنشده أبو الهيثم: إِخَّا، بالكسر، وهو الزجر.
والأَخِيخةُ: دقيق يصب عليه ماء فيُبْرَقُ بزيت أَو سمن فيُشْرَبُ ولا
يكون إِلا رقيقاً؛ قال:
تَصْفِرُ في أَعْظُمِه المَخِيخَه،
تَجَشُّؤَ الشَّيْخِ على الأَخِيخَه
شبَّه صوت مصه العظامَ التي فيها المخ بجُشاءِ الشيخ لأَنه مسترخي الحنك
واللَّهَواتِ، فليس لجُشائِه صوت؛ قال أَبو منصور: هذا الذي قيل في
الأَخيخة صحيح، سميت أَخيخة لحكاية صوت المُتَجَشِّئِ إذا تَجَشَّأَها
لرقتها.
والأَخُّ والأَخَّةُ: لغة في الأَخِ والأُخْتِ، حكاه ابن الكلبي؛ قال
ابن دُرَيْدٍ: ولا أَدري ما صحة ذلك.