Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: وهاج

الاسْتِسْقَاء

(الاسْتِسْقَاء) طب السقيا وَمِنْه دُعَاء الاسْتِسْقَاء وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء وَتجمع سَائل مصلي فِي التجويف البريتوني لَا يكَاد يبرأ مِنْهُ وَالِاسْتِسْقَاء الدماغي مرض خلقي فِي الْغَالِب يزْدَاد فِيهِ السَّائِل المخي الشوكي فِي بطُون الدِّمَاغ فيمددها ويرققه (مج)
الاسْتِسْقَاء: هُوَ طلب الْمَطَر عِنْد طول الِانْقِطَاع وعبارات متون الْفِقْه متفقة على أَن لَهُ صَلَاة لَا بِجَمَاعَة وَدُعَاء واستغفار إِلَّا قلب رِدَاء. وَاعْلَم أَن عباراتها لَا على مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله بل على مَذْهَب الصاحبين رحمهمَا الله وَاللَّازِم أَن يعْمل على قَول الصاحبين وَهُوَ خُرُوج الإِمَام وَالصَّلَاة بِالْجَمَاعَة والجهر بِالْقِرَاءَةِ وَالْخطْبَة وقلب الرِّدَاء حَتَّى يُوَافق الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ويطابق أَمر أبي حنيفَة رَحمَه الله أَيْضا حَيْثُ أمرنَا بالاقتداء بهما حَيْثُ اجْتمعَا على مَسْأَلَة وَقد قَالَ الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي رَحمَه الله فِي تَرْجَمَة المشكوة وَالْفَتْوَى الْآن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله على مَذْهَب الصاحبين وَإِن أردْت الِاطِّلَاع على الِاسْتِدْلَال على هَذَا الْمقَال فَانْظُر فِي الرسَالَة الغريبة العجيبة الَّتِي صنفها فِي بَاب الاسْتِسْقَاء سيدنَا ومولانا أفضل عُلَمَاء الْعَصْر أعلم فضلاء الدَّهْر الحبيب الشفيق فِي الدُّنْيَا وَالدّين سيد شمس الدّين الْمَدْعُو بِسَيِّد مُحَمَّد ميرك خلد الله ظلاله وأوصل إِلَى الْعَالمين بره ونواله ابْن سيد شاه منيب الله الْحُسَيْنِي الْحَنَفِيّ الخجندي البالافوري قدس الله سره وَنور مرقده فَإِنَّهُ سلمه الله تَعَالَى بذل فِي تِلْكَ الرسَالَة كَمَال جهده فِي اسْتِخْرَاج مَا هُوَ الْحق الَّذِي بالاتباع أَحَق. وَفِي الْفَتَاوَى (العالمكيري) الْأَفْضَل أَن يقْرَأ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فِي الرَّكْعَة الأولى و {وَهل أَتَاك حَدِيث الغاشية} فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَالصَّحِيح أَنه لَا يخْتَص بِوَقْت كَمَا لَا يخْتَص بِيَوْم ويخطب خطبتين بعد الصَّلَاة وَيسْتَقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ قَائِما على الأَرْض لَا على الْمِنْبَر ويفصل بَين الْخطْبَتَيْنِ بجلسة وَإِن شَاءَ خطب خطْبَة وَاحِدَة وَيَدْعُو الله ويسبحه ويستغفر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَهُوَ متكئ قوسا فَإِذا مضى من خطْبَة قلب رِدَاءَهُ.

ثمَّ كَيْفيَّة تقلب الرِّدَاء: عِنْدهمَا إِن كَانَ مربعًا جعل أَسْفَله أَعْلَاهُ وَأَعلاهُ أَسْفَله وَإِن كَانَ مدورا جعل الْجَانِب الْأَيْمن على الْأَيْسَر والأيسر على الْأَيْمن وَلَكِن الْقَوْم لَا يقلبون أرديتهم عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَفِي التُّحْفَة إِذا فرغ الإِمَام من الْخطْبَة يَجْعَل ظَهره إِلَى النَّاس وَوَجهه إِلَى الْقبْلَة ثمَّ يشْتَغل بِدُعَاء الاسْتِسْقَاء قَائِما وَالنَّاس قعُود مستقبلون ووجوهم إِلَى الْقبْلَة فِي الْخطْبَة وَالدُّعَاء فيدعو الله تَعَالَى ويستغفر للْمُؤْمِنين ويجددون التَّوْبَة وَيَسْتَغْفِرُونَ ثمَّ عِنْد الدُّعَاء إِن رفع يَدَيْهِ نَحْو السَّمَاء فَحسن. ثمَّ الْمُسْتَحبّ أَن يخرج الإِمَام بِالنَّاسِ ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة كَذَا فِي الزَّاد وَلم ينْقل أَكثر من ذَلِك وَلَا يخرج فِيهِ الْمِنْبَر وَيخرجُونَ مشَاة فِي ثِيَاب خلق أَو غسيلة أَو مرقعة متذللين خاشعين متواضعين لله عز وَجل ناكسي رؤوسهم ثمَّ فِي كل يَوْم يقدمُونَ الصَّدَقَة قبل الْخُرُوج ثمَّ يخرجُون كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة وَفِي التَّجْرِيد إِن لم يخرج الإِمَام أَمر النَّاس بِالْخرُوجِ وَإِن خَرجُوا بِغَيْر إِذْنه جَازَ وَلَا يخرج أهل الذِّمَّة للاستسقاء مَعَ أهل الْإِسْلَام وَإِن خَرجُوا مَعَ أنفسهم إِلَى بيعهم إِلَى كنائسهم أَو إِلَى الصَّحرَاء لم يمنعوا عَن ذَلِك كَذَا فِي الْعَيْنِيّ شرح الْهِدَايَة وَإِنَّمَا يكون الاسْتِسْقَاء فِي مَوضِع لَا يكون لَهُم أَوديَة وَلَا أَنهَار وآبار يشربون مِنْهَا ويسقون مَوَاشِيهمْ أَو زُرُوعهمْ أَو تكون وَلَا تَكْفِي ذَلِك فَإِذا كَانَ لَهُم أَوديَة وآبار وأنهار فَإِن النَّاس لَا يخرجُون إِلَى الاسْتِسْقَاء لِأَنَّهَا تكون عِنْد شدَّة الضَّرَر وَالْحَاجة كَذَا فِي التاتارخانية وَيسْتَحب إِخْرَاج الْأَطْفَال والشيوخ الْكِبَار والعجائز اللَّاتِي لَا هَيْئَة لَهُنَّ كَذَا فِي الْعَيْنِيّ شرح الْهِدَايَة. وَيسْتَحب إِخْرَاج الدَّوَابّ كَذَا فِي السراج الْــوَهَّاج.

وأدعية الاسْتِسْقَاء: المروية عَن النَّبِي الْمُخْتَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَثِيرَة مِنْهَا الْحَمد لله رب الْعَالمين الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين لَا إِلَه إِلَّا الله يفعل مَا يُرِيد اللَّهُمَّ أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الْغَنِيّ وَنحن الْفُقَرَاء أنزل علينا الْغَيْث وَاجعَل مَا أنزلت لنا قُوَّة وبلاغا إِلَى حِين (وَمِنْهَا) اللَّهُمَّ اسقنا اللَّهُمَّ اسقنا الله اسقنا. (وَمِنْهَا) اللَّهُمَّ أغثنا اللَّهُمَّ أغثنا اللَّهُمَّ أغثنا (وَمِنْهَا) اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادك وبهيمتك وانشر رحمتك واحي بلدك الْمَيِّت (وَمِنْهَا) اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نَافِعًا غير ضار عَاجلا غير آجل. وَإِذا رأى الْمَطَر قَالَ اللَّهُمَّ صيبا نَافِعًا وَإِذا زَاد الْمَطَر حَتَّى خيف الضَّرَر قَالَ اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا اللَّهُمَّ على الآكام وَالْآجَام والضراب والأودية ومنابت الشّجر. وَلِهَذَا الرباعي.
(يَا رب سَبَب حيات حَيَوَان بفرست ... وازخوان كرم نعمت الوان بفرست)

(از بهرلب تشنهء طفلان نَبَات ... از دايهء ابر شير بار ان بفرست)

تَأْثِير عَجِيب فِي استجابة الدُّعَاء للاستسقاء وَهُوَ من رباعيات سُلْطَان أبي سعيد أبي الْخَيْر قدس الله سره الْعَزِيز.
وَاعْلَم أَن بعض الْأَحَادِيث صَرِيح فِي وضع الْمِنْبَر كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت شكا النَّاس إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُحُوط الْمَطَر فَأمر بمنبر فَوضع لَهُ فِي الْمصلى ووعد النَّاس يَوْمًا يخرجُون فِيهِ قَالَت فَخرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين بدا حَاجِب الشَّمْس فَقعدَ على الْمِنْبَر فَكبر وَحمد الله عز وَجل ثمَّ قَالَ إِنَّكُم شكوتم جَدب دِيَاركُمْ واستئخار الْمَطَر عَن إبان زَمَانه عَنْكُم وَقد أَمر الله عز وَجل أَن تَدعُوهُ ووعدكم أَن يستجيب لكم ثمَّ قَالَ الْحَمد لله إِلَى قُوَّة وبلاغا إِلَى حِين ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَلم يزل فِي الرّفْع حَتَّى بدا بَيَاض أبطيه ثمَّ حول إِلَى النَّاس ظَهره وقلب رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافع يَدَيْهِ ثمَّ أقبل على النَّاس وَنزل من الْمِنْبَر فصلى رَكْعَتَيْنِ الحَدِيث وَالِاسْتِسْقَاء فِي اصْطِلَاح الطِّبّ مرض مادي سَببه مَادَّة غَرِيبَة بَارِدَة تتخلل الْأَعْضَاء فتربو بهَا الْأَعْضَاء أما الظَّاهِرَة من الْأَعْضَاء كلهَا وَأما الْمَوَاضِع الخالية من النواحي الَّتِي فِيهَا تَدْبِير الفضاء والأخلاط مثل فضاء الْبَطن الَّتِي فِيهَا الْمعدة والكبد والأمعاء. وأقسامه ثَلَاثَة لحمي وزقي وطبلي وتفصيلها فِي كتب الطِّبّ.

الفَحَمُ

الفَحَمُ، محرَّكةً، وبالفتح وكأَميرٍ: الجَمْرُ الطافِئُ،
والفَحْمَةُ: واحِدَتُه،
وـ من الليلِ: أوَّلُه، أو أشَدُّ سوادِه، أو ما بينَ غُروبِ الشَّمْسِ إلى نَوْمِ الناسِ، خاصٌّ بالصَّيْفِ
ج: فِحامٌ وفُحومٌ.
والفَحْمُ، كالمَنْعِ: الشَّرْبَةُ في هذه الأوْقاتِ.
وأفْحِموا عَنْكُمْ من الليلِ،
وفَحِّموا: لا تَسيروا في فَحْمَتِه.
وفَحْمَةُ السَّحَرِ: حِينُه.
وفَحْمَةُ بنُ جُمَيْرٍ: نِصْفُ الليلِ.
والفاحِمُ: الأسْوَدُ بيِّنُ الفُحُومَةِ،
كالفَحيمِ، وقد فَحُمَ، ككَرُمَ، فُحوماً.
والمُفْحَمُ، كَمُكْرَمٍ: العَيِيُّ، ومن لا يَقْدِرُ يقولُ شِعْراً.
وأفْحَمَه الهَمُّ: منعه قولَ الشِّعْرِ.
وهاجــاه فأَفْحَمَه: صادَفَهُ مُفْحَماً.
وفَحِمَ الصَّبِيُّ، كنَصَرَ وعَلِمَ وعُنِيَ، فَحْماً وفُحاماً وفُحوماً، بضمهما،
وأُفْحِمَ، بالضم: بَكَى حتى انْقَطَعَ نَفَسُه،
وـ الكَبْشُ: صاحَ، فهو فاحِمٌ وفَحِمٌ، ككتِفٍ.
والفاحِمُ: الماءُ الساكِنُ لا يَجْرِي، وقد فَحَمَت القَليبُ، كنَصَرَ فُحوماً.
وفَحَمَ الرَّجُلُ، كمَنَعَ: لَمْ يُطِقْ جواباً.
والافْتِحامُ: الاعْتِناقُ.
وفَحَّمَه تَفْحِيماً: سَوَّدَهُ.

مُطْرِقٌ

مُطْرِقٌ:
بالضم ثم السكون، وكسر الراء، وقاف، بلفظ اسم الفاعل من أطرق يطرق فهو مطرق وهو سكوت مع استرخاء الجفون: موضع، قال ذو الرّمة:
تصيفن حتى اصفرّ أنواع مطرق، ... وهاجــت لأعداد المياه الأباعر
قال الحفصي: ومن قلات العارض المشهورة، يعني عارض اليمامة، الحمائم والحجائز والنظيم ومطرق، قال مروان بن أبي حفصة:
إذا تذكرت النظيم ومطرقا ... حننت، وأبكاني النظيم ومطرق
وقول امرئ القيس يدل على أنه جبل:
فأتبعتهم طرفي وقد حال دونهم ... غوارب رمل ذي ألاء وشبرق
على إثر حيّ عامدين لنيّة، ... فحلّوا العقيق أو ثنيّة مطرق

هَجاهُ

هَجاهُ هَجْواً وهِجاءً: شَتَمَهُ بالشِعْرِ.
وهاجَــيْتُه هَجَوْتُه وهَجانِي، وبينَهم أُهْجِيَّةٌ وأُهْجُوَّةٌ يَتَهاجَوْنَ بها.
والهِجاءُ، ككِساءٍ: تَقْطيعُ اللَّفْظَةِ بِحُروفها،
وهَجَّيْتُ الحُروفَ،
وتَهَجَّيْتُها.
وهذا على هِجاءِ هذا: على شَكْلِهِ.
وهَجُوَ يَوْمُنا، كسَرُوَ: اشْتَدَّ حَرُّهُ.
والهَجاةُ: الضِّفْدَعُ.
وأهْجَيْتُ الشَّعْرَ: وجَدْتُه هِجاءً.
والمُهْتَجُونَ: المُهَاجُونَ.

الله

الله
صور القرآن الله المثل الأعلى في جميع صفات الكمال، فهو السميع الخبير، على كل شىء قدير، غفور رحيم، عزيز حكيم، حى قيوم، واسع عليم، بصير بالعباد، يحب المحسنين والصابرين، ولا يحب الظالمين، ويمحق الكافرين، غنى حميد، واحد قهار، نور السموات والأرض، قوى، شديد العقاب، خالق كل شىء، لا إله إلا هو، على كلّ شىء شهيد، عالم الغيب والشهادة، هو الرحمن الرحيم، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، الخالق البارئ المصور، له الأسماء الحسنى، يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم، الأول والآخر، والظاهر والباطن، الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، سريع الحساب، غنى عن العالمين، عليم بذات الصدور، بكل شىء محيط، علىّ كبير، عفو غفور، شاكر حليم، ليس بظلام للعبيد، يجزى المتصدقين، ولا يهدى كيد الخائنين، لا يخلف الميعاد، عزيز ذو انتقام، خير الرازقين، لطيف خبير، ذو القوة المتين. أوليس من يتصف بهذه الصفات المثالية جديرا بالعبادة والتقديس، وألا يتخذ له شريك، ولا من دونه إله.
ومن بين ما عنى القرآن به أكبر عناية إبراز صفة الإنعام التى يتصف بها الله سبحانه؛ فيوجه أنظارهم إلى النعمة الكبرى التى أودعها قلوبهم وهى نعمة الهدوء والسكينة يحسون بها، عند ما يعودون إلى بيوتهم، مكدودين منهوكى القوى، وإلى هدايتهم إلى بناء بيوت من جلود الأنعام، يجدونها خفيفة المحمل في الظعن
والإقامة، وإلى اتخاذ أثاثهم وأمتعتهم من أصوافها وأوبارها، وإلى نعمة الظل يجدون عنده الأمن والاستقرار، وإن للشمس وحرارتها لوقعا مؤلما في النفوس وعلى الأجسام، ومن أجمل وسائل الاستتار هذه الثياب تقى صاحبها الحر، وبها تتم نعمة الله، فيقول: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (النحل 79 - 81).
ويوجه أنظارهم إلى ما في خلق الزوج من نعمة تسكن إليها النفس، وتجد في ظلها الرحمة والمودة، فيقول: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم 21). وهو الذى يرزقهم، ويرزق ما على الأرض من دواب، لا تستطيع أن تتكفل برزق نفسها، وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (العنكبوت 60). وينبههم إلى ما في اختلاف الليل والنهار من تجديد النشاط للجسم، وبعث القوة في الأحياء وما في الفلك المسخرة تنقل المتاجر فوق سطح البحر، فتنفع الناس، وفي الماء ينزل من السماء فيحيى الأرض بعد موتها، وفي الرياح تحمل السحاب المسخر بين السماء والأرض، ينبههم إلى نفع ذلك كله فيقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة 164). ويسأل عمن يلجئون إليه، حين يملأ قلبهم الرعب من ظلمة البر البحر، أليس الله هو الذى ينجيهم منه ومن كل كرب، فيقول:
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (الأنعام 63 - 64).
ويحدثهم عن نعمة تبادل الليل والنهار، وعما خلق له الليل من نعمة الهدوء والسكون، وعن الشمس والقمر يجريان في دقة ونظام، فيحسب الناس بهما حياتهم، وينظمون أعمالهم، وعن النجوم في السماء تزينها كمصابيح، ويهتدى بها السائر في ظلمات البر والبحر، وعن المطر ينزل من السماء، فتحيا به الأرض وتنبت به الجنات اليانعة، ذات الثمار المشتبهة وغير المشتبهة، وكان للمطر في الحياة العربية قدره وأثره، فعليه حياتهم، فلا جرم أكثر القرآن من الحديث عنه نعمة من أجلّ نعمه عليهم، فيقول: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأنعام 96 - 99)، وتحدث عن هذه النعم نفسها مرارا أخرى كقوله:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (إبراهيم 32 - 34). وتحدث إليهم عما أنعم به عليهم من أنعام، فيها دفء ومنافع، وجمال، وعاد فذكرهم بنعمة المطر وإنباته الزرع، وخص البحر بالحديث عن تسخيره، وما نستخرجه منه من اللحم والحلى، وما يجرى فوقه من فلك تمخر عبابه، فقال: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنعام 5 - 18)، وللأنعام في حياة العرب بالبادية ما يستحق أن يذكروا به، وأن يسجل فضله عليهم بها. ويوجه القرآن نظرهم إلى خلقهم وما منحهم الله من نعمة السمع والبصر والعقل، فيقول: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (الملك 23). وكثيرا ما امتنّ عليهم بنعمة الرزق، فيقرّرها مرة، ويقررهم بها أخرى، فيقول حينا: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (غافر 64). ويقول حينا: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (يونس 31). ويسترعى انتباههم إلى طعامهم الذى هو من فيض فضله، فيقول: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً
لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ
(عبس 24 - 32).
وإن في إكثار القرآن من الحديث عن هذه النعم، وتوجيه أنظارهم إليها، وتقريرهم بها، ما يدفعهم إلى التفكير في مصدرها، وأنه جدير بالعبادة، وما يثير في أنفسهم شكرها وتقديس بارئها، ولا سيما أن تلك النعم ليست في طاقة بشر، وأنها باعترافهم أنفسهم من خلق العلىّ القدير. وهكذا يتكئ القرآن على عاطفة إنسانية يثيرها، لتدفع صاحبها عن طريق الإعجاب حينا، والاعتراف بالجميل حينا، إلى الإيمان بالله وإجلاله وتقديسه. كما أن ذلك الوصف يبعث في النفس حب الله المنعم، فتكون عبادته منبعثة عن حبه وشكر أياديه.
ومما عنى القرآن بإبرازه من صفات الله وحدانيته، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وقد أبرز القرآن في صورة قاطعة أنه لا يقبل الشرك ولا يغفره: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (النساء 48)؛ ويعد الإشراك رجسا فيقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا (التوبة 28).
أوليس في هذا التصوير ما يبعث في النفس النفور منه والاشمئزاز؟!
والقرآن يعرض لجميع ألوان الإشراك، فيدحضها ويهدمها من أساسها، فعرض لفكرة اتخاذ ولد، فحدثنا في صراحة عن أنه ليس في حاجة إلى هذا الولد، يعينه أو يساعده، فكل من في الوجود خاضع لأمره، لا يلبث أن ينقاد إذا دعى، وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (البقرة 116، 117). وحينا يدفع ذلك دفعا طبيعيا بأن الولد لا يكون إلا إذا كان ثمة له زوجة تلد، أما وقد خلق كل شىء، فليس ما يزعمونه ولدا سوى خلق ممن خلق:
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (الأنعام 101، 102).
ويعرض مرة أخرى لهذه الدعوى، فيقرر غناه عن هذا الولد، ولم يحتاج إليه، وله ما في السموات وما في الأرض، فيقول: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (يونس 68 - 70). ويعجب القرآن كيف يخيل للمشركين عقولهم أن يخصوا أنفسهم بالبنين ويجعلوا البنات لله، فيقول:
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (الإسراء 40).
ويصور القرآن- فى أقوى صور التعبير- موقف الطبيعة الساخطة المستعظمة نسبة الولد إلى الله، فتكاد- لشدة غضبها- أن تنفجر غيظا، وتنشق ثورة، وتخر الراسيات لهول هذا الافتراء، وضخامة هذا الكذب، وأصغ إلى تصوير هذا الغضب فى قوله: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (مريم 88 - 91). أما هؤلاء الذين دعوهم أبناء الله، فليسوا سوى عباد مكرمين، خاضعين لأمره، ولن يجرؤ واحد منهم على ادعاء الألوهية، أما من تجرأ منهم على تلك الدعوى فجزاؤه جهنم، لأنه ظالم مبين، وهل هناك أقوى في هدم الدعوى من اعترف هؤلاء العباد أنفسهم الذين يدعونهم أبناء، بأنهم ليسوا سوى عبيد خاضعين، ومن جرؤ منهم على دعوى الألوهية كان جزاؤه عذاب جهنم خالدا فيها، قال تعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (الأنبياء 26 - 29).
وعلى هذا النسق نفسه جرى في الرد على من زعم ألوهية المسيح، فقد جعل المسيح نفسه يتبرأ من ذلك وينفيه، إذ قال: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (المائدة 116، 117).
وتعرض القرآن مرارا لدعوى ألوهية عيسى، وقوض هذه الدعوى من أساسها بأن هذا المسيح الذى يزعمونه إلها، ليس لديه قدرة يدفع بها عن نفسه إن أراد الله أن يهلكه، وأنه لا امتياز له على سائر المخلوقات، بل هو خاضع لأمره، مقر بأنه ليس سوى عبد الله، وليس المسيح وأمه سوى بشرين يتبوّلان ويتبرّزان، أو تقبل الفطرة الإنسانية السليمة أن تتخذ لها إلها هذا شأنه، لا يتميز عن الناس في شىء، ولا يملك لهم شيئا من الضر ولا النفع، ولننصت إلى القرآن مهاجما دعوى ألوهية عيسى قائلا: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (المائدة 17). لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(المائدة 72 - 76).
وإن الغريزة لتنأى عن عبادة من لا يملك الضرر ولا النفع. وتأمل جمال الكناية في قوله: يَأْكُلانِ الطَّعامَ. والمسيح مقر- كما رأيت- بعبوديته ولا يستنكف أن يكون لله عبدا، لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (النساء 172).
وهاجــم القرآن بكل قوة الإشراك بالله، وهو يهاجم ببلاغته العقل والوجدان معا فيأخذ في نقاش المشركين، ليصلوا إلى الحق بأنفسهم، ويلزمهم الحجة، ويقودهم إلى الصواب، فيسألهم عمن يرزقهم، ومن يملك سمعهم وأبصارهم، ومن يخرج الحى من الميت، ويخرج الميت من الحى، ومن يدبر أمر العالم، ومن يبدأ الخلق ثمّ يعيده، ومن يهدى إلى الحق، وإذا كان المشركون أنفسهم يعترفون بأن ذلك إنما هو من أفعال الله، فما قيمة هؤلاء الشركاء إذا، وما معنى إشراكهم لله في العبادة، أو ليس من يهدى إلى الحق جديرا بأن يعبد ويتّبع، أما من لا يهتدى إلا إذا اقتيد فمن الظلم عبادته، ومن الجهل اتباعه، وليست عبادة هؤلاء الشركاء سوى جرى وراءه وهم لا يغنى من الحق شيئا، وتأمل جمال هذا النقاش الذى يثير التفكير والوجدان معا: يثير التفكير بقضاياه، ويثير الوجدان بهذا التساؤل عن الجدير بالاتباع، وتصويره المشرك، مصروفا عن الحق، مأفوكا، ظالما، يتبع الظن الذى لا يغنى عن الحق شيئا، وذلك حين يقول: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (يونس 31 - 36). وفي التحدث إليهم عن الرزق، وهدايتهم إلى الحق، ما يثير في أنفسهم عبادة هذا الذى يمدهم بالرزق، ويهديهم إلى الحق، واستمع إلى هذا النقاش الذى يحدثهم فيه عن نعمه عليهم، متسائلا:
أله شريك في هذه النعم التى أسداها، وإذا لم يكن له شريك فيما أسدى، فكيف يشرك به غيره في العبادة؟ فقال مرة: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (النمل 59 - 71). أو ليس في إنبات الحدائق ذات البهجة، وتسيير الأنهار خلال الأرض، وإجابة المضطر إذا دعا، وكشف السوء، وجعلهم خلفاء الأرض، ما يبعث الابتهاج في النفس، والحب لله، ويدفع إلى عبادته وتوحيده ما دام هو الملجأ في الشدائد، والهادى في ظلمات البر والبحر، ومرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته؟ ومرة يسائلهم قائلا: وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (القصص 70 - 73). أوليس في الليل السرمد والنهار السرمد ما يبعث الخوف في النفس، والحب لمن جعل الليل والنهار خلفة؟!
وكثيرا ما تعجب القرآن من عبادتهم ما لا يضر ولا ينفع. والقرآن يبعث الخوف من سوء مصير هؤلاء المشركين يوم القيامة، فمرة يصورهم محاولين ستر جريمتهم بإنكارهم، حين لا يجدون لها سندا من الحق والواقع، فيقول:
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (يونس 22 - 24).
وحينا يصورهم، وقد تبرأ شركاؤهم من عبادتهم، فحبطت أعمالهم، وضل سعيهم، وذلك حين يقول: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (يونس 28 - 30).
وحينا يصورهم هلكى في أشد صور الهلاك وأفتكها، إذ يقول: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (الحج 31). أما المصير المنتظر لمن يشرك بالله فأن يلقى في جهنم ملوما مدحورا.
ومن أبرز صفات الله في القرآن قدرته، يوجّه النظر إلى مظاهرها، ويأخذ بيدهم ليدركوا آثار هذه القدرة، مبثوثة في أرجاء الكون وفي أنفسهم، فهذه الأرض هو الذى بسطها فراشا، وتلك السماء رفعها بناء، وهذه الجبال بثها في الأرض أوتادا، وهذه الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ووجه النظر إلى هذه الحبوب فلقها بقدرته، كما فلق النوى ليخرج منه النخل باسقات، ويوجه أنظارهم إلى ألوان المخلوقات وأنواعها وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النور 45). وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (الروم 20 - 25). خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (لقمان 10). ويوجّه النظر إلى توالى الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر، فيقول: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (لقمان 29، 30)؛ وكرر ذلك مرارا عدة، كقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (ق 6 - 11).
ويوجّه أنظارهم إلى قدرته في خلقهم، إذ يقول: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران 6). ويقول: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (الزمر 6).
صوّر القرآن قدرة الله الباهرة التى لا يعجزها شىء، والتى يستجيب لأمرها كل شىء، بهذا التّصوير البارع إذ قال: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (يس 82).
ولما وجّه النظر إلى مظاهر قدرته، اتخذ ذلك ذريعة إلى إقناعهم بأمر البعث، فحينا يتساءل أمن خلق السموات والأرض، ولم يجد مشقة في خلقها يعجز عن إحياء الموتى، فيقول: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأحقاف 33). ويقرر أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (غافر 57). ولذا صح هذا التساؤل ليقروا: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (النازعات 27 - 33). وسوف نكمل الحديث عن ذلك في فصل اليوم الآخر.
ومن أظهر صفات الله في القرآن علمه، وإحاطة علمه بكل شىء في الأرض وفي السماء وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (يونس 61). ويقول على لسان لقمان لابنه: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (لقمان 16). أرأيت هذا التصوير المؤثر لإحاطة علم الله بكل شىء، فلا يغيب عنه موضع ذرّة بين طيات صخرة أو في طبقات السموات، أو في أعماق الأرض، ويعلم الله الغيب، ومن ذلك ما يرونه بأعينهم في كل يوم من أمور غيبيّة، يدركون أنها مستورة عليهم، مع قرب بعضها منهم، إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان 34). وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (طه 7). واقرأ هذا التصوير الشامل لعلمه في قوله: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (الأنعام 59). وهكذا يصور القرآن شمول علم الله تصويرا ملموسا محسا.
ومن أظهر صفاته كذلك شدة قربه إلى الناس، ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (المجادلة 7). وأمر الرسول بأن يخبر الناس بقربه، يسمعهم ويصغى إليهم إذا دعوا، فقال: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة 186). ولا يستطيع فرد أن يعيش بعيدا عن عينه، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الحديد 4). بل هو أقرب شىء إلى الإنسان، يعلم خلجات نفسه، ويدرك أسراره وخواطره لا يغيب عنه منها شىء، وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق 16).
والعدل، وقد أطال القرآن في تأكيد هذه الصفة، وأكثر من تكريرها، فكل إنسان مجزى بعمله وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (غافر 31). مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (فصلت 146). ويقرر في صراحة إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (يونس 44). وإِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ (النساء 40).
وإن في تقرير هذه الصفات وتأكيدها لدفعا للمرء إلى التفكير قبل العمل، كى لا يغضب الله العالم بكل صغيرة وكبيرة تصدر منه، والقريب إليه قربا لا قرب أشد منه، وفي تأكيد صفتى العلم والقرب ما يبعث الخجل في الإنسان من أن يعمل ما يغضب الله وما حرمه، وفي تأكيد صفة العدل ما يبعث على محاسبة النفس لأن الخير سيعود إليها ثوابه، والشر سيرجع عليها عقابه.
وكان وصف القرآن لله بالرحمة والرأفة والحلم والغفران والشكر، أكثر من وصفه بالانتقام وشدّة العذاب، بل هو عند ما يوصف بهما، تذكر إلى جانبهما أحيانا صفات الرحمة؛ فكثيرا ما يكرر القرآن معنى قوله: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (البقرة 143). وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (النساء 110). وأكّد هذا الوصف حتى قال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنعام 54). وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (المؤمنون 118). أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (الأعراف 155). ويفتح باب رحمته وغفرانه، حتى لمن أسرف ولج في العصيان، إذ يقول: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر 53). وبذلك كانت الصورة التى رسمها القرآن مليئة بالأمل والرجاء، تحيى في النفس التفاؤل، كما أن كثرة وصفه بالرحمة وأخواتها، تجعل عبادة الله منبعثة عن الحب، أكثر منها منبعثة عن الرهبة والخوف، ولكن لما كان كثير من النفوس يخضع بالرهبة دون الرغبة وصف القرآن الله بالعزة والانتقام وشدة العذاب، يقرن ذلك بوصفه بالرحمة حينا، ولا يقرنها بها حينا آخر، فيقول مرة: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة 98). غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ (غافر 3). إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (فصلت 43). ويقول أخرى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (الحشر 7). عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (المائدة 95). إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (آل عمران 4). وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (الزمر 37). وبرغم وصفه بالعزّة والانتقام والجبروت كانت الصفة الغالبة في القرآن هى الإنعام والرحمة والتّفضّل وأنه الملجأ والوزر، يجيب المضطرّ إذا دعاه، ويكشف السوء، وينجّى في ظلمات البرّ والبحر، فهى صورة محبّبة إلى النفوس، تدفع إلى العبادة، عبادة من هو جدير بها، لكثرة فضله وخيره وإنعامه.
وأفحم القرآن من ادّعى الألوهية من البشر إفحاما لا مخلص له منه، وذلك في الحديث الذى دار بين إبراهيم وهذا الملك الذى ادعى أنه إله، إذ يقول: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة 258).
وأرشد القرآن إلى أن العقل السليم والفطرة المستقيمة يرشدان إلى وجود الله ويدلّان على وحدانيته، فهذا إبراهيم قد وجد قومه يتخذون أصناما آلهة، فلم ترقه عبادتهم، فمضى إلى الكون يلتمس إلهه، فلما رأى نورا يشع ليلا من كوكب في الأفق ظنه إلها، ولكنه لم يلبث أن رآه قد أفل، فأنكر على نفسه اتخاذ كوكب يأفل إلها، إذ الإله يجب أن يكون ذا عين لا تغفل ولا تنام، وهكذا أعجب بالقمر، واستعظم الشمس، ولكنهما قد مضيا آفلين، فأدرك إبراهيم أن ليس في كل هؤلاء من يستحق عبادة ولا تقديسا، وأنّ الله الحق هو الذى فطر السموات والأرض، واستمع إلى القرآن يصوّر تأمل إبراهيم في قوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام 74 - 79).
كان الإيمان بالله ووحدانيته، أساس الدين الإسلامى، وقد رأينا كيف عنى القرآن بإبراز صفاته التى تتصل بالإنسان خالقا له، ومنعما عليه، وعالما بكل صغيرة وكبيرة تصدر منه، وقريبا منه أقرب إليه من حبل الوريد، ورحيما به، عادلا لا يظلمه، ولا يغبنه، يهبه الرزق، ويمنحه الخير، ويجيبه إذا دعاه. أو ليس من له هذه الصفات الكاملة جديرا من الناس بالعبادة والتقديس والتنزيه عن النقص والإشراك؟
الله: علم دَال على الْإِلَه الْحق دلَالَة جَامِعَة لمعاني الْأَسْمَاء الْحسنى كلهَا وَقد مر تَحْقِيقه فِي أول الْكتاب تبركا وتيمنا.
الله: وَإِنَّمَا افتتحت بِهَذِهِ الْكَلِمَة المكرمة المعظمة مَعَ أَن لَهَا مقَاما آخر بِحَسب رِعَايَة الْحَرْف الثَّانِي تيمنا وتبركا وَهَذَا هُوَ الْوَجْه للإتيان بعد هَذَا بِلَفْظ الأحمد وَالْأَصْحَاب وَاعْلَم أَنه لَا اخْتِلَاف فِي أَن لفظ الله لَا يُطلق إِلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي أَنه إِمَّا علم لذات الْوَاجِب تَعَالَى الْمَخْصُوص الْمُتَعَيّن أَو وصف من أَوْصَافه تَعَالَى فَمن ذهب إِلَى الأول قَالَ إِنَّه علم للذات الْوَاجِب الْوُجُود المستجمع للصفات الْكَامِلَة. وَاسْتدلَّ بِأَنَّهُ يُوصف وَلَا يُوصف بِهِ وَبِأَنَّهُ لَا بُد لَهُ تَعَالَى من اسْم يجْرِي عَلَيْهِ صِفَاته وَلَا يصلح مِمَّا يُطلق عَلَيْهِ سواهُ. وَبِأَنَّهُ لَو لم يكن علما لم يفد قَول لَا إِلَه إِلَّا الله التَّوْحِيد أصلا لِأَنَّهُ عبارَة عَن حصر الألوهية فِي ذَاته المشخص الْمُقَدّس. وَاعْترض عَلَيْهِ الْفَاضِل المدقق عِصَام الدّين رَحمَه الله بِأَنَّهُ كَيفَ جعل الله علما شخصيا لَهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا بعد حُصُول الشَّيْء وحضوره فِي أذهاننا أَو القوى المثالية والوهمية لنا أَلا ترى أَنا إِذا جعلنَا العنقاء علما لطائر مَخْصُوص تصورناه بِصُورَة مشخصة بِحَيْثُ لَا يتَصَوَّر الشّركَة فِيهَا وَلَو بالمثال وَالْفَرْض وَهَذَا لَا يجوز فِي ذَاته تَعَالَى الله علوا كَبِيرا. فَإِن قلت وَاضع اللُّغَة هُوَ الله تَعَالَى فَهُوَ يعلم ذَاته بِذَاتِهِ وَوضع لفظ الله لذاته الْمُقَدّس، قلت هَذَا لَا يُفِيد فِيمَا نَحن فِيهِ لِأَن التَّوْحِيد أَن يحصل من قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الله حصر الألوهية فِي عقولنا فِي ذَاته المشخص فِي أذهاننا وَلَا يَسْتَقِيم هَذَا إِلَّا بعد أَن يتَصَوَّر ذَاته تَعَالَى بِالْوَجْهِ الجزئي. هَذَا غَايَة حَاصِل كَلَامه وَقد أجَاب عَنهُ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله بِأَنَّهُ آلَة الْإِحْضَار وَهُوَ وَإِن كَانَ كليا لَكِن الْمحْضر جزئي وَلَا يخفى على المتدرب مَا فِيهِ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَن الْمحْضر جزئي فِي الْوَاقِع فَهُوَ لَا يُفِيد حصر الألوهية فِي أذهاننا كَمَا هُوَ المُرَاد. وَإِن أَرَادَ أَن الْمحْضر جزئي فِي عقولنا فَمَمْنُوع، فَإِن وَسِيلَة الْإِحْضَار والموصل إِلَيْهِ إِذا كَانَ كليا كَيفَ يحصل بهَا فِي أذهاننا محْضر جزئي وَمَا الْفرق بَين قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَبَين قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الْوَاجِب لذاته. فَإِن مَا يصدق عَلَيْهِ هَذَا الْمَفْهُوم أَيْضا جزئي فِي الْوَاقِع. فَإِن قلت التَّوْحِيد حصر الألوهية فِي ذَات مشخصة فِي نفس الْأَمر لَا فِي أذهاننا فَقَط. قلت فَهَذَا الْحصْر لَا يتَوَقَّف على جعل اسْم الله علما بل إِن كَانَ بِمَعْنى المعبود بِالْحَقِّ يحصل أَيْضا ذَلِك، وَلذَلِك يحصل بقولنَا لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَّا الْوَاجِب لذاته كَمَا سبق وَمن ذهب إِلَى الثَّانِي قَالَ إِنَّه وصف فِي أَصله لكنه لما غلب عَلَيْهِ تَعَالَى بِحَيْثُ لَا يسْتَعْمل فِي غَيره تَعَالَى وَصَارَ كَالْعلمِ أجري مجْرى الْعلم فِي الْوَصْف عَلَيْهِ وَامْتِنَاع الْوَصْف بِهِ وَعدم تطرق الشّركَة إِلَيْهِ. وَاسْتدلَّ، بِأَن ذَاته من حَيْثُ هُوَ بِلَا اعْتِبَار أَمر آخر حَقِيقِيّ كالصفات الإيجابية الثبوتية أَو غير حَقِيقِيّ كالصفات السلبية غير مَعْقُول للبشر فَلَا يُمكن أَن يدل عَلَيْهِ بِلَفْظ. ثمَّ على الْمَذْهَب الثَّانِي قد اخْتلف فِي أَصله فَقَالَ بَعضهم إِن لفظ الله أَصله إِلَه من إِلَه الآهة وإلها بِمَعْنى عبد عبَادَة والإله بِمَعْنى المعبود الْمُطلق حَقًا أَو بَاطِلا فحذفت الْهمزَة وَعوض عَنْهَا الْألف وَاللَّام لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال أَو للْإِشَارَة إِلَى المعبود الْحق وَعند الْبَعْض من إِلَه إِذا فزع وَالْعَابِد يفزع إِلَيْهِ تَعَالَى وَعند الْبَعْض من وَله إِذا تحير وتخبط عقله، وَعند الْبَعْض من لاه مصدر لاه يَلِيهِ ليها ولاها إِذا احتجب وارتفع وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكَمَال ظُهُوره وجلائه مَحْجُوب عَن دَرك الْأَبْصَار ومرتفع على كل شَيْء وَعَما لَا يَلِيق بِهِ. وَالله أَصله الْإِلَه حذفت الْهمزَة إِمَّا بِنَقْل الْحَرَكَة أَو بحذفها وعوضت مِنْهَا حرف التَّعْرِيف ثمَّ جعل علما إِمَّا بطرِيق الْوَضع ابْتِدَاء وَإِمَّا بطرِيق الْغَلَبَة التقديرية فِي الْأَسْمَاء وَهِي تَجِيء فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
ثمَّ اعْلَم أَن حذف الْهمزَة بِنَقْل الْحَرَكَة قِيَاس وَبِغَيْرِهِ خلاف قِيَاس وَهُوَ هَا هُنَا يحْتَمل احْتِمَالَيْنِ لَكِن على الثَّانِي الْتِزَام الْإِدْغَام ووجوبه قياسي لِأَن السَّاقِط الْغَيْر القياسي بِمَنْزِلَة الْعَدَم فَاجْتمع حرفان من جنس وَاحِد أَولهمَا سَاكن وعَلى الثَّانِي الْتِزَامه على خلاف الْقيَاس لِأَن الْمَحْذُوف القياسي كالثالث فَلَا يكون المتحركان المتجانسان فِي كلمة وَاحِدَة من كل وَجه وعَلى أَي حَال فَفِي اسْم الله المتعال خلاف الْقيَاس فَفِيهِ توفيق بَين الِاسْم والمسمى لِأَنَّهُ تَعَالَى شَأْنه خَارج عَن دَائِرَة الْقيَاس وطرق الْعقل وَعند أهل الْحق وَالْيَقِين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. حرف الْهَاء فِي لفظ الله إِشَارَة إِلَى غيب هويته تَعَالَى وَالْألف وَاللَّام للتعريف وَتَشْديد اللَّام للْمُبَالَغَة فِي التَّعْرِيف وَلَفظ الله اسْم أعظم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَقد يُرَاد بِهِ وَاجِب الْوُجُود بِالذَّاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل هُوَ الله أحد} وَفِي قَوْلهم والمحدث للْعَالم هُوَ الله الْوَاحِد فَلَا يلْزم اسْتِدْرَاك الْأَحَد وَالْوَاحد فيهمَا وتفصيله فِي الْأَحَد إِن شَاءَ الله الصَّمد.
الله: علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لجميع الأسماء الحسنى.
(الله) علم على إلاله المعبود بِحَق أَصله إِلَه دخلت عَلَيْهِ ال ثمَّ حذفت همزته وأدغم اللامان
الله: تَبَارَكَ وتَعالى وجَلَّ جَلاَلُهُ- هو عَلَم دالٌّ على الإله الحقِّ دلالة جامعة لمعاني الأسماء الحسنى كلها قاله السيد في "التعريفات".

اخْتِلَاف الدَّاريْنِ

اخْتِلَاف الدَّاريْنِ: إِنَّمَا يتَحَقَّق باخْتلَاف الْعَسْكَر وَالْملك بِحَيْثُ تَنْقَطِع الْعِصْمَة فِيمَا بَينهم حَتَّى يسْتَحل كل من الْملكَيْنِ قتال الآخر. وَإِذا ظفر رجل من عَسْكَر أَحدهمَا بِرَجُل من عَسْكَر الآخر قَتله وَهَذَا الِاخْتِلَاف بَين الْوَارِث والمورث من مَوَانِع الْإِرْث فِي حق أهل الْكفْر كُلية حَتَّى لَا يَرث الذِّمِّيّ من الْحَرْبِيّ وَلَا الْحَرْبِيّ من الذِّمِّيّ. وَأما فِي حق الْمُسلمين فَإِنَّمَا يُؤثر فِي الحرمان جزئية لَا كُلية حَتَّى لَو مَاتَ الْمُسلم فِي دَار الْإِسْلَام وَله ابْن مُسلم فِي دَار الْحَرْب بالاستئمان أَو على الْعَكْس يَرث كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر بِالْإِجْمَاع. وَأما الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر من دَار الْحَرْب فَلَا يَرث الْمُسلم المُهَاجر بالِاتِّفَاقِ. وَمِمَّا حررنا لَك يظْهر التَّوْفِيق بَين مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ إِنَّمَا هُوَ مَانع من الْإِرْث فِي حق الْكفَّار خَاصَّة. وَبَين مَا ذكره صَاحب الْبَسِيط وشارحه من أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بَين الشخصين على ثَلَاثَة أوجه. (اخْتِلَاف حَقِيقَة وَحكما) وَهُوَ مَانع فِي حق الْكَافِر وَالْمُسلم كالحربي وَالذِّمِّيّ وكالمسلم الَّذِي فِي دَارنَا وَمن أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر (وَاخْتِلَاف حكما لَا حَقِيقَة) وَهُوَ مَانع أَيْضا فِي حَقّهمَا كالكافر الْمُسْتَأْمن مَعَ الذِّمِّيّ وكالمسلم الْمُسْتَأْمن الَّذِي كَانَ فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر وَاسْتَأْمَنَ مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام. (وَالثَّالِث اخْتِلَاف حَقِيقَة لَا حكما) وَهُوَ لَيْسَ بمانع لَا فِي حق الْكَافِر وَلَا فِي حق الْمُسلم كالكافر الْمُسْتَأْمن مَعَ الْحَرْبِيّ وَالْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام وَاسْتَأْمَنَ من الْحَرْبِيّ مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام. (وَالِاخْتِلَاف الْحَقِيقِيّ) أَن يكون أَحدهمَا فِي دَار الْإِسْلَام حسا وَالْآخر فِي دَار الْحَرْب. (وَالِاخْتِلَاف الْحكمِي) أَن يكون أَحدهمَا فِي اعْتِبَار الشَّرْع وَحكمه من أهل دَار الْإِسْلَام وَالْآخر من أهل دَار الْحَرْب وَإِن كَانَا مَعًا فِي مَكَان وَاحِد فالاختلاف حكما وحقية مَا يكون اخْتِلَافا بِحَسب الْحس وَفِي اعْتِبَار الشَّارِع كحربي مَاتَ فِي دَار الْحَرْب وَله أَب أَو ابْن ذمِّي فِي دَار الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لَا يَرث الذِّمِّيّ من ذَلِك الْحَرْبِيّ. وَكَذَا لَو مَاتَ الذِّمِّيّ فِي دَار الْإِسْلَام وَله أَب أَو ابْن فِي دَار الْحَرْب فَإِنَّهُ لَا يَرث ذَلِك الْحَرْبِيّ من ذَلِك الذِّمِّيّ. وَكَذَا لَو مَاتَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَارنَا وَله أَب أَو ابْن أسلم فِي دَار الْحَرْب يَعْنِي لم يُهَاجر إِلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يَرث الْأَب أَو الابْن من ذَلِك الْمُسلم وَذَلِكَ لِأَن اخْتلَافهمْ فِي الدَّار حسا وَفِي اعْتِبَار الشَّرْع. (وَالِاخْتِلَاف حكما فَقَط) كمستأمن مَاتَ فِي دَارنَا وَله وَارِث ذمِّي لَا يَرث مِنْهُ لِأَنَّهُمَا وَإِن كَانَا فِي دَار وَاحِدَة حَقِيقَة فهما فِي دارين حكما لِأَن الْمُسْتَأْمن على عزم الرُّجُوع وَتمكن مِنْهُ بل يتَوَقَّف مَاله لوَرثَته الَّذين فِي دَار الْحَرْب لِأَن حكم الْأمان بَاقٍ فِي مَاله لحقه وَمن جملَة حَقه إِيصَال مَاله إِلَى ورثته فَلَا يصرف المَال إِلَى بَيت المَال انْتهى وَالْمرَاد بالمستأمن فِي مِثَال الِاخْتِلَاف حكما لَا حَقِيقَة الْمُسلم الَّذِي كَانَ فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر وَاسْتَأْمَنَ حَتَّى يكون مِثَالا لاخْتِلَاف الدَّار حكما لَا حَقِيقَة بِخِلَاف الْمُسْتَأْمن فِي مِثَال الِاخْتِلَاف حَقِيقَة لَا حكما فَإِن المُرَاد بِهِ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام وَاسْتَأْمَنَ من الْحَرْبِيّ ليدْخل فِي دَار الْحَرْب فَافْهَم واحفظ.

وَإِن: أردْت توضيح التَّوْفِيق فَاعْلَم أَنهم لما عدوا اخْتِلَاف الدَّاريْنِ من الْمَوَانِع ثمَّ فسروه باخْتلَاف المنعة وَالْملك كَاد أَن ينْتَقض بِالْمُسْلِمين الْمُخْتَلِفين بِالْعَدْلِ وَالْبَغي مَعَ أَنهم يتوارثون بالِاتِّفَاقِ خصصوا الْكُلية بالكفار يَعْنِي أَن اخْتِلَاف الدَّار بِهَذَا التَّفْسِير إِنَّمَا يمْنَع كُلية فِي حق الْكفَّار حَتَّى أَن الْكفَّار فِي دارين من دَار الْحَرْب مُخْتَلفين بالمنعة وَالْملك لَا يتوارثون بِخِلَاف أهل الْإِسْلَام فَإِن الِاخْتِلَاف فِيمَا بَينهم بِالدَّار بِهَذَا التَّفْسِير لَا يمْنَع كُلية فَإِن الْبَاغِي والعادل مَعَ أَنَّهُمَا فِي دارين مختلفتين بالمنعة وَالْملك يتوارثان كَمَا خصص السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي شَرحه مُعَللا بِهَذَا التَّعْلِيل كَمَا يلوح لمن يطالعه وشارح الْبَسِيط مَعَ أَنه قَالَ بالتعميم أَولا مَال إِلَى التَّخْصِيص بِعَين هَذَا التَّعْلِيل ثَانِيًا بقوله بعد التَّفْسِير الْمَذْكُور وَهَذَا بِخِلَاف الْمُسلمين فليطالع فِيهِ ليطلع عَلَيْهِ. ثمَّ لما كَانَ الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر من دَار الْحَرْب لَا يَرث الْمُسلم المُهَاجر بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من وَلَا يتهم من شَيْء حَتَّى يهاجروا} إِذْ الْإِرْث من بَاب الْولَايَة حَتَّى أَن أَصْحَاب التفاسير بأجمعهم صَرَّحُوا بذلك.

فِي الْبَيْضَاوِيّ: فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى {من ولايتهم} أَي من توليتهم فِي الْمِيرَاث وَفِي المدارك لصَاحب الْكَنْز هَذَا التَّفْسِير بِعَيْنِه مَعَ زِيَادَة قَوْله فَكَانَ لَا يَرث الْمُؤمن الَّذِي لم يُهَاجر مِمَّن آمن وَهَاجَــر انْتهى. عمم صَاحب الْبَسِيط وشارحه اخْتِلَاف الدَّاريْنِ الْمَانِع من الْإِرْث بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكفَّار وَأهل الْإِسْلَام لكنهما أَرَادوا بالدارين أخص من التَّفْسِير الَّذِي فسر بِهِ المخصصون وَهُوَ دَار الْإِسْلَام وَالْكفْر فَقَط يَعْنِي أَن اخْتِلَاف دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام يمْنَع الْإِرْث مُطلقًا وَإِن كَانَ الِاخْتِلَاف بالمنعة وَالْملك لَا يمْنَع كُلية مُطلقًا بل فِيمَا بَين الْكفَّار خَاصَّة. وَأما بَين الْمُسلمين فَإِنَّمَا يمْنَع إِذا تحقق فِي ضمن الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام حَتَّى إِذا تحقق فِي ضمن فَرد آخر لَا يمْنَع كَمَا بَين الْبَاغِي والعادل فالمخصصون عنوا بِهِ التَّفْسِير الْأَعَمّ والمعمم أَرَادَ الْمَعْنى الْأَخَص فَلَا تدافع. وَأما تواطؤهم على التَّصْرِيح بجري التَّوَارُث بَين الْمُسلم الَّذِي هُوَ فِي دَار الْإِسْلَام مَعَ ورثته الَّذين فِي دَار الْحَرْب فَيَقْتَضِي أَن لَا يُؤثر الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام أَيْضا فِي حق أهل الْإِسْلَام فيصادم بِنَاء التَّوْفِيق فَلَا يُنَافِي قَول صَاحب الْبَسِيط
لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يُرَاد بقَوْلهمْ مَعَ رثته الَّذين فِي دَار الْحَرْب ورثته الَّذين دخلُوا دَار الْحَرْب بعد الْهِجْرَة لَا الَّذين لم يهاجروا على مَا يرشدك إِلَيْهِ عبارَة وَاحِد من المخصصين وَهُوَ صَاحب ضوء السراج من قَوْله حَتَّى لَو دخل التَّاجِر الْمُسلم دَار الْحَرْب لأجل التِّجَارَة وَمَات فِيهَا تَرث مِنْهُ ورثته الَّذين كَانُوا فِي دَار الْإِسْلَام كَذَلِك الْمُسلم إِذا أسره أهل الْحَرْب وألحقوه بدارهم وَمَات فِيهَا وَلم يُفَارق دينه يَرث مِنْهُ ورثته الَّذين فِي دَار الْإِسْلَام لِأَن الدُّخُول فِي دَار الْحَرْب للتِّجَارَة أَو بالأسر لَا يكون إِلَّا بعد الْهِجْرَة. وَلَا يُنكره صَاحب الْبَسِيط أَيْضا لِأَن الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام إِنَّمَا يُؤثر إِذا كَانَ حكما كَمَا صرح هُوَ بِهِ والداخل للتِّجَارَة أَو المأسور على إِرَادَة الرُّجُوع فَكَأَنَّهُ فِي دَار الْإِسْلَام بل صرح بِهِ شَارِحه بقوله وَالْمُسلم الْمُسْتَأْمن مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام فَحصل التَّوْفِيق وَالله ولي التَّوْفِيق. بَقِي شَيْء وَهُوَ أَنه أطبق كلمة المخصصين سوى الحبر النحرير السَّيِّد السَّنَد قدس سره على جعل التَّوَارُث بَين الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْحَرْب وَالَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام غَايَة وَثَمَرَة لهَذَا التَّخْصِيص فَلَو أُرِيد بِهِ روما للتوفيق الْمُسلم الَّذِي دخل دَار الْحَرْب بعد الْهِجْرَة لم يصلح أَن يكون ثَمَرَة لَهُ فَإِنَّهُ لَو فرض تَأْثِير تبَاين الدَّاريْنِ فِي حق أهل الْإِسْلَام أَيْضا فِي الحرمان جرى التَّوَارُث بَينهمَا لاعْتِبَار التباين حكما وَهُوَ مُنْتَفٍ هَا هُنَا. أَلا ترى إِلَى توارث الْكَافِر الْمُسْتَأْمن وَالْحَرْبِيّ مَعَ اعْتِبَار تبَاين الدَّاريْنِ فِي حَقهم بالِاتِّفَاقِ فَلَا بُد أَن يحمل على مَا قبل الْهِجْرَة فينهدم قصر التَّوْفِيق لكنه يُمكن أَن يُقَال عِبَارَات المخصصين سوى صَاحب ضوء السراج مجملة مُحْتَملَة لِأَن يُرَاد فِيهَا بالورثة الْمُسلمين الَّذين فِي دَار الْحَرْب الَّذين لم يهاجروا بعد أَو هَاجرُوا ثمَّ دخلُوا. وَعبارَة ضوء السراج كَمَا سَمِعت آنِفا مفسرة متعينة فِي الثَّانِي. وَمن مسلمات فن الْأُصُول حمل الْمُجْمل على الْمُفَسّر فَلَا بُد أَن يُرَاد مَا بعد الْهِجْرَة خَاصَّة وَأَيْضًا الِاحْتِمَال الأول مُخَالف للنَّص الصَّرِيح فَبَطل وَبَقِي الِاحْتِمَال الثَّانِي جزما فَحصل التَّوْفِيق فِي أصل الْمَسْأَلَة. إِمَّا جعلهم إِيَّاه ثَمَرَة التَّخْصِيص فإمَّا أَن يحمل على قلَّة التعمق مِنْهُم وَلذَا ترى أُسْوَة الْمُحَقِّقين وَسيد الشُّرَّاح قدس سره لم يَجْعَل ثَمَرَة. وَإِمَّا أَن يُقَال إِن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بِمَعْنى دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام الَّذِي هُوَ مَانع فِيمَا بَين أهل الْإِسْلَام أَيْضا لَا يمْنَع كُلية فِي حق أهل الْإِسْلَام كَمَا لَا يمْنَع اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ أَي الِاخْتِلَاف بالمنعة وَالْملك كُلية فِي حَقهم بل إِنَّمَا يمْنَع إِذا كَانَ قبل الْهِجْرَة أما بعد الْهِجْرَة كَمَا إِذا دخل تَاجِرًا أَو أَسِيرًا فَلَا. بِخِلَاف الْكفَّار فَإِن ذَلِك الِاخْتِلَاف مُؤثر فِي الحرمان بَينهم مُطلقًا فَإِن الْأَسير مِنْهُم فِي أَيْدِينَا حَال كَونه على دينه لَا يَرث مِمَّن هُوَ فِي دَار الْحَرْب من أَقَاربه فَإِنَّهُ مَمْلُوك ذمِّي وَالذِّمِّيّ لَا يَرث من الْحَرْبِيّ وَإِن كَانَ يَرث التَّاجِر مِنْهُم إِلَى دَارنَا من أهل الْحَرْب فالثمرة فِي عبارَة ضوء السراج هُوَ الْمَجْمُوع
يَعْنِي أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام إِنَّمَا يُؤثر فِي الحرمان مُطلقًا فِي حق الْكفَّار أما فِي حق الْمُسلمين فَإِنَّمَا يُؤثر قبل الْهِجْرَة أما بعد الْهِجْرَة فَلَا يُؤثر حَتَّى أَن الدَّاخِل فِي دَار الْحَرْب تَاجِرًا أَو أَسِيرًا يَرث فَمن هُوَ فِي دَار الْإِسْلَام بِخِلَاف الْكفَّار فَإِنَّهُم يتوارثون فِي الصُّورَة الأولى دون الثَّانِيَة وَفِي عبارَة الشهابي وَغَيره من المجملين هُوَ الثَّانِي فَقَط أَي الدَّاخِل دَارهم أَسِيرًا فَعلم أَن الْأسر فِي حَقنا لَا يقطع الْولَايَة بخلافهم فَإِن ولَايَة أهل الْإِسْلَام قَوِيَّة فبعدما ثبتَتْ بِالْهِجْرَةِ لم يظْهر عَلَيْهَا اسْتِيلَاء الْكفَّار بالأسر لِأَن الْإِسْلَام بحذافيره يَعْلُو وَلَا يعلى بِخِلَاف الْكفَّار فَإِنَّهُ لما كَانَت ولايتهم فِيمَا بَينهم ضَعِيفَة ترْتَفع باستيلاء أهل الْإِسْلَام. هَذَا التَّوْفِيق الفويق نور من أنوار السَّيِّد السَّنَد السَّيِّد نور الْهدى سلمه الله الْعلي الْأَعْلَى.

السّفر

السّفر: وَللَّه در من قَالَ:
(كل من يُسَافر يصبح أفضل وَأحسن ... )
(لِأَن كل مَا يُشَاهِدهُ يصبح رأسمال الْعين ... )
(فَمن المَاء الْجيد لَا يبْقى شَيْئا ... )
(غير الَّذِي يبْقى فِي مَكَانَهُ فيتأسن ... )
(السّفر) قطع الْمسَافَة يُقَال هُوَ مني سفر بعيد وسفر الصُّبْح بياضه وَيُقَال لبَقيَّة بَيَاض النَّهَار بعد مغيب الشَّمْس سفر

(السّفر) الْمُسَافِر (للْوَاحِد وَالْجمع) والأثر يبْقى على الْجلد (ج) سفور

(السّفر) الْكتاب أَو الْكتاب الْكَبِير وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {كَمثل الْحمار يحمل أسفارا} وجزء من أَجزَاء التَّوْرَاة (ج) أسفار
السّفر:
[في الانكليزية] Journey ،travel
[ في الفرنسية] Voyage
بفتح السين والفاء في اللغة الخروج المديد. وفي الشريعة قصد المسافة المخصوصة كذا في الكرماني. والمسافة المخصوصة هي مسافة ثلاثة أيام ولياليها بسير وسط، وهذا أدنى مدّة السّفر، ولا حدّ لأكثرها. ولا يخفى أنّ مجرد القصد لا يكفي في كون الشخص مسافرا. ولذا قال في التلويح: إنّه الخروج عن عمرانات الوطن على قصد سير تلك المسافة.
فالمسافر من فارق وخرج من بيوت بلده وعماراته أي عن سوره وحدّه قاصدا مسافة ثلاثة أيام ولياليها بسير وسط. والمراد بالقصد هو الإرادة المعتبرة شرعا بأن يكون على سبيل الجزم، والسير الوسط المشي بين البطء والسّرعة، وذلك ما سار الإبل الحمول والرّاجل والفلك إذا اعتدلت الريح وما يليق بالجبل، هكذا في جامع الرموز. وفي الاصطلاحات الصوفية السفر هو توجّه القلب إلى الحقّ، والسّير مترادف له والأسفار أربعة. الأول هو السّير إلى الله من منازل النفس إلى الوصول إلى الأفق المبين، وهو نهاية مقام القلب ومبدأ التجلّيات الأسمائية. الثاني هو السّير في الله بالاتصاف بصفاته والتحقّق بأسمائه إلى الأفق الأعلى، وهو نهاية مقام الروح والحضرة الواحدية، الثالث هو الترقّي إلى عين الجمع والحضرة الأحدية، وهو مقام قاب قوسين، فما بقيت الاثنينية، فإذا ارتفعت فهو مقام أو أدنى وهو نهاية الولاية. الرابع هو السّير بالله عن الله للتكميل وهو مقام البقاء بعد الفناء والفرق بعد الجمع. نهاية السفر الأول هي رفع حجب الكثرة عن وجه الوحدة. ونهاية السفر الثاني هو رفع حجاب الوحدة عن وجوه الكثرة العلمية الباطنية. ونهاية السفر الثالث هو زوال التقيّد بالضدين الظاهر والباطن بالحصول في أحدية عين الجمع. ونهاية السفر الرابع عند الرجوع عن الحقّ إلى الخلق في مقام الاستقامة هو أحدية الجمع والفرق بشهود اندراج الحقّ في الخلق واضمحلال الخلق في الحقّ، حتى ترى العين الواحدة في صور الكثرة والصور الكثيرة في عين الوحدة.
السّفر: فِي اللُّغَة قطع الْمسَافَة. وَفِي الشَّرْع الْخُرُوج عَن بيُوت الْمصر على قصد مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها فَمَا فَوْقهَا بسير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام. وَالْأَحْكَام الَّتِي تَتَغَيَّر بِالسَّفرِ هِيَ قصر الصَّلَاة وَإِبَاحَة الْفطر. وامتداد مُدَّة الْمسْح على الْخُفَّيْنِ إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَسُقُوط وجوب الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّة وَحُرْمَة الْخُرُوج على الْحرَّة بِغَيْر محرم - وَالْمُعْتَبر السّير الْوسط وَهُوَ سير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام فِي أقصر أَيَّام السّنة. وَهل يشْتَرط السّير كل يَوْم إِلَى اللَّيْل اخْتلفُوا فِيهِ الصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط حَتَّى لَو بكر فِي الْيَوْم الأول وَمَشى إِلَى الزَّوَال وَبلغ المرحلة وَنزل وَبَات فِيهَا ثمَّ بكر فِي الْيَوْم الثَّانِي كَذَلِك ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّالِث كَذَلِك يصير مُسَافِرًا كَذَا فِي السراج الْــوَهَّاج. وَلَا يعْتَبر بالفراسخ كَذَا فِي الْهِدَايَة وَلَا يعْتَبر السّير فِي الْبر بالسير فِي الْبَحْر وَلَا السّير فِي الْبَحْر بالسير فِي الْبر وَإِنَّمَا يعْتَبر فِي كل مَوضِع مِنْهُمَا مَا يَلِيق بِحَالَة وَيعْتَبر الْمدَّة من أَي طَرِيق أَخذ فِيهِ فالرجل إِذا قصد بَلْدَة وإليها طَرِيقَانِ أَحدهمَا مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَالْأُخْرَى دونهَا فسلك الطَّرِيق الْأَبْعَد كَانَ مُسَافِرًا عندنَا كَذَا فِي (فَتَاوَى قاضيخان) وَإِن سلك الأقصر يتم كَذَا فِي (الْبَحْر الرَّائِق) . وَيسْتَحب السّفر يَوْم الْخَمِيس والسبت فِي أول النَّهَار. وَقَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لَا تسافروا فِي آخر الشَّهْر وَلَا تسافروا وَالْقَمَر فِي الْعَقْرَب كَذَا فِي فَتَاوَى الْحجَّة وَللَّه در النَّاظِم. (رفتم برآن دلبر شيرين غبغب ... كفتم بسفر مي روم اي مَه امشب)

(رجون مَه وزلف جون عقرب بكشود ... )

(يَعْنِي كه مرو هست قمر در عقرب ... )

وَفِي الشرعة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ يكره السّفر وَالنِّكَاح فِي محاق الشَّهْر وَإِذا كَانَ الْقَمَر فِي الْعَقْرَب - وَفِي آدَاب المريدين وَلَا يُسَافر بِغَيْر رضَا الْوَالِدين والأستاذ حَتَّى لَا يكون عاقا فِي سَفَره فَلَا يجد بَرَكَات سَفَره - وَفِي الْحصن الْحصين من كَلَام سيد الْمُرْسلين وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتُحِبُّ يَا جُبَير إِذا خرجت فِي سفر أَن تكون أمثل أَصْحَابك هَيْئَة أَي أحسن وَأَكْثَرهم زادا فَقلت: نعم بِأبي أَنْت وَأمي قَالَ: فاقرأ هَذِه السُّور الْخمس: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {وَإِذا جَاءَ نصر الله} و {قل هُوَ الله أحد} و {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} وافتتح كل سُورَة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم واختتم قراءتك بهَا قَالَ جُبَير وَكنت غَنِيا كثير المَال فَكنت أخرج فِي سفر فَأَكُون أبذهم وَأَقلهمْ زادا فَمَا زلت مُنْذُ علمتهن من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقرأت بِهن أكون من أحْسنهم هَيْئَة وَأَكْثَرهم زادا حَتَّى أرجع من سَفَرِي انْتهى.
وَالسّفر عِنْد أَوْلِيَاء الله تَعَالَى عبارَة عَن سير الْقلب عِنْد أَخذه فِي التَّوَجُّه إِلَى الْحق بِالذكر والأسفار عِنْدهم أَرْبَعَة كَمَا بَين فِي كتب السلوك وَاعْلَم أَن شَدَائِد السّفر أَكثر من أَن تحصى وَلذَا اشْتهر أَن السّفر قِطْعَة من السقر وَللَّه در الشَّاعِر.
(سفر اكرجه زيك نقطه كمتر از سقراست ... )

(ولي عَذَاب سفر از سقر زياده تراست ... )

ومنافعه أَعم وأوفى.
ف (57) :

الدِّرْهَم

(الدِّرْهَم) جُزْء من اثْنَي عشر جُزْءا من الْأُوقِيَّة وَقطعَة من فضَّة مَضْرُوبَة للمعاملة (ج) دَرَاهِم (مَعَ)
الدِّرْهَم: فِي الْفَتَاوَى العالمكيرية الدِّرْهَم أَرْبَعَة عشر قيراطا. والقيراط خمس شعيرات كَذَا فِي التَّبْيِين وَفِي المُرَاد من دِرْهَم فِي قَول الْفُقَهَاء وعفي قدر الدِّرْهَم من نجس مغلظ اخْتِلَاف رِوَايَات وَالصَّحِيح أَن يعْتَبر بِالْوَزْنِ فِي النَّجَاسَة المتجسدة وَهُوَ أَن يكون وَزنه قدر المثقال وبالمساحة فِي غَيرهَا وَهُوَ قدر عرض الْكَفّ كَذَا يفهم من التَّبْيِين والمثقال عشرُون قيراطا كَذَا فِي الْجَوَاهِر النيرة وَهُوَ الصَّحِيح كَذَا فِي الْبَحْر الرَّائِق نَاقِلا عَن السراج الْــوَهَّاج وَالْمرَاد بِعرْض الْكَفّ مَا وَرَاء مفاصل الْأَصَابِع كَذَا فِي شرح مجمع الْبَحْرين لِابْنِ الْملك وَفِي الرسَالَة الْمَنْظُومَة فِي معرفَة الدِّرْهَم وَالدِّينَار.
(دويست درم نقره كَانَ هست نِصَاب ... )

(بنجاه ودونيم توله از روى حِسَاب ... )

(يكتوله وسه ماهجه وشش حبه بود ... )

(زَان بِنَجْد رم زكوة ايْنَ است حِسَاب ... )

أكَلَهُ

أكَلَهُ أكلاً ومَأكَلاً، فهو آكِلٌ وأكيلٌ من أكَلَةٍ.
والأَكْلَةُ: المَرَّةُ، وبالضم: اللُّقْمَةُ، والقُرْصَة، والطُّعْمَةُ، ج: كصُرَدٍ.
وذو الأُكْلَةِ: حَسَّانُ بنُ ثابِتٍ، رضي الله تعالى عنه، وبالكسرِ: هَيْئَتُه، والغِيبَةُ، ويُثَلَّثُ، والحِكَّةُ،
كالأُكالِ والأَكِلَةِ، كغُرابٍ وفَرِحَةٍ.
ورجُلٌ أُكَلَةٌ، كهُمَزَةٍ وأميرٍ وصَبورٍ: بمعنىً.
وآكَلَهُ الشيءَ: أطْعَمَهُ إِياهُ ودَعاهُ عليه،
كأَكَّلَهُ تأكيلاً،
وـ فلاناً مواكَلَةً وإِكالاً: أكَلَ معه،
كَواكَلَهُ في لُغَيَّةٍ،
وـ بينَهُم: حَمَلَ بعضُهم على بعضٍ،
وـ النَّخْلُ والزَّرْعُ: أطْعَمَ،
وـ فلانٌ فلاناً: أمْكَنَهُ منه.
واسْتَأكَلَهُ الشيءَ: طَلَبَ إليه أن يَجْعَلَهُ له أُكْلَةً.
ويَسْتَأكلُ الضُّعَفاءَ، أي: يأخُذُ أموالَهم.
والأُكْلُ، بالضم وبضمتينِ: التَّمْرُ والرِزْقُ، والحَظُّ من الدُّنْيا، والرأيُ، والعَقْلُ، والحَصافَةُ، وصَفاقَةُ الثوبِ، وقُوَّتُهُ.
والأَكيلُ والأَكيلَةُ: شاةٌ تُنْصَبُ لِيُصادَ بها الذِّئبُ ونحوُهُ،
كالأُكولَةِ، بضمتينِ، وهي قَبيحَةٌ، والمأكولِ والمُؤاكِلِ، وما أكَلَهُ السَّبُعُ من الماشِية،
كالأَكِيلةِ.
والأُكولَةُ: العاقِرُ من الشِّياه، والشَّاةُ تُعزَلُ لِلأَكْلِ.
والمأكَلَةُ، وتُضَمُّ الكافُ: المِيرَةُ، وما أُكِلَ، ويوصَفُ به فيقالُ: شاةٌ مَأكُلَةٌ.
وذوُو الآكالِ، بالمَدِّ، لا الآكالُ، ووَهِمَ الجَوهرِيُّ: سادَةُ الأَحْياءِ. الآخذِينَ لِلمِرْباعِ.
وآكالُ المُلُوكِ: مآكِلُهُمْ،
وـ من الجُنْدِ: أطْماعُهُم.
والآكِلَةُ: الراعِيةُ.
وآكِلَةُ اللَّحْمِ: السِّكِّينُ، والعَصا المُحَدَّدَةُ، والنارُ، والسِّياطُ.
والمِئْكَلَةُ: القَصْعَةُ الصغيرةُ تُشْبعُ الثلاثةَ، والبُرْمَةُ الصغيرةُ، وكلُّ ما أُكِلَ فيه.
وأكِلَ العُضْوُ والعُودُ، كفرِحَ،
وائْتَكَلَ وتأكَّلَ: أكَلَ بعضُه بعضاً، والاسمُ: كغُرابٍ وكِتابٍ.
والأَكِلَةُ، كفرِحةٍ: داءٌ في العُضْوِ يَأْتَكِلُ منه.
وتأكَّلَ منه: غَضِبَ وهاجَ،
كائْتَكَلَ،
وـ الكُحْلُ، والصَّبِرُ، والفِضَّةُ، والسيفُ، والبَرْقُ: اشْتَدَّ بَريقُه.
وأكِلَتِ الناقةُ كفرِحَ، أكالاً، كسحابٍ: نَبَتَ وبَرُ جَنينها فَوَجَدَتْ حِكَّةً وأذًى في بَطْنِها، وهي أكِلَةٌ، كفرِحةٍ، وبها أُكالٌ، كغُرابٍ،
وـ الأَسْنانُ: تَكَسَّرَتْ.
والآكِلُ: المَلِكُ.
والمأكوالُ: الرَّعِيَّةُ.
والمُؤْكَلُ، كمُكْرَمٍ: المَرْزوقُ.
والْمِئْكالُ: المِلْعَقَةُ.
وأكَلَني رأسي إِكْلَةً، بالكسر، وأُكالاً، بالضم والفتح: حَكَّني.
وائْتَكَلَ غَضَباً: احْتَرَقَ وتَوَهَّجَ.
وأكَّلَ مالي تأكيلاً وشَرَّبَهُ: أطْعَمَهُ الناسَ.
وظَلَّ مالي يُؤَكِّلُ ويُشَرِّب، أَي: يَرْعَى كيفَ شاءَ.
و"أُمِرْتُ بقَرْيَةٍ تأكُلُ القُرَى"، أي: يَفْتَحُ أهْلُها القُرَى، ويَغْنَمونَ أموالَها، فجَعَلَ ذلك أكلاً منها، أو هذا تَفْضيلٌ لها، كقولِهم: هذا حديثٌ يأكُلُ الأحاديثَ.

الْمحرم

(الْمحرم) ذُو الْحُرْمَة وَمن الْإِبِل الصعب الَّذِي لَا يركب كَأَنَّمَا حرم ظَهره وَأول الشُّهُور الْعَرَبيَّة وَمن الْجُلُود مَا لم يدبغ أَو مَا لم تتمّ دباغته وَمن السِّيَاط الْجَدِيد الَّذِي لم يلين بعد وَمن الْأنف مارنه

(الْمحرم) ذُو الْحُرْمَة وَمن النِّسَاء وَالرِّجَال الَّذِي يحرم التَّزَوُّج بِهِ لرحمه وقرابته وَمَا حرم الله تَعَالَى (ج) محارم ومحارم اللَّيْل مخاوفه

(الْمحرم) لِبَاس الْإِحْرَام
الْمحرم: بِالْكَسْرِ من الْإِحْرَام مَا يَجْعَل الشَّيْء حَرَامًا مَمْنُوعًا. وَعند الْفُقَهَاء فِي بَاب الْحَج من يَجْعَل الْمُبَاح عَلَيْهِ حَرَامًا بنية الْحَج أَو الْعمرَة. وَهُوَ أَنْوَاع مُفْرد بِالْحَجِّ وَهُوَ أَن يحرم بِهِ من الْمِيقَات أَو قبله فِي أشهر الْحَج أَو قبلهَا - ومفرد بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ من يحرم بهَا من الْمِيقَات أَو قبله - وقارن وَهُوَ من يجمع بَينهمَا بِالْإِحْرَامِ من الْمِيقَات أَو قبله فِي أشهر الْحَج أَو قبلهَا - ومتمتع وَهُوَ من يحرم
بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج أَو قبلهَا. ثمَّ يحجّ من عَامه ذَلِك قبل أَن يلم بأَهْله إلماما صَحِيحا. وبالفتح من التَّحْرِيم المكرم والمعظم وَمَا جعل حَرَامًا مَمْنُوعًا والإلمام نَوْعَانِ صَحِيح وفاسد الْإِلْمَام الصَّحِيح أَن يرجع إِلَى أَهله وَلَا يكون الْعود إِلَى مَكَّة مُسْتَحقّا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيط - والإلمام الْفَاسِد أَن يلم بأَهْله حرا مَا كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ - والإلمام الصَّحِيح إِنَّمَا يكون فِي الْمُتَمَتّع الَّذِي لَا يَسُوق الْهَدْي. أما إِذا سَاق الْهَدْي فإلمامه فَاسد لَا يمْنَع صِحَة التَّمَتُّع خلافًا لمُحَمد رَحمَه الله تَعَالَى كَذَا فِي السراج الْــوَهَّاج.

الجهاد

الجهاد
قوبل الدين الجديد بأعنف مظاهر المعارضة، واجتمع أعداؤه يريدون القضاء عليه، ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يخنقوه في مهده، وأن يبيدوا فكرته ومبادئه، ولم يقفوا عند حد الجدل اللسانى، أو المعارضة القولية، بل تعدوا ذلك إلى أشد ألوان الإيذاء، فحملوا بقسوة على من اعتنق هذا الدين الجديد، حتى أصبح مقامهم في وطنهم عبئا لا يحتمل، وجحيما لا يطاق، ففروا بدينهم إلى المدينة، وضحوا في سبيل عقيدتهم بأموالهم. وأهليهم، فكان من الطبيعى أن يسمح لمعتنقى هذا الدين الذى اتخذ شعاره: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل 125). أن يعدوا العدة للدفاع عن أنفسهم، والدفاع عن عقيدتهم، حتى يتدبر الناس أمرها في حرية وأمن، ويتدبروا ما فيها من الحق والصواب، فيعتنقوها عن اقتناع، ويدخلوها مطمئنين، لا يخافون، وقد بين القرآن ذلك في قوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ (الحج 39، 40). وإن أحق ما يعطاه المظلوم من الحقوق الدفاع عن النفس، ليعيش آمنا في سربه، مطمئنّا إلى حياته، لا يخشى أحدا على نفسه ولا عقيدته، والجهاد هو الذى يدفع شرّة العدو، ويحول بينه وبين الاعتداء والتعدى، فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (النساء 84).
وإذا كان للجهاد، هذا الأثر القوى في تأمين الجماعة الناشئة على نفسها وعقيدتها، فلا جرم كان له مكانه الممتاز بين مبادئ هذا الدين وقواعده، حتى إنه لينكر أن يسوى به غيره مما لا يبلغ قدره وقيمته، فيقول: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَــرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التوبة 19 - 22).
ويقول: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (النساء 95).
أرأيت هذا التكرير وما يحمله من معانى التوكيد، مثبتا في النفس فضل الجهاد وقدره وقيمته.
والقرآن يعترف بأن الجهاد فريضة ثقيلة على النفوس، لا تتقبله في يسر، ولا تنقاد إليه في سهولة، فهو يعلم ما لغريزة حب الذات من أثر قوى في حياة الإنسان وتوجيه أفعاله، ولذلك تحدث في صراحة، مقررا موقف النفس الإنسانية، من تلك الفريضة الشاقة، التى يعرض المرء فيها حياته لخطر الموت، وقد طبعت النفوس على بغضه وكراهيته، فقال كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة 216). ويقرر في صراحة أن نفوس المسلمين قد رغبت في أن تظفر بتجارة المكيين الآئبة من الشام، والتى يستطيعون الاستيلاء عليها من غير أن يريقوا دماءهم في قتال مرير مع القرشيين، إذ يقول: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (الأنفال 7).
وإذا كانت النفس الإنسانية تجد الجهاد فريضة شاقة، فقد جمع القرآن حولها من المغريات ما يدفع إلى قبولها قبولا حسنا، بل إلى حبها والرغبة فيها.
وإذا كان أول ما يثنى المرء عن الجهاد هو حبه للحياة وبغضه للموت، فقد أكد القرآن مرارا أن هذا الذى يقتل في سبيل الله حىّ عند ربه يرزق، وإن كنا لا نشعر بحياته ولا نحس بها، فقال: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران 169 - 171). وإذا كان من يقتل في سبيل الله حيا يرزق، ويظفر بحياة سعيدة، فرحا بما أنعم الله به عليه، ولا يمسه خوف، ولا يدركه حزن، فلا معنى للإحجام عن الجهاد، حرصا على حياة لا تنقطع بالموت في ميدان القتال، ولا تنتهى بالاستشهاد، بل يستأنف صاحبها حياة أخرى آمنة، خالصة مما يشوب حياة الدنيا من القلق والمخاوف والأحزان.
ويمضى بعدئذ، غارسا في نفوسهم أن الموت قدر مقدور، لا يستطيع المرء تجنبه أو الهرب منه، فلا معنى إذا لتجنب الجهاد الذى لا يدنى الأجل، إذا كان في العمر فسحة، إذ الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (الأعراف 34). فيقول: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (الأعراف 34). ويقول: يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ (آل عمران 154). ويرد على أولئك الذين يزعمون الجهاد مجلبة للموت ردّا رفيقا حازما في قوله: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (آل عمران 167، 168). وإذا كان المرء يموت عند انقضاء أجله، فلا معنى كذلك للفرار من ميدان القتال خوفا من الموت إذ لا
شىء يحول بينهم وبينه إن كان أجلهم قد دنا، قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (الأحزاب 16، 17).
وإذا كانت الدنيا زائلة لا محالة والموت قادما لا ريب فيه، وإذا كان الباقى الدائم هو الدار الآخرة والجهاد وسيلة من وسائل السعادة في هذه الدار- كان العاقل الحازم هو هذا الذى يقبل على الجهاد بنفس راضية، مؤثرا ما يبقى على ما يزول قال سبحانه: فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (النساء 74). ويرد على هؤلاء الذين اعترضوا على فرض القتال بقوله: وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (النساء 77، 78).
ويثير فيهم النخوة الإنسانية، وشهامة الرجولة، حينما يمثل لهم واجبهم المقدس إزاء إنقاذ قوم ضعاف يسامون الذل، ويقاسون الظلم، على أيدى قرية ظالم أهلها، فلا يجدون ملجأ يتجهون إليه سوى الله، يرجونه ويطلبون نصرته، أليس هؤلاء الضعاف أجدر الناس بأن يهب من لديهم نخوة لإنقاذهم من أيدى ظالميهم؟ قال سبحانه: وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (النساء 75).
ويمثلهم وأعداءهم معسكرين، أحدهما ينصر الله، وثانيهما ينصر الشيطان، أحدهما يدافع عن الحق، وثانيهما يدافع عن الباطل والغواية، والدفاع عن الحق من عمل الإنسان الكامل، أما الباطل فلا يلبث أن ينهار في سرعة، لأنه هشّ ضعيف، الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (النساء 76).
أما جزاء الجهاد فقد أعد الله للمجاهد مغفرة منه ورحمة خيرا مما يتكالب الناس على جمعه في هذه الحياة، وهيأ له جنات تجرى من تحتها الأنهار، فقد عقد معه عقد بيع وشراء، يقاتل في سبيله، فيقتل ويقتل، وله في مقابل ذلك جنة الخلد، ذلك عهد قد أكد الله تحقيقه في قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة 111). وأكّد القرآن هذا، وكرره في مواضع عدة، فقال مرة: فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (آل عمران 195). وقال أخرى حاثا على الجهاد مغريا به: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (الصف 10 - 12).
ويشجعهم على تتبع أعدائهم بلا تباطؤ ولا وهن، مبينا لهم أن أعداءهم ليسوا بأسعد حالا منهم، فهم يتألمون مثلهم ثمّ هم يمتازون عليهم بأن لهم آمالا في الله، ورجاء في ثوابه وجنته، ما ليس لدى أعدائهم، ولذا كانوا أجدر منهم بالصبر، وأحق منهم بالإقدام، فيقول: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء 104).
تلك هى المغريات التى بثها القرآن هنا وهناك، يحث بها على الجهاد، ويوطن النفس على الرغبة فيه والإقبال عليه، وأنت تراها مغريات طبيعية تدفع النفس إلى الإقدام على مواطن الخطر غير هيابة ولا وجلة، مؤمنة بأنه لن يصيبها إلا ما كتب الله لها، فلا الخوف بمنجّ من الردى، ولا الإحجام بمؤخر للأجل، مؤملة خير الآمال في حياة سعيدة قادمة، لا يعكر صوفها خوف ولا حزن.
وإذا كان الله قد حث النفس الإنسانية على الجهاد، وحببه إليها، فقد حذرها من الفرار من ميدان القتال تحذيرا كله رهبة وخوف، وإن الفرار يوم الزحف لجدير أن يظفر بهذا التهديد، لأنه يوهن القوى، ويفت في العضد، ويسلم إلى الانحدار، والهزيمة، فلا غرابة أن نسمع هذا الزجر العنيف في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (الأنفال 15، 16).
ويشير القرآن إلى أن الإعداد للحرب وسيلة من وسائل تجنّبها، وهو من أجل ذلك يحث على إعداد العدة واتخاذ الأهبة، حتى يرهب العدو ويحذر، فيكون ذلك مدعاة إلى العيش في أمن وسلام، ويدعو القرآن إلى البذل في سبيل هذا الإعداد، حتى ليتكفل بوفاء النفقة لمن أنفق من غير ظلم ولا إجحاف به، والقرآن بتقرير هذا المبدأ عليم بالنفس الإنسانية التى يردعها الخوف فيثنيها عن الاعتداء، قال سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (الأنفال 60).
وبهذه القوة التى أمرنا القرآن بإعدادها نرهب العدو، ونستطيع القضاء عليه، إذا هو حاول الهجوم، أو نقض عهدا كان قد أبرمه معنا، وبها نقلّم أظافره، فلا نغتر بما قد يبديه من خضوع، يخفى وراءه رغبة في الانقضاض إن واتته الفرصة، أو وجد عندنا غفلة، وبهذه القوة يشعر العدو بخشونة ملمسنا، وأننا لسنا لقمة سائغة الازدراء،
فالقتال مباح حتى يأمن سرب الجماعة، ويهدأ بالها، فلا تخشى هجوما ولا مباغتة، ولكن من غير أن تحملنا القوة على الزّهو فنعتدى، وبهذه القوة نقابل الاعتداء بمثله، من غير أن نظهر وهنا ولا استكانة يظنها العدو ضعفا، وبها نقضى على أسباب الفتنة، حتى تصبح حرّيّة العبادة مكفولة، وحرية العقيدة، موطدة الأركان، واستمع إلى هذه المبادئ القوية مصوغة في أسلوب قوى في قوله: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة 190 - 193).
وإِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (الأنفال 55 - 57)، وكَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة 7 - 15). يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة 123). فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (محمد 35).
ولم يدع القرآن بابا لتقوية الروح المعنوية لدى المسلمين إلا سلكه، ففضلا عن المغريات التى أسلفنا الحديث عنها، يؤكد لهم مرارا أن الله معهم، وأنه وعد من ينصره بالنصر المؤزر، ويطمئنهم بأنه يمدهم بالملائكة يساعدونهم ويشدون عضدهم، ويخبرهم بأنه ينزل السكينة على قلوبهم، والأمن على أفئدتهم، ويربط على قلوبهم ويثبت أقدامهم، وهو يعلم ما للإيمان الصادق، وما للروح المعنوية القوية من أثر بالغ في صدق الدفاع والنصر، ولهذا جعل المؤمن الصابر الصادق يساوى فى المعركة عشرة رجال، ثم رأى أن هذا الجندى المثالى قليل الوجود، فجعل المؤمن الواحد يساوى اثنين، فللقوة المعنوية أثرها الذى لا ينكر في ميدان القتال، واستمع إليه يقول: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال 65).
ويقرر القرآن ما للرعب الذى يلقيه في قلوب أعدائهم من الأثر فيما يلحقهم من الهزائم، وفي كل ذلك تثبيت لقلوب المؤمنين، وتقوية لروحهم المعنوية.
هذا، ومن أهم ما عنى به القرآن وهو يصف القتال الناجح- وصفه المقاتلين يتقدمون إلى العدو في صفوف ملتحمة متجمعة، لا ثغرة للعدو ينفذ منها، ولا جبان بين الصفوف يتقدم في خوف ووهن، وذلك حين يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف 4). وفي كلمة البنيان والرصّ ما يصور لك صفوف المجاهدين يتقدمون في قوة وحزم، يملأ قلوبهم الإيمان، ويحدوهم اليقين.
كما عنى بالحديث عن الجند الخائن، وأن الخير في تطهير الجيش منهم، فهم آفة يبثون الضعف، ويبذرون بذور الوهن في النفس، ويقودون الجيش إلى الانهيار والهزيمة، وقد أطال القرآن في وصف هؤلاء الجند وتهديدهم وتحذير الرسول من صحبتهم، فقال مرة: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (النساء 72، 73). ويصفهم مهددا منذرا فى قوله: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (التوبة 81 - 87). ويبين أن الخير في عدم استصحابهم، فيقول: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (المائدة 47). وهذه النذر القوية تؤذن بما للجهاد من أثر في صيانة الدين، والتمكين له في الأرض.
الجهاد:
[في الانكليزية] Effort ،holywar ،struggle against the desires
[ في الفرنسية] Effort ،guerre sainte ،lutte contre les desirs
بالكسر في اللغة بذل ما في الوسع من القول والفعل كما قال ابن الأثير. وفي الشريعة قتال الكفار ونحوه من ضربهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم وغيرها كذا في جامع الرموز. ومثله في فتح القدير حيث قال:
الجهاد غلب في عرف الشرع على جهاد الكفار وهو دعوتهم إلى الدين الحق وقتالهم إن لم يقبلوا، وهو في اللغة أعمّ من هذا انتهى.
والسّير أشمل من الجهاد كما في البرجندي.
وعند الصوفية هو الجهاد الأصغر. والجهاد الأكبر عندهم هو المجاهدة مع النفس الأمّارة كذا في كشف اللغات.

المعرّب

المعرّب:
[في الانكليزية] Word introduced in Arabic
[ في الفرنسية] Arabise
اسم مفعول من التعريب وهو عند أهل العربية لفظ وضعه غير العرب لمعنى استعمله العرب بناء على ذلك الوضع. واختلف في وقوعه في القرآن، فقيل بوقوعه وهو مروي عن ابن عباس وعكرمة ونفاه الأكثرون. دليل المثبتين أنّ المشكاة هندية والاستبراق والسجّيل فارسيتان والقسطاس رومية، وقول الأكثر ولا نسلّم ذلك لجواز كونه ممّا اتفق فيه اللغتان كالصابون والتّنور بعيد لندرة مثله، والاحتمالات البعيدة لا تدفع الظهور وهو المدعى. هذا وإنّ إجماع أهل العربية على أنّ منع صرف إبراهيم ونحوه للعجمة والتعريف يوضّح الوقوع أيضا، لكن جعل الأعلام من المعرّب أو مما فيه النزاع محلّ مناقشة. أمّا في الأول فأن يقال اعتبار العجمة في هذه الأعلام لمنع الصرف لا يقتضي كونها معرّبة أو لا يرى أنّ عربيا لو سمّى ابنه بابراهيم منعه عن الصرف للتعريف والعجمة مع أنّه على هذا ليس بمعرّب قطعا، إذ استعماله في ذلك المعنى ليس مأخوذا من غيرهم. والتحقيق أنّ التعريب أخذهم اللفظ مع الوضع من غيرهم والعجمة باعتبار أخذ اللفظ أعمّ من أن يكون مع الوضع أو بدونه فهي أعمّ فلا تستلزم التعريب ولا يكون الإجماع عليها موضحا لوقوع المعرّب في القرآن وأمّا في الثاني فإن يقال على تقدير تسليم أنّ هذه الأعلام معرّبة لا نسلّم أنّها مما وقع فيه النزاع فإنّ الأعلام ليست موضوعة في أصل اللغة، بل إنّما هي بأوضاع متجدّدة والكلام فيما هو من الأوضاع الأصلية.
ودليل النفاة قوله تعالى أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ فنفى القرآن أن يكون متنوعا وهو لازم لوجود المعرّب فيه فينتفي. والجواب لا نسلّم أنّه نفي التنويع بل المراد أكلام أعجمي ومخاطب عربي لا يفهم، فيبطل غرض إنزاله، ويدلّ عليه سياق الآية من ذكر كون القرآن عربيا وأنّه لو أنزل أعجميا لقالوا ذلك، وهذه الألفاظ كانوا يفهمونها فلا يندرج في الإنكار. سلّمنا أنّه لنفي التنويع لكن المراد أعجمي لا يفهم وهذه تفهم فلا يندرج في الإنكار، هكذا يستفاد من العضدي وحاشيته للسّيّد السّند في مبادئ اللغة.
والمعرب عند الشّعراء هو الشّعر الذي يراعى فيه الإعراب ويقال لهذا الفعل: التعريب. ومثال مراعاة حركات الفتح المتوالية في البيت التالي وترجمته:
يا صنما! الكلّ يجب عليه الوفاء يكون علاجا فالوفاء يلزم أداؤه والبيت التالي مثال على توالي حركات الرفع. وترجمته:
ضاعت الأترجّة وما تفتّح الورد مثل جبرائيل مات البلبل وصاح الصلصل وهاج وكذا يعدّ من المعرّب ما إذا كانت حروف البيت كلّها شفوية فلا يتحرّك اللّسان كالمصراع الفارسي التالي وترجمته:
ابق مع الهوى وابق مع الوفاء وكذلك يمكن أن تكون حروف البيت كلّها حلقية فلا يتحرّك اللّسان والشّفة كما في المصراع التالي وهو بالعربية: وقهقه عقيقها. أو أن تكون الحروف بجملتها لا حرف شفوي فيها فيتحرّك اللسان وحده دون الشّفة:
لقد صحّ يا صديقي فما عندك رأس للجلال كذا في جامع الصنائع.

شرقش

شرقش
ومِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه: شارِنْقَاش: بلْدَة بغَرْبِيَّةِ مِصْرَ، مِنْهَا الشَّمْسُ محمَّدُ بنُ عليِّ بنِ محمَّدِ بنِ أَحمَدَ بنِ محمَّد بنِ محمَّدِ بنِ حَمْدُود، الغَزِّيُّ الأَصْلِ، الشافِعيّ، ولد سنة، وحَدَّث عَن الشّادِي، والدّيِميّ، والجَلال القمصيّ وهاجَــر، وأُمِّ هانِئٍ الهُورِينِيَّة، مَاتَ سنة.

الشَّهْوَة من الرجل وَغَيره

(بَاب الشَّهْوَة من الرجل وَغَيره)
قالَ ابنُ الأعرابيّ: يُقالُ: شَهْوَةُ الرجلِ وشَبَقُهُ [وغُلْمَتُهُ] . ويُقالُ (214) : شَبِقَ يَشْبَقُ شَبَقاً (215) . ويُقالُ: قَطِمَ الرجلُ أَيْضا [والأصلُ] فِي ذَلِك للبَعِيرِ. ويُقالُ هَذَا كثلُّهُ فِي المرأةِ أَيْضا (216) . [ويُقالُ] : غُلامٌ غِلِّيمٌ، وجارِيَةٌ غِلّيِمٌ وغِلِّيمَةٌ. وقالَ الراجزُ (217) :وَقد قَالُوا أَيضاً: ناقةٌ مُسْتَحْرِمَةٌ وحَرْمَى، كَمَا قَالُوا فِي الشاةِ، وَقَالُوا فِي ذِي. الظِّلْفِ: يُقالُ: أَحْرَمَتِ الشاةُ واستَحْرَمَتْ، وشاةٌ مُسْتَحْرِمَةٌ وحَرْمَى وحِرامٌ. وكلُّ ذِي ظِلْفٍ يُقالُ لَهُ: استحرمَ. ويُقالُ: نَعْجَةٌ حانِيةٌ بَيِّنَةُ الحُنُوِّ. ويُقالُ: اغْتَلَمَ التَّيْسُ وهَبَّ واهْتَبَّ وهاجَ. ويُقالُ: صَرَفَتِ الكَلْبَةُ صِرافاً وصُرُوفاً، وظَلَعَتْ تَظْلَعُ ظُلوعاً. وَمن أمثالِهِم: (لَا أَفْعَلُ ذَلِك حَتَّى ينامَ ظالِعُ الكلابِ) (226) . أَي الصَّارِفُ. ويُقالُ أَيْضا: أَجْعَلَتْ واستَجْعَلَتْ واستطارَتْ. ويُقالُ: استَحْرَمَتِ الذِّئبَةُ، وذِئبةٌ مُجْعِلٌ.

التَّبْلُ

التَّبْلُ، كالضَّرْبِ: العَداوَةُ، ج: تُبولٌ، وتَبابيلُ نادِرٌ، والذَّحْلُ، والإِسْقامُ،
كالإِتْبَالِ.
وتَبَلَهُ: ذَهَبَ بعَقْلِهِ،
وـ الدَّهْرُ القومَ: رَماهُمْ بصُروفِهِ وأفْناهُم،
وـ المرأةُ فُؤادَ الرجُلِ: أصابَتْهُ بِتَبْلٍ،
وـ القِدْرَ: جَعَلَ فيها التابِلَ،
كَتَبَّلَها وتوْبَلَها وتابَلَها.
والتابِلُ، كصاحِبٍ وهاجَــرَ وجَوْهَرٍ: أبْزارُ الطعامِ، ج: تَوابِلُ.
والتَّبَّالُ: صاحِبُهَا.
وتُوبالُ النُّحاسِ والحديدِ، (بالضم) : ما تَساقَطَ منه عندَ الطَّرْقِ، ومِثْقَالٌ منه بماءِ العَسَلِ شُرْباً يُسْهِلُ البَلْغَمَ بقُوَّةٍ.
وتَبالَةُ: د باليمن خَصْبَةٌ، اسْتُعْمِلَ عليها الحَجَّاجُ، فأتاها، فاسْتَحْقَرَهَا، فلم يَدْخُلْهَا، فقيل: "أهْوَنُ من تَبَالَةَ على الحَجَّاجِ". وكزُفَرَ: وادٍ.
وكسُكَّرٍ: د من عَمَلِ حَلَبَ.
وكفر تَبيلٍ، كأَميرٍ: ع بين الرَّقَّةِ وبالِسَ.

مِصْرُ

مِصْرُ:
سمّيت مصر بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح، عليه السّلام، وهي من فتوح عمرو بن العاص في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقد استقصينا ذلك في الفسطاط، قال صاحب الزيج:
طول مصر أربع وخمسون درجة وثلثان، وعرضها تسع وعشرون درجة وربع، في الإقليم الثالث، وذكر ابن ما شاء الله المنجم أن مصر من إقليمين: من الإقليم الثالث مدينة الفسطاط، والإسكندرية، ومدن إخميم، وقوص، واهناس، والمقس، وكورة الفيوم، ومدينة القلزم، ومدن أتريب، وبنى، وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عرض مدينة الإسكندرية وأتريب وبنى وما والى ذلك ثلاثون درجة، وإن عرض مصر وكورة الفيوم وما والى ذلك تسع وعشرون درجة، وإن عرض مدينة اهناس والقلزم ثمان وعشرون درجة، وإن عرض إخميم ست وعشرون درجة، ومن الإقليم الرابع تنيس ودمياط وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عروضهنّ إحدى وثلاثون درجة، قال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله تعالى: وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، قال: يعني مصر، وإن مصر خزائن الأرضين كلها وسلطانها سلطان الأرضين كلها، ألا ترى إلى قول يوسف، عليه السّلام، لملك مصر: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، ففعل فأغاث الله الناس بمصر وخزائنها، ولم يذكر، عز وجل، في كتابه مدينة بعينها بمدح غير مكة ومصر فإنه قال: أليس لي ملك مصر، وهذا تعظيم ومدح، وقال: اهبطوا مصرا، فمن لم يصرف فهو علم لهذا الموضع، وقوله تعالى: فإن لكم ما سألتم، تعظيم لها فإن موضعا يوجد فيه ما يسألون لا يكون إلا عظيما، وقوله تعالى: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته، وقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، وقال: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّا لقومكما بمصر بيوتا، وسمّى الله تعالى ملك مصر العزيز بقوله تعالى: وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، وقالوا ليوسف حين ملك مصر: يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ، فكانت هذه تحيّة عظمائهم، وأرض مصر أربعون ليلة في مثلها، طولها من الشجرتين اللتين كانتا بين رفح والعريش إلى أسوان، وعرضها من برقة إلى أيلة، وكانت منازل الفراعنة، واسمها باليونانية مقدونية، والمسافة ما بين بغداد إلى مصر خمسمائة وسبعون فرسخا، وروى أبو ميل أن عبد الله بن عمر الأشعري قدم من دمشق إلى مصر وبها عبد الرحمن بن عمرو ابن العاص فقال: ما أقدمك إلى بلدنا؟ قال: أنت أقدمتني، كنت حدثتنا أن مصر أسرع الأرض خرابا ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع واطمأننت، فقال:
إن مصر قد وقع خرابها، دخلها بختنصر فلم يدع فيها حائطا قائما، فهذا هو الخراب الذي كان يتوقع لها، وهي اليوم أطيب الأرضين ترابا وأبعدها خرابا لن تزال فيها بركة ما دام في الأرض إنسان، قوله تعالى:
فإن لم يصبها وابل فطلّ، هي أرض مصر إن لم يصبها مطر زكت وإن أصابها أضعف زكاها، وقالوا:
مثلت الأرض على صورة طائر، فالبصرة ومصر الجناحان فإذا خربتا خربت الدنيا، وقرأت بخط أبي
عبد الله المرزباني حدثني أبو حازم القاضي قال: قال لي أحمد بن المدبّر أبو الحسن لو عمّرت مصر كلها لوفت بالدنيا، وقال لي: مساحة مصر ثمانية وعشرون ألف ألف فدّان وإنما يعمل فيها في ألف ألف فدّان، وقال لي: كنت أتقلّد الدواوين لا أبيت ليلة من الليالي وعليّ شيء من العمل، وتقلّدت مصر فكنت ربما بتّ وعليّ شيء من العمل فأستتمه إذا أصبحت، قال: وقال لي أبو حازم القاضي: جبى عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اثني عشر ألف ألف دينار فصرفه عثمان وقلّدها عبد الله بن أبي سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف، فقال عثمان لعمرو:
يا أبا عبد الله أعلمت أن اللّقحة بعدك درّت؟ فقال:
نعم ولكنها أجاعت أولادها، وقال لنا أبو حازم:
إن هذا الذي رفعه عمرو بن العاص وابن أبي سرح إنما كان عن الجماجم خاصّة دون الخراج وغيره، ومن مفاخر مصر مارية القبطية أمّ إبراهيم ابن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ولم يرزق من امرأة ولدا ذكرا غيرها وهاجــر أم إسماعيل، عليه السّلام، وإذا كانت أمّ إسماعيل فهي أم محمد، صلّى الله عليه وسلّم، وقال النبي، صلّى الله عليه وسلّم: إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم صهرا، وقرأت بخط محمد بن عبد الملك النارنجي حدثني محمد بن إسماعيل السلمي قال: قال إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف وهو ابن عم أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي قال:
كتبت إلى أبي عبد الله عند قدومه مصر أسأله عن أهله في فصل من كتابي إليه فكتب إليّ: وسألت عن أهل البلد الذي أنا به وهم كما قال عباس بن مرداس السّلمي:
إذا جاء باغي الخير قلن بشاشة ... له بوجوه كالدنانير: مرحبا
وأهلا ولا ممنوع خير تريده، ... ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنّبا
وفي رسالة لمحمد بن زياد الحارثي إلى الرشيد يشير عليه في أمر مصر لما قتلوا موسى بن مصعب يصف مصر وجلالتها: ومصر خزانة أمير المؤمنين التي يحمل عليها حمل مؤنة ثغوره وأطرافه ويقوّت بها عامّة جنده ورعيته مع اتصالها بالمغرب ومجاورتها أجناد الشام وبقية من بقايا العرب ومجمع عدد الناس فيما يجمع من ضروب المنافع والصناعات فليس أمرها بالصغير ولا فسادها بالهين ولا ما يلتمس به صلاحها بالأمر الذي يصير له على المشقة ويأتي بالرفق، وقد هاجر إلى مصر جماعة من الأنبياء وولدوا ودفنوا بها، منهم: يوسف الصدّيق، عليه السّلام، والأسباط وموسى وهارون، وزعموا أن المسيح، عليه السّلام، ولد بأهناس، وبها نخلة مريم، وقد وردها جماعة كثيرة من الصحابة الكرام، ومات بها طائفة أخرى، منهم: عمرو بن العاص وعبد الله بن الحارث الزبيدي وعبد الله بن حذافة السهمي وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم، قال أمية:
يكتنف مصر من مبدئها في العرض إلى منتهاها جبلان أجردان غير شامخين متقاربان جدّا في وضعهما أحدهما في ضفّة النيل الشرقية وهو جبل المقطّم والآخر في الضّفّة الغربية منه والنيل منسرب فيما بينهما من لدن مدينة أسوان إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط فثمّ تتّسع مسافة ما بينهما وتنفرج قليلا ويأخذ المقطم منها شرقا فيشرف على فسطاط مصر ويغرب الآخر على وراب من مسلكيهما وتعريج مسليكهما فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرما وتنّيس ودمياط ورشيد والإسكندرية،
ولذلك مهبّ الشمال يهب إلى القبلة شيئا مّا، فإذا بلغت آخر مصر عدت ذات الشمال واستقبلت الجنوب وتسير في الرمل وأنت متوجّه إلى القبلة فيكون الرمل من مصبّه عن يمينك إلى إفريقية وعن يسارك من أرض مصر الفيوم منها وأرض الواحات الأربع وذلك بغربي مصر وهو ما استقبلته منه، ثم تعرّج من آخر الواحات وتستقبل المشرق سائرا إلى النيل تسير ثماني مراحل إلى النيل ثم على النيل صاعدا وهي آخر أرض الإسلام هناك وتليها بلاد النوبة ثم تقطع النيل وتأخذ من أرض أسوان في الشرق منكّبا على بلاد السودان إلى عيذاب ساحل البحر الحجازي، فمن أسوان إلى عيذاب خمس عشرة مرحلة، وذلك كله قبليّ أرض مصر ومهبّ الجنوب منها، ثمّ تقطع البحر الملح من عيذاب إلى أرض الحجاز فتنزل الحوراء أول أرض مصر وهي متصلة بأعراض مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، وهذا البحر المذكور هو بحر القلزم وهو داخل في أرض مصر بشرقيّه وغربيّه، فالشرقيّ منه أرض الحوراء وطبة فالنبك وأرض مدين وأرض أيلة فصاعدا إلى المقطم بمصر، والغربي منه ساحل عيذاب إلى بحر القلزم إلى المقطم، والبحري مدينة القلزم وجبل الطور، وبين القلزم والفرما مسيرة يوم وليلة وهو الحاجز بين البحرين بحر الحجاز وبحر الروم، وهذا كله شرقي مصر من الحوراء إلى العريش، وذكر من له معرفة بالخراج وأمر الدواوين أنه وقف على جريدة عتيقة بخط أبي عيسى المعروف بالنّويس متولي خراج مصر يتضمن أن قرى مصر والصعيد وأسفل الأرض ألفان وثلاثمائة وخمس وتسعون قرية، منها: الصعيد تسعمائة وسبع وخمسون قرية، وأسفل أرض مصر ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون قرية، والآن فقد تغيّر ذلك وخرب كثير منه فلا تبلغ هذه العدّة، وقال القضاعي: أرض مصر تنقسم قسمين فمن ذلك صعيدها وهو يلي مهبّ الجنوب منها وأسفل أرضها وهو يليّ مهبّ الشمال منها، فقسم الصعيد عشرون كورة وقسم أسفل الأرض ثلاث وثلاثون كورة، فأما كور الصعيد: فأولاها كورة الفيوم، وكورة منف، وكورة وسيم، وكورة الشرقية، وكورة دلاص، وكورة بوصير، وكورة أهناس، وكورة الفشن، وكورة البهنسا، وكورة طحا، وكورة جيّر، وكورة السّمنّودية، وكورة بويط، وكورة الأشمونين، وكورة أسفل أنصنا وأعلاها، وكورة قوص وقاو، وكورة شطب، وكورة أسيوط، وكورة قهقوه، وكورة إخميم، وكورة دير أبشيا، وكورة هو، وكورة إقنا، وكورة فاو، وكورة دندرا، وكورة قفط، وكورة الأقصر، وكورة إسنا، وكورة أرمنت، وكورة أسوان ... ثم ملك مصر بعد وفاة أبيه بيصر ابنه مصر ثم قفط بن مصر، وذكر ابن عبد الحكم بعد قفط اشمن أخاه ثم أخوه أتريب ثم أخوه صا ثم ابنه تدراس بن صا ثم ابنه ماليق بن تدراس ثم ابنه حربتا بن ماليق ثم ابنه ملكي بن حربتا فملكه نحو مائة سنة ثم مات ولا ولد له فملك أخوه ماليا إن حربتا ثم ابنه طوطيس بن ماليا وهو الذي وهب هاجر لسارة زوجة إبراهيم الخليل، عليه السّلام، عند قدومه عليه، ثم مات طوطيس وليس له إلّا ابنة اسمها حوريا فملكت مصر، فهي أول امرأة ملكت مصر من ولد نوح، عليه السّلام، ثم ابنة عمها زالفا وعمّرت دهرا طويلا فطمع فيهم العمالقة وهم الفراعنة وكانوا يومئذ أقوى أهل الأرض وأعظمهم ملكا وجسوما وهم ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السلام، فغزاهم الوليد بن دوموز وهو أكبر
الفراعنة وظهر عليهم ورضوا بأن يملّكوه فملكهم خمسة من ملوك العمالقة: أولهم الوليد بن دوموز هذا ملكه نحوا من مائة سنة ثم افترسه سبع فأكل لحمه، ثم ملك ولده الريان صاحب يوسف، عليه السلام، ثم دارم بن الريان وفي زمانه توفي يوسف، عليه السّلام، ثم غرّق الله دارما في النيل فيما بين طرا وحلوان، ثم ملك بعده كاتم بن معدان فلما هلك صار بعده فرعون موسى، عليه السّلام، وقيل:
كان من العرب من بليّ وكان أبرش قصيرا يطأ في لحيته، ملكها خمسمائة عام ثم غرّقه الله وأهلكه وهو الوليد بن مصعب، وزعم قوم أنه كان من قبط مصر ولم يكن من العمالقة، وخلت مصر بعد غرق فرعون من أكابر الرجال ولم يكن إلا العبيد والإماء والنساء والذراري فولوا عليهم دلوكة، كما ذكرناه في حائط العجوز، فملكتهم عشرين سنة حتى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم من قوي على تدبير الملك فملّكوه وهو دركون بن بلوطس، وفي رواية بلطوس، وهو الذي خاف الروم فشق من بحر الظلمات شقّا ليكون حاظرا بينه وبين الروم، ولم يزل الملك في أشراف القبط من أهل مصر من ولد دركون هذا وغيره وهي ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحو أربعمائة سنة إلى أن قدم بختنصر إلى بيت المقدس وظهر على بني إسرائيل وخرّب بلادهم فلحقت طائفة من بني إسرائيل بقومس بن نقناس ملك مصر يومئذ لما يعلمون من منعته فأرسل إليه بختنصر يأمره أن يردّهم إليه وإلا غزاه، فامتنع من ردّهم وشتمه فغزاه بختنصر فأقام يقاتله سنة فظهر عليه بختنصر فقتله وسبى أهل مصر ولم يترك بها أحدا وبقيت مصر خرابا أربعين سنة ليس بها أحد يجري نيلها في كل عام ولا ينتفع به حتى خرّبها وخرّب قناطرها والجسور والشروع وجميع مصالحها إلى أن دخلها ارميا النبي، عليه السّلام، فملكها وعمّرها وأعاد أهلها إليها، وقيل: بل الذي ردّهم إليها بختنصر بعد أربعين سنة فعمّروها وملّك عليها رجلا منهم فلم تزل مصر منذ ذلك الوقت مقهورة، ثم ظهرت الروم وفارس على جميع الممالك والملوك الذين في وسط الأرض فقاتلت الروم أهل مصر ثلاثين سنة وحاصروهم برّا وبحرا إلى أن صالحوهم على شيء يدفعونه إليهم في كل عام على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمتهم، ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشام وألحّوا على مصر بالقتال، ثم استقرّت الحال على خراج ضرب على مصر من فارس والروم في كل عام وأقاموا على ذلك تسع سنين ثم غلبت الروم فارس وأخرجتهم من الشام وصار صلح مصر. كله خالصا للروم وذلك في عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في أيام الحديبية وظهور الإسلام، وكان الروم قد بنوا موضع الفسطاط الذي هو مدينة مصر اليوم حصنا سموه قصر اليون وقصر الشام وقصر الشمع، ولما غزا الروم عمرو بن العاص تحصّنوا بهذا الحصن وجرت لهم حروب إلى أن فتحوا البلاد، كما نذكره إن شاء الله تعالى في الفسطاط، وجميع ما ذكرته ههنا إلا بعض اشتقاق مصر من كتاب الخطط الذي ألّفه أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، وقال أميّة: ومصر كلها بأسرها واقعة من المعمورة في قسم الإقليم الثاني والإقليم الثالث معظمها في الثالث، وأما سكان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفو الأصناف من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وأرمن وحبشان وغير ذلك من الأصناف والأجناس إلا أن جمهورهم قبط، والسبب في اختلاطهم تداول المالكين لها والمتغلّبين عليها من العمالقة واليونانيين والروم والعرب وغيرهم فلهذا اختلطت أنسابهم واقتصروا من
الانتساب على ذكر مساقط رؤوسهم، وكانوا قديما عبّاد أصنام ومدبّري هياكل إلى أن ظهر دين النصرانية بمصر فتنصّروا وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأسلم بعضهم وبقي البعض على دين النصرانية، وغالب مذهبهم يعاقبة، قال: أما أخلاقهم فالغالب عليها اتباع الشهوات والانهماك في اللذات والاشتغال بالتنزهات والتصديق بالمحالات وضعف المرائر والعزمات، قالوا:
ومن عجائب مصر النّمس وليس يرى في غيرها وهو دويبة كأنها قديدة فإذا رأت الثعبان دنت منه فيتطوّى عليها ليأكلها فإذا صارت في فمه زفرت زفرة وانتفخت انتفاخا عظيما فينقدّ الثعبان من شدّته قطعتين، ولولا هذا النمس لأكلت الثعابين أهل مصر وهي أنفع لأهل مصر من القنافذ لأهل سجستان، قال الجاحظ: من عيوب مصر أن المطر مكروه بها، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ 7: 57، يعني المطر وهم لرحمة الله كارهون وهو لهم غير موافق ولا تزكو عليه زروعهم، وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
يقولون مصر أخصب الأرض كلها، ... فقلت لهم: بغداد أخصب من مصر
وما خصب قوم تجدب الأرض عندهم ... بما فيه خصب العالمين من القطر
إذا بشّروا بالغيث ريعت قلوبهم ... كما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر
قالوا: وكان المقوقس قد تضمّن مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دينار وكان يجبيها عشرين ألف ألف دينار وجعلها عمرو بن العاص عشرة آلاف ألف دينار أول عام وفي العام الثاني اثني عشر ألف ألف، ولما وليها في أيام معاوية جباها تسعة آلاف ألف دينار، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة عشر ألف ألف دينار، وقال صاحب الخراج: إن نيل مصر إذا رقي ستة عشر ذراعا وافى خراجها كما جرت عادته، فإن زاد ذراعا آخر زاد في خراجها مائة ألف دينار لما يروي من الأعالي، فإن زاد ذراعا آخر نقص من الخراج الأول مائة ألف دينار لما يستبحر من البطون، قال كشاجم يصف مصر:
أما ترى مصر كيف قد جمعت ... بها صنوف الرياح في مجلس
السوسن الغضّ والبنفسج وال ... ورد وصنف البهار والنرجس
كأنها الجنّة التي جمعت ... ما تشتهيه العيون والأنفس
كأنما الأرض ألبست حللا ... من فاخر العبقريّ والسّندس
وقال شاعر آخر يهجو مصر:
مصر دار الفاسقينا ... تستفزّ السامعينا
فإذا شاهدت شاهد ... ت جنونا ومجونا
وصفاعا وضراطا ... وبغاء وقرونا
وشيوخا ونساء ... قد جعلن الفسق دينا
فهي موت الناسكينا ... وحياة النائكينا
وقال كاتب من أهل البندنيجين يذمّ مصر:
هل غاية من بعد مصر أجيئها ... للرزق من قذف المحل سحيق
لم يأل من حطّت بمصر ركابه ... للرزق من سبب لديه وثيق
نادته من أقصى البلاد بذكرها، ... وتغشّه من بعد بالتعويق
كم قد جشمت على المكاره دونها ... من كل مشتبه الفجاج عميق
وقطعت من عافي الصّوى متخرّقا ... ما بين هيت إلى مخارم فيق
فعريش مصر هناك فالفرما إلى ... تنّيسها ودميرة ودبيق
برّا وبحرا قد سلكتهما إلى ... فسطاطها ومحلّ أيّ فريق
ورأيت أدنى خيرها من طالب ... أدنى لطالبها من العيّوق
قلّت منافعها فضجّ ولاتها، ... وشكا التّجار بها كساد السوق
ما إن يرى فيها الغريب إذا رأى ... شيئا سوى الخيلاء والتبريق
قد فضّلوا جهلا مقطّمهم على ... بيت بمكة للإله عتيق
لمصارع لم يبق في أجداثهم ... منهم صدى برّ ولا صدّيق
إن همّ فاعلهم فغير موفّق، ... أو قال قائلهم فغير صدوق
شيع الضلال وحزب كل منافق ... ومضارع للبغي والتّنفيق
أخلاق فرعون اللعينة فيهم، ... والقول بالتشبيه والمخلوق
لولا اعتزال فيهم وترفّض ... من عصبة لدعوت بالتّغريق
وبعد هذا أبيات ذكرتها في رحا البطريق، وما زالت مصر منازل العرب من قضاعة وبليّ واليمن، ألا ترى إلى جميل حيث يقول:
إذا حلّت بمصر وحلّ أهلي ... بيثرب بين آطام ولوب
مجاورة بمسكنها تجيبا، ... وما هي حين تسأل من مجيب
وأهوى الأرض عندي حيث حلّت ... بجدب في المنازل أو خصيب
وبمصر من المشاهد والمزارات: بالقاهرة مشهد به رأس الحسين بن علي، رضي الله عنه، نقل إليها من عسقلان لما أخذ الفرنج عسقلان وهو خلف دار المملكة يزار، وبظاهر القاهرة مشهد صخرة موسى ابن عمران، عليه السّلام، به أثر أصابع يقال إنها أصابعه فيه اختفى من فرعون لما خافه، وبين مصر والقاهرة قبّة يقال إنها قبر السيدة نفيسة بنت الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومشهد يقال إن فيه قبر فاطمة بنت محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت محمد الباقر، ومشهد فيه قبر رقيّة بنت علي بن أبي طالب، ومشهد فيه قبر آسية بنت مزاحم زوجة فرعون، والله أعلم، وبالقرافة الصغرى قبر الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وعنده في القبة قبر علي بن الحسين بن علي زين العابدين وقبر الشيخ أبي عبد الله الكيراني وقبور أولاد عبد الحكم من أصحاب الشافعي، وبالقرب منها مشهد يقال إن فيه قبر علي بن عبد الله بن القاسم ابن محمد بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت موسى الكاظم في مشهد، ومشهد فيه قبر يحيى بن الحسين بن
زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقبر أمّ عبد الله بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق وقبر عيسى بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، ومشهد فيه قبر كلثم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، وعلى باب الكورتين مشهد فيه مدفن رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ثم حمل إلى مصر فدفن هناك، وعلى باب درب معالي قبة لحمزة بن سلعة القرشي، وعلى باب درب الشعارين المسجد الذي باعوا فيه يوسف الصديق، عليه السلام، وبها غير ذلك مما يطول شرحه، منهم بالقرافة يحيى ابن عثمان الأنصاري وعبد الرحمن بن عوف، والصحيح أنه بالمدينة، وقبر صاحب انكلوته وقبر عبد الله بن حذيفة بن اليمان وقبر عبد الله مولى عائشة وقبر عروة وأولاده وقبر دحية الكلبي وقبر عبد الله بن سعيد الأنصاري وقبر سارية وأصحابه وقبر معاذ بن جبل، والمشهور أنه بالأردنّ، وقبر معن بن زائدة، والمشهور أنه بسجستان، وقبر ابنين لأبي هريرة ولا أعرف اسميهما وقبر روبيل بن يعقوب وقبر اليسع وقبر يهوذا بن يعقوب وقبر ذي النون المصري وقبر خال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وهو أخو حليمة السعدية، وقبر رجل من أولاد أبي بكر الصديق وقبر أبي مسلم الخولاني وهو بغباغب من أعمال دمشق، ويقال الخولاني عند داريا، وقبر عبد الله بن عبد الرحمن الزهري، وبالقرافة أيضا قبر أشهب وعبد الرحمن بن القاسم وورش المدني وقبر أبي الثريا وعبد الكريم بن الحسن ومقام ذي النون النبيّ وقبر شقران وقبر الكر وأحمد الروذباري وقبر الزيدي وقبر العبشاء وقبر علي السقطي وقبر الناطق والصامت وقبر زعارة وقبر الشيخ بكّار وقبر أبي الحسن الدينوري وقبر الحميري وقبر ابن طباطبا وقبور كثير من الأنبياء والأولياء والصدّيقين والشهداء، ولو أردنا حصرهم لطال الشرح.

الدِّبْقُ

الدِّبْقُ، بالكسرِ،
والدابوقُ والدَّبوقاءُ: غِراءٌ يصادُ به الطَّيْرُ.
والدَّبوقاءُ: العَذِرَةُ، وكلُّ ما تَمَطَّطَ.
وكصاحِبٍ وهاجَــرَ: ة بِحَلَبَ، وفي الأصْلِ: اسمُ نَهَرٍ.
ودُوَيْبِقُ: ة بِقُربِها. وكتَنُّورٍ: لُعْبَةٌ م، وبهاءٍ: الشَّعَرُ المَضْفورُ، مُوَلَّدَةٌ.
وكَسكْرَى: ة بِمِصْرَ.
وكأميرٍ: د بها، منها: الثِّيابُ الدَّبيقِيَّةُ.
والدَّبِقِيَّةُ، بكسر الباءِ: ة بِنَهرِ عيسى.
ودَبِقَ به، كفرِحَ: ضَرِيَ به، فلم يُفارِقْهُ.
وما أدْبَقَه: ما أضْراهُ.
وأدْبَقَهُ: ألْصَقَه.
ودَبَّقَه تدْبيقاً: اصْطادهُ بالدِّبْقِ فَتَدَبَّقَ.

بدو

بدو: {البادي}: أي من أهل البدو. 
ب د و

لقد بدوت يا فلان أي نزلت البادية وصرت بدوياً، ومالك والبداوة؟ وتبدى الحضري. ويقال: أين الناس فتقول: قد بدوا أي خرجوا إلى البدو. وكانت لهم غنيمات يبدون إليها. وفعل كذا ثم بدا له، وبدا له في هذا الأمر بداء وهو ذو بدوات. وكلفني من بدواتك أي من حوائجك التي تبدو لك. وركي مبد: بارز ماؤه، ونقيضه ركي غامد.

بدو


بَدَا(n. ac. بَدْوبَدَآء []
بَدَاْوَة
بُدُوَّة)
a. [La], Appeared, became manifest to.
b. Began.
c. Lived in the desert.

بَاْدَوَ
a. [acc. & Bi], Encountered one another.
b. Declared enmity.
c. Repaid, rewarded ( with evil ).

أَبْدَوَa. Made apparent, manifested.

بَدْوa. Bedouins.
b. Desert.

بَدَوِيّ
(pl.
بَدْو
بِدْوَاْن)
a. Bedouin, nomad.

بَاْدِوَة
(pl.
بَوَادي)
a. Desert.

بَدَاْوَةa. Manifest, apparent.
b. Desert.

بِدَاْوَةa. see 21t
بدو
بَدَا الشيءُ يَبْدُو بُدُواً: إذا ظَهَرَ. وبادَيْتُه: جاهَرْتُه. ورَكِي مُبْدٍ: بارِزٌ ماؤه، وبِئْرٌ مُبْدِيَة. وبَديْتُ فلاناً أبَدَيْهِ برَحِيْلٍ أو جَرْيٍ: إذا قَدَّمْتَه. وأبْدَيْتَ في مَنْطِقِكَ: إذا جُرْتَ. والبَدَاءُ: اسْمٌ من بَدَا يَبْدُو - على وَزْنِ العَلَاء -. وهو ذو بَدَوَاتٍ: لأنَّه يَأمُرُ ثُم يَنْهى. وبَدَا له في الأمْرِ: انْصَرَفَ عنه.
والبَادِيَةُ: اسْمٌ للأرْضِ التي لا حَضَرَ فيها، واسْمُه البَدْوُ. والبِدَاوَةُ: هُمْ أهْل البَدْوِ. وبَدَا الرجُلُ يَبْدُو: نَزَلَ البادِيَةَ؛ فهو بادٍ، وفي الحَدِيثِ: " مَنْ بَدَا جَفَا ". ورَجُل بَدَاوِي: أي بَدَوِي. والأبْدَاءُ: المَفَاصِلُ، واحِدُها بَداً - مَقْصُوْرٌ -، وهو أيضاً: بَدْؤ؛ وجَمْعُه بُدُو.
وما هُوَ لَكَ بعِد ولا بِدْوٍ: أي بنَظِيْرٍ؛ وذلك إذا كان يُبَادِيْه. وبادِ بَيْنَ الخَيْطَيْنِ: أي قايِسْ بينهما. والبَدَا: البَطَلُ من الرجَالِ.
وبَدْوُ الرجُلِ: سَلْحُه، بَدَا الرجُلُ بَدْواً. وبَدَا - مَقْصُوْر -: اسْمُ مَوْضِعٍ أو قَرْيَةٍ على ساحِلِ البَحْرِ.
ودارَةُ بَدْوَتَيْنِ: لرَبِيْعَة بن عَقِيْل. وبَدْوَتَانِ: هَضْبَتَانِ في أجْوَافِهما ماءٌ.
بدو: بدا: لا يقال إذا غير رأيه: بدا له في الأمر فقط (انظر لين) بل يقال أيضاً: بدا له ففي حيان 49ومثلاً: حتى رجع عن المعصية وفرق جمعه وسكنت جهته مُدَيْدَة ثم لم يلبث أن بدا له وهاج الفتنة وابتغى الفساد. (كرتاس 165، ولابد من التفريق بين هذا التعبير وبين قولهم: بدا له ذلك، أي: ظهر وجد فيه له رأي، مثل قولهم بدا لهم الانتقال أي وجدوا من الأفضل الانتقال (البلاذري 16)، أما قولهم بدا لهم في الانتقال انظر (معجم البلاذري) فيعني ضد ذلك تماماً، ففي حيان 2ق: جاور أهل الشرك ووالاهم على أهل القبلة ثم بدا له عن (غير) ذلك آخراً ففارق مجاورة الكفرة.
بادي، بادي أحداً ب: بدهه به وابتدأه ومباداة: مبادهة وابتداء، وبادي أحداً بالشر: هاجمه وأغار عليه (بوشر) - وباداه بالمتلوف: أي كافأه به على معروف سبق منه (محيط المحيط).
أبدى، فسر شارح ديوان مسلم بن الوليد كلمة: في أشباح ظلمان (جمع ظليم وهو ذكر النعام) بقوله: في إِبْداء ظلمان (معجم مسلم).
تبدّى: يقال تبدى عن الأمر: عدل عنه (محيط المحيط).
بَدْوُ: بدء - وأبجدية الشيء والعلم (أي بدء الشيء وبدء العلم ومفتتحه) ويستعمل مجازاً بمعنى الأصل والمبدأ الأول - والمدخل والاستهلال - وتمهيد ومقدمة (بوشر) - واسم جمع بادٍ: أكارون، فلاحون (معجم الادريسي، فوك) - وطريقة لصيد النعام ((ففي البدو على الصائد أن يصيد النعامة على نفس الفرس، دون أن يغيره أو يستعين بمطارد آخر (مرجريت 74).
بَدَوِيّ: أكار، فلاح، قروي (معجم الادريسي، فوك).
بَدَوِيّ: ثوب طويل، أزرق أو أسود، مفتوح من الجانبين حتى ذيله عوضاً عن الأكمام، تلبسه نسوة القاهرة ونسوة الفلاحين، ويصنع عادة من غليظ الكتان، وكثيراً ما يتخذ من نسيج القطن أو الصوف، وقد يتخذ من الشاش أو غليظ الموصلي (الموسلين). ويلبس فوق الملابس (عوادة 57، 364، 394 وفي ص364: بداوِيّة).
باد: بارز (معجم الادريسي) - وباد أو باد بالشر: ظاهر العداوة (بوشر).
بادية: ناحية، كورة، برية، ريف، ضاحية البلد (معجم الادريسي) - وأكارون، فلاحون، زراع (معجم الادريسي، فوك - وفي معجم فوك: ريفي، قروي).
[ب د و] بَدَأ الشَّيْءُ بَدْواً، وبُدُوّا، وبَدَاءً وبَداً، الأخيرةُ عن سِيبَوَيْهِ: ظَهَرَ. وأًَبْدَيْتُه أَنا. وبَدَاوَةُ الأَمْرِ: أَوَّلُ ما يَبْدُو منه. هذِه عن اللِّحْيانِيِّ، وقد تَقَدَّم ذلك في الهَمْزِ. وبادِىَ الرََّأْيِ: ظاهِرهُ عن ثَعْلَبٍ، وقد تَقَدَّمَ في الهَمْزَةِ. وأَنْتَ بادِيَ الرَّاي تَفعَلُ كذا، حكاهُ اللِّحْيانِيُّ بغيرِ هَمْزٍ. ومعناه: أَنْتَ فيما بَدا من الرَّاْيِ وظِهَرَ. وبَدَا لَه في الأَمْرِ، بَدْواً وبَداً وبَداءً، قال الشَّمّاخُ:

(لَعلَّكَ والمَوْعُودُ حَقٌّ وفاؤُه ... بَدَا لكَ في تِلْكَ القَلُوصِ بَداءُ)

وقال سِيَبَويْه - في قوِله عَزَّ وجَلَّ: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه} [يوسف: 35]-: أرادَ: بَدَا لَهُم بَداءٌ. وقالُوا: ليَسْجُنُنَّهُ ذَهَبَ إِلى أَنَّ موضِعَ لَيْسجُنُنَّه لا يَكُونُ فاعِلَ بَدَا؛ لأَنَّهُ جملةُ، والفاعِلُ لا يكونُ جملةً. وبَدَانِى بكَذا يَبْدُونِي، كَبَدأَنِي. وافْعَلْ ذلكَ بادِي بَدٍ. وبادِي بَدى، قالَ:

(وقَدْ عَلَتْنِى ذُرْأَةُ بادِي بَدِي ... )

وقد تَقَدَّمَ في الهَمْزِ. وحكاهُ سِيبَوَيْهِ: بادِي بَدَا، وقالَ: لا تُنُوَّنُ ولا يَمْنَعُ القِياسُ تَنْوِينَه. والبَدْوُ والبادِيَةُ، والبادَاةُ، والبِدَاوَةُ، والبَدَاوَةُ: خِلافُ الحَضَرِ، والنَّسَبُ إليه بدَوِيٌّ نادِرٌ. وبَداوِيٌّ وبِدَاوِيٌّ وهو على القِياسٌ لأَنَّه حِينَئدٍ مَنْسُوبٌ إِلى البَداوَةِ والبداوَةِ، وإنّما ذَكَرْتُه لأَنَّ العامًّةَ لا يَعْرِفُونَ غير بدَوِيٌّ. فإن قُلْتَ: إِنَّ البَدَاوِيَّ قد يكونُ مَنْسُوبًا إِلى البَدْوِ، والبادِيَة، فيكونُ نادرا. قيلَ: إنَّه إِذا أَمْكَن في الشَّيءِْ المَنْسُوبِ أَنْ يكونَ قِياساً وشاذاَ كان حَمْلُه على القِياس أَوْلَى؛ لأَنَّ القياسَ أَشْيَعُ وأَوْسَعُ. وبَدَا القَوْمُ بَدَاءً: خَرَجُوا إِلى البادِيَةِ. وفي التَّنْزيِلِ: {وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} [الأحزاب: 20] أي إِذا جاءَتِ الجُنُودُ والأَحْزابُ وَدُّوا أَنَّهُم في البادِيَةَ، وقالَ ابنُ الأَعْرابَيِّ: إِنّما يكونُ ذلك في ربِيعِهم، وإِلاَّ فَهُم حُضّارٌ على مِياهِهِم. وقَوْمٌ بُِدّا، وبُدّاءٌ: بادُونَ، قالَ:

(بَحَضَرِيٍّ شاقَةُ بُدّاؤهُ ... )

(لَم تُلْهِهِ السُّوقُ ولا كَلاّؤُه ... )

فأَماَّ قولُ ابنِ أَحْمَرَ:

(جَزَى الله قَوْمِي بالأُبُلَّةِ نُصْرَةً ... وبَدْواً لهُمْ حَوْلَ الفِراضِ وحُضَّراَ)

فقد يَكُونُ اسمْاً لجَمْع بادٍ، كَراكِبٍ ورَكْبٍ، وقد يَجُوزُ أن يَعْنِىَ به البَدَاوَةَ التي هي خِلافُ الحَضارِةَ، كأَنَّه قالَ: وأَهْلَ بَدْوٍ. وقالَ أبو حَنيِفَةَ: بدْوَتَا الوادِي: جانِباهُ. والبَدَا، مَقْصُورٌ: ما يَخْرُجُ من دُبُرِ الرَّجُلِ. وبَدَا الرَّجُلُ: أَنْجَى فظَهَرَ ذلك مِنْه. والبَدَا: مَفْصِلُ الإنْسانِ، وجَمْعُه: أَبْداءٌ، وقد تَقَدَّمَ في الهَمْز. والبَدَا: السَّيَّدُ، وقد تَقَدَّمَ هنالِكَ أيضاً. والبَدِىُّ، ووادِي البَدِيِّ، مَوْضِعانِ. وإِنّما قَِضَيْنا على ما لَمْ تَظْهَرْ واوه مِنْ هَذَا البابِ أَنَّها واوٌ لسَعَةِ ((ب د و)) وضِيقِ ((ب د ي)) . وبَدْوَةُ: ماءٌ لَبِني العَجْلانِ.
بدو
بدا1/ بدا لـ يَبدُو، ابْدُ، بَدَاءً وبُدُوًّا، فهو بَادٍ، والمفعول مبدوّ له
• بدَا الأمرُ: ظَهَر، وَضَح، لاح "يَبدُو أنّ الأمرَ خطير- بَدَوْا/ بَدوا فَرِحين أكثر من أيّ وقتٍ مضَى- بدا للعيان/ عليه التعبُ- {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} " ° كما يَبدُو/ حسب ما يَبدُو/ على ما يبدو: كما يظهر، بحسب الظَّاهر.
• بدَا له في الأمر: خطر، جَدَّ له فيه رَأْيٌ آخر "كان يريد حضور المؤتمر ثم بدَا له أن عدم حضوره أفضل". 

بدا2 يَبدُو، ابْدُ، بَدَاوةً وبَدْوًا، فهو بادٍ
• بدَا الشَّخصُ: خرج إلى البادية، أو أقام بها "بدا الرّجلُ بعد أن اكتظَّت المدينةُ بالسُّكّان- {وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} - {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} ". 

أبدى/ أبدى بـ يُبدي، أبْدِ، إبْدَاءً، فهو مُبدٍ، والمفعول مُبدًى
• أبدى الأمرَ/ أبدى بالأمرِ: أعلنه، كَشَفَه وأَظْهره "أبدى السرّ لصديقه/ شجاعته- {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ} - {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ} " ° أبدى له صَفْحتَه: كاشفه وباح له بأسراره- ما يبدي وما يعيد/ لا يُبدي ولا يعيد: بمعنى لزم الصمت ولم يقل شيئًا.
• أبدى الرَّأيَ والرَّغبةَ ونحوَهما: عبّر عنهما "أبدى ملاحظة/ ما في نفسه/ تبرُّمَه/ رغبته في الزَّواج- أبدى مقاومة: قاوم بعناد". 

بادى يبادي، بادِ، مباداةً، فهو مبادٍ، والمفعول مُبادًى
• بادى الشَّخصَ بالأمر: كاشفه به وجاهره "باداه بالحبّ/ بالعداوة/ بالشرِّ". 

تبدَّى/ تبدَّى بـ يتبدَّى، تَبَدّ، تبدّيًا، فهو مُتبدٍّ، والمفعول متبدًّى به
• تبدَّى الأمرُ: ظَهَر، اتَّضح "تبدَّى الفرحُ في وجهه- رفعت الحجابَ فتبدَّى حُسْنُها- تبدَّتْ لنا كالشمسِ تحت غَمامَةٍ- وبَدَتْ تميسُ كأنَّها ... بدرُ السَّماءِ إذا تبدَّى".
• تبدَّى الرَّجلُ: تشبَّه بأهل البادية، أقام بالبادية، صار بدويًّا "هو يتبدّي ويتخلّق بأخلاق أهل البادية".
• تبدَّى القومُ بالعداوة: تجاهروا بها؛ جاهر بعضُهم بعضًا بها. 

إبداء [مفرد]: مصدر أبدى/ أبدى بـ. 

بادٍ [مفرد]: ج بادون وبُدَاة وبُدَّاء وبُدَّى وبَدِيّ وبُدِيّ وبِدِيّ، مؤ بادِية، ج مؤ بَاديات وبَوادٍ: اسم فاعل من بدا1/ بدا لـ وبدا2.
• بادي الرَّأي: ظاهره من غير تفكُّرٍ ولا رويَّة " {إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} ". 

بادية [مفرد]: ج بَاديات وبَوادٍ:
1 - صيغة المؤنَّث لفاعل بدا1/ بدا لـ وبدا2.
2 - فضاء واسع فيه المرعى والماء، خلاف الحضر "ذهب بسيارته إلى البادية". 

بَداء [مفرد]: مصدر بدا1/ بدا لـ. 

بَداوة [مفرد]:
1 - مصدر بدا2.
2 - إقامة في البادية، ويغلب عليها التنقُّل والتِّرحال، وهي خلاف الحضارة.
• بداوة الأمر: أول ما يبدو أو يظهر منه. 

بَدْو1 [مفرد]: مصدر بدا2. 

بَدْو2 [جمع]:
1 - أهل البادية وسكَّانها من القبائل العربيَّة الرُّحّل "يمثِّل البدو نسبة كبيرة من سكَّان العالم العربيّ".
2 - البادية، خلاف الحضر " {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} ". 

بُدُوّ [مفرد]: مصدر بدا1/ بدا لـ. 

بَدْويّ [مفرد]: ج بَداوِيّ:
1 - اسم منسوب إلى بَدْو2.
2 - واحد البَدْو، عربيّ من أيّ القبائل الصحراويَّة المختلفة. 

بَدَويّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى بَدْو2: على غير قياس.
2 - واحد البَدْو، عربيّ من أيّ القبائل الصحراويَّة المختلفة. 

بَدْويَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى بَدْو: "عيشة بَدْوِيَّة".
2 - مصدر صناعيّ من بَدْو: ما يميل إلى الطابع البدويّ ويبتعد عن المدنيّة والتحضُّر "تصرفاته تغلب عليها البدويّة". 

بَدَويَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى بَدْو: على غير قياس "عيشة بَدَوِيَّة".
2 - مصدر صناعيّ من بَدْو: ما يميل إلى الطابع البدويّ ويبتعد عن المدنيّة والتحضُّر "تصرفاته تغلب عليها البدويّة". 

تبدِّيات [جمع]: مف تبدٍّ: مظاهر "تتطلّب المسألةُ في تبدِّياتها السّياسيّة منهجيَّة مختلفة". 

بدو

1 بَدَا, (T, S, M, &c.,) aor. ـْ (S, Msb,) inf. n. بُدُوٌّ (S, M, Msb, K) and بَدْوٌ and بَدَآءٌ (M, K) and بَدَآءَةٌ (K) and بَدًا, (M, on the authority of Sb,) for which last we find, in [some of] the copies of the K, بُدُوٌّ, a repetition, (TA,) or بُدُوْءٌ, (so in other copies of the K,) It appeared; it became apparent, open, manifest, plain, or evident: (T, S, M, Msb, K:) and ↓ تبدّى

[signifies the same; or he showed himself, or it showed itself; (see an ex. in art. جيش, voce جَاشَ, last sentence;) or] he, or it, came in sight, or within sight. (KL.) b2: بَدَا لَهُ فِى الأَمْرِ, (T, M, Msb, K, and Har p. 665,) inf. n. بَدْوٌ (M, K) and بَدًا (M, and so in a copy of the K) and بَدَآءٌ, (T, M, and so in the CK,) or بَدَآءَةٌ and بَدَاةٌ; (as in some copies of the K;) or ↓ بَدَا لَهُ فِى الأَمْرِ بَدَآءٌ, (S, IB,) the last word being in the nom. case because it is the agent; (IB, TA;) An opinion presented itself, or occurred, to him, or arose in his mind, syn. نَشَأَ, (S, K, and Har ubi suprà,) or appeared to him, (M,) [respecting the affair, or case,] different from his first opinion, so that it turned him therefrom: (Har ubi suprà:) or there appeared to him, respecting the affair, or case, what did not appear at first: (Msb:) accord. to Fr, ↓ بَدَا لِى بَدَآءٌ means another opinion appeared to me: accord. to Az, بَدَا لِى بَدًا means my opinion changed from what it was. (TA.) Esh-Shemmàkh says, لَعَلَّكَ وَ المَوْعُودُ حَقٌّ وَفَاؤُهُ بَدَا لَكَ فِى تِلْكَ القَلُوصِ بَدَآءُ [May-be (but it is right that the promise be fulfilled) an opinion different from thy first opinion hath arisen in thy mind respecting that youthful she-camel]. (M, TA.) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنَنَّهُ, in the Kur [xii.35], means بَدَا وَقَالُوا لَيَسْجُنُنَّهُ ↓ لَهُمْ بَدَآءٌ, [i.e. Then an opinion arose in their minds, after they had seen the signs of his innocence, and they said that they should certainly imprison him,] because ليسجننّه, being a proposition, cannot be the agent: so says Sb. (M.) بَدَا لِلّهِ أَنْ يَقْتُلَهُمْ, occurring in a trad., means (tropical:) God determined that He would slay them: for, as IAth says, بَدَآءٌ signifies the deeming to be right a thing that is known after its having been not known; and this may not be attributed to God: but as is said by Suh, in the R, one may say, [of God,] بَدَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا, [properly signifying It occurred to him, or appeared to him, that he should do such a thing,] as meaning (tropical:) He desired to do such a thing; [as also بَدَا لَهُ فِى فِعْلِ كَذَا;] and thus the phrase in the trad., here mentioned, has been explained. (TA.) [One says also, اِفْعَلْ كَذَا مَا بَدَا لَكَ Do thou thus as long as it seems fit to thee: see, a verse of El-Ahmar cited voce جَلَّ.] b3: بَدَا القَوْمُ, (T, S, M, K,) inf. n. بَدْوٌ, (S,) or بَدَآءٌ; (M, K;) [the latter of which is said in the TA to be the right;] or بَدَا إِلَى البَادِيَةِ, inf. n. بَدَاوَةٌ and بِدَاوَةٌ; (Msb;) The people, or company of men, went forth to the بَادِيَة [or desert]: (M, Msb, K:) or, the former, went forth to their بَادِيَة: (S:) or went forth from the region, or district, of towns or villages or of cultivated land, to the pasturingplaces in the deserts: (T:) [ISd says,] بَدْوٌ may be used as meaning بِدَاوَةٌ, which is the contr. of حِضَارَةٌ: (M:) [J says,] بَدَاوَةٌ and بِدَاوَةٌ signify the dwelling, or abiding, in the بَادِيَة [or desert]; the contr. of حِضَارَةٌ: but Th says, I know not بَدَاوَةٌ, with fet-h, except on the authority of Az alone: (S:) As says that بداوة and حضارة are with kesr to the ب and fet-h to the ح; but Az says the reverse, i. e. with fet-h to the ب and kesr to the ح: (T:) both are also explained as signifying the going forth to the بَادِيَة: and some mention بُدَاوَةٌ, with damm; but this is not known: (TA:) ↓ تبدّى like wise signifies he went forth from the constant sources of water to the places where herbage was to be sought [in the desert]; (T;) or he dwelt, or abode, in the بَادِيَة. (S, K.) It is said in a trad., مَنْ بَدَا جَفَا, i. e. He who abides in the desert becomes rude, rough, coarse, or uncivil, like the desert-Arabs. (S.) And in another, كَانَ يَبْدُو إِلَى هٰذِهِ التِّلَاعِ [He used to go forth to these water-courses in the desert, or these high grounds, or low grounds, &c.]. (TA.)b4: [Hence,] بَدَا He voided his excrement, or ordure; (M, K;) as also ↓ ابدى (T, K) [and ابدأ]: because he who does so goes forth from the tents or houses into the open country. (T.) A2: بَدَانِى بِكَذَا, aor. ـْ is like بَدَأَنِى [i. e. He began with me by doing such a thing]. (M, TA.) A3: بَدِيَتِ الأَرْضُ The land produced, or abounded with, بَدَاة, i. e. truffles: (K, * TA:) or had in it truffles. (TK.) b2: And The land had in it بَدَاة, meaning dust, or earth. (K, * TK.) 2 بدّى, inf. n. تَبْدِيَةٌ, He showed, or made apparent, a want that occurred, or presented itself, to him. (TA.) [See بدَآءَةٌ.] b2: He sent forth a horse [or beast] to the place of pasture [app. in the بَادِيَة, or desert]. (TA, from a trad.) 3 مُبَادَاةٌ The going, or coming, out, or forth, in the field, to encounter another in battle, or war. (TA.) b2: And [more commonly] The showing open enmity, or hostility, with any one: (KL, TA:) [a meaning more fully expressed by the phrase مُبَادَاةٌ بِالعَدَاوَةِ: for you say,] بَادَى بِالعَدَاوَةِ He showed open enmity, or hostility, [with another;] syn. جَاهَرَ بِهَا; (S, K; *) as also ↓ تبادى: (K:) or you say, بالعدواة ↓ تبادوا they showed open enmity, or hostility, one with another; syn. تَجَاهَرُوا بِهَا. (S.) You say also, بادى النَّاسَ بِأَمْرِهِ He showed, or revealed, to the people, or to men, his affair, or case. (TA.) [Thus, باداهُ بِالأَمْرِ and لَهُ الأَمْرَ ↓ ابدى signify the same; i. e. He showed, or revealed, to him the affair, or case.]

b3: And بادى بَيْنَهُمَا He measured, or compared, them both together, each with the other. (A, TA.) 4 ابداهُ He made it apparent, open, manifest, plain, or evident; he showed, exhibited, manifested, evinced, discovered, or revealed, it; (S, M, Msb, K;) and it has been said [correctly, as will be seen below,] that ابدى عَنْهُ signifies the same. (MF, TA.) It is said in a trad., مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نَقَمَ عَلَيْهِ كِتَابُ اللّٰهِ, i. e. (tropical:) Whoso showeth, or revealeth, to us his deed [or crime] which he was concealing, [the book of God shall execute vengeance upon him, meaning] we will inflict upon him the punishment ordained by the book of God. (TA.) ابدى لَهُ صَفْحَتَهُ also means (tropical:) He showed open enmity, or hostility, with him. (A and TA in art. صفح.) And ابدى عَنْ قَعْرِهِ, said of water, means It showed its bottom, by reason of its clearness. (L in art. مكد.) See also 3. b2: أَبْدَيْتَ فِى مَنْطِقِكَ Thou deviatedst, or hast deviated, from the right way in thy speech. (S.) b3: See also 1.5 تبدّى: see 1, in two places.

A2: In the common dial. of the people of El-Yemen, it signifies He ate the morning-meal; syn. تَغَدَّى. (TA.) 6 تبادى: see 3, in two places. b2: Also He affected to be like, or imitated, the people of the بَادِيَة [or desert]. (S, K.) بَدٍ: see بَدْوٌ, in two places.

بَدًا The excrement from the anus (M, K *) of a man. (M.) [And بَدَآءٌ, from أَبْدَأَ, signifies the same.] b2: A joint (مَفْصِل) of a man; (AA, M, K;) as also بَدْءٌ: (AA, M:) pl. أَبْدَآءٌ. (AA, M, K.) A2: بَدَا for بَدًا: see بَدْوٌ, in two places.

بَدْوٌ: see بَادِيَةٌ: A2: and see also بَادٍ.

A3: Also The first of a thing; originally [بَدْءٌ,] with hemzeh: (Har p. 583:) and ↓ بَدِىٌّ, also, [originally بَدِىْءٌ,] signifies the first: (TA:) [and ↓ بَدٍ and ↓ بَدَا, the latter for بَدًا, are used for بَدْءٍ.

Hence,] one says, ↓ اِفْعَلْ ذٰلِكَ بَادِى بَدٍ, (S,) or بَادِىَ بَدٍ, (M, K,) and ↓ بَادِى بَدِى, (Fr, S, M,) or بَادِىَ بَدِى, (as in some copies of the K,) or ↓ بادى بَدِىٍ, (as in other copies of the K and in the TA,) and ↓ بَادَىَ بَدًا, (M, K,) mentioned by Sb, who says that it is without tenween, though analogy does not forbid its being with tenween, (M,) meaning Do thou that first; (S, TA;) or, the first thing: (Fr, TA:) originally [بَادِئَ بَدْءٍ, &c.,] with hemz. (S, K. [See بَدْءٌ.]) Hence also the phrase, ↓ الحَمْدُلِلٰهِ بَدِيًّا [Praise be to God in the first place]. (TA.) بَدِي for بَدٍ: see بَدْوٌ.

بَدَاةٌ: see بَدَآءٌ: b2: and see also بَادِيَةٌ.

A2: Also, (K, TA,) like قَطَاةٌ, (TA, [but in the CK بَدْأَة, q. v.,]) Truffles; syn. كَمْأَةٌ. (K.) b2: And Dust, or earth. (K.) بَدْوَةٌ Either side of a valley. (AHn, M, K.) بَدَوِىٌّ [Of, or belonging to, or relating to, the بَدْو, or desert: and, used as a subst., a man, and particularly an Arab, of the desert:] a rel. n. from بَدْوٌ, (S, M, K,) extr. [with respect to rule], (M, K,) for by rule it should be بَدْوِىٌّ; (ElTebreezee, TA;) or it is an irregular rel. n. from بَادِيَةٌ: (Msb:) and ↓ بَدَاوِىٌّ and ↓ بِدَاوِىٌّ are similar rel. ns., (M, K,) from بَدَاوَةٌ and بِدَاوَةٌ, as syn. with بَدْوٌ and بَادِيَةٌ, agreeably with rule; or the former of these two may be a rel. n. from بَدْوٌ and بَادِيَةٌ, and therefore extr. [with respect to rule]; but it is said that when a rel. n. may be regarded as regular or irregular, it is more proper to regard it as regular; (M;) or the former is a rel. n. signifying of, or belonging to, or relating to, البَدَاوَة as meaning the dwelling, or abiding, in the desert, (S, TA,) accord. to the opinion of Az; and the latter is a rel. n. from البِدَاوَة accord. to the opinion of As and others; and is held by Th to be the chaste form: (TA:) but بَدَوِىٌّ is the only one of these rel. ns. that is known to the common people: (M:) it is opposed to a townsman or villager. (TA.) [The pl. is بَدَاوَى, and vulg. بِدْوَانٌ. See also بَادٍ, often applied to a man as syn. with بَدَوِىٌّ.]

بَدَوَاتٌ: see بَدَآءٌ, in three places.

بَدَآءٌ [An opinion that occurs to one, or arises in the mind; and particularly one that is different from a former opinion;] a subst. from بَدَا in the phrase بَدَا لَهُ فِى الأَمْرِ. (Msb.) See 1, in four places. One says also, ↓ هُوَ ذُو بَدَوَاتٍ He is one who has various opinions occurring to him, or arising in his mind, (IDrd, S, * K, * and Har p. 665,) of which he chooses some and rejects others: (IDrd, TA:) it is said in praise, (IDrd, TA, and Kzz in Har ubi suprà,) and sometimes in dispraise: (Kzz in Har ubi suprà:) بَدَوَاتٌ is pl. of ↓ بَداةٌ, [which is therefore syn. with بَدَآءٌ,] like as قَطَوَاتٌ is pl. of قَطَاةٌ. (IDrd, TA, and Har ubi supra.) One says likewise ↓ أَبُو البَدَوَاتِ, meaning The father [i. e. originator] of opinions that present themselves to him. (IDrd, TA.) and ↓ السُّلْطَانُ ذُو عَدَوَاتٍ وَذُو بَدَوَاتٍ (S, [in which the context indicates it to mean The Sultán is characterized by deviations from the right way:] but accord. to SM, it is) a trad., meaning the Sultán ceases not to have some new opinion presenting itself to him. (TA.) بِدَآءٌ, in the common dial. of the people of ElYemen, signifies The morning-meal; syn. غَدَآءٌ. (TA.) بَدِىٌ: see بَادِيَةٌ: b2: and see بَدْوٌ, in three places. b3: Also, [or بِئْرٌ بَدِىٌّ,] originally بَدِىْءٌ, q. v. in art. بدأ, (TA,) A well: (T:) or a well that is not ancient: (TA:) pl. بُودَانٌ, formed by transposition from بُدْيَانٌ. (T.) بَدَآءَةٌ What appears, or becomes apparent, of wants, or needful things: pl. بَدَاآتٌ; for which one may also say, بَدَاوَاتٌ. (T.) These two pls. also signify Wants that appear, or become apparent, to one. (TA.) [The latter of them is likewise pl. of what next follows.]

بَدَاوَةٌ and بِدَاوَةٌ: see بَادِيَةٌ. b2: The former also signifies The first that appears, or becomes apparent, of a thing. (Lh, M, K.) [See بَدَآءَةٌ.]

بَدَاوِىٌّ and بِدَاوِىٌّ: see بَدَوِىٌّ.

بَادٍ Appearing, or apparent; or becoming, or being, apparent, open, manifest, plain, or evident. (Msb.) [Hence,] بَادِىَ الرَّأْىِ At the [first] appearance of opinion; (Fr, Lh, M;) or according to the appearance of opinion; (Zj, S, K; *) which may mean either insincerely or inconsiderately: (Zj, TA:) so in the Kur xi. 29; (Zj, S;) where only AA read it with hemz: (TA:) if with hemz, it is from بَدَأْتُ, and means at first thought, or on the first opinion. (S; and Lh in M, art. بدأ: see بَدْءٌ.) For بَادِى بَدٍ, or بَادِىَ بَدٍ, and بَادِى بَدِى, &c., see بَدْوٌ, in four places. b2: بَادِى

بَدِى is sometimes used as a name for Calamity, or misfortune: it consists of two nouns made one, like مَعْدِىْ كَرِبَ. (S.) b3: بَادٍ also signifies A man going forth to the بَادِيَة [or desert]: (M, * Msb, K, * TA:) or one who is in the بَادِيَة, dwelling in the tents, and not remaining in his place: (TA:) pl. بَادُونَ and بُدًّا [in the TA erroneously said to be بُدًى like هُدًى] and بُدَّآءٌ: (M, K:) and ↓ بَدْوٌ is a quasi-pl. n. of بَادٍ; (M, TA;) or is for أَهْلُ بَدْوٍ, meaning people who go forth to the desert; (M;) or it means dwellers in the desert, or people of the desert: (MF:) ↓ بَادِيَةٌ also signifies the same as بَادُونَ, i. e. people migrating from the constant sources of water, and going forth to the desert, seeking the vicinity of herbage; contr. of حَاضِرَةٌ; and بَوَادِى [or بَوَادٍ] is pl. of بَادِيَةٌ. (T.) بَادَاةٌ: see what next follows.

بَادِيَةٌ (T, S, &c.) A desert; so called because of its being open, or uncovered; (TA;) contr. of حَضَرٌ; (M, K;) as also ↓ بَدْوٌ, (S, * M, Msb, K,) and ↓ بَادَاةٌ, (M, K,) or ↓ بَدَاةٌ, (TA, [thought by SM to be the correct form because found by him in the M, in which I find باداة,]) and ↓ بَدِىٌّ, said to be used as syn. with بَادِيَةٌ in a verse of Lebeed cited among the exs. of the preposition بِ, p. 142, (TA,) and ↓ بدَاوَةٌ (M, K) and ↓ بِدَاوَةٌ; (M;) [of which the last two and the second (namely, بَدْوٌ,) seem to be originally inf. ns.; see 1:] or a land in which are no towns or villages or cultivated soil: (Lth, T:) or the places to which people migrate from the constant sources of water, when they go forth to the desert, seeking the vicinity of herbage; also termed مَبَادٍ, which is syn. with مَنَاجِعُ, contr. of مَحَاضِرُ, and pl. of ↓ مَبْدًى, (T,) this last signifying the contr. of مَحْضَرٌ: (S:) the pl. of بَادِيَةٌ is بَوَادٍ. (T, Msb.) b2: See also بَادٍ.

مَبْدًى: pl. مَبَادٍ: see بَادِيَةٌ.

رَكِىٌّ مُبْدٍ Wells showing their water; having it uncovered by dust or earth; contr. of رَكِىٌ غَامِدٌ. (A in art. غمد.)

هبهب

[هبهب] نه: فيه: إن في جهنم واديًا يقال له "هبهب" يسكنه الجبارون، والهبهب: السريعن وهبهب السراب- إذا ترقرق.
(هبهب)
أسْرع وانتبه من النّوم والسراب لمع والتيس هاج وَصَاح للضراب وَفُلَانًا وَغَيره زَجره
هـبهـب
هبهبَ يهبهِب، هَبْهَبةً، فهو مُهَبْهِب
• هبهب الكلبُ: صاح وهاج "رأى الكلبُ شخصًا غريبًا فَهَبْهَبَ". 
(هبهب) - في الحديث: "إن في جَهَنم وَادِياً يقال له: هَبْهَبٌ يَسْكُنُه الجَبَّارُون"
يقال: هَبْهَبَ السَّرَابُ: تَرَقْرَقَ، والهَبْهابُ: الصَّيَّاحُ. والهَبْهَبُ : السَّرِيع.

هبهب


هَبْهَبَ
a. Glittered, quivered (mirage).
b. Was quick, swift.
c. [Min], Awoke.
d. Slaughtered.
e. Rattled; was hot (animal).
f. Hindered.
g. [ coll. ], Barked, yapped.

تَهَبْهَبَa. Shook; was shaken.
b. Pressed, jostle.

هَبْهَاْبa. see 51 (a)b. Clamorous; bawler.
c. A certain game.
d. Mirage.
e. Hegoat.

هَبْهَبa. Nimble.
b. Wolf.
c. Valley in hell.

هَبْهَبِيّa. see 51 (a)b. Cook.
c. Butcher.
d. Pastor; camel-driver.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.