Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: غسل

التَّيَمُّم

التَّيَمُّم: تتريب الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ مُرَتبا بِقصد التَّطْهِير.
التَّيَمُّم: فِي اللُّغَة الْقَصْد. وَفِي الشَّرْع قصد الصَّعِيد الطَّاهِر واستعماله بِصفة مَخْصُوصَة لإِزَالَة الْحَدث. وَفِي جَامع الرموز التَّيَمُّم لُغَة الْقَصْد وَشرعا أَفعَال مَخْصُوصَة. وَفِي الْكَافِي وَغَيره الْقَصْد إِلَى الصَّعِيد لإِزَالَة الْحَدث وَلَا يخفى أَنه لَا يَخْلُو عَن شَيْء.
وَاعْلَم أَنه لَا بُد فِي التَّيَمُّم من سَبْعَة أَشْيَاء - النِّيَّة - وضربة للْوَجْه - وضربة للذراعين - والاستيعاب - والصعيد الطَّاهِر - وَالْمسح بِثَلَاثَة أَصَابِع وَعدم الْقُدْرَة على المَاء - وَشَرطه أَن يكون الْمَنوِي عبَادَة مَقْصُودَة لَا تصح إِلَّا بِالطَّهَارَةِ أَو اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو الطَّهَارَة أَو رفع الْحَدث أَو الْجَنَابَة. فَلَو تيَمّم لصَلَاة الْجِنَازَة أَو سَجْدَة التِّلَاوَة جَازَ لَهُ أَن يُصَلِّي بِهِ وَلَو تيَمّم وَهُوَ مُحدث أَو جنب لقِرَاءَة الْقُرْآن عَن ظهر الْقلب أَو عَن الْمُصحف أَو لمس الْمُصحف أَو لزيارة الْقُبُور أَو لدفن الْمَيِّت أَو للأذان أَو للإقامة أَو لدُخُول الْمَسْجِد أَو للسلام أَو لرد السَّلَام أَو لعيادة الْمَرِيض أَو لتعليم التَّيَمُّم للْغَيْر وَصلى بذلك التَّيَمُّم لَا يجوز كَذَا فِي الْفَتَاوَى العالمكيري.
وَاعْلَم أَن اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم جَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا خلافًا لمُحَمد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لما ذكر فِي كتب الْأُصُول. وخلاصته أَن التَّيَمُّم طَهَارَة مُطلقَة عِنْد عدم المَاء عندنَا وَعند مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله طَهَارَة ضَرُورِيَّة بِقدر مَا تنْدَفع بِهِ الضَّرُورَة حَتَّى لم يجز أَدَاء الْفَرَائِض بِتَيَمُّم وَاحِد فَلَا يجوز اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم وَأَن الخلفية عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الجوهرين أَي التُّرَاب وَالْمَاء لِأَنَّهُ تَعَالَى نَص عِنْد النَّقْل إِلَى التَّيَمُّم على عدم المَاء فَيكون المَاء أصلا وَالتُّرَاب خلفا وَلما كَانَ المَاء أصلا وَالتُّرَاب خلفا وَكَانَ الطَّهَارَة حكم الأَصْل كَانَ شَرط الصَّلَاة مَوْجُودا فِي كل مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ لِأَن الْخلف لَا يُخَالف الأَصْل فِي الحكم فَيجوز اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم وَعند مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله الخلفية بَين التَّيَمُّم وَالْوُضُوء أَي الْفِعْلَيْنِ المخصوصين لَا الجوهرين لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِالْوضُوءِ أَولا ثمَّ أَمر بِالتَّيَمُّمِ عِنْد الْعَجز بقوله فَتَيَمَّمُوا ليَكُون الخلفية بَين الْوضُوء وَالتَّيَمُّم لَا بَين المَاء وَالتُّرَاب فَلَا يكون شَرط الصَّلَاة مَوْجُودا فِي كل مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ إِذْ كَمَا لَهما بِاعْتِبَار أَنَّهُمَا حكمان للْمَاء وَالتُّرَاب وَهُوَ مُنْتَفٍ فَيكون شَرط الصَّلَاة فِي أَحدهمَا مَوْجُودا بِكَمَالِهِ وَفِي الآخر بنقصانه. واقتداء الْمُتَوَضِّئ وَأَدَاء صلوته بالمتيمم وأدائه فِي ضمن أَدَاء الإِمَام تَفْرِيغ عَلَيْهِ فَلَا يجوز اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم عِنْد مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لِأَن الْمُتَوَضِّئ صَاحب الأَصْل والمتيمم صَاحب الْفَرْع وَلَيْسَ لصَاحب الأَصْل القوى أَن يَبْنِي صلواته على صَاحب الْخلف الضَّعِيف كَمَا لَا يبْنى من صلى بركوع وَسُجُود على من يُصَلِّي بإيماء فَافْهَم. وَالتَّيَمُّم لمس الْمُصحف وَدخُول الْمَسْجِد مَعَ وجود المَاء جَائِز كَذَا فِي الْمَبْسُوط وَفِي الْفَتَاوَى (العالمكيري) يجوز التَّيَمُّم لمن حَضرته جَنَازَة وَالْوَلِيّ غَيره فخاف أَن اشْتغل بِالطَّهَارَةِ أَن تفوته الصَّلَاة صلى على جَنَازَة بِتَيَمُّم ثمَّ أُتِي بِأُخْرَى فَإِن كَانَ بَين الثَّانِيَة وَالْأولَى مِقْدَار مُدَّة يذهب وَيتَوَضَّأ ثمَّ يَأْتِي وَيُصلي أعَاد التَّيَمُّم وَإِن لم يكن مِقْدَار مَا يقدر على ذَلِك صلى بذلك التَّيَمُّم وَعَلِيهِ الْفَتْوَى هَكَذَا فِي الْمُضْمرَات.
وَالتَّيَمُّم لصَلَاة الْعِيد عِنْد وجود المَاء قبل الشُّرُوع فِيهَا لَا يجوز للْإِمَام إِذا لم يخف خُرُوج الْوَقْت وَإِلَّا يجوز وَيجوز للمقتدي إِن خَافَ فَوت الصَّلَاة لَو تَوَضَّأ وَلَو أحدث أَحدهمَا بعد الشُّرُوع فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ تيَمّم وَيَبْنِي وَكَذَلِكَ بعد الشُّرُوع بِالْوضُوءِ إِن خَافَ ذهَاب الْوَقْت أَو فَوت الصَّلَاة لَو تَوَضَّأ هَكَذَا فِي النِّهَايَة. وَيجوز التَّيَمُّم للْجنب لصَلَاة الْجِنَازَة وَصَلَاة الْعِيد كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة.

ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء ضَرُورِيّ وسلبه عَنهُ مُمْتَنع: قَالَ الزَّاهِد رَحمَه الله هَذَا على تَقْدِير تقومه بالجعل الْبَسِيط أَو بوجوديته بالجعل الْمركب على اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ فِي الْجعل انْتهى فَلَا يرد النَّقْض على مَا هُوَ الْمَشْهُور أَعنِي مَا لَيْسَ بموجود لَيْسَ بِشَيْء من الْأَشْيَاء حَتَّى يصدق سلبه عَن نَفسه.
ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء فرع لثُبُوت الْمُثبت لَهُ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور لَكِن الصَّوَاب أَن ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء فرع لثُبُوت الْمُثبت لَهُ أَو مُسْتَلْزم لَهُ فِي ظرف الثُّبُوت وستطلع على تَحْقِيق هَذَا المرام مَعَ تدقيقات فويقة فِي الْمُوجبَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَمعنى قَوْلهم ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع فرع ثُبُوته فِي نَفسه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن ثُبُوته فِي نَفسه أصل يُوجب ذَلِك الْفَرْع كَمَا يُوجب الدَّلِيل الَّذِي هُوَ أصل للْحكم والنتيجة اللَّذين هما فرعاه وَإِلَّا لَكَانَ ضَرُورِيًّا بل مَعْنَاهُ أَن ثُبُوت الْمَحْمُول لَا يَصح إِلَّا إِذا كَانَ الْمَوْضُوع ثَابتا فالمحمول فرع على ثُبُوته فِي نَفسه أَي مَوْضُوع عَلَيْهِ. وَكَذَا قَول جلال الْعلمَاء رَحمَه الله تَعَالَى أَنه مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمَوْضُوع فِي نَفسه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن ثُبُوت الْمَحْمُول عَلَيْهِ مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمَوْضُوع بل مَعْنَاهُ إِن صدق ثُبُوت الْمَحْمُول لَهُ يسْتَلْزم صدق ثُبُوته فِي نَفسه فَلَا تخَالف فِي المُرَاد والمآل.
وَهَا هُنَا مطَالب لم يرخصني تردد الخاطر بذكرها وَلَكِن اذكر هَا هُنَا مغالطة غَرِيبَة لتشحيذ ذهنك فاستمع وَهِي أَنا لَا نسلم أَن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فرع لثُبُوت الْمُثبت لَهُ أَو مُسْتَلْزم لَهُ بِوُجُوه: الْوَجْه الأول: أَنه لَو كَانَ ثُبُوت الشي للشَّيْء فرعا أَو مستلزما لثُبُوت الْمُثبت لَهُ لزم التسلسل وَاللَّازِم بَاطِل فَكَذَا الْمَلْزُوم. بَيَان الْمُلَازمَة أَنه إِذا وَجب الثُّبُوت للمثبت لَهُ وَجب أَن يكون هُنَاكَ ثُبُوت آخر للمثبت لَهُ يثبت الثُّبُوت بِهِ وننقل الْكَلَام إِلَى هَذَا الثُّبُوت الثَّانِي فَيلْزم هُنَاكَ ثُبُوت ثَالِث وهلم جرا فَيلْزم التسلسل. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه لَو صحت هَذِه الْمُقدمَة لزم تقدم الْمَعْلُول الَّذِي هُوَ الْعقل الأول عِنْدهم على الْوَاجِب تَعَالَى وَالثَّانِي بَاطِل فالمقدم مثله. بَيَان الْمُلَازمَة أَنه لاشك فِي أَن الله تَعَالَى متصف بالوجود الْمُطلق اتصافا ذهنيا فعلى تَقْدِير أَن يكون ثُبُوت الشَّيْء لغيره فرعا أَو مستلزما لثُبُوت ذَلِك فِي ظرف الثُّبُوت يلْزم أَن يكون الْوَاجِب تَعَالَى مَوْجُودا فِي ذهن ذاهن قبل اتصافه بالوجود الْمُطلق والذاهن بعد الْوَاجِب بِلَا وَاسِطَة هُوَ الْعقل الأول. وَالْوَجْه الثَّالِث: أَنه لَو صحت الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة لزم بطلَان مَا هُوَ الْمُقَرّر بَين الْحُكَمَاء من تحقق عِلّة بسيطة من جَمِيع الْجِهَات لِأَن كل مَعْلُول حِينَئِذٍ يتَوَقَّف على كَونه مَوْجُودا فِي الذِّهْن قبل تَأْثِير الْعلَّة فِيهِ بل نقُول على تَقْدِير صِحَة الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة يتَوَقَّف كل مَعْلُول على كَونه مَوْجُودا بوجودات غير متناهية حَتَّى تُؤثر الْعلَّة فِيهِ كَمَا لَا يخفى عِنْد من أجْرى الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة على الْوُجُود الْحَاصِل لَهُ فِي الذِّهْن قبل الْوُجُود الْحَاصِل لَهُ من تَأْثِير علته فَافْهَم.
وحلها أَن الْوُجُود والثبوت من الْأُمُور الَّتِي ينتزع عَن الْأَشْيَاء الَّتِي يحكم عَلَيْهَا بِكَوْنِهَا مَوْجُودَة أَو ثَابِتَة على معنى أَن مَا فِي نفس الْأَمر إِذا لاحظه الْعقل بالشَّيْء الْمَوْجُود ينتزع عَنهُ الْوُجُود والأمور المنتزعة بِهَذَا الْمَعْنى جَازَ أَن تقع أوصافا لموصوفاتها فِي نفس الْأَمر. وَبِهَذَا الْحل ينْحل أَكثر المغالطات والأوهام عَن الْقَوَاعِد الَّتِي تمسك بهَا الْحُكَمَاء على مطالبهم.

نَقِيَ

نَقِيَ، كَرَضِيَ، نَقَاوَةً ونَقَاءً ونَقَاءَةً ونُقاوَةً ونُقايَةً، فهو نَقِيٌّ
ج: نِقاءٌ، ونُقَواءُ نادِرَةٌ.
وأْقاهُ وَتَنَقَّاهُ وانْتَقَاهُ: اخْتارَهُ.
ونَقْوَةُ الشَّيْءِ،
ونَقَاوَتُهُ ونَقَاتُهُ، بِفَتْحِهِنَّ،
ونُقايَتُهُ ونُقاوَتُهُ، بِضَمِّهِما: خِيارُهُ، وجَمْعُ النُّقاوَةِ: نُقاً ونُقاءٌ، وجَمْعُ النُّقايَةِ: نَقَايَا ونُقاءٌ.
ونَقاةُ الطَّعامِ،
ونَقَايَتُهُ، ويُضَمَّانِ: رَدِيئُهُ، وما أُلْقِيَ منه.
والنَّقا من الرَّمْلِ: القِطْعَةُ تَنْقادُ مُحْدَوْدِبَةً، وهُما نَقَوانِ ونَقَيانِ
ج: أنْقاءٌ ونُقِيٌّ.
وَبَناتُ النَّقَا: دُوَيبَّةٌ تَسْكُنُ الرَّمْلَ.
والنَّقْوُ والنَّقا: عَظْمُ العَضُدِ، أو كُلُّ عَظْمٍ ذي مُخٍّ
ج: أنْقاءٌ.
والنِّقْيُ: المُخُّ.
ورجُلٌ أنْقَى،
وامرأةٌ نَقْواءُ: دَقِيقَا القَصَبِ.
وثِقَةٌ نِقَةٌ: إتْباعٌ.
والنُّقاوَةُ، بالضم: نَبَاتٌ يُــغْسَلُ به الثِّيابُ
ج: نُقاوَى.
وأَنْقَتِ الإِبِلُ: سَمِنَتْ،
وـ البُرُّ: سَمِنَ.

نهر الإجّانَةِ

نهر الإجّانَةِ:
بلفظ الإجّانة التي تــغسل فيها الثياب، بكسر الهمزة، وتشديد الجيم، وبعد الألف نون، قال عوانة: قدم الأحنف بن قيس على عمر بن الخطاب في أهل البصرة فجعل يسألهم رجلا رجلا والأحنف لا يتكلم، فقال له عمر: ألك حاجة؟
فقال: بلى يا أمير المؤمنين، إن مفاتيح الخير بيد الله وإن إخواننا من أهل الأمصار نزلوا منازل الأمم الخالية بين المياه العذبة والجنان الملتفة وإنا نزلنا أرضا نشاشة لا يجف مرعاها ناحيتها من قبل المشرق البحر الأجاج ومن جهة المغرب الفلاة والعجاج فليس لنا زرع ولا ضرع تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مريء النعامة، يخرج الرجل الضعيف منا فيستعذب الماء من فرسخين والمرأة كذلك فتربّق ولدها تربّق العنز تخاف بادرة العدو وأكل السبع، فإلّا ترفع خسيستنا وتجبر فاقتنا نكن كقوم هلكوا، فألحق عمر ذراري أهل البصرة في العطاء وكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحفر لهم نهرا، فذكر جماعة من أهل العلم أن دجلة العوراء وهي دجلة البصرة كانت خورا، والخور: طريق للماء لم يحفره أحد تجري إليه الأمطار ويتراجع ماؤها فيه عند المدّ وينضب في الجزر، وكان يحده مما يلي البصرة خور واسع كان يسمى في الجاهلية الإجّانة وتسميه العرب في الإسلام خزّاز، وهو على مقدار ثلاثة فراسخ من البصرة ومنه يبتدئ النهر الذي يعرف اليوم بنهر الإجّانة، فلما أمر عمر أبا موسى بحفر نهر ابتدأ بحفر نهر الإجّانة ففأره ثلاثة فراسخ حتى بلغ به البصرة، وكان طول نهر الأبلّة أربعة فراسخ ثم انطمّ منه شيء على قدر فرسخ من البصرة، وكان زياد ابن أبيه واليا على الديوان وبيت المال من قبل عبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الله يومئذ على البصرة من قبل عثمان، فأشار إلى ابن عامر أن ينفذ نهر الأبلّة من حيث انضمّ حتى يبلغ البصرة ويصله بنهر الإجّانة، فدافع بذلك إلى أن شخص ابن عامر إلى خراسان واستخلف زيادا على حفر أبي موسى على حاله، فحفر نهر الأبلة من حيث انضم حتى وصله بالإجانة عند البصرة وولى ذلك ابن أخيه عبد الرحمن ابن أبي بكرة، فلما فتح عبد الرحمن الماء جعل يركض بفرسه والماء يكاد يسبقه حتى التقى به، فصار نهرا مخرجه من فم نهر الإجانة ومنتهاه إلى الأبلّة، وهذا إلى الآن على ذلك، وقدم ابن عامر من خراسان فغضب على زياد وقال: إنما أردت أن تذهب بذكر النهر دوني! فتباعد ما بينهما حتى ماتا وتباعد لسببه ما بين أولادهما، قال يونس بن حبيب: فأنا
أدركت ما بين آل زياد وآل عامر تباعدا، وفي كتاب البصرة لأبي يحيى الساجي: نهر الجوبرة من أنهار البصرة القديمة، وكان ماء دجلة ينتهي إلى فوهة الجوبرة فيستنقع فيه الماء مثل البركة الواسعة فكان أهل البصرة يدنون منه أحيانا ويــغسلــون ثيابهم، وكانت فيه أجاجين وأنقرة وخزف وآلات القصّار فلذلك سمي نهر الإجّانة، قال أبو اليقظان: كان أهل البصرة يشربون قبل حفر الفيض من خليج يأتي من دير جابيل إلى موضع نهر نافذ، قال المدائني: لم تزل البصرة على عين ماء لا ماء الإجانة وإليه ينتهي خليج الأبلّة حتى كلّم الأحنف عمر فكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحفر لهم نهرا فأحفر من الإجانة من الموضع الذي يقال له أبكن وكان قد حفره الماء فحفره أبو موسى وعبّره إلى البصرة، فلما استغنى الناس عنه طمّوه من البصرة إلى ثبق الحيرة ورسمه قائم إلى اليوم، فكانوا يستقون قبل ذلك ماءهم من الأبلة وكان يذهب رسولهم إذا قام المتهجدون من الليل فيأتي بالماء من الغد صلاة العصر.

اللَّجْنُ

اللَّجْنُ: اللَّحْسُ، وخَبْطُ الوَرَقِ، وخَلْطُه بدَقِيقٍ أَو شَعيرٍ،
كالتَّلْجينِ، ومحرَّكةً: الخَبَطُ المَلْجُونُ. وكالكَتِفٍ: الوَسَخُ.
وتَلَجَّنَ: تَلَزَّجَ،
وـ رأسَهُ: غَسَلَــهُ فلم يُنْقِهِ.
وَلَجَّنَ البعيرُ لِجاناً ولُجوناً: حَرَنَ،
وـ في المَشْيِ: ثَقُلَ.
وناقَةٌ وجَمَلٌ لَجُونٌ.
واللُّجَيْنُ: الفِضَّةُ. وكأَميرٍ: زَبَدُ أفْواهِ الإِبِلِ.
واللَّجْنَةُ: الجماعَةُ يَجْتَمِعونَ في الأمْرِ ويَرْضَوْنَهُ.
ولَجِنَ به، كفَرِحَ: عَلِقَ.

عُرَاعِرُ

عُرَاعِرُ:
بالضم في أوله، وكسر العين الثانية، وعرعرة الجبل: أعلاه، وعرعرة السنام: غاربه، والعرعر: شجر يقال له الساسم ويقال له الشّيزى ويقال هو الذي يعمل منه القطران، وعراعر:
اسم موضع في شعر الأخطل، وقيل: اسم ماء ملح لبني عميرة، عن صاحب التكملة، وهي أرض سبخة، قال:
ولا تنبت المرعى سباخ عراعر ... ولو نسلت بالماء ستة أشهر
نسلت أي غسلــت، وقيل: عراعر ماءة مرّة بعدنة في شمالي الشربّة، وقال نصر: عراعر ماء لكلب بناحية الشام.

حِبْلةُ

حِبْلةُ:
بالكسر ثم السكون، ذو جبلة: مدينة باليمن تحت جبل صبر، وتسمّى ذات النهرين، وهي من أحسن مدن اليمن وأنزهها وأطيبها قال عمارة: جبلة رجل يهوديّ كان يبيع الفخّار في الموضع الذي بنت فيه الحرّة الصّليحية دار العروبة، وسمّيت باسمها، وكان أول من اختطّها عبد الله بن محمد الصليحي المقتول بيد الأحول مع الداعي يوم المهجم في سنة 473، وكان أخوه عليّ ولّاه حصن التّعكر، وهذا الحصن على الجبل المطلّ على ذي جبلة، وهي فى سفحه، وهي مدينة بين نهرين جاريين في الصيف والشتاء، وكان عبد الله بن محمد الصليحي قد اختطّها في سنة 458، وحشر إليها الرعايا من مخلاف جعفر وقال علي بن محمد بن زياد المازني: وكانت ذو جبلة للمنصور بن المفضل أحد ملوك آل الصليح فأخذها منه الداعي محمد بن سبا، فقال:
بذي جبلة شوقي إليك، وإنها ... لتطهر بالشيخ الذي ليس يعمر
عوائد للغيد الغواني، فإنها ... عن الشيخ نحو ابن الثلاثين تنفر
وكان بذي جبلة الفقيه عبد الله بن أحمد بن أسعد المقري صنّف كتابا في القراءات السبع، وكان أبوه فقيها قال القاضي مسلم بن إبراهيم قاضي صنعاء:
حدثني عبد الله بن أحمد قال: رأيت في المنام قائلا يقول لي كلّم السلطان، فخرجت وتبعني أبي سريعا، قال: وتأويل هذه أني أموت وسيموت أبي بعدي، قال: فمات ومات أبوه بعده بثلاثة أيام حزنا عليه، وصنف أيضا كتابا في الحديث جمع فيه بين الكتب الخمسة الصحاح، وأوصى عند موته بــغسل تلك الكتب فــغسلــت ومن ذي جبلة أيضا الفقيه أبو الفضائل بن منصور بن أبي الفضائل، كان رجلا صالحا فقيها، صنف كتابا ردّ فيه على الشريف عبد الله بن حمزة الخارجي، واعترض فيه على ألفاظه ولحّنه في كثير منها وزيّف جميع ما احتجّ به، فلما وصل الكتاب إلى الشريف الخارجي أجاب عن الشريف حميد ابن الأنف، ولما وصل كتابه إلى الفقيه أبي الفضائل صنف كتابا آخر في الردّ عليه، ومات أبو الفضائل بذي جبلة في أيام أتابك سنقر في نحو سنة 590 وبذي جبلة توفي القاضي الأشرف أبو الفضائل يوسف ابن إبراهيم بن عبد الواحد الشيباني التيمي القفطي في
جمادى الآخرة سنة 624، ومولده في غرّة سنة 548 بقفط، وهو والد الوزير القاضي الأكرم أبي الحسن عليّ بن يوسف وأخيه القاضي المؤيد أبي إسحاق إبراهيم، وكان الأشرف قد خرج من قفط في سنة 572 في الفتنة التي كانت بها بسبب الإمام الذي أقاموه، وكان من بني عبد القرى الداعي، وادّعى أنه داود بن العاضد فيها، فأنفذ الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب أخاه الملك العادل أبا بكر فقتل من أهل فقط نحو ثلاثة آلاف وصلبهم على شجرهم بظاهر قفط بعمائمهم وطيالستهم، وخدم الأشرف في عدّة خدم سلطانية منها بالصعيد ثم النظر في بلبيس ونواحيها ثم النظر في البيت المقدس ونواحيه، وناب عن القاضي الفاضل في كتابة الإنشاء بحضرة السلطان صلاح الدين، ثم توحّش من العادل ووزيره ابن شكر فقدم حرّان واستوزره الملك الأشرف موسى بن العادل ثم سأله الإذن له في الحج، فأذن له وجهّزه أحسن جهاز على أن يحج ويعود، فلما حصل بمكة امتنع من العود ودخل اليمن فاستوزره أتابك سنقر في سنة 602، ثم ترك الخدمة وانقطع بذي جبلة ورزقه دارّ عليه إلى أن مات في الوقت المذكور، وكان أديبا فاضلا مليح الخط محبّا للعلم والكتب واقتنائها ذا دين مبين وكرم وعربيّة.

الغَرِيّانِ

الغَرِيّانِ:
تثنية الغريّ، وهو المطليّ، الغراء، ممدود: وهو الغراء الذي يطلى به، والغريّ فعيل بمعنى مفعول، والغريّ: الحسن من كلّ شيء، يقال: رجل غريّ الوجه إذا كان حسنا مليحا، فيجوز أن يكون الغريّ مأخوذا من كل واحد من هذين، والغريّ: نصب كان يذبح عليه العتائر، والغريّان: طربالان وهما بناءان كالصّومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال ابن دريد: الطربال قطعة من جبل أو قطعة من حائط تستطيل في السماء وتميل، وفي الحديث: كان، عليه الصلاة والسلام، إذا مرّ بطربال مائل أسرع المشي، والجمع الطرابيل،
وقيل: الطربال القطعة العالية من الجدار والصخرة العظيمة المشرفة من الجبل، وطرابيل الشام: صوامعها.
والغريّان أيضا: خيالان من أخيلة حمى فيد بينهما وبين فيد ستة عشر ميلا يطؤهما طريق الحاجّ، عن الحازمي، والخيال: ما نصب في أرض ليعلم أنها حمى فلا تقرب، وحمى فيد: معروف وله أخيلة، وفيهما يقول الشاعر فيما أحسب:
وهل أرين بين الغريّين فالرّجا ... إلى مدفع الريّان سكنا تجاوره؟
لأن الرجا والريّان قريتان من هذا الموضع، وقال ابن هرمة:
أتمضي ولم تلمم على الطّلل القفر ... لسلمى ورسم بالغريّين كالسطر
عهدنا به البيض المعاريب للصّبا ... وفارط أحواض الشباب الذي يقري
وقال السمهري العكلي:
ونبّئت ليلى بالغريّين سلّمت ... عليّ، ودوني طخفة ورجامها
عديد الحصى والأثل من بطن بيشة ... وطرفائها ما دام فيها حمامها
قال: فأما الغريّان بالكوفة فحدّث هشام بن محمد الكلبي قال: حدّثني شرقيّ بن القطامي قال: بعثني المنصور إلى بعض الملوك فكنت أحدثه بحديث العرب وأنسابها فلا أراه يرتاح لذلك ولا يعجبه، قال: فقال لي رجل من أصحابه يا أبا المثنى أي شيء الغريّ في كلام العرب؟ قلت: الغريّ الحسين، والعرب تقول:
هذا رجل غريّ، وإنما سمّيا الغريين لحسنهما في ذلك الزمان، وإنما بني الغريان اللذان في الكوفة على مثل غريّين بناهما صاحب مصر وجعل عليهما حرسا فكل من لم يصلّ لهما قتل إلا أنه يخيّره خصلتين ليس فيهما النجاة من القتل ولا الملك ويعطيه ما يتمنى في الحال ثم يقتله، فغبر بذلك دهرا، قال: فأقبل قصّار من أهل إفريقية ومعه حمار له وكذين فمرّ بهما فلم يصلّ فأخذه الحرس فقال: ما لي؟ فقالوا:
لم تصلّ للغريّين، فقال: لم أعلم، فذهبوا به إلى الملك فقالوا: هذا لم يصلّ للغريّين، فقال له: ما منعك أن تصلي لهما؟ قال: لم أعلم وأنا رجل غريب من أهل إفريقية أحببت أن أكون في جوارك لأغسل ثيابك وثياب خاصتك وأصيب من كنفك خيرا، ولو علمت لصليت لهما ألف ركعة، فقال له: تمنّ، فقال: وما أتمنّى؟ فقال: لا تتمنّ الملك ولا أن تنجّي نفسك من القتل وتمنّ ما شئت، قال: فأدبر القصّار وأقبل وخضع وتضرع وأقام عذره لغربته فأبى أن يقبل، فقال: إني أسألك عشرة آلاف درهم، فقال: عليّ بعشرة آلاف درهم، قال: وبريدا، فأتى البريد فسلّم إليه وقال: إذا أتيت إفريقية فسل عن منزل فلان القصّار فادفع هذه العشرة آلاف درهم إلى أهله، ثم قال له الملك: تمنّ الثانية، فقال: أضرب كلّ واحد منكم بهذا الكذين ثلاث ضربات واحدة شديدة وأخرى وسطى وأخرى دون ذلك، قال: فارتاب الملك ومكث طويلا ثم قال لجلسائه: ما ترون؟ قالوا: نرى أن لا تقطع سنّة سنّها آباؤك، قالوا: فيمن تبدأ؟ قال: أبدأ بالملك ابن الملك الذي سنّ هذا، قال: فنزل عن سريره ورفع القصّار الكذين فضرب أصل قفاه فسقط على وجهه، فقال الملك: ليت شعري أيّ الضربات هذه! والله لئن كانت الهينة ثم جاءت الوسطى والشديدة لأموتن! فنظر إلى الحرس وقال: أولاد الزنا، تزعمون أنه لم يصلّ وأنا والله رأيته حيث صلى، خلوا سبيله
واهدموا الغريّين! قال: فضحك القصار حتى جعل يفحص برجله من كثرة الضحك، قلت أنا: فالذي يقع لي ويغلب على ظني أن المنذر لما صنع الغريين بظاهر الكوفة سنّ تلك السنّة ولم يشرط قضاء الحوائج الثلاث التي كان يشرطها ملك مصر، والله أعلم، وأن الغريّين بظاهر الكوفة بناهما المنذر بن امرئ القيس ابن ماء السماء، وكان السبب في ذلك أنه كان له نديمان من بني أسد يقال لأحدهما خالد بن نضلة والآخر عمرو بن مسعود فثملا فراجعا الملك ليلة في بعض كلامه فأمر وهو سكران فحفر لهما حفيرتان في ظهر الكوفة ودفنهما حيّين، فلما أصبح استدعاهما فأخبر بالذي أمضاه فيهما فغمه ذلك وقصد حفرتهما وأمر ببناء طربالين عليهما وهما صومعتان، فقال المنذر: ما أنا بملك إن خالف الناس امري، لا يمرّ أحد من وفود العرب إلا بينهما، وجعل لهما في السّنة يوم بؤس ويوم نعيم، يذبح في يوم بؤسه كلّ من يلقاه ويغري بدمه الطربالين، فان رفعت له الوحش طلبتها الخيل، وإن رفع طائر أرسل عليه الجوارح حتى يذبح ما يعنّ ويطليان بدمه، ولبث بذلك برهة من دهره وسمّى أحد اليومين يوم البؤس وهو اليوم الذي يقتل فيه ما ظهر له من إنسان وغيره، وسمى الآخر يوم النعيم يحسن فيه إلى كلّ من يلقى من الناس ويحملهم ويخلع عليهم، فخرج يوما من أيام بؤسه إذ طلع عليه عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر وقد جاء ممتدحا، فلما نظر إليه قال: هلّا كان الذبح لغيرك يا عبيد! فقال عبيد: أتتك بحائن رجلاه، فأرسلها مثلا، فقال له المنذر: أو أجل قد بلغ أناه، فقال رجل ممن كان معه: أبيت اللعن اتركه فاني أظن أن عنده من حسن القريض أفضل مما تريد من قتله فاسمع فان سمعت حسنا فاستزده وإن كان غيره قتلته وأنت قادر عليه، فأنزل فطعم وشرب ثم دعا به المنذر فقال له: زدنيه ما ترى، قال: أرى المنايا على الحوايا، ثم قال له المنذر: أنشدني فقد كان يعجبني شعرك، فقال عبيد: حال الجريض دون القريض وبلغ الحزام الطبّيين، فأرسلهما مثلين، فقال له بعض الحاضرين: أنشد الملك هبلتك أمك! فقال عبيد: وما قول قائل مقتول؟ فأرسلها مثلا أي لا تدخل في همك من لا يهتم بك، قال المنذر: قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك، قال عبيد: من عزّ بزّ، فأرسلها مثلا، فقال المنذر: أنشدني قولك:
أقفر من أهله ملحوب فقال عبيد:
أقفر من أهله عبيد، ... فاليوم لا يبدي ولا يعيد
عنّت له منيّة تكود، ... وحان منها له ورود
فقال له المنذر: أسمعني يا عبيد قولك قبل أن أذبحك، فقال:
والله إن متّ ما ضرّني، ... وإن عشت ما عشت في واحده
فأبلغ بنيّ وأعمامهم ... بأن المنايا هي الواردة
لها مدة فنفوس العباد ... إليها، وإن كرهت، قاصده
فلا تجزعوا لحمام دنا، ... فللموت ما تلد الوالده
فقال المنذر: ويلك أنشدني! فقال:
هي الخمر بالهزل تكنى الطّلا، ... كما الذئب يكنّى أبا جعدة
فقال المنذر: يا عبيد لا بد من الموت وقد علمت أن النعمان ابني لو عرض لي يوم بؤسي لم أجد بدّا من أن أذبحه، فأما أن كانت لك وكنت لها فاختر إحدى ثلاث خلال: إن شئت فصدتك من الأكحل وإن شئت من الأبجل وإن شئت من الوريد، فقال عبيد:
أبيت اللعن! ثلاث خلال كساحيات واردها شرّ وارد وحاديها شر حاد ومعاديها شر معاد فلا خير فيها لمرتاد، إن كنت لا محالة قاتلي فاسقني الخمر حتى إذا ماتت لها مفاصلي وذهلت منها ذواهلي فشأنك وما تريد من مقاتلي، فاستدعى له المنذر الخمر فشرب فلما أخذت منه وطابت نفسه وقدمه المنذر أنشأ يقول:
وخيّرني ذو البؤس، في يوم بؤسه، ... خلالا أرى في كلها الموت قد برق
كما خيّرت عاد من الدهر مرة، ... سحائب ما فيها لذي خيرة أنق
سحائب ريح لم توكّل ببلدة ... فتتركها إلا كما ليلة الطّلق
ثم أمر به المنذر ففصد حتى نزف دمه فلما مات غرّى بدمه الغريّين، فلم يزل على ذلك حتى مرّ به في بعض أيام البؤس رجل من طيّء يقال له حنظلة فقرّب ليقتل فقال: أبيت اللعن! إني أتيتك زائرا ولأهلي من بحرك مائرا فلا تجعل ميرتهم ما تورده عليهم من قتلي، قال له المنذر: لا بد من قتلك فسل حاجتك تقض لك قبل موتك، فقال: تؤجلني سنة أرجع فيها إلى أهلي فأحكم فيهم بما أريد ثم أسير إليك فينفذ في أمرك، فقال له المنذر: ومن يكفلك أنك تعود؟
فنظر حنظلة في وجوه جلسائه فعرف شريك بن عمرو ابن شراحيل الشيباني فقال:
يا شريك يا ابن عمرو ... هل من الموت محاله؟
يا شريك يا ابن عمرو، ... يا أخا من لا أخا له
يا أخا المنذر فكّ ال ... يوم رهنا قد أنى له
يا أخا كل مضاف ... وأخا من لا أخا له
إنّ شيبان قبيل ... أكرم الناس رجاله
وأبو الخيرات عمرو ... وشراحيل الحمالة
رقباك اليوم في المج ... د وفي حسن المقاله
فوثب شريك وقال: أبيت اللعن! يدي بيده ودمي بدمه إن لم يعد إلى أجله، فأطلقه المنذر، فلما كان من القابل قعد المنذر في مجلسه في يوم بؤسه ينتظر حنظلة فأبطأ عليهم فقدم شريك ليقتل فلم يشعر إلا وراكب قد طلع فإذا هو حنظلة وقد تحنط وتكفّن ومعه نادبته تندبه، فلما رأى المنذر ذلك عجب من وفائه وقال: ما حملك على قتل نفسك؟ فقال: أيها الملك إن لي دينا يمنعني من الغدر، قال: وما دينك؟
قال: النصرانية، فاستحسن ذلك منه وأطلقهما معا وأبطل تلك السّنّة وكان سبب تنصره وتنصر أهل الحيرة فيما زعموا، وروى الشرقيّ بن القطامي قال:
الغريّ الحسن من كل شيء وإنما سميا الغريّين لحسنهما وكان المنذر قد بناهما على صورة غريّين كان بعض ملوك مصر بناهما، وقرأت على ظهر كتاب شرح سيبويه المبرّد بخط الأديب عثمان بن عمر الصقليّ النحوي الخزرجي ما صورته: وجدت بخط أبي بكر السّرّاج، رحمه الله، على ظهر جزء من أجزاء
كتاب سيبويه أخبرني أبو عبد الله اليزيدي قال حدثني ثعلب قال: مرّ معن بن زائدة بالغريين فرأى أحدهما وقد شعّث وهدم فأنشأ يقول:
لو كان شيء له أن لا يبيد على ... طول الزمان لما باد الغريّان
ففرّق الدهر والأيام بينهما، ... وكلّ إلف إلى بين وهجران

البصرة

ذكر خطط البصرة وقراها
وقد ذكرت بعض ذلك في أبوابه وذكرت بعضه هاهنا، قال أحمد بن يحيى بن جابر: كان حمران ابن أبان للمسيّب بن نجبة الفزاري أصابه بعين التمر فابتاعه منه عثمان بن عفّان وعلمه الكتابة واتخذه كاتبا، ثم وجد عليه لأنه كان وجّهه للمسألة عما رفع على الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فارتشى منه وكذّب ما قيل فيه، ثم تيقّن عثمان صحة ذلك فوجد عليه
وقال: لا تساكنّي أبدا، وخيّره بلدا يسكنه غير المدينة، فاختار البصرة وسأله أن يقطعه بها دارا وذكر ذرعا كثيرا استكثره عثمان وقال لابن عامر:
أعطه دارا مثل بعض دورك، فأقطعه دار حمران التي بالبصرة في سكة بني سمرة بالبصرة، كان صاحبها عتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، قال المدايني: قال أبو بكرة لابنه: يا بنيّ والله ما تلي عملا قط وما أراك تقصر عن إخوتك في النفقة، فقال: إن كتمت عليّ أخبرتك، قال: فإني أفعل، قال: فإني أغتلّ من حمّامي هذا في كلّ يوم ألف درهم وطعاما كثيرا. ثم إنّ مسلما مرض فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأخبره بغلة حمّامه، فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمّام، وكانت الحمامات لا تبنى بالبصرة إلّا بإذن الولاة، فأذن له واستأذن غيره فأذن له وكثرت الحمامات، فأفاق مسلم بن أبي بكرة من مرضه وقد فسد عليه حمّامه فجعل يلعن عبد الرحمن ويقول: ما له قطع الله رحمه! وكان لزياد مولى يقال له فيل، وكان حاجبه، فكان يضرب المثل بحمّامه بالبصرة، وقد ذكرته في حمام فيل. نهر عمرو: ينسب إلى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان. نهر ابن عمير: منسوب إلى عبد الله بن عمير بن عمرو بن مالك اللّيثي، كان عبد الله بن عامر بن كريز أقطعه ثمانية آلاف جريب فحفر عليها هذا النهر، ومن اصطلاح أهل البصرة أن يزيدوا في اسم الرجل الذي تنسب إليه القرية ألفا ونونا، نحو قولهم طلحتان:
نهر ينسب إلى طلحة بن أبي رافع مولى طلحة بن عبيد الله. خيرتان: منسوب إلى خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلّب بن أبي صفرة. مهلّبان:
منسوب إلى المهلّب بن أبي صفرة، ويقال بل كان لزوجته خيرة فغلب عليه اسم المهلب، وهي أمّ أبي عيينة ابنه. وجبيران: قرية لجبير بن حيّة.
وخلفان: قطيعة لعبد الله بن خلف الخزاعي والد طلحة الطلحات. طليقان: لولد خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي، وكان خالد ولي قضاء البصرة. روّادان: لروّاد بن ابي بكرة.
شط عثمان: ينسب إلى عثمان بن أبي العاصي الثقفي، وقد ذكرته، فأقطع عثمان أخاه حفصا حفصان وأخاه أميّة أميّان وأخاه الحكم حكمان وأخاه المغيرة مغيرتان. أزرقان: ينسب إلى الأزرق بن مسلم مولى بني حنيفة. محمّدان: منسوب إلى محمد ابن علي بن عثمان الحنفي. زيادان: منسوب إلى زياد مولى بني الهجيم جدّ مونس بن عمران بن جميع بن يسار بن زياد وجد عيسى بن عمر النحوي لأمّهما.
عميران: منسوب إلى عبد الله بن عمير الليثي. نهر مقاتل بن حارثة بن قدامة السعدي. وحصينان:
لحصين بن أبي الحرّ العنبري. عبد الليان: لعبد الله بن أبي بكرة. عبيدان: لعبيد بن كعب النّميري. منقذان: لمنقذ بن علاج السّلمي. عبد الرحمانان: لعبد الرحمن بن زياد. نافعان: لنافع ابن الحارث الثقفي. أسلمان: لأسلم بن زرعة الكلابي. حمرانان: لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفّان. قتيبتان: لقتيبة بن مسلم. خشخشان:
لآل الخشخاش العنبري. نهر البنات: لبنات زياد، أقطع كلّ بنت ستين جريبا، وكذلك كان يقطع العامة. سعيدان: لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. سليمانان: قطيعة لعبيد بن نشيط صاحب الطرف أيام الحجاج، فرابط به رجل من الزهاد يقال له سليمان بن جابر فنسب إليه. عمران:
لعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي. فيلان: لفيل
مولى زياد. خالدان: لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة. المسماريّة: قطيعة مسمار مولى زياد بن أبيه، وله بالكوفة ضيعة.
سويدان: كانت لعبيد الله بن أبي بكرة قطيعة مبلغها أربعمائة جريب فوهبها لسويد بن منجوف السّدوسي، وذلك أن سويدا مرض فعاده عبيد الله بن أبي بكرة فقال له: كيف تجدك؟ فقال: صالحا إن شئت، فقال: قد شئت، وما ذلك؟ قال: إن أعطيتني مثل الذي أعطيت ابن معمر فليس عليّ بأس، فأعطاه سويدان فنسب إليه. جبيران: لآل كلثوم بن جبير. نهر أبي برذعة بن عبيد الله بن أبي بكرة.
كثيران: لكثير بن سيّار. بلالان: لبلال بن أبي بردة، كانت قطيعة لعبّاد بن زياد فاشتراه. شبلان:
لشبل بن عميرة بن تيري الضّبيّ.

ذكر ما جاءَ في ذم البصرة
لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم غير أني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة، أقوم أرض الله قبلة، قارئها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ومتصدقها أعظم الناس صدقة، منها إلى قرية يقال لها الأبلّة أربعة فراسخ يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي، وهذا الخبر بالمدح أشبه، وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:
يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسّبخة والخريبة أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خرابا وغرقا، ألا إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها؟ ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها ترابا وأسرعها خرابا، ليأتينّ عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجؤجؤ السفينة في لجة البحر، ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له! فقيل: يا أمير المؤمنين ما الويح وما الويل؟ فقال: الويح والويل بابان، فالويح رحمة والويل عذاب، وفي رواية أن عليّا، رضي الله عنه، لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أما بعد، فان الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله الرابعة يا جند المرأة، ثم ذكر الذي قبله ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم، وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال: الحمد لله الذي أخرجني من شرّ البقاع ترابا وأسرعها خرابا. ودخل فتى من أهل المدينة البصرة فلما انصرف قال له أصحابه: كيف رأيت البصرة؟ قال: خير بلاد الله للجائع والغريب والمفلس، أما الجائع فيأكل خبز الأرز والصحناءة فلا ينفق في شهر إلّا درهمين، وأما الغريب فيتزوّج بشقّ درهم، وأما المحتاج فلا عليه غائلة ما بقيت له استه يخرأ ويبيع، وقال الجاحظ: من عيوب البصرة اختلاف هوائها في يوم واحد لأنهم يلبسون القمص مرة والمبطّنات مرة لاختلاف جواهر
الساعات، ولذلك سمّيت الرّعناء، قال الفرزدق:
لولا أبو مالك المرجوّ نائله ... ما كانت البصرة الرّعناء لي وطنا
وقد وصف هذه الحال ابن لنكك فقال:
نحن بالبصرة في لو ... ن من العيش ظريف
نحن، ما هبّت شمال، ... بين جنّات وريف
فإذا هبّت جنوب، ... فكأنّا في كنيف
وللحشوش بالبصرة أثمان وافرة، ولها فيما زعموا تجار يجمعونها فإذا كثرت جمع عليها أصحاب البساتين ووقفهم تحت الريح لتحمل إليهم نتنها فإنه كلما كانت أنتن كان ثمنها أكثر، ثم ينادى عليها فيتزايد الناس فيها، وقد قصّ هذه القصة صريع الدّلاء البصري في شعر له ولم يحضرني الآن، وقد ذمّتها الشعراء، فقال محمد بن حازم الباهلي:
ترى البصريّ ليس به خفاء، ... لمنخره من البثر انتشار
ربا بين الحشوش وشبّ فيها، ... فمن ريح الحشوش به اصفرار
يعتّق سلحة، كيما يغالي ... به عند المبايعة التجار
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي:
لهف نفسي على المقام ببغدا ... د، وشربي من ماء كوز بثلج
نحن بالبصرة الذميمة نسقي، ... شرّ سقيا، من مائها الأترنجي
أصفر منكر ثقيل غليظ ... خاثر مثل حقنة القولنج
كيف نرضى بمائها، وبخير ... منه في كنف أرضنا نستنجي
وقال أيضا:
ليس يغنيك في الطهارة بال ... بصرة، إن حانت الصلاة، اجتهاد
إن تطهّرت فالمياه سلاح، ... أو تيمّمت فالصعيد سماد
وقال شاعر آخر يصف أهل البصرة بالبخل وكذب عليهم:
أبغضت بالبصرة أهل الغنى، ... إني لأمثالهم باغض
قد دثّروا في الشمس أعذاقها، ... كأنّ حمّى بخلهم نافض

ذكر ما جاء في مدح البصرة
كان ابن أبي ليلى يقول: ما رأيت بلدا أبكر إلى ذكر الله من أهل البصرة، وقال شعيب بن صخر:
تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة فقال زياد: لو ضلّت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلّني عليها، وقال ابن سيرين: كان الرجل من أهل البصرة يقول لصاحبه إذا بالغ في الدعاء عليه: غضب الله عليك كما غضب على المغيرة وعزله عن البصرة وولاه الكوفة، وقال ابن أبي عيينة المهلبي يصف البصرة:
يا جنّة فاقت الجنان، فما ... يعدلها قيمة ولا ثمن
ألفتها فاتخذتها وطنا، ... إنّ فؤادي لمثلها وطن
زوّج حيتانها الضّباب بها، ... فهذه كنّة وذا ختن
فانظر وفكّر لما نطقت به، ... إنّ الأديب المفكّر الفطن
من سفن كالنّعام مقبلة، ... ومن نعام كأنها سفن
وقال المدائني: وفد خالد بن صفوان على عبد الملك ابن مروان فوافق عنده وفود جميع الأمصار وقد اتخذ مسلمة مصانع له، فسأل عبد الملك أن يأذن للوفود في الخروج معه إلى تلك المصانع، فأذن لهم، فلما نظر إليها مسلمة أعجب بها فأقبل على وفد أهل مكة فقال: يا أهل مكة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فقالوا: لا الا أن فينا بيت الله المستقبل، ثم أقبل على وفد أهل المدينة فقال: يا أهل المدينة هل فيكم مثل هذه؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا قبر نبي الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة هل فيكم مثل هذه المصانع؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا تلاوة كتاب الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل البصرة فقال: يا أهل البصرة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فتكلم خالد بن صفوان وقال: أصلح الله الأمير! إن هؤلاء أقرّوا على بلادهم ولو أن عندك من له ببلادهم خبرة لأجاب عنهم، قال: أفعندك في بلادك غير ما قالوا في بلادهم؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! أصف لك بلادنا؟ فقال: هات، قال: يغدو قانصانا فيجيء هذا بالشّبوط والشّيم ويجيء هذا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس عاجا وساجا وخزّا وديباجا وبرذونا هملاجا وخريدة مغناجا، بيوتنا الذهب ونهرنا العجب أوله الرّطب وأوسطه العنب وآخره القصب، فأما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالزّيتون عندكم في منابته، هذا على أفنانه كذاك على أغصانه، هذا في زمانه كذاك في إبّانه، من الراسخات في الوحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل يخرجن أسفاطا عظاما وأقساطا ضخاما، وفي رواية: يخرجن أسفاطا وأقساطا كأنما ملئت رياطا، ثم ينفلقن عن قضبان الفضة منظومة باللؤلؤ الأبيض ثم تتبدّل قضبان الذهب منظومة بالزبرجد الأخضر ثم تصير ياقوتا أحمر وأصفر ثم تصير عسلا في شنّة من سحاء ليست بقربة ولا إناء حولها المذابّ ودونها الجراب لا يقربها الذباب مرفوعة عن التراب ثم تصير ذهبا في كيسة الرجال يستعان به على العيال، وأما نهرنا العجب فإنّ الماء يقبل عنقا فيفيض مندفقا فيــغسل غثّها ويبدي مبثّها، يأتينا في أوان عطشنا ويذهب في زمان ريّنا فنأخذ منه حاجتنا ونحن نيام على فرشنا فيقبل الماء وله ازدياد وعباب ولا يحجبنا عنه حجاب ولا تغلق دونه الأبواب ولا يتنافس فيه من قلّة ولا يحبس عنّا من علّة، وأما بيوتنا الذهب فإنّ لنا عليهم خرجا في السنين والشهور نأخذه في أوقاته ويسلمه الله تعالى من آفاته وننفقه في مرضاته، فقال له مسلمة: أنّى لكم هذه يا ابن صفوان ولم تغلبوا عليها ولم تسبقوا إليها؟ فقال: ورثناها عن الآباء ونعمّرها للأبناء ويدفع لنا عنها ربّ السماء ومثلنا فيها كما قال معن بن أوس:
إذا ما بحر خندف جاش يوما ... يغطمط موجه المتعرّضينا
فمهما كان من خير، فإنّا ... ورثناها أوائل أوّلينا
وإنّا مورثون، كما ورثنا ... عن الآباء إن متنا، بنينا
وقال الأصمعي: سمعت الرشيد يقول: نظرنا فإذا كلّ ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة. وقال أبو حاتم: ومن العجائب، وهو مما أكرم الله به الإسلام، أنّ النخل لا يوجد إلّا في بلاد الإسلام البتة مع أن بلاد الهند والحبش والنوبة بلاد حارة خليقة بوجود النخل فيها، وقال ابن أبي عيينة يتشوّق البصرة:
فإن أشك من ليلي بجرجان طوله، ... فقد كنت أشكو منه بالبصرة القصر
فيا نفس قد بدّلت بؤسا بنعمة، ... ويا عين قد بدّلت من قرّة عبر
ويا حبذاك السائلي فيم فكرتي ... وهمّي، ألا في البصرة الهمّ والفكر
فيا حبّذا ظهر الحزيز وبطنه، ... ويا حسن واديه، إذا ماؤه زخر
ويا حبذا نهر الأبلّة منظرا، ... إذا مدّ في إبّانه الماء أو جزر
ويا حسن تلك الجاريات، إذا غدت ... مع الماء تجري مصعدات وتنحدر
فيا ندمي إذ ليس تغني ندامتي! ... ويا حذري إذ ليس ينفعني الحذر!
وقائلة: ماذا نبا بك عنهم؟ ... فقلت لها: لا علم لي، فاسألي القدر
وقال الجاحظ: بالبصرة ثلاث أعجوبات ليست في غيرها من البلدان، منها: أنّ عدد المدّ والجزر في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم إليه ويرتدّ عند استغنائهم عنه، ثم لا يبطئ عنها إلّا بقدر هضمها واستمرائها وجمامها واستراحتها، لا يقتلها غطسا ولا غرقا ولا يغبّها ظمأ ولا عطشا، يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة، يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فلا يخفى على أهل الغلّات متى يتخلفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد أن يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر، فهي آية وأعجوبة ومفخر وأحدوثة، لا يخافون المحل ولا يخشون الحطمة، قلت أنا: كلام الجاحظ هذا لا يفهمه إلّا من شاهد الجزر والمد، وقد شاهدته في ثماني سفرات لي إلى البصرة ثم إلى كيش ذاهبا وراجعا، ويحتاج إلى بيان يعرفه من لم يشاهده، وهو أن دجلة والفرات يختلطان قرب البصرة ويصيران نهرا عظيما يجري من ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب فهذا يسمونه جزرا، ثم يرجع من الجنوب إلى الشمال ويسمونه مدّا، يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرّتين، فإذا جزر نقص نقصانا كثيرا بيّنا بحيث لو قيس لكان الذي نقص مقدار ما يبقى وأكثر، وليست زيادته متناسبة بل يزيد في أول كل شهر، ووسطه أكثر من سائره، وذاك أنه إذا انتهى في أول الشهر إلى غايته في الزيادة وسقى المواضع العالية والأراضي القاصية أخذ يمدّ كل يوم وليلة أنقص من اليوم الذي قبله، وينتهي غاية نقص زيادته في آخر يوم من الأسبوع الأول من الشهر، ثم يمدّ في كل يوم أكثر من مدّه في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مدّه في نصف الشهر، ثم يأخذ في النقص إلى آخر الأسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا أبدا لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الاستمرار، قال الجاحظ: والأعجوبة الثانية ادّعاء أهل أنطاكية وأهل حمص وجميع بلاد الفراعنة
الطلسمات، وهي بدون ما لأهل البصرة، وذاك أن لو التمست في جميع بيادرها وربطها المعوّذة وغيرها على نخلها في جميع معاصر دبسها أن تصيب ذبابة واحدة لما وجدتها إلا في الفرط، ولو أن معصرة دون الغيط أو تمرة منبوذة دون المسنّاة لما استبقيتها من كثرة الذّبّان، والأعجوبة الثالثة أن الغربان القواطع في الخريف يجيء منها ما يسوّد جميع نخل البصرة وأشجارها حتى لا يرى غصن واحد إلا وقد تأطّر بكثرة ما عليه منها ولا كربة غليظة إلا وقد كادت أن تندقّ لكثرة ما ركبها منها، ثم لم يوجد في جميع الدهر غراب واحد ساقط إلا على نخلة مصرومة ولم يبق منها عذق واحد، ومناقير الغربان معاول وتمر الأعذاق في ذلك الإبّان غير متماسكة، فلو خلاها الله تعالى ولم يمسكها بلطفه لاكتفى كل عذق منها بنقرة واحدة حتى لم يبق عليها إلا اليسير، ثم هي في ذلك تنتظر أن تصرم فإذا أتى الصرام على آخرها عذقا رأيتها سوداء ثم تخللت أصول الكرب فلا تدع حشفة إلا استخرجتها، فسبحان من قدّر لهم ذلك وأراهم هذه الأعجوبة، وبين البصرة والمدينة نحو عشرين مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة قرب معدن النّقرة، وأخبار البصرة كثيرة والمنسوبون إليها من أهل العلم لا يحصون، وقد صنف عمر بن شبّة وأبو يحيى زكرياء الساجي وغيرهما في فضائلها كتابا في مجلدات، والذي ذكرناه كاف.

والبَصْرَةُ:
أيضا: بلد في المغرب في أقصاه قرب السوس، خربت، قال ابن حوقل وهو يذكر مدن المغرب من بلاد البربر: والبصرة مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالمنيع، ولها عيون خارجها عليها بساتين يسيرة، وأهلها ينسبون إلى السلامة والخير والجمال وطول القامة واعتدال الخلق، وبينها وبين المدينة المعروفة بالأقلام أقلّ من مرحلة، وبينها وبين مدينة يقال لها تشمّس أقلّ من مرحلة أيضا، ولما ذكر المدن التي على البحر قال: ثم تعطف على البحر المحيط يسارا وعليه من المدن، قريبة منه وبعيدة، جرماية وساوران والحجا على نحر البحر، ودونها في البرّ مشرقا: الأقلام ثم البصرة، وقال البشّاري:
البصرة مدينة بالمغرب كبيرة، كانت عامرة وقد خربت، وكانت جليلة، وكان قول البشّاري هذا في سنة 378، وقرأت في كتاب المسالك والممالك لأبي عبيد البكري الأندلسي: بين فاس والبصرة أربعة أيام، قال: والبصرة مدينة كبيرة، وهي أوسع تلك البلاد مرعى وأكثرها ضرعا ولكثرة ألبانها تعرف ببصرة الذّبّان وتعرف ببصرة الكتان، كانوا يتبايعون في بدء أمرها في جميع تجاراتهم بالكتان، وتعرف أيضا بالحمراء لأنها حمراء التربة، وسورها مبنيّ بالحجارة والطوب، وهي بين شرفين، ولها عشرة أبواب، وماؤها زعاق، وشرب أهلها من بئر عذبة على باب المدينة، وفي بساتينها آبار عذبة، ونساء هذه البصرة مخصوصات بالجمال الفائق والحسن الرائق، ليس بأرض المغرب أجمل منهن، قال أحمد بن فتح المعروف بابن الخزّاز التيهرتي يمدح أبا العيش عيسى بن إبراهيم بن القاسم:
قبح الإله الدهر، إلّا قينة ... بصريّة في حمرة وبياض
الخمر في لحظاتها، والورد في ... وجناتها، والكشح غير مفاض
في شكل مرجيّ ونسك مهاجر، ... وعفاف سنّيّ وسمت إباض
تيهرت أنت خلية، وبرقّة ... عوّضت منك ببصرة، فاعتاضي
لا عذر للحمراء في كلفي بها، ... أو تستفيض بأبحر وحياض
قال: ومدينة البصرة مستحدثة أسست في الوقت الذي أسست فيه أصيلة أو قريبا منه.

جُوَيبَارُ

جُوَيبَارُ:
بضم الجيم، وفتح الواو، وسكون الياء تحتها نقطتان، وباء موحدة، وآخره راء، في عدة مواضع، منها: جويبار من قرى هراة، قال أبو سعد: ينسب إليها الكذاب الخبيث أبو عليّ أحمد بن عبد الله بن خالد بن موسى بن فارس بن مرداس التيمي الجويباري الهروي، يروي عن ابن عيينة ووكيع، وقد ذكر في جوبار، وجويبار أيضا: قرية من قرى سمرقند في ظنه، ينسب إليها أبو عليّ الحسن بن عليّ ابن الحسن الجويباري السمرقندي، روى عن عثمان ابن الحسن الهروي، روى عنه داود بن عفان النيسابوري، وداود متروك الحديث. وسكة جويبار:
بمدينة نسف، منها أبو بكر محمد بن السري يلقب جمّ، شيخ صالح، كان يــغسل الموتى، لقي محمد بن إسمعيل البخاري، روى عن إبراهيم بن معقل وغيره، سمع منه عبد الله بن أحمد بن محتاج. وجويبار:
من قرى مرو، منها عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الفضل البوشنجي أبو الفضل الجويباري من قرية جويبار، وقال أبو سعد: كان شيخا صالحا متميّزا من أهل الخير، صحب أبا المظفر السمعاني يحضر درسه، وسمع بقراءته أنا محمد عبد الله بن أحمد السمرقندي، سمع منه كتاب شرف أصحاب الحديث لأبي بكر الخطيب، سمع منه أبو سعد السمعاني، ومولده في حدود سنة 450، ومات بقرية جويبار في ذي الحجة سنة 528.

طشت

طشت



طَشْتٌ: see طَسْتٌ.
(طشت)
السَّمَاء طشا وطشيشا أمْطرت مَطَرا ضَعِيفا والمطر ضعف وَفُلَان جَاءَ مِنْهُ طشاش إِذا كَانَ مزكوما ونثر مَا فِي أَنفه وَأصَاب عينه الطشاش والطشاش الأَرْض طشا أَصَابَهَا
طشت
طَشْت [مفرد]: ج طُشوت: طَسْت؛ إناء كبير مستدير من نُحاس أو نحوه يستعمل للغسيل "غسل يدَه في الطَّشت- اشترت الفتاةُ طَشْتًا من النُّحاس". 

المخضب

(المخضب) الإجانة تــغسل فِيهَا الثِّيَاب (ج) مخاضب وَفِي الحَدِيث أَنه قَالَ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ (أجلسوني فِي مخضب فاغسلــوني)

حَار

(حَار)
بَصَره حيرا وحيرة وحيرانا نظر إِلَى الشَّيْء فَلم يقو على النّظر إِلَيْهِ وارتد عَنهُ وَفُلَان ضل سَبيله وَيُقَال حَار فِي الْأَمر وَالْمَاء اجْتمع وَدَار فَهُوَ حائر وحيران وَهِي حيرى (ج) حيارى
(حَار)
حورا وحئورا رَجَعَ وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {إِنَّه ظن أَن لن يحور} وَيُقَال حَار إِلَيْهِ وَالشَّيْء نقص وَيُقَال حَار بَعْدَمَا كار نقص بَعْدَمَا زَاد وَأَعُوذ بِاللَّه من الْحور بعد الكور والغصة انحدرت كَأَنَّهَا رجعت من موضعهَا وَالْمَاء فِي الغدير تردد وَيُقَال حَار فِي أمره وَالثَّوْب غسلــه وبيضه

الحنيذ

(الحنيذ) المَاء الساخن وَمَا يــغسل بِهِ من خطمي وَنَحْوه وَالَّذِي يقطر دهنه (ودكه) والمشوي وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {قَالَ سَلام فَمَا لبث أَن جَاءَ بعجل حنيذ}
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.