Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: لغوي

المنطبعة

المنطبعة: من الانطباع أَي المجبولة والمخلوقة كَمَا يُقَال للفلك نفس منطبعة أَي مجبولة ومخلوقة عَلَيْهَا الْفلك. اعْلَم أَن للفلك محركين قريب وبعيد. الأول: قُوَّة مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة. وَالثَّانِي: قُوَّة جسمانية سَارِيَة فِي جرم الْفلك كُله. والمحرك الأول يُحَرك الْفلك بِلَا مُبَاشرَة لِأَنَّهُ يحركه بِوَاسِطَة الثَّانِيَة أَعنِي الْقُوَّة الجسمانية الَّتِي تسمى نفسا منطبعة فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْآلَة للقوة الأولى.
من ترك الصَّلَاة عمدا مُتَعَمدا فقد كفر: وَاحْتج الْخَوَارِج فِي أَن الْفَاسِق كَافِر بالنصوص الظَّاهِرَة. مِنْهَا هَذَا الحَدِيث الشريف. وَالْجَوَاب أَنه مَصْرُوف عَن الظَّاهِر بِحمْل التّرْك على سَبِيل الاستحلال وعده حَلَالا وَلَا نزاع فِي كفر مستحله. أَو بِحمْل الْكفْر على الْمَعْنى الــلّغَوِيّ وَهُوَ السّتْر أَي من ترك الصَّلَاة فَهُوَ سَاتِر لنعمة الله تَعَالَى غير شَاكر لَهُ. أَو يُقَال يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى من ترك الصَّلَاة مقصرا مشارك للْكفَّار فِي عدم حُرْمَة دَمه وَمَاله كَمَا ذكره الْفَاضِل الْمُحَقق الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة على (شرح العقائد النسفية) . وَفِي التَّفْسِير الْحُسَيْنِي: (وَأقِيمُوا الصَّلَاة) (وبياداريد نماز را) وَلَا تَكُونُوا: (ومباشيد) من الْمُشْركين (از شرك آرندكان بترك نماز مُتَعَمدا خطاب بامت است) .
در تيسير (از شيخ محد اسْلَمْ طوسي رَحمَه الله تَعَالَى نقل ميكند كه حَدِيثي بِمن رسيده كه هرجه از من روايت كنند عرض كنيد بر كتاب خداي تَعَالَى اكر مُوَافق بود قبُول كنيد: بس من ايْنَ حَدِيث راكه من ترك الصَّلَاة عمدا مُتَعَمدا فقد كفر. (خواستم كه بآيتي از قُرْآن موافقت كنم وبيدا سازم. سى سَالَ تامل كردم تا ايْنَ آيَة يافتم) - {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَلَا تَكُونُوا من الْمُشْركين} . انْتهى. وَحِينَئِذٍ لَا بُد لنا من الْجَواب للخوارج الْقَائِلين بِأَن مرتكب الْكَبِيرَة كَافِر بِأَن مَحل النزاع هُوَ الْكَبِيرَة سوى الْكفْر والإشراك. وَلما دخل ترك الصَّلَاة عمدا فِي الْكفْر عمدا فَلَا ضير. فَإنَّا نقُول إِن الْفَاسِق بِالْفِسْقِ الَّذِي هُوَ كفر كَافِر وَإِنَّمَا النزاع فِي الْفسق الَّذِي سوى الْكفْر.
أَيهَا الإخوان لَا يَغُرنكُمْ تِلْكَ الجوابات. واستقيموا على الصَّلَوَات وتوبوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا واتركوا الْحِيَل والتأويلات فِي الْعِبَادَات. وَللَّه در النَّاظِم. شعر:
(اَوْ سجده بيش آدم واين بيش حق نكرد ... )
(شَيْطَان هزار مرتبه بهتر ز آدَمِيّ ... )

الجمّ

الجمّ:
[في الانكليزية] Building without a window
[ في الفرنسية] Immeuble sans fenetre
عند أهل العروض اجتماع العقل والخرم كما في رسالة قطب الدين السرخسي، وهكذا في عنوان الشرف وبعض رسائل العروض العربي، إلّا أنه ذكر فيهما الجمم بفك الإدغام.

وفي كنز اللغات الجم بالفتح: ترك ركوب الخيل، والمناسبة بين المعنى الــلغوي والاصطلاحي أظهر. وفي المنتخب: الجمم بفتحتين عدم وجود شرفة للعمارة. والمناسبة بين المعنيين حينئذ ظاهرة.

التّعقيد

التّعقيد:
[في الانكليزية] Complication
[ في الفرنسية] Complication
كالتصريف عند أهل البيان كون الكلام غير ظاهر الدلالة على المراد لخلل إما في النظم وإما في الانتقال أي كونه غير ظاهر الدلالة مع أنّ المقصود من إيراده إعلام المرام، فخرج المتشابه إذ المقصود منه الابتلاء لا الإفهام، ولا يرد المشترك والمجمل أيضا إذ ليس فيهما خلل لا في النظم ولا في الانتقال كما فسّر به. والتعقيد مطلقا سواء كان لفظيا وهو الذي يكون بسبب خلل في النظم أو معنويا وهو الذي يكون بسبب خلل في الانتقال مخلّ بالفصاحة. وأورد عليه بأنّه لو كان مخلّا بالفصاحة لم يكن اللّغز والمعمّى عنه مقبولين مع أنّهما مما يورد في علم البديع. والجواب أنّ قبولهما ليس من حيث الفصاحة بل لاشتمالهما على دقّة يختبر بها أهل الفطن. ولما كان عدم ظهور الدلالة صادقا على عدم ظهورها لاشتمال الكلام على لفظ غريب أو مخالف للقياس مع أنّه ليس تعقيدا قيّد ذلك بقولنا لخلل. ثم إنّه ليس المراد بالنظم كون الألفاظ مترتبة المعاني متناسقة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل فإنّ النظم حينئذ شامل لرعاية ما يقتضيه علم المعاني وعلم البيان. والخلل فيه يشتمل التعقيد المعنوي والخطأ في تأدية المعنى، بل المراد بالنظم تركيب الألفاظ على وفق ترتيب يقتضيه إجراء أصل المعنى. والخلل في النظم بأن يخرج عن هذا التركيب إلى ما لا تشهد به قوانين النحو المشهورة أو إلى ما تشهد به لكن تحكم بأنّه على خلاف طبيعة المعنى فتخفى الدلالة لكثرة اجتماع خلاف الأصل الموجبة لتحيّر السامع. قال في الإيضاح:
فالكلام الخالي عن التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك إلّا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة لفظية أو معنوية.
فالتعقيد اللفظي ربما كان لضعف التأليف وربما كان مع الخلوص عنه بأن يكون على قوانين هي خلاف الأصل، فلا يكون اشتراط الخلوص عنه في تعريف فصاحة الكلام بعد ذكر الخلوص عن ضعف التأليف مستدركا كما توهم، ولا يكون وجود التعقيد اللفظي بلا مخالفة لقانون نحوي مشهور، مخالفا للحكم بأنّ مرجع الاحتراز عن التعقيد اللفظي هو النحو كما توهّم أيضا، لأنّ النحو يميز بين ما هو الأصل وبين ما هو خلاف الأصل، والاحتراز عنه بالاحتراز عن جمع كثير من خلاف الأصل. وأمّا أنّه هل يكون الضعف بدون التعقيد اللفظي أم لا، فالحق الثاني وإن توهّم بعض الأفاضل أنّه لا تعقيد في جاءني أحمد بالتنوين لأنّ جاءني أحمد يفيد مجيء أحمد ما لا الشخص المعيّن، فلا يكون ظاهر الدلالة على الشخص المعيّن المراد. مثاله قول الفرزدق في مدح خال هشام بن عبد الملك وهو إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي:
وما مثله في النّاس إلّا مملّكا أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه.
أي ليس في الناس مثله حيّ يقاربه في الفضائل إلّا مملّك وهو الذي أعطي الملك والمال، يعني هشاما، أبو أمّه أي أبو أم ذلك المملّك، أبوه أي أبو إبراهيم الممدوح، أي لا يماثله أحد إلّا ابن أخته وهو هشام، ففيه فصل بين المبتدأ والخبر أعني أبو أمه أبوه بالأجنبي الذي هو حيّ، وبين الموصوف والصفة أعني حيّ يقاربه بالأجنبي الذي هو أبوه، وتقديم المستثنى أعني مملّكا على المستثنى منه أعني حيّ، ولهذا نصبه، وإلّا فالمختار البدل. فهذا التقديم شائع الاستعمال لكنه أوجب زيادة في التعقيد. والمراد بالخلل في الانتقال الخلل الذي ليس لخلل النظم وإلّا فعدم ظهور الدلالة لخلل في النظم إنّما هو لخلل في الانتقال. قال في الإيضاح والكلام الخالي عن التعقيد المعنوي ما يكون الانتقال فيه من معناه الأول إلى معناه الثاني الذي هو المراد به ظاهرا حتى يخيّل إلى السّامع أنّه فهمه من حاق اللفظ انتهى. والمراد أنّه فهمه قبل تمام الكلام لغاية ظهوره على زعمه. واعترض عليه بأنّه يفهم منه لزوم كون الجامع في الاستعارة ظاهرا، وقد ذكروا أنّ الجامع إذا ظهر بحيث يفهمها غير الخاصة تسمّى مبتذلة ويشترطون في قبولها أن يكون الجامع غامضا دقيقا. فبين الكلامين تدافع وأجيب بأنّ غموض الاستعارة ودقّة جامعها لا ينافي وضوح طريق الانتقال بأن لا يكون مانع لغوي أو عرفي، ولا يرد الإبهام الذي عدّ من المحسّنات للكلام البليغ، لأنّه إنّما يعدّ محسّنا عند وضوح القرينة الدالة على المراد.
والاعتراض بأنّ سهولة الانتقال ليست بشرط في قبول الكنايات وإلّا لزم خروج أكثر الكنايات المعتبرة عند القوم من حيّز الاعتبار خارج عن حيّز الاعتبار، لأنّ صعوبة الانتقال في تلك الكنايات إن أدّت إلى التعقيد فلا نسلّم اعتبارها عندهم. كيف وقد صرّحوا بأنّ المعمّى واللغز غير معتبرين عندهم لاشتمالهما على التعقيد.
واعترض أيضا أنّه يلزم أن لا يكون الكلام الخالي عن المعنى الثاني فصيحا لأنّه ليس له الخلوص عن التعقيد ودفعه بأنّ مثل هذا الكلام بمنزلة الساقط عن درجة الاعتبار عند البلغاء غير وجيه، لأنّ الكلام الخالي عن المجاز والكناية إذا روعي فيه المطابقة لمقتضى الحال كيف يكون ساقطا عن درجة الاعتبار إلّا أن يقال هو ساقط باعتبار الدلالة على المعنى، وإن كان معتبرا من حيث رعاية مقتضى الحال. وبعد يتجه عليه أنّ المعتبر في البلاغة سقوط ما ليس له معنى ثان بمعنى مقتضى الحال لا باعتبار الكون مجازا أو حقيقة. والأحسن أن يقال خصّ صاحب الإيضاح البيان الخالي عن التعقيد بما استعمل في المعنى المجازي لأنّه المحتاج إلى البيان والتوضيح. وأمّا الخلو عن التعقيد المعنوي لعدم معنى ثان فواضح لا حاجة إلى بيان هذا. مثال التعقيد المعنوي قول عباس بن الأحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا.
فالشاعر قصد إلى أن يحصل المراد بأن يكون في الاستغناء عنه كالهارب ويري نفسه عنه معرضا. ومن هذا حكم بأنّ الحرص شؤم والحريص محروم. وقيل لو لم تطلب الرزق يطلبك. وفي الحديث «زر غبّا تزدد حبّا».
وبالجملة جعل سكب الدموع وهو البكاء كناية عمّا يلزم فراق المحبوبين من الحزن وأصاب لأنّه واضح الانتقال لأنه كثيرا ما يجعل دليلا عليه وجعل جمود العين كناية عن السرور قياسا على جعل السّكب بمقابله ولم يصب، لأنّ سكب الدموع قلّما يفارق الحزن بخلاف جمود العين فإنّه يعمّ أزمنة الخلوّ عن الحزن، سواء كان زمن السرور أو لا، فلا ينتقل منه إلى السرور بل إلى الخلوّ من الحزن. هذا كلّه خلاصة ما في المطول والأطول والچلپي وأبى القاسم.

التّعريف

التّعريف:
[في الانكليزية] Definite article ،definition
[ في الفرنسية] Article defini ،definition
عند أهل العربية هو جعل الذات مشارا بها إلى خارج إشارة وضعية ويقابلها التنكير وسيأتي في لفظ المعرفة. وعند المنطقيين والمتكلّمين هو الطريق الموصل إلى المطلوب التصوّري ويسمّى معرّفا بكسر الراء المشددة وقولا شارحا أيضا، ويسمّى حدّا أيضا عند الأصوليين وأهل العربية، كما سيأتي في لفظ الحد. وذلك المطلوب التصوّري يسمّى معرّفا بفتح الراء المشددة ومحدودا، والطريق ما يمكن التوصل فيه بصحيح النظر إلى المطلوب كما سيأتي أيضا. وبالجملة فالمعرّف ما يكتسب به التصوّر فخرج ما يحصل بطريق الحدس وما يحصل من الملزومات البيّنة من العلم باللوازم، فإنّ الاكتساب إنّما هو بالنظر. قال المنطقيون لا بد في المعرّف من مميّز فإن كان المميز ذاتيا سمّي المعرف حدّا، وإن كان عرضيا سمّي المعرّف رسما، وإذا اجتمع المميزان سمّي رسما أكمل من الحدّ، وكل من الحدّ والرسم إن ذكر فيه تمام الذاتي المشترك بينه وبين غيره المسمّى بالجنس القريب فتام، وإلّا فناقص.
فالمركّب من الجنس والفصل القريبين حدّ تام كالحيوان الناطق في تعريف الإنسان، والمركّب من الخاصة والجنس القريب رسم تام كالحيوان الضاحك في تعريف الإنسان، والتعريف بالفصل وحده، أو مع الجنس البعيد أو العرض العام عند من يجوز أخذه في الحد حد ناقص، والتعريف بالخاصة وحدها أو مع الجنس البعيد أو العرض العام عند من يجوز أخذه في الرسم رسم ناقص.
أعلم أنّ التعريف بالمثال سواء كان جزئيا للمعرّف كقولك الاسم كزيد والفعل كضرب أو لا يكون جزئيا له كقولك العلم كالنور والجهل كالظلمة، هو بالحقيقة تعريف بالمشابهة التي بين ذلك المعرّف وبين المثال، فإن كانت تلك المشابهة مفيدة للتمييز فهي خاصة لذلك المعرّف فيكون التعريف بها رسما ناقصا داخلا في أقسام المعرّف الحقيقي، وإلّا لم يصح التعريف بها، فليس التعريف بالمثال قسما على حدة. ولما كان استئناس العقول القاصرة بالأمثلة أكثر لكون الجزئي أوّل المدركات شاع في مخاطبات المتعلّمين التعريف به.
واعلم أيضا أنّ التعريف يطلق بالاشتراك على معنيين: أحدهما التعريف الحقيقي وهو الذي يقصد به تحصيل ما ليس بحاصل من التصوّرات وهو الذي ذكر سابقا وهو ينقسم إلى قسمين. الأول ما يقصد به تصوّر مفهومات غير معلومة الوجود في الخارج سواء كانت موجودة أو لا ويسمّى تعريفا بحسب الاسم وتعريفا اسميا، فإذا علم مفهوم الجنس مثلا إجمالا وأريد تصوّره بوجه أكمل فإن قصد نفس مفهومه بأجزائه كان ذلك حدا له اسميا، وإن ذكر في تعريفه عوارضه كان ذلك رسما له اسميا.
والثاني ما يقصد به تصوّر حقائق موجودة أي معلومة الوجود في الخارج بقرينة المقابلة ويسمّى تعريفا بحسب الحقيقة، إمّا حدا أو رسما. ثم الظاهر من عباراتهم أنّ المعتبر في كونه تعريفا بحسب الاسم أو بحسب الحقيقة الوجود الخارجي، فالأمور الاعتبارية التي لها حقائق في نفس الأمر، كالوجود والوجوب والإمكان يكون لها تعريفات بحسب الاسم فقط، لكن لا شبهة في أن لها حقائق في نفس الأمر، وألفاظها يجوز أن تكون موضوعة بإزائها وأن تكون موضوعة بإزاء لوازمها، فيكون لها تعريفات بحسب الاسم وبحسب الحقيقة إمّا حدودا أو رسوما كالحقائق الخارجية، فالصواب عدم التخصيص بالموجودات الخارجية وأن يراد بالوجود في الخارج الوجود في نفس الأمر، وبه صرّح المحقّق التفتازاني في التلويح. فعلى هذا، الماهيات الحقيقية أي الثابتة في نفس الأمر لها تعريفات بحسب الاسم وبحسب الحقيقة بخلاف الماهيات الاعتبارية أي الكائنة بحسب اعتبار العقل كالمعدومات والمفهومات المصطلحة، فإنّها تعرف بحسب الاسم لا بحسب الحقيقة.
وثانيهما التعريف اللفظي وهو الذي يقصد به الإشارة إلى صورة حاصلة وتعيينها من بين الصور الحاصلة ليعلم أنّ اللفظ المذكور موضوع بإزاء الصورة المشار إليها. فمعنى قولنا الغضنفر الأسد إنّ ما وضع له الغضنفر هو ما وضع له الأسد، فالمستفاد منه تعيين ما وضع له لفظ الغضنفر من بين سائر المعاني والعلم بوضعه له، فمآله إلى التصديق أي التصديق بالوضع فهو في الحقيقة من مطالب هل المركّبة، وإن كان يسأل عنه بما نظرا إلى استلزامه لإحضار المعنى بعد العلم بالوضع، فيقال ما الغضنفر؟ وهو طريقة أهل اللغة وخارج عن المعرّف الحقيقي وأقسامه المذكورة. فإن التعريف الحقيقي ما يكون تصوّره سببا لتصور شيء آخر. ولمّا لم يكن في التعريف اللفظي المغايرة إلّا من حيث اللفظ لا يتحقق هاهنا تصوّران متغايران بالذات أو بالاعتبار، فضلا عن كون أحدهما سببا للآخر. وما قيل من أنّ المفهوم من حيث إنه مدلول اللفظ الأول مغاير لنفسه من حيث إنّه مدلول اللفظ الثاني فبالحيثية الثانية سبب، وبالحيثية الأولى مسبب، ففيه أنّ المفاد من التعريف اللفظي إحضار ذات مفهوم اللفظ الأول بتوسّط اللفظ الثاني لا إحضاره مقيدا بكونه مدلول اللفظ الأول بتوسّط إحضاره مقيدا بكونه مدلول اللفظ الثاني، فظهر من هذا فساد ما ذهب إليه المحقق التفتازاني، من أنّ التعريف اللفظي من المطالب التصوّرية، وبالنظر إلى هذا ذهب صاحب السلم إلى أنّ الاشتراك بين المعنيين معنوي حيث قال: معرّف الشيء ما يحمل عليه تصويرا وتحصيلا أو تفسيرا، والثاني اللفظي والأول الحقيقي، ففيه تحصيل صورة غير حاصلة. فإن علم وجودها فهو بحسب الحقيقة، وإلّا فبحسب الاسم. ثم قال:
التعريف اللفظي من المطالب التصوّرية فإنه جواب ما، وكلّما هو جواب ما فهو تصوّر. ألا ترى إذا قلنا الغضنفر موجود فقال المخاطب ما الغضنفر؟ ففسّره بالأسد، فليس هناك حكم.

وهكذا ذكر المحقق الدواني حيث قال: وأنت خبير بأنه إذا كان الغرض منه معرفة حال اللفظ وأنه موضوع لذلك المعنى كان بحثا لغويــا خارجا عن المطالب التصوّرية، وأمّا إذا كان الغرض منه تصوير معنى اللفظ أي إحضاره فليس كذلك كما إذا قلنا الغضنفر موجود، فلم يفهم السامع منه معنى، ففسرناه بالأسد فيحصل له تصوّر معناه فذلك من المطالب التصورية انتهى. وفيه أنّ هذا التفسير لإحضار صورة حاصلة للحكم عليه بموجود وليس كل ما يفيد إحضار صورة حاصلة تعريفا لفظيا وإلّا لكان جميع الألفاظ المعلومة أوضاعها تعريفات لفظية لكونها مفيدة لإحضار صورة حاصلة بل هو أي التعريف اللفظي ما يفيد إحضار صورة حاصلة، ويعلم بأنّ اللفظ موضوع بإزائها كقولنا الغضنفر الأسد، على أنه يرد على قوله ففسرناه بالأسد ليحصل معناه أنه إن أراد به أنّ التفسير يفيد حصول المعنى ابتداء فممنوع. وإن أراد أنه يفيده بتوسط إفادته العلم بأنه موضوع فمسلّم.
لكن حينئذ يكون التفسير المذكور للعلم بالوضع وحصول المعنى بتبعه فتدبر.
فائدة:
من حق التعريف اللفظي أن يكون بألفاظ مفردة مرادفة فإن لم توجد ذكر مركّب يقصد به تعيين المعنى لا تفصيله ويجري في الحروف والأفعال أيضا.
فائدة:
يجب معرفة المعرّف قبل معرفة المعرّف قبلية زمانية وذاتية، فإنّ كونه طريقا لتلك المعرفة يثبت القبلية الزمانية، وكونه سببا لها يثبت القبلية الذاتية، فيكون غير المعرّف ويكون أيضا أجلى منه، ولا بدّ أن يساويه في العموم والخصوص ليحصل به التمييز إذ لولاه لدخل فيه غير المعرّف على تقدير كونه أعمّ مطلقا أو من وجه، فلم يكن مانعا مطردا أو خرج عنه بعض أفراده على تقدير كونه أخص، إمّا مطلقا أو من وجه فلم يكن جامعا ومنعكسا. وهذا مذهب المتأخرين. وأمّا المتقدمون فقد قالوا الرّسم منه تام يميز المرسوم عن كل ما يغايره ومنه، وناقص يميزه عن بعض ما يغايره. وصرّحوا بأنّ المساواة شرط لجودة الرسم وجوّزوا الرسم بالأعم والأخص، وأيّد ذلك بأنّ المعرّف لا بدّ أنّ يفيد التمييز عن بعض الأغيار كما يقتضيه تعريفهم للمعرّف بما يستلزم معرفته معرفته، فإن المعرفة تقتضي التمييز في الجملة. وأمّا التمييز عن جميعها فليس بشرط أنّ التصورات المكتسبة كما قد تكون بوجه خاص بالشيء إمّا ذاتي أو عرضي، كذاك يكون بوجه عام ذاتي أو عرضي، فيجب أن يكون كاسب كل منهما معرفا.
فالمساواة شرط للمعرّف التام دون غيره حدا كان أو رسما.
فائدة:
كلّ من قسمي التعريف الحقيقي لا يتجه عليه منع لأنّ المتصدّي لهما بمنزلة نقاش ينقش لك في ذهنك صورة مفهوم أو موجود، فإنّه إذا قال الإنسان حيوان ناطق لم يقصد به أن يحكم عليه بكونه حيوانا ناطقا وإلّا لكان مصدقا لا مصوّرا، بل أراد بذكر الإنسان أن يتوجه ذهنك إلى ما عرفته بوجه ما، ثم شرع في تصويره بوجه أكمل. فليس بين الحدّ والمحدود حكم حتى يمنع، فلا يصح أن يقال للكاتب: لا أسلم كتابتك. نعم يصح أن يقال لا نسلم أنّ هذا حدّ للإنسان أو أنّ الحيوان جنس له ونحو ذلك، فإنّ هذه الدعاوي صادرة عنه ضمنا وقابلة للمنع، فإذا أريد دفعه صعب جدا في المفهومات الحقيقية وإن سهل في المفهومات الاعتبارية. وكذا لا يتجه على الحدّ النقض والمعارضة. أمّا إذا قيل الإنسان حيوان ناطق وأريد أنّ هذا مدلوله لغة أو اصطلاحا كان هذا تعريفا لفظيا قابلا للمنع الذي يدفع بمجرد نقل أو وجه استعمال. هذا كله خلاصة ما في شرح المواقف وحاشيته لمولانا عبد الحكيم.
فائدة:
يحترز في التعريف عن الألفاظ الغريبة الوحشية وعن المشترك والمجاز بلا قرينة ظاهرة. وبالجملة فعن كلّ لفظ غير ظاهر الدلالة على المقصود.
فائدة:
المركب إذا لم يكن بديهي التصوّر يحدّ بأجزائه حدا تاما أو ناقصا دون البسيط فإنه لا يمكن تحديده أصلا، إذ لا جزء له. فإن تركّب عنهما أي عن المركّب والبسيط غيرهما ولا يكون ذلك الغير بديهي التصوّر حدّ بهما، وإلّا فلا، إذ لم يقعا جزأ للشيء. وكل متصوّر كسبي مركّب أو بسيط له خاصة شاملة لازمة بيّنة بحيث يكون تصورها مستلزما لتصوره يرسم، وإلّا فلا. فإن كان ذلك الكسبي الذي له تلك الخاصة مركّبا أمكن رسمه التام بتركيب جنسه القريب مع خاصته وإلّا فالناقص. ثم إنّه يقدم في التعريف الاسم. ثم المشهور أنّ الشخص لا يحدّ بل طريق إدراكه الحواس إنما الحدّ لكليّات المرتسمة في العقل دون الجزئيات المنطبعة في الآلات لأنّ معرفة الشخص لا تحصل إلا بتعيين مشخصاته بالإشارة ونحوها، والحدّ لا يفيد ذلك لأن غايته الحدّ التام وهو إنما يشتمل على مقومات الشيء دون مشخصاته. ولقائل أن يقول إنّ الشخص مركّب اعتباري هو مجموع الماهية والتشخّص، فلم لا يجوز أن يحدّ بما يفيد معرفة الأمرين؟
والحقّ أنّ الشخص يمكن أن يحدّ بما يفيد امتيازه عن جميع ما عداه بحسب الوجود لا بما يفيد تعينه وتشخصه، بحيث لا يمكن اشتراكه بين كثيرين في العقل، فإنّ ذلك إنما يحصل بالإشارة لا غير. هكذا في العضدي وحواشيه.

التّضاد

التّضاد:
[في الانكليزية] Contradition ،opposition antagonism
[ في الفرنسية] Contradition ،opposition ،antagonisme
بتشديد الدال يطلق على معان. منها التقابل والتنافي في الجملة، وفي بعض الأحوال وبهذا المعنى وقع في تعريف الطّباق كما في المطوّل. والظاهر أنّ هذا المعنى لغوي فإنّ التضاد في اللغة بمعنى: العداوة مع الآخر، وعدم التّجانس والتنافي، وبمعنى عدم التوافق. ومنها الطّباق والجمع بين معنيين متضادين. وهذا المعنى من مصطلحات أهل البديع. ويلحق به ما يسمّى إيهام التّضاد وهو الجمع بين معنيين غير متقابلين، عبّر عنهما بلفظين، يتقابل معانيهما الحقيقيان نحو قول دعبل:
لا تعجبي يا سلم من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى.
يعني بالرجل نفسه وبالضحك الظهور التامّ، فلا تضاد بين البكاء وظهور المشيب، لكنّه عبّر عن ظهور المشيب بالضحك الذي يكون معناه الحقيقي مضادا لمعنى البكاء. وإنّما سمّي بإيهام التضاد لأنّ المعنيين المذكورين وإن لم يكونا متقابلين حتى يكون التضاد حقيقيّا لكنهما قد ذكرا بلفظين يوهمان بالتضاد، نظرا إلى الظاهر والحمل على الحقيقة كذا في المطول. ومنها كون المعنيين بحيث يمتنع لذاتيهما اجتماعهما في محلّ واحد من جهة واحدة، والمعنيان يسمّيان بالمتضادين والضّدين، وهو من مصطلحات المتكلّمين كما في تهذيب الكلام وشرح المواقف وعليه اصطلاح الفقهاء أيضا.

قال الچلپي في حاشية التلويح: اسم الضّد في اصطلاح الفقهاء يطلق على كلّ من المتقابلات مطلقا، صرّح به في التحقيق، انتهى. فقولهم معنيان أي عرضان يخرج العدم والوجود لأنهما ليسا عرضين، وكذا الإعدام لذلك، وكذا الجوهر والعرض وهو ظاهر، وكذا القديم والحادث فإنّ القديم القائم بغيره كصفاته تعالى لا يسمّى عرضا عندهم لأنّه قسم من الممكن الذي هو ما سوى الله تعالى، ولذا حكموا بحدوثه. فهذه الأمور لا تضاد في شيء منها وكذا الأمور الإضافية لعدم كونها موجودة عندهم. وقولهم يمتنع اجتماعهما يخرج نحو السّواد والحلاوة فإنّهما يجتمعان فلا تضاد بينهما. وقولهم لذاتيهما أي يكون منشأ امتناع الاجتماع ذاتيهما وإن كان بواسطة لازمة للذات فلا ينافي ما يقال إنّ التقابل بالذات إنّما هو بين الإيجاب والسّلب وفيما عداهما بالواسطة.
وخرج بهذا القيد العلم بالحركة والسكون معا فإنّ هذين العلمين وإن امتنع اجتماعهما لكن ليس ذلك لذاتيهما، بل لاستلزامهما المعلومين اللذين يمتنع اجتماعهما لذاتيهما بناء على أنّ المطابقة معتبرة عندهم في العلم؛ فلو اجتمع العلمان في شخص واحد لزم اجتماع المعلومين، أعني كون شخص واحد متحركا وساكنا في آن واحد فتدبّر. وكذا الحركة الاختيارية مع العجز فإنّ امتناع الاجتماع بينهما ليس لذاتيهما بل لأنّ الحركة الاختيارية تستلزم القدرة المضادّة للعجز لكونهما متنافيين بالذات.
وقولهم من جهة واحدة الأولى حذفه لعدم ظهور الفائدة. وما قيل إنّ فائدته إدخال الاجتماع والافتراق فإنّهما موجودان عندهم يمتنع اجتماعهما في محلّ واحد من جهة واحدة لا من جهتين، إذ يجوز أن يكون لجسم واحد اجتماع بالنسبة إلى جسم وافتراق بالنسبة إلى آخر، فمدفوع بأنّ الكون الموجود أمر شخصي يعرض له اعتباران. فالموجود في الخارج لا تعدّد فيه وإن اعتبر مع الإضافة فهو أمر اعتباري لا وجود له، وكذا ما قيل إنّ فائدته إدخال السواد والبياض اللذين في البلقة والخطين اللذين في السطح فإنّ الاجتماع في الصورتين ليس من جهة واحدة، بل من جهتين لانتفاع الاجتماع في المحلّ الواحد في الصورة الأولى، وكون الخطّ والسطح والنقطة من الأمور الاعتبارية عندهم. والمراد امتناع الاجتماع بعد عدم اشتراكهما في الصفات النفسية فخرج التماثل، فإنّ المتماثلين عند الأشعري لا يجتمعان أيضا.
ثم اعلم أنّ اتّحاد المحلّ لم تشترطه المعتزلة، وقالوا الضدان معنيان يستحيل اجتماعهما لذاتيهما في الجملة سواء كان في محلّ واحد أو في محلّين. وقالوا العلم بالشيء كالسواد مثلا إذا قام بجزء في القلب فإنّه يضادّ الجهل بذلك الشيء بجزء آخر من القلب، وإلّا أي إن لم يكن بينهما تضاد اتصفت الجملة بهما، إذ الصفات التابعة للحياة إذا قامت بجزء من شيء ثبت حكمها للجملة. والمراد بالجهل الجهل المركّب فإنّ الجهل البسيط عدمي عندهم وزاد عليه أبو الهذيل ومن تبعه فلم يشترط المحلّ وذهب إلى أنّ إرادته تعالى تضاد كراهيته تعالى وهما صفتان حادثتان لا في محلّ، أي ليستا في ذاته تعالى لامتناع قيام الحوادث به ولا في غيره لامتناع قيام الصفة بغير موصوفها، وهما متضادان لامتناع اجتماع حكمهما في ذاته، أعني كونه مريدا وكارها معا لشيء واحد.
ويردّ عليهم الموت والحياة فإنّهما ليسا ضدين عندهم مع امتناع اجتماعهما.
واعلم أيضا أنّ جمهور المعتزلة على أنّ المتماثلين يجوز اجتماعهما فهم لا يعتبرون عدم الاشتراك في الصفات النفسية ويخرجون التماثل بقيد امتناع الاجتماع.
ومنها التقابل بين أمرين وجوديين بحيث لا يتوقف تعقّل كلّ منهما على تعقّل الآخر، وهذان الأمران يسمّيان بالمتضادين والضدّين، وهذا من مصطلحات الحكماء. فالضدان عندهم أخصّ مما عند المتكلمين لأنّ المتضايفين قد اختلف في وجودهما، فعلى القول بوجودهما يكونان داخلين في الضدّين على مقتضى تعريف المتكلمين دون تعريف الحكماء وإن لم يكن المتكلمون قائلين بدخولهما في تعريف الضدّين، وكذا الحال في المتماثلين. ثم المراد بالوجودي ما لا يكون السّلب جزءا من مفهومه، وبهذا القيد خرج السلب والإيجاب والعدم والملكة.
وبقولهم لا يتوقّف الخ، خرج التضايف وهذا هو التضاد المشهوري سمّي به لاشتهاره بين عوام الفلاسفة. وقد يشترط أن يكون بين هذين الأمرين غاية الخلاف والبعد كالسواد والبياض فإنهما متخالفان متباعدان في الغاية دون الحمرة والصفرة، إذ ليس بينهما ذلك الخلاف والتباعد فهما متعاندان لا ضدان، وهذا هو التضاد الحقيقي سمّي به لكونه المعتبر في العلوم الحقيقية. هذا هو المسطور في أكثر الكتب.
وفي شرح المقاصد ناقلا عن الشيخ أنه يشترط في التضاد المشهوري أيضا. غاية الخلاف هذا كله خلاصة ما في شرح المواقف وحاشيته للمولوي عبد الحكيم.
فائدة:
الفرق بين الضدّ والنقيض أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان كالعدم والوجود والضدّان لا يجتمعان لكن يرتفعان كالسّواد والبياض كذا في بحر الجواهر.
فائدة:
قالوا قد يلزم أحد المتضادين المحلّ إمّا بعينه كالبياض للثلج أو لا بعينه كالحركة والسكون للجسم فإنّه لا يخلو عنهما وقد يخلو عنهما معا إمّا مع اتصافه بوسط ويعبّر عن ذلك الوسط إما باسم وجودي كالفاتر المتوسّط بين الحار والبارد أو بسلب الطرفين، كما يقال لا عادل ولا جائر لمن اتصف بحالة متوسّطة بين العدل والجور، وإما بدون الاتصاف بوسط فيخلو المحلّ عن الوسط أيضا كالشّافّ الخالي عن السواد والبياض، وعن كلّ ما يتوسطهما من الألوان.
وأيضا قد يمكن تعاقب الضدين على المحلّ بحيث لا يخلو المحلّ عنهما معا بأن يعدم أحدهما عنه ويوجد الآخر فيه في آن واحد كالسواد والبياض، أو لا يمكن ذلك كالحركة الصاعدة والهابطة، فإنّه لا يجوز تعاقبهما على محلّ واحد. فإن قلنا يجب أن يكون بينهما سكون.
فائدة:
التضاد لا يكون إلّا بين أنواع جنس واحد أي لا تضاد بين الأجناس أصلا ولا بين أنواع ليست مندرجة تحت جنس واحد بل تحت جنسين، وإنّما التضاد بين الأنواع المندرجة تحت جنس واحد، ولا يكون التضاد إلّا بين الأنواع الأخيرة المندرجة تحت جنس قريب كالسواد والبياض المندرجة تحت اللون الذي هو جنسهما القريب، وما يتوهّم بخلاف ذلك نحو الفضيلة والرذيلة والخير والشّر فمن العدم والملكة، وضد الواحد الحقيقي لا يكون إلّا واحدا، فالشجاعة ليس لها ضدان حقيقيان هما التهوّر والجبن بل لا تضاد حقيقيا إلّا بين الأطراف كالتهوّر والجبن، وكل ذلك ثبت بالاستقراء كذا في شرح المواقف.

التّرتيب

التّرتيب:
[في الانكليزية] Hierarchy ،arrangement ،order
[ في الفرنسية] Hierarchie ،arrangement ،ordre
بالمثناة الفوقانية في اللغة جعل كلّ شيء في مرتبته. وبعبارة أخرى وضع كل شيء في مرتبته. والمعنى أنّ الترتيب بين الأشياء وضع كل شيء منها في مرتبة له عند المرتّب، فيشتمل الفكر الفاسد، وفيه إشارة إلى أنّه لا بدّ في الترتيب من اعتبار المرتّب تلك المرتبة فلو وضع شيئا منها في مرتبته ولم يلاحظها لا يكون ترتيبا. قيل الضمير إما أن يرجع إلى كل أو إلى شيء، وعلى التقديرين يفسد المعنى إذ الترتيب ليس وضع كلّ شيء في مرتبة كلّ شيء ولا في مرتبة شيء ما، وقد تحيّر الناظرون في حلّه.
والجواب أنّه ذكر الرضي في بحث المعرفة أنّ الضمير الراجع إلى النكرة المذكورة التي لا يحكم سابقا عليها معرفة لصيرورته معهودا به فيختار أنّ الضمير راجع إلى كل شيء، والمعنى وضع كل شيء من الأشياء في مرتبة كلّ شيء يتعلق به الوضع. ولا شكّ أنّ الأوضاع متعدّدة بحسب تعدّد الأشياء، ولكل واحد منها مرتبة مختصّة به عند الوضع ليس لغيره، فاندفع المحذور، وصار مآل المعنى ما في التاج:
الترتيب نهادن جيزيراپس جيزي ديكر. والأظهر أن يقال وضع شيء بعد شيء إلّا أنّه زاد لفظ كلّ إشارة إلى أنّ الترتيب الــلغوي إنّما يتحقّق إذا وضع كل شيء منها في موضعه، حتى لو انتفى في شيء منها انتفى الترتيب. فاندفع ما قيل إنّ هذا التعريف يقتضي الترتيب بحسب تعدد الأشياء الموضوعة، كذا ذكر المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية في تعريف الفكر في مبحث ليس الكل من كلّ من التصوّر والتصديق بديهيّا ولا نظريّا.
وفي الاصطلاح كما وقع في شرح الشمسية جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد ويكون لبعضها نسبة إلى بعض بالتقديم والتأخير. وذكر أحمد جند في حاشيته أنّ هذا المعنى عرفي إذ في كونه من مصطلحات العلوم تردّد انتهى. وفي التعريف إشارة إلى بقاء تعدّدها حال الترتيب، فإذا جعل الماء الذي في الإنائين في إناء واحد لا يكون ذلك ترتيبا، ولذلك لا يكون التركيب من الأجزاء المحمولة عند من قال بوجود الكلّي في الخارج ترتيبا. وقولهم بحيث يطلق عليها اسم الواحد أي يطلق عليها هذا الاسم بوجه ما لا من كلّ وجه، إذ لا يتصوّر ذلك في الأشياء الكثيرة إذ لا تعرض لها الوحدة باعتبار ذواتها، لأنها بهذا الاعتبار معروضة للكثرة وإنّما تعرض لها الوحدة باعتبار عروض الهيئة الوحدانية لها، والوحدة من كل وجه إنّما تعرض للبسيط من كل وجه. ولئن تصوّر ذلك فليس بواجب في الترتيب، سواء كان ذلك المجموع واحدا حقيقيّا بأن يصير بحيث لا يبقى بين الأجزاء تمايز في الوجود أو غير حقيقي بل اعتباريّا بأن لا تصير هذه الحيثية. وقولهم ويكون لبعضها إلخ أي بحيث يمكن الإشارة حسّا أو عقلا إلى كلّ واحد من الأجزاء بأنّه أين هو من صاحبه، يخرج الواحد الحقيقي من التعريف، إذ الظاهر أنّ الضمير في بعضها راجع إلى الأشياء المجعولة بالحيثية المذكورة، والأشياء المجعولة بحيث يطلق عليها الواحد الحقيقي لا تكون لبعضها نسبة إلى البعض بالتقديم والتأخير بعد الجعل كذلك، وهو ظاهر. وإلى هذا ذهب السيّد الشريف وقال واحترز به عن مثل ترتيب الأدوية.
ثم الترتيب أخصّ مفهوما من التأليف إذ لم يعتبر في التأليف نسبة بعض الأجزاء إلى بعض بالتقديم والتأخير، بل أكتفي فيه بالجزء الأوّل من مفهوم الترتيب، والعقل إذا لاحظه جوّز تحقّقه في شيء بدون المقيّد من غير عكس، وكذا أخصّ منه صدقا إذ قد يوجد التأليف بين أشياء لا وضع لها أصلا لا حسّا ولا عقلا بأن لا تكون هي قابلة للإشارة الحسّية ولا العقلية، كما إذا لوحظت دفعة مفهومات اعتبارية على هيئة وحدانية هذا.
وقيل الضمير في بعضها راجع إلى ذات الأشياء المتعددة من غير اعتبار وصف المجعولية المذكورة معها، والمعنى ويكون لبعض تلك الأشياء نسبة إلى البعض بالتقديم والتأخير، إمّا حين حدوث تعلّق المجعولية المذكورة لها فقط أو بعده أيضا. وظنّ هذا القائل أنّ الأشياء لتعددها متمايزة بالوجود لا محالة، فيكون لها وضع حين حدوث تعلّق المجعولية لها البتة. فكلّ تأليف ترتيب وبالعكس، فهما متساويان صدقا. وردّ بأنّه ليس من لوازم التمايز في الوجود بوجه ما حين حدوث تعلّق المجعولية لها قبول الإشارة الحسّية أو العقلية، لتوقّف قبول الإشارة على ملاحظة تلك الأشياء تفصيلا لتمايز تلك الأشياء في الوجود العقلي تفصيلا، إذ الإجمالي لا يكفي لقبولها، فيجوز أن لا تكون الأشياء المتمايزة بالوجود الإجمالي متمايزة بالوجود التفصيلي حين حدوث تعلّق المجعولية بها، فلا يكون لها وضع كالمفهومات الاعتبارية الملحوظة دفعة على هيئة وحدانية حين إطلاق الألفاظ الموضوعة بإزائها وهذه الملحوظية الدفعية هي المجعولية. وحين حدوث تعلّق هذه المجعولية بأجزاء تلك المفهومات وإن كانت تلك الأجزاء مجعولة في العقل لوجوب سبق العلم بالوضع، إلّا أنّ تحقّقها فيه كان بطريق الإجمال على وجه لا يمكن للعقل على هذا الوجه أن يشير إلى كلّ منها بأين هو من صاحبه هذا. نعم التأليف الواقع في أمور تعلّق بها نظر لا يمكن بدون الترتيب لأنّه تأليف المبادي بحسب حركة الذهن، فلا بدّ أن يقع بعضها في أول الحركة والبعض في آخرها.
وبالجملة فالمراد بقابلية الأشياء للإشارة الحسية أو العقلية هو الاستعداد القريب فقط كما هو الأظهر لا مطلق الاستعداد قريبا كان أو بعيدا كما ظنّ هذا البعض. هذا كله إذا أخذ الترتيب والتأليف مطلقين. وأمّا إذا أخذا معيّنين فالترتيب المعيّن يستلزم التأليف المعيّن من غير عكس، لأن خصوص التأليف لخصوص المادة فقط، وخصوص الترتيب باعتبار خصوص المادّة والصورة معا، فالتأليف من أب ج مع تعيّنه يمكن أن يقع على هذا الترتيب المعيّن وأن يقع على ترتيبات السّتّ الممكنة فيها. فهذا التأليف أعمّ من كلّ واحد من تلك الترتيبات، ولا يستلزم شيئا منها بل يستلزم واحدا منها لا بعينه، إذا كان لتلك الأمور وضع حسّي أو عقلي. هذا كله خلاصة ما في حواشي شرح المطالع وشرح الشمسية. قال أحمد جند: هذا الذي ذكر هو معنى الترتيب المطلق. ومعنى ترتيب الكتاب لغة وضع أجزائه في مواقعها، وعرفا جعل أجزائه بحيث يطلق عليها اسم الواحد على قياس ما عرفت في الترتيب المطلق.
ثم الترتيب في اصطلاح أهل البديع هو أن يورد أوصاف الموصوف بها على ترتيبها في الخلقة الطبيعية، ولا يدخل فيها وصفا زائدا، ومثّله عبد الباقي اليميني بقوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وبقوله تعالى فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها الآية كذا في الإتقان في نوع بديع القرآن.

التّخصيص

التّخصيص:
[في الانكليزية] P articularization
[ في الفرنسية] P articularisation
هو في اللغة تمييز بعض الجملة بحكم.
ولذا يقال خصّ فلان بكذا كذا في كشف البزدوي. وفي عرف النحاة تقليل الاشتراك الحاصل في النكرات، وتقليل الاشتراك الحاصل في المعارف عندهم لا يسمّى توضيحا، بل التوضيح عندهم رفع الاحتمال الحاصل في المعرفة وهذا هو المراد بالتخصيص والتوضيح في قولهم: الوصف قد يكون للتخصيص وقد يكون للتوضيح. وقد يطلق التخصيص على ما يعمّ تقليل الاشتراك ورفع الاحتمال، وتحقيق ذلك أنّ الوصف في النكرات إنما يقلّل الاحتمال والاشتراك، وفي المعارف يرفعه بالكلية، فإنّ رجلا في قولك رجل عالم كان يحتمل على سبيل البدلية جميع أفراده، وبذكر العالم قد زال الاحتمال حيث علم أن ليس المراد غير العالم، وبقي الاحتمال بالنسبة إلى أفراد العالم. وأما زيد في قولك زيد التاجر عند اشتراكه بين التاجر وغيره فكان محتملا لهما، وبذكر الوصف ارتفع ذلك الاحتمال بالكليّة.
لا يقال قد يرتفع الاحتمال بذكر الوصف في النكرات كما إذا لم يكن الموصوف إلّا واحدا، وقد لا يرتفع في المعارف كما إذا كان الموصوف بالتجارة من المسمين بزيد متعددا، لأنّا نقول مفهوم النكرة الموصوفة كلّي وإن كان منحصرا في فرد بحسب الواقع فلم يرتفع الاحتمال بالكليّة نظرا إلى المفهوم، وعند كون الموصوف بالتجارة من المسمين بزيد متعددا يجب ذكر الصفة الرافعة للاحتمال لأنه إنما يستعمل في واحد منهم بعينه وذكر الوصف لدفع مزاحمة الغير ليتعين المراد، فيجب ذكر ما يعين المراد بخلاف النكرة فإنها تستعمل في مفهومها الكلّي. ولذا تكون حقيقة وإن قيّدت بوصف لا توجد إلّا في واحد. ثم كون الوصف رافعا للاحتمال في سائر المعارف محلّ تردّد.
اعلم أنّ الاشتراك والاحتمال إمّا معنوي أي ناشئ من المعنى كما في النكرات وإما لفظي أي ناشئ من اللفظ، سواء كان بحسب الأوضاع المتعدّدة كما في المشترك اللفظي بالقياس إلى أفراد معنى واحد فهو ناشئ من المعنى من قبيل الاشتراك المعنوي، أو بحسب وضع واحد كما في سائر المعارف. فإنّ المعرّف بلام العهد الخارجي مثلا كالرجل يصلح أن يطلق على خصوصية كلّ فرد من المفهومات الخارجية إمّا لأنه موضوع بإزاء تلك الخصوصيات وضعا عاما وإمّا لأنه موضوع لمعنى كلّي ليستعمل في جزئياته لا فيه. وأيّا ما كان فالاحتمال ناشئ من اللفظ فقال السيّد السّند: الظاهر أنهم أرادوا الاشتراك المعنوي، لأنّ التقليل إنّما يتصور فيه بلا تمحّل كما في رجل عالم فلا تكون جارية في قولنا عين جارية صفة مخصصة، وقد يتمحّل فيحمل الاشتراك على ما هو أعمّ من المعنوي واللفظي وتجعل جارية صفة مخصصة لأنها قللت الاشتراك بأن رفعت مقتضى الاشتراك اللفظي وهو احتمال العين لمعانيه [وعينت معنى واحدا] فلم يبق في عين جارية إلّا الاشتراك المعنوي بين أفراد ذلك المعنى. وصاحب الأطول قال: الظاهر أنّ التخصيص محمول على إزالة الاشتراك لفظيا كان أو معنويا إمّا في الجملة أو بالكلية، إلّا أنه فسّر بتقليل الاشتراك لأنه الغالب في التخصيص، وقلّما يبلغ مرتبة الإزالة بالكليّة.
فإن قلت الرجل العالم خير من الجاهل في صورة الاستغراق لا يتصور أن يكون لتقليل الاحتمال، إذ لا احتمال للمستغرق بل لتقليل الشمول، فهل يجعل تقليل الشمول من التخصيص؟ قلت: قرينة الاستغراق تقوم بعد الوصف فالوصف لتقليل الاحتمال والقرينة لتعمّم ما رفع فيه بعض الاحتمال، فيكون الوصف فيه مخصصا. فإن قلت لا يتمّ ذلك في كلّ رجل عالم، قلت: دخل الكلّ على الموصوف، ولذا لا يمكن وصف الكلّ بل يجب إجراء الوصف على المضاف إليه ولو جعل تقليل الاشتراك عبارة عن رفع الاحتمال أو إزالة بعض الشمول لأنّ مقتضى الاشتراك قد يكون الشمول وإن كان الأكثر الاحتمال لهان الأمر انتهى.
وفي عرف أهل المعاني هو القصر وسيجيء. وفي عرف الأصوليين يطلق على معان. منها قصر العام على بعض مسمياته، وهذا مصطلح الشافعية والمالكية. فقيل المراد بالمسميات أجزاء المسمّى للقطع بأنّ الآحاد كزيد وعمرو مثلا ليس من أفراد مسمّى الرجال إذ مسمّاه ما فوق الاثنين من هذا الجنس، لكنّ التحقيق على ما يجيء في لفظ العام أنها الآحاد التي دلّ العام عليها باعتبار أمر اشتركت فيه، وهو معنى مسميات العام لا أفراد مدلوله.
ولولا أنهم جوّزوا التخصيص بمثل الاستثناء إلى الواحد لجاز جعل مسمّيات صيغة الجمع هي الجماعات لا الآحاد، فيتناول التعريف ما اريد به جميع المسميات أولا ثم أخرج بعض كما في الاستثناء، وما لم يرد به إلّا بعض مسمياته ابتداء كما في غيره. فالمراد بالكافرين في مثل اقتلوا الكافرين إلّا أهل الذمّة، جميع الكفار ليصحّ إخراج أهل الذمّة، فيتعلق الحكم، فيكون القصر على البعض باعتبار الحكم فقط. وفي مثل اقتلوا الكافرين ولا تقتلوا أهل الذمّة يتبيّن أنّ المراد بالكافرين غير أهل الذمّة خاصّة، فيكون القصر على البعض باعتبار الدلالة والحكم جميعا، ويكون معنى القصر في الأول أنّ اللفظ الذي يتناول جميع المسمّيات قد اقتصر الحكم على بعضها، وفي الثاني أنّ اللفظ الذي كان يتناول في نفسه قد اقتصرت دلالتها على البعض خاصّة، وحينئذ يندفع ما يتوهّم من أنّ اللفظ إن كان على عمومه فلا قصر، وإن وجدت قرينة صارفة عنه فلا عموم ولا قصر.
وقال أبو الحسين هو إخراج بعض ما تناوله الخطاب. ويردّ عليه أنّ ما أخرج فالخطاب لم يتناوله. وأجيب بأنّ المراد ما يتناوله الخطاب بتقدير عدم المخصّص كقولهم خصص العام وهذا عام مخصّص. ولا شكّ أنّ المخصّص ليس بعام، لكن المراد به كونه عاما لولا تخصيصه، وهذا ظاهر في غير استثناء.
وأمّا في الاستثناء فاللفظ عام يتناول الجميع، وإن لم يكن الخطاب أي الحكم عاما فعبارة أبي الحسين يفتقر إلى هذا التأويل في الاستثناء وغيره، وفي الإخراج أيضا لاقتضائه سابقية الدخول. وقولنا قصر العام على بعض مسمياته إنّما يفتقر إليه في غير الاستثناء فيكون أولى.
وبعضهم لم يفرّق بين العام والخطاب فزعم أنّ عبارة أبي الحسين لا يفتقر إلى التأويل لأنّ الخطاب في نفسه متناول لذلك البعض المخرج.
وقيل هو تعريف أنّ العموم للخصوص والمراد بالتخصيص هو الاصطلاحي وبالخصوص الــلغوي، كأنه قيل: التخصيص تعريف أنّ المراد باللفظ الموضوع لجميع الأفراد هو البعض منها فلا دور ولا تساوي [بين] الحدّ والمحدود في الجلاء والخفاء، باعتبار أنّ من عرف حصول الخصوص عرف تحصيل الخصوص وبالعكس لأنّ الخصوص الــلغوي قد عرف والتخصيص الاصطلاحي بعد لم يعرّف.
وقيل هو بيان ما لم يرد باللفظ العام. ومنها قصر العام على بعض أفراده بكلام مستقل مقترن أي غير متراخ، وهذا مصطلح الحنفية. فبقيد الكلام خرج المخصص الغير الكلامي فإنه ليس بتخصيص اصطلاحي، نحو العقل في قوله تعالى خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فإنّ العقل يخصص ذات الله تعالى. والحسّ في نحو قوله تعالى وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فإنّ الحسّ يخصص ما لم يكن في ملك بلقيس. والعادة في نحو لا يأكل الرأس فإنه لا يتناول رأس الطير مثلا وبقيد المستقل خرج غير المستقل وهو الكلام الذي يتعلق بصدر الكلام أي ما هو صدر ومقدّم في الاعتبار سواء كان مقدما في الذّكر أو لم يكن، فلا يردّ الشرط المقدم على الجزاء، فإنّه مؤخّر اعتبارا. وكذا لا يردّ الاستثناء المقدّم على المستثنى منه ونحو ذلك. ولا يكون تاما بنفسه حتى لو ذكر منفردا لا يفيد المعنى فإنّه ليس بتخصيص عند الحنفية، بل إن كان بإلّا وأخواتها فاستثناء، وإلّا فإن كان بأن يؤدي مؤدّاها فشرط، وإلّا فإن كان بإلى وما يفيد معناها فغاية، وإلّا فصفة أو غيرها. وبقيد المقترن خرج النسخ فإنّه إذا تراخى دليل التخصيص يسمّى نسخا لا تخصيصا. ومنها قصر العام على بعض أفراده بدليل مستقلّ وبهذا المعنى يطلق التخصيص أيضا عند الحنفية.
وبهذا الاعتبار يقال النسخ تخصيص، فله عندهم معنيان. ومما ينبغي أن يعلم أنّه ليس معنى القصر عند الحنفية ثبوت الحكم للبعض ونفيه عن البعض، فإنّ هذا قول بمفهوم الصفة والشرط وهو خلاف مذهبهم بل المراد من القصر أن يدلّ على الحكم في البعض ولا يدلّ في البعض الآخر لا نفيا ولا إثباتا حتى لو ثبت ثبت بدليل آخر، ولو انعدم انعدم بالعدم الأصلي وأنّه لا بدّ في التخصيص من معنى المعارضة، ولا يوجد ذلك في الدليل الغير المستقل فإنّ الاستثناء مثلا لبيان أنّه لم يدخل تحت الصدر، لا أنّ هناك حكمين، أحدهما معارض للآخر، كما يوجد في الدليل المستقل. ومنها قصر اللفظ على بعض مسمياته وإن لم يكن ذلك اللفظ عاما فهذا أعمّ من المعنى الأول. وهذا كما يقال للعشرة إنّه عام باعتبار تعدد آحاده مع القطع بأنّ آحاده ليست مسمياتها، وإنّما مسمياتها العشرات، فإذا قصر العشرة مثلا على خمسة بالاستثناء عنه قيل قد خصّص، وكذلك المسلمون للمعهودين نحو: جاءني مسلمون فأكرمت المسلمين إلّا زيدا فإنّهم يسمّون المسلمين عامّا والاستثناء عنه تخصيصا له.
اعلم أنّ التخصيص كما يطلق على القول كما عرفت كذلك قد يطلق تجوّزا على الفعل وكذلك النسخ، صرّح بذلك في العضدي في مباحث السنة.
تقسيم

التخصيص بالمعنى الأول:
قالوا المخصّص ينقسم إلى متّصل ومنفصل لأنّه إمّا أن لا يستقل بنفسه أو يستقل، والأول المتصل والثاني المنفصل. والمخصّص المتصل خمسة: الاستثناء والشرط والصفة والغاية وبدل البعض نحو جاءني القوم أكثرهم. والمنفصل إمّا كلام أو غيره كالعقل نحو خالق كل شيء، فإنّ العقل هو المخصّص للشيء بما سوى الله تعالى، وتخصيص الصبي والمجنون من خطابات الشرع من هذا القبيل، وكالحسّ نحو أوتيت من كل شيء، وكالعادة نحو لا نأكل رأسا فإنه يقع على ما يتعارف أكله مشويا، وكالتشكيك نحو كل مملوك لي حرّ لا يقع على المكاتب؛ فهذا أي التخصيص بالمستقل تخصيص اتفاقا بين الحنفية والشافعية والمالكية، بخلاف التخصيص بغير المستقل فإنه مختلف فيه كما عرفت. هذا كلّه هو المستفاد من كشف البزدوي والتلويح والعضدي وحاشية التفتازاني.

بديهة

بديهة:
[في الانكليزية] Spontaneity ،improvisation
[ في الفرنسية] Spontaneite ،improvisation

وكذا البداهة: وبالفارسية يقال: «بي انديشه آمدن سخن» أي مجيء الكلام على السّليقة بدون إعمال فكر. «وناگاه آمدن» المجيء فجأة. كما في كنز اللغات: وفي اصطلاح البلغاء: هو أن ينشئ الكاتب أو الشاعر كلاما بدون أدنى تمهّل، ويسمّى هذا أيضا ارتجال، كذا في مجمع الصنائع. وعليه فالمعنى الاصطلاحي أخصّ من المعنى الــلغوي كما لا يخفى، لأنّه الكلام أعمّ من الإنشاء وغيره.

الانتقاد

الانتقاد:
[في الانكليزية] Argumentation ،research of the causes
[ في الفرنسية] Argumentation ،recherhe des causes
بالقاف من باب الافتعال يقال نقدت الدراهم وانتقدتها أي أخرجت منها الزيف كما في الصراح، والنقدان يستعمل في عرف الفقهاء بمعنى الذهب والفضة. والانتقاد عند المحدّثين التعليل والمنتقد هو الحديث الذي فيه علّة؛ والمراد بالعلّة هي العلّة بالمعنى الــلغوي فيشتمل الشاذ والمعلل، فمن المنتقد ما يختلف فيه الرواية بالزيادة والنقص من رجال الإسناد، فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة وعلّله الناقد بالطريق الناقصة فهو تعليل مردود، وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلّله الناقد بالطريق المزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه. ومنه ما يختلف الرواية فيه بتغير بعض الإسناد، ومنه ما تفرّد بعض الرواة فيه دون من هو أكثر عددا أو ضبطا ممن لم يذكرها. ومنه ما تفرّد به بعضهم ممن ضعّف منهم. ومنه ما حكم فيه بالوهم على بعض الرواة. ومنه ما اختلف فيه بتغير بعض ألفاظ المتن. هكذا يستفاد من بعض حواشي النخبة.
وفي الإرشاد الساري توضيح لذلك. والانتقاد عند أهل التّعمية عبارة عن الإشارة إلى بعض الحروف من أجل التصرّف فيها بوجه من الوجوه، مثل: أوّل ومفتح وروى ورأس، وأمثال ذلك ومرادهم الحرف الأول. وآخر وأمد والنهاية والذّيل، وأمثال ذلك، وإنما قصدهم الحرف الأخير للكلمة. كما يقولون القلب والوسط والمركز والواسطة وأمثال ذلك، وإنّما مرادهم الحروف الوسطى من الكلمة. مثل كلمة فرد وقد جمعت بكلمة شمس. يقول الشاعر:
إن يلقى الرأس مكان قدمك أكون رئيس الرؤساء والشمس تاجي والمراد: إن توضع السين بعد شم.

نحصل على كلمة شمس. ومثال آخر: بنور الله.

قال الشاعر:
متى القى قدّك الصبر من الصنوبر فالأقاحي تضع رأسها في طريقك بشكل متوالي والمراد: إذا حذفنا حروف كلمة الصبر من كلمة الصنوبر فيبقى منها نو وكلمة لا له: «زهرة الأقحوان» أمام الطريق وهو «راه» تلقي ثم تجمع مع نو فيحصل معنا نور الله. وهذا العمل من أقسام العمل التسهيلي. كذا في بعض الرسائل لمولانا عبد الرحمن الجامي.

النِّعْمَة

(النِّعْمَة) الرفاهة وَطيب الْعَيْش يُقَال هُوَ فِي نعْمَة عَيْش فِي حسنه وغضارته وأفعله نعْمَة عين إِكْرَاما لعينك

(النِّعْمَة) مَا أنعم بِهِ من رزق وَمَال وَغَيره وَالْحَال الْحَسَنَة والصنيعة وَيُقَال لَك عِنْدِي نعْمَة لَا تنكر منَّة وَفضل (ج) نعم وأنعم وَيُقَال أَفعلهُ نعْمَة عين أَفعلهُ إِكْرَاما لعينك
النِّعْمَة: فِي تَعْرِيف الْحَمد الــلّغَوِيّ هِيَ الفاضلة الَّتِي جمعه الفواضل وَمَعْنَاهَا الْعَطِيَّة المتعدية - وَالْمرَاد بِالتَّعَدِّي هَا هُنَا هُوَ التَّعْلِيق بِالْغَيْر فِي تحَققه وجوبا كالأنعام أَي عَطاء النِّعْمَة. لَا المُرَاد بِهِ الِانْتِقَال كَمَا توهم لِأَن الْمَحْمُود عَلَيْهِ فعل اخْتِيَاري الْبَتَّةَ وَالْفِعْل لكَونه عرضا لَا يقبل الِانْتِقَال - وَفِي الْكَشَّاف فِي تَفْسِير سُورَة المزمل النِّعْمَة بِالْفَتْح النعم وبالكسر الْأَنْعَام وبالضم المسرة لَكِنَّهَا هَا هُنَا مَكْسُورَة أَي الْأَنْعَام. هَذَا مَا حررناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي عبد الله اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق - وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد شرِيف الْعلمَاء قدس سره النِّعْمَة مَا قصد بِهِ الْإِحْسَان والنفع.

المجادلة

المجادلة: هِيَ الْمُنَازعَة لَا لإِظْهَار الصَّوَاب بل لإلزام الْخصم.
(المجادلة) فِي علم المناظرة هِيَ المناظرة لَا لإِظْهَار الصَّوَاب بل لإلزام الْخصم
المجادلة:
[في الانكليزية] Polemics ،contreversy
[ في الفرنسية] Polemique ،contreverse
هي عند أهل المناظرة المناظرة لا لإظهار الصواب بل لإلزام الخصم، فإن كان المجادل مجيبا كان سعيه أن لا يلزم وسلم عن إلزام الغير إيّاه، وإن كان سائلا فسعيه أن يلزم الغير.
وقد يكون السائل والمجيب كلاهما مجادلين كذا في الرشيدية. قال السّيّد السّند في شرح المواقف في المقصد السادس من مرصد النظر:
هذه المجادلة حرام. أمّا المجادلة لإظهار الحقّ وإبطال الباطل فمأمور به. قال الله تعالى:
وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ انتهى. ولا يخفى أنّ ما ذكره بناء على أخذه المجادلة بالمعنى الــلغوي وهو المنازعة والمخاصمة.

الْحَرَكَة المستديرة

الْحَرَكَة المستديرة: فِي الِاصْطِلَاح هِيَ الْحَرَكَة على الاستدارة الْمَذْكُورَة آنِفا. وَفِي اللُّغَة شَامِلَة للحركة على الاستدارة ولحركة المتحرك على خطّ مستدير وللحركة الجوالة والمدحرجة والقوسية والمتحرك على الشكل البيضي فالحركة المستديرة أَعم لُغَة وأخص اصْطِلَاحا. وَاعْلَم أَن الْحسن الميبذي رَحمَه الله فِي شرح هِدَايَة الْحِكْمَة مَا قَالَ فِي فصل أَن الْفلك بسيط من أَن المستديرة هِيَ الوضعية جَوَاب دخل مُقَدّر تَقْرِيره أَن الْحَرَكَة المستقيمة مُقَابلَة للحركة المستديرة والأينية أَعم مِنْهُمَا فَلَمَّا فسر الْحَرَكَة المستقيمة بالأينية صَارَت أَعم من المستديرة عمومها يُنَافِي كَون المستقيمة مُقَابلَة للمستديرة لِأَنَّهُ لَا مُقَابلَة بَين الْأَعَمّ والأخص. وَحَاصِل الْجَواب أَن للمستديرة إطلاقين قد تطلق على الوضعية الْمَحْضَة وَبِهَذَا الْمَعْنى يُقَابل الْحَرَكَة المستقيمة والأينية لَيست أَعم مِنْهَا أَي شَامِلَة للمستديرة بِهَذَا الْمَعْنى. وَقد تطلق على الْحَرَكَة على الاستدارة بِالْمَعْنَى الــلّغَوِيّ كَمَا إِذا تحرّك شَيْء على خطّ مستدير وَالْحَرَكَة المستديرة بِهَذَا الْمَعْنى نوع من الْحَرَكَة الأينية فَتكون نوعا من الْحَرَكَة المستقيمة أَيْضا وَلَا مُقَابلَة بَين المستقيمة والمستديرة بِهَذَا الْمَعْنى فتفسير الْحَرَكَة المستقيمة بالأينية لَا يرفع المقابله بَين الْحَرَكَة المستقيمة بِمَعْنى الْحَرَكَة الوضعية الْمَحْضَة يَعْنِي بِدُونِ الأينية. وَهَذَا تَحْقِيق فويق نَافِع هُنَاكَ.
الْحَرَكَة على التوالي وَالْحَرَكَة على غير التوالي: اعْلَم أَن لكل فلك سوى الْفلك الْأَعْظَم حَرَكَة مُتَوَالِيَة وَله حَرَكَة غير مُتَوَالِيَة. وحركة التوالي هِيَ الْحَرَكَة من الْمغرب إِلَى الْمشرق. وَلَا على التوالي هِيَ الْحَرَكَة من الْمشرق إِلَى الْمغرب.

الْكِنَايَات

الْكِنَايَات: جمع الْكِنَايَة وَهِي فِي اللُّغَة عبارَة عَن تَعْبِير أَمر معِين بِلَفْظ غير صَرِيح فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ بغرض من الْأَغْرَاض كالإبهام على السامعين. واصطلح النُّحَاة على هَذَا الْمَعْنى الــلّغَوِيّ بِلَا تفَاوت. ومرادهم بِالْكِنَايَةِ فِي المبنيات اسْم يكنى بِهِ من كم وَكَذَا وَغير ذَلِك لَا كل اسْم يكنى بِهِ وَلَا كل بعض مِنْهُ بل بعض معِين اصْطَلحُوا عَلَيْهِ فِي بَاب المبنيات كَمَا بَين فِي كتب النَّحْو.

الْكُلِّي

الْكُلِّي: عِنْد المنطقيين مَا لَا يمْنَع نفس تصَوره من وُقُوع الشّركَة فِيهِ كالحيوان. وَإِنَّمَا سمي كليا لِأَن كُلية الشَّيْء إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي. والكلي يكون جُزْء الجزئي غَالِبا فَيكون ذَلِك الشَّيْء مَنْسُوبا إِلَى الْكل والمنسوب إِلَى الْكل كلي كَمَا فصلنا هَذَا المرام فِي الجزئي. وَمعنى اشْتِرَاك الْمَاهِيّة بَين كثيرين أَن صورتهَا الْعَقْلِيَّة مُطَابقَة لكل وَاحِد من جزئياتها. وَمعنى الْمُطَابقَة مُنَاسبَة مَخْصُوصَة لَا تكون لسَائِر الصُّور الْعَقْلِيَّة. فَإنَّا إِذا تعقلنا زيدا حصل فِي عقلنا أثر لَيْسَ ذَلِك الْأَثر هُوَ بِعَيْنِه الْأَثر الَّذِي يحصل فِي الْعقل عِنْد تعقلنا فرسا معينا. وَمعنى الْمُطَابقَة لكثيرين أَنه لَا يحصل من تعقل كل وَاحِد مِنْهَا أثر متجدد بل يكون الْحَاصِل فِي الْعقل من تعقل كل هُوَ الصُّورَة الْوَاحِدَة على تِلْكَ النِّسْبَة الْمَخْصُوصَة. فَإنَّا إِذا رَأينَا زيدا حصل مِنْهُ فِي أذهاننا الصُّورَة الإنسانية المعراة عَن المشخصات واللواحق. وَإِذا أبصرنا بعد ذَلِك خَالِدا لم تقع مِنْهُ صُورَة أُخْرَى بل الصُّورَة الْحَاصِلَة الأولى بِعَينهَا. بِخِلَاف مَا إِذا رَأينَا فرسا معينا فَافْهَم.
فَإِن قيل تَعْرِيف الْكُلِّي لَيْسَ بمانع لصدقه على الصُّورَة الخيالية من الْبَيْضَة الْمعينَة تنطبق على كل من البيضات بِحَيْثُ يجوز الْعقل أَن يكون هِيَ هِيَ. وَأَن ضَعِيف الْبَصَر يرى شبحا من بعيد وَيجوز عقله أَن يكون زيدا وعمرا إِلَى غير ذَلِك. وَأَن الطِّفْل فِي مبدأ الْولادَة لنُقْصَان الْحس الْمُشْتَرك لَا يَأْخُذ الصُّورَة عَمَّا هُوَ فِي الْخَارِج بِخُصُوصِهِ. وَلَا يفرق بَين أمه عَن غَيرهَا وَأَبِيهِ عَن غَيره بل يدْرك شبحا وَاحِدًا لَا يتَمَيَّز فِيهِ أَبَاهُ وَأمه عَن الْغَيْر. فَيلْزم أَن تكون هَذِه الصُّور كُلية مَعَ أَنهم عدوها من الجزئيات.
قُلْنَا المُرَاد وُقُوع الشّركَة على سَبِيل الِاجْتِمَاع لَا على الْبَدَلِيَّة والترديد وَصدق تِلْكَ الصُّور على الْكَثْرَة واشتراكها فِيهَا لَيْسَ على سَبِيل الِاجْتِمَاع بل على سَبِيل الْبَدَلِيَّة كَمَا لَا يخفى. فَإِن قيل إِن الصُّورَة الخارجية لزيد مثلا جزئي حَقِيقِيّ وَيصدق عَلَيْهَا تَعْرِيف الْكُلِّي لِأَنَّهَا تصدق وتطابق على سَبِيل الِاجْتِمَاع على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا كَمَا أَن كل وَاحِد من الصُّور الْحَاصِلَة فِي تِلْكَ الأذهان تطابق لتِلْك الصُّورَة الخارجية. فَإِن الْمُطَابقَة من الْجَانِبَيْنِ - وَالْعقل يجوز الْمُطَابقَة فِيمَا بَينهمَا على سَبِيل الِاجْتِمَاع. فَإِن التَّحْقِيق أَن حُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها فِي الذِّهْن لَا بأشباحها وإظلالها. فَإِن الدَّلَائِل الدَّالَّة على الْوُجُود الذهْنِي للأشياء إِنَّمَا تدل على وجودهَا حَقِيقَة لَا بِاعْتِبَار الشبح والمثال الَّذِي هُوَ وجودهَا مجَازًا. وَأَيْضًا أَن الصُّورَة الذهنية لزيد جزئي حَقِيقِيّ وَتصدق على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا وتطابقها.
قُلْنَا لَا نسلم صدق الجزئي الْحَقِيقِيّ على شَيْء فضلا عَن أَن تصدق الصُّورَة الخارجية الْجُزْئِيَّة على الذهنية كَيفَ فَإِن الْحمل الْمُعْتَبر فِي حمل الْكُلِّي على جزئياته هُوَ الْحمل بالمواطأة - وَهُوَ أَن المتغايرين مفهوما متحدان ذاتا. وَهَذَا الْحمل بَين الصُّورَة الخارجية والذهنية مُنْتَفٍ. وَإِن سلمنَا فَنَقُول إِن الْكُلِّي والجزئي قِسْمَانِ للمفهوم الْعقلِيّ لأَنهم قَالُوا إِن الْمَفْهُوم أَي مَا حصل فِي الْعقل إِمَّا كلي وَإِمَّا جزئي. فالكلي على هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الَّذِي لَا يمْنَع نفس تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة فِيهِ وَالْمرَاد بِالشّركَةِ لَيست هِيَ الْمُطَابقَة مُطلقًا بل مُطَابقَة الْحَاصِل فِي الْعقل لكثيرين بِحَسب الْخَارِج بِأَنوَهُوَ محَال. قُلْنَا كُلية الْكُلِّي وَكَونه صَادِقا على نَفسه وعارضا لَهَا بِاعْتِبَار الْإِطْلَاق. وَكَونه فَردا لنَفسِهِ ومعروضا لَهَا بِاعْتِبَار الخصوصية. وَاعْتِبَار المعروضية غير اعْتِبَار العارضية ويتفاوت الِاعْتِبَار بتفاوت الْأَحْكَام. أما سَمِعت لَوْلَا الاعتبارات لبطلت الْحِكْمَة لِأَن أَكثر مسائلها مَبْنِيّ على الْأُمُور الاعتبارية فَافْهَم.

والسر فِيهِ أَن الافتقار نَوْعَانِ

والسر فِيهِ أَن الافتقار نَوْعَانِ: الأول: افتقار الْمَاهِيّة فِي الصُّدُور إِلَى جاعلها - وَالثَّانِي: افتقارها إِلَى المقومات والافتقار الأول يسْتَوْجب التباين الْحَقِيقِيّ بِالذَّاتِ والوجود بَين المفتقر والمفتقر إِلَيْهِ والافتقار الثَّانِي لَا يَقْتَضِي التباين الْمَذْكُور بل يَكْفِيهِ التغاير فِي نَحْو من اللحاظ كلحاظ الْإِبْهَام والتحصل والتعين وَأَيْضًا الأول يَقْتَضِي الْإِمْكَان الذاتي دون الثَّانِي حَتَّى لَو فرض انسلاخ الْمَاهِيّة المركبة عَن الْإِمْكَان الذاتي والافتقار الأول لَا يَنْسَلِخ عَنْهَا الافتقار الثَّانِي فيجامع الافتقار الثَّانِي مَعَ عدم الْإِمْكَان الذاتي فَلَا يُنَافِيهِ. فللماهية المركبة الممكنة افتقاران افتقار فِي الصُّدُور والمجعولية إِلَى الْجَاعِل من جِهَة الْإِمْكَان الذاتي. وافتقار إِلَى المقومات من جِهَة التَّرْكِيب والتأليف. وللماهية البسيطة الممكنة افتقار وَاحِد هُوَ افتقارها فِي المجعولية إِلَى الْجَاعِل من جِهَة إمكانها الذاتي. فالتركيب لَا يسْتَلْزم فِي نفس الْأَمر. وَأما إِمْكَانه وافتقاره من حَيْثُ التَّأْلِيف والتقوم على فرض التقرر والوجود فَلَا يَقْتَضِي الْإِمْكَان الذاتي فَلَا يُنَافِي الِامْتِنَاع الذاتي. فَيجوز أَن يكون شَيْئا مُمْتَنعا بِالذَّاتِ وممكنا بِحَسب التَّأْلِيف على فرض الْوُجُود. وَيكون مَفْهُوم مَجْمُوع شَرِيكي الْبَارِي من هَذَا الْقَبِيل.
وَلَك أَن تَقول فِي تَقْرِير الْجَواب أَنه إِن أُرِيد أَن الْمركب مُمكن مفتقر فِي صدوره ووجوده إِلَى الْجَاعِل. فَقَوْلهم كل مركب مُمكن مَمْنُوع لجَوَاز أَن يكون بعض الْمركب مُمْتَنعا بِالذَّاتِ. وَإِن أُرِيد أَن الْمركب مُمكن مفتقر إِلَى مقوماته الَّتِي تدخل فِي قوام ماهيته فَمُسلم. لَكِن هَذَا الْإِمْكَان والافتقار لَا يُوجب الْإِمْكَان الذاتي الْمنَافِي للامتناع الذاتي. فَيجوز أَن يكون مَجْمُوع شَرِيكي الْبَارِي مُمكنا بِاعْتِبَار التَّرْكِيب والافتقار إِلَى المقومات مُمْتَنعا بِالذَّاتِ.
وَاعْلَم أَنه لما ثَبت أَن الافتقار على نَوْعَيْنِ يكون المفتقر إِلَيْهِ وَهُوَ الْعلَّة الَّتِي تفْتَقر إِلَيْهَا الْمَاهِيّة الممكنة أَيْضا على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: جاعلها الَّذِي يصدر عَنهُ نَفسهَا أَو اتصافها بالوجود على الِاخْتِلَاف فِي الْجعل. فافتقارها إِلَيْهِ افتقار صُدُور وَخُرُوج من الليس إِلَى الأيس من حَيْثُ إفادته فعليتها وقوامها بِحَسب إمكانها. وَهَذَا هُوَ عِلّة الْوُجُود. وَثَانِيهمَا: مقوماتها الَّتِي تدخل فِي قوامها ويتألف جوهرها مِنْهَا وافتقار الْمَاهِيّة إِلَيْهَا لَيْسَ افتقار صُدُور لِاسْتِحَالَة كَون ذَات الْمَاهِيّة مجعولة لجزئها بل افتقارها افتقار التَّأْلِيف والتركيب فِي تقوم ذَاتهَا. وَهَذَا هُوَ عِلّة الْمَاهِيّة بِالْمَعْنَى الاصطلاحي. وافتقار الشَّيْء إِلَى هَذِه الْعلَّة لَا يُوجب إِمْكَانه الذاتي وَقد يُقَال إِن عِلّة الْمَاهِيّة نَوْعَانِ الْجَاعِل والمقوم. فَلَا يُرَاد بهَا الْمَعْنى الاصطلاحي بل يُرَاد بهَا الْمَعْنى الــلّغَوِيّ أَي مَا تفْتَقر إِلَيْهِ الْمَاهِيّة مُطلقًا أَي من غير تقيد بالصدور أَو القوام هَذَا وَلَعَلَّ عِنْد غَيْرِي أحسن من هَذَا.

الْقُوَّة المنمية

الْقُوَّة المنمية: هِيَ الْقُوَّة الَّتِي تزيد فِي الْجِسْم الَّذِي هِيَ فِيهِ زِيَادَة فِي أقطاره طولا وعرضا وعمقا إِلَى أَن يبلغ كَمَال النشو على تناسب طبيعي. وفوائد الْقُيُود والاحترازات مَذْكُورَة فِي كتب الْحِكْمَة وَإِنَّمَا خلق الله تَعَالَى هَذِه الْقُوَّة لأجل كَمَال الشَّخْص. وَقد تطلق على تِلْكَ الْقُوَّة الْقُوَّة النامية على خلاف الْقيَاس إِذْ الْقيَاس أَن يُقَال منمية بِالتَّخْفِيفِ من الإنماء أَو بِالتَّشْدِيدِ من التنمية لِأَن فعلهَا الإنماء والتنمية لَا النمو. وَأما النامي فَهُوَ الْجِسْم فإطلاق النامية على هَذِه الْقُوَّة بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى الــلّغَوِيّ بِاعْتِبَار أَن محلهَا هُوَ النامي أَو لأَنهم راعوا شاكلة الغاذية.

الْعرض أَعم من العرضي

الْعرض أَعم من العرضي: قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْقَدِيمَة الْأَبْيَض إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء فَهُوَ عرضي وَإِذا أَخذ بِشَرْط شَيْء فَهُوَ الثَّوْب الْأَبْيَض مثلا وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا شَيْء فَهُوَ الْعرض الْمُقَابل للجوهر فَكَمَا أَن طبيعة الذاتي جنس ومادة باعتبارين أَو فصل وَصُورَة باعتبارين فطبيعة العرضي عرض وعرضي باعتبارين. وَهَذَا تَحْقِيق الْفرق بَين الْعرض والعرضي لَا مَا يتخيل من أَن الْفرق بَينهمَا بِالذَّاتِ فالمدرك بالبصر أَولا وبالذات هُوَ الْأَبْيَض ثمَّ من خَارج يعلم أَن الْأَبْيَض مُقَارن بموجود آخر هُوَ ثوب أَو حجر أَو غَيرهمَا حَتَّى لَو لم تكن تِلْكَ الملاحظة لم يعلم أَنه شَيْء أَبيض بل جَازَ أَن يكون أَبيض بِذَاتِهِ كَمَا أَن الثَّوْب ثوب بِذَاتِهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ بَيَاضًا وأبيض فَيكون أَبيض ببياض هُوَ عين ذَاته إِذْ الْبيَاض هُوَ الْأَبْيَض بِاعْتِبَار التحصل وَلذَلِك لَا يحمل على مَجْمُوع المعروض والعارض. وَذَلِكَ كَمَا أَن الْبدن اسْم للجسم من حَيْثُ هُوَ مَادَّة للنَّفس وَلذَلِك لَا يحمل على مَجْمُوع النَّفس وَالْبدن بِخِلَاف الْجِسْم فَإِنَّهُ اسْم لَهُ بِأَيّ اعْتِبَار أَخذ فَلذَلِك يحمل على الْمَجْمُوع إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء وَهَذَا وَإِن كَانَ مُخَالفا لظَاهِر أقاويل الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء فَهُوَ الْحق ويلوح إِلَيْهِ كَلَام الْمعلم الثَّانِي فِي الْمدْخل الْأَوْسَط وَيُوَافِقهُ تَعْلِيم الْمعلم الأول بِحَسب ترجمتي حنين بن اسحاق فَإِنَّهُ عبر عَن أَكثر المقولات بالمشتقات كالفاعل والمنفعل والمضاف وَغَيرهَا. وَأَرَادَ فِي التَّمْثِيل المشتقات وَمَا فِي حكمهَا كَالْأَبِ وَالِابْن وَفِي الدَّار وَفِي الْوَقْت ونظائرها وَيشْهد بِهِ الْفطْرَة السليمة من ذَوي فطنة قويمة انْتهى.
وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الْأُمُور الْعَامَّة من شرح المواقف وَبِهَذَا يظْهر أَن الْعرض أَعم من العرضي والمشتقات وَمَا فِي حكمهَا أَعْرَاض كَمَا يلوح إِلَيْهِ مَا نقل من الْمعلم الأول فَافْهَم فَإِنَّهُ مَعَ وضوحه لَا يَخْلُو عَن دقة انْتهى.
وَقَالَ زبدة الْعلمَاء أُسْوَة الْفُضَلَاء مَوْلَانَا مُحَمَّد أكبر الْمُفْتِي فِي أَحْمد آباد رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي حَوَاشِيه على تِلْكَ الْحَوَاشِي. قَوْله: وَبِهَذَا ظهر أَي بِإِرَادَة الاتصاف الْأَعَمّ الشَّامِل للمواطأة والاشتقاق فِي مَفْهُوم النَّعْت يظْهر عُمُوم الْعرض وشموله للعرضي فَإِن المشتقات عرضيات بِلَا ريب. وبهذه الْإِرَادَة صَار الْعرض متناولا لَهَا تنَاوله للمبادىء الَّتِي اعراض بِلَا رِيبَة. وَلَو اقْتصر على إِرَادَة الاتصاف بِوَاسِطَة ذُو لَا يظْهر ذَلِك.
فَإِن قيل قد تنبهت مِمَّا أسلفنا أَن المشتقات على تَحْقِيق الْمُحَقق بِاعْتِبَار شَرط لَا أَعْرَاض ومحمول بِوَاسِطَة ذُو فعلى الِاقْتِصَار أَيْضا يكون الْعرض متناولا للعرضيات (قُلْنَا) الْكَلَام فِي هَذِه الْمرتبَة على زعم الْمحشِي وَهُوَ غافل عَنهُ إِذْ نقُول الْمَقْصُود تنَاول الْعرض للعرضي من حَيْثُ إِنَّه عرضي وَهُوَ مقتصر على إِرَادَة الْأَعَمّ وَفِي الِاقْتِصَار إِنَّمَا يظْهر التَّنَاوُل لما صدق عَلَيْهِ الْعرض لَا من حَيْثُ إِنَّه عرضي فَتدبر فَإِنَّهُ دَقِيق. وانتظر لما نتكلم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بالتكلم حقيق.
قَوْله والمشتقات وَمَا فِي حكمهَا إِلَى آخِره إِمَّا دَاخل تَحت الظُّهُور أَو اسْتِئْنَاف دفعا لما يتَوَهَّم على الظَّاهِر من الْمُخَالفَة المشتهرة بَين الْأَلْسِنَة فَإِن كَلِمَات الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء صَرِيحَة فِي الْفرق بَين الْعرض والعرضي وَإِن المشتقات عرضيات لَيست بأعراض. والمبادىء أَعْرَاض لَيست بعرضيات بِأَن مَا نقل من الْمعلم الأول يلوح إِلَيْهِ حَيْثُ عبر عَن أَكثر المقولات بالمشتقات وَمثل لَهَا أَيْضا بالمشتقات وَمَا فِي حكمهَا على مَا سَيظْهر بعد. فَقَوله كَمَا يلوح إِلَيْهِ على الأول مُرْتَبِط بقوله يظْهر. وعَلى الثَّانِي بالمستأنف كَمَا لَا يخفى على المتأمل. وَبِالْجُمْلَةِ الْمَقْصُود أَنه وَإِن كَانَ مُخَالفا لمُخَالفَة الْمُتَأَخِّرين لكنه مُوَافق لكَلَام من هُوَ أفضل مِنْهُم من القدماء. قَوْله وَمَا فِي حكمهَا أَي مثل ذِي سَواد. قَوْله فَافْهَم فَإِنَّهُ مَعَ وضوحه دَقِيق فهم هَذَا المرام وتنقيح هَذَا الْمقَام دَاع إِلَى نوع بسط فِي الْكَلَام.
فَاعْلَم إِن السوَاد عرض وَالْأسود عرضي على مَا هُوَ الْمَشْهُور وَالْمَفْهُوم من كَلَام الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ آنِفا وَأَن الْفرق بَينهمَا والتغاير بِالذَّاتِ وَأَن الأول مَحْمُول اشتقاقا _ وَالثَّانِي مَحْمُول مواطأة وَالْعرض مُقَابل الْجَوْهَر غير العرضي الْمُقَابل للذاتي.
وَخَالفهُم الْمُحَقق الْأُسْتَاذ الدواني مستنبطا من كَلَام القدماء على مَا لوحنا إِلَيْهِ. وَقَالَ إنَّهُمَا متحدان ذاتا لَا تغاير بَينهمَا إِلَّا اعْتِبَارا فالأسود هُوَ السوَاد وَكَذَا الْعَكْس إِلَّا أَنه إِذْ أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء عرضي مَحْمُول مواطأة. وبشرط لَا شَيْء عرض مَحْمُول اشتقاقا ومبنى كَلَامه هَذَا على مَا يظْهر من الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة على أَمريْن.
أَحدهمَا: أَن الْمدْرك بالبصر أَولا وبالذات هُوَ الْأسود أَو الْأَبْيَض ثمَّ من خَارج يعلم أَن الْأسود والأبيض مُقَارن لموجود آخر هُوَ ثوب أَو حجر أَو غَيرهمَا حَتَّى لَو لم يكن تِلْكَ الملاحظة لم يعلم أَنه شَيْء أسود أَو أَبيض _ بل جَازَ أَن يكون أسود وأبيض بِذَاتِهِ كَمَا أَن الثَّوْب ثوب بِذَاتِهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ بَيَاضًا وأبيض وسوادا وأسود.
وتوضيحه إِنَّه إِذا رُؤِيَ شَيْء أَبيض مثلا فالمرئي بِالذَّاتِ هُوَ الْبيَاض على مَا قَالُوا ونعلم بِالضَّرُورَةِ أَنا قبل مُلَاحظَة أَن الْبيَاض عرض وَأَن الْعرض لَا يُوجد قَائِما بِنَفسِهِ نحكم بِأَنَّهُ بَيَاض وأبيض _ فَفِي تِلْكَ الْمرتبَة كَمَا يحكم بِأَنَّهُ بَيَاض يحكم بِأَنَّهُ أَبيض وَلَوْلَا الِاتِّحَاد بِالذَّاتِ بَينهمَا لم يجوز الْعقل قبل مُلَاحظَة تِلْكَ الْمُقدمَات كَونه أَبيض.
وَثَانِيهمَا: أَنه لَا يدْخل فِي مَفْهُوم الْمُشْتَقّ الْمَوْصُوف وَلَا النِّسْبَة فَيكون عين الصّفة. وتفصيله أَن فِي معنى الْمُشْتَقّ أقوالا _ الأول مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَنه مركب من الذَّات وَالصّفة وَالنِّسْبَة. وَالثَّانِي مَا اخْتَارَهُ السَّيِّد السَّنَد الْأُسْتَاذ الْعَلامَة الشريف وَهُوَ أَنه مركب من نِسْبَة والمشتق مِنْهُ فَقَط. وَمعنى القَوْل الأول ظَاهر لَا ستْرَة فِيهِ فَإِن تَفْسِير الْكَاتِب مثلا على مَا اشْتهر وَدَار على الْأَلْسِنَة أَعنِي شَيْء لَهُ الْكِتَابَة صَرِيح الدّلَالَة عَلَيْهِ ومطمح نظر السَّيِّد السَّنَد قدس سره أَنه لَا يُمكن اعْتِبَار مَفْهُوم الشَّيْء وَلَا مَا صدق عَلَيْهِ فِيهِ للُزُوم دُخُول الْعرض الْعَام فِي الْفِعْل على الأول وَدخُول النَّوْع فِيهِ مَعَ لُزُوم انقلاب مُشْتَقّ الْإِمْكَان بِالْوُجُوب على الثَّانِي فَمَا بَقِي إِلَّا الصّفة وَالنِّسْبَة.
والمحقق لما رأى أَن دُخُول النِّسْبَة الَّتِي هِيَ غير مُسْتَقلَّة المفهومية فِي حَقِيقَة مُسْتَقلَّة من غير دُخُول المنتسبين أَمر غير مَعْقُول ذهب إِلَى أَن الْمُشْتَقّ أَمر بسيط غير مُشْتَمل على النِّسْبَة إِذْ لَا يرى أَنه يعبر عَن معنى الْأسود والأبيض (بسياه وسفيد) . (كَذَا) على الْمَوْصُوف لَا عَاما وَلَا خَاصّا بل عبارَة عَن الْمُشْتَقّ مِنْهُ فَقَط وَلَيْسَ بَينه وَبَين الْمُشْتَقّ مِنْهُ تغاير بِحَسب الْحَقِيقَة فَهُوَ إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء فَهُوَ عرضي ومشتق. وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا شَيْء فَهُوَ عرض ومشتق مِنْهُ مَحْمُول اشتقاقا كَمَا ذكرنَا آنِفا وَهَذَا هُوَ القَوْل الثَّالِث.
وَقد يُؤَيّد هَذَا القَوْل بِمَا قَالُوا إِن الضَّوْء إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ ضوءا مضيا على مَا يُشِير إِلَيْهِ كَلَام بهمنيار وَإِن الْوُجُود إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ وجودا وموجودا حَقِيقَة وَإِن الْحَرَارَة إِذا كَانَت قَائِمَة بِنَفسِهَا وَكَانَت يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْآثَار الْمَطْلُوبَة يُقَال إِنَّهَا حرارة وحارة كَمَا بَين فِي بحث عَيْنِيَّة الْوُجُود للْوَاجِب وَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ إِن الضَّوْء بِمُجَرَّد قِيَامه بِذَاتِهِ لَا يتبدل ذَاته وجوهره فَإِذا كَانَ عِنْد الْقيام بِالنَّفسِ مضيا ومتحدا مَعَه بِحَسب الذَّات وَالْمَفْهُوم وَلَا شكّ أَنه حِينَئِذٍ لَا يتَصَوَّر دُخُول أَمر فِيهِ يتَوَهَّم اعْتِبَاره كالموصوف وَالنِّسْبَة علم أَنَّهُمَا ليسَا بمتغائرين _ بل هما متحدان ذاتا ثمَّ إِنَّه مُتَعَلق أَيْضا بِمَا نقل من الْمعلم الأول ومترجم كَلَامه حَيْثُ عبروا عَن المقولات بالمشتقات وَمثل أَكْثَرهم بهَا فَإِنَّهُ لَوْلَا الِاتِّحَاد لما صَحَّ ذَلِك إِلَّا بالتكلف وَاعْتِبَار الْمُسَامحَة.
وَأَيْضًا وَقع النزاع فِي عرضية بعض الْأَعْرَاض كالألوان وَلَو كَانَ حَقِيقَتهَا مبادىء الِاشْتِقَاق لم يكن النزاع ضَرُورَة أَن السوَاد وَالْبَيَاض بِمَعْنى المبدأ ليسَا بجوهرين. وَأَنت خَبِير بِمَا فِي مبْنى هَذَا القَوْل من الْوَجْهَيْنِ وَغَيرهمَا من التأييد وَالتَّعْلِيق من قدح ووهن. أما فِي الْوَجْه الأول فبأنا إِذا فَرضنَا أَن أحدا لم يسمع لفظ الْبيَاض والأبيض والجسم وَغَيره وَلم يتَصَوَّر مَعَاني هَذِه ثمَّ رأى جسما أَبيض فَفِي هَذِه الْحَالة يدْرك الْبيَاض أَي هَذَا الْعرض الْخَاص وَحده وَلم يعلم أَن هَا هُنَا شَيْئا آخر ثمَّ إِذا شَاهد أَن الْأَمر قد زَالَ وَبَقِي شَيْء آخر علم إِن هَا هُنَا شَيْء آخر كَانَ ذَلِك الْأَمر حَالا فِيهِ وَهَذَا هُوَ المُرَاد بالأبيض. وَلَا شكّ أَن هَذَا الْمَعْنى الْأَخير الَّذِي أدْركهُ آخر غير الْمَعْنى الأول وَلَا نعني بالأبيض إِلَّا هَذَا نعم لَو اصْطلحَ أحد على أَن يَجْعَل الْأَبْيَض بِمَعْنى مَا يصدر عَنهُ الْأَثر الَّذِي يُشَاهد من الْجِسْم ذِي الْبيَاض أَعنِي تَفْرِيق الْبَصَر مثلا فَحِينَئِذٍ يَصح أَن الشَّخْص الْمَفْرُوض حِين مُشَاهدَة الْبيَاض بمشاهدة الْآثَار الَّتِي تترتب عَلَيْهِ يتخيل فِي بادىء الرَّأْي أَن الشَّيْء الَّذِي تترتب عَلَيْهِ تِلْكَ الْآثَار هُوَ ذَلِك الْأَمر الْمشَاهد أَعنِي الْبيَاض لَكِن على هَذَا يصير النزاع لفضيا على إننا حِينَئِذٍ أَيْضا نقُول إِنَّه بِمُجَرَّد أَن يتخيل فِي بادىء الرَّأْي أَن الْبيَاض هُوَ الْأَبْيَض لَا يلْزم أَن يكون مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا بِالذَّاتِ مغائرا بِالِاعْتِبَارِ. أَلا ترى أَن من أدْرك أَولا الصُّورَة الجسمية ووجدها بِحَيْثُ تتصل وتنفصل يتخيل أَن الْقَابِل للاتصال والانفصال هُوَ الْأَمر ثمَّ بعد مُلَاحظَة الْبُرْهَان يظْهر لَهُ أَن الْقَابِل لَيْسَ هُوَ ذَلِك الْأَمر بل أَمر آخر وبمجرد هَذَا التخيل فِي بادىء الرَّأْي لَا يلْزم أَن يكون الْقَابِل فِي الْوَاقِع هُوَ ذَلِك فضلا عَن أَن يكون مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا وَمَعَ ذَلِك نقُول إِنَّه لَا شكّ أَن الْبيَاض والجسم موجودان فِي الْخَارِج بِوُجُود مغائر. وَلَا شكّ أَن المتغاير فِي الْوُجُود الْخَارِجِي لَا يُمكن حمل أَحدهمَا على الآخر بِأَيّ اعْتِبَار أَخذ من الاعتبارات الثَّلَاثَة. وَأما فِي الْوَجْه الثَّانِي فبأن الْمَوْصُوف لَا يدْخل فِيهِ على وَجه الْعُمُوم وَلَا على وَجه الْخُصُوص حَتَّى يرد عَلَيْهِ مَا ذكر بل بعنوان مُتَعَلق الْحَدث الَّذِي هُوَ مَأْخَذ الِاشْتِقَاق كَمَا يدل عَلَيْهِ تَفْسِير الْقَوْم إِيَّاه بِمَا يدل على ذَات مُبْهمَة بِاعْتِبَار معنى معِين فَفِي الْأَبْيَض مثلا لَا يدْخل الْمَوْصُوف فِي مَفْهُومه لَا بعنوان الشيئية وَلَا بعنوان الثوبية بل بعنوان المنسوبية إِلَى الْبيَاض وَذي الْبيَاض لَا بِمَعْنى أَنه معنى مفصل بل هُوَ أَمر إجمالي إِذا فصل وحلل يعبر عَنهُ بالمنسوب إِلَى الْبيَاض. وَهَذَا كَمَا يَقُولُونَ إِن التَّصْدِيق عبارَة عَن إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة ومرادهم أَنه أَمر بسيط إجمالي يفصله الْعقل إِلَى ذَلِك لَا أَنه معنى تفصيلي فَلَا يلْزم التسلسل على مَا توهم ثمَّ إِنَّه كَمَا يدْخل الْمَوْصُوف إِجْمَالا يدْخل النِّسْبَة ومبدء الِاشْتِقَاق إِجْمَالا أَيْضا وَعدم المعقولية إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ بِدُونِ الْمَوْصُوف تَفْصِيلًا _ وَهَذَا تَحْقِيق مَا حَقَّقَهُ السَّيِّد السَّنَد صدر الدّين رَحمَه الله بِحَيْثُ انْدفع بِهِ مَا أورد عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ الْمُحَقق الجديدة كَمَا يظْهر على من يطالع كَلَام الأستاذين فِي الحاشيتين.
وَالتَّحْقِيق إِن مصداق حمل الْمُشْتَقّ على شَيْء قيام مبدء الِاشْتِقَاق بِهِ. وَالْقِيَام إِمَّا قيام (حَقِيقِيّ) وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ مبدء الِاشْتِقَاق غير الْمَوْصُوف ذاتا أَو اعْتِبَارا أَو (غير حَقِيقِيّ) وَهُوَ فِيمَا إِذا لم يكن غَيره أصلا بل يكون حَاصِلا بِنَفسِهِ وَأما فِي التأييد فَمَا ذكره الْمحشِي المدقق فِي بحث الْأَجْزَاء أَنه اشْتِبَاه مَفْهُوم الْمُشْتَقّ بِمَا صدق عَلَيْهِ.
ومحصله إِن مَا يعلم من هَذَا الَّذِي فالوا إِن الضَّوْء على تَقْدِير الْقيام بِالنَّفسِ يكون فَردا للمضيء لَا أَنه يكون عين مَفْهُوم المضيء وَحَقِيقَته. وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِيهِ وَلَو قَالَ الْمُؤَيد إِنَّا سلمنَا مَا قلت وَنحن أَيْضا نعلمهُ كَمَا قلت لِأَنَّك خَبِير بِأَن صدق المضيء عَلَيْهِ لَيْسَ كصدقه على الْجِسْم المضيء بِهِ بِأَن يكون هَا هُنَا ذَات وَنسبَة وَوصف فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَّا ضوء فَقَط فَلَا يكون الصدْق إِلَّا بِاعْتِبَار أَنه ضوء فَلَو لم يكن الِاتِّحَاد بَين الضَّوْء والمضيء لم يكن الصدْق. وَهَذَا لَيْسَ من اشْتِبَاه فِي شَيْء بل الِاسْتِدْلَال من الصدْق والفردية على الِاتِّحَاد فِي الْمَفْهُوم والحقيقة يدْفع مَا قَالَ فَإنَّك خَبِير أَيْضا بِمَا قَالُوا إِن الضَّوْء إِذا كَانَ قَائِما بِغَيْرِهِ إِن لم يكن مضيئا بل الْغَيْر مضيء بِهِ وَإِن وجودات الممكنات لَيست بموجودة وَكَذَا الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ لَيْسَ بأبيض فَلَو كَانَ الِاتِّحَاد صدق المضيء وَالْمَوْجُود والأبيض على مبادئها وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مَعْلُوم الانتفاء بِالضَّرُورَةِ.
وَمَا يتَوَهَّم إِن وجودات الممكنات موجودات والضوء الْقَائِم بِغَيْرِهِ مضيء وَكَذَا الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ أَبيض إِلَّا أَن لَا يُطلق عَلَيْهِ فِي عرف اللُّغَة لاشْتِرَاط الْقيام بِالنَّفسِ فِي الاطلاق فَلَو تمّ لَا يتم كليا ضَرُورَة إِن عدم كَون وجودات الممكنات مَوْجُودَة لَيْسَ بِاعْتِبَار أَمر لَفْظِي بل هُوَ أَمر معنوي إِذْ من الْمَعْلُوم بديهة إِنَّهَا لَيست بموجودة بِالْمَعْنَى البديهي الْعَام الَّذِي نفهمه من لفظ الْمَوْجُود ونحمله على الماهيات من دون أَن يلاحظه الْعرف واللغة.
فَاعْلَم إِن صدق المضيء على الضَّوْء الْقَائِم بِنَفسِهِ لَيْسَ مَبْنِيا على الِاتِّحَاد. بل التَّحْقِيق إِن مصداق حمل الْمُشْتَقّ على شَيْء قيام مبدء الِاشْتِقَاق بِهِ قيَاما (حَقِيقِيًّا) وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف غير الشَّيْء الْمَوْصُوف سَوَاء كَانَ غَيره بِالذَّاتِ كَمَا فِي الضَّوْء الْقَائِم بالشمس وَالْبَيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ أَو بِالِاعْتِبَارِ كحصة الْوُجُود الْقَائِم بِهِ لَو اعْتبر الْوُجُود مَوْجُودا أَو غير حَقِيقِيّ وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف حَاصِلا بِنَفسِهِ والوجود الْقَائِم بِنَفسِهِ وَالْبَيَاض الَّذِي يكون كَذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ قَائِما بِالْغَيْر لَا ذاتا وَلَا اعْتِبَارا.
وَلَا شكّ فِي أَن الْقيام بكلا قسميه فِي الضَّوْء وَالْبَيَاض القائمين بِغَيْرِهِمَا مُنْتَفٍ. أما الثَّانِي فَظَاهر. وَأما الأول فلَان الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ مثلا إِنَّمَا هُوَ وصف لَهُ وَاعْتبر قِيَامه بِهِ وَلم يعْتَبر فِيهِ قيام بَيَاض آخر مغائر لَهُ حَقِيقَة أَو اعْتِبَارا فَلَا يكون ذَلِك مصداق حمل الْأَبْيَض أصلا بِخِلَاف الْقَائِم بِنَفسِهِ. فَإِن الْقيام على النَّحْو الثَّانِي مُتَحَقق فِيهِ. (نعم) لَو اعْتبر الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ فِي مرتبَة الْمَوْصُوف وَاعْتبر قيام بَيَاض آخر بِهِ مغائر لَهُ اعْتِبَارا كَمَا فِي حِصَّة الْوُجُود الْقَائِم بالوجود يكون مصداقا لذَلِك لكنه حِينَئِذٍ لَا يكون فِي مرتبَة الْوَصْف والمبدء بل فِي مرتبَة الْمَوْصُوف. وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ وَلَو اتَّحد الْبيَاض والأبيض ذاتا ومفهوما لَكَانَ فِي مرتبَة الوصفية لغيره أَيْضا أَبيض وَلَيْسَ فَلَيْسَ. فَإِن قيل إِن الْبيَاض الْقَائِم بِنَفسِهِ لم يعْتَبر فِيهِ أَيْضا قيام بَيَاض آخر بِهِ فَمَا الْفرق بَينه وَبَين الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ فِي أَن لَا يكون فِي الثَّانِي قيام غير حَقِيقِيّ وَيكون فِي الأول. قُلْنَا الْفرق ظَاهر فَإِنَّهُ فِيمَا إِذا كَانَ قَائِما بِذَاتِهِ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب فِي الْقَائِم بِغَيْرِهِ على مَجْمُوع الذَّات وَالْوَصْف فَيكون هَذَا فِي مرتبَة الذَّات وَالْوَصْف وَالنِّسْبَة فَكَأَنَّهُ ذَات قَامَ بِهِ وصف لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى اعْتِبَار قيام وصف آخر بِهِ وَلَو اعْتِبَارا. بِخِلَاف الْقَائِم بِغَيْرِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّب فِيهِ على مُجَرّد الْوَصْف بل على ذَات مَعَ ذَلِك فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمرتبَة قَائِما مقَام الذَّات وَالْوَصْف بل يحْتَاج فِي كَونه أَبيض إِلَى مُلَاحظَة قيام حِصَّة الْبيَاض بِهِ وَهُوَ فِي هَذِه الْمرتبَة لَيْسَ من قبيل الْوَصْف والمبدء. وَأما مَا تعلق بِهِ مِمَّا نقل من الْمعلم الأول من التَّعْبِير والتمثيل فَهُوَ لَا يُوجب إِلَّا أَن يكون الْمُشْتَقّ عرضا وَهُوَ لَيْسَ بمستلزم لِأَن يكون مَعْنَاهُ عين معنى المبدء بل الْمُشْتَقّ مَعَ كَونه مغائرا لَهُ لَهُ اعتباران. بِاعْتِبَار عرض. وَبِاعْتِبَار عرضي على مَا يظْهر فِيمَا يذكر بعد عَن الْمحشِي وَكَذَا وُقُوع النزاع فِي عرضية بعض الْأَعْرَاض كالألوان لَا يدل على مَا رامه. فَإِن الْبيَاض المحسوس وَأَمْثَاله لَيْسَ مِمَّا يَأْبَى الْعقل كَونه صُورَة نوعية بديهية حَتَّى لَا يتَصَوَّر النزاع فِيهِ على تَقْدِير كَونه عبارَة عَن نفس المبدء.
وَبِالْجُمْلَةِ مَا قَالَه الْمُحَقق وَتفرد بِهِ مستبعد جدا مُخَالف لما يشْهد بِهِ الوجدان والبرهان. وَلما رأى الْمحشِي المدقق مَا رَأينَا وأريناك مَا ارتضى بذلك. وَقَالَ فِي بحث الْأَجْزَاء أَنَّهُمَا متغائران ذاتا وَحَقِيقَة. وَمعنى الْمُشْتَقّ أَمر بسيط ينتزعه الْعقل عَن الْمَوْصُوف نظرا إِلَى الْوَصْف الْقَائِم بِهِ. والموصوف وَالْوَصْف وَالنِّسْبَة كل مِنْهَا لَيْسَ عينه وَلَا دَاخِلا فِيهِ وَهُوَ يصدق على الْمَوْصُوف. وَرُبمَا يصدق على الْوَصْف وَالنِّسْبَة انْتهى.
وتوضيحه إِن الْمَوْصُوف لَيْسَ بداخل فِيهِ لَا عَاما وَلَا خَاصّا وَلَا عينه وَكَذَا الْوَصْف وَالنِّسْبَة بل هُوَ معنى بسيط انتزاعي ينتزعه الْعقل عَن الْمَوْصُوف بملاحظة قيام الْوَصْف بِهِ سَوَاء كَانَ الْقيام حَقِيقِيًّا كَمَا إِذا كَانَ الْوَصْف غير الْمَوْصُوف غيرا بِالذَّاتِ أَو غيرا بِالِاعْتِبَارِ. أَو غير حَقِيقِيّ كَمَا إِذا كَانَ حَاصِلا بِلَا مَحل على مَا عرفت. وَصدقه على الْمَوْصُوف ظَاهر وَأما صدقه على الْوَصْف وَالنِّسْبَة وَإِن كَانَ لَيْسَ كليا فَإِنَّهُ لَا يصدق الْأَبْيَض على الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ وعَلى نِسْبَة الْبيَاض وَلَا على الْمَجْمُوع. لكنه قد يصدق كالموجود الْمُطلق فَإِنَّهُ يصدق على الْوُجُود وَالنِّسْبَة. وَفِيه كَلَام نذكرهُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ أَيْضا قبل هَذَا الْكَلَام بأوراق أَن الْحمل يُطلق على ثَلَاثَة معَان: الأول: الْحمل الــلّغَوِيّ وَهُوَ الحكم بِثُبُوت الشَّيْء وانتفائه عَنهُ وَحَقِيقَة الإذعان وَالْقَبُول. وَالثَّانِي: الْحمل الاشتقاقي وَيُقَال لَهُ الْحمل بِوُجُود شَيْء يتوسط ذُو. وَحَقِيقَة الْحُلُول وَهُوَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بالمبادىء بل يجْرِي فِي المشتقات أَيْضا. فَإِن الْعرض أَعم من العرضي كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ سَابِقًا.
وَقَالَ فِي هَامِش الْحَاشِيَة فالعرضي هُوَ الْعرض لَكِن باعتبارين فَإِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء كَانَ عرضيا ومحمولا مواطاة وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا كَانَ عرضا ومحمولا بالاشتقاق _ وَأما مَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين من أَن الْعرض والعرضي كالسواد وَالْأسود متحدان بِالذَّاتِ ومتغائران بِالِاعْتِبَارِ _ فَإِن أَخذ بِشَرْط الْأسود عرض _ والمأخوذ لَا بِشَرْط أسود عرضي. فَكَلَام بعيد هُوَ متفرد عَسى أَن يطلع عَلَيْهِ من مُسْتَقْبل القَوْل إِن شَاءَ الله تَعَالَى انْتهى الكلامان.
ولعلك استنبطت من هَذِه الْكَلِمَات أمورا: أَحدهَا: إِن الْمُشْتَقّ والمبدأ متغائران حَقِيقَة. وَالثَّانِي: إِن الْمُشْتَقّ مَعَ كَونه مغائرا للمبدأ لَهُ اعتباران بِاعْتِبَار عرض وَبِاعْتِبَار عرضي. وَالثَّالِث: إِن الْعرض يصدق على مَا يصدق عَلَيْهِ العرضي لَكِن بِاعْتِبَار آخر. وَالرَّابِع: إِن الْمُعْتَبر فِي اعْتِبَار الْعرض كَونه مَحْمُولا اشتقاقا وَفِي العرضي كَونه مَحْمُولا مواطأة. وَالْخَامِس: إِن الْحمل الاشتقاقي غير مُخْتَصّ بالمبادىء بل يجْرِي فِي المشتقات أَيْضا بِاعْتِبَار _ وعساك تنبهت الْفرق أَيْضا بَين مَا عِنْد الْمُحَقق فِي هَذَا المبحث بِوُجُوه _ أما: أَولا: فبأن الْمُشْتَقّ عِنْد الْمُحَقق عبارَة عَن نفس المبدأ وَعند الْمحشِي عَن أَمر بسيط انتزاعي لَيْسَ بداخل فِيهِ فضلا عَن أَن يكون عينه كَمَا عرفت _ وَأما ثَانِيًا: فبأن الاعتبارين اللَّذين يكون الْمُشْتَقّ عرضا وعرضيا بحسبهما إِنَّمَا هما للمبدأ عِنْد الْمُحَقق وَعند الْمحشِي لَيْسَ كَذَلِك بل البدء عرض فَقَط والاعتباران الْمَذْكُورَان عِنْده للمعنى الْبَسِيط الانتزاعي المغائر لَهُ. وَكَذَا الْحمل الاشتقاقي وَالْحمل الموطاتي يكونَانِ للمبدأ فِي الْحَقِيقَة عِنْد الْمُحَقق وَعند الْمحشِي إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى المغائر لَهُ الانتزاعي _ وَأما: ثَالِثا: فبأن الْعرض والعرضي متساويان فِي التَّحْقِيق عِنْد الْمُحَقق _ وَعند الْمحشِي الْعرض أَعم من العرضي فَإِن المبدأ عرض وَلَيْسَ بعرضي بِلَا خَفَاء والمشتق المغائر لَهُ عرض كَمَا هُوَ عرضي باعتبارين عِنْده بِخِلَافِهِ عِنْد الْمُحَقق فَإِن الْمُشْتَقّ عِنْده لَيْسَ إِلَّا المبدأ وَهُوَ عرض بِاعْتِبَار كَمَا هُوَ عرضي بِاعْتِبَار على مَا حققت آنِفا إِلَّا أَنَّهُمَا متفقان فِي أَن الْمُعْتَبر فِي جِهَة العرضية كَونه مَحْمُولا اشتقاقا.
وَإِذا مَا لاحظت جَمِيع جَوَانِب الْكَلَام. وتنقح عنْدك مَا هُوَ تَحْقِيق المرام. فَاعْلَم إِن كَلَام الْمحشِي الَّذِي وَقع هَا هُنَا أَعنِي قَوْله وَبِهَذَا يظْهر أَن الْعرض أَعم من العرضي مَعْنَاهُ بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْكَلِمَات أَن الْعرض أَعم مِنْهُ تحققا فَإِنَّهُ يتَحَقَّق فِي كل من المبدأ والمشتق بِخِلَاف العرضي فَإِنَّهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي الْمُشْتَقّ أَو صدقا إِن أُرِيد بالعرضي مُجَرّد ذَات العرضي لَا من حَيْثُ أَنه عرضي فَإِن الْعرض لَا يصدق على العرضي من حَيْثُ هُوَ عرضي لِأَنَّك تفطنت مِمَّا نقلنا أَن الْعرض يصدق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار لَا يصدق عَلَيْهِ العرضي بذلك الِاعْتِبَار فَلَا يكون مَا هُوَ عرضي فَردا للعرض _ وَمعنى قَوْله والمشتقات أَعْرَاض إِنَّهَا أَعْرَاض بِاعْتِبَار غير اعْتِبَار كَونهَا عرضيات.
قَوْله على مَا يلوح إِلَيْهِ مَا نقل من الْمعلم الأول. فِيهِ تلويح إِلَى أَن مَا نقل من التَّعْبِير والتمثيل لَا يدل على أَن المشتقات عبارَة عَن المبدأ وَإِنَّهَا عينه. بل إِنَّمَا يدل على كَون المشتقات أعراضا وَهُوَ غير موجوب لَهُ فَإِن للمشتق مَعَ كَونه عبارَة عَن معنى بسيط انتزاعي كَمَا عرفت اعتبارين أَيْضا بِاعْتِبَار عرض ومحمول اشتقاقا وَبِاعْتِبَار عرضي مَحْمُول مواطأة فَإِن الْأَبْيَض مَعْنَاهُ (سبيد) فَإِن لوحظ لَا بِشَرْط فَهُوَ عرضي يحمل مواطأة على الثَّوْب وَإِن لوحظ بِشَرْط لَا وتجريده عَن الثَّوْب فَهُوَ عرض يحمل اشتقاقا _ وَيُقَال إِنَّه ذُو (سبيدي) _ أَولا يرى أَن الثَّوْب فِيمَا إِذا كَانَ أسود وأبيض وأحمر وأخضر يُقَال إِنَّه ذُو هَذِه الْأَوْصَاف والنعوت. فَفِي هَذِه الْحَالة إِنَّمَا يعْتَبر المشتقات بِشَرْط لَا _ وَهَذَا وَإِن استبعد بِهِ فِي بادىء الرَّأْي إِلَّا أَنَّك لَو رجعت إِلَى الوجدان لوجدت بِهَذَا العنوان فَظهر بِهَذَا الْبَيَان أَن الملحوظ فِي جِهَة كَونهَا اعراضا هُوَ الِاعْتِبَار الَّذِي بِهِ هَا هُنَا يكون مَحْمُولَة اشتقاقا فَالْمُعْتَبر فِي الْعرض هُوَ الْحمل الاشتقاقي لَكِن قَوْله وَالْمرَاد بالنعت مَا يَتَّصِف بِهِ الشَّيْء مواطأة واشتقاقا مشْعر بِأَن الْعرض يصدق على العرضي من حَيْثُ عرضي حَيْثُ اعْتبر الاتصاف فِيهِ أَعم من أَن يكون مواطاة واشتقاقا فَيكون المشتقات اعراضا بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي يكون عرضيات ومحمولات مواطاة فَيكون الْمُعْتَبر فِي الْعرض الْحمل الْمُطلق لَا الاشتقاقي فَقَط.
وَإِن توهم أحد أَنه لَا يلْزم من جعل النَّعْت أَعم من مَا يَتَّصِف بِهِ الشَّيْء مواطاة أَو اشتقاقا لإدخال المشتقات فِي الْعرض اعْتِبَار الْحمل أَيْضا أَعم فِي كَون الشَّيْء عرضا فَإِنَّهُ يَصح بِأَن يكون مَا هُوَ مَحْمُول مواطاة عرضا بِاعْتِبَار يكون بذلك مَحْمُولا اشتقاقا إِنَّمَا يلْزم ذَلِك لَو لم يكن للمحمولات مواطاة اعْتِبَار بهَا يَصح كَونهَا محمولات اشتقاقا وَلَيْسَ كَذَلِك فتوهمه توهم مَحْض فَإِنَّهُ لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لما كَانَ لإيراده على الْمُحَقق بِخُرُوج المشتقات لاقتصاره على الْحمل الاشتقاقي وَجه. وَأَيْضًا مَا نقل عَنهُ فِي هَامِش الْحَاشِيَة هَا هُنَا أَعنِي قَوْله الصِّفَات المشتقة لَهَا اخْتِصَاص بموصوفاتها هُوَ منشأ لاتحادها مَعهَا اتحادا بِالْعرضِ وَحملهَا عَلَيْهَا حمل المواطاة انْتهى صَرِيح فِي أَن صدق الْعرض على المشتقات بِاعْتِبَار حمل المواطاة. ثمَّ إِن قَوْله فِيهِ اتحادا بِالْعرضِ إِشَارَة إِلَى مَا حقق الْمُحَقق الدواني فِي مَوْضِعه. وَيَجِيء فِي هَذِه الْحَاشِيَة أَيْضا أَن اتِّحَاد الذاتيات لما هِيَ ذاتيات لَهُ اتِّحَاد بِالذَّاتِ واتحاد العرضيات اتِّحَاد بِالْعرضِ.
وَقد خَالف فِيهِ السَّيِّد السَّنَد صدر الدّين ونفصل الْكَلَام بعون الله الْملك العلام. فِي ذَلِك الْمقَام. بَقِي هَا هُنَا شَيْء وَهُوَ أَن كَلَام الْمُحَقق الدواني لَيْسَ ينص فِي الِاقْتِصَار على الْحمل الاشتقاقي فِي تَعْرِيف الْحُلُول إِنَّمَا استنبط مِنْهُ الْمحشِي المدقق من طَرِيقَته جَوَابه وَسِيَاق كَلَامه فِي الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة فِي بحث الْجَوَاهِر. وَلَا يخفى هَذَا على من نظر فِيهِ من أهل البصائر إِنَّمَا أطنبنا الْكَلَام. فِي هَذَا الْمقَام. لِأَنَّهُ كَانَ من مزال أَقْدَام الْعلمَاء الْأَعْلَام. فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ التَّام. والاستعانة بالعليم العلام. انْتهى.
اعلموا أَيهَا الناظرون أَن هَذَا الْمُؤلف الضَّعِيف العَاصِي عَفا الله عَنهُ تلمذ أَكثر كتب التَّحْصِيل من خدمَة أُسْوَة الْفُضَلَاء وزبدة الْعلمَاء الحبر النحرير صَاحب التَّقْرِير والتحرير الشَّيْخ الْأَجَل مَوْلَانَا مُحَمَّد محسن ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الصديقي الأحمد آبادي وَهُوَ من تلاميذ أستاذ الْكل من الْكل الْفَاضِل الْكَامِل الْمُحَقق والمدقق ملا مُحَمَّد أكبر بن مُحَمَّد أشرف الدهلوي الْمُفْتِي فِي أَحْمد آباد نور الله مضجعهما بِنور الْمَغْفِرَة والرضوان وَأنزل عَلَيْهِمَا شآبيب الرَّحْمَة والغفران.
الْعرض أَعم من العرضي: فَإِن الْبيَاض عرض لَيْسَ بعرضي والأبيض عرض وعرضي على مَذْهَب كَمَا ستقف عَلَيْهِ. وَالشَّيْخ الرئيس صرح بِأَن الْعرض الْمُقَابل للجوهر غير العرضي الْمُقَابل للذاتي وَهَذَا هُوَ الْحق لَا ريب فِيهِ. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْعرض هُوَ العرضي بِحَذْف الْيَاء تَخْفِيفًا وَبعد الْحَذف جَاءَ الِاشْتِبَاه نعم هَذَا الْعرض يُقَابل الْجَوْهَر بِمَعْنى الأَصْل كَمَا يُقَال أَي شَيْء هُوَ فِي جوهره أَو عرضه ثمَّ إِنَّه فِي الإشارات رُبمَا قَالُوا الْعرض محذوفا عَنهُ الْيَاء انْتهى.
وتفصيل هَذَا الْمقَام وتنقيح هَذَا المرام أَنهم اخْتلفُوا فِي أَن الْعرض غير العرضي ومبائن لَهُ حَقِيقَة أم اعْتِبَارا وَفِي أَن الْعرض يباين الْمحل حَقِيقَة أم اعْتِبَارا. وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن الْعرض غير العرضي وَغير الْمحل حَقِيقَة. وَاسْتَدَلُّوا على مُغَايرَة الْعرض للعرضي ومباينته لَهُ حَقِيقَة بِأَن الْعرض يباين الْمحل والعرضي يتحد مَعَه وَاخْتِلَاف اللوازم يدل على اخْتِلَاف الملزومات وعَلى أَن الْعرض مباين للمحل بِأَنَّهُ يُقَال وجدت الْأَعْرَاض فَقَامَتْ بالموضوعات، فللأعراض وجود سوى وجود الموضوعات وَوُجُود الْإِعْرَاض مُتَأَخّر عَن وجود موضوعاتها.
أَلا ترى أَن وجود الْبيَاض مُتَأَخّر عَن وجود الْمَوْضُوع وَبِه يمتاز عَن العدميات كالعمى فَإِن الْعقل إِذا لاحظ مَفْهُوم الْأَعْمَى بِحَدّ أَنه لَا يتَوَقَّف الاتصاف بِهِ إِلَّا على سلب الْبَصَر عَمَّا يصلح لَهُ بِالْقُوَّةِ الشخصية أَو النوعية أَو الجنسية من غير أَن يزِيد هُنَاكَ أَمر فِي الْوُجُود بِخِلَاف الْأَبْيَض فَإِن الْجِسْم إِنَّمَا يصير أَبيض إِذا زَاد عَلَيْهِ شَيْء فِي الْوُجُود بِهِ يصير أَبيض فَذَلِك الزَّائِد الْمُتَأَخر هُوَ الْبيَاض والجسم الْمَزِيد عَلَيْهِ الْمُتَقَدّم مَحَله.
وَمَا قَالَ الشَّيْخ الرئيس وجود الْأَعْرَاض فِي أَنْفسهَا هُوَ وجودهَا لمحالها وَإِن كَانَ صَرِيحًا فِي أَن الْعرض عين الْمحل وَلَا يباينه وَلِهَذَا تمسك بِهِ من يَدعِي الِاتِّحَاد والعينية لَكِن الْحق أَن مُرَاده وجود الْإِعْرَاض فِي أَنْفسهَا وجودهَا فِي موضوعاتها فَلَا يجوز حمل كَلَامه على الظَّاهِر كَيفَ لَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي التعليقات وجود الْأَعْرَاض فِي أَنْفسهَا هُوَ وجودهَا فِي موضوعاتها سوى الْعرض الَّذِي هُوَ الْوُجُود لاستغنائه عَن الْوُجُود انْتهى. وَأَيْضًا حمل كَلَامه على الظَّاهِر يُوجب إثارة الْخلَل وَالْفساد فَإِن الْوُجُود وجودان أُصَلِّي يتَعَدَّى بفي، وتبعي يتَعَدَّى بِاللَّامِ وَالثَّانِي للأحوال عِنْد الْقَائِلين بهَا الأول لغَيْرهَا إعْرَاضًا كَانَ أَو جَوَاهِر فَلَو كَانَت الْإِعْرَاض مَوْجُودَة بِالثَّانِي لزم أَن تكون أحوالا والفلاسفة يُنْكِرُونَهَا وَذهب جلال الْعلمَاء وَمن تَابعه إِلَى أَن بَينهَا اتحادا بِالذَّاتِ وتغايرا بِالِاعْتِبَارِ فَإِن لطبيعة الْعرض ثَلَاث اعتبارات لَا بِشَرْط شَيْء وبشرط شَيْء وبشرط لَا شَيْء فَإِذا أخذت لَا بِشَرْط شَيْء أَي من حَيْثُ هِيَ هِيَ مَعَ قطع النّظر عَن مُقَارنَة الْمَوْضُوع وَعدمهَا فَهِيَ عرضي مَحْمُول. وَإِذا أخذت بِشَرْط شَيْء أَي بِشَرْط مُقَارنَة الْمَوْضُوع مَعهَا فعين الْمحل. وَإِذا أخذت بِشَرْط لَا شَيْء أَي بِشَرْط عدم مُقَارنَة الْمَوْضُوع مَعهَا فَعرض مُقَابل للجوهر فالبياض مثلا بِالِاعْتِبَارِ الأول يكون أَبيض وعرضيا مَحْمُولا وَبِالثَّانِي ثوبا أَبيض وبالثالث بَيَاضًا وعرضا مبائنا للموضوع.
ف (70)

الْعَالم

(الْعَالم) الْخلق كُله وَقيل كل مَا حواه بطن الْفلك وكل صنف من أَصْنَاف الْخلق كعالم الْحَيَوَان وعالم النَّبَات (ج) عوالم وعالمون
الْعَالم: بِكَسْر اللَّام اسْم الْفَاعِل من الْعلم بِمَعْنى دانستن وَبِفَتْحِهَا مُشْتَقّ من الْعلم بِمَعْنى الْعَلامَة فَمَعْنَاه مَا يعلم بِهِ كالخاتم بِمَعْنى مَا يخْتم بِهِ ثمَّ غلب على مَا سوى الله تَعَالَى لِأَنَّهُ مِمَّا يعلم بِهِ الصَّانِع، وَفَسرهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي شرح العقائد بقوله أَي مَا سوى الله تَعَالَى من الموجودات مِمَّا يعلم بِهِ الصَّانِع. وَقَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة أَن قَوْله مِمَّا يعلم بِهِ الصَّانِع إِشَارَة إِلَى وَجه تَسْمِيَة مَا سوى الله تَعَالَى بالعالم وَلَيْسَ من التَّعْرِيف كَمَا هُوَ الْمَشْهُور أَنه من تتمته لِأَن سوى بِمَعْنى الْغَيْر وَالْمرَاد بِهِ الْغَيْر المصطلح أَي جَائِز الانفكاك فَخرج عَنهُ صِفَاته تَعَالَى لِأَنَّهَا لَيست غير الذَّات كَمَا أَنَّهَا لَيست عين الذَّات فَلَو جعل قَوْله مِمَّا يعلم بِهِ الصَّانِع من تَتِمَّة التَّعْرِيف لزم استدراكه وَالْمَشْهُور أَنه من تتمته بِنَاء على حمل الْغَيْر على الْمَعْنى الــلّغَوِيّ أَعنِي المغائر فِي الْمَفْهُوم وَإِخْرَاج صِفَاته تَعَالَى إِذْ لَا يعلم بهَا الصَّانِع.
وَالتَّحْقِيق أَن الْمَشْهُور أولى لِأَن حمل الْغَيْر على المصطلح بعيد عَن الْفَهم وعَلى تَقْدِير التَّسْلِيم يلْزم اسْتِدْرَاك قَوْله من الموجودات إِذا لغير المصطلح لَا يُطلق إِلَّا على الْمَوْجُود. ثمَّ اعْلَم أَنه يتَوَهَّم من التَّعْرِيف الْمَذْكُور أَمْرَانِ أَحدهمَا جَوَاز إِطْلَاق الْعَالم على زيد وَعَمْرو وَغير ذَلِك من الجزئيات وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا يُطلق على الجزئيات بل على كل وَاحِد من الْأَجْنَاس وَثَانِيهمَا اخْتِصَاص إِطْلَاقه على مَجْمُوع مَا سوى الله تَعَالَى حَيْثُ بَين الْمَوْصُول بِصِيغَة الْجمع وَقَالَ من الموجودات وَلَيْسَ كَذَلِك لما مر من جَوَاز إِطْلَاقه على كل وَاحِد من الْأَجْنَاس وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ اسْما للْكُلّ لَا لكل وَاحِد من الْأَجْنَاس لما صَحَّ جمعه فِي قَوْله تَعَالَى {رب الْعَالمين} . أَلا ترى أَن الشَّارِح الْمُحَقق رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي شرح الْكَشَّاف إِنَّه اسْم لكل جنس وَلَيْسَ اسْما للمجموع بِحَيْثُ لَا يكون لَهُ أَفْرَاد بل أَجزَاء فَيمْتَنع جمعه انْتهى. ولدفع الوهمين الْمَذْكُورين قَالَ الْمُحَقق وَيُقَال - عَالم الْأَجْسَام - وعالم الْإِعْرَاض - وعالم النَّبَات - وعالم الْحَيَوَان وَإِنَّمَا يندفعان بِهَذَا القَوْل لِأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَمريْن أَحدهمَا أَن الْعَالم يُطلق على كل وَاحِد من الْأَجْنَاس لَا على كل جزئي مِنْهَا وَثَانِيهمَا أَنه اسْم مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَين جَمِيع الْأَجْنَاس وَهُوَ مَا سوى الله تَعَالَى لَا للْكُلّ أَي للمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع فبالأمر الأول ينْدَفع الْوَهم الأول وَبِالثَّانِي الثَّانِي وَلَا يجوز دفع الْوَهم الثَّانِي بِأَن يُقَال إِنَّه مُشْتَرك بَين الْمَجْمُوع أَي الْكل وَبَين كل وَاحِد لِأَن القَوْل بالاشتراك خلاف الأَصْل لَا يُصَار إِلَيْهِ بِلَا ضَرُورَة مَعَ أَنه مَوْقُوف على الْعلم بِتَعَدُّد الْوَضع وَإِثْبَات الْوَضع بِلَا دَلِيل بَاطِل. فَإِن قلت، متن العقائد صَرِيح فِي أَنه اسْم للْكُلّ حَيْثُ قَالَ الْعَالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحدث فَإِن الْأَجْزَاء إِنَّمَا تكون للْكُلّ كَمَا لَا يخفى. قُلْنَا هَذَا القَوْل قَضِيَّة كُلية مَعْنَاهُ كل جنس يصدق عَلَيْهِ مَفْهُوم اسْم الْعَالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ حَادث لِأَن مهملات الْعُلُوم كليات أَو لِأَن اللَّام على الْعَالم للاستغراق وَهُوَ سور الْمُوجبَة الكليه كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وَالْغَرَض من ذَلِك القَوْل الرَّد على الفلاسفة الْقَائِلين بقدم السَّمَاوَات بأجزائها أَي موادها وصورها الجسمية والنوعية وأشكالها أَي الصُّور الشخصية وبقدم العناصر بموادها وصورها لَكِن بالنوع بِمَعْنى أَنَّهَا لم تخل قطّ عَن صُورَة مَا. وَهَذَا الْغَرَض إِنَّمَا يحصل إِذا كَانَ ذَلِك القَوْل قَضِيَّة كُلية إِذْ محصلها حِينَئِذٍ أَن كل جنس من الْأَجْنَاس حَادث مَعَ حُدُوث الْأَجْزَاء الَّتِي تركب مِنْهَا.
وَاعْلَم أَن مَا قيل إِن الْعَالم اسْم مَا علم بِهِ الْحق تَعَالَى شَأْنه مَبْنِيّ على أَنه اسْم غير صفة لَكِن فِيهِ معنى الوصفية وَهِي الدّلَالَة على معنى الْعلم. وَأما الْعَالم عِنْد أهل الْحَقَائِق هُوَ الْحق المتجلي بصفاته لِأَنَّهُ اسْم لما سوى الله تَعَالَى وسواه مُنْتَفٍ عِنْدهم فبالضرورة هُوَ الْحق المتجلي بصفاته وَيحْتَمل على مَذْهَبهم أَن يرجع ضمير صِفَاته إِلَى الْعَالم أَي الْعَالم هُوَ الْحق المتجلي بِصِفَات الْعَالم هَذَا هُوَ الْأَنْسَب لما قيل ظهر بِوُجُود الْإِنْسَان بِصفة الْإِنْسَان.
(آن بادشاه أعظم دربسة بود مُحكم ... بوشيده دلق آدم كاه بر درآمد)

وَأَيْضًا أَن الْحق اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى وَاسْتعْمل أَيْضا فِي معنى آخر وَهُوَ الحكم المطابق للْوَاقِع ويقابله الْبَاطِل فَالْمَعْنى على هَذَا أَن الْعَالم هُوَ الْحق أَي غير الْبَاطِل المتجلي بصفاته الكائنة فِي علم الله تَعَالَى وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى الْعَالم هُوَ الْحق أَي غير الْبَاطِل المتجلي بِسَبَب صِفَات الله سُبْحَانَهُ على صَنْعَة الِاسْتِخْدَام.

الشّعْر

(الشّعْر) زَوَائِد خيطية تظهر على جلد الْإِنْسَان وَغَيره من الثدييات ويقابله الريش فِي الطُّيُور والحراشيف فِي الزواحف والقشور فِي الأسماك والنبات (على التَّشْبِيه) الْوَاحِدَة شَعْرَة (ج) أشعار وشعور

(الشّعْر) كَلَام مَوْزُون مقفى قصدا و (فِي اصْطِلَاح المنطقيين) قَول مؤلف من أُمُور تخييلية يقْصد بِهِ التَّرْغِيب أَو التنفير كَقَوْلِهِم الْخمر ياقوتة سيالة وَالْعَسَل قيء النَّحْل وَالشعر المنثور كَلَام بليغ مسجوع يجْرِي على مَنْهَج الشّعْر فِي التخييل والتأثير دون الْوَزْن وَيُقَال لَيْت شعري مَا صنع فلَان لَيْتَني أعلم مَا صنع (ج) أشعار
الشّعْر: بِالْفَتْح موى وبالكسر فِي اللُّغَة دانستن ودريافتن. وَفِي اصْطِلَاح الْعرُوض لَيْسَ المُرَاد بِهِ الْمَعْنى المصدري أَي تأليف الْكَلَام الْمَوْزُون وَإِن كَانَ مصدرا بل المُرَاد بِهِ عِنْدهم الْكَلَام الْمَوْزُون الدَّال على الْمَعْنى ذَا القافية بِشَرْط قصد الْقَائِل موزونية ذَلِك الْكَلَام فَالْكَلَام الْغَيْر الْمَوْزُون. وَكَذَا الْكَلَام الْمَوْزُون الْغَيْر الدَّال على الْمَعْنى. وَالْكَلَام الْمَوْزُون الدَّال على الْمَعْنى لم يقْصد الْقَائِل موزونيته لَيْسَ بِشعر فَقَوله تَعَالَى {ثمَّ أقررتم وَأَنْتُم تَشْهَدُون ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون} . وَكَذَا قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ... )

(يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ... )

وَإِن كَانَ قَوْله تَعَالَى على بَحر رمل مسد من مَقْصُور لِأَنَّهُ فاعلاتن فاعلاتن فاعلات، والْحَدِيث الشريف على بَحر رمل مثمن لِأَنَّهُ فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلات، لَيْسَ بِشعر، فَإِن قلت من أَيْن يعلم أَنه تَعَالَى وتقدس وَالنَّبِيّ الْأَفْصَح الْمُقَدّس عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يقْصد الموازنة - قلت أما قرع سَمعك قَوْله تَعَالَى فِي مُحكم كِتَابه {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وَإِنَّمَا علمه تَعَالَى الْقُرْآن الْمجِيد فَعلم من هَا هُنَا أَنه لَيْسَ فِيهِ شعر وَلما قَالَ تبَارك وَتَعَالَى وَمَا يَنْبَغِي لَهُ فَكيف يتَصَوَّر مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَا يَلِيق بِحَالهِ.والشاعر إِمَّا من الشّعْر بِالْمَعْنَى الــلّغَوِيّ فَمَعْنَاه بِالْفَارِسِيَّةِ داننده ودريابنده. وَإِنَّمَا يُقَال للقائل بالْكلَام الْمَوْزُون الْمَذْكُور شَاعِر لِأَنَّهُ يدْرك نوعا من الْكَلَام وَيقدر على تركيب كَلِمَات لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره. وَأما من الشّعْر بِالْمَعْنَى الاصطلاحي فَمَعْنَاه صَاحب الشّعْر - وَقَالَ بعض أَصْحَاب السّير أَن أول من قَالَ الشّعْر آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ شعره فِي مرثية ابْنه هابيل حِين قَتله ابْنه قابيل بلغَة سريانية ثمَّ تَرْجمهُ بعض الْعلمَاء بِالْعَرَبِيَّةِ هَكَذَا:
(تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمن عَلَيْهَا ... فَوجه الأَرْض مغبر قَبِيح)

(تغير كل ذِي طعم ولون ... وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح)

(وهابيل أذاق الْمَوْت فَإِنِّي ... عَلَيْك الْيَوْم محزون قريح)

(بَكت عَيْني وَحقّ لَهَا بكاها ... فدمع الْعين منهل سفوح)

وَقَالَ قَاسم بن سَلام الْبَغْدَادِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ أَمَام أَرْبَاب السّير أَن أول من قَالَ الشّعْر الْعَرَبِيّ يعرب بن قحطان وَكَانَ من أَبنَاء نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي أول من قَالَ بالشعر الْفَارِسِي اخْتِلَاف، الْجُمْهُور على أَنه بهْرَام كور وَأول أشعاره:
(منم آن بيل دمان ومنم آن شيريله ... نَام بهْرَام مراوبدرم بوجبله)

وَقيل هُوَ أَبُو حَفْص الْحَكِيم السغدي وَمن أبياته:
(آهوى كو هِيَ در دشت جكونه دود ... )

(جون من ندارد ياربي يارجكونه رَود ... )

وَقيل أول من أسس أساس الْمَدْح وَالثنَاء ونظم القصيدة فِي مدح محسنه كَانَ هورودكي وقصيدته مَشْهُورَة، وَالشعر عِنْد المنطقيين قِيَاس مؤلف من المخيلات، وَالْغَرَض مِنْهُ انفعال النَّفس بالانقباض والانبساط وَالتَّرْغِيب والترهيب والتنفير كَقَوْلِك الْخمر ياقوتية سيالة وَالْعَسَل مرّة مهوعة.

دلَالَة النَّص

دلَالَة النَّص: أَي الثَّابِت بهَا وَمَا يثبت بطرِيق الْأَوْلَوِيَّة بِالْمَعْنَى الــلّغَوِيّ كالنص كالنهي عَن التأفيف بقوله تَعَالَى: {وَلَا تقل لَهما أُفٍّ} يدل على حُرْمَة ضربهما بطرِيق الْأَوْلَوِيَّة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.