Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: احتمال

الاشارة

الاشارة: وَقَالَ الْعَارِف بِاللَّه الصَّمد بَابا فتح مُحَمَّد الْبُرْهَان النوري فِي (مِفْتَاح الصَّلَاة) استفسر بعض الأصدقاء هَذَا العَبْد الْفَقِير عَن أَن فِي التَّحِيَّات ((وَحده لَا شريك لَهُ)) غير مَوْجُودَة وَكَيف أَصبَحت مَعَ الْوَقْت. وَيُقَال إِن لَهَا وَجها احْتِمَال:
الأول: أَنَّهَا مَعَ إِشَارَة الْأصْبع كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح هِيَ سهم من حَدِيد قَاس على الشَّيْطَان.
الثَّانِي: أَنَّهَا جَاءَت على لِسَان الْمَلَائِكَة فِي الْمِعْرَاج، وَهَذَا الْمَكَان لَا شرك فِيهِ. وكما ورد فِي (مِعْرَاج النُّبُوَّة) وَغَيره أَن الْخطاب إِلَى سرُور الْعَالم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن اطلق الثَّنَاء فَقَالَ: (التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات) فَقَالَ الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته) فَرد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين) فَقَالَ الملائك (أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله) انْتهى.
مُلَاحظَة: حول ذكر الصَّالِحين وَترك العاصين أَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمن بَاب الشَّفَقَة قد أَدخل نَفسه فِي (علينا) وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيد عَنهُ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام رَحْمَة للْعَالمين.

الْيَقِين

(الْيَقِين) الْعلم الَّذِي لَا شكّ مَعَه و (فِي الفلسفة) اطمئنان النَّفس إِلَى حكم مَعَ الِاعْتِقَاد بِصِحَّتِهِ (مج) وَيُقَال عَلمته يَقِينا وَعلمه الْيَقِين وَعلم يَقِين لَيْسَ فِيهِ شكّ وَرُبمَا عبروا بِالظَّنِّ عَن الْيَقِين وباليقين عَن الظَّن قَالَ دُرَيْد بن الصمَّة
(فَقلت لَهُم ظنُّوا بألفي مدجج ... سراتهم فِي الْفَارِسِي المسرد) أَي أيقنوا وَقَالَ أَبُو سِدْرَة الْأَسدي
(تحسب هواس وأيقن أنني ... بهَا مفتد من وَاحِد لَا أغامره) أَي ظن ذَلِك وَالْمَوْت وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين}
الْيَقِين: عِنْد أَرْبَاب السلوك ظُهُور نور الْحَقِيقَة فِي الموقن حَال كشف الأستار البشرية بِشَاهِد الوجد والذوق لَا بِدلَالَة الْعقل وَالنَّقْل. فالإيمان نور من وَرَاء الْحجاب - وَالْيَقِين نور عِنْد كشف الْحجاب. وَاعْلَم أَنهم أَجمعُوا على أَنه كلما وجد حكم وجد تَصْدِيق إِمَّا غير جازم فَظن. أَو جازم صَادِق راسخ فيقين. أَو غير راسخ فتقليد. أَو جازم كَاذِب فجهل مركب.
وتفصيل هَذَا الْإِجْمَال أَن الْيَقِين فِي الْعرف هُوَ التَّصْدِيق الْجَازِم المطابق الثَّابِت وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ اعْتِقَاد الشَّيْء بِأَنَّهُ لَا يُمكن إِلَّا كَذَا مطابقا للْوَاقِع غير مُمكن الزَّوَال. وبالقيد الأول يخرج الظَّن فَإِنَّهُ اعْتِقَاد الشَّيْء بِأَنَّهُ كَذَا مَعَ احْتِمَال مَرْجُوح لنقيضه. وبالقيد الثَّانِي أَعنِي مطابقا للْوَاقِع يخرج الْجَهْل الْمركب وبالقيد الثَّالِث يخرج اعْتِقَاد الْمُقَلّد فَإِنَّهُ غير راسخ مُمكن الزَّوَال بتشكيك المشكك. وَالشَّكّ عبارَة عَن تَسَاوِي طرفِي الْخَبَر أَي وُقُوعه وَلَا وُقُوعه - وَقد يذكر الشَّك وَيُرَاد بِهِ الظَّن كَمَا قَالُوا أَفعَال الْقُلُوب تسمى أَفعَال الشَّك وَالْيَقِين. وَأَرَادُوا بِالشَّكِّ هَا هُنَا الظَّن وَإِلَّا فَلَا شَيْء من هَذِه الْأَفْعَال بِمَعْنى الشَّك الْمُقْتَضِي لتساوي الطَّرفَيْنِ. وَإِن لم يتساويا فالطرف الرَّاجِح ظن والمرجوح وهم. وَقد مر تَحْقِيق حقيق لهَذِهِ الْأُمُور فِي الْعلم فَاعْلَم.

الْوَضع

(الْوَضع) الْمَوْضُوع (تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ) وأهون سير الدَّوَابّ وَالْإِبِل وهيئة الشَّيْء الَّتِي يكون عَلَيْهَا (مو)(ج) أوضاع
الْوَضع: فِي اللُّغَة نهادن وَجعل اللَّفْظ بِإِزَاءِ الْمَعْنى أَيْضا والاتفاق. وَفِي اصْطِلَاح أَصْحَاب الْعَرَبيَّة تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء بِحَيْثُ مَتى أطلق أَو أحس الشَّيْء الأول فهم مِنْهُ الشَّيْء الثَّانِي. وَفِي الْوَضع أَربع احتمالــات: الأول: أَن يكون كل من الْوَضع والموضوع لَهُ خَاصّا. وَالثَّانِي: أَن يكون كل مِنْهُمَا عَاما. وَالثَّالِث: أَن يكون الْموضع عَاما والموضوع لَهُ خَاصّا. وَالرَّابِع: عكس الثَّالِث وَلَا وجود لَهُ. بِخِلَاف الثَّلَاث الأول. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على المطول - فَإِن قلت مَا معنى كَون الْوَضع عَاما والموضوع لَهُ خَاصّا قلت مَعْنَاهُ أَن الْوَاضِع تصور أمورا مَخْصُوصَة بِاعْتِبَار أَمر مُشْتَرك بَينهمَا وَعين اللَّفْظ بِإِزَاءِ تِلْكَ الخصوصيات دفْعَة وَاحِدَة أَي بِوَضْع وَاحِد لَا بأوضاع مُتعَدِّدَة كَمَا عين لَفْظَة أَنا لكل مُتَكَلم وَاحِد وَلَفْظَة نَحن لَهُ مَعَ غَيره. وَلَفْظَة هَذَا لكل مشار إِلَيْهِ مُفردا مذكرا إِلَى غير ذَلِك فَالْمُعْتَبر فِي الْوَضع مَفْهُوم عَام.
وَهَذَا معنى كَونه عَاما والموضوع لَهُ خصوصيات أَفْرَاد ذَلِك الْمَفْهُوم الْعَام فإطلاق أَنا وَأَنت وَهَذَا على الجزئيات الْمَخْصُوصَة بطرِيق الْحَقِيقَة وَلَا يجوز إِطْلَاقهَا على ذَلِك الْمَفْهُوم الْكُلِّي. فَلَا يُقَال أَنا وَيُرَاد بِهِ مُتَكَلم مَا وَلَا أَنْت وَيُرَاد مُخَاطب مَا وَبِهَذَا الْوَجْه أمكن تعدد مَعَاني لفظ وَاحِد من غير اشْتِرَاك وتعدد أوضاع. وَإِذا تصور الْوَاضِع مفهوما كليا وَعين اللَّفْظ بإزائه كَانَ كل من الْوَضع والموضوع لَهُ عَاما وَإِذا تصور معنى جزئيا وَعين اللَّفْظ لَهُ كَانَ كل مِنْهُمَا خَاصّا وَأما كَون الْوَضع خَاصّا والموضوع لَهُ عَاما فَغير مَعْقُول انْتهى. وَلَكِن أَقُول مَعْقُول لِأَنَّهُ يُمكن أَن يتَصَوَّر جزئي وينتزع مِنْهُ الْمَفْهُوم الْكُلِّي فَيُوضَع اللَّفْظ بِإِزَاءِ ذَلِك الْمَفْهُوم الْكُلِّي وَهَذَا هُوَ الْوَضع الْخَاص والموضوع لَهُ الْعَام وَالْحق أَنه رَاجع إِلَى الْوَضع الْعَام.
والوضع عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول هُوَ الْقبُول للْإِشَارَة الحسية - وَقيل التحيز بِالذَّاتِ وَلذَا قَالُوا فِي تَعْرِيف الْجَوْهَر الْفَرد جَوْهَر ذُو وضع أَي قَابل للْإِشَارَة الحسية وَقيل أَي متحيز بذواته. وَقد يُطلق الْوَضع عِنْدهم على الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للجسم بِنِسْبَة بعض أَجْزَائِهِ إِلَى أَجزَاء آخر مِنْهُ. وَقد يُطلق على الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للجسم بِنِسْبَة بعض أَجْزَائِهِ إِلَى أَجزَاء جسم آخر أَي إِلَى الْأُمُور الْخَارِجَة عَنهُ كالقيام وَالْقعُود فَإِن كلا مِنْهُمَا هَيْئَة عارضة للشَّخْص بِسَبَب أَعْضَائِهِ بَعْضهَا إِلَى بعض وَإِلَى الْأُمُور الْخَارِجَة عَنهُ وَلكُل مقَام عِنْدهم. والوضع بِهَذَا الْمَعْنى عرض مقولة من المقولات التسع للعرض. وَقد يُرَاد بِالْوَضْعِ الْحَالة الَّتِي تحصل للمقدم بِسَبَب اقترانه مَعَ الْأُمُور الممكنة الِاجْتِمَاع مَعَه وتحقيقه فِي الأوضاع.

الْمُمْتَنع بِالْغَيْر

الْمُمْتَنع بِالْغَيْر: وَلَا يجوز أَن يَنْقَلِب الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ إِلَى الْمُمكن بِالذَّاتِ.
فَإِن قلت لَا نسلم عدم الْجَوَاز وَسَنَد الْمَنْع مَوْقُوف على تمهيد مُقَدّمَة وَهِي أَن إِمْكَان الْحَادِث الَّذِي ترَاهُ الْآن حَادث وَنحن نثبت هَذِه بِوُجُوه. أَحدهَا: أَن الْحَادِث لَا يُمكن أَن يتَحَقَّق فِي الْأَزَل لِأَن معنى الْحَادِث مَا يكون مَسْبُوقا بِالْعدمِ - وَإِذا لم يُمكن أَن يتَحَقَّق فِي الْأَزَل لم يكن إِمْكَان التحقق فِي الْأَزَل أَيْضا. وَإِلَّا لَكَانَ الْحَادِث مُمكن التحقق فِي الْأَزَل وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض وَإِذا لم يكن إِمْكَانه أزليا يكون حَادِثا - وَثَانِيها: أَنه لَو كَانَ الْإِمْكَان أزليا لَكَانَ ذَات ذَلِك الْحَادِث متحققة فِي الْأَزَل. وَإِلَّا يلْزم تقدم الصّفة على الْمَوْصُوف وَهُوَ محَال لِأَن ثُبُوت الشَّيْء لغيره فرع لثُبُوت ذَلِك الْغَيْر وَلَيْسَ ذَات الْحَادِث مِمَّا يجوز تحَققه فِي الْأَزَل - وَثَالِثهَا: أَنه لَو كَانَ إِمْكَان الْحَادِث فِي الْأَزَل لجَاز أَن يتَحَقَّق ذَلِك الْحَادِث أَيْضا فِيهِ لكنه لَا يتَحَقَّق فِي الْأَزَل لِأَنَّهُ لَو تحقق فِي الْأَزَل لَكَانَ مِمَّا لَا يصدق عَلَيْهِ أثر الْحَادِث والمقدر خِلَافه.
وَإِذا عرفت هَذَا فلنرجع إِلَى مَا نَحن بصدد بَيَانه فَنَقُول إِن ذَات زيد الْحَادِث قبل اتصافه بإمكانه الَّذِي ثَبت حُدُوثه لَا شكّ أَنه مَفْهُوم من المفهومات فَهُوَ إِمَّا مُمكن أَو وَاجِب أَو مُمْتَنع لَا جَائِز أَن يكون مُمكنا إِذْ لزيد إِمْكَان وَاحِد وَلَا جَائِز أَن يكون وَاجِبا أَيْضا إِذْ الْوَاجِب يجب أَن يكون مَوْجُودا. وَأَيْضًا على هَذَا الِــاحْتِمَال يلْزم الانقلاب الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب فَتعين أَن يكون مُمْتَنعا فَيلْزم انقلاب الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ إِلَى الْمُمكن بِالذَّاتِ.
وحلها بِمَنْع مُقَدمَات الدَّلَائِل الْمَذْكُورَة على إِثْبَات أَن إِمْكَان الْحَادِث حَادث أما الدَّلِيل الأول وَالثَّالِث فبأن يُقَال لَا نسلم أَنه إِذا كَانَ إِمْكَان الْحَادِث أزليا يلْزم كَون الْحَادِث أَيْضا أزليا. وَمعنى أزلية إِمْكَان زيد مثلا هُوَ أَن زيدا مَاهِيَّة يحكم الْعقل باتصافها بتساوي الْوُجُود والعدم نظر إِلَى ذَاتهَا وَلَا يسْتَلْزم تحقق الْحَادِث فِي الْأَزَل حَتَّى يلْزم خلاف الْمَفْرُوض. - وَأما الدَّلِيل الثَّانِي فبأن الْإِمْكَان من المعقولات الثَّانِيَة الَّتِي يَتَّصِف بهَا الْأَشْيَاء فِي الذِّهْن فكون إِمْكَان زيد صفة لَهُ يَقْتَضِي وجوده فِي ذهن من الأذهان وَإِن كَانَ قَدِيما وَهُوَ لَا يُنَافِي حُدُوث زيد فَتَأمل.

مُقَدّمَة الْكتاب

مُقَدّمَة الْكتاب: فَهِيَ طَائِفَة من الْكَلَام تذكر قبل الشُّرُوع فِي الْمَقَاصِد لارتباطها بِهِ ونفعها فِيهَا سَوَاء توقف عَلَيْهِ الشُّرُوع أَو لَا -
وَالْكتاب إِمَّا عبارَة عَن الْأَلْفَاظ أَو الْمعَانِي أَو الْمَجْمُوع مِنْهُمَا فمقدمة الْكتاب إِمَّا طَائِفَة من الْأَلْفَاظ أَو الْمعَانِي أَو الْمَجْمُوع مِنْهُمَا. وَالذكر لَيْسَ بمختص بِاللَّفْظِ كَمَا وهم فَإِن كلا من اللَّفْظ وَالْمعْنَى يُوصف بِالذكر. وَفِي الْكتاب احتمالــات أخر لَكِنَّهَا لَا تَخْلُو عَن تكلّف وارتكاب مجَاز وَإِنَّمَا ذكر مُقَدّمَة الْكتاب الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي المطول - وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا اصْطِلَاح جَدِيد أَي غير مَذْكُور فِي كَلَام المصنفين لَا صَرَاحَة وَلَا إِشَارَة بِأَن يفهم من إطلاقاتهم.
وَلما أثبت مُقَدّمَة الْكتاب انْدفع الْإِشْكَال عَن كَلَام المصنفين فِي أَوَائِل كتبهمْ مُقَدّمَة فِي تَعْرِيف الْعلم وغايته وموضوعه. وتحرير الْإِشْكَال أَن الْأُمُور الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة عين مُقَدّمَة الْعلم فَيلْزم كَون الشَّيْء ظرفا لنَفسِهِ. وَتَقْرِير الدّفع أَن الْمَحْذُور يلْزم لَو لم يثبت إِلَّا مُقَدّمَة. وَلما ثَبت مُقَدّمَة الْكتاب أَيْضا انْدفع ذَلِك الْمَحْذُور. لأَنا نقُول المُرَاد بالمقدمة مُقَدّمَة الْكتاب وَتلك الْأُمُور إِنَّمَا هِيَ مُقَدّمَة الْعلم. فمقدمة الْعلم ظرف لمقدمة الْكتاب. وَالْمعْنَى أَن مُقَدّمَة الْكتاب فِي بَيَان مُقَدّمَة الْعلم. وَإِن أردْت مَا عَلَيْهِ فَارْجِع إِلَى حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره على المطول.
وَلَا يخفى على من لَهُ مسكة إِن مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد قدس سره من أَن هَذَا اصْطِلَاح جَدِيد لَيْسَ بِشَيْء لِأَن إِطْلَاق الْمُقدمَة على طَائِفَة من الْكَلَام إِلَى آخِره يفهم من إطلاقات الْكتاب الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي تَحْقِيقه فَذَلِك الْإِطْلَاق ثَابت فِيمَا بَينهم فَافْهَم واحفظ.

الْمسْح

(الْمسْح) الكساء من شعر وثوب الراهب (مو) والجادة من الأَرْض (ج) أمساح ومسوح
الْمسْح: (دست رسانيدن بشى) . وَفِي الشَّرْع إِصَابَة الْيَد المبتلة الْعُضْو بِلَا تسييل المَاء إِمَّا بللا يَأْخُذهُ من الْإِنَاء أَو بللا بَاقِيا فِي الْيَد بعد غسل عُضْو من المغسولات. وَلَا يَكْفِي البلل الْبَاقِي فِي يَده بعد مسح عُضْو من الممسوحات. لَا يَكْفِي بَلل يَأْخُذهُ من بعض أَعْضَائِهِ سَوَاء كَانَ ذَلِك الْعُضْو مغسولا أَو ممسوحا وَكَذَا فِي مسح الْخُف.
اعْلَم أَن المُرَاد بِالْمَسْحِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وامسحوا برؤوسكم} مسح بعض الرَّأْس بالِاتِّفَاقِ لِأَن الْبَاء هُنَاكَ دخلت على الْمحل - وَالْأَصْل أَن تدخل على الْآلَة وَهِي غير مَقْصُودَة فَإِنَّهُ يَكْتَفِي فِيهَا بِقدر مَا يحصل بِهِ الْمَقْصُود فحين دخلت على الْمحل شبه الْمحل بالآلة فَلَا يشْتَرط الِاسْتِيعَاب فَاعْلَم أَن الْآيَة عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى مُطلق. وَلِهَذَا اعْتبر أقل مَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْمسْح إِذْ لَا دَلِيل على الزِّيَادَة وَلَا إِجْمَال فِي الْآيَة. وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى مُجمل فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ بِمُرَاد لحصوله فِي ضمن غسل الْوَجْه الْبَتَّةَ مَعَ عدم تأدي الْفَرْض أَي مسح الرَّأْس فِي غسل الْوَجْه اتِّفَاقًا. بل المُرَاد بعض مُقَدّر فَصَارَت مُجملا بَينه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمِقْدَار الناصية وَهُوَ ربع الرَّأْس.
وَأجَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن عدم تأدي الْفَرْض أَي مسح الرَّأْس بِمَا حصل فِي ضمن غسل الْوَجْه مَبْنِيّ على فَوَات التَّرْتِيب وَهُوَ فرض فَصَارَ الْخلاف مَبْنِيا على الْخلاف فِي اشْتِرَاط التَّرْتِيب. فَإِن قيل قِرَاءَة الْجَرّ فِي أَرْجُلكُم فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} متواترة كَمَا أَن قِرَاءَة النصب متواترة فَمُقْتَضى الْجمع بَين الْقِرَاءَتَيْن التَّخْيِير بَين الْغسْل وَالْمسح كَمَا قَالَ بِهِ الْبَعْض - قُلْنَا قِرَاءَة الْجَرّ ظَاهرهَا متروكة بِالْإِجْمَاع لِأَن من قَالَ بِالْمَسْحِ لم يَجعله مُقَيّدا بالكعبين. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد غسل رجلَيْهِ " هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ " - والجر للجوار كَمَا قرئَ كسر الدَّال فِي الْحَمد لله وككسر محرم فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " من ملك ذَا رحم محرم مِنْهُ عتق ". وَكَانَ الْقيَاس محرما بِالنّصب لِأَنَّهُ صفة ذَا محرم - وَفَائِدَة صُورَة الْجَرّ التَّنْبِيه على أَنه يَنْبَغِي أَن لَا يفرط فِي صب المَاء عَلَيْهِمَا ويغسلا غسلا خَفِيفا شَبِيها بِالْمَسْحِ.
وَتَحْقِيق الْمقَام وتنقيح المرام على مَا حررنا فِي رسالتنا التحقيقات أَن الماسحين قَائِلُونَ بِالْجَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وأرجلكم} وَيَقُولُونَ بفرضية مسح الأرجل فِي الْوضُوء - والغاسلون يقرؤون النصب فِيهِ فيستدلون بِهِ على فَرضِيَّة الْغسْل فِي الْوضُوء أَقُول بجره لَا يثبت الْمسْح وبنصبه لَا يثبت الْغسْل. أما الأول: فَلِأَن قَوْله تَعَالَى: {وأرجلكم} بِالْجَرِّ يحْتَمل أَن يكون مَعْطُوفًا على قَوْله: {وَأَيْدِيكُمْ} وَيكون جَرّه للجوار كَمَا مر. وَأما الثَّانِي: فَلِأَن قَوْله تَعَالَى: {وأرجلكم} بِالنّصب يحْتَمل أَن يكون مَعْطُوفًا على مَحل قَوْله تَعَالَى: {رؤوسكم} لِأَن مَحَله النصب لِأَنَّهُ مفعول بِهِ بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ مَعَ أَن الْوَاو يحْتَمل أَن يكون وَاو الْمَعِيَّة الَّتِي تنصب مَا بعدهمَا مثل اسْتَوَى المَاء والخشبة فعلى أَي حَال إِذا قَامَ الِــاحْتِمَال بَطل الِاسْتِدْلَال.

وَلَا يخفى: على سالك مسالك الانصاف. والمعرض عَن طَرِيق التعصب والاعتساف. أَنه يصول من وَادي هَذَا الْبَيَان أَسد. لَا يُمكن دَفعه لأحد. من الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا مَا شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ أَن الْآيَة الْمَذْكُورَة حِينَئِذٍ لَا تدل على فَرضِيَّة غسل الرجل وَلَا على مَسحه دلَالَة قَطْعِيَّة جلية فَلَا تثبت فرضيته كَيفَ فَإِن الْفَرْض مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ لَا شُبْهَة فِيهِ فَفرض الْوضُوء حِينَئِذٍ ثَلَاثَة لَا أَرْبَعَة فَافْهَم فَإِنَّهُ من مطارح الأذكياء - فَأَقُول استدلالنا على وجوب غسل الأرجل ودخولها فِي المغسولات دون الممسوحات بأمرين: الأول: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ بعد غسل رجلَيْهِ " هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ ". كَمَا مر. وَالثَّانِي: أَن الله تَعَالَى ذكر الْغَايَة فِي المغسولات دون الممسوحات. فَهَذِهِ الْوَظِيفَة تدل دلَالَة جلية على دُخُولهَا تَحت المغسولات. لِأَنَّهُ تَعَالَى أَتَى بالغاية حَيْثُ قَالَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فهذان الْأَمْرَانِ يدلان على أَن قَوْله تَعَالَى: {وأرجلكم} مَنْصُوب مَعْطُوف على قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيكُمْ} لَا على مَحل {رؤوسكم} وَإِن كَانَ مجرورا فيدلان على أَن جَرّه للجوار لَا لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قَوْله: {رؤوسكم} فَإِن قيل لم لم يَأْتِ بالغاية فِي غسل الْوَجْه. قُلْنَا لما كَانَ الْمَقْصُود غسل تَمام الْوَجْه مَا أَتَى بالغاية فِيهِ. وَالْوَجْه من المواجهة وَحده طولا وعرضا مَعْلُوم. قيل إِن الْجَرّ بالجوار لَا يجوز إِلَّا فِي الْجُمْلَة الْوَاحِدَة فَقَوله تَعَالَى: {أَرْجُلكُم} إِن كَانَ مَعْطُوفًا على {أَيْدِيكُم} لَا يجوز جَرّه بجوار قَوْله تَعَالَى: {ورؤوسكم} لاخْتِلَاف الجملتين.

الزائد

الزائد:
[في الانكليزية] Affix ،infix
[ في الفرنسية] Affixe ،infixe
عند أهل العربية يطلق على الحرف الغير الأصلي وقد سبق. والزوائد الأربع هي حروف المضارعة وهي الألف والنون والياء والتاء، وقد يطلق الزائد على ما لا فائدة له كما في الأطول في بيان الغرابة، وعلى كلمة وجودها وعدمها لا يخلّ بالمعنى الأصلي، وأنّ لها فائدة، ومنه حروف الزيادة كذا يستفاد من الفوائد الضيائية.
اعلم أنّ الزائد على قسمين لأنّ اللفظ الذي لا فائدة فيه إمّا أن لا يكون متعيّنا كإيراد لفظين مترادفين وهو المسمّى بالتطويل نحو وجدت قول فلان كذبا مينا. فالكذب والمين بمعنى واحد لا فائدة في الجمع بينهما، فأحدهما زائد لا على التعيّن. وإمّا أن يكون الزائد متعينا وهو المسمّى بالحشو نحو وجدت قول فلان قولا كاذبا. فلفظ قولا زائد معيّن كذا في المطوّل.
وقد يطلق على المزيد وهو الحرف الذي يتصل بالخروج كما ستعرف. وعند المحاسبين هو العدد المستثنى منه كما مرّ. والزوائد عند أهل الرّمل أربعة أشكال وهي الواقعة في المرتبة الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة، وتسمّى أيضا شواهد.
الزائد
أحصى النحاة ما ورد في القرآن الكريم من كلمات زائدة، وحصروها في خمسة عشر لفظا: هى إِذْ، فى قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (البقرة 30). وإذا في قوله تعالى: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (الانشقاق 1). أى انشقت السماء كما قال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ (القمر 1). وإلى، فى قوله تعالى: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم 37). فى رواية من قرأ تهوى، بفتح الواو. وأم، فى قوله تعالى: وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (الزخرف 51، 52). والتقدير: «أفلا تبصرون؟! أنا خير» وإن في قوله تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ (الأحقاف 26). وأن، فى قوله تعالى: وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً (العنكبوت 33). وقوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (يوسف 96). وقوله سبحانه: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا (البقرة 246). وقوله تعالى:
وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا (إبراهيم 12). و (الباء) فى قوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة 195). وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (مريم 25). فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (الحج 15).
وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (الحج 25). فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (القلم 5، 6). وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها (يونس 27). وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (البقرة 228). و (الفاء)، فى قوله سبحانه: هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (ص 55 - 57). وفي، من قوله تعالى: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها (هود 41).
و (الكاف)، فى الآية الكريمة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى 11).
و (اللام)، فى قوله تعالى: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (النمل 72).
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (المؤمنون 36). ولا، فى قوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ (الأعراف 12). قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (طه 92، 93). وقوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الحديد 28، 29). وقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (القيامة 1). وما على شاكلته من الآيات، وقوله سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء 65). وقوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الأنعام 151). وقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (الأنعام 109). وقوله سبحانه: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (الأنبياء 95). وقوله سبحانه: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً (آل عمران 79، 80). وما، فى قوله سبحانه: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران 159)، وفَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ (النساء 155). وقوله سبحانه: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً (نوح 25). ومن، فى قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (الأنعام 34). و (الواو)، فى قوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (الزمر 73). وقوله سبحانه وتعالى: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (الصافات 103 - 105).
ذلك ما أحصاه النحويون من حروف، قالوا: إنها زائدة وردت في القرآن، يعنون بزيادتها أنهم لا يستطيعون لها توجيها إعرابيّا، وإن كانوا يجدونها قد أدت معانى، لا تستفاد من الجملة إذا هى حذفت، وسنقف عند كل آية نتبين فيها ما زيد وسر زيادته.
أما زيادة إذ في الآية الأولى فمما لم يرتضه ابن هشام في مغنيه ، وقال صاحب الكشاف : إذ منصوبة بإضمار اذكر، ويجوز أن ينتصب بقالوا، وعليه، فليست إذ بزائدة.
وكذلك لم يرتض زيادة إذا في الآية السابقة بل رآها شرطية حذف جوابها، لتذهب النفس في تقديره كل مذهب، أو اكتفاء بما علم في مثلها من سورتى التكوير والانفطار، ففي كلتا السورتين قد ذكر جواب إذا، فقيل في سورة التكوير فى الجواب: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (التكوير 14). وقيل في سورة الانفطار: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (الانفطار 5).
وقيل في توجيه آية (إلى): إن تهوى بفتح الواو قد ضمنت معنى تميل ، وهو يتعدى بإلى فليست على ذلك بزائدة. وأم في آيتها ليست زائدة كذلك، بل هى منقطعة بمعنى بل، وتفيد الإضراب الانتقالى، وليست إن في آيتها زائدة، بل نافية والمعنى ولقد مكناهم، فى أمور لم نمكنكم فيها، والمجيء بإن هنا أفضل من المجيء بما، حذرا من التكرير اللفظى.
أما أن في الآيتين الأوليين فزائدة، جىء بها مؤذنة بتراخى حدوث الفعلين بعدها في الزمن، تراخيا عبّر عنه القرآن بهذه اللفظة، ولو أن الفعل كان على الفور لا تصل الفعل بلما من غير فاصل بينهما. وأما في الآيتين الأخيرتين، فأن غير زائدة فيهما، والمعنى أى داع لنا في ترك القتال في سبيل الله، وفي ألا نتوكل على الله، وقد هدانا سبلنا.
والباء ليست زائدة في الآية الأولى، فمعناها: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، أى: لا تكونوا سببا في هلاك أنفسكم بأفعالكم. أما في الآية الثانية فقد ضمن (هزى) معنى أمسكى هازة، فجىء بالباء مصورة لمريم، ممسكة بجذع النخلة، تهزها، مبعدة هذا الجذع حينا، ومقربة له إليها حينا آخر. وأما الباء في (بسبب) فعلى تضمين يمدد معنى يتصل، إذ ليس المراد مطلق مد سبب إلى السماء، بل الهدف أن
يعلق المغيظ نفسه بهذا السبب، فساغ لذلك هذا التضمين ودلت الباء عليه.
وليست الباء في (بإلحاد) داخلة على المفعول به بل هو محذوف، والجار والمجرور حال من فاعل يرد، كشأن الجار والمجرور بعده، والمعنى ومن يرد فيه مرادا ما، عادلا عن القصد، ظالما، والإلحاد العدول عن القصد فالباء للمصاحبة لا زائدة.
وليس من الضرورى جعل الباء زائدة في بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ، بل من الممكن أن تكون بمعنى في، والتقدير في أيكم المفتون، أى سنرى ويرون في أى الفريقين منكم يكون المجنون، أفى فريق المسلمين، أم في فريق الكافرين.
ولم يرتض ابن هشام أن تكون الباء في (بمثلها) زائدة، بل قال: والأولى تعليق بمثلها، باستقرار محذوف، هو الخبر ؛ كما لم يرتض زيادة الباء في بأنفسهن في الآية الكريمة، بل قال: «فيه نظر، إذ حق الضمير المرفوع المتصل، المؤكد بالنفس، أو العين، أن يؤكد أولا بالمنفصل، نحو قمتم أنتم أنفسكم، ولأن التوكيد هنا ضائع، إذ المأمورات بالتربص، لا يذهب الوهم إلى أن المأمور غيرهن، بخلاف قولك زارنى الخليفة نفسه » وعلل صاحب الكشاف ذكر الأنفس هنا، فقال: «فى ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص، وزيادة بعث، لأن فيه ما يستنكفن منه، فيحملهن على أن يتربصن، وذلك أن أنفس النساء طوامح إلى الرجال، فأمرن أن يقمعن أنفسهن، ويغلبنها على الطموح، ويجبرنها على التربص».
وليست (الفاء) فى قوله سبحانه: هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (ص 57).-
بزائدة، بل هى آية ضمت ثلاث جمل قصيرة، يوحى قصرها الخاطف بالرهبة فى النفس، والخوف؛ فالجملة الأولى مبتدؤها مذكور حذف خبره، فكأنه قال:
هذا حق ثابت لا مراء فيه، وكأنه يشير إلى ما تقدم من قوله: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (ص 56). ثم فرع على ذلك العذاب الذى أعد لهم، قائلا: فَلْيَذُوقُوهُ ذاكرا ضميرا يبعث في النفس ترقب تفسيره، ففسره بأن ما سيذوقونه حميم يحرق بحرّه، وغساق يقتل ببرده، ولم يذكر المبتدأ هنا إسراعا إلى ذكر العذاب المعد لهم. وخرجه ابن هشام على أن خبر هذا هو حميم وغساق، لا الجملة الطلبية، وعليه فتأويل الآية: «هذا حميم وغساق، فليذوقوه» وإنما أسرع بالجملة الطلبية، تهديدا لهم، وتشفيا منهم.
ولا وجه لزيادة «فى» من قوله سبحانه: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها (هود 41). لأن ركوبهم كان في السفينة. ولم ير صاحب الكشاف الكاف زائدة بل وجه الآية الكريمة بقوله: «قالوا مثلك لا يبخل، فنفوا البخل عن مثله، وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك، فسلكوا به طريق الكناية؛ لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده، وعمن هو على أخص أوصافه، فقد نفوه عنه، ونظيره قولك للعربى: العرب لا تخفر الذمم، كان أبلغ من قولك: أنت لا تخفر، ومنه قولهم قد أيفعت لداته، وبلغت أترابه، يريدون إيفاعه وبلوغه، فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله: «ليس كالله شىء»، وبين قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .
وإذا ضمنت رَدِفَ معنى دنا، فى قوله سبحانه: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (النمل 71، 72).
لم تعد اللام زائدة، كما لا تصير اللام زائدة في الآية التالية إذا جعلناها وما بعدها متعلقة بالفاعل المحذوف، وكان تأويل الجملة: هيهات هيهات الوقوع لما توعدون، وكان حذف الفاعل لوضوح دلالة الجملة عليه.
أما لا الواقعة بعد منع في الآيتين فزائدة، أريد بها تصوير فعل الممتنع، فإبليس في الآية الأولى لم يسجد، حين أمره الله، وهارون في الثانية لم يتبع موسى، وعصى أمره. وأريد بها كذلك تصوير ما يكون من هؤلاء الكفرة، إذا استجيب لهم، ونزلت الآية التى اقترحوها، فقال تعالى: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (الأنعام 109).- وتصوير أمر القرية التى أهلكت، وأن من المحال عودتها فقال سبحانه: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (الأنبياء 95).- وبيان ما يكون من هذا البشر الذى يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، فهو لا يأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا. وتشعر في لا وهى زائدة في قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (الحديد 29). بأن أهل الكتاب هؤلاء، لن يتدبروا الأمر تدبرا يؤدى بهم إلى الإيمان، وأن علمهم حينئذ سيكون كلا علم، فكأنهم لم يعلموا.
وأما لا الواردة في القسم القرآنى، فإنها مزيدة توطئة للنفى بعده، وتوكيدا له، كما في قوله سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء 65).
وذلك مستفيض في أشعارهم، كقول امرئ القيس: فلا وأبيك ابنة العامرى ... لا يدعى القوم أنى أفر
ومنها ما كان للنفى تعظيما للمقسم به، كما في قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (الواقعة 75، 76). وليس ذلك بمانع من أن تكون هذه الصيغة مؤكدة لما يذكر بعدها.
أما الآية الكريمة: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ (الأنعام 151). فنظرة إليها تريك أنه لم يذكر فيها المحرم، وإنما ذكر فيها ما أمروا به، من عدم الشرك بالله، والإحسان إلى الوالدين، إلى غير ذلك، فكان المحرم عليهم ضد هذا الذى ذكره، فليست لا زائدة بل هى للنفى، والجملة متسقة مع ما تلاها.
وما ليست زائدة في الآيات الثلاث الواردة، بل هى نكرة تامة بمعنى شىء، وما بعدها بدل كل منها، والمجيء بهذه النكرة متصلة بحرف الجر، وهى تبعث فى النفس معنى مبهما، ليزداد الشوق إلى معرفة معناها، حتى إذا ورد استقر في النفس واطمأنت إليه. ولا يكون ذلك إلا حيث يكون الكلام مرتبطا بأمر عظيم، كالرحمة التى ألانت قلب الرسول، والخطيئات التى أغرقتهم فأدخلوا بها النيران، ونقض المواثيق التى كانت سبب ما يعانونه من اللعنة وسوء المصير.
أما من في الآية الكريمة فاسم بمعنى بعض. والواو في الآيتين ليست بزائدة، وجواب إذا ولما محذوف ترك إلى النفس إدراكه، حتى كأن العبارة لا تفى بالدلالة عليه.
ومن كل ذلك يبدو أن ما يمكن عده زائدا، إنما هو حروف نادرة، جىء بها لأغراض بلاغية، وفت هذه الحروف الزائدة، ويظهر أن تسميتها زائدة معناه أنها لا يرتبط بها حكم إعرابى، لا أنها لم تؤد في الجملة معنى.
وورد في القرآن ما يبدو للنظرة السريعة أنه يمكن الاستغناء عنه، ولكن التأمل يبين عن دقة بارعة، فى اختيار هذا التعبير، وبلاغة مؤثرة في المجيء به، وهاك قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا (البقرة 79). فتأمل قوله بأيديهم يصور بها جريمة الافتراء، ويرسم بها مقدار اجترائهم على الله، ويؤكد ارتكابهم الجريمة بأنفسهم، وإن شئت فأسقط تلك الكلمة، وانظر أى فراغ تتركه إذا سقطت.
وقوله تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (النحل 26). فمن فوقهم صورت هذه الكارثة، التى نزلت بهم أكمل تصوير، ومن هذا الباب قوله سبحانه: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ (البقرة 19). فالمطر لا يكون إلا من السماء، ولكن التعبير عن المطر بالصيب، ووصفه بأنه من السماء، يصوره لك كأنما هو حجارة مصوبة، تهبط من هذا العلو الشاهق، فتصيب بأذاها هذا السائر الضال.
وقوله تعالى: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (النور 15). وقوله تعالى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (الأحزاب 4). فأفواهكم تدل في الآية الأولى على أن الحديث الذى يجرى على ألسنتهم حديث لم يشترك فيه العقل، ولم يصدر عنه، وفي الآية الثانية، تدل على أن النطق اللسانى، لا يغير من الحقيقة شيئا، فهو لا يتعدى اللسان، إلى ما في الأفئدة من حقائق.
وقوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (الأحزاب 4). ففي ذكر الجوف تأكيد لإنكار وجود قلبين لرجل، فإذا تصور القارئ جوفا، بادر بإنكار أن يكون فيه قلبان.
وذكر واحدة في قوله تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (الحاقة 13 - 15).- فضلا عما فيه من صيانة النغم الموسيقى، يوحى بقصر النفخة، وسرعة الدكة، وفي ذلك من إثارة الرعب، وتصوير شدة الهول ما فيه. وقوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (النجم 19، 20). تجد فيه وصف مناة بالثالثة، زيادة عما فيه من الحفاظ على الاتساق القرآنى، والموسيقى المتناسبة، إشارة إلى ما منى به هؤلاء القوم من ضعف في العقول، وفساد في التفكير، حتى إنهم لم يقفوا بإشراكهم عند حد إلهين، بل زادوا عليهما ثالثا، وإنى أشعر بالتهكم المر في قوله:
الْأُخْرى.
وقد كفانى الأدباء أمر البحث في توجيه قوله سبحانه: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (البقرة 196). فقوله: تِلْكَ عَشَرَةٌ مع أن الثلاثة والسبعة معلوم أنها عشرة، رفع لتوهم أنها ثلاثة في الحج أو سبعة في الرجوع لــاحتمال الترديد. وقوله: كامِلَةٌ مع أن العشرة لو نقصت لم تكن عشرة، فائدته أنّ التفريق ما نقص أجرها، بل أجرها كامل، كما لو كانت متوالية فنسب الكمال إليها، لكمال أجرها . 

السّرقة

السّرقة
[في الانكليزية] Theft
[ في الفرنسية] Vol
كالسّرق محركتين بكسر الراء مصدر سرق منه شيئا أي جاء مستترا إلى حرز فأخذ مال غيره. وعند الفقهاء هو نوعان لأنّه إمّا أن يكون ضررها بذي المال أو به وبعامة المسلمين.
فالأول يسمّى السّرقة الصغرى، والثاني السّرقة الكبرى، وهما مشتركان في التعريف وأكثر الشروط. فعرّفهما صاحب مختصر الوقاية بأخذ مكلّف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة مملوكا محرزا بلا شبهة بمكان أو حافظ، أي أخذ مكلّف بطريق الظلم كما هو المتبادر من الإضافة، فاحترز بالمكلّف عن غيره، فلا يقطع الصبي والمجنون ولا غيرهما إذا كان معه أحدهما، وإن كان الآخذ الغير. وعند أبي يوسف يقطع الغير. ولا يقطع بأخذ المصحف والكتب وآلات اللهو لــاحتمال أن يأخذه للقراءة والنهي عن المنكر، فمن الظن بطلان التعريف منعا. وقوله خفية احتراز عن الأخذ مكابرة فإنّه غصب كما إذا دخل نهارا أو بين العشاءين في دار بابها مفتوح أو ليلا، وكلّ من الصاحب والسارق عالم بالآخر، فلو علم أحدهما لا الآخر قطع كما لو دخل بعد العتمة وأخذ خفية أو مكابرة معه سلاح أو لا، والصاحب عالم به أو لا، ولو كابره نهارا فنقب البيت سرا وأخذ مغالبة لم يقطع. وقوله قدر عشرة دراهم أي بوزن سبعة يوم السرقة والقطع، فلو انتقص عن ذلك يوم القطع لنقصان العين قطع لأنّه مضمون على السارق فكأنه قائم، بخلاف ما انتقص للسّعر فإنّه لا يقطع لأنّه غير مضمون عليه. وعن محمد أنّه يقطع. وذكر الطحاوي أنّ المعتبر يوم الأخذ والمتبادر أن يكون الأخذ بمرة فلو أخرج من الحرز أقل من العشرة ثم دخل فيه وكمل لم يقطع. وقوله مضروبة احتراز عن أخذ تبر وزنه عشرة وقيمته أقل فإنّه حينئذ لا يقطع، فيقوّم بأعز نقد رائج بينهم، ولا يقطع بالشّك ولا بتقويم بعض المقومين. وقوله مملوكا احتراز عن أخذ غير المملوك. وقوله محرزا أي ممنوعا من وصول يد الغير إليه. وقوله بلا شبهة تنازع فيه مملوكا ومحرزا فلا قطع بأخذ الأعمى لجهله بمال غيره ولا بالأخذ من السّيّد والغنيمة وبيت المال.
وقوله بمكان أي بسبب موضع معدّ لحفظ الأموال كالدور والدكاكين والحانات والخيام والصناديق. والمذهب أنّ حرز كلّ شيء معتبر بحرز مثله حتى لا يقطع بأخذ لؤلؤ من اصطبل، بخلاف أخذ الدابة. وقوله حافظ أي بسبب شخص يحفظ فلا قطع بالأخذ عن الصبي والمجنون ولا يأخذ شاة أو بقرة أو غيرها من مرعى معها راع، ولا بأخذ المال من نائم إذا جعله تحت رأسه أو جنبه. أما إذا وضع بين يديه ثم نام ففيه خلاف، كذا في جامع الرموز

وفي الدرر: السرقة لغة أخذ الشيء من الغير خفية أيّ شيء كان. وشرعا أخذ مكلّف أي عاقل بالغ خفية قدر عشرة دراهم مضروبة جيدة محرزا بمكان أو حافظ، فقد زيدت على المعنى اللغوي أوصاف شرعا منها في السارق وهو كونه مكلفا، ومنها في المسروق وهو كونه مالا متقوّما مقدرا، ومنها في المسروق منه وهو كونه حرزا. ثم إنها إمّا صغرى وهي السرقة المشهورة وفيها مسارقة عين المالك أو من يقوم مقامه. وإمّا كبرى وهي قطع الطريق وفيها مسارقة عين الإمام لأنه المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه انتهى.
وفي كليات أبي البقاء السرقة أخذ مال معتبر من حرز أجنبي لا شبهة فيه خفية وهو قاصد للحفظ في نومه أو غيبته. والطرّ أخذ مال الغير وهو حاضر يقظان قاصد حفظه وهو يأخذه منه بنوع غفلة وخدع، وفعل كلّ واحد منهما وإن كان شبيها بفعل الآخر، لكنّ اختلاف الاسم يدل على اختلاف المسمّى ظاهرا، فاشتبه الأمر أنّه دخل تحت لفظ السارق حتى يقطع كالسارق أم لا فنظرنا في السرقة فوجدناه جناية، لكن جناية الطرار أقوى لزيادة فعله على فعل السارق، حيث يأخذ من اليقظان فيثبت القطع بالطريق الأولى كثبوت حرمة الضرب بحرمة التأفيف، وهذا يسمّى بالدلالة عند الأصوليين. بخلاف النباش فإنّه يأخذ مالا لا حافظ له من حرز ناقص خفية فيكون فعله أدنى من فعل السارق، فلا يلحق به ولا يقطع عند أبي حنيفة ومحمد، خلافا لأبي يوسف رحمهم الله. وعند الشافعي يقطع يمين السارق بربع دينار حتى سأل الشاعر المعري للإمام محمد رحمه الله:
يد بخمس مئين عسجد فديت ما بالها قطعت بربع دينار فقال محمد في الجواب: [لمّا] كانت أمينة ثمينة فلما خانت هانت كذا في الجرجاني.
وعند الشعراء ويسمّى الأخذ أيضا هو أن ينسب الشاعر شعر الغير أو مضمونه إلى نفسه.
قالوا اتفاق القائلين إن كان في الغرض على العموم كالوصف بالشجاعة أو السخاء أو نحو ذلك فلا يعدّ سرقة ولا استعانة ولا أخذا ونحو ذلك، لتقرره في العقول والعادات. وإن كان اتفاقهم في وجه الدلالة على الغرض كالتشبيه والمجاز والكناية وكذكر هيئات تدلّ على الصفة لاختصاص تلك الهيئات بمن تثبت تلك الصفة له كوصف الجواد بالتهلل عند ورود السائلين، فإن اشترك الناس في معرفته أي معرفة وجه الدلالة على الغرض لاستقراره فيهما أي في العقول والعادة كتشبيه الشجاع بالأسد والجود بالبحر فهو كالأول، أي فالاتفاق في هذا النوع من وجه الدلالة على الغرض كالاتفاق في الغرض العام في أنّه لا يعدّ سرقة ولا أخذا، وإلّا أي وإن لم يشترك الناس في معرفته ولم يصل إليه كل أحد لكونه مما لا ينال إلّا بفكر صائب صادق جاز أن يدعى فيه السبق والزيادة بأن يحكم بين القائلين فيه بالتفاضل، وإنّ أحدهما فيه أكمل من الآخر، وإنّ الثاني زاد على الأول أو نقص عنه. وهذا ضربان خاصي في نفسه غريب لا ينال إلّا بفكر وعامي تصرف فيه بما أخرجه من الابتذال إلى الغرابة كما في التشبيه الغريب الخاصي والمبتذل العامي. وإذا تقرّر هذا فالسّرقة والأخذ نوعان، ظاهر وغير ظاهر. أمّا الظاهر فهو أن يؤخذ المعنى كله إمّا مع اللفظ كله أو بعضه، وإمّا وحده. فإن أخذ اللفظ كله من غير تغيير لنظمه فهو مذموم لأنّه سرقة محضة ويسمّى نسخا وانتحالا، كما حكي أنّ عبد الله بن الزبير دخل على معاوية فأنشد بيتين:
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته على طرف الهجران إن كان يعقل ويركب حدّ السّيف من أن تضيمه إذا لم يكن عن شفرة السّيف مزحل أي إذا لم تعط أخاك النصفة ولم توفّه حقوقه تجده هاجرا لك ومتبدلا بك إن كان به عقل وله معرفة. وأيضا تجده راكبا حدّ السيوف أي ويتحمّل شدائد تؤثر فيه تأثير السّيف مخافة أن يدخل عليه ظلمك أو بدلا من أن تظلمه متى لم يجد عن ركوب حدّ السيف مبعدا ومعدلا.
فقال له معاوية لقد شعرت بعدي يا أبا بكر، أي صرت شاعرا، ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معن بن أوس المزني الشاعر فأنشد قصيدته التي أولها:
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل على أيّنا تغدو المنية أول حتى أتمها وفيها هذان البيتان. فأقبل معاوية على عبد الله بن الزبير وقال له: ألم تخبرني أنّهما لك؟ فقال: اللفظ له والمعنى له، وبعد فهو أخي من الرضاعة وأنا أحقّ بشعره فقلته مخبرا عن حاله وحاكيا عن حالي هكذا في المطول وفي معناه أن يبدل بالكلمات كلها أو بعضها ما يرادفها، يعني أنه مذموم وسرقة محضة كما يقال في قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي إنّه بدّل الكلمات وأبقى المعاني فقيل:
ذر المآثر لا تذهب لمطلبها واجلس فإنّك أنت الآكل اللابس وإن أخذ اللفظ كلّه مع تغيير نظمه أو أخذ بعض اللفظ لا كله سمّي هذا الأخذ إغارة ومسخا، وهو ثلاثة أقسام: لأنّ الثاني إمّا أن يكون أبلغ من الأول أو دونه أو مثله، فإن كان الثاني أبلغ لاختصاصه بفضيلة فممدوح ومقبول، وإن كان الثاني دونه فمذموم، وإن كان مثله فأبعد من الذمّ، والفضل للأول. وإنّما يكون أبعد من الذمّ إن لم يكن في الثاني دلالة على السرقة كاتفاق الوزن والقافية وإلّا فهو مذموم جدا. مثال الأول قول بشار:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج أي الشجاع القتال وراقب بمعنى خاف.

وقول سلم:
من راقب الناس مات همّا وفاز باللذة الجسور أي شديد الجرأة فبيت سلم مأخوذ من بيت بشّار إلّا أنّه أجود سبكا وأخصر لفظا.

ومثال الثاني قول أبي تمام:
هيهات لا يأتي الزمان بمثله إنّ الزمان بمثله لبخيل فأخذ منه أبو الطيب المصراع الثاني فقال:
أعدى الزمان سخاؤه فسخا به ولقد يكون به الزمان بخيلا يعني تعلّم الزمان منه السخاء وسرت سخاوته إلى الزمان فأخرجه من العدم إلى الوجود، ولولا سخاؤه الذي استفاد منه لبخل به على الدنيا واستبقاه لنفسه، كذا ذكره ابن جني. وقال ابن فورة: هذا تأويل فاسد لأنّ سخاءه غير موجود قبل وجوده فلا يوصف بالعدوى إلى الزمان وإنّما المراد سخا الزمان بالممدوح عليّ وكان بخيلا به لا يجود به على أحد ومستبقيا لنفسه، فلما أعداه سخاءه أسعدني بضمي إليه وهدايتي له. فالمصراع الثاني مأخوذ من المصراع الثاني لأبي تمام كذا في المطول والمختصر. لكن مصراع أبي تمام أجود سبكا من مصراع أبي الطيّب لأنّ قوله ولقد يكون لم يصب محله إذ المعنى به هاهنا لقد كان أي على المضي. ومثال الثالث قول أبي تمام:
لو حار مرتاد المنية لم تجد إلا الفراق على النفوس دليلا الارتياد الطلب أي المنية الطالبة للنفوس لو تحيّرت في الطريق إلى إهلاكها ولم يمكنها التوصّل إليها لم يكن لها دليل عليها إلّا الفراق فأخذ منه أبو الطيب فقال:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا وإن أخذ المعنى وحده سمّي ذلك الأخذ سلخا وإلماما، من ألمّ بالمنزل إذا نزل به، فكأنّه نزل من اللفظ إلى المعنى. وهو أيضا ثلاثة أقسام كذلك، أي مثل أقسام الإغارة والمسخ، لأنّ الثاني إمّا أبلغ من الأول أو دونه أو مثله. مثال الأول قول أبي تمام:
هو الصنع إن يعجل فخير وإن يرث فللرّيث في بعض المواضع أنفع ضمير هو عائد إلى حاضر في الذهن وهو مبتدأ وخبره الصنع، والشرطية ابتداء الكلام، يعني أنّ الشيء المعهود هو الإحسان فإن يعجل فهو خير وإن يبطأ فالبطء في بعض الأوقات وبعض المحال يكون أنفع من العجلة. وقول أبي الطيب:
ومن الخير بطء سيبك عني أسرع السّحب في المسير الجهام السيب العطاء والسحب جمع سحاب والجهام هو السحاب الذي لا ماء فيه. يقول وتأخير عطائك عني خير في حقي لأنّه يدل على كثرته كالسحب إنما يسرع منها ما كان جهاما لا ماء فيه، وما كان فيه الماء يكون بطيئا. ففي بيت أبي الطيب زيادة بيان لاشتماله على ضرب المثل فكان أبلغ. ومثال الثاني قول البحتري:
وإذا تألّق في النديّ كلامه المصقول خلت لسانه من عضبه يعني إذا لمع في المجلس كلامه المنقّح حسبت لسانه سيفه القاطع. وقول أبي الطيب:
كأنّ ألسنهم في النطق قد جعلت على رماحهم في الطعن خرصانا جمع خرص بمعنى سنان الرماح يعني أنّ ألسنتهم عند النطق في المضاء والنفاذ تشابه أسنّتهم عند الطعن، فكأنّ ألسنتهم جعلت أسنة رماحهم. فبيت البحتري أبلغ لما في لفظي تألق والمصقول من الاستعارة التخييلية، فإنّ التألّق والصقال من لوازم السيف، وتشبيه كلامه بالسيف استعارة بالكناية، وبيت أبي الطيب خال عنهما. ومثال الثالث قول أبي زياد:
ولم يك أكثر الفتيان مالا ولكن كان أرحبهم ذراعا يعني أن الممدوح ليس أكثر الناس مالا ولكن أوسعهم باعا أي سخي. وقول أشجع:
وليس بأوسعهم في الغنى ولكنّ معروفه أوسع فالبيتان متماثلان هكذا في المطوّل والمختصر.
وأمّا غير الظاهر فمنه أن يتشابه المعنيان أي معنى البيت الأول والثاني كقول جرير:
فلا يمنعك من إرب لحاهم سواء ذو العمامة والخمار أي لا يمنعك من الحاجة كون هؤلاء على صورة الرجال، لأنّ الرجال منهم والنساء في الضعف سواء. وقول أبي الطيب:
ومن في كفه منهم قناة كمن في كفه منهم خضاب ويجوز في تشابه المعنيين أن يكون أحد البيتين نسيبا والآخر مديحا أو هجاء أو افتخارا أو غير ذلك، فإنّ الشاعر الحاذق إذا قصد إلى المعنى المختلس لينظمه احتال في إخفائه فيغير لفظه ويصرفه عن نوعه من النسيب أو المديح أو غير ذلك، وعن وزنه وعن قافيته كقول البحتري:
سلبوا وأشرقت الدماء عليهم محمرّة فكأنّهم لم يسلبوا يعني أنّهم سلبوا عن ثيابهم ثم كانت الدماء المشرقة عليهم بمنزلة الثياب لهم، وقول أبي الطيب:
يبس النجيع عليه وهو مجرّد عن غمده فكأنّما هو مغمد يعني أنّ السيف جرد عن غمده فكأنّ الدم اليابس عليه بمنزلة الغمد له. فنقل أبو الطيب المعنى من القتلى إلى السيف، كذا في المطول والمختصر. ومنه أن يكون معنى الثاني أشمل من معنى الأول كقول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم وجدت الناس كلهم غضابا وقول أبي نواس:
ليس من الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد فالأول يختص ببعض العالم وهم الناس وهذا يشملهم وغيرهم لأنّ العالم ما سوى الله تعالى مشتقّ من العلم بمعنى العلامة لأنّ كل ما سواه دليل وعلامة على وجوده تعالى. ومنه القلب وهو أن يكون معنى الثاني نقيضا لمعنى الأول كقول أبي الشيص:
أجد الملامة في هواك لذيذة حبّا لذكرك فليلمني اللّوّم وقول أبي الطيب:
أأحبه وأحب فيه ملامة إنّ الملامة فيه من أعدائه الاستفهام للإنكار الراجع إلى القيد الذي هو الحال وهو قوله وأحب فيه ملامة، وما يكون من عدو الحبيب يكون ملعونا مبغوضا لا محبوبا، وهو المراد من قوله إنّ الملامة الخ، فهذا المعنى نقيض لمعنى بيت أبي الشيص، والأحسن في هذا النوع أنّ يبيّن السبب كما في هذين البيتين، إلّا أن يكون ظاهرا. ومنه أن يؤخذ بعض المعنى ويضاف إليه ما يحسنه كقول الأفوه:
وترى الطير على آثارنا رأي عين ثقة أن تمار أي ترى أيها المخاطب الطيور تسير كائنة على آثارنا رؤية مشاهدة لا تخيّل لوثوقها على أن ستطعم من لحوم قتلانا. وقول أبي تمام:
قد ظلّلت عقبان أعلامه ضحى بعقبان طير في الدماء نواهل أقامت مع الرايات حتى كأنّها من الجيش إلّا أنها لم تقاتل أي أنّ تماثيل الطيور المعمولة على رءوس الأعلام قد صارت مظللة وقت الضحى بالطيور العقبان الشوارب في دماء القتلى لأنّه إذا خرج للغزو وتساير العقبان فوق راياته رجاء أن تأكل لحوم القتلى وتشرب دماءهم، فتلقي ظلالها عليها، ثم إذا أقام أقامت الطيور مع راياته وثوقا بأنها تطعم وتشرب حتى يظن أنها من الجيوش، لكنها لم تقاتل. فأخذ أبو تمام بعض معنى قول الأفوه من المصراع الأول لكن زاد عليه زيادات محسّنة بقوله ظللت، وبقوله في الدماء نواهل، وبقوله أقامت مع الرايات إلى آخر البيت، وبإيراد التجنيس بقوله عقبان أعلامه وعقبان طير هكذا في المطول وحواشيه. وأكثر هذه الأنواع المذكورة لغير الظاهر ونحوها مقبولة بل منها ما يخرجه حسن التصرّف من قبيل الاتباع إلى حيز الإبداع. وكلما كان أشد خفاء بحيث لا يعرف أنّ الثاني مأخوذ من الأول إلّا بعد إعمال روية ومزيد تأمل كان أقرب إلى القبول. هذا الذي ذكر كله في الظاهر وغيره من ادعاء سبق أحدهما واتباع الثاني وكونه مقبولا أو مردودا، وتسمية كلّ بالأسامي المذكورة إنّما يكون إذا علم أنّ الثاني أخذ من الأول بأن يعلم أنه كان يحفظ قول الأول حين نظم أو بأن يخبر هو عن نفسه أنّه أخذه منه، وإلّا فلا يحكم بذلك لجواز أن يكون الاتفاق من توارد الخواطر، أي مجيئه على سبيل الاتفاق من غير قصد إلى الأخذ، فإذا لم يعلم الأخذ قيل: قال فلان كذا وقد سبقه إليه فلان بكذا، هذا كله خلاصة ما في المطول. أمّا هاهنا فمن الضّروري معرفة الفرق بين السّرقة وتوارد الخواطر كي لا يختلط أحدهما بالآخر. إذن، فليعلم بأنّ توارد الخواطر هو أن يرد في كلام أحد الشعراء مصراع من الشعر أو مضمون كلام شاعر ما في شعر أو كلام شاعر آخر دون أن يكون ذلك قد خطر على بال قائله بأنّه من كلام شاعر آخر، وذلك كما حصل للشاعر أمير خسرو الدّهلوي الذي توارد خاطره مع بيت للشاعر نظامي كنجوي حيث قال:

ما ترجمته:
يا من أنت موصوف بإكرام العبد فمنك الربوبيّة ومنّا العبوديّة بينما قال النظامي الكنجوي ما ترجمته:
أمران أو عملان بالبهاء والبركة الربوبيّة منك ومنّا العبوديّة وكذلك وقع مثل هذا في ما نظمه الملّا عبد الرحمن الجامي في منظومته يوسف وزليخا، فقد اتفق له توارد الخاطر مع منظومة شيرين وخسرو لمولانا النظامي الگنجوي، كما في البيت التالي للملا الجامي وترجمته:
ليت أمّي لم تلدني ولو أنّي حين ولدت لم يرضعني أحد وقال النظامي ما ترجمته:
يا ليت أمي لم تلدني وليتها إذ ولدتني أطعمتني لكلب ومثال آخر من أقوال الملّا جامي وترجمته:
لقد خلقت المرأة من الجانب الأيسر ولم ير أحد الصدق والاستقامة من اليسار بينما يقول النظامي ما ترجمته:
يقولون إنّ المرأة من الجانب الأيسر برزت ولا يأتي أبدا من اليسار الاستقامة ومن هنا يزعم بعضهم أنّ مولانا الجامي وأمير خسرو الدهلوي قد أغارا على منزل النظامي الگنجوي ونهبوا ما فيه.
والحق أنّه قلما توجد قصة في كتبهما أو بعض أبيات يمكن اعتبارها بشيء من التصحيف أو التغيير من كلام الخواجه نظامي الذي كانت آثاره نصب عين كلّ واحد منهما. فلا عجب إذن أن تتفاعل تلك الآثار في حافظة كلّ منهما. ثم عند ما يكتبون شيئا بدون تعمّد أو قصد تفيض من قرائحهما. وعليه فلا يكون مثل هذا التوارد مذموما.
كما يمكن أيضا أن تكون ثمّة توأمة فكرية لدى هذين الأستاذين، أو ثمّة علاقة روحيّة بينهما. كما أنّه ليس عجيبا أن يكون هذان العلمان الكبيران سواء المتقدّم أو المتأخّر متصلين اتصالا قويّا بالله الذي يفيض عليهما من لدنه؛ فإذن العلوم القديمة سواء بمعانيهما ومضامينهما أو بألفاظهما على سبيل الإلهام وردت على قلوبهم، كما هو حال أكثر الأولياء في عالم الرؤيا، حيث يتلقّون شيئا واحدا ذا مضمون واحد. فلماذا إذن يكون التعجّب من حدوث ذلك في حال اليقظة. وبناء على هذا يكون من سوء الأدب نسبة هؤلاء الأكابر إلى السّرقة، وهو غلط محض، لأنّ السّرقة هي أن يورد الشاعر كلام غيره عن سابق علم وتصميم في ما ينظمه بزيادة أو نقصان أو تبديل في الوزن أو بتبديل بعض الألفاظ. هكذا في مخزن الفوائد.
ومن هذا القبيل ما ورد أنّ بعض الصحابة خاصة سيدنا عمر رضي الله عنه أنّه كان قد قال عدة أمور فوافقه القرآن عليها. والسّبب في ذلك والله أعلم عائد لصفاء عقيدته وقداسة قلبه ونورانية روحه، ففاض عليه من حضرة علام الغيوب كلمات وافقت التنزيل الإلهي. ذلك أنّ القرآن الكريم نزل من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدنيا مرّة واحدة، ومن ثمّ نزل منجّما حسب النوازل والمصالح على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كما هو مدوّن في كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه». وعن أنس قال عمر: «وافقت ربي في ثلاث. قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟» فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى. وقلت يا رسول الله إنّ نساءك يدخل عليهن البرّ والفاجر. فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله صلّى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك». وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديّا لقي عمر بن الخطاب فقال: «إنّ جبرئيل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدو للكافرين فنزلت كذلك».
وعن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في عائشة رضي الله عنها قال:
سبحانك هذا بهتان عظيم، فنزلت كذلك انتهى من الاتقان.

زلنفج

زلنفج (؟):
ثمر شجر البلوط ويسمى بهشى وهو باليونانية برينس (انظر الكلمة) أي برينوس. وهكذا كتبت هذه الكلمة في مخطوطة أمن ابن البيطار (1: 183) وكذلك في مخطوطة ب، غير أن كلمة برينس وردت فيها خالية من النقط. وعند سونثيمر: راسح، وفي طبعة بولاق: راتينج.
زمّ زَمّ: رَمَّ، أصلح. يقال مثلاً: زَمّ الجدار (فوك، كرتاس، ص22، 100).
كزَمَّ الثوب: ضيقه (محيط المحيط).
زَمّ شفتيه: ضيقهما (محيط المحيط).
زمّ: احتمل، قاسى، كابد (فوك، ألكالا)، وآلَم: يقال شيء يزُم أي يؤلم (ألكالا).
وزمَّ: سجّل، والمصدر زَمّ وزِمَام. في كتاب محمد بن الحارث (ص237): وأمر الكاتب بزم اسمه ومسكنه، وفي (ص3238) منه: فكان أوَّل قاضٍ ضمَّ أهل الفقه المشيرين عليه في اقضيته إلى ضبط فتياهم وزمام رأيهم بخط أيديهم.
زمَّم (بالتشديد): دَوَّن، سجّل، قيّد (ألكالا، بوشر، هلو، شيرب). وفي المخطوطة المجهولة الهوية في مكتبة كوبنهاغن (ص86): زمَّم الجنود.
وزمّم: احتمل، قاسى، كابد (ألكالا)، وفيه: الفعل المضالرع تزمم الماضي زَمّمت، والأمر زمّم.
زَمّ وجمعها زُمُوم: مقاطعة الأكراد، وفي كل زمّ عدد من القرى أو المدن (دي سلان المقدمة 1: 133 رقم3).
زَمّ: الصبر على الألم، التصبر، الــاحتمال (ألكالا).
زِمام: عنان، ومجازاً القيادة والإدارة (بوشر).
قيادة الأَزِمّة: وظيفة قائد الفرسان، ففي تاريخ تونس (ص115): فولاَّة قيادة أزمة الأَعْراب وكان من أهل الكفاءة والنجدة.
زمام: سجل، قائمة، لائحة، وأوارجة، وبخاصة سجل تدون فيه أسماء الجنود. وقد ذكرت أمثلة كثيرة على هذا المعنى في (عباد 1: 74 وما يليها، 427، 2: 263، معجم البيان)، ويمكن أن تضيف على المواد التي نقلتها من ألكالا ما معناه سجل، قائمة. وأضف هذا إلى عبارات كرتاس (ص44) وإلى ما ذكره ابن بطوطة (4: 251، 285)، وانظر أيضاً معجم ابن جبير، ودومب (ص78 فهارس)، وهلو (فهرس، مواد الكتاب) ومباحث (1) والملحق (ص65)، وفهرسي للمخطوطات الشرقية في مكتبة ليدن (1: 164)، والمقري (3: 164).
وفي مخطوطة كوبنهاجن المجهولة الهوية (ص39): وطلب منه إحضار تقيدات المجاي وأزمتها، والصواب تقييدات المجابي وأزمتها.
وعند بوشر زمام البلاد: تقويم أملاك البلاد ومسحها وتثمينها، وزمام العقارات: سجل الأملاك والأراضي، وزمام الغلط: سجل تصحيح الأغلاط، وزمام الإيراد والمصروف: سجل حساب الدخل والصرف.
والمؤلفون المتقدمون يطلقون اسم ديوان على دائرة المالية التي تتولى الإشراف على الدخل والصرف. ففي الماوردي (ص369): كاتب الديوان وهو صاحب زمامه، وهذا هو الصواب بدل ذمامة كما نشر السيد انجر. وفي البلاذري (ص464) نجد ديوان الزمام والخاتم، وفي ابن خلكان (10: 72) وفي الفخري (ص347): ديوان الزمام، وفي التنبيه والإشراف للمسعودي (نقل في مملوك 1، 2: 66): ديوان الأَزِمَّة ودواوين الأزمة أي الدائرة التي تتولى الإشراف على هذا السجل أي دائرة المالية، وفي التنبيه أيضاً: وَلِيَ الأزمة والخاتم. ونجد عند البلاذري (ص 464) وفي المقري (1: 134): صاحب الزمام أي رئيس دائرة المالية أو وزير المالية. انظر كذلك عبارة أبي المحاسن (1: 435) التي سبق نقلها.
غير أن صاحب الزمام أخذ يطلق في العصور الحديثة في المشرق ومصر على معنى أخر، فيراد به الشخص الذي يسمى أيضاً زمام الدار أو زمام الآدُر أي رئيس خصيان السراي، إذ نجد في عبارة من رحلة ابن جبير (ص292) أن خصياً أسود من مماليك الخليفة المعتضد العباسي قد صار صاحب الزمام وكذلك زمام الدار أيضاً، وهذه العبارة تجعل أصل اصطلاح زمام الدار وزمام الآدر أكثر غموضاً مما كان.
ويرى أبو المحاسن (كما نقل عنه في مملوك 1، 2: 66) أنه يجب كتابتها عادة زمام دار، ودار هذه تعني من يتولى التصرف، غير أن مؤلف ديوان الانشا (مملوك 1، 2: 66) يرى خلافاً له أنها تحريف زنان دار أي حارس النساء. وأرى ما يراه كاترمير أن هذين القولين في أصل الكلمة غير مقبولين، ويرى هذا العالم الجليل أن كلمة زمام تعني معناها الأصلي وهو العنان والحبل الذي يقاد به ثم توسع في استعماله فأصبح يدل على من يدير الشيء أي المدير فهو إذن مدبر أمر القصر ومديره. وفي الواقع فإن كلمة زمام تدل على هذا، وليس تدل، كما يزعم مؤلف ديوان الإنشاء على معنى قائد، فهذا المعنى معنى مجازي للكلمة جاء في فصيح اللغة فقد أشار لين نقلاً عن تاج العروس إلى قولهم: هو زمام قومه أي قائدهم ومقدمهم وصاحب أمرهم، وهم أزمة قومهم أي قوادهم ومقدموهم وأصحاب أمرهم. ويذكر كاترمير أمثلة يمكن أن تضاف إليها هذه الأمثلة التي زودني بها أماري: يقول أبو المحاسن (1: 435) في سنة 162 للهجرة أنشأ المهدي الخليفة العباسي دواوين الأزمة ولم تكن في أيام الأمويين، ومعنى الكلمة أن يكون لكل ديوان زمام وهو رجل يضبطه وقد كانت الدواوين مختلطة من قبل ذلك، ويقول المقريزي (1: 99) طبعة بولاق: متولي ديوان المجلس وهو زمام الدواوين، وفي (ص403) منه: الاسفهسلار وهو زمام كل زمام وإليه أمور الأجناد. أما صاحب الزمام التي يذكرها ابن جبير بمعنى زمام الدار فأرى على الرغم من دلالتها على نفس الشخص، فإنها في الأصل تدل الموظف الذي يتولى سجل نساء السراي. وأخيراً فإن كلمة زمام تستعمل للدلالة على رئيس خصيان السراي، كما في فاكهة الخلفا وألف ليلة (برسل 7: 28) وفيها الزمام الخاص = الحاجب الكبير في طبعة ماكن (2: 51).
زمام: سند، وثيقة اعتراف بالدين (فوك)، وانظر دوكانج ( cautis رقم 1).
زمام: مقطعة من الخشب تستعمل لربط الآخرين وإخضاعهم (فلقة) (معجم الإسبانية ص 251).
زَمِيم: هينمة، دنين، طنين (هلو، باين سميث 1132).
زُمِيم: مُكابَد، مُقاسى (ألكالا).
زِمَامَة: زمام، سجل، دفتر الحساب (همبرت ص100). زمامي: جندي مسجل في ديوان الجند (ابن بطوطة 3: 188، 193، 4: 47).
زِمَامِيّة: وظيفة الزشمام أي رئيس خصيان السراي (مملوك 1، 2: 65).
زَمَّام: محتمل، مكابد، مقاسي (فوك).
ريح زمَّام: ريح عاصف (فوك).
زَمَّامَة: رباط سراويل المرأة في أعلى ساقها (محيط المحيط).
زمّامة: شريط لرباط الكيس ونحوه (محيط المحيط).
تَزْمِيم: قائمة، لائحة (مارتن ص136).
مَزَمّ: حصن على حدود البلاد، ثغر (بوشر، دي ساسي طرائف 2: 7).
مَزمّ وجمعه مزمات: قلادة (فوك).
مَزْمُوم: الوتر الأول في العود (ألكالا).
مَزْمُوم: لحن من ألحان الموسيقى (سلفادور ص30)، ولعلها تصحيف مزمور عند هوست (ص258).

أَود

أَود
: ( {أَوِدَ) الشيْءُ، (كفَرِحَ،} يَأْوَدُ {أَوَداً: اعوَجَّ) ، وخصّ أَبو حنيفةَ بِهِ القِدْحَ. (والنَّعْت} آوَدُ) كأَحمرَ وآدَمَ، (و) هِيَ ( {أَوْدَاءُ) ، كحمراءَ (} وأَدْتُه) ، أَي العودَ وَغَيره {أَؤُودُه أَوْداً: عُجْتُه (} فانْآدَ) {يَنآدُ} انْئياداً فَهُوَ! مُنآدٌ، إِذا انْثَنَى واعْوَجّ، {والانْئيادُ: الانْحناءُ. (} وأَوَّدْتُه {فتَأَوَّدَ) ، أَي (عَذَفْتُه فانْعَطَفَ) . وتأَوّدَ العُودُ} تَأَوُّداً، إِذا انثنَى. قَالَ الشَّاعِر:
تأَوُّدَ عُسْلُوجٍ على شَطِّ جَعْفَرِ
( {وآدَه الأَمْرُ} أَوْداً {وأُوُوداً) ، كقُعُودٍ: (بَلَغَ مِنْهُ المَجهودَ) والمَشقّة. وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز: {7. 022 وَلَا} يَؤُودُهُ خفظهما. . الْعَظِيم} (الْبَقَرَة: 255) . قَالَ أَهل التَّفْسِير واللُّغة مَعًا: مَعْنَاهُ وَلَا يَكرُثه وَلَا يُثْقله وَلَا يَشْقّ عَلَيْهِ.
(و) رمَاه بإِحدَى ( {المَآوِد) ، أَي (الدَّوَاهِي) ، عَن ابْن الأَعرابيّ، وحكَى أَيضاً: رَماه بإِحدَى الموائد، فِي هاذا الْمَعْنى، كأَنّه مقلوب عَن} المآود. وَعَن أَبي عُبَيْد: المُؤْيِد بِوَزْن مُعْبِد: الأَمرُ العظيمُ. وَقَالَ طَرفة:
أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيتَ {بمُؤْيِدِ
وجمعَه غيرُه على} المآوِد، جعلَه من {آدَه} يَؤُوده إِذا أَثقله.
( {وآدَ) العَشِيُّ، إِذا (مَالَ. و) يُقَال} آدَ النّهَارُ {يَؤُود} أَوْداً إِذا (رَجَعَ) فِي العَشيّ.
( {وأَوْدٌ) ، بِالْفَتْح: اسْم (رجُل) قَالَ الأَفْوه} - الأَوديّ.
مُلْكُنا مُلْكٌ لَقَاحٌ أَوَّلٌ
وأَبُونَا من بني {أَوْد خِيَار
قَالَ الأَزهَرِيّ: وأَوْدٌ قبيلةٌ من الْيمن قلت: وَهُوَ أَوْدُ بن صَعْب بن سَعْدِ العَشيرةِ، وإِليهم نُسِبَت خِطّة بني أَوْدٍ بِالْكُوفَةِ.
(و) } أُودُ، (بالضمّ: ع بالبادِيَةِ) ، وَقيل زَمْلَةٌ معروفةٌ فِي ديار تَمِيم بنَجْد، ثمّ فِي أَرْض الحَزْن لبنِي يَرْبوع بن حَنْظلةَ. قَالَ الرَّاعِي:
فأَصْبَحْنَ قد خَلّفْن! أُودَ وأَصْبحتْ
فِرَاخُ الكَثيب ضُلّعاً وخَرَانقُهْ
وَقَالَ آخرُ:
وأَغْرَضَ عنّي قَعْنَبٌ وكأَنّما
يَرَى أَهْل أُود من صُدَاءَ وسِلْهِمَا ( {وأَوِيدُ القَومِ) ، كأَمِيرٍ: (أَزِيزُهُمْ وحِسُّهم) ، نَقله الصغانيّ.
(و) يُقَال (} تأَوَّدَهُ الأَمرُ) ، هاكذا فِي النُّسخ، وبخطّ الصغانيّ: {تآوَدَه الأَمرُ، (} وتآدَاهُ: ثَقُلَ عَلَيْهِ) . وإِنشد ابْن السِّكِّيت:
إِلى ماجِدٍ لاَ يَنْبَحُ الكَلْبُ ضَيْفَه
وَلَا يَتآدَاه احتمالُ المَغارِمِ
قَالَ: لَا {يتآداه لَا يُثْقِله، أَراد لَا} يَتَآوَدُه فقلَبَه.
(وذُو أَوْدٍ) من مَمْلُوك حِمْير، واسْمه. (مَرْثَدٌ، ملكَ ستَّمائةِ سنَةٍ باليَمَن) ، نَقله الصغانيّ.
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
أَنْث، بِالْفَتْح، كَمَا ضَبطه الذّهبِيّ فِي، وَيُقَال بالضَّمّ قَرْيَة من قُرَى بُخَارَا، وَقد نُسِب إِليها جمَاعَة من المحدّثين. هاكذا ذَكروه والصَّواب فِيهِ {أُودَنَه، بِزِيَادَة النُون مَعَ ضمّ الْهمزَة، مِنْهَا أَبو سُلَيْمَان دَاوُود بن محمّد} - الأُودَنيّ البخَاريّ، وَابْنه أَبو نصْر أَحمدُ، وأَبو مَنْصُور أَحمدُ بن محمَّد بن نصرٍ الأُودَنيّ حدَّثَ عَن مُوسَى بَين قُرسش، كَذَا فِي التبصير.

رث

(رث)
الثَّوْب وَغَيره رثاثة ورثوثة بلي وهيئة الرجل قبحت وهانت

(رث) الثَّوْب وَغَيره رثاثة ورثوثة بلي فَهُوَ أرث وَهِي رثاء (ج) رث وَهُوَ رث ورثيث أَيْضا وَهِي رثَّة ورثيثة (ج) رثاث وهيئة الرجل رثت تَرث
رث: الرَّثُّ: الخَلَقُ البالي، وكذلك اَرَثُّ، ورَثَّ الشَّيْءُ وأَرَثَّ: أي خَلُقَ.
ورَجُلٌ رَثُّ الهَيْئَةِ، رَثَّ يَرِثُّ ويَرُثُّ رَثَاثَةً ورُثُوْثَةً.
والرِّثَّةُ: أسْقَاطُ البَيْتِ، والجَمِيْعُ الرِّثَثُ.
وسُقَاطُ النَّاسِ: رِثَّةٌ.
ورَثَثْتُه: إذا لَفَفْتَه، وارْتَثَثْتُه: مِثْلُه.
والمُرِثُّ: الذي رَثَّ حَبْلُه. والذي يُجَاوِزُ فِعْلَه.
ورَثُّوا الحَوْضَ: رَمُّوْه بالحِجَارَةِ.
وارْتُثَّ الرَّجُلُ: إذا ضُرِبَ فأُثْخِنَ فحُمِلَ من مَوْضِعِه حَيّاً ثُمَّ يَمُوْتُ.
وارْتَثَّ أمْرُ القَوْمِ: تَفَرَّقَ.
والارْتِثَاثُ: الــاحْتِمَالُ.
ويُقالُ للضَّعِيْفِ: رِثَّةٌ. وهو من النِّسَاءِ: الخَرْقَاءُ العاجِزَةُ.
وكَلاَمٌ غَثٌّ رَثٌّ: أي سَخِيْفٌ.

رث

1 رَثَّ, (T, S, M, &c.,) sec. Pers\. [رَثَثْتَ and رَثِثْتَ and] رَثُثْتَ, (Msb,) aor. ـِ (T, S, M, K) and رَثَّ (M) and رَثُّ, (Msb, TA,) the last being of رَثَّ of the class of قَرُبَ, (Msb,) inf. n. رَثَاثَةٌ (S, M, A, Mgh, Msb, K) and رُثُوثَةٌ; (M, Msb, K;) and ↓ ارثّ; (S, M, Msb, K;) both authorized by Az; the latter at first disallowed by As, but afterwards allowed by him; (M;) It was, or became, old, and worn out; (T, S, M, A, Mgh, Msb;) and mean, or bad; (M;) namely, a garment, (T, S, M, A, Mgh,) and a rope, (S, M, A,) or other thing, (S, Msb,) i. e. anything, but mostly said of what is worn as clothing, or spread as furniture: (M:) or he, or it, was, or became, threadbare, shabby, or mean. (M, K:) said of a man, it has for its aor. ـَ and inf. n. رَثَاثَةٌ. (M.) رَثَاثَةُ الهَيْئَةِ means An old, worn-out, state of garb or apparel; and a bad condition. (Mgh.) And you say, فِي هَيْئَتِهِ رَثَاثَةٌ In his garb, or apparel, is threadbareness, shabbiness, or meanness. (S.) And رَثَّتْ هَيْئَةُ الشَّخْصِ, and ↓ ارثّت, (assumed tropical:) The aspect, or state, or condition, of the person was, or became, weak, and vile, mean, paltry, or despicable. (Msb.) [And رَثَّ الرَّجُلُ (assumed tropical:) The man was, or became, old, and worn out; or weak, &c.: see رَثٌّ.] b2: [And hence,] فِى هٰذَا الخَبَرِ رَثَاثَةٌ (tropical:) In this information, announcement, piece of news, or narration, is unsoundness, invalidity, or incorrectness; and so, فِيهِ رَكَاكَةٌ. (A, TA.) 4 ارثّ: see above, in two places. b2: Also, said of a man, His rope was, or became, old, and worn out. (M.) A2: ارثّهُ He, (K,) or it, i. e. wear, attrition, or wear and tear, (Th, M,) rendered it old, and worn out; and mean, or bad; (Th, M;) or threadbare, shabby, or mean; (K;) namely, anything, but mostly used in relation to what is worn as clothing, or spread as furniture. (M.) 8 اِرْتَثَثْنَا رِثَّةَ القَوْمِ We collected, (T, S, M,) or bought, (M,) the paltry, mean, or vile, chattels, or articles of furniture, of the people, or party, (T, S, M,) consisting of old and worn-out garments or pieces of cloth. (S, M.) b2: [Hence,] اُرْتُثَّ (of the pass. form, S, K) (tropical:) He (a man) was carried off from the field of battle wounded (S, A, K) so as to be rendered weak, (A,) retaining remains of life: (S, K:) from رِثَّةٌ as meaning the “ weak ” of mankind, who are likened to the paltry, mean, or vile, chattels, or articles of furniture, termed رِثَّةٌ: (A:) or he, being smitten in battle, and wounded so as to be rendered weak, was carried off, retaining remains of life, and then died: (T:) or he (a wounded man) was carried off from the field of battle retaining remains of life; because, in that case, he is weak, or is thrown down like the chattels, or articles of furniture, termed رِثَّةٌ. (Mgh.) And مَرَّبَيْنَهُمْ فَارْتَثَّهُمْ (tropical:) [He passed amid them, and carried them off from the field of battle wounded so as to be rendered weak, but retaining remains of life]. (A.) b3: [Hence also,] اِرْتَثَّ (assumed tropical:) He slaughtered a she-camel belonging to him, (T, K,) or a sheep or goat, or the like, (T,) by reason of [its] emaciation. (T, K.) رَثٌّ Old, and worn out; (T, S, M, A, Mgh, Msb, K;) and mean, or bad; (M;) and ↓ رَثِيثٌ signifies the same, (M, A, K,) as does also ↓ أَرَثُّ, (A, K,) and ↓ رِثَّةٌ: (M, TA: [but this last is app. a subst, as it is said to be in another place in the M and in the TA, meaning a thing that is old, and worn out; &c.:]) applied to a garment, (T, M, A, Mgh,) and a rope, (A,) or a thing (S, M, Msb) of any kind, but mostly to what is worn as clothing, or spread as furniture: (M:) the pl. of رَثٌّ is رِثَاثٌ. (S, M, Msb.) You say هَيْئَةٌ رَثَّةٌ An old, worn-out, state of garb or apparel; such as is in bad condition. (Mgh.) And رَجُلٌ رَثُّ الهَيْئَةِ A man whose garb, or apparel, is old, and worn out; (T, S, * M;) threadbare, shabby, or mean. (M.) This last phrase is [also] tropical [as meaning (tropical:) A man whose aspect, or state, or condition, is weak, and vile, mean, paltry, or despicable: see 1, last sentence but two]. (A.) And one says also رَجُلٌ رَثٌّ (assumed tropical:) [A man old, and worn out; or weak, &c.]. (T.) b2: And [hence,] كَلَامٌ رَثٌّ (tropical:) Meagre, unsubstantial, or flimsy, speech or language. (A.) b3: See also what next follows.

رِثَّةٌ (T, S, M, Mgh, K) and ↓ رَثٌّ (T, M, K) The paltry, mean, or vile, chattels, or articles of furniture, (T, S, M, A, K,) of the house or tent, (S, M, A, K,) consisting of old and worn-out garments or pieces of cloth: (S, M:) or such are termed رِثَّةُ المُتَاعِ: (Mgh:) the pl. of رِثَّةٌ is رِثَثٌ (T, S, K) and رِثَاثٌ: (S, K:) it is a subst. from رَثَّ signifying “ it was, or became, old, and worn out,” and “ mean, or bad; ” said of anything, but mostly of what is worn as clothing, or spread as furniture, and of a rope: (M:) [i. e. it means any such thing that is old, and worn out, and mean, or bad:] see also رَثٌّ. b2: Hence, (T, A, Mgh,) رِثَّةٌ signifies (tropical:) The weak of mankind; (T, S, M, A, Mgh, K;) [the old, and worn-out, thereof;] and the refuse, or lowest or basest or meanest sort, thereof: (S, M:) as being likened to the chattels, or articles of furniture, thus termed. (A, Mgh.) b3: Also (assumed tropical:) A foolish, or stupid, woman; one who is unsound, or deficient, in intellect or understanding. (S, K.) رَثِيثٌ: see رَثٌّ. b2: Also (assumed tropical:) Wounded; and so ↓ مُرْتَثٌّ: (TA:) or wounded, but retaining remains of life. (S, K.) [See the latter epithet below.]

أَرَثُّ: see رَثٌّ.

مُرِثٌّ A man whose rope is old, and worn out. (K.) مُرْتَثٌّ (tropical:) One who is carried off from the field of battle (Th, S, M) wounded [so as to be rendered weak (see 8)], (S,) retaining remains of life; (Th, S, M;) if slain, he is not thus termed: (Th, M:) or one who is thrown prostrate, and wounded so as to be rendered weak, in battle, and is carried off alive, and then dies. (M.) See also رَثِيثٌ. b2: Also (assumed tropical:) Falling down, and weak: from رَثٌّ applied to a garment that is old, and worn out. (TA.)
رث: رَثَّث: مطر رذاذاً، أرذت (ألكالا).
رَثَ. ذكرت رَثَّة ورَث في معجم فوك في مادة vetula. ورَثَّة وتجمع على رَثاث: balbus.
رَثَاث: مطر (فوك).

مَتى

(مَتى)
ظرف يكون استفهاما عَن زمَان وَيكون شرطا فَلَا يَقْتَضِي التّكْرَار وَفرقُوا بَينه وَبَين كلما فَقَالُوا كلما تقع على الْفِعْل وَالْفِعْل جَائِز تكراره وَمَتى تقع على الزَّمَان وَالزَّمَان لَا يَقْتَضِي التّكْرَار
مَتى
( {مَتَى: وتُضَمُّ) ، واقْتَصَرَ الجَوْهرِي وغيرُهُ على الفَتْح.
وقَضَى ابنُ سِيدَه عَلَيْهَا بالياءِ قَالَ: لأنَّ بعضَهم حَكَى الإمالَةَ فِيهَا مَعَ أنَّ أَلَفها لامٌ، قَالَ: وانْقِلابُ الألِفِ عَن الياءِ لاماً أَكْثَر.
وَقَالَ ابنُ الأنْبارِي: مَتَى حَرْفُ اسْتِفْهامٍ يُكْتَبُ بالياءِ.
وَقَالَ الفرَّاء: ويَجوزُ أنْ يُكْتَبَ بالألِفِ لأنَّا لَا نَعْرفُ فِيهَا فِعْلاً.
قَالَ الجَوْهرِي: مَتَى (ظَرْفٌ غيرُ مُتَمَكِّن) وَهُوَ (سُؤالٌ عَن زَمانٍ) كقولهِ تَعَالَى: {مَتَى نَصْرُ الله} ، أَي فِي أَيِّ زَمانٍ؛ (ويُجازَى بِهِ) .
وَفِي التّهْذِيبِ: مَتَى مِن حُرُوفِ المَعاني ولَها وُجُوهٌ شَتَّى: أَحَدُها: أنَّه سُؤالٌ عَن وَقْتِ فِعْلٍ فُعِلَ أَو يُفْعَلُ كقولِكَ: مَتَى فَعَلْتَ؟} ومَتَى تَفْعَلُ، أَي فِي أَيِّ وَقْتٍ، والعربُ تُجازِي بهَا كَمَا تُجازِي بأيِّ فَتَجْزِمُ الفِعْلَيْن تقولُ: مَتَى تأْتِني آتِكَ، وكَذلكَ إِذا أَدْخلْت عَلَيْهَا مَا كقولِكَ: مَتَى مَا يأْتِني أَخُوكَ أُرْضِه.
وَفِي المُحْكم: مَتَى كلمةُ اسْتِفْهامٍ عَن وقْتِ أَمْرٍ، وَهُوَ اسْمٌ مُغْنٍ عَن الكَلامِ الكَثيرِ المُتناهِي فِي البُعْدِ والطُّولِ، وذلكَ أنَّك إِذا قلْت مَتَى تَقُومُ أَغْناكَ ذلكَ عَن ذِكْرِ الأَزْمِنَةِ على بُعْدها.
وَفِي المِصْباح: مَتَى ظَرْفٌ يكونُ اسْتِفْهاماً عَن زَمَانٍ فُعِلَ فِيهِ أَو يُفْعَل، ويُسْتَعْمل فِي المُمْكِنِ فيقالُ مَتَى القِتالُ، أَي مَتَى زَمانه لَا فِي المُحَقَّقِ فَلَا يقالُ: مَتَى طَلَعَتِ الشمسُ، وتكونُ شَرْطاً فَلَا تَقْتِضي التَّكْرارَ لأنَّه واقِعٌ مَوْقِع إنْ وَهِي لَا تَقْتَضِيهِ، أَو يقالُ: مَتَى ظَرفٌ لَا يَقْتَضِي التِّكْرارَ فِي الاسْتِفْهامِ فَلَا يَقْتَضِيه فِي الشَّرْطِ قِياساً عَلَيْهِ، وَبِه صرَّحَ الفرَّاءُ وغيرُهُ فَقَالُوا: إِذا قَالَ مَتَى دَخَلْت الدَّارَ كَانَ كَذَا، فمعْناهُ أَي وقْتٍ، وَهُوَ على مرَّةٍ، وفرَّقُوا بَيْنه وبينَ كلَّما، فَقَالُوا: كلّما تَقَعُ على الفِعْلِ والفِعْل جائِزٌ تِكْرَاره، ومَتَى تَقَعُ على الزَّمانِ والزَّمانُ لَا يَقْبَل التِّكْرارَ فَإِذا قَالَ كلّما دَخَلْت فمعْناه كلُّ دَخْلةٍ دَخَلْتها. وَقَالَ بعضُ العلماءِ: إِذا وَقَعَتْ مَتَى فِي اليَمِين كانتْ للتِّكْرارِ فَقَوله: مَتَى دَخَلْت بمنْزَلةِ كلَّما دَخَلْت، والسماعُ لَا يُساعِدُه. وَقَالَ بعضُ النُّحاةِ: إِذا زِيدَ عَلَيْهَا مَا كانتْ للتِّكْرارِ، فَإِذا قالَ:! مَتَا مَا سأْلَتَني أَجَبْتُكَ، وَجَبَ الجَوابُ وَلَو أَلْف مَرَّة، وَهُوَ ضَعِيفٌ لأنَّ الزائِدَ لَا يُفِيدُ غَيْر التَّأْكِيد؛ وَهُوَ عنْدَ بعضِ النَّحاةِ لَا يُغَيِّرُ، الْمَعْنى وَيَقُول: قولُهم إنَّما زَيْدٌ قائِمٌ بمنْزِلَةِ أنّ الشّأْن زَيْدٌ قائِمٌ فَهُوَ يَحْتَمِلُ العُمُومَ كَمَا يَحْتَمِله إنَّ زيْداً قائِمٌ وعنْدَ الأكْثَرين يَنْقُلُ المَعْنى مِن احْتِمالِ العُمُومِ إِلَى مَعْنى الحَصْر، فَإِذا قيل: إنَّما زَيْدٌ قائِمٌ، فالمَعْنى لَا قائِم إلاَّ زَيْد، قَالَ: وَإِذا وَقَعَتْ شَرْطاً كانتْ للحالِ فِي النَّفْي، وللحالِ والاسْتِقْبالِ فِي الإثْباتِ، انتَهَى.
قَالَ الأصْمعي: (وَقد تكونُ) مَتَى (بمعْنَى مِن) فِي لغةَ هُذَيْل، يَقُولُونَ (أَخْرَجَها مَتَى كُمِّهْ) ، أَي مِن كُمِّهْ؛ وأَنْشَدَ الأصْمعي لأبي ذُؤَيْب:
شَرِبْنَ بماءِالبحرِ ثمَّ ترفَّعَت
مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لهُنَّ نَئَيجُأَي مِن لُجَجٍ.
وأَنْشَدَ الفرَّاء:
إِذا أَقولُ صَحا قَلْبي أُتِيحَ لَهُ
سُكْرٌ مَتى قَهْوةٍ سارَتْ إِلَى الرّأْسِأَي مِن قهْوةٍ، وأَنْشَدَ أَيْضاً:
مَتَى تُنْكِروها تَعْرِفُوها
مَتَى أَقْطارِها علق نفيتأَرادَ: مِن أَقْطارِها، ونفيت أَي مُنْفَرج.
(واسْمُ شَرْطٍ) كقولِه:
أَنا ابنُ جَلا وطَلاَّعُ الثَّنايا
(مَتَى أَضَعِ العِمامَةَ تَعْرِفُوني) (و) تأْتي (بمَعْنَى وَسَطٍ وَلَا تُضَمُّ) ، وسَمِعَ أَبو زيْدٍ بعضَهم يقولُ: وَضَعْته مَتَى كُمِّي، أَي فِي وَسَطَ كُمِّي؛ وأَنْشَدَ بيتَ أَبي ذؤَيْبٍ أَيْضاً، وقالَ: أَرادَ وَسَطَ لُجَجٍ.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
مَتَى: تأْتي للاسْتِنْكارِ، تقولُ للرَّجُل إِذا حَكَى عنْكَ فِعْلاً تُنْكرُه: مَتَى كانَ هَذَا، بمعْنَى الإنْكارِ 

سنعبق

سنعبق
السنَعْبُقُ هَكَذَا فِي النّسخ، والصوابُ: السَّعَنْبَقُ بِفَتْح السِّينِ والنونِ، وضمِّ الباءَ المُوَحَّدَةِ، وفَتْحِها أَهْمَلَه الجَوْهرِيُّ والصاغانِيًّ هُنَا، وأَورَدَه فِيمَا بَعْدُ، وقالَ أَبو حَنِيفَة: نَباتٌ خَبِيثُ الرّائِحَةِ يَنْبُتُ فِي أَعْراضِ الجِبالِ العالِيَةِ حِبالاً بِلَا وَرَقٍ، وَلَا يَأكُله شيءٌ، وَله نَوْرٌ، وَلَا يَجْرِسه النَّحْلُ البَتَّةَ، وإِذا قُصِفَ مِنْهُ عُودٌ سالَ مِنْهُ ماءٌ صَاف لَزِجٌ، لَهُ سَعابِيبُ. قالَ ابنُ سِيدَه: وإِنّما حَكَمْتُ بأنّه رُباعِي لأنهُ ليسَ فِي الكَلام فَعلْلُل، واوْرَدَه ابْن بَرِّي أَيضاً هكذاَ.
سنعبق
السَّنَعْبَقُ، كسَفَرجَلٍ ومَر لَه أَوّلاً بضَمِّ الباءَ وفَتْحِها، أهْمَلَه الجَوْهَرِيًّ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ نَباتٌ لَهُ رائِحَة خَبِيثَة، وإِذا قُصِفَ مِنْهُ عُودٌ سالَ. ماءٌ صافٍ لَزِجٌ، لَهُ سَعابِيبُ، وَقد تَقَدمَ.
قالَ شَيْخُنا: وَقد اسْتَشْكَلُوا إِعادَتَه هُنا، لِأَنَّهُ لم يَظْهَرْ لَهُ وَجْهٌ، وليسَ من عادَتِه غالِباً الإعادَةُ بِلَا فائِدَةٍ، وقَولُ بَعْضٍ: لعَل السابِقَةَ بالعينِ المُهْمَلةِ وَهَذِه بالمُعْجَمَةِ، بَعيدٌ لَو لِأَنَّهُ لَو كانَ كذلِكَ لذَكَرَه مُتَّصِلاً بِهِ، ولَعَلّه أعادَه إِشارَةً لــاحْتِمال أَصالَةِ النُّونِ، واللهُ أعلمُ. قلت: وَهَذَا الَّذِي ذَكَره أَخِيرًا هُوَ الصّوابُ، فَإِن الصاغانِيَّ ذَكَره هُنَا، وأَما ابنُ بَرّيٍّ فإِنّه جَعَل النونَ زائِدَةً، وأَن الأصْلَ سَعبَق، وقالَ: لَيْسَ فِي الكَلام فعَلَّلُلٌ، كَمَا قَالَه ابنُ سِيدَه، وتَقَدَّمَ، ووافَقَه صاحبُ اللِّسانِ، فكأنَّ المُصَنِّفَ وافَقَهما جمِيعاً فِي المَوْضِعَيْنِ، ثمَّ ظَهَر لي أَنَّ الصوابَ فِي الأولَى السَّعَنْبَقُ، بتَقْدِيم العَيْنِ على النُّون، وهُنا السنَعْبَقُ، بتَقْدِيم النونِ على العَين، كَذَا رَأيت فِي نُسْخَةِ التَّكْمِلَة، وَبِه يَرْتِفَعُ الإشْكالُ، وَالله أَعلمُ.

أُفٍّف

أُفٍّف
) } أفَّ، {يَؤُفَّ، بالضَّمِّ، قَالَ ابْن دُرَيْدٍ: وَقَالُوا:} يَئفُّ أَيضاً، أَي بالكَسْرِ، وَلم يذْكُرْهُ ابنُ مَالِكٍ فِي الَّلامِيَّةِ، وَكَذَا فِي شُرُوحِ التَّسْهيلِ، وَلَا اسْتَدْرَكَهُ أَبو حَيَّانَ، وَهُوَ القِيَاسُ، وقَوْلُ شَيْخِنَا: فيَحْتَاجُ إِلَى ثَبْتٍ. قلتُ: وَقد نَقَلَهُ ابنُ دُرَيْدٍ فِي الجَمْهَرَةِ كَمَا عَرَفْتَ، ونَاهِيكَ بِه ثِقَةً ثَبْثاً، وَعنهُ نَقَلَ الصَّاغَانِيُّ فِي العُبَابِ، وصاحِبُ اللِّسَانِ:! تَأَفَّفَ مِنْ كَرْبٍ أَوْ ضَجَرٍ. وَ {أُفِّ: كَلِمَةُ تَكَرُّهٍ وقولُه تَعالَى:) فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ (قَالَ القُتَيْبِيُّ: أَي لَا تَسْتَثْقِلْ مِن أَمْرِهِمَا شَيْئاً، وتَضِقْ صَدْراً بِهِ، وَلَا تُغْلِظْ لَهما، قَالَ: والناسُ يَقُولُونَ لِمَا يَسْتَثْقِلُونَ ويَكْرَهُونَ: أُفٍّ لَهُ، وأَصْلُ هَذَا نَفْخُكَ للشَّيْءِ يسْقُطُ عليكَ مِن تُرَابٍ أَو رَمَادٍ، وللْمَكَانِ تُرِيدُ إِمَاطَةَ أَذىً عَنهُ، فقيلَتْ لكُلِّ مُستَثْقَلٍ، وَقَالَ الزَّجّاجُ: لَا تَقُلْ لَهُمَا مَا فِيه أَدْنَى تَبَرُّمٍ إِذا كَبِرَا أَو أَسَنَّا، بل تَوَلَّ خِدْمَتَهُمَا.
وفِي الحَدِيث:) فَأَلْقَى طَرَفَ ثَوْبِهِ عَلَى أَنْفِهِ، وَقَالَ: أَفٍّ أفٍّ (قَالَ ابنُ الأَثِيرِ: مَعْنَاه الاسْتِقْذَارُ لِمَا شَمَّ، وَقيل: مَعْنَاه الاحْتِقَارُ والاسْتِقْلالُ، وَهُوَ صَوْتٌ إِذا صَوَّتَ بِهِ الإِنْسَانُ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَضَجِّرٌ مُتَكَرِّهٌ. قد} أَفَّفَ {تَأْفِيفاً كَمَا فِي الصِّحاحِ،} وتَأَفَّفَ بِهِ: قَالَهَا لَهُ، وَلَيْسَ بفِعْلٍ مَوْضُوعٍ عَلَى أَفَّ عِنْد سِيبَويْه وَلكنه مِن بابِ سَبَّحَ وهَلَّلَ، إِذا قَالَ سُبْحَانَ الله، وَلَا إِلهَ إِلاَّ الله، وَمِنْه حديثُ عائشةَ لأَخِيهَا عبدِ الرحمنِ رَضِيَ الله عَنْهُمَا:) فَخَشِيتُ أَنْ! تَتَأَفَّفَ بِهِمْ نِسَاؤُك تَعْنِى أَوْلاَدَ أَخِيهَا مُحَمَّد بنِ أَبِي بَكْرٍ حينَ قُتِلَ بمِصْرَ.
ولُغَاتُهَا أَرْبْعُونَ، ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ مِنْهَا سِتَّةً عَن الأَخْفَشِ، وَزَاد ابنُ مَالِكٍ عَلَيْهَا أَرْبَعَةً، فصارالمجموعُ عشرَة، وَقد نَظَمَهَا فِي بيتٍ وَاحِد كَمَا سيأْتي بَيَانُه: أَن بِالضَّمِّ، وتُثَلَّثُ الْفَاءُ وَهِي ثَلَاثَة وتنوين الْفَاء أَيضاً، فَيُقَال: أُفُّ وأُفٌّ وأَفِّ وأُفٍّ وأُفَّ وأُفّاً، كلُّ ذلِكَ مَعَ ضَمِّ الهَمْزَةِ، فصارتْ سِتَّةً، وَهِي الَّتِي نَقَلَهَا الجَوْهَرِيُّ عَن الأَخْفَشِ.
قَالَ الفَرَّاءُ: قُرِئَ: أُفِّ، بالكَسْرِ بغَيْرِ تَنْوِينٍ، وأُفٍّ، بالتَّنْوِين، فَمن خَفَضَ ونُوَّنَ ذهَب إِلَى أَنه صَوْتٌ لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ إِلاَّ بالنُّطْقِ بِه، فخَفَضُوه، كَمَا تُخْفَضُ الأَصْوَاتُ، ونَوَّنُوهُ كَمَا قَالَتِ العَرَبُ: سمعتُ طَاقٍ طَاقٍ، لِصَوْتِ الضَّرْبِ وسمعتُ تِغٍ تِغٍ، لِصَوْتِ الضَّحِكِ، وَالَّذين لم يُنَوِّنُوا وخَفْضُوا، قالُوا: أُفِّ، عَلَى ثلاثةِ أَحْرُفٍ، وأَكْثَرُ الأَصْواتِ عَلَى حَرْفَيْنِ، مثلَ صَهٍ وتِغٍ ومَهٍ، فذلِكَ الَّذِي يُخْفَضُ ويُنَوَّنُ لأَنَّهُ مُتَحَرِّكُ الأَوّلِ، ولَسْنَا مُضْطَرِّين إِلَى حركةِ الثَّانِي من الأَدَوَاتِ وأَشْبَاهِها، فخُفِضَ بالنُّونِ، كَذَا فِي التَّهْذِيب. وَقَالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ، مَن قَالَ: {أُفّاً لَكَ، نَصَبُه عَلَى) مَذْهَبِ الدُّعاءِ، كَما يُقالُ، ويلاً للكَافِرِينَ، وَمن قَالَ: أُفٍّ لَك، رَفعه بِاللَّامِ كَمَا يُقَال ويل للْكَافِرِينَ وَمن قَالَ أُفٍّ لَك خَفَضَهُ عَلَى التَّشْبِيه بالأَصْواتِ.
وتُخَفَّفُ فِيهِمَا، أَي فِي المُنَوَّن وغيرِه، فيُقَال: أُفٌّ أُفُّ، وأُفٍّ وأُفِّ،} وأُفّاً وأُفَّ، فهذِه سِتَّةٌ، وقرأَ ابنُ عَبّاسٍ:) فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا {أُفَ (خَفِيفَةً مَفْتُوحَةً عَلَى تَخْفِيف الثَّقِليَةِ، مثل رُبَ، وقِيَاسُه التَّسْكِينُ بعدَ التَّخْفِيفِ، فيُقَال:} أُفْ، كطُفْ، لأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ سَاكِنَان، لكِنَّهُ تُرِكَ عَلَى حَرَكَتِه ليَدُلَّ عَلَى أَنها ثقيلةٌ خُفِّفَتْ، وأُفّ، مُشَدَّدَةُ الْفاءِ بالجَمْعِ بَين السَّاكنيْنِ، وَهُوَ جائزٌ عندَ بعضِ القُرَّاءِ، كَمَا مَر بَحْثُه فِي قَولِه تَعَالَى:) فَمَا اسْطَاعُوا (فِي) طوع (فراجِعْهُ، و ( {أُفَّى بِغَيْرِ إِمَالَةٍ، و) } - أُفّي بالإِمَالةِ الْمَحْضَةِ، وَقد قُرِئَ بهِ أُفِّي بالإِمَالَةِ بَيْنَ بَيْنَ، وَقد قُرِئَ بهِ أَيضاً والأَلِفُ فِي الثَّلاثَةِ لِلتَّأْنِيثِ وأُفِّي، بكَسْرِ الْفَاءِ أَي بالإِضَافَةِ، و ( {أَفُّوهْ بضَم الهَمْزَةِ والفاءِ المُشَدَّدةِ المَضْمومةِ وتَسْكِينِ الواوِ والهاءِ، وَفِيه أَيضاً الجَْعُ بَين السَّاكِنَيْنَ، و (} أُفُّهْ، بِالضَّمِّ، مُثَلَّثَةَ الْفَاءِ مُشَددَّةً، فهذهِ ثلاثةُ أَوْجُهٍ، {أُفَّهْ} وأُفُّهْ! وأُفِّهْ، الأُولَى نَقَلَها الجَوْهَرِيُّ وتُكْسَرْ الْهَمْزَةٌ مَعَ تَثْلِيتِ الفاءٍ المُشَدَّدةِ فَهِيَ أَيضاً أَوْجُهٌ ثلاثةٌ، الأُولَى نَقَلَها ابنُ برِّيّ عَن ابنِ القَطّاعِ، {وإِفْ كمِنْ، و (} إِفّ مُشَدَّدَةً أَي: مَعَ كَسْرَةِ الهَمْزَةِ وَفِيه أَيضاً الجَمْعُ بينَ السَّاكِنَيْنِ، و ( {إِفٍ، بكَسْرَتَيْنِ مُخَفَّفَةً،} وإِفٍ مُنَوَّنَةً مُخَفَّفَةً مَعَ كَسْرِ الهمزةِ {إِفّ مُشدَّدَةً مَعَ كَسْرِ الهمزةِ وتُثَلَّثُ هذِه، أَي مَعَ التَّنوِينِ، فَهِيَ أَوْجُهٌ ثلاثةٌ، وقرأَ عمرُو بنُ عُبَيْدٍ:) فَلا تَقُلْ لَهُمَا} إِفَ (بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وفَتْحِ الفاءِ، وإِفُّ، بضَمِّ الْفَاءِ مُشَدَّدَةً أَيْ مَعَ كَسْرِ الهَمْزَةِ، و ( {إِفِّا كإِنَّا، و (} - إِفّي، بالإِمَالَةِ، وإِفى، بالكَسْرِ، أَي بالإِضافَةِ إِلَى نَفْسِه، قَالَه ابنُ الأَنْبَارِيِّ، وتُفْتَحُ الْهَمْزَةُ، أَي فِي الوَجْهِ الأَخِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَن يكونَ المُرَادُ بِهِ فَتْحَ الهَمْزَةِ فِي كلٍّ مِن إِفُّ {وإِفَّا} وإِفّى {- وإِفّي، فَتكون الأَوْجُهُ أَرْبَعَةً، و (} أفْ، كعَنْ، و ( {أَفِِّ، مُشَدَّدَةَ الْفَاءِ مَكْسُورَةٍ، و (} آفُ، مَمْدُودَةً، و ( {أَفٍ مَقْصُورأً، و (} آفٍ مَمْدُوداً مُنَوَّنتَيْنِ، فهذِه أَربعةٌ وأَربعون وَجْهاً حَسْبَما بَيَّنَّاهُ، وأَعْلَمْنَا عَلَيْهِ، وعلَى الــاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاه يكونُ سَبْعاً وأَربعين وَجْهاً، فقَوْل المُصَنِّفِ أَوَّلاً: ولُغَاتُها أَربعون. مَحَلُّ نَظَرٍ يُتَأَمَّلُ لَهُ.
وقَد فَاتَهُ أَيضاً مِن لُغَاتِهَا {أَفَةً، مُحَرَّكةً،} وأَفُوهْ، بفتحٍ فَضَمٍّ فسُكُونِ الواوِ والهاءِ، {وأَفَّةً بفَتْحٍ فتَشْدِيدٍ، الأَخِيرُ نَقَلَهُ ابنُ بَرِّيّ عَن ابنِ القَطّاعِ، فإِذا جَمَعْنَاهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا مِن الأَوْجُهِ يتَحَصَّلُ لنا خَمْسون وَجها.
وأَما بيتُ ابنِ مَالِكٍ المُتَضمِّنُ الْعشْرَة مِنْهَا الَّذِي وَعَدْنا بِهِ سَابِقًا، فَهُوَ هَذَا:)
(} فَأُفَّ ثَلِّثْ ونَوِّنْ إِنْ أَرَدْتَ وقُلْ ... {أُفَّا} - وأُفِّى {وأُفَّةً تُصِبِ)
وَقد ذَيَّلْتُ عليهِ بِبَيْتَيْنِ جَمَعْت فيهمَا مَا بَقِيَ مِن لُغَاتِهِ لَا علَى وَجْهِ الاسْتِيعابِ، فقلتُ:
(} وأَفِّ {آفٍ} أََفْ {أَفَّا} وأَفُّ {وأُفْ ... } وإِفْ! - وأُفَّى أَمِلْ واضْمُمْ مَعَ النَّسَبِ) ( {إِفُّ} وأُفّهْ وثَلِّثْ فَاءَهُ {وإِفٍ ... } إِفَّا يَلِيهِ {أَفٍ مَعْ} إِفَّ فَاحْتَسِبِ)
فالبيتُ الأَوَّلُ يتَضَمَّنُ ثلاثةَ عشَر وَجْهاً، وذلِكَ فإِنَّ المُرَادَ {- بِأُفّى إِمالَةٌ بَيْنَ بَيْنَ، وقَوْلِي: أَمِلْ، أَي إمالةً خَالِصَة، وقَوْلِي: واضْمُمْ، إِشارةٌ إِلَى الضَّمِّ فِي المُمَالَيْنِ بَيْنَ بَيْنَ والْخَالِصَةِ، وقَوْلِي: مَعَ النَّسَبِ، إِشارَةٌ إِلَى الإِضافَةِ، أَي فِي المَضْمُومِ والمَكْسورِ، وَفِي الْبَيْت الثَّانِي ثَمَانِيَةٌ، فَهَذِهِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَجْهاَ، فإِذا ضُمَّ مَعَ بيتِ ابنِ مالِكٍ يَتَحَصَّلُ أَحَدٌ وثلاثُون وَجْهاً، وَمَعَ التَّأَمُّلِ الصادِقِ يظهرُغيرُه مَا ذَكَرْنَا واللهُ المُوَفِّقُ لَا إِلهَ غيرُه.
قَالَ ابنُ جِنِّي: أَمَّا أُفّ، ونَحْوُهُ مِن أَسْمَاءِ الفعلِ، كهَيْهات فِي الجَرِّ، فمَحْمُولٌ على أَفْعَالِ الأَمرِ، وَكَانَ المَوْضِعُ فِي ذَلِك إِنَّمَا هُوَ لِصَهْ ومَهْ، ورُوَيْدَ، ونحوِ ذلِكَ، ثمَّ حُمِل عليهِ بابُ أُفّ ونَحْوِهَا، مِن حيثُ كَانَ اسْماً سُمِّيَ بهِ الفعلُ، وَكَانَ كُلُّ واحدٍ من لفظِ الأَمْرِ والخَبَرِ قد يَقَعُ مَوْقِعَ صاحِبِه، صَار كلُّ واحِد مِنْهُمَا هُوَ صاحبَه، فكَأَنْ لَا خِلافَ هُنَاكَ فِي لَفْظٍ وَلَا مَعْنًى.
} والأُفُّ، بِالضَّمِّ: قُلاَمَةُ الظُفْرِ، أَو وَسَخُهُ الَّذِي حَوْله، والتُّفُّ: الَّذِي فيهِ أَو وَسَخُ الأُذُنِ، وَقيل هُوَ مَا رَفَعْتَهُ مِنَ الأَرْضِ مِنْ عُودٍ أَو قَصَبَةٍ وبِكُلِّ ذلِكَ فُسِّرَ قولُهُم: {أُفًّا لَه وُتفًّا، أَو} الأَفُّ: وَسَخُ الأُذُنِ والتُّفُّ: وَسَخُ الظُّفُر قَالَه الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: يقَال ذَلِك عندَ اسْتِقْذَارِ الشَّيْءِ، ثمَّ اسْتُعْمِلَ عندَ كلِّ شيءٍ يُتَأَذَّى بِهِ ويُضْجَرُ مِنْهُ. أَو الأُفُّ: مَعْنَاه القِلَّةُ، والتُفُّ إِتْبَاعٌ لَهُ، ومَنْسُوقٌ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ كمَعْنَاه، وسيأْتي فِي بابِه.
{والأُفَّةُ، كقُفَّةٍ: الْجَبَانُ وَبِه فُسِّرَ حديثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ لَهُ رَسُول اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم حِينَ رأَى النَّاسَ مُنْهَزِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ:) نِعْمَ الْفَارِسُ عُوَيْمِرٌ غيْرَ} أُفَّة (فكأَنَّ أَصْلَه: غيرَ ذِي أُقَةٍ، أَي غيرَ {مُتَأَفِّفٍ عَن القتالِ، وَقيل:} الأُفَّةُ: الْمُعْدِمُ الْمُقِلُّ، وَيُقَال: هُوَ الرَّجُلُ القَذِرُ، والأَصْلُ فِي ذَلِك كلِّه {الأَفَفُ، مُحَرَّكَةً،، وَهُوَ الضَّجَرُ، والشَّيْءُ الْقَلِيلُ فمِن الأَوَّلِ أُخِذَ معنَى الجَبَانِ، وَمن الثَّانِي مَعْنَى المُقِلِّ المُعْدِمِ، وأُخِذَ الرجُلُ القَذِرُ مِن} الأَفِّ، بِمَعْنى وَسَخِ الظُّفُرِ، وقالَ ابنُ الأعْرَابِيِّ، فِي تفسيرِ حديثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: يُرِيدُ أَنَّه غيرُ ضَجِرٍ وَلَا وَكِلٍ فِي الحربِ.)
وَقد سُمِّىَ {اليَأْفُوفُ بمعْنَى الجَبَان لذلِك واليَأْفُوفُ الْمُرُّ مِنَ الطَّعَامِ، و، قَالَ أَبو عَمْرو: الْيَأْفُوفُ: الخَفِيفُ السَّرِيعُ، والْيَأْفُوفُ: الْحَدِيدُ الْقَلْبِ مِن الرِّجَالِ، وَقَالَ غَيره: هُوَ والْيَهْفُوفُ سَوَاءٌ} كَالأَفُوفِ، كَصَبُورٍ، والجَمْعُ {يَآفِيف، قَالَ: هُوجاً يآفِيفَ صِغَاراً زُعْرَا والْيَأْفُوفُ: فَرْخُ الدُّرّاجِ نَقَلَهُ الصَّاغَانيُّ، وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: الْيَأْفُوفُ: الْعَيِىُّ الْخَوَّارُ، وأَنْشَدَ لِلرَّاعِي:
(مُغَمَّرُ الْعَيْشِ} يَأْفُوفٌ شَمَائِلُهُ ... نائِى الْمَوَدَّةِ لاَ يُعْطِى ولاَ يُسَلُ)
ويُرْوَي:) وَلَا يَصِل (. والمُغَمَّرُ: المُغَفَّلُ.
{والإِفُّ،} والإِفَّانُ، بكَسْرِهما، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، ويُفْتَح الثَّانِي، نَقَلَه الصَّاغَانيُّ فِي التَّكْمِلَةِ، وصاحِبُ اللِّسَانِ {والأَفَفُ، مُحَرَّكَةً، نَقَلَه الصَّاغَانيُّ أَيْضاً، وصاحِبُ اللِّسَانِ، وهما عَن ابنِ الأعْرَابِيِّ.
والتَّئفَّةُ، كتَحِلَّةٍ، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ تَفْعِلَةٌ: الْحِينُ، والأَوانُ، يُقَال: كَانَ ذلِكَ عَلَى} إِفِّ ذَاك، {وإِفَّانِهِ،} وأَفَفَهِ،! وتَئفَّتِهِ، أَي: حِينِهِ وأَوانِهِ، قَالَ يَزِيدُ بنُ الطَّثْرِيَّةِ:
(علَى إِفِّ هِجْرَانٍ وَسَاعَةِ خَلْوَةٍ ... مِنَ النَّاسِ نَخْشَى أَعْيُناً أَنْ تَطَلَّعَا) وحَكَى ابنُ بَرِّيّ، قَالَ فِي أَبْنِيةِ الكِتَاب: {تَئفَّةٌ، فَعِلَّةٌ، قَالَ: والظَّاهِرُ مَعَ الجَوْهَرِيُّ، بدليلِ قَوْلِهِم: عَلَى إِفِّ ذلِك} وإِفَّانِهِ، قَالَ أَبو عليّ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا تَقْعِلَةٌ، والصَّحِيح قيه عَن سِيبَوَيْهِ ذلِكَ، عَلَى مَا حَكَاهُ أَبو بكر أَنه فِي بَعْضِ نُسَخِِ الكِتَابِ فِي بابِ زِيَادَةِ التَّاءِ، قَالَ أَبو عليّ: والدّلِيلُ عَلَى زِيادتهَا مَا رَوَيْناهُ عَن أَحمد عَن ابنِ الأعْرَابِيِّ، قَالَ: يُقَال: أَتانِي فِي إِفَّانِ ذلِك، {وأُفَّانِ ذلِكَ،} وأَفَفِ ذَلِك، وتَئِفَّهِ ذَلِك، وأَتَانَا عَلَى أفِّ ذَلِك، {وإِفَّتِهِ،} وأَفَفِهِ، {وإِفَّانِهِ،} وتَئِفَّتِهِ، وعِدَّانِهِ، أَي: عَلَى إِبّانِهِ ووَقْتِهِ، يَجْعَلُ تَئِفَّةً، فَعِلَّةً، والْفَارِسِيُّ يَرُدُّ عَلَيْهِ ذَلِك بالاشْتِقَاقِ، ويَحْتَجُّ بِمَا تَقَدَّمَ.
{والأُوفُوفَةُ، بِالضَّمِّ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ العُبَابِ، والتَّكْمِلَةِ، بِزيادِة الوَاوِ قَبلَ الفاءِ، وَفِي اللِّسَانِ وغيرِه من الأُصُولِ بحَذْفِهَا، وَقد جاءَ أَيضاً فِي بعضِ نُسَخِ الْكتاب هَكَذَا، وَهُوَ المُكْثِرُ من قَوْلِ أُفِّ، وَفِي العُبابِ: الَّذِي لَا يَزَالُ يقولُ لغيرِهِ: أَفِّ لَك، وَفِي الْجَمْهَرَةِ: يُقَال: كَانَ فلانٌ} أُفُوفَةُ، وَهُوَ الَّذِي يَزَالُ يقولُ لبعضِ أَمْرِهِ: أَفِّ لَك، فَذَلِك {الأُفُوفَةُ.
ومّما يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:} أَفَّفَ بِهِ {تَأْفِيفاً،} كَأَفَّفَهُ، {وأُفّاً لَهُ،} وأُفَّةً لَه أَي: قَذَراً، والتَّنْوِينُ للتَّنْكِيرِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، {والأُفّ:)
النَّتْنُ، قَالَه الزَّجَّاجُ،} والأَفَفُ، مُحَرَّكَةً: وَسَخُ الأُذُن، {وتَأَفَّفَ بِهِ،} كَأَفَّفَهُ، ورجلٌ {أَفَّافٌ، كشَدَّادٍ: كثيرُ} التَّأَفُّفِ، ويُقَال: كَانَ عَلَى {إِفَّةِ ذَلِك، أَي أَوانِهِ،} والأُفَّةُ، كقُفَّةٍ: الثَّقِيلُ، قالَ ابنُ الأثِيرِ: قَالَ الخَطَّابِيُّ: أَرَى الأَصْلَ فِيهِ {الأَفَفَ، وَهُوَ الضَّجَرُ.
} والْيَأْفُوفُ: الأَحْمَقُ الخَفِيفُ الرُّأْيِ. {واليَأْفُوفُ: الرَّاعِي، صِفَةٌ كَالْيَخْضُورِ، والْيَحْمُومِ، كأَنَّهُ مُتَهَيِّئٌ لرِعَايتِه، عارِفٌ بأَوْقَاتِها، مِنْ قَوْلهِم: جَاءَ عَلَى} إِفان ذَلِك. والْيَأْفُوفُ: الضَّعِيفُ.{والْيَأْفُوفَةُ: الْفَراشةُ، وَبِه فُسِّرَ حديثُ عَمْرِو بن مَعْدِ يكَربَ، أَنه قَالَ فِي بعضِ كَلَامه فُلانٌ أَخَفٌّ مِن} يَأْفُوفة، وَكَذَا وُجِدَ بخَطِّ الشيخِ رَضِيِّ الدِّين الشَّاطِبِيِّ، وَقَالَ الشاعرُ: أَرى كُلَّ {يَأْفُوفٍ وكُلَّ حَزَنْبِلٍ وشِهْذَارَةٍ تِرْعَابَةٍ قد تَضَلَّعَا ويُقَال: إِنه} ليُؤَفِّفُ عَلَيْهِ، أَي يَغْتَاظُ.

جَدب

جَدب
: (الجَدْبُ: المَحْلُ) نقيضُ الخُصْبِ (: والعَيْبُ) فَهُوَ مُشْتَرَكٌ أَو مجازٌ كَمَا أَوْمأَ إِليه الرَّاغِبُ، قَالَه شيخُنَا، وجَدَبَ الشيْءَ (يَجْدُبُهُ) كيَنْصُرُهُ (ويَجْدِبُهُ) كيَضْرِبُه: عَابَهُ وذَمَّهُ، الوَجْهَانِ عنِ الفَرّاءِ، واقْتَصَرَ ابنُ سيدَه على الثَّانِي، وَفِي الحَدِيث (جَدَبَ لَنَا عُمَرُ السَّمَر بعْدَ عَتَمَةِ) أَي عَابَهُ وذَمَّهُ، وكُلُّ عَائِبٍ فَهُوَ جَادِبٌ، قَالَ ذُو الرُّمّة:
فَيَا لَكَ مِنْ خَدَ أَسِيلٍ وَمَنْطِقٍ
رَخِيمٍ ومِنْ خَلْقٍ تَعَلَّلَ جَادِبُهْ
كَذَا فِي (الْمُحكم) ، يقُولُ: لَمْ يَجهدْ فِيهِ مَقَالاً وَلاَ يَجِد عَيْباً يَعِيبُه فَيَتَعَلَّلُ بالباطلِ، وبالشيءٍ يقولُه وَلَيْسَ بعَيْبٍ (والجَادِبُ: الكَاذِبُ، فِي (الْمُحكم) : قَالَ صاحبُ الْعين: وَلَيْسَ لَهُ فِعْلٌ، قَالَ: وَهُوَ تَصْحِيفٌ، قَالَ أَبو زيد: وأَما الجَادِبُ بِالْجِيم: العَائِبُ.
(والجُنْدُبُ) بِضَم الدَّال (والجُنْدَبُ) بِفَتْحِهَا مَعَ ضمّ أَوّلهما (والجِنْدَبُ كدِرْهَمٍ) ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ فِي الثُّلاَثِيِّ، وفسّره السِّيرَافِيُّ بأَنه الجُنْدُب، كَذَا فِي (الْمُحكم) ، وَهِي أَضْعَفُ لُغَاتِه، لأَنه وَزْنٌ قليلٌ، حَتَّى قَالَ أَئمّةُ الصَّرْفِ: إِنه لم يَرِدْ مِنْهُ إِلا أَلفاظ أَرْبَعَة، وَهُوَ الَّذِي نقلَه الجوهريُّ عَن الخَليل، قَالَ شيخُنَا: ثمَّ اختلفَ الصرفيّونَ فِي نونه إِذا كَانَ مَفْتُوح الثَّالِث، فَقيل: إِنها زَائِدَة، لفَقْدِ فُعْلَلٍ، وَقيل: أَصليّة، وَهُوَ مُخَفَّفٌ من الضَّمّ، والأَول أَظهَرُ، لتصريحهم بِزِيَادَة نونه فِي جَمِيع لُغَاته، وَفِي كَلَام الشَّيْخ أَبي حَيَّانَ أَن نونَ جُنْدب وعُنْصَل وقُنْبَر وخُنْفَسٌ زائدةٌ، لفَقْدِ فُعْلَلٍ، وَلُزُوم هَذِه النُّون البنَاءَ، إِذ لَا يكون مكانَه غيرُه من الأُصول، ولمجيء التضعيفِ فِي قُنْبَر، وأَحَدُ المُضَعَّفَيْنِ زائدٌ، وَمَا جُهِلَ تصريفُه محمولٌ على مَا ثَبَتَ تصريفُه، وإِذَا ثَبَتَتِ الزيادةُ فِي جُنْدَبِ بِفَتْح الدَّال، ثَبَتَتْ فِي مَضْمُومِهَا ومَكْسُورِ الجِيمِ مفتوحِ الدالِ، لأَنهما بِمَعْنى هَذَا كَلَام أَبي حَيَّان، ومثلُه فِي المُمْتعِ، انْتهى كَلَام شَيخنَا: جَرَادٌ م) وَقَالَ اللحْيَانيّ: هُوَ دَابَّةٌ، وَلم يُحَلِّهَا، كَذَا فِي (الْمُحكم) ، وَقيل: هُوَ الذَّكَرُ من الجَرَادِ، وفَسَّره السِّيرَافيّ بأَنّه الصَّدَى يَصِرُّ بِاللَّيْلِ، ويَقْفِزُ ويَطِيرُ، وَفِي (الْمُحكم) : هُوَ أَصْغَرُ منَ الصَّدَى يكونُ فِي البَرَارِيِّ، قَالَ: وإِيَّاهُ عَنَى ذُو الرمة بقوله:
كَأَنَّ رِجْلَيْهِ رِجْلاَ مُقْطِفٍ عَجِلٍ
إِذَا تَجَاوَبَ مِنْ بُرْدَيْهِ تَرْنِيمُ
وَقَالَ الأَزهَرِيّ: والعَرَبُ تقولُ: (صَرَّ الجُنْدُبُ) يُضْرَبُ لِلأَمْرِ الشَّدِيد يَشْتَدُّ حَتَّى يُقْلِقَ صَاحِبهُ، والأَصل فِيهِ أَن الجُنْدُبَ إِذا رَمِضَ فِي شِدَّةِ الحَرِّ لَمْ يَقِرَّ على الأَرْضِ وَطْأً فتَسْمَع لِرِجْلَيْهِ صَريراً، وقيلَ: هُوَ الصغيرُ من الجَرَاد.
وَفِي الصَّحَابَةِ مَن اسْمُهُ: جُنْدَبٌ أَبُو ذَرِّ الغِفَارِيُّ جُنْدَبُ بنُ جُنَادَةَ، وجُنْدَبُ ابنُ عَبْدِ الله، وجُنْدَبُ بنُ حَسَّانَ، وجُنْدَبُ بنُ زُهَير، وجُنْدَبُ بن عَمَّار وجُنْدَبُ بنُ عَمْرو، وجُنْدَبُ بنُ كَعْبٍ، وجُنْدَبُ بنُ مَكِيثِ وأَبُو نَاجِيَةَ جُنْدَبُ، رَضِي الله عَنْهُم، وَقَالَ غيرُه: هُوَ ضَرْبٌ منَ الجَرَادِ (واسْمٌ) ، وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود (كانَ يصَلّي الظُّهْرَ والجَنَادِبُ تَنْقُزُ مِنَ الرِّمْضَاءِ) أَي تَثِبُ.
وجَنَادِبَةُ الأَزْدِ هُمْ جُنْدَبُ بنُ زُهَيْرٍ، وجُنْدَبُ بنُ كَعْب من بَنِي ظَبْيَانَ، وجُنْدَب بنُ عبدِ الله هُوَ جُنْدبُ الخَيرِ، وَفِي التَّابِعِينَ: جُنْدب بنُ كَعْبٍ، وجُنْدب بن سَلاَمَةَ، وجُنْدب بن الجَمَّاح وجُنْدب بن سُلَيْمَانَ. (و) يُقَال: وَقَعَ فلانٌ فِي (أُمِّ جُنْدَبٍ) إِذَا وَقَعَ فِي (الدَّاهِيَةِ، و) قيلَ (: الغَدْرِ، و) رَكِبَ فلانٌ أُمَّ جُنْدَب، إِذَا رَكبَ (الظُّلْمَ) ، الثَّلَاثَة من الْمُحكم (و) يُقَال: (وَقَعُوا فِي أُمِّ جُنْدَب، أَي ظُلمُوا) كأَنَّها اسمٌ من أَسماءِ الإِسَاءَة، وَيُقَال: وقَعَ القَوْمُ بِأُمِّ جُنْدَب، إِذا ظَلَمُوا وقَتَلوا غَيْرَ قاتلٍ، قَالَ الشَّاعِر:
قَتَلْنَا بِهِ القَوْمَ الذِينَ اصْطَلَوْا بِهِ
جِهَاراً ولمْ نَظْلمْ بِهِ أُمَّ جُنْدَبِ
أَيْ لَمْ نَقْتِلْ غَيْرَ القَاتِلِ.
وأُمُّ جُنْدَب أَيضاً بمَعْنَى الرَّمْلِ، لأَنَّ الجَرَادَ يَرْمي فِيهِ بَيْضَهُ، والمَاشي فِي الرَّمْلِ وَاقعٌ فِي شَرِّهِ.
وجُنْدَب بن خَارِجَةَ بنِ سَعْد بنِ فُطْرَةَ بنِ طَيِّىء، هُوَ الرَّابِع من وَلَد وَلَد طَيِّىء، وأُمُّهُ: جَدَيلَة بِنْت سَبيع بنِ عَمْرٍ و، مِنْ حمْيَر، وَفِيه قَالَ عَمْرُو بن الغَوْث، وَهُوَ أَوَّلُ من قَالَ الشِّعْرَ فِي طَيِّىء بَعْدَ طَيِّىء:
وإِذَا تكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لهَا
وإِذَا يُحَاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُنْدَبُ
كَذَا فِي (المعجم) .
(وأَجْدَبَ الأَرْضَ: وَجَدَهَا جعدْبَةً) وَكَذَلِكَ الرجُلَ، يُقَال: نَزَلْنَا فلَانا فأَجْدَبْنَاهُ إِذا لَمْ يَقْرهِمْ (و) أَجْدَبَ (القَوْمُ، أَصَابَهُمُ الجَدْبُ) .
(و) فِي المُحْكَم: (مكَانٌ جَدْبٌ وجَدُوبٌ ومَجْدُوبٌ) : كأَنَّه على جُدِبَ وإِن لم يُسْتَعْمَلْ، قَالَ سَلاَمَةُ بن جَنْدَلٍ:
كُنَّا نَحُلُّ إِذَا هَبَّتْ شَآمِيَةٌ
بِكُلِّ وادِ حَطِيبِ البَطْنِ مَجْدُوبِ
كَذَا فِي الْمُحكم (وَجَدِيبٌ) أَي (بَيِّنُ الجُدُوبَةِ، وأَرْضٌ جَدْبَةٌ) وجَدْبٌ وَعَلِيهِ اقْتصر ابنُ سِيده: مُجْدِبَة، والجَمْعُ جُدُوبٌ، (و) قد قالُوا: (أَرَضُونَ جُدُوبٌ) ، كأَنَّهُم جعلُوا كلّ جُزْءٍ مِنْهَا جَدْباً ثمَّ جَمَعُوهُ على هَذَا، (و) أَرَضُونَ (جَدْبٌ) كالواحد، فَهُوَ على هَذَا وصفٌ للمصدر، وَالَّذِي حَكَاهُ اللحيانيّ: أَرْضٌ جُدُوبٌ، (وقَدْ جَدُبَ) المَكَانُ (كَخَشُنَ، جُدُوبَةً، وجَدَبَ) ، بِالْفَتْح، (أَجْدَبَ) رُبَاعِيًّا، والأَجْدَبُ: اسمٌ للمُجْدِب، كَذَا فِي (الْمُحكم) ، وعَامٌ جُدُوبٌ وأَرْضٌ جُدُوبٌ، وفلانٌ جَدِيبُ الجَنَابِ، وأَجْدَبَتِ السَّنَةُ: صَارَ فيهَا جَدْبٌ.
وَجَادَبَتِ الإِبلُ العَامَ مُجَادَبَةً إِذَا كانَ العَامُ مَحْلاً فصارتْ لَا تأْكل إِلاَّ الدَّرِينَ الأَسْوَدَ، دَرِينَ الثُّمَامِ، فَيُقَال لهَا حينَئذٍ: جَادَبَتْ، وَفِي (الْمُحكم) : فِي الحَدِيثِ (وكَانَتْ فِيهِ) ، وَفِي نُسْخَة: فِيهَا، ومثلُه فِي (الْمُحكم) (أَجَادِبُ) أَمْسَكَتِ المَاءَ، (قِيلَ:) هِيَ (جَمَعُ أَجْدُب) الَّذِي هُوَ (جَمْعُ جَدْب) بِالسُّكُونِ كأَكَالِبَ وأَكْلُبٍ وكَلْبٍ، قَالَ ابْن الأَثير فِي تَفْسِير الحَدِيث: الأَجَادبُ: صِلاَبُ الأَرْضِ الَّتِي تُمْسِكُ المَاءَ وَلَا تَشْرَبُه سَرِيعا، وَقيل: هِيَ الأَرْضُ الَّتِي لَا نَبَاتَ بهَا، مأْخُوذٌ من الجَدْبِ وَهُوَ القَحْطُ، قَالَ الخَطَّابِيُّ: وأَمَّا أَجَادبُ فَهُوَ غَلَطٌ وتَصْحيفٌ، وَكَأَنَّه يُرِيدُ أَنَّ اللفْظةَ أَجَارِدُ بالرَّاءِ والدالِ، قَالَ: وكذالك ذَكَره أَهْلُ اللغَةِ والغَرِيبِ، قَالَ: وَقد رُوِي أَحَادِبُ، بالحَاء المُهْمَلَةِ، قَالَ ابْن الأَثيرِ: وَالَّذِي جاءَ فِي الرِّوَايَة أَجَادِبُ بِالْجِيم، قَالَ: وَكَذَا جاءَ فِي صَحِيحَيِ البُخَارِيِّ ومُسْلِمٍ، انْتهى، قَالَ شيخُنَا: قلتُ: أَي فَلاَ يُعْتَدُّ بغيرِه، وَلَا تُرَدُّ الرِّوَاية الثابتةُ الصحيحةُ بمُجَرَّدِ الــاحتمالِ والتَّخْمِينِ، ثمَّ نَقَل عَن عِيَاضٍ فِي المَشَارِق، وتَبِعَه تلميذُه ابنُ قَرَقُول فِي المطالِع: أَجَادِبُ، كَذَا رَوَيْنَاه فِي الصَّحِيحَينِ بدال مهملةٍ بِلَا خِلاَفٍ، أَي أَرْضٌ جَدْبَة غَيْرُ خِصْبَةٍ، قالُوا: هُوَ جَمْعُ جَدْب، على غيْرِ قِياسٍ، كَمَحَاسِنَ، جَمْع حَسَنٍ، ورَوَى الخَطَّابيُّ: أَجَاذِبُ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَقَالَ بَعضهم: أَحَازِبُ بِالْحَاء والزَّاي ولَيْسَ بِشَيْءٍ، ورواهُ بعضُهُمْ: إِخَاذَاتٌ، جَمْعُ إِخَاذَةٍ، بِكَسْر الْهمزَة بعْدهَا خاءٌ مُعْجمَة مَفْتُوحَة خَفِيفَة وذال مُعْجمَة، وَهِي الغُدْرَانِ الَّتِي تُمْسكُ ماءَ السماءِ، ورواهُ بعضُهُم: أَجَارِدُ، أَي مواضعُمُتَجَرِّدَةٌ من النَّبَاتِ جَمْعُ أَجْرَدَ، انْتهى كلامُ شَيخنَا.
(و) فِي (الْمُحكم) : (فَلاَةٌ جَدْبَاءُ: مُجْدِبَةٌ) لَيْسَ بهَا قليلٌ وَلَا كثيرٌ وَلَا مَرْتَعٌ وَلَا كَلأٌ قَالَ الشَّاعِر:
أَوْفِي فعلا قَفْرٍ مِنَ الأَنِيسِ
مُجْدبَة جَدْبَاءَ عَرْبَسيس
وأَجْدَبَتِ الأَرْضُ فَهِيَ مُجْدِبَةٌ، وجَدُبَتْ.
(والمجْدَابُ) ، كمِحْرَابٍ (: الأَرْض الَّتِي لَا تنَكَادُ تُخْصِبُ) ، كالمِخْصَاب وَهِي الأَرضُ الَّتِي لَا تكادُ تُجْدبُ، وَفِي حَديثِ الاسْتِسْقَاءِ (هَلَكَت المَوَاشِي وأَجْدَبَت البِلاَدُ) أَي قَحطَتَ وغَلَتِ الأَسعار.
(وجِدَبٌّ: كَهِجَفَ) وجَدَبٌّ فِي قَول الراجز مِمَّا أَنشده سِيبَوَيْهٍ:
لَقَدْ خَشيت أَنْ أَرَى جَدَبَّا
فِي عَامنَا ذَا بَعْدَ مَا أَخْصَبَّا
فحَرَّكَ الدَّالَ بحَرَكَة البَاءِ وحذَف الأَلِفَ، (اسمٌ لِلْجَدْبِ) بِمَعْنى المَحْلِ. فِي (الْمُحكم) : قَالَ ابنُ جِنِّي: القَوْلُ فِيهِ أَنَّهُ ثَقَّلَ (البَاء) كَمَا ثَقَّلَ الَّلامَ فِي عَيْهَلّ، فِي قَوْله:
بِبَازِلٍ وَجَنَاءَ أَوْ عَيْهَلِّ
فَلم يُمْكنْه ذَلِك حَتَّى حَرَّكَ الدالَ لما كَانَت سَاكِنة لَا يَقَعُ بعدَها المُشَدَّدُ ثمَّ أَطْلَقَ كإِطلاقِه عَيْهَلّ وَنَحْوهَا، ويُرْوَى أَيْضاً: جَدْبَبَّا، وَذَلِكَ أَنه أَراد تَثْقِيلَ البَاءِ، والدَّالُ قبلهَا ساكنةٌ، فَلم يُمْكنه ذَلِك، وكَرِهَ أَيضاً تَحْرِيكَ الدَّالِ، لأَنَّ فِي ذَلِك انْتِقَاضَ الصِّيغَةِ، فَأَقَرَّهَا على سُكُونِهَا، وزادَ بعدَ البَاءِ بَاءً أُخْرَى مُضَعَّفَةً لإِقامةِ الوَزْن، وَهَذِه عبارَة الْمُحكم، وَقد أَطَالَ فِيهَا فراجِعْه، وأَغْفَلَه شيخُنا.
(ومَا أَتَجَدَّبُ أَنْ أَصْحَبَكَ) أَي (مَا أَسْتَوخِمُ) ، نَقله الصاغانيُّ.
(وأَجْدَابِيَّةُ) بتَشْديد الْيَاء التَّحْتِيَّة، لأَنَّ اليَاءَ للنسبة، وتخفيفُهَا يجوزُ أَن يكونَ إِنْ كَانَ عربيًّا جَمْع جَدْب جَمْع قِلَّة، ثمَّ نَزَّلُوه مَنْزلةَ المُفْرَدِ، لكَونه عَلَماً، فَنَسبوا إِليه ثمَّ خَفَّفُوا ياءَ النِّسبة لِكَثْرَة الاستعمالِ، والأَظهرُ أَنَّه عَجَمِيٌّ، وَهُوَ (: د قُرْبَ بَرْقَةَ) بَينهَا وَبَين طَرَابُلسِ المغربِ، بَينه وَبَين زَوِيلَةَ نحوُ شهرٍ سَيْراً، على مَا قَالَه ابْن حَوْقَلٍ، وَقَالَ أَبو عُبَيْد البكريُّ: هِيَ مدينةٌ كبيرةٌ فِي صحَرَاءَ أَرْضُهَا صفا وآبارُها مَنْقُورَةٌ فِي الصَّفَا، لَهَا بَسَاتينُ ونخلٌ، كثيرةُ الأَرَاك، وَبهَا جامعٌ حَسَنٌ بَنَاهُ (أَبو) القاسمِ بن المَهْدِيّ، وصَوْمَعَةٌ مُثَمَّنَةٌ، وحَمَّامَاتٌ، وفَنَادِقُ كَثِيرَةٌ، وأَسواقٌ حافلة، وأَهلُهَا ذَوُو يَسَارٍ، أَكثرُهم أَنْبَاطٌ ونَبْذٌ من صُرَحَاءِ لَوَاتَةَ، ولهَا مَرْسٍ ى على البَحْرِ يُعرَف بالمَادُورِ، على ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً مِنْهَا، وَهِي من فُتُوح عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَتَحَهَا مَعَ بَرْقَةَ صُلْحاً على خمسةِ آلافِ دِينَارٍ، وأَسْلَمَ كثيرٌ من بَرْبَرِهَا، يُنْسَبُ إِليها أَبو إِسحاقَ إِبراهيمُ بنُ إِسماعيلَ بنِ أَحمدَ بنِ عبدِ الله الأَطْرَابُلُسِيُّ ويُعْرَفُ بابْنِ الأَجْدَابِيّ مُؤَلِّف كِتَاب كِفَايَةِ المُتَحَفِّظِ، وَغَيره كَذَا فِي (المعجم) لياقوت.
قلت: وأَبُو السَّرَايَا عامرُ بنُ حَسَّانَ بنِ فِتْيَان بنِ حَمّود بنِ سُلَيْمَان الأَجْدَابيّ الإِسْكَنْدَرِيُّ، عُرِفَ بابنِ الوَتَّارِ، من أَهل الحدِيثِ سمِعَ من أَصحاب السِّلَفِيّ، وَتُوفِّي سنة 654 كَذَا فِي ذَيْلِ الإِكمَالِ للصَّابُونِيّ.
(جَدب)
الْمَكَان جدبا يبس لاحتباس المَاء عَنهُ وَالشَّيْء عابه وذمه وَفِي الحَدِيث (جَدب لنا عمر السمر بعد عتمة)

(جَدب) الْمَكَان جدبا جَدب

(جَدب) الْمَكَان جدوبة جَدب فَهُوَ جَدب وجديب وَهِي جَدب وجدبة وجدوب

السّحر

السّحر:
[في الانكليزية] Magic ،witchcraft
[ في الفرنسية] Magie ،sorcellerie
بالكسر وسكون الحاء المهملة هو فعل يخفى سببه ويوهم قلب الشيء عن حقيقته، كذا قال ابن مسعود. وفي كشف الكشاف:
السحر في أصل اللغة الصرف حكاه الأزهري عن الفرّاء ويونس، وقال: وسمّي السّحر سحرا لأنّه صرف الشيء عن جهته، فكأنّ الساحر لمّا أري الباطل حقّا أي في صورة الحق وخيّل الشيء على غير حقيقته فقد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه. وذكر عن الليث أنّه عمل يتقرب به إلى الشيطان ومعونة منه.
وكل ذلك الأمر كينونة السّحر، فلم يصل إليّ تعريف يعوّل عليه في كتب الفقه. والمشهور عند الحكماء منه غير المعروف في الشرع والأقرب أنّه الإتيان بخارق عن مزاولة قول أو فعل محرّم في الشرع، أجرى الله سبحانه سنّته بحصوله عنده ابتلاء. فإن كان كفرا في نفسه كعبادة الكواكب أو انضم معه اعتقاد تأثير من غيره تعالى كفر صاحبه وإلّا فسق وبدع.
نقل في الروضة عن كتاب الإرشاد لإمام الحرمين أنّ السحر لا يظهر إلّا على فاسق كما أنّ الكرامة لا تظهر إلّا على متّق، وليس له دليل من العقل إلّا إجماع الأمة. وعلى هذا تعلّمه حرام مطلقا، وهو الصحيح عند أصحابنا لأنّه توسل إلى محظور عنه للغنى انتهى. وفي البيضاوي في تفسير قوله تعالى: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ والمراد بالسحر ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقلّ به الإنسان، وذلك لا يحصل إلّا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس، فإنّ التناسب شرط في التضام والتعاون، وبهذا يميّز الساحر عن النبي والولي. وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات والأدوية أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم، وتسميته سحرا على التجوّز، أو لما فيه من الدّقّة لأنّ السّحر في الأصل موضوع لما خفي سببه انتهى.

وفي الفتاوى الحمادية: السحر نوع يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية في مطالع النجوم، فيتخذ من تلك الجواهر هيكل مخصوص على صورة الشخص المسحور، ويترصّد له وقت مخصوص في المطالع وتقرن به كلمات تتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع، ويتوصّل في تسميتها إلى الاستعانة بالشياطين، وتحصل من مجموع ذلك بحكم إجراء الله العادة أحوال غريبة في الشخص المسحور انتهى. وكونه معدودا من الخوارق مختلف فيه كما عرفت. وقال الحكماء: السّحر مزج قوى الجواهر الأرضية بعضها ببعض.
قال الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير: اعلم أنّ السحر على أقسام.

القسم الأول: سحر الكلدانيّين والكسدائين الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنّها هي المدبّرة لهذا العالم ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادة والنحوسة، وهم الذين بعث الله تعالى عليهم إبراهيم عليه السلام مبطلا لمقالتهم وردّا عليهم في مذاهبهم وعقائدهم.
والقسم الثاني من السحر سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، قالوا اختلف الناس في الإنسان. فأما إذا قلنا بأنّ الإنسان هو هذه البنية فلا شك أنّ هذه البنية مركّبة من الأخلاط الأربعة فلم لا يجوز ان يتفق مزاج من الأمزجة يقتضي القدرة على خلق الجسم والعلم بالأمور الغائبة عنّا. وأما إذا قلنا إنّ الإنسان هو النفس فلم لا يجوز أن يقال إنّ النفوس مختلفة فيتفق في بعض النفوس أن تكون قادرة على هذه الحوادث الغريبة مطلعة على الأسرار الغريبة. ثم الذي يؤكد هذا الــاحتمال على وجوه.
الأول أنّ الجذع يتمكن الإنسان من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض ولا يمكنه لو كان كالجسر موضوعا على هاوية تحته، وما ذاك إلّا أن يخيل السقوط، ومتى قوي أوجب السقوط.
الثاني أنّه أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر والمصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران، وما ذاك إلّا لأنّ النفوس خلقت على الأوهام.
الثالث حكي عن أرسطو أنّ الدجاجة إذا تشببت وبلغت واشتاقت إلى الديك ولم تجده فتصورت الديك وتخيّلته وتشبهت بالديك في الصوت والجوارح نبت على ساقها مثل الشيء النابت على ساق الديك، وارتفع على رأسها مثل تاج الديك، وليس هذا إلّا بسبب كثرة التوهّم والتخيّل، وهذا يدل على أنّ الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية. الرابع أجمعت الأمم على أنّ الدعاء مظنة الإجابة. وأجمعوا على أنّ الدعاء اللساني الخالي من الطلب النفساني قليل العمل عديم الأثر. فدلّ ذلك على أنّ للهمم والنفوس آثارا، وهذا الاتفاق غير مختص بمسألة معينة وبحكمة مخصوصة.
الخامس أنّ المبادئ القوية للأفعال النفسانية ليست إلّا التصورات النفسانية لأنّ القوة المحرّكة مودعة في العضلات صالحة للفعل وتركه، ولأن يرجح أحد الطرفين على الآخر لا لمرجح وما ذاك إلّا تصوّر كون الفعل لذيذا أو قبيحا أو مؤلما، بعد أن كانت كذلك بالقوة، فتلك التصورات هي المبادئ لصيرورة القوى العقلية مبادئ بالفعل لوجود الأفعال بعد أن كانت بالقوة، وإذا كانت هذه التصورات هي مباد لمبادئ هذه الأفعال فأيّ استبعاد في كونها مبادئ للأفعال لنفسها وإلغاء الواسطة عن درجة الاعتبار.
السادس أنّ التجربة والعيان لشاهدان بأنّ هذه التصورات مباد قريبة لحدوث الكيفيات في الأبدان فإنّ الغضبان تشتدّ سخونة مزاجه عند هيجان كيفية الغضب لا سيما عند إرادة الانتقام من المغضوب عليه. وإذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأيّ استبعاد من كونها مبادئ لحوادث في خارج البدن.
السابع أنّ الإصابة بالعين أمر قد اتفق عليه العقلاء ونطقت به الأحاديث والحكايات وذلك أيضا يحقّق إمكان ما قلنا. وإذا عرفت هذا فنقول إنّ النفوس التي تفعل هذه الأفعال قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفعال عن الاستعانة بالآلات والأدوات، وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الآلات. وتحقيقه أنّ النفس إن كانت مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السموات كانت كأنّها روح الأرواح السماوية، فكانت قوية على التأثير في موارد هذا العالم. وأمّا إذا كانت ضعيفة شديدة التعلّق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرّف البتة إلّا في البدن. فإذا أراد الإنسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها إلى بدن آخر اتّخذ تمثال ذلك الغير ووضعه عند الحسّ واشتغل الحسّ به، فتبعه الخيال عليه وأقبلت النفس الناطقة عليه، فقويت التأثيرات النفسانية والتصرفات الروحانية. ولذلك أجمعت الأمم على أنّه لا بد لهذه الأعمال من الانقطاع عن المألوفات والمشتهيات وتقليل الغذاء بل الاعتزال عن الخلق. وكلّما كانت هذه الأمور أتمّ كانت هذه التأثيرات أقوى. والسبب فيه أنّ النفس إن اشتغلت بالجانب الواحد اشتغلت جميع قواها في ذلك الفعل. وإذا اشتغلت بالأفعال الكثيرة تفرّقت قواها وتوزّعت على تلك الأفعال. ولهذا من حاول الوقوف على مسألة فإنّه حال تفكّره فيها لا بد أن يفرغ خاطره عما عداها، فإنّه عند تفريغ الخاطر يتوجّه بكليته إليها، فيكون الفعل أحسن وأسهل. وإذا كانت كذلك كان الإنسان المشغول الهمّ والهمّة بقضاء الشهوات وتحصيل اللذات كانت القوة النفسانية مشغولة بها مشغوفة إليها مستغرقة فيها، فلا يكون انجذابها إلى تحصيل ذلك الفعل قويّا شديدا.
والقسم الثالث من السّحر الاستعانة بالأرواح الأرضية، واعلم أنّ القول بالجنّ أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة. أما أكابر الفلاسفة فإنهم ما أنكروا القول به إلّا أنّه سمّوها بالأرواح الأرضية، بعضها خيّرة وبعضها شريرة. فالخيرة هم مؤمنو الجن والشريرة هم الكفار، وهي قادرة عالمة، واتصال النفوس بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية، إلّا أنّ القوة الحاصلة للنفوس الناطقة بسبب اتصالها بهذه الأرواح الأرضية أضعف من القوة الحاصلة لها بسبب الاتصال بالأرواح السماوية. ثم إنّ أصحاب الصنعة وأرباب التجربة لشاهدوا أنّ الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرّقى والتجريد.
والقسم الرابع من السحر التخيّلات والأخذ بالعيون، وهذا النوع مبني على مقدمات. إحداها أنّ أغلاط البصر كثيرة فإنّ راكب السفينة إن نظر إلى الشّط رأى السفينة واقفة والشط متحركا، وذلك يدلّ على أنّ الساكن يرى متحركا والمتحرك ساكنا. والقطرة النازلة ترى خطا مستقيما. والشعلة التي تدار بسرعة ترى دائرة والشخص الصغير يرى في الضباب عظيما ويرى العظيم من البعيد صغيرا، فعلم أنّ القوة الباصرة قد تبصر الشيء على خلاف ما عليه في الجملة لبعض الأسباب العارضة. ثانيتها أنّ القوة الباصرة إنما تقف على المحسوس وقوفا تاما إذا أدركت المحسوس في زمان له مقدارها. فأمّا إذا أدركته في زمان صغير جدا ثم أدركت محسوسا آخر وهكذا، فإنّه يختلط البعض بالبعض ولا يتميّز بعض المحسوسات عن البعض الآخر. ومثال ذلك أنّ الرحى إذا أخرجت من مركزها إلى محيطها خطوط كثيرة بألوان مختلفة ثم استدارت فإنّ الحسّ يرى لونا واحدا كأنّه مركّب من الألوان. وثالثتها أنّ النفس إذا كانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحسّ شيء آخر فلا يتبعه الحسّ البتّة، كما أنّ الإنسان عند دخوله على السلطان قد يلقاه إنسان ويتكلّم معه فلا يعرفه ولا يفهم كلامه لما أنّ قلبه مشغول بشيء آخر، وكذا الناظر في المرآة فإنّه ربّما قصد أن يرى قذاة في عينه فيراها ولا يرى ما أكثر منها، وربما قصد أن يرى سطح المرآة هل هو مستو أم لا فلا يرى شيئا مما في المرآة.
فإذا عرفت هذه المقدّمات سهل عند ذلك تصوّر كيفية هذا النوع من السّحر وذلك لأنّ المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أنظار الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استفرغهم الشّغل بذلك الشيء والتحديق نحوه عمل شيئا آخر بسرعة شديدة فيبقى ذلك العمل خفيا وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا، ولو أنّه سكت ولم يتكلّم بما يصرف الخواطر إلى ضدّ ما يريد أن يعمله ولم يحرّك الناس والأوهام والأنظار إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون بكلّ ما يفعله، فهذا هو المراد من قولهم إنّ المشعبذ يأخذ بالعيون لأنّه بالحقيقة يأخذ العيون إلى غير الجهة التي يحتال لها.

فإذا عرفت هذه الأقسام فأقول: المعتزلة أنكروا السّحر بجميع أقسامها إلّا التخيل. أما أهل السّنة فقد جوّزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء ويقلب الإنسان حمارا والحمار إنسانا، إلّا أنهم قالوا إنّ الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء عند ما يقرأ الساحر رقى مخصوصة وكلمات معينة. فأمّا أنّ المؤثّر لذلك هو الفلك أو النجوم فلا. وقد أجمعوا على وقوع السّحر بالقرآن والخبر. أما القرآن فقوله تعالى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وأما الأخبار، أحدها ما روي أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم سحر وأنّ السّحر عمل فيه حتى قال: «إنّه ليخيّل إليّ أني أقول الشيء وأفعله ولم أقله ولم أفعله» و «أنّ امرأة يهودية سحرته وجعلت ذلك السحر راعوفة البير فلما استخرج ذلك زال عن النبي عليه الصلاة والسلام ذلك العارض» ونزلت المعوّذتان بسببه. وثانيها: «أنّ امرأة أتت عند عائشة رضي الله عنها فقالت: إني ساحرة فهل لي من توبة فقالت وما سحرك؟ فقالت: صرت إلى الموضع الذي فيه هاروت وماروت ببابل لطلب علم السّحر، فقالا لي يا أمّة الله لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا فأبيت. فقالا لي: اذهبي فبولي على ذلك الرماد فذهبت لأبول عليه، ففكرت في نفسي، فقلت لا أفعل.

وجئت إليهما فقلت: قد فعلت. فقالا لي: ما رأيت لمّا فعلت؟ فقلت: ما رأيت شيئا. فقالا لي: أنت على رأس أمرك، فاتقي الله ولا تفعلي فأبيت. فقالا لي: اذهبي فافعلي. فذهبت ففعلت. فرأيت كأنّ فارسا مقنعا بالحديد خرج من فرجي فصعد إلى السماء، فجئتهما فأخبرتهما. فقالا: إيمانك خرج عنك، وقد أحسنت السّحر. فقالت: وما هو؟ قالا: ما تريدين شيئا يتصوّر في وهمك إلّا كان فصورت في نفسي حبّا من حنطة فإذا أنا بحبّ أنزع، فخرج من ساعته سنبله. فقلت: انطحن، فانطحن وانخبز وأنا لا أريد شيئا إلّا حصل.

فقالت عائشة رضي الله عنها: ليس لك توبة». انتهى من التفسير الكبير.
وقال الشيخ عبد الحقّ الدهلوي في مدارج النّبوّة: إنّ السّحر حرام. وقال بعضهم: إنّ تعلّمه بنية دفع السّحر عن نفسه ليس بحرام. والسّاحر الذي ليس في سحره كفر يستتاب، وأمّا إذا اشتمل على الكفر فيقتل. وفي قبول نوبته اختلاف؛ كالزنديق الذي ينكر الدّين والنّبوّة والحشر والنّشر والقيامة.
وأمّا حقيقة السّحر ففيها خلاف؛ فبعضهم يقول: إنّه مجرّد تخييل وإيهام. وهذا ما اختاره كلّ من أبي بكر الأسترآبادي الشافعي وأبي بكر الرازي من الحنفية وطائفة أخرى.
وإنّ جمهور العلماء متفقون على أن السّحر أمر حقيقي، ويدل على ذلك ظاهر الكتاب والأحاديث المشهورة. ولكنهم مختلفون على حقيقة تأثير السّحر فقط في تغيير المزاج، فهو إذن نوع من المرض أو أنّ أثره يصل إلى حدّ التحوّل، يعني انقلاب حقيقة الشيء إلى شيء آخر. مثل الحيوان يصير جمادا، أو بالعكس، والإنسان حمارا أو خروفا أو أسدا وبالعكس.
والجمهور يقولون بذلك.

وأمّا بعضهم فيقول: ليس للسّحر ثبوت ولا وقوع، وهذا كلام باطل ومكابرة لأنّ القرآن والسّنّة يصرّحان بعكس ذلك. والسّحر من الحيل الصناعية الحاصلة بأعمال وأسباب عن طريق الاكتساب (والتعلم). وأكثر العاملين في هذا المجال هم من أهل الفسق والفساد. وإذا كان السّحر في حال الجنابة فتأثيره أشدّ، بل إنّه إذا كانت الجنابة ناشئة عن وطء حرام أو المحارم فإنّه أشدّ تأثيرا. أعاذنا الله من السّحر ومن الساحر.
وقد نقل بإسناد صحيح أنّ اليهود (في المدينة) قد سحروا النبي صلّى الله عليه وسلم، وقد كان مفعول السّحر ظاهرا كالنسيان وتخيّل بعض الأمور وضعف القوّة الجنسية وأمثال ذلك، وتاريخ وقوع هذا الأمر بعد الرجوع من الحديبية في شهر ذي الحجّة من السنّة السادسة للهجرة، وطول أثر هذه الحادثة استمر أربعين يوما- كما في إحدى الروايات.- وفي أخرى لمدّة ستّة أشهر، وفي رواية منقولة لمدة سنة، إلى أن ذات ليلة كان في صحبة السّيّدة أم المؤمنين عائشة الصّدّيقة، فأخذ يدعو ويتضرّع، ثم قال: يا عائشة: هل تعلمين بأنّ الله قد أجابني عما سألته: لقد نزل شخصان وجلسا، أحدهما عند رأسي والآخر عند قدمي، فسأل أحدهما الآخر:

ما به؟ وما وجعه؟ فقال: مطبوب (مسحور) فقال: من (طبّه) فقال: لبيد بن الأعصم اليهودي. قال: في ماذا؟ قال: في مشاطة (يعني:
ما يتساقط من شعر بعد استعمال المشط) قي قف نخلة ذكر. قال: أين وضعها؟ قال: في بئر ذروان. وفي رواية بئر أردان. ثم ذهب النبي صلّى الله عليه وسلم مع عدة من الصحابة إلى ذلك البئر واستخرج منه ذلك الشيء الذي مرّ وصفه.
وجاء في رواية أنّهم عثروا على وتر قوس معقود إحدى عشرة عقدة، فنزلت سورتا الفلق والناس، وكلّما قرءوا آية انحلّت عقدة. وعدد آياتهما هي إحدى عشرة آية.
وجاء في رواية أنّهم وجدوا ضلع نخل وفيه مثال لشخص النبي صلّى الله عليه وسلم من الشمع وقد غرزت فيها بعض الإبر، وفيها خيط معقود عليه إحدى عشرة عقدة، ثم قرءوا المعوّذتين، فبدأت تنفكّ العقد، ثم سحبوا الإبر وكلما سحبوا واحدة وجد السكينة والراحة. (پس تر دانستنى است). ومعلوم أنّ تأثير السّحر في ذات النبي المبارك ليس بمدعاة إلى النقص، بل إنّ ذلك من دلائل النبوّة لأنّ الكفار اتهموا النبي بأنّه ساحر، ومعلوم أنّ السّاحر لا يؤثّر فيه السّحر.
ثم معرفة السّحر وأدواته ومكان وجوده بغير سحر آخر من معجزات النّبوّة. والغرض إذن هو تأثير السّحر على النبي صلّى الله عليه وسلم إنّما هو من أجل هذه المصالح والحكم، وقد وردت في هذا الموضوع أحاديث صحيحة غير قابلة للإنكار.

اليقينيات

اليقينيات:
[في الانكليزية] Sure propositions ،absolute propositions ،principles ،axioms ،sensible objects ،innate ideas
[ في الفرنسية] Propositions certaines ،propositions apodictiques ،principes ،axiomes ،objets sensibles ،idees innees
القضايا التي يحصل منها التصديق اليقيني وهي إمّا ضرورية أو نظرية، والضرورية ستة على المشهور: الأوّليات والفطريات والمشاهدات والحدسيات والمجرّبات والمتواترات. وقيل سبع وسابعها الوهميات.
ومنهم من حصرها في الأوّليات والحسّيات وأدرج الفطريات في الأول والبواقي في الثاني، فأراد بالحسّيات ما للحسّ مدخل فيها. ومنهم من ثلّث القسمة كصاحب المحصل وصاحب المواقف حصرها في الأوّليات والحسّيات والوجدانيات وأدرج الفطريات في الأوّليات والبواقي في الحسّيات. وذهب جماعة إلى أنّ ما عدا الحسّيات والأوليات ليست من الضروريات والمفهوم من شرح المقاصد أنّ النزاع لفظي مبني على تفسيرهم الضروري بالذي نجد من أنفسنا مضطرين إليه كذا ذكر الصادق الحلواني في حاشية الطيبي. وفي البيضاوي في تفسير قوله تعالى وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ اليقين إتقان العلم نظرا واستدلالا، ولذلك لا يوصف به علم الباري تعالى انتهى. قال مولانا عصام الدين في حاشيته: تقييد اليقين بالنظر ينافي ما اشتهر من أئمة النحو أن العلم من أفعال القلوب لليقين فإن العلم لا يخص الاستدلال انتهى. والإيقان هو علم الشيء بالاستدلال ولذلك لا يوصف علمه تعالى بالإيقان لتنزّهه عن الكسب والاستدلال، وهكذا في بحر المواج. واليقين عند السّالكين اختلفت الأقوال فيه. فقيل هو تحقيق التصديق بالغيب بإزالة كلّ ظنّ. وقال سهل: هو المكاشفة. وقال عطاء ما زال عنه المعارض على دوام الوقت. قال ذو النون كلّ ما رأته العيون نسب إلى العلم وما علمته القلوب نسب إلى اليقين. وقيل اليقين المشاهدة. وقيل هو عبارة عن ظهور نور الحقيقة في الموقن حال كشف أستار البشرية بشاهد الوجد والذّوق لا بدلالة العقل والنقل. قال علي رضي الله تعالى عنه: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، معناه أنّه يزداد وضوحا ومشاهدة. إن قيل نور الإيمان واليقين واحد أم لا؟ يقال نور الإيمان من وراء الحجاب قال تعالى يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ واليقين نور عند كشف الحجاب، وبالحقيقة هما نور واحد إلا أنّه إذا كان من وراء الحجاب يقال له نور الإيمان. وإذا كان عند رفع الحجاب صار يقينا. وقيل الفرق بينهما كالفرق بين الأعمى والبصير إذا أخبرا بطلوع الشمس فإنّ إخبار البصير بالمشاهدة بخلاف إخبار الأعمى كذا في مجمع السلوك. وفي خلاصة السلوك: قيل اليقين مشاهدة الغيوب بكشف القلوب وملاحظة الأسرار بمخاطبة الأفكار. وقيل اليقين في القلب كالبصر فيرى به ما غاب عن بصره.

وقال بعضهم اليقين ثلاثة: علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين. قيل علم اليقين ما يحصل عن الفكر والنظر، وعين اليقين ما يحصل من عيان العين والبصر، وحقّ اليقين اجتماعهما.
وإذا أخبره الصادق بالمعجزات صار ذلك حقّ اليقين انتهى. وفي مجمع السلوك: علم اليقين هو ما حصل عن نظر واستدلال، وعين اليقين هو ما حصل عن مشاهدة وعيان، وحقّ اليقين هو ما حصل عن العيان مع المباشرة. فعلم اليقين كمن علم بالعادة أنّ في البحر ماء، وعين اليقين كمن مشى ووقف على ساحله عاينه، وحقّ اليقين كمن خاض فيه واغتسل وشرب منه. فالشخص الذي يعلم بأنّ الله موجود وواحد فعنده يقين عام، أي عنده خبر من البعيد. وأمّا من يصل بالكشف الروحي والخفي وتتجلّى عليه الصفات، فهذا عنده عين اليقين وهو صاحب مكاشفة ومشاهدة. ولكنه ما زال على ساحل البحر. وأمّا الشخص الذي وصل إلى التجلّي الذاتي والمشاهدة الذاتية، فهذا عنده حقّ اليقين. وصار صاحب وصال واتصال. اعلم أنّ حقّ اليقين عند الصوفية هو معرفة الله تعالى بالمشاهدة والمعاينة ومعرفة ما سواه لا يطلق عليها حقّ اليقين إلّا مجازا انتهى كلامه. وقال علماء الأصول: علم اليقين ما يقطع الــاحتمال كالعلم الحاصل من المحكم والمتواتر وقد سبق في لفظ القطع.

الوتد

(الوتد) مَا رز فِي الأَرْض أَو الْحَائِط من خشب وَفِي أمثالهم (أذلّ من وتد) والهنية النَّاشِزَة فِي مقدم الْأذن وَمَا كَانَ فِي الْعرُوض من أَجزَاء التفاعيل على ثَلَاثَة أحرف وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا حرفان متحركان يتلوهما سَاكن وَهُوَ الوتد المقرون نَحْو فعو وعلن وَالثَّانِي حرفان متحركان بَينهمَا سَاكن وَهُوَ الوتد المفروق نَحْو لات من مفعولات (ج) أوتاد وأوتاد الأَرْض الْجبَال وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {ألم نجْعَل الأَرْض مهادا وَالْجِبَال أوتادا} وأوتاد الْبِلَاد رؤساؤها وأوتاد الْفَم أَسْنَانه وأوتاد الصُّوفِيَّة أَرْبَعَة رجال مَنَازِلهمْ على منَازِل أَرْبَعَة أَرْكَان من الْعَالم شَرْقي وَغَرْبِيٌّ وشمالي وجنوبي مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم مقَام تِلْكَ الْجِهَة
الوتد:
[في الانكليزية] Iambic ،declination ،ascension
[ في الفرنسية] Iambe ،descendant ،ascendant
بالفتح وسكون التاء المثناة الفوقانية، عند أهل العروض تطلق على سبيل الاشتراك على شيئين: أحدهما: وتد مجموع، وهو لفظة من ثلاثة حروف، الحرفان الأوّلان منهما متحرّكان والثالث ساكن مثل: دعا. والثاني: وتد مفروق، وهو لفظة من ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، والطرفان متحرّكان مثل: رأس. هكذا في عروض سيفي وغيره. وأمّا عند أهل الهيئة فهو اسم جزء معيّن من أجزاء فلك البروج. والأوتاد أربعة. فالجزء الذي هو من منطقة البروج على الأفق الشرقي فذاك يقال له الوتد الأول والوتد الطالع. والجزء الذي على الأفق الغربي، في هذه الحالة يعني في حالة كون ذلك الجزء المسمّى بالوتد الأوّل على الأفق الشرقي، فذاك ما يقال له الوتد السابع والوتد الغارب. إذا، الوتد الأول والوتد السابع كلاهما متقابلان.
والجزء الذي يكون بينهما فوق الأرض فيقال له وتد السّماء والوتد العاشر. والجزء الذي يكون في نصف المسافة بينهما تحت الأرض فيقال له: الوتد الرابع ووتد الأرض. فإذا كان برج وتد السّماء العاشر برج الطالع فيقال لتلك الأوتاد: الأوتاد القائمة. وإذا كان الحادي عشر من الطالع فيقال لها: الأوتاد المائلة. وإذا كان التاسع من الطالع فيقال لها الأوتاد الزائلة.
وكلام شارح التذكرة يوهم أنّ الأوتاد القائمة إنّما يقال لها قائمة إذا كان الجزء العاشر في منتصف المسافة بين الطالع والغارب. وذلك حين يكون قطب البروج على الأفق أو على دائرة نصف النهار بشرط أن لا يكون على سمت الرأس، كذا ذكر عبد العلي البرجندي في شرح العشرين بابا وقد مضى بيان ذلك في لفظ طالع. والأوتاد عند أهل الرّمل تطلق على عدد من المعاني فيقولون: الرّتبة (خانه) الأولى والرابعة والسابعة والعاشرة كلّ منها وتد. والرتبة الثانية والخامسة والثامنة والحادية عشرة يقال لكلّ منها: وتد مائل. والرتبة الثالثة والسادسة والتاسعة والثانية عشرة يقال لكلّ منها: وتد زائل، كما يقال: ساقط عن الوتد باعتبار أنّ كلّ واحد من هذه الرّتب ليس له نظر للطالع.
ويقال للثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة، لكلّ واحدة منها، وتد الوتد. هكذا في بعض الرسائل.

وما يقال في الانقلاب: وتد الوتد، لأنّ الأوتاد يضربونها في الشواهد. فالظّاهر هو أنّ هذا القول بناء على حذف المضاف، يعني أشكال الأوتاد تضرب في الشواهد. كما يحتمل أنّ إطلاق الأوتاد على الأشكال الواقعة في الأوتاد هو إطلاق مجازي من قبيل إطلاق اسم المحلّ على الحال. والله اعلم بحقيقة الحال.

وما يقال في سير النقطة: إنّ الرتبة الأولى والخامسة والتاسعة والثالثة عشرة هي نارية، والثانية والسادسة والعاشرة والرابعة عشرة هي هوائية، والثالثة والسابعة والحادية عشرة والخامسة عشرة هي مائية، والرابعة والثامنة والثانية عشرة والسادسة عشرة هي ترابية. وأنّ الرتبة الأولى من الرّتب النارية والهوائية والمائية والترابية هي: وتد ناري، ووتد هوائي، ووتد مائي، ووتد ترابي. إذا، فالرّتبة الأولى هي وتد ناري والثانية وتد هوائي والثالثة وتد مائي والرابعة وتد ترابي. وكذلك فالرتبة الثانية من رتب النار والهواء والماء والتراب هي وتد ناري مائل، ووتد هوائي مائل، ووتد مائي مائل، ووتد ترابي مائل. فحينئذ تكون الخامسة: وتد ناري مائل، والسادسة: وتد هوائي مائل، والسابعة وتد مائي مائل، والثامنة وتد ترابي مائل. وعلى هذا القياس تكون الثالثة من كل الرتب النارية والهوائية والمائية والترابية: وتد ناري زائل، ووتد هوائي زائل. ووتد مائي زائل، ووتد ترابي زائل.

وتكون الرابعة من الرتب المذكورة: وتد الوتد الناري، ووتد الوتد الهوائي، ووتد الوتد المائي، ووتد الوتد الترابي. وفائدة هذا أنّه يستعمل في الحساب. ويقولون: الوتد دليل الآحاد، والمائل دليل العشرات، والزائل دليل المئات، ووتد الوتد دليل الألوف.

وما يقال أيضا في سير النقطة: إذا كانت النقطة في عنصرها فهي وتد، أي أنّ لها قوة الوتد، وإذا كانت في الثانية من عنصرها فهي الوتد المائل. وإن كانت في عنصرها الثالث فهي وتد زائل. وإن كانت في عنصرها الرابع فهي وتد الوتد. فمثلا: نقطة نارية في الرّتب النارية فهي وتد. وفي الرتب الهوائية فهي الوتد المائل، وفي الرّتب المائية فهي الوتد الزائل، وأمّا في الرّتب الترابية فوتد الوتد. وهكذا النقطة المائية في الرتب المائية وتد. وفي الرتب الترابية وتد مائل. وفي الرتب النارية فهي وتد زائل، وفي الرتب الهوائية فهي وتد الوتد. وعلى هذا القياس نقطة الهواء ونقطة التراب.

واعلم: أنّ النقطة المطلوبة إذا كانت في الوتد فهي جيّدة ودليل على العزّة والقيمة لذلك الشيء وشهرته في كلّ الآفاق. وأمّا إذا كانت في رتبة الوتد المائل فقيمتها وقدرها في حدود الوسط وشهرتها في بعض الآفاق. وأمّا إذا كانت في الوتد الزائل فهي دليل على انعدام القيمة والقدر والعزّة لذلك الشيء وعلى ضعف شهرته في جميع الآفاق.
وإذا كانت النقطة في الوتد تحقّق المطلوب بدون مانع، فيكون العمل عظيما. وأمّا في وتد الوتد فسيمدّه شخص آخر فيحصل المطلوب.
وأمّا في المائل فــاحتمال الحصول ممكن، ولكنه في الزائل فدليل على عدم تحقّق شيء. والوتد أيضا دليل على الحال، يعني أنّ شيئا بالفعل سيوجد. والمائل دليل على المستقبل. يعني بعد هذا سيوجد. ويسأل عن المستقبل. والزائل ضعيف ويدلّ على الماضي يعني يسأل عن الماضي. وأمّا وتد الوتد فدليل على التوقّف، هذا كلّه خلاصة ما في (السرخاب). والأوتاد عند السالكين أربعة أشخاص من أولياء الله تعالى، وهم معيّنون لأركان العالم الأربعة. ففي المغرب: عبد العليم. وفي المشرق: عبد الحيّ. وفي الشمال: عبد المريد. وفي الجنوب: عبد القادر. وهم ببركتهم يحافظون على جملة الدنيا وعمارتها. كذا في كشف اللغات.

ومثله في مجمع السلوك حيث قال: ذكر في اصطلاح الصوفية أنّ الأوتاد هم الرجال الأربعة الذين على منازلهم الجهات الأربع من العالم، أي المشرق والمغرب والجنوب والشمال، بهم يحفظ الله تلك الجهات لكونهم محالّ نظره تعالى.

ويقول في مرآة الأسرار: أمّا الذي في المشرق فاسمه عبد الرحمن، والذي في المغرب فاسمه عبد الودود، والذي في الجنوب فاسمه عبد الرحيم، والذي في الشمال فاسمه عبد القدوس، فإذا مات أحدها حلّ محلّه أحد نوابه.
فأركان العالم الأربعة عامرة بوجود هؤلاء الأوتاد الأربعة، كما أنّ الجبال سبب في استقرار الأرض.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.