Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: ترتب

أثر الشَّيْء

أثر الشَّيْء: حكمه الْمُــتَرَتب عَلَيْهِ بطرِيق المعلولية وَقد يُقَال أثر الشَّيْء وَيُرَاد غَرَضه وغايته فَإِن أثر الشَّيْء أَي معلولة كَمَا يكون بعده كَذَلِك الْغَرَض من الشَّيْء وغايته يكون بعد ذَلِك الشَّيْء. وَالْفرق بَين الْأَثر والمأثور أَن الْمَأْثُور يُطلق على القَوْل وَالْفِعْل والأثر لَا يُطلق إِلَّا على القَوْل. وَالْفرق بَين الْأَخْبَار والْآثَار عِنْد الْفُقَهَاء أَن الْأَخْبَار مَرْفُوعَة إِلَى الشَّارِع والْآثَار إِلَى الصَّحَابَة. الْأَثِير: الْخَالِص الْمُخْتَار وَبِمَعْنى الموبر أَيْضا وَيُقَال للأفلاك وَمَا فِيهَا من الْكَوَاكِب أجرام أثيرية لتأثيرها فِي عَالم العناصر أَو لكَونهَا فِي ذَاتهَا خَالِصَة مختارة لصفائها وجلائها وعظمة شَأْنهَا.

الفطريات

الفطريات: فِي البديهي.
الفطريات:
[في الانكليزية] Natural disposition ،innate ،intuitive
[ في الفرنسية] Inne ،naturel ،intuitif ،primitif
هي قسم من المقدّمات اليقينية الضرورية وتسمّى قضايا قياساتها معها أيضا. والمراد بالمعية الزمانية فلا ينافي التقدّم الذاتي. والمراد بالقياسات القياسات الخفية. وإنّما سمّيت القياسات الخفية قياسا لأنّ من شأنها أن تصير قياسا إذا لوحظت تفصيلا فتأمّل. وهي ما يحكم العقل فيه بواسطة أمر حاضر لا يغيب عن الذّهن عند تصوّر طرفي القضية. والمراد بالواسطة وسط القياس الخفي وإنّما اعتبر عدم غيبوبته عن الذّهن عند تصوّر طرفي القضية إذ لو غاب عنه لم يكن القضية من المبادئ الأول، وهي قريبة من الأوّليات بلا واسطة لأنّ تصوّر الطرفين كاف في الجزم فيهما أي في الفطريات والأوليات، إلّا أنّ في الأوّليات بلا واسطة وفي الفطريات بواسطة نحو الأربعة زوج فإنّ من تصوّر الأربعة والزوج تصوّر الانقسام إلى متساويين في الحال وترتّب في ذهنه أنّ الأربعة منقسمة إلى متساويين، وكلّ منقسم إلى متساويين فهو زوج، فهي قضية قياسها معها في الذهن.
هذا خلاصة ما في الصادق الحلواني حاشية الطيبي وشرح المواقف والقطبي وحواشيهما.

الهزل

الهزل: لغة المزح. وعرفا: أن لا يراد باللفظ معناه لا الحقيقي، ولا المجازي، وهو ضد الجد.
الهزل: هو أن لا يراد باللفظ معناه لا الحقيقي ولا المجازي وهو ضد الجِدِّ.
هـ ز ل [بالهزل]
قال: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: وَما هُوَ بِالْهَزْلِ .
قال: القرآن ليس بالباطل واللعب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قيس بن رفاعة وهو يقول:
وما أدري وسوف إخال أدري ... أهزل ذاكم أم قول جدّ 
الهزل:
[في الانكليزية] Joking ،fun ،jesting ،irony
[ في الفرنسية] Plaisanterie ،badinage ،raillerie ،ironie
بالفتح وسكون الزاء المعجمة عند الأصوليين ضد الجدّ وهو أن لا يراد باللفظ معناه الحقيقي ولا المجازي، والجدّ أن يراد باللفظ أحدهما ودخل في ذلك التصرفات الشرعية لأنّها صيغ، والألفاظ موضوعة لأحكام يــترتّب عليها ويلزم معانيها بحسب الشرع. وقال فخر الاسلام الهزل أن يراد بالشيء ما لم يوضع له، فتوهّم بعضهم عن ظاهره أنّه يشتمل المجاز وليس كذلك لأنّه أراد بالوضع ما هو أعمّ من وضع اللفظ لمعنى، ومن وضع التصرّفات الشرعية لأحكامها، وأراد بوضع اللفظ ما هو أعمّ من الوضع الشخصي كوضع الألفاظ لمعانيها الحقيقية، أو النوعي كوضعها لمعانيها المجازية. وهذا معنى ما قيل إنّ الوضع أعمّ من العقلي والشرعي فإنّ العقل يحكم بأنّ الألفاظ وضعت لمعانيها حقيقة أو مجازا، وأنّ التصرّفات الشرعية وضعت لأحكامها، كذا في التلويح في بيان العوارض المكتسبة. والهزل المعتبر عند أهل البديع المعدود في المحسّنات المعنوية هو الذي يراد به الجدّ وهو أن يذكر الشيء على سبيل اللّعب والمطايبة بحسب الظاهر والغرض أمر صحيح بحسب الحقيقة كقول الشاعر:
إذا ما تميميّ أتاك مفاخرا فقل عدّ عن ذا كيف أكلك للضّبّ كذا في المطول والجلپي.

الْفَيْض الْمُقَدّس

الْفَيْض الْمُقَدّس: عبارَة عَن التجليات الأسمائية الْمُوجبَة لظُهُور مَا تَقْتَضِيه استعدادات تِلْكَ الْأَعْيَان فِي الْخَارِج. فالفيض الْمُقَدّس مــترتب على الْفَيْض الأقدس فبالأول: تحصل الْأَعْيَان الثَّابِتَة واستعداداتها الْأَصْلِيَّة فِي الْعلم. وَبِالثَّانِي: يحصل تِلْكَ الْأَعْيَان فِي الْخَارِج مَعَ لوازمها وتوابعها.

الْقَضَاء

(الْقَضَاء) الحكم وَالْأَدَاء وَعمل القَاضِي وَرِجَال الْقَضَاء الْهَيْئَة الَّتِي يُوكل إِلَيْهَا بحث الْخُصُومَات للفصل فِيهَا طبقًا للقوانين وَيُقَال وَقع هَذَا الْحَادِث قَضَاء وَقدرا لم ينْسب إِلَى فَاعل أحدثه وعقيدة الْقَضَاء وَالْقدر عقيدة من يرى أَن الْأَعْمَال الإنسانية وَمَا يَــتَرَتَّب عَلَيْهَا من سَعَادَة أَو شقاء وَكَذَلِكَ الْأَحْدَاث الكونية تسير وفْق نظام أزلي ثَابت (مج)(ج) أقضية
الْقَضَاء: فِي اللُّغَة الحكم وَفِي الِاصْطِلَاح هُوَ الحكم الْكُلِّي الإلهي فِي أَعْيَان الموجودات على مَا هِيَ عَلَيْهِ من الْأَحْوَال الْجَارِيَة فِي الْأَزَل إِلَى الْأَبَد كَمَا فِي الْقدر - وَأَيْضًا الْقَضَاء الْأَدَاء والمفاجأة وَالْمَوْت وَأَدَاء الصَّلَاة الْفَائِتَة - وَعند أَئِمَّة الْأُصُول وَالْفُقَهَاء تَسْلِيم مثل الْوَاجِب بِالسَّبَبِ. وَأَيْضًا هُوَ إِسْقَاط الْوَاجِب بِالسَّبَبِ بِمثل من عِنْد الْمُكَلف هُوَ حَقه أَي بِالْمثلِ الَّذِي هُوَ حق الْمُكَلف لِأَن الْمُكَلف إِذا صلى فِي غير الْوَقْت فَصلَاته نفل - وَالنَّفْل حق الْمُكَلف فَإِن النَّفْل فِي سَائِر الْأَوْقَات شرع حَقًا للْعَبد لينفتح عَلَيْهِ أَبْوَاب طرق اكْتِسَاب الْخيرَات ونيل السعادات. فَإِذا كَانَ النَّفْل حق الْمُكَلف فَإِذا أَرَادَ قَضَاء الْفَائِتَة وَصلى يكون صلَاته النَّفْل مصروفة إِلَى قَضَاء مَا وَجب عَلَيْهِ فَثَبت أَن الْقَضَاء إِسْقَاط بِمثل من عِنْده هُوَ حَقه.
قَالَ الْفَاضِل الجلبي وَهَا هُنَا بحث. حَاصله أَن النَّفْل لم يشرع على ثَلَاث رَكْعَات فَمُقْتَضى هَذَا التَّعْرِيف أَن لَا يقْضِي صَلَاة الْمغرب لِأَنَّهُ لَا نفل على هَيْئَة الْمغرب شرعا وَأَن جمَاعَة إِذا قضوا صَلَاة اللَّيْل بِالنَّهَارِ لَا يجوز لَهُم الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ لِأَن الْجَهْر فِي نَافِلَة النَّهَار غير مَشْرُوع. وَيُمكن الْجَواب عَنهُ بِأَن النَّهْي عَن الشَّيْء يَقْتَضِي المشروعية بِأَصْلِهِ كَمَا تقرر عِنْدهم. وَمَا لم يشرع من الْوَصْف كَيْفيَّة كَانَت أَو كمية فَذَلِك بمقتضيات كَونه نفلا فَإِذا انْتَفَى ذَلِك بِالصرْفِ إِلَى مَا عَلَيْهِ لم يبْق إِلَّا الأَصْل الْمَشْرُوع كَيفَ مَا كَانَ. وَالْقَضَاء على الْغَيْر إِلْزَام أَمر لم يكن لَازِما قبله - وَلِهَذَا يُقَال القَاضِي للْحَاكِم فَإِنَّهُ يلْزم الإحكام وَبِمَعْنى التَّقْدِير أَيْضا يُقَال قضى فلَان على فلَان بِالنَّفَقَةِ أَي قدرهَا. وَبِمَعْنى الْأَمر كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَقضى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} . أَي أَمر -. وَفِي عرف الْفِقْه الْقَضَاء عبارَة عَن فصل الْخُصُومَات وَقطع المنازعات أَيْضا - وَفِي الْكِفَايَة وَالْكَافِي الْقَضَاء فِي اللُّغَة الإحكام (يَعْنِي استوار كردن) . وَفِي الشَّرْع الْإِلْزَام. وَفِي تَاج المصادر الْقَضَاء (حكم كردن وبكذاردن آنجه برتو وَاجِب باشد وَتَمام كردن ومحكم كردن كاري) .
وَعَلَيْك أَن تعلم أَن الْقَضَاء فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء عبارَة عَن حكم القَاضِي عِنْد المرافعة يَعْنِي إِذا اخْتصم رجلَانِ ثمَّ القَاضِي حكم بِالْبَيِّنَةِ والحجج الشَّرْعِيَّة بِأَمْر بَينهمَا فَهَذَا الحكم قَضَاء عِنْدهم لَا مُطلق الحكم فَإِذا أَمر القَاضِي رجلا بِالصَّلَاةِ لَا يُقَال إِنَّه قضى بهَا اصْطِلَاحا فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ يهديك إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم. وَفِي شرح المواقف اعْلَم أَن قَضَاء الله تَعَالَى عِنْد الأشاعرة هُوَ إِرَادَته الأزلية الْمُتَعَلّقَة بالأشياء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يزَال. أما عِنْد الفلاسفة فَهُوَ علمه تَعَالَى بِمَا يَنْبَغِي أَن يكون الْوُجُود عَلَيْهِ حَتَّى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام وَهُوَ الْمُسَمّى عِنْدهم بالعناية الأزلية الَّتِي هِيَ مبدأ لفيضان الموجودات من حَيْثُ جُمْلَتهَا على أحسن الْوُجُوه وأكملها. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى وَمَا وَقع فِي شرح الطوالع الْأَصْفَهَانِي من أَن الْقَضَاء عبارَة عَن وجود جَمِيع الْمَخْلُوقَات فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَفِي الْكتاب الْمُبين مجتمعة ومجملة على سَبِيل الإبداع فَهُوَ رَاجع إِلَى تَفْسِير الْحُكَمَاء ومأخوذ مِنْهُ فَإِن المُرَاد بالوجود الإجمالي الْوُجُود الظلي للأشياء. واللوح الْمَحْفُوظ جَوْهَر عَقْلِي مُجَرّد عَن الْمَادَّة فِي ذَاته وَفِي فعله يُقَال لَهُ الْعقل فِي عرف الْحُكَمَاء. وَإِنَّمَا قُلْنَا المُرَاد ذَلِك لِأَن مَا ذكر مَنْقُول من شرح الإشارات للطوسي حَيْثُ قَالَ اعْلَم أَن الْقَضَاء عبارَة عَن وجود جَمِيع الموجودات فِي الْعَالم الْعقلِيّ مجتمعة على سَبِيل الإبداع.
وَالْقدر عبارَة عَن وجود مَعَاني موادها الخارجية مفصلة وَاحِدًا بعد وَاحِد كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} . كَذَا ذكره الْمعِين التوني فِي حَوَاشِيه.
وَفِي مُجمل اللُّغَة الْقَضَاء الْمنية وَهَذَا الْمَعْنى يلائم مَا يُشَاهد فِي هَذَا الزَّمَان.
(هركس كه درين زَمَانه قَاضِي كردد ... فِي الْحَال بمركك خويش راضي كردد)
وَفِي كتب الْكَلَام إِن أَفعَال الْعباد كلهَا اختيارية واضطرارية بإرادته تَعَالَى. ومشيته وتكوينه وَقَضيته أَي قَضَائِهِ. وَالْقَضَاء عبارَة عَن الْفِعْل مَعَ زِيَادَة أَحْكَام. وَهَا هُنَا سُؤال مَشْهُور وَهُوَ أَنا لَا نسلم تِلْكَ الْكُلية لِأَن من جملَة أَفعَال الْعباد الْكفْر وَهُوَ لَيْسَ بِقَضَاء الله تَعَالَى إِذْ لَو كَانَ بِقَضَائِهِ تَعَالَى لوَجَبَ على العَبْد الرِّضَا بِهِ لِأَن الرِّضَا بِالْقضَاءِ وَاجِب وَاللَّازِم بَاطِل لِأَن الرِّضَا بالْكفْر كفر. وَأَجَابُوا بِأَن الْكفْر مقضي لَا قَضَاء وَالرِّضَا إِنَّمَا يجب بِالْقضَاءِ دون الْمقْضِي. وَحَاصِله رفع السَّنَد بِمَنْع الْمُلَازمَة الْوَاقِعَة فِيهِ بِأَنَّهُ لَا نسلم لَو كَانَ الْكفْر بِقَضَائِهِ تَعَالَى لوَجَبَ على العَبْد الرِّضَا بِهِ أَي بالْكفْر بل الْوَاجِب عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْقضَاءِ لَا بالْكفْر فَإِن الْكفْر مقضي وَإِنَّمَا الْوَاجِب الرِّضَا بِالْقضَاءِ لَا بالمقضي.
وللوكيع أَن يَقُول إِن الرِّضَا بِالْقضَاءِ يُوجب الرِّضَا بالْكفْر لِأَن الرِّضَا بِالْقضَاءِ مُسْتَلْزم للرضا بمتعلقه وَهُوَ الْكفْر. وَالْجَوَاب أَن الرِّضَا بالْكفْر يسْتَلْزم الرِّضَا بِالْقضَاءِ من غير عكس فَيكون بَينهمَا عُمُوم مُطلقًا فَحِينَئِذٍ الرِّضَا بِالْقضَاءِ يسْتَلْزم الرِّضَا بالْكفْر لِأَن الْعَام لَا يسْتَلْزم الْخَاص. نعم الرِّضَا بِالْقضَاءِ من حَيْثُ إِنَّه مُتَعَلق بالْكفْر يسْتَلْزم الرِّضَا بالْكفْر وَإِنَّمَا الْوَاجِب الرِّضَا بِالْقضَاءِ مُطلقًا بل الْحق أَن الرِّضَا إِنَّمَا يجب بِالْقضَاءِ المستلزم للرضا بالمقضي من حَيْثُ كَونه مُتَعَلقا لَهُ لَا بالمقضي من حَيْثُ ذَاته وَلَا من سَائِر الحيثيات. ورضا العَبْد بالْكفْر من حَيْثُ ذَاته كفر لَا من حَيْثُ إِنَّه مُتَعَلق الْقَضَاء فَافْهَم.

الْقَضِيَّة الخارجية

الْقَضِيَّة الخارجية: والقضية الْحَقِيقِيَّة والقضية الذهنية أَقسَام ثَلَاثَة للقضية الحملية بِاعْتِبَار وجود موضوعها.
وَاعْلَم أَن كل قَضِيَّة لَا بُد لَهَا من الحكم وَلَا بُد للْحكم من تصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَوْجُود الذهْنِي. فالقضايا الثَّلَاث الْمَذْكُورَة مُشْتَركَة فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي للموضوع ومتساوية الْإِقْدَام فِيهِ. ثمَّ إِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الذهنية فَقَط للموضوع أَو على أَفْرَاده الخارجية فَإِن كَانَ الحكم على أَفْرَاده الذهنية فَقَط مُحَققَة أَو مقدرَة فَهِيَ الْقَضِيَّة الذهنية مثل شريك الْبَارِي مُمْتَنع بِمَعْنى أَن كل مَا يُوجد فِي الْعقل ويفرضه الْعقل شريك الْبَارِي فَهُوَ مَوْصُوف فِي الذِّهْن بالامتناع فِي الْخَارِج. وَإِنَّمَا فسرنا مَعْنَاهُ بذلك بِنَاء على أَن الْمُمْتَنع لَيْسَ بموجود فِي الذِّهْن أَيْضا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُوجبَة وكالقضايا المستعملة فِي الْمنطق فَإِن موضوعاتها معقولات ثَانِيَة لَا يحاذيها أَمر فِي الْخَارِج وَهِي كلهَا موجودات ذهنية بِالْفِعْلِ - أما فِي القوى الْعَالِيَة أَو القوى القاصرة. وَإِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج محققا أَو على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج مُقَدرا - فَإِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج محققا فَهِيَ الْقَضِيَّة الخارجية مثل كل إِنْسَان حَيَوَان بِمَعْنى أَن كل إِنْسَان مَوْجُود فِي الْخَارِج فَهُوَ حَيَوَان فِي الْخَارِج وَإِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج مُقَدرا يَعْنِي على الْأَفْرَاد الممكنة الَّتِي قدر وَفرض وجودهَا فِي الْخَارِج سَوَاء كَانَت مَوْجُودَة فِي الْخَارِج محققا أَو لَا فَهِيَ الْحَقِيقِيَّة مثل كل إِنْسَان حَيَوَان أَي كل مَا لَو وجد فِي الْخَارِج وَكَانَ إنْسَانا فَهُوَ على تَقْدِير وجوده حَيَوَان وَقس عَلَيْهِ معنى كل عنقاء طَائِر - وَهَذَا الْوُجُود الْمُقدر إِنَّمَا اعتبروه فِي الْأَفْرَاد الممكنة لَا الممتنعة كأفراد اللاشيء وَشريك الْبَارِي.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره وَهَذَا الْقَيْد أَعنِي إِمْكَان وجود الْأَفْرَاد إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا لم يعْتَبر إِمْكَان صدق الْوَصْف العنواني على ذَات الْمَوْضُوع بِحَسب نفس الْأَمر بل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد فرض صدقه. أَو إِمْكَان فرض صدقه عَلَيْهِ كَمَا فِي صدق الْكُلِّي على جزئياته حَتَّى إِذا وَقع الْكُلِّي مَوْضُوع الْقَضِيَّة الْكُلية كَانَ متناولا لجَمِيع أَفْرَاده الَّتِي هُوَ كلي بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا سَوَاء أمكن صدقه عَلَيْهَا أَو لَا. وَإِمَّا إِذا اعْتبر إِمْكَان صدق العنوان على ذَات الْمَوْضُوع فِي نفس الْأَمر كَمَا هُوَ مَذْهَب الفارابي. أَو اعْتبر مَعَ الْإِمْكَان الصدْق بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّيْخ فَلَا حَاجَة إِلَى اعْتِبَار إِمْكَان وجود الْأَفْرَاد انْتهى.
وَإِن أردْت أَن مُرَاد الفارابي بالإمكان هَا هُنَا مَا هُوَ فَعَلَيْك الرُّجُوع إِلَى الْوَصْف العنواني فهناك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَحَاصِل الْكَلَام أَنهم إِنَّمَا قسموا القضايا إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة لِأَن أَحْوَال الْأَشْيَاء أَي محمولاتها ثَلَاثَة لِأَنَّهَا إِمَّا شَامِلَة للأفراد الذهنية والخارجية المحققة والمقدرة لموضوعاتها وَتسَمى لَوَازِم الماهيات كالزوجية للأربعة والفردية للثَّلَاثَة وتساوي الزوايا القائمتين للمثلث.
والقضايا الَّتِي يكون محمولاتها هَذِه الْأَحْوَال تسمى حَقِيقِيَّة مثل كل أَرْبَعَة زوج وكل ثَلَاثَة فَرد وكل مثلث تَسَاوِي زواياه للقائمتين وَإِمَّا مُخْتَصَّة بالأفراد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج لموضوعاتها كالحركة والسكون والإضاءة والإحراق والقضايا الَّتِي تكون محمولاتها هَذِه الْأَحْوَال خارجية مثل كل فلك متحرك وكل أَرض سَاكِنة وكل نَار مضيئة ومحرقة. وَإِمَّا مُخْتَصَّة بالأفراد الْمَوْجُودَة فِي الذِّهْن كالكلية والجزئية والقضايا الَّتِي تكون محمولاتها هَذِه الْأَحْوَال تسمى ذهنية مثل الْإِنْسَان كلي وَنَوع - وَالْحَيَوَان جنس وَزيد المتصور جزئي فَافْهَم.
ثمَّ اعْلَم أَن التَّسْمِيَة بالحقيقية من قبيل نِسْبَة الْفَرد إِلَى الْكُلِّي فَإِن الْقَضِيَّة لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا فِي ذَلِك الْمَعْنى كَأَنَّهَا مَوْضُوعَة لَهُ وَحَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. فالقضية فَرد من أَفْرَاد الْحَقِيقَة فنسبت إِلَيْهَا. وَلَك أَن تَقول إِن هَذَا الْمَعْنى حَقِيقَة الْقَضِيَّة وماهيتها إِذْ لم يعْتَبر فِيهِ قيد زَائِد على مفهومها الْمُتَبَادر وَهُوَ تَقْيِيد اتصاف ذَات الْمَوْضُوع بالعنوان بِكَوْنِهِ فِي الْخَارِج فَإِذا اسْتعْملت فِي ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي هُوَ حَقِيقَتهَا بِدَلِيل التبادر وَهَذَا هُوَ مُرَاد الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي شرح الشمسية بقوله وَتسَمى حِينَئِذٍ حَقِيقِيَّة كَأَنَّهَا حَقِيقَة الْقَضِيَّة وكما أَن القضايا الثَّلَاث الْمَذْكُورَة مُتَسَاوِيَة الْإِقْدَام فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي للموضوع كَذَلِك الْقَضِيَّة الْمُوجبَة والقضية السالبة سَوَاء كَانَتَا خارجيتين أَو حقيقيتين أَو ذهنيتين مشتركتان فِي ذَلِك الِاقْتِضَاء لِأَن الحكم بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع وَانْتِفَاء الْمَحْمُول عَنهُ لَا يُمكن إِلَّا بعد تصور الْمَوْضُوع. فَلَا فرق بَينهمَا فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي بِحَسب الحكم وَإِنَّمَا الْفرق بَينهمَا بِأَن صدق الْمُوجبَة يتَوَقَّف على وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف الْإِثْبَات لِأَن الحكم فِي الْمُوجبَة بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع وَثُبُوت شَيْء وجودي أَو عدمي فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فِي ظرف الثُّبُوت وبحسب الثُّبُوت إِن دَائِما فدائما وَإِن سَاعَة فساعة وَإِن خَارِجا فخارجا وَإِن ذهنا فذهنا. بِخِلَاف السالبة فَإِن صدقهَا لَا يتَوَقَّف على وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف سلب الْمَحْمُول عَن الْمَوْضُوع لِأَن سلب الْمَحْمُول عَن الْمَوْضُوع كَمَا يصدق عِنْد عدم الْمَوْضُوع وَانْتِفَاء الْمَحْمُول عَنهُ كَذَلِك يصدق عِنْد عدم الْمَوْضُوع لِأَن الْمَوْضُوع إِذا لم يكن مَوْجُودا لم يكن الْمَحْمُول ثَابتا لَهُ لما مر من أَن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فِي ظرف الْإِثْبَات فَيكون الْمَحْمُول مسلوبا عَنهُ الْبَتَّةَ - فللموضوع وجودان وجود ذهني وَوُجُود فِي ظرف الْإِثْبَات أما الْوُجُود الذهْنِي فَلَا بُد مِنْهُ لأجل الحكم إيجابيا كَانَ أَو سلبيا وَأما الْوُجُود فِي ظرف الْإِثْبَات أَي ظرف كَانَ ذهنا أَو خَارِجا إِنَّمَا هُوَ لأجل صدق الْإِيجَاب وتحققه والسالبة لَا تستدعي صدقهَا هَذَا الْوُجُود. وَمن هَا هُنَا قَالُوا إِن الْإِثْبَات إِن كَانَ فِي الْخَارِج فَيجب لصدقه أَن يكون ثُبُوت الْمَوْضُوع أَيْضا محققا أَو مُقَدرا فِي الْخَارِج وَإِن كَانَ فِي الذِّهْن فليعتبر وجود الْمَوْضُوع فِي الذِّهْن وَرَاء اقْتِضَاء الحكم فَإِنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنى فِي السالبة أَيْضا بل لصِحَّة ثُبُوت الْمَحْمُول لَهُ فَافْهَم.
ثمَّ اعْلَم أَن الْقَضِيَّة الخارجية قد يتَوَقَّف صدقهَا أَي تحققها فِي الْخَارِج على وجود الْمَوْضُوع ومبدأ الْمَحْمُول فِي الْخَارِج مثل قَوْلك زيد أسود فِي الْخَارِج وَقد يتَوَقَّف صدقهَا على وجود الْمَوْضُوع فَقَط فِي الْخَارِج كَمَا إِذا كَانَ الْمَحْمُول عدميا مثل زيد أعمى وَزيد كَاتب. وَهَاتَانِ القضيتان خارجيتان لَكِن يتَوَقَّف تحققهما على وجود الْمَوْضُوع فَقَط فِي الْخَارِج وَإِمَّا فِي قَوْلك زيد مَوْجُود فِي الْخَارِج فقضية ذهنية لِأَن الْخَارِج فِي الْقَضِيَّة الخارجية ظرف لاتصاف الْمَوْضُوع الْمَوْجُود فِي الْخَارِج بالمحمول فِيهِ فَيتَوَقَّف صدقهَا وتحققها على وجود الْمَوْضُوع فِي الْخَارِج أَو لَا ثمَّ الحكم عَلَيْهِ فِي الْخَارِج بِأَيّ مَحْمُول كَانَ وَفِي الْمِثَال الْمَذْكُور لَيْسَ كَذَلِك.
وتوضيحه أَن معنى قَوْلك زيد مَوْجُود فِي الْخَارِج أَنه مَوْجُود بِوُجُود أُصَلِّي تــترتب عَلَيْهِ الْآثَار وَتظهر مِنْهُ الْأَحْكَام. وَلَا شكّ أَن كَونه كَذَلِك لَا يتَوَقَّف على كَونه مَوْجُودا أَصْلِيًّا أَو لَا حَتَّى يتَصَوَّر اتصافه بالوجود الْأَصْلِيّ أَو لَا. ثمَّ الحكم عَلَيْهِ فِي الْخَارِج بالوجود الْأَصْلِيّ أَي بالوجود فِي الْخَارِج. هَكَذَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي أم الْحَوَاشِي على الشَّرْح الْقَدِيم للتجريد وَالْحَاصِل أَنه لَا بُد فِي الْقَضِيَّة الخارجية من اتصاف الْمَوْضُوع بالوجود الْخَارِجِي أَو لَا. ثمَّ الحكم عَلَيْهِ بالمحمول فعلى هَذَا زيد كَاتب قَضِيَّة خارجية. وَزيد مَوْجُود فِي الْخَارِج قَضِيَّة ذهنية إِذْ لَيْسَ الحكم فِيهَا بالوجود فِي الْخَارِج بعد اتصاف زيد بالوجود فِيهِ وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع على دفع الْإِشْكَال فِي الْحمل الإيجابي على المفهومات الممتنعة مثل شريك الْبَارِي مُمْتَنع واجتماع النقيضين محَال والخلاء مَعْدُوم ونظائره فَلْينْظر إِلَى تحقيقنا فِي الْمُوجبَة واشكر شكرا جميلا واسأل لهَذَا العَاصِي الغفران وَأَجرا جزيلا.

الْقيَاس

(الْقيَاس) من عمله قِيَاس الأَرْض أَو غَيرهَا
(الْقيَاس) (فِي اللُّغَة) رد الشَّيْء إِلَى نَظِيره و (فِي علم النَّفس) عمل عَقْلِي يَــتَرَتَّب عَلَيْهِ انْتِقَال الذِّهْن من الْكُلِّي إِلَى الجزئي المندرج تَحْتَهُ كَمَا إِذا انْتقل الذِّهْن من مَفْهُوم أَن زَوَايَا كل مثلث تَسَاوِي زاويتين قائمتين إِلَى أَن زَوَايَا هَذَا المثلث المرسوم أَمَامِي الْآن تَسَاوِي زاويتين قائمتين و (فِي الْمنطق) قَول مركب من قضيتين أَو أَكثر مَتى سلم لزم عَنهُ لذاته قَول آخر كَمَا إِذا قُلْنَا كل ذِي أذن من الْحَيَوَان يلد والسلحفاة ذَات أذن فَإِن هَذَا يسْتَلْزم القَوْل بِأَن السلحفاة تَلد و (فِي الْفِقْه) حمل فرع على أصل لعِلَّة مُشْتَركَة بَينهمَا كَالْحكمِ بِتَحْرِيم شراب مُسكر حملا على الْخمر لاشْتِرَاكهمَا فِي عِلّة التَّحْرِيم وَهُوَ الْإِسْكَار
الْقيَاس: فِي اللُّغَة التَّقْدِير يُقَال قست الأَرْض بالقصبة إِذا قدرتها بهَا والمساواة يُقَال قَاس النَّعْل بالنعل إِذا حاذاه فساواه. وتعديته بعلى بتضمين معنى الْبناء فَإِن انْتِقَال الصِّلَة للتضمين.
وَعند المنطقين الْقيَاس قَول مؤلف من قضايا إِذا سلم يلْزم لذاته قَول آخر. اعْلَم أَن المُرَاد بالْقَوْل الأول الْمركب ملفوظا أَو معقولا وَالْقَوْل الثَّانِي مُخْتَصّ بالمعقول إِذْ لَا يجب تلفظ الْمَدْلُول من تلفظ الدَّلِيل وَلَا من تعقله والمؤلف لكَونه من الألفة أَعم من الْمركب بِعَدَمِ اعْتِبَار الألفة والمناسبة بَين أَجْزَائِهِ فَفِي ذكر الْمُؤلف بعد القَوْل إِشَارَة إِلَى أَن التَّأْلِيف مُعْتَبر فِي الْقيَاس دون التَّرْكِيب مُطلقًا وَإِن كَانَ جِنْسا لَهُ على أَنه لَو قيل الْقيَاس قَول من قضايا لما تعلق من قضايا بالْقَوْل لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الاصطلاحي اسْم جامد كَمَا مر فِي القَوْل فَلَا بُد من ذكر الْمُؤلف بعده ليَصِح التَّعَلُّق وَأَيْضًا لَو لم يذكر لتوهم أَن كلمة من للتَّبْعِيض فَلَا يكون تَعْرِيف الْقيَاس مَانِعا لصدقه على قَضِيَّة مستلزمة لعكسها المستوي وَعكس النقيض فَإِن قلت: إِن القَوْل لما كَانَ أَعم فَيكون تَعْرِيف الْقيَاس شَامِلًا للملفوظ والمعقول فالاستلزام مَمْنُوع فَإِن تلفظ الدَّلِيل لَا يسْتَلْزم بالمدلول أَي الْمَطْلُوب قُلْنَا إِذا أُرِيد بالْقَوْل الملفوظ فَالْمُرَاد بالاستلزام الاستلزام عِنْد الْعَالم بِالْوَضْعِ. فَمَعْنَى التَّعْرِيف الْمَذْكُور أَنه كلما تلفظ بِهِ الْعَالم بِالْوَضْعِ لزمَه الْعلم بمطلوب جزئي فالاستلزام لَيْسَ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بعض الْأَشْخَاص وَهُوَ لَا يضرنا إِذْ لَا ندعي الْكُلية.
وَاعْلَم أَن الْقيَاس لَا يتألف إِلَّا من مقدمتين إِمَّا الْمُقدمَات فقياسات محصلة لقياس ينْتج الْمَطْلُوب - فَإِن صرح بنتائجها فموصولة النتائج وَإِلَّا فمفصولة النتائج. وَالْقِيَاس عِنْد الْأُصُولِيِّينَ مُسَاوَاة فرع الأَصْل فِي عِلّة حكمه. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ إِثْبَات مثل حكم مَعْلُوم فِي مَعْلُوم آخر لاشْتِرَاكهمَا فِي عِلّة الحكم عِنْد الْمُثبت وَهَذِه الْمُسَاوَاة أَو الْإِثْبَات الْمَذْكُور يُسمى عِنْد المنطقيين بالتمثيل الْمُعَرّف عِنْدهم بِأَنَّهُ مُشَاركَة جزئي لآخر فِي عِلّة الحكم لإِثْبَات حكم كلي. وَفِي التَّحْقِيق شرح الحسامي والمعول عَلَيْهِ أَي الْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي تَحْدِيد الْقيَاس مَا نقل عَن الشَّيْخ أبي مَنْصُور أَنه إبانة مثل حكم أحد الْمَذْكُورين بِمثل علته فِي الآخر. وَاخْتَارَ لفظ الْإِبَانَة أَي الْإِظْهَار دون الْإِثْبَات لِأَن الْقيَاس مظهر لَا مُثبت فَإِن الْمُثبت هُوَ الله تَعَالَى. وَذكر مثل الحكم وَمثل الْعلَّة احْتِرَازًا عَن لُزُوم القَوْل بانتقال الْأَوْصَاف فَإِنَّهُ لَو لم يذكر لفظ الْمثل للَزِمَ ذَلِك. وَذكر لفظ الْمَذْكُورين ليشْمل الْقيَاس بَين الْمَوْجُودين والمعدومين كقياس عديم الْعقل بِسَبَب الْجُنُون على عديم الْعقل بِسَبَب الصغر فِي سُقُوط خطاب الْإِدْرَاك عِنْده بِالْعَجزِ عَن فهم الْخطاب وَأَدَاء الْوَاجِب - وَحكم الْقيَاس تَعديَة حكم النَّص إِلَى مَا لَا نَص فِيهِ ليثبت مثل حكمه فِيمَا لَا نَص فِيهِ بغالب الرَّأْي على احْتِمَال الخطاء وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْقيَاس لَا يُفِيد الْقطع وَالْيَقِين.
وَاعْلَم أَن الْقيَاس وَالتَّعْلِيل مُتَرَادِفَانِ عندنَا فَالْحكم بِأَن التَّعْدِيَة حكم لَازم للْقِيَاس حكم بِأَنَّهَا لَازِمَة للتَّعْلِيل وَبِالْعَكْسِ عندنَا لِأَنَّهُ لَا يجوز التَّعْلِيل بِدُونِ التَّعْدِيَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي يجوز التَّعْلِيل بِدُونِهَا فَإِن التَّعْلِيل بِالْعِلَّةِ القاصرة جَائِز عِنْده لَا عندنَا وَالتَّفْصِيل أَن الحكم فِي النَّص إِمَّا مَنْصُوص الْعلَّة أَو لَا وعَلى الأول لَا حَاجَة إِلَى التَّعْلِيل وعَلى الثَّانِي يُعلل لَكِن عندنَا لغَرَض إِثْبَات ذَلِك الحكم وتعديته إِلَى مَا لَا نَص فِيهِ لَا لإِثْبَات ذَلِك الحكم لِأَن النَّص مُثبت لَهُ فَلَا حَاجَة إِلَى إثْبَاته إِلَى أَمر آخر وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يجوز التَّعْلِيل لإِثْبَات الحكم نَفسه لَا للتعدية وَفَائِدَته أَن يصير الحكم أقرب إِلَى الْقبُول فالتعليل عِنْده قد يكون للتعدية كالقياس وَقد لَا يكون فالتعليل عِنْده عَام وَالْقِيَاس خَاص عَنهُ وَنَوع مِنْهُ فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي الْأُصُول الحسامي.

الِاتِّحَاد

الِاتِّحَاد: صيرورة الذاتين أَو الذوات وَاحِدَة وَلَا يكون إِلَّا فِي الْعدَد من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا. وَأما صيرورة شَيْء عين شَيْء آخر بِأَن يكون هُنَاكَ زيد وَعَمْرو مثلا فيتحدان بِأَن يصير زيد بِعَيْنِه عمر أَو بِالْعَكْسِ فممتنع لِأَنَّهُمَا بعد الِاتِّحَاد إِن كَانَا موجودين كَانَا اثْنَيْنِ لَا وَاحِدًا وَإِن كَانَ أَحدهمَا فَقَط مَوْجُودا كَانَ هَذَا فنَاء لأَحَدهمَا وَبَقَاء لآخر وَإِن لم يكن شَيْء مِنْهُمَا مَوْجُودا كَانَ هَذَا فنَاء لَهما وحدوث ثَالِث وَالْكل بِخِلَاف الْمَفْرُوض. فَإِن قلت لَا نسلم امْتنَاع الِاتِّحَاد بَين الشَّيْئَيْنِ بِسَنَد أَنهم قَائِلُونَ بالجعل الْمُؤلف الْمُقْتَضِي اتِّحَاد المفعولين. قلت الْجعل الْمُؤلف هُوَ جعل الشَّيْء شَيْئا وتصييره إِيَّاه وأثره الْمُــتَرَتب عَلَيْهِ هُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية الحملية فمقتضاه الِاتِّحَاد الحملي لَا الِاتِّحَاد الْعَيْنِيّ بِالِاسْمِ والرسم فَلَا بُد أَن يكون الْمَفْعُول الثَّانِي مِمَّا يَصح حمله على الأول والاتحاد الحملي لَيْسَ مَعْنَاهُ صيرورة الْمَحْمُول عين الْمَوْضُوع وذاته فَإِن الْحمل عبارَة عَن اتِّحَاد المتغائرين ذهنا فِي الْوُجُود خَارِجا فِي نفس وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود قَائِم بهما بل مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود لأَحَدهمَا بِالْأَصَالَةِ وَللْآخر بالتبع مَا يكون منتزعا عَنهُ. فَلَا يرد أَن الْوُجُود عرض وَقيام الْعرض بمحلين مُخْتَلفين مُمْتَنع فَكيف يتَصَوَّر اتِّحَاد المتغائرين فِي الْوُجُود. ثمَّ اعْلَم أَن الْمَفْعُول الثَّانِي إِن لم يكن مِمَّا يَصح حمله على الأول مواطأة فَلَيْسَ هُنَاكَ الْجعل الْمُؤلف لِأَن مفاده حِينَئِذٍ صيرورة شَيْء عين شَيْء آخر وَلذَا قَالُوا إِن الضياء والنور فِي قَوْله تَعَالَى {جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا} بِمَعْنى المضيء وَالْمُنَوّر. فَإِن قلت صيرورة شَيْء عين شَيْء آخر جَائِز بل وَاقع فَإِن المَاء يصير هَوَاء وَبِالْعَكْسِ فامتناع الِاتِّحَاد الْمَذْكُور مَمْنُوع. قلت صيرورة المَاء هَوَاء وَبِالْعَكْسِ مجازي لَا حَقِيقِيّ والمحال هُوَ الِاتِّحَاد الْحَقِيقِيّ فَإِن الِاتِّحَاد يُطلق مجَازًا على صيرورة شَيْء شَيْئا بطرِيق الاستحالة أَي التَّغَيُّر والانتقال دفعيا كَانَ أَو تدريجيا كَمَا يُقَال صَار المَاء هَوَاء وَالْأسود أَبيض. وعَلى صيرورة شَيْء شَيْئا آخر بطرِيق التَّرْكِيب حَتَّى يحصل شَيْء ثَالِث كَمَا يُقَال صَار التُّرَاب طينا والخشب سريرا. والاتحاد بِهَذَيْنِ الْمَعْنيين جَائِز بل وَاقع وَهَذَا نبذ مِمَّا حررناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي الزَّاهِد على الْحَوَاشِي الجلالية على تَهْذِيب الْمنطق.

الْكسْب

(الْكسْب) مَا اكْتسب يُقَال فلَان طيب الْكسْب

(الْكسْب) عصارة الدّهن وثفل بزور الْقطن والكتان والسمسم بعد عصرها (مو) (وَانْظُر الكزب)
الْكسْب: هُوَ الْفِعْل المفضي إِلَى اجتلاب نفع أَو دفع ضَرَر وَلَا يُوصف فعل الله تَعَالَى بِأَنَّهُ كسب لكَونه منزها عَن جلب نفع أَو دفع ضَرَر. وَأَيْضًا الْكسْب هُوَ مُبَاشرَة الْأَسْبَاب بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ المعني بقَوْلهمْ الْكسْب صرف العَبْد قدرته فَإِن قيل مَا الْفرق بَين الْكسْب والخلق قُلْنَا صرف العَبْد قدرته وإرادته إِلَى الْفِعْل وإيجاد الله تَعَالَى الْفِعْل عقيب ذَلِك الصّرْف خلق والمقدور الْوَاحِد دَاخل تَحت القدرتين لَكِن بجهتين مختلفتين فالفعل مَقْدُور الله تَعَالَى بِجِهَة الإيجاد ومقدور العَبْد بِجِهَة الْكسْب فَلَا يلْزم توارد العلتين المستقلتين على الْمَعْلُول الْوَاحِد الشخصي وَهُوَ محَال. وللمتكلمين فِي الْفرق بَينهمَا عِبَارَات مثل أَن الْكسْب يَقع بِآلَة والخلق لَا بِآلَة وَالْكَسْب مَقْدُور الكاسب يَقع فِيمَا هُوَ قَائِم بالكاسب كَمَا فِي الْحَرَكَة والسكون القائمين بالمتحرك والساكن فَكَانَ الْكسْب وَقع فِي ذَات الكاسب وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْكسْب مَقْدُور وَقع فِي مَحل قدرته أَي قدرَة الْكسْب والخلق مَقْدُور لَكِن لَا يَقع فِي مَا هُوَ قَائِم بالخالق بل فِيمَا هُوَ غير قَائِم بِهِ فَإِن خلق الله تَعَالَى وإيجاده إِنَّمَا هُوَ وَاقع فِي زيد وَعَمْرو مثلا وهما ليسَا بقائمين بالخالق فالخلق غير وَاقع فِي الْخَالِق. وَمثل أَن الْكسْب لَا يَصح انْفِرَاد الْقَادِر بِهِ أَي لَا يَصح استقلاله فِي كَسبه بِأَن لَا يحْتَاج فِي كَسبه إِلَى أَمر بل العَبْد الكاسب يكون مُحْتَاجا فِيهِ إِلَى أُمُور كخلق الله تَعَالَى الْقُدْرَة عِنْد إِرَادَته الْفِعْل وَغير ذَلِك بِخِلَاف الْخلق فَإِنَّهُ يَصح انْفِرَاد الْقَادِر على الْخلق بِهِ وَعدم احْتِيَاجه فِي الْخلق إِلَى غَيره. وَتَحْقِيق صرف العَبْد قدرته فِي مَوْضِعه فاطلب هُنَاكَ. فَإِن قيل إِن العَبْد مُخْتَار فِي فعله أم مجبور قُلْنَا مُخْتَار لِأَنَّهُ يفعل بِالِاخْتِيَارِ بِوَاسِطَة الْكسْب الْمَذْكُور. فَإِن قيل ذَلِك الْكسْب فعل أم لَا وَلَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي لِأَن كل فعل اخْتِيَاري مَخْلُوق الله تَعَالَى فَيلْزم الْجَبْر. أَقُول إِن الْكسْب فعل لَكِن لَيْسَ بمخلوق الله تَعَالَى وَلَا يلْزم بطلَان الْكُلية لِأَن المُرَاد بِالْفِعْلِ فِيهَا الْفِعْل الْمَوْجُود وَالْكَسْب من الْأُمُور اللاموجودة واللامعدومة أَو نقُول إِن المُرَاد من الْفِعْل فِي تِلْكَ الْكُلية مَا يصدر بعد الْكسْب وَالِاخْتِيَار وَيَــتَرَتَّب عَلَيْهِمَا. نعم إِن الْكسْب مَخْلُوق الله تَعَالَى بِمَعْنى أَنه تَعَالَى خلق قدرَة يصرفهَا العَبْد إِلَى كل من الْأَفْعَال وَالتّرْك على سَبِيل الْبَدَل. ثمَّ صرفهَا إِلَى وَاحِد معِين فعل العَبْد فَهُوَ مَخْلُوق الله تَعَالَى بِمَعْنى استناده لَا على سَبِيل الْوُجُوب ليلزم الْجَبْر إِلَى موجودات هِيَ مخلوقة الله تَعَالَى لَا أَن الله تَعَالَى خلق هَذَا الصّرْف قصدا فَلَا يلْزم الْجَبْر كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُؤثر إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وتفصيل هَذَا المرام فِي الْمُقدمَات الْأَرْبَع فِي التَّلْوِيح قَالُوا إِن الله تَعَالَى خَالق لأفعال الْعباد كلهَا اعْلَم أَن المُرَاد بالأفعال المفعولات لَا الْمَعْنى المصدري لِأَنَّهُ أَمر اعتباري لَا يتَعَلَّق بِهِ الْخلق وَلَا تحقق لَهُ فِي الْخَارِج وَإِلَّا لزم التسلسل فِي الإيقاعات وَأَيْضًا لَيْسَ المُرَاد بالمفعول الْجَوَاهِر لِأَنَّهُ لَيْسَ الْخلاف إِلَّا فِيمَا يُوجد بكسب العَبْد ويستند إِلَيْهِ من الْأَعْرَاض مثل الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا وَإِلَّا فالسرير مثلا أَيْضا مفعول بِالنِّسْبَةِ إِلَى النجار ومعموله لِأَنَّهُ تعلق بِهِ فعله وَعَمله لكنه مَخْلُوق الله تَعَالَى بالِاتِّفَاقِ.

التَّقْلِيد

التَّقْلِيد: إتباع الْإِنْسَان غَيره فِيمَا يَقُول بقول أَو بِفعل مُعْتَقدًا للْحَقِيقَة فِيهِ من غير نظر وَتَأمل فِي الدَّلِيل كَانَ هَذَا المتتبع جعل قَول الْغَيْر أَو فعله قلادة فِي عُنُقه. وَذهب كثير من الْعلمَاء وَجَمِيع الْفُقَهَاء إِلَى صِحَة إِيمَان الْمُقَلّد وترتب الْأَحْكَام عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمنعه الشَّيْخ أَبُو الْحسن والمعتزلة وَكثير من الْمُتَكَلِّمين وَدَلَائِل الْفَرِيقَيْنِ فِي مطولات علم الْكَلَام.
ثمَّ اعْلَم أَن التَّقْلِيد على ضَرْبَيْنِ صَحِيح وفاسد فَالصَّحِيح أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله أَو أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. فَيُقَال لَهُ مَا قلت فَقَالَ إِنِّي وجدت الْمُؤمنِينَ يَقُولُونَ هَذِه الْكَلِمَة فيكونون مُسلمين عِنْد الله تَعَالَى فقلتها أَيْضا لأَكُون مُسلما فَهُوَ مُؤمن. وَالْفَاسِد هُوَ أَن يَقُول ذَلِك فَقيل لَهُ مَا قلت فَقَالَ قلت مَا قَالُوا وَلَا أَدْرِي مَا هِيَ فَهُوَ لَيْسَ بِمُؤْمِن لِأَنَّهُ لَا يعرف الله تَعَالَى فَكيف يصدقهُ. التَّقْدِيس: لُغَة التَّطْهِير وَاصْطِلَاحا تَنْزِيه الْحق عَن كل مَا لَا يَلِيق بجنابه وَعَن النقائص الكونية وَعَن جَمِيع مَا يعد كمالا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره من الموجودات مُجَرّدَة كَانَت أَو غير مُجَرّدَة وَهُوَ أخص من التَّسْبِيح كَيْفيَّة وكمية أَي أَشد تَنْزِيها مِنْهُ وَأكْثر. وَلذَلِك آخر عَنهُ فِي قَوْلهم سبوح قدوس.

الْمَاهِيّة

الْمَاهِيّة: كَانَت فِي الأَصْل ماهوية الْيَاء للنسبة وَالتَّاء للمصدرية. ثمَّ قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء وَكسرت الْهَاء. وَقَالَ بعض الْعلمَاء الْمَاهِيّة مَأْخُوذَة عَن مَا هُوَ بإلحاق يَاء النِّسْبَة وَحذف إِحْدَى اليائين للتَّخْفِيف وإلحاق التَّاء للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية - وَقيل الأَصْل المائية ثمَّ قلبت الْهمزَة هَاء كَمَا فِي قِرَاءَة هياك فِي إياك. وَهِي فِي عرف الْحُكَمَاء بِمَا بِهِ يُجَاب عَن السُّؤَال بِمَا هُوَ فعلى هَذَا يُطلق الْمَاهِيّة على الْحَقِيقَة الْكُلية. وَرُبمَا تفسر بِمَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ فَتطلق على الْحَقِيقَة الْكُلية والجزئية أَيْضا. والحقيقة والماهية مترادفتان فَإِن قيل التَّعْرِيف بِمَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ لَيْسَ بمانع لِأَنَّهُ يصدق على الْعلَّة الفاعلية لِأَن الظَّاهِر أَن يكون الْبَاء فِي قَوْله مَا بِهِ للسَّبَبِيَّة وَالضَّمِير أَن للشَّيْء فَالْمَعْنى الْأَمر الَّذِي بِسَبَبِهِ الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء.

وَلَا شكّ: أَنه يصدق على الْعلَّة الفاعلية لِأَن الْإِنْسَان مثلا إِنَّمَا يصير إنْسَانا متمايزا عَن جَمِيع مَا عداهُ بِسَبَب الْفَاعِل وإيجاده إِيَّاه ضَرُورَة أَن الْمَعْدُوم لَا يكون إنْسَانا بل لَا يكون ممتازا عَن غَيره لما تقرر من أَنه لَا تمايز فِي المعدومات فَيلْزم أَن تكون الْعلَّة الفاعلية مَاهِيَّة لمعلولاتها وَهُوَ ظَاهر الْبطلَان. قُلْنَا معنى مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ مَا بِهِ الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء وَالْفَاعِل مَا بِسَبَبِهِ الشَّيْء مَوْجُود فِي الْخَارِج وَذَلِكَ إِمَّا بِأَن يكون أثر الْفَاعِل نفس مَاهِيَّة ذَلِك الشَّيْء مستتبعا لَهُ استبتاع الضَّوْء للشمس وَالْعقل يتنزع مِنْهُ الْوُجُود ويصفها بِهِ على مَا قَالَ بِهِ الإشراقيون وَغَيرهم الْقَائِلُونَ بِأَن الماهيات مجعولة فَإِنَّهُم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْمَاهِيّة هِيَ الْأَثر الْمُــتَرَتب على تَأْثِير الْفَاعِل وَمعنى التَّأْثِير الاستتباع ثمَّ الْعقل ينْزع مِنْهُ الْوُجُود ويصفها بِهِ. وَالْحَاصِل أَن الْمَاهِيّة مَا بِهِ الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء وَالْفَاعِل مَا بِهِ الشَّيْء مَوْجُود وَكم فرق بَينهمَا وَهَا هُنَا كَلَام طَوِيل فِي حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة والحواشي الحكيمية - وَرُبمَا يُطلق الْمَاهِيّة وَيُرَاد بهَا المجانسة أَي الْمُشَاركَة فِي الْجِنْس المنطقي أَو اللّغَوِيّ الْأَمر الشَّامِل للأنواع أَيْضا فَإِنَّهُ يُقَال مَا عنْدك بِمَعْنى أَن أَي جنس من الْأَجْنَاس عنْدك. فيجاب بِأَنَّهُ إِنْسَان أَو فرس أَو طَعَام وَإِنَّمَا يُرَاد بهَا المجانسة لِأَن معنى مَا السُّؤَال عَن الْجِنْس فَمَعْنَى الْمَاهِيّة الْمَنْسُوب إِلَى مَا أَعنِي مَا يَقع جَوَابا عَنهُ وَهُوَ الْجِنْس فَيكون معنى قَوْلهم وَالله تَعَالَى لَا يُوصف بالماهية أَنه تَعَالَى لَا يُوصف بِأَن لَهُ جِنْسا وَلَا يُقَال إِنَّه تَعَالَى مجانس لشَيْء من الْأَشْيَاء -.
وَالْمرَاد بِالْجِنْسِ فِي قَوْلهم الْمَذْكُور الْجِنْس المنطقي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم التَّرْكِيب لِأَنَّهُ تَعَالَى لَو كَانَ مشاركا للأشياء فِي الْجِنْس المنطقي لَكَانَ مفتقرا إِلَى الْفَصْل الْمُمَيز عَن المتجانسات لِأَن الْجِنْس فِي تحصله وتقومه يكون مفتقرا إِلَى الْفَصْل كَمَا تقرر. فَيلْزم التَّرْكِيب الَّذِي يجب تَنْزِيه الله تَعَالَى عَنهُ بِخِلَاف الْجِنْس اللّغَوِيّ فَإِنَّهُ إِذا قيل إِنَّه تَعَالَى متصف بالماهية أَي المجانسة والمشاركة فِي الْجِنْس اللّغَوِيّ لَا يلْزم التَّرْكِيب فِي ذَاته تَعَالَى لجَوَاز أَن يكون لَهُ تَعَالَى حَقِيقَة نوعية بسيطة فَلَا يلْزم التَّرْكِيب. هَذَا على أصل الْمُتَكَلِّمين فَإِن للْوَاجِب تَعَالَى عِنْدهم حَقِيقَة نوعية بسيطة من غير لُزُوم التَّرْكِيب فِي ذَاته تَعَالَى. وَأما على أصل الفلاسفة فَالْوَاجِب تَعَالَى منزه عَن الْمَاهِيّة بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ أَيْضا لاستلزامه التَّرْكِيب مُطلقًا. فَكل شخص لَهُ مَاهِيَّة كُلية سَوَاء كَانَت نوعية أَو جنسية فَهُوَ مركب عِنْدهم فَافْهَم واحفظ - وللماهية معنى آخر يفهم من كَلَام الشَّيْخ الرئيس فِي الآهيات الشِّفَاء حَيْثُ قَالَ كل بسيط ماهيته ذَاته لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْء قَابل لماهيته وَصورته أَيْضا ذَاته لِأَنَّهُ لَا تركيب فِيهِ. وَأَيْضًا الْمَاهِيّة هِيَ الْحَقِيقَة المعراة عَن الْأَوْصَاف فِي اعْتِبَار الْعقل. وَمن هَا هُنَا يُقَال إِن الْوَاجِب سُبْحَانَهُ وجود خَاص قَائِم بِذَاتِهِ ذاتية مَحْضَة لَا مَاهِيَّة لَهُ لِأَن الْمَاهِيّة هِيَ الْحَقِيقَة إِلَى آخِره وَهُوَ سُبْحَانَهُ منزه عَن أَن يلْحقهُ التعرية وَأَن يخيط بِهِ الِاعْتِبَار. وَرُبمَا يفرق بَين الْحَقِيقَة والماهية بِأَن الْوُجُود مُعْتَبر فِي الْحَقِيقَة دون الْمَاهِيّة وَأَن الْمَاهِيّة تتَنَاوَل الْمَاهِيّة الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَالْمَفْهُوم الاعتباري أَيْضا بِخِلَاف الْحَقِيقَة فَإِن الْحَقِيقَة أخص والماهية أَعم -
وَعَلَيْك أَن تشكر وَتعلم أَن للماهيات ثَلَاث اعتبارات. الأول: بِشَرْط شَيْء أَي مَعَ الْعَوَارِض فتسمى مخلوطة وَهِي فائزة بالوجود قطعا - وَالثَّانِي: بِشَرْط لَا شَيْء فتسمى مُجَرّدَة لم تُوجد قطّ لتجردها حَتَّى نفوا وجودهَا الذهْنِي وَالْحق إثْبَاته إِذْ لَا حجر فِي التَّصَوُّر. - وَالثَّالِث: لَا بِشَرْط شَيْء فتسمى مُطلقَة وَهِي فِي نَفسهَا لَا مَوْجُودَة وَلَا مَعْدُومَة وَلَا كُلية وَلَا جزئية وَكَذَا سَائِر الْعَوَارِض أَي لَيْسَ شَيْء مِنْهَا جزؤها وَلَا عينهَا بل كلهَا خَارِجَة عَنْهَا يَتَّصِف بهَا عِنْد عروضها فمفهوم الْإِنْسَان مثلا فِي نَفسه لَا كلي وَإِلَّا لما حمل على زيد وَلَا جزئي وَإِلَّا لما حمل على كثيرين. لكنه صَالح لكل عَارض يَتَّصِف بِهِ عِنْد عروضه. فبعروض التشخص جزئي وبعروض عَدمه كلي. وَقس عَلَيْهِ فالمعروض وَاحِد والعوارض شَتَّى وَهُوَ مَعَ عَارض غَيره مَعَ آخر فَهُوَ وَاحِد بِالذَّاتِ ومختلف بالحيثيات فاتصف بالمتقابلات. فَفِي الْخَارِج يَتَّصِف بالعوارض الخارجية كالحرارة والبرودة وبتشخص بهَا. وَفِي الذِّهْن بالعوارض الذهنية كالكلية والمفهومية فالماهية وَاحِدَة وَاخْتِلَاف الْأَحْوَال باخْتلَاف الْمحَال. فَكَمَا لَا يلْزم حرارة الْمَوْجُود الذهْنِي لَا يلْزم كُلية الْمَوْجُود الْعَيْنِيّ فَافْهَم واحفظ.

ثمَّ اعْلَم أَن الْمَاهِيّة على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: حَقِيقِيَّة أَي مَوْجُودَة بِوُجُود أصيل. وَثَانِيهمَا: اعتبارية يَعْتَبِرهَا الْعقل إِمَّا بِأَن ينتزعها من أُمُور مَوْجُودَة فِي الْخَارِج كالوجوب والإمكان والامتناع وَسَائِر الْأُمُور والاصطلاحية فَإِنَّهَا مفهومات انتزعها الْعقل من الموجودات العينية أَي الخارجية وَلَيْسَ لَهَا وجود أصيلي وَمعنى ثُبُوتهَا فِي نفس الْأَمر ومطابقة أَحْكَامهَا إِيَّاهَا أَن مبدأ انتزاعها أَمر فِي الْخَارِج وَأَنه بِحَيْثُ يُمكن أَن ينتزع الْعقل تِلْكَ الْأُمُور مِنْهُ ويصفه بهَا أَو يخترعها من عِنْد نَفسه كإنسان ذِي راسين وأنياب الأغوال. وَقد ظهر مِمَّا ذكرنَا فَسَاد مَا قيل إِن الاعتبارية الَّتِي وَقعت فِي مُقَابلَة الْمَوْجُودَة قِسْمَانِ: أَحدهمَا: مَا لَا يكون لَهُ تحقق فِي نفس الْأَمر إِلَّا بِاعْتِبَار الْمُعْتَبر كالمفهومات الاصطلاحية. وَالثَّانِي: مَفْهُوم لَهُ تحقق فِي نفس الْأَمر بِدُونِ اعْتِبَاره وَإِن لم يكن مَوْجُودا كالوجوب والإمكان والحدوث وَغَيرهمَا من الْأُمُور الممتنعة الْوُجُود فِي الْخَارِج. وَقَوْلنَا أَي مَوْجُودَة بِوُجُود أصيل أولى من قَوْلهم أَي مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان لِأَن ذَلِك يَشْمَل الصِّفَات الْقَائِمَة بِالنَّفسِ الناطقة. بِخِلَاف قَوْلهم أَي مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان كَمَا لَا يخفى. وَقد ظهر من هَذَا التَّحْقِيق معنى الْأُمُور الاعتبارية أَيْضا فَتَأمل.
(الْمَاهِيّة) مَاهِيَّة الشَّيْء كنهه وَحَقِيقَته أخذت من النِّسْبَة إِلَى مَا هُوَ أَو مَا هِيَ (مو) والشهرية أَو الْمُرَتّب الشهري وَهِي كلمة منسوبة إِلَى (ماه) وَمَعْنَاهَا بِالْفَارِسِيَّةِ شهر (ج) ماهيات

باقة

باقة
عن باقه وبانحة بمعنى ظهر السلحفاة البحرية يتخذ منه السوار.
باقة: أو باكة، أسبانية: منديل يحاط به العنق.
وشريط يزين به رجال الدين والقضاة ملابسهم (الكالا، ويسمى beca) .
باقة
باقة [مفرد]: ج باقات: حزمة من البقل، ويُطلقها المحدثون على الضميمة من الزّهر وعلى الحزمة من كلّ شيء "تُقَدَّم باقات الورود في المناسبات السعيدة" ° باقة سلاح: مجموعة أسلحة تُرتَّب على شكل معيّن، وتُتَّخذ زينة وشعارًا للنَّصر. 
باقة
الجذر: ب و ق

مثال: باقة ورد
الرأي: مرفوضة
السبب: لأنها لم ترد بهذا المعنى في المعاجم.
المعنى: حزمة

الصواب والرتبة: -طاقة ورد [فصيحة]-باقة ورد [صحيحة]
التعليق: ورد في التاج: «الباقة: الحزمة من البقل» والبقل نبات كالريحان والورد وعليه فيجوز استعمال الباقة مع الورود ويكون الاستعمال مجازيًّا لعلاقة المشابهة وقد أجاز مجمع اللغة المصري استعمال الكلمتين «طاقة وباقة» وإن كان يفضل الأولى.

الرّحمة

الرّحمة:
[في الانكليزية] Mercy ،clemency
[ في الفرنسية] Misericorde clemence
بالفتح وسكون الحاء المهملة لغة رقّة القلب وانعطاف يقتضي التّفضّل والإحسان، وهي من الكيفيات التابعة للمزاج، والله سبحانه منزّه عنها، فإطلاقه عليه مجاز عمّا يــترتّب عليه من إنعامه على عباده، كالغضب فإنّه لغة ثوران النفس وهيجانها عند إرادة الانتقام، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد به المنتهى والغاية. ولذا قيل أسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات.
وذكر بعض المحققين أنّ الرحمة من صفات الذات وهي إرادة إيصال الخير ودفع الشّر.
فالباري سبحانه رحمن ورحيم لأنّ إرادته أزلية، ومعنى ذلك أنّه تعالى أراد في الأزل أن ينعم على عبيده المؤمنين فيما لا يزال. وقال آخرون هي من صفات الفعل وهي إيصال الخير ودفع الشرّ، ونسبتها إليه سبحانه عبارة عن عطاء الله تعالى العبد ما لا يستحقّه من المثوبة ودفع ما يستوجبه من العقوبة. وقيل هي ترك عقوبة من يستحقّ العقوبة. وذكر الإمام الرازي في مفاتيح الغيب أنّ الرحمة لا تكون إلّا لله تعالى لأنّ الجود هو إفادة ما ينبغي لا لغرض، وكل أحد غير الله إنّما يعطي ليأخذ عوضا، إلّا أنّ العوض أقسام. منها جسمانية كمن أعطى دينارا ليأخذ كرباسا. ومنها روحانية وهي أقسام. أحدها إعطاء المال لطلب الخدمة. والثاني إعطاؤه لطلب الثناء الجميل. والثالث إعطاؤه لطلب الإعانة. والرابع إعطاؤه لطلب الثّواب الجزيل.
والخامس إعطاؤه لدفع الرّقة الجنسية عن القلب. والسادس إعطاؤه ليزيل حبّ المال عن قلبه، فكلّ من أعطى إنّما يعطي لغرض تحصيل الكمال، فيكون ذلك في الحقيقة معاوضة. وأمّا الحقّ سبحانه فهو كامل في نفسه فيستحيل أن يعطي ليستفيد به كمالا.
اعلم أنّ الفرق بين الرحمن والرحيم أنّ الرحمن اسم خاص بصفة عامة، والرحيم اسم عام بصفة خاصة، وخصوص اللفظ في الرحمن بمعنى أنّه لا يجوز أن يسمّى به لما سوى الله تعالى.
وعموم المعنى من حيث إنّه يشتمل على جميع الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع. وعموم اللفظ في الرحيم من حيث اشتراك المخلوقين في التسمية به. وخصوص المعنى لأنّه يرجع إلى اللطف والتوفيق المخصوصين بالمؤمنين. وفي الرحمن مبالغة في معنى الرحمة ليست في الرحيم، هي إمّا بحسب شموله للدارين واختصاص الرحيم بالدنيا كما وقع في الأثر (يا رحمن الدنيا والآخرة ويا رحيم الدنيا)، وإمّا بحسب كثرة أفراد المرحومين وقلتها كما ورد (يا رحمن الدنيا ويا رحيم الآخرة)، فإنّ رحمة الدنيا تعم المؤمن والكافر ورحمة الآخرة تخص المؤمن، وإما باعتبار جلالة النّعم ودقتها فيقصد بالرحمن رحمة زائدة بوجه ما. وعلى هذا يحمل في قولهم يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها، فالمراد بالرحمن نوع من الرحمة أبعد من مقدورات العباد وهي ما يتعلّق بالسعادة الأخروية، والرحمن هو العطوف على عباده بالإيجاد أولا والهداية ثانيا والإسعاد في الآخرة ثالثا والإنعام بالنظر إلى وجه الكريم رابعا.
والأقوال للمفسرين في الفرق بينهما كثيرة، فإن شئت الاطلاع عليها فارجع إلى أسرار الفاتحة.
وقال أبو البقاء الكفوي الحنفي في كلياته:
اعلم أنّ جميع أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام:
أسماء الذات وأسماء الأفعال وأسماء الصفات.
والبسملة مشتملة على أفضل الأقسام الثلاثة.
فلفظ الله اسم للذات المستجمع لجميع الكمالات. ولفظ الرحمن اسم لفعل الرحمة على العباد في الدنيا والآخرة شيئا فشيئا من حيث حدوث المرحومين وحدوث حاجاتهم، فمتعلّقه أثر منقطع فيشتمل المؤمن والكافر. ولفظ الرحيم اسم لصفة الرحمة الثابتة الدائمة فيختصّ في حقّ المؤمن، فمتعلّقه أثر غير منقطع. فعلى هذا الرحيم أبلغ من الرحمن انتهى.

قال الصوفية: الرحمانية هي الظهور لحقيقة الأسماء والصفات، وهي بين ما يختص به من ذاته كالأسماء الذاتية وبين ما له وجه إلى المخلوقات كالعالم والقادر ونحوهما ممّا له تعلّق إلى الحقائق الوجودية. فالرحمانية اسم جميع المراتب الحقّية دون الخلقية، فهي أخصّ من الألوهية لانفرادها بما يتفرّد الحقّ سبحانه. والألوهية جميع الأحكام الحقيّة والخلقية. فالرحمانية جمع بهذا الاعتبار أعزّ من الألوهية لأنها عبارة عن ظهور الذات في المراتب العليّة وتقدّسها عن المراتب الدنيّة، وليس للذات في مظاهرها مظهر يختصّ بالمراتب العليّة بحكم الجمع إلّا المرتبة الرحمانية، فنسبتها إلى الألوهية نسبة النبات إلى القصب، فالنبات على مرتبة توجد في القصب، والقصب توجد فيه النبات وغيره. فإن قلت بأفضلية النبات بهذا الاعتبار فالرحمانية أفضل.
وإن قلت بأفضلية القصب لعمومه وجمعه له ولغيره فالألوهية أفضل. والاسم الظاهر في المرتبة الرحمانية هو الرحمن، وهو اسم يرجع إلى الأسماء الذاتية والأوصاف النفسية وهي سبعة: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر. والأسماء الذاتية كالأحدية والواحدية والصّمدية ونحوها. واختصاص هذه المرتبة بهذا الاسم للرحمة الشاملة لكلّ المراتب الحقّية والخلقية فإنّه لظهورها في المراتب الحقّية ظهرت المراتب الخلقية، فصارت الرحمة عامة في جميع الموجودات فإن شئت الزيادة فارجع إلى الإنسان الكامل.

وفي الاصطلاحات الصوفية لكمال الدين:
الرحمن اسم للحقّ باعتبار الجمعية الأسمائية التي في الحضرة الإلهية الفائض منها الوجود وما يتبعه من الكمالات على جميع الممكنات.
والرحيم اسم له باعتبار فيضان الكمالات المعنوية على أهل الإيمان كالمعرفة والتوحيد.
والرحمة الامتنانية هي الرحمانية المقتضية للنّعم السابقة على العمل، وهي التي وسعت كلّ شيء في قوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ والرحمة الوجوبية هي الرحمة الموعودة للمتّقين والمحسنين في قوله تعالى فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وفي قوله تعالى إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ انتهى.

التوكيد والتكرير

التوكيد والتكرير
التوكيد من أهم العوامل لبث الفكرة في نفوس الجماعات، وإقرارها في قلوبهم إقرارا، ينتهى إلى الإيمان بها، وقيمة التوكيد بدوام تكراره بالألفاظ عينها، ما أمكن ذلك، «فإذا تكرر الشيء رسخ في الأذهان رسوخا، تنتهى بقبوله حقيقة ناصعة» وللتكرار تأثير في عقول المستنيرين، وتأثيره أكبر في عقول الجماعات من باب أولى، والسبب في ذلك كون المكرر ينطبع في تجاويف الملكات اللاشعورية، التى تختمر فيها أسباب أفعال الإنسان، فإذا انقضى شطر من الزمن نسى الواحد منا صاحب التكرار، وانتهى بتصديق المكرر .
واستخدم القرآن التوكيد وسيلة لتثبيت المعنى في نفوس قارئيه، وإقراره في أفئدتهم، حتى يصبح عقيدة من عقائدهم.
وقد يكرر القرآن الجملة المؤكدة عدة مرات بألفاظها نفسها، علما منه بما لذلك.
من أثر في النفس، فتراه مثلا في سورة الشعراء يكرر الجملتين الآتيتين خمس مرات، من غير أن يغير من ألفاظهما حرفا، فقال على لسان بعض رسله: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (الشعراء 107، 108 و 126 و 144 و 163 و 179).
وهى وإن كانت مقولة على ألسنة عدة رسل، توحى لتكررها بعبارة واحدة، بصدق هؤلاء الرسل وتثبيت التصديق بهم.
ويؤكد القرآن صفات الله، حتى يستقر الإيمان بها في النفوس، وذلك هو الأساس الذى ينبنى عليه الدين، فتسمعه يقول مكررا ومؤكدا في كثير مما يكرره:
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة 20)، إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة 110)، إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة 115)، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة 153)، فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة 158)، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة 173)، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة 190)، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة 195)، أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (البقرة 196)، أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة 209)، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة 222)، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة 181)، أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة 231)، أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (البقرة 267)، إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (آل عمران 5)، إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ (آل عمران 9)، إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (الرعد 31)، فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (آل عمران 199)، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (آل عمران 37)، إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (العنكبوت 6)، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (آل عمران 119)، إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (الأنفال 47)، إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (آل عمران 9).
فهذا التأكيد يقرر معانى هذه الصفات في النفس، وإذا تكررت هذه المعانى فى النفس انبثق منها العمل الصالح، المبنى على أساس من الإيمان المكين. وفي أحيان كثيرة يستغنى القرآن عن التوكيد بتكريرها في مواضع شتى، وهذا التكرير للصفات في المناسبات المختلفة مصدر توطيدها في النفس.
ويؤكد القرآن وعده ووعيده، فيكرر مؤكدا قوله: إن الله يحب المتقين، وإن الله مع المتقين، وفي مواضع شتى، وقوله: إن الله لا يحب الكافرين، وإن الله لا يهدى القوم الكافرين، وحينا يكتفى بالتكرير- كما قلنا- عن توكيد الجملة.
ويؤكد كل خبر هو مجال للشك أو الإنكار، وكلما توغل الخبر في ميدان الشك زادت ألوان المؤكدات، وتأمل لذلك قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (البقرة 11 - 14). أولا تراهم عند ما أنكروا الإفساد في الأرض والسفاهة، أكد اتصافهم بها بألا، وإن، وتعريف ركنى الجملة المؤذن بالقصر، وضمير الفصل. ولمّا كان إقرارهم للمؤمنين بالإيمان بألسنتهم مبعثا للشك في نفوس شياطينهم، دفعهم ذلك إلى تأكيدهم لهم الثبات على مبادئهم، وأنهم لا يبغون عنها حولا.
واقرأ قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ
(يس 13 - 16). ألا ترى المرسلين قد أكدوا رسالتهم بإن، عند ما كذبهم أصحاب القرية، فلما لج هؤلاء في التكذيب، زادوا في تأكيد رسالتهم مؤكدا جديدا، هو اللام، وأشهدوا ربهم على صدق دعواهم. وللتوكيد أساليب كثيرة في القرآن الكريم، فمنها التوكيد المعنوى بكل وأجمع، كما في قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (الحجر 30). وفائدة هذا اللون من التوكيد رفع ما يتوهم من عدم الشمول، وإنى أرى هنا ما رآه الفراء من أن كلهم أفادت ذلك، وأجمعون أفادت اجتماعهم على السجود، وأنهم لم يسجدوا متفرقين.
ومنها التوكيد اللفظى، بأن يكرر السابق لفظه، اسما كان، أو فعلا، أو اسم فعل، أو حرفا، أو جملة، كما ترى ذلك في قوله تعالى: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (الفجر 21). وقوله: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (الطارق 17). وقوله سبحانه:
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (المؤمنون 36). وقوله: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (المؤمنون 35)، وقوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (الشرح 5، 6)، وكثيرا ما تقترن الجملة الثانية بثم، كما في قوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (الانفطار 17، 18).
ومنه تأكيد الضمير المنفصل بمثله، كما قال تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (النمل 3). وتأكيد الضمير المتصل بالمنفصل، فى قوله سبحانه: قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (الأعراف 115)، وفي تأكيدهم ما يشعر بثقتهم بأنفسهم، وقوله تعالى: قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (طه 68). وفي ذلك تثبيت قلب موسى وبعث الطمأنينة إليه.
ومنه تأكيد الفعل بمصدره، ويكون ذلك في الأمور التى يتوهم فيها المجاز، فيأتى الفعل لرفع هذا التوهم، وتأمل ذلك في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (النساء 104)، فقد يطلق الكلام على الإيحاء، وينصرف الذهن إليه، فجاء المصدر لإزالة هذا التوهم.
وقوله تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (الطور 7 - 10). أو لا ترى أن اضطراب السماء، وسير الجبال، مما قد تتردد النفس في قبوله، فجىء بالمصدر تأكيدا لوقوعه. وقد يؤكد الفعل بمصدر فعل آخر نيابة عن المصدر، كما في قوله تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (الجن 8). وفي ذلك دلالة على ما للتبتيل من أثر في استجلاب رضوان الله، فأمر به مؤكدا، ولعل السر فى العدول إلى هذا المصدر، هو المحافظة على النغمة الموسيقية للآية.
ومن ألوان التوكيد أن يكون في الجملة أداة من أدوات التوكيد، وهى إن، وأن، ولام الابتداء، والقسم، وألا الاستفتاحية، وهاء التنبيه، وكأن في تأكيد التشبيه، وضمير الشأن، وضمير الفصل، وقد، والسين، وسوف، والنونان في تأكيد الفعل، ودخول الأحرف الزائدة في الجملة، وتؤكد الجملة بذلك لتثبيت معناها وتوطيده في النفس، وكلما كان هذا المعنى مجالا للشك أو الإنكار، كان موضع التوكيد أنسب وأقوى، كما ذكرنا.
وقد يؤكد القرآن أمرا هو من البداهة بمكان، لأنه يرمى من وراء ذلك إلى هدف هام، تتبينه النفس عند ما تتدبر أمر هذا التوكيد، لترى ما موقعه، ولم كان، وتأمل قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (المؤمنون 15، 16). فلما كان تماديهم في الضلال يصرفهم عن التفكير المستقيم، المؤدى إلى الإيمان، بالله ورسله، واليوم الآخر، وكانت هذه الغفلة تلفتهم عن التفكير في مصيرهم، فكأنهم مخلدون لا يصيبهم موت ولا فناء- أكد نزول الموت بهم تأكيدين ليفكروا فيه، وفيما يتطلبه نزوله بهم، من عمل صالح ينفعهم بعد هذا الموت.
وقد يكون تقوية التوكيد لقصد الترغيب، كما ترى ذلك في قوله تعالى: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة 54)، فتأكيد هذه الصفة بأربعة تأكيدات، لترغيب العباد في التوبة، والرجوع إلى الله سبحانه.
تدخل إن في الكلام، ففضلا عن تأكيدها لمعنى الجملة، تربط ما بعدها بما قبلها. قال عبد القاهر: «هل شىء أبين في الفائدة، وأدل على أن ليس سواء دخولها وألا تدخل من أنك ترى الجملة إذا هى دخلت، ترتبــط بما قبلها وتأتلف معه، وتتحد به، حتى كأن الكلامين قد أفرغا إفراغا واحدا وكأن أحدهم قد سبك فى الآخر، هذه هى الصورة، حتى إذا جئت إلى إن فأسقطتها، رأيت الثانى مبهما قد نبا عن الأول، وتجافى معناه عن معناه، ورأيته لا يتصل به، ولا يكون منه بسبيل، حتى تجىء بالفاء .. ثم لا ترى الفاء تعيد الجملتين إلى ما كانتا عليه من الألفة، وترد عليك الذى كنت تجد بإن من المعنى، وهذا الضرب كثير من التنزيل جدا، من ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (الحج 1)، وقوله عز اسمه: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (لقمان 17)، وقوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (التوبة 103)، ومن أبين ذلك قوله تعالى:
وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (هود 37). وقد يتكرر في الآية الواحدة، كقوله عز اسمه: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (يوسف 53)، وهى على الجملة من الكثرة، بحيث لا يدركها الإحصاء». وإنما تقع إن موضع الفاء، إذا كانت جملتها توضح ما قبلها، وتبين وجه الفائدة فيه، كتلك الآيات التى أوردها عبد القاهر، فقوله تعالى: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (الحج 1). يبين سبب أمرهم بالتقوى في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ (الحج 1)، وكذلك إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (التوبة 103). بيان للسبب في طلب الصلاة لهم من النبى، ولكن ذلك لا يطرد في كل موضع، بل هناك ما لا يحصى من الجمل التى لا تقتضى الفاء، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (الدخان 51، 52). فقبله إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (الدخان 50)، ولو أنك قلت:
«إن هذا ما كنتم به تمترون، إن المتقين في جنات وعيون» لم يكن كلاما ، وقوله تعالى: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (الأنبياء 100، 101). فلو أتينا مكان إن بالفاء لم تجد لها وجها، كما أنه لا يجوز المجيء بالفاء مكان إن في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (الحج 17).
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (الكهف 30).
لأن جملة إن الثانية خبر عن الأولى في الآيتين، والخبر لا يجوز عطفه على المبتدأ.
قال عبد القاهر : «ومن خصائصها أنك ترى لضمير الأمر والشأن معها من الحسن واللطف، ما لا تراه إذا هى لم تدخل عليه، بل تراه لا يصلح حيث يصلح إلا بها، وذلك في مثل قوله: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (التوبة 120).
وقوله: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (التوبة 63). وقوله: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ (الأنعام 54). وقوله: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (المؤمنون 117).
وقوله: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ (الحج 46).
فإن قلت أو ليس قد جاء ضمير الأمر مبتدأ به معرى من العوامل في قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الإخلاص 1). قيل: هو، وإن جاء هنا فإنه لا يكاد يوجد مع الجملة مع الشرط والجزاء، بل تراه لا يجيء إلا بإن، على أنهم قد أجازوا في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ألا يكون الضمير للأمر».
ولما كان جواب السؤال والجمل التى تلقى في مواضيع الجدل مما يحتاج إلى إقراره في نفس السائل والمجادل وتثبيته في قلبهما، كانت الجملة التى تقع جوابا من المواضع التى تجىء فيها إن، كما في قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ (الكهف 83، 84). وقوله تعالى: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (الشعراء 216). وقوله تعالى: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (الأنعام 56). فإذا كان الكلام جواب منكر حشد له أكثر من أداة واحدة للتوكيد.
وقد تدخل إن للدلالة على أن المتكلم كان يظن أمرا فحدث خلافه، فيأتى بهذا التوكيد ليرد على نفسه ظنه، وكأنه يريد لهذه النفس أن يستقر فيها هذا النبأ الجديد الذى لم تكن تتوقعه، بل تتوقع سواه، وكأنها تريد أن تخلى مكانا من القلب قد شغل بخاطر، لتحل فيه خاطرا جديدا، وتأمل قوله تعالى حكاية عن أم مريم: قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ (آل عمران 36). فأم مريم كان الأمل يملأ قلبها في أن تلد ذكرا نذرته لله، ولطول ما شغلها هذا الأمل تجسم في خيالها، حتى صار كأنه حقيقة واقعة، فلما وضعت مريم فوجئت، فأرادت أن تقر هذا الأمر الجديد في قلبها، حتى تروض نفسها عليه، وتستسلم لما كان. وكذلك قوله تعالى: حكاية عن نوح عليه السلام: قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (الشعراء 117). فلم يكن نوح يتوقع أن يكذبه قومه، وقد جاءهم من ربهم بالنور والهدى، فكان تكذيبهم صدمة له يريد أن يوطن عليها نفسه.
والتأكيد بإن أقوى من التوكيد باللام المؤكدة، واللام المؤكدة هى لام الابتداء فى قوله تعالى: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ (الحشر 13). وقوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم 4). وقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (الليل 12، 13). ولام القسم، كما في قوله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا. (يوسف 91).
وهنا نقف عند قوله تعالى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (مريم 66).
فقد يبدو أن اللام لا موضع لها هنا لأن الإنسان المتحدث منكر للبعث. ولكن التأمل يبين أن هذا الإنسان المنكر إنما يحكى ما حدثه به الرسول حين أكد له هذا البعث.
ومن أمثلة «ألا» التنبيهية التى تفيد التوكيد قوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (البقرة 13) وقوله سبحانه: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ (هود 8). ومن أمثلة «ها» التنبيهية، ولم ترد في القرآن إلا داخلة على ضمير المخاطبين المخبر عنه باسم الإشارة- قوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ (آل عمران 119).
ويبدو لى أن منشأ التوكيد في البدء بهاتين الأداتين يعود إلى ما فيهما من تنبيه السامع إلى ما سيرد بعدهما من أخبار، وتهيئته لسماعها، وذلك لا يكون إلا حيث يعتنى بهذه الأخبار، لتستقر في النفس ونثبت بها.
ويفيد ضمير الشأن التوكيد من ناحية أنه يثير النفس، ويدفعها إلى معرفة المراد منه، فإذا جاء تفسيره استقر هذا التفسير في النفس، وتأكد فيها، وليس بكثير استخدام هذا الضمير في القرآن، وإنما يكون في المواضع التى يراد بها تعظيم أمر وتفخيمه عن طريق إبهامه ثمّ إيضاحه. ومن أمثلته قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الإخلاص 1). وفَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج 46). وفَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا (الأنبياء 97).
أما ضمير الفصل فهو كثير في القرآن، ومن أمثلته قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (النجم 43 - 52).
وقد استخدم القرآن هنا ضمير الفصل في الأفعال التى هى مظنة الاشتراك، كما ترى ذلك في جملة الإضحاك والإبكاء، والإماتة والإحياء والإغناء والإقناء، أما حيث لا تدعى الشركة فلا حاجة إلى هذا الضمير، كما ترى في جمل خلق الزوجين، والنشأة الأخرى، وإهلاك عاد الأولى.
ومن ذلك قوله تعالى: قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (الشعراء 75 - 82)، وترى هنا ما رأيته في الآية الماضية من المجيء بضمير الفصل حيث يتوهم في الفعل شركة، كما في الهداية والإطعام والشفاء، أما حيث لا تتوهم تلك الشركة فلا يأتى ضمير الفصل كما في الخلق والإماتة والإحياء.
ويقوى التوكيد في ضمير الفصل حتى يدل على القصر والاختصاص، كما ترى ذلك في الآيتين السالفتين، فإن ضمير الفصل نفى الشركة، وجعل الفعل خاصا بالله وحده، وتلمس القصر الذى أفاده ضمير الفصل في قوله سبحانه على لسان عيسى: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (المائدة 117)، فبعد وفاة عيسى لم يكن الرقيب عليهم سوى الله وحده.
هذا وقد تحدث البلاغيون طويلا فيما تفيده الباء الزائدة في خبر ما، وليس، من تأكيد في الجملة، منشؤه ما للباء الزائدة من معان، منها المصاحبة، ففي قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (البقرة 144). وقوله تعالى: وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (المجادلة 10). ترى هذه الباء قد نفت كل صلة تربط بين الله والغفلة، فى الآية الأولى، وبين السحر والضير في الآية الثانية، فلا صحبة بينهما ولا تلاق.
... وكرر القرآن في سورة الرحمن نيفا وثلاثين مرة قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (الرحمن 16). متسائلا عما يستطيع أن ينكره الجن والإنس مما أولاهما الله من نعم، فلعل في هذا السؤال المتكرر ما يثير في نفس سامعيه اليقين بأنه ليس من الصواب نكران نعم تكررت وآلاء توالت.
وهنا يحسن أن أقف مشيرا إلى ما قد يبدو حينا من أن لا وجه لهذا التساؤل بعد بعض آيات السورة، كما يتراءى ذلك في قوله سبحانه وتعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (الرحمن 26 - 28)، فأى نعمة يذكر بها الجن والإنس في فناء هذا العالم؟
ولكن تأملا في هذه الآيات وما ورد من هذا السؤال بعد وصف اليوم الآخر وأهواله، يدل على أن مثل هذا السؤال سيوجه بعد فناء هذا العالم، فكأن القرآن يقرر أن سيلقى مثل هذا السؤال، يوم تنشق السماء، ويوم يعرف المجرمون بسيماهم، أفلا يجدر بالمرء أن يفكر طويلا، كما أوحى القرآن بذلك، فى تلك الآلاء والنعم، فيقوم بواجب الإيمان بالنعم وشكرها، حتى لا يقف موقف الجاحد لهذه النعم يوم يحاسب الله الثقلين.
وكررت في سورة المرسلات تلك الجملة المنذرة، وهى قوله تعالى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (المرسلات 19)، وإذا نظرنا إلى هذه السورة، وجدناها تتحدث عن وقوع اليوم الآخر، وتصفه، فلا جرم كرر هذا الإنذار عقب كل وصف له، أو فعل يقع فيه، أو عمل من الله يدل على قدرة، يحيى بها الناس بعد موتهم، وفي هذا التكرير ما يوحى بالرهبة، ويملأ القلب رعبا من التكذيب بهذا اليوم الواقع بلا ريب.
وفي سورة الشعراء، كررت الآية الكريمة، وهى قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الشعراء 8، 9). ثمانى مرات وكانت متمكنة من موضعها في كل مكان حلت فيه، فقد جاءت في هذه السورة أولا، بعد أن وجه القرآن نظرهم إلى الأرض، أو ليس فيما تنبته من كل زوج بهيج ما يثير فى النفس التأمل لمعرفة خالق الأرض ومحييها. واستمع إليه سبحانه يقول:
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الشعراء 7 - 9).
ويكرر الآية في موضع آخر، تحدث فيه عن انفلاق البحر لموسى، ونجاته، وغرق فرعون، وتلك آية من أكبر دلائل قدرته سبحانه، فهى جديرة بتسجيلها والإشارة إليها. قال تعالى: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الشعراء 63 - 68).
وكررت تلك الآية ست مرات أخرى عقب كل ما يجدر أن يكون عظة يعتبر بها، كتصوير جند إبليس، وقد كبكبوا في جهنم، وأخذوا يختصمون فيما بينهم، ويقررون أنهم كانوا في ضلالة وعمى، ويتمنون لو عادوا ليصلحوا ما أفسدوه، أو ليس في ذلك من العظة ما ينهى عن مثل هذا المصير.
وكررها كذلك عقب قصة صالح ولوط وشعيب، لأن مصير أقوامهم حقيق بأن تتلقى منه العظات والعبر، وكأن تلك الآية المكررة تشير إلى مرحلة من القول، يحسن الوقوف عندها والتريث لتدبرها، وتأمل ما تحوى من دروس تستفاد مما مضى من حوادث التاريخ.
وختم الآية بوصفه تعالى بالعزة والرحمة فيه كل المناسبة للحديث عن مصير الكافر والمؤمن، فهو عزيز يعاقب الكافر، ورحيم بمن آمن.
وتجد الآية التى كررت في سورة القمر، وهى قوله سبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (القمر 17 و 22 و 32 و 40) - منبهة في كل موضع وردت فيه، إلى أن ما سيأتى بعدئذ مما عنى القرآن بالحديث عنه، تذكرة وعظة، وهو لذلك جدير بالتأمل الهادئ والتدبر والادكار.
وقد يحدث التكرير في آيتين متواليتين، كما في قوله سبحانه: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (النساء 131، 132). وذلك لتثبيت الإيمان بغنى الله عن عبادة العابد، في قلوب الناس، ليقبلوا على العبادة مؤمنين بأنها لخيرهم وحدهم، بل قد يكون التكرير في الآية الواحدة وذلك لتثبيت المكرر في النفس، كما في قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (الحشر 18)، وقوله تعالى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (آل عمران 42).
ويوحى التكرير في سورة «الكافرون» باليأس إلى قلوب من كفر من أن ينصرف الرسول عن دينه إلى ما كان يعبد هؤلاء الكفرة، فليتدبروا أمرهم بينهم مليّا، ليروا سر هذا الإصرار من محمد، فعساهم يدركون أن هذا السر هو أن الرسول على حق، فيما يدعو إليه، فلم ينصرف عنه إلى أديان لا سند لها من الصواب والحق.

إِعْراب المضارع في جواب لا الناهية

إِعْراب المضارع في جواب لا الناهية

مثال: لا تُشْرِك بالله تنجو من النار
الرأي: مرفوضة
السبب: لرفع المضارع الواقع في جواب الطلب.

الصواب والرتبة: -لا تُشْرك بالله تَنْجُ من النار [فصيحة]-لا تُشْرك بالله تَنْجو من النار [صحيحة]
التعليق: المضارع إذا وقع في جواب الطلب، وكان الطلب متقدمًا عليه، وترتب المضارع على الطلب المتقدم، فالفصيح أن يجزم المضارع، ويمكن تصحيح المثال المرفوض على اعتبار أن الكلام مستأنف، وتقديره: فأنت تنجو من النار إن شاء الله. أو قياسًا على جواز رفع المضارع بعد «إنْ» الشرطية كقول الشاعر:
إنك إن يُصْرعْ أخوك تصرعُ
وبعد «من» كقول آخر:
من يأتِها لا يضيرُها
وبعد أينما كقراءة قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} النساء/78.

النَّسَب إلى المختوم بألف التأنيث الممدودة

النَّسَب إلى المختوم بألف التأنيث الممدودة

مثال: ظَهَر السائل الصفرائيّ
الرأي: مرفوضة
السبب: لإبقاء الهمزة عند النسب إلى المختوم بألف التأنيث الممدودة.

الصواب والرتبة: -ظهر السائل الصفراويّ [فصيحة]-ظهر السائل الصفرائيّ [صحيحة]
التعليق: تنص القاعدة على أنه عند النسب إلى المختوم بألف التأنيث الممدودة فإنه يجب قلب الهمزة واوًا، ونقل أبو حاتم السجستاني عن بعض العرب قولهم: صفرائي وحمرائي بترك الهمزة دون قلب تشبيهًا لها بالألف المنقلبة عن أصل كما في «كساء». وقد أجاز مجمع اللغة المصري بقاء الهمزة كما هي أو قلبها واوًا عند النسب إلى ما آخره ألف التأنيث الممدودة، وذلك عند الحاجة كالتمييز بين الاسم والصفة؛ لما يــترتب على ذلك من فروق علمية.

تب

(تب)
الشَّيْء تَبًّا وتببا وتبابا وتبيبا انْقَطع وَفُلَان خسر وَهلك يُقَال فِي الدُّعَاء تبت يَده وتبا لَهُ وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {تبت يدا أبي لَهب وَتب} وَضعف وشاخ وَالْحمار وَنَحْوه دبر ظَهره وَالشَّيْء تَبًّا قطعه فَهُوَ تَابَ
تبَ
التَبُّ والتَّبَابُ: الاستمرار في الخسران، يقال: تَبّاً له وتَبٌّ له، وتَبَبْتُهُ: إذا قلت له ذلك، ولتضمن الاستمرار قيل: اسْتَتَبَّ لفلان كذا، أي: استمرّ، وتَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ
[المسد/ 1] ، أي: استمرت في خسرانه، نحو: ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ [الزمر/ 15] ، وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود/ 101] ، أي:
تخسير، وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ [غافر/ 37] .
تب
التَّبُ: الخَسَارَةُ، تَبّاً له، وتَبَّبْتُه: قُلْت له ذلك. والتَّبَابُ: الهَلاَك. ووَقَعُوا في تَبُوْب مُنْكَرَةٍ: أي في مَهْلَكَةٍ. وتَبَّ تُبُوْبَةً وتَبَاباً وتَبُوْبَةً وتبَاباً وتَبَباً. واتَخَذَهُ فلانٌ تُرْتُبَّــةً وتُبَّةً: أي شِبْهَ الطَرِيْقِ يَطَأه. واسْتَتَبني: اسْتَضْعَفَنِي.
وأتَبَّ اللَهُ قُوَّتَها: أي أوْهَنَها. ورَجُلٌ تاب: ضَعِيْفٌ، وجَمْعُه أتْبَابٌ، تَبَّ يَتِبُّ. والتّابَّةُ: الكَبيْرَةُ. واسْتَتَبَ الأمْرُ: تَهَيَّأ له.
وطَريْقٌ مُسْتَتِب: مُذَلَّلٌ.
ورَأيتُه بتُبةٍ: أي بحالٍ شَدِيْدَةٍ.
والتَّبَيُّ: ضَرْبٌ من التَّمْرِ بالبَحْرَيْنِ. وضَرْبٌ من السَّمَكِ. والتابُوْتُ: ما انْطَوَتْ عليه الأضْلاَعُ كالصَدْرِ والقَلْب، وهو التَبُّوْتُ أيضاً.

تب

1 تَبڤ3َ [تَبَّ, aor. ـِ inf. n. تَبٌّ, and perhaps ↓ تَبَبٌ and ↓ تَبَابٌ and ↓ تَبِيبٌ, He, or it, suffered loss, or diminution; or became lost: and perished, or died: as also ↓ تبّب, inf. n. تَتْبِيبٌ: and app. تُبَّ also.] تَبٌّ (M, A, K) and ↓ تَتْبِيبٌ (M, K) [as inf. ns.] signify The suffering loss, or diminution; or being lost: and perishing, or dying: or [used as substs.] loss, or diminution; or the state of being lost: and perdition, or death: (M, * A, K: *) and so ↓ تَبَابٌ, (T, S, A, Msb, K,) [said to be] a subst. from تَبَّبَهُ, with teshdeed, (Msb,) and ↓ تَبَبٌ and ↓ تَبِيبٌ: (K:) or the last three signify [simply] perdition, or death: (M:) and ↓ تَتْبِيبٌ is explained as signifying loss, or diminution, that brings, or leads, to perdition or death; (IAth, TA;) and so ↓ تَبَابٌ; (Bd in cxi. 1;) and the causing to perish. (T, TA.) Hence you say, ↓ تَبَّ تَبَابًا [meaning, in an emphatic manner, May he suffer loss, or be lost, or perish]. (S.) and تَبًّا لَهُ May God decree to him loss, or perdition; or cause loss, or perdition, to cleave to him: (S, M, * Msb, * K: *) تَبًّا being in the accus. case as an inf. n. governed by a verb understood. (S.) And ↓ تَبًّا تَبِيبًا, [in the CK تَتْبِيبًا,] meaning the same in an intensive, or emphatic, manner: (M, K:) and ↓ تَبًّا تَبَابًا. (TA.) And تَبَّتْ يَدَاهُ, (T, S, M, K,) and تَبَّتْ يَدُهُ, aor. ـِ (Msb,) inf. n. تَبٌّ and ↓ تَبَابٌ, but IDrd says that the former of these seems to be the inf. n., and the latter the simple subst., (M,) May his arms, or hands, and his arm, or hand, suffer loss, or be lost, or perish: (T, M, Msb, K, and Bd in cxi. 1:) or (tropical:) may he himself suffer loss, &c., (Msb, * and Bd ubi suprà,) i. e., (tropical:) his whole person: (Jel in cxi. 1:) or (tropical:) his good in the present life and that in the life to come. (Bd ubi suprà.) b2: [Hence,] تَبَّ (A, TA) and ↓ تَبْتَبَ (T, K) (tropical:) He became an old man: (T, A, K:) the loss of youth being likened to تَبَابَ. (TA.) A2: تَبَّ, [aor., accord. to rule, تَبُّ,] He cut, or cut off, a thing. (K.) And تُبَّ It was cut, or cut off. (TA.) 2 تبّب, inf. n. تَتْبِيبٌ: see 1, in three places.

A2: , تبّبهُ (inf. n. as above, S,) [He caused him to suffer loss, or to become lost: or] he destroyed him, or killed him. (S, K.) b2: He said to him تَبًّا: (M, K: *) [i. e.] he imprecated loss, or perdition, or death, upon him. (A.) 4 اتبّ اللّٰهُ قُوَّتَهُ (tropical:) God weakened, or impaired, or may God weaken, or impair, his strength. (K, TA.) 10 استتبّ (tropical:) It (a road) became beaten, or trodden, and rendered even, or easy to walk or ride upon, or easy and direct. (A.) b2: (tropical:) It (an affair) was, or became, rightly disposed or arranged; in a right state: (S, M, A, Msb:) or it followed a regular, or right, course; was in a right state; and clear, or plain: from مُسْتَتِبٌّ applied to a road, explained below: (T, TA:) or it became complete, and in a right state: lit. it demanded loss, or diminution, or destruction; because these sometimes follow completeness: (Har p. 35:) or the ب may be a substitute for م; the meaning being استتمّ. (TA.) R. Q. 1 تَبْتَبَ: see 1.

تِبَّةٌ A difficult, or distressing, state or condition. (K.) تَبَبٌ: see 1, in several places.

تَبَابٌ: see 1, in several places.

تَبِيبٌ: see 1, in several places.

تَبُّوبٌ i. q. مَهْلَكَةٌ [A place of perdition, or destruction; or a desert; or a desert such as is termed مَفَازَة]. (K.) A2: [It is also said in the K to signify What the ribs infold: but I think it probable that this meaning has been assigned to it from its having been found erroneously written for تَبُوتٌ, a dial. var. of تَابُوتٌ.]

تَابٌّ (tropical:) An old man; (Az, T, M, A, K;) fem. with ة: (Az, T, M, A:) and (assumed tropical:) weak: pl. أَتْبَابٌ: of the dial. of Hudheyl; and extr. [with respect to analogy]. (M.) You say, كُنْتُ شَابًّا فَصِرْتُ تَابًّا [I was a young man, and I have become an old man]. (A.) And أَشَابَّةٌ أَنْتِ أَمْ تَابَّةٌ [Art thou a young woman or an old woman?] (A.) b2: Also, (T, K,) or تَابُّ الظَّهْرِ, (T,) (assumed tropical:) An ass, and a camel, having galls, or sores, on his back: (T, K:) pl. as above. (K.) b3: [See also بَاتٌّ.]

مُسْتَتِبٌّ, applied to a road, (tropical:) Furrowed by passengers, so that it is manifest to him who travels along it; and to this is likened an affair that is clear, or plain, and in a right state. (T.) [See the verb, 10.]
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.