Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: متكلم

التقليل

التقليل: فِي التَّاج (باندكي وانمودن) . فَمَعْنَى قَوْلهم وَرب للتقليل أَنه لإنشاء التقليل أَي لإحداث أَن الْــمُتَكَلّم يسْتَقلّ بِدُخُولِهِ وَإِن كَانَ كثيرا فِي الْوَاقِع تَقول فِي جَوَاب من قَالَ مَا لقِيت رجلا رب رجل لَقيته أَي لَا تنكر لقائي للرِّجَال بالمرة فَإِنِّي لقِيت مِنْهُم شَيْئا وَإِن كَانَ قَلِيلا.
التقليل:
النطق بالألف بحالة بين الفتح والإمالة الكبرى، وتسمى بـ (الإمالة الصغرى)، و (بَيْنَ بَيْنَ) و (بين اللفظين)، ويُعَبَّر عنها عند المتقدمين بـ (التلطيف) (والمُلطَّف) و (الترقيق) و (إمالة متوسطة) و (إمالة وسطى)، و (إمالة يسيرة)، و (إمالة ضعيفة) و (إمالة لطيفة) و (بين بين)، و (بين الكسر والتفخيم)، و (بين الكسر والفتح) و (بين الإمالة والفتح) و (بين الإمالةوالتفخيم) و (إمالة غير خالصة).

الْمُجْمل

الْمُجْمل: مَا اجْتمعت فِيهِ المعنيان أَو الْمعَانِي من غير رُجْحَان لأحدها على الْبَاقِي فَاشْتَبَهَ المُرَاد بِهِ اشتباها لَا يدْرك إِلَّا بِبَيَان من جِهَة الْمُجْمل. وَالْفرق بَينه وَبَين الْمُشْتَرك أَن توارد الْمعَانِي فِي الْمُشْتَرك بِحَسب الْوَضع فَقَط. وَفِي الْمُجْمل بِحَسبِهِ وَبِاعْتِبَار غرابة اللَّفْظ وتوحشه من غير اشْتِرَاك فِيهِ وَبِاعْتِبَار إِبْهَام الْــمُتَكَلّم الْكَلَام. فَإِن الْمُجْمل على ثَلَاثَة أَنْوَاع. نوع لَا يفهم مَعْنَاهُ لُغَة كالهلوع قبل التَّفْسِير. وَنَوع مَعْنَاهُ مَعْلُوم لُغَة وَلَكِن لَيْسَ بِمُرَاد كالربا وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَنَوع مَعْنَاهُ مَعْلُوم لُغَة إِلَّا أَنه مُتَعَدد. وَالْمرَاد وَاحِد مِنْهَا وَلم يُمكن تَعْيِينه لانسداد بَاب التَّرْجِيح فِيهِ. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْأُصُول. وَالْفرق بَين الْمُجْمل وَالْمُطلق فِي الْمُطلق.
وَاعْلَم أَن الْمُجْمل مَا لَا يُمكن الْعَمَل بِهِ إِلَّا بعد الْبَيَان من جِهَة الْمُجْمل وَقَوله تَعَالَى: {وامسحوا برؤوسكم} . مُجمل عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمُطلق عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. فَإِن قيل لَا نسلم أَن الْكتاب مُجمل والمجمل لَا يُمكن الْعَمَل بِهِ قبل الْبَيَان وَهَا هُنَا الْعَمَل بِهَذَا النَّص مُمكن وَهُوَ الْقَلِيل فَلَا يكون مُجملا. قُلْنَا الْبَيَان إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي مَوضِع الْإِجْمَال وَلَيْسَ الْإِجْمَال فِي مَحل الْمسْح فَإِنَّهُ الرَّأْس بِيَقِين لنا فالإجمال فِي الْمِقْدَار لِأَن المُرَاد مِنْهُ بعض مُقَدّر لَا مُطلق الْبَعْض لِأَن الْمَفْرُوض فِي سَائِر الْأَعْضَاء غسل بعض مُقَدّر فَكَذَا فِي هَذِه الْوَظِيفَة. وَبِمَا قُلْنَا إِن الْمُطلق مَوْجُود فِي الشّعْر والشعرتين وَهُوَ لَا يَنُوب عَن الْمسْح. والمقدر مُجمل فاستفدنا بَيَان الْمِقْدَار من فعل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وعملنا بِإِطْلَاق النَّص فِيمَا عداهُ فَقُلْنَا بِجَوَاز الْمسْح على أَي ربع كَانَ.
(الْمُجْمل) من الْكَلَام الموجز و (فِي علم الرَّسْم) رسم يلم بأهم مَا فِي الصُّورَة أَو الرَّسْم من حَيْثُ النّسَب والأبعاد والوضعة وَالْحَرَكَة والشبه وَلَا يشْتَرط فِيهِ الإتقان (مج)

السُّكُوت

(السُّكُوت) وصف الْمُبَالغَة (للمذكر والمؤنث) وَمن الْإِبِل الَّتِي لَا ترغو عِنْد وضع الرحل وَنَحْوه عَلَيْهَا وَمن الْحَيَّات السكات (ج) سكت
السُّكُوت: لَفْظِي وَنَفْسِي فَإِنَّهُ ضد الْكَلَام فَكَمَا أَنه لَفْظِي ومعنوي كَذَلِك ضِدّه - (وَالسُّكُوت اللَّفْظِيّ) ترك التَّكَلُّم بِاللِّسَانِ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ. (وَالسُّكُوت الْمَعْنَوِيّ) أَن لَا يدبر الْــمُتَكَلّم الْمَعْنى فِي نَفسه الَّذِي يدل عَلَيْهِ بالعبارة أَو الْكِتَابَة أَو الْإِشَارَة.

الْمُضمر

الْمُضمر: من الْإِضْمَار وَهُوَ الْإخْفَاء والاستتار والاستكنان. أَو من الضمورة وَهِي قلَّة اللَّحْم - والمضمر عِنْد النُّحَاة اسْم وضع لــمتكلم أَو مُخَاطب أَو غَائِب تقدم ذكره لفظا مثل زيد قَائِم غُلَامه - أَو معنى بِأَن ذكر مشتقه كَقَوْلِه تَعَالَى: {اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} . أَي الْعدْل أقرب - أَو حكما بِأَن كَانَ ثَابتا فِي الذِّهْن مثل هُوَ زيد قَائِم أَي الشَّأْن. فَإِن كَانَ مُحْتَاجا إِلَى كلمة أُخْرَى قبله ليَكُون كالجزء مِنْهَا أَو لَا - الأول: الْمُضمر الْمُتَّصِل - وَالثَّانِي: الْمُضمر الْمُنْفَصِل - وَالْغَرَض من وضع الْمُضمر الِاخْتِصَار وكماله فِي الْمُضمر الْمُسْتَتر فاصل الْمُضمر الْمُتَّصِل الْمُسْتَتر الْمَنوِي. ثمَّ الْمُتَّصِل البارز. ثمَّ الْمُنْفَصِل.

الصدْق

(الصدْق) الْكَامِل من كل شَيْء يُقَال رمح صدق مستو صلب وَرجل صدق اللِّقَاء ثَبت فِيهِ

(الصدْق) مُطَابقَة الْكَلَام للْوَاقِع بِحَسب اعْتِقَاد الْــمُتَكَلّم والصلابة والشدة وَيُقَال رجل صدق وَامْرَأَة صدق وَالْأَمر الصَّالح لَا شية فِيهِ من نقص أَو كذب وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق}
الصدْق: وَالتَّحْقِيق الْحقيق والتدقيق الأنيق مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول بقوله. قَوْله: وَذكر بَعضهم أَنه لَا فرق بَين النِّسْبَة فِي الْمركب الإخباري وَغَيره الْإِبَانَة إِلَى آخِره إِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا أصلا إِلَّا فِي التَّعْبِير فَالْفرق بِوُجُوب علم الْمُخَاطب بِالنِّسْبَةِ التقييدية دون الإخبارية يُبطلهُ قطعا وَإِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه. وَهَذَا مُنَاسِب لما مر من أَن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب من خَواص الْخَبَر فِي الْمَشْهُور وَلَا يجْرِي فِي غَيره وكاف فِي إِثْبَات مَا قَصده من شُمُول الِاحْتِمَال للمركبات التقييدية والخبرية فَذَلِك الْفرق بَاطِل لَا طائل تَحْتَهُ لِأَن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب فِي الْخَبَر إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى نفس مَفْهُومه مُجَردا عَن اعْتِبَار حَال الْــمُتَكَلّم والمخاطب بل عَن خُصُوصِيَّة الْخَبَر أَيْضا ليندرج فِي تَعْرِيفه الْأَخْبَار الَّتِي يتَعَيَّن صدقهَا أَو كذبهَا نظرا إِلَى خصوصياتها كَقَوْلِنَا النقيضان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان والضدان يَجْتَمِعَانِ.
فَإِن الأول يجب صدقه ويستحيل كذبه فِي الْوَاقِع وَعند الْعقل أَيْضا إِذا لاحظ مَفْهُومه الْمَخْصُوص. وَالثَّانِي: بِالْعَكْسِ لكنهما إِذا جردا عَن خصوصيتهما ولوحظ مَاهِيَّة مفهومهما أَعنِي ثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو سلبه عَنهُ احتملا الصدْق وَالْكذب على السوية. فَإِذا قيل إِن المركبات التقييدية تحتملهما الْمركب الخبري كَانَ مَعْنَاهُ على قِيَاس الْخَبَر أَن النِّسْبَة التقيدية من حَيْثُ ماهيتها مُجَرّدَة عَن الْعَوَارِض والخصوصيات تحْتَمل الصدْق وَالْكذب. وَالظَّاهِر أَن كَون تِلْكَ النِّسْبَة مَعْلُومَة للمخاطب مِمَّا لَا مدْخل لَهُ فِي نفي ذَلِك الِاحْتِمَال فَإِن الْأَخْبَار البديهية مَعْلُومَة لكل وَاحِد مَعَ كَونهَا مُحْتَملَة لَهما وَكَذَلِكَ كَون معلومية تِلْكَ النّسَب مستفادة من نفس اللَّفْظ بِخِلَاف النِّسْبَة الخبرية فَإِن معلوميتها إِنَّمَا تستفاد من خَارج اللَّفْظ لَا يجدي نفعا فِيمَا نَحن بصدده لِأَن الْأَحْكَام الثَّابِتَة للماهيات من حَيْثُ ذواتها لَا تخْتَلف بتبدل أحوالها وَاخْتِلَاف عوارضها _ فَظهر بِمَا ذكرنَا أَن قَوْله وَظَاهر أَن النِّسْبَة الْمَعْلُومَة من حَيْثُ هِيَ مَعْلُومَة لَا تحْتَمل الصدْق وَالْكذب مِمَّا لَا يُغني من الْحق شَيْئا لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَن النِّسْبَة الْمَعْلُومَة من حَيْثُ هِيَ مَعْلُومَة لَا تحتملها عِنْد الْعَالم بهَا فَمُسلم لَكِن الْمُدَّعِي أَن النِّسْبَة من حَيْثُ ذَاتهَا وماهيتها تحتملهما وَأَيْنَ أَحدهمَا من الآخر _ وَإِن أَرَادَ أَن النِّسْبَة الْمَعْلُومَة للمخاطب لَا تحْتَمل الصدْق وَالْكذب أصلا فَهُوَ فَاسد لما مر بل الْحق أَن يُقَال إِن النِّسْبَة الذهنية فِي المركبات الخبرية تشعر من حَيْثُ هِيَ هِيَ بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا فَلذَلِك احتملت عِنْد الْعقل مطابقتها أَو لَا مطابقتها. (وَأما النِّسْبَة) فِي المركبات التقييدية فَلَا إِشْعَار لَهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا تطابقها أَو لَا تطابقها _ بل رُبمَا أشعرت بذلك من حَيْثُ إِن فِيهَا إِشَارَة إِلَى نِسْبَة خبرية بَيَان ذَلِك إِنَّك إِذا قلت زيد فَاضل فقد اعْتبرت بَينهمَا نِسْبَة ذهنية على وَجه تشعر بذاتها بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا وَهِي أَن الْفضل ثَابت لَهُ فِي نفس الْأَمر لَكِن النِّسْبَة الذهنية لَا تَسْتَلْزِم هَذِه الخارجية استلزاما عقليا فَإِن كَانَت النِّسْبَة الخارجية الْمشعر بهَا وَاقعَة كَانَت الأولى صَادِقَة وَإِلَّا فكاذبة. وَإِذا لاحظ الْعقل تِلْكَ النِّسْبَة الذهنية من حَيْثُ هِيَ جوز مَعهَا كلا الْأَمريْنِ على السوَاء وَهُوَ معنى الإحتمال. وَأما إِذا قلت يَا زيد الْفَاضِل فقد اعْتبرت بَينهمَا نِسْبَة ذهنية على وَجه لَا تشعر من حَيْثُ هِيَ بِأَن الْفضل ثَابت لَهُ فِي الْوَاقِع بل من حَيْثُ إِن فِيهَا إِشَارَة إِلَى معنى قَوْلك زيد فَاضل إِذْ الْمُتَبَادر إِلَى الأفهام أَن لَا يُوصف شَيْء إِلَّا بِمَا هُوَ ثَابت لَهُ فالنسبة الخبرية تشعر من حَيْثُ هِيَ بِمَا يُوصف بِاعْتِبَارِهِ بالمطابقة واللامطابقة أَي الصدْق وَالْكذب فَهِيَ من حَيْثُ هِيَ مُحْتَملَة لَهما.
وَأما التقييدية فَإِنَّهَا تُشِير إِلَى نِسْبَة خبرية والإنشائية تَسْتَلْزِم نِسْبَة خبرية فهما بذلك الِاعْتِبَار يحتملان الصدْق وَالْكذب. وَأما بِحَسب مفهوميتهما فكلا فصح أَن الْحق مَا هُوَ الْمَشْهُور من كَون الإحتمال من خَواص الْخَبَر انْتهى.
قَوْله: إِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا أصلا. أَي إِن أَرَادَ نفي الْفرق مُطلقًا إِلَّا بِأَنَّهُ إِلَى آخِره فَحِينَئِذٍ يكون الْمُسْتَثْنى مُتَّصِلا.
قَوْله: وَإِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ أَي إِن أَرَادَ نفي الْفرق الْخَاص أَي الْفرق الَّذِي بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن قَوْله إِلَّا بِأَنَّهُ إِلَى آخِره يكون حِينَئِذٍ مُسْتَثْنى مُنْقَطِعًا وَالْقصر إضافيا.
قَوْله: وَهَذَا مُنَاسِب أَي حَال كَون هَذَا المُرَاد مناسبا لما مر إِلَى آخِره لِأَن غَرَض ذَلِك الْبَعْض إِثْبَات مَا هُوَ خلاف الْمَشْهُور فَعَلَيهِ أَن يُرِيد أَن بَينهمَا لَيْسَ فرقا بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الصدْق وَالْكذب فَإِن الْمَشْهُور أَن بَينهمَا فرقا بِهِ يَخْتَلِفَانِ فيهمَا.
قَوْله: فَذَلِك الْفرق جَزَاء الشَّرْط أَعنِي قَوْله وَإِن أَرَادَ أَي إِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه فَذَلِك الْفرق بِوُجُوب علم الْمُخَاطب لَا طائل تَحْتَهُ فَإِن الْمُفِيد إِثْبَات الْفرق الَّذِي بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه.
قَوْله: لِأَن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب يَعْنِي أَنه لَا يلْزم من الْفرق الَّذِي بَينه وَهُوَ وجوب علم الْمُخَاطب بِالنِّسْبَةِ فِي الْمركب التقييدي دون الخبري أَن يكون بَينهمَا فرق بِهِ يكون للمركب الخبري احْتِمَال الصدْق وَالْكذب دون التقييدي لِأَن الِاحْتِمَال وَعَدَمه لَيْسَ إِلَّا بِالنّظرِ إِلَى مَفْهُوم الْخَبَر وَلَا مدْخل لعلم الْــمُتَكَلّم والمخاطب فِيهِ _ وَكَذَا حَال الْمركب التقييدي بل عَن خُصُوصِيَّة الْخَبَر أَي بل مُجَردا عَن خُصُوصِيَّة الْخَبَر أَيْضا.
قَوْله: ليندرج فِي تَعْرِيفه أَي تَعْرِيف الْخَبَر.
قَوْله: فَإِذا قيل يَعْنِي لما ثَبت أَنه لَا دخل لعلم الْــمُتَكَلّم أَو الْمُخَاطب فِي احْتِمَال الْخَبَر الصدْق أَو الْكَذِب بل الْخَبَر يحتملهما بِالنّظرِ إِلَى مَفْهُومه مُجَردا عَن حَال الْــمُتَكَلّم أَو الْمُخَاطب قَوْله: وَالظَّاهِر إِلَى آخِره يَعْنِي إِن قلت أَن بَينهمَا فرقا بِأَن النِّسْبَة التقييدية تكون مَعْلُومَة للمخاطب والخبرية مَجْهُولَة فَأَقُول وَالظَّاهِر إِلَى آخِره.
قَوْله: وَكَذَلِكَ كَون معلومية تِلْكَ النّسَب إِلَى آخِره يَعْنِي إِن قلت إِن بَينهمَا فرقا بِأَن معلومية النّسَب التقييدية مستفادة من نفس اللَّفْظ بِخِلَاف النِّسْبَة الخبرية. أَقُول: كَذَلِك كَون معلومية تِلْكَ النّسَب إِلَى آخِره.
قَوْله: فَإِن الْأَخْبَار البديهية إِلَى آخِره يَعْنِي لَو كَانَ لعلم الْمُخَاطب مدْخل فِي نفي ذَلِك الِاحْتِمَال لما كَانَت الْأَخْبَار البديهية مُحْتَملَة لَهما.
قَوْله: فِيمَا نَحن بصدده أَي من إِثْبَات الْفرق بَينهمَا بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه.
قَوْله: لِأَن الْأَحْكَام الثَّابِتَة أَي كالاحتمال وَعَدَمه فِيمَا نَحن فِيهِ.
قَوْله: لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب أصلا أَي لَا من حَيْثُ إِنَّهَا مَعْلُومَة عِنْد الْعَالم بهَا وَلَا من حَيْثُ ذَاتهَا وماهياتها.
قَوْله: لما مر أَي من أَن الْأَخْبَار البديهية إِلَى آخِره.
قَوْله: فَلذَلِك احتملت أَي النِّسْبَة الذهنية.
قَوْله: مطابقتها أَو لَا مطابقتها أَي مُطَابقَة النِّسْبَة الذهنية لنسبة أُخْرَى خَارِجَة فَيكون للْخَبَر احْتِمَال الصدْق وَالْكذب بِخِلَاف الْمركب التقييدي.
قَوْله: رُبمَا أشعرت بذلك أَي بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا تطابقها أَو لَا تطابقها.
قَوْله: من حَيْثُ إِن فِيهَا إِشَارَة إِلَى نِسْبَة خبرية وَهِي تشعر بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا فالنسبة التقييدية من هَذِه الْحَيْثِيَّة تحْتَمل الْمُطَابقَة واللامطابقة.
قَوْله: والإنشائية تَسْتَلْزِم نِسْبَة خبرية لِأَن اضْرِب مثلا يسْتَلْزم قَوْلنَا اطلب مِنْك الضَّرْب أَو أَنْت مَأْمُور بِالضَّرْبِ _ هَذِه الْحَوَاشِي من تعليقاتي على تِلْكَ الْحَوَاشِي الشَّرِيفَة الشريفية وَلَا أَزِيد على هَذَا فِي إِظْهَار الصدْق وَبَيَانه _ وَللَّه در الصائب رَحمَه الله تَعَالَى.
شعر:
(إِن إِظْهَار الصدْق يبْعَث على الْعَذَاب ... فَإِذا مَا ارْتَفع قَول الْحق يصبح وَاقعا)
الصدْق: فِي اللُّغَة (راستي) وَخلاف الْكَذِب. وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب التصوف الصدْق قَول الْحق فِي مَوَاطِن الْهَلَاك. وَقيل هُوَ إِن تصدق فِي مَوضِع لَا ينجيك عَنهُ إِلَّا الْكَذِب. وَقَالَ الْقشيرِي رَحمَه الله الصدْق أَن لَا يكون فِي أحوالك شوب وَلَا فِي اعتقادك ريب وَلَا فِي أعمالك عيب.
ثمَّ اعْلَم أَن الصدْق يُطلق على ثَلَاثَة معَان الأول الْحمل فَيُقَال هَذَا صَادِق عَلَيْهِ أَي مَحْمُول عَلَيْهِ وَالثَّانِي التحقق كَمَا يُقَال هَذَا صَادِق فِيهِ أَي مُتَحَقق وَالثَّالِث مَا يُقَابل الْكَذِب. وَفِي تعريفيهما اخْتِلَاف فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن صدق الْخَبَر مُطَابقَة الحكم للْوَاقِع وَكذب الْخَبَر عدم مُطَابقَة الحكم لَهُ. وَالْمرَاد بالواقع الْخَارِج وَالْخَارِج هَا هُنَا بِمَعْنى نفس الْأَمر فَالْمَعْنى أَن صدق الْخَبَر مُطَابقَة حكمه للنسبة الخارجية أَي نفس الأمرية وَكذبه عدم تِلْكَ الْمُطَابقَة. فَالْمُرَاد بالخارج فِي النِّسْبَة الخارجية نفس الْأَمر لَا كَمَا ذهب إِلَيْهِ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول أَن المُرَاد بِهِ مَا يرادف الْأَعْيَان. وَمعنى كَون النِّسْبَة خارجية أَن الْخَارِج ظرف لنَفسهَا لَا لوجودها حَتَّى يرد أَن النِّسْبَة لكَونهَا من الْأُمُور الاعتبارية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج فَلَا يَصح توصيفها بالخارجية فَهِيَ كالوجود الْخَارِجِي فَإِن مَعْنَاهُ أَن الْخَارِج ظرف لنَفس الْوُجُود لَا لوُجُوده فَهِيَ أَمر خارجي لَا مَوْجُود خارجي كَمَا أَن الْوُجُود أَمر خارجي لَا مَوْجُود خارجي وَإِنَّمَا تركنَا هَذِه الْإِرَادَة لِأَنَّهَا لَا تجْرِي فِي النِّسْبَة الَّتِي أطرافها أُمُور ذهنية فَإِن الْخَارِج لَيْسَ ظرفا لأطرافها فضلا عَن أَن يكون ظرفا لَهَا فَيلْزم أَن لَا يكون الْأَخْبَار الدَّالَّة على تِلْكَ النِّسْبَة مَوْصُوفَة بِالصّدقِ لعدم الْخَارِج لمدلولاتها فضلا عَن الْمُطَابقَة فالخارج فِي النِّسْبَة الخارجية بِمَعْنى نفس الْأَمر.
وَلَا يذهب عَلَيْك أَن الْخَارِج فِي قَوْلهم النِّسْبَة لَيست خارجية مَا يرادف الْأَعْيَان لَا بِمَعْنى نفس الْأَمر لِأَن النّسَب مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر. فَمَعْنَى أَن النِّسْبَة خارجية أَن الْخَارِج بِمَعْنى نفس الْأَمر ظرف لنَفسهَا. وَمعنى قَوْلهم النِّسْبَة لَيست خارجية أَن الْخَارِج بِمَعْنى الْأَعْيَان لَيْسَ ظرفا لوجودها هَذَا هُوَ التَّحْقِيق الْحقيق فِي هَذَا الْمقَام.
وَالْخَبَر عِنْدهم منحصر فِي الصَّادِق والكاذب. وَعند النظام من الْمُعْتَزلَة وَمن تَابعه صدق الْخَبَر عبارَة عَن مُطَابقَة حكم الْخَبَر لاعتقاد الْمخبر سَوَاء كَانَ ذَلِك الِاعْتِقَاد مطابقا للْوَاقِع أَو لَا. وَكذب الْخَبَر عدم مُطَابقَة حكمه لاعتقاد الْمخبر سَوَاء كَانَ مطابقا للْوَاقِع أَو لَا. وَالْمرَاد بالاعتقاد الحكم الذهْنِي الْجَازِم أَو الرَّاجِح فَيشْمَل الْيَقِين واعتقاد الْمُقَلّد وَالظَّن. وَهُوَ أَيْضا يَقُول بانحصار الْخَبَر فِي الصدْق وَالْكذب وَلَكِن لَا يخفى على المتدرب أَنه يلْزم أَن لَا يكون الْمَشْكُوك على مذْهبه صَادِقا وَلَا كَاذِبًا لِأَن الشَّك عبارَة عَن تَسَاوِي الطَّرفَيْنِ والتردد فيهمَا من غير تَرْجِيح فَلَيْسَ فِيهِ اعْتِقَاد وَلَا جازم وَلَا رَاجِح فَلَا يكون صَادِقا وَلَا كَاذِبًا فَيلْزم من بَيَانه مَا لَا يَقُول بِهِ. والجاحظ من الْمُعْتَزلَة أنكر انحصار الْخَبَر فِي الصدْق وَالْكذب لِأَنَّهُ يَقُول إِن صدق الْخَبَر مُطَابقَة حكمه للْوَاقِع والاعتقاد جَمِيعًا وَالْكذب عدم مطابقته لَهما مَعَ الِاعْتِقَاد بِأَنَّهُ غير مُطَابق وَالْخَبَر الَّذِي لَا يكون كَذَلِك لَيْسَ بصادق وَلَا كَاذِب عِنْده وَهُوَ الْوَاسِطَة بَينهمَا.
وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن غَرَضه ان الْخَبَر إِمَّا مُطَابق للْوَاقِع أَو لَا وكل مِنْهُمَا إِمَّا مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق أَو اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق أَو بِدُونِ ذَلِك الِاعْتِقَاد فَهَذِهِ سِتَّة أَقسَام. وَاحِد مِنْهَا صَادِق وَهُوَ المطابق للْوَاقِع مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق. وَوَاحِد كَاذِب وَهُوَ غير المطابق لَهُ مَعَ اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق. وَالْبَاقِي لَيْسَ بصادق وَلَا كَاذِب. فَفِي الصدْق وَالْكذب ثَلَاثَة مَذَاهِب. مَذْهَب الْجُمْهُور، وَمذهب النظام، وَمذهب الجاحظ وَاتَّفَقُوا على انحصار الْخَبَر فِي الصَّادِق والكاذب خلافًا للجاحظ. وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور لِأَن النظام تمسك بقوله تَعَالَى {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد أَنَّك لرَسُول الله وَالله يعلم أَنَّك لرَسُوله وَالله يشْهد أَن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فَإِنَّهُ تَعَالَى حكم عَلَيْهِم بِأَنَّهُم كاذبون فِي قَوْلهم إِنَّك لرَسُول الله مَعَ أَنه مُطَابق للْوَاقِع فَلَو كَانَ الصدْق عبارَة عَن مُطَابقَة الْخَبَر للْوَاقِع لما صَحَّ هَذَا.
وَالْجَوَاب أَنا لَا نسلم أَن التَّكْذِيب رَاجع إِلَى قَوْلهم إِنَّك لرَسُول الله بِسَنَدَيْنِ أَحدهمَا أَنه لم لَا يجوز أَن يكون رَاجعا إِلَى الْخَبَر الْكَاذِب الَّذِي تضمنه قَوْلهم نشْهد وَهُوَ أَن شهادتنا هَذِه من صميم الْقلب وخلوص الِاعْتِقَاد وَلَا شكّ أَن هَذَا الْخَبَر غير مُطَابق للْوَاقِع لكَوْنهم الْمُنَافِقين الَّذين يَقُولُونَ بأفواههم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم. اللَّهُمَّ احفظنا من شرور أَنْفُسنَا وأنفسهم.
وَالثَّانِي أَنه لم لَا يجوز أَن يكون التَّكْذِيب رَاجعا إِلَى الْخَبَر الْكَاذِب الَّذِي تضمنه قَوْلهم نشْهد أَيْضا لكنه هَا هُنَا هُوَ أَن أخبارنا هَذَا شَهَادَة مَعَ مواطأة الْقلب وموافقته - وَإِن سلمنَا أَن التَّكْذِيب رَاجع إِلَى قَوْلهم إِنَّك لرَسُول الله لَكنا نقُول إِنَّه رَاجع إِلَيْهِ بِاعْتِبَار أَنه مُخَالف للْوَاقِع فِي اعْتِقَادهم لَا لِأَنَّهُ مُخَالف لاعتقادهم حَتَّى ثَبت مَا ادَّعَاهُ النظام.
وَلَا يخفى عَلَيْك أَن التَّكْذِيب لَيْسَ براجع إِلَى نشْهد لِأَنَّهُ إنْشَاء - والصدق وَالْكذب من أَوْصَاف الْأَخْبَار لَا غير وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّه رَاجع إِلَى الْخَبَر الَّذِي تضمنه نشْهد فَافْهَم. وَالْجَوَاب القالع لأصل التَّمَسُّك أَن التَّكْذِيب رَاجع إِلَى حلف الْمُنَافِقين وزعمهم أَنهم لم يَقُولُوا لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله. كَمَا يشْهد بِهِ شَأْن النُّزُول لما ذكر فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن زيد بن أَرقم أَنه قَالَ كنت فِي غزَاة فَسمِعت عبد الله بن أبي ابْن سلول يَقُول لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله وَلَو رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل. فَذكرت ذَلِك لِعَمِّي فَذكره للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فدعاني فَحَدَّثته فَأرْسل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه فَحَلَفُوا أَنهم مَا قَالُوا فَكَذبنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصدقه فَأَصَابَنِي هم لم يُصِبْنِي مثله قطّ فَجَلَست فِي الْبَيْت فَقَالَ لي عمي مَا أردْت إِلَى أَن كَذبك رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ومقتك فَأنْزل الله {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} الْآيَة فَبعث إِلَيّ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَرَأَ فَقَالَ إِن الله صدقك يَا زيد انْتهى. اعْلَم أَن قَوْلهم لَا تنفقوا خطاب للْأَنْصَار أَي لَا تنفقوا على فُقَرَاء الْمُهَاجِرين حَتَّى يَنْفضوا أَي يتفرقوا وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا نَازع أَنْصَارِيًّا فِي بعض الْغَزَوَات على مَاء فَضرب الْأَعرَابِي رَأسه بخشبة فَشَكا إِلَى ابْن أبي فَقَالَ {لَا تنفقوا} الْآيَة ثمَّ قَالَ وَلَو رَجعْنَا من عِنْده أَي من الْمَكَان الَّذِي فِيهِ مُحَمَّد الْآن إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل - أَرَادَ ذَلِك الْأَذَل بالأعز نَفسه وَبِالْأَذَلِّ جناب الرسَالَة الْأَعَز نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الجاحظ أَيْضا بَاطِل لِأَنَّهُ تمسك بقوله تَعَالَى {افترى على الله كذبا أم بِهِ جنَّة} بِأَن الْكفَّار حصروا أَخْبَار النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالحشر والنشر فِي الافتراء وَالْأَخْبَار حَال الْجُنُون وَلَا شكّ أَنهم أَرَادوا بالأخبار حَال الْجُنُون غير الْكَذِب لأَنهم جعلُوا هَذَا الْأَخْبَار قسيم الْكَذِب إِذْ الْمَعْنى أكذب أم أخبر حَال الْجنَّة. وقسيم الشَّيْء يحب أَن يكون غَيره فَثَبت أَن هَذَا الْأَخْبَار غير الْكَذِب. وَأَيْضًا غير الصدْق عِنْدهم لأَنهم لم يُرِيدُوا بِهِ الصدْق لأَنهم لم يعتقدوا صدقه فَكيف يُرِيدُونَ صدقه. - وَالْجَوَاب أَن هَذَا التَّمَسُّك مَرْدُود. أما أَولا فَلِأَن هَذَا الترديد إِنَّمَا هُوَ بَين مُجَرّد الْكَذِب وَالْكذب مَعَ شناعة أُخْرَى. وَأما ثَانِيًا فَلِأَن هَذَا الترديد بَين الافتراء وَعَدَمه يَعْنِي افترى على الله كذبا أم لم يفتر لكِنهمْ عبروا عَن عدم الافتراء بِالْجنَّةِ لِأَن الْمَجْنُون يلْزمه أَن لَا افتراء لَهُ لِأَن الافتراء بِشَهَادَة أَئِمَّة اللُّغَة وَاسْتِعْمَال الْعَرَب عبارَة عَن الْكَذِب عَن عمد وَلَا عمد للمجنون فَذكرُوا الْمَلْزُوم وَأَرَادُوا اللَّازِم فَالثَّانِي أَعنِي أم بِهِ جنَّة لَيْسَ قسيما للكذب بل هُوَ قسيم لما هُوَ أخص من الْكَذِب أَعنِي الافتراء فَيكون هَذَا حصرا للْخَبَر الْكَاذِب فِي نوعيه أَعنِي الْكَذِب من عمد وَالْكذب لَا عَن عمد.
وَاعْلَم إِن افترى بِفَتْح الْهمزَة أَصله افترى بهمزتين أَولهمَا استفهامية مَفْتُوحَة وَالثَّانيَِة همزَة وصل مَكْسُورَة حذفت الثَّانِيَة للتَّخْفِيف وأبقيت الأولى لِأَنَّهَا عَلامَة الِاسْتِفْهَام بِخِلَاف الثَّانِيَة فَإِنَّهَا همزَة الْوَصْل. وَقد يُطلق الصدْق على الْخَبَر المطابق للْوَاقِع وَالْكذب على الْخَبَر الْغَيْر المطابق لَهُ. فَإِن قلت، إِن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب من خَواص الْخَبَر أم يجْرِي فِي غَيره أَيْضا من المركبات، قلت لَا يجْرِي ذَلِك فِي الِاحْتِمَال فِي المركبات الإنشائية بالِاتِّفَاقِ.
وَأما فِي غَيرهَا فَعِنْدَ الْجُمْهُور أَنه من خَواص الْخَبَر لَا يجْرِي فِي غَيره من المركبات التقييدية وَذكر صدر الشَّرِيعَة رَحمَه الله أَنه يجْرِي فِي الْأَخْبَار والمركبات التقييدية جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَا فرق بَين النِّسْبَة فِي الْمركب الإخباري والتقييدي إِلَّا بالتعبير عَنْهَا بِكَلَام تَامّ فِي الْمركب الإخباري كَقَوْلِنَا زيد إِنْسَان أَو فرس. وبكلام غير تَامّ فِي الْمركب التقييدي كَمَا فِي قَوْلنَا يَا زيد الْإِنْسَان أَو الْفرس وأيا مَا كَانَ فالمركب إِمَّا مُطَابق فَيكون صَادِقا أَو غير مُطَابق فَيكون كَاذِبًا فيا زيد الْإِنْسَان صَادِق وَيَا زيد الْفرس كَاذِب وَيَا زيد الْفَاضِل مُحْتَمل. وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور بِالنَّقْلِ وَالْعقل. أما الأول فَمَا ذكره الشَّيْخ عبد القاهر رَحمَه الله تَعَالَى أَن الصدْق وَالْكذب إِنَّمَا يتوجهان إِلَى مَا قصد الْــمُتَكَلّم إثْبَاته أَو نَفْيه وَالنِّسْبَة التقييدية لَيست كَذَلِك. وَأما الثَّانِي فَإِن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي النِّسْبَة المجهولة وَعلم الْمُخَاطب بِالنِّسْبَةِ فِي الْمركب التقييدي دون الإخباري وَاجِب بِالْإِجْمَاع.
.
صدق الْمُشْتَقّ على شَيْء يسْتَلْزم ثُبُوت مَأْخَذ الِاشْتِقَاق لَهُ: لِأَن لفظ الْمُشْتَقّ مَوْضُوع بِإِزَاءِ ذَات مَا مَوْصُوف بمأخذ الِاشْتِقَاق فَلهَذَا صَار حمل الِاشْتِقَاق فِي قُوَّة حمل التَّرْكِيب أَعنِي حمل هُوَ ذُو هُوَ. وَالْجَوَاب عَن المغالطة بِالْمَاءِ المشمس وَالْإِمَام الْحداد وأضح بِأَدْنَى تَأمل. فَإِن مَأْخَذ المشمس هُوَ التشميس الَّذِي هُوَ مصدر مَجْهُول من التفعيل لَا الشَّمْس والحداد الَّذِي بِمَعْنى صانع الْحَدِيد مأخذه مَا هُوَ بِمَعْنى صنع الْحَدِيد لَا الْحَدِيد بِمَعْنى (آهن) مَعَ أَن الْكَلَام فِي الْمُشْتَقّ الْحَقِيقِيّ لَا الصناعي. وَتَقْرِير المغالطة أَن المشمس مُشْتَقّ صَادِق على المَاء ومأخذه وَهُوَ الشَّمْس لَيْسَ بِثَابِت لَهُ وَكَذَا الْحداد مُشْتَقّ يصدق على ذَات مَا وَلَا يَتَّصِف بمأخذه وَهُوَ الْحَدِيد.
صدق الْمُشْتَقّ على مَا يصدق عَلَيْهِ الْمُشْتَقّ الآخر لَا يسْتَلْزم صدق المبدأ على المبدأ: فَإِن الضاحك والمتعجب يصدقان على الْإِنْسَان وَلَا يصدق الضحك على التَّعَجُّب. نعم إِذا كَانَ بَين المبدئين ترادف واتحاد فِي الْمَفْهُوم يسْتَلْزم الصدْق الأول الصدْق الثَّانِي كالتفسير والتبيين أَو كَانَ أحد المشتقين بِمَنْزِلَة الْجِنْس للْآخر كالمتحرك والماشي فَإِنَّهُ يَصح أَن يُقَال الْمَشْي حَرَكَة مَخْصُوصَة فَافْهَم.

الْخطْبَة

(الْخطْبَة) من الألوان مَا فِيهِ غبرة أَو صفرَة تخالطها خضرَة أَو حمرَة وَالْكَلَام المنثور يُخَاطب بِهِ مُتَكَلم فصيح جمعا من النَّاس لإقناعهم وَمن الْكتاب صَدره (ج) خطب

(الْخطْبَة) طلب الْمَرْأَة للزواج وَالْمَرْأَة المخطوبة
الْخطْبَة: بِالضَّمِّ كَلَام منثور مؤلف من الْمُقدمَات اليقينية والمقبولة والمظنونة أَو إِحْدَاهَا ترغيبا أَو ترهيبا أَو كِلَاهُمَا مصدرا بِالْحَمْد وَالصَّلَاة مَعَ كَون مخاطبه غير معِين يُقَال سمعنَا خطْبَة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ. وَتطلق على خطاب الْوَعْظ أَيْضا.
وَاعْلَم أَن خطْبَة الْجُمُعَة تشْتَمل على فرض وَسنة فالفرض شَيْئَانِ: الأول: الْوَقْت وَهُوَ بعد الزَّوَال وَقبل الصَّلَاة حَتَّى لَو خطب فِي الْجُمُعَة قبل الزَّوَال أَو بعد الصَّلَاة لَا يجوز. وَالثَّانِي: ذكر الله تَعَالَى وكفت تَحْمِيدَة أَو تَهْلِيلَة أَو تَسْبِيحَة. هَذَا إِذا كَانَ على قصد الْخطْبَة أما إِذا عطس فَحَمدَ الله تَعَالَى أَو سبح أَو هلل مُتَعَجِّبا من شَيْء لَا يَنُوب عَن الْخطْبَة إِجْمَاعًا. وَأما سنتها فخمسة عشر. أَحدهَا: الطَّهَارَة حَتَّى كرهت للمحدث وَالْجنب. ثَانِيهَا: الْقيام. وَثَالِثهَا: اسْتِقْبَال الْقَوْم بِوَجْهِهِ. وَرَابِعهَا: التَّعَوُّذ فِي نَفسه قبل الْخطْبَة. وخامسها: أَن يسمع الْقَوْم الْخطْبَة وَإِن لم يسمع أجزاه. وسادسها: الْبِدَايَة بِحَمْد الله تَعَالَى. وسابعها: الثَّنَاء عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله. وثامنها: الشهادتان. وتاسعها: الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. والعاشر: العظة والتذكير. وَالْحَادِي عشر: قِرَاءَة الْقُرْآن وتاركها مسيء. كَذَا فِي الْبَحْر الرَّائِق وَمِقْدَار مَا يقْرَأ فِيهَا من الْقُرْآن ثَلَاث آيَات قصارا أَو آيَة طَوِيلَة. وَالثَّانِي عشر: إِعَادَة التَّحْمِيد وَالثنَاء على الله تَعَالَى وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة. وَالثَّالِث عشر: زِيَادَة الدُّعَاء للْمُسلمين وَالْمُسلمَات. وَالرَّابِع عشر: تَخْفيف الْخطْبَتَيْنِ بِقدر سُورَة من طوال الْمفصل وَيكرهُ التَّطْوِيل. وَالْخَامِس عشر: الْجُلُوس بَين الْخطْبَتَيْنِ كَذَا فِي الْبَحْر الرَّائِق.
الْخطْبَة: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا جَاءَكُم طَالب زواج ترضونه وَلم تزوجوه تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد.وَقد كتب قدوة عُلَمَاء الدَّهْر وأوحد فضلاء عصره وَصَاحب الكرامات الظَّاهِرَة وواقف الْأَسْرَار الباهرة وجامع الْمَنْقُول والمعقول. وحاوي الْفُرُوع وَالْأُصُول، وَالَّذِي اخضرت رياض الرياضيات والرياضة بِذَاتِهِ، وَصَارَت أَشجَار الْعُلُوم الغريبة مثمرة بزلال حِيَاض صِفَاته، (السَّيِّد شمس الدّين) مد الله ظلال جَلَاله وأفاض على الْعَالمين أمطار فَضله وكماله، رِسَالَة سَمَّاهَا (العنايات الإلهية) وَقد ضمنهَا نفحة من أَحْوَال خوارق الْعَادَات الَّتِي كَانَت لجده الأمجد قبْلَة أَوْلِيَاء الْعَصْر وكعبة أتقياء الدَّهْر (السَّيِّد عنايت الله الخجندي النقشبندي) وَكَذَلِكَ نفحة من الشَّمَائِل التَّامَّة والكاملة لوالده الْعظم صَاحب الْمقَام الرفيع وَوَاحِد الحضرة الصمدية ومقرب بِسَاط الأحدية (السَّيِّد شاه منيب الله) قدس الله تَعَالَى أسرارهما وَنور مرقدهما. وَيَقَع الْمقَام الْمُقَدّس لقطبي الْولَايَة هذَيْن فِي ولَايَة (برار) فِي سَواد (بالابور) وَهُوَ معد لزيارة الْخَاصَّة والعامة. وَقد أظهر فِي هَذِه الرسَالَة بعض أَحْوَال وَالِده الْمَاجِد قدس سره فَقَالَ: ذَهَبْنَا إِلَى منزل سيد من مَشَايِخ العامرة فَأَرْسَلنَا رَسُولا للخطبة فَقبل هَذَا الشَّخْص، ولى كَانَ من الْعَادَات فِي تِلْكَ الْأَيَّام وكما هُوَ مُتَعَارَف عَلَيْهِ عَن الْخَاصَّة والعامة عِنْد الْخطْبَة الحَدِيث عَن شُرُوط الْأُمُور الشَّرْعِيَّة والاحتراز عَن الْأَشْيَاء المنهية، وَالَّتِي قد تحدث فِي مُقَدّمَة الزواج، فَلَمَّا تمّ التطرق لَهَا، رفض هَذَا السَّيِّد الْأَمر بِسَبَب عسر الْحَال وضيق ذَات الْيَد، فَقلت لَهُ لقد رفضتنا وَنحن مُسلمين ونلتزم جَمِيع الشُّرُوط الشَّرْعِيَّة وأمورها وعَلى فرض أَن جَاءَك يَوْمًا مَا كَافِر يتبع الْبدع وَيفْعل المنهيات وَقد توفر لَدَيْهِ مَا لم يتوفر لدينا فَإنَّك سَوف تلبي طلبه، وَبعد عدَّة أَيَّام جَاءَهُ رجل حَدِيث الْإِسْلَام خاطبا ابْنَته، وَقد عرف هَذَا الرجل نَفسه بِأَنَّهُ من السَّادة الأخيار وَمن أهل النجابة، فَمَا كَانَ فِيهِ إِلَّا أَن زوجه لَهَا، وَلَكِن هَذَا الرجل وَبعد اتمام العقد ودخوله على الْبِنْت عمد إِلَى تطليقها. أما الإبنة الثَّانِيَة لهَذَا الرجل فقد احرقت نَفسهَا وَمَاتَتْ أما الإبنة الثَّالِثَة لَهُ فقد زَوجهَا من رجل تبين فِيمَا بعد أَنه عنين. لقد أرسلنَا إِلَى هَذَا الرجل الشريف المحتد الَّذِي لَا أحد يجاري نسبه وحسبه فِي هَذَا الْعَالم الرَّسُول خاطبا فَلم يجب وَأَرْسَلْنَا لَهُ ثَانِيَة الحَدِيث الشريف فَلم يقبل. وَبعد عدَّة أَيَّام انزلقت بَنَاته إِلَى دَرك الْمعاصِي الْكَبِيرَة وأصبحتا ملذة للعامة والخاصة وتفصيل ذَلِك لَا يُمكن أَن أكتبه (انْتهى) .

الْخَبَر الْمُتَوَاتر

الْخَبَر الْمُتَوَاتر: هُوَ الْخَبَر الثَّابِت بِإِخْبَار قوم لَا يجوز الْعقل توافقهم على الْكَذِب ومعياره أَي مَا يصدقهُ وَيدل على بُلُوغه حد التَّوَاتُر حُصُول الْعلم وَالْيَقِين فَكلما حصل لنا الْعلم اليقيني بالإخبار علمنَا أَن هَذَا الْخَبَر متواتر. فعدد المخبرين مثل خَمْسَة أَو اثْنَي عشر أَو عشْرين أَو أَرْبَعِينَ أَو سبعين على مَا قيل لَيْسَ بِشَرْط فِي الْخَبَر الْمُتَوَاتر الْمُفِيد لليقين بِالضَّرُورَةِ بِلَا نظر وَكسب وَإِنَّمَا سمي مثل هَذَا الْخَبَر متواترا لِأَنَّهُ فِي الْغَالِب يَقع على سَبِيل التَّعَاقُب والتوالي وَإِن أمكن وُقُوعه دفْعَة كَمَا إِذا كَانَ المخبرون المجتمعون فِي الجلس متكلمــين بالْخبر مَعًا.
فَإِن قيل لَا يَصح أَن يكون معياره حُصُول الْعلم اليقيني لِأَن الْخَبَر الْمُتَوَاتر سَبَب لحُصُول الْعلم اليقيني فَلَو كَانَ هَذَا الْحُصُول سَببا للْخَبَر الْمُتَوَاتر للَزِمَ الدّور. قُلْنَا الْخَبَر الْمُتَوَاتر نَفسه سَبَب للْعلم اليقيني وَالْعلم بِهَذَا الْعلم سَبَب للْعلم بالْخبر الْمُتَوَاتر فَلَا دور لعدم اتِّحَاد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ. وَمَا قيل إِن الْعلم بالْخبر الْمُتَوَاتر لَيْسَ بموقوف على الْعلم بِالْعلمِ اليقيني لَيْسَ بِشَيْء للوجدان الْعَام بِأَنَّهُ لَا يحصل لنا الْعلم بِوُجُود الْخَبَر الْمُتَوَاتر وبلوغه حد التَّوَاتُر إِلَّا بعد علمنَا بِأَن مَا حصل لنا هُوَ علم يقيني وعقب توجهنا إِلَيْهِ.

الحكم

(الحكم) الْعلم والتفقه وَالْحكمَة يُقَال الصمت حكم وَالْقَضَاء

(الحكم) من أَسمَاء الله تَعَالَى وَالْحَاكِم وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {أفغير الله أَبْتَغِي حكما} وَمن يخْتَار للفصل بَين المتنازعين وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا} وَيُقَال رجل حكم مسن وهم حِكْمَة
الحكم: بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْكَاف أثر الشَّيْء الْمُتَرَتب عَلَيْهِ. وَفِي الْعرف إِسْنَاد أَمر إِلَى أَمر آخر إِيجَابا أَو سلبا. فَخرج بِهَذَا مَا لَيْسَ بِحكم كالنسبة التقييدية. وَفِي اللُّغَة تَوْجِيه الْكَلَام نَحْو الْغَيْر للإفهام ثمَّ نقل إِلَى مَا يَقع بِهِ الْخطاب. وَلِهَذَا قَالُوا إِن مُرَاد الْأُصُولِيِّينَ بخطاب الله تَعَالَى هُوَ الْكَلَام اللدني.

وَالْحكم المصطلح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ: هُوَ أثر حكم الله الْقَدِيم فَإِن إِيجَاب الله تَعَالَى قديم وَالْوُجُوب حكمه وأثره. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْأُصُول وَفِي التَّلْوِيح أَن إِطْلَاق الحكم على خطاب الشَّارِع وعَلى أَثَره وعَلى الْأَثر الْمُتَرَتب على الْعُقُود والفسوخ بالاشتراك اللَّفْظِيّ. ومرادهم بالمحكوم عَلَيْهِ من وَقع الْخطاب لَهُ وبالمحكوم بِهِ مَا تعلق بِهِ الْخطاب كَمَا يُقَال حكم الْأَمِير على زيد بِكَذَا.
وَيعلم من التَّوْضِيح فِي بَاب الحكم أَن مورد الْقِسْمَة الحكم بِمَعْنى الْإِسْنَاد أَي إِسْنَاد الشَّارِع أمرا إِلَى أَمر فِيمَا لَهُ تعلق بِفعل الْمُكَلف من حَيْثُ هُوَ مُكَلّف صَرِيحًا كالنص أَو دلَالَة كالإجماع وَالْقِيَاس. فَفِي جعل الْوُجُوب وَالْملك وَنَحْو ذَلِك أقساما للْحكم بِهَذَا الْمَعْنى تسَامح ظَاهر.

وَفِي اصْطِلَاح الْمَعْقُول: يُطلق على أَرْبَعَة معَان: الأول: الْمَحْكُوم بِهِ. وَالثَّانِي: النِّسْبَة الإيجابية أَو السلبية. وَالثَّالِث: التَّصْدِيق أَي إذعان أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. وَالرَّابِع: الْقَضِيَّة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على الرابط بَين الْمَعْنيين. وَتَحْقِيق أَن الحكم فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة إِمَّا فِي الْجَزَاء أَو بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فَإِن أردْت الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَارْجِع إِلَيْهَا.
وَاعْلَم أَن الحكم بِمَعْنى التَّصْدِيق هُوَ الإذعان كَمَا مر. ثمَّ مُتَعَلق الإذعان عِنْد الْمُتَقَدِّمين من الْحُكَمَاء هُوَ النِّسْبَة الَّتِي هِيَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة الَّتِي هِيَ من قبيل الْمَعْلُوم عِنْدهم - وَعند الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم مُتَعَلق الإذعان هُوَ وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا الَّذِي هُوَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة فللقضية عِنْد الْمُتَقَدِّمين ثَلَاثَة أَجزَاء. وَعند الْمُتَأَخِّرين أَرْبَعَة كَمَا سَيَجِيءُ مفصلا فِي النِّسْبَة الْحكمِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَالْحكم هُوَ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. والإدراك إِمَّا من مقولة الانفعال أَو الكيف فَالْحكم كَذَلِك وَانْظُر فِي الْإِدْرَاك حَتَّى يزِيد لَك الْإِدْرَاك.
وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّازِيّ مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا وَلم يذهب إِلَى تركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. نعم أَنه ذهب إِلَى تركيب التَّصْدِيق وَلِهَذَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على شرح الشمسية قَوْله إِذا أردْت تقسيمه على مَذْهَب الإِمَام أَي على القَوْل بالتركيب فَلَا يرد أَن الإِمَام لَا يَقُول بِكَوْن الحكم إدراكا مَعَ أَنه قد نقل الْبَعْض أَن الإِمَام مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا. وَفِي حصر التَّقْسِيم على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ إِشَارَة إِلَى بطلَان القَوْل بتركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور من الإِمَام انْتهى.

فَالْحكم: الَّذِي هُوَ جُزْء التَّصْدِيق عِنْد الإِمَام هُوَ الْإِدْرَاك الْمَذْكُور لَا غير. وَيُؤَيِّدهُ أَن الحكم حكمان حكم هُوَ مَعْلُوم بِمَعْنى وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا وَهُوَ جُزْء أخير للقضية المعقولة وَحكم هُوَ علم بِمَعْنى إِدْرَاكه وَهُوَ تَصْدِيق عِنْد الْحُكَمَاء وَشَرطه فِي مَذْهَب مستحدث وَشطر أخير وتصور عِنْد الإِمَام لكنه إذعاني فيكتسب من الْحجَّة نظرا إِلَى الْجُزْء الْأَعْظَم من المبادئ فَلَا يُنَافِيهِ اكتسابه من الْمُعَرّف نظرا إِلَى جُزْء إذعاني فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْجَوَاهِر المكنونة. وَعند الأصولين الحكم خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين باقتضاء الْفِعْل أَو التّرْك أَو بالتخير فِي الْفِعْل وَالتّرْك. والاقتضاء الطّلب وَهُوَ إِمَّا طلب الْفِعْل جَازِمًا كالإيجاب. أَو غير جازم كالندب. أَو طلب التّرْك جَازِمًا كالتحريم. أَو غير جازم كالكراهة التحريمية -. وَالْمرَاد بالتخيير الْإِبَاحَة - وَفِي التَّوْضِيح وَقد زَاد الْبَعْض أَو الْوَضع ليدْخل الحكم بالسببية والشرطية وَنَحْوهمَا.

اعْلَم أَن الْخطاب نَوْعَانِ: إِمَّا تكليفي وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال المتكلفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير وَإِمَّا وضعي وَهُوَ الْخطاب بِالْوَضْعِ بِأَن يكون هَذَا سَبَب ذَلِك أَو شطر ذَلِك كالدلوك سَبَب لصَلَاة الظّهْر وَالطَّهَارَة شَرط لَهَا - فَلَمَّا ذكر أحد النَّوْعَيْنِ وَهُوَ التكليفي وَجب ذكر النَّوْع الآخر وَهُوَ الوضعي وَالْبَعْض لم يذكر الوضعي لِأَنَّهُ دَاخل فِي الِاقْتِضَاء أَو التَّخْيِير لِأَن الْمَعْنى من كَون الدلوك سَببا للصَّلَاة أَنه إِذا وجد الدلوك وَجَبت الصَّلَاة حِينَئِذٍ وَالْوُجُوب من بَاب الِاقْتِضَاء لَكِن الْحق هُوَ الأول لِأَن الْمَفْهُوم من الحكم الوضعي تعلق شَيْء بِشَيْء آخر وَالْمَفْهُوم من الحكم التكليفي لَيْسَ هَذَا وَلُزُوم أَحدهمَا للْآخر فِي صُورَة لَا يدل على اتحادهما انْتهى.
الحكم:
[في الانكليزية] Verdict ،judgement ،gouvernment ،power
[ في الفرنسية] Verdict ،jugement ،gouvernement ،pouvoir
بالضم وسكون الكاف يطلق بالاشتراك أو الحقيقة والمجاز على معان. منها إسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا. وهذا المعنى عرفي، وحاصله أنّ الحكم نفس النسبة الخبرية التي إدراكها تصديق إيجابية كانت أو سلبية، وقد يعبّر عن هذا المعنى بوقوع النسبة ولا وقوعها، وقد يعبّر عنه بقولنا إنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة، وهذا المعنى من المعلومات فليس بتصوّر ولا تصديق لأنهما نوعان مندرجان تحت العلم. فالإسناد بمعنى مطلق النسبة والإيجاب الوقوع. والسلب اللاوقوع. واحترز بهما عمّا سوى النسبة الخبرية. وتوضيحه أنّه قد حقّق أنّ الواقع بين زيد والقائم هو الوقوع نفسه أو اللاوقوع كذلك، وليس هناك نسبة أخرى مورد الإيجاب والسلب، وأنّه قد يتصوّر هذه النسبة في نفسها من غير اعتبار حصولها أو لا حصولها في نفس الأمر، بل باعتبار أنّها تعلّق بين الطرفين تعلّق الثبوت أو الانتفاء، وتسمّى نسبة حكمية، ومورد الإيجاب والسلب ونسبة ثبوتية أيضا نسبة العام إلى الخاص أعني الثبوت لأنّه المتصوّر أولا، وقد تسمّى سلبية أيضا إذا اعتبر انتفاء الثبوت. وقد يتصوّر باعتبار حصولها أو لا حصولها في نفس الأمر، فإن تردّد فهو الشك وإن أذعن بحصولها أو لا حصولها فهو التصديق. فالنسبة الثبوتية تتعلّق بها علوم ثلاثة اثنان تصوّريان أحدهما لا يحتمل النقيض وهو تصوّرها في نفسها من غير اعتبار حصولها ولا حصولها. وثانيهما يحتمله. والثالث تصديقي فقد ظهر أنّ المعنى المذكور للحكم ليس أمرا مغايرا للوقوع واللاوقوع. وأنّ معنى قولنا نسبة أمر بأمر وإسناد أمر إلى أمر تعلّق أمر بأمر وقوعا كان أو لا وقوعا إن كان الإيجاب والسلب بمعنى الوقوع واللاوقوع، وإن أريد بالإيجاب والسّلب إدراك أنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة. فمعناه تعلّق أمر بأمر سواء كان موردا للإيجاب أو موردا للسلب، فإنّ الإيجاب والسّلب يطلق على كلا هذين المعنيين، كما صرّح بذلك المحقق التفتازاني في حاشية العضدي. وأنّ معنى قولنا إدراك أنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة ادراك أنّ النسبة الثبوتية واقعة في نفس الأمر أو ليست بواقعة فيها. ثم هذا التقرير على مذهب من يقول إنّ الحكم ليس من مقولة الفعل. وأما من يقول بأنّ الحكم من مقولة الفعل كالإمام الرازي والمتأخرين من المنطقيين فالمناسب عندهم في تفسير الحكم بإسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا أن يقال إنّ الإسناد لغة بمعنى تكيه دادن چيزي به چيزى،- إضافة شيء إلى شيء- وفي العرف ضم أمر إلى آخر، بحيث يفيد فائدة تامّة. وقد يطلق بمعنى مطلق النسبة. فعلى الأول قولنا إيجابا أو سلبا بيان لنوعه، وعلى الثاني يفيد لإخراج ما سوى النسبة الخبرية، والإيجاب لازم كردن والسلب ربودن كما في الصراح. وبالجملة فالمناسب على هذا أن يفسّر الإسناد والإيجاب والسلب بمعان منبئة عن كون الحكم فعلا. ولا يراد بالضم وبالنسبة التعلّق بين الطرفين وبالإيجاب والسلب الوقوع [فعلا] واللاوقوع، إذ لو أريد ذلك لم يبق الحكم فعلا، وعلى هذا القياس قولنا الحكم هو الإيجاب والسّلب أو الإيقاع والانتزاع أو النفي والإثبات فإنها مفسّرة بالمعاني اللغوية المنبئة عن كون الحكم فعلا.
فالحكم على هذا إمّا جزء من التصديق كما ذهب إليه الإمام أو شرط له كما هو مذهب المتأخرين من المنطقيين، ويجيء في لفظ التصديق زيادة تحقيق لهذا.
ومنها نفس النسبة الحكمية على ما صرّح به الچلپي في حاشية الخيالي بعد التصريح بالمعنى الأول. وهذا المعنى إنّما يكون مغايرا للأول عند المتأخرين الذاهبين إلى أنّ أجزاء القضية أربعة: المحكوم عليه وبه ونسبة تقييدية مسمّاة بالنسبة الحكمية ووقوع تلك النسبة أولا وقوعها الذي إدراكه هو المسمّى بالتصديق.
وأما عند المتقدمين الذاهبين إلى أنّ أجزاء القضية ثلاثة: المحكوم عليه وبه والنسبة التامة الخبرية التي إدراكها تصديق فلا يكون مغايرا للمعنى الأول، لما عرفت من أنّ النسبة الحكمية ليست أمرا مغايرا للنسبة الخبرية.
ومنها إدراك تلك النسبة الحكمية
ومنها إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها المسمّى بالتصديق، وهذا مصطلح المنطقيين والحكماء وقد صرّح بكلا هذين المعنيين الچلپي أيضا في حاشية الخيالي. والتغاير بين هذين المعنيين أيضا إنما يتصوّر على مذهب المتأخرين. قالوا الفرق بين إدراك النسبة الحكمية وإدراك وقوعها أولا وقوعها المسمّى بالحكم هو أنّه ربّما يحصل إدراك النسبة الحكمية بدون الحكم، فإنّ المتشكّك في النسبة الحكمية متردّد بين وقوعها ولا وقوعها، فقد حصل له إدراك النسبة قطعا ولم يحصل له إدراك الوقوع واللاوقوع المسمّى بالحكم فهما متغايران قطعا. وأجيب بأنّ التردّد لا يتقوم حقيقة ما لم يتعلّق بالوقوع أو اللاوقوع فالمدرك في الصورتين واحد والتفاوت في الإدراك بأنّه إذعاني أو تردّدي. وبالجملة فيتعلّق بهذا المدرك علمان علم تصوّري من حيث إنّه نسبة بينهما وعلم تصديقي باعتبار مطابقته للنسبة التي بينهما في نفس الأمر، وعدم مطابقته إياها على ما مرّت الإشارة إليه في المعنى الأول. وأما على مذهب القدماء فلا فرق بين العبارتين إلّا بالتعبير. فمعنى قولنا إدراك النسبة وإدراك الوقوع واللاوقوع على مذهبهم واحد إذ ليس نسبة سوى الوقوع واللاوقوع، وهي النسبة التامة الخبرية. وأمّا النسبة التقييدية الحكمية المغايرة لها فممّا لا ثبوت له كما عرفت. فعلى هذا إضافة الوقوع واللاوقوع إلى النسبة بيانية. لكنّ هذا الإدراك نوعان: إذعاني وهو المسمّى عندهم بالحكم المرادف للتصديق وغير إذعاني وتسميته بالحكم عندهم محتمل غير معلوم، ويؤيد هذا ما ذكر السيّد السّند والمولوي عبد الحكيم في حواشي شرح الشمسية. وحاصله أنّ معنى قولنا إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها ليس أن يدرك معنى الوقوع أو اللاوقوع مضافا إلى النسبة، فإنّ إدراكهما بهذا المعنى ليس حكما بل هو إدراك مركّب تقييدي من قبيل الإضافة، بل معناه أن يدرك أنّ النسبة واقعة ويسمّى هذا الإدراك حكما إيجابيا، أو أن يدرك أنّ النسبة ليست بواقعة ويسمّى هذا الإدراك حكما سلبيا، أعني معناه أن يدرك أنّ النسبة المدركة بين الطرفين أي المحكوم عليه والمحكوم به واقعة بينهما في حدّ ذاتها مع قطع النظر عن إدراكنا إيّاها أو ليست بواقعة كذلك، وهو الإذعان بمطابقة النسبة الذهنية لما في نفس الأمر أو في الخارج، أعني للنسبة مع قطع النظر عن إدراك المدرك بل من حيث إنها مستفادة من البداهة أو الحسّ أو النظر. فمآل قولنا إنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة.
وقولنا إنّها مطابقة واحدة والمراد به الحالة الإجمالية التي يقال لها الإذعان والتسليم المعبّر عنه بالفارسية بگرويدن لا إدراك هذه القضية، فإنّه تصوّر تعلّق بما يتعلّق به التصديق يوجد في صورة التخييل والوهم ضرورة أنّ المدرك في جانب الوهم هو الوقوع واللاوقوع، إلّا أنّها ليست على وجه الإذعان والتسليم فظهر فساد ما توهّمه البعض من أنّ الشكّ والوهم من أنواع التصديق، ولا التفصيل المستفاد من ظاهر اللفظ لأنّه خلاف الوجدان، ولاستلزامه ترتّب تصديقات غير متناهية. فقد ظهر أنّ الحكم إدراك متعلّق بالنسبة التامة الخبرية فإنّها لمّا كانت مشعرة بنسبة خارجية كان إدراكها على وجهين من حيث إنّها متعلّقة بالطرفين رابطة بينهما كما في صورة الشكّ مثلا. ومن حيث إنّها كذلك في نفس الأمر كما في صورة الإذعان. وهذا هو الحكم والتصديق.
وإنما قيل كون الحكم بمعنى إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها يشعر بأنّ المراد بالنسبة النسبة الحكمية لا النسبة التامة الخبرية لأنّ الحكم على تقدير كونها تامة هو إدراك نفسها ليس بشيء عند التحقيق، وإنّ أجزاء القضية ثلاثة المحكوم عليه وبه والنسبة التامة الخبرية وهي نسبة واحدة هي اتحاد المحمول بالموضوع، أو عدم اتحاده به، وهو الحقّ عند المحققين، لا كما ذهب إليه المتأخرون من أنّ أجزاءها أربعة: المحكوم عليه وبه والنسبة الحكمية ووقوعها أولا وقوعها وأنّ الاختلاف بين التصوّر والتصديق بحسب الذات والمتعلّق، فإنّ التصوّر لا يتعلّق عندهم به التصديق، فالتصديق عندهم إدراك متعلّق بوقوع النسبة أولا وقوعها والتصوّر إدراك متعلّق بغير ذلك. والحق عند المحققين أنّ التصوّر يتعلّق بما يتعلّق به التصديق أيضا، فلا امتياز بين التصور والتصديق إلّا بحسب الذات واللوازم كاحتمال الصدق والكذب دون المتعلق.
واعلم أنّه ذكر السّيد الشريف أنّه يجوز أن يفسّر الحكم بالتصديق فقط وأن يفسّر بالتصديق والتكذيب، وهذا بناء على أنّ إذعان أنّ النسبة ليست بواقعة إذعان بأنّ النسبة السلبية واقعة.
فعلى هذا يجوز أن يعرف الحكم بإدراك الوقوع فقط وأن يعرف بإدراك الوقوع واللاوقوع معا.
التقسيم
الحكم سواء أخذ بمعنى التصديق أو بمعنى النسبة الخبرية ينقسم إلى شرعي وغير شرعي. فالشرعي ما يؤخذ من الشرع بشرط أن لا يخالف القطعيات بالنسبة إلى فهم الآخذ سواء كان مما يتوقف على الشرع بأن لا يدرك لولا خطاب الشارع كوجوب الصلاة، أو لم يكن كوجوده تعالى وتوحيده، وهو ينقسم إلى ما لا يتعلّق بكيفية عمل ويسمّى أصليا واعتقاديا وإلى ما يتعلّق بها ويسمّى عمليا وفرعيا، وغير الشرعي ما لا يؤخذ من الشرع كالأحكام العقلية المأخوذة من مجرّد العقل، والاصطلاحية المأخوذة من الاصطلاح. وأكثر ما ذكرنا هو خلاصة ما ذكره المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي في الخطبة وحاشية شرح الشمسية.
ومنها المحكوم عليه.
ومنها المحكوم به. قال الچلپي في حاشية المطول في بحث التأكيد: إطلاق الحكم على المحكوم به متعارف عند النحاة كإطلاقه على المحكوم عليه انتهى. وهكذا ذكر السيّد الشريف في حاشية المطول.
ومنها نفس القضية على ما ذكر الچلپي أيضا في حاشية الخيالي، وهذا كما يطلق التصديق على القضية.
ومنها القضاء كما يجيء في لفظ الديانة.

وما ذكره الغزالي حيث قال: الحكم والقضاء والقدر: هو توجّه الأسباب لجانب المسبّبات هو الحكم المطلق. وهو سبحانه وتعالى مسبب لجميع الأسباب المجمل منه والمفصّل، وعن الحكم يتفرع القضاء والقدر. فإذن: التدبير الإلهي هو أصل لوضع الأسباب لكي تتوجه نحو مسبّبات وهو الحكم الإلهي. وقيام الأسباب الكلية وظهورها مثل الأرض والسّماء والكواكب والحركات المتناسبة لها وغير ذلك مما لا يتغيّر ولا يتبدّل حتى يحين وقتها فذلك هو القضاء. ثم توجّه الأسباب هذه للأحوال والحركات المتناسبة والمحدودة والمقدّرة لجانب الأسباب، وحددت ذلك لحظة بلحظة فهو القدر.

إذن فالحكم: هو التدبير الأزلي كله وأمره كلمح البصر. والقضاء: وضع كلّ الأسباب الكلية الدائمة.

والقدر: هو توجيه هذه الأسباب الكلية لمسبباتها المعدودة بعدد معين فلا تزيد ولا تنقص. وكذا ذكر المولوي عبد الحق المحدّث في ترجمة المشكاة في باب الإيمان بالقدر.
ومنها خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين. هكذا نقل عن الأشعري. وهذا المعنى مصطلحات الأصوليين.
والخطاب في اللغة توجيه الكلام نحو الغير ثم نقل إلى الكلام الذي يقع به التخاطب، وبإضافته إلى الله تعالى خرج خطاب من سواه إذ لا حكم إلّا حكمه ووجوب طاعة النبي عليه السلام وأولي الأمر والسيّد إنّما هو بإيجاب الله تعالى إياها. والمراد بالخطاب هاهنا ليس المعنى اللغوي، اللهم إلّا أن يراد بالحكم المعنى المصدري، بل المراد به المعنى المنقول من الكلام المذكور لكن لا مطلقا بل الكلام النفسي، لأنّ اللفظي ليس بحكم بل دال عليه سواء أريد بالكلام الذي يقع به التخاطب الكلام الذي من شأنه التخاطب فيكون الكلام خطابا به أزليا كما هو رأي الأشعري من قدم الحكم والخطاب بناء على أزلية تعلّقات الكلام وتنوعه في الأزل أمرا أو نهيا أو غيرهما، أو أريد به معناه الظاهر المتبادر أي الكلام الذي يقع به التخاطب بالفعل، وهو الكلام الذي قصد منه إفهام من هو متهيئ لفهمه كما ذهب إليه ابن القطّان من أنّ الحكم والخطاب حادثان بناء على حدوث تعلّقات الكلام وعدم تنوّعه في الأزل، وهذا معنى ما قال إنّ الحكم والخطاب حادثان بل جميع أقسام الكلام مع قدمه فهو لا يسمّى الكلام في الأزل خطابا. ومعنى تعلقه بأفعال المكلّفين تعلّقه بفعل من أفعالهم لا بجميع أفعالهم على ما يوهم إضافة الجمع من الاستغراق، وإلّا لم يوجد حكم أصلا إذ لا خطاب يتعلّق بجميع الأفعال فيشمل خواص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا كإباحة ما فوق الأربع من النساء.
لا يقال إذا كان المراد بالخطاب الكلام النفسي ولا شكّ أنّه صفة واحدة فيتحقّق خطاب واحد متعلّق بجميع الأفعال لأنّا نقول الكلام وإن كانت صفة واحدة لكن ليس خطابا إلّا باعتبار تعلّقه، وهو متعدّد بحسب المتعلّقات، فلا يكون خطاب واحد متعلقا بالجميع، وخرج بقوله المتعلّق بأفعال المكلّفين الخطابات المتعلّقة بأحوال ذاته وصفاته وتنزيهاته وغير ذلك ممّا ليس بفعل المكلّف كالقصص. واعترض على الحدّ بأنه غير مانع إذ يدخل فيه القصص المبينة لأفعال المكلّفين وأحوالهم والأخبار المتعلّقة بأعمالهم كقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ مع أنّها ليست أحكاما.
وأجيب بأنّ الحيثية معتبرة في الحدود، فالمعنى الحكم خطاب الله متعلّق بفعل المكلّفين من حيث هو فعل المكلّف وليس تعلّق الخطاب بالأفعال في صور النقض من حيث إنّها أفعال المكلّفين هذا لكن اعتبار حيثية التكليف فيما يتعلّق به خطاب الإباحة بل الندب والكراهة موضع تأمّل. ولذا أراد البعض في الحدّ قولنا بالاقتضاء أو التخيير للاحتراز عن الأمور المذكورة وكلمة أو لتقسيم المحدود دون الحدّ.
ومعنى الاقتضاء الطلب. وهو إمّا طلب الفعل مع المنع عن الترك وهو الإيجاب، أو طلب الترك مع المنع عن الفعل وهو التحريم، أو طلب الفعل بدون المنع عن الترك وهو الندب، أو طلب الترك بدون المنع عن الفعل وهو الكراهة. ومعنى التخيير عدم طلب الفعل والترك وهو الإباحة.
إن قيل إذا كان الخطاب متعلّقا بأفعال المكلّفين في الأزل كما هو رأي الأشعري يلزم طلب الفعل والترك من المعدوم وهو سفه. قلت السفه إنّما هو طلب الفعل أو الترك عن المعدوم حال عدمه. وأمّا طلبه منه على تقدير وجوده فلا، كما إذا قدّر الرجل ابنا فأمره بطلب العلم حين الوجود لكن بقي أنّه يلزم خروج الخطاب الوضعي من الحدّ، مع أنّه حكم فإنّ الخطاب نوعان: تكليفي وهو المتعلّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، والتخيير، ووضعي وهو الخطاب باختصاص شيء بشيء وذلك على ثلاثة أقسام:
سببي كالخطاب بأنّ هذا سبب لذلك كالدلوك للصلاة، وشرطي كالخطاب بأنّ هذا شرط لذلك كالطهارة للصلاة، ومانعي أي هذا مانع لذلك كالنجاسة للصلاة. فأجاب البعض عنه بأنّ خطاب الوضع ليس بحكم، وإن جعلها غيرنا حكما إذ لا مشاحة في الاصطلاح ولو سلّم أنّه حكم فلا نسلّم خروجه عن الحدّ إذ المراد من الاقتضاء والتخيير أعمّ من التصريحي والضمني، والخطاب الوضعي من قبيل الضمني إذ معنى سببية الدلوك وجوب الصلاة عند الدلوك.
ومعنى شرطية الطهارة وجوبها في الصلاة أو حرمة الصلاة بدونها. ومعنى مانعية النجاسة حرمة الصلاة معها أو وجوب إزالتها حالة الصلاة، وكذا في جميع الأسباب والشروط والموانع. وبعضهم زاد قيدا في التعريف ليشتمله، فقال بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، أي وضع الشارع وجعله. فإن قلت الحكم يتناول القياس المحتمل للخطأ فكيف ينسب إلى الله تعالى؟ قلت الحاكم في المسألة الاجتهادية هو الله تعالى إلّا أنه لم يحكم إلّا بالصواب.
فالحكم المنسوب إليه هو الحق الذي لا يحوم حوله الباطل، وما وقع من الخطأ للمجتهد فليس بحكم حقيقة بل ظاهرا وهو معذور في ذلك.
قال صدر الشريعة بعضهم عرّف الحكم الشرعي بهذا التعريف المذكور، فإذا كان هذا التعريف للحكم فمعنى الشرعي ما يتوقّف على الشرع فيكون قيدا مخرجا لوجوب الإيمان ونحوه. وإذا كان تعريفا للحكم الشرعي فمعنى الشرعي ما ورد به خطاب الشارع لا ما يتوقّف على الشرع، وإلّا لكان الحدّ أعمّ من المحدود لتناوله مثل وجوب الإيمان. ومعنى الحكم في قولنا الحكم الشرعي على هذا إسناد أمر إلى آخر، وإلّا لزم تكرار قيد الشرعي. وقال الآمدي الحكم خطاب الشارع لفائدة شرعية. قيل إن فسّر الآمدي الفائدة الشرعية بمتعلّق الحكم فدور، ولو سلّم أن لا دور فلا دليل عليه في اللفظ. وإن فسّرها بما لا تكون حسّية ولا عقلية على ما يشعر به كلامه حيث قال: هذا القيد احتراز عن خطابه بما لا يفيد فائدة شرعية كالإخبار عن المحسوسات والمعقولات، وردّ على طرد الحدّ إخبار الشارع بالمغيبات كقوله تعالى: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فزيد قيد يختصّ به ليخرج ما أورد عليه إذ لا تحصل تلك الفائدة إلّا بالاطلاع على الخطاب لأنّ فائدة الإخبار عن المغيّبات قد يطّلع عليها لا من خطاب الشرع، إذ لكل خبر مدلول خارجي قد يعلم وقوعه بطريق آخر كالإحساس في المحسوسات والضرورة، والاستدلال في المعقولات والإلهام، مثلا في المغيبات فإن للخبر لفظا ومعنى ثابتا في نفس الــمتكلم يدلّ عليه اللفظ فيرتسم في نفس السامع، هو مفهوم الطرفين والحكم، ومتعلقا لذلك المعنى هو النسبة المتحققة في نفس الأمر بين الطرفين يشعر اللفظ بوقوعه في الخارج. لكن الإشعار بوقوعه لا يستلزم وقوعه بل قد يكون واقعا فيكون الخبر صادقا وقد لا يكون فيكون كاذبا، بخلاف الحكم بالمعنى المذكور فإنّه إنشاء والإنشاء له لفظ ومعنى يدلّ عليه لكن ليس لمعناه متعلّق يقصد الإشعار والإعلام به، بل إنّما يقصد به الإشعار بنفس ذلك المعنى الثابت في النفس كالطّلب مثلا في الإنشاءات الطلبية.
ومثل هذا المعنى لا يعلم إلّا باللفظ توقيفا، أي بطريق جعل السامع واقفا على ثبوته في النفس، فيختصّ بالخطاب الدال عليه. فمثل قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ إن قصد به الإعلام بنسبة واقعة سابقة كان خبرا فلا يكون حكما بالمعنى المذكور، وإن قصد به الإعلام بالطلب القائم بالنفس كان إنشاء فيكون حكما. قيل هاهنا دور إذ معرفة الخطاب المفيدة فائدة مختصّة به موقوفة على تصوّر الفائدة المختصّة ضرورة توقّف الكلام على تصوّر أجزائه، وهي متوقّفة على الخطاب فيلزم الدور. قيل جوابه أنّ المتوقّف على الخطاب حصول الفائدة، وما توقّف عليه الخطاب تصوّرها وحصول الشيء غير تصوّره فلا دور. قيل لا حاجة إلى زيادة القيد بل الحدّ مطّرد ومنعكس لا غبار عليه وذلك بأن تفسّر الفائدة الشرعية بتحصيل ما هو حصولها بخطاب الشارع دون ما هو حاصل في نفسه ولو في المستقبل، ورد به خطاب الشرع أم لا، لكنه يعلم بخطابه كالمغيّبات، فإنّ الإخبار عنها لا يحصلها بل يفيد العلم بها.
لكن بقي بعد شيء وهو أنّ مثل قوله تعالى فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ونِعْمَ الْعَبْدُ يدخل في الحدّ وليس بحكم.
ومنها الأثر الثابت بالشيء كما وقع في الهادية حاشية الكافية في بحث المعرب. وفي العارفية حاشية شرح الوقاية في بيان الوضوء كون الحكم بمعنى الأثر الثابت بالشيء إنما هو من أوضاع الفقهاء واصطلاحات المتأخرين انتهى. وفي التوضيح يطلقون الحكم على ما ثبت بالخطاب كالوجوب والحرمة مجازا بطريق إطلاق اسم المصدر على المفعول كالخلق على المخلوق. لكن لما شاع فيه صار منقولا اصطلاحيا وهو حقيقة اصطلاحية انتهى.
وحاصل هذا أنّ الحكم عند الفقهاء هو أثر خطاب الشارع.
ومنها الأثر المترتّب على العقود والفسوخ كملك الرقبة أو المتعة أو المنفعة المترتّب على فعل المكلّف وهو الشراء. وفي التلويح في باب الحكم إطلاق الحكم في الشرع على خطاب الشارع وعلى الأثر المترتّب على العقود والفسوخ إنّما هو بطريق الاشتراك انتهى. فعلم من هذا أنّ إطلاق الحكم على الأثر الثابت بالشيء ليس من أوضاع الفقهاء كما ذكره صاحب العارفية، اللهم إلّا أن يراد بالشيء خطاب الشارع أو العقود والفسوخ. نعم إطلاقه بهذا المعنى شائع في عرفهم وعرف غيرهم.
قال المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية: تفسير الحكم بالأثر المترتّب على الشيء مما أتى به أقوام بعد أقوام وإن لم أعثر على مأخذه في أفانين الكلام انتهى.
ومنها الخاصة كما وقع في الحاشية الهندية في بحث المعرب. قال في الهادية هذا من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم لأنّ حكم الشيء أي أثره لا يكون إلّا مختصا به ضرورة استحالة توارد المؤثّرين على أثر واحد.
تقسيم
ما يطلق عليه لفظ الحكم شرعا على ما اختاره صدر الشريعة في التوضيح هو ما حاصله أنّ الحكم إمّا حكم بتعلّق شيء بشيء أو لا. فإن لم يكن فالحكم إمّا صفة لفعل المكلّف أو أثر له. فإن كان أثرا كالملك فلا بحث هاهنا عنه، وإن كان صفة فالمعتبر فيه اعتبارا أوليا إمّا المقاصد الدنيوية أو الأخروية.
فالأول ينقسم الفعل بالنظر إليه تارة إلى صحيح وباطل وفاسد وتارة إلى منعقد وغير منعقد، وتارة إلى نافذ وغير نافذ، وتارة إلى لازم وغير لازم، والثاني إمّا أصلي أو غير أصلي.
فالأصلي إمّا أن يكون الفعل أولى من الترك أو الترك أولى من الفعل، أو لا يكون أحدهما أولى. فالأوّل إن كان مع منع الترك بدليل قطعي ففرض أو بظني فواجب، وإلّا فإن كان الفعل طريقة مسلوكة في الدين فسنة، وإلّا فندب. والثاني إن كان مع منع الفعل فحرام وإلّا فمكروه. والثالث مباح وغير الأصلي رخصة. وإن كان حكما بتعلّق شيء بشيء فالمتعلّق إن كان داخلا فركن، وإلّا فإن كان مؤثّرا فيه فعلّة، وإلّا فإن كان موصلا إليه في الجملة فسبب، وإلّا فإن توقّف الشيء عليه فشرط، وإلّا فعلامة. وإنّما قلنا هذا تقسيم ما يطلق عليه لفظ الحكم شرعا إذ لو أريد بالحكم خطاب الشارع أو أثره لا يشمل الحكم نحو الملك لأنّ الملك إنّما ثبت بفعل المكلّف لا الخطاب. فالمقصود هاهنا بيان أقسام ما يطلق عليه لفظ الحكم في الشرع. فإنّ التحقيق أنّ إطلاق الحكم على خطاب الشرع وعلى أثره وعلى الأثر المترتّب على العقود والفسوخ إنّما هو بطريق الاشتراك، هكذا ذكر في التلويح في باب الحكم. ومثل هذا تقسيمهم العلّة إلى سبعة أقسام كما يجيء في محله.
اعلم أنّ أفعال المكلّف اثنا عشر قسما لأنّ ما يأتي به المكلّف إن تساوى فعله وتركه فمباح، وإلّا فإن كان فعله أولى فمع المنع عن الترك واجب وبدونه مندوب. وإن كان تركه أولى فمع المنع عن الفعل بدليل قطعي حرام وبدليل ظنّي مكروه كراهة التحريم، وبدون المنع عن الفعل مكروه كراهة التنزيه، هذا على رأي محمد. وأمّا على رأيهما فهو أنّ ما يكون تركه أولى من فعله فهو مع المنع عن الفعل حرام، وبدونه مكروه كراهة التنزيه إن كان إلى الحلّ أقرب، بمعنى أنّه لا يعاقب فاعله لكن يثاب تاركه أدنى ثواب، ومكروه كراهة التحريم إن كان إلى الحرام أقرب، بمعنى أنّ فاعله يستحق محذورا دون العقوبة بالنار. ثم المراد بالواجب ما يشمل الفرض أيضا لأنّ استعماله بهذا المعنى شائع عندهم كقولهم الزكاة واجبة والحج واجب، بخلاف إطلاق الحرام على المكروه تحريما فإنه ليس بشائع. والمراد بالمندوب ما يشمل السّنة الغير المؤكّدة والنفل.
وأمّا السّنة المؤكّدة فهي داخلة في الواجب على الأصح، فصارت الأقسام ستة، ولكلّ منها طرفان، فعل أي الإيقاع، وترك أي عدم الفعل، فيصير اثنا عشر قسما، هكذا في التلويح وحواشيه.
خاتمة
قد عرفت أنّ الحكم عند الأصوليين هو نفس خطاب الله تعالى. فالإيجاب هو نفس معنى قوله افعل وهو قائم بذاته سبحانه، وليس للفعل من الإيجاب المتعلّق به صفة حقيقية قائمة به تسمّى وجوبا. فإنّ القول لفظيا كان أو نفسيا ليس لمتعلّقه منه صفة حقيقية، أي لا يحصل لما يتعلّق به القول بسبب تعلّقه به صفة موجودة لأنّ القول يتعلّق بالمعدوم كما يتعلّق بالموجود. فلو اقتضى تعلّقه تلك الصفة لكان المعدوم متصفا بصفة حقيقية، وهو أي معنى قوله افعل إذ أنسب إلى الحاكم تعالى لقيامه به يسمّى إيجابا، وإذا نسب إلى ما فيه الحكم وهو الفعل لتعلّقه به يسمّى وجوبا، فالإيجاب والوجوب متّحدان بالذات لأنّهما ذلك المعنى القائم بذاته تعالى المتعلّق بالفعل مختلفان بالاعتبار لأنّه باعتبار القيام إيجاب وباعتبار التعلّق وجوب، وكذا الحال في التحريم والحرمة وترتّب الوجوب على الإيجاب بأن يقال أوجب الفعل، فوجب مبني على التغاير الاعتباري، فلا ينافي الاتّحاد الذاتي. وهذا كما قيل التعليم والتعلّم واحد بالذات واثنان بالاعتبار لأنّ شيئا واحدا وهو إسباق ما إلى اكتساب مجهول بمعلوم يسمّى بالقياس إلى الذي يحصل فيه تعلّما، وبالقياس إلى الذي يحصل منه تعليما، كالتّحرّك والتّحريك. فلذلك الاتحاد ترى الأصوليين يجعلون أقسام الحكم الوجوب والحرمة تارة والإيجاب والتحريم أخرى ومرة الوجوب والتحريم. قيل ما ذكرتم إنما يدلّ على أنّ الفعل من حيث تعلّق به القول لم يتصف بصفة حقيقية يسمّى وجوبا، لكن لم لا يجوز أن يكون صفة اعتبارية هي المسمّاة بالوجوب، أعني كونه حيث تعلّق به الإيجاب، بل هذا هو الظاهر، فيكون كلّ من الموجب والواجب متصفا بما هو قائم به. ولا شكّ أنّ القائم بالفعل ما ذكرناه لا نفس القول، وإن كانت هناك نسبة قيام باعتبار التعلّق. ولو ثبت أنّ الوجوب صفة حقيقية لتمّ المراد إذ ليس هناك صفة حقيقية سوى ما ذكر إلّا أنّ الكلام في ذلك.
واعلم أنّ النزاع لفظي إذ لا شكّ في خطاب نفساني قائم بذاته تعالى متعلّق بالفعل يسمّى إيجابا مثلا، وفي أنّ الفعل بحيث يتعلّق به ذلك الخطاب الإيجابي يسمّى وجوبا. فلفظ الوجوب إن أطلق على ذلك الخطاب من حيث تعلقه بالفعل كان الأمر على ما سبق، ولا يلزم المسامحة في وصف الفعل حينئذ بالوجوب، وإن أطلق على كون الفعل تعلّق به ذلك الخطاب لم يتحدا بالذات، وتلزم المسامحة في عباراتهم حيث أطلق أحدهما على الآخر. هذا كله خلاصة ما في العضدي وحواشيه. 

الْكِنَايَة

(الْكِنَايَة) (فِي علم الْبَيَان) لفظ أُرِيد بِهِ لَازم مَعْنَاهُ مَعَ جَوَاز إِرَادَة الْمَعْنى الْأَصْلِيّ لعدم وجود قرينَة مَانِعَة من إِرَادَته وَهِي أَنْوَاع
1 - كِنَايَة عَن مَوْصُوف نَحْو أمة الدولار أمريكا الناطقين بالضاد الْعَرَب أَو الْــمُتَكَلِّمــين بِالْعَرَبِيَّةِ
2 - كِنَايَة عَن صفة نَحْو نظافة الْيَد الْعِفَّة وَالْأَمَانَة
3 - كِنَايَة عَن نِسْبَة صفة لموصوف نَحْو الذكاء ملْء عين هَذَا الرجل فَكل من الصّفة (الذكاء) والموصوف (الرجل) مَذْكُور وَالْمرَاد أَن الرجل يَتَّصِف بِصفة الذكاء
الْكِنَايَة: عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان تطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا: الْمَعْنى المصدري الَّذِي هُوَ فعل الْــمُتَكَلّم أَعنِي ذكر اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم مَعَ جَوَاز إِرَادَة اللَّازِم أَيْضا فاللفظ يكنى بِهِ وَالْمعْنَى مكنى عَنهُ. وَالثَّانِي: اللَّفْظ الَّذِي أُرِيد لَازم مَعْنَاهُ مَعَ جَوَاز إِرَادَة ذَلِك الْمَعْنى مَعَ لَازمه كَلَفْظِ طَوِيل النجاد وَالْمرَاد بِهِ لَازم مَعْنَاهُ أَعنِي طَوِيل الْقَامَة مَعَ جَوَاز أَن يُرَاد بِهِ حَقِيقَة طول النجاد أَيْضا وَمثل فلَان كثير الرماد وجبان الْكَلْب ومهزول الفصيل أَي كثير الضَّيْف. وَقد عرفت الْفرق بَين الْمجَاز وَالْكِنَايَة فِي الْمجَاز بِأَنَّهُ لَا بُد فِي الْمجَاز من قرينَة مَانِعَة عَن إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ بِخِلَاف الْكِنَايَة فَإِنَّهُ لَا يجوز فِي قَوْلنَا رَأَيْت أسدا يَرْمِي مثلا أَن يُرَاد بالأسد الْحَيَوَان المفترس. وَيجوز فِي طَوِيل النجاد أَن يُرَاد لَازم مَعْنَاهُ أَعنِي طَوِيل الْقَامَة مَعَ إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ أَعنِي طول النجاد.
والسكاكي فرق بَين الْكِنَايَة وَالْمجَاز بِأَن الِانْتِقَال فِي الْكِنَايَة يكون من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم كالانتقال من طول النجاد الَّذِي هُوَ لَازم لطول الْقَامَة إِلَيْهِ والانتقال فِي الْمجَاز يكون من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم كالانتقال من الْغَيْث الَّذِي هُوَ ملزوم النبت إِلَى النبت وَمن الْأسد الَّذِي هُوَ ملزوم الشجاع إِلَى الشجاع. وَهَذَا الْفرق يَنْبَغِي أَن يوضع على الْفرق تَحت الْمِيزَاب حَتَّى يحصل لَهُ الْفرق لِأَن اللَّازِم مَا لم يكن ملزوما لم ينْتَقل مِنْهُ لِأَن اللَّازِم من حَيْثُ إِنَّه لَازم يجوز أَن يكون أَعم من الْمَلْزُوم وَلَا دلَالَة للعام على الْخَاص بل إِنَّمَا يكون ذَلِك على تَقْدِير تلازمهما وتساويهما وَإِذا كَانَ اللَّازِم ملزوما يكون الِانْتِقَال من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم كَمَا فِي الْمجَاز فَلَا يتَحَقَّق الْفرق. والسكاكي قد اعْترف بِأَنَّهُ مَا لم تكن الْمُسَاوَاة بَين اللَّازِم والملزوم أَي الْمُلَازمَة لَا يُمكن الِانْتِقَال والانتقال حِينَئِذٍ من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم يكون بِمَنْزِلَة الِانْتِقَال من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْكِنَايَة كل مَا استتر المُرَاد مِنْهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ ظَاهرا فِي اللُّغَة سَوَاء كَانَ المُرَاد مِنْهُ الْحَقِيقَة أَو الْمجَاز فَيكون تردد فِيمَا أُرِيد بِهِ فَلَا بُد من النِّيَّة أَو مَا يقوم مقَامهَا من دلَالَة الْحَال كَحال مذاكرة الطَّلَاق ليزول التَّرَدُّد وَيتَعَيَّن المُرَاد.
وَاعْلَم أَن كنايات الطَّلَاق مثل أَنْت بَائِن أَنْت حرَام يُطلق عَلَيْهَا لفظ الْكِنَايَة مجَازًا لَا حَقِيقَة فَإِن حَقِيقَة الْكِنَايَة مَا استتر المُرَاد بِهِ ومعاني هَذِه الْأَلْفَاظ ظَاهِرَة غير مستترة لَكِنَّهَا شابهت الْكِنَايَة من جِهَة الْإِبْهَام فِيمَا يتَعَلَّق بمعانيها فَإِن الْبَائِن مثلا مَعْنَاهُ ظَاهر غير مستتر وَهُوَ الْبَيْنُونَة لَكِنَّهَا مُبْهمَة من حَيْثُ متعلقها فَإِنَّهُ لَا يعلم أَن الْبَيْنُونَة إِمَّا عَن النِّكَاح أَو غَيره فَالنِّكَاح وَغَيره من متعلقات الْبَيْنُونَة. وَالْكِنَايَة عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان هِيَ أَن يعبر عَن شَيْء لفظا كَانَ أَو معنى بِلَفْظ غير صَرِيح فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ لغَرَض من الْأَغْرَاض كالإبهام على السَّامع نَحْو جَاءَنِي فلَان أَو لنَوْع فصاحة نَحْو فلَان كثير الرماد انْتهى.

الِابْتِدَاء بالساكن محَال

الِابْتِدَاء بالساكن محَال: كَمَا هُوَ الْمَشْهُور لِأَن الْحَرْف الْمَنْطُوق بِهِ إِمَّا مُعْتَمد على حركته كباء بكرا وعَلى حَرَكَة مجاورة كميم عَمْرو أَو على لين قبله يجْرِي مجْرى الْحَرَكَة كباء دَابَّة وصاد خويصة فَمَتَى فقد هَذِه الاعتمادات تعذر التَّكَلُّم بِدَلِيل التجربة وَمن أنكر ذَلِك فقد أنكر العيان وكابر المحسوس. وَقد يسْتَدلّ على إِمْكَانه بِأَنَّهُ لَو امْتنع لتوقف التَّلَفُّظ بالحروف على التَّلَفُّظ بالحركة ابْتِدَاء ضَرُورَة تقدم الشَّرْط على الْمَشْرُوط لَكِن التَّلَفُّظ بالحركة مَوْقُوف على التَّلَفُّظ بالحروف ضَرُورَة توقف وجود الْعَارِض على وجود المعروض. وَجَوَابه منع الشّرطِيَّة لجَوَاز أَن يكون الْحَرَكَة لَازِما غير مُتَقَدم للحرف المبتدء بهَا لَا شرطا سَابِقًا هَكَذَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي حَاشِيَة الْكَشَّاف. وَلَكِن فِي كَلَام القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله فِي تَفْسِير بِسم الله إِشَارَة إِلَى جَوَاز الِابْتِدَاء بالساكن فِي كَلَام من بِهِ لكنة حَيْثُ قَالَ لِأَن من دأبهم أَن يبتدؤوا بالمتحرك ويقفوا على السَّاكِن انْتهى. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله قَوْله لِأَن من دأبهم يَعْنِي من طريقتهم أَن يبتدؤوا بالحرف المتحرك لخلوص لغتهم عَن اللكنة وَفِيه إِشَارَة إِلَى جَوَاز الِابْتِدَاء بالساكن. وَإِنَّمَا اختير الْهمزَة من الْحُرُوف الزَّوَائِد لدفع لُزُوم الِابْتِدَاء بالساكن لِأَنَّهَا أقوى الْحُرُوف لِأَن لحروف الْحلق السِّتَّة قُوَّة على سَائِر الْحُرُوف وَمن تِلْكَ الْحُرُوف السِّتَّة للهمزة قُوَّة عَلَيْهَا لِأَنَّهَا من مبدأ الْحلق فَهِيَ أقوى الْحُرُوف والابتداء بالأقوى أولى لقُوَّة الْــمُتَكَلّم فِي الِابْتِدَاء.

الاستدراج

الاستدراج: تلوين المنة بغير خوف الفتنة، وقيل انتشار الذكر بدون خوف المرك، وقيل تعليل برجاء وتأصيل بغير وفاء.
الاستدراج: خد أَي (رافر اموش كردن وبكارخو دناز يدن) وَعند الْــمُتَكَلِّمــين مَا سَيَجِيءُ ذكره فِي الخارق للْعَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الاستدراج:
[في الانكليزية] The supernatural
[ في الفرنسية] Le surnaturel
هو في الشرع أمر خارق للعادة يظهر من يد الكافر أو الفاجر موافقا لدعواه، كذا في مجمع البحرين. وفي الشمائل المحمدية:
الاستدراج هو الخارق الذي يظهر من الكفار وأهل الأهواء والفسّاق. والمشهور هو أنّه أمر خارق للعادة يقع من مدّعي الرسالة. فإن كان موافقا للدعوى والإرادة يسمّى معجزة، وإن كان مخالفا لدعواه وقصده فهو إهانة. كما حصل مع مسيلمة الكذّاب الذي قال له أتباعه: إن محمدا رسول الله قد تفل في بئر فارتفع فيه الماء إلى سطح البئر، فافعل أنت هكذا، ففعل ذلك في بئر، فغار الماء فيه حتى جفّ. وأمّا ما يصدر من غير الأنبياء مقرونا بكمال الإيمان والتقوى والمعرفة والاستقامة فهو ما يقال له كرامة. وما يقع من عوامّ المؤمنين فيسمّى معونة، وأما ذاك الذي يقع من الكفار والفسّاق فهو استدراج.
كذا في مدارج النبوة من الشيخ عبد الحق الدهلوي. وسيأتي في لفظ الخارق.
وعند أهل المعاني هو الكلام المشتمل على إسماع الحق على وجه لا يورث مزيد غضب المخاطب سواء كان فيه تعريض أو لا، ويسمّى أيضا المنصف من الكلام نحو قوله تعالى: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي أي ما لكم أيها الكفرة لا تعبدون الذي خلقكم بدليل قوله: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ففيه تعريض لهم بأنهم على الباطل ولم يصرّح بذلك لئلّا يزيد غضبهم حيث يريد الــمتكلم لهم ما يريد لنفسه، كذا في المطول وحواشيه في بحث إن ولو في باب المسند.

الوضع

الوضع: لغة: جعل اللفظ بإزاء المعنى.

واصطلاحا: تخصيص شيء بشيء متى، أطلق فهم منه الشيء الثاني.

وعند الحكماء: هو هيئة عارضة للشيء بسبب نسبتين: نسبة أجزائه بعضهما إلى بعض، ونسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عنه كالقيام والقعود، فإن كلا منهما هيئة عارضة للشخص بسبب نسبة أعضائه بعضها لبعض، وإلى الأمور الخارجة عنه. والوضع الحسي: ألقاء الشيء المستثقل، ذكره الحرالي. وقال الراغب: والوضع أعم من الحط، ومنه الموضع. والوضيعة: الحطيطة.
الوضع:
[في الانكليزية] Situation ،position ،attitude
[ في الفرنسية] Situation ،position ،attitude
بالفتح وسكون الضاد المعجمة في اللغة وضع شيء في مكان، كما في الصراح. وعند الحكماء يطلق على معان. منها ما هو مقولة من المقولات التسع من الأعراض هي هيئة تعرّض للشيء بسبب نسبة بعض أجزائه إلى بعض منها، وإلى الأمور الخارجة عنه كالقيام والقعود والمراد بالشيء الجسم أي هي هيئة حاصلة للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض بالقرب والبعد والمحاذاة منه وغيرها، وبسبب نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عن ذلك الشيء كوقوع بعضها نحو السماء مثلا وبعضها نحو الأرض، سواء كانت الأجزاء بالفعل أو بالقوة فالوضع هيئة معلولة للنسبتين معا، ولو لم يعتبر في ماهيته نسبة الأجزاء إلى الأمور الخارجية، بل اكتفي فيها بالنسبة فيما بين الأجزاء وحدها لزم أن يكون القيام بعينه الانتكاس لأنّ القائم إذا قلب بحيث لا تتغيّر النسبة فيما بين أجزائه كانت الهيئة معلولة لهذه النسبة وحدها باقية بشخصها، فيكون وضع الانتكاس بعينه وضع القيام. قال شارح حكمة العين: اللازم مما ذكرتم اشتراكهما في معنى الوضع الذي هو جنسهما فجاز أن يفترقا بالفصل الحاصل من النسبة الخارجية. وأجيب بأنّ الجنس والفصل يتحدان وجودا وجعلا، فكيف يتصوّر أنّ حصة من الجنس قارنت فصلا ثم فارقته إلى فصل آخر. ثم إنّهم اتفقوا على أنّ الوضع هيئة بسيطة معلولة للنسبتين وليست مركّبة منهما، إذ النسبة فيما بين الأجزاء وفيما بينها وبين الأمور الخارجية ليس إلّا القرب والبعد والمحاذاة والمجاورة والتماسّ، وليس القيام والقعود نفس تلك النسب ولا مركّبا من الهيئتين الحاصلتين منها إذ لا دليل على وجودهما في القيام مثلا، فضلا عن تركّبه منها فهو هيئة وحدانية معلولة لهما. واعلم أنّ الإمام في المباحث المشرقية عرّف الوضع بأنّه هيئة تحصل للجسم بسبب نسبة بعض أجزائه إلى بعض نسبة تتخالف الأجزاء لأجلها بالقياس إلى تلك الجهات في الموازاة والانحراف، ولا تخالف بين التعريفين وأنّ ظاهر هذا التعريف مشعر بأنّه معلول لنسبة الأجزاء فيما بينها لأنّه قيد فيه النسبة لكونها موجبة لتخالفها بالقياس إلى تلك الجهات وذلك لا يحصل إلّا بعد اعتبار النسبة إلى الأمور الخارجية أيضا، إلّا أنّه في التعريف المشهور جعل معلولا لمجموع النسبتين، وفيما ذكره الإمام معلولا للنسبة المقيّدة، هكذا يستفاد من شرح المواقف وحاشيته لمولانا عبد الحكيم.
ومنها ما هو جزء المقولة وهو هيئة عارضة للشيء بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض.
ومنها كون الشيء بحيث يمكن أن يشار إليه إشارة حسّية، فالنقطة بهذا المعنى ذات وضع دون الوحدة، هكذا في شرح التجريد وشرح حكمة العين. وعند أهل العربية عبارة عن تعيين الشيء للدلالة على شيء والشيء الأول هو الموضوع لفظا كان أو غيره كالخطّ والعقد والنصب والإشارة والهيئة، والشيء الثاني هو المعنى الموضوع له، فهذا تعريف لمطلق الوضع لا لوضع اللفظ صرّح به في الأطول. وأمّا وضع اللفظ فقال السّيّد السّند في حاشية شرح المطالع في بحث الدلالة إنّه مشترك بين معنيين أحدهما تعيين اللفظ للدلالة على المعنى، وعلى هذا ففي المجاز وضع نوعي قطعا إذ لا بدّ من العلاقة المعتبرة نوعها عند الوضع. وأمّا الوضع الشخصي فربّما يثبت في بعض، والثاني تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه أي ليدلّ بنفسه لا بقرينة تنضم إليه، وعلى هذا فلا وضع في المجاز أصلا لا شخصيا ولا نوعيا، لأنّ الواضع لم يعيّن اللفظ للمعنى المجازي بنفسه بل بالقرينة الشخصية أو النوعية، فاستعماله فيه بالمناسبة لا بالوضع بخلاف تعيين المشتقّات كاسم الفاعل ونظائره فهو وضع قطعا لدلالتها على معانيها بأنفسها، لكنه وضع نوعي أي بضابطة كلّية كأن يقال كلّ صيغة فاعل كذا فهو لكذا.

التقسيم:
الوضع على قسمين وضع شخصي ويسمّى أيضا وضعا جزئيا ووضعا عينيا، ووضع نوعي ويسمّى وضعا كلّيا أيضا. فالوضع الشخصي تعيين اللفظ بخصوصه وبعينه للمعنى كما يقال هذا اللفظ موضوع لكذا، والوضع النوعي تعيين اللفظ لا بخصوصه وبعينه للمعنى بل في ضمن القاعدة الكلّية، ولذا وقع في شرح المطالع من أنّه قد يعتبر عموم الوضع في جانب اللفظ ويسمّى حينئذ وضعا نوعيا انتهى. ويؤيّد ما ذكرنا أيضا ما قال الهداد في حاشية الكافية من أنّه لا نعني بالوضع الجزئي سوى وضع اللفظ بشخصه لمعنى كالمضمرات والمبهمات فإنّها وضعت بأشخاصها للإطلاق على المعيّن أيّ معيّن كان، بخلاف ذي اللام فإنّه غير موضوع بشخصه. فنحو الرجل لم يوضع هكذا بشخصه وإنّما وضعت قاعدة كلّية تطلق عليه وعلى أمثاله وهي أنّ ما دخله اللام فهو معرفة فكان وضعه كلّيا لا جزئيا انتهى. قال في التلويح في فصل قصر العام: الوضع النوعي قد يكون بثبوت قاعدة دالّة على أنّ كلّ لفظ يكون بكيفية كذا فهو متعيّن للدلالة بنفسه على معنى مخصوص يفهم منه بواسطة تعيينه له، مثل الحكم بأنّ كلّ اسم آخره ألف أو ياء مفتوح ما قبلها ونون مكسورة فهو لفردين من مدلول ما لحق آخره هذه العلامة، وكلّ اسم غيّر إلى نحو رجال ومسلمين ومسلمات فهو لجمع من مسمّيات ذلك الاسم، وكلّ جمع عرّف باللام فهو لجميع تلك المسمّيات إلى غير ذلك، ومثل هذا من باب الحقيقة بمنزلة الموضوعات الشخصية بأعيانها، بل أكثر الحقائق من هذا القبيل كالمثنى والمصغّر والمنسوب وعامة الأفعال والمشتقات والمركّبات. وبالجملة كلّ ما يكون دلالته على المعنى بهيئته فهو من هذا القبيل. وقد يكون بثبوت قاعدة دالّة على أنّ كلّ لفظ معيّن للدلالة بنفسه على معنى فهو عند القرينة المانعة من إرادة ذلك المعنى متعيّن لما يتعلّق بذلك المعنى تعلّقا خاصا ودال عليه بمعنى أنّه يفهم منه بواسطة القرينة لا بواسطة هذا التعيّن حتى لو لم يثبت من الواضع جواز استعمال اللفظ في المعنى المجازي لكانت دلالته عليه وفهمه منه عند قيام القرينة بحالها، ومثله مجاز لتجاوزه المعنى الأصلي، فالوضع عند الإطلاق يراد به تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه سواء كان ذلك التعيين بأن يفرد اللفظ بعينه بالتعيين أو يدرج في القاعدة الدّالّة على التعيين وهو المراد بالوضع المأخوذ في تعريف الحقيقة والمجاز، ويشتمل الوضع الشخصي والقسم الأول من النوعي انتهى. وبالجملة فالوضع النوعي على قسمين، وأيضا ينقسم إلى وضع لغوي وشرعي وعرفي واصطلاحي وقد سبق في لفظ المجاز.
وأيضا ينقسم الوضع إلى ثلاثة أقسام. قال السّيّد السّند في حاشية شرح مختصر الأصول في بحث الحروف لا بدّ للواضع في الوضع من تصوّر المعنى فإن تصوّر معنى جزئيا وعيّن بإزائه لفظا مخصوصا أو ألفاظا مخصوصة متصوّرة إجمالا أو تفصيلا كان الوضع خاصا لخصوص التصوّر المعتبر فيه أي تصوّر المعنى والموضوع له أيضا خاصا، وإن تصوّر معنى عاما يندرج تحته جزئيات إضافية أو حقيقية فله أن يعيّن لفظا معلوما أو ألفاظا معلومة على أحد الوجهين بإزاء ذلك المعنى العام فيكون الوضع عاما لعموم التصوّر المعتبر فيه والموضوع له أيضا عاما، وله أن يعيّن اللفظ أو الألفاظ بإزاء الخصوصيات المندرجة تحته لأنّها معلومة إجمالا إذا توجّه العقل بذلك المفهوم العام ونحوها، والعلم الإجمالي كاف في الوضع فيكون الوضع عاما لعموم التصوّر المعتبر فيه والموضوع له خاصا. وأمّا عكس هذا أعني بكون الوضع خاصا لخصوص التصوّر المعتبر فيه والموضوع له عاما فلا يتصوّر لأنّ الجزئي ليس وجها من وجوه الكلّي ليتوجّه العقل به إليه فيتصوّره إجمالا، إنّما الأمر بالعكس انتهى.
ومثله ذكر مولانا عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية حيث قال: الوضع الجزئي ما لوحظ فيه الموضوع له الجزئي بعينه ويسمّى وضعا خاصا أيضا والوضع الكلّي ما لوحظ فيه الموضوع له الكلّي بنفسه أو الموضوع له الجزئي بعنوان أعمّ كما يقال لوحظ كلّ مشار إليه يعنون المشار إليه ووضع له بعينه اسم الإشارة ويسمّى وضعا عاما أيضا، فالأول وضع عام لموضوع له عام والثاني وضع عام لموضوع له خاص انتهى.

وقال المحقّق التفتازاني: اعلم أنّ نظر الواضع في وضعه قد يكون إلى خصوص اللفظ بخصوص المعنى كما في الأعلام وقد يكون إلى خصوص اللفظ لعموم المعنى أي للمعنى الكلّي المحتمل للمقولية على الكثرة كوضع رجل حتى يصحّ أن يقال أكرم رجلا، والمراد رجلا ما ولو أريد زيد بخصوصه لم يصح حقيقة. وقد يكون إلى عموم اللفظ لخصوص المعنى بأن لا يلاحظ لفظا بعينه بل أمرا كلّيا يندرج فيه كثير من الألفاظ وذلك في وضع الهيئات بأن يقول صيغة فاعل من كلّ مصدر لمن قام به مدلول ذلك المصدر فيعلم منه أنّ ضاربا لمن قام به الضرب وقاعدا لمن قام به القعود إلى غير ذلك من الخصوصيات، مع أنّه لم يعتبرها ولم يلاحظها على التفصيل. وقد يكون إلى اللفظ بخصوصه فيضعه بملاحظة أمر عام لأفراد ذلك الأمر بخصوصياتها حتى لا يكون الموضوع له هو ذلك الأمر العام بل خصوصياته على التفصيل، إلّا أنّ نظر الواضع عند الوضع يكون إلى ذلك الأمر لا إلى الخصوصيات بمعنى أنّه عين اللفظ لتلك الخصوصيات لكن بملاحظة ذلك الأمر العام كما في تعيين لفظ هذا لهذا الرجل وهذا الفرس إلى غير ذلك مما لا يتناهى بملاحظة أمر كلّي هو مفهوم المشار إليه بالخصوص. ففي القسم الأخير من القسمين الأخيرين خصوص المعنى الشخصي لا يحتمل الكثرة واعتبار خصوص اللفظ في نظر الواضع ضروري بخلاف القسم الأول منهما فإنّ خصوصيات المعاني كلّيات وملاحظة الألفاظ عند الوضع ليست باعتبار خصوصياتها بل باعتبار اندراجها تحت أمر كلّي انتهى كلامه. ففهم من هذا أنّ في الأقسام الأربعة التي ذكرها المحقّق التفتازاني سوى القسم الثالث وضعا شخصيا لاعتبار الخصوص في جانب اللفظ وفي القسم الثالث منهما وضعا نوعيا لاعتبار العموم في جانب اللفظ وأنّ في القسم الأول منها الوضع والموضوع له كليهما خاصان، وفي القسم الثاني كليهما عامان، وفي القسمين الأخيرين الوضع عام والموضوع له خاص إذ عموم الوضع وخصوصه معتبر لعموم تصوّر المعنى عند الوضع وخصوصه عنده وعموم الموضوع له وخصوصه معتبر بعموم المعنى الذي وضع ذلك اللفظ بإزائه وخصوصه يشهد بذلك التأمّل الصادق.

تنبيه:

الوضع الجزئي يطلق على معنيين:
أحدهما الوضع الشخصي وثانيهما الوضع الخاص، وكذلك الوضع الكلّي يطلق على معنيين: أحدهما الوضع النوعي والثاني الوضع العام.
فائدة:
من قبيل الوضع العام لموضوع له خاص وضع المبهمات والمضمرات، فإنّ لفظ هذا مثلا موضوع لكلّ مشار إليه مخصوص، فإنّ الواضع تصوّر كلّ مشار إليه مفرد مذكّر باعتبار هذا المفهوم العام ولم يضع اللفظ لهذا المعنى الكلّي بل لتلك الجزئيات المندرجة تحته، فصار الوضع عاما والموضوع له خاصا، وإنّما حكمنا بذلك لأنّ لفظ هذا لا يطلق إلّا على الخصوصيات ولا يجوز إطلاقه على غيرها، إذ لا يقال هذا والمراد أحد ممّا يشار إليه، بل لا بدّ في إطلاقه من المقصد إلى خصوصية معيّنة فلو كان موضوعا للمعنى العام كرجل لجاز فيه ذلك ولكان استعماله في الخصوصيات مجازا.
والقول بأنّه موضوع لمفهوم كلّي لكن الواضع قد اشترط أن لا يستعمل إلّا في الجزئيات بخلاف نحو رجل تمحّل ظاهر. فإن قلت إذا كان هذا موضوعا للخصوصيات المتعدّدة كان مشتركا لفظا. قلت إنّما يلزم ذلك لو كان موضوعا لها بأوضاع متعدّدة وليس كذلك بل موضوع لها وضعا واحدا. واعلم أنّ وضعه للخصوصيات من حيث إنّها مندرجة تحت المفهوم الكلّي، فزيد من حيث تعلّق به إشارة مخصوصة معنى لهذا فله اعتبار في الوضع وفي الموضوع له أيضا، وكذا الحال في المضمرات فإنّ لفظ أنا موضوع لكلّ متكلّم واحد ولفظ أنت لكلّ مخاطب مذكّر واحد، ولفظ هو لكلّ مفرد مذكّر غائب مخصوص، ولا يقدح في ذلك أنّ هذا يشار به أيضا إلى أمر كلّي مذكور وأنّ ضمير الغائب قد يرجع إليه أيضا. أمّا الأول فلأنّ هذا يقتضي بحسب أصل الوضع مشارا إليه إشارة حسّية فلا يكون إلّا جزئيا حقيقيا، وإذا استعمل في غيره فقد نزّل منزلته، والكلّي المذكور من حيث إنّه مذكور بهذا الذكر الجزئي جزئي لا يحتمل الشركة. وأمّا الثاني فلاقتضاء ضمير الغائب ذكرا جزئيا للمرجوع إليه إمّا لفظا أو معنى أو حكما، وقد عرفت أنّ الكلّي من حيث هو مذكور ذكرا جزئيا جزئي ومنه المشتقات كالأفعال فإنّها بالنظر إلى النسب الداخلة في مفهومها من هذا القبيل، وكالأسماء المتصلة بها مثل اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما وكالمصغّر والمنسوب، إلّا أنّ في وضع المبهمات والمضمرات وبين وضع المشتقات فرقا من وجهين: الأول أنّ الخصوصيات التي وضعت بإزائها المشتقات جزئيات إضافية كلّ واحد منها كلّي في نفسه حتى لو فرض أنّ الواضع تصوّر مفهوم الضارب وعيّن بإزائه كان الوضع والموضوع له عامين، والخصوصيات التي وضعت المبهمات والمضمرات بإزائها جزئيات حقيقية. والثاني أنّ تصوّر اللفظ والمعنى في المشتقات بوجه عام وأمّا في المبهمات والمضمرات فعموم التصوّر في المعنى، لكن الوضع في كليهما عام لأنّ المعتبر في ذلك هو المعنى إذ لا يترتّب على اعتباره في اللفظ فائدة. ومنه الحروف فإنّ لفظة من مثلا موضوعة لكلّ ابتداء خاص بوضع واحد، هكذا ذكر السّيّد الشريف في حاشية شرح مختصر الأصول.
فائدة:
من المعلوم أنّ دلالة اللفظ على مفهوم دون مفهوم آخر مع استواء نسبته إليهما ممتنعة بل لا بدّ من اختصاص يقتضي لإمكانه مخصّصا ينحصر بحكم التقسيم العقلي في ذات اللفظ وغيرها، وذلك الغير إمّا الله تعالى أو غيره، فذهب عبّاد بن سليمان الصيري وأهل التكسير أي أصحاب علم الحروف وبعض المعتزلة إلى الأول وزعموا أنّ بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية مخصوصة منها نشأت دلالته عليه، والحقّ خلافه، لأنّا لو فرضنا وضع اللفظ الدّالّ على الشيء لمناسبة ذاتية على زعمكم لنقيض ذلك الشيء أو لضدّه دلّ اللفظ على النقيض أو الضدّ دون هذا المدلول الذي هو الشيء، فقد تخلّف عن اللفظ الدلالة عليه، أو لو فرضنا وضع اللفظ للشيء ولنقيضه أو له ولضده دلّ عليهما، فقد اختلف دلالته فتارة على الشيء وحده وتارة عليه وعلى نقيضه أو عليه وعلى ضدّه، وما كان ثابتا لشيء بالذات وبحسب اقتضائها لا يتخلّف عنها ولا تختلف في شيء من الأحوال قطعا فلا تكون دلالته مستندة إلى ذاته، وبهذا التقرير يندفع ما يقال لم لا يجوز أن يكون للفظ مناسبة ذاتية إلى النقيضين أو الضدين إذ لا دليل على استحالته. نعم إنّه مستبعد لكنه لا ينافي الجواز ولا الوقوع. ثم إنّه لا يلزم التخصيص بلا مخصّص إذ إرادة الواضع المختار يصلح مخصصا من غير انضمام داعية إليه كتخصيص الله الحدوث بوقت وكتخصيص العبد الأعلام بالأشخاص. واعلم أنّ المخالف لعلّه يدعي ما يدعيه الاشتقاقيون في ملاحظة الواضع مناسبة ما بين اللفظ ومدلوله في الوضع وإلّا فبطلانه ضروري.
فائدة:
الواضع إمّا الله تعالى أو الخلق أو الله تعالى والخلق بالتوزيع، ثم أن يجزم بأصالة الثلاثة أم لا؟ فهذه أربعة أقسام، قال بكلّ قسم منها قائل. فقال الأشعري ومتابعوه الواضع للغات هو الله تعالى وعلّمها بالوحي أي بأن خاطب إمّا بذاته أو بإرسال ملك عبدا أو داعيا بكون الألفاظ موضوعة للمعاني، أو بخلق أصوات تدلّ على الوضع، وذلك إمّا بخلق الأصوات والحروف أعني جميع الألفاظ التي وضعها للمعاني وإسماعها لواحد أو لجماعة بحيث يحصل له أو لهم العلم بأنّها بإزاء تلك المعاني، وإمّا بخلق أصوات وحروف تدلّ على أنّ تلك الألفاظ موضوعة، أو بخلق علم ضروري بأن يخلق العلم الضروري لواحد أو لجماعة باللغات وأنّ واضعها قد وضعها لتلك المعاني المخصوصة. وقالت البهشمية أي أصحاب أبي هاشم وضعها البشر واحدا أو جماعة بأن انبعث داعيته أو داعيتهم إلى وضع هذه الألفاظ بإزاء معانيها ثم حصل تعريف الباقين بالإشارة والتكرار كما في الأطفال يتعلمون اللغات بترديد الألفاظ مرة بعد أخرى مع قرينة الإشارة وغيرها، كأن يقال هات الكتاب ولم يكن فيه غيره فيعلم أنّ اللفظ بإزائه. وقال الاستاذ أبو إسحاق الواضع هو الله تعالى والخلق بالتوزيع لا من حيث أنّ بعضا لهذا قطعا وبعضا لذلك قطعا، بل من حيث إنّ البعض لله سبحانه جزما والبعض الآخر يتردّد بينهما، وأما عكس مذهبه بأن يكون الاصطلاحي مقدّما على التوقيفي فهو وإن كان مندرجا تحت التوزيع لكنه على ما قيل من أنّه لم يتحقّق لا هو ولا صاحبه، والقدر المحتاج إليه في التعريف يحصل بالتوقيف من قبل الله وغيره محتمل للأمرين. وقال القاضي أبو بكر الجميع ممكن عقلا ولشيء من أدلة المذاهب لا يفيد القطع فوجب التوقّف وهذا هو الصحيح.
ثم إنّه إن كان المقصود هو الظّنّ بأن كان النزاع في الظهور لا في القطع وهو الحقّ إذ الألفاظ يكتفى فيها بالظواهر، فالحقّ ما صار إليه الأشعري لقوله تعالى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها.
فائدة:
طريق معرفة الوضع هو النقل لأنّ وضع لفظ معيّن لمعنى معيّن من الممكنات والعقل لا يستقلّ بها. والنقل إمّا متواتر يفيد القطع أو آحاد يفيد الظّنّ، واللغات قسمان: قسم لا يقبل التشكيك كالأرض والسماء والحرّ والبرد مما يعلم وضعها لما يستعمل فيه قطعا، وقسم يقبله كاللغات العربية، فالطريق فيما لا يقبل التشكيك هو التواتر وفي غيره الآحاد، ولا يراد بالنقل أن يكون مستقلا بالدلالة من غير مدخل العقل فيه إذ صدق المخبر لا بدّ فيه وأنّه عقلي، بل يراد به أن يكون للنقل مدخل. وإن شئت زيادة فارجع إلى العضدي وحواشيه.

الاجتهاد

الاجتهاد: لغة، أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة كإتعاب الفكر في أحكام الرأي، وعبر عنه ببذل المجهود في طلب المقصود، عرفا، استفراغ الفقيه وسعه لتحصيل ظن بحكم شرعي
الاجتهاد:
[في الانكليزية] Ijtihad (independent judgement) jurisprudence
[ في الفرنسية] Ijtihad (jugement independant) jurisprudence
في اللغة استفراغ الوسع في تحصيل أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقّة. ولهذا يقال اجتهد في حمل الحجر ولا يقال اجتهد في حمل الخردلة. وفي اصطلاح الأصوليين استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظنّ بحكم شرعي.
والمستفرغ وسعه في ذلك التحصيل يسمّى مجتهدا بكسر الهاء. والحكم الظنّي الشرعي الذي عليه دليل يسمّى مجتهدا فيه بفتح الهاء.
فقولهم استفراغ الوسع معناه بذل تمام الطّاقة بحيث يحسّ من نفسه العجز عن المزيد عليه، وهو كالجنس، فتبين بهذا أنّ تفسير الآمدي ليس اعمّ من هذا التفسير كما زعمه البعض. وذلك لأنّ الآمدي عرّف الاجتهاد باستفراغ الوسع في طلب الظنّ بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحسّ من النفس العجز عن المزيد عليه.
وبهذا القيد الأخير خرج اجتهاد المقصّر وهو الذي يقف عن الطلب مع تمكنه من الزيادة على فعل من السعي، فإنه لا يعدّ هذا الاجتهاد في الاصطلاح اجتهادا معتبرا. فزعم هذا البعض أنّ من ترك هذا القيد جعل الاجتهاد أعمّ. وقيد الفقيه احتراز عن استفراغ غير الفقيه وسعه كاستفراغ النّحوي وسعه في معرفة وجوه الإعراب واستفراغ الــمتكلّم وسعه في التوحيد والصفات واستفراغ الأصولي وسعه في كون الأدلة حججا. قيل والظاهر أنّه لا حاجة لهذا الاحتراز. ولذا لم يذكر هذا القيد الغزالي والآمدي وغيرهما فإنه لا يصير فقيها إلّا بعد الاجتهاد، اللهم إلّا أن يراد بالفقه التهيّؤ بمعرفة الأحكام. وقيد الظن احتراز من القطع إذ لا اجتهاد في القطعيّات. وقيد شرعي احتراز عن الأحكام العقليّة والحسيّة. وفي قيد بحكم إشارة إلى أنّه ليس من شرط المجتهد أن يكون محيطا بجميع الأحكام ومدارها بالفعل، فإنّ ذلك ليس بداخل تحت الوسع لثبوت لا أدري في بعض الأحكام، كما نقل عن مالك أنه سئل عن أربعين مسألة فقال في ستّ وثلاثين منها لا أدري. وكذا عن أبي حنيفة قال في ثمان مسائل لا أدري، وإشارة إلى تجزئ الاجتهاد لجريانه في بعض دون بعض. وتصويره أنّ المجتهد حصل له في بعض المسائل ما هو مناط الاجتهاد من الأدلة دون غيرها، فهل له أن يجتهد فيها أو لا، بل لا بدّ أن يكون مجتهدا مطلقا عنده ما يحتاج إليه في جميع المسائل من الأدلة. فقيل له ذلك إذ لو لم يتجزّأ الاجتهاد لزم علم المجتهد الآخذ بجميع المآخذ ويلزمه العلم بجميع الأحكام، واللازم منتف لثبوت لا أدري كما عرفت. وقيل ليس له ذلك ولا يتجزّأ الاجتهاد، والعلم بجميع المآخذ لا يوجب العلم بجميع الأحكام لجواز عدم العلم بالبعض لتعارض، وللعجز في الحال عن المبالغة إمّا لمانع يشوّش الفكر أو استدعائه زمانا.
اعلم أن المجتهد في المذهب عندهم هو الذي له ملكة الاقتدار على استنباط الفروع من الأصول التي مهّدها أمامه كالغزالي ونحوه من أصحاب الشافعي وأبي يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة، وهو في مذهب الإمام بمنزلة المجتهد المطلق في الشرع حيث يستنبط الأحكام من أصول ذلك الإمام.

فائدة:
للمجتهد شرطان: الأول معرفة الباري تعالى وصفاته وتصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعجزاته وسائر ما يتوقّف عليه علم الإيمان، كلّ ذلك بأدلة إجماليّة وإن لم يقدر على التّحقيق والتفصيل على ما هو دأب المتبحّرين في علم الكلام. والثاني أن يكون عالما بمدارك الأحكام وأقسامها وطرق إثباتها ووجوه دلالاتها وتفاصيل شرائطها ومراتبها وجهات ترجيحها عند تعارضها والتقصّي عن الاعتراضات الواردة عليها، فيحتاج إلى معرفة حال الرّواة وطرق الجرح والتعديل وأقسام النّصوص المتعلقة بالأحكام وأنواع العلوم الأدبية من اللغة والصرف والنحو وغير ذلك، هذا في حقّ المجتهد المطلق الذي يجتهد في الشرع.
وأمّا المجتهد في مسألة فيكفيه علم ما يتعلّق بها ولا يضرّه الجهل بما لا يتعلّق بها، هذا كلّه خلاصة ما في العضدي وحواشيه وغيرها.

الإيهام

الإيهام: ويقال له التخييل، ذكر لفظ له معنيان قريب وغريب فإذا فهمه السامع سبق إلى فهمه القريب والــمتكلم يريد الغريب.
الإيهام:
[في الانكليزية] Syllepsis
[ في الفرنسية] Syllepse
هو عرفا استعمال لفظ له معنيان، وإرادة أحدهما مطلقا على ما ذكر الچلپي في حاشية التلويح في الخطبة. وعند أهل البديع: استعمال لفظ له معنيان إمّا بالاشتراك أو التواطي أو الحقيقة والمجاز، أحدهما قريب والآخر بعيد، ويقصد البعيد ويورى عنه بالقريب فيتوهمه السامع من أول الوهلة ويسمّى بالتورية والتخييل أيضا. وذكر المعنيين أخذ بالأقل للاحتراز عن الأكثر من معنيين، ولا يراد به.

قال الزمخشري: لا ترى بابا في البيان أدقّ ولا ألطف من التورية ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المتشابهات في كلام الله ورسوله، وهي ضربان: مجرّدة ومرشّحة.
فالمجردة هي التي لم يذكر فيها شيء من لوازم المورى به ولا المورى عنه كقوله تعالى:
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فإن الاستواء على معنيين: الاستقرار في المكان وهو المعنى القريب المورى به الذي هو غير مقصود لتنزيهه تعالى عنه. والثاني الاستيلاء وهو المعنى البعيد الذي وري عنه بالقريب المذكور انتهى. وهذه التورية تسمّى مجرّدة لأنها لم يذكر فيها شيء من لوازم المورى به ولا المورى عنه.
والمرشحة هي التي ذكر فيها شيء من لوازم هذا أو هذا كقوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الآية، فإنه يحتمل الجارحة وهو المورى به وقد ذكر من لوازمه على جهة الترشيح البيان، ويحتمل القدرة والقوة وهو البعيد المقصود، كذا في الإتقان. وفي المطوّل: المجردة هي التي لا تجامع شيئا مما يلائم المعنى القريب نحو الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى والمرشحة هي التي تجامع شيئا مما يلائم المعنى القريب المورى به عن المعنى البعيد نحو وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ انتهى.

الإنشاء

الإنشاء: إيجاد الشيء الذي يكون مسبوقاً بمادة ومدة، وأيضاً ما يقابل الخبر.
الإنشاء: لغة إيجاد الشيء وترتيبه، وأكثر ما يقال في الحيوان. وهذا في الإيجاد المختص بالله، واصطلاحا يقال للكلام الذي ليس لنسبته خارج تطابقه أولا، ولفعل الــمتكلم.
الإنشاء:
[في الانكليزية] Assertoric sentence
[ في الفرنسية] Proposition assertorique
بكسر الهمزة وبالشين المعجمة عند أهل العربية يطلق على الكلام الذي ليس لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه، ويقابله الخبر. وقد يقال على فعل الــمتكلم، أعني إلقاء الكلام الإنشائي ويقابله الإخبار. والمراد بالإنشاء في قولهم الإنشاء إمّا طلب أو غيره والطلب إمّا تمنّ أو استفهام أو غيرهما هو المعنى الثاني المصدري لا الكلام المشتمل عليها، لظهور أنّ قولهم ليت موضوع للتمني معناه إنها موضوعة لإفادة معنى التمنّي، لا للكلام الذي فيه التمني.
هكذا ذكر المحقق التفتازاني. وقال صاحب الأطول: المراد بالإنشاء في قولهم هذا الكلام فإنّ التمني والاستفهام مثلا لم يأت بمعنى إلقاء الكلام المفيد للتمنّي والاستفهام حتى يجعل الإنشاء بهذا المعنى منقسما إليهما. وما ادعى المحقق من تصحيح مثل قولهم ليت موضوع للتمني ليس بحق، فإن إلقاء كلام التمني ليس الموضوع له ليت، كما أنّ نفس الكلام ليس كذلك بل معنى التمني في قولهم هذه الحالة التي تحدث بهذا الكلام، وعلى هذا فقس الاستفهام وغيره. وتوضيحه ما ذكره السيّد السّند من أنّا إذا قلنا ليت زيدا قائم فقد دلّلنا على نسبة القيام إلى زيد في النفس، وعلى هيئة نفسانية متعلّقة بتلك النسبة على وجه يخرجها عن احتمال الصدق والكذب، فالمجموع المركّب من هذه الألفاظ كلام لفظي إنشائي، والمجموع المركّب من معانيها كلام نفسي إنشائي، وهو مدلول الكلام الإنشائي اللفظي. والظاهر أنّ كلمة ليت ليست موضوعة لذلك الكلام اللفظي ولا لمدلوله ولا لإلقاء أحدهما ولا لإحداث تلك الهيئة النفسانية، بل هي موضوعة لتلك الهيئة النفسانية، فالإنشاء المنقسم إلى التمنّي بهذا المعنى لا يصلح أن يفسّر بإلقاء الكلام الإنشائي. نعم إذا أريد بالتمنّي إلقاء كلام إنشائي مخصوص كان قسيما للإنشاء المفسّر بالإلقاء، وحينئذ لا يصح أن يقال إنّ اللفظ الموضوع له أي للتمنّي ليت، لأنها لم توضع لإلقاء كلام إنشائي مخصوص إلّا أن يجعل اللام للغاية والتعليل، أما إذا جعلت اللام صلة للوضع كما هو الظاهر، فالضمير المجرور في له عائد إلى التمنّي، لا بمعنى إلقاء الكلام المخصوص ولا بمعنى إحداث الهيئة المخصوصة، بل بمعنى الهيئة المترتّبة على ذلك الإحداث العارضة مثلا لنسبة القيام إلى زيد في النفس، المانعة لتلك النسبة عن احتمال الصدق والكذب كما مرّ.
اعلم أنّ الإنشاء إمّا طلب أو غيره وغير الطلب كصيغ العقود وأفعال المدح والذمّ وفعلي التعجب وعسى والقسم، وإمّا جعل مطلق أفعال المقاربة للانشاء كما ذكر المحقق التفتازاني، فلا يصح إذ كاد زيد يخرج يحتمل الصدق والكذب، وكذا طفق زيد يخرج، وكذا ربّ رجل لقيته، وكم رجل ضربته، وإن كان كم لإنشاء التكثير في جزء الخبر وربّ لانشاء التقليل فيه، لكن لا يخرج به الكلام عن احتمال الصدق والكذب، ولا يتعدى الإنشاء منه إلى النسبة، فعدّ المحقق التفتازاني إياهما من الإنشاء ليس على ما ينبغي كذا في الأطول.

الأمر

الأمر: اقتضاء فعل غير كف، مدلول عليه بغير لفظ كف، ولا يعبر به علو ولا استعلاء على الأصح.
الأمْر: هو في لغة العرب عبارة عن استعمال صِيَغِ الأمر على سبيل الاستعلاء وعرَّفوه: بأنه كلام تامٌّ دال على طلب الفعل على سبيل الاستعلاء، وعند الصوفية: عالم الأمر يطلق على عالمٍ وجد بلا مادَّة الشريعة، وعالمُ الخلق ما وُجد بمدةٍ ومادةٍ.
الأمر:
[في الانكليزية] Apostrophe ،supernatural world
[ في الفرنسية] Apostrophe ،le monde surnaturel
بفتح الألف وسكون الميم في لغة العرب عبارة عن استعمال صيغ الأمر كنزال وأنزل ولينزل وصه على سبيل الاستعلاء، كذا ذكره السيّد السّند في حاشية المطول ناقلا عن المفتاح. وعند المتصوّفة يطلق على عالم وجد بلا مدة ومادة كما في كشف اللغات حيث قال:
أمر بالفتح «كار وفرمان» بالفارسية، وفي اصطلاح المتصوّفة: الأمر: هو عالم بدون مادّة ولا مدّة مثل: عقول ونفوس. وهذا ما يدعونه عالم الأمر وعالم الملكوت وعالم الغيب. وقيل عالم الأمر ما لا يدخل تحت المساحة والمقدار ويجيء في لفظ العالم. وأمّا عند أهل العربية فالنحاة منهم على أنه ما يطلب به الفعل من الفاعل المخاطب بحذف حرف المضارعة سواء طلب على وجه الاستعلاء أو لا على ما قال الرضي. والصرفيون منهم على أنه يشتمل الأمر بغير اللام وباللام، صرّح بذلك في الأطول.
ويؤيده ما قال المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية: الأمر في ألسنة الصرفيين يشتمل الأمر باللام وهو الاصطلاح المشتهر بين المحصّلين. وقال في تعريف المعرب النحوي لا يسمّي ما هو باللام أمرا بل مضارعا مجزوما والأمر باصطلاحه ما هو بغير اللام. لكن في المطول ما يخالفه حيث قال: والقسمان الأوّلان أي الصيغة المقترنة باللام وغير المقترنة بها سمّاهما النحويون أمرا [قال في الأطول:
وسمّاها الصرفيون] سواء استعملا في حقيقة الأمر أو في غيرها حتى أن لفظ اغفر فيّ:
اللهم اغفر لي أمر عندهم. ووجه التسمية غلبة استعمالهما في حقيقة الأمر أعني طلب الفعل على سبيل الاستعلاء انتهى.
أما أسماء الأفعال التي هي بمعنى الأمر فليست بأمر عند الفريقين، لأن الأمر عندهم من أقسام الفعل. وأهل المعاني على أن صيغ الأمر ثلاثة أقسام: المقترنة باللام الجازمة وغير المقترنة بها. والاسم الدّال على طلب الفعل من أسماء الأفعال. وعرّفوه بأنه كلام تام دالّ على طلب الفعل على سبيل الاستعلاء وضعا على ما في الأطول، وهكذا عند الأصوليين والــمتكلّمــين والمنطقيين، إلّا أنه قد يطلق الأمر عند جمهور الأصوليين على الفعل أيضا مجازا كما ستعرف.
فالكلام جنس. والتامّ صفة كاشفة. وقوله دال على طلب الفعل احتراز عمّا لا يدلّ على الطلب أصلا، وعمّا يدلّ عليه لكن لا يدل على طلب الفعل، بل على طلب الكفّ كالنهي.
وقوله على سبيل الاستعلاء احتراز عن الدعاء والالتماس. وقوله وضعا احتراز عن نحو أطلب منك الفعل فإنه ليس بأمر إذ لم توضع صيغة اطلب أي صيغة المضارع الــمتكلم للطلب، فإنّ المراد بالوضع الوضع النوعي لا الشخصي.
قيل يخرج عن الحدّ كفّ نفسك عن كذا.
وأجيب بأن الحيثية معتبرة فإن الحيثية كثيرا ما تحذف سيّما في التعريفات للشهرة على ما ستعرف في لفظ الأصل فإن الكفّ له اعتباران.
أحدهما من حيث ذاته وأنه فعل في نفسه وبهذا الاعتبار هو مطلوب قولك: كفّ عن الزنا مثلا.
والثاني من حيث أنه كفّ عن فعل وحال من أحواله وآلة لملاحظته، وبهذا الاعتبار هو مطلوب لا تزن مثلا. فإذا قيل طلب فعل من حيث أنه فعل دخل فيه كفّ عن الزنا وخرج لا تزن.
ثم اعلم أنّ اشتراط الاستعلاء هو مذهب البعض كأبي الحسن ومن تبعه. والمراد بالاستعلاء طلب العلوّ وعدّ الطالب نفسه عاليا، سواء كان في نفسه عاليا أو لا. ورأى الأشعري إهمال هذا الشرط. والمعتزلة يشترطون العلوّ.
وإنّما قلنا والمراد بالاستعلاء كذا لأن لفظ الاستعلاء بهذا المعنى من مصنوعات المصنفين، وإلّا ففي الصحاح استعلى الرجل أي علا واستعلاه أي علاه. فظاهر التعريف يوافق مذهب المعتزلة، هكذا ذكر صاحب الأطول.
وإنما اشترط الاستعلاء لأن من هو أعلى رتبة من الغير لو قال له على سبيل التضرّع افعل، لا يقال إنه امره. ولو قال من هو أدنى رتبة لمن هو أعلى منه افعل على سبيل الأمر يقال إنه أمره، ولهذا يصفونه بالجهل والحمق. فعلم أن ملاك الأمر هو الاستعلاء. وقوله تعالى حكاية عن فرعون: فَماذا تَأْمُرُونَ مجاز عن تشيرون للقطع بأن الطلب على سبيل التضرّع أو التساوي لا يسمّى أمرا لا لغة ولا اصطلاحا.
واعلم أنّه لا نزاع في أنّ الأمر كما يطلق على نفس الصيغة كذلك يطلق على التكلّم بالصيغة، وطلب الفعل على سبيل الاستعلاء.
وبالاعتبار الثاني وهو كون الأمر بمعنى المصدر يشتق منه الفعل وغيره مثل أمر يأمر والآمر والمأمور وغير ذلك كذا في التلويح. فهذا التعريف باعتبار الإطلاق الأول. وأما ما قيل من أن الأمر هو قول القائل استعلاء افعل فيمكن تطبيقه على كلا الاعتبارين، فإن القول يطلق بمعنى المقول وبمعنى المصدر. قيل المراد بقوله افعل ما اشتق من مصدره اشتقاق افعل من الفعل. وفيه أنه يخرج من التعريف حينئذ نحو ليفعل ونزال. وقيل المراد من افعل كل ما يدل على طلب الفعل من لغة العرب، ولا فساد في اختصاص التعريف بلغة العرب، لأنّ مقصود الأصوليين مراد الألفاظ العربية لمعرفة أحكام الشرع المستفاد من الكتاب والسنة لا غيرها، فدخل في الحدّ نحو ليفعل ونزال.
وقيل افعل كناية عن كل ما يدل على طلب الفعل من صيغ الأمر على أيّ لغة تكون وعلى أيّ وزن تكون. ويرد على طرد هذا التعريف أنّ صيغة افعل على سبيل الاستعلاء قد تكون للتهديد والتعجيز ونحو ذلك، فإنها ترد لخمسة عشر معنى وليست بأمر. ويقول العبد الضعيف في جوابه: إن هذا إنما يرد لو فسّر افعل بما اشتق من مصدره اشتقاق افعل من الفعل. وأما على التفسيرين الآخرين فلا يرد شيء. ويردّ على عكس هذا التعريف قول الأدنى للأعلى افعل تبليغا أو حكاية عن الآمر المستعلي، فإنه أمر وليس على طريق الاستعلاء من القائل. قيل مثله لا يعدّ في العرف مقول هذا القائل الأدنى بل مقول المبلّغ عنه وفيه استعلاء من جهته. أو قيل الأمر اقتضاء فعل غير كفّ على سبيل الاستعلاء، سواء كان في صيغة سمّاها أهل العربية أمرا أو نهيا أو لا، إذ الاعتبار للمعنى دون الصيغة، فاترك وكفّ ونحوهما نهي نظرا إلى المعنى وإن كان أمرا صيغة، ولا تكف ولا تترك ونحوهما أمر لا نهي انتهى. ولا يخفى أنه اصطلاح ولا مشاحة فيه.
اعلم أنّ من أثبت الكلام النفسي عرّف الأمر على ما هو النفسي من الطلب والاقتضاء وما يجري مجراهما، والنفسي هو الذي لا يختلف بالأوضاع واللغات. وإنما عرف به ليعلم أن اللفظي هو ما يدل عليه من أي لغة كانت.
ولذا قيل إنّ الأمر بالحقيقة هو ذلك الاقتضاء، والصيغة سمّيت به مجازا لدلالتها عليه كذا قيل. فالتعريفان الأولان يحتملان الأمر اللفظي والنفسي. وكذا ما قيل إنه طلب فعل غير كفّ على جهة الاستعلاء، فإنّ الطلب كما يطلق على المعنى المصدري كذلك يطلق على الكلام الدال على الطلب كما يجيء. وما قيل إنه اقتضاء فعل الخ تعريف للأمر النفسي.
اعلم أنه قد ذكر أصحابنا في الأمر وجوّها مزيفة وكذا المعتزلة. أما أصحابنا فقال القاضي: الأمر هو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به وارتضاه الجمهور، واعترض عليه بأنه مشتمل على الدّور، فإنّ المأمور الواقع في الحدّ مرتين مشتق من الأمر فيتوقف معرفته على معرفة الأمر وأيضا الطاعة موافقة للأمر. وأجيب بأنّا إذا عرّفنا الأمر بوجه ما ككونه كلاما كفانا ذلك في أن يعلم المخاطب به وهو المأمور وما يتضمّنه وهو المأمور به وفعل مضمونه وهو طاعة. والحاصل أن المأمور والمأمور به والطاعة لا تتوقف معرفتها على معرفة الأمر بحقيقته، بل على معرفته بوجه ما فلا دور. وقيل هو الخبر بالثواب عن الفعل تارة والعقاب على الترك تارة. ويرد عليه أنه يستلزم الثواب والعقاب حذرا عن الخلف في خبر الصادق وليس كذلك. أما الثواب فلجواز إحباط العمل بالرّدة، وأما العقاب فلجواز العفو والشفاعة. فالأولى أن يقال إنه الخبر باستحقاق الثواب على الفعل والعقاب على الترك. ويرد عليهما أنّ الخبر يستلزم إمّا الصدق أو الكذب والأمر من قبيل الإنشاء المباين للخبر فكيف يجعل أحد المتباينين جنسا للآخر. أمّا المعتزلة فلمّا أنكروا الكلام النفسي وكان الطلب نوعا منه لم يمكنهم تحديده به، فتارة حدّدوه باعتبار اللفظ فقالوا:
هو قول القائل لمن دونه افعل. ويرد عليه الإيرادان السابقان المذكوران في التعريف الثاني مع إيراد آخر وهو أن افعل إذا صدر عن الأدنى على سبيل الاستعلاء لا يكون أمرا. وأجيب بمنع كونه أمرا عندهم لغة وإن سمّي به عرفا.
والمراد بالقول هو اللفظ لأنهم لم يقولوا بالكلام النفسي. وقال قوم هو صيغة افعل مجرّدة عن القرائن الصارفة عن الأمر وفيه أنه تعريف للأمر بالأمر فيشتمل الدّور. وأجيب بأن الأمر المأخوذ في التعريف بمعنى الطلب. وتارة باعتبار ما يقترن بالصيغة من الإرادة. فقال قوم صيغة افعل بإرادات ثلاث: إرادة وجود اللفظ وإرادة دلالتها على الأمر وإرادة الامتثال.
واحترز بالأولى عن النائم إذ يصدر عنه صيغة افعل من غير إرادة وجود اللفظ وبالثانية عن التهديد والتخيير ونحو ذلك، وبالثالثة عن الصيغة التي تصدر عن المبلّغ والحاكي فإنه لا يريد الامتثال. ويرد عليه أن فيه تعريف الشيء بنفسه. وأجيب بأن المراد بالأمر الثاني هو الطلب. وغايته أنه استعمل اللفظ المشترك تعويلا على القرينة. وتارة باعتبار نفس الإرادة فقال قوم الأمر إرادة الفعل. وفيه أنه لو كان الأمر هو الإرادة لوقعت المأمورات كلها لأن الإرادة تخصّص المقدور بحال حدوثه، وإذا لم يوجد لم يحدث، فلا يتصوّر تخصيصه بحال حدوثه. قيل مبنى هذا على أن الإرادة من الله والعبد معنى واحد وأن إرادته فعل العبد يستلزم وقوعه، وهذا لا يطابق أصول المعتزلة وتمام تحقيقه في الكلام.
فائدة:
لفظ الأمر حقيقة في الصيغة بالاتفاق مجاز في الفعل عند الجمهور، وحقيقة عند البعض حتى يكون مشتركا. فقد ذهب أبو الحسين البصري إلى أن لفظ الأمر مشترك بين القول المخصوص والشيء والفعل والصفة والشأن لتردّد الذهن عند إطلاقه إلى هذه الأمور، وردّ بالمنع، بل يتبادر الذهن إلى القول المخصوص. وقيل هو حقيقة في القدر المشترك بين القول والفعل أعني هو مشترك معنوي ومتواطئ بينهما، وهو مفهوم أحدهما دفعا للاشتراك والمجاز. وبعضهم على أنه الفعل أعم من أن يكون باللسان أو بغيره.
ثم اختلفوا في أن صيغة الأمر لماذا وضعت. فقال الجمهور إنها حقيقة في الوجوب فقط. وقال أبو هاشم إنها حقيقة في الندب فقط. وقيل في الطلب وهو القدر المشترك بين الوجوب والندب. وقيل مشتركة بين الوجوب والندب اشتراكا لفظيّا. وقال الأشعري والقاضي بالتوقّف فيهما أي لا ندري أهو للوجوب أو الندب، وقيل مشتركة بين معان ثلاثة الوجوب والندب والإباحة. وقيل للقدر المشترك بين الثلاثة وهو الإذن. وقالت الشيعة هي مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة والتهديد.
فائدة:
ضد الأمر النهي أي كلام دالّ على طلب الكفّ من الفعل على سبيل الاستعلاء وضعا، أو هو قول القائل استعلاء لا تفعل، أو هو القول المقتضي طاعة المنهي بترك المنهي عنه، أو قول القائل لمن دونه لا تفعل مجرّدة عن القرائن الصارفة عن النهي، أو صيغة لا تفعل بإرادات ثلاث: وجود اللفظ ودلالته والامتثال، وعلى هذا القياس. وفوائد القيود والاعتراضات والأجوبة ما مرّت في لفظ الأمر، هذا كله خلاصة ما في العضدي وحاشيته للتفتازاني والتلويح والچلپي والمطول والأطول. وفي تعريفات السيد الجرجاني الأمر بالمعروف هو الإرشاد إلى المراشد المنجية والنهي عن المنكر الزجر عمّا لا يلائم في الشريعة. وقيل الأمر بالمعروف الدلالة على الخير والنهي عن المنكر المنع عن الشر. وقيل الأمر بالمعروف أمر بما يوافق الكتاب والسنة، والنهي عن المنكر نهي عمّا يميل إليه النفس والشهوة. وقيل الأمر بالمعروف إشارة إلى ما يرضي الله تعالى من أفعال العبد وأقواله والنهي عن المنكر تقبيح ما ينفر عنه الشريعة والعفة، وهو ما لا يجوز في دين الله تعالى انتهى.

الآفة

الآفة: عرض يفسد ما يصيبه وهي العاهة.
الآفة: العاهةُ وفي "دستور العلماء" "هو عدم مطاوعة 
(الآفة) كل مَا يُصِيب شَيْئا فيفسده من عاهة أَو مرض أَو قحط يُقَال آفَة الْعلم النسْيَان (آق)
أوقا مَال بأوقه وَعَلِيهِ مَال وَظهر وأشرف وَأَتَاهُ بالشؤم
الآفة: عدم مطاوعة الْآلَات إِمَّا بِحَسب الْفطْرَة أَو الْخلقَة أَو غَيرهَا كضعف الْآلَات. أَلا ترى أَن الآفة فِي التَّكَلُّم قد تكون بِحَسب الْفطْرَة كَمَا فِي الْأَخْرَس أَو بِحَسب ضعفها وَعدم بُلُوغهَا حد الْقُوَّة كَمَا فِي الطفولية. ثمَّ اعْلَم أَن الآفة فِي التَّكَلُّم لفظية ومعنوية فَإِنَّهَا ضد الْكَلَام فَكَمَا أَن الْكَلَام لَفْظِي ومعنوي كَذَلِك ضِدّه. أما الآفة اللفظية فَعدم الْقُدْرَة على الْكَلَام اللَّفْظِيّ كَمَا فِي الْأَخْرَس والطفل. والآفة المعنوية فَهِيَ عدم قدرَة الْــمُتَكَلّم على تَدْبِير الْمَعْنى فِي نَفسه الَّذِي يدل عَلَيْهِ بالعبارة أَو الْكِتَابَة أَو الْإِشَارَة.

الإسناد

الإسناد
انظر: الأسانيد.
الإسناد: نسبة أحد الجزأين إلى الآخر هبه أفاد المخاطب ما يصح السكوت عليه أم لا.
الإسناد:
[في الانكليزية] Attribution ،cross reference
[ في الفرنسية] Attribution ،renvoi
عند أهل النظر والمحدّثين ستعرف في لفظ السند. وعند أهل العربية يطلق على معنيين:
أحدهما نسبة إحدى الكلمتين إلى الأخرى أي ضمّها إليها وتعلّقها [بها] فالمنسوب يسمّى مسندا والمنسوب إليه مسندا إليه، وهذا فيما سوى المركبات التقييدية شائع. وأما فيها فالمستفاد من إطلاقاتهم أن المنسوب يسمّى مضافا أو صفة؛ والمنسوب إليه يسمّى مضافا إليه أو موصوفا.
قال المولوي عبد الحكيم في حاشية حاشية الفوائد الضيائية ما حاصله: إن الشائع في عرفهم أن النسبة عبارة عن الثبوت والانتفاء، وهي صفة مدلول الكلمة، فإضافتها إلى الكلمة إمّا بحذف المضاف أي نسبة مدلول إحدى الكلمتين إلى مدلول الأخرى أو بحمل النسبة على المعنى اللغوي. فعلى الأول يكون إطلاق المسند والمسند إليه على الالفاظ مجازا تسمية للدالّ بوصف المدلول، وعلى الثاني حقيقة. ثم المراد بالاسناد والنسبة والضم الحاصل بالمصدر المبني للمفعول وهي الحالة التي بين الكلمتين أو مدلولهما ولذا عبّر عنه الرّضي بالرابط بين الكلمتين، والمراد بالكلمة هاهنا أعم من الحقيقية ملفوظة كانت أو مقدرة، ومن الحكمية. والكلمة الحكمية ما يصحّ وقوع المفرد موقعه فدخل فيه إسناد الجمل التي لها محل من الإعراب، وكذا الإسناد الشرطي إذ الإسناد في الشرطية عندهم في الجزاء، والشرط قيد له. نعم يخرج الإسناد الشرطي على ما حققه السيّد السّند والمنطقيون من أن مدلول الشرطية تعليق حصول الجزاء بحصول الشرط، لا الإخبار بوقوع الجزاء وقت وقوع الشرط، إذ ليس المسند إليه والمسند فيهما كلمة حقيقة وهو ظاهر، ولا حكما إذ المقصود حينئذ تعليق الحكم بالحكم فتكون النسبة في كلّ واحد منهما ملحوظة تفصيلا، لا بدّ فيها من ملاحظة المسند إليه والمسند قصدا لا إجمالا، فلا يصح التعبير عنهما بالمفرد، انتهى. فالموافق لمذهبهم هو أن يقال: الإسناد ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها إلى الأخرى، أو ضمّ إحدى الجملتين إلى الأخرى.
تنبيه
قال صاحب الأطول في بحث المسند في قوله: وأما تقييد الفعل بالشرط الخ، الكلام التّام هو الجزاء والشرط قيد له إما لمسنده نحو إن جئتني أكرمك، أي اكرمك على تقدير مجيئك، وإمّا لمجموعه نحو: إن كان زيد أبا عمرو فأنا أخ له، فإنّ التقييد ليس للفعل ولا لشبهه بل للنسبة. وهذا هو المنطبق بجعل الإسناد إليه من خواص الاسم ولحصر الكلام في المركّب من اسمين أو فعل واسم فقد رجع الشرطيات عندهم إلى الحمليات إلّا أنه يخالف ما ذهب إليه الميزانيون من أنّ كلّا من الشرط والجزاء خرج عن التمام بدخول أداة الشرط على الجملتين، والجزاء محكوم به والشرط محكوم عليه والنسبة المحكوم بها بينهما ليس من نسبتي الشرط [والجزاء]. قال السيّد السّند ليس كون الشرط قيدا للجزاء إلّا ما ذكره السكّاكي.

وفي كلام النحاة برمّتهم حيث قالوا: كلم المجازاة تدل على سببية الأول ومسبّبية الثاني إشارة إلى أنّ المقصود هو الارتباط بين الشرط والجزاء، فينبغي أن تحفظ هذه الإشارة وتجعل مذهب عامتهم ما يوافق الميزانيين، وكيف لا ولو كان الحكم في الجزاء لكان كثير من الشرطيات المقبولة في العرف كواذب، وهو ما لا يتحقق شرطه فيكون قولك إن جئتني أكرمك كاذبا إذا لم يجيء المخاطب مع أنه لا يكذبه العرف، وذلك لأن انتفاء قيد الحكم يوجب كذبه. وفيه أنه لا يخص كلام السكّاكي لأن حصر الكلام في القسمين المذكورين يقتضيه اقتضاء بيّنا وجعل الإسناد إليه من خواص الاسم ظاهر فيه، ولا يلزم كذب القضايا المذكورة لأنه يجوز أن يكون المراد بالجزاء في قولك إن جئتني أكرمك، أني بحيث أكرمك على تقدير مجيئك. وفي قولك إن كان زيد حمارا فهو حيوان أنه كائن بحيث يكون حيوانا على تقدير الحمارية. وفي قولك إن كان الآن طلوع الشمس كان النهار موجودا أنه يكون النهار بحيث يتصف بالوجود على تقدير طلوع الشمس الآن وعلى هذا القياس. وإشارة قولهم كلم المجازاة تدلّ الخ إلى أنّ المقصود هو الارتباط بينهما غير سديدة، بل هو كقولهم: في للظرفية، أي لظرفية مجرورها لغيره وله نظائر لا تحصى، ولم يقصد بشيء أن المقصود الارتباط بينهما.
فإن قلت إذا دار الأمر بين ما قاله الميزانيون وبين ما قاله النحاة فهل يعتبر كل منهما مسلكا لأهل البلاغة أو يجعل الراجح مسلكا وأيّهما أرجح؟
قلت الأرجح تقليل المسلك تسهيلا على أهل الخطاب والاصطلاح، ولعلّ الأرجح ما اختاره النحاة لئلا يخرج الجزاء عن مقتضاه كما خرج الشرط، إذ مقتضى التركيب أن يكون كلاما تاما، وأيضا هو أقرب إلى الضبط إذ فيه تقليل أقسام الكلام، ولو اعتبره الميزانيون لاستغنوا عن كثير من مباحث القضايا والأقيسة فكن حافظا لهذه المباحث الشريفة.
التقسيم
الإسناد بهذا المعنى إمّا أصلي ويسمّى بالتام أيضا وإمّا غير أصلي ويسمّى بغير التّام أيضا. فالإسناد الأصلي هو أن يكون اللفظ موضوعا له ويكون هو مفهوما منه بالذات لا بالعرض، وغير الأصلي بخلافه. فقولنا ضرب زيد مثلا موضوع لإفادة نسبة الضرب إلى زيد وهي المفهومة منه بالذات والتعرّض للطرفين إنما هو لضرورة توقّف النسبة عليهما. وقولنا غلام زيد موضوع لإفادة الذات والتعرّض للنسبة إنما هو للتبعية، وكذا الحال في إسناد المركبات التوصيفية وإسناد الصفات إلى فاعلها فإنها موضوعة لذات باعتبار النسبة، والمفهوم منها بالذات هو الذات باعتبار النسبة، والنسبة إنما تفهم بالعرض. ولا شك أن اللفظ إنما وضع لإفادة ما يفهم منه بالذات لا ما يفهم منه بالعرض، وتلوح لك حقيقة ذلك بالتأمّل في المركّبات التامّة إنشائية كانت أو خبرية، وفي غيرها من المركبات التقييدية وما في معناها.
هذا خلاصة ما حققه السيّد الشريف في حاشية العضدي في تعريف الجملة في مبادئ اللغة.
ومن الاسناد الغير الأصلي إسناد المصدر إلى فاعله ولذا لا يكون المصدر مع فاعله كلاما ولا جملة كما يجيء في لفظ الكلام. ومنه إسناد اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة واسم التفضيل والظرف أيضا على ما قالوا.
والإسناد الأصلي هو إسناد الفعل أو ما هو فعل في صورة الاسم كالصفة الواقعة بعد حرف النفي أو الاستفهام، كذا في الأطول في باب المسند إليه في بحث التقوى.
اعلم أنّ المراد بالإسناد الواقع في حدّ الفاعل هو هذا المعنى صرّح به في غاية التحقيق حيث قال: المراد بالإسناد في حدّ الفاعل أعم من أن يكون أصليا أو لا، مقصودا لذاته أو لا. وثانيهما الإسناد الأصلي فالإسناد الغير الأصلي على هذا لا يسمّى إسنادا. وعرّف بأنه نسبة إحدى الكلمتين حقيقة أو حكما إلى الأخرى بحيث تفيد المخاطب فائدة تامة، أي من شأنه أن يقصد به إفادة المخاطب فائدة يصحّ السكوت عليها، أي لو سكت الــمتكلّم لم يكن لأهل العرف مجال تخطئته. ونسبته إلى القصور في باب الإفادة وإن كان بعد محتاجا إلى شيء كالمفعول به والزمان والمكان ونحوها، فدخل في الحدّ إسناد الجملة الواقعة خبرا أو صفة أو صلة ونحوها؛ فإن تلك الجمل بسبب وقوعها موقع المفرد وإن كانت غير مفيدة فائدة تامة، لكن من شأنها أن يقصد بها الإفادة إذا لم تكن واقعة في مواقع المفرد. وكذا دخل إسناد الجملة التي علم مضمونها المخاطب، كقولنا:
السماء فوقنا، فإنها وإن لم تكن مفيدة باعتبار العلم بمضمونها، لكنّها مفيدة عند عدم العلم به. فالإسناد الأصلي على نوعين: أحدهما ما هو مقصود لذاته بأن يلتفت إلى النسبة قصدا بأن يلاحظ المسند والمسند إليه مفصّلا، كما في قولنا: زيد قائم، وأ قائم الزيدان. وثانيهما ما هو غير مقصود لذاته بأن لا يلتفت إلى النسبة قصدا بل إلى مجموع المسند والمسند إليه من حيث هو مجموع كإسناد جملة قائمة مقام المفرد، والواقعة صلة، ونحو ذلك. ويتضح ذلك في لفظ القضية. فبقيد الإفادة خرج الاسناد الغير الأصلي. ولما كانت الإفادة غير مقيدة بشيء يشتمل الحدّ الاسناد الخبري وهو النسبة الحاكية عن نسبة خارجية. والإسناد الانشائي وهو ما لا يكون كذلك. وعرّف الإسناد الخبري بأنه ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها كالمركّبات التقييدية وما في معناها إلى الأخرى بحيث يفيد أن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى أو منفي عنه، فإنّ مفاد الخبر هو الوقوع واللاوقوع لا الحكم بهما، وهذا أوفق بإطلاق المسند والمسند إليه على اللفظ على ما هو اصطلاحهم، فهو أولى من تعريف المفتاح بأنه الحكم بمفهوم لمفهوم بأنه ثابت له أو منفي عنه؛ لكن صاحب المفتاح أراد التنبيه على أنّ هذا الاطلاق على ضرب من المسامحة وتنزيل الدالّ منزلة المدلول لشدّة الاتصال بينهما.
وتعريفه المنطبق على مذهب الميزانيين هو أنه ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها إلى الأخرى، أو ضم إحدى الجملتين بحيث يفيد الحكم بأن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى، أو عنده، أو مناف لمفهوم الأخرى، أو ينفي ذلك كذا في الأطول.

فائدة:
قيل في نحو: زيد عرف، ثلاثة أسانيد مترتبة في التقديم والتأخير، أولها إسناد عرف إلى زيد بطريق القصد وامتناع إسناد الفعل إلى المبتدأ قبل عود الضمير ممنوع. وثانيها إسناده إلى ضمير زيد. وثالثها إسناده إلى زيد بطريق الالتزام بواسطة أن عود الضمير إلى زيد يستدعي صرف الإسناد إليه مرة ثانية. أما وجه تقديم الأول على الثاني فلأنّ الإسناد نسبة لا تتحقق قبل تحقق الطرفين وبعد تحققهما لا تتوقف على شيء آخر. ولا شك أن ضمير الفاعل إنما يكون بعد الفعل والمبتدأ قبله. فكلّ ما يتحقق الفعل أسند إلى زيد لتحقق الطرفين.
ثم إذا تحقّق الضمير انعقد بينهما الحكم. وأما وجه تقديم الثاني على الثالث فظاهر كذا في المطول في آخر باب المسند.

فائدة:
المسند فعلي وسببي فالمسند الفعلي كما ذكر في المفتاح ما يكون مفهومه محكوما بثبوته للمسند إليه أو بالانتفاء عنه بخلاف السببي، فإن: زيد ضرب حكم فيه بثبوت الضرب لزيد، وزيد ما ضرب حكم فيه بنفي الضرب عنه، بخلاف زيد ضرب أبوه فإنه لم يحكم فيه بثبوت ضرب أبوه لزيد بل بثبوت أمر يدلّك عليه ذلك المذكور، وهو كائن بحيث ضرب أبوه؛ فالمسند السببي سمّي مسندا لأنه دال على المسند الحقيقي، والمسند السببي ما أسند فيه شيء إلى ما هو متعلّق المسند إليه، وصار ذلك سببا لإسناد أمر حاصل بالقياس إليه إلى المسند إليه، نحو: زيد أبوه منطلق، فإن أبوه منطلق أسند فيه شيء إلى متعلق زيد، وصار ذلك سببا لإسناد كون زيد بحيث ينطلق أبوه إليه. وعلى هذا يلزم أن يكون منطلق أبوه في: زيد منطلق أبوه مسندا سببيا، ولا يكون نحو: زيد مررت به، وزيد كسرت سرج فرس غلامه فعليا ولا سببيا. هذا هو مختار صاحب الاطول. وذكر الفاضل في شرح المفتاح أن المسند في: زيد منطلق أبوه فعلي بخلافه في: زيد أبوه منطلق؛ فإنّ في المثال الأول اسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة، فالمحكوم به في زيد منطلق أبوه هو المفرد، بخلاف زيد أبوه منطلق، وهذا خبط ظاهر لأن اللازم مما ذكر أن لا يكون منطلق مع أبوه جملة، ولم يلزم منه أن يكون المسند هو منطلق وحده. وقال صاحب التلخيص: والمراد بالسببي نحو زيد أبوه منطلق، وقال في المطول لم يفسّر المصنف له لإشكاله وتعسّر ضبطه، وكان الأولى أن يمثل بالجملة الفعلية أيضا نحو: زيد انطلق أبوه. ويمكن أن يفسر بأنه جملة علقت على المبتدأ بعائد بشرط أن لا يكون ذلك العائد مسندا إليه في تلك الجملة، فخرج نحو: زيد منطلق أبوه، لأنه مفرد، ونحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لأن تعليقها على المبتدأ ليس بعائد، ونحو: زيد قائم، وزيد هو قائم، لأن العائد مسند إليه، ودخل فيه نحو:
زيد أبوه قائم، وزيد ما قام أبوه، وزيد مررت به، وزيد ضرب عمرا في داره، وزيد كسرت سرج فرس غلامه، وزيد ضربته، ونحو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا لأنّ المبتدأ أعم من أن يكون قبل دخول العوامل أو بعدها، والعائد أعم من الضمير وغيره. فعلى هذا، المسند السببي هو مجموع الجملة التي وقعت خبر مبتدأ. وهاهنا بحث طويل الذيل وتحقيق شريف لصاحب الأطول تركناه حذرا من الاطناب.
اعلم أنّ الاسناد في الحديث أن يقول المحدّث: حدّثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وهو يسمّى بعلم أصول الحديث أيضا وقد سبق في المقدمة.

الاستفهام

الاستفهام: استعلام ما في ضمير المخاطب.
الاستفهام:
[في الانكليزية] Interrogation
[ في الفرنسية] Interrogation
هو عند أهل العربية من أنواع الطلب الذي هو من أقسام الانشاء، وهو كلام يدلّ على طلب فهم ما اتصل به أداة الطلب، فلا يصدق على افهم، فإنّ المطلوب ليس فهم ما اتصلت به لأن أداة الطلب صيغة الأمر وقد اتصلت بالفهم، وليس المطلوب به طلب فهم الفهم، بخلاف أزيد قائم فإن المطلوب به طلب فهم مضمون زيد قائم؛ وسمّي استفهاما لذلك.
وهذا الطلب على خلاف طلب سائر الآثار من الفواعل فإنّ العلم في علّمني مطلوب الــمتكلّم وهو أثر المعلّم، لكن يطلب فعله الذي هو التعليم ليترتب عليه الأثر، وكذا في اضرب زيدا المطلوب مضروبية زيد، ويطلب من الفاعل التأثير ليترتب عليه الأثر، وفي أزيد قائم يطلب نفس حصول قيام زيد في العقل لأن الأداة إنما اتصلت بقيام زيد بخلاف علمني، فإن الأداة فيه متّصلة بالتعليم، كذا في الأطول وفي الاتقان.
ولكون الاستفهام طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن لزم أن لا يكون حقيقة إلّا إذا صدر عن شاكّ يصدق بإمكان الإعلام فإن غير الشاك إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل، وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت فائدة الاستفهام. قال بعض الأئمة: وما جاء في القرآن على لفظ الاستفهام فإنما يقع في خطاب على معنى أنّ المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفي حاصل، انتهى.
الاستفهام
ورد الاستفهام في القرآن الكريم على أصل معناه، وهو طلب الفهم ومعرفة المجهول، كما في قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (الأعراف 187).
وقوله: قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (الشعراء 23)، وقوله: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ (المائدة 112)، وقوله: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها (البقرة 69)، وقوله: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ (البقرة 68)، وذلك الاستعمال كثير في القرآن، وأكثر منه أن يخرج الاستفهام
عن أصل وضعه، لمعان أخرى تفهم من سياق الكلام.
فمن ذلك الإنكار ومعنى الاستفهام حينئذ معنى النفى، وما بعده منفى، ولذلك تصحبه إلا، ويعطف عليه المنفى، ويكون معناه في الماضى معنى لم يكن، وفي المستقبل معنى لا يكون، ومن ذلك قوله تعالى: قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (الشعراء 111)، وأَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا (المؤمنون 47)، وفَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (الأحقاف 35). وأَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (النجم 22). وأَ نُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (هود 28)، وأَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً (الإسراء 40). وفَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (آل عمران 22).
ولعل السر في جمال أسلوب الاستفهام هنا، والعدول إليه عن أسلوب النفى، هو أن الاستفهام في أصل وضعه يتطلب جوابا يحتاج إلى تفكير، يقع به هذا الجواب في موضعه، ولما كان المسئول يجيب بعد تفكير وروية عن هذه الأسئلة بالنفى، كان في توجيه السؤال إليه حملا له على الإقرار بهذا النفى، وهو أفضل من النفى ابتداء.
ومنها التوبيخ على فعل وقع، وكان الأولى ألا يقع، أو على ترك فعل ما كان ينبغى ألا يقع، ومن ذلك قوله تعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (الصافات 125). وقوله تعالى: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها (النساء 97)، والاستفهام هنا كذلك يثير في النفس التفكير ويدفعها إلى تدبر الأمور حتى تقتنع بتفكيرها الخاص، بأنه ما كان ينبغى أن يقع ما وقع، أو كان الصواب أن يقع ما لم يقع. ومنها التقرير، وهو حملك المخاطب على أمر قد استقر عنده، والاستفهام في التقرير للنفى، فإذا دخل على النفى صار الكلام موجبا، ولذا يعطف عليه الموجب الصريح، ويعطف هو على الموجب الصريح، ومنه قوله تعالى: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (الفيل 2، 3). والعدول عن الإخبار إلى الاستفهام حمل للمخاطب على الاعتراف بعد التدبر والأناة، وتأمل قوله سبحانه: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (الأعراف 172).
ومنها التعجب كما في قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ، وقوله سبحانه: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ (البقرة 44)، والعتاب كقوله تعالى:
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ (التوبة 43). والاستبطاء في قوله سبحانه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة 214). وتنبيه المخاطب على الضلال حين تدفعه بالاستفهام إلى التفكير وتدبر العواقب، كما ترى ذلك في قوله سبحانه: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ  ... فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (التكوير 1، 2 و 26).
وتحس بالهول والخوف يثيره الاستفهام في قوله تعالى: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ (الحاقة 1، 2). وقوله: الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ (القارعة 1، 2). وفهم التهويل من الاستفهام، لأنك به توحى إلى المخاطب بأن ما ذكر لا يليق أن يمر به المرء مر الكرام، بل من الواجب التريث والتمهل وفهم حقيقته ومدلوله. وبالتهديد والوعيد في قوله: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (المرسلات 16). وبالتشويق والترغيب في قوله سبحانه: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (الصف 10). وبالتحضيض في قوله: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ (التوبة 13) وبالأمر في قوله: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة 91)، وإيراد الأمر في صورة الاستفهام فضلا عما فيه من تعبير مؤدب، لأنك تترك مخاطبك بالخيار بين أن يفعل وألا يفعل- فيه إغراء بالعمل وحث عليه.
وتستفيد التمنى من الاستفهام في قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (الأعراف 53)، ولعل السر في إيرادهم التمنى في أسلوب الاستفهام، هو تصوير هذا الأمل الذى يجول بنفوسهم مجسما فيها تجسما قويّا، حتى ليتلمسونه بين ظهرانيهم.
وتحس بالاستهزاء في الاستفهام الوارد في قوله سبحانه: قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا (هود 87).
وبالاستبعاد في قوله: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (الدخان 23).
وقد يكون الاستفهام مثارا لتنبيه المخاطب على أمر يغفل عنه، ولا يوليه من عنايته ما هو به جدير، كما في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً (الفرقان 45). وفي إيراد هذه المعانى بأسلوب الاستفهام تشويق، وإثارة للتفكير للاهتداء إلى معرفة وجه الصواب.
*** 
الاستفهام: استعلام ما في ضمير المخاطب، وقيل طلب حصول صورة الشيء في الذهن فإن كان تلك الصورة وقوع نسبة بين الشيئين أو لا وقوعها فحصولها هو التصديق وإلا فالتصور.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.