Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: قرار

أُفٍّل

أُفٍّل
{أَفلَ القَمرُ، وَكَذَلِكَ سائرُ الكَواكِب كضَرَب ونَصَر وعَلِم،} أُفُولاً بالضَّمّ، فَهُوَ مُثَلَّثُ المُضارِع، والأُفُولُ مَصْدَرُ الثَّانِي على القِياس: غابَ قَالَ اللهُ تَعالى: فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أحِبُّ {الآفِلِينَ فَهُوَ} آفِلٌ وَهِي {آفِلَةٌ. (و) } الأَفِيلُ كأَمِيرٍ: ابنُ المَخاضِ فَمَا فَوْقَه وَقَالَ الأصْمَعِيُّ: ابنُ المَخاضِ وابنُ اللَّبُون. والأنْثى: أَفِيلَةٌ. فَإِذا ارْتَفع عَن ذلِكَ فليسَ {بأَفِيلٍ. وَفِي المَثَلِ: إنَّما القَرْمُ مِن} الأفِيلِ أَي إنّ بَدْءَ الكَبيرِ صَغِيرٌ. (و) {الأَفِيلُ: الفَصِيلُ وَفِي المُحْكَم: ابنُ المَخاضِ فَمَا فَوقَه ج: إِفالٌ كجِمالٍ هَذَا هُوَ القِياسُ، قَالَ الفَرَزْدَقُ:
(وَجَاء قَرِيعُ الشَّوْلِ قَبلَ} إِفالِهَا ... يَزِفُّ وجاءتْ خَلْفَهُ وَهِي زُفَّفُ)
يُجْمَعُ {الأَفِيلُ أَيْضا على} أفائِلَ كأَصِيلٍ وأصائِلَ، قَالَ سِيبَوَيْه: شَبَّهُوه بِذَنُوبٍ وذَنائِبَ، يَعْنِي أَنه لَيْسَ بينَهما إلاَّ الياءُ والواوُ، واختِلافُ مَا قَبلَهما بهِما، والياءُ وَالْوَاو أُختان، وَكَذَلِكَ الكسرة والضَّمَّة. قَالَ اللَّيثُ: إِذا استَقَرَّ اللِّقاحُ فِي قَرارِ الرَحِمِ، قيل: قد {أَفَلَ، ثمَّ يُقال للحامِلِ:} آفِلٌ.
وَيَقُولُونَ: سَبُعَةٌ ونَصّ اللَّيثِ: لَبُوَةٌ آفِلٌ {وآفِلَةٌ. أَي حامِلٌ ونَصُّ اللَّيثِ: إِذا حَمَلَتْ. قَالَ أَبُو زُبَيدٍ الطَّائي:
(أَبُو شَتِيمَيْنِ مِن حَصَّاءَ قد} أَفَلَتْ ... كأنَّ أَطْباءَها فِي رُفْغِها رُقَعُ)
ويُروَى: {أَفِلَتْ، بكسرِ الْفَاء، من قولهِم: أَفِلَ الرَّجُلُ، كفَرِحَ: إِذا نَشِطَ فَهُوَ} أَفِلٌ، كَذَا فِي النَّوادِر.
قَالَ أَبُو الهَيثَم: {أَفِلَتِ المُرضِعُ: ذَهَب لَبَنُها وَبِه فُسِّر قولُ أبي زُبَيدٍ} كأَفَلَ كنَصَرَ هَكَذَا ضَبَطَه بعضُهم فِي خَطِّ أبي الْهَيْثَم. (و) {المُؤفَّلُ كمُعَظَّم: الضَّعِيفُ كالمُؤَفَّنِ. (و) } تَأَفَّلَ: إِذا تَكَبَّر. {وأفَّلَهُ} تَأْفِيلاً: وَقَّرَهُ نَقَله الصَّاغانيُّ.
وممّا يُستَدْرَكُ عَلَيْهِ: نُجُومٌ {أُفَّلٌ} وأُفُولٌ: غُيَّبٌ. ورَجلٌ {مَأْفول الرَّأْيِ: أَي ناقِصُ اللُّبِّ، كَمَأْفُونٍ، وَهُوَ بَدَلٌ. وأمّا أَفْكَلُ، فإنّ هَمْزَتَه زائدةٌ، وَزْنُه أفْعَلُ، وَلِهَذَا إِذا سَمَّيتَ بِهِ لم تَصْرِفْه للتعريفِ ووَزْنِ الفِعْل، وَسَيَأْتِي فِي فَكل.

بوظ

بوظ: تَبوظ: تبوظت السلعة: كسدت (محيط المحيط).
بُوظَة: في ألف ليلة (3: 456): ونشرب بوظة، وهو هذا النوع من الجعة الذي يسمونه عادة بوزة (انظر الكلمة) وفي طبعة برسل (9: 268) ذكرت كلمة بوزة في هذا الموضع.
وبوظة: الحانة التي تشرب بها البوظة، ففي ألف ليلة (3: 456): وقل له زمان ما اجتمعت بك في البوظة. وفي طبعة برسل (9: 267) البوزة. وتجمع على بُوَظ ففي مملوك (2، 2: 164): وأبطل الخمامير والبوظ. غير أن كاترمير لم يفهم معنى هذه الكلمة لأن ترجم العبارة بما معناه أبطل حانات الخمر ومحال البغاء.
بوظ
{بَاظَ الرَّجُلُ} يَبُوظُ! بَوْظاً، أَهْمَلَهُ الجَوْهَرِيُّ وَقَالَ ابنُ الأَعْرَابِيّ فِي نَوَادِره: أَيْ قَذَفَ. كَذا وَقَعَ فِي التَّكْمِلَةِ غَيْرِهَا، وَفِي اللِّسَان: قَرَّرَ أَرُونَ أَبِي عُمَيْرٍ فِي المَهْبِلِ قَالَ الأَزْهَرِيّ: أَراد بالأُرُونِ: المَنِيَّ، وبِأَبِي عُمَيْرٍ: الذَّكَرَ، وبالمَهْبِلِ: قرَارَ الرَّحِمِ. وَقَالَ ابْن الأَعْرَابِيّ أَيضاً: باظ الرَّجُلُ يَبُوظُ بَوْظاً: سَمِنَ جِسْمُه بَعْدَ هُزالٍ كبَظَّ بَظَّاً 

رأَس

رأَس
{الرَّأْسُ: م، أَي معروفٌ، وأَجْمَعُوا على أَنَّه مُذَكَّرٌ. والرَّأْسُ: أَعْلَى كُلِّ شيْءٍ. وَمن المَجَازِ: الرَّأْسُ: سَيِّدُ القَوْمِ} كالرَّيِّسِ، ككَيِّسٍ. {والرَّئِيسِ، كأَمِيرٍ. قالَ الكُمَيْتُ يَمْدَحُ مُحَمَّدَ ابنَ سُلَيْمَانَ الهاشِمِيَّ:
(تَلْقَى الأَمَانَ عَلَى حِيَاضِ مُحَمَّد ... ثَوْلاَءُ مُخْرِفَةٌ وذِئْبٌ أَطْلَسُ)

(لاَ ذِي تَخَافُ ولاَ لِهذَا جُرْأَةٌ ... تُهْدَى الرَّعِيَّةُ مَا اسْتَقَامَ} الرَّيِّسُ)
والثَّوْلاءُ: النَّعْجَةُ. والمُخْرِفَةُ. الَّتِي لَهَا خَرُوفٌ يَتْبَعُهَا، ضَرَبَ ذلِكَ مَثَلاً لعَدْلِه وإِنْصَافِه، حتَّى إِنّه لَيَشْرَبُ الذِّئْبُ والشَّاةُ من ماءٍ وَاحدٍ، ج، {أَرْؤُسٌ، فِي القِلَّةِ،} وآرَاسٌ، على القَلْبِ، {ورُؤُوسٌ، فِي الكَثْرَةِ، وَلم يَقْلِبُوا هذِه،} ورُؤْسٌ، وهذِه عَلَى الحَذْفِ. قَالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
(فيَوْماً إِلَى أَهْلِي ويَوْماً إِليْكُمُ ... ويَوْماً أَحُطُّ الخَيْلَ مِنْ {رُؤْسِ أَجْبَالِ)
وأَمّا} الرَّئِيسُ، فيُجْمَع على! الرُّؤَسَاءِ. والعامَّةُ تَقُولُ: الرُّيَسَاء. {والرَّأْسُ: القُوْمُ إِذا كَثُرُوا وعَزُّوا، نقَلَه الأَصْمَعِيُّ. قَالَ عَمْرُو بنُ كُلْثُومٍ:
(} بِرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ بَكْرٍ ... نَدُقُّ بِهِ السُّهُولَةَ وَالْحُزُونَاَ)
وَهُوَ مَجَازٌ. قَالَ الجَوْهَرِيُّ: وأَنا أُرَى أَنَّه أَرادَ الرَّئِيسَ لأَنَّه قَالَ: نَدُقُّ بِهِ وَلم يَقُلْ: بِهِمْ.
وَيُقَال: {رَأْسٌ} مَرْأَسٌ، كمَقْعَدٍ. كَذَا هُوَ مَضْبُوطٌ، وصوابُه بالكَسْرِ، أَي مِصَكٌّ {للرُّؤُوسِ. وَقَالَ العَجَّاجُ: وعُنُقَاً عَرْداً ورَأْساً} مِرْأَسَا مُضَبَّرَ اللَّحْيَيْنِ نَسْراً مِنْهَسَا عَضْباً إِذا دِمَاغُهُ تَرَهَّسَا وَفِي الْجمع: {رُؤُوسٌ} مَرَائِيسُ. و) {رُؤُوسٌ} رُؤّسٌ، كرُكَّع. وبَيْتُ {رَأْسٍ: ع، بالشّامِ مِن قُرَى حَلَبَ) يُنْسَبُ إِليهِ الخَمْرُ قالَ حَسّان: كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ ومَاءُ ونَقَل شيخُنَا أَنها قَرْيَةٌ بينَ غَزَّةَ والرَّمْلَةِ، ويُقَال: إِنَّ بهَا مَوْلِدَ الإِمَامِ الشافِعِيِّ، رضِيَ اللهُ تعالَى عَنهُ، قالَه الفَنَارِيّ فِي حَواشِي المُطَوَّلِ. قلتُ: وقالَ الصّاغَانِيُّ: هِيَ كُورَةٌ بالأُرْدُنِّ، وَهِي المُرَادَةُ من قَوْلِ حَسّان.} ورَأْسُ عَيْنٍ: مَدِينةٌ بالجَزِيرَةِ، ويُقَالُ فِيهَا: {رأْسُ العَيْنِ، وَلها يَوْمٌ، وأَنْشَدَ أَبُو عُبَيدَةَ لسُحَيْمِ بنِ وَثِيلٍ الرِّياحِيِّ:
(وَهُمْ قَتَلُوا عَمِيدَ بَنِي فِرَاسٍ ... } بِرَأْسِ العَيْنِ فِي الحُجُجِ الخَوَالِي)
وَفِي الصّحاح: قَدِمَ فُلانٌ مِن رأْسِ عَيْنٍ، وَهُوَ مَوْضِعٌ، والعامَّة تَقول: مِن رأْسِ العَيْنِ: قَالَ ابنُ بَرِّيٍّ: جَاءَ فلانٌ مِنْ رأْسِ عَيْنٍ، إِذا كانَتْ عَيْناً من العُيُونِ نَكِرَةً، فأَمَّا رأْسُ عَيْنٍ هذِه الَّتِي فِي الجَزِيرَةِ، فَلَا يُقال فِيهَا رأْسُ العَيْنِ. ورَأْسُ الأَكْحَلِ: قَرْيَةٌ باليَمَنِ مِن نَوَاحِي ذَمَارِ. ورَأْسُ الإِنْسَانِ: جَبَلٌ بِمَكَّةَ بَيْنَ أَجْيَادٍ الصَّغِيرِ، وأَبِي قُبَيْس.! ورَأْسُ ضَأْنٍ: جَبَلٌ لِدَوْسٍ. وَرَأْسُ الحِمَارِ: د، قُرْبَ حَضْرَمَوْتَ. وَرأْسُ الكَلْبِ: ة بِقُومَسَ. وَقيل: ثَنِيَّةٌ بِهَا. ويُقَال: إِنَّهَا قَارَاتُ الكَلْبِ.
ورَأْسُ الكَلْبٍ: ثَنِيَّةٌ باليَمَامَةِ. وَرأْسُ كِيفَى، بكسرِ الكَاف: ع. بالجَزِيرةِ من دِيَار مُضَرَ، وَهُوَ المَشْهُورُ بِحِصْنِ كِيفَى، أَو غَيْرُه، فَلْيُنْظَرْ. وقولُهم: رُمِيَ فُلانٌ مِنْهُ فِي الرَّأْسِ، أَي أَعْرَضَ عَنْهُ وَلم يَرْفَعْ بِهِ رَأْساً واستَثْقَلَه. تَقول: رُمِيتُ مِنْكَ فِي الرَّأْسِ، على مَا لم يُسَمَّ فاعِلُه، أَي ساءَ رأْيُكَ فِيَّ حَتَّى لَا تَقْدِرَ أَنْ تَنظُرَ إِليَّ. وَذُو الرَّأْسٍ: لَقَبُ جَرِير بن عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفَي، واسمُه حُذَيْفةُ بنُ بَدْرِ بنِ سَلَمَةَ بنِ عَوْفِ بنِ كُلَيْبِ بنِ يَرْبُوع بن حَنْظَلَةَ بنِ مالِك بن زِيْدِ مَنَاةَ، قِيلَ لَهُ ذلِك لجُمَّةٍ كانتْ لَهُ، وكانَ يُقَال لَهُ فِي حَدَاثَتِه: ذُو اللِّمَمِ. وذُو الرَّأْسَيْنِ لَقَبُ خُشَيْنِ بن لأْيِ بنِ عُصَيْمٍ. وَذُو الرَّأْسينِ أَيضاً: أُمَيَّةُ بنُ جُشَمَ بنِ كِنَانةَ بنِ عَمْرو بنِ قَيْن بن فَهْم بن عَمْرِو بنِ قَيْسِ عَيْلاَنَ. ومِن المَجَازِ: رَأْسُ المالِ: أَصْلُه. وَيُقَال: أَقْرِضْنِي عَشْرَةً برُؤوسِهَا، أَي قَرْضاً لَا رِبْحَ فِيهِ إلاَّ رأْسُ المالِ.
ومِن المَجَازِ: الأَعْضَاءُ {الرَّئِيسَةُ، وَهِي أَرْبَعَةٌ عِنْدَ الأَطِبَّاءِ: القَلْبُ والدِّماغُ والكَبِدُ، فهذِه الثَّلاثَةُ رَئيسَةٌ مِن حَيْثُ الشَّخْصُ، على مَعْنَى أَنَّ وُجُودَه بدُونِهَا أَو بِدُونِ وَاحدٍ مِنْهَا لَا يُمْكِنُ. والرّابِعُ الأُنْثَيَانِ، وكونُه رَئيساً مِن حَيْثُ النَّوْعُ، على مَعْنَى أَنَّه إِذا فاتَ فاتَ النَّوْعُ. ومَنْ قالَ: إِنَّ الأَعْضَاءَ الرَّئيسَةَ هِيَ الأَنْفُ واللِّسَانُ والذَّكَرُ، فقدْ سَهَا.)
قالَ الصّاغَانِيُّ: وشاةٌ رَئيسٌ، كأَمِيرٍ: أُصِيبَ} رَأْسُهَا. مِنْ غَنَمٍ رَآسىَ، بوزنِ رَعَاسىَ، مثْل: حَبَاجَى ورَمَاثَى. والرَّئيسُ، وَفِي التَّبْصِيرُ، والتَّكْمِلَة: رَئيسُ بنُ سَعِيد بنِ كَثير بنِ عُفَيْرٍ الْمِصْرِيّ، مُحَدِّثٌ شاعِرٌ، وَهُوَ أَخو عُبَيْدِ الله. (و) {الرِّئِيسُ، كسِكِّيتٍ: الكَثِيرُ} التَّرَؤُّسِ، أَي التأَمُّرِ.
{والمِرْآسُ، كمِحْرَابٍ: الفَرَسُ الَّذِي يَعَضُّ} رُؤُوسَ الخَيْلِ إِذا صارَتْ مَعَهُ فِي المُجَاراةِ، قَالَ رُؤْبَةُ:
(لَوْ لمْ يُبَرِّزْهُ جَوَادٌ {مِرْآسْ ... لَسَقَطَتْ بِالْمَاضِغَيْنِ الأَضْراسْ)
أَو} الْمِرْآسُ الَّذِي يَرْأَسُ أَي يَكُونُ {رَئِيساً لَها فِي تَقَدُّمِه وسَبْقهِ.} ورَأَسهُ {يَرْأَسُهُ} رَأْساً، كمَنَع: أَصابَ {رَأْسَهُ فَهُوَ} مَرْؤُوسٌ! ورَئيسٌ. {والرَّآس، كشَدَّادٍ: بائِعُ} الرُّؤُوسِ. {- والرَّوَّاسِيُّ، بِالْوَاو وياءِ النِّسْبَةِ، لَحْنٌ، وَفِي اللِّسَانِ: مِن لُغَةِ العَامَّةِ. مِنْهُ أَبو الفِتْيَانِ عُمَرُ بنُ الحَسَنِ بنِ عبد الكَرِيمِ الدِّهِسْتَانِيّ الحَافِظُ} - الرَّآسِيّ نُسِبَ إِلَى بيعِ الرُّؤُوسِ. وَقَع لي حَدِيثُه عالِياً فِي الأَرْبَعِين البُلْدانِيَّةِ للحَافِظِ أَبي طاهِرٍ السِّلَفِيِّ وخَرَّجْتُه أَيضاً فِي بَذْلِ المَجْهُود بتَخْرِيجِ حَدِيثِ: شَيَّبَتْنِي هُود مَاتَ سنة. {والمُرَأّسُ، كمُعَظَّمٍ ومِصْباحٍ وصَبُورٍ، من الإِبِلِ: الذِي لم يَبْقَ لَهُ طِرْقٌ، بالكَسْرِ، إلاَّ فِي رَأْسِه، عَن الفَرَّاءِ، حَكَاهُ عَنهُ أَبو عُبَيْدٍ. وَفِي نَصِّه:} المُرائِسُ، كمُقَاتِلٍ. وَقد صَحَّفَهُ المُصَنِّف. وليسَ عِنْدَه {المِرْآسُ، كمِصْبَاحٍ. (و) } المُرَئِّسُ، كمُحَدِّثٍ: الأَسَدُ.
{والَّرَوائِسُ: أعالِي الأَوْدِيَةِ، الوَاحِدَةُ:} رَائِسٌ. وَبِه فُسِّرَ قولُ ذِي الرُّمَّةِ عَلَى الأَصَحِّ:
(خَنَاطِيلُ يَسْتَقْرِينَ كُلَّ قَرَارَــةٍ ... ومَرْتٍ نَفَتْ عَنْهَا الغُثَاءَ {الرَّوَائِسُ)
وَهِي أَيضاً المُتَقَدِّمَةُ مِن السّحابِ،} كالمَرَائِسِ. يُقَال: سَحَابَةٌ {رَائسَةٌ. وَبِه فُسِّر بَعْضُ قَول ذِي الرُّمَّةِ السّابِق.} والرَّائِسُ: جَبَلٌ فِي بَحْرِ الشَّامِ. وَبِه فُسِّر قولُ أُمُيَّةَ بنِ أَبِي عائِذٍ الهُذَلِيِّ:
(وَفِي مَعْرَكِ الآلِ خِلْتُ الصُّوَى ... عُرُوكاً على! رائسٍ يَقْسِمُونا) (و) {رائِسُ: بِئْرٌ لِبَنِي فَزَارَةَ. (و) } الرَّائِسُ: الوَالِي. {والمَرْؤُوسُ: الرَّعِيَّةُ. وقَالَ الفَرَّاءُ:} المَرْؤُوسُ: الَّذِي شَهْوَتهُ فِي رَأْسِهِ لَا غَيْرُ، نَقَلَهُ الصَّاغَانِيُّ. (و) {المَرْؤُوسُ:} الأَرْأَسُ، أَي العَظِيمُ الرَّأْسِ.
{ورِئَاسُ السَّيْفِ، بالكَسْرِ: مَقْبِضُهُ أَو قَبِيعَتُه، قَالَ الصّاغَانِيُّ: وهذِه أَصَحُّ. قَالَ ابنُ مُقْبِلٍ:
(ثُمَّ اضطغَنْتُ سِلاَحِي عِنْدَ مَغْرِضِهَا ... ومِرْفَقٍ} كرِئَاسِ السَّيْفِ إِذْ شَسَفَا)
هَكَذَا أَنْشَدَه ابنُ بَرِّيّ، وَقَالَ شَمِرٌ: لم أَسْمَعْ: {رِئَاساً إلاَّ هُنَا. قَالَ ابنُ سِيدَهْ: ووَجَدْنَاهُ فِي المُصَنَّفِ: كرِيَاسِ السَّيْف غَيْرَ مَهْمُوزٍ. قَالَ: فَلَا أَدْرِي هَلْ هُو تَخْفِيفٌ أَم الكَلِمَةُ من الياءِ. ومِن المَجَازِ:} الرَّأْسُ مِن الأَمْرِ: أَوَّلُهُ، وتقولُ لمَنْ يُحدِّثُكَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلاَمَكَ مِن {رَأْسٍ، ومِن الرَّأْسِ، وَهِي أَقَلُّ اللُّغَتَيْنِ، وأَنْكَرَهَا بَعضُهُم، وَقَالَ: لَا تَقُلْ: مِنَ الرَّأْسِ. قَالَ: والعَامَّةُ تقولُه. قالَهُ شيخُنَا، وَبِه فُسِّرَ حَدِيثُ: لَمْ يُبْعَثْ نَبيٌّ إِلاَّ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ عَاماً. ونَعْجَةٌ} رَأْسَاءُ: سَوْداءُ الرَّأْسِ والوَجْهِ وسائِرُها أَبْيَضُ. قالَهُ الجَوْهَرِيُّ. وقالَ غَيرُه: شاةٌ {رَأْساءُ: مُسْوَدَّةُ} الرَّأْسِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْد: إِذا اسْوَدَّ {رأْسُ الشَّاةِ فَهِيَ} رَأْسَاءُ، فإِن أَبْيَضَّ {رَأْسُهَا مِن بَيْنِ جَسَدِهَا فَهِيَ رَخْمَاءُ ومُخَمَّرَةٌ. وبَنُو} رُؤَاسٍ، بالضَّمِّ: حَيٌّ مِن عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ. وَهُوَ رُؤَاسُ بن كِلاَبِ بنِ رَبِيعَةَ بن عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ. مِنْهُم أَبو دُوَادٍ يَزِيدُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ عُمْرِو بنِ قَيْسِ بنِ عُبَيْدِ بنِ {رُؤاسِ بنِ كِلاَبِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عامرِ بنِ صَعْصَعَةَ. قَالَه الأَزْهَرِيُّ.
قلت:} ورُؤَاسٌ اسمُه الحَارِثُ وعَقِبُه مِنْ ثلاثةٍ: بِجَادٍ وبُجَيْدٍ وعُبَيْدٍ، أَولادِ رُؤاسٍ لِصُلْبِهِ.
ومِن وَلَدِ رُؤَاسٍ: وَكِيعُ بن الجَرَّاحِ بنِ مَلِيحِ بنِ عَدِيّ بنِ الفَرَسِ الفَقِيهُ.
وَمِنْهُم حُمَيْدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ ابنِ حُمَيْدٍ، {الرُّؤَاسِيُّونَ. مُحَدِّثُون. قَالَ الأَزْهَرِيُّ: وكانَ أَبو عُمَرَ الزاهِدُ يَقُولُ فِي أَبِي جَعْفَرِ} - الرُّؤاسِيِّ أَحَدِ القُرَّاءِ والمَحَدِّثِين: إِنَّه الرَّوَاسِيُّ، بِفَتْح الرّاءِ وبالوَاوِ من غَيْر هَمْزٍ، مَنْسُوبٌ إِلى رَوَاس: قَبِيلَةٍ من سُلَيْمٍ، وكانَ يُنْكِرُ أَنْ يُقَال: الرُّؤَاسيُّ، بالهَمْزِ، كمَا يَقُولُه المُحَدِّثُون وغيرُهم. قلت: ويَعْنِي بأَبِي جَعْفَر هَذَا مُحَمَّدَ بنَ أَبي سارةَ الرَّوَاسِيّ. ذكرَ ثَعْلَبٌ أَنَّه أَوَّلُ مَن وَضَعَ نحوَ الكُوفِيِّينَ. وَله تَصانِيفُ، وَقد تقدَّم ذِكْرهُ فِي المُقَدِّمة. {والرُّؤَاسِيُّ أَيضاً: العَظِيمُ الرَّأْسِ، ومِمَّن نُسِبَ إِلى ذلِكَ مِسْعَرُ ابنُ كِدَامٍ الفَقِيهُ وغيرُه، وَمِنْهُم مَن يقولُه بتَشْدِيدِ الواوِ، من غَيْرِ هَمْزٍ، وَهُوَ غَلَظٌ. ويُقَال:} رَأسْتُه {تَرْئيساً، إِذا جَعَلْتَه رَئيساً على القَوْمِ.
} وارْتَأَسَ هُوَ: صارَ {رَئيساً،} كتَرَأّسَ، مثلُ تأَمَّرَ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعْرابِ:! ارْتَأَسَ زَيْداً، إِذا شَغَلَه.
وأَصْلُه أَخْذٌ بالرَّقَبَةِ وخَفْضُهَا إِلى الأَرْضِ، وَمثله: اكْتَأَسَه وارْتَكَسَه واعْتَكَسَه، كلُّ ذلِكَ بمَعْنًى وَاحدٍ. {والمُرَائِسُ، كمُقَاتِلٍ: المتَخَلِّفُ عَن القومِ فِي القِتَالِ، نقَلَه الصّاغَانِيُّ. ومِمَّا يُسْتَدْرَك عَلَيْهِ:} رُئِسَ الرجُلُ، كعُنِيَ، شَكَا {رَأْسَه، فَهُوَ} مَرْؤوسٌ. {والرَّئِيس: الَّذِي قَدْ شُجَّ رَأْسُه، وَمِنْه قولُ لَبِيدٍ:
(كَأَنَّ سَحِيلَهُ شَكْوَى رَئيسٍ ... يُحَاذِرُ مِنْ سَرَابَا وَاغْتِيَالِ)
} والمَرْؤُوسُ: مَنْ أَصَابَهُ البِرْسَامُ. قَالَه الأَزْهَرِيُّ. وأَصَابَ {رأْسَه: قَبَّلَهُ، وَهُوَ كِنَايَةٌ.} وارْتَأَسّ الشَّيْءَ: رَكِبَ رأْسَه. وفَحْلٌ {أَرْأَسُ، وَهُوَ الضَّخْمُ} الرَّأْسِ، {كالرُّؤَاسِ} - والرُّؤَاسيّ، وَقيل: شاةٌ) أَرْأَسُ، وَلَا تَقُلْ: {- رَؤاسِيٌّ، عَن ابنِ السِّكِّيتِ.} والرَّائِسُ: رَأْسُ الوَادِي. وكُلُّ مُشْرِفٍ: رَائِسٌ.
ورَأَسَ السَّيْلُ الغُثَاءَ: جَمَعَه وسَيَأْتِي للمُصَنِّفِ فِي ر وس.
وهُم {رأُسٌ عَظِيمٌ، أَي جَيْشٌ على حِيَالِهِ لَا يَحْتَاجُون إِلى إِحْلاب.} ورأَسَ الْقَوْمَ {يَرْأَسُهُم} رَآسةً: فَضَلَهُمْ. {ورأَسَ عَلَيْهِم. قَالَه الأَزْهَرِيُّ. ورَوَّسُوه على أَنفُسِهم، قَالَ: وهكَذَا رأَيتُه فِي كِتَابِ اللَّيْثِ، والقِيَاسُ:} رَأّسُوه. وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: {رَأَسَ الرَّجُلُ} رَآسَةً، إِذا زَاحَمَ عَلَيْهَا وأَرَادَهَا.
قَالَ: وكانَ يُقَال: {الرَّآسَةُ تَنْزِلُ مِن السَّمَاءِ فيُعَصَّبُ بهَا} رَأْسُ مَنْ لَا يَطْلُبُها. وَفِي الحَدِيث: رَأْسُ الكُفْرِ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، وَهُوَ مَجَازٌ، يكون إِشَارَةً إِلَى الدَّجَّالِ أَوْ غَيْرِه من! رُؤَسَاءِ الضَّلاَلِ الخَارِجِينَ بالمَشْرِقِ. {ورَئِيسُ الكِلابِ} ورائِسُهَا: كَبِيرُها الَّذِي لَا تَتَقَدَّمُه فِي القَنَصِ، وَهُوَ مَجازٌ. وكَلبة {رائسة: يَأْخُذ الصَّيْد. وكَلْبَةٌ} رَؤُوسٌ، كصَبُورٍ: تُسَاوِرُ رَأْسَ الصَّيْدِ. ويُقَال: أَعْطِنِي {رَأْساً مِن الثُّومِ، وسِنًّا مِنْهُ، وَهُوَ مَجَازٌ. وَيُقَال: كَمْ فِي} رَأْسِك مِن سِنٍّ وَهُوَ مَجَازٌ. والضَّبُّ رُبَّمَا {رأَّسَ الأَفْعَى ورُبَّمَا ذَنَّبَها، وذلِكَ أَنَّ الأَفْعَى تَأْتِي جُحْرَ الضَّبِّ فتَحْرِشُه، فيَخْرُجُ أَحْيَاناً برأْسِه مُسْتَقْبِلَهَا، فيُقَال: خَرَجَ} مُرَئِّساً، ورُبَّما احْتَرشَهُ الرَّجُلُ فيَجْعَلُ عُوداً فِي فَمِ جُحْرِه فيَحْسبُه أَفْعَى فيَخْرُجُ {مُرَئِّساً أَو مُذَنِّباً.
وقالَ ابنُ سِيدَهْ: خَرَجَ الضَّبُّ} مُرَائِساً: اسْتَبقَ برَأْسِه من جُحْرِه. ورُبَّمَا ذَنَّبَ. وَيُقَال: وَلَدَتْ وَلَدَها على {رَأْسٍ وَاحِدٍ، عَن ابنِ الأَعْرَابِيِّ، أَي بعضُهُم فِي إِثْرِ بَعْضٍ، وكذلِكَ: وَلَدَتْ ثلاثةَ أَوْلادٍ} رَأْساً عَلَى رأسٍ، أَي وَاحِداً فِي إِثْرِ آخَرَ. ويُقَال: أَنْتَ علَى رأْسِ أَمْرِك {ورِئَاسِهِ أَي على شَرَفٍ مِنْهُ. قالَ الجَوْهَرِيُّ، قولُهُم: أَنْتَ على} رِئاسِ أَمْرِكَ: أَي أَوَّلهِ. والعَّامَّةُ تَقول: عَلَى {رَأْسِ أَمْرِكَ. وعِنْدِي رَأْسٌ من الغَنَمِ، وعِدَّةٌ مِن} أَرْؤُسٍ، وَهُوَ مَجَازٌ، وَكَذَا: رَأْسُ الدِّينِ الخَشْيَةُ. وأَهْلُ مَكَّةَ يُسَمُّون يَوْمَ القَرِّ يَوْمَ {الرُّؤُوسِ لأَكْلِهِم فِيهِ رُؤُوسَ الأَضَاحِي. وَرَأْسُ الشَّيْءِ: طَرَفُه، وَقيل: آخِرُه، نَقَلَه شيْخُنَا.
} والرَّأْسُ: من أَسْمَاءِ مَكَّةَ المُشَرَّفَةِ، وتُسَمَّى! رأْسَ القُرَى. وَقَالَ ابنُ قُتَيْبَة فِي المُشْكِلِ: {رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ: جَبَلٌ بِالحِجَازِ مُتَشَعِّبٌ شَنِعُ الْخِلْقَةِ. واسْتَدْرَك الصّاغَانِيُّ هُنَا: رَأسِكُ، من مُدُنِ مُكْرَان. وحَقُّه أَنْ يُذْكَرَ فِي الكَافِ.} والرَّئِيسُ: أَبُو عَلِيِّ بنُ سِينَاءَ، مَشهورٌ. وَجَعْفَرُ بنُ محمَّد بنِ الفَضْل {- الرَّأْسِيّ من رَأْسِ العَيْنِ، عَن أَبِي نُعَيْم، وَعنهُ أَبو يَعْلَى الْمَوْصَلِيّ. والصَّدْرُ مُحَمَّدُ بنُ محمَّد بنِ عليّ بنِ محَّمد} - الرُّؤَاسِيّ الأَسَدِيّ الإِسْفِرَايِنِيّ الشافِعيّ، وُلد بِشِقّان من بلادِ خُرَاسَان، لقِيه البِقَاعِيُّ بمَكَّة.)

ضَرَر

ضَرَر
من (ض ر ر) الأذى والضيق.
ضَرَر
: ( {الضَّرُّ، ويُضَمّ) لُغَتَانِ: (ضِدّ النَّفْع) .
(أَو) الضَّرّ (بالفَتْح: مَصْدَر، وبالضَّم: اسْمٌ) .
وَقيل: هما لُغَتَانِ كالشُّهْد والشَّهْدِ، فإِذا جَمَعْتَ بَين الضَّرّ والنَّفْعِ فتحتَ الضادَ، وإِذا أَفردْتَ} الضُّرَّ ضَمَمْتَ إِذا لم تستعملْه مصدرا، كَقَوْلِك: {ضَرَرْتُ} ضَرّاً، هاكذا تَسْتَعمِله العربُ، كَذَا فِي لحنِ العَوامّ للزُبَيْدِيّ.
وَقَالَ أَبو الدُّقَيْشِ: كُلُّ مَا كَانَ من سُوءِ حَال وفَقْرٍ أَو شِدّةٍ فِي بَدَنٍ فَهُوَ {ضُرٌّ، وَمَا كَانَ ضِدّ النَّفْع فَهُوَ} ضَرٌّ.
يُقَال: ( {ضَرَّهُ) } يَضُرُّه! ضَرّاً، (و) {ضَرَّهُ (بِهِ،} وأَضَّرَّهُ) ، {إِضْرَاراً،} وأَضَرَّ بِهِ ( {وضَارَّهُ} مُضَارَّةً، {وضِرَاراً) ، بالكَسْر بمعْنًى، والاسمُ} الضَّرَرُ، فِعْلُ واحِد، {والضِّرارُ فِعْلُ اثْنينِ، وَبِه فُسِّرَ الحديثُ: (لَا} ضَرَرَ وَلَا {ضِرارَ) أَي لَا} يَضُرُّ الرَّجلُ أَخاهُ فيَنْقُصه شَيْئاً من حقّه، وَلَا يُجَازِيه على إِضْرارِه بإِدخالِ {الضَّرَرِ عَلَيْهِ. وَقيل: هُما بِمَعْنى، وتكرارُهما للتّأْكِيدِ.
} والمُضارّة فِي الوَصِيّة: أَن لَا تُمْضَى أَو يُنْقَصَ بعضُها، أَو يُوصَى لغَيْرِ أَهْلِهَا، وَنَحْو ذالِك ممّا يُخَالِف السُّنّةَ.
( {والضّارُورَاءُ: القَحْطُ، والشِّدَّةُ،} والضَّرَرُ، وسُوءُ الْحَال) ، هاكذا فِي النُّسخ الَّتِي بأَيدينا، وَالصَّوَاب: {والضَّرَرُ: سُوءُ الحالِ، كَمَا فِي اللِّسَانِ وَغَيره (} كالضَّرِّ) ، بالفَتْح أَيضاً، ( {والتَّضِرَّةِ) ، بِكَسْر الضادِ (} والتَّضُرَّةِ) ، بضمّها، الأَخيرة مثَّلَ بهَا سيبويهِ، وفسَّرها السِّيرَافِيّ.
وَجمع الضَّرْ بالفَتْح. {أَضُرٌّ، كأَشُدّ، قَالَ عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ العِبَادِيّ:
وخِلالَ} الأَضُرِّ جَمٌّ من العَيْ
شِ يُعَفِّي كُلُومَهُنّ البَواقِي
(و) {الضَّرَرُ: (النِّقْصَانُ يَدْخُلُ فِي الشَّيْءِ) ، يُقَال: دَخَلَ عَلَيْهِ} ضَرَرٌ فِي مالِه.
( {والضَّرّاءُ) ، بِالْمدِّ: (الزَّمَانَةُ) ، وَمِنْه الضَّرِيرُ بمعنَى الزَّمِنِ.
(و) } الضَّرّاءُ، نقيضُ السَّرّاءِ، وَفِي الحَدِيث: (ابْتُلِينَا {بالضَّرّاءِ فصَبَرْنَا، وابْتُلِينَا بالسَّرَّاءِ فلَمْ نَصْبِرْ) ، قَالَ ابنُ الأَثِيرِ:} الضَّرّاءُ: الحالةُ الَّتِي {تَضُرّ، وَهِي نَقِيضُ السَّرّاءِ، وهما بناءَانِ للمؤنّث، وَلَا مُذَكَّر لَهما، وَهِي: (الشِّدَّةُ) والفقرُ والعذابُ.
(و) قَوْله تَعَالَى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآء} وَالضَّرّاء} (الْأَنْعَام: 42) ، قيل: {الضَّرّاءُ: (النَّقْصُ فِي الأَمْوَالِ والأَنْفُسِ،} كالضَّرَّةِ! والضَّرَارَةِ) ، بفتحهما، ونقلَ الجوهَرِيّ عَن الفَرّاءِ قَالَ: لَو جُمِعَ {الضَّرّاءُ والبَأْساءُ على} أَضُرٍّ وأَبْؤُسٍ، كَمَا يُجْمَع النَّعْماءُ بِمَعْنى النِّعْمَة على أَنْعُمٍ لجازَ.
وَقَالَ أَبو الهَيْثَم: {الضَّرَّةُ: شِدَّةُ الحَال فَعْلَةٌ من} الضَّرِّ.
( {والضَّرِيرُ) ، كأَمِير: الرجُلُ (الذّاهِبُ البَصَرِ) ، ومصدره} الضَّرَارَةُ، (ج: {أَضِرَّاءُ) ، وَهُوَ مَجَاز، وَمِنْه حَديثُ البَرَاءِ: (فجَاءَ ابنُ أُمِّ مَكْتُوم يَشْكُو} ضَرَارَتَهُ) {والضَّرَارَةُ هُنَا: العَمَى، وَهِي من} الضَّرّ: سُوءِ الحَالِ.
(و) من المَجَاز: {الضَّرِيرُ: (المَرِيضُ المَهْزُول) ، والجَمْع كالجمع، (وهِيَ بِهَاءٍ) ، يُقَال: رجلٌ} ضَرِيرٌ، وامرأَةٌ {ضَرِيرَةٌ: أَضَرَّ بهما المَرَضُ.
(وكُلُّ مَا خالَطَه} ضَرٌّ) فَهُوَ {ضَرِيرٌ (} كالمَضْرُورِ) .
(و) من الْمجَاز: {الضَّرِيرُ: (الغَيْرَةُ) ، يُقَال: مَا أَشَدّ} ضَرِيرَهُ عَلَيْهَا، أَي غَيْرَته، وإِنّه لَذُو ضَرِيرٍ على امرأَتِه، أَي غَيْرَةٍ.
(و) الضَّرِيرُ: ( {المُضَارَّةُ) ، اسْم لَهَا، وأَكثرُ مَا يُسْتَعْمَل فِي الغَيْرَةِ كَمَا تقدّم.
(و) الضَّرِيرُ: (حَرْفُ الوَادِي) ، يُقَال: نَزَلَ فُلانٌ على أَحَدِ} - ضَرِيرَيِ الوَادِي، أَي على أَحَدِ جانِبَيْه، وَقَالَ غيرُه: بإِحْدَى ضَفَّتَيْه، وهما {ضَرِيرَانِ. قَالَ أَوسُ بنُ حَجَر:
وَمَا خَلِيجٌ من المَرُّوتِ ذُو شُعَب
يَرْمِي الضَّرِيرَ بخُشْبِ الطَّلْحِ والضّالِ
وَالْجمع} أَضِرَّةٌ.
(و) الضَّرِيرُ: (النَّفْسُ، وبَقِيَّةُ الجِسْمِ) ، قَالَ العَجّاج:
حَامِي الحُمَيّا مَرِس الضَّرِيرِ
وَيُقَال: نَاقَةٌ ذاتُ ضَرِيرٍ، إِذا كانَت شديدَةَ النَّفْس بطِيئَةَ اللُّغُوب، وَقيل: الضَّرِيرُ: بَقِيَّةُ النَّفْسِ.
(و) الضَّرِيرُ: (الصَّبْرُ) ، يُقَال: إِنّه لذُو ضَرِيرٍ، أَي صَبْرٍ على الشَّرّ ومُقَاساةٍ لَهُ، وَقَالَ الأَصمعيّ: إِنه لَذُو ضَرِيرٍ على الشَّرِّ والشِّدّةِ، إِذا كانَ ذَا صَبْر عَلَيْهِ ومُقَاساةٍ، وأَنشد:
وهَمّامُ بنُ مُرَّةَ ذُو ضَرِيرِ
يُقَال: ذالك فِي النّاسِ والدّوَابّ، إِذا كانَ لَهَا صَبْرٌ على مُقاساةِ الشَّرِّ، وَقَالَ جَرِيرٌ:
طَرَقَتْ سَوَاهِمَ قد أَضَرَّ بهَا السُّرَى
نَزَحَتْ بأَذْرُعِهَا تَنَائِفَ زُورَا
مِنْ كُلّ جُرْشُعَةِ الهَوَاجِرِ زَادَها
بُعْدُ المَفاوِزِ جُرْأَةً {وضَرِيراً
أَي من كُلّ ناقَةٍ ضَخْمَةٍ قويّةٍ فِي الهَوَاجِرِ، لَهَا عليْهَا جُرْأَةٌ وصَبْرٌ، والسَّواهِمُ: المَهْزُولَةُ.
(و) } الضَّرِيرُ من النّاس والدّوابّ: (الصَّبُورُ) على كلّ شيْءٍ.
( {والاضْطِرَارُ: الاحْتِيَاجُ إِلى الشَّيْءِ) .
(و) قد (} اضطَرَّهُ إِليْهِ) أَمْرٌ: (أَحْوَجَه وأَلْجَأَه، {فاضطُرَّ، بضَمّ الطّاءِ) ، بِنَاؤُه افتعل، جُعِلَت التّاءُ طاءً؛ لأَنّ التاءَ لم يَحْسُن لَفْظُه مَعَ الضَّاد.
(والاسمُ: الضَّرَّةُ) ، بالفَتْحِ، قَالَ دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّةِ:
وتُخْرِجُ مِنْهُ} ضَرَّةُ القَوْمِ مَصْدَقاً
وطُولُ السُّرَى دُرِّيَّ عَضْبٍ مُهَنَّدِ
أَي تَلأْلُؤ عَضْبٍ.
وَفِي حَدِيث عليّ رَضِي الله عَنهُ رَفعه: (أَنّه نَهَى عَن بَيْعِ {المُضْطَرِّ) . قَالَ ابنُ الأَثِيرِ: وهاذا يكون من وَجْهَيْن: أَحدُهما: أَن يُضْطَرّ إِلى العَقْدِ من طريقِ الإِكراهِ عَلَيْهِ، قَالَ: وهاذا بَيْعٌ فاسدٌ لَا يَنْعَقِد. وَالثَّانِي: أَنْ} يُضْطَرَّ إِلى البَيْع لدَيْنٍ رَكِبَه، أَو مَؤُونةٍ تُرْهِقُه، فيَبِيع مَا فِي يَده بالوَكْسِ {للضَّرُورَةِ، وهاذا سبيلُه فِي حقّ الدِّينِ والمُرُوءَةِ أَن لَا يُبَايَع على هاذا الوَجْه، ولاكن يُعان ويُقْرَض إِلى المَيْسَرَة، أَو تُشْتَرَى سِلْعَتَه بقيمَتِها، فإِنْ عُقِدَ البيعُ مَعَ} الضّرورةِ على هَذَا الْوَجْه صَحَّ وَلم يُفْسَخ مَعَ كَراهةِ أَهْلِ العِلْمِ لَهُ، ومعنَى البَيْعِ هُنَا الشّراءُ أَو المُبَايَعَةُ أَو قَبولُ البيعِ، انْتهى.
وقولُه عزّ وجلّ: {فَمَنِ {اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} (الْبَقَرَة: 45) ، أَي فَمن أُلْجِىءَ إِلى أَكْلِ المَيْتَةِ، وَمَا حُرِّم، وضُيِّقَ عَلَيْهِ الأَمرُ بالجُوعِ، وأَصلُه من} الضَّرَرِ، وَهُوَ الضِّيقُ.
( {والضَّرُورَةُ: الحَاجَةُ) ، ويُجْمَع على} الضَّرُوراتِ، ( {كالضّارُورَةِ،} والضّارُورِ، {والضّارُوراءِ) ، الأَخِيرانِ نقلهُما الصّاغانيّ، وأَنشد فِي اللّسَان على} الضّارُورَةِ:
أَثِيبِي أَخَا {ضَارُورَةٍ أَصْفَقَ العِدَا
عليهِ وقَلَّتْ فِي الصَّدِيقِ أَواصِرُهْ
وَقَالَ اللَّيْث:} الضَّرُورَةُ: اسمٌ لمصدرِ {الاضْطِرارِ، تَقول: حَمَلَتْنِي} الضَّرُورَةُ على كَذَا وَكَذَا.
قلت: فعلَى هاذا، الضَّرُورَةُ {والضَّرَّةُ: كِلَاهُمَا اسمانِ، فَكَانَ الأَوْلَى أَن يَقُول المُصَنّف:} كالضَّرّةِ {والضَّرُورَة، ثمّ يَقُول: وَهِي أَيضاً الحاجةُ، الخ، كَمَا لَا يَخْفَى.
وَفِي حَدِيث سَمُرَةَ: (يُجْزِىءُ من} الضّارُورَةِ صَبُوحٌ أَو غَبُوقٌ) أَي إِنّمَا يَحِلُّ {للمُضْطَرِّ من المَيْتَةِ أَنْ يأْكلَ مِنْهَا مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ غَداءً أَو عشَاء، وَلَيْسَ لَهُ أَن يَجْمعَ بَينهمَا.
(} والضَّرَرُ) ، محركةً: (الضِّيقُ) ، يُقَال: مَكَان ذُو ضَرَرٍ، أَي ذُو ضِيق.
(و) {الضَّرَرُ أَيضاً: (الضَّيِّقُ) ، يُقَال: مكانٌ ضَرَرٌ، أَي ضَيِّقٌ.
(و) الضَّرَرُ: (شَفَا الكَهْفِ) ، أَي حَرْفُه.
(} والمُضِرُّ: الدّانِي) من الشيْءِ، قَالَ الأَخْطَل:
ظَلَّتْ ظِبَاءُ بنِي البَكّاءِ رَاتِعَةً
حتّى اقْتُنِصْنَ على بُعْدٍ! وإِضْرَارِ وَفِي حَدِيث مُعاذ: (أَنّه كاني صَلّي {فأَضَرَّ بهِ غُصْنٌ، فمَدّ يَدَه فكَسَرَه) أَي دَنَا مِنْهُ دُنُوّاً شَدِيداً فآذاه.
} وأَضَرَّ بالطَّرِيقِ: دنَا مِنْهُ وَلم يُخَالِطْه.
( {وأَضَرَّ السَّيْلُ من الحَائِطِ، والسَّحابُ إِلى الأَرْضِ) ، إِذا (دَنَيَا) ، سَيْلٌ} مُضِرٌّ، وسَحابٌ {مُضِرٌّ، وكلّ مَا دَنَا دُنُوّاً} مُضِرّاً فقد {أَضَرّ.
(و) رُوِيَ عَن النّبيّ صلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: (أَنه قِيل لَهُ: أَنَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَة؟ فَقَالَ:} أَتُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي غيرِ سَحاب؟ قَالُوا: لَا. قَالَ:: {فإِنَّكُم3 لَا {تُضَارّون فِي رُؤْيَته} ) ، تبَارك وَتَعَالَى، قَالَ أَبو مَنْصُور: رُوِيَ هَذَا الحَرفُ بِالتَّشْدِيدِ، من} الضُّرِّ، أَي لَا يَضُرّ بعضُكُم بَعْضًا، ورُوِي تُضَارُون بِالتَّخْفِيفِ من الضَّيْرِ، وَالْمعْنَى وَاحِد.
قَالَ الجوهريّ: وبعضُهم يَقُول: لَا {تَضَارُّونَ، بِفَتْح التاءِ، أَي لَا تَضَامُّونَ، ويروى: (لَا تَضَامُّونَ) فِي رُؤْيَته (تَضامّاً يَدْنُو بعضُكُم من بَعْضٍ) فيُزاحِمُه، وَيَقُول لَهُ: أَرِنِيهِ، كَمَا يَفْعَلُون عِنْد النَّظَرِ إِلى الهِلالِ، ولاكن ينفرُ كلُّ مِنْهُم برُؤْيَتِه.
ويروى: لَا تُضَامُونَ، بالتَّخْفِيف، وَمَعْنَاهُ: لَا يَنَالُكُم ضَيْمٌ فِي رُؤْيته، أَي تَرَوْنَه حتَّى تَسْتَوُوا فِي الرُّؤْيَةِ، فَلَا يضِيمُ بعضُكُم بَعْضًا.
(أَو من} ضَارَّهُ {ضِرَاراً} ومُضَارَّةً، إِذا خالَفَه) ، قَالَ نابغةُ بني جَعْدَةَ:
وخَصْمَيْ! ضِرَارٍ ذَوَا تُدْرَإِ
مَتَى يأْتِ سِلْمُهما يَشْغَبَا
أَي لَا تَتَنازَعُون وَلَا تَخْتَلِفُون وَلَا تَتَجَادَلُون فِي صِحَّةِ النَّظرِ إِليه لوُضوحِه وظُهُورِه.
قَالَه الزَّجّاجُ: قَالَ الأَزْهَرِيّ: ومعنَى هاذِه الأَلفَاظِ وإِن اخْتَلَفَتْ متقاربةٌ، وكلُّ مَا رُوِيَ فِيهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَا يَدْفَعُ لَفْظٌ مِنْهَا لَفظاً، وَهُوَ من صِحَاح أَخبارِ سَيِّدنا رسولِ الله صلّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وسلّم وغُرَرِهَا، وَلَا يُنكِرُها إِلاّ مُبْتَدِعٌ صاحِبُ هَوًى.
(و) يُقَال: (رجلٌ {ضِرُّ} أَضْرارٍ) ، بِالْكَسْرِ، أَي شديدُ أَشِدّاءَ، وكذالك صِلُّ أَصْلالٍ، وضِلُّ أَضْلالٍ: (داهِيَةٌ فِي رَأْيِه) ، قَالَ أَبو خِرَاشٍ:
والقَوْمُ أَعْلَمُ لَو قُرْطٌ أُرِيدَ بِها
لَكَانَ عُرْوَةُ فِيهَا ضِرَّ أَضْرارِ
أَي لَا يستنقذه ببَأْسِه وحِيَلِه. وعُروةُ أَخو أَبِي خِراشٍ.
( {والضَّرّتانِ: الأَلْيَةُ من جانِبَيْ عَظْمِها) ، وهما الشَّحْمَتَان، وَفِي الْمُحكم: اللَّحْمَتَان اللَّتَانِ تَنْهَدِلاَنِ مِنْ جَانِبَيْها.
(و) } الضَّرَّتانِ: (زَوْجَتاكَ، وكلّ) واحدةٍ مِنْهُمَا ( {ضَرَّةٌ للأُخْرَى، وهُنَّ ضَرائِرُ) ، نادِرٌ، قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِف قُدُوراً:
لَهُنَّ نَشِيجٌ بالنَّشِيلِ كأَنَّهَا
} ضَرَائِرُ حِرْمِيّ تَفَاحَشَ غارُهَا
(والاسمُ الضِّرُّ، بِالْكَسْرِ، و) يُقَال: (تَزَوَّجَ على {ضِرٍّ} وضُرٍّ) ، بِالْكَسْرِ والضّمّ، حَكَاهُمَا أَبو عبد الله الطُّوالُ (أَي {مُضَارَّةٍ بَين امرأَتَيْنِ أَو ثَلاثٍ) .
وحَكَى كُراع: تَزوّجتُ المَرْأَةَ على} ضِرٌّ كُنّ لَهَا، فإِذا كَانَ كذالك فَهُوَ مَصْدَرٌ على طَرْح الزَّائِد، أَو جَمْعٌ لَا واحدَ لَهُ.
(و) {الإِضْرارُ: التَّزْوِيجُ على} ضَرَّةٍ، وَفِي الصّحاح: أَن يَتَزَوَّجَ الرجلُ على ضَرَّةٍ، وَمِنْه قيل: (رَجُلٌ {مُضِرٌّ، وامرأَةٌ} مُضِرٌّ! ومُضِرَّةٌ) . فرَجلٌ {مُضِرٌّ، إِذا كَانَ لَهُ} ضَرائِرُ، وامرأَةٌ مُضِرٌّ، إِذا كَانَ لَهَا {ضَرَّةٌ، وسُمِّيَتَا} ضَرَّتَيْن لأَنّ كلَّ واحدةٍ منهُمَا {تُضَارُّ صاحبَتَها، وكُرِهَ فِي الإِسْلاَم أَن يُقَال لَهَا:} ضَرَّةٌ، وَقيل: جَارَةٌ، كذالك جاءَ فِي الحَدِيث.
( {والضَّرَّةُ) ، بِالْفَتْح: (شِدَّةُ الحالِ، والأَذِيَّةُ) ، نَقله الصاغانيّ، وَهُوَ قولُ أَبي الهَيْثَمِ، قَالَ: فَعْلَةٌ من الضَّرّ.
(و) } الضَّرَّةُ: (الخِلْفُ) ، قَالَ طَرَفَةُ يَصف نَعْجَةً:
مِنَ الزَّمِرَات أَسْبَلَ قَادِمَاهَا
{وضَرَّتُهَا مُرَكَّنَةٌ دَرُورُ
(و) قيل:} الضَّرَّةُ: (أَصْلُ الثَّدْيِ) .
(و) {الضَّرّةُ أَيضاً: (اللَّحْمَةُ) الّتي (تَحْتَ الإِبْهَامِ) ، وَقيل: أَصلُهَا.
(أَو) هِيَ (باطِنُ الكَفِّ) حِيَالَ الخِنْصَرِ تُقَابِل الأَلْيَةَ فِي الكَفِّ.
(و) قيل:} الضَّرَّةُ: لَحْمُ الضَّرْعِ، والضَّرْعُ يُذَكّر ويُؤَنَّث، يُقَال: {ضَرَّةٌ شَكْرَى، أَي مَلأَى من اللَّبَنِ.
وَقيل:} الضَّرَّةُ: أَصْل الضَّرْع الَّذِي لَا يَخْلُو من اللَّبَنِ، أَو لَا يَكاد يَخْلُو مِنْهُ.
وَقيل: هِيَ (الضَّرْعُ كُلُّه) مَا خلا الأَطْباءَ، وَلَا يُسمَّى بذالك إِلاّ أَن يكونَ فِيهِ لَبَنٌ.
(و) {الضَّرَّةُ: (مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الوَطْءُ من لَحْمِ باطِنِ القَدَمِ ممّا يَلِي الإِبْهَامَ، ج) ذالك كلّه (} ضَرائِرُ) ، وَهُوَ جَمْعٌ نَادِر، وأَنشد ثَعْلَب:
وصارَ أَمْثَالَ الغَفَا {- ضَرَائِرِي
إِنما عَنَى} بالضَّرَائِرِ أَحَدَ هاذِه الأَشْيَاءِ المتقدِّمَةِ.
(و) {الضَّرَّةُ: (المالُ تَعْتَمِدُ عليهِ وَهُوَ لغَيْرِك) من الأَقَارِب.
(و) يُقَال: عَلَيْهِ} ضَرَّتانِ من ضَأْنٍ ومَعْزٍ.! الضَّرَّةُ: (القِطْعَةُ من المَال والإِبِلِ والغَنَمِ) .
وَقيل: هُوَ الكَثِيرُ من الماشِيَةِ خاصّةً دون العَيْنِ. ورَجلٌ {مُضِرٌّ: لَهُ} ضَرَّةٌ من مالٍ، وَقَالَ الجَوْهَرِيّ: {المُضِرّ: الَّذِي يَرُوحُ عَلَيْهِ} ضَرَّةٌ من المالِ، قَالَ الأَشْعَرُ الرَّقبَان الأَسَدِيّ جاهليّ، يهجو ابنَ عمّه رِضْوان:
بحَسْبِكَ فِي القَوْمِ أَن يَعْلَمُوا
بأَنَّكَ فيهمْ غَنِيٌّ {مُضِرّ
(} وأَضَرَّ) : يَعْدُو: (أَسْرَعَ) ، وَقيل: أَسرعَ بعضَ الإِسراعِ، هاذه حِكَايَةُ أَبي عُبَيْدٍ، قَالَ الطُّوسِيّ: وَقد غَلِطَ، إِنّمَا هُوَ أَصَرَّ، بالصَّاد، وَقد تقدّمت الإِشارَةُ إِليه.
(و) {أَضَرَّهُ (على الأَمرِ: أَكْرَهَهُ) ، نَقله الصاغانيّ.
(} والمِضْرَارُ من النِّسَاءِ والإِبِلِ والخَيْلِ: الَّتِي تَنِدُّ وتَرْكَبُ شِدْقَهَا من النّشَاطِ) ، عَن ابنِ الأَعرابِيّ، وأَنشد:
إِذْ أَنْتَ {مِضْرَارٌ جَوَادُ الحُضْرِ
أَغْلَظُ شَيْءٍ جانِبا بقُطْرِ
(} وضُرٌّ، بالضَّمّ: ماءٌ) مَعْرُوف، قَالَ أَبو خِرَاشٍ:
نُسَابِقُهُمْ على رَصَفٍ وضُرَ
كدَابِغَةٍ وقدْ نَغِلَ الأَدِيمُ
( {وضِرَارٌ، ككِتَابٍ: ابنُ الأَزْوَرِ) ، وَاسم الأَزْورِ مالكُ بنُ أَوْسٍ الأَسَدِيّ، كَانَ بطلاً شَاعِرًا، لَهُ وِفادَةٌ، وَهُوَ الَّذِي قَتلَ مالِكَ بن نُوَيْرَة بأَمْرِ خالدِ بنِ الْوَلِيد، وأَبْلَى يَوْمَ اليَمَامَةِ بَلاءً عَظِيما، حَتَّى قُطِعَت ساقاه، فجعَل يحبو ويُقاتِل، وتَطَؤُه الخيلُ حَتَّى مَاتَ، قَالَه الواقِدِيّ، وَقيل: قُتِل بأَجْنَادِين، وَقيل: تُوفِّيَ بِالْكُوفَةِ زَمَنَ عمر، وَقيل: شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْق، ثمَّ نَزلَ حَرّانَ، لَهُ روايَة قَليلَة، قلت: ومشْهَدُه الْآن بحَلَبَ مَشْهُور، ذَكَرَه النّجم الغَزّيّ.
(و) } ضِرَارُ (بنُ الخَطّابِ) بنِ مِرْدَاس القُرَشِيّ الفِهْرِيّ، أَحدُ الأَشْرافِ والشُّعَرَاءِ المَعْدُودِينَ، والأَبطال المَذْكُورِين، وَمن مُسْلِمَةِ الفَتْحِ، وَقَالَ الزُّبَيْر: ضِرَارٌ رَئِيسُ بني فِهْر، وَقيل: شَهِدَ فُتُوحَ الشّام.
(و) ضِرَارُ (بنُ القَعْقَاعِ) : أَخو عَوْف، لَهُ وِفَادَةٌ، حديثُهُ عِنْد ابْن ابنِه زَيْد بن بِسْطَام.
(و) ضِرَارُ (بنُ مُقَرِّن) المُزَنِيّ، كَانَ مَعَ خالِدٍ لمّا فَتَح الحِيرَة، وَهُوَ عاشِرُ عَشْرة إِخْوَةٍ.
(صحابِيُّون) رَضِي الله عَنْهُم أَجمعين.
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
النّافِعُ {الضّارُّ، من أَسمائه تعالَى الحُسْنَى، وَهُوَ الَّذِي يَنفَعُ مَن يَشاءُ من خَلْقِه،} ويَضُرّه، حَيْثُ هُوَ خالقُ الأَشياءِ كلِّهَا خَيْرِهَا وشَرِّها ونَفْعِهَا {وضَرِّهَا.
} والضُّرُّ بالضّمّ: الهُزَالُ، وَهُوَ مَجاز، وَبِه فسّر بعضٌ قولَه: {أَنّى مَسَّنِىَ {الضُّرُّ} (الْأَنْبِيَاء: 83) .
} والمَضَرَّةُ: خِلافُ المَنْفَعَةِ.
{والضّرّاءُ: السَّنَةُ.
} والضَّرَّةُ {والضَّرَارَةُ} والضَّرَرُ: وَهُوَ النُّقْصان.
{والضَّرَرُ: الزَّمَانَةُ، وَبِه فُسِّر قولُه تَعَالَى: {غَيْرُ أُوْلِى} الضَّرَرِ} (النِّسَاء: 95) ، أَي غيرُ أُولِي الزَّمَانَةِ. وَقَالَ ابنُ عَرَفَة: أَي غيرُ مَنْ بِهِ عِلّةٌ {تَضُرُّه وتَقْطَعُه عَن الجِهَادِ. وَهِي} الضَّرارَةُ أَيضاً، يُقَال: ذالك فِي البَصَرِ وَغَيره.
{والضُّرُّ: بالضَّمّ حالُ} الضَّرِيرِ، نقلَه الصّاغانيّ.
{والضَّرائِرُ: المَحَاوِيجُ، وقَوْلُ الأَخْطَلِ:
لِكُلِّ قَرَارَــةٍ مِنْهَا وفَجَ
أَضَاةٌ ماؤُهَا} ضَرَرٌ يَمُورُ
قَالَ ابنُ الأَعْرَابِيّ: ماؤُهَا ضَرَرٌ، أَي ماءٌ نَمِيرٌ فِي ضِيقٍ، وأَراد أَنّه غَزِيرٌ كثيرٌ فمَجارِيه تَضِيقُ بِهِ وإِن اتَّسَعَتْ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيّ، فِي قَول الشّاعر:
بمُنْسَحَّةِ الآباطِ طَاحَ انْتقَالُهَا
بأَطْرَافِها والعِيسُ بَاقٍ {ضَرِيرُهَا
قَالَ: ضَرِيرُهَا: شِدَّتُها، حَكَاهُ الباهِلِيّ عَنهُ.
وَقَول مُلَيْح الهُذَلِيّ:
وإِنّي لأَقْرِي الهَمَّ حتّى يَسُوءَنِي
بُعَيْدَ الكَرَى مِنْه} ضَرِيرٌ مُحَافِلُ
أَراد: مُلازمٌ شدِيدٌ.
وَقَالَ الفَرّاءُ: سَمِعْتُ أَبا ثَرْوَانَ يَقُول: مَا {يَضُرُّكَ عَلَيْهَا جارِيَةً، أَي مَا يَزِيدُكَ. قَالَ: وَقَالَ الكِسَائِيّ: سَمِعْتُهم يَقُولُونَ: مَا يَضُرُّكَ على الضَّبِّ صَبْراً، وَمَا يَضِيرُكَ، أَي مَا يَزِيدُك.
وَقَالَ ابْن الأَعرابيّ: مَا يَزِيدُكَ عَلَيْهِ شَيْئاً، وَمَا يَضُرُّكَ عَلَيْهِ شَيْئاً، واحِدٌ.
وَقَالَ ابنُ السِّكِّيتِ فِي أَبواب النَّفْيِ يُقَال: لَا يَضُرُّكَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، أَي لَا تَجِدُ رَجُلاً يَزِيدُك على مَا عندَ هاذا الرَّجلِ من الكِفَايَة.
وَلَا يَضُرُّكَ عَلَيْهِ حَمْلٌ، أَي لَا يَزِيدُك.
قلْت: وأَوردَه الزّمَخْشَرِيّ فِي المَجَاز.
وَيُقَال: هُوَ فِي} ضَرَرِ خَيْرٍ، وإِنّه لفي طَلَفَةِ خَيْر وضَفَّةِ خَيْرٍ، وَفِي طَثْرَةِ خَيْر، وصَفْوَةٍ من العَيْشِ.
{والضَّرائِرُ: الأُمورُ المُخْتَلِفَة، على التَّشْبِيهِ بضَرَائِرِ النّساءِ لَا يَتَّفِقْنَ، الوَاحِدة} ضَرَّةٌ، وَمِنْه حَديث عَمْرِو بنِ مُرَّةَ: (عِنْد اعْتِكارِ {الضَّرائِرِ) .
} والضَّرَّتان: حَجَرَا الرَّحَى، وَفِي المُحْكَم: الرَّحَيانِ.
وناقَةٌ ذَاتُ {ضَرِيرٍ:} مُضِرَّةٌ بالإِبِلِ فِي شِدَّة سَيْرِهَا، وَبِه فُسِّر قولُ أُمَيَّة بنِ عائِذَ الهُذَلِيّ:
تُبَارِي ضَرِيسَ أُولاَتِ {الضَّرِيرِ
وتَقْدُمُهُنّ عَنُوداً عَنُونَا
} وأَضَرَّ عَلَيْهِ: أَلَحَّ.
{وأَضَرَّ الفَرَسُ على فَأْسِ اللِّجَامِ: أَزَمَ عَلَيْهِ، مثْل أَضَزَّ، بالزاي، وَهُوَ مجَاز.
وأَضَرَّ فلانٌ على السيرِ الشَّدِيدِ، أَي صَبَرَ.
ومحمّدُ بنُ بِشْرٍ} - الضِّرَارِيّ، عَن أَبَانِ بنِ عبدِ اللَّهِ البَجَليّ، وَعنهُ عبدُ الجَبَّار بن كَثيرٍ التَّمِيمِيّ.
وأَبو صَالح محمّدُ بنُ إِسماعيلَ الضِّرَارِيّ، عَن عبد الرزّاق.
ومُعَاذَةُ بنتُ عبدِ اللَّهِ بنِ {الضُّرَيْرِ، كزُبَيْر: الَّتِي كَانَ ابنُ سَلُولٍ يُكْرِهُها على البِغَاءِ، فَنزلت الْآيَة، قَالَه الْحَافِظ.
} وضِرَارُ بنُ عِمْرَانَ البُرْجُمِيّ، وضِرَارُ بنُ مُسْلِمٍ البَاهِلِيّ: تابِعيّانِ.
وأَبُو مُعَاوِيَةَ! الضَّرِير: هُوَ محمّدُ بنُ حازِمٍ التَّمِيمِيّ، عَن الأَعْمَشِ، حافظٌ مُتْقِنٌ.

بَحر

بَحر
: (البَحْرُ: الماءُ الكثيرُ) ، مِلْحاً كَانَ أَو عَذْباً، وَهُوَ خلافُ البَرِّ؛ سُمِّيَ بذالك لعُمْقِه واتِّسَاعه، (أَو الْمِلْحُ فَقَطْ) ، وَقد غَلَب عَلَيْهِ حَتَّى قَلَّ فِي العَذْب، وَهُوَ قولٌ مرجُوحٌ أَكْثَرِيٌّ. (ج أَبْحُرٌ وبُحُورٌ وبِحَارٌ) . وماءٌ بَحْرٌ: مِلْحٌ، قَلَّ أَو كَثُرَ، قَالَ ابنُ بَرِّيّ، هاذا القولُ هُوَ قولُ الأُمَوِيِّ؛ لأَنّه كَانَ يجعلُ البحرَ من الماءِ المِلْح فَقَط، قَالَ: وسُمِّيَ بَحْراً لِمُلُوحَتِه، وأَمّا غيرُه فَقَالَ: إِنّمَا سُمِّيَ البحرُ بحراً لسَعَتِه وانبِسَاطِه، وَمِنْه قولُهُم: إِنّ فلَانا لَبَحْرٌ، أَي واسعُ المعروفِ، وَقَالَ: فعلَى هاذا يكونُ البحرُ للمِلْح والعَذْبِ، وشاهدُ العَذْب قولُ ابْن مُقْبِلٍ:
ونحنُ مَنَعْنَا البَحْرَ أَن يَشْرَبُوا بِهِ
وَقد كانَ منكُم ماؤُه بمَكانِ
قَالَ شيخُنَا: فِي قَوْله: الماءُ الكثيرُ، قيل: المرادُ بالبَحْر الماءُ الكثيرُ، كَمَا للمصنِّف، وَقيل: المرادُ الأَرضُ الَّتِي فِيهَا الماءُ ويَدُلُّ لَهُ قولُ الجوهريِّ: لعُمْقِه واتِّسَاعِه، وجَزَمَ فِي النّامُوس بأَنّ كلَامَ المصنِّفِ على حَذْف مُضَافٍ، وأَنْ المُرَادَ مَحَلّ الماءِ، قَالَ: بدليلِ مَا سيأْتي مِن أَن البَرَّ ضِدُّ البَحْرِ، ولِحَدِيث: (هُوَ الطَّهُورُ ماؤُه) ، يَعْنِي والشيءُ لَا يُضَافُ إِلى نَفسه، قَالَ شيخُنَا: ووَصْفُه بالعُمْق والاتِّساع قد يَشْهَدُ لكلَ من الطَّرفين.
قلت: وَقَالَ ابْن سِيدَه: وكلُّ نَهْرٍ عظيمٍ بَحْرٌ، وَقَالَ الزَّجّاج: وكلُّ نَهْرٍ لَا يَنقطعُ ماؤُه فَهُوَ بَحْرٌ، قَالَ الأَزهريّ: كلُّ نهرٍ لَا ينقطعُ ماؤُه مثلُ دِجْلَةَ والنِّيلِ، وَمَا أَشبَههما من الأَنهار العَذْبَةِ الكِبَارِ، فَهُوَ بَحْرٌ، وأَمّا البحرُ الكبيرُ الَّذِي هُوَ مَغِيضُ هاذِه الأَنهارِ فَلَا يكونُ ماؤُه إِلّا مِلْحاً أُجاجاً، وَلَا يكون ماؤُه إِلّا راكداً، وأَمّا هاذه الأَنَارُ العذبةُ فماؤُهَا جارٍ د، وسُمِّيَتْ هاذِه الأَنهارُ بِحَاراً؛ لأَنها مَشْقُوقَةٌ فِي الأَرض شَقًّا.
وَقَالَ المصنِّف فِي البَصائر: وأَصْل البَحْرِ مكانٌ واسِعٌ جامعٌ للماءِ الكثيرِ، ثمَّ اعْتُبِرَ تَارَة سَعَتُه المَكَانِيَّةُ، فَيُقَال: بَحَرْتُ كَذَا: وَسَّعْتُه سَعَةَ البَحرِ؛ تَشْبِيهاً بِهِ، وَمِنْه: بَحَرْتُ البَعِيرَ: شَقَقْتُ أُذُنَه شَقًّا واسِعاً وَمِنْه البَحِيرَةُ، وسَمَّوْا كلَّ متوسِّعٍ فِي شيْءٍ بَحْراً؛ فالرجلُ المتوسِّعُ فِي عِلْمه بَحْرٌ، والفَرَسُ المتوسِّعُ فِي جَرْيه بَحْرٌ.
واعتُبر من الْبَحْر تَارَة مُلوحتُه فَقيل: ماءٌ بَحْرٌ، أُي مِلْحٌ، وَقد بَحرَ المَاءُ.
(والتَّصْغِيرُ أُبَيْحِرٌ لَا بُحَيْرٌ) ، قَالَ شيخُنا: هُوَ من شواذّ التَّصّغِيرِ كَمَا نَبَّه عَلَيْهِ النُّحاةُ، وإِن لم يَتَعَرَّض لَهُ الجوهريُّ وَغَيره، وأَما قولُه: لَا بُحَيْر، أَي على القياسِ. فغيرُ صحيحٍ، بل يُقَال على الأَصلِ وإِنْ كَانَ قَلِيلا، وسوَاه نادِرٌ قِيَاسا واستعمالاً، انْتهى. قلتُ: وظاهرُ سِيَاقِه يَقْتَضِي أَنْ أُبَيْحِراً تصغيرُ بَحْرٍ، وَمنع بُحَيْر، أَي كَزُبَيْرٍ، كَمَا فَهِمَه شيخُنَا من ظاهرِ سياقِه كَمَا تَرَى، وَلَيْسَ كذالك؛ وإِنّمَا يَعْنِي تصغيرَ بحارٍ وبُحُورٍ، والممنوعُ هُوَ بُحَيِّر بالتَّشْدِيد، وأَصلُ السِّيَاق لِابْنِ السِّكِّيت، قَالَ فِي كتاب التضغير لَهُ: تصغيرُ بُحُورٍ وبِحَارٍ أُبَيْحِرٌ، وَلَا يجوزُ أَن تُصَغِّر بحاراً على لفظِهَا فَتَقول: بُحَيِّرُ. لأَن ذَلِك يضارِعُ الواحِدَ، فَلَا يكونُ بَين تَصْغِير الواحدِ وتصغيرِ الجَمْعِ إِلّا التَّشْدِيدُ، والعَربُ تُنْزِلُ المُشَدَّدَ منزلةَ المُخَّفَفِ. انْتهى. فتَأَمَّلْ ذالك.
(و) من الْمجَاز: البَحْرُ: (الرَّجُلُ الكَرِيمُ) الكثيرُ المعروفِ؛ سُمِّي لِسَعَةِ كَرَمِه.
وَفِي الحَدِيث (أَبَى ذالك البَحْرُ ابنُ عَبّاس) ؛ سُمِّي (بحراً) لسَعَةِ عِلْمِه وكَثْرَتِه.
(و) من الْمجَاز: البَحْرُ: (الفَرَسُ الجَوَادُ) الواسعُ الجَرْيِ، وَمِنْه قولُ النبيِّ صلَّى الله عليْه وسلّم فِي مَنْدُوبٍ فَرَسِ أَبِي طلحةَ وَقد رَكِبَه عُرْياً: (إِنِّي وَجَدْتُه بَحْراً؛ (أَي وَاسع الجَرْي.
قَالَ أَبو عُبَيد: يُقَال للفَرَسِ الجَوَادِ: إِنْه لَبَحْرٌ لَا يُنْكَشُ حُضْرُه.
قَالَ الأَصمعيُّ: يُقَال: فَرَسٌ بَحْرٌ وَفْيَضٌ وسَكْبٌ وحَتٌّ، إِذا كَانَ جَوَاداً، كَثِيرَ العَدْوِ. وَقَالَ ابنُ جِنِّي فِي الخَصَائص: الحقيقةُ: مَا أُقِرّ فِي الِاسْتِعْمَال على أَصْل وَضْعِه فِي اللُّغَة. وَالْمجَاز: مَا كَانَ بِضِدِّ ذالك، وإِنما يقعُ المجازُ ويُعدَلُ إِليه عَن الْحَقِيقَة لمعانٍ ثَلَاثَة، وَهِي: الاتِّساعُ، والتَّوْكِيدُ، والتَّشْبِيهُ، فإِن عُدِمَت الثلاثةُ تَعَيَّنت الحيقة، فمِن ذالك قولُه صلَّى الله عليْه وسلّم (فِي الْفرس) (هُوَ بَحْرٌ) ؛ فالمعاني الثلاثةُ موجودةٌ فِيهِ، أَمّا الاتِّساعُ لأَنه زادَ فِي أَسماءِ الفَرَسِ الَّتِي هِيَ فَرَسٌ وطِرْفٌ وجَوَادٌ، ونحوُها البحْر، حَتَّى إِنه إِن احْتِيجَ إِليه فِي شِعْرٍ أَو سَجْعٍ أَو اتِّساعٍ استُعمِلَ استعمالَ بَقِيَّةِ تِلْكَ الأَسماءِ، لاكنْ لَا يُفْضَى إِلى ذالك إِلا بقَرِينَةٍ تُسقِطُ الشُّبهةَ، وذالك كأَن يَقُول الشَّاعِر:
عَلَوْتَ مَطَا جَوادِكَ يَوْم يومٍ
وَقد ثُمِدَ الجِيَادُ فَكَانَ بَحْرَا
وكأَنْ يَقُول السّاجِعُ: فَرَسُكَ هاذا إِذا سَمَا بغُرَّتهِ كَانَ فَجْراً، وإِذا جَرَى إِلى غايَتِه كَانَ بَحْراً، فإِن عَرِيَ عَن دليلٍ فَلَا؛ فلئلَّا يكونَ إِلباساً وإِلْغازاً، وأَمّا التشبيهُ فلأَنَّ جَرْيَه يَجْرِي فِي الكَثْرَةِ مثلَ مائِه، وأَمّا التوكيدُ فلأَنَّه شَبَّه العَرَضَ بالجَوْهَرِ، وَهُوَ أَثْبَتُ فِي النُّفُوس مِنْهُ. قَالَ شيخُنَا: وَهُوَ كلامٌ ظاهرٌ إِلّا أَن كلامَه فِي التوكيد وأَنه شَبَّه العَرَضَ بالجوهرِ لَا يخلُو عَن نَظَرٍ ظَاهر، وتناقُضٍ فِي الْكَلَام غيرِ خَفىً. وَقَالَ الإِمامُ الخطّابيّ: قَالَ نِفْطَوَيْهِ: إِنمَا شَبَّه الفَرَسَ بالبَحْر؛ لأَنه أَراد أَنْ جَرْيَه كجَرْيِ ماءِ الْبَحْر، أَو لأَنه يَسْبَحُ فِي جَرْيِه كالبحرِ إِذا ماجَ فَعَلَا بعضُ مائِه على بعض.
(و) البَحْرُ: (الرِّيفُ) ، وَبِه فَسَّر أَبو عليَ قولَه عَزَّ وجلَّ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ} (الرّوم: 41) ، لأَنّ البحرَ الَّذِي هُوَ الماءُ لَا يظهرُ فِيهِ فسادٌ وَلَا صَلاحٌ. وَقَالَ الأَزهريُّ: معنى هاذه الآيةِ: أَجْدَبَ البَرُّ، وانقطعتْ مادَّةُ البحرِ، بذُنُوبِهِم كَانَ ذالك، لِيَذُوقُوا الشِّدَّةَ بذُنُوبِهم فِي العاجِلِ. وَقَالَ الزَّجّاج: مَعْنَاهُ ظَهَرَ الجَدْبُ فِي البَرِّ والقَحْطُ فِي مُدُنِ البَحْرِ الَّتِي على الأَنهار، وقولُ بعضِ الأَغفال:
وأَدَمَتْ خُبْزِيَ مِن صُيَيْرِ
مِن صِيْرِ مِصْرَيْنِ أَو البُحَيْرِ
قَالَ: يجوزُ أَن يَعْنِيَ بالبُحَيْرِ البَحْرَ الَّذِي هُوَ الرِّيف، فصغَّره للوَزْنِ وإِقامةِ القافِية، وَيجوز 0 أَن يكونَ قَصَدَ البُحَيْرَةَ فرَخَّمَ اضطراراً.
(و) البَحْرُ: (عُمْقُ الرَّحِمِ) وقَعْرُهَا، وَمِنْه قيل للدَّم الخالِصِ الحُمْرَةِ: باحِر وبَحْرَانِيٌّ، وسيأْتي.
(و) البَحْرُ فِي كلامِ العربِ: (الشَّقُّ) ، وَيُقَال: إِنّمَا سُمِّيَ البَحْرُ بَحْراً لأَنّه شَقَّ فِي الأَرض شَقًّا، وجَعَل ذالك الشَّقَّ لمائِه قَراراً، وَفِي حَدِيث عبدِ المُطَّلِبِ: (وحَفَرَ زَمْزَمَ ثُمَّ بَحَرَهَا بَحْراً) ، أَي شَقَّها ووسَّعَها حَتَّى لَا يُنْزَفَ.
(و) مِنْهُ البَحْرُ: (شَقُّ الأُذُنِ) . قَالَ ابنُ سِيدَه: بَحَرَ النّاقَةَ والشّاةَ يَبْحَرُها بَحْراً: شَقَّ أُذُنَهَا بِنِصْفَيْن. وَقيل بنصفَيْن طُولاً.
(وَمِنْه البَحِيرَةُ) ، كسَفينةٍ، (كَانُوا إِذا نُتِجَتِ النّاقةُ أَو الشّاةُ عَشَرَةَ أَبْطُنٍ بَحَرُوها) فَلَا يُنتفَعُ مِنْهَا بلَبَنٍ وَلَا ظَهْرٍ، (وتَرَكُوها تَرْعَى) وتَرِدُ الماءَ، (وحَرَّمُوا لَحْمَهَا إِذا ماتَتْ على نِسائِهم وأَكَلَهَا الرِّجالُ) ، فنَهَى اللهُ تعالَى عَن ذَلِك، فَقَالَ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} (الْمَائِدَة: 103) .
(أَو) البَحِيرَةُ هِيَ (الَّتِي خُلِّيَتْ بِلَا راعٍ.
(أَو) هِيَ (الَّتِي إِذا نُتِجَتْ خمْسةَ أَبْطُنٍ، والخامِسُ ذَكَرٌ نَحَرُوه فأَكَلَه الرِّجالُ والنِّساءُ، وإِن كَانَ) أَي الخامسُ وَفِي بعض النُّسَخ: كَانَت (أُنْثَى بَحْرُوا أُذُنَهَا) ، أَي شَقُّوها وَفِي بعض النُّسَخ: نَحَرُوا، بالنُّون، أَي خَرَقُوا (فَكَانَ حَراماً عَلَيْهِم لَحْمُهَا ولَبَنْهَا ورُكُوبُها، فَإِذا ماتَتْ حَلَّتْ للنِّسَاءِ) ، وهاذا الأَخيرُ من الأَقوال حَكَاه الأَزهَرِيُّ عَن ابْن عرَفَه (أَو هِيَ ابنةُ السّائِبَةِ) ، وَقد فُسِّرَت السّائبةُ فِي مَحَلِّهَا، وهاذا قولُ الفَرّاءِ. (و) قَالَ الجوهَرِيُّ:
(حُكْمُهَا حُكْمُ أُمِّها) ، أَي حُرِّم مِنْهَا مَا حُرِّم من أُمِّها.
(أَو هِيَ) أَي البَحِيرَةُ (فِي الشَّاءِ خاصّةً إِذا نُتِجَت خمسةَ أَبْطُنٍ) فَكَانَ آخرُهَا ذكرا (بُحِرَتْ) ، أَي شُقَّ أُذُنُهَا وتُرِكَتْ فَلَا يَمَسُّهَا أَحدٌ. قَالَ الأَزهريُّ: والقولُ هُوَ الأَولُ.
وَقَالَ أَبو إِسحَاقَ النحويُّ: أَثْبتُ مَا رَوَيْنَا عَن أَهلِ اللغةِ فِي البَحِيرَةِ أَنّها الناقةُ كَانَت إِذا نُتِجَتْ خمسةَ أَبْطُن، فَكَانَ آخرُهَا ذَكَراً بَحَرُوا أُذُنَها، أَي شَقُّوهَا، وأَعْفَوْا ظَهْرَها من الرُّكوبِ والحَمْل، والذَّبْح، وَلَا تُحَلأُ عَن ماءٍ نَرِدُه، وَلَا تُمنَعُ مِن مَرْعًى، وإِذا لَقِيَها المُعْيِى المُنْقَطَعُ بِهِ لم يَركبها، وجاءَ فِي الحَدِيث: (أَوّلُ مَن بَحَرَ البَحَائِرَ وحَمَى الحَامِيَ وغَيَّرَ دِينَ إِسماعيلَ عَمْرُو بنُ لُحَيِّ بنِ قَمةَ بنِ خِنْدِف. (وَهِي الغَزِيرةُ أَيضاً) وأَنشدَ شَمِرٌ لابنِ مُقْبِل:
فِيهِ مِن الأَخْرَجِ المُرْتاعِ قَرْقَرَةٌ
هَدْرَ الدَّيَامِيِّ وَسْطَ الهَجْمَةِ البُحُرِ
كتاب م كتاب قَالَ: البُحُر: الغِزَار، والأَخرجُ المُرْتَاعُ: المُكّاءُ.
(ج بَحائِرُ) كعَشِيرَةٍ وعَشَائِرَ، (وبُحُرٌ) ، بضَمَّتَيْن، وَهُوَ جمعٌ غريبٌ فِي المُؤَنَّث إِلّا أَن يكونَ قد حَمَلَه على المُذَكَّر، نَحْو نَذِيرٍ ونُذُر، على أَنّ بَحِيرَةً فَعِيلَةٌ بِمَعْنى مَفْعُولَةٍ نَحْو قَتِيلَةٍ، قَالَ: وَلم يُسمَع فِي جَمْعِ مثلِه فُعُلٌ. وحَكَى الزَّمَخْشَرِيُّ: بَحِيرَةٌ وبُحُرٌ وصَرِيمَةٌ وصُرُمٌ، وَهِي الَّتِي صُرِمَتْ أُذُنُهَا، أَي قُطِعَتْ.
(والبَاحِرُ: الأَحْمَقُ) الَّذِي إِذا كُلِّمَ بَحِرَ وبَقِيَ كالمَبْهُوت، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا يَتَمَالَكُ حُمْقاً.
(و) الباحِرُ: (الدَّمُ الخالِصُ الحُمْرَةِ) ، يُقَال: أَحمرُ باحِرٌ وبَحْرَانِيٌّ وَقَالَ ابْن الأَعرابيّ: يُقَال: أَحْمَرُ قانِيءٌ، وأَحمَرُ باحِرِيٌّ وذَرِيحِيٌّ، بِمَعْنى واحدٍ. وَفِي المُحْكَم: ودَمٌ باحِرٌ وبَحْرَانِيٌّ، خالصُ الحُمْرة مِن دَمِ الجَوْفِ. وعَمَّ بعضُهم بِهِ، فَقَالَ: أَحمرُ باحِرِيٌّ وبَحْرَانِيٌّ، وَلم يَخُصَّ بِهِ دَمَ الجَوْفِ وَلَا غيرَه.
(و) فِي التَّهْذِيب: والباحِرُ: (الكَذّابُ، و) البَاحِرُ: (الفُضُولِيُّ. و) الباحِرُ: (دَمُ الرَّحِمِ، كالبَحْرَانِيّ) . وسُئِلَ ابنُ عَبَّاس عَن المرأَة تُستَحاضُ ويَستمرُّ بهَا الدَّمُ، فَقَالَ: (تُصَلِّي وتَتَوَضَّأُ لكلِّ صلاةٍ، فإِذا رأَتِ الدَّمَ البَحْرَانِيَّ قَعَدَتْ عَن الصَّلاة) . قَالَ ابنُ الأَثِير: دَمٌ بَحْرَانِيٌّ: شديدُ الحُمْرَةِ؛ كأَنْه قد نُسِبَ إِلى البَحْر وَهُوَ اسمُ قَعْرِ الرَّحم، وزادُوه فِي النَّسَب أَلِفاً ونُوناً للمبالَغَةِ، يُرِيدُ الدَّمَ الغَلِيظَ الواسعَ، وَقيل: نُسِب إِلى البحْرِ؛ لكَثْرتِه وسَعَتِه، وَمن الأَوّل قولُ العَجَّاج:
وَرْدٌ مِن الجَوْفِ وبَحْرَانِيُّ
وَفِي الأَساس: وَمن المَجَاز: دَمٌ بَحْرَانِيٌّ، أَي أَسودُ؛ نُسِبَ إِلى بَحْرِ الرَّحِمِ وعُمْقه.
(و) الباحِرُ: الَّذِي إِذا كُلِّمَ بَحِرَ، مثلُ (المَبْهُوت) .
(والبَحْرَةُ) : الأَرْضُ، و (البَلْدَةُ) ، يُقَال: هاذه بَحْرَتُنَا، أَي أَرضُنا، وَقد وَرَدَ بالتَّصّغِير أَيضاً، كَمَا فِي التَّوشِيح للجَلال.
(و) البَحْرَةُ: (المُنْخَفِض من الأَرضِ) ، قَالَه ابْن الأَعْرَابِيِّ: وَقد وَرَدَ بالتَّصغِير أَيضاً.
(و) البَحْرَةُ: الرَّوْضَةُ العظيمةُ) مَعَ سَعَة. وَقَالَ الأَزْهرِيٌّ: يُقَال للرَّوضَةِ بَحْرَةٌ.
(و) البَحْرَةُ: (مُسْتَنْقَعُ الماءِ) ، قَالَه شَمِرٌ.
وَقد أَبْحَرَت الأَرضُ، إِذا كَثُرَ مَناقِعُ الماءِ فِيهَا.
(و) البَحْرَةُ: (اسُم مدينةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلّم) ، كالبُحَيْرَةِ، مُصَغَّراً، والبَحِيرَةِ كسَفِينَةٍ. الثلاثةُ عَن كُراع، ونقلَهَا السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي التارِيخ. وَفِي حَدِيث عبدِ اللهِ بنِ أُبَيَ: (لقد اصطلحَ أَهلُ هاذه البُحَيْرَةِ على أَن يُتَوِّجُوه) يَعْني يُمَلِّكُوه فيُعَصِّبُوه بالعِصَابَةِ، وَهِي تصغيرُ البَحْرةِ، وَقد جاءَ فِي رِوَايَة مُكَبَّراً. الثلاثةُ اسمُ مدينةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلّم، كَذَا فِي اللِّسَان.
(و) البَحْرَةُ: (ة بالبَحْرَينِ) لِعَبْد القَيْسِ.
(و) البَحْرَة: (كُلُّ قَرْيَةٍ لَهَا نَهْر جارٍ وماءٌ ناقِعٌ) ، وَفِي بعض النُّسَخ، نهرٌ ناقعٌ، والصَّوابُ الأَولُ، والعربُ تَقول لكلِّ قَرْيَة؛ هاذه بَحْرَتُنا.
(وبَحْرَةُ الرّغاءِ) : موضعٌ (بالطّائفِ) . وَفِي حَدِيث القَسَامةِ: (قتلَ رجلا ببَحْرَةِ الرُّغاءِ على شَطِّ لِيَّةَ) وَهُوَ أَولُ دمٍ أُقِيدَ بِهِ فِي الإِسلامِ رَجلٌ مِن بني لَيْث، قَتَلَ رجلا من هُذَيْل، فَقتله بِهِ.
(ج بِحَرٌ) ، بكسرٍ ففتحٍ، (وبِحَارٌ) ، والعربُ تُسَمِّي المُدُنَ والقُرَى البِحَارَ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو نَصْرٍ: البِحَارُ: الواسِعَةُ من الأَرْض، الواحدةُ بَحْرَةٌ؛ وأَنشدَ لكُثَيِّرٍ فِي وَصفِ مَطَرٍ:
يُغَادِرْنَ صَرْعَى مِن أَرَاكٍ وتَنْضُبٍ
وزُرْقاً بأَجْوَرِ البِحَارِ تُغادَرُ
وَقَالَ مَرَّةً: البَحْرةُ: الوادِي الصَّغِير يكونُ فِي الأَرض الغَلِيظةِ.
والبِحَارُ الرِّياضُ، قَالَ النَّمرُ بنُ تَوْلَب:
وكَأَنَّهَا دَقَرَى تُخَايِلُ، نَبْتُهَا
أُنُفٌ يَعُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحَارِهَا
(و) بُحَيْرٌ (كزُبَيْرٍ: بَلٌ بِتِهَامَةَ) وضَبَطَه ياقُوتٌ فِي المُعْجَم كأَميرٍ.
(و) بُحَيْرٌ: رجلٌ (أَسَدِيٌّ، حَكَى عَنهُ) سُفْيَانُ (نُ عُيَيْنَةَ) الهِلاليُّ الفقيهُ الزاهِدُ المشهورُ خَبَراً.
(وعليُّ بنُ بُحَيْرٍ تابِعِيٌّ) ، روَى عَنهُ عائِذُ بنُ ربيعةَ.
(وَكَذَا عاصمُ بنُ بُحَيْرٍ) ، واختُلِفَ فِي ضَبْطِه فَقيل هاكذا، (أَو هُوَ كأَمِيرٍ) .
(وعبدُ الرحمان بن بُحَيْرٍ) اليَشْكُرِيُّ (محدِّث) ، عَن ابنِ المُسَيِّب، (أَو هُوَ كأَمِيرٍ، بالجيمِ) أَمّا بالحاءِ فذَكَرَه أَحمدُ بنُ حَنْبَل. وأَمّا بالجِيم فَهُوَ ضَبْطُ البُخَارِيِّ، وكلٌّ مِنْهُمَا بالتَّصْغِير، وَلم أَرَ أَحداً ضَبَطَه كأَمِيرٍ، فَفِي كَلَام المصنِّف مخالفةٌ ظاهرةٌ.
(وبَحِرَ) الرَّجلُ (كفَرِحَ) يَبْحَرُ بَحَراً إِذا (تَحَيَّرَ من الفَزَع) مثلُ بَطِرَ.
(و) يُقَال أَيْضا: بَحِرَ، إِذا (اشتدَّ عَطَشُه) فَلم يَرْوَ من الماءِ.
(و) بَحِرَ (لَحْمُه: ذَهَبَ) من السِّلِّ.
(و) بَحِرَ الرجلُ و (البَعِيرُ) ، إِذا (اجتَهدَ فِي العَدْوِ طَالبا أَو مَطْلُوباً فضَعُفَ) وَانقطعَ (حتَّى اسْوَدَّ وجهُه) وتَغَيَّرَ. (والنَّعْتُ من الكلِّ: بَحِرٌ) ككَتِفٍ.
وَقَالَ الفَرّاءُ: البَحَرُ: أَنْ يَلْغَى البَعِيرُ بالمَاءِ فيُكْثِرَ مِنْهُ حَتَّى يُصِيبَه مِنْهُ داءٌ، يُقَال: بَحِرَ يَبْحَرُ بَحَراً فَهُوَ بَحِرٌ، وأَنشدَ:
لأُعْلِطَنَّه وَسْماً لَا يُفَارِقُه
كَمَا يُحَزُّ بِحُمَّى المِيسَمِ البَحِرُ
قَالَ: لأإِذا أَصابعه الدّاءُ كُوِيَ فِي مَواضعَ فيَبْرَأُ. قَالَ الأَزهريُّ: الداءُ الَّذِي يُصِيبُ البَعِيرَ فَلَا يَرْوَى من الماءِ هُوَ النَّجَرُ، بالنُّونِ والجيمِ، والبجَرُ، بالباءِ والجِيمِ، وأَمّا البَحَرُ فَهُوَ داءٌ يُورِثُ السِّلَّ.
(و) أَبحَرَ الرَّجلُ، إِذا أَخَذَه السِّلُّ.
و (البَحِيرُ، كأَمِيرٍ: مَن بِهِ السِّلُّ، كالبَحِرِ، ككَتِفٍ) ، ورجلٌ بَحِيرٌ وبَحِرٌ: مَسْلُولٌ، ذاهِبُ اللَّحْمِ، عَن ابنِ الأَعرابيِّ، وأَنشدَ:
وغِلْمَتِي منهمْ سَحِيرٌ وبَحِرْ
وآيِقٌ مِن جَذْبِ دَلْوَيْهَا هَجِرْ
قَالَ أَبو عَمْرو: البَحِيرُ والبَحِرُ: الَّذِي بِهِ السِّلُّ، والسَّحِيرُ الَّذِي انقطعتْ رِئَتُه، وَيُقَال: سَحِرٌ.
(وبَحِيرٌ، كأَمِيرٍ: أَربعةٌ صَحَابِيُّونَ) ، وهم بَحِيرٌ الأَنْمَارِيُّ، أَوودَه ابنُ ماكُولا، ويُكْنَى أَبا سَعِيد الخَيْر، وبَحِيرُ بنُ أَبي رَبِيع المَخْزُومِيُّ، سَمّاه النبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلّم عبدَ اللهِ. وبَحِير الرّاهِبُ، ذَكَره ابنُ مَنْدَه وابنُ ماكُولا، وبَحِير آخَرُ استدركَه أَبو مُوسَى.
(و) بَحِيرٌ، كأمِيرٍ: (أَربعةٌ تابِعِيون) ، وهم بَحِيرُ بنُ رَيْسَانَ اليَمَانِيُّ، وبَحِيرُ بنُ ذاخِرٍ المعَافِرِيُّ، صاحِبُ عمْرِو بنِ الْعَاصِ، وبَحِيرُ بنُ أَوْسٍ، وبَحِيرُ بن سعْدٍ الحِمْصِيُّ. وبقِي عَلَيْهِ مِنْهُم: بَحِيرُ بنُ سالِمٍ، وبَحِيرُ بنُ أَحمرَ، ذَكرهما ابْن حبّانَ فِي الثِّقات.
(و) أَبو الحُسَيْن، وَيُقَال: أَبو عُمَرَ (أَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ جَعْفَر) بنِ محمّدِ بنِ بَحِير بن نُوح النَّيْسَابُورِيّ، الحافظُ، حَدَّث عَن ابْن خُزَيمةَ والبغنديِّ، تَرْجَمه الذهبيُّ والسمعانيُّ توفّي سنة 378 هـ. وابنُه أَبو عمرٍ ومحمدٌّ صاحبُ الأَربعين، حدَّث توفِّيَ سنة 390 هـ. (وحَفِيدُه) أَبو عثمانَ (سَعِيدُ بنُ محمّدٍ) شيْخ زَاهِر، رَوَى عَن جَدِّه، وأَخوه أَبو حَامِد بَحِيرُ بنُ محمّد، رَوَى عَن جَدِّه (و) أَبو الْقَاسِم (المُطَهَّرُ بن بَحِيرِ بنِ محمّدٍ) ، حدث عَن الْحَاكِم، وَعنهُ ابنُ طَاهِر. (وإِسماعيلُ بنُ عَوْنٍ) ، هاكذا فِي النّسخ، وَالَّذِي فِي كتب الأَنساب: ابنُ عمرِو بنِ محمّدِ بنِ أَحمدَ بن محمّدِ بنِ جَعْفَر، شافعيٌّ من كِبارهم، تَفَقَّه على ناصِر العُمَرِيِّ، وَسمع من أَبي حَسّانَ الزَّكِّي، وأَمْلَى مدّةً، مَاتَ سنة 501 هـ. وَابْن عَمِّه عبدُ الحميد بنُ عبدِ الرحمان بنِ محمّدٍ، رَوَى عَن أَبي نُعيم الأَسْفَارَيِنِيِّ، وابنُ أَخيه عبدُ الرحمان بنُ عبدِ الله بنِ عبد الرحمان، حَدَّث عَن عَمِّه. وابنُه أَبو بكر، رَوَى عَن البَيْهَقِيِّ، أَخَذَ عَنهُ ابنُ السّمْعَانِيِّ. وعليُّ بنُ محمّدِ بنِ عبد الحميدِ، ذَكَره ابنُ السّمْعَانيِّ. (البَحِيرِيُّونَ: مُحَدِّثُون؛ نسبةٌ إِلى جَدَ لَهُم) ، وَهُوَ بَحِيرُ بن نُوحٍ.
(وبَحِيرَى) ، بالأَلف الْمَقْصُورَة، (وَبَيْحَرٌ) كجعفر، (وبَيْحَرَةُ) بزيادةِ الهاءِ،: { (بَحْرٌ) ، بفتحٍ فسكونٍ، (أَسماءٌ) لَهُم.
(والبَحُورُ) ، كصَبُورٍ: (فَرَسٌ يَزِيدُهُ الجَرْيُ جَوْدَةٌ) ، ونَصُّ التَّكْمِلَةُ: البَحُورُ من الْخَيل: الَّذِي يَجْرِي فَلَا يَعْرَقُ وَلَا يَزِيدُ على طُولِ الجَرْي إِلّا جَوْدَةً، انْتهى. وَهُوَ مَجازٌ.
(والباحُورُ: القَمَرُ) ، عَن أَبي عليَ فِي البَصْرِيّاتِ لَهُ.
(و) فِي الأَمثال: (لَقيَه صَحْرَة بَحْرَةَ) ، بفتحٍ فسكونٍ فيهمَا. قَالَ شيخُنَا: هما من الأَحوال المركَّبةِ، وَقيل مِن المصادرِ. والصَّوابُ الأَوْلُ، يُقال بالفتحِ، كَمَا هُوَ إطلاقُ المصنِّف، وبالضَّمِّ أَيضاً كَمَا فِي شُرُوحِ التَّسْهِيلِ والكافِيَةِ وغيرِهما، وآخرهُمَا يُبْنَى للتكريب كثيرا، (ويُنَوَّنانِ) بنَصْبٍ، عَن الصّغانيّ، أَي مُنكشفَيْن (بِلَا حِجابٍ) ، وَفِي اللِّسَان: أَي بارزاً لَيْسَ بينكَ وبينَه شيْءٌ، قَالَ شيخُنَا: ويُزَادُ عَلَيْهِ: نَحْرَة، بالنُّون، كَمَا سيأْتي، وحينئذٍ يَتَعَيَّنُ التَّنُوِينُ والأَعرابُ، ويمتنعُ التَّركِيبُ.
(وبناتُ بَحْرٍ) بالحَاءِ والخاءِ جَمِيعًا، وعَلى الأَول اقتصرَ اللَّيْثُ، (أَو الصّوابُ بالخاءِ) أَي مُعْجَمَة، بناتُ بَخْرٍ، (ووَهِمَ الجوهَرِيُّ) ، وَقَالَ الأَزهريُّ: وهاذا تصحيفٌ مُنُكَرٌ: (سَحائِبُ رِقَاقٌ) مُنتصباتٌ، (يَجِئْنَ قُبُلَ الصَّيْفِ) . وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ عَن الأَصمعيِّ: يُقَال لِسَحائِبَ يَأْتِينَ قُبُلَ الصَّيْفِ مُنْتَصِبات: بناتُ بَخْرٍ، وبناتُ مَخْرٍ، بالباءِ والميمِ والخاءِ، ونحوْ ذالك قَالَ اللِّحْيَانيّ وغيرُه.
(وبُحْرَانُ المَرِيضِ) ، بالضَّمِّ، (مُولَّدٌ) ، وَهُوَ عِنْد الأَطِبَّاءِ التَّغَيُّرُ الّذي يحَدُثُ للعَلِيلِ دَفْعَة فِي الأَمراضِ الحادَّةِ.
(و) يَقُولُونَ: (هاذا يومُ بُحْرانٍ، مُضَافا) ، كَذَا فِي الصّحاح، وَفِي نُزْهَة الشيخِ داوودَ الأَنطاكيِّ: البُحْرَانُ بالضّمِّ لفظةٌ يونانيةٌ، وَهُوَ عبارةٌ عَن الانتقالِ من حالةٍ إِلى أُخرَى، فِي وَقْتٍ مضبوطٍ بحركةٍ عُلْوِيةٍ، قَالَ: وأَكثَرُ ارتباطِه بحركةِ القَمَرِ، لأَنه شكلٌ خفيفُ الْحَرَكَة يَقْطَعُ دَوْرَة بسرعةٍ، وَلَا يمكنُ إِتقانُه بغيرِ يَدٍ طائِلَةٍ فِي التَّنْجِيمِ، ثمَّ الانتقالُ المذكورُ إِمّا إِلى الصِّحَّةِ أَو إِلى المَرَض، والأَولُ البُحْرانُ الجَيِّدُ وَالثَّانِي الرَّدِيءُ، وأَطال فِي تَقْسِيمه فراجِعْه.
(ويَومٌ باحُورِيٌّ، على غَيرِ قياسٍ) فكأَنَّه منسوبٌ إِلى باحُورٍ وباحُوراءَ، مثل عاشُورٍ وعاشُوراءَ، وهُوَ موَلَّدٌ، وعَلى غير قياسٍ، كَمَا فِي الصّحَاح. قَالَ ابْن بَرِّيّ ويَقْتَضِي قولُه أَنْ قياسَه باحِرِيّ وَكَانَ حَقُّه أَن يَذْكُرَه؛ لأَنّه يُقَال: دَمٌ باحِرِيّ، أَي خالِصُ الحُمْرَةِ، وَمِنْه قولُ المُثَقِّبِ العَبْدِيِّ:
باحِرِيُّ الدَّم مُرٌّ لَحْمُه
يُبْرِيءُ الكَلْبَ إِذا عَضَّ وهَرْ
(والبَحْرَيْنِ) بالتَّحْتِيَّةِ، كَذَا فِي أُصول الْقَامُوس والصّحاح وغيرما من الدَّواوِين، وَفِي المِصباح واللِّسَان بالأَلِف على صِيغَةِ المثنَّى المرفوعِ: (د) بَين البَصْرةِ وعُمَانَ، وَهُوَ من بِلَاد نَجْدٍ، ويُعرَبُ إِعراب المثنَّى، ويجوزُ أَن تَجعلَ النُّونَ محلَّ الإِعراب مَعَ لُزُوم الياءِ مُطلقًا، وَهِي لغةٌ مشهورةٌ، واقتَصر عَلَيْهَا الأَزهريُّ؛ لأَنه صَار عَلَماً مُفْرَداً لدلالةٍ، فأَشْبَه المُفْرَداتِ، كَذَا فِي المِصْباح. (والنِّسْبَةُ بَحْرِيٌّ وبَحْرَانِيٌّ، أَو كُرِهَ بَحْرِيٌّ؛ لئلَّا يَشْتَبِهَ بالمَنْسوب إِلى البَحْر) . وهاذا رُوِيَ عَن أَبي محمّد اليَزِيديِّ، قَالَ: سَأَلَنِي المَهْدِيُّ وسأَلَ الكِسَائيَّ عَن النسْبَة إِلى البَحْرَينِ وإِلى حِصْنَيْنِ: لِمَ قالُوا: حِصْنيٌّ وبَحْرَانِيٌّ. فَقَالَ الكِسَائيُّ كَرِهُوا أَن يَقُولُوا حِصْنانيٌّ؛ لِاجْتِمَاع النُّونَيْن، قَالَ: وقلتُ أَنا: كَرِهُوا أَن يَقُولُوا: بَحْرِيٌّ يُشْبِهَ النِّسْبَةَ إِلى البَحْر. قَالَ الأَزهَرِيُّ وإِنّمَا ثَنّوُا البَحْرَيْنِ؛ لأَنَّ فِي ناحِيَةِ قُرَاهَا بُحَيْرَةٌ على بَاب الأَحساءِ وقُرَى هَجَرَ بَينهَا وَبَين البَحْرِ الأَخضَرِ عشرةُ فراسِخَ، وقُدِّرَت البُحَيْرةُ ثلاثةَ أَميالٍ فِي مِثلها، وَلَا يَغِيضُ ماؤُهَا، وماؤُها راكِدٌ زُعَاقٌ، وَقد ذَكَرها الفَرَزْدَقُ فَقَالَ:
كأَنَّ دِيَاراً بَين أَسْنِمَة النَّقَا
وَبَين هَذَا لِيلِ البُحَيْرَةِ مُصْحَفُ
قَالَ الصّغانيُّ: هاكذا أَنشدَه الأَزْهَريُّ. وَفِي النَّقائض: النَّحيزة.
وَفِي اللِّسَان: قَالَ السّهَيْليُّ فِي الرَّوْض: زَعَمَ ابنُ سيدَه فِي كتاب المُحْكَم أَن العَرَب تَنْسبُ إِلى البَحْر بَحْرَانيّ، على غير قياسٍ، وأَنّه من شَواذِّ النَّسَب، ونَسَبَ هاذا القولَ إِلى سيبَوَيْه والخَليل، رَحمَهما اللهُ تَعَالَى، وَمَا قالَه سِيبَوَيْهٍ قَطُّ، وإِنما قَالَ فِي شواذِّ النَّسَب: تقولُ فِي بَهْرَاءَ بَهْرانيّ، وَفِي صَنْعَاءَ صَنْعانيّ، كَمَا تَقول: بَحْرَانيٌّ فِي النَّسَب إِلى البَحْرين الَّتِي هِيَ مدينةٌ. قَالَ: وعَلى هاذا تَلَقّاه جميعُ النُّحَاة وتَأَوَّلُوه من كَلَام سِيبَوَيْهٍ، قَالَ: وإِنّمَا شُبِّهَ على ابْن سيدَه لقَوْل الْخَلِيل فِي هاذه المسأَلة، أَعْني مسأَلَة النَّسَب إِلى البحْرَيْن؛ كأَنَّهم بَنَوُا البَحْرَ على بَحْرَان، وإِنما أَرادَ لفظَ البَحْريْن، أَلا ترَاهُ يقولُ فِي كتاب العَيْن تقولُ: بَحْرَانيّ فِي النَّسَب إِلى البَحْرَيْن. وَلم يَذكُر النَّسَبَ إِلى البَحْر أَصْلاً للعلْم بِهِ، وأَنه على قياسٍ جارٍ. قَالَ: وَفِي الغَريب المصنَّف عَن اليَزيديِّ أَنه قَالَ: إِنّمَا قَالُوا: بَحْرَانيّ فِي النَّسَب إِلى البَحْرَيْن وَلم يَقُولُوا: بَحْريّ، ليُفَرِّقُوا بَينه وَبَين النَّسَب إِلى البَحْر، قَالَ: وَمَا زَالَ ابنُ سيدَه يَعْثُرُ فِي هاذا الْكتاب وَغَيره عَثَرَاتٍ يَدْمَى مِنْهَا الأَظَلُّ، ويَدْحَضُ دَحَضاتٍ تُخْرجُه إِلى سَبيل مَن ضلّ. قَالَ شيخُنَا: وذَكَر الصَّلاحُ الصَّفَديُّ فِي نَكْت الهمْيَان الإِمَامَ ابنَ سيدَه، وذَكَرَ بحثَ السُّهَيْلِيِّ مَعَه بِمَا لَا يَخْلُو عَن نَظَرٍ، وَمَا نَسَبَه لسيبَوَيْه والخَليل فقد صَرح بِشُرّاحُ التَّسْهيل.
(ومحمّدُ بنُ المُعْتَمر) ، ك ذَا فِي النُّسَخ، وَفِي التَّبْصير: محمّدُ بنُ مَعْمَر بن رِبْعيّ القَيْسيُّ، بَصْريّ ثِقَةٌ، حدث عَنهُ البُخَاريُّ والجماعةُ، مَاتَ سنةَ 350 هـ. (والعَبّاسُ بنُ يَزيدَ) بن أَبي حبيب، ويُعْرَفُ بعَبّاسَوَيْه، حدَّث عَن خَالِد بن الْحَارِث، ويَزيدَ بن زُرَيْعٍ، رَوَى عَنْه البَاغَنْديُّ وابنُ صاعد وابنُ مخلد، وَهُوَ من الثِّقات، (البَحْرَانيّان: مُحَدِّثانِ) .
وفاتَه:
زكريّا بنُ عطيّةَ البَحْرَانيُّ، سَمعَ سِلْاماً أَبا المُنْذِر، وَيَعْقُوب بن يوس بنِ أَبي عِيسَى، شيخ لِابْنِ أَبي داوودَ، وهارونُ بنُ أَحمدَ بنِ داوودَ البَحْرَانِيُّ: شيخٌ لِابْنِ شاهِين، وعليّ بنُ مقرّبِ بن منصورٍ البَحْرَانِيّ، أَديبٌ، سَمِ مِنْهُ ابنُ نُقْطَةَ. وداوودُ بنُ غَسّانَ بنِ عِيسَى البَحْرانِيّ، ذَكَرَه ابنُ الفَرضِيِّ، ومُوَفَّقُ الدِّين البَحْرَانِيُّ: أَديبٌ بإِرْبل، مشهورٌ بعد السِّتِّمائة.
(والبَاحِرَةُ: شجرةٌ شاكَةٌ) من أَشجار الجِبَال.
(و) الباح 2 ةُ (من النُّو: الصَّفِيَّةُ) المُخْتَارَة، نقلَه الصغانيّ، وَهُوَ مَجَازٌ.
(وبُحُرُ بنُ ضُبُعٍ، بضمَّتَيْن فيهمَا) الرّعَيْنِيّ، (صَحابيّ) ، ذَكَرَه ابنُ يُونُس، وَله وِفادةٌ.
(و) القَاضِي أَبو بكر (عُمَر بنُ محمودِ بنِ بَحَرٍ، كجَبَلٍ) ، ابْن الأَحنفِ بنِ قيس (الواذِنَانِيُّ) ، واوٌ وذالٌ معجَمَةٌ ونُونان. (وابنُ عَمِّه محمّدُ) بنُ أَحمدَ بنِ عُمَر، رَوَى عَنهُ يوسفُ الشِّيرَازيُّ، سَمِعَا من ابْن رَبذةَ بأَصْفَهَانَ.
وَفَاته:
أَبو جعفرٍ أَحمدُ بنُ مالِكِ بنِ بَحرٍ.
(وهشامُ بنُ بُحْرانَ، وبالضّمّ) :
محدِّثون) ، الأَخيرُ سَرْخَسِيّ، رَوَى عَن بَكْرِ بن يوسفَ.
(وأَبْحَرَ) الرجلُ: (رَكِبَ الْبَحْرَ) ، عَن يعقُوبَ وابنِ سِيدَه.
(و) أَبْحَرَ: (أَخَذَه السِّلُّ) .
(و) أَبْحَرَ: (صادَفَ إِنساناً بِلَا) ونَصُّ المُحكم: على غير اعتمادٍ و (قَصْدٍ) لِرُؤْيَتِه. وَهُوَ مِن قولِهم: لَقِيتُه صَحْرَةَ بَرَةَ، وَقد تقدَّم.
(و) أَبْحَرَ، إِذا (اشتدَّتْ حُمْرَةُ أَنْفِه) .
(و) أَبْحَرِتِ (الأَرْضُ: كَثُرتْ مناقِعُها) ، ونصُّ التَّهذيب: كَثُرَتْ مناقعُ الماءِ فِيهَا.
(و) فِي المُحكَم: أَبْحَرَ (الماءُ: مَلُحَ) ، أَي صَار مِلْحاً، قَالَ نُصَيْب:
وَقد عادَ ماءُ الأَرض بَحْراً وزادَني
إِلى مَرَضى أَنْ بْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ
(و) أَبْحَرَ الرَّجلُ (الماءَ: وَجَدَه بَحْراً، أَي مِلْحاً لم يَسُغْ، هاكذا فِي النُّسَخ، وَفِيه تحريفٌ شنيعٌ؛ فإِنّ الصّغانيّ ذَكَرَ مَا نَصُّه بعدَ قَوْله: أَبْحَرت الأَرضُ: وَلَو قيلَ: أَبحَرْتُ الماءَ، أَي وَجَدْتُه بحْراً، أَي ملْحاً، لم يمْتَنعْ، فتأَمَّلْ.
(و) من المجَاز: (اسْتَبْحَر) الرجلُ فِي العِلْم وَالْمَال: (انْبَسَطَ) ، كَتبحَّر وكذالك استبحرَ المَحَلّ، إِذا اتَّسَعَ.
(و) اسْتَبحَرَ (الشّاعرُ) ، وَكَذَا الخَطيبُ: (اتسَعَ لَهُ القَوْلُ) ، كَذَا فِي التَّكْملَة، ونصُّ المُحكَم: اتَّسَع فِي القَوْل. وَفِي الأَساس: وَفِي مَديحكَ يَسْتَبْحِرُ الشاعرُ، قَالَ الطِّرّماح:
بمثْلِ ثَنَائكَ يَحْلُو المَديحُ
وتَسْتَبْحِرُ الأَلْسُنُ المادحَهْ
والتَّبَحُّرُ والاستبحارُ: الانبساطُ والسَّعَةُ؛ وسُمِّيَ البحرُ بحْراً لذالك، (و) من المَجَاز: (تَبَحَّرَ) الرجلُ (فِي المَال) ، إِذا اتَّسَعَ و (كَثُرَ مالُه) .
(و) تَبَحَّرَ (فِي العِلْم: تَعَمَّقَ وتَوسَّعَ) تَوَسُّعَ الْبَحْر.
(وبَحْرَانَةُ) ، بِالْفَتْح: (ة، باليَمن) ، وَفِي التكملة: بلدٌ باليَمَن.
(و) فِي الحَدِيث ذكْرُ (بُحْرَان) بِالْفَتْح (ويُضَمّ) ، وَهُوَ (ع بناحيةِ الفُرْعِ) من الحجَاز، بِهِ مَعْدنٌ للحَجّاج بن عِلَاط البَهْزِيِّ، لَهُ ذكْرٌ فِي سَرِيَّة عبد ابْن جَحْشٍ، قَيَّدَه ابنُ الفُرات بِالْفَتْح، كالعمْرانيِّ، والزَّمخْشريِّ، والضَّمُّ روايةٌ عَن بَعضهم، وَهُوَ المشهورُ، كَذَا فِي المُعجَم.
(ويَبْحَرُ بنُ عامرٍ) كيَمْنَعُ، وضَبَطَه الذهبيُّ بِتَقْدِيم الموحَّدة على التحتيَّة، (صحابيّ) ، وَقيل: بجراة، لَهُ حديثٌ من رِوَايَة أَولاده.
(والبَحْريَّةُ) ، وَفِي بعض النّسخ: البَحيريَّةُ وَهُوَ الصَّوابُ: (ع باليَمَامة) لعبد القَيْس عَن الحَفْصيِّ.
(وبَحيرَابادْ: ة، بمَرْوَ) يُنسَب إِليها أَبو المظفَّر عبدُ الْكَرِيم بنُ عبد الوهّاب، حدَّث عَنهُ السّمْعانيُّ، ذَكَره ياقوت فِي المعجم.
(والبَحّارُ) كَكتّانٍ: (المَلّلاحُ) ، لمُلَازَمته البَحْرَ، (وهم بَحّارةٌ) ، كالحَمَّالة.
(وبَنُو بَحْريَ: بَطْنٌ) من الْعَرَب.
(وذُو بِحَارٍ، ككِتَابٍ: جَبَلٌ، أَو أَرضٌ سهلةٌ تَحُفُّهَا جبالٌ) ، قَالَ بشْرُ بنُ أَبي خازم:
أَلَيْلَى على شَطِّ المَزَارِ تَذَكَّرُ
ومِن دُونِ لَيْلَى ذُو بِحَار ومَنْوَرُ
وَقَالَ الشَّمّاخ:
صَبَاصَبْوَةً مِنْ ذِي بِحَارٍ فَجَاوت
إِلى آلِ لَيْلَى بَطْنَ غَوْلٍ فَمَنْعَجِ
وَقَالَ أَبو زِيَادٍ: ذُو بِحَارٍ: وادٍ بأَعْلَى السَّرِير لعَمْرٍ وبنِ كِلابٍ، وَقيل: ذُو بِحار، ومَنْوَر، جَبَلانِ فِي ظَهْر حَرَّةِ بني سُلَيْم، قَالَه الجوهَرِيُّ، وَقَالَ نَصْرٌ: ذُو بِحَار: ماءٌ لغَنِيّ فِي شرقيّ النِّير، وَقيل: فِي بِلَاد الْيمن.
(وبِحَارٌ) ، مصرُوفاً، (ويُمْنَعُ: ع) بنَجْد، عَن ابْن دُرَيْد، وَرَوَاهُ الغوريُّ بِالْفَتْح، قَالَ بَشامةُ بنُ الغَدير:
لِمَنِ الدِّيَارُ عَفَوْنَ بالجَزْعِ
بالدَّوْمِ بَين بِحَارَ فالجرْعِ
(و) بُحَارٌ (كغُرَابٍ) : موضعٌ (آخرُ) عَن السِّيرايّ، كَذَا ضَبَطَه السُّكْرِيُّ فِي قَول البُرَيْق، (أَو لغةٌ فِي الكَسْرِ) .
(وبَحْرَةُ: والدُ صَفِيَّةَ التّابِعيَّةِ) ، رَوَى عَنْهَا أَيُّوبُ بنُ ثَابت، وَهِي رَوَتْ عَن أبي محذورةَ، ذَكَرها البُخَاريُّ فِي التَّاريخ.
(و) بَحْرَةُ (جَدُّ يُمَيْنِ بنِ مُعاوِيَةَ) العائشيّ (الشاعرِ) .
(و) بَحْرَةُ: (ع بالبَحْرَيْنِ، و: ة، بالطائفِ) ، وَقد تقدَّم ذكرُهما، فَهُوَ تكْرَار.
(والباحُورُ والباحُوراءُ) ، كعاشُورٍ وعاشُوراءَ: (شِدَّةُ الحَرِّ فِي تَمُّوزَ) ، وَهُوَ مُوَلَّدٌ، قَالَ شيخُنَا: وَقد جاءَ فِي كَلَام بعضِ رُجّازِ العربِ، فَلَو قَالُوا: هُوَ معَرَّبُ كَانَ أَوْلى.
(وبُحَيْرَةُ، كجْهَيْنَةَ: خمْسة عَشَرَ موضعا) ، مِنْهَا: بُحَيْرَةُ طَبَرِيَّةَ، فإِنها بحرٌ عظيمٌ نَحْو عشرَة أَميال، وبُحيرةُ تِنِّيسَ بِمصْر، وبُحيرةُ أَرْجِيشَ، وبُحيرةُ أُرْمِيَةَ، وبُحيرةُ أَرْيَغَ، وبُحيرةُ الإِسكندريَّةِ، وبُحيرةُ أَنطاكِيَةَ، وبُحيرةُ الحَدَثِ، وبُحيرةُ قَدَس، وبُحيرةُ المَرْجِ، وبُحيرةُ المُنْتِنَةِ، وبُحيرةُ هَجَرَ، وبُحيرةُ بَغْرَا، وبُحيرةُ ساوَهْ. وممّا يُستدرَكَ عَلَيْهِ:
البَحْرُ: الفُراتُ، قَالَ عَدِيُّ بنُ زَيْد:
وتَذَكَّرْ رَبَّ الخَوَرْنَقِ إِذْ أَشْ
رَفَ يَوْمًا ولِلْهُدَى تَذْكِيرُ
سَرَّه مالُه وكَثْرَةُ مَا يَمْ
لِكُ والبَحْرُ مُعْرِضاً والسَّدِيرُ
قالُوا: أَراد بالبحرِ هَا هُنَا الفُراتَ، لأَنّ رَبَّ الخَوَرْنَقِ كَانَ يُشِرفُ على الفُرات. قُلتُ: وهاذا فِيهِ مَا فِيهِ؛ فإِنّ البحرَ فِي الأَصل المِلْحُ دُونَ العَذْبِ، كَمَا قَالَه بعضُهم، وَقَوله تَعَالَى: وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَاذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} (فاطر: 12) . قَالُوا: سُمِّيَ العَذْبُ بَحْراً؛ لكَوْنِه مَعَ المِلْح، كَمَا يُقَال للشَّمْسِ والقَمَرِ قَمَرانِ، كَذَا فِي البصائر للمصنِّف.
وَفِي حَدِيث مازِنٍ: (كَانَ لَهُم صَنَمٌ يُقَال لَهُ باحَرٌ) ، بِفَتْح الحاءِ، ويُرْوَى بالجِيم، وَقد تَقَدَّم.
وتبحَّرَ الرَّاعِي فِي رَعْيٍ كثيرٍ: اتَّسَعَ.
وبَحِرَ الرَّجلُ، كفَرِحَ، إِذا رَأَيَ البَحْرَ، فَفَرِقَ حَتَّى دَهِشَ، وكذالك بَرِقَ، إِذا رأَى سَنَا البَرْقِ فتحيَّر، وبَقِرَ، إِذا رَأَى البَقَرَ الكثيرَ، ومثلُه خَرِقَ، وعَقِرَ.
وَفِي المُحْكَم: يُقَال: للبَحْر الصَّغير: بُحَيْرَةٌ؛ كأَنَّهم تَوَهَّمُوا بَحْرَةٌ، وإِلّا فَلَا وَجْهَ للهاءِ.
وَقَوله: يَا هادِيَ اللَّيْلِ جُرْتَ، إِنّمَا هُوَ البَحْرُ أَو الفَجْرُ، فَسَّره ثعلبٌ فَقَالَ: إِنّما هُوَ الهلاكُ أَو تَرَى الفَجْرَ؛ شَبَّه الليلَ بالبَحْر، ويُرْوَى بالجِيم، وَقد تَقَدَّم.
والبَحْرَةُ: الفَجْوَةَ مِن الأَرض تَتَّسعُ.
والبُحَيْرَةُ: المُنخفِضُ من الأَرض.
وتَبَحَّرَ الخَبَرَ: تَطَلَّبه.
وَكَانَت أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ يُقَال لَهَا: البَحْرِيَّةُ؛ لأَنّهَا كَانَت هاجَرَتْ إِلى بِلَاد النَّجَاشِيّ فَرِكبت البحرَ. وكلَّ مَا نُسِبَ إِلى الْبَحْر فَهُوَ بَحْرِيٌّ. وَالَّذِي فِي الأَساس: ومِن المَجَاز: امرأَةٌ بَحْرِيَّةٌ، أَي عَظِيمَةُ البَطْنِ؛ شُبِّهَتْ بأَهْلِ البَحْرَيْنِ، وهم مَطاحِيلُ عِظَامُ البُطُونِ.
ويُقَال للحارَاتِ والفَجَوَاتِ: البحَارُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا كَانَ البحرُ صَغِيرا قيل لَهُ: بُحَيْرةٌ.
والبَحْرِيُّ: المَلَّاحُ.
والمُفَضَّل بنُ المطهَّر بنِ الفَضْل بنِ عُبَيْد الله بنِ بَحَرٍ، كجَبَلٍ: الكاتبُ الأَصْبَهانيُّ، سَمِعَ مِنْهُ ابنُ السّمعانيِّ وابنُ عَسَاكِر. وذَكْوَانُ بنُ محمّدِ بنه العبّاسِ بنِ أحمدَ بنِ بَحرٍ الأَصبهاني، ويُدْعَى اللَّيْث، ذكَره ابنُ نقْطَةَ.
وكأَمِيرٍ: عبدُ الله بن عِيسَى بن بَحِير: شيخٌ لعبدِ الرزّاق، وعبدُ الْعَزِيز بنُ بَحِير بن رَيسانَ: أَحدُ الأَجوادِ، رَوَى.
وبَحِيرُ بن جُبَيْر: تابعيٌّ.
وبَحِيرُ بنُ نُوح، عَن أَبي حنيفةَ.
وبَحِيرُ بنُ عَامر: شاعرٌ جاهليٌّ.
وبَحِيرُ بنُ عبد الله فارسُ قُشَيْر.
وسعدُ بنُ بَحِيرِ بنِ معاويةَ: لَهُ صُحْبَةٌ.
ومُحَمّدُ بنُ بَحِيرٍ الأَسْفَرَاينِيٌّ، سمع الحمَيديّ. وَآخَرُونَ.
والبُحَيْر، كزُبَيْرٍ: لَقَبُ عَمرِو بنِ طَرِيفِ بنِ عمرِو بنِ ثُمَامةَ؛ لجودِ.
والحُسَيْن بنُ محمّدِ بنِ مُوسَى بن بُحَيْر: شيخُ ابنِ رَشِيق، ضَبَطَه الحُمَيديّ.
والفتحُ بنْ كعثِيرِ بنِ بُحَيْر الحَضرميُّ، ذَكَرَه ابنُ ماكُولا.
وبَحْرٌ: والدُ عمرٍ والجاحظِ.
وبَيْحَرٌ وبَيْحَرةُ، أَسْماءٌ.
وبَحْرَةُ ويبحرُ: موضعانِ.
وبَحِيرَاءُ الرَّاهبُ، كأَمِيرٍ مَمْدُوداً، هاكذا ضَبَطَه الذَّهَبِيُّ وشُرّاحُ المَوَاهِبِ، وَفِي روايةٍ بالأَلفِ المَقْصُورةِ، وَفِي أُخْرَى كَأَمِيرٍ، وأَما تَصْغِيرُه فَغَلَطٌ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.
وبَحِيرَةُ، كسَفينة: موضعٌ.
وأَبو بَحْرٍ صَفوانُ بنُ إَدريسَ، أَديبٌ أَندلسيٌّ.
وأَبو بَحْرٍ سُفيانُ بنُ العاصِي.
وبَنُو البَحْرِ: قبيلةٌ بِالْيمن.
وبُحَيْر آباذ، بالضّمّ: مِن قُرَى جُوَيْن من نَوَاحِي نَيْسَابُورَ، وَمِنْهَا أَبو الْحسن عليُّ بنُ محمّدِ بنِ حَمّويه الجُوَيْنِيّ، من بيتِ فَضْلٍ، وَلَهُم عقبٌ بِمصْر.
وإِسحاقُ بنُ إِبراهيمَ بنِ محمّدٍ البَحْرِيُّ، الحافظُ، لأَنّه كَانَ يُسَافر إِلى الْبَحْر، تُوفِّيَ سنةَ 337 هـ. وأَبو بكرٍ عبدُ اللهِ بنُ عليِّ بنِ بَحْرٍ البَحْرِيُّ البَلْخِيُّ، نُسِبَ إِلى جَدِّه بَحْرٍ.
وبَحْرٌ جَدُّ الأَحْنَفِ بنِ قَيْس التَّمِيميِّ البَصْرِيِّ.
والبُحَيْرَةُ، مصغَّراً: كُورةٌ واسعةٌ بِمصْر.
(بَحر)
الأَرْض بحرا شقها والحفرة وسعهَا والناقة أَو الشَّاة شقّ أذنها

(بَحر) بحرا رأى الْبَحْر فَفرق ودهش وتحير من الْفَزع وَاشْتَدَّ عطشه من دَاء فَلم يرو وَأكْثر من الشَّرَاب فَأَصَابَهُ دَاء الْبَحْر واجتهد فِي الْعَدو فضعف وَانْقطع فَهُوَ بَحر وبحير

صحّح

صحّح
: ( {الصُّحُّ، بالضّمّ،} والصِّحَّةُ، بِالْكَسْرِ) ، وَقد وَردتْ مصادرُ على فُعْلٍ، وفِعْلَةٍ، بِالْكَسْرِ، فِي أَلفاظ هاذا مِنْهَا، وكالقُلّ والقِلَّة، والذُّلّ والذِّلّة؛ قَالَه شَيخنَا، ( {والصَّحَاحُ، بِالْفَتْح) ، الثّلاثة بمعنَى (ذَهَاب المَرَضِ) . وَقد} صَحَّ فُلانٌ من عِلَّتِه، (و) هُوَ أَيضاً (البَرَاءَةُ من كلِّ عَيْبٍ) ورَبْبٍ. وحكَى ابنُ دُريد عَن أَبي عُبَيْدَةَ: كَانَ ذالك فِي صُحِّه وسُقْمِه. قَالَ: وَمن كَلَامهم: مَا أَقْرَبَ الصَّحَاحَ من السَّقَم.
وَقد ( {صَحَّ} يَصِحّ) {صِحَّةً، (فَهُوَ} صَحِيحٌ، {وصَحَاحٌ) . بالفَتْح.} وصَحِيحُ الأَدِيمِ، {وصَحَاحُ الأَديمِ: بمَعْنًى، أَي غيرُ مقطوعٍ. وَفِي الحَدِيث: (يُقَاسِم ابنُ آدَمَ أَهلَ النَّارِ قِسْمةً} صَحَاحاً) ، يَعْنِي قابيلَ الّذِي قَتَلَ أَخاه هابيلَ، يَعْنِي أَنه يُقاسِمهم قِسْمَةً {صَحيحةً، فَلهُ نِصْفُها وَلَهُم نِصْفُها.} الصَّحَاحُ، بِالْفَتْح: بمنَى {الصَّحيحِ. يُقَال: دِرْهَمٌ} صَحِيحٌ {وصَحَاحٌ، وَيجوز أَن يكون الضّمّ كطُوَالٍ فِي طَويل، وَمِنْهُم من يرويهِ بِالْكَسْرِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ.
ورَجُلٌ} صَحَاحٌ {وصَحِيحٌ، (من قومٍ} صِحَاحٍ) بِالْكَسْرِ، ( {وأَصِحّاءَ) ، فيهمَا، وامرأَةٌ} صَحِيحةٌ، من نِسْوَةِ {صِحَاحٍ (وصَحَائِحَ) .
(} وأَصَحَّ) الرَّجلُ فَهُوَ {صَحِيحٌ: (} صَحَّ أَهلُه وماشِيَتُه) ، {صَحِيحاً كَانَ هُوَ أَو مَريضاً.} وأَصَحَّ القَومُ، وهم مُصِحّون، إِذا كانتْ قد أَصَابتْ أَموالَهم عاهةٌ ثمَّ ارتفعتْ. وَفِي الحَدِيث: (لَا يُورِد المُمْرِض على {المُصِحّ) . أَي لَا يُورِدُ مَنْ إِبلُه مَرْضَى على مَنْ إِبلُه صِحَاحٌ، وَلَا يَسقيها مَعهَا، كأَنّه كَره ذالك أَنْ يَظْهَرَ بمالِ المُصِحِّ مَا ظَهَرَ بِمَال المُمْرِض فَيظُنَّ أَنّهَا أَعْدَتْهَا فيأْثَمَ بذالك. وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا عَدْوَى) .
(و) أَصَحَّ (اللَّهُ تَعالَى فُلاناً) وصَحَّحه: (أَزالَ مَرَضَه) .
(و) وَرَدَ فِي بعضِ الْآثَار: (الصَّوْمُ} مَصَحَّةٌ) ، بِالْفَتْح، (ويُكْسَر الصّادُ) وَالْفَتْح أَعْلَى، (أَي {يُصَحّ بِهِ) مَبنيًّا للْمَجْهُول. وَفِي (اللِّسَان) : أَي} يُصَحّ عَلَيْهِ، هُوَ مَفْعَلَةٌ من {الصِّحَّةِ: العافيةِ. وَهُوَ كَقَوْلِه فِي الحَدِيث الآخَر: (صُومُوا} تَصِحّوا) . والسَّفَر أَيضاً مَصَحَّة.
( {والصَّحْصَح} والصَّحْصاحُ {والصَّحْصَحَانُ) ، كلّه (: مَا اسْتَوَى من الأَرْضِ) وجَرِدَ، والجَمْعُ ا} لصَّحاصِحُ. {والصَّحْصَحُ: الأَرْضُ الجَرداءُ المُسْتويةِ ذاتُ حَصًى صِغارٍ. ونثل شَيخنَا عَن السُّهيليّ فِي الرَّوْضٌ:} الصَّحْصَحُ: الأَرْضُ المَلْسَاءُ. انتهَى. وأَرض {صَحاصِحُ} وصَحْصَحانٌ: لَيْسَ بهَا شَيءٌ وَلَا شَجرٌ وَلَا قَرَارٌ للماءِ. قَالَ أَبو مَنْصُور: وقَلَّما تكون إِلا فِي سَنَدِ وَاد أَو جَبَلٍ قريبٍ من سَنَدِ وَاد، قَالَ: والصّحراءُ أَشَدُّ اسْتِوَاءً مِنْهَا، قَالَ الرّاجز:
تَراه {بالصَّحاصِحِ السَّمالقِ
كالسَّيفِ من جَفْنِ السِّلاحِ الدّالقِ
وَقَالَ آخر:
وَكم قَطَعْنا من نِصَابِ عَرْفَجِ
} وصَحْصَحانٍ قُذُفٍ مُخَرَّجِ
بِهِ الرَّاذَايَا كالسَّفِينِ المُخْرَجِ
ونِصَابُ العَرْفَج: ناحِيَته. والقُذُفُ: الّتي لَا مَرْتَعَ بهَا. والمُخرَّجُ: الّذي لم يُصِبْه مَطرٌ، أَرضٌ مُخرَّجَةٌ. فشَبَّه شُخوصَ الإِبلِ الحَسْرَى بشُخُوصِ السُّفن. وأَمّا شَاهد {الصحصاح فَقَوله:
حيثُ ارْثَعَنّ الوَدْقُ فِي الصَّحْصاحِ
وَفِي حَدِيث جُهَيش: (وكائِنْ قَطَعْنا إِليك من كَذَا وَكَذَا وتَنوفة} صَحْصَحٍ) . وَفِي حَدِيث ابْن الزُّبير، لمّا أَتاه قتلُ الضَّحّاك، قَالَ: (إِن ثَعْلَبَ بنَ ثعلبٍ حَفَرَ {بالصَّحْصَحةِ فأَخطَأَت اسْتُه الحُفْرَةَ) .
(} وصَحَاحُ الطّريقِ، بِالْفَتْح: مَا اشْتَدّ مِنْهُ وَلم يَسْهُل) وَلم يُوطَأْ، قَالَ ابْن مُقْبِل يَصف نَاقَة:
إِذا واجَهَتُ وَجْهَ الطّريقِ تَيَمَّمتْ
{صَحَاحَ الطَّرِيقِ عِزَّةً أَنْ تَسَهَّلاَ
(} وصَحْصَحَ الأَمْرُ: تَبَيَّنَ) ، مثل حَصْحَصَ.
( {والمُصَحْصِحُ) ، بالضّمّ: الرّجل (الصّحيحُ المَوَدَّةِ. و) من المَجاز:} المُصَحْصِحُ: (مَنْ يأْتي بالأَباطيل) .
( {وصَحْصحٌ: ع بالبَحْرَيْن. و) } صَحْصَحٌ: (والدُ مُحْرِزٍ أَحدِ بني تَيْمِ اللَّهِ بنِ ثَعْلَبَةَ) بنِ عُكابَةَ بنِ صَعْبِ بنِ عليِّ بنِ بكرِ بنِ وائِل. (و) صَحْصَحٌ: (أَبو قَوْم من تَيْم. و) صَحْصَحٌ: (أَبو قَوْمٍ من طَيِّءٍ) .
(! والصَّحْصَحانُ: ع) شَديدُ البَرْدِ (بَين حَلَبَ وتَدْمُرَ) . (والصَّحيح: فَرَسٌ لأَسَدِ بنِ الرَّهِيص الطّائيّ) صاحِبِ الوقَائِعِ الْمَشْهُورَة.
(و) يُقَال: (رَجلٌ {صُحْصُحٌ} وصُحْصُوحٌ، بضمّهما) ، إِذا كَانَ (يَتَتَبَّع دَقَائقَ الأُمورِ فيُحْصِيها ويَعْلَمُها) .
(و) من الْمجَاز: (التُّرَّهَاتُ {الصَّحاصِحُ) لَا سَدائدَ وَلَا صَحائِح: أَي أَباطِيل لَا أَصْلَ لَهَا، (و) مثله (بالإِضافَة) أَيضاً. وَكَذَلِكَ التُّرَّهاتُ البَسابِسُ، و (مَعْنَاه الباطِل) . وهما بالإِضافَة أَجْوَد. قَالَ البن مُقْبِل:
وَمَا ذِكْرُه دَهْمَاءَ بعدَ مَزَارِهَا
بِنَجْرَانَ إِلاَّ التُّرَّهاتُ} الصَّحاصِحُ
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
{اسْتَصَحَّ فُلانٌ من عِلَّتِه: إِذا بَرِىءَ قَالَ الأَعشى:
أَمْ كَمَا قَالُوا سَقِيمٌ فَلَئِنْ
نَفَضَ الأَسْقَامَ عَنهُ} واسْتَصَحّ
وأَنا {أَسْتَصِحُّ مَا تَقول، وَهُوَ مَجَاز.
وأَرْضٌ} مَصَحَّةٌ: بَريئةٌ من الأَوْبَاءِ، صحيحَةٌ لَا وَبَاءَ فِيهَا، وَلَا تَكْثُرُ فِيهَا العِلَلُ والأَسْقَامُ.
{وصَحَّ الشَّيْءَ: جَعَله صَحِيحاً.
} وصَحَّحْتُ الكِتَابَ والحِسَابَ {تَصْحِيحاً: إِذَا كَانَ سَقِيماً فأَصْلَحْتَ خَطَأَه.
وأَتيتُ فلَانا} فأَصْحَحْتُه، أَي وَجدْتُه صَحِيحاً.
والصَّحِيحُ من الشِّعْرِ: مَا سَلِمَ من النَّقْص. وَقيل: كلُّ مَا يُمْكِن فِيهِ الزِّحافُ فَسِلمَ مِنْهُ فَهُوَ صحيحٌ. وَقيل: الصَّحيحُ: كلُّ آخِرِ نِصْفٍ يَسْلَمُ كم الأَشياءِ الّتي تقَع عِلَلاً فِي الأَعارِيض والضُّروبِ، وَلَا تَقَعُ فِي الحَشْوِ.
{والمُصَحْصِح فِي قَول مُلَيحٍ الهُذليّ:
فحُبُّكَ لَيْلَى حينَ تَدْنُو زَمَانَةٌ
ويَلْحاكَ فِي لَيْلَى العَريفُ} المُصَحْصِحُ قيل: أَراد النّاصحَ، كأَنّه {المُصحِّحُ، فكَرِه التّضْعيفَ.
وَمن الْمجَاز: صَحَّ عِنْد القَاضِي حَقُّه.} وصَحَّتْ شَهادتُه. وصَحَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا، وصَحّ قَولُه؛ كَذَا فِي الأَساس.

الوليّ

الوليّ:
[في الانكليزية] Caretaker ،supporter ،patron ،saint ،holy man
[ في الفرنسية] Protecteur ،soutien ،patron ،saint
هو فعيل بمعنى فاعل من قولهم ولي فلان الشيء يليه فهو وال ووليّ، وأصله من الولي بسكون اللام وفتحها الذي هو القرب، ومنه يقال داري تلي دارها أي تقرب منها، ومنه يقال للمحب المعاون ولي لأنّه يقرب منك بالمحبة والنصرة ولا يفارقك، ومنه الوالي لأنّه يلي القوم بالتدبير والأمر والنهي، ومنه الولي. ومن ثمّ قالوا في اختلاف الولاية العداوة من عدا الشيء إذا جاوزه فلأجل هذا كانت العداوة خلاف الولاية، كذا في التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا. وفي شرح الطوالع: الولي لغة واستعمالا يطلق على خمسة معان. الأول المتصرّف في أمره، يقال ولي الصبي والمرأة. والثاني المعين الناصر المحب. والثالث المعتق والمعتق. والرابع الجار. والخامس ابن العم انتهى. وفي جامع الرموز الولي لغة المالك، وشرعا عند الفقهاء هو الوارث المكلّف كما في المحيط وغيره انتهى، فخرج العبد والكافر والصبي والمعتوه كما في فتح القدير. قالوا للولي ولاية إنكاح الصغير والصغيرة ولاية إجبار، وعلى البالغة العاقلة ولاية ندب واستحباب وعند أهل التصوّف والسلوك هو العارف بالله وصفاته حسب ما يمكّن المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي والمعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات على ما ذكر المحقّق التفتازاني في شرح العقائد وفي النفحات: الولي هو الفاني من حاله الباقي في مشاهدة الحقّ لم يكن له عن نفسه إخبار ولا مع الغير قرار. وجاء في الرسالة القشيرية بأنّ الوليّ له معنيان: أحدهما فعيل بمعنى مفعول وهو الذي تولى الحقّ سبحانه أموره كما قال: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ. إذا لا يدعه الحقّ تعالى نحو نفسه لحظة واحدة. والثاني: فعيل بمعنى فاعل وهو من قام بعبادة الحقّ سبحانه وتعالى والسائر على وجهه بشكل دائم بدون أن يكون هناك حلول.
وكلّ واحد من هذين الوصفين واجب ليكون وليّا. كما يجب عليه القيام بحقوق الله تعالى على سبيل الاستقصاء والاستيفاء ودوام حفظ الحقّ تعالى في السّراء والضّراء.
ومن شروط الوليّ أن يكون محفوظا من الإصرار على المعاصي كما هو شرط النبي العصمة، كما يشترط فيه إخفاء حاله، ومن شروط النبي إظهار حاله. إذا، كلّ من لا توافق أعماله الشريعة فهو مخادع أو مغرور.

وفي خلاصة السلوك: الولي على ما قال البعض هو الذي يكون مستور الحال أبدا والكون كلّه ناطق على ولايته والمدّعي الذي ناطق بالولاية والكون كلّه ينكر عليه. وقيل الولي الذي بعد عن الدنيا وقرب إلى المولى.
وقيل الذي فرغ نفسه لله وأقبل بوجهه على الله.
قال ذو النون لا تجالسوا أهل الولاية والصّفاء إلّا على الطهارة والنقاء فإنّهم جواسيس القلوب انتهى. وفي شرح القصيدة الفارضية: وأما الولاية فهي التصرّف في الخلق بالحقّ وليست في الحقيقة إلّا باطن النّبوة لأنّ النبوة ظاهرها الإنباء وباطنها التصرّف في النفوس بإجراء الأحكام عليها، والنّبوة مختومة من حيث الإنباء أي الإخبار إذ لا نبيّ بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم دائمة من حيث الولاية والتصرّف، لأنّ نفوس الأولياء من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم حملة تصرّف ولايته يتصرّف بهم في الخلق بالحقّ إلى قيام الساعة، فباب الولاية مفتوح وباب النّبوة مسدود، وعلامة صحة الولي متابعة النبي في الظاهر لأنّهما يأخذان التصرّف من مأخذ واحد إذ الولي هو مظهر تصرّف النبي فلا متصرّف إلّا واحد، ومن هذا الوجه تكلّم بعض الأتباع عن نفسه بخصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سبيل الحكاية، فنزّل نفسه من النبي عليه الصلاة والسلام منزلة الآلة من المتصرّف. وكما أنّ النّبوة دائرة متألّفة في الخارج من نقط وجودات الأنبياء كاملة بوجود النقطة المحمدية، فالولاية أيضا دائرة متألّفة في الخارج من نقط وجودات الأولياء كاملة بوجود النقطة التي سيختم بها الولاية، وخاتم الأولياء على ما ذكر لا يكون في الحقيقة إلّا خاتم الأنبياء، وعليه تقوم الساعة، فظهر الفرق بين النبي والولي، وأنّه لا يسعه إلّا متابعة النبي.
وما قيل إنّ الولاية أفضل من النّبوة لا يصحّ مطلقا إلّا بقيد وهو أنّ ولاية النبي أفضل من نبوته التشريعية لأنّ نبوّة التشريع متعلّقة بمصلحة الوقت والولاية لا تعلّق لها بوقت دون آخر، بل قام سلطانها إلى قيام الساعة. وأيضا النّبوة صفة الخلق دون الحقّ والولاية صفة الحقّ، ولذا يطلق عليه اسم الولي دون النبي، ولما احتاج بيانه إلى مثل هذا التأويل، فليس من الأدب إطلاق القول فيه، فظهر أنّ مثابة الأنبياء والأولياء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء من حيث إنّهم مظاهر دائرتي نبوّته وولايته، ولذا قال: (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل). وكما أنّ الأولياء دعوا الخلق إلى الحقّ بتبعية النبي عليه الصلاة والسلام، كذلك الأنبياء عليهم السلام دعوا أمتهم إلى الحقّ بتبعيته صلى الله عليه وآله وسلم لأنّهم مظاهر نبوته انتهى. وقد ذكر المولوي عبد الغفور في حاشيته على نفحات الأنس للجامي: الولاية قسمان: عامّة، وخاصّة.
فالولاية العامّة مشتركة بين كلّ المؤمنين، وهي عبارة عن القرب إلى الحقّ بلطف. وكلّ المؤمنين قريبون من لطفه لأنّهم خرجوا من ظلمة الكفر وتشرّفوا بنور الإيمان. قال الله تعالى:
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ). والولاية الخاصّة هي خاصّة بالواصلين من أرباب السّلوك، يعني لا توجد في المبتدءين والمتوسّلين من أرباب السّلوك. وهي عبارة عن فناء العبد في الحقّ وبقائه بالحق. وهذا يعني أنّ الولاية الخاصّة مركّبة من فناء العبد في الحقّ، وبقاء العبد بالحقّ. فالفناء في الحقّ سقوط الشعور من الغير، والبقاء بالحقّ هو الشعور بالحق أو عدم الشعور بالغير انتهى. وقد مرّ ذكر أقسام الأولياء في لفظ الصوفي، وفي لفظ خاتم.

الوتد

(الوتد) مَا رز فِي الأَرْض أَو الْحَائِط من خشب وَفِي أمثالهم (أذلّ من وتد) والهنية النَّاشِزَة فِي مقدم الْأذن وَمَا كَانَ فِي الْعرُوض من أَجزَاء التفاعيل على ثَلَاثَة أحرف وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا حرفان متحركان يتلوهما سَاكن وَهُوَ الوتد المقرون نَحْو فعو وعلن وَالثَّانِي حرفان متحركان بَينهمَا سَاكن وَهُوَ الوتد المفروق نَحْو لات من مفعولات (ج) أوتاد وأوتاد الأَرْض الْجبَال وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {ألم نجْعَل الأَرْض مهادا وَالْجِبَال أوتادا} وأوتاد الْبِلَاد رؤساؤها وأوتاد الْفَم أَسْنَانه وأوتاد الصُّوفِيَّة أَرْبَعَة رجال مَنَازِلهمْ على منَازِل أَرْبَعَة أَرْكَان من الْعَالم شَرْقي وَغَرْبِيٌّ وشمالي وجنوبي مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم مقَام تِلْكَ الْجِهَة
الوتد:
[في الانكليزية] Iambic ،declination ،ascension
[ في الفرنسية] Iambe ،descendant ،ascendant
بالفتح وسكون التاء المثناة الفوقانية، عند أهل العروض تطلق على سبيل الاشتراك على شيئين: أحدهما: وتد مجموع، وهو لفظة من ثلاثة حروف، الحرفان الأوّلان منهما متحرّكان والثالث ساكن مثل: دعا. والثاني: وتد مفروق، وهو لفظة من ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، والطرفان متحرّكان مثل: رأس. هكذا في عروض سيفي وغيره. وأمّا عند أهل الهيئة فهو اسم جزء معيّن من أجزاء فلك البروج. والأوتاد أربعة. فالجزء الذي هو من منطقة البروج على الأفق الشرقي فذاك يقال له الوتد الأول والوتد الطالع. والجزء الذي على الأفق الغربي، في هذه الحالة يعني في حالة كون ذلك الجزء المسمّى بالوتد الأوّل على الأفق الشرقي، فذاك ما يقال له الوتد السابع والوتد الغارب. إذا، الوتد الأول والوتد السابع كلاهما متقابلان.
والجزء الذي يكون بينهما فوق الأرض فيقال له وتد السّماء والوتد العاشر. والجزء الذي يكون في نصف المسافة بينهما تحت الأرض فيقال له: الوتد الرابع ووتد الأرض. فإذا كان برج وتد السّماء العاشر برج الطالع فيقال لتلك الأوتاد: الأوتاد القائمة. وإذا كان الحادي عشر من الطالع فيقال لها: الأوتاد المائلة. وإذا كان التاسع من الطالع فيقال لها الأوتاد الزائلة.
وكلام شارح التذكرة يوهم أنّ الأوتاد القائمة إنّما يقال لها قائمة إذا كان الجزء العاشر في منتصف المسافة بين الطالع والغارب. وذلك حين يكون قطب البروج على الأفق أو على دائرة نصف النهار بشرط أن لا يكون على سمت الرأس، كذا ذكر عبد العلي البرجندي في شرح العشرين بابا وقد مضى بيان ذلك في لفظ طالع. والأوتاد عند أهل الرّمل تطلق على عدد من المعاني فيقولون: الرّتبة (خانه) الأولى والرابعة والسابعة والعاشرة كلّ منها وتد. والرتبة الثانية والخامسة والثامنة والحادية عشرة يقال لكلّ منها: وتد مائل. والرتبة الثالثة والسادسة والتاسعة والثانية عشرة يقال لكلّ منها: وتد زائل، كما يقال: ساقط عن الوتد باعتبار أنّ كلّ واحد من هذه الرّتب ليس له نظر للطالع.
ويقال للثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة، لكلّ واحدة منها، وتد الوتد. هكذا في بعض الرسائل.

وما يقال في الانقلاب: وتد الوتد، لأنّ الأوتاد يضربونها في الشواهد. فالظّاهر هو أنّ هذا القول بناء على حذف المضاف، يعني أشكال الأوتاد تضرب في الشواهد. كما يحتمل أنّ إطلاق الأوتاد على الأشكال الواقعة في الأوتاد هو إطلاق مجازي من قبيل إطلاق اسم المحلّ على الحال. والله اعلم بحقيقة الحال.

وما يقال في سير النقطة: إنّ الرتبة الأولى والخامسة والتاسعة والثالثة عشرة هي نارية، والثانية والسادسة والعاشرة والرابعة عشرة هي هوائية، والثالثة والسابعة والحادية عشرة والخامسة عشرة هي مائية، والرابعة والثامنة والثانية عشرة والسادسة عشرة هي ترابية. وأنّ الرتبة الأولى من الرّتب النارية والهوائية والمائية والترابية هي: وتد ناري، ووتد هوائي، ووتد مائي، ووتد ترابي. إذا، فالرّتبة الأولى هي وتد ناري والثانية وتد هوائي والثالثة وتد مائي والرابعة وتد ترابي. وكذلك فالرتبة الثانية من رتب النار والهواء والماء والتراب هي وتد ناري مائل، ووتد هوائي مائل، ووتد مائي مائل، ووتد ترابي مائل. فحينئذ تكون الخامسة: وتد ناري مائل، والسادسة: وتد هوائي مائل، والسابعة وتد مائي مائل، والثامنة وتد ترابي مائل. وعلى هذا القياس تكون الثالثة من كل الرتب النارية والهوائية والمائية والترابية: وتد ناري زائل، ووتد هوائي زائل. ووتد مائي زائل، ووتد ترابي زائل.

وتكون الرابعة من الرتب المذكورة: وتد الوتد الناري، ووتد الوتد الهوائي، ووتد الوتد المائي، ووتد الوتد الترابي. وفائدة هذا أنّه يستعمل في الحساب. ويقولون: الوتد دليل الآحاد، والمائل دليل العشرات، والزائل دليل المئات، ووتد الوتد دليل الألوف.

وما يقال أيضا في سير النقطة: إذا كانت النقطة في عنصرها فهي وتد، أي أنّ لها قوة الوتد، وإذا كانت في الثانية من عنصرها فهي الوتد المائل. وإن كانت في عنصرها الثالث فهي وتد زائل. وإن كانت في عنصرها الرابع فهي وتد الوتد. فمثلا: نقطة نارية في الرّتب النارية فهي وتد. وفي الرتب الهوائية فهي الوتد المائل، وفي الرّتب المائية فهي الوتد الزائل، وأمّا في الرّتب الترابية فوتد الوتد. وهكذا النقطة المائية في الرتب المائية وتد. وفي الرتب الترابية وتد مائل. وفي الرتب النارية فهي وتد زائل، وفي الرتب الهوائية فهي وتد الوتد. وعلى هذا القياس نقطة الهواء ونقطة التراب.

واعلم: أنّ النقطة المطلوبة إذا كانت في الوتد فهي جيّدة ودليل على العزّة والقيمة لذلك الشيء وشهرته في كلّ الآفاق. وأمّا إذا كانت في رتبة الوتد المائل فقيمتها وقدرها في حدود الوسط وشهرتها في بعض الآفاق. وأمّا إذا كانت في الوتد الزائل فهي دليل على انعدام القيمة والقدر والعزّة لذلك الشيء وعلى ضعف شهرته في جميع الآفاق.
وإذا كانت النقطة في الوتد تحقّق المطلوب بدون مانع، فيكون العمل عظيما. وأمّا في وتد الوتد فسيمدّه شخص آخر فيحصل المطلوب.
وأمّا في المائل فاحتمال الحصول ممكن، ولكنه في الزائل فدليل على عدم تحقّق شيء. والوتد أيضا دليل على الحال، يعني أنّ شيئا بالفعل سيوجد. والمائل دليل على المستقبل. يعني بعد هذا سيوجد. ويسأل عن المستقبل. والزائل ضعيف ويدلّ على الماضي يعني يسأل عن الماضي. وأمّا وتد الوتد فدليل على التوقّف، هذا كلّه خلاصة ما في (السرخاب). والأوتاد عند السالكين أربعة أشخاص من أولياء الله تعالى، وهم معيّنون لأركان العالم الأربعة. ففي المغرب: عبد العليم. وفي المشرق: عبد الحيّ. وفي الشمال: عبد المريد. وفي الجنوب: عبد القادر. وهم ببركتهم يحافظون على جملة الدنيا وعمارتها. كذا في كشف اللغات.

ومثله في مجمع السلوك حيث قال: ذكر في اصطلاح الصوفية أنّ الأوتاد هم الرجال الأربعة الذين على منازلهم الجهات الأربع من العالم، أي المشرق والمغرب والجنوب والشمال، بهم يحفظ الله تلك الجهات لكونهم محالّ نظره تعالى.

ويقول في مرآة الأسرار: أمّا الذي في المشرق فاسمه عبد الرحمن، والذي في المغرب فاسمه عبد الودود، والذي في الجنوب فاسمه عبد الرحيم، والذي في الشمال فاسمه عبد القدوس، فإذا مات أحدها حلّ محلّه أحد نوابه.
فأركان العالم الأربعة عامرة بوجود هؤلاء الأوتاد الأربعة، كما أنّ الجبال سبب في استــقرار الأرض.

النّيّة

النّيّة:
[في الانكليزية] Intention ،purpose
[ في الفرنسية] Intention ،dessein
بالكسر وتشديد الياء لغة عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضرر حالا أو مآلا، والشرع خصّصها بالإرادة المتوجّهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله أو امتثالا لحكمه. فمن فعل نائما أو غافلا ففعله معطّل مهمل يماثل أفعال الجماد.
ومن أتى طاعة رياء أو طمعا في عطاء دنيوي أو توقّعا لثناء عاجل أو تخلّصا عن تعنيف الناس فهو مزوّر، كذا قال البيضاوي. وقيل النّيّة لغة العزم وشرعا القصد إلى الفعل لله تعالى. وقيل النّيّة عزم القلب إلى الشيء فهما أي النية والعزم متحدان معنى. فالنية عبارة عن توجّه تام قلبي بحيث يستقرّ القلب على أمر. وقيل النّيّة عبارة عن استــقرار القلب على أمر مطلوب وتوجّه تام وميل كمال بطريق القصد إلى أمر مطلوب، فهذا احتراز عن التوجّه الذي صدر عن رجل مثلا أن ينتقل من مكان إلى مكان فإنّ هذا الانتقال لا يسمّى نيّة بل توجّها وميلا، وكذا الأكل والشرب بطريق العادة. وقيل ينفسخ النية كقول علي: كرم الله وجهه: عرفت الله بفسخ العزائم. وقيل النّيّة شرعت تمييزا للعبادة عن العادة، هكذا يستفاد من العيني والكرماني والعارفية. وفي الصّحائف: يقول في الصحيفة الثالثة: النّيّة هي الإرادة الباعثة للقدرة المنتهضة عن المعرفة. وهي على ثلاث مراتب:

الأولى: الصافية وهي التي باعثها فقط لقاء الله.

الثانية: الكدرة وهي التي باعثها الرّياء وطلب الجاه والدنيا.

والثالثة: الممتزجة وهي مراتب مختلفة.
(ولكلّ درجات ممّا عملوا).

المحبّة

المحبّة:
[في الانكليزية] Affection ،attachment ،inclination ،love
[ في الفرنسية] Affection ،inclination ،charite ،amour ،attachement
اعلم أنّ العلماء اختلفوا في معناها. فقيل المحبة ترادف الإرادة بمعنى الميل، فمحبة الله للعباد إرادة كرامتهم وثوابهم على التأبيد. ومحبة العباد له تعالى إرادة طاعته. وقيل محبتنا لله تعالى كيفية روحانية مترتّبة على تصوّر الكمال المطلق الذي فيه على الاستمرار ومقتضية للتوجّه التام إلى حضرة القدس بلا فتور وفرار. وأمّا محبتنا لغيره تعالى فكيفية مترتّبة على تخيّل كمال فيه من لذّة أو منفعة أو مشاكلة تخيلا مستمرا، كمحبة العاشق لمعشوقه والمنعم عليه لمنعمه والوالد لولده والصديق لصديقه، هكذا في شرح المواقف وشرح الطوالع في مبحث القدرة. قال الإمام الرازي في التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ الآية.
اختلف العلماء في معنى المحبة. فقال جمهور المتكلّمين إنها نوع من الإرادة، والإرادة لا تعلّق لها إلّا بالجائزات، فيستحيل تعلّق المحبة بذات الله تعالى وصفاته، فإذا قلنا نحبّ الله فمعناه نحبّ طاعته وخدمته أو ثوابه وإحسانه.
وأمّا العارفون فقد قالوا العبد قد يحبّ الله تعالى لذاته. وأما حبّ خدمته أو ثوابه فدرجة نازلة، وذلك أنّ اللذة محبوبة لذاتها وكذا الكمال. أما اللذة فإنّه إذا قيل لنا لم تكتسب؟

قلنا: لنجد المال. فإذا قيل: ولم تطلب المال؟

قلنا: لنجد به المأكول والمشروب. فإذا قيل ولم تطلب المأكول والمشروب؟ قلنا: لنحصّل اللذة وندفع الألم. فإذا قيل ولم تطلب اللذة وتكره الألم؟ قلنا: هذا غير معلّل وإلّا لزم إمّا الدور أو التسلسل، فعلم أن اللذة مطلوبة لذاتها كما أنّ الألم مكروه لذاته. وأما الكمال فلأنّا نحبّ الأنبياء والأولياء بمجرّد كونهم موصوفين بصفات الكمال، وإذا سمعنا حكاية بعض الشجعان مثل رستم واسفنديار واطّلعنا على كيفية شجاعتهم مال قلوبنا إليهم، حتى إنّه قد يبلغ ذلك الميل إلى إنفاق المال العظيم في تقرير تعظيمه، وقد ينتهي ذلك إلى المخاطرة بالروح. وكون اللّذة محبوبة لذاتها لا ينافي كون الكمال محبوبا لذاته. إذا ثبت هذا فنقول:
الذين حملوا محبّة الله تعالى على محبة طاعته أو ثوابه فهؤلاء هم الذين عرفوا أنّ اللذة محبوبة لذاتها ولم يعرفوا كون الكمال محبوبا لذاته.
وأمّا العارفون الذين عرفوا أنّه تعالى محبوب لذاته وفي ذاته فهم الذين انكشف لهم أنّ الكمال محبوب لذاته، ولا شكّ أنّ أكمل الكاملين هو الحقّ سبحانه تعالى، إذ كمال كلّ شيء يستفاد منه، فهو محبوب لذاته سواء أحبّه غيره أو لا.
اعلم أنّ العبد ما لم ينظر في مملوكاته لا يمكنه الوصول إلى اطّلاع كمال الحقّ، فلا جرم كلّ من كان اطّلاعه على دقائق حكمة الله وقدرته في المخلوقات أتمّ كان علمه بكماله أتمّ فكان حبّه له أتمّ. ولمّا لم يكن لمراتب وقوف العبد على تلك الدقائق نهاية فلا جرم لا نهاية لمراتب المحبّة. ثم إذا كثرت مطالعته لتلك الدقائق كثر ترقيه في مقام المحبّة وصار ذلك سببا لاستيلاء حبّ الله على القلب وشدّة الإلف بالمحبّة، وكلّما كان ذلك الإلف أشدّ كانت النّفرة عمّا سواه أشدّ، لأنّ المانع عن حضور المحبوب مكروه، فلا يزال يتعاقب محبة الله والتنفر عما سواه عن القلب، وبالآخر يصير القلب نفورا عمّا سوى الله، والنفرة توجب الإعراض عمّا سوى الله، فيصير ذلك القلب مستنيرا بأنوار القدس مستضيئا بأضواء عالم العظمة فانيا عن الحظوظ المتعلّقة بعالم الحدوث، وهذا مقام عليّ الدّرجة، وليس له في هذا العالم إلّا العشق الشديد على أيّ شيء كان.
إن قيل قوله يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ يشتمل على حكمين:
أحدهما أنّ حبّ الكفار للأنداد مساو لحبّهم له تعالى مع أنّ الله تعالى حكى عنهم أنّهم قالوا ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى الله زلفى. وثانيهما أنّ محبة المؤمنين له تعالى أشدّ من محبتهم، مع أنّا نرى اليهود يأتون بطاعات شاقة لا يأتي بشيء منها أحد من المؤمنين ولا يأتون بها إلّا لله تعالى، ثم يقتلون أنفسهم حبّا له تعالى.
قلت الجواب عن الأول أنّ المعنى يحبّونهم كحبّ الله في الطاعة لها والتعظيم، فالاستواء في هذا القول من المحبة لا ينافي ما ذكرتموه.
وعن الثاني أنّ المؤمنين لا يضرعون إلّا إليه بخلاف المشركين فإنّهم يرجعون عند الحاجة إلى الأنداد. وأيضا من أحبّ غيره رضي بقضائه فلا يتفرق في ملكه، فهؤلاء الجهّال قتلوا أنفسهم بغير إذنه. وأمّا المؤمنون فقد يقتلون أنفسهم بإذنه كما في الجهاد، وأيضا إنّ المؤمنين يوحّدون ربّهم والكفار يعبدون مع الصّنم أصناما فتنقص محبّة الواحد. أمّا الإله الواحد فينضم محبة الجميع إليه، انتهى ما قال الإمام الرازي. وفي شرح القصيدة الفارضية المحبّة ميل الجميل إلى الجمال بدلالة المشاهدة كما ورد (إنّ الله جميل يحبّ الجمال)، وذلك لأنّ كلّ شيء ينجذب إلى أصله وجنسه وينتزع إلى أنسه ووصله. فانجذاب المحبّ إلى جمال المحبوب ليس إلّا لجمال فيه.
والجمال الحقيقي صفة أزلية لله تعالى شاهدة في ذاته أوّلا مشاهدة علمية، فأراد أن يراه في صنعه مشاهدة عينية، فخلق العالم كمرآة شاهد فيه عين جماله عيانا. وإليه أشار صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق) الحديث.
فالجميل الحقيقي هو الله سبحانه وكلّ جميل في الكون مظهر جماله. ولما خلق الله الإنسان على صورته جميلا بصيرا فكلّما شاهد جميلا انجذب أحداق بصيرته إليه وامتدّ نحوه أعناق سريرته، وهذا الانجذاب هو الحبّ الأخصّ أن ظهر من مشاهدة الروح جمال الذات في عالم الجبروت، والخاص إن ظهر من مطالعة القلب جمال الصّفات في عالم الملكوت، والعام إن ظهر من ملاحظة النفس جمال الأفعال في عالم الغيب، والأعمّ إن ظهر من معاينة الحسن جمال الأفعال في عالم الشهادة. فالحبّ بظهوره من مشاهدة الجمال يختصّ بالجميل البصير.
وما قيل إنّ الحبّ ثابت في كلّ شيء لانجذابه إلى جنسه فعلى خلاف المشهور. والعشق أخصّ منه لأنّه محبة مفرطة، ولهذا لا يطلق على الله تعالى لانتفاء الإفراط عن صفاته. والحبّ الإلهي وراء حبّ العقلاء من الإنسان والجنّ والملك، فإنه صفة قديمة قائمة بذاته تعالى، وصفته عين الذات فهي قائمة بنفسها، وحبّ العقلاء قائم بهم فيحبونه بحبّه إيّاهم. وتقديم يحبّهم على يحبّونه إشارة إلى هذا وإن لم يفد الواو الترتيب والعلّية. وجمال الذات مطلق موجود في كلّ صفة من الصفات الجمالية والجلالية لعموم الذات إيّاها، فللجلال جمال هو جمال الذات، والجمال صفة الذات وله جمال هو جمال الصفة. ومن أحبّ جمال الذات فعلامته أن تستوي عنده الصفات المقابلة من الضّرّ والنّفع حتى الحبّ والقلى والوصل والقطع، وهذه المحبّة ثابتة ثبوت الجبل لا يتطرّق إليها الزوال. وجمال الصفات مقيّد موجود في بعضها وعلامة من يحبّه أن يؤثرها شطرا من الصفات كالنّفع والحبّ والوصل [على أضدادها مطلقا]، لا باعتبار وصول آثارها إليه، بل لأنّها محبوبة عنده في الأصل. وجمال الأفعال أكثر تقيدا منه وعلامة من يحبّه أن يؤثرها باعتبار وصول آثارها إليه، وهذان المحبّان قد يتغيّر حبّهما بتغيّر محبوبهما.
وجمال الأفعال يسمّى حسنا وملاحة وهو روح منفوخ منه في قالب التّناسب. وحسن الصّور الروحانية ألذّ وأشهى وأكثر تأثيرا وتخيّرا للمناسبة الخاصة بينه وبين المحل في الروحانية، ولهذا كان حسن المسموعات أشدّ تأثيرا في قلوب أرباب الذوق من حسن المحسوسات الآخر لقرب صورة النغمة من الصور الروحانية، وقلّما يسلم شاهد الحسن من الوقوع في الفتنة حيث يسلب عنه وصف الحبّ لغلبة وصف الطبيعة وثوران الشهوة بحكم من غلب سلب ومن عزّ بزّ، ولا يسلم هذا الشهود إلّا لآحاد وأفراد زكت نفوسهم وطهرت قلوبهم وانطفئت فيها نار الشهوة، ولهذا حرّم [النظر] إلى الأجنبيات. فالحظّ الأوفر من وجود الحبّ وشهود الجمال لمحبّ الذات، والحظّ الوافر لمحبّ الصفات، والحظّ القليل لمحبّ الأفعال.
والمحبّة والمحبوبة حبّتان عارضتان للمحبّة وهي قائمة بذاتها، واتصال المحبّ بالمحبوب لا يمكن إلّا في عين المحبّة لأنّهما ضدّان لا يجتمعان لتقابلهما في الأوصاف، فإنّ صفات المحبّ من الافتقار والعجز والذلّة، وغيرها أضداد صفات المحبوب من الاستغناء والقدرة والعزة وغيرها، واجتماعهما في عين المحبّة بأن لا يحبّ المحبّ إلّا المحبّة كما قال الجنيد:
المحبّة محبّة المحبّة، وهكذا قال النووي لأنّ المحبة إذا صارت محبوبة وهي صفة ذاتية للمحبّ تحقّق الوصول وارتفع التّضاد عن الجهتين بفناء المحبّ في المحبّة المحبوبة، ولذا قال المحقّقون: المحبّ والمحبوب شيء واحد، وفي هذا المقام لا يكون المحبة حجابا لقيامها بذاتها عند فناء جهتي المحبوبية والمحبّية فيها.
وما قيل إنّ المحبّة حجاب لاستلزامها الجهتين وإشعارها بالانفصال أريد به محبّة غير محبوبة، وبداية المحبّية والمحبوبية أمر مبهم لأنّ المحبّ لا يكون [محبّا] إلّا بعد سابقية جذب المحبوب إيّاه، ولا يجذبه إلّا لمحبته إيّاه، فكلّ محبوب محبّ وكلّ محبّ محبوب، ومن هذه الجهة تكلّم المحبّ عن نفسه بخصائص المحبوب. وتخصيص بعض الأولياء بالمحبية وبعضهم بالمحبوبية بظهور أحد الوصفين فيهم وبطون الآخر، فمن ظهر عليه أمارات المحبية من سبق اجتهاده الكشف قيل محب لبطون وصف المحبوبية فيه، ومن ظهر عليه علامات المحبوبية من سبق كشفه الاجتهاد قيل محبوب لبطون وصف المحبية فيه، ولا يصل المحبّ إلى المحبوب إلّا بالمحبوبية ليتمكّن الوصول بزوال الأجنبية وحصول الجنسية. والمحبوب الأول من الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ من كان أقرب منه بحسن المتابعة لأنّها تفيد المحبوبية. قال سبحانه وتعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ فمن اتبعه يصل إليه فيسري منه خاصية المحبوبية فيه بحيث يتأتّى منه جذب آخر إلى نفسه وإعطاؤه إيّاه الخاصية المحبوبية، كما أنّ المغناطيس يجذب الحديد إلى نفسه لجنسية روحانية بينهما فيعطيه خاصيته، بحيث يتأتّى منه جذب حديد آخر وإعطاؤه إيّاه الخاصية المغناطيسية. ولا شكّ أنّ الخاصية المغناطيسية في الحديد ليست إلّا للمغناطيس وإن وجدت منه ظاهرا فكان تلك الخاصية في المغناطيس تقول بلسان الحال أنا صفة المغناطيس، فهكذا الروح المظهر النبوي بالنسبة إلى الحضرة الإلهية كالحديدة الأولى بالنسبة إلى المغناطيس، جذبته مغناطيس الذات إليها بخاصية المحبّة الأزلية أوّلا بلا واسطة، ثم أرواح أمته بواسطة روحه روحا فروحا، متعلقة به كالحديدات المتعلّق بعضها ببعض إلى الحديدة الأولى، وكلّ حديدة ظهر فيها خاصية المغناطيس فكأنّها المغناطيس، وإن تغاير الجواهران. وإلى هذا أشار صلى الله عليه وآله وسلم: (من رآني فقد رأى الحقّ) وقول بعض الموحّدين من أمته أنا الحقّ. فما تكلّم به بعض أمته من كلام ربّاني أو نبوي على طريق الحكاية لا من نفسه لا يتّجه عليه الإنكار فافهم ذلك فإنّه من الأسرار العزيزة ينحلّ به كثير من المشكلات. وفي مجمع السلوك بداية المحبّة موافقة ثم الميل ثم المؤانسة ثم المودّة ثم الهوى ثم الخلّة ثم المحبّة ثم الشّغف ثم التّيم ثم الوله ثم العشق. والموافقة هي أن تعادي أعداء الحقّ كالشيطان والدّنيا والنّفس، وأن تحبّ أحباب الحقّ وأن تتكلّم معهم وأن تحترم أوامرهم حتى تجد مكانا في قلوبهم.
والمؤانسة هي أن تهرب من الجميع وأن تطلب الحقّ كلّ الوقت (من أنس بالله استوحش من غير الله).
والمودّة هي أن تكون في الخلوة مشغول القلب بإظهار العجز والتضرّع، وأن تكون في غاية الشوق ونفاد الصّبر.
والهوى هو أن يكون قلبك دائما في المجاهدة ومقاومة النفس.
والخلّة هو أن يسيطر المحبوب على كلّ أعضائك فلا يبقى مكان لغيره. والمحبّة: هي التطهّر من الأوصاف الذميمة والاتّصاف بالصّفات الحميدة، وكلّما تطهّرت النفس من الصفات المذمومة كلّما سمت الروح نحو المحبّة.
والشّغف هو أن يتمزّق القلب من حرارة الشّوق وأن تخفي الدموع حتى لا يعلم أحد بذلك، لأنّ المحبّة هي سرّ الربوبية، وإفشاء السّرّ كفر إلّا في حال غلبة الوجد.
والتيم هو أن تجعل نفسك عبدا للمحبّة وأن تتصف بالتجريد الظاهري والتفريد الباطني.
والوله هو أن تجعل مرآة قلبك في مواجهة جمال الحبيب، وأن تسكر من شراب الجمال، وأن تكون في طريق المرضى.
والعشق هو أن تصبح ضائعا عن نفسك ولا قرار لك.

الحُجَّة

الحُجَّة: ما دلَّ به على صحة الدعوى وهي بيِّنة عادلةٌ أو إقرار أو نكولٌ عن يمين أو يمينٌ أو قسامةٌ أو علم القاضي بعد توليته أو قرنيةٌ قاطعة كذا في "الأشباه".

الرب

الرَّبُّ: هو المالك أصله التربية وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام. والربُّ مطلقاً لا يطلق إلى على الله سبحانه وتعالى، وعلى غيره بالإضافة نحو ربِّ الدار.
الرب
التحقيق اللغوي
مادة كلمة (الرب) : الراء والباء المضعَّفة
قال ابن فارس في (مقاييس اللغة) 2/381: - 382 مادة (رب) : "الراء والياء يدل على أصول، فالأول: إصلاح الشيء والقيام عليه، فالرب: المالك، والخالق، والصاحب، والرب: المصلح للشيء..
والأصل الآخر: لزوم الشيء والإقامة عليه، وهو مناسب للأصل الأول..،
والأصل الثالث: ضم الشيء للشيء وهو أيضاً مناسب لما قبله: ومتى أنعم النظر كان الباب كله قياساً واحداً.." اهـ، ومعناها الأصلي الأساسي: التربية، ثم تتشعب عنه معاني التصرف والتعهد والاستصلاح والإتمام والتكميل، ومن ذلك كله تنشأ في الكلمة معاني العلو والرئاسة والتملك والسيادة. ودونك أمثلة لاستعمال الكلمة في لغة العرب بتلك المعاني المختلفة: (1)
(1) التربية والتنشئة والإنماء:
يقولون (ربَّ الولد) أي ربّاه حتى أدرك فـ (الرّبيب) هو الصبي الذي تربيه و (الربيبة) الصبية. وكذلك تطلق الكلمتان على الطفل الذي يربى في بيت زوج أمه و (الربيبة) أيضاً الحاضنة ويقال (الرّابة) لامرأة الأب غير الأم، فإنها وإن لم تكن أم الولد، تقوم بتربيته وتنشئته. و (الراب) كذلك زوج الأم. (المربب) أو (المربى) هو الدواء الذي يختزن ويدّخر. و (رَبَّ يُربُّ ربَّاً) من باب نصر معناه الإضافة والزيادة والإتمام، فيقولون (ربَّ النعمة) : أي زاد في الإحسان وأمعن فيه.
(2) الجمع والحشد والتهيئة:
يقولون: (فلان يرب الناس) أي يجمعهم أو يجتمع عليه الناس، ويسمون مكان جمعهم (بالمرّبّ) و (التربُّب) هو الانضمام والتجمّع.
(3) التعهد والاستصلاح والرعاية والكفالة:
يقولون (رب ضيعة) أي تعهدّها وراقب أمرها. قال صفوان بن أمية لأبي سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن، أي يكفلني ويجعلني تحت رعايته وعنايته. وقال علقمة بن عبدة:
وكنت امرءاً أفضت إليك ربابتي ... ... وقبلك ربتني فضيعت ربوب (2)
أي انتهى إليك الآن أمر ربابتي وكفالتي بعد أن رباني قبلك ربوب فلم يتعهدوني ولم يصلحوا شأني. ويقول الفرزدق:
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت ... ... سلاءها في أديم غير مربوب (3) أي الأديم الذي لم يليّن ولم يدبغ. ويقال (فلان يربب صنعته عند فلان) أي يشتغل عنده بصناعته ويتمرن عليها ويكسب على يده المهارة فيها.
(4) العلاء والسيادة والرئاسة وتنفيذ الأمر والتصرف:
يقولون (قد ربّ فلان قومه) : أي ساسهم وجعلهم ينقادون له. و (ربيت القوم) أي حكمتهم وسدتهم، ويقول لبيد بن ربيعة:
وأهلكن يوماً رب كندة وابنه ... وربَّ معد بين خبث وعرعر (1)
والمراد برب كندة ههنا سيد كندة ورئيسهم. وفي هذا المعنى يقول النابغة الذبياني:
تخُبٌّ إلى لانعمان حتى تناله ... فدىً لك من ربٍ تليدي وطارفي (2)
(5) التملك:
قد جاء في الحديث أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً "أرب غنم أم رب ابل؟، أي أمالك غنم أنت أم مالك ابل؟ وفي هذا المعنى يقال لصاحب البيت (رب الدار) وصاحب الناقة: (رب الناقة) ومالك الضيعة: (رب الضيعة) وتأتي كلمة الرب بمعنى السيد أيضاً فتستعمل بمعنى ضد العبد أو الخادم.
هذا بيان ما يتشعب من كلمة (الرب) من المعاني. وقد أخطأوا لعمر الله حين حصروا هذه الكلمة في معنى المربي والمنشئ، ورددوا في تفسير (الربوبية) هذه الجملة (هو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام) . والحق أن ذلك إنما هو معنى واحد من معاني الكلمة المتعددة الواسعة. وبإنعام النظر في سعة هذه الكلمة واستعراض معانيها المتشعبة يتبين أن كلمة (الرب) مشتملة على جميع ما يأتي بيانه من المعاني:
المربي الكفيل بقضاء الحاجات، والقائم بأمر التربية والتنشئة.
الكفيل والرقيب، والمتكفل بالتعهد وإصلاح الحال.
السيد الرئيس الذي يكون في قومه كالقطب يجتمعون حوله. السيد المطاع، والرئيس وصاحب السلطة النافذ الحكم، والمعترف له بالعلاء والسيادة، والمالك لصلاحيات التصرف.
الملك والسيد.



استعمال كلمة (الرب) في القرآن
وقد جاءت كلمة (الرب) في القرآن بجميع ما ذكرناه آنفاً من معانيها. ففي بعض المواضع أريد بها معنى أو معنيان من تلك المعاني. وفي الأخرى أريد بها أكثر من ذلك. وفي الثالثة جاءت الكلمة مشتملة على المعاني الخمسة بأجمعها في آن واحد. وها نحن نبين ذلك بأمثلة من آي الذكر الحكيم.

بالمعنى الأول
(قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) (1) (يوسف: 23)

بالمعنى الثاني وباشتراك شيء من تصور المعنى الأول.
(فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين) (الشعراء: 77-80)
(وما بكم من نعمة فمن الله، ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون، ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) (النحل: 53-54)
(قل أغير الله أبغي رباً وهو ربُّ كل شيء) (الأنعام: 164)
(ربُّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً) (المزمل: 9)

بالمعنى الثالث (هو ربكم وإليه ترجعون) (هود: 34)
(ثم إلى ربكم مرجعكم) (الزمر: 7)
(قل يجمع بيننا ربنا) (سبأ: 26)
(وما من دابةً في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربّهم يُحشرون) (الأنعام: 38)
(ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون) (يس: 51)

بالمعنى الرابع وباشتراك بعض تصور المعنى الثالث.
(اتّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أرباباً من دون الله) (التوبة: 31)
(ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (آل عمران: 64)
والمراد بالأرباب في كلتا الآيتين الذين تتخذهم الأمم والطوائف هداتها ومرشديها على الإطلاق. فتذعن لأمرهم ونهيهم، وتتبع شرعهم وقانونهم، وتؤمن بما يحلون وما يحرمون بغير أن يكون قد أنزل الله تعالى به من سلطان، وتحسبهم فوق ذلك أحقاء بأن يأمروا وينهوا من عند أنفسهم.
(أما أحدكما فيسقي ربه خمراً) .. (وقال للذي ظنّ أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه) .. (فلما جاءه الرّسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ إنّ ربي بكيدهنّ عليم) (يوسف: 41، 42، 50)
قد كرر يوسف عليه السلام في خطابه لأهل مصر في هذه الآيات تسمية عزيز مصر بكلمة (ربهم) فذلك لأن أهل مصر بما كانوا يؤمنون بمكانته المركزية وبسلطته العليا، ويعتقدون أنه مالك الأمر والنهي، فقد كان هو ربهم في واقع الأمر، وبخلاف ذلك لم يُرد يوسف عليه السلام بكلمة (الرب) عندما تكلم بها بالنسبة لنفسه إلا الله تعالى فإنه لم يكن يعتقد فرعون، بل الله وحده المسيطر القاهر ومالك الأمر والنهي.

بالمعنى الخامس:
(فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ) (قريش: 3-4)
(سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون) (الصافات: 180)
(فسبحان الله ربِّ العرش عما يصفون) (الأنبياء: 22)
(قل من ربُّ السماوات السبع وربُّ العرش العظيم) (المؤمنون: 86) (رب السماوات والأرض وما بينهما وربُّ المشارق) (الصافات: 5)
(وأنه هو رب الشِّعرى) (النجم: 49)



تصورات الأمم الضالة في باب الربوبية
ومما تقدم من شواهد آيات القرآن، تتجلى معاني كلمة (الرب) كالشمس ليس دونهما غمام. فالآن يجمل بنا أن ننظر ماذا كانت تصورات الأمم الضالة في باب الربوبية، ولماذا جاء القرآن ينقضها ويرفضها، وما الذي يدعو إليه القرآن الكريم؟ ولعل من الأجدر بنا في هذا الصدد أن نتناول كل أمة من الأمم الضالة التي ذكرها القرآن منفصلة بعضها عن بعض، فنبحث في عقائدها وأفكارها حتى يستبين الأمر ويخلص من كل لبس أو إبهام.

قوم نوح عليه السلام
إن أقدم أمة في التاريخ يذكرها القرآن هي أمة نوح عليه السلام، ويتضح مما جاء فيه عن هؤلاء القوم أنهم لم يكونوا جاحدين بوجود الله تعالى، فقد روى القرآن نفسه قولهم الآتي في ردّهم على دعوة نوح عليه السلام:
(ما هذا إلا بشرٌ مثلكم يريدُ أن يتفضل عليكم، ولو شاء الله لأنزل ملائكة) ... (المؤمنون: 24)
وكذلك لم يكونوا يجحدون كون الله تعالى خالق هذا العالم، وبكونه رباً بالمعنى الأول والثاني، فإنه لما قال لهم نوح عليه السلام
(هو ربكم وإليه ترجعون) (هود: 34)
و (استغفروا ربكم إنه، كان غفاراً) و (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً والله أنبتكم من الأرض نباتاً) (نوح: 10، 15، 16، 17)
لم يقم أحد منهم يرد على نوح قوله ويقول: ليس الله بربنا، أوليس الله بخالق الأرض والسماء ولا بخالقنا نحن، أو ليس هو الذي يقوم بتدبير الأمر في السماوات والأرض.
ثم إنهم لم يكونوا جاحدين أن الله إلهٌ لهم. ولذلك دعاهم نوح عليه السلام بقوله: (ما لكم من إله غيره) فإن القوم لو كانوا كافرين بألوهية الله تعالى، إذاً لكانت دعوة نوح إياهم غير تلك الدعوة وكان قوله عليه السلام حينئذ من مثل "يا قوم! اتخذوا الله إلهاً) . فالسؤال الذي يخالج نفس الباحث في هذا المقام هو: أي شيء كان إذاً موضوع النزاع بينهم وبين نبيهم نوح عليه السلام. وإننا إذاً أرسلنا النظر لأجل ذلك في آيات القرآن وتتبعناها، تبين لنا أنه لم يكن موضوع النزاع بين الجانبين إلا أمرين اثنين: أولهما أن نوحاً عليه السلام كان يقول لقومه: إن الله الذي هو رب العالمين والذي تؤمنون بأنه هو الذي قد خلقكم وخلق هذا العالم جميعاً، وهو الذي يقضي حاجاتكم، هو في الحقيقة إلهكم الواحد الأحد ولا إله إلا هو، وليس لأحد من دونه أن يقضي لكم الحاجات ويكشف عنكم الضر ويسمع دعواكم ويغيثكم، ومن ثم يجب عليكم ألا تعبدوا إلا إياه ولا تخضعوا إلا له وحده.
(يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف: 59)
(ولكني رسولٌ من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي) (الأعراف: 61-62)
وكان قومه بخلاف ذلك مصرين على قولهم بأن الله هو رب العالمين دون ريب. إلا أن هناك آلهة أخرى لها أيضاً بعض الدخل في تدبير نظام هذا العالم، وتتعلق بهم حاجاتنا، فلا بد أن نؤمن بهم كذلك آلهة لنا مع الله:
(وقالوا لا تذرنُّ آلهتكم ولا تذرنّ وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) (نوح: 23) وثانيهما أن القوم لم يكونوا يؤمنون بربوبية الله تعالى إلا من حيث إنه خالقهم، جميعاً ومالك الأرض والسماوات، ومدبر أمر هذا العالم، ولم يكونوا يقولون بأنه وحده هو الحقيق – كذلك- بأن يكون له الحكم والسلطة القاهرة في أمور الأخلاق والاجتماع والمدنية والسياسة وسائر شؤون الحياة الإنسانية، وبأنه وحده أيضاً هادي السبيل وواضع الشرع ومالك الأمر والنهي، وبأنه وحده يجب كذلك أن يتبع. بل كانوا قد اتخذوا رؤساءهم وأحبارهم أرباباً من دون اله في جميع تلك الشؤون. وكان يدعوهم نوح عليه السلام – بخلاف ذلك إلى ألا يجعلوا الربوبية يتقسمها أرباب متفرقة بل عليهم أن يتخذوا الله تعالى وحده رباً بجميع ما تشتمل عليه كلمة (الرب) من المعاني وأن يتبعوه ويطيعوه فيما يبلغهم من أوامر الله تعالى وشيعته نائباً عنهن فكان يقول لهم:
(إني لكم رسولٌ أمين. فاتقوا الله واطيعون) (الشعراء: 107- 108)

عاد قوم هود
ويذكر القرآن بعد قوم نوح عاداً قوم هود عليه السلام. ومعلوم أن هذه الأمة أيضاً لم تكن جاحدة بوجود الله تعالى، وكذلك لم تكن تكفر بكونه إلهاً. بل كانت تؤمن بربوبية الله تعالى بالمعاني التي كان يؤمن بها قوم نوح عليه السلام. أما النزاع بينها وبين نبيها هود عله السلام فلم يكن إلا حول الأمرين الاثنين اللذين كان حولهما نزاع بين نوح عليه السلام وقومه يدل على ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية دلالة واضحة:
(وإلى عادٍ أخاهم هوداً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف: 65)
(قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا) (الأعراف: 70)
(قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكةً) ... (فصلت: 11)
(وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمرَ كل جبّارٍ عنيد) (هود: 59)

ثمود قوم صالح ويأتي بعد ذلك ثمود الذين كانوا أطغى الأمم وأعصاها بعد عاد وهذه الأمة أيضاً كان ضلالها كضلال قومي نوح وهود من حيث الأصل والمبدأ فما كانوا جاحدين بوجود الله تعالى ولا كافرين بكونه إلهاً ورباً للخلق أجمعين. وكذلك ما كانوا يستنكفون عن عبادته والخضوع بين يديه، بل الذي كانوا يجحدونه هو أن الله تعالى هو الإله الواحد، وأنه لا يستحق العبادة إلا هو، وأن الربوبية خاصة له دون غيره بجميع معانيها. فإنهم كانوا مصرين على إيمانهم بآلهة أخرى مع الله وعلى اعتقادهم أن أولئك يسمعون الدعاء، ويكشفون الضر ويقضون الحاجات، وكانوا يأبون إلا أن يتبعوا رؤساءهم وأحبارهم في حياتهم الخلقية والمدنية، ويستمدوا منهم بدلاً من الله تعالى شرعهم وقانون حياتهم. وهذا هو الذي أفضى بهم في آخر الأمر إلى أن يصبحوا أمة مفسدة، فأخذهم من الله عذاب أليم ويبين كل ذلك ما يأتي من آيات القرآن الحكيم.
(فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون) (حم: السجدة 13-14)
(وإلى ثمود أخاهم صالحاً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (هود: 61)
(قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا)
(إذ قال لهم أخوهم صالحٌ ألا تتقون. إني لكم رسولٌ أمين. فاتقوا الله وأطيعون) (الشعراء: 151-144)
(ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) (الشعراء: 151-152)

قوم إبراهيم ونمورد ويتلو ثمود قوم إبراهيم عليه السلام. ومما يجعل أمر هذه الأمة أخطر وأجدر بالبحث، أن قد شاع خطأ بين الناس عن ملكها نمرود، أنه كان يكفر بالله تعالى ويدعي الألوهية. والحق أنه كان يؤمن بوجود الله تعالى ويعتقد بأنه خالق هذا العالم ومدبر أمره، ولم يكن يدعي الربوبية إلا بالمعنى الثالث والرابع والخامس. وكذلك قد فشا بين الناس خطأ أن قوم إبراهيم عليه السلام هؤلاء ما كانوا يعرفون الله ولا يؤمنون بألوهيته وربوبيته. إنما الواقع أن أمر هؤلاء القوم لم يكن يختلف في شيء عن أمر قوم نوح وعاد وثمود. فقد كانوا يؤمنون بالله ويعرفون أنه هو الرب وخالق الأرض والسماوات ومدبر أمر هذا العالم، وما كانوا يستنكفون عن عبادته كذلك. وأما غيّهم وضلالهم فهو أنهم كانوا يعتقدون أن الأجرام الفلكية شريكة مع الله في الربوبية بالمعنى الأول والثاني ولذلك كانوا يشركونها بالله تعالى في الألوهية. وأما الربوبية بالمعنى الثالث والرابع والخامس فكانوا قد جعلوها خاصة لملوكهم وجبابرتهم. وقد جاءت نصوص القرآن في ذلك من الوضوح والجلاء بحيث يتعجب المرء: كيف لم يدرك الناس هذه الحقيقة وقصروا عن فهمها؟. وهيا بنا ننظر قبل كل شيء في الحادث الذي حدث لإبراهيم – عليه السلام- عند أول ما بلغ الرشد؛ والذي يصف فيه القرآن كيفية سعي إبراهيم وراء الوصول إلى الحق:
(فلما جن عليه الليل رأى كوكباً، قال هذا ربي؛ فلما أفل، قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغاً، قال هذا ربي، فلما أفلَ قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة، قال هذا ربي، هذا أكبر؛ فلما أفلت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون. إني وجهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) (الأنعام: 76-79)
فيتبين واضحاً من الآيات المخطوط تحتها أن المجتمع الذي نشأ فيه إبراهيم عليه السلام، كان يوجد عنده تصور فاطر السماوات والأرض وتصوُّر كونه رباً منفصلاً عن تصوّر ربوبية السيارات السماوية. ولا عجب في ذلك، فقد كان القوم من ذرية المسلمين الذين كانوا قد آمنوا بنوح عليه السلام، وكان الدين الإسلامي لم يزل يحيا وُيجدد فيمن داناهم في القرب والقرابة من أمم عاد وثمود، على أيدي الرسل الكرام الذين توالوا عليها كما قال عزّ وجل: (جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) . فعلى ذلك كان إبراهيم عليه السلام أخذ تصور كون الله رباً وفاطراً للسماوات والأرض عن بيئته التي نشأ فيها. وأما التساؤل الذي كان يخالج نفسه فهو عن مبلغ الحق والصحة فيما شاع بين قومه من تصوّر كون الشمس والقمر والسيارات الأخرى شريكة مع الله في نظام الربوبية حتى أشركوها بالله تعالى في العبادة (1) .فجدّ إبراهيم عليه السلام في البحث عن جوابه قبل أن يصطفيه الله تعالى للنبوة، حتى أصبح نظام طلوع السيارات السماوية وأفولها هادياً له إلى الحق الواقع وهو أنه لا رب إلا فاطر السماوات والأرض. ولأجل ذلك تراه يقول عند أفول القمر: لئن لم يهدني ربي لأخافنَّ أن أبقى عاجزاً عن الوصول إلى الحق وانخدع بهذه المظاهر التي لا يزال ينخدع بها ملايين من الناس من حولي. ثم لما اصطفاه الله تعالى لمنصب النبوة
أخذ في دعوة قومه إلى الله، فإنك ترى بالتأمل في الكلمات التي كان يعرض بها دعوته على قومه أن ما قلناه آنفاً يزداد وضوحاً وتبياناً:
(وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً) (الأنعام – 81)
(وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) (مريم – 48)
(قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهنّ) (الأنبياء – 56)
(قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم) (الأنبياء – 66)
(إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون. أأفكاً آلهةً دون الله تريدون. فما ظنّكم بربِّ العالمين) (الصافات: 85- 87)
(إنّا بُرآءُ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) (الممتحنة: 4)
فيتجلى من جميع الأقوال لإبراهيم عليه السلام أنه ما كان يخاطب بها قوماً لا يعرفون الله تعالى ويجحدون بكونه إله الناس ورب العالمين أو أذهانهم خالية من كل ذلك، بل كان بين يديه قوم يشركون بالله تعالى آلهة أخرى في الربوبية بمعناها الأول والثاني وفي الألوهية. ولذلك لا ترى في القرآن الكريم قولاً واحداً لإبراهيم عليه السلام قد قصد به إقناع أمته بوجود الله تعالى وبكونه إلهاً ورباً للعالمين، بل الذي تراه يدعو أمته إليه في كل ما يقول هو أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الرب والإله.
ثم لنستعرض أمر نمرود. فالذي جرى بينه وبين إبراهيم عليه السلام من الحوار، قصه القرآن في ما يأتي من الآيات:
(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر) (البقرة – 258)
أنه ليتضح جلياً من هذا الحوار بين النبي وبين نمرود أنه لم يكن النزاع بينهما في وجود الله تعالى أو عدمه وإنما كان في أنه من ذا يعتقده إبراهيم عليه السلام رباً؟ كان نمرود من أمة كانت تؤمن بوجود لله تعالى، ثم لم يكن مصاباً بالجنون واختلال العقل حتى يقول هذا القول السخيف البين الحمق: "إني فاطر السماوات والأرض ومدبر سير الشمس والقمر" فالحق أنه لم تكن دعواه أنه هو الله ورب السماوات والأرض وغنما كانت أنه رب المملكة التي كان إبراهيم –عليه السلام- أحد أفراد رعيتها. ثم أنه لم يكن يدعي الربوبية لتلك المملكة بمعناها الأول والثاني، فإنه كان يعتقد بربوبية الشمس والقمر وسائر السيارات بهذين المعنيين، بل كان يدعي الربوبية لمملكته بالمعنى الثالث والرابع والخامس. وبعبارة أخرى كانت دعواه أنه مالك تلك المملكة، وأن جميع أهاليها عبيد له، وأن سلطته المركزية أساس لاجتماعهم، وأمره قانون حياتهم. وتدل كلمات (أن آتاه الله الملك) دلالة صريحة على أن دعواه للربوبية كان أساسها التبجح بالملكية. فلما بلغه أن قد ظهر بين رعيته رجل يقال له إبراهيم، لا يقول بربوبية الشمس والقمر ولا السيارات الأخرى في دائرة ما فوق الطبيعة، ولا هو يؤمن بربوبية صاحب العرش في دائرة السياسة والمدنية، استغرب الأمر جداً فدعا إبراهيم عليه السلام فسأله: من ذا الذي تعتقده رباً؟ فقال إبراهيم عليه السلام بادئ ذي بدء: "ربي الذي يحيي ويميت يقدر على إماتة الناس وإحيائهم! " فلم يدرك نمرود غور الأمر فحاول أن يبرهن على ربوبيته بقوله: "وأنا أيضاً أملك الموت والحياة، فأقتل من أشاء وأحقن دم من أريد! .." هنالك بين له إبراهيم عليه السلام أنه لا رب عنده إلا الله الذي لا رب سواه بجميع معاني الكلمة، وأنى يكون لأحد غيره شرك في الربوبية وهو لا سلطان له على الشمس في طلوعها وغروبها؟! وكان نمرود رجلاً فطناً، فما أن سمع من إبراهيم عليه السلام هذا الدليل القاطع
حتى تجلت له الحقيقة، وتفطن لأن دعواه للربوبية في ملكوت الله تعالى بين السموات والأرض إن هي إلا زعم باطل وادعاء فارغ فبهت ولم ينبس ببنت شفة. إلا انه قد كان بلغ منه حب الذات واتباع هوى النفس وإيثار مصالح العشيرة، مبلغاً لم يسمح له بأن ينزل عن ملكيته المستبدة ويئوب إلى طاعة الله ورسوله، مع أنه قد تبين له الحق والرشد. فعلى ذلك قد أعقب الله تعالى هذا الحوار بين النبي ونمرود بقوله: (والله لا يهدي القوم الظالمين) والمراد أن نمرود لما لم يرض أن يتخذ الطريق الذي كان ينبغي له أن يتخذه بعدما تبين له الحق، بل آثر أن يظلم الخلق ويظلم نفسه معهم، بالإصرار على ملكيته المستبدة الغاشمة لم يؤته الله تعالى نوراً من هدايته، ولم يكن من سنة الله أن يهدي إلى سبيل الرشد من كان لا يطلب الهداية من تلقاء نفسه.

قوم لوط عليه السلام
ويعقب قوم إبراهيم في القرآن قوم لوط، الذين بعث لهدايتهم وإصلاح فسادهم لوط بن أخي إبراهيم عليهما السلام -. ويدلنا القرآن الكريم أن هؤلاء أيضاً ما كانوا متنكرين لوجود الله تعالى ولا كانوا يجحدون بأنه هو الخالق والرب بالمعنى الأول والثاني. أما الذي كانوا يأبونه ولا يقبلونه فهو الاعتقاد بأن الله هو الرب المعنى الثالث والرابع والخامس، والإذعان لسلطة النبي من حيث كونه نائباً من عند الله أميناً. ذلك بأنهم كانوا يبتغون أن يكونوا أحراراً مطلقي الحرية يتبعون ما يشاؤون من أهوائهم ورغباتهم وتلك كانت جريمتهم الكبيرة التي ذاقوا من جرائها أليم العذاب. ويؤيد ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية:
(إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسولٌ أمينٌ. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر إنْ أجري إلا على رب العالمين. أتأتون الذُّكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون) (الشعراء: 161 – 166) وبديهي أن مثل هذا القول لم يكن ليخاطب به إلا قوم لا يجدون بوجود الله تعالى وبكونه خالقاً ورباً لهذا العالم؟ فأنت ترى أنهم لا يجيبون لوطاً عليه السلام بقول من مثل: "ما الله؟ " من أين له أن يكون خالقاً للعالم؟ " أو "أنى له أن يكون ربنا ورب الخلق أجمعين؟ " بل تراهم يقولون:
(لئن لم تنته يا لوط لتكوننّ من المخرجين) (الشعراء: 167)
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الحديث في موضع آخر بالكلمات الآتية:
(ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) (العنكبوت: 28-29)
أفيجوز أن يكون هذا جواب قوم ينكرون وجود الله تعالى؟. لا والله ومن ذلك يتبين أن جريمتهم الحقيقية لم تكن إنكار ألوهية الله تعالى وربوبيته، بل كانت جريمتهم أنهم على إيمانهم بالله تعالى إلهاً ورباً فيما فوق العالم الطبيعي، كانوا يأبون أن يطيعوه ويتبعوا قانونه في شؤونه الخلقية والمدنية والاجتماعية، يمتنعون من أن يهتدوا بهدي نبيه لوط عليه السلام.

قوم شعيب عليه السلام ولنذكر في الكتاب بعد ذلك أهل مدين وأصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب عليه السلام. ومما نعرف عن أمرهم أنهم كانوا من ذرية إبراهيم عليه السلام. إذن لا حاجة إلى أن نبحث فيهم: هل كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى وبكونه إلهاً ورباً أم لا؟ إنهم كانوا في حقيقة الأمر أمة نشأت على الإسلام في بداية أمرها، ثم أخذت بالفساد بما أصاب عقائدها من الانحلال وأعمالها من السوء. ويبدو مما جاء عنهم في القرآن كأن القوم كانوا بعد ذلك كله يدّعون لأنفسهم الإيمان، فإنك ترى شعيباً عليه السلام يكرر لهم القول: يا قوم اعملوا كذا وكذا إن كنتم مؤمنين وفي خطاب شعيب عليه السلام لقومه وأجوبة القوم له دلالة واضحة على أنهم كانوا قوماً يؤمنون بالله وينزلونه منزلة الرب والمعبود. ولكنهم كانوا قد تورطوا في نوعين من الضلال: أحدهما أنهم كانوا أصبحوا يعتقدون الألوهية والربوبية في آلهة أخرى مع الله تعالى، فلم تعد عبادتهم خالصة لوجه الله، والآخر أنهم كانوا يعتقدون أن ربوبية الله لا مدخل لها في شؤون الحياة الإنسانية من الأخلاق والاجتماع والاقتصاد والمدنية والسياسة، وعلى ذلك كانوا يزعمون أنهم مطلقوا العنان في حياتهم المدنية ولم أن يتصرفوا في شؤونهم كيف يشاؤون، ويصدق ذلك ما يأتي من الآيات:
(وإلى مدين أخاهم شعيباً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينةٌ من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين) (الأعراف: 85)
(وإنْ كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلتُ به وطائفةٌ لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خيرُ الحاكمين) (الأعراف: 87) (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ. قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاءُ إنكَ لأنت الحليم الرشيد) (هود: 85-87)
والعبارات الأخيرة المخطوط تحتها خصوصية الدلالة على ضلالهم الحقيقي في باب الربوبية والألوهية.

فرعون وآله
وهيا بنا ننظر الآن في قصة فرعون وآله، فمن قد شاع عنهم في الناس من الأخطاء والأكاذيب أكثر مما شاع فيهم عن نمرود وقومه. فالظن الشائع أن فرعون لم يكن منكراً لوجود الله تعالى فحسب، بل كان يدعي الألوهية لنفسه أيضاً. ومعناه أن قد بلغت منه السفاهة أنه كان يجاهر على رؤوس الناس بدعوى أنه فاطر السماوات والأرض، وكانت أمته من البله والحماقة أنها كانت تؤمن بدعواه تلك. والحق الواقع الذي يشهد به القرآن والتاريخ هو أن فرعون لم يكن يختلف ضلاله في باب الألوهية والربوبية عن ضلال نمرود، ولا كان يختلف ضلال آله عن ضلال قوم نمرود. وإنما الفرق بين هؤلاء وأولئك أنه قد كان نشأ في آل فرعون لبعض الأسباب السياسية عناد وتعصب وطني شديد على بني إسرائيل، فكانوا لمجرد هذا العناد يمتنعون من الإيمان بألوهية الله وربوبيته، وإن كانت قلوبهم تعترف بها شأن أكثر الملحدين الماديين في عصرنا هذا.
وبيان هذا الإجمال أنه لما استتبت ليوسف عليه السلام السلطة على مصر، استفرغ جهده في نشر الإسلام وتعاليمه بينهم. ورسم على أرضه من ذلك أثراً محكماً لم يقدر على محوه أحد إلى القرون. وأهل مصر وإن لم يكونوا إذ ذاك قد آمنوا بدين الله عن بكرة أبيهم، إلا أنه لا يمكن أن يكون قد بقي فيهم من لم يعرف وجود الله تعالى ولم يعلم أنه هو فاطر السماوات والأرض. وليس الأمر يقف عند هذا بل الحق أن كان تم للتعاليم الإسلامية من النفوذ والتأثير في كل مصري ما جعله – على الأقل – يعتقد بأن الله إله الآلهة رب الأرباب فيما فوق العالم الطبيعي ولم يبق في تلك الأرض من يكفر بألوهية الله تعالى. وأما الذين كانوا قد أقاموا على الكفر، فكانوا يجعلون مع الله شركاء في الألوهية والربوبية. وكانت تأثيرات الإسلام المختلفة هذه في نفوس أهل مصر باقية إلى الزمن الذي بعث فيه موسى عليه السلام (1) . والدليل على ذلك تلك الخطبة التي ألقاها أمير من الأقباط في مجلس فرعون. وذلك أن
فرعون حينما أبدى إرادته في قتل موسى عليه السلام، لم يصبر عليه هذا الأمير القبطي من أمراء مجلسه، وكان قد أسلم وأخفى إسلامه، ولم يلبث أن قام يخطب:
(أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرفٌ كذاب. يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا) .
(يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل داب قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والذين من بعدهم) .
(ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً) .. (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. تدعونني لكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار) . (غافر – 28 – 31 – 34 – 41- 42)
وتشهد هذه الخطبة من أولها إلى آخرها بأنه لم يزل أثر شخصية النبي يوسف عليه السلام باقياً في نفوس القوم إلى ذلك الحين، وقد مضت على عهده قرون متعددة. وبفضل ما علمهم هذا النبي الجليل، لم يكونوا قد بلغوا من الجهالة ألا يعلموا شيئاً عن وجود الله تعالى، أو ألا يعرفوا أنه الرب والإله، وأن سيطرته وسلطته غالبة على قوى الطبية في هذا العالم، وأن غضبه مما يخاف ويتقى. ويتضح أيضاً من آخر هذه الخطبة أن أمة فرعون لم تكن تجحد بألوهية الله وربوبيته جحوداً باتاً، وإنما كان ضلالها كضلال الأمم الأخرى مما ذكرناه آنفاً – أي كانت هذه الأمة أيضاً تشرك بالله تعالى في صفتي الألوهية والربوبية وتجعل له فيهما أنداداً.
أما مثار الشبهة في أمر فرعون فهو سؤاله لموسى عليه السلام (وما رب العالمين) حينما سمع منه: (إنا رسول رب العالمين!) ثم قوله لصاحبه هامان: (ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) ووعيده لموسى عليه السلام: (لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين) ، وإعلانه لقومه: (أنا ربكم الأعلى) وقوله لملئه: (لا أعلم لكم من إله غيري) . – فمثل هذه الكلمات التي قالها فرعون قد خيلت إلى الناس أنه كان ينكر وجود الله تعالى وكان فارغ الذهن من تصور رب العالمين، ويزعم لنفسه أنه الإله الواحد، ولكن الواقع الحق أنه لم يكن يدعي ذلك كله إلا بدافع من العصبية الوطنية. وذلك أنه لم يكن الأمر في زمن النبي يوسف عليه السلام قد وقف على أن شاعت تعاليم الإسلام في ربوع مصر بفضل شخصيته القوية الجليلة، بل جاوز ذلك إلى أن تمكن لبني إسرائيل نفوذ بالغ في الأرض مصر تبعاً لما تهيأ ليوسف عليه السلام من السلطة والكلمة النافذة في حكومة مصر. فبقيت سلطة بني إسرائيل مخيمة على القطر المصري إلى ثلاثمائة سنة أو أربعمائة. ثم أخذ يخالج صدور المصريين من العواطف الوطنية والقومية ما جعلهم يتعصبون على بني إسرائيل، واشتد الأمر حتى الغوا سلطة الإسرائيليين ونفوذهم إلغاء. فتولى الأمر بعدهم الأسر المصرية الوطنية وتتابعت في الحكم. وهؤلاء الملوك الجدد لما أمسكوا زمام الأمر لم يقتصروا على إخضاع بني إسرائيل وكسر شوكتهم، بل تعدوه إلى أن حاولوا محو كل أثر من آثار العهد اليوسفي في مصر وإحياء تقاليد ديانتهم الجاهلية. فلما بعث إليهم في تلك الآونة موسى عليه السلام، خافوا على غلبتهم وسلطتهم أن تنتقل من أيديهم إلى أيدي بني إسرائيل مرة أخرى. فلم يكن يبعث فرعون إلا هذا العناد واللجاج على أن يسأل موسى عليه السلام ساخطاً متبرماً: وما رب العالمين؟ ومن يمكن أن يكون إلهاً غيري؟ وهو في الحقيقة لم يكن جاهلاً وجود رب العالمين. وتتضح هذه
الحقيقة كأوضح ما يكون مما جاء في القرآن الكريم من أحاديثه وأحاديث ملئه وخطب موسى عليه السلام. فيقول فرعون – مثلا – تأكيداً لقوله إن موسى عليه السلام ليس برسول الله.
(فلولا ألقي عليه أسورةٌ من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) (الزخرف: 53)
أفكان لرجل فارغ الذهن من وجود الله تعالى والملائكة أن يقول هذا القول وفي موضع آخر يقص القرآن الحوار الآتي بين فرعون وبين النبي موسى عليه السلام:
(فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً. قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مبثوراً) (بني إسرائيل: 101-102)
وفي محل آخر يظهر الله تعالى ما في صدور قوم فرعون بقوله:
(فلما جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ وجحدوا واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) (النمل: 13-14)
ويصور لنا القرآن نادياً آخر جمع موسى عليه السلام وآل فرعون بهذه الآية:
(قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذابٍ وقد خاب من افترى. فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما بطريقتكم المثلى) (طه: 61-63)
والظاهر أنه لم يكن قام النزاع ونشأ الأخذ والرد بينهم وبين نبيهم موسى عليه السلام حين أنذرهم عذاب الله ونبههم على سوء مآل ما كانوا يفترون، إلا لأنهم قد كان في قلوبهم ولاشك بقية من أثر عظمة الله تعالى وجلاله وهيبته ولكن حاكمهم الوطنيين لما أنذروهم بخطر الانقلاب السياسي العظيم، وحذروهم عاقبة اتباعهم لموسى وهارون، وهي عودة غلبة الإسرائيليين على أبناء مصر، قست قلوبهم واتفقوا جميعاً على مقاومة النبيين. وبعد ما قد تبين لنا من هذه الحقيقة، من السهل علينا أن نبحث: ماذا كان مثار النزاع بين موسى عليه السلام وفرعون، وماذا كانت حقيقة ضلاله وضلال قومهن وبأي معاني كلمة (الرب) كان فرعون يدعي لنفسه الألوهية والربوبية. فتعال نتأمل لهذا الغرض ما يأتي من الآيات بالتدريج.
1- إن الذين كانوا يلحون من ملأ فرعون على حسم دعوة موسى عليه الصلاة والسلام واستئصالها من أرض مصر، يخاطبون فرعون لبعض المناسبات ويسألونه:
(أتذرُ موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذركم وآلهتكَ) (الأعراف: 127)
وبخلاف ذلك يناديهم الذي كان قد آمن بموسى عليه السلام:
(تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ) (المؤمن: 42)
فإذا نظرنا في هاتين الآيتين وأضفنا إليهما ما قد زودنا به التاريخ وآثار الأمم القديمة أخيراً من المعلومات عن أهالي مصر زمن فرعون، يتجلى لنا أن كلاً من فرعون وآله كانوا يشركون بالله تعالى في المعنى الأول والثاني لكلمة (الرب) ويجعلون معه شركاء من الأصنام ويعبدونها. والظاهر أن فرعون لو كان يدعي لنفسه الربوبية فيما فوق العالم الطبيعي، أي لو كان يدعي أنه هو الغالب المتصرف في نظام الأسباب في هذا العالم، وأنه لا إله ولا رب غيره في السماوات والأرض، ولم يعبد الآلهة الأخرى أبداً (1)
(2) أما كلمات فرعون هذه التي قد وردت في القرآن:
(يا أيها الملأ ما علمتُ لكم من إله غيري) (القصص: 38)
(لئن اتّخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين) (الشعراء: 29)
فليس المراد بذلك أن فرعون كان ينفي جميع ما سواه من الآلهة. وإنما كان غرضه الحقيقي من ذلك رد دعوة موسى عليها لسلام وإبطالها. ولما كان موسى عليه السلام – يدعو إلى إله لا تنحصر ربوبيته في دائرة ما فوق الطبيعة فحسب، بل هو كذلك مالك الأمر والنهي، وذو القوة والسلطة القاهرة بالمعاني السياسية والمدنية، قال فرعون لقومه: يا قوم لا أعلم لكم مثل ذلك الإله غيري، وتهدد موسى عليه السلام، أنه إن اتخذ من دونه إلهاً ليلقينّه في السجن.
ومما يعلم كذلك من هذه الآيات، وتؤيده شواهد التاريخ وآثار الأمم القديمة، أن فراعنة مصر لم يكونوا يدعون لأنفسهم مجرد الحاكمية المطلقة، بل كانوا يدعون كذلك نوعاً من القداسة والتنزه بانتسابهم إلى الآلهة والأصنام، حرصاً منهم على أن يتغلغل نفوذهم في نفوس الرعية ويستحكم استيلاؤهم على أرواحهم. ولم تكن الفراعنة منفردة بهذا الادعاء، بل الحق أن الأسر الملكية ما زالت في أكثر أقطار العالم تحاول الشركة – قليلاً أو كثيراً – في الألوهية والربوبية في دائرة ما فوق الطبيعة، علاوة على ما كانت تتولاه من الحاكمية السياسية، وما زالت لأجل ذلك تفرض على الرعية أن تقوم بين يديها بشيء من شعائر العبودية، على أن دعواهم تلك للألوهية السماوية لم تكن هي المقصودة بذاتها في الحقيقة، وإنما كانوا يتذرعون بها إلى تأثيل حاكميتهم السياسية. ومن ذلك نرى أنه ما زالت الأسر الملكية في مصر وغيرها من الأقطار الجاهلية تذهب ألوهيتها بذهاب سلطانها السياسي، وقد بقيت الألوهية تتبع العرش في تنقله من أيد إلى أخرى. (3) ولم تكن دعوى فرعون الأصلية الغالبة المتصرفة في نظام السنن الطبيعية، بل بالألوهية السياسية! فكان يزعم أنه الرب الأعلى لأرض مصر ومن فيها بالمعنى الثالث والرابع والخامس لكلمة (الرَّب) ويقول إني أنا مالك القطر المصري وما فيه من الغنى والثروة وأنا الحقيق بالحاكمية المطلقة فيه، وشخصيتي المركزية هي الأساس لمدينة مصر واجتماعها، وإذن لا يجرينَّ فيها إلاّ شريعتي وقانوني. وكان أساس دعوى فرعون بعبارة القرآن:
(ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) (الزخرف – 51)
وهذا الأساس نفسه هو الذي كانت تقوم عليه دعوى نمرود للربوبية.
و (حاجَّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك) (البقرة: 258)
وهو كذلك الأساس الذي رفع عليه فرعون المعاصر ليوسف عليه السلام بنيان ربوبيته على أهل مملكته.
(4) أمّا دعوة موسى عليه السلام التي كانت سبب النزاع بينه وبين فرعون وآله، فهي في الحقيقة أنه لا إله ولا ربَّ بجميع معاني كلمة (الرب) إلا الله رب العالمين، وهو وحده الإله والرّب فيما فوق العالم الطبيعي، كما أنه هو الإله والرب بالمعاني السياسية والاجتماعية، لأجل ذلك يجب ألا نخلص العبادة إلا له، ولا نتبع في شؤون الحياة المختلفة إلا شرعه وقانونه، وانه – أي موسى عليه السلام – قد بعثه الله تعالى بالآيات البينات وسيُنزل الله تعالى أمره ونهيه لعباده بما يوحي إليه؛ لذلك يجب أن تكون أزمّة أمور عباده بيده، لا بيد فرعون. ومن هنا كان فرعون ورؤساء حكومته يُعلون أصواتهم المرّة بعد المرّة بأن موسى وهارون – عليهما السلام – قد جاءا يسلبان أرض مصر. وأرادا أن يذهبا بنظمنا الدينية والمدنية ليستبدلا بها ما يشاءان من النظم والقواعد.
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين. إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد) (هود: 96-97) (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسولٌ كريم. أن أدُّوا إليَّ عبادَ الله إني لكم رسول أمين. وان لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين) (الدخان: 17-19)
(إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول فأذناه أخذاً وبيلاً) (المزملَّ: 15-16)
(قال فمن ربكما يا موسى. قال ربّنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى) (طه: 49-50)
(قال فرعون وما رب العالمين. قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين. قال لمنّ حوله ألا تستمعون. قال ربكم ورب آبائكم الأولين. قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين) (الشعراء: 23-29)
(قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) (طه: 57)
(وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربّه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) (غافر: 26)
(قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) ... (طه – 63)
وبإنعام النظر في هذه الآيات بالتدريج الذي قد سردناها به، يتجلى أن الضلال الذي تعاقبت فيه الأمم المختلفة من أقدم العصور، كان هو عينه قد غشت وادي النيل ظلماته، وأن الدعوة التي قام بها جميع الأنبياء منذ الأبد، كانت هي نفسها يدعو بها موسى وهارون عليهما السلام.

اليهود والنصارى وتطلع علينا بعد آل فرعون بنو إسرائيل والأمم الأخرى التي دانت باليهودية والنصرانية. وهؤلاء لا مجال للظن فيهم أن يكونوا منكرين لوجود إله العالم، أو يكونوا لا يعتقدون بألوهيته وربوبيّته فإن القرآن نفسه يشهد بكونهم أهل الكتاب. وأما السؤال الذي ينشأ في ذهن الباحث عن أمرهم فهو أنه ما هو على التحديد الخطأ في عقيدتهم ومنهج عملهم في باب الربوبية – الذي قد عدهم القرآن من أجله من القوم الضالين؟ والجواب المجمل على السؤال تجده في القرآن نفسه في آيته الكريمة:
(قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا من قبلُ وأضلوا كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل) (المائدة – 77)
فيعلم من هذه الآية أن ضلال اليهود والنصارى هو من حيث الأصل والأساس نفس الضلال الذي ارتطمت فيه الأمم المتقدمة، وتدلنا هذه الآية أيضاً أن ضلالهم هذا كان آتياً من غلوّهم في الدين. وها نحن نرى بعد ذلك كيف يفصل القرآن هذا الإجمال:
(وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) (التوبة: 30)
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم. وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) (المائدة – 72)
(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد) . (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) (المائدة: 73، 116)
(ما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. ولا يأمرَكم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) (آل عمران: 79-80) فكان ضلال أهل الكتاب حسب ما تجل عليه هذه الآيات: أولاً أنهم بالغوا في تعظيم النفوس المقدسة كالأنبياء والأولياء والملائكة التي تستحق التكريم والتعظيم لمكانتها الدينية، فرفعوها من مكانتها الحقيقية إلى مقام الألوهية وجعلوها شركاء مع الله ودخلاء في تدبير أمر هذا العالم، ثم عبدوها واستغاثوا بها واعتقدوا أن لها نصيباً في الألوهية والربوبية الميمنتين على ما فوق العالم الطبيعي، وزعموا أنها تملك لهم المغفرة والإعانة والحفظ. وثانياً أنهم:
(اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) (التوبة – 31)
أي أن الذين لم تكن وظيفتهم في الدين سوى أن يعلموا الناس أحكام الشريعة الإلهية، ويزكوهم حسب مرضاة الله، تدرج بهم هؤلاء حتى أنزلوهم بحيث يحلون لهم ما يشاؤون ويحرمون عليهم ما يشاؤون، ويأمرونهم وينهونهم حسب ما تشاء أهواؤهم بدون سند من كتاب الله، ويسنون لهم من السنن ما تشتهي أنفسهم. كذلك وقع هؤلاء في نفس النوعين من الضلال الأساسي الخطير اللذين قد وقع فيهما قبلهم أمم نوح وإبراهيم وعاد وثمود وأهل مدين وغيرهم من الأمم، فأشركوا بالله الملائكة وعبادة المقربين – كما أشرك أولئك – في الربوبية المهيمنة على ما فوق العالم الطبيعي، وجعلوا الربوبية بمعانيها السياسية والمدنية – كما جعل أولئك – للإنسان بدلاً من الله رب السماوات. وراحوا يستمدون مبادئ المدنية والاجتماع والأخلاق والسياسة وأحكامها جميعاً من بني آدم، مستغنيين في ذلك عن السلطان المنزل من عند الله تعالى. وأفضى بهم الغي إلى أن قال فيهم القرآن:
(ألم تر إلى الذين أتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) (النساء: 51)
(قل هل أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبة عند الله من لعنهُ الله وغضبَ عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. أولئك شرٌّ مكاناً وأضل عن سواء السبيل) (المائدة: 60) (الجبتُ) كلمة جامعة شاملة لجميع أنواع الأوهام والخرافات من السحر والتمائم والشعوذة والتكهّن واستكشاف الغيب والتشاؤم والتفاؤل والتأثيرات الخارجة عن القوانين الطبيعية. والمراد من (الطاغوت) كل فرد أو طائفة أو إدارة تبغي وتتمرد على الله، وتجاوز حدود العبودية وتدعي لنفسها الألوهية والربوبية. فلما وقعت اليهود والنصارى في ما تقدم ذكره من النوعين من الضلال، كانت نتيجة أولها أن أخذت جميع أنواع الأوهام مأخذها من قلوبهم وعقولهم، وأما الثاني فاستدرجهم من عبادة العلماء والمشايخ والصوفية والزهاد إلى عبادة الجبابرة وطاعة الظالمين الذين كانوا قد بغوا على الله علانية!

المشركون العرب
هذا ولنبحث الآن في المشركين العرب الذين بعث فيهم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، والذين كانوا أول من خاطبهم القرآن، من أي نوع كان ضلالهم في باب الألوهية والربوبية، هل كانوا يجهلون الله رب العالمين، أو كانوا ينكرون وجوده، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليبث في قلوبهم الإيمان بوجود الذات الإلهية! وهل كانوا لا يعتقدون الله عز وجل إلهاً للعالمين ورباً، فأنزل الله القرآن ليقنعهم بألوهيته وربوبيته؟ وهل كانوا يأبون عبادة الله والخضوع له؟ أو كانوا لا يعتقدونه سميع الدعاء وقاضي الحاجة؟ وهل كانوا يزعمون أن اللات والعزّى ومناة وهبل والآلهة الأخرى هي في الحقيقة فاطرة هذا الكون ومالكته والرازقة فيه والقائمة على تدبيره وإدارته؟ أو كانوا يؤمنون بأن آلهتهم تلك مرجع القانون ومصدر الهداية والإرشاد في شؤون المدنية والأخلاق؟ كل واحد من هذه الأسئلة إذا راجعنا فيه القرآن فإنه يجيب عليه بالنفي؛ ويبين لنا أن المشركين العرب لم يكونوا قائلين بوجود الله تعالى فحسب، بل كانوا يعتقدونه مع ذلك خالق هذا العالم كله – حتى آلهتهم – ومالكه وربه الأعلى، وكانوا يذعنون له بالألوهية والربوبية. وكان الله هو الجناب الأعلى الأرفع الذي كانوا يدعونه ويبتهلون إليه في مآل الأمر عندما يمسهم الضر أو تصيبهم المصائب، ثم كانوا لا يمتنعون عن عبادته والخضوع له، ولم تكن عقيدتهم في آلهتهم وأصنامهم أنها قد خلقتهم وخلقت هذا الكون، وترزقهم جميعاً، ولا أنها تهديهم وترشدهم في شؤون حياتهم الخلقية والمدنية، فالآيات الآتية تشهد بما تقول:
(قلن لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. سيقولن الله، قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيءٍ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل فأنى تسحرون، بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون) (المؤمنون: 84-90)
(هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصفٌ وجاءهم الموج من كل مكانٍ وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) (يونس: 22-23)
(وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً) (الإسراء: 67)
ويروي القرآن عقائدهم في آلهتهم بعبارتهم أنفسهم فيما يأتي:
(والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر: 3)
(ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (يونس: 18) ثم إنهم لم يكونوا يزعمون لآلهتهم شيئاً من مثل أنها تهديهم في شؤون حياتهم، فالله تعالى يأمر رسوله صلى الله لعيه وسلم في سورة يونس (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) الآية: 35 فيرميهم سؤاله هذا بالسكات، ولا يجيب أحد منهم عليه بنعم! عن اللات والعزى ومناة والآلهة الأخرى تهدينا سواء السبيل في العقيدة والعمل، وتعلمنا مبادئ العدالة والأمن والسلام في حياتنا الدنيا، وإننا نستمد من منبع علمها معرفة حقائق الكون الأساسية، فعند ذلك يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:
(قل الله يهدي للحق. أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون) (يونس: 35)
ويبقى بعد هذه النصوص القرآنية أن نطلب جواب هذا السؤال: ماذا كان ضلالهم الحقيقي في باب الربوبية الذي بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم نرده إلى الصواب، وأنزل كتابه المجيد ليخرجهم من ظلماته إلى نور الهداية؟ وإذا تأملنا القرآن للتحقيق في هذه المسألة، نقف في عقائدهم وأعمالهم كذلك على النوعين من الضلال اللذين مازالا يلازمان الأمم الضالة منذ القدم.
فكانوا بجانب يشركون بالله آلهة وأرباباً من دونه في الألوهية والربوبية فيما فوق الطبيعة، ويعتقدون بأن الملائكة والنفوس الإنسانية المقدسة والسيارات السماوية – كل أولئك دخيلة بوجه من الوجوه في صلاحيات الحكم القائم فوق نظام العلل والأسباب. ولذلك لم يكونوا يرجعون إلى الله تعالى وحده في الدعاء والاستعانة وأداء شعائر العبودية، بل كانوا يرجعون كذلك في تلك الأمور كلها إلى آلهتهم المصنوعة الملفقة. وكانوا بجانب آخر يكادون لا يتصورون في باب الربوبية المدنية والسياسية أن الله تعالى هو الرب بهذه المعاني أيضاً. فكانوا قد اتخذوا أئمتهم الدينيين ورؤساءهم وكبراء عشائرهم أرباباً بتلك المعاني، ومنهم كانوا يتلقون القوانين لحياتهم.
أما النوع الأول من ضلالهم فيشهد به القرآن فيما يلي من الآيات: (ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ فان أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير) (الحج: 11-13) ...
(ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في (1) ، سبحانه وتعالى عما يشركون) (يونس: 18)
(قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً) (حم السجدة: 9)
(قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً والله هو السميع العليم) (المائدة: 76)
(وإذا مسَّ الإنسان ضرٌ دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أنداداً (2) ليضل عنه سبيله) (الزمر: 8)
(وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسّكم الضرّ فإليه تجأرون. ثم إذا كشف الضرّ عنكم إذا فريقٌ منكم بربهم يشركون. ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون. ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً (3) مما رزقناهم، تالله لتسئلنّ عما كنتم تفترون) (النحل: 53 –56)
وأما الآخر فشهادة القرآن ما يأتي:
(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم) (الأنعام: 137)
ومن الظاهر أنه ليس المراد بـ (شركاء) في هذه الآية: الآلهة والأصنام، بل المراد بهم أولئك القادة والزعماء الذين زينوا للعرب قتل أولادهم وجعلوه في أعينهم مكرمة. فأدخلوا تلك البدعة الشنعاء على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. وظاهر كذلك أن أولئك الزعماء لم يكن القوم قد اتخذوهم شركاء من حيث كانوا يعتقدون أن لهم السلطان فوق نظام الأسباب في هذا العالم، أو كانوا يعبدونهم ويدعونهم، بل كانوا قد جعلوهم شركاء مع الله في الألوهية والربوبية من حيث كانوا يسلمون بحقهم في أن يشرعوا لهم ما يشاؤون من النظم والقوانين لشؤونهم المدنية والاجتماعية، وأمورهم الخلقية والدينية.
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى: 21)
وسيأتي تفصيل معاني كلمة (الدين) في موضعه من هذه الرسالة، وهناك سنتبين سعة معاني هذه الآية وشمولها. على أنه يتضح في هذا المقام أن ما كان يتولاه أولئك الزعماء والرؤساء من وضع الحدود والقواعد التي هي بمثابة الدين بغير إذن من الله تعالى، وأن اعتقاد العرب بكونها مما يجب اتباعه والعمل به، كان هو عينه شركة مع الله من أولئك في ألوهيته وربوبيته، وإيماناً من هؤلاء بشركتهم تلك!

دعوة القرآن: أن هذا البحث الذي قد خضنا غماره في الصفحات السابقة بصدد تصورات الأمم الضالة وعقائدها، ليكشف القناع عن حقيقة أن جميع الأمم التي قد وصمها القرآن بالظلم والضلال وفساد العقيدة من لدن أعرق العصور في القدم إلى زمن نزول القرآن، لم تكن منها جاحدة بوجود الله تعالى ولا كانت تنكر كون الله رباً وإلهاً بالإطلاق. بل كان ضلالها الأصلي المشترك بين جميعها أنها كانت قد قسمت المعاني الخمسة لكلمة (الرب) التي قد حددناها في بداية هذا الباب – مستشهدين باللغة والقرآن – قسمين متباينين:
فأما المعاني التي تدل على أن (الرب) هو الكفيل بتربية الخلق وتعهده وقضاء حاجته وحفظه ورعايته بالطرق الخارجة عن النظام الطبيعي، فكانت لها عندهم دلالة أخرى مختلفة، وهم وإن كانوا لا يعتقدون إلا الله تعالى ربهم الأعلى بموجبها، إلا أنهم كانوا يشركون به في الربوبية الملائكة والجن والقوى الغيبية والنجوم والسيارات والأنبياء والأولياء والأئمة الروحانيين.
وأما المعنى الذي يدل على أن (الرب) هو مالك الأمر والنهي وصاحب السلطة العليا، ومصدر الهداية والإرشاد، ومرجع القانون والتشريع، وحاكم الدولة والمملكة وقطب الاجتماع والمدنية، فكانت له عندهم دلالة أخرى متباينة: وبموجب هذا المفهوم كانوا إما يعتقدون أن النفوس الإنسانية وحدهم رباً من دون الله، وإما يستسلمون لربوبية تلك النفوس في شؤون الأخلاق والمدنية والسياسة مع كونهم يؤمنون إيماناً نظرياً بأن الله هو الرب، هذا هو الضلال الذي مازالت تبعث لحسمه الرسل عليهم اللام من لدن فجر التاريخ، ولأجل ذلك بعث الله أخيراً محمداً صلى الله عليه وسلم. وكانت دعوتهم جميعاً أن الرب بجميع معاني الكلمة واحد ليس غير، وهو الله تقدست أسماؤه. والربوبية ما كانت لتقبل التجزئة ولم يكن جزء من أجزائها ليرجع إلى أحد من دون الله بوجه من الوجوه، وأن نظام هذا الكون مرتبط بأصله ومركزه وثيق الارتباط، قد خلفه الله الواحد الأحد، ويحكمه الفرد الصمد، ويملك كل السلطة والصلاحيات فيه الإله الفذّ الموحد! فلا يد لأحد غير الله في خلق هذا النظام ولا شريك مع الله في إدارته وتدبيره ولا قسيم له في ملكوته. وبما أن الله تعالى هو مالك السلطة المركزية، فإنه هو وحده ربكم في دائرة ما فوق الطبيعة، وربكم في شؤون المدنية والسياسة والأخلاق، ومعبودكم ووجهة ركوعكم وسجودكم، ومرجع دعائكم وعماد توكلكم، والمتكفل بقضاء حاجاتكم، وكذلك هو الملك، ومالك الملك، وهو الشارع والمقنن، وهو الآمر والناهي. وكل هاتين الدلالتين للربوبية اللتين قد فصلتم إحداهما عن الأخرى لجاهليتكم، هي في حقيقة الأمر قوام الألوهية وعمادها وخاصة إلهية الإله. لذلك لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى، كما لا يجوز أن يشرك مع الله أحد من خلقه باعتبار أيهما. وأما الأسلوب الذي يدعو به القرآن دعوته هذه فها هو ذا بعبارته:
(إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل والنهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين) ... (الأعراف: 54)
(قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله، فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق، فما بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) ... (يونس: 31-32)
(خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) .. (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) (الزمر: 5،6)
(الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً)
(ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) … (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات، ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين. هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين) (غافر: 61، 62، 64، 65)
(والله خلقكم من تراب) … (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجل مسمى، ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم) (فاطر: 11 و 13-14)
(وله من في السماوات والأرض كل له قانتون) ..
(ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون. بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) ..
(فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون) (الروم: 26 و 28 – 29،30) (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عما يُشركون) (الزمر: 67)
(فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين. وله الكبرياءُ في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) (الجاثية: 36-37)
(رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) (مريم: 65)
(ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه) (هود: 123)
(رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) (المزمل: 9)
(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون) (الأنبياء: 92-93)
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) (الأعراف: 3)
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (آل عمران: 64)
(قل أعوذ برب الناس. ملك الناس. إله الناس) (الناس: 1-3)
(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) (الكهف:110)
فبقراءة هذه الآيات بالترتيب الذي سردناها به، يتبين للقارئ أن القرآن يجعل (الربوبية) مترادفة مع الحاكمية والملكية (Sovereignty) ويصف لنا (الرب) بأنه الحاكم المطلق لهذا الكون ومالكه وآمره الوحيد لا شريك له.
وبهذا الاعتبار هو ربنا ورب العالم بأجمعه ومريبنا وقاضي حاجاتنا.
وبهذا الاعتبار هو كفيلنا وحافظنا ووكلينا.
وطاعته بهذا الاعتبار هي الأساس الفطري الصحيح الذي يقوم عليه بنيان حياتنا الاجتماعية على الوجه الصحيح المرضي، والصلة بشخصيته المركزية تسلك شتى الأفراد والجماعات في نظام الأمة.
وبهذا الاعتبار هو حري بأن نعبده نحن وجميع خلائفه، ونطيعه ونقنت له.
وبهذا الاعتبار هو مالكنا ومالك كل شيء وسيدنا وحاكمنا. لقد كان العرب والشعوب الجاهلية في كل زمان اخطأوا - ولا يزالون يخطئون إلى هذا اليوم - بأنهم وزعوا هذا المفهوم الجامع الشامل للربوبية على خمسة أنواع من الربوبية، ثم ذهب بهم الظن والوهم أن تلك الأنواع المختلفة للربوبية قد ترجع إلى ذوات مختلفة ونفوس شتى، بل ذهبوا إلى أنها راجعة إليها بالفعل. فجاء القرآن فأثبت باستدلاله القوي المقنع أنه لا مجال أبداً في هذا النظام المركزي لأن يكون أمر من أمور الربوبية راجعاً - في قليل أو كثير- إلى غير من بيده السلطة العليا، وأن مركزية هذا النظام نفسها هي الدليل البيّن على أن جميع أنواع الربوبية مختصة بالله الواحد الأحد الذي أعطى هذا النظام خلقه.
ولذلك فإن من يظن جزءاً من أجزاء الربوبية راجعاً إلى أحد من دون الله، أو يرجعه إليه، بأي وجه من الوجوه، وهو يعيش في هذا النظام، فإنه يحارب الحقيقة ويصدف عن المواقع ويبغي على الحق، وباقي بيديه إلى التهلكة والخسران بما يتعب نفسه في مقاومة الحق الواقع.
(الرب) اسْم الله تَعَالَى وَلَا يُقَال الرب فِي غير الله إِلَّا بِالْإِضَافَة وَالْمَالِك وَالسَّيِّد والمربي والقيم والمنعم وَالْمُدبر والمصلح (ج) أَرْبَاب وربوب

(الرب) عصارة التَّمْر المطبوخة وَمَا يطْبخ من التَّمْر وَالْعِنَب وَرب السّمن وَالزَّيْت ثفله الْأسود (ج) ربوب ورباب

أَغَاظ

أَغَاظ
الجذر: غ ي ظ

مثال: أَغَاظَنِي تصرّفك
الرأي: مرفوضة
السبب: لاستعمال «أفعل» بدلاَ من «فَعَل».
المعنى: أغضبني

الصواب والرتبة: -أغاظَني تصرّفك [فصيحة]-غَاظَني تصرّفك [فصيحة]
التعليق: حكى بعض اللغويين غاظه وأغاظه بمعنى واحد، وذكر التاج أغاظ على أنها لغة في غاظ، بالإضافة إلى قرار مجمع اللغة المصري بجواز مجيء أفعله بمعنى فَعَله.

فرمان

فرمان: فرمان (تركية): دوقل، دقل. عارضة الصاري، صاري. (الجريدة الآسيوية 1841، 1: 588) وسارية، صارية.
فرمان: فرمان محيط المحيط): أمر سلطاني. (ويجمع على فرمانات وفرامين وفراكنة (بوشر، محيط المحيط).
فرمان
فرمان [مفرد]: ج فرمانات وفرامينُ:
1 - قرار أو حكم كان يصدره الباب العالي (السُّلطان) إبّان الحكم التركيّ.
2 - مرسوم "أصدر فرمانًا بزيادة ساعات العمل". 

أَسِيرة

أَسِيرة
الجذر: أ س ر

مثال: قتل العدوّ المرأة الأسيرة
الرأي: مرفوضة
السبب: لأن صيغة «فعيل» بمعنى «مفعول» مما يستوي فيه المذكر والمؤنث فلا تلحقها التاء.
المعنى: الأسيرة هي التي أُخِذَت في حرب أو معركة

الصواب والرتبة: -قتل العدوّ المرأة الأسير [فصيحة]-قتل العدوّ المرأة الأسيرة [صحيحة]
التعليق: «فعيل» بمعنى «مفعول» إذا جاء بعد موصوف لا تلحقه التاء مع المؤنث؛ لأنه مما يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث، وأجاز بعض اللغويين إلحاق التاء حتى مع ذكر الموصوف. وقد اتخذ مجمع اللغة المصري قرارًــا يجيز إلحاق التاء سواء ذكر الموصوف أو لم يذكر.

أُسْتَاذ مُسَاعِد

أُسْتَاذ مُسَاعِد
الجذر: س ع د

مثال: أُسْتَاذ مُسَاعِد النّحو والصرف
الرأي: مرفوضة عند الأكثرين
السبب: للفصل بين المضاف والمضاف إليه بالنعت.

الصواب والرتبة: -أستاذ النّحو والصرف المساعد [فصيحة]-الأستاذ المساعد للنّحو والصرف [فصيحة]-أستاذ مساعد النّحو والصرف [مقبولة]
التعليق: تَنُصّ قواعد اللغة على عدم جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه؛ لأنهما يعتبران معًا كالاسم الواحد. وقد أجاز مجمع اللغة المصري- في دورته التاسعة والأربعين- التعبير المرفوض أخذًا برأي الكوفيين الذين يجيزون إضافة الموصوف إلى صفته، أو قياسًا على رأيهم جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، أو الظرف، أو الجار والمجرور؛ فالتعبير المرفوض فُصل فيه بالنعت بين المتضايفين، والنعت أكثر التصاقًا بالمضاف من غيره، وقد عُرض الــقرار على مؤتمر المجمع فرفضه.

أَحْفاد

أَحْفاد
الجذر: ح ف د

مثال: جَاء أَحْفاد عليّ
الرأي: مرفوضة
السبب: لعدم ورود هذا الجمع في المعاجم.

الصواب والرتبة: -جاء حَفَدَة عليّ [فصيحة]-جاء أَحْفاد عليّ [صحيحة]-جاء حُفَدَاء عليّ [فصيحة مهملة]
التعليق: أوردت المعاجم «حَفَدة»، و «حُفَدَاء» جمعين لـ «حَفِيد»، ويمكن تصحيح «أحفاد» اعتمادًا على قرار مجمع اللغة المصري بإجازة جمع «حَفِيد» على «أحفاد»، كما يمكن الاستئناس لصحة هذا الجمع بما ورد عن العرب من كلمات كثيرة جمعت هذا الجمع، مثل: «يتيم»، و «نجيب»، و «شريف»، و «شهيد»، و «أصيل»، وغيرها.

إِحْصَائيَّات

إِحْصَائيَّات
الجذر: ح ص ي

مثال: يعتمد البحث العلمي على الإحصائيَّات الحديثة
الرأي: مرفوضة
السبب: لعدم ورودها في المعاجم القديمة.

الصواب والرتبة: -يعتمد البحث العلمي على الإحصاءات الحديثة [فصيحة]-يعتمد البحث العلمي على الإحصائيَّات الحديثة [فصيحة]
التعليق: جاء ضمن قرارات مجمع اللغة المصري أنه «إذا أريد صنع مصدر من كلمة يزاد عليها ياء النسب والتاء»، وقد اعتمد مجمع اللغة المصري على هذه الصيغة اعتمادًا كبيرًا لتكوين مصطلحات جديدة تعبِّر عن مفاهيم العلم الحديث، وكان قد انتهى فريق من العلماء واللغويين إلى وجود أصل لهذه الصيغة في لغة العرب، فقد جاء في القرآن الكريم «جاهليّة» و «رهبانيّة»، وجاء في الشعر والنثر الجاهليين كثير من الأمثلة، منها: «لصوصيّة» و «عبوديّة» و «حريّة» و «رجوليّة» و «خصوصيّة»، وقد انتهى هذا الفريق - بعد دراسة أجراها على المصادر الصناعية المستعملة حديثًا- إلى أنَّ المصدر الصناعي يصاغ من معظم أنواع الكلام العربيّ، فيصاغ من المصدر الصريح كما في هذه الكلمة، وقد أقرَّ مجمع اللغة المصري استخدام هذه الكلمة وجمعها على «إحصائيات»، وميز بين «الإحصاء» و «الإحصائيّة» بأن الأولى تدل على معنى المصدر، والثانية على نتيجة عملية الإحصاء، وقد وردت «الإحصائيّة» في بعض المعاجم الحديثة كالأساسي والمحيط (معجم اللغة العربية).

أُحْجِيَة

أُحْجِيَة
الجذر: ح ج

مثال: أَجَابُوا على أُحْجِيَتِه
الرأي: مرفوضة
السبب: لأنها لم ترد بهذا الضبط في المعاجم.
المعنى: اللغز الذي يتبارى الناس في حَلِّه

الصواب والرتبة: -أَجَابوا على أُحْجِيَّتِهِ [فصيحة]-أَجَابوا على أُحْجِيَتِه [صحيحة]
التعليق: ذكرتها المعاجم بالتشديد والضم. يقول التاج: «الأُحْجِيّة والأُحْجُوَّة، بضمها مع تَشديد الياء والواو. وقال الأزهري الياءُ أَحْسَن». ويمكن تصحيح الكلمة المرفوضة على أساس التخفيف، وله نظائر في لغة العرب، كنطق كلمة «أمنيّة» بالتخفيف، وبها قرأ أبو جعفر في كل القرآن الكريم، و «أغنية» التي ذكرتها المعاجم بالتخفيف. وقد اتخذ مجمع اللغة المصري قرارًــا باطراد ذلك.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.