Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: ملي

الكمال

الكمال: الانتهاء إلى غاية ليس وراءها مزيد من كل وجه، ذكره الحرالي. وقال ابن الكمال: كمال الشيء حصول ما فيه الغرض منه.
الكمال:
[في الانكليزية] Perfection
[ في الفرنسية] perfection
بالفتح وتخفيف الميم عند الحكماء يطلق على معنيين. أحدهما الحاصل بالفعل سواء كان مسبوقا بالقوة كما في حركات الحيوانات أو غير مسبوق بها كما في الكمالات الدائمة الحصول كالكمالات الحاصلة للعقول والحركات الأزلية الحاصلة للأفلاك على رأيهم، وسواء كان دفعا كما في الكون أو تدريجا كما في الحركة، وسواء كان لائقا بما حصل فيه أو لم يكن.
وإنّما سمّي الحاصل بالفعل كمالا لأنّ في القوة نقصانا والفعل تمام بالقياس إليها وهذه التسمية لا تقتضي سبق القوة بل يكفيها تصوّرها وفرضها، وبهذا المعنى يقال الكمال خروج الشيء من القوة إلى الفعل. وثانيهما الحاصل بالفعل اللائق بما حصل فيه وهذا المعنى أخصّ من الأول لاعتبار قيد اللّياقة فيه دون الأول، وبهذا المعنى وقع الكمال في تعريف النفس، وبهذا المعنى قيل الكمال ما يتمّ به الشيء إمّا في ذاته ويسمّى كمالا أوّلا ومنوعا إذ به يصير الشيء نوعا بالفعل وهو الفصول والصور النوعية، وإمّا في صفاته ويسمّى كمالا ثانيا وهو الكمال الذي يلحق الشيء بعد تقوّمه كالعلم وسائر الفضائل، إذ الشيء لا يكمل في الصفات إلّا بها، فالكمال الأوّل يتوقّف عليه الذات والكمال الثاني يتوقّف على الذات، هكذا يستفاد من شرح المواقف والعلمي حاشية شرح هداية الحكمة. وقال المحقّق الطوسي: كلّ ما يكون في شيء بالقوة ثم يخرج عنه إلى الفعل فكان خروجه إلى الفعل أليق بذلك الشيء أن يكون الشيء الذي يخرج من القوة إلى الفعل لا يكون من شأنه أن يخرج بتمامه دفعة، ويسمّى ما يخرج منه إلى الفعل قبل خروج تمامه كمالا أوّلا، وكماله الذي يتوخّاه ويقصده بعد تقدير خروجه إلى الفعل كمالا ثانيا، وبهذا الاعتبار تعرّف الحركة بأنّها كمال أوّل لما هو بالقوة من حيث هو بالقوة. الثاني أن يكون الشيء الذي يخرج إلى الفعل يكون من شأنه أن يخرج بتمامه دفعة فإن كان حصوله لذلك الشيء يجعله نوعا غير ما كان قبل الحصول يسمّى كمالا أوّلا، وما يصدر عنه بعد تنوّعه من حيث هو ذلك النوع كمالا ثانيا. وبهذا الاعتبار تعرّف النفس بأنّها كمال أوّل لجسم طبيعي الخ، والصور التي تحصل للمركّبات وتجعلها أنواعا يمكن أن تزول عنها لا إلى بدل كصور المعادن والنباتات والحيوانات لا كصور العناصر تسمّى صورا كمالية انتهى. الكمال الصناعي ما يحصل بالصنع والكمال الطبيعي ما لا مدخل للصنع فيه، والكمال الآلي ما يحصل بالآلة، ويجيء في لفظ النفس.

قال الصوفية: للحقّ سبحانه كمالان:
أحدهما، الكمال الذاتي وهو عبارة عن ظهوره تعالى على نفسه بنفسه لنفسه بلا اعتبار الغير والغيرية والغناء المطلق لازم لهذا الكمال الذاتي. ومعنى الغناء المطلق مشاهدته تعالى في نفسه جميع الشئون والاعتبارات الإلهية والكيانية مع أحكامها ولوازمها على وجه كلّي جــملي لاندراج الكلّ في بطون الذات ووحدته كاندراج الأعداد في الواحد العددي. وإنّما سمّيت غنى مطلقا لأنّه تعالى بهذه المشاهدة مستغن عن ظهور العالم على وجه التفصيل لا حاجة له في حصول المشاهدة إلى العالم وما فيه لأنّ مشاهدته جميع الموجودات حاصلة له تعالى عند اندراج الكلّ في بطونه ووحدته، وهذه المشاهدة تكون شهودا غيبيا علميا كشهود المفصّل في المجمل والكثير في الواحد، وثانيهما الكمال الأسمائي وهو عبارة عن ظهوره تعالى على نفسه وشهود ذاته في التعيّنات الخارجية أي العالم وما فيه، وهذا الشهود يكون شهودا عيانيا عينيا وجوديا كشهود المجمل في المفصّل والواحد في الكثير. وهذا الكمال من حيث التحقّق والظهور موقوف على وجود العالم على وجه التفصيل كذا في التحفة المرسلة.

اللذة

اللذة: إدراك الملائم من حيث أنه ملائم كطعم الحلاوة عند حاسة الذوق، والنور عند البصر، وحضور المرجو عند القوة الوهمية والأمور الماضية عند القوة الحافظة يلتذ بذكرها. وقيد الحيثية للاحتراز عن إدراك الملائم لا من حيث ملاءمته فليس بلذة كالدواء النافع المر فإنه ملائم من حيث أنه نافع لا من حيث أنه لذيذ.
اللذة:
[في الانكليزية] PIeasure
[ في الفرنسية] PLaisir
بالفتح والتشديد مقابلة للألم وهما بديهيان ومن الكيفيات النفسانية فلا يعرّفان، بل إنّما يذكر خواصّهما دفعا للالتباس اللفظي. قيل اللذة إدراك ونيل لما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك، والألم إدراك ونيل لما هو عند المدرك آفة وشرّ من حيث هو كذلك، والمراد بالإدراك العلم وبالنيل تحقّق الكمال لمن يلتذّ، فإنّ التكيّف بالشيء لا يوجب الألم واللّذة من غير إدراك فلا ألم ولا لذّة للجماد بما يناله من الكمال والآفة، وإدراك الشيء من غير النيل لا يؤلم ولا يوجب لذة كتصوّر الحلاوة والمرارة. فاللذة والألم لا يتحقّقان بدون الإدراك والنيل. ولمّا لم يكن لفظ دالّ على مجموعهما بالمطابقة ذكرهما وأخّر النيل لكونه خاصا من الإدراك. وإنّما قال عند المدرك لأنّ الشيء قد يكون كمالا وخيرا بالقياس إلى شخص وهو لا يعتقد كماليته فلا يلتذّ به بخلاف ما إذا اعتقد كماليته وخيريته وإن لم يكن كذلك بالنسبة إليه في نفس الأمر.
والكمال والخير هاهنا أعني المقيسين إلى الغير هما حصول شيء لما من شأنه أن يكون ذلك الشيء له أي حصول شيء يناسب شيئا ويصلح له أو يليق به بالنسبة إلى ذلك الشيء، والفرق بينهما أنّ ذلك الحصول يقتضي براءة ما من القوة لذلك الشيء فهو بذلك الاعتبار فقط أي باعتبار خروجه من القوة إلى الفعل كمال وباعتبار كونه مؤثّرا خير، وذكرهما لتعلّق معنى اللذة بهما، وأخّر ذكر الخير لأنّه يفيد تخصيصا ما لذلك المعنى. وإنّما قال من حيث هو كذلك لأنّ الشيء قد يكون كمالا وخيرا من وجه دون وجه كالمسك من جهة الرائحة والطعم فإدراكه من حيث الرائحة لذّة ومن حيث الطعم ألم، وهذان التعريفان أقرب إلى التحصيل من قولهم اللّذة إدراك الملائم من حيث هو ملائم والألم إدراك المنافر من حيث هو منافر، والملائم كمال الشيء الخاص به كالتكيّف بالحلاوة والدسومة للذائقة، والمنافر ما ليس بملائم. قال الإمام الرازي كون اللّذة عين إدراك المخصوص لم يثبت بالبرهان فإنّا ندرك بالوجدان عند الأكل والشرب والجماع حالة مخصوصة هي لذة.
ونعلم أيضا أنّ ثمة إدراكا للملائم الذي هو تلك الأشياء. وأمّا أنّ اللذة هل هي نفس ذلك الإدراك أو غيره وإنّما ذلك الإدراك سبب لها، وأنّه هل يمكن حصول اللّذة بسبب آخر لذلك الإدراك أم لا، وأنّه هل يمكن حصول ذلك الإدراك بدون اللّذة أم لا؟ فلم يتحقّق شيء من هذه الأمور فوجب التوقّف في الكل وكذا الحال في الألم.
فائدة:
قال ابن زكريا الرازي ليست اللذة أمرا متحقّقا موجودا في الخارج بل هي أمر عدمي هو زوال ألم كالأكل فإنّه دفع ألم الجوع والجماع فإنّه دفع ألم دغدغة المني لأوعيته، ولا نمنع نحن جواز أن يكون ذلك أحد أسباب اللّذة، إنّما تنازعه في أنّه دفع الألم، فإنّ من المعلوم أنّ اللذة أمر وراء زوال الألم وفي أنّه لا يمكن أن تحصل اللّذة بطريق آخر، فإنّ النظر إلى وجه مليــح والعثور على مال بغتة والاطّلاع على مسئلة علمية فجأة تحدث اللّذة مع أنّه لم يكن له ألم قبل ذلك حتى يدفعها تلك الأمور.

التقسيم:
اللّذة والألم إمّا حسّيان أو عقليان. فاللذة الحسّية ما يكون فيه المدرك بالكسر من الحواس والمدرك بالفتح ما يتعلّق بالحواس، والعقلية ما يكون المدرك فيه العقل والمدرك من العقليات، وقس على هذا الألم الحسّي والعقلي.
فائدة:
العوام ينكرون اللّذة العقلية مع أنها أقوى من الحسية بوجوه. منها أنّ لذة الغلبة المتوهّمة ولو كانت في أمر خسيس ربّما تؤثّر على لذات يظنّ أنّها أقوى اللذات الحسّية فإنّ المتمكّن على الغلبة في الشطرنج والنرد قد يعرض له مطعوم ومنكوح فيرفضه. ومنها أنّ لذة نيل الحشمة والجاه تؤثّر أيضا عليهما فإنّه قد يعرض له مطعوم ومنكوح في صحبة حشمه فينفض اليد بهما مراعاة للحشمة. ومنها أنّ الكريم يؤثر لذة إيثار الغير على نفسه فيما يحتاج إليه على لذّة التمتع به وليس ذلك في العاقل فقط بل في العجم من الحيوانات أيضا، فإنّ من كلاب الصيد من يقبض على الجوع ثم يمسكه على صاحبه وربّما حمله إليه، والواضعة من الحيوانات تؤثر ما ولدته على نفسها فإذا كانت اللّذات الباطنة أعظم من الظاهرة وإن لم تكن عقلية، فما قولك في العقلية. هكذا يستفاد من شرح المواقف وشرح الإشارات والمطوّل وحواشيه والأطول في بحث التشبيه.
فائدة:

قال الحكماء: الألم سببه الذاتي تفرّق اتصال فقط بالتجربة، وأنكره الإمام الرازي فإنّ من جرح يده بسكين شديدة الحدّة لم يحس بالألم إلّا بعد زمان، ولو كان ذلك سببا لامتنع التخلّف عنه، وزاد ابن سينا سببا آخر هو سوء المزاج المختلف، والتفصيل يطلب من شرح المواقف.

المكان

المكان: عند الحكماء: السطح الباطن من الجسم الحاوي للمماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي.
المكان: عند أهل الحقائق: يراد به المكانة، وهي منزلة في البساط لا تكون إلا للمتمكنين الذين جاوزوا الجلال والجمال، فلا وصف لهم ولا نعت.
المكان:
[في الانكليزية] Place ،situation
[ في الفرنسية] Place ،situation
بمعنى جايگاه. ولما كثر لزوم الميم توهّمت أصلية فقيل تمكّن كما قالوا تمسكن من المسكين، كذا في الصراح. فعلى هذا لفظ المكان كافه أصلية ولذا ذكرناه في باب الكاف، وإن ذكر في بعض كتب اللغة في باب الميم.
المكان:
[في الانكليزية] Spot ،space
[ في الفرنسية] Lieu ،espace
هو في العرف العام ما يمنع الشيء من النزول فإنّ المشهور بين الناس جعل الأرض مكانا للحيوان لا الهواء المحيط به حتى لو وضعت الدرقة على رأس قبّة بمقدار درهم لم يجعلوا مكانها إلّا القدر الذي يمنعها من النزول كذا في شرح المواقف. وأمّا أهل العلم والتحقيق فقد اختلفوا فيه فذهب أرسطاطاليس وعليه المشّائيون ومتأخّرو الحكماء كابن سينا والفارابي وأتباعهما إلى أنّ المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماسّ للسطح الظاهر من الجسم المحوي، فعلى هذا يكون المكان منقسما في جهتين فقط، وهو قد يكون سطحا واحدا كالطير في الهواء، فإن سطحا واحدا قائما بالهواء محيط به، وكمكان الفلك، وقد يكون أكثر من سطح واحد كالحجر الموضوع على الأرض فإنّ مكانه أرض وهواء يعني أنّه سطح مركّب من سطح الأرض الذي تحته، والسطح المقعّر للهواء الذي فوقه، وقد يتحرّك تلك السطوح كلّها كالسمك في الماء الجاري أو بعضها كالحجر الموضوع في الماء الجاري، وقد يتحرّك الحاوي والمحوي معا إمّا متوافقين في الجهة أو متخالفين فيها كالطير يطير والريح يهبّ على الوفاق أو الخلاف أو الحاوي. وحده كالطير يقف والريح يهبّ أو المحوي وحده كالطير يطير والريح يقف. وذهب بعض الحكماء إلى أنّ المكان هو السطح مطلقا لأنّ الفلك الأعلى يتحرّك فله مكان وليس هو سطح المحوي، وللفلك الأوسط مكانان سطح الحاوي وسطح المحوي، فعلى المذهب الأول لا مكان للفك الأعلى وإنّما يكون له وضع فقط. وذهب الإشراقيون من الحكماء وأفلاطون إلى أنّ المكان هو البعد المجرّد الموجود وهو ألطف من الجسمانيات وأكثف من المجرّدات، ينفذ فيه الجسم وينطبق البعد الحال فيه على ذلك البعد في أعماقه وأقطاره. فعلى هذا يكون المكان بعدا منقسما في جميع الجهات مساويا للبعد الذي في الجسم بحيث ينطبق أحدهما على الآخر ساريا فيه بكلّيته، ويسمّى ذلك البعد بعدا مفطورا بالفاء لأنّه فطر عليه البداهة فإنّها شاهدة بأنّ الماء مثلا إنّما حصل فيما بين أطراف الإناء من الفضاء ألا ترى أنّ الناس كلّهم حاكمون بذلك ولا يحتاجون فيه إلى نظر وتأمّل وصحّفه بعضهم بالمقطور بالقاف أي بعد له أقطار، والمقطور بمعنى المشقوق فإنّه ينشقّ فيدخل فيه الجسم. قالوا يجب أن يكون ذلك البعد جوهرا لقيامه بذاته وتوارد الممكنات عليه مع بقائه بشخصه فكأنّه جوهر متوسّط بين العالمين، أعني الجواهر المجرّدة التي لا تقبل الإشارة الحسّية والأجسام التي هي جواهر مادية كثيفة، وحينئذ تكون الأقسام الأوّلية للجوهر ستة لا خمسة على ما هو المشهور. وعلى هذا المذهب للفلك الأعلى أيضا مكان.
اعلم أنّ القائلين بأنّ المكان هو البعد المجرّد الموجود فرقتان: فرقة منهم تقول بجواز خلوّه عن الجسم، وفرقة تمنعه، وقد سبق في لفظ الخلاء. وذهب المتكلّمون إلى أنّ المكان بعد موهوم مفروض يشغله الجسم ويملأه على سبيل التوهّم وهو الخلاء. وذهب بعض قدماء الحكماء إلى أنّ المكان هو الهيولى إذ المكان يقبل تعاقب الأجسام المتمكّنة فيه، والهيولى أيضا تقبل تعاقب الأجسام أي الصور الجسمية.
فالمكان هو الهيولى وهذا المذهب قد ينسب إلى أفلاطون، ولعلّه أطلق لفظ الهيولى على المكان باشتراك اللفظ مع وجود المناسبة بينهما في توارد الأشياء عليهما، وإلّا فامتناع كون الهيولى التي هي جزء الجسم مكانا مما لا يشتبه على عاقل فضلا عمّن كان مثله في الفطانة.
وقال بعضهم إنّه الصورة الجسمية لأنّ المكان هو المحدّد للشيء الحاوي له بالذات والصورة كذلك، وهذا أيضا قد ينسب إلى أفلاطون.
قالوا في توجيه كلامه لمّا ذهب إلى أنّ المكان هو الفضاء والبعيد المجرّد سمّاه تارة بالهيولى للمناسبة المذكورة وتارة بالصورة لأنّ الجواهر الجسمانية قابلة له بنفوذه فيها دون الجواهر المجرّدة، فهو كالجزء الصوري للأجسام وهذان القولان إن حملا على هذا فلا محذور، وإلّا فلا اعتداد بهما لظهور بطلانهما.
فائدة:

قال الحكماء: كلّ جسم فله مكان طبيعي وقد سبق تفسيره في لفظ الحيّز.
فائدة:
الله تعالى ليس في جهة ولا حيّز ومكان، وهذا مذهب أهل السّنّة والحكماء، وخالف فيه المشبّهة وخصّصوه بجهة اتفاقا، ثم اختلفوا فيما بينهم. فذهب أبو عبد الله محمد بن كرّام إلى أنّ كونه في الجهة ككون الأجسام فيها هو أن يكون بحيث يشار إليه أههنا أم هناك. قال وهو مماس للصفحة العليا من العرش، ويجوز عليه الحركة والانتقال وتبدّل الجهات، وعليه اليهود حتى قالوا العرش يئطّ من تحته اطيط الرحل الجديد تحت الراكب الثقيل وقالوا أنه يفضل على العرض من كل جهة أربع أصابع وزاد بعض المشبّهة كمضر وكهص وأحمد الهجيمي أنّ المؤمنين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة. ومنهم من قال هو محاذ للعرش غير مماس له. فقيل بعده عنه بمسافة متناهية وقيل بمسافة غير متناهية. ومنهم من قال ليس كونه في الجهة ككون الأجسام في الجهة. والمنازعة مع هذا القائل راجعة إلى اللفظ دون المعنى، والإطلاق اللفظي يتوقّف على إذن الشرع به عند الأشاعرة. ولأهل الحقّ في إثبات الحقّ دلائل، منها أنّه لو كان في المكان فإمّا أن يكون في بعض الأحياز أو في جميعها وكلاهما باطلان.
أمّا الأول فلتساوي الأحياز في أنفسها لأنّ المكان عند المتكلّمين هو الخلاء المتشابه ولتساوي نسبة الرّبّ تعالى إليها يكون اختصاصه ببعضها دون بعض ترجيحا بلا مرجّح إن لم يكن هناك تخصيص من خارج، وإلّا يلزم احتياجه تعالى في تحيّزه إلى الغير، والاحتياج ينافي الوجوب. وأمّا الثاني فلأنّه يلزم تداخل المتحيزين لأنّ بعض الأحياز مشغول بالأجسام وأنّه محال ضرورة فيلزم مخالطته لقاذورات العالم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فإن شئت تمام التحقيق فارجع إلى شرح المواقف.
والمكان في اصطلاح الصوفية الذي هو واقع بالنسبة للذّات الإلهية المقدّسة عبارة عن إحاطة الذات مع ارتفاعها عن اتصال الأنام.
والمكانة عبارة عن المنزلة التي هي أرفع منازل السّالك عند مليــك مقتدر. وحينا يطلق المكان أيضا على المكانة. كذا في لطائف اللغات.

المنطق

المنطق: آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر. فهو علم عــملي آلي كما أن الحكمة علم نظري غير آلي.
المنطق:
[في الانكليزية] Norm ،criterion ،standard ،rational number
[ في الفرنسية] Norme ،critere ،mesure ،etalon ،nombre rationnel
بضم الميم وكسر الطاء عند المهندسين هو المقدار الموضوع للمعيار والتقدير بمنزلة الواحد في العدد والمقادير التي تقدّر به منطقة لأنّه واحد ولوحدته بعدها بعدة إمّا مرة أو مرارا، وما وقع عليه العدد منطق، مثال ذلك طول الجسم الذي يقدّر بطول مفروض مثل شبر أو ذراع وبسيطه الذي يقدّر بالمربع الذي هو واحد في واحد من شبر أو ذراع وعمقه الذي يقدّر بالمكعّب الذي هو واحد في واحد ثم في واحد. والموزونات التي تقدّر بالأوزان والمكيلات بالمكاييل وكلّ ما قدّر هذا المعيار بجزء من أجزائه نصفه أو ثلثه أو بالأجزاء من أجزائه كثلثيه أو خمسيه أو ثلاثة أخماسه هو أيضا منطق. وفي الجملة كلّ مقدار ينسب إلى هذا المعيار نسبة عدد إلى عدد فهو منطق، وما وجد على غير ما ذكرنا إذا أضيف إليه يقال له أصمّ أعني أنّه لا يمكن أن ينطق به إلّا مجذورا مثل قولك جذر ثلاثة وجذر خمسة، وإنّما شرطنا فقلنا إذا أضيف إليه لأنّه قد يوجد في هذه المقادير الصمّ ما ينطق به بإضافة بعضه إلى بعض، مثل جذر خمسة فإنّه ثلث جذر خمسة وأربعين فأحدهما إذن ثلاثة والآخر واحد، إلّا أنّها غير منطقة بالإضافة إلى المقدار الذي فرض معيارا ومقدارا، هكذا في بعض حواشي تحرير أقليدس. ويؤيّده ما في بعض الرسائل من أنّ كلّ واحد من الخطوط المفردة والسطوح المفردة إمّا منطقة وهي ما كان عددا كثلاثة وإمّا أصمّ وهي ما يعبّر عنه باسم الجذر كجذر ثلاثة، والخط إن كان يعبّر عنه بعدد فهو منطق في الطول كثلاثة ويسمّى منطقا على الإطلاق أيضا ومنطقا مطلقا أيضا، وإن كان لا يعبّر عنه بعدد لكن يعبّر عن مربعه بعدد فهو منطق في القوة فقط كجذر ثلاثة وجذر خمسة، فكلّ خطّ يكون منطقا في الطول فهو منطق في القوة بلا عكس، وقد سبق ما يناسب ذلك في لفظ الأصم، وقد يسمّى المنطق بالمنطوق أيضا. ويطلق أيضا على قسم من الجذر وعلى قسم من الكسر وقد سبق.

التَّشْبِيه

التَّشْبِيه: فِي اللُّغَة الدّلَالَة على مُشَاركَة أَمر لآخر فِي معنى وَالْأَمر الأول مشبه وَالثَّانِي مشبه بِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنى وَجه الشّبَه وَلَا بُد فِيهِ من آلَة التَّشْبِيه وغرضه وَهُوَ وَجه الشّبَه. وَفِي اصْطِلَاح الْبَيَان هُوَ الدّلَالَة على اشْتِرَاك أحد الشَّيْئَيْنِ للْآخر فِي أخص أَوْصَافه كالشجاعة فِي الْأسد والسخاوة فِي الحاتم والنور فِي الشَّمْس. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ الدّلَالَة على مُشَاركَة أَمر لآخر بِالْكَاف وَنَحْوه فِي أخص أَوْصَافه. (وَلَا يخفى عَلَيْك) أَنه يفهم من هَا هُنَا أَنه لَا يتَصَوَّر التَّشْبِيه إِلَّا بَين أَمريْن متغائرين كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. لَكِن التَّحْقِيق أَن التَّشْبِيه قد يكون بَين أَمريْن متحدين وَيُسمى تَشْبِيه الشَّيْء بِنَفسِهِ وَيكون الْغَرَض مِنْهُ تَنْزِيه الْمُشبه عَن وجود الْمثل وَإِثْبَات وحدانيته فِي وَجه التَّشْبِيه وَفِيه كَمَال التمدح بتفنن الْعبارَة كَمَا قَالَ جَامع الكمالات الإنسانية سيد غُلَام على المتخلص بآزاد البلكرامي سلمه الله تَعَالَى.
(رَأَيْت كثير حسان فِي الورى مثلي ... مَا لَاحَ مثلك إِلَّا أَنْت يَا أملي)

وَجَاء فِي الْأَشْعَار الْهِنْدِيَّة كثيرا وَفِي الفارسية أَيْضا كَمَا قَالَ ملا ظهوري الترشيزي.
(جون ظهوري بجز ظهوري نيست ... در محبت يكانه مي باشد)

وَأَيْضًا قَالَ ميرزا جلالائي طباطبائي فِي منشأته.
(آب رخ آئينه جم منم ... همجو منى كرّ بود آن هم منم)

وَأَيْضًا قَالَ سيدنَا سلمه الله تَعَالَى.
(ترامير سدناز أَي دلستان ... توئى جونتو درخيل خوش طلعتان)

وَهَذَا التَّشْبِيه على وزان تَفْضِيل الشَّيْء على نَفسه فَإِن الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ يكونَانِ متغائرين وَقد يجعلان متحدين وَيكون الْغَرَض من اتحادهما عدم مُشَاركَة الْغَيْر فِي الْفضل كَمَا تَقول الله أكبر من نَفسه وكما قَالَ ملا ظهوري.
(نتوان كفت زخوبان دكرى مي باشد ... هم توئى از تو اكر خوبتري مي باشد)
(التَّشْبِيه) التَّمْثِيل و (عِنْد البيانيين) إِلْحَاق أَمر بِأَمْر لصفة مُشْتَركَة بَينهمَا كتشبيه الرجل بالأسد فِي الشجَاعَة و (تَشْبِيه المسجونين) أَخذ البصمات اللَّازِمَة وَكِتَابَة الْأَوْصَاف على استئمارة خَاصَّة لتحديد الشخصية (مج)

الْجَبْر والمقابلة

الْجَبْر والمقابلة: طَرِيق من طرق اسْتِخْرَاج المجهولات العددية واستعلامها من المعلومات العددية.
الْجَبْر والمقابلة: وَقَالَ الْفَاضِل الخلخالي الْجَبْر إِمَّا رفع الِاسْتِثْنَاء بِأَن يُزَاد على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مثل الْمُسْتَثْنى وعَلى الطّرف الآخر مثل ذَلِك، وَإِمَّا تَكْمِيل الكسور أَمْوَالًا وَأَشْيَاء. والمقابلة القاء الْمُشْتَرك من الْجَانِبَيْنِ انْتهى. والفاضل الآملي قَالَ فِي خُلَاصَة الْحساب والطرف ذُو الِاسْتِثْنَاء يكمل وَيُزَاد مثل ذَلِك على الآخر وَهُوَ الْجَبْر والأجناس المتجانسة المتساوية فِي الطَّرفَيْنِ يسْقط مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُقَابلَة. وَلما كَانَ بعض مَا فِي خُلَاصَة الْحساب فِي بَاب الْجَبْر والمقابلة مُحْتَاجا إِلَى التَّوْضِيح وَلم يتَعَرَّض لَهُ الشَّارِح الخلخالي أوضحته بِمَا خطر فِي خاطري الفاتر وذهني الْقَاصِر بِعِبَارَة وَاضِحَة لعُمُوم النَّفْع هَكَذَا.
قَوْله: يُسمى الْمَجْهُول شَيْئا. (اعْلَم) أَنه لَا بُد وَأَن يكون الشَّيْء الْمَجْهُول غير الْوَاحِد لِأَنَّهُ إِن كَانَ وَاحِدًا فَلَا فَائِدَة فِي ضربه فِي نَفسه إِذْ لَا حَاصِل لَهُ سواهُ. (وَاعْلَم) إِن المَال وَالشَّيْء والكعب وَهَكَذَا إِلَى غير النِّهَايَة يُسمى منَازِل وَهِي منَازِل الصعُود وأجزاء الْمنَازل هِيَ النُّزُول. قَوْله: فسابع الْمَرَاتِب مَال مَال الكعب لِأَن ابْتِدَاء الْحساب من الشَّيْء. قَوْله: صعُودًا أَي فِي جَانب الْمنَازل. قَوْله: ونزولا أَي فِي جَانب أَجزَاء الْمنَازل. قَوْله: كنسبة الكعب إِلَى المَال فَأن الكعب كَمَا أَنه ضعف المَال كَذَلِك مَال المَال ضعف الكعب فَإِن الشَّيْء إِذا فرضناه اثْنَيْنِ فمضروبه فِي نَفسه الَّذِي هُوَ المَال أَربع. وَلَا شكّ أَنه ضعف الِاثْنَيْنِ وَالثَّمَانِيَة الَّتِي هِيَ الكعب ضعف المَال. والكعب اعني سِتَّة عشر ضعف الثَّمَانِية وَقس عَلَيْهِ والعاقل تكفيه الْإِشَارَة. قَوْله: وَالْوَاحد إِلَى جُزْء الشَّيْء عطف على الكعب أَي كنسبة الْوَاحِد إِلَى جُزْء الشَّيْء فَإنَّا إِذا فَرضنَا الشَّيْء اثْنَيْنِ كَانَ جزؤه النّصْف نِسْبَة الْوَاحِد إِلَى النّصْف نِسْبَة الضعْف فَإِن الْوَاحِد ضعف النّصْف وَكَذَا نِسْبَة النّصْف إِلَى جُزْء المَال لِأَنَّهُ على ذَلِك الْفَرْض ربع لِأَن المَال حِينَئِذٍ أَرْبَعَة. وَلَا شكّ أَن النّصْف ضعف الرّبع. وَهَكَذَا نِسْبَة الرّبع إِلَى جُزْء الكعب الَّذِي هُوَ الثّمن لِأَن الكعب على ذَلِك الْفَرْض ثَمَانِيَة _ وَالرّبع ضعف الثّمن وَقس على هَذَا. قَوْله: فَإِن كَانَا فِي طرف وَاحِد. يَعْنِي إِذا أردْت ضرب منزل من الْمنَازل فِي جنس آخر. فَإِن كَانَ الجنسان مَعًا فِي طرف وَاحِد من طرفِي الصعُود وَالنُّزُول فاجمع مراتبهما _ وَحَاصِل الضَّرْب سمي الْمَجْمُوع فِي ذَلِك الطّرف كَمَال الكعب فِي مَال مَال الكعب: الأول: وَاقع فِي الْمرتبَة الْخَامِسَة. وَالثَّانِي: فِي الْمرتبَة السَّابِعَة. فَالْحَاصِل من هَذَا الضَّرْب كَعْب كَعْب كَعْب كَعْب أَربَاعًا وَهُوَ وَاقع فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة عشر. أَو كَانَ الجنسان فِي طرفين من طرفِي الصعُود وَالنُّزُول. فَالْحَاصِل من الضَّرْب هُوَ من جنس الْفضل فِي طرف ذِي الْفضل _ فَالْمُرَاد من الطّرف الْوَاحِد طرف الصعُود فَقَط أَو طرف النُّزُول فَقَط _ وَالْمرَاد بالطرفين طرفا الصعُود وَالنُّزُول مَعًا. قَوْله: من جنس الْفضل يَعْنِي إِن كَانَ الْفضل وَاحِدًا فَيكون ذَلِك الْوَاحِد الْفضل من جنس الشَّيْء وَهُوَ الجذر وَإِن كَانَ الْفضل اثْنَيْنِ فَيكون الِاثْنَان مالين لِأَن جنس الِاثْنَيْنِ هُوَ المَال وَقس على هَذَا.
قَوْله: فِي طرف ذِي الْفضل يَعْنِي إِن كَانَ ذُو الْفضل فِي طرف الصعُود يكون جنس الْفضل فِي طرف الصعُود. يعْنى لايضاف إِلَيْهِ الْجُزْء وَإِن كَانَ فِي طرف النُّزُول أَي الْجُزْء يكون جنس الْفضل فِي طرف النُّزُول أَي يُضَاف إِلَيْهِ الْجُزْء. مِثَال: الأول مَا مر وَمِثَال الثَّانِي جُزْء كَعْب كَعْب الكعب لشَيْء فِي مَال مَال الكعب لشَيْء _ الْحَاصِل جُزْء المَال لِأَن الْمَضْرُوب فِي طرف النُّزُول والمضروب فِيهِ فِي طرف الصعُود _ وَفضل الْمَضْرُوب على الْمَضْرُوب فِيهِ بِاثْنَيْنِ وجنس الِاثْنَيْنِ هُوَ المَال فاعتبرناه فِي طرف ذِي الْفضل وطرف ذِي الْفضل هُوَ النُّزُول فأضفنا الْجُزْء إِلَى المَال فَصَارَ الْحَاصِل جُزْء المَال وَكَذَا إِذا ضرب جُزْء مَال المَال فِي مَال الكعب لشَيْء يكون الْحَاصِل هُوَ الشَّيْء أَي الجذر لِأَن مرتبَة الْوَاحِد هُوَ الشَّيْء إِذا كَانَ الْمَضْرُوب والمضروب فِيهِ فِي طرفين وَلم يُوجد فضل أَحدهمَا على آخر.
فَالْحَاصِل من جنس الْوَاحِد أبدا يَعْنِي يكون الْحَاصِل هُوَ الْوَاحِد فَإِن جُزْء الشَّيْء الَّذِي فرض اثْنَيْنِ نصف فَإِذا ضربنا جُزْء الشَّيْء فِي الشَّيْء يكون الْحَاصِل هُوَ النّصْف مرَّتَيْنِ وَالنّصف مرَّتَيْنِ هُوَ الْوَاحِد. وَإِذا ضربنا جُزْء المَال الَّذِي فرض أَرْبعا مثلا وجزؤه هُوَ الرّبع فِي المَال يكون الْحَاصِل هُوَ الرّبع أَربع مَرَّات. وَالرّبع أَربع مَرَّات هُوَ الْوَاحِد وَعَلِيهِ الْقيَاس. قَوْله: اضْرِب عدد أحد الجنسين إِلَى آخِره فَإِن ضربت شَيْئا مثلا وَقد فرضته أَرْبَعَة فِي شَيْء آخر وَقد فرضته خَمْسَة فَاضْرب عدد الأول فِي عدد الثَّانِي يحصل عشرُون فَهَذَا الْعشْرُونَ يكون من الْجِنْس الْوَاقِع فِي ملتقى المضروبين فَانْظُر فِيهِ فَإِذا هُوَ مَال فَيكون عشْرين مَالا وَقيس عَلَيْهِ. قَوْله: من الْجِنْس الْوَاقِع إِلَى آخِره فَاجْعَلْ مَا وَقع فِي الْمُلْتَقى تميزا لذَلِك الْعدَد الْحَاصِل. قَوْله: وَإِن كَانَ اسْتثِْنَاء أَي إِن وجد فِي أحد المضروبين أَو فِي كليهمَا اسْتثِْنَاء وَجَزَاء هَذَا الشَّرْط قَوْله فَاضْرب الْأَجْنَاس إِلَى آخِره وَقَوله وَيُسمى الْمُسْتَثْنى إِلَى آخِره جملَة مُعْتَرضَة بَينهمَا _ قَوْله: زَائِد أَي بِلَا اسْتثِْنَاء.
قَوْله: نَاقص أَي مُسْتَثْنى فَيكون مَقْرُونا بِحرف الِاسْتِثْنَاء قَوْله: والطرف ذُو الِاسْتِثْنَاء أَي الطّرف الَّذِي هُوَ ذُو الِاسْتِثْنَاء سَوَاء كَانَ مَعَ حرف الِاسْتِثْنَاء مثل الْأَشْيَاء أَو فِي حكمه مثل نصف شَيْء فَإِنَّهُ فِي حكم إِلَّا نصف شَيْء _ قَوْله: يكمل بِأَن يسْقط حرف الِاسْتِثْنَاء إِن كَانَ أَو يُؤْخَذ وَاحِد تَامّ إِن كَانَ نصف شَيْء وَإِن كَانَ نصف مَال فَيُؤْخَذ مَال. وَقَالَ الْفَاضِل: الخلخالي أَن المُصَنّف غفل عَن بعض الْمُقدمَات وَهُوَ قَوْلنَا إِمَّا يكمل الكسور أَمْوَالًا. قَوْله: عدد يعدل أَشْيَاء إِلَى آخِره يَعْنِي هَذِه ضابطة كُلية أَي كلما يعدل عدد جنس شَيْء فاقسم الْعدَد بعد المعادلة على عدد جنس الشَّيْء _ فَالْمُرَاد بالأشياء جنس الشَّيْء سَوَاء كَانَ شَيْئا وَاحِدًا أَو شَيْئَيْنِ أَو أَشْيَاء وَقس عَلَيْهِ أَمْوَالًا وأعدادا _ وجنس الشَّيْء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الأولى شَيْء وَربع. قَوْله: يخرج الشَّيْء الْمَجْهُول وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَال مَا صرح بقوله فلزيد ألف ومائتان ولعمرو أَربع مائَة. قَوْله: فافرض مَا لزيد شَيْئا إِلَى قَوْله يعدل شَيْئا وربعا. الْغَرَض مِنْهُ تَحْصِيل المعادلة. قَوْله: فلعمرو ألف إِلَّا نصف شَيْء يَعْنِي لَهُ ألف بعد اخراج نصف مَا لزيد مِنْهُ فَيكون لعَمْرو مَا بَقِي من الْألف بعد ذَلِك الْإِخْرَاج. وستعلم أَن لزيد ألفا وَمِائَتَيْنِ وَنصفه سِتّ مائَة فَإِذا خرجت من الْألف بَقِي أَربع مائَة فَهِيَ لعَمْرو. قَوْله: فلزيد ألف وَخمْس مائَة إِلَّا ربع شَيْء أما الْألف فَلِأَنَّهُ أقربه لزيد وَأما خمس مائَة إِلَّا ربع فَلِأَنَّهُ أقرّ لزيد مَعَ ذَلِك بِنصْف مَا لعَمْرو وَكَانَ لعَمْرو ألف إِلَّا نصف شَيْء وَنصف الْألف خمس مائَة وَنصف إِلَّا نصف شَيْء إِلَّا ربع شَيْء فَتَأمل. قَوْله: يعدل شَيْئا يَعْنِي أَن الْألف وَخمْس مائَة إِلَّا ربع شَيْء يعدل الشَّيْء الَّذِي فرض لزيد أَولا يَعْنِي كَانَ الشَّيْء لزيد مَفْرُوضًا أَولا ثمَّ وصل لَهُ بعد الْعَمَل مقَام الشَّيْء الْمَذْكُور ألف وَخمْس مائَة إِلَّا ربع شَيْء. قَوْله: وَبعد الْجَبْر أَي لزيد بعد الْجَبْر.
وَاعْلَم: إِن هَا هُنَا طرفين: أَحدهمَا: ذُو الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ ألف وَخمْس مائَة إِلَّا ربع شَيْء فكملناه بِرَفْع الِاسْتِثْنَاء فَصَارَ ألفا وَخمْس مائَة. والطرف الآخر هُوَ الشَّيْء الْمَفْرُوض لزيد أَولا ثمَّ حصل المعادلة فزدنا الرّبع الْمُسْتَثْنى على ذَلِك الشَّيْء فَصَارَ شَيْئا وربعا فألف وَخمْس مائَة صَار معادلا بِشَيْء وَربع. فعملنا بِتِلْكَ الضابطة الْمَذْكُورَة أَعنِي عددا يعدل أَشْيَاء فاقسمه على عَددهَا يخرج الشَّيْء الْمَجْهُول. بِأَن قسمنا على ضابطة قسْمَة الصِّحَاح على الصِّحَاح مَعَ الْكسر عدد الْأَعْدَاد وَهُوَ ألف وَخمْس مائَة على عدد شَيْء وَربع وَهُوَ خَمْسَة بعد التَّجْنِيس بِأَن ضربت ألفا وَخمْس مائَة فِي مخرج الرّبع وَهُوَ أَرْبَعَة حصل سِتَّة أُلُوف فضربنا الشَّيْء فِي ذَلِك الْمخْرج وزدنا على الْحَاصِل صُورَة الْكسر كَمَا هُوَ ضابطة التَّجْنِيس حصل خَمْسَة فقسمنا سِتَّة أُلُوف على خَمْسَة حصل ألف ومائتان لزيد وَنصفه سِتّ مَائه فَلَمَّا استثنيناها من الْألف بَقِي أَربع مائَة وَهِي لعَمْرو كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ آنِفا. قَوْله: أَشْيَاء تعدل أَمْوَالًا إِلَى آخِره وَهَذِه أَيْضا ضابطة كُلية أَي كلما تعدل أَشْيَاء أَمْوَالًا فاقسم إِلَى آخر. قَوْله: انتهبوا أَي أخذُوا التَّرِكَة على خلاف فَرَائض الله تَعَالَى. قَوْله: فاسترد الْحَاكِم أَي فاسترده القَاضِي بعد الْخُصُومَة. قَوْله: وقسمه بَينهم أَي قسم القَاضِي المسترد على فَرَائض الله على ابنائه الْعَصَبَات على السوية. قَوْله: فافرض الدَّنَانِير إِلَى آخِره هَذِه الْأَعْمَال إِنَّمَا هِيَ لغَرَض تَحْصِيل المعادلة ليعْمَل بعد المعادلة بالضابطة الْمَذْكُورَة حَتَّى يحصل الْمَجْهُول. قَوْله: فافرض الدَّنَانِير شَيْئا لكَونهَا مَجْهُولَة. قَوْله: وَخذ طَرفَيْهِ أَي طرف الشَّيْء وَاحِد طَرفَيْهِ مَعْلُوم تعينا وَهُوَ الْوَاحِد لِأَنَّهُ مبدأ سلسلة الْأَعْدَاد وطرفه الآخر مَجْهُول ففرضناه شَيْئا. قَوْله: وَاضْرِبْهُ إِلَى آخِره يَعْنِي لما كَانَ الشَّيْء قَائِما مقَام الدَّنَانِير الَّتِي على الْأَعْدَاد المتوالية وَحصل لنا وَاحِد مَعَه أَي وَاحِد وَشَيْء فأجرينا فِيهِ ضابطة معرفَة الْأَعْدَاد المتوالية. قَوْله: يحصل نصف مَال لِأَن مَضْرُوب الشَّيْء فِي الشَّيْء مَال فَإِذا أضفنا إِلَيْهِ النّصْف صَار نصف مَال. قَوْله: وَنصف شَيْء لِأَن مَضْرُوب الْوَاحِد فِي الشَّيْء شَيْء فَإِذا أضفنا إِلَيْهِ النّصْف صَار نصف شَيْء فالمجموع الْحَاصِل نصف مَال وَنصف شَيْء. قَوْله: إِذْ مَضْرُوب الْوَاحِد إِلَى آخِره يَعْنِي إِنَّمَا أمرنَا بِالضَّرْبِ الْمَذْكُور لِأَن حَاصِل ضرب كل عدد مَعَ الْوَاحِد فِي نصف ذَلِك الْعدَد يُسَاوِي مَجْمُوع الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى ذَلِك الْعدَد فَإنَّك إِذا أردْت أَن تعرف الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى الْخَمْسَة فزد عَلَيْهَا وَاحِدًا لتصير سِتَّة فاضربها فِي نصف الْخَمْسَة وَهُوَ اثْنَان وَنصف الْوَاحِد يحصل خَمْسَة عشر وَهِي الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى الْخَمْسَة وَإِن ضربت نصف الْمَجْمُوع أَعنِي ثَلَاثَة فِي هَذَا الْمِثَال فِي الْخَمْسَة يحصل أَيْضا خَمْسَة عشر والأعداد المتوالية هِيَ الْوَاحِد والاثنان وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة والخمسة إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ من غير أَن يتْرك عدد من الْوسط كَأَن يُؤْخَذ وَاحِد وَثَلَاثَة بترك الِاثْنَيْنِ فَيكون كل عدد زَائِدا على مَا تَحْتَهُ بِوَاحِد وَيكون مَا تَحْتَهُ نَاقِصا عَمَّا فَوْقه بِوَاحِد فَتَأمل. قَوْله: فاقسم أَي ثمَّ افْرِضْ عدد الْجَمَاعَة الْمَجْهُول شَيْئا فاقسم عدد الدَّنَانِير وَهُوَ نصف مَال وَنصف شَيْء على ذَلِك الشَّيْء الْمَفْرُوض فَيخرج حِصَّة كل مِنْهُم من ذَلِك الْعدَد سَبْعَة فَاضْرب السَّبْعَة فِي ذَلِك الشَّيْء الْمَفْرُوض الْمَقْسُوم عَلَيْهِ ليحصل لَك عدد الْمَقْسُوم الْمَجْهُول إِذْ الضابطة الْكُلية إِن حَاصِل الْقِسْمَة إِذا ضرب فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ يكون حَاصِل الضَّرْب عين الْمَقْسُوم فَإنَّك إِذا قسمت عشْرين على الْخَمْسَة يكون خَارج الْقِسْمَة أَرْبَعَة فَإِن كنت عَالما بِأَن الْمَقْسُوم عَلَيْهِ خَمْسَة وَوصل لكل أَرْبَعَة وجاهلا عدد الْمَقْسُوم فلتضرب الْأَرْبَعَة فِي الْخَمْسَة ليحصل عشرُون وَهُوَ عدد الْمَقْسُوم. قَوْله: يعدل نصف مَال وَنصف شَيْء لِأَن حَاصِل ضرب حَاصِل الْقِسْمَة فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ يُسَاوِي عدد الْمَقْسُوم ويعدله فَيكون الْمَقْسُوم وَحَاصِل ذَلِك الضَّرْب شَيْئا وَاحِدًا لَا غير فَيكون سَبْعَة أَشْيَاء وَنصف مَال وَنصف شَيْء أمرا وَاحِدًا. قَوْله: وَبعد الْجَبْر والمقابلة أَي بعد تَكْمِيل الكسور فِي الطَّرفَيْنِ بِإِسْقَاط النصفين وازديادهما على سَبْعَة وَبعد الْمُقَابلَة بِأَن يَكْفِي الْمُشْتَرك عَن الطَّرفَيْنِ مَالا يعدل ثَلَاثَة عشر شَيْئا.
وَسَأَلت عَن وَجه هَذِه المعادلة أفضل فضلاء الزَّمَان صَاحب النُّفُوس القدسية الشَّيْخ الْأَجَل أستاذي قطب الْملَّة وَالدّين العثماني الأحمد آبادي سقى الله ثراه وَجعل الْجنَّة مثواه. فَقَالَ: لِأَنَّهُ إِذا جبر وكمل نصف المَال وَنصف الشَّيْء صَارا مَالا وشيئا ثمَّ إِذا زيد ذَانك الكسران فِي الطّرف الآخر صَار ذَلِك الطّرف أَرْبَعَة عشر شَيْئا لوُجُود سَبْعَة أَشْيَاء فِي ذَلِك الطّرف وَكَون ذَيْنك الكسرين بِمَنْزِلَة سَبْعَة أَشْيَاء ومعادلين لَهَا فَيصير مَال وَشَيْء فِي طرف وَأَرْبَعَة عشر شَيْئا فِي طرف آخر ثمَّ القيت شَيْئا من الطَّرفَيْنِ فَبَقيَ ثَلَاثَة عشر شَيْئا فِي طرف وَمَال فِي طرف آخر انْتهى.
قَوْله: فالشيء ثَلَاثَة عشر أَي فالشيء الَّذِي هُوَ عدد الْجَمَاعَة ثَلَاثَة عشر لِأَنَّهُ وَقع المعادلة بَين ثَلَاثَة عشر شَيْئا وَبَين المَال وَقد سبق الضابطة الناطقة بِأَن المعادلة إِذا وَقعت بَين الْأَشْيَاء وَالْمَال يقسم عدد الْأَشْيَاء على عدد الْأَمْوَال فقسمنا ثَلَاثَة عشر شَيْئا على المَال حصل ثَلَاثَة عشر وَهِي عدد الْجَمَاعَة الْمَجْهُول ثمَّ معرفَة عدد الدَّنَانِير فِي غَايَة السهولة لِأَن السَّائِل قَالَ أصَاب لكل سَبْعَة فضربناها فِي ثَلَاثَة عشر حصل أحد وَتسْعُونَ وَهِي عدد الدَّنَانِير فَإِن قلت: كَيفَ يكون خَارج الْقِسْمَة ثَلَاثَة عشر بقسمتها على المَال. قُلْنَا: عدد المَال أَرْبَعَة لما مر من أَن الشَّيْء الْمَفْرُوض أدناه اثْنَان فمضروبه فِي نَفسه أَرْبَعَة فَإِذا قسمنا ثَلَاثَة عشر على أَرْبَعَة ضربناها فِي أَرْبَعَة فَحصل اثْنَان وَخَمْسُونَ فخارج قسمتهَا على أَرْبَعَة ثَلَاثَة عشر.
فَإِن قلت الضابطة فِي الْقِسْمَة أَن الْمَقْسُوم عَلَيْهِ إِذا كَانَ نَاقِصا عَن الْمَقْسُوم فحاصل نِسْبَة الْمَقْسُوم عَلَيْهِ إِلَى الْمَقْسُوم خَارج الْقِسْمَة فَمَا وَجه الضَّرْب قُلْنَا: مرجع النِّسْبَة إِلَى ضرب الْمَقْسُوم فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ وَجعل الكسور صحاحا كَمَا لَا يخفى على المحاسب. قَوْله: فَاضْرِبْهُ أَي عدد الْأَوْلَاد فِي سَبْعَة أَو بِالْعَكْسِ لِأَن مَضْرُوب خَارج الْقِسْمَة فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ أَو بِالْعَكْسِ يُسَاوِي الْمَقْسُوم كَمَا مر فالدنانير أحد وَتسْعُونَ. قَوْله: فالخطأ الأول أَرْبَعَة نَاقِصَة لأَنا إِذا فَرضنَا عدد الْأَوْلَاد خَمْسَة كَانَ عدد الدَّنَانِير خَمْسَة عشر لِأَنَّهَا مَجْمُوع الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى الْخَمْسَة فالخطأ الأول أَرْبَعَة نَاقِصَة لِأَن حِصَّة كل وَاحِد من الْأَوْلَاد الْخَمْسَة من خَمْسَة عشر دِينَارا ثَلَاثَة دَنَانِير فَلَا بُد من أَرْبَعَة أُخْرَى حَتَّى يصير الْمَجْمُوع سَبْعَة كَمَا قَالَ السَّائِل فالخطأ الأول إِنَّمَا هُوَ أَرْبَعَة نَاقِصَة من سَبْعَة. قَوْله: فَالثَّانِي اثْنَان كَذَلِك أَي فالخطأ الثَّانِي اثْنَان ناقصان لِأَنَّهُ مَجْمُوع الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ والنصيب مِنْهَا لكل من التِّسْعَة خَمْسَة وَلَا بُد لنا من سَبْعَة كَمَا قَالَ السَّائِل فَلَا بُد من اثْنَيْنِ زائدين فالخطأ إِنَّمَا هُوَ بقدرهما.
قَوْله: وَالْفضل بَينهمَا أَي بَين المحفوظين. قَوْله: وَبَين الْخَطَّائِينَ أَي الْفضل بَين الْخَطَّائِينَ اثْنَان فَإِذا قسمنا الْفضل بَين المحفوظين أَعنِي سِتَّة عشر على الْفضل بَين الْخَطَّائِينَ أَعنِي اثْنَيْنِ يخرج ثَلَاثَة عشر وَهِي عدد الْأَوْلَاد وَمِنْه يعلم عدد الدَّنَانِير بِضَرْب السَّبْعَة فِي عَددهمْ كَمَا لَا يخفى.
قَوْله: فحاصل إِلَّا وَاحِد. أَي فَالْحَاصِل التَّضْعِيف وَهُوَ أَرْبَعَة عشر عدد الْأَوْلَاد لَكِن بعد اسْتثِْنَاء الْوَاحِد مِنْهَا فَبَقيَ ثَلَاثَة عشر وَهِي عَددهمْ وَحِصَّة كل وَاحِد سَبْعَة كَمَا قَالَ السَّائِل فضربناها فِي عَددهمْ فَالْحَاصِل هُوَ عدد الدَّنَانِير لِأَن مَضْرُوب خَارج الْقِسْمَة فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ يُسَاوِي الْمَقْسُوم كَمَا مر. قَوْله: عدد يعدل مَالا. يَعْنِي كلما وَقع المعادلة بَين عدد وأموال فالضابطة حِينَئِذٍ قسْمَة ذَلِك الْعدَد على الْأَمْوَال. قَوْله: وجذر الْخَارِج من الْقِسْمَة. قَوْله: أقرّ زيد عِنْد القَاضِي. قَوْله: بِأَكْثَرَ الْمَالَيْنِ لَيْسَ المُرَاد بِالْمَالِ هَا هُنَا المَال الاصطلاحي فِي هَذَا الْبَاب أَعنِي مَضْرُوب الشَّيْء فِي نَفسه بل المُرَاد الْمَعْنى اللّغَوِيّ أَي مَاله مَالِيَّة وَقِيمَة. قَوْله: ومسطحهما أَي مسطح مَجْمُوع الْمَالَيْنِ أَي حَاصِل ضرب أحد الْمَالَيْنِ فِي آخر والمسطح هُوَ الْعدَد الْحَاصِل من ضرب عدد فِي غَيره مثل الْعشْرين الْحَاصِل من ضرب أَرْبَعَة فِي خَمْسَة كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَوْضِعه. قَوْله: أَحدهمَا أَي أحد الْمَالَيْنِ لزيد. قَوْله: عشرَة وشيئا لِأَن الْعشْرَة وشيئا أَكثر من قسمَيْنِ من عشْرين وَقد أقرّ الْمقر لزيد بِأَكْثَرَ الْمَالَيْنِ اللَّذين مجموعهما عشرُون. وَاعْلَم أَن الْعشْرَة أَمر يقيني فِي أَكثر الْمَالَيْنِ وَإِنَّمَا الْمَجْهُول هُوَ الشَّيْء الَّذِي فرض مَعَ الْعشْرَة وَالْعَمَل إِنَّمَا هُوَ لتَحْصِيل الْعلم بِهِ فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع فِيمَا سَيَأْتِي. قَوْله: وَبعد الْجَبْر والمقابلة بِأَن تعْتَبر الْمِائَة بِغَيْر الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ إِلَّا مَالا فَصَارَ مائَة تَامَّة _ وزدنا المَال على الطّرف الآخر أَعنِي سِتَّة وَتِسْعين فَصَارَ سِتَّة وَتِسْعين ومالا ثمَّ وَقعت الْمُقَابلَة بَين مائَة وَسِتَّة وَتِسْعين مَالا فأسقطنا سِتَّة وَتِسْعين من الْمِائَة من الطَّرفَيْنِ فَبَقيَ أَرْبَعَة من الْمِائَة فَوَقَعت المعادلة بَين الْأَرْبَعَة وَالْمَال فقسمنا الْأَرْبَعَة على المَال فَحصل خَارج الْقِسْمَة الْأَرْبَعَة وجذرها اثْنَان. قَوْله: وَالشَّيْء الَّذِي فرض مَعَ الْعشْرَة لزيد اثْنَان فزدناهما على الْعشْرَة فَصَارَ اثْنَي عشر وَلما اسْتثْنِي الشَّيْء الَّذِي علم أَنه اثْنَان من الْعشْرَة الْبَاقِيَة بَقِي ثَمَانِيَة فَأكْثر الْمَالَيْنِ اثْنَا عشر لزيد _ وَالْبَاقِي الثَّمَانِية للْقَاضِي حق السَّعْي نَعُوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات اعمالنا.
قَوْله: عدد يعدل أَشْيَاء وأموالا ضابطة كُلية أَي كلما تقع المعادلة بَين الْأَشْيَاء وَالْأَمْوَال. قَوْله: فكمل المَال بعد المعادلة وَاحِدًا أَي اجْعَلْهُ مَالا وَاحِدًا فَإِن كَانَ نصف مَال فزد نصفا عَلَيْهِ حَتَّى يصير مَالا كَامِلا وَاحِدًا وَإِن كَانَ ثلث مَال أَو ربع مَال فزد ثُلثي مَال أَو ثَلَاثَة أَرْبَاعه عَلَيْهِ ليصير مَالا كَامِلا وَاحِدًا وَقس عَلَيْهِ. قَوْله: إِن كَانَ أقل مِنْهُ أَي إِن كَانَ المَال أقل من المَال الْوَاحِد كنصفه وَثلثه وربعه وَغير ذَلِك كَمَا مر. قَوْله: ورده أَي رد المَال إِلَى مَال وَاحِد إِن كَانَ ذَلِك المَال أَكثر من مَال وَاحِد بِأَن كَانَ مالين أَو ثَلَاثَة أَمْوَال أَو غير ذَلِك. قَوْله: وحول الْعدَد كاثني عشر فِي الْمِثَال الْآتِي والأشياء كخمسة أَشْيَاء فِي ذَلِك الْمِثَال. قَوْله: إِلَى تِلْكَ النِّسْبَة أَي نِسْبَة التَّكْمِيل وَالرَّدّ بأنك إِن كملت نصف المَال مثلا بِزِيَادَة النّصْف الآخر عَلَيْهِ أَي بِتَضْعِيف النّصْف أَو رددت الْمَالَيْنِ مثلا إِلَى المَال بِإِسْقَاط نصف الْمَالَيْنِ إِلَى المَال فكمل الْعدَد بتضعيفه أَو انقصه بتنصيفه فَكَمَا أَن نصف المَال بالتضعيف يصير مَالا والمالان بالتنصيف مَالا كَذَلِك الْعدَد كالخمسة مثلا يصير بتكميلها بالتضعيف عشرَة كَامِلَة كالعشرين بتنصيفه يصير عشرَة نَاقِصَة وَكَذَا إِن كَانَ ربع مَال فتكميله بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَربَاع أَي ثَلَاثَة أَمْثَاله عَلَيْهِ كَذَلِك إِذا كَانَ الْعدَد خَمْسَة يصير بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَمْثَالهَا عَلَيْهَا عشْرين وكما أَن أَرْبَعَة أَمْوَال بِالرَّدِّ بِإِسْقَاط ثَلَاثَة أَمْوَال يبْقى مَالا كَذَلِك الْعدَد إِذا كَانَ عشْرين مثلا يبْقى بِالرَّدِّ بِإِسْقَاط ثَلَاثَة أَرْبَاعه أَعنِي خَمْسَة عشر خَمْسَة. قَوْله: بقسمة عدد كل أَي ذَلِك التَّحْوِيل يحصل بقسمة عدد كل وَاحِد من الْعدَد والأشياء على عدد الْأَمْوَال قيل التَّكْمِيل وَالرَّدّ فمجموع خَارج الْقِسْمَة هُوَ الْمَطْلُوب من التَّحْوِيل فَإِن كلا من خَمْسَة أَشْيَاء وَاثنا عشر فِي الْمِثَال الْآتِي ذَا قسم على نصف مَال على ضابطة قسْمَة الصَّحِيح على الْكسر يكون خَارج الْقِسْمَة فِي الأول خَمْسَة خَمْسَة ومجموعهما عشرَة وَفِي الثَّانِي اثْنَي عشر ومجموعهما أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ. قَوْله: ثمَّ ربع أَي بعد التَّكْمِيل نصف عدد الْأَشْيَاء وَذَلِكَ النّصْف خَمْسَة لِأَن عدد الْأَشْيَاء فِي الْمِثَال عشرَة ومربع الْخَمْسَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ. قَوْله: وزده على الْعدَد أَي زد ذَلِك المربع على الْعدَد الَّذِي حصل المعادلة بِهِ بعد التَّكْمِيل والتحويل وَذَلِكَ الْعدَد فِي الْمِثَال الْآتِي أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَإِذا زيد عَلَيْهِ مربع الْخَمْسَة أَعنِي خَمْسَة وَعشْرين يحصل تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ. قَوْله: وانقص من جذر الْمَجْمُوع أَعنِي الْمَزِيد والمزيد عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمِثَال تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ وجذره سَبْعَة وَإِذا نقصنا مِنْهَا نصف عدد الْأَشْيَاء وَهُوَ خَمْسَة يبْقى اثْنَان وَهُوَ الْعدَد الْمَجْهُول الْمَطْلُوب الْمقر بِهِ. قَوْله: فِي نصف بَاقِيهَا أَي فِي نصف الْبَاقِي من الْعشْرَة بعد القاء الْمَجْهُول مِنْهَا الَّذِي سنفرضه شَيْئا. قَوْله: فافرضه أَي فافرض مَا مَجْمُوع مربعه إِلَى آخِره شَيْئا لجهالته. قَوْله: وَنصف الْقسم الآخر أَي نصف الْبَاقِي من الْعشْرَة. قَوْله: خَمْسَة إِلَّا نصف شَيْء لِأَن الْقسم الآخر عشرَة إِلَّا شَيْئا فنصفه خَمْسَة إِلَّا نصف شَيْء. قَوْله: ومضروب الشَّيْء فِيهِ أَي فِي نصف الْقسم الآخر يَعْنِي فِي خَمْسَة إِلَّا نصف شَيْء. قَوْله: خَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال لِأَن مَضْرُوب الشَّيْء فِي الْخَمْسَة خَمْسَة أَشْيَاء ومضروب الشَّيْء فِي إِلَّا نصف شَيْء إِلَّا نصف مَال. قَوْله: فَنصف مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء بل مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال لِأَن عندنَا مَالا وَهُوَ مربع الْقسم الأول وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال وَهُوَ مَضْرُوب الشَّيْء فِي الْقسم الآخر فالمجموع عندنَا مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال.
وَلما كَانَ هَذَا كلَاما طَويلا لَا طائل تَحْتَهُ اخْتَار نصف مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء فِي مقَامه لِأَن مفَاد هَذَا مفَاد ذَلِك مَعَ الِاخْتِصَار لِأَنَّهُ لما اسْتثْنى من المَال نصف مَال بَقِي نصف المَال فَنصف مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء صَحَّ أَن يُقَال فِي مقَام مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال كَمَا لَا يخفى على المتأمل. قَوْله: يعدل اثْنَي عشر الْوَاقِع فِي السُّؤَال. قَوْله: فَمَال وَعشرَة أَشْيَاء يَعْنِي لما وَقع المعادلة بَين الْعدَد أَعنِي اثْنَي عشر وَبَين جنس
الْأَمْوَال والأشياء أَعنِي نصف مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء عَملنَا بالضابطة الْمَذْكُورَة بِأَن كملنا نصف المَال أَي جَعَلْنَاهُ مَالا وَاحِدًا بالتضعيف وحولنا عدد الْأَشْيَاء أَعنِي خَمْسَة إِلَى عشرَة وَالْعدَد أَعنِي اثْنَي عشر إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين بِتِلْكَ النِّسْبَة أَي بِتَضْعِيف الْخَمْسَة واثني عشر صَار مَال وَعشرَة أَشْيَاء معادلا لأربعة وَعشْرين. قَوْله: نقصنا نصف عدد الْأَشْيَاء وَهُوَ خَمْسَة لِأَن عدد الْأَشْيَاء عشرَة بعد التَّكْمِيل. قَوْله: من جذر مَجْمُوع إِلَى الآخر. اعْلَم أَن عدد الْأَشْيَاء عشرَة وَنِصْفهَا خَمْسَة ومربع الْخَمْسَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ وَالْعدَد أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ومجموع ذَلِك المربع وَهَذَا الْعدَد تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ وجذره سَبْعَة فَإِذا نقصنا الْخَمْسَة الَّتِي نصف عدد الْأَشْيَاء من السَّبْعَة الَّتِي جذر الْمَجْمُوع بَقِي اثْنَان وَهُوَ الْمقر بِهِ. (قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى) فِي الْهَامِش لِأَن مربعه أَرْبَعَة ومضروبه فِي نصف الْبَاقِي من الْعشْرَة بعد القاء الِاثْنَيْنِ مِنْهَا ثَمَانِيَة ومجموع الْأَرْبَعَة وَالثَّمَانِيَة اثْنَا عشر. قَوْله: أَشْيَاء تعدل إِلَى آخِره أَي كلما وَقع المعادلة بَين الْأَشْيَاء وَالْعدَد وَالْأَمْوَال فَبعد التَّكْمِيل أَو الرَّد على وزان مَا مر فِي الْمَسْأَلَة الأولى من المقترنات تنقص الْعدَد إِلَى آخِره. قَوْله: جذر الْبَاقِي من المربع. قَوْله: على نصفه أَي على نصف عدد الْأَشْيَاء. قَوْله: أَو تنقصه مِنْهُ أَي الجذر الْمَذْكُور من نصف عدد الْأَشْيَاء مَعْطُوف على تزيد وَكلمَة أَو للتَّخْيِير. قَوْله: أَمْثَال الْعدَد أَي ذَلِك الْعدَد الْمَضْرُوب فِي نصفه. قَوْله: فَاضْرب شَيْئا أَي فافرض ذَلِك الْعدَد الْمَجْهُول لجهالته شَيْئا وَاضْرِبْهُ فِي نَفسه يحصل نصف مَال وزد عَلَيْهِ اثْنَي عشر فَنصف مَال مَعَ اثْنَي عشر يعدل وَيقوم مقَام خَمْسَة أَمْثَال ذَلِك الشَّيْء أَي مقَام خَمْسَة أَشْيَاء فَإِذا كملنا نصف مَال صَار مَالا وحولنا اثْنَي عشر إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَى عشرَة أَشْيَاء على نِسْبَة ذَلِك التَّكْمِيل فَبعد هَذَا التَّكْمِيل وَقع المعادلة بَين عشرَة أَشْيَاء وَمَال وَأَرْبَعَة وَعشْرين فعملنا والضابطة الْمَذْكُورَة بِأَن نقصنا الْعدَد أَعنِي أَرْبَعَة وَعشْرين من مربع نصف عدد الْأَشْيَاء وَهُوَ خَمْسَة وَعِشْرُونَ لِأَن عدد الْأَشْيَاء عشرَة وَنِصْفهَا خَمْسَة ومربع الْخَمْسَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ بَقِي بعد هَذَا التنقيص وَاحِد وجذره لَيْسَ إِلَّا وَاحِد فَإِن زِدْت الْوَاحِد على الْخَمْسَة الَّتِي هِيَ نصف عدد الْأَشْيَاء يحصل سِتَّة وَهُوَ الْعدَد الْمَجْهُول الْمَطْلُوب لِأَنَّك إِذا ضربتها فِي نصفهَا أَعنِي ثَلَاثَة تحصل ثَمَانِي عشر فَإِن زِدْت عَلَيْهِ اثْنَي عشر يحصل ثَلَاثُونَ وَهُوَ خَمْسَة أَمْثَال السِّتَّة. قَوْله: أَو نقصته مِنْهَا أَي نقصت الْوَاحِد من الْخَمْسَة يحصل أَرْبَعَة وَهِي الْعدَد الْمَجْهُول المسؤول عَنهُ أَيْضا لِأَنَّهُ إِذا ضرب أَرْبَعَة فِي نصفهَا يحصل ثَمَانِيَة وَأَنا أَزِيد عَلَيْهَا اثْنَا عشر يحصل عشرُون وَهُوَ خَمْسَة أَمْثَال الْأَرْبَعَة. قَوْله: أَمْوَال تعدل عددا إِلَى آخِره يَعْنِي كلما وَقعت المعادلة بَين المَال وَالْعدَد والأشياء فَبعد التَّكْمِيل أَو الرَّد على الْوَجْه الْمَذْكُور تزيد مربع إِلَى آخِره. قَوْله: وجذر الْمَجْمُوع أَي تزيد جذره. قَوْله: عدد نقص من مربعه أَي عدد ربع ثمَّ نقص ذَلِك الْعدَد من مربعه. قَوْله: وَزيد الْبَاقِي بعد نُقْصَان الجذر. قَوْله: نقصنا من المَال شَيْئا أَي فَرضنَا ذَلِك
الْعدَد الْمَجْهُول شَيْئا ثمَّ ضَرَبْنَاهُ فِي نَفسه حَتَّى صَار مَالا ثمَّ نقصنا الشَّيْء من المَال فَيبقى مَال الْأَشْيَاء. قَوْله: وكملنا الْعَمَل أَي سلكنا على مَا قَالَ السَّائِل بِأَن زِدْنَا الْبَاقِي أَعنِي مَال الْأَشْيَاء على المربع الْمَذْكُور أَعنِي مَالا حصل مالان الْأَشْيَاء وَهُوَ معادل للعشرة لِأَنَّهُ حصل لنا بعد التربيع والتنقيص وَزِيَادَة الْبَاقِي كَمَا كَانَ الْعشْرَة حَاصِلَة بعد هَذِه الْأُمُور فِي قَول السَّائِل فَعلمنَا إِن مالين الْأَشْيَاء هُوَ بِعَيْنِه الْعشْرَة الْمَذْكُورَة فِي قَول السَّائِل لَكِن لَا نعلم أَن مالين الْأَشْيَاء مَا هُوَ فعملنا بالضابطة الْمَذْكُورَة لمعادلة الْأُمُور للأعداد والأشياء بعد الرَّد والتكميل. قَوْله: وَبعد الْجَبْر وَالرَّدّ. قَالَ الخلخالي بِأَن أَخذنَا الْمَالَيْنِ الكامليــن بِغَيْر الِاسْتِثْنَاء وزدنا الشَّيْء على الْعشْرَة فَصَارَ مالان يعادل عشرَة وشيئا ثمَّ رددنا الْمَالَيْنِ إِلَى مَال وَاحِد وَالْعشرَة إِلَى الْخَمْسَة وَالشَّيْء إِلَى نصف الشَّيْء صَار خَمْسَة أعداد نصف شَيْء. قَوْله: ومربع نصف عدد الْأَشْيَاء. وَاعْلَم إِن عدد الْأَشْيَاء نصف لِأَن الشَّيْء بعد الرَّد صَار نصف شَيْء وَنصف النّصْف ربع فَنصف عدد الْأَشْيَاء ربع ومربع الرّبع نصف ثمن. قَوْله: مُضَافا إِلَى الْخَمْسَة أَي حَال كَون ذَلِك المربع مُنْضَمًّا إِلَى الْخَمْسَة. قَوْله: خَمْسَة وَنصف ثمن خبر قَوْله ومربع نصف عدد الْأَشْيَاء المنضم إِلَى الْخَمْسَة. قَوْله: وجذره أَي جذر خَمْسَة وَنصف ثمن اثْنَان وَربع. يعلم هَذَا بضابطة اسْتِخْرَاج الجذر بأنك إِن ضربت الْخَمْسَة فِي مخرج الْكسر وَهُوَ سِتَّة عشر وتزيد على الْحَاصِل صُورَة الْكسر يحصل أحد وَثَمَانُونَ وجذره تِسْعَة فَإِذا قسمناها على جذر مخرج الْكسر وَهُوَ أَرْبَعَة يخرج اثْنَان وَربع. قَوْله: تزيد عَلَيْهِ أَي على الجذر الْمَذْكُور أَعنِي اثْنَيْنِ وَنصفا وربعا. قَوْله: ربعا أَي تزيد ربعا. قَوْله: يحصل اثْنَان وَنصف لِأَن الرّبع نصف عدد الشَّيْء وَهُوَ نصف كَمَا مر وَنصف النّصْف ربع فَإِذا زِدْنَا الرّبع على اثْنَيْنِ وَربع صَار اثْنَيْنِ وَنصفا. قَوْله: وَهُوَ الْمَطْلُوب قَالَ المُصَنّف فِي الْهَامِش لِأَن مربعه سِتَّة وَربع وَإِذا نقصنا مِنْهُ اثْنَيْنِ وَنصفا يبْقى ثَلَاثَة وَثَلَاثَة أَربَاع وزدنا ذَلِك على سِتَّة وَربع صَارَت عشرَة انْتهى.
وتوضيحه إِنَّه إِنَّمَا قُلْنَا إِن الِاثْنَيْنِ وَنصفا هُوَ الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ مَا قَالَ السَّائِل لِأَن مربع اثْنَيْنِ وَالنّصف على ضابطة ضرب الصَّحِيح مَعَ الْكسر فِي مثله سِتَّة وَربع لِأَن مجنس الِاثْنَيْنِ وَالنّصف خَمْسَة ومربعها خَمْسَة وَعِشْرُونَ وَهُوَ الْحَاصِل الأول ومربع مخرجي الكسرين أَرْبَعَة لِأَن مخرج النّصْف اثْنَان ومضروب الِاثْنَيْنِ فِي أَنفسهمَا أَرْبَعَة وَهِي الْحَاصِل الثَّانِي. فَلَمَّا قسمنا الْحَاصِل الأول على الْحَاصِل الثَّانِي يخرج سِتَّة وَربع وَإِذا نقصنا مِنْهَا ذَلِك الْعدَد أَعنِي اثْنَيْنِ وَنصفا يبْقى ثَلَاثَة وَثَلَاثَة أَربَاع. فَإِذا زِدْنَا هَذَا الْبَاقِي على المربع الْمَذْكُور أَعنِي سِتَّة وربعا صَارَت عشرَة كَمَا قَالَ السَّائِل فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. اللَّهُمَّ أعنا على الْجَواب يَوْم السُّؤَال والحساب. كَمَا هونتني مغلقات الْجَبْر والمقابلة فِي خُلَاصَة الْحساب. وَلما كَانَ مطمح نَظَرِي فِي هَذَا الْكتاب. بل فِي كل مَا تأليفاتي توضيح المطالب بعبارات وَاضِحَة وتحرير المآرب باعتبارات لائحة. اخْتَرْت تَطْوِيل الْكَلَام. فِي تبيان كل مطلب ومرام. والزمت غلق أَبْوَاب الِاقْتِصَار. وَفتح إقفال الِاخْتِصَار. بِحَيْثُ يُوهم الْأَطْنَاب ليتيسر الْوُصُول على القاصرين من كل بَاب. نعم وَأَن يغبر مرْآة أَرْبَاب البصيرة الأذكياء لَكِن يحسبه أَصْحَاب البصارة الضُّعَفَاء كحل الْجلاء. اللَّهُمَّ وفقني للنفع الْعَام. والبذل التَّام. واغفر لي وَتب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم.

ارز

[ارز] فيه: الإسلام "ليأرز" إلى المدينة ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. ج: وهو بزاي في آخره من ضرب و"جحر" بجيم فحاء. ط: وهذا إما خبر عما كان في ابتداء الهجرة، أو عما يكون في آخر الزمان حين يقل الإسلام فينضم إلى المدينة ويبقى فيها. ن: وقيل بضم راء يعني أن الإيمان أولاً وآخراً بهذه الصفة فإنه في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه هاجر إلى المدينة مستوطناً أو متعلماً أو متقرباً لرؤيته صلى الله عليه وسلم، ثم في زمان الصحابة والخلفاء للإقتداء بهم وأخذ سيرتهم، ثم بعدهم لزيارة الروضة المشرفة والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار الصحابة فلا يأتيها إلا مؤمن. بي قيل: إنه تنبيه على صحة مذهبهم عن البدع. ز: ويخدشه أنه مليــء من الشيعة الآن أعني في أواخر المائة العاشرة. ن: "ليأرز" بين المسجدين أي مسجد مكة ومسجد المدينة. نه ومنه: قوله حتى "يأرز" الأمر إلى غيركم. ومنه: و"أرز" فيها أوتاداً أي أثبتها في الأرض، إن خففت الراء فمن أرزت الشجرة إذا أثبتت في الأرض وإن شددت فمن أرزت الجرادة إذا أدخلت ذنبها في الأرض لتلقى فيها بيضها، ورززت الشيء فيه رزاً إذا أثبته فيه فالهمزة زائدة. ومنه ح: إن سئل "أرز" أي تقبض من بخله. وفيه: مثل المنافق مثل "الأرزة" على الأرض بسكون راء وفتحها شجرة الأرزن. وقيل: الصنوبر، وقيل بوزن فاعلة وأنكر. ج: هو بفتح راء شجر الأرزن وهو حب معروف وبسكونها الصنوبر. ط: والأول لا يناسب هنا. نه وفيه: لم ينظروا في "أرز" الكلام أي في حصره وجمعه والتروي فيه.

ارز



أَرْزٌ and ↓ أُرْزٌ The pine-tree; syn. شَجَرُ الصَّنَوْبَرِ: (K:) or this is called ↓ أَرْرَةٌ, and أَرْزٌ is the pl.: (A 'Obeyd, S:) [or rather أَرْزٌ is a coll. gen. n., and أَرْزَةٌ is the n. un.:] or the male of that kind of tree; (AHn, K;) as also ↓ أَرْزَةٌ; (K;) and the author of the Minháj adds, it is that which does not produce fruit; but pitch (زِفْت) is extracted from its trunks and roots, and its wood is employed as a means of light, like as candles are employed; and it grows not in the land of the Arabs: A 'Obeyd says, ↓ أَرْزَةٌ is the name of a tree well known in Syria, called with us صَنَوْبَرٌ, because of its fruit: he says also, I have seen this kind of tree, called أَرْزَةٌ, and it is called in El-'Irák صَنَوْبَرٌ, but this last is the name of the fruit of the أَرْز: (TA:) or i. q. عَرْعَرٌ [a name given to the cypress and to the juniper-tree]. (K.) It is said in a trad., المُجْذِيَةِ ↓ مَثَلُ الكَافِرِ مَثَلُ الأَرْزَةِ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى يَكُونَ آنْجِعَافُهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ [The similitude of the unbeliever is the similitude of the pine-tree standing firmly upon the ground until it is pulled up at once]: respecting which AA and AO say that it is ↓ الأَرَزَة, with fet-h to the ر; meaning the tree called الأَرْزَن: but A 'Obeyd thinks this to be a mistake, and that it is ↓ الأَرْزَة, with the ر quiescent. (L.) أُرْزٌ: see أَرْزٌ: A2: and see also أَرُزٌّ.

أَرُزٌ: see أَرُزٌّ.

أُرُزٌ: see أَرُزٌّ.

أَرْزَةٌ: see أَرْزٌ, in five places.

أَرَزَةٌ The tree called أَرْزَنٌ [which is a hard kind, from which staves are made]: (AA, S, K:) some say that it is ↓ آرِزَةٌ, of the measure فَاعِلَةٌ; but A 'Obeyd disapproves of this. (TA.) See also أرْزٌ.

أَرُزٌّ and ↓ أُرُزٌّ and ↓ أُرْزٌ and ↓ أُرُزٌ (S, Msb, K) and ↓ أَرُزٌ and ↓ آرُزٌ (Kr, K) and رُزٌ (S, Msb, K) and رُنْزٌ, (S, K,) the first of which is the form commonly obtaining among persons of distinction; the last but one, that commonly obtaining among the vulgar; (TA;) and the last, of the dial. of 'AbdEl-Keys; (S, TA;) [Rice;] a certain grain, (S, K,) well known: (K:) [said in the TA to be a species of بُرّ; but this is an improper explanation:] there are several kinds; Egyptian and Persian and Indian; and the best kind is the جوهرى [perhaps a mistake for مِصْرىّ, or Egyptian]: it is cold and dry in the second degree; or, as some say, moderate; or, as some say, hot in the first degree; and its husk is poisonous. (El-Minháj, TA.) أُرُزٌّ: see أَرُزٌّ.

آرُزٌّ: see أَرُزٌّ.

آرِزَةٌ: see أَرَزَةٌ.

الْمنطق

(الْمنطق) الْكَلَام وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {علمنَا منطق الطير} وَعلم يعْصم الذِّهْن من الْخَطَأ فِي الْفِكر وَيُقَال فلَان منطقي عَالم بالْمَنْطق أَو يفكر تفكيرا مُسْتَقِيمًا

(الْمنطق) مَا يشد بِهِ الْوسط (ج) مناطق
الْمنطق: تِسْعَة أَبْوَاب على مَا هُوَ الْمَشْهُور: الأول: بَاب الكليات الْخمس. الثَّانِي: بَاب التعريفات. الثَّالِث: بَاب التصديقات. الرَّابِع: بَاب الْقيَاس. الْخَامِس: الْبُرْهَان. السَّادِس: الخطابة. السَّابِع: الجدل. الثَّامِن: المغالطة. التَّاسِع: الشّعْر. وَهَذِه الْخمس الْأَخِيرَة هِيَ الصناعات الْخمس.
الْمنطق: اسْم الْفَاعِل من بَاب الْأَفْعَال وَفِي اصْطِلَاح الْحساب هُوَ الْعدَد الَّذِي يكون لَهُ أحد الكسور التِّسْعَة أَو يكون لَهُ جذر على سَبِيل منع الْخُلُو. وَإِنَّمَا سمي منطقا لِأَنَّهُ نَاطِق بجذره وكسره. وَيحْتَمل أَن يكون اسْم مفعول أَي جعل ناطقا بجذره وكسره وَمُقَابِله الْأَصَم وبفتح الْمِيم إِمَّا مصدر ميمي أَو اسْم مَكَان. والمنطق الَّذِي هُوَ من الْعُلُوم الآلية حَده وكنهه جَمِيع الْمسَائِل الَّتِي لَهَا دخل فِي عصمَة الذِّهْن عَن الْخَطَأ فِي الْفِكر أَو الْقدر المعتد بِهِ مِنْهَا. ورسمه آلَة قانونية تعصم مراعاتها الذِّهْن عَن الْخَطَأ فِي الْفِكر فَهُوَ علم عَــمَلي آلي كَمَا أَن الْحِكْمَة علم نَظَرِي غير آلي. فالآلة بِمَنْزِلَة الْجِنْس - والقانونية يخرج الْآلَات الْجُزْئِيَّة لأرباب الصَّنَائِع - وتعصم مراعاتها الذِّهْن عَن الْخَطَأ فِي الْفِكر يخرج الْعُلُوم القانونية الَّتِي لَا تعصم مراعاتها الذِّهْن عَن الْخَطَأ والضلالة فِي الْفِكر بل فِي الْمقَال كالعلوم الْعَرَبيَّة - وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم منطقا لِأَن الْمنطق يُطلق على الظَّاهِرِيّ وَهُوَ التَّكَلُّم. وعَلى الباطني وَهُوَ إِدْرَاك الكليات. وَهَذَا الْعلم يُقَوي النَّفس الناطقة على إِدْرَاك الكليات ويسلك اللِّسَان فِي التَّكَلُّم مَسْلَك السداد فاشتق لَهُ اسْم من النُّطْق.
فالمنطق مصدر ميمي بِمَعْنى النُّطْق وَأطلق على هَذَا الْعلم مُبَالغَة فِي مدخليته فِي تَكْمِيل النُّطْق كَأَنَّهُ هُوَ هُوَ - وَأما اسْم مَكَان كَانَ هَذَا الْعلم مَحل النُّطْق ومظهره. وَاخْتلف فِي أَنه من الْحِكْمَة أم لَا كَمَا مر فِي تَحْقِيق الْحِكْمَة فَانْظُر هُنَاكَ وَإِنَّمَا كَانَ الْمنطق آلَة لِأَنَّهُ وَاسِطَة بَين الْقُوَّة الْعَاقِلَة وَبَين المعلومات الَّتِي ترتبها لِاكْتِسَابِ المجهولات فَإِن الْأَثر الْحَاصِل فِيهَا بترتب الْعَاقِلَة إِيَّاهَا على وَجه الصَّوَاب إِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَة هَذَا الْفَنّ - وَإِنَّمَا كَانَ قانونا لِأَن مسَائِله قوانين كُلية منطبقة على جزئياتها. فَإِن قيل الْمَنْسُوب يكون مغائرا للمنسوب إِلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَصح حمله عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَال زيد بَصرِي وَلَا يَصح أَن يُقَال زيد بصرة فَيلْزم أَن يكون الْمنطق آلَة غير القانون قُلْنَا الْمُغَايرَة بَين الْمَنْسُوب والمنسوب إِلَيْهِ لَا يلْزم أَن تكون على وَجه المباينة بل لَا بُد وَأَن يكون بِوَجْه مَا سَوَاء كَانَت على وَجه المباينة. كَمَا إِذا نسب شَيْء إِلَى مباينة مثل زيد بَصرِي أَو بِوَجْه آخر. كَمَا إِذا نسب الْخَاص إِلَى عَامه مثل زيد إنساني. أَو بِالْعَكْسِ مثل جسم حيواني وجسم نباتي. وكما إِذا كَانَ بَينهمَا عُمُوم من وَجه مثل آلَة قانونية والخاتم فضي والجمجمة ترابية. فَالْحَاصِل أَنه إِن أُرِيد بالمغايرة بَين الْمَنْسُوب والمنسوب إِلَيْهِ الْمُغَايرَة بِوَجْه المبانية فَمَمْنُوع - وَإِن أُرِيد الْمُغَايرَة مُطلقًا فَمُسلم وَبَين الْآلَة والقانون مُغَايرَة لِأَن بَينهمَا عُمُوما من وَجه كَمَا لَا يخفى فَلَا إِشْكَال.
ثمَّ اعْلَم أَنه قد اتّفقت الآراء على أَن حِكْمَة ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام فِي إِيجَاد الْعُقَلَاء هِيَ معرفَة الذَّات وَالصِّفَات بالاستدلال عَلَيْهِمَا بالآثار والآيات وَهِي متوقفة على الْعلم الْمُسَمّى بالْمَنْطق. وَلذَا حكم الفحول من الْعلمَاء والنحارير من العظماء بفرضية مَعْرفَته علينا. كَيفَ لَا فَإِن الْغَايَة من خلق الْجِنّ وَالْإِنْس إِنَّمَا هِيَ الْعِبَادَة والمعرفة وَكِلَاهُمَا مَوْقُوف على إِثْبَات المعبود وَوُجُود وَاجِب الْوُجُود فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} .

الْحمل

(الْحمل) فلَان حمل على أَهله إِذا كَانَ ثقيل الْمَرَض وَمَا كَانَ فِي بطن أَو على شجر والهودج وَالْبَعِير عَلَيْهِ الهودج (ج) أحمال وحمول وحمال

(الْحمل) مَا يحمل على الظّهْر وَنَحْوه والهودج وَالْبَعِير عَلَيْهِ الهودج و (فِي الرياضيات) الثّقل أَو الْجِسْم الَّذِي يرفع أَو يجر بوساطة الْآلَات (مج)(ج) أحمال وحمول

(الْحمل) الصَّغِير من الضَّأْن (ج) حملان وأحمال وبرج فِي السَّمَاء من البروج الربيعية
الْحمل: بِالْكَسْرِ بار وبالفتح بار برداشتن وبارشكم وهرباري كه باشد. وَالْحمل مُخْتَصّ بالإنسان كالنتاج بِالْحَيَوَانِ وَلذَا قيل فِي كتب الْفِقْه الْحمل مَا فِي بطن الْإِنْسَان وَأَقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر بالِاتِّفَاقِ وَفِي أَكْثَرهَا اخْتِلَاف عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَأَصْحَابه سنتَانِ لما رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لَا يبْقى الْوَلَد فِي رحم أمه أَكثر من سنتَيْن وَلَو بِقدر ظلّ مغزل وَمثل هَذَا لَا يعرف قِيَاسا بل سَمَاعا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله أَربع سِنِين لما رُوِيَ أَن الضَّحَّاك ولد لأَرْبَع سِنِين وَقد بَدَت ثناياه وَهُوَ يضْحك فَسُمي ضحاكا وَعند لَيْث بن سعد الفهمي رَحمَه الله ثَلَاث سِنِين وَعند الزُّهْرِيّ رَحمَه الله سبع سِنِين. وبرج من البروج الاثْنَي عشر من الْفلك الْأَعْظَم.وَالْحمل عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول يُطلق بالاشتراك اللَّفْظِيّ على ثَلَاثَة معَان:

الأول: الْحمل اللّغَوِيّ، وَالثَّانِي: الْحلم الاشتقاقي، وَالثَّالِث: حمل المواطأة. (أما الْحمل اللّغَوِيّ) فَهُوَ الحكم بِثُبُوت شَيْء بِشَيْء أَو انتفائه عَنهُ وَحَقِيقَته الإذعان وَالْقَبُول. (وَأما الْحمل الاشتقاقي) فَهُوَ الْحمل بِوَاسِطَة (فِي) أَو (ذُو) أَو (لَهُ) وَحَقِيقَته الْحُلُول فَإنَّك إِذا قلت زيد ذُو مَال فقد حملت المَال على زيد بِوَاسِطَة (ذُو) . فَإِن قلت: إِن المَال مَحْمُول على زيد بِوَاسِطَة ذُو وَلَيْسَ حَالا فِيهِ فَكيف يَصح أَن حَقِيقَته الْحُلُول. قلت: الْمَحْمُول فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْإِضَافَة الَّتِي بَين زيد وَالْمَال وَهُوَ التَّمَلُّك. وَلَا شكّ أَن التَّمَلُّك حَال فِي زيد والتملك مَحْمُول على زيد فِي ضمن التَّمَلُّك الْمُشْتَقّ مِنْهُ كَمَا أَن الْكِتَابَة مَحْمُول على زيد فِي ضمن الْكَاتِب وَالْكَاتِب مَحْمُول عَلَيْهِ بالاشتقاق وَلِهَذَا سمي هَذَا الْحمل بالاشتقاق وَقس عَلَيْهِ زيد فِي الدَّار وَزيد أَب لعَمْرو فَإِن الْمَحْمُول فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْإِضَافَة الَّتِي بَين زيد وداره وَبَين زيد وَعَمْرو وَهِي الظَّرْفِيَّة والأبوة والنبوة.
وَأما حمل المواطأة فَهُوَ حمل شَيْء بقول على مثل الْإِنْسَان حَيَوَان يَعْنِي الْحَيَوَان مَحْمُول على الْإِنْسَان وَحَقِيقَته هُوَ هُوَ. وَبِعِبَارَة أُخْرَى نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع إِن كَانَت بِلَا وَاسِطَة وَهُوَ القَوْل على الشَّيْء فَهِيَ الْحمل بالمواطأة وَهَذَا الْحمل يرجع إِلَى اتِّحَاد المتغائرين فِي نَحْو من اتِّحَاد الْوُجُود بِحَسب نَحْو آخر من أنحائه فَإِن كَانَ الْمَحْمُول ذاتيا فَهُوَ حمل بِالذَّاتِ أَو عرضيا فَهُوَ حمل بِالْعرضِ. فَفِي حمل الذاتيات اتِّحَاد بِالذَّاتِ وَفِي حمل العرضيات اتِّحَاد بِالْعرضِ.
ثمَّ اعْلَم أَن الْحمل بالمواطأة يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: الأول: حمل الشَّيْء على نَفسه، وَالثَّانِي: الْحمل الْمُتَعَارف وَيُسمى الْحمل الشَّائِع أَيْضا. ثمَّ من الْقسم الأول الْحمل الأولي وَهُوَ يُفِيد أَن الْمَحْمُول هُوَ بِعَيْنِه عنوان حَقِيقَة الْمَوْضُوع وَإِنَّمَا سمي حملا أوليا لكَونه أولي الصدْق أَو الْكَذِب. وَمِنْه حمل الشَّيْء على نَفسه مَعَ تغاير بَين الطَّرفَيْنِ بِأَن يُؤْخَذ. أَحدهمَا: مَعَ حيثية أَو بِدُونِ التغاير بَينهمَا بِأَن يتَكَرَّر الِالْتِفَات إِلَى شَيْء وَاحِد ذاتا واعتبارا فَيحمل ذَلِك الشَّيْء على نَفسه من غير أَن يَتَعَدَّد الملتفت إِلَيْهِ وَالْأول صَحِيح غير مُفِيد وَالثَّانِي غير صَحِيح وَغير مُفِيد ضَرُورَة أَنه لَا يعقل النِّسْبَة إِلَّا بَين اثْنَيْنِ وَلَا يُمكن أَن يتَعَلَّق بِشَيْء وَاحِد التفاتان من نفس وَاحِدَة فِي زمَان وَاحِد والتغاير من جِهَة الِالْتِفَات لَا يَكْفِي هَا هُنَا لِأَن الِالْتِفَات لَا يلْتَفت إِلَيْهِ حِين الِالْتِفَات والتعدد فِي الِالْتِفَات لَا يتَصَوَّر إِلَّا بالتعدد فِي أحد هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة الملتفت والملتفت إِلَيْهِ وَالزَّمَان. وَالْحمل الْمُتَعَارف يُفِيد أَن يكون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو مَا هُوَ فَرد لأَحَدهمَا فَرد للْآخر وَإِنَّمَا سمي متعارفا لتعارفه وشيوع اسْتِعْمَاله.
وَرُبمَا يُطلق الْحمل الْمُتَعَارف فِي الْمنطق على الْحمل المتحقق فِي المحصورات سَوَاء كَانَت حَقِيقَة كَمَا هُوَ الظَّاهِر أَو حكما كالمهملات. فالحمل فِي قَوْلنَا الْإِنْسَان كَاتب مُتَعَارَف على كلا الاصطلاحين وَفِي قَوْلنَا الْإِنْسَان نوع مُتَعَارَف على الِاصْطِلَاح الأول وَغير مُتَعَارَف على الِاصْطِلَاح الثَّانِي.
ثمَّ اعْلَم أَن الفارابي جعل الْحمل على أَرْبَعَة أَقسَام: حمل الْكَلْبِيّ على الجزئي مثل زيد إِنْسَان. وَحمل الْكَلْبِيّ على الْكُلِّي مثل الْإِنْسَان حَيَوَان وَالْإِنْسَان إِنْسَان وَحمل الجزئي على الجزئي مثل هَذَا زيد وَهَذَا الْإِنْسَان هَذَا الْكَاتِب. قَالَ الْفَاضِل الزَّاهِد فِي الْهَامِش على حَوَاشِيه على شرح المواقف أَن الأول وَالثَّالِث حمل مُتَعَارَف وَالْمرَاد بالفرد الْوَاقِع فِي تَعْرِيفه مَا صدق عَلَيْهِ مُطلقًا. وَالثَّانِي يحْتَمل أَن يكون متعارفا أَو غير مُتَعَارَف لِامْتِنَاع أَن يصدق جزئي على جزئي آخر إِلَّا بِأَن يكون الجزئي حِصَّة كحصة من الْإِنْسَان أَو الْكَاتِب فَحمل تِلْكَ الْحصَّة حملا متعارفا على حِصَّة أَو على جزئي آخر أَو عَكسه بِالنّظرِ إِلَى الْوُجُود بِالذَّاتِ أَو الْوُجُود بِالْعرضِ انْتهى.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على شرح الشمسية كَون الجزئي الْحَقِيقِيّ مقولا على وَاحِد إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر وَإِمَّا بِحَسب الْحَقِيقَة فالجزئي الْحَقِيقِيّ لَا يكون مَحْمُولا مقولا على شَيْء أصلا بل يُقَال وَيحمل عَلَيْهِ المفهومات الْكُلية فَهُوَ مقول عَلَيْهِ لَا مقول بِهِ وَكَيف لَا وَحمله على نَفسه لَا يتَصَوَّر قطعا إِذْ لَا بُد فِي الْحمل الَّذِي هُوَ النِّسْبَة بَين الْمَوْضُوع والمحمول أَن تكون بَين أَمريْن متغائرين وَحمله على غَيره بِأَن يُقَال زيد عَمْرو إِيجَابا مُمْتَنع أَيْضا وَأما قَوْلك هَذَا زيد فَلَا بُد فِيهِ من التَّأْوِيل لِأَن هَذَا إِشَارَة إِلَى الشَّخْص الْمعِين فَلَا يُرَاد بزيد ذَلِك الشَّخْص الْمعِين وَإِلَّا فَلَا حمل من حَيْثُ الْمَعْنى كَمَا عرفت بل يُرَاد مَفْهُوم مُسَمّى بزيد أَو صَاحب اسْم زيد وَهَذَا الْمَفْهُوم كلي. وَإِن فرض انحصاره فِي شخص وَاحِد فالمحمول أَعنِي الْمَقُول على غَيره لَا يكون إِلَّا كليا انْتهى.
وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله قَوْله لَا يكون مقولا على شَيْء لِأَن منَاط الْحمل الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن وجودا وَاحِدًا قَائِم بهما لِامْتِنَاع قيام الْعرض الْوَاحِد بمحلين بل مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود لأَحَدهمَا بالإصالة وَللْآخر بالتبع بِأَن يكون منتزعا عَنهُ وَلَا شكّ أَن الجزئي هُوَ الْمَوْجُود إصالة والأمور الْكُلية سَوَاء كَانَت ذاتية أَو عرضية منتزعة عَنهُ على مَا هُوَ تَحْقِيق الْمُتَأَخِّرين. فَالْحكم باتحاد الْأُمُور الْكُلية مَعَ الجزئي صَحِيح دون الْعَكْس فَإِن وَقع مَحْمُولا كَمَا فِي بعض الْإِنْسَان زيد فَهُوَ مَحْمُول على الْعَكْس أَو على التَّأْوِيل فَانْدفع مَا قيل إِنَّه يجوز أَن يُقَال زيد إِنْسَان فليجز الْإِنْسَان زيد لِأَن الِاتِّحَاد من الْجَانِبَيْنِ فَظهر أَنه لَا يُمكن حمله على الْكُلِّي وَأما على الجزئي فَلِأَنَّهُ إِمَّا نَفسه بِحَيْثُ لَا تغاير بَينهمَا أصلا بِوَجْه من الْوُجُوه حَتَّى بالملاحظة والالتفات على مَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين لَهُ إِذا لوحظ شخص مرَّتَيْنِ وَقيل زيد زيد كَانَ مغائرا بِحَسب الملاحظة وَالِاعْتِبَار قطعا وَيَكْفِي هَذَا الْقدر من التغاير فِي الْحمل فَلَا يُمكن تصور الْحمل بَينهمَا فضلا عَن إِمْكَانه. وَإِمَّا جزئي آخر مغائر لَهُ وَلَو بالملاحظة والالتفات فالحمل وَإِن كَانَ يتَحَقَّق ظَاهرا لكنه فِي الْحَقِيقَة حكم بتصادق الاعتبارين على ذَات وَاحِدَة فَإِن معنى الْمِثَال الْمَذْكُور أَن زيدا الْمدْرك أَولا هُوَ زيد الْمدْرك ثَانِيًا. وَالْمَقْصُود مِنْهُ تصادق الاعتبارين عَلَيْهِ وَكَذَا فِي قَوْلك هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب الْمَقْصُود اجْتِمَاع الوصفين فِيهِ فَفِي الْحَقِيقَة الجزئي مقول عَلَيْهِ للاعتبارين. نعم على القَوْل بِوُجُود الْكُلِّي الطبيعي فِي الْخَارِج حَقِيقَة كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين والوجود الْوَاحِد إِنَّمَا قَامَ بالأمور المتعددة من حَيْثُ الْوحدَة لَا من حَيْثُ التَّعَدُّد يَصح حمله على الْكُلِّي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود والاتحاد من الْجَانِبَيْنِ وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيّ على مَا نقل عَن الفارابي وَالشَّيْخ من صِحَة حمل الجزئي انْتهى.
وَقَالَ الباقر فِي الْأُفق الْمُبين نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع إِمَّا بِوُجُود (فِي) أَو توَسط (ذُو) أَو (لَهُ) بَين هُوَ هُوَ وَيُقَال لَهَا الْحمل الاشتقاقي. وَإِمَّا بقول (على) وَيُقَال لَهَا حمل المواطأة أَي الِاتِّحَاد بَين الشَّيْئَيْنِ بهو هُوَ وَهُوَ يُفِيد إِعْطَاء الِاسْم وَالْحَد وَيُشبه أَن يكون قَول الْحمل عَلَيْهِمَا باشتراك الِاسْم أَي بالاشتراك اللَّفْظِيّ دون الْمَعْنى وَالْآخر وَهُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية الحــمليــة حَقِيقَة اتِّحَاد المتغائرين فِي نَحْو من أنحاء لحاظ التعقل بِحَسب نَحْو آخر من أنحاء الْوُجُود اتحادا بِالذَّاتِ أَو بِالْعرضِ وَفَوق ذَلِك ذكر سيقرع سَمعك إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَفْصِيله فِي تبصرة حمل شَيْء على شَيْء. إِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَوْضُوع هُوَ بِعَيْنِه أَخذ مَحْمُولا على أَن يتَكَرَّر إِدْرَاك شَيْء وَاحِد بِتَكَرُّر الِالْتِفَات إِلَيْهِ من دون تكَرر فِي الْمدْرك والملتفت إِلَيْهِ أصلا وَلَو بِالِاعْتِبَارِ وَهُوَ حمل الشَّيْء على نَفسه وتأبى الضَّرُورَة الفطرية إِلَّا أَن تشهد بِبُطْلَانِهِ وَإِن وَقع بعض الأذهان فِي مَخْمَصَة تجويزه فَإِن صَحَّ فَكيف يَصح أَن تلْتَفت نفس وَاحِدَة إِلَى مَفْهُوم وَاحِد ذاتا واعتبارا فِي زمَان بِعَيْنِه مرَّتَيْنِ. وَإِمَّا أَن يَعْنِي ذَلِك لَكِن على أَن يَجْعَل تكَرر الْإِدْرَاك حيثية تقيدية يتكثر بحسبها الْمدْرك فَيحكم بِأَن الْمدْرك بِأحد الإدراكين هُوَ نفس الْمدْرك بالإدراك الآخر وَلَا يلحظ تعددا إِلَّا من تِلْكَ الْجِهَة وَهُوَ الَّذِي يُقَال إِنَّه ضرب مَنْصُور من حمل الشَّيْء على نَفسه وَلكنه هدر غير مُفِيد. وَإِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَحْمُول هُوَ بِعَيْنِه نفس الْمَوْضُوع بعد أَن يلحظ التغاير الاعتباري أَي هُوَ بِعَيْنِه عنوان حَقِيقَته لَا أَن يقْتَصر على مُجَرّد الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَيُسمى الْحمل الأولي الذاتي لكَونه أولى الصدْق أَو الْكَذِب غير معنى بِهِ إِلَّا أَن هَذَا الْمَفْهُوم هُوَ نفس ذَاته وعنوان حَقِيقَته. فَإِذا اعْتبر بَين المفهومات المتغائرة فِي جليل النّظر رُبمَا احْتِيجَ تعْيين الْإِيجَاب أَو السَّلب إِلَى تَدْقِيقه كَمَا يَقُول الْوُجُود هُوَ الْمَاهِيّة أَو لَيْسَ والوجود هُوَ الْوحدَة أَو لَيْسَ يحْتَاج فِي الأذهان إِلَى الْبُرْهَان. وَإِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ مُجَرّد اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمول ذاتا ووجودا وَيرجع إِلَى كَون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو كَون مَا هُوَ فَرد أَحدهمَا هُوَ فَرد الآخر وَيُسمى الْحمل الْعرفِيّ الْمُتَعَارف لشيوعه بِحَسب التعارف الصناعي وينقسم بِحَسب كَون الْمَحْمُول ذاتيا للموضوع أَو عرضيا لَهُ إِلَى الْحمل بِالذَّاتِ وَالْحمل بِالْعرضِ.
ثمَّ إِن فِي الْحمل الْمُتَعَارف قد يكون الْمَوْضُوع فَردا حَقِيقِيًّا للمحمول وَهُوَ مَا يكون أخص بِحَسب الصدْق كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان وَقد يكون فَردا اعتباريا وَهُوَ مَا يكون أخصيته بِحَسب نَحْو الِاعْتِبَار كمفهوم الْمَوْجُود الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعْيِينه وَكَذَلِكَ الْمُمكن الْعَام وَالْمَفْهُوم والكلي وَمَا ضاهاها فتلطف فِي سرك تنتصر انْتهى. وَإِنَّمَا قَالَ وَيُشبه الخ لِأَن معنى حمل المواطأة أَعنِي الِاتِّحَاد الْمَخْصُوص لَا يصلح مقسمًا لَهُ وللحمل الاشتقاقي كَمَا لَا يخفى.
وَفِي الْأَسْفَار اعْلَم أَن حمل الشَّيْء على الشَّيْء واتحاده مَعَه يتَصَوَّر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: الشَّائِع الصناعي الْمُسَمّى بِالْحملِ الْمُتَعَارف وَهُوَ عبارَة عَن مُجَرّد اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمل ووجودا وَيرجع إِلَى كَون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد مَفْهُوم الْمَحْمُول سَوَاء كَانَ الحكم على نفس مَفْهُوم الْمَوْضُوع كَمَا فِي الْقَضِيَّة الطبيعية أَو على أَفْرَاده كَمَا فِي القضايا المتعارفة من المحصورات وَغَيرهَا سَوَاء كَانَ الْمَحْكُوم بِهِ ذاتيا للمحكوم عَلَيْهِ وَيُقَال لَهُ الْحمل بِالذَّاتِ أَو عرضيا لَهُ وَيُقَال لَهُ الْحمل بِالْعرضِ والجميع يُسمى حملا عرضيا. وَثَانِيهمَا: أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَوْضُوع هُوَ بِعَيْنِه نفس مَاهِيَّة الْمَحْمُول وَمَفْهُومه بعد أَن يلحظ نَحْو من التغاير أَي هَذَا بِعَيْنِه عنوان مَاهِيَّة ذَلِك لَا أَن يقْتَصر على مُجَرّد الِاتِّحَاد فِي الذَّات والوجود وَيُسمى حملا ذاتيا أوليا. أما ذاتيا فلكونه لَا يجْرِي وَلَا يصدق إِلَّا فِي الذاتيات. وَأما أوليا فلكونه أولى الصدْق أَو الْكَذِب. فكثيرا مَا يصدق ويكذب مَحْمُول وَاحِد على مَوْضُوع وَاحِد بل مَفْهُوم وَاحِد على نَفسه بِخِلَاف اخْتِلَاف هذَيْن الحــمليــن كالجزئي واللامفهوم واللاممكن بالإمكان الْعَام واللاموجود بالوجود الْمُطلق وَعدم الْعَدَم والحرف وَشريك الْبَارِي والنقيضين وَلذَلِك اعْتبرت فِي التَّنَاقُض وحدة أُخْرَى سوى المشروطات الثَّمَانِية الْمَشْهُورَة وَتلك هِيَ وحدة الْحمل والجزئي مثلا جزئي بِالْحملِ الذاتي لَيْسَ بجزئي بل كلي بِالْحملِ الْمُتَعَارف وَمَفْهُوم الْحَرْف حرف بِالْأولِ اسْم بِالثَّانِي انْتهى. وَإِنَّمَا أطنبت الْكَلَام. فِي هَذَا الْمقَام. لِأَنَّهُ زل فِيهِ اقدام الْإِعْلَام. ونقلت أَيْضا مَا ذكره الْعلمَاء الْكِرَام. عَسى أَن يَتَّضِح بِهِ المرام. حمل النقيض على النقيض: جَائِز عِنْد الْجُمْهُور. فَإِن قلت. حق النقيض أَن يكون مُخَالفا للنقيض لَا مُوَافقا لَهُ فَكيف يحمل أَحدهمَا على الآخر. قلت: النقيض لَهُ طرفان طرف للثبوت وطرف للنَّفْي فَيحمل أَحدهمَا على الآخر لاشْتِرَاكهمَا فِي كَونهمَا طرفين فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة حمل النظير لَا حمل النقيض على النقيض وَقد نبه على هَذَا الشَّيْخ عبد القاهر قدس سره فِي النظير.
(بَاب الْحمل)
يُقالُ للمرأةِ أَوَّلُ مَا تَحْمِلُ (280) : قد نُسِئَتْ تُنْسَأُ نَسْأً، وامرأةٌ نَسِئٌ ونِسْوَةٌ نَسْئٌ ونُسُوءٌ. ثُمَّ يُقالُ لَهَا: حامِلٌ وحُبْلَى. والحَبَلُ إنَّما هُوَ الامتلاءُ. ويُقالُ: حِبِلَ الرجلُ من الشرابِ: إِذا امتلأَ مِنْهُ، ورَجُلٌ حَبْلانُ، وامرأةٌ حَبْلَى. وكأَنَّ الحُبْلَى مُشْتَقٌ من ذَلِك. ورجلٌ حَبْلانُ: إِذا امْتَلَأَ غَضَباً. ويُقال لَهَا إِذا عَظُمَ بَطْنُها: امرأةٌ مُثْقِلٌ، وَقد أَثْقَلَتْ، وَمِنْه قولُ اللهِ عزَّ وجّلَّ: (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) (281) . ويُقالُ [أَيْضا] : امرأةٌ مُجِحٌ، للحامِلِ المُقْرِبِ. وأَصْلُ ذَلِك فِيويُقالُ لبَيْضِها: المَكْنُ، والواحدةُ مَكْنَةٌ. ويُقالُ فِي (308) مِثْلِ ذلكَ مِن ذِي الجَناحِ: جَمَّعَ الطائرُ تَجْمِيعاً. وأَمْكَنَتِ الجرادةُ إِذا جَمَعَتِ البَيْضَ [فِي جوفِها] . وسَرَأَتْ: إِذا باضَتْ، وسَرْؤُها: بَيْضُها مِثالُ سَوْعِها (309) . ويُقالُ: أَرْتَجَتِ الدَّجاجةُ، إِذا امتلأَ بَطْنُها بَيْضاً وأَمْكَنَتْ فَهِيَ مَكُونٌ. ويُقالُ: أَقْطَعَتْ وأَقْفَّتْ، إِذا انقَطَعَ بَيْضُها.

الشَّهْر

(الشَّهْر) جُزْء من اثْنَي عشر جُزْءا من السّنة (الشمسية والقمرية) وَيقدر فِي السّنة القمرية بدورة الْقَمَر حول الأَرْض وَيُسمى الشَّهْر الْقمرِي أَو يقدر بِجُزْء من اثْنَي عشر جُزْءا من السّنة الشمسية وَيُسمى الشَّهْر الشمسي (ج) أشهر وشهور وَالْأَشْهر الْحرم الْأَشْهر الَّتِي كَانُوا يحرمُونَ فِيهَا الْقِتَال وَهِي أَرْبَعَة ثَلَاثَة مِنْهَا مُتَوَالِيَة وَهِي ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَوَاحِد فَرد وَهُوَ رَجَب ونظام رسمي لتوثيق الْعُقُود وَنَحْوهَا وإعلانها (محدثة)
و (مصلحَة الشَّهْر) إدارة حكومية قَائِمَة على تَوْثِيق الْعُقُود وَنَحْوهَا (محدثة)
الشَّهْر: (بركشيدن شمشير از نيام وماه) . إِن أَخذ الْإِنْسَان شهرا سوى الْمحرم فِي ذهنه وَأَرَدْت أَن تعلمه فَقل لَهُ أَن يَأْخُذ فِي مُقَابلَة كل شهر قبل الشَّهْر الْمَأْخُوذ فِي ذهنك إِلَى الْمحرم ثَلَاثَة أعداد. وَفِي مُقَابلَة كل شهر بعده إِلَيْهِ اثْنَيْنِ واجمعها فاطرح عَن الْمَجْمُوع اثْنَيْنِ وَعشْرين فَيكون مَا بعد الْبَاقِي هُوَ ذَلِك الشَّهْر الْمَأْخُوذ فِي الذِّهْن.
وَفِي كشكول الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي فِي اسْتِخْرَاج اسْم الشَّهْر الْمُضمر أَو البرج الْمُضمر مره ليَأْخُذ لكل مَا فَوق الْمُضمر ثَلَاثَة وَله مَعَ مَا تَحْتَهُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ ثمَّ يُخْبِرك بالمجموع فَتلقى مِنْهُ (24) أَي أَرْبَعَة وَعشْرين ويعد الْبَاقِي من الْمحرم أَو من الْحمل فَمَا انْتهى إِلَيْهِ فَهُوَ الْمُضمر. 

الزنجار

(الزنجار) صدأ النّحاس (مَعَ)
الزنجار: معرف الزنكار وَهُوَ عَــمَلي يصنع من النّحاس والنوشادر والخل وَمَاء الليمون.
ف (54) : 
الزنجار: مُعرب الزنكار وَهُوَ عَــمَلي يصنع من النّحاس والنوشادر والخل وَمَاء الليمون وَله طرق اذْكُرْهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لعُمُوم النَّفْع، اجلب طاسا من برادة النّحاس وَأَرْبَعَة طاسات من من عصير زهر الليمون وطاسا وَاحِدَة من النوشادر الْأَبْيَض، وَيجب أَن تكون برادة النّحاس فِي إِنَاء من النّحاس غير مَدْخُول بالرصاص، ثمَّ يراق عَلَيْهِ عصير زهر الليمون وَأما النوشادر فَيقسم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام، يُضَاف إِلَى الْمَخْلُوط قسم كل يَوْم على التوالي بعْدهَا يُحَرك المزيج جيدا حَتَّى لَا يلتصق، هَكَذَا عدَّة ثَلَاثَة أَيَّام، بعد ذَلِك يتْرك لثَلَاثَة أَيَّام بعْدهَا يُعَاد حلّه ثمَّ يتْرك حَتَّى يجِف، وَإِذا أردنَا اسْتِعْمَاله فِيمَا بعد فنضيف عَلَيْهِ عصير الليمون وَيسْتَعْمل.
طَريقَة أُخْرَى: إِنَاء من برادة النّحاس وَخَمْسَة إناءات من عصير الليمون والنوشادر يعادل الْجَمِيع، يوضع عصير الليمون فِي وعَاء من النّحاس غير مَدْخُول بِرَصَاصٍ، ثمَّ فِي الْمنزل تَحت الأَرْض لمُدَّة ثَلَاثَة أشهر بعْدهَا يسْتَخْرج ويفرش على حَصِير من سعف النّخل وَيُوضَع فِي الظل غير رطب، فَإِذا كَانَ المحلول غير خامر، فيعاد إِلَى حفظه مُدَّة شهر آخر.
طَرِيق آخر يوضع إِنَاء من برادة النّحاس وَمَا يعادله من النوشادر ويخلطان ثمَّ يدْفن الْمَخْلُوط فِي أَرض ندية ورطبة لمُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا، طَريقَة الزنجار، وَهُوَ لطيف وشديد الخضرة، اجلب إِنَاء من برادة النّحاس فِي ثَلَاثَة أواني، ضع اثْنَيْنِ مِنْهَا فِي وعَاء من النّحاس وأقفل فَتحته بإحكام وَأدْخلهُ فِي تنور حَتَّى يسخن وَأخرجه بعد يَوْم وَاحِد.

الْقُوَّة العاملة

الْقُوَّة العاملة: قُوَّة فِي الْإِنْسَان تحرّك بدنه إِلَى الْأَفْعَال الْجُزْئِيَّة الْحَاصِلَة بالفكر والروية أَو بالحدس وَتسَمى تِلْكَ الْقُوَّة الْعقل العــملي وَالْقُوَّة العــمليــة وَالْأَفْعَال الْجُزْئِيَّة كالسفر وَالنِّكَاح وَالْجِمَاع فَإِنَّهُ يفكر بِأَن السّفر موصل إِلَى الْمَقَاصِد الْعلية الدِّينِيَّة من حُصُول مُلَازمَة الْأَوْلِيَاء والفقراء والفضلاء وملاقات الأحباء وَالْحِفْظ عَن إِيذَاء الْأَعْدَاء وَالْكفَّار والفساق والفجار وَإِلَى المطالب الدنية الدُّنْيَوِيَّة من أَخذ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والنهب وَقطع الطَّرِيق وَغير ذَلِك. ويفكر بِأَن النِّكَاح مفض إِلَى صَلَاح الْمعَاد والمعاش ثمَّ الْقُوَّة العاملة تحرّك بدنه إِلَى السّفر وَالنِّكَاح وَالْجِمَاع قيل النَّفس الْكَامِلَة فِي هَاتين القوتين أَعنِي الْعَاقِلَة والعاملة هِيَ المطمئنة.
وَاعْلَم أَن للنَّفس بِاعْتِبَار الْقُوَّة العاملة أَيْضا أَربع مَرَاتِب: أولاها: تَهْذِيب الظَّاهِر بِاسْتِعْمَال الشَّرَائِع والنواميس الإلهية. وثانيتها: تَهْذِيب الْبَاطِن عَن الملكات الردية وَنقص آثَار شواغله عَن عَالم الْغَيْب. وثالثتها: مَا يحصل بعد الِاتِّصَال بعالم الْغَيْب وَهُوَ تخلي النَّفس عَن النقوش الخسيسة وتحليها بالصور القدسية. ورابعتها: مَا يتجلى لَهُ عقيب اكْتِسَاب ملكة الِاتِّصَال والانفصال عَن نَفسه بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مُلَاحظَة جلال الله تَعَالَى وجماله الْأَجَل الْأَكْمَل وَقصر النّظر على كَمَاله حَتَّى يرى كل قدرَة مضمحلة فِي جنب قدرته الْكَامِلَة وكل علم مُسْتَغْرقا فِي علومه الشاملة بل كل وجود وَكَمَال فائض من جنابه المتعال.
الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة والنطقية والشهوانية والبهيمية والغضبية والسبعية: كل مِنْهَا فِي الْعَدَالَة.
وَاعْلَم أَن قُوَّة النَّفس الإنسانية تسمى قُوَّة عقلية وَهِي بِاعْتِبَار إِدْرَاكهَا للكليات تسمى قُوَّة نظرية وَبِاعْتِبَار استنباطها للصناعات الفكرية من أدلتها بِالرَّأْيِ تسمى قُوَّة عــمليــة.

الْقَيْد تَحت النَّفْي

الْقَيْد تَحت النَّفْي: للتعميم والإدخال وَتَحْت الْإِثْبَات للتخصيص والإخراج اعْلَم أَن السِّرّ فِيهِ أَن النَّفْي إِذا كَانَ مُتَوَجها إِلَى الْمُقَيد يكون الْمُقَيد منفيا وَنفي الْمُقَيد يتَصَوَّر على وَجْهَيْن بِانْتِفَاء الْقَيْد والمقيد مَعًا وبانتفاء الْقَيْد دون الْمُقَيد بِخِلَاف الْقَيْد فِي الْإِثْبَات فَإِنَّهُ لَا احْتِمَال لَهُ سوى تَخْصِيص الْعَام وَتَقْيِيد الْمُطلق وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي شرح المواقف فِي تَعْرِيف الضدين فِي الْمَقْصد التَّاسِع من المرصد الرَّابِع من الْأُمُور الْعَامَّة وَهُوَ قيد للمنفي فحقه أَن يُفِيد تَعْمِيم الْحَد وَإِدْخَال شَيْء فِيهِ لَا تَخْصِيصه وَإِخْرَاج شَيْء عَنهُ انْتهى. وَأَنت تعلم أَنه يفهم من هَا هُنَا أَن الْقَيْد تَحت النَّفْي لَا يُوجب التَّعْمِيم والإدخال لِأَنَّهُ قد يكون لنفي الْقَيْد فَقَط وَلذَا قَالَ أهل الْبَيَان إِن كل كَلَام فِيهِ قيد يكون الْمَقْصُود بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات ذَلِك الْقَيْد وَلَعَلَّ الأول فِي الْمقَام البرهاني وَالثَّانِي فِي الْمقَام الْخطابِيّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا يفهم من هُنَا إِلَى آخِره لِأَنَّهُ قدس سره قَالَ فحقه وَلم يقل فَالْوَاجِب أَن يُقيد الخ فَيُفِيد تَعْمِيم الْحَد الخ.
وَقَالَ قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول فِي الْحَقِيقَة الْعَقْلِيَّة وَاعْلَم أَن القَوْل بِكَوْن الْقُيُود فِي الْإِثْبَات مخصصة إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ الْقَيْد أخص مِمَّا قيد بِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِر من الْقُيُود فِي سَائِر الْحُدُود مثل الْحَيَوَان النَّاطِق وَلَفظ وضع لِمَعْنى مُفْرد. وَأما إِذا كَانَ الْقَيْد أَعم كالإنسان الْمَاشِي أَو مُسَاوِيا كالحيوان الْمَاشِي كَانَ الْمُقَيد مُسَاوِيا للمطلق فِي الصدْق قطعا أما الأول فَظَاهر وَأما الثَّانِي فَلِأَن المُرَاد بالماشي فِي الْإِنْسَان الْمَاشِي هُوَ الْإِنْسَان الْمَاشِي لَا الْمَاشِي مُطلقًا فَلَا خَفَاء فِي كَون الْمُقَيد مُسَاوِيا للمطلق فِي الصدْق فِي الصُّورَتَيْنِ إِلَّا أَن التَّخْصِيص بِحَسب الْمَفْهُوم لَازم للتَّقْيِيد مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ الْقَيْد أَعم من الْمُقَيد أَو أخص فَإِن صُورَة التَّقْيِيد تفِيد التَّخْصِيص بِحَسب الْمَفْهُوم وَإِن كَانَ بَين الْقَيْد والمقيد مُسَاوَاة فِي الصدْق. أَلا ترى أَن بَين الْحَيَوَان قبل تَقْيِيده بالماشي وَبعد تَقْيِيده بِهِ فرقا ظَاهرا بِحَسب الْفَهم والملاحظة.
وَقَالَ الْفَاضِل المدقق ملا مرزاجان رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن قلت: هَذَا اللُّزُوم غير مُسلم لِأَن الْإِنْسَان إِذا قيد بِالْحَيَوَانِ لم يكن الْمُقَيد أخص من الْقَيْد لَا بِحَسب الْوَاقِع وَلَا بِحَسب الْمَفْهُوم أما الأول فَظَاهر وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْعقل لم يجوز تحقق الْكل بِدُونِ الْجُزْء فِي بَادِي النّظر أَيْضا قلت: هَا هُنَا لَا تَقْيِيد حَقِيقَة إِذْ مَعْنَاهُ قريب من التَّخْصِيص أَو نقُول الْإِنْسَان الْمُقَيد بِالْحَيَوَانِ اعْتبر فِيهِ الْحَيَوَان مرّة وَاحِدَة وَالْعقل يجوز تحقق مَا اعْتبر فِيهِ الْحَيَوَان مرّة بِدُونِ مَا اعْتبر فِيهِ الْحَيَوَان مرَّتَيْنِ فَيكون الْمُطلق أَعم مفهوما من الْمُقَيد وَقس عَلَيْهِ نَظَائِره انْتهى.
ثمَّ اعْلَم أَنه قد تكون الْقُيُود الْوَاقِعَة تَحت النَّفْي مفيدة لدُخُول مَا كَانَ خَارِجا عَن الْحَد بِدُونِهَا فَمن هُنَا يعْتَرض بِأَن زِيَادَة الْقُيُود على مَا فِي حيّز النَّفْي يُوجب تعميما وتناولا لما كَانَ خَارِجا بِدُونِ الْقَيْد لِأَن نفي الْأَخَص أَعم من نفي الْأَعَمّ.
وَأما الْقُيُود فِي الْإِثْبَات فَيجب أَن تكون مخصصة فَكيف يتَصَوَّر أَن تكون الْقُيُود الْوَاقِعَة تَحت النَّفْي مُوجبَة لِأَن يدْخل فِي الْحَد مَا كَانَ خَارِجا عَنهُ بِدُونِهَا. فيجاب بِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَقْيِيد فِي الْحَقِيقَة بل تَغْيِير للعبارة السَّابِقَة عَن مَعْنَاهَا الْمُتَبَادر مِنْهَا إِلَى معنى آخر وَإِن كَانَت تتراءى قيود هُنَاكَ. فَإِن أردْت وضوح هَذَا الْمقَال فَعَلَيْك بمطالعة حَاشِيَة السَّنَد السَّنَد قدس سره هُنَاكَ المعنونة بقوله هَذَا ليدْخل فِيهِ مَا يُطَابق الِاعْتِقَاد دون الْوَاقِع. وَقَالَ الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي صرح كثير من محققي أَئِمَّة الْمعَانِي أَن النَّفْي إِنَّمَا يتَوَجَّه إِلَى الْقَيْد إِذا صَحَّ كَون الْقَيْد قيدا فِي الْإِثْبَات أما إِذا لم يَصح فَلَا فَإِذا قلت زيد لَا يحب المَال محبته للفقر مثلا لم يكن النَّفْي مُتَوَجها إِلَى الْقَيْد كَمَا لَا يخفى - وعَلى هَذَا فَلَا احْتِيَاج إِلَى تَأْوِيل قَول من قَالَ لم أبلغ فِي اخْتِصَار لَفظه تَقْرِيبًا لتعاطيه بترك الْمُبَالغَة كَمَا وَقع فِي المطول وَغَيره تَأمل.

لَيْلَة الرغائب وَلَيْلَة الْبَرَاءَة

لَيْلَة الرغائب وَلَيْلَة الْبَرَاءَة: كَمَا قَالَ زين الْمُحدثين الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي رَحمَه الله فِي رِسَالَة (موصل المريد إِلَى المُرَاد) أَن طَرِيق الْمُحدثين هُوَ أَخذ الْعَمَل بالمنصوص. الَّذِي ثَبت بِالنَّقْلِ الصَّحِيح، أَو جَوَاز الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَلَا سِيمَا عِنْدَمَا تَتَعَدَّد الطّرق وتتعاضد. وَطَرِيقَة الْفُقَهَاء اعْتِبَار الْمَعْنى وَعلة الحكم قَاعِدَة الْبَاب. باستثناء أَن يَقع نَص فِي مقابلها كَمَا ثَبت فِي تَحْقِيق الْقيَاس وَأكْثر صلوَات الْأَيَّام والأسابيع وَالْأَشْهر ومراسيم لَيْلَة الرغائب تكون لَيْلَة الْجُمُعَة الأول من رَجَب تقضى بشكل وَكَيْفِيَّة خَاصَّة وَالْمَشْهُور فِي أوساط الْمَشَايِخ هُوَ من هَذَا الْقَبِيل، وَقد أَنْكَرُوا إِنْكَار غَرِيبا على من يمْنَع أَو يشنع عَلَيْهَا. والْحَدِيث الَّذِي ينقلونه فِي هَذَا الْبَاب مطعون فِيهِ. وَكَذَلِكَ الصَّلَوَات الَّتِي تصلى فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَالَّتِي يسميها الْعَامَّة بليلة الْبَرَاءَة وَكَذَلِكَ فِي يَوْم عَاشُورَاء وأمثال ذَلِك لَهَا الحكم نَفسه. وَكَذَلِكَ قيام اللَّيْل وَتَطْوِيل السَّجْدَة والدعاة وزيارة الْقُبُور وَالدُّعَاء لأَهْلهَا وَالِاسْتِغْفَار لَهُم. فَلم يثبت سوى الصَّوْم والتوسعة فِي الطَّعَام يَوْم عَاشُورَاء، وَأَحَادِيث التَّوسعَة فِي الطَّعَام ضَعِيفَة وتعدد الطّرق أنقص من جبرها، أما فِيمَا يخص صَوْم يَوْم عَاشُورَاء فقد ورد التَّأْكِيد التَّام عَلَيْهِ.
وَطَرِيقَة أَكثر مَشَايِخ ديار الْعَرَب، خُصُوصا أهل الْمغرب مُوَافقَة لطريقة الْمُحدثين. وَقَالَ: فِي الْأَخْذ بِالصَّحِيحِ كِفَايَة من الطَّالِب واستغناء عَمَّا سواهُ. (انْتهى) . وَقد قَالَ فِي شرح (سفر السَّعَادَة) فِي بَاب صَلَاة الرغائب أَنه لم يتَبَيَّن شَيْء فِي صَلَاة الرغائب وَصَلَاة النّصْف من شعْبَان وَصَلَاة الْإِيمَان، وَصَلَاة النّصْف من رَجَب وَصَلَاة لَيْلَة الْقدر، وَصَلَاة كل من رَجَب وَشَعْبَان ورمضان، وَهَذِه الصَّلَاة وأمثالها كتبت فِي أوراد بعض مَشَايِخ الطَّرِيقَة واقترنت بهم، والْحَدِيث لم يبلغ الصِّحَّة لَدَى مَشَايِخ الحَدِيث وَبَعْضهمْ يرى فِيهِ مُبَالغَة عَظِيمَة. وَقد قَالَ السَّيِّد أَحْمد بن زَرُّوق وَهُوَ من مشاهير مَشَايِخ ديار الْعَرَب فِي وَصَايَاهُ، ((لَا تقل بِصَلَاة الْأَيَّام والأسابيع)) . (انْتهى) . (]حرف الْمِيم [)
لَيْلَة الرغائب وَلَيْلَة الْبَرَاءَة: أما الأولى فَهِيَ لَيْلَة أول الْجُمُعَة من رَجَب والرغائب جمع الرَّغْبَة الَّتِي بِمَعْنى الْعَطاء الْكثير - وَأما الثَّانِيَة فَهِيَ لَيْلَة الْخَامِس عشر من شعْبَان - والبراءة بَرَاءَة من النيرَان وَالْمَغْفِرَة من الْعِصْيَان وهما ليلتان مباركتان - وللفقهاء والصلحاء فيهمَا صلوَات وأذكار وَلَكِن لم يثبت شَيْء من ذَلِك عِنْد الْمُحدثين الأخيار.
وَفِي شرح عين الْعلم لملا عَليّ الْقَارِي قدس سره. وَفِي الْإِحْيَاء أما لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فيصلى فِيهَا مائَة رَكْعَة سُورَة الْإِخْلَاص عشر مَرَّات وفاتحة الْكتاب مرّة كَانُوا لَا يتركونها - فَقَالَ الْعِرَاقِيّ حَدِيث بَاطِل - وَصَلَاة الرغائب وَهِي لَيْلَة أول الْجُمُعَة من رَجَب يصلى اثْنَا عشر رَكْعَة بست تسليمات يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْقدر ثَلَاثًا وَالْإِخْلَاص اثْنَي عشر مرّة وَبعد الْفَرَاغ يصلى على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سبعين مرّة وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ وَهِي بِدعَة مُنكرَة كَمَا صرح بِهِ النَّوَوِيّ وَغَيره انْتهى - وَفِي الْبَحْر الرَّائِق شرح كنز الدقائق وَفِي أَوَاخِر شرح منية الْمُصَلِّي وَمن المندوبات إحْيَاء لَيْلَة النّصْف من شعْبَان كَمَا وَردت بِهِ الْأَحَادِيث وَذكرهَا فِي التَّرْغِيب والترهيب مفصلة. وَالْمرَاد بإحياء اللَّيْل قِيَامه وَظَاهره الِاسْتِيعَاب وَيجوز أَن يُرَاد غالبه وَيكرهُ الِاجْتِمَاع على إحْيَاء لَيْلَة فِي الْمَسَاجِد. قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدسِي وَلَا يصلى تطوع بِجَمَاعَة غير التَّرَاوِيح وَمَا رُوِيَ من الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الشَّرِيفَة كليلة الْقدر وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَلَيْلَة الْعِيد وعرفة وَالْجُمُعَة وَغَيرهَا فُرَادَى انْتهى. وَمن هَا هُنَا يعلم كَرَاهَة الِاجْتِمَاع فِي صَلَاة الرغائب الَّتِي تفعل فِي رَجَب لَيْلَة أول جُمُعَة مِنْهُ فَإِنَّهَا بِدعَة وَمَا يحتال لَهَا أهل الرّوم من نذرها ليخرج من النَّفْل وَالْكَرَاهَة فَبَاطِل وَقد أوضحه الْعَلامَة الجلبي رَحمَه الله تَعَالَى وَأطَال فِيهِ إطالة حَسَنَة كَمَا هُوَ دأبه انْتهى. وَفِي شرح الْأَشْبَاه والنظائر للحموي رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله وَيكرهُ الِاقْتِدَاء فِي صَلَاة الرغائب وَصَلَاة الْبَرَاءَة وَصَلَاة الرغائب هِيَ الَّتِي فِي رَجَب فِي لَيْلَة أول جُمُعَة مِنْهُ وَصَلَاة الْبَرَاءَة هِيَ الَّتِي تفعل لَيْلَة نصف شعْبَان وَإِنَّمَا كره الِاقْتِدَاء فِي صَلَاة الرغائب وَمَا ذكر بعْدهَا لِأَن أَدَاء النَّفْل بِجَمَاعَة على سَبِيل التداعي مَكْرُوه إِلَّا مَا اسْتثْنِي كَصَلَاة التَّرَاوِيح. قَالَ ابْن أَمِير الْحَاج فِي الْمدْخل وَقد حدثت صَلَاة الرغائب بعد أَربع مائَة وَثَمَانِينَ من الْهِجْرَة وَقد صنف الْعلمَاء فِي إنكارها وذمها وتسفيه فاعلها وَلَا تغتر بِكَثْرَة الفاعلين لَهَا فِي كثير من الْأَمْصَار انْتهى.فِي تذكرة الموضوعات: لصَاحب مجمع الْبحار وَحَدِيث صَلَاة الرغائب مَوْضُوع بالِاتِّفَاقِ وَفِي اللآلي فضل لَيْلَة الرغائب واجتماع الْمَلَائِكَة مَعَ طوله وَصَوْم أول خَمِيس وَصَلَاة اثْنَي عشر رَكْعَة بعد الْمغرب مَعَ الْكَيْفِيَّة الْمَشْهُورَة مَوْضُوع رِجَاله مَجْهُولُونَ. قَالَ شَيخنَا وفتشت جَمِيع الْكتب فَلم أجدهم. وَفِي شرح مُسلم للنووي احْتج الْعلمَاء على كَرَاهَة صَلَاة الرغائب بِحَدِيث " لَا تختصوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام وَلَا تختصوا يَوْم الْجُمُعَة بصيام ". فَإِنَّهَا بِدعَة مُنكرَة من بدع الضَّلَالَة والجهالة وفيهَا مُنكرَات ظَاهِرَة قَاتل الله تَعَالَى واضعها. وَقد صنف الْأَئِمَّة مصنفات نفيسة فِي تقبيحها وتضليل مصليها ومبدعها ودلائله أَكثر من أَن تحصى. وَفِي الْمُخْتَصر حَدِيث صَلَاة نصف شعْبَان بَاطِل. وَلابْن حبَان من حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان قومُوا لَيْلهَا وصوموا نَهَارهَا ضَعِيف. وَفِي اللآلي مائَة رَكْعَة فِي نصف شعْبَان بالإخلاص عشر مَرَّات مَعَ طول فَضله للديلمي وَغَيره مَوْضُوع وَجُمْهُور رُوَاته من الطّرق الثَّلَاث مَجَاهِيل وضعفاء انْتهى. والطرق الثَّلَاث هِيَ الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف والمقطوع. وَفِي مَا ثَبت من السّنة فِي أَيَّام السّنة للشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي قدس سره وَاخْتلفت الْآثَار فِي إحْيَاء لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَقَالَ بِهِ من التَّابِعين خَالِد بن معدان وَمَكْحُول ولقمان بن عَامر وَخَالف فِي ذَلِك عَطاء وَابْن أبي مليــكَة وَغَيرهم وَعَلِيهِ أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وخَالِد بن معدان ولقمان بن عَارِم كَانَا يلبسان فِيهَا أحسن الثِّيَاب ويكتحلان وَيقومَانِ فِي الْمَسْجِد تِلْكَ اللَّيْلَة. وَفِي تَنْزِيه الشَّرِيعَة فِي الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَا عَليّ من صلى مائَة رَكْعَة فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَقل هُوَ الله أحد أحد عشرَة مرّة " الحَدِيث. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِيهِ مَجَاهِيل وضعفاء - وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ أما صَلَاة الرغائب وَصَلَاة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فليستابِسنتَيْنِ بل هما بدعتان قبيحتان مذمومتان - وَلَا تغتر بِذكر أبي طَالب الْمَكِّيّ لَهما فِي قوت الْقُلُوب وَلَا بِذكر حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ لَهما فِي الْإِحْيَاء وَلَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور فيهمَا فَإِن ذَلِك بَاطِل. وَقد صنف عز الدّين بن عبد السَّلَام كتابا نفيسا فِي إبطالهما وَأطَال الإِمَام الْمَذْكُور فِي فَتَاوَاهُ أَيْضا ذمهما وتقبيحهما وإنكارهما - وَقَالَ الشَّيْخ ابْن حجر الْمَكِّيّ هَذَا مَذْهَبنَا وَمذهب الْمَالِكِيَّة وَآخَرين من الْأَئِمَّة وَمذهب أَكثر عُلَمَاء الْحجاز وَمذهب فُقَهَاء الْمَدِينَة. وَقد صنف الشَّيْخ الْمَذْكُور كتابا فِي هَذَا الشَّأْن انْتهى - وَأما صَلَاة التَّسْبِيح فَالصَّحِيح أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِيهَا صَحِيحَة ورواتها ثِقَات فَلَا تلْتَفت إِلَى الِاخْتِلَاف واترك الاعتساف.

المثلث

(المثلث) سطح يُحِيط بِهِ ثَلَاثَة خطوط مُسْتَقِيمَة وشراب طبخ حَتَّى ذهب ثُلُثَاهُ
المثلث: كتب الْحَكِيم الأرزاني رَحمَه الله فِي (القرابادين القادري) أَن المثلث عِنْد جُمْهُور الْأَطِبَّاء عبارَة عَن الشَّرَاب الْمُسْتَخْرج من عصير الْعِنَب الَّذِي يغلى حَتَّى يذهب ثلثه، وَهُوَ مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء كَذَلِك، وَلَكِن الآملي فِي شرح (الكليات) للإيلافي كتب يَقُول إِن المثلث هُوَ ثَلَاثَة أَجزَاء من شراب الْعِنَب وجزء من المَاء تغلى على النَّار حَتَّى يذهب الثُّلُث وَيُسمى كَذَلِك (المغسول) . وباختصار فَإِن المثلث يُقَوي الباه وَيقوم مقَام الْخمر. 
المثلث: فِي اصْطِلَاح الهندسة هُوَ السَّطْح المحاط بِثَلَاث خطوط مُسْتَقِيمَة. وَهُوَ تَارَة يَنْقَسِم بِاعْتِبَار الأضلاع. وَتارَة بِاعْتِبَار الزاوية. فَهُوَ بِاعْتِبَار الأضلاع على ثَلَاثَة أَقسَام - متساوي الأضلاع - ومتساوي السَّاقَيْن - ومختلف الأضلاع.
أما متساوي الأضلاع ومختلفها فظاهران - وَأما متساوي السَّاقَيْن فَهُوَ المثلث الَّذِي يكون ساقاه متساويان دون قَاعِدَته - وَفِي المثلث إِذا عين أحد أضلاعه قَاعِدَة يُسمى الضلعان الباقيان بساقين - وَأما بِاعْتِبَار الزاوية فأقسامه ثَلَاثَة. قَائِم الزاوية - ومنفرج الزاوية - وحاد الزوايا. والأقسام الْعَقْلِيَّة تِسْعَة حَاصِلَة من ضرب الثَّلَاثَة بِاعْتِبَار الضلع فِي الثَّلَاثَة بِاعْتِبَار الزاوية. وَثَلَاثَة مِنْهَا غير مُمكن الْوُقُوع إِذْ لَا يجوز فِي المثلث قائمتان أَو منفرجتان أَو قَائِمَة ومنفرجة. إِذْ برهن فِي الهندسة أَن الزوايا الثَّلَاث للمثلث مُسَاوِيَة لقائمتين. فأقسامه الممكنة الْوُقُوع سَبْعَة: الأول: المتساوي الأضلاع حاد الزوايا - وَالثَّانِي: المتساوي السَّاقَيْن فَقَط قَائِم الزاوية - وَالثَّالِث: المتساوي السَّاقَيْن منفرج الزاوية - وَالرَّابِع: المتساوي السَّاقَيْن حاد الزوايا - الْخَامِس: مُخْتَلف الأضلاع قَائِم الزاوية - السَّادِس: مُخْتَلف الأضلاع منفرج الزاوية - السَّابِع: مُخْتَلف الأضلاع حاد الزوايا - والمثلث العنبي مَاء الْعِنَب الَّذِي يطْبخ حَتَّى يذهب ثُلُثَاهُ وَبَقِي ثلثه ثمَّ يوضع حَتَّى يغلى ويشتد ويقذف بالزبد. وَكَذَا إِن صب فِيهِ المَاء حَتَّى يرق بَعْدَمَا ذهب ثُلُثَاهُ ثمَّ يطْبخ أدنى طبخة ثمَّ يتْرك إِلَى أَن يغلى ويشتد ويقذف بالزبد يُسمى مثلثا أَيْضا إِلَّا أَنه مُخَالف لعامة الْكتب فَإِنَّهُ يُسمى بأسامي أخر كالجمهوري لاستعمال الْجُمْهُور. والْحميدِي مَنْسُوب إِلَى حميد فَإِنَّهُ صنعه. وَأَبُو يوسفي ويعقوبي لِأَنَّهُ اتخذ لهارون الرشيد وَهُوَ حَلَال عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى مَا لم يسكر خلافًا لمُحَمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى.

المشائيون

المشائيون: فِي الاشراقيين - وَقَالَ الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي فِي كشكوله التَّوَصُّل إِلَى المطالب النظرية والمعارف الْأُصُولِيَّة إِمَّا بطرِيق الْفِكر وَهُوَ مَسْلَك الْمُتَكَلِّمين والمشائين. أَو بالرياضة وَهُوَ طَرِيق الصُّوفِيَّة والإشراقيين مثل الْفَرِيقَيْنِ كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَل يستويان مثلا أَفلا تذكرُونَ. وَالطَّرِيق الأول لَا اعْتِمَاد عَلَيْهِ لابتنائه على التخمين وَالْقِيَاس وَلذَلِك وَقع فِيهِ الِاخْتِلَاف الْعَظِيم - وَقَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب رشف النصائح الإيمانية أَنه أحرق عشر نسخ من كتاب الشِّفَاء وَمن شعره رَحمَه الله تَعَالَى.
شعر:
(وَكم قلت للْقَوْم أَنْتُم على ... شفا حُفْرَة من كتاب الشفا)
(فَلَمَّا استهانوا بتوبيخنا ... فَدَعْنَا على مِلَّة الْمُصْطَفى)

الْملَّة

(الْملَّة) التُّرَاب الْحَار والرماد أَو الْجَمْر يخبز أَو يطْبخ عَلَيْهِ أَو فِيهِ وعرق الْحمى وَيُقَال لفُلَان مِلَّة حمى باطنة وَمن يمل إخوانه سَرِيعا وَيُقَال رجل ذُو مِلَّة ذُو ملل و (خبز الْملَّة) مَا يخبز فِيهَا

(الْملَّة) الشَّرِيعَة أَو الدّين كملة الْإِسْلَام والنصرانية وَهِي اسْم لما شرع الله لِعِبَادِهِ بوساطة أنبيائه ليتوصلوا بِهِ إِلَى السَّعَادَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالدية (ج) ملل

(الْملَّة) الْخياطَة الأولى قبل الْكَفّ وَمَا على السرير تَحت الحشية من خشب أَو مَعْدن (مج)
الْملَّة: هِيَ الشَّرِيعَة من حَيْثُ إِنَّهَا تــملي. أَو من حَيْثُ إِنَّهَا تَجْتَمِع عَلَيْهَا مِلَّة.
فَإِن قيل إِن الْملَّة مضاعف لِأَنَّهَا من الإملال والإملاء نَاقص فَكيف يَصح الْوَجْه الأول. قُلْنَا جَاءَ الإملال بِمَعْنى الْإِمْلَاء. الْملك يشْتَرط لآخر الشَّرْطَيْنِ: فِي الشَّرْط.

الْمَنِيّ

(الْمَنِيّ) النُّطْفَة وَهِي سَائل مبيض غليظ تسبح فِيهِ الْحَيَوَانَات المنوية يخرج من الْقَضِيب إِثْر جماع أَو نَحوه ومنشؤه إفرازات الخصيتين ويختلط بِهِ إِفْرَاز الحوصلتين المنويتين والبروستاتة وغدد المبال مجْرى الْبَوْل (ج) منى (مج)
الْمَنِيّ: هُوَ المَاء الْأَبْيَض الَّذِي ينكسر الذّكر بعد خُرُوج ويتولد مِنْهُ الْوَلَد - فِي كشكول الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي من تأويلات جمال العارفين الشَّيْخ عبد الرَّزَّاق الكاشي فِي قصَّة مَرْيَم إِنَّمَا تمثل لَهَا بشرا سوي الْخلق حسن الصُّورَة لتأثر نَفسهَا فِي الطبيعة فتتحرك على مُقْتَضى الجبلة ويسري الْأَثر من الخيال فِي الطبيعة فتتحرك شهوتها فتتنزل كَمَا يَقع فِي الْمَنَام من الِاحْتِلَام. وَإِنَّمَا أمكن تولد الْوَلَد من نُطْفَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ ثَبت فِي الْعُلُوم الطبيعية أَن مني الذّكر فِي تولد الْوَلَد بِمَنْزِلَة الأنفحة فِي الْجُبْن - ومني الْأُنْثَى بِمَنْزِلَة اللَّبن أَي العقد من مني الذّكر والانعقاد من مني الْأُنْثَى لَا على معنى أَن مني الذّكر ينْفَرد بِالْقُوَّةِ العاقدة ومني الْأُنْثَى بِالْقُوَّةِ المنعقدة بل على معنى أَن الْقُوَّة العاقدة فِي مني الذّكر أقوى والمنعقدة فِي مني الْأُنْثَى أقوى وَإِلَّا لم يكن أَن يتحدا شَيْئا وَاحِدًا وَلم ينْعَقد مني الذّكر حَتَّى يصير جُزْءا من الْوَلَد.
فعلى هَذَا إِذا كَانَ مزاج الْأُنْثَى قَوِيا ذكوريا كَمَا تكون أمزجة النِّسَاء الشَّرِيفَة النَّفس أقوى وَكَانَ مزاج كَبِدهَا حارا كَانَ الْمَنِيّ الَّذِي ينْفَصل عَن كليتها الْيُمْنَى أحر كثيرا من الْمَنِيّ الَّذِي ينْفَصل عَن كليتها الْيُسْرَى. فَإِذا اجْتمعَا فِي الرَّحِم وَكَانَ مزاج الرَّحِم قَوِيا فِي الْإِمْسَاك والجذب قَامَ الْمُنْفَصِل من الْكُلية الْيُمْنَى مقَام مني الرجل فِي شدَّة قُوَّة العقد والمنفصل من الْكُلية الْيُسْرَى مقَام مني الْأُنْثَى فِي قُوَّة الِانْعِقَاد فيتخلق الْوَلَد هَذَا. وخصوصا إِذا كَانَت متأيدة بِروح الْقُدس متقوية بِهِ يسري أثر اتصالها بِهِ إِلَى الطبيعة وَالْبدن وَتغَير المزاج ويمد جَمِيع القوى فِي أفعالها بالمدد الروحاني فَتَصِير أقدر على أفعالها بِمَا لَا يَنْضَبِط بِالْقِيَاسِ انْتهى.

الموسيقى

(الموسيقى) (تذكر وتؤنث) لفظ يوناني يُطلق على فنون العزف على آلَات الطَّرب و (علم الموسيقى) علم يبْحَث فِيهِ عَن أصُول النغم من حَيْثُ تأتلف أَو تتنافر وأحوال الْأَزْمِنَة المتخللة بَينهَا ليعلم كَيفَ يؤلف اللّحن (مَعَ)
الموسيقى: فِي كشكول الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي هُوَ علم يعرف مِنْهُ النغم والإيقاع وَأَحْوَالهَا وَكَيْفِيَّة تأليف اللحون واتخاذ الْآلَات الموسيقاوية وموضوعه الصَّوْت بِاعْتِبَار نظامه - والنغمة صَوت لابث زَمَانا تجْرِي فِيهِ الألحان يجْرِي مجْرى الْحُرُوف من الْأَلْفَاظ - وبسائطها سَبْعَة عشر وأوتارها أَرْبَعَة وَثَمَانُونَ - والإيقاع اعْتِبَار زمَان الصَّوْت وَلَا مَانع شرعا من تعلم هَذَا الْعلم وَكثير من الْفُقَهَاء كَانَ مبرزا فِيهِ. وَصَاحب الموسيقى يتَصَوَّر الْأَنْغَام من حَيْثُ إِنَّهَا مسموعة على الْعُمُوم من أَي آلَة اتّفقت. وَصَاحب الْعَمَل إِنَّمَا يَأْخُذهَا على أَنَّهَا مسموعة من الْآلَات الطبيعية كالحلوق الإنسانية أَو الصناعية كالآلات الموسيقاوية وَمَا يُقَال من أَن ألحان الموسيقية مَأْخُوذَة من نسب الاصطكاكات الفلكية فَهُوَ من جملَة رموزهم إِذْ لَا اصطكاكات فِي الأفلاك.

الله

الله
صور القرآن الله المثل الأعلى في جميع صفات الكمال، فهو السميع الخبير، على كل شىء قدير، غفور رحيم، عزيز حكيم، حى قيوم، واسع عليم، بصير بالعباد، يحب المحسنين والصابرين، ولا يحب الظالمين، ويمحق الكافرين، غنى حميد، واحد قهار، نور السموات والأرض، قوى، شديد العقاب، خالق كل شىء، لا إله إلا هو، على كلّ شىء شهيد، عالم الغيب والشهادة، هو الرحمن الرحيم، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، الخالق البارئ المصور، له الأسماء الحسنى، يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم، الأول والآخر، والظاهر والباطن، الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، سريع الحساب، غنى عن العالمين، عليم بذات الصدور، بكل شىء محيط، علىّ كبير، عفو غفور، شاكر حليم، ليس بظلام للعبيد، يجزى المتصدقين، ولا يهدى كيد الخائنين، لا يخلف الميعاد، عزيز ذو انتقام، خير الرازقين، لطيف خبير، ذو القوة المتين. أوليس من يتصف بهذه الصفات المثالية جديرا بالعبادة والتقديس، وألا يتخذ له شريك، ولا من دونه إله.
ومن بين ما عنى القرآن به أكبر عناية إبراز صفة الإنعام التى يتصف بها الله سبحانه؛ فيوجه أنظارهم إلى النعمة الكبرى التى أودعها قلوبهم وهى نعمة الهدوء والسكينة يحسون بها، عند ما يعودون إلى بيوتهم، مكدودين منهوكى القوى، وإلى هدايتهم إلى بناء بيوت من جلود الأنعام، يجدونها خفيفة المحمل في الظعن
والإقامة، وإلى اتخاذ أثاثهم وأمتعتهم من أصوافها وأوبارها، وإلى نعمة الظل يجدون عنده الأمن والاستقرار، وإن للشمس وحرارتها لوقعا مؤلما في النفوس وعلى الأجسام، ومن أجمل وسائل الاستتار هذه الثياب تقى صاحبها الحر، وبها تتم نعمة الله، فيقول: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (النحل 79 - 81).
ويوجه أنظارهم إلى ما في خلق الزوج من نعمة تسكن إليها النفس، وتجد في ظلها الرحمة والمودة، فيقول: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم 21). وهو الذى يرزقهم، ويرزق ما على الأرض من دواب، لا تستطيع أن تتكفل برزق نفسها، وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (العنكبوت 60). وينبههم إلى ما في اختلاف الليل والنهار من تجديد النشاط للجسم، وبعث القوة في الأحياء وما في الفلك المسخرة تنقل المتاجر فوق سطح البحر، فتنفع الناس، وفي الماء ينزل من السماء فيحيى الأرض بعد موتها، وفي الرياح تحمل السحاب المسخر بين السماء والأرض، ينبههم إلى نفع ذلك كله فيقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة 164). ويسأل عمن يلجئون إليه، حين يملأ قلبهم الرعب من ظلمة البر البحر، أليس الله هو الذى ينجيهم منه ومن كل كرب، فيقول:
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (الأنعام 63 - 64).
ويحدثهم عن نعمة تبادل الليل والنهار، وعما خلق له الليل من نعمة الهدوء والسكون، وعن الشمس والقمر يجريان في دقة ونظام، فيحسب الناس بهما حياتهم، وينظمون أعمالهم، وعن النجوم في السماء تزينها كمصابيح، ويهتدى بها السائر في ظلمات البر والبحر، وعن المطر ينزل من السماء، فتحيا به الأرض وتنبت به الجنات اليانعة، ذات الثمار المشتبهة وغير المشتبهة، وكان للمطر في الحياة العربية قدره وأثره، فعليه حياتهم، فلا جرم أكثر القرآن من الحديث عنه نعمة من أجلّ نعمه عليهم، فيقول: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأنعام 96 - 99)، وتحدث عن هذه النعم نفسها مرارا أخرى كقوله:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (إبراهيم 32 - 34). وتحدث إليهم عما أنعم به عليهم من أنعام، فيها دفء ومنافع، وجمال، وعاد فذكرهم بنعمة المطر وإنباته الزرع، وخص البحر بالحديث عن تسخيره، وما نستخرجه منه من اللحم والحلى، وما يجرى فوقه من فلك تمخر عبابه، فقال: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنعام 5 - 18)، وللأنعام في حياة العرب بالبادية ما يستحق أن يذكروا به، وأن يسجل فضله عليهم بها. ويوجه القرآن نظرهم إلى خلقهم وما منحهم الله من نعمة السمع والبصر والعقل، فيقول: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (الملك 23). وكثيرا ما امتنّ عليهم بنعمة الرزق، فيقرّرها مرة، ويقررهم بها أخرى، فيقول حينا: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (غافر 64). ويقول حينا: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (يونس 31). ويسترعى انتباههم إلى طعامهم الذى هو من فيض فضله، فيقول: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً
لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ
(عبس 24 - 32).
وإن في إكثار القرآن من الحديث عن هذه النعم، وتوجيه أنظارهم إليها، وتقريرهم بها، ما يدفعهم إلى التفكير في مصدرها، وأنه جدير بالعبادة، وما يثير في أنفسهم شكرها وتقديس بارئها، ولا سيما أن تلك النعم ليست في طاقة بشر، وأنها باعترافهم أنفسهم من خلق العلىّ القدير. وهكذا يتكئ القرآن على عاطفة إنسانية يثيرها، لتدفع صاحبها عن طريق الإعجاب حينا، والاعتراف بالجميل حينا، إلى الإيمان بالله وإجلاله وتقديسه. كما أن ذلك الوصف يبعث في النفس حب الله المنعم، فتكون عبادته منبعثة عن حبه وشكر أياديه.
ومما عنى القرآن بإبرازه من صفات الله وحدانيته، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وقد أبرز القرآن في صورة قاطعة أنه لا يقبل الشرك ولا يغفره: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (النساء 48)؛ ويعد الإشراك رجسا فيقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا (التوبة 28).
أوليس في هذا التصوير ما يبعث في النفس النفور منه والاشمئزاز؟!
والقرآن يعرض لجميع ألوان الإشراك، فيدحضها ويهدمها من أساسها، فعرض لفكرة اتخاذ ولد، فحدثنا في صراحة عن أنه ليس في حاجة إلى هذا الولد، يعينه أو يساعده، فكل من في الوجود خاضع لأمره، لا يلبث أن ينقاد إذا دعى، وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (البقرة 116، 117). وحينا يدفع ذلك دفعا طبيعيا بأن الولد لا يكون إلا إذا كان ثمة له زوجة تلد، أما وقد خلق كل شىء، فليس ما يزعمونه ولدا سوى خلق ممن خلق:
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (الأنعام 101، 102).
ويعرض مرة أخرى لهذه الدعوى، فيقرر غناه عن هذا الولد، ولم يحتاج إليه، وله ما في السموات وما في الأرض، فيقول: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (يونس 68 - 70). ويعجب القرآن كيف يخيل للمشركين عقولهم أن يخصوا أنفسهم بالبنين ويجعلوا البنات لله، فيقول:
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (الإسراء 40).
ويصور القرآن- فى أقوى صور التعبير- موقف الطبيعة الساخطة المستعظمة نسبة الولد إلى الله، فتكاد- لشدة غضبها- أن تنفجر غيظا، وتنشق ثورة، وتخر الراسيات لهول هذا الافتراء، وضخامة هذا الكذب، وأصغ إلى تصوير هذا الغضب فى قوله: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (مريم 88 - 91). أما هؤلاء الذين دعوهم أبناء الله، فليسوا سوى عباد مكرمين، خاضعين لأمره، ولن يجرؤ واحد منهم على ادعاء الألوهية، أما من تجرأ منهم على تلك الدعوى فجزاؤه جهنم، لأنه ظالم مبين، وهل هناك أقوى في هدم الدعوى من اعترف هؤلاء العباد أنفسهم الذين يدعونهم أبناء، بأنهم ليسوا سوى عبيد خاضعين، ومن جرؤ منهم على دعوى الألوهية كان جزاؤه عذاب جهنم خالدا فيها، قال تعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (الأنبياء 26 - 29).
وعلى هذا النسق نفسه جرى في الرد على من زعم ألوهية المسيح، فقد جعل المسيح نفسه يتبرأ من ذلك وينفيه، إذ قال: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (المائدة 116، 117).
وتعرض القرآن مرارا لدعوى ألوهية عيسى، وقوض هذه الدعوى من أساسها بأن هذا المسيح الذى يزعمونه إلها، ليس لديه قدرة يدفع بها عن نفسه إن أراد الله أن يهلكه، وأنه لا امتياز له على سائر المخلوقات، بل هو خاضع لأمره، مقر بأنه ليس سوى عبد الله، وليس المسيح وأمه سوى بشرين يتبوّلان ويتبرّزان، أو تقبل الفطرة الإنسانية السليمة أن تتخذ لها إلها هذا شأنه، لا يتميز عن الناس في شىء، ولا يملك لهم شيئا من الضر ولا النفع، ولننصت إلى القرآن مهاجما دعوى ألوهية عيسى قائلا: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (المائدة 17). لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(المائدة 72 - 76).
وإن الغريزة لتنأى عن عبادة من لا يملك الضرر ولا النفع. وتأمل جمال الكناية في قوله: يَأْكُلانِ الطَّعامَ. والمسيح مقر- كما رأيت- بعبوديته ولا يستنكف أن يكون لله عبدا، لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (النساء 172).
وهاجم القرآن بكل قوة الإشراك بالله، وهو يهاجم ببلاغته العقل والوجدان معا فيأخذ في نقاش المشركين، ليصلوا إلى الحق بأنفسهم، ويلزمهم الحجة، ويقودهم إلى الصواب، فيسألهم عمن يرزقهم، ومن يملك سمعهم وأبصارهم، ومن يخرج الحى من الميت، ويخرج الميت من الحى، ومن يدبر أمر العالم، ومن يبدأ الخلق ثمّ يعيده، ومن يهدى إلى الحق، وإذا كان المشركون أنفسهم يعترفون بأن ذلك إنما هو من أفعال الله، فما قيمة هؤلاء الشركاء إذا، وما معنى إشراكهم لله في العبادة، أو ليس من يهدى إلى الحق جديرا بأن يعبد ويتّبع، أما من لا يهتدى إلا إذا اقتيد فمن الظلم عبادته، ومن الجهل اتباعه، وليست عبادة هؤلاء الشركاء سوى جرى وراءه وهم لا يغنى من الحق شيئا، وتأمل جمال هذا النقاش الذى يثير التفكير والوجدان معا: يثير التفكير بقضاياه، ويثير الوجدان بهذا التساؤل عن الجدير بالاتباع، وتصويره المشرك، مصروفا عن الحق، مأفوكا، ظالما، يتبع الظن الذى لا يغنى عن الحق شيئا، وذلك حين يقول: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (يونس 31 - 36). وفي التحدث إليهم عن الرزق، وهدايتهم إلى الحق، ما يثير في أنفسهم عبادة هذا الذى يمدهم بالرزق، ويهديهم إلى الحق، واستمع إلى هذا النقاش الذى يحدثهم فيه عن نعمه عليهم، متسائلا:
أله شريك في هذه النعم التى أسداها، وإذا لم يكن له شريك فيما أسدى، فكيف يشرك به غيره في العبادة؟ فقال مرة: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (النمل 59 - 71). أو ليس في إنبات الحدائق ذات البهجة، وتسيير الأنهار خلال الأرض، وإجابة المضطر إذا دعا، وكشف السوء، وجعلهم خلفاء الأرض، ما يبعث الابتهاج في النفس، والحب لله، ويدفع إلى عبادته وتوحيده ما دام هو الملجأ في الشدائد، والهادى في ظلمات البر والبحر، ومرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته؟ ومرة يسائلهم قائلا: وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (القصص 70 - 73). أوليس في الليل السرمد والنهار السرمد ما يبعث الخوف في النفس، والحب لمن جعل الليل والنهار خلفة؟!
وكثيرا ما تعجب القرآن من عبادتهم ما لا يضر ولا ينفع. والقرآن يبعث الخوف من سوء مصير هؤلاء المشركين يوم القيامة، فمرة يصورهم محاولين ستر جريمتهم بإنكارهم، حين لا يجدون لها سندا من الحق والواقع، فيقول:
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (يونس 22 - 24).
وحينا يصورهم، وقد تبرأ شركاؤهم من عبادتهم، فحبطت أعمالهم، وضل سعيهم، وذلك حين يقول: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (يونس 28 - 30).
وحينا يصورهم هلكى في أشد صور الهلاك وأفتكها، إذ يقول: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (الحج 31). أما المصير المنتظر لمن يشرك بالله فأن يلقى في جهنم ملوما مدحورا.
ومن أبرز صفات الله في القرآن قدرته، يوجّه النظر إلى مظاهرها، ويأخذ بيدهم ليدركوا آثار هذه القدرة، مبثوثة في أرجاء الكون وفي أنفسهم، فهذه الأرض هو الذى بسطها فراشا، وتلك السماء رفعها بناء، وهذه الجبال بثها في الأرض أوتادا، وهذه الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ووجه النظر إلى هذه الحبوب فلقها بقدرته، كما فلق النوى ليخرج منه النخل باسقات، ويوجه أنظارهم إلى ألوان المخلوقات وأنواعها وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النور 45). وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (الروم 20 - 25). خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (لقمان 10). ويوجّه النظر إلى توالى الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر، فيقول: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (لقمان 29، 30)؛ وكرر ذلك مرارا عدة، كقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (ق 6 - 11).
ويوجّه أنظارهم إلى قدرته في خلقهم، إذ يقول: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران 6). ويقول: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (الزمر 6).
صوّر القرآن قدرة الله الباهرة التى لا يعجزها شىء، والتى يستجيب لأمرها كل شىء، بهذا التّصوير البارع إذ قال: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (يس 82).
ولما وجّه النظر إلى مظاهر قدرته، اتخذ ذلك ذريعة إلى إقناعهم بأمر البعث، فحينا يتساءل أمن خلق السموات والأرض، ولم يجد مشقة في خلقها يعجز عن إحياء الموتى، فيقول: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأحقاف 33). ويقرر أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (غافر 57). ولذا صح هذا التساؤل ليقروا: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (النازعات 27 - 33). وسوف نكمل الحديث عن ذلك في فصل اليوم الآخر.
ومن أظهر صفات الله في القرآن علمه، وإحاطة علمه بكل شىء في الأرض وفي السماء وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (يونس 61). ويقول على لسان لقمان لابنه: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (لقمان 16). أرأيت هذا التصوير المؤثر لإحاطة علم الله بكل شىء، فلا يغيب عنه موضع ذرّة بين طيات صخرة أو في طبقات السموات، أو في أعماق الأرض، ويعلم الله الغيب، ومن ذلك ما يرونه بأعينهم في كل يوم من أمور غيبيّة، يدركون أنها مستورة عليهم، مع قرب بعضها منهم، إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان 34). وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (طه 7). واقرأ هذا التصوير الشامل لعلمه في قوله: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (الأنعام 59). وهكذا يصور القرآن شمول علم الله تصويرا ملموسا محسا.
ومن أظهر صفاته كذلك شدة قربه إلى الناس، ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (المجادلة 7). وأمر الرسول بأن يخبر الناس بقربه، يسمعهم ويصغى إليهم إذا دعوا، فقال: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة 186). ولا يستطيع فرد أن يعيش بعيدا عن عينه، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الحديد 4). بل هو أقرب شىء إلى الإنسان، يعلم خلجات نفسه، ويدرك أسراره وخواطره لا يغيب عنه منها شىء، وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق 16).
والعدل، وقد أطال القرآن في تأكيد هذه الصفة، وأكثر من تكريرها، فكل إنسان مجزى بعمله وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (غافر 31). مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (فصلت 146). ويقرر في صراحة إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (يونس 44). وإِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ (النساء 40).
وإن في تقرير هذه الصفات وتأكيدها لدفعا للمرء إلى التفكير قبل العمل، كى لا يغضب الله العالم بكل صغيرة وكبيرة تصدر منه، والقريب إليه قربا لا قرب أشد منه، وفي تأكيد صفتى العلم والقرب ما يبعث الخجل في الإنسان من أن يعمل ما يغضب الله وما حرمه، وفي تأكيد صفة العدل ما يبعث على محاسبة النفس لأن الخير سيعود إليها ثوابه، والشر سيرجع عليها عقابه.
وكان وصف القرآن لله بالرحمة والرأفة والحلم والغفران والشكر، أكثر من وصفه بالانتقام وشدّة العذاب، بل هو عند ما يوصف بهما، تذكر إلى جانبهما أحيانا صفات الرحمة؛ فكثيرا ما يكرر القرآن معنى قوله: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (البقرة 143). وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (النساء 110). وأكّد هذا الوصف حتى قال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنعام 54). وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (المؤمنون 118). أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (الأعراف 155). ويفتح باب رحمته وغفرانه، حتى لمن أسرف ولج في العصيان، إذ يقول: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر 53). وبذلك كانت الصورة التى رسمها القرآن مليــئة بالأمل والرجاء، تحيى في النفس التفاؤل، كما أن كثرة وصفه بالرحمة وأخواتها، تجعل عبادة الله منبعثة عن الحب، أكثر منها منبعثة عن الرهبة والخوف، ولكن لما كان كثير من النفوس يخضع بالرهبة دون الرغبة وصف القرآن الله بالعزة والانتقام وشدة العذاب، يقرن ذلك بوصفه بالرحمة حينا، ولا يقرنها بها حينا آخر، فيقول مرة: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة 98). غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ (غافر 3). إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (فصلت 43). ويقول أخرى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (الحشر 7). عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (المائدة 95). إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (آل عمران 4). وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (الزمر 37). وبرغم وصفه بالعزّة والانتقام والجبروت كانت الصفة الغالبة في القرآن هى الإنعام والرحمة والتّفضّل وأنه الملجأ والوزر، يجيب المضطرّ إذا دعاه، ويكشف السوء، وينجّى في ظلمات البرّ والبحر، فهى صورة محبّبة إلى النفوس، تدفع إلى العبادة، عبادة من هو جدير بها، لكثرة فضله وخيره وإنعامه.
وأفحم القرآن من ادّعى الألوهية من البشر إفحاما لا مخلص له منه، وذلك في الحديث الذى دار بين إبراهيم وهذا الملك الذى ادعى أنه إله، إذ يقول: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة 258).
وأرشد القرآن إلى أن العقل السليم والفطرة المستقيمة يرشدان إلى وجود الله ويدلّان على وحدانيته، فهذا إبراهيم قد وجد قومه يتخذون أصناما آلهة، فلم ترقه عبادتهم، فمضى إلى الكون يلتمس إلهه، فلما رأى نورا يشع ليلا من كوكب في الأفق ظنه إلها، ولكنه لم يلبث أن رآه قد أفل، فأنكر على نفسه اتخاذ كوكب يأفل إلها، إذ الإله يجب أن يكون ذا عين لا تغفل ولا تنام، وهكذا أعجب بالقمر، واستعظم الشمس، ولكنهما قد مضيا آفلين، فأدرك إبراهيم أن ليس في كل هؤلاء من يستحق عبادة ولا تقديسا، وأنّ الله الحق هو الذى فطر السموات والأرض، واستمع إلى القرآن يصوّر تأمل إبراهيم في قوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام 74 - 79).
كان الإيمان بالله ووحدانيته، أساس الدين الإسلامى، وقد رأينا كيف عنى القرآن بإبراز صفاته التى تتصل بالإنسان خالقا له، ومنعما عليه، وعالما بكل صغيرة وكبيرة تصدر منه، وقريبا منه أقرب إليه من حبل الوريد، ورحيما به، عادلا لا يظلمه، ولا يغبنه، يهبه الرزق، ويمنحه الخير، ويجيبه إذا دعاه. أو ليس من له هذه الصفات الكاملة جديرا من الناس بالعبادة والتقديس والتنزيه عن النقص والإشراك؟
الله: علم دَال على الْإِلَه الْحق دلَالَة جَامِعَة لمعاني الْأَسْمَاء الْحسنى كلهَا وَقد مر تَحْقِيقه فِي أول الْكتاب تبركا وتيمنا.
الله: وَإِنَّمَا افتتحت بِهَذِهِ الْكَلِمَة المكرمة المعظمة مَعَ أَن لَهَا مقَاما آخر بِحَسب رِعَايَة الْحَرْف الثَّانِي تيمنا وتبركا وَهَذَا هُوَ الْوَجْه للإتيان بعد هَذَا بِلَفْظ الأحمد وَالْأَصْحَاب وَاعْلَم أَنه لَا اخْتِلَاف فِي أَن لفظ الله لَا يُطلق إِلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي أَنه إِمَّا علم لذات الْوَاجِب تَعَالَى الْمَخْصُوص الْمُتَعَيّن أَو وصف من أَوْصَافه تَعَالَى فَمن ذهب إِلَى الأول قَالَ إِنَّه علم للذات الْوَاجِب الْوُجُود المستجمع للصفات الْكَامِلَة. وَاسْتدلَّ بِأَنَّهُ يُوصف وَلَا يُوصف بِهِ وَبِأَنَّهُ لَا بُد لَهُ تَعَالَى من اسْم يجْرِي عَلَيْهِ صِفَاته وَلَا يصلح مِمَّا يُطلق عَلَيْهِ سواهُ. وَبِأَنَّهُ لَو لم يكن علما لم يفد قَول لَا إِلَه إِلَّا الله التَّوْحِيد أصلا لِأَنَّهُ عبارَة عَن حصر الألوهية فِي ذَاته المشخص الْمُقَدّس. وَاعْترض عَلَيْهِ الْفَاضِل المدقق عِصَام الدّين رَحمَه الله بِأَنَّهُ كَيفَ جعل الله علما شخصيا لَهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا بعد حُصُول الشَّيْء وحضوره فِي أذهاننا أَو القوى المثالية والوهمية لنا أَلا ترى أَنا إِذا جعلنَا العنقاء علما لطائر مَخْصُوص تصورناه بِصُورَة مشخصة بِحَيْثُ لَا يتَصَوَّر الشّركَة فِيهَا وَلَو بالمثال وَالْفَرْض وَهَذَا لَا يجوز فِي ذَاته تَعَالَى الله علوا كَبِيرا. فَإِن قلت وَاضع اللُّغَة هُوَ الله تَعَالَى فَهُوَ يعلم ذَاته بِذَاتِهِ وَوضع لفظ الله لذاته الْمُقَدّس، قلت هَذَا لَا يُفِيد فِيمَا نَحن فِيهِ لِأَن التَّوْحِيد أَن يحصل من قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الله حصر الألوهية فِي عقولنا فِي ذَاته المشخص فِي أذهاننا وَلَا يَسْتَقِيم هَذَا إِلَّا بعد أَن يتَصَوَّر ذَاته تَعَالَى بِالْوَجْهِ الجزئي. هَذَا غَايَة حَاصِل كَلَامه وَقد أجَاب عَنهُ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله بِأَنَّهُ آلَة الْإِحْضَار وَهُوَ وَإِن كَانَ كليا لَكِن الْمحْضر جزئي وَلَا يخفى على المتدرب مَا فِيهِ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَن الْمحْضر جزئي فِي الْوَاقِع فَهُوَ لَا يُفِيد حصر الألوهية فِي أذهاننا كَمَا هُوَ المُرَاد. وَإِن أَرَادَ أَن الْمحْضر جزئي فِي عقولنا فَمَمْنُوع، فَإِن وَسِيلَة الْإِحْضَار والموصل إِلَيْهِ إِذا كَانَ كليا كَيفَ يحصل بهَا فِي أذهاننا محْضر جزئي وَمَا الْفرق بَين قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَبَين قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الْوَاجِب لذاته. فَإِن مَا يصدق عَلَيْهِ هَذَا الْمَفْهُوم أَيْضا جزئي فِي الْوَاقِع. فَإِن قلت التَّوْحِيد حصر الألوهية فِي ذَات مشخصة فِي نفس الْأَمر لَا فِي أذهاننا فَقَط. قلت فَهَذَا الْحصْر لَا يتَوَقَّف على جعل اسْم الله علما بل إِن كَانَ بِمَعْنى المعبود بِالْحَقِّ يحصل أَيْضا ذَلِك، وَلذَلِك يحصل بقولنَا لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَّا الْوَاجِب لذاته كَمَا سبق وَمن ذهب إِلَى الثَّانِي قَالَ إِنَّه وصف فِي أَصله لكنه لما غلب عَلَيْهِ تَعَالَى بِحَيْثُ لَا يسْتَعْمل فِي غَيره تَعَالَى وَصَارَ كَالْعلمِ أجري مجْرى الْعلم فِي الْوَصْف عَلَيْهِ وَامْتِنَاع الْوَصْف بِهِ وَعدم تطرق الشّركَة إِلَيْهِ. وَاسْتدلَّ، بِأَن ذَاته من حَيْثُ هُوَ بِلَا اعْتِبَار أَمر آخر حَقِيقِيّ كالصفات الإيجابية الثبوتية أَو غير حَقِيقِيّ كالصفات السلبية غير مَعْقُول للبشر فَلَا يُمكن أَن يدل عَلَيْهِ بِلَفْظ. ثمَّ على الْمَذْهَب الثَّانِي قد اخْتلف فِي أَصله فَقَالَ بَعضهم إِن لفظ الله أَصله إِلَه من إِلَه الآهة وإلها بِمَعْنى عبد عبَادَة والإله بِمَعْنى المعبود الْمُطلق حَقًا أَو بَاطِلا فحذفت الْهمزَة وَعوض عَنْهَا الْألف وَاللَّام لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال أَو للْإِشَارَة إِلَى المعبود الْحق وَعند الْبَعْض من إِلَه إِذا فزع وَالْعَابِد يفزع إِلَيْهِ تَعَالَى وَعند الْبَعْض من وَله إِذا تحير وتخبط عقله، وَعند الْبَعْض من لاه مصدر لاه يَلِيهِ ليها ولاها إِذا احتجب وارتفع وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكَمَال ظُهُوره وجلائه مَحْجُوب عَن دَرك الْأَبْصَار ومرتفع على كل شَيْء وَعَما لَا يَلِيق بِهِ. وَالله أَصله الْإِلَه حذفت الْهمزَة إِمَّا بِنَقْل الْحَرَكَة أَو بحذفها وعوضت مِنْهَا حرف التَّعْرِيف ثمَّ جعل علما إِمَّا بطرِيق الْوَضع ابْتِدَاء وَإِمَّا بطرِيق الْغَلَبَة التقديرية فِي الْأَسْمَاء وَهِي تَجِيء فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
ثمَّ اعْلَم أَن حذف الْهمزَة بِنَقْل الْحَرَكَة قِيَاس وَبِغَيْرِهِ خلاف قِيَاس وَهُوَ هَا هُنَا يحْتَمل احْتِمَالَيْنِ لَكِن على الثَّانِي الْتِزَام الْإِدْغَام ووجوبه قياسي لِأَن السَّاقِط الْغَيْر القياسي بِمَنْزِلَة الْعَدَم فَاجْتمع حرفان من جنس وَاحِد أَولهمَا سَاكن وعَلى الثَّانِي الْتِزَامه على خلاف الْقيَاس لِأَن الْمَحْذُوف القياسي كالثالث فَلَا يكون المتحركان المتجانسان فِي كلمة وَاحِدَة من كل وَجه وعَلى أَي حَال فَفِي اسْم الله المتعال خلاف الْقيَاس فَفِيهِ توفيق بَين الِاسْم والمسمى لِأَنَّهُ تَعَالَى شَأْنه خَارج عَن دَائِرَة الْقيَاس وطرق الْعقل وَعند أهل الْحق وَالْيَقِين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. حرف الْهَاء فِي لفظ الله إِشَارَة إِلَى غيب هويته تَعَالَى وَالْألف وَاللَّام للتعريف وَتَشْديد اللَّام للْمُبَالَغَة فِي التَّعْرِيف وَلَفظ الله اسْم أعظم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَقد يُرَاد بِهِ وَاجِب الْوُجُود بِالذَّاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل هُوَ الله أحد} وَفِي قَوْلهم والمحدث للْعَالم هُوَ الله الْوَاحِد فَلَا يلْزم اسْتِدْرَاك الْأَحَد وَالْوَاحد فيهمَا وتفصيله فِي الْأَحَد إِن شَاءَ الله الصَّمد.
الله: علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لجميع الأسماء الحسنى.
(الله) علم على إلاله المعبود بِحَق أَصله إِلَه دخلت عَلَيْهِ ال ثمَّ حذفت همزته وأدغم اللامان
الله: تَبَارَكَ وتَعالى وجَلَّ جَلاَلُهُ- هو عَلَم دالٌّ على الإله الحقِّ دلالة جامعة لمعاني الأسماء الحسنى كلها قاله السيد في "التعريفات".
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.