Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: عروس

الطرحة

(الطرحة) الطيلسان وَهُوَ كسَاء يلقى على الْكَتف وَاسْتعْمل حَدِيثا بِمَعْنى غطاء يطْرَح على الرَّأْس والكتفين وَمِنْه طرحة الْــعَرُوس (ج) طراح

زوقه

(زوقه)
طلاه بالزاووق وزينه وَحسنه يُقَال زوق الْــعَرُوس وَيُقَال زوق كَلَامه جمل أسلوبه ونقشه وزخرفه يُقَال زوق الْمَسْجِد وزوق الْكتاب

الربيعة

(الربيعة) حجر وَنَحْوه تمتحن بِرَفْعِهِ القوى وبيضة الْحَدِيد تلبس فِي الْحَرْب وَنَحْوهَا وَالرَّوْضَة والمزادة والحقة يكون فِيهَا طيب الْــعَرُوس (ج) ربائع

الرَّيّ

الرَّيّ:
بفتح أوّله، وتشديد ثانيه، فإن كان عربيّا فأصله من رويت على الراوية أروي ريّا فأنا راو إذا شددت عليها الرّواء، قال أبو منصور:
أنشدني أعرابي وهو يعاكمني:
ريّا تميميّا على المزايد
وحكى الجوهري: رويت من الماء، بالكسر، أروى ريّا وريّا وروى مثل رضى: وهي مدينة مشهورة من أمّهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الفواكه والخيرات، وهي محطّ الحاجّ على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخا ومن قزوين إلى أبهر اثنا عشر فرسخا ومن أبهر إلى زنجان خمسة عشر فرسخا، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة الريّ طولها خمس وثمانون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وست وثلاثون دقيقة، وارتفاعها سبع وسبعون تحت ثماني عشرة درجة من السرطان خارجة من الإقليم الرابع داخلة في الإقليم الخامس، يقابلها مثلها من الجدي في قسمة النسر الطائر ولها شركة في الشعرى والغميصاء رأس الغول من قسمة سعد بلع، ووجدت في بعض تواريخ الفرس أن كيكاوس كان قد عمل عجلة وركّب عليها آلات ليصعد إلى السماء فسخر الله الريح حتى علت به إلى السحاب ثمّ ألقته فوقع في بحر جرجان، فلمّا قام كيخسرو بن سياوش بالملك حمل تلك العجلة وساقها ليقدم بها إلى بابل، فلمّا وصل إلى موضع الريّ قال الناس: بريّ آمد كيخسرو، واسم العجلة بالفارسيّة ريّ، وأمر بعمارة مدينة هناك فسميت الريّ بذلك، قال العمراني: الرّي بلد بناه فيروز ابن يزدجرد وسمّاه رام فيروز، ثمّ ذكر الرّي المشهورة بعدها وجعلهما بلدتين، ولا أعرف الأخرى، فأمّا الرّي المشهورة فإنّي رأيتها، وهي مدينة عجيبة الحسن مبنية بالآجر المنمق المحكم الملمع بالزرقة
مدهون كما تدهن الغضائر في فضاء من الأرض، وإلى جانبها جبل مشرف عليها أقرع لا ينبت فيه شيء، وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها، واتفق أنّني اجتزت في خرابها في سنة 617 وأنا منهزم من التتر فرأيت حيطان خرابها قائمة ومنابرها باقية وتزاويق الحيطان بحالها لقرب عهدها بالخراب إلّا أنّها خاوية على عروشها، فسألت رجلا من عقلائها عن السبب في ذلك فقال: أمّا السبب فضعيف ولكن الله إذا أراد أمرا بلغه، كان أهل المدينة ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقل، وحنفية وهم الأكثر، وشيعة وهم السواد الأعظم، لأن أهل البلد كان نصفهم شيعة وأما أهل الرستاق فليس فيهم إلّا شيعة وقليل من الحنفيين ولم يكن فيهم من الشافعيّة أحد، فوقعت العصبيّة بين السنّة والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعيّة وتطاولت بينهم الحروب حتى لم يتركوا من الشيعة من يعرف، فلمّا أفنوهم وقعت العصبيّة بين الحنفية والشافعيّة ووقعت بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعيّة هذا مع قلّة عدد الشافعيّة إلّا أن الله نصرهم عليهم، وكان أهل الرستاق، وهم حنفية، يجيئون إلى البلد بالسلاح الشاك ويساعدون أهل نحلتهم فلم يغنهم ذلك شيئا حتى أفنوهم، فهذه المحالّ الخراب التي ترى هي محالّ الشيعة والحنفية، وبقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية وهي أصغر محالّ الرّيّ ولم يبق من الشيعة والحنفية إلّا من يخفي مذهبه، ووجدت دورهم كلها مبنية تحت الأرض ودروبهم التي يسلك بها إلى دورهم على غاية الظلمة وصعوبة المسلك، فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر بالغارات ولولا ذلك لما بقي فيها أحد، وقال الشاعر يهجو أهلها:
الرّيّ دار فارغه ... لها ظلال سابغة
على تيوس ما لهم ... في المكرمات بازغه
لا ينفق الشّعر بها ... ولو أتاها النّابغه
وقال إسماعيل الشاشي يذمّ أهل الرّيّ:
تنكّب حدّة الأحد ... ولا تركن إلى أحد
فما بالرّيّ من أحد ... يؤهل لاسم الأحد
وقد حكى الاصطخري أنّها كانت أكبر من أصبهان لأنّه قال: وليس بالجبال بعد الريّ أكبر من أصبهان، ثمّ قال: والرّيّ مدينة ليس بعد بغداد في المشرق أعمر منها وإن كانت نيسابور أكبر عوصة منها، وأمّا اشتباك البناء واليسار والخصب والعمارة فهي أعمر، وهي مدينة مقدارها فرسخ ونصف في مثله، والغالب على بنائها الخشب والطين، قال: وللرّيّ قرى كبار كلّ واحدة أكبر من مدينة، وعدّد منها قوهذ والسّدّ ومرجبى وغير ذلك من القرى التي بلغني أنها تخرج من أهلها ما يزيد على عشرة آلاف رجل، قال: ومن رساتيقها المشهورة قصران الداخل والخارج وبهزان والسن وبشاويه ودنباوند، وقال ابن الكلبي: سميت الريّ بريّ رجل من بني شيلان ابن أصبهان بن فلوج، قال: وكان في المدينة بستان فخرجت بنت ريّ يوما إليه فإذا هي بدرّاجة تأكل تينا، فقالت: بور انجير يعني أن الدّرّاجة تأكل تينا، فاسم المدينة في القديم بورانجير ويغيره أهل الرّيّ فيقولون بهورند، وقال لوط بن يحيى:
كتب عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، إلى عمار بن ياسر وهو عامله على الكوفة بعد شهرين من فتح
نهاوند يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الرّيّ ودستبى في ثمانية آلاف، ففعل وسار عروة لذلك فجمعت له الديلم وأمدوا أهل الرّيّ وقاتلوه فأظهره الله عليهم فقتلهم واستباحهم، وذلك في سنة 20 وقيل في سنة 19، وقال أبو نجيد وكان مع المسلمين في هذه الوقائع:
دعانا إلى جرجان والرّيّ دونها ... سواد فأرضت من بها من عشائر
رضينا بريف الرّيّ والرّيّ بلدة ... لها زينة في عيشها المتواتر
لها نشز في كلّ آخر ليلة ... تذكّر أعراس الملوك الأكابر
قال جعفر بن محمد الرازي: لما قدم المهديّ الرّيّ في خلافة المنصور بنى مدينة الرّيّ التي بها الناس اليوم وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا، وجرى ذلك على يد عمار بن أبي الخصيب، وكتب اسمه على حائطها، وتمّ عملها سنة 158، وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين آجر، والفارقين: الخندق، وسمّاها المحمديّة، فأهل الرّيّ يدعون المدينة الداخلة المدينة ويسمون الفصيل المدينة الخارجة والحصن المعروف بالزينبدى في داخل المدينة المعروفة بالمحمدية، وقد كان المهدي أمر بمرمّته ونزله أيّام مقامه بالرّيّ، وهو مطلّ على المسجد الجامع ودار الإمارة، ويقال: الذي تولّى مرمّته وإصلاحه ميسرة التغلبي أحد وجوه قواد المهدي، ثمّ جعل بعد ذلك سجنا ثمّ خرب فعمره رافع بن هرثمة في سنة 278 ثمّ خرّبه أهل الرّيّ بعد خروج رافع عنها، قال:
وكانت الرّيّ تدعى في الجاهليّة أزارى فيقال إنّه خسف بها، وهي على اثني عشر فرسخا من موضع الرّيّ اليوم على طريق الخوار بين المحمدية وهاشمية الرّيّ، وفيها أبنية قائمة تدل على أنّها كانت مدينة عظيمة، وهناك أيضا خراب في رستاق من رساتيق الرّيّ يقال له البهزان، بينه وبين الرّيّ ستة فراسخ يقال إن الرّيّ كانت هناك، والناس يمضون إلى هناك فيجدون قطع الذهب وربّما وجدوا لؤلؤا وفصوص ياقوت وغير ذلك من هذا النوع، وبالرّيّ قلعة الفرّخان، تذكر في موضعها، ولم تزل قطيعة الرّيّ اثني عشر ألف ألف درهم حتى اجتاز بها المأمون عند منصرفه من خراسان يريد مدينة السلام فلقيه أهلها وشكوا إليه أمرهم وغلظ قطيعتهم فأسقط عنهم منها ألفي ألف درهم وأسجل بذلك لأهلها، وحكى ابن الفقيه عن بعض العلماء قال: في التوراة مكتوب الرّيّ باب من أبواب الأرض وإليها متجر الخلق، وقال الأصمعي: الرّيّ عروس الدنيا وإليه متجر الناس، وهو أحد بلدان الأرض، وكان عبيد الله ابن زياد قد جعل لعمر بن سعد بن أبي وقاص ولاية الرّيّ إن خرج على الجيش الذي توجّه لقتال الحسين ابن عليّ، رضي الله عنه، فأقبل يميل بين الخروج وولاية الرّيّ والقعود، وقال:
أأترك ملك الرّيّ والرّيّ رغبة، ... أم ارجع مذموما بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها ... حجاب وملك الرّيّ قرّة عين
فغلبه حبّ الدنيا والرياسة حتى خرج فكان من قتل الحسين، رضي الله عنه، ما كان. وروي عن جعفر الصادق، رضي الله عنه، أنّه قال: الرّيّ وقزوين وساوة ملعونات مشؤومات، وقال إسحاق بن سليمان: ما رأيت بلدا أرفع للخسيس من الرّيّ،
وفي أخبارهم: الريّ ملعونة وتربتها تربة ملعونة ديلمية وهي على بحر عجاج تأبى أن تقبل الحق، والرّيّ سبعة عشر رستاقا منها دنباوند وويمة وشلمبة، حدث أبو عبد الله بن خالويه عن نفطويه قال: قال رجل من بني ضبّة وقال المدائني:
فرض لأعرابي من جديلة فضرب عليه البعث إلى الري وكانوا في حرب وحصار، فلمّا طال المقام واشتدّ الحصار قال الأعرابي: ما كان أغناني عن هذا! وأنشأ يقول:
لعمري لجوّ من جواء سويقة ... أسافله ميث وأعلاه أجرع
به العفر والظّلمان والعين ترتعي ... وأمّ رئال والظّليم الهجنّع
وأسفع ذو رمحين يضحي كأنّه ... إذا ما علا نشزا، حصان مبرقع
أحبّ إلينا أن نجاور أهلنا ... ويصبح منّا وهو مرأى ومسمع
من الجوسق الملعون بالرّيّ كلّما ... رأيت به داعي المنيّة يلمع
يقولون: صبرا واحتسب! قلت: طالما ... صبرت ولكن لا أرى الصبر ينفع
فليت عطائي كان قسّم بينهم ... وظلّت بي الوجناء بالدّوّ تضبع
كأنّ يديها حين جدّ نجاؤها ... يدا سابح في غمرة يتبوّع
أأجعل نفسي وزن علج كأنّما ... يموت به كلب إذا مات أجمع؟
والجوسق الملعون الذي ذكره ههنا هو قلعة الفرّخان، وحدث أبو المحلّم عوف بن المحلم الشيباني قال: كانت لي وفادة على عبد الله بن طاهر إلى خراسان فصادفته يريد المسير إلى الحجّ فعادلته في العماريّة من مرو إلى الريّ، فلمّا قاربنا الرّيّ سمع عبد الله بن طاهر ورشانا في بعض الأغصان يصيح، فأنشد عبد الله بن طاهر متمثلا بقول أبي كبير الهذلي:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر، ... وغصنك ميّاد، ففيم تنوح؟
أفق لا تنح من غير شيء، فإنّني ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح
ولوعا فشطّت غربة دار زينب، ... فها أنا أبكي والفؤاد جريح
ثمّ قال: يا عوف أجز هذا، فقلت في الحال:
أفي كلّ عام غربة ونزوح؟ ... أما للنّوى من ونية فنريح؟
لقد طلّح البين المشتّ ركائبي، ... فهل أرينّ البين وهو طليح؟
وأرّقني بالرّيّ نوح حمامة، ... فنحت وذو الشجو القديم ينوح
على أنّها ناحت ولم تذر دمعة، ... ونحت وأسراب الدّموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما، ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فتضحي عصا الأسفار وهي طريح
فإنّ الغنى يدني الفتى من صديقه، ... وعدم الغنى بالمقترين نزوح
فأخرج رأسه من العمارية وقال: يا سائق ألق زمام البعير، فألقاه فوقف ووقف الخارج ثمّ دعا بصاحب
بيت ماله فقال: كم يضمّ ملكنا في هذا الوقت؟
فقال: ستين ألف دينار، فقال: ادفعها إلى عوف، ثمّ قال: يا عوف لقد ألقيت عصا تطوافك فارجع من حيث جئت، قال: فأقبل خاصة عبد الله عليه يلومونه ويقولون أتجيز أيّها الأمير شاعرا في مثل هذا الموضع المنقطع بستين ألف دينار ولم تملك سواها! قال: إليكم عني فإنّي قد استحييت من الكرم أن يسير بي جملي وعوف يقول: عسى جود عبد الله، وفي ملكي شيء لا ينفرد به، ورجع عوف إلى وطنه فسئل عن حاله فقال: رجعت من عند عبد الله بالغنى والراحة من النوى، وقال معن بن زائدة الشيباني:
تمطّى بنيسابور ليلي وربّما ... يرى بجنوب الرّيّ وهو قصير
ليالي إذ كلّ الأحبّة حاضر، ... وما كحضور من تحب سرور
فأصبحت أمّا من أحبّ فنازح ... وأمّا الألى أقليهم فحضور
أراعي نجوم اللّيل حتى كأنّني ... بأيدي عداة سائرين أسير
لعلّ الذي لا يجمع الشمل غيره ... يدير رحى جمع الهوى فتدور
فتسكن أشجان ونلقى أحبّة، ... ويورق غصن للشّباب نضير
ومن أعيان من ينسب إليها أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم صاحب الكتب المصنفة، مات بالرّيّ بعد منصرفه من بغداد في سنة 311، عن ابن شيراز، ومحمد بن عمر بن هشام أبو بكر الرازي الحافظ المعروف بالقماطري، سمع وروى وجمع، قال أبو بكر الإسماعيلي: حدّثني أبو بكر محمد بن عمير الرازي الحافظ الصدوق بجرجان، وربّما قال الثقة المأمون، سكن مرو ومات بها في سنة نيف وتسعين ومائتين، وعبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد ابن أبي حاتم الرازي أحد الحفّاظ، صنف الجرح والتعديل فأكثر فائدته، رحل في طلب العلم والحديث فسمع بالعراق ومصر ودمشق، فسمع من يونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم والربيع بن سليمان والحسن بن عرفة وأبيه أبي حاتم وأبي زرعة الرازي وعبد الله وصالح ابني أحمد بن حنبل وخلق سواهم، وروى عنه جماعة أخرى كثيرة، وعن أبي عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا أحمد محمد بن محمد ابن أحمد بن إسحاق الحاكم الحافظ يقول: كنت بالرّيّ فرأيتهم يوما يقرؤون على محمد بن أبي حاتم كتاب الجرح والتعديل، فلمّا فرغوا قلت لابن عبدويه الورّاق: ما هذه الضحكة؟ أراكم تقرؤون كتاب التاريخ لمحمد بن إسماعيل البخاري عن شيخكم على هذا الوجه وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم! فقال: يا أبا محمد اعلم أن أبا زرعة وأبا حاتم لما حمل إليهما هذا الكتاب قالا هذا علم حسن لا يستغنى عنه ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا، فأقعدا أبا محمد عبد الرحمن الرازي حتى سألهما عن رجل معه رجل وزادا فيه ونقصا منه، ونسبه عبد الرحمن الرازي، وقال أحمد بن يعقوب الرازي: سمعت عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي يقول: كنت مع أبي في الشام في الرحلة فدخلنا مدينة فرأيت رجلا واقفا على الطريق يلعب بحيّة ويقول: من يهب لي درهما حتى أبلع هذه الحيّة؟ فالتفت إليّ أبي وقال: يا بني احفظ دراهمك فمن أجلها تبلع الحيّات! وقال أبو يعلى الخليل بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ القزويني: أخذ عبد الرحمن بن أبي حاتم علم أبيه وعلم أبي زرعة وصنّف
منه التصانيف المشهورة في الفقه والتواريخ واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان من الأبدال ولد سنة 240، ومات سنة 327، وقد ذكرته في حنظلة وذكرت من خبره هناك زيادة عمّا ههنا، وإسماعيل بن عليّ بن الحسين بن محمد بن زنجويه أبو سعد الرازي المعروف بالسمّان الحافظ، كان من المكثرين الجوّالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ، سمع ببغداد أبا طاهر المخلص ومحمد بن بكران بن عمران، روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو علي الحداد الأصبهاني وغيرهما، مات في الرابع والعشرين من شعبان سنة 445، وكان معتزليّا، وصنف كتبا كثيرة ولم يتأهّل قط، وكان فيه دين وورع، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازي والد تمام بن محمد الرازي الحافظان ويعرف في الرّيّ بأبي الرستاقي، سمع ببلده وغيره وأقام بدمشق وصنف، وكان حافظا ثقة مكثرا، مات سنة 347، وابنه تمام بن محمد الحافظ، ولد بدمشق وسمع بها من أبيه ومن خلق كثير وروى عنه خلق، وقال أبو محمد بن الأكفاني: أنبأنا عبد العزيز الكناني قال: توفي شيخنا وأستاذنا تمام الرازي لثلاث خلون من المحرم سنة 414، وكان ثقة مأمونا حافظا لم أر أحفظ منه لحديث الشاميّين، ذكر أن مولده سنة 303، وقال أبو بكر الحداد: ما لقينا مثله في الحفظ والخبر، وقال أبو علي الأهوازي:
كان عالما بالحديث ومعرفة الرجال ما رأيت مثله في معناه، وأبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم ابن الحكم بن عبد الله الحافظ الرازي، قال الحافظ أبو القاسم: قدم دمشق سنة 347 فسمع بها أبا الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرازي والد تمام، وبنيسابور أبا حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال وأبا الحسن علي بن أحمد الفارسي ببلخ وأبا عبد الله بن مخلد ببغداد وأبا الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني بمصر وعمر بن إبراهيم بن الحدّاد بتنّيس وأبا عبد الله المحاملي وأبا العباس الأصمّ، وحدث بدمشق في تلك السنة فروى عنه تمام وعبد الرحمن بن عمر بن نصر والقاضيان أبو عبد الله الحسين بن محمد الفلّاكي الزّنجاني وأبو القاسم التنوخي وأبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد الجارودي الحافظ وحمزة بن يوسف الخرقاني وأبو محمد إبراهيم بن محمد بن عبد الله الزنجاني الهمداني وعبد الغني بن سعيد والحاكم أبو عبد الله وأبو العلاء عمر بن علي الواسطي وأبو زرعة روح بن محمد الرازي ورضوان بن محمد الدّينوري، وفقد بطريق مكّة سنة 375، وكان أهل الريّ أهل سنّة وجماعة إلى أن تغلب أحمد بن الحسن المارداني عليها فأظهر التشيع وأكرم أهله وقرّبهم فتقرّب إليه الناس بتصنيف الكتب في ذلك فصنف له عبد الرحمن بن أبي حاتم كتابا في فضائل أهل البيت وغيره، وكان ذلك في أيّام المعتمد وتغلبه عليها في سنة 275، وكان قبل ذلك في خدمة كوتكين ابن ساتكين التركي، وتغلب على الرّيّ وأظهر التشيع بها واستمرّ إلى الآن، وكان أحمد بن هارون قد عصى على أحمد بن إسماعيل الساماني بعد أن كان من أعيان قواده وهو الذي قتل محمد بن زيد الراعي فتبعه أحمد بن إسماعيل إلى قزوين فدخل أحمد بن هارون بلاد الديلم وأيس منه أحمد بن إسماعيل فرجع فنزل بظاهر الري ولم يدخلها، فخرج إليه أهلها وسألوه أن يتولّى عليهم ويكاتب الخليفة في ذلك ويخطب ولاية الرّيّ، فامتنع وقال: لا أريدها لأنّها
مشؤومة قتل بسببها الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وتربتها ديلمية تأبى قبول الحقّ وطالعها العقرب، وارتحل عائدا إلى خراسان في ذي الحجة سنة 289، ثمّ جاء عهده بولاية الرّيّ من المكتفي وهو بخراسان، فاستعمل على الرّيّ من قبله ابن أخيه أبا صالح منصور بن إسحاق بن أحمد بن أسد فوليها ستّ سنين، وهو الذي صنف له أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم كتاب المنصوري في الطبّ، وهو الكنّاشة، وكان قدوم منصور إليها في سنة 290، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.

نَهَاوَنْد

نَهَاوَنْد:
بفتح النون الأولى وتكسر، والواو مفتوحة، ونون ساكنة، ودال مهملة: هي مدينة عظيمة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام، قال أبو المنذر هشام:
سميت نهاوند لأنهم وجدوها كما هي، ويقال إنها من بناء نوح، عليه السّلام، أي نوح وضعها وإنما اسمها نوح أوند فخففت وقيل نهاوند، وقال حمزة:
أصلها بنوهاوند فاختصروا منها ومعناه الخير المضاعف، قال بطليموس: نهاوند في الإقليم الرابع، طولها اثنتان وسبعون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، وهي أعتق مدينة في الجبل، وكان فتحها سنة 19، ويقال سنة 20، وذكر أبو بكر الهذلي عن محمد بن الحسن: كانت وقعة نهاوند سنة 21 أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأمير المسلمين النعمان بن مقرّن المزني، وقال عمر: إن أصبت فالأمير حذيفة ابن اليمان ثم جرير بن عبد الله ثم المغيرة بن شعبة ثم الأشعث بن قيس، فقتل النعمان وكان صحابيّا فأخذ الراية حذيفة وكان الفتح على يده صلحا، كما ذكرناه في ماه دينار، وقال المبارك بن سعيد عن أبيه قال:
نهاوند من فتوح أهل الكوفة والدّينور من فتوح أهل البصرة، فلما كثر الناس بالكوفة احتاجوا إلى أن يرتادوا من النواحي التي صولح على خراجها فصيّرت لهم الدينور وعوّض أهل البصرة نهاوند لأنها قريبة من أصبهان فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة فسميت نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة، وذلك في أيام معاوية بن أبي سفيان، قال ابن الفقيه: وعلى جبل نهاوند طلسمان وهما صورة سمكة وصورة ثور من ثلج لا يذوبان في شتاء ولا صيف، ويقال إنهما للماء لئلا يقلّ بها، فماؤها نصفان:
نصف إليها ونصف إلى الدينور، وقال في موضع آخر:
وماء ذلك الجبل ينقسم قسمين، قسم يأخذ إلى نهاوند وقسم يأخذ في المغرب حتى يسقي رستاقا يقال له الأشتر، وقال مسعر بن المهلهل أبو دلف: وسرنا من همذان إلى نهاوند وبها سمكة وثور من حجر حسنا الصورة يقال إنهما طلسم لبعض الآفات التي كانت بها، وبها آثار لبعض الفرس حسنة، وفي وسطها حصن عجيب البناء عالي السّمك، وبها قبور قوم من العرب استشهدوا في صدر الإسلام، وماؤها بإجماع العلماء غذيّ مريء، وبها شجر خلاف تعمل منه الصوالجة ليس في شيء من البلدان مثله في صلابته وجودته، قال ابن الفقيه: وبنهاوند قصب يتخذ منه ذريرة وهو هذا الحنوط فما دام بنهاوند أو بشيء من رساتيقها فهو والخشبة بمنزلة واحدة لا رائحة له، فإذا حمل منها وجاوز العقبة التي يقال لها عقبة الركاب فاحت رائحته وزالت الخشبيّة عنه، وقال عبيد الله الفقير إليه مؤلف الكتاب: ومما يصدق هذه الحكاية ما ذكره محمد بن أحمد بن سعيد التميمي في كتاب له ألّفه في الطبّ في مجلّدين وسماه حبيب الــعروس وريحان النفوس، قال: قصبة الذريرة هي القمحة العراقية وهي ذريرة القصب، وقال فيه يحيى بن ماسويه: إنه قصب يجلب من ناحية نهاوند، قال: وكذلك قال فيه محمد بن العباس الخشكي قال: وأصله قصب ينبت في أجمة في بعض الرساتيق يحيط بها جبال والطريق إليها في عدة عقاب فإذا طال ذلك القصب ترك حتى يجفّ ثم يقطع عقدا وكعابا على مقدار عقد ويعبى في
جوالقات ويحمل فإن أخذته على عقبة من تلك العقاب مسماة معروفة نخر وتهافت وتكلّس جسمه فصار ذريرة وسمي قمحة، وإن أسلك به على غير تلك العقبة لم يزل على حاله قصبا صلبا وأنابيب وكعابا صلبة لا ينتفع به ولا يصلح إلا للوقود، وهذا من العجائب الفردة، وقال ابن الفقيه: يوجد على حافّات نهر نهاوند طين أسود للختم وهو أجود ما يكون من الطين وأشده سوادا وتعلّكا، يزعم أهل الناحية أن السراطين تخرجه من جوف النهر وتلقيه إلى حافاته، ويقولون إنهم لو حفروا في قرار النهر ما حفروا أو في جوانبه ما وجدوا إلا ما تخرجه السراطين، قال: وحدثني رجل من أهل الأدب قال: رأيت بنهاوند فتى من الكتّاب وهو كالساهي فقلت له: ما حالك؟ فقال:
يا طول ليلي بنهاوند ... مفكّرا في البثّ والوجد
فمرّة آخذ من منية ... لا تجلب الخير ولا تجدي
ومرّة أشدو بصوت إذا ... غنّيته صدّع لي كبدي
قد جالت الأيام بي جولة ... فصرت منها ببروجرد
كأنني في خانها مصحف ... مستوحش في يد مرتدّ
الحمد لله على كلّ ما ... قدّر من قبل ومن بعد
وبين همذان ونهاوند أربعة عشر فرسخا، من همذان إلى روذراور سبعة فراسخ، وجمع الفرس جموعها بنهاوند قيل مائة وخمسون ألف فارس وقدّم عليهم الفيروزان وبلغ ذلك المسلمين فأنفذ عمر عليهم الجيوش وعليهم النعمان بن مقرّن فواقعهم فقتل أول قتيل فأخذ حذيفة بن اليمان رايته وصار الفتح، وذلك أول سنة 19 لسبع سنين من خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقيل: كانت سنة 20، والأول أثبت، فلم يقم للفرس بعد هذه الوقعة قائم فسماها المسلمون فتح الفتوح، فقال القعقاع بن عمرو المخزومي:
رمى الله من ذمّ العشيرة سادرا ... بداهية تبيضّ منها المقادم
فدع عنك لومي لا تلمني فإنني ... أحوط حريمي والعدوّ الموائم
فنحن وردنا في نهاوند موردا ... صدرنا به، والجمع حرّان واجم
وقال أيضا:
وسائل نهاوندا بنا كيف وقعنا ... وقد أثخنتها في الحروب النوائب
وقال أيضا:
ونحن حبسنا في نهاوند خيلنا ... لشدّ ليال أنتجت للأعاجم
فنحن لهم بينا وعصل سجلّها ... غداة نهاوند لإحدى العظائم [1]
ملأنا شعابا في نهاوند منهم ... رجالا وخيلا أضرمت بالضرائم
وراكضهنّ الفيرزان على الصفا ... فلم ينجه منا انفساح المخارم

المَهْدِيّةُ

المَهْدِيّةُ:
بالفتح ثم السكون، في موضعين: إحداهما بإفريقية والأخرى اختطها عبد المؤمن بن عليّ قرب سلا، فأما المهديّ ففي اشتقاقه عندي أربعة أوجه:
أحدها أن يكون من المهدي، بفتح ميمه، ويعني أنه هو مهتد في نفسه لا أنه هداه غيره ولو كان ذلك لكان المهدي، بضم الميم، كقولك المرميّ والمكريّ والملقيّ، ولو كان يفعل ذلك بغيره لضمّت الميم، وليس الضم والفتح للتعدية وغير التعدية، فإن الأصمعي يقول: هداه يهديه في الدين هدى وهداه يهديه هداية إذا دلّه على الطريق، وهديت الــعروس فأنا أهديها هداء، وأهديت الهديّة إهداء وأهديت الهدي، هذان الأخيران بالألف والأول كما تراه ثلاثيّا متعدّيا فلا يفتقر إلى زيادة ألف التعدية فهو بمنزلة اسم الزمان والمكان وإن كان اسم رجل لأنك إذا قلت مضرب أو مشرب إنما المراد موضع
الضرب والشرب ومحلهما، فكذلك هذا المسمّى المراد أنه موضع الهدي ومحلّه، ويجوز أن يكون المهديّ منسوبا إلى اسم مكان الهدي كما أن مضربيّ منسوب إلى اسم مكان الضرب، والقياس هدى يهدي والمكان مهديّ بتصحيح الياء كما أن قاض أصله قاضي بتصحيح الياء مثل مضرب سواء ولكنهم استثقلوا الخروج من الكسر إلى الضم كما استثقلوا في القاضي والغازي فعدلوا إلى الأخفّ فقالوا مهدى كما قالوا مغزى فصار مقصورا لا يحتمل ما تحتمله الياء من التحريك في النصب فلزم طريقة واحدة وأعيدت الياء في القاضي إلى أصلها لما أمن الثقل عليها، فإن قيل فهلّا فرّوا في القاضي والغازي إلى القصر وألزموه طريقة واحدة؟ قلنا إنما فرّوا من الثقل، ولو قالوا قاضا لصار بعد الضاد ألف وقبلها ألف وصار في زنة الفعل من قاضيت ففرّوا إلى الأخفّ، لكنهم لما نسبوا إليهما ردّوهما إلى الأصل الواحد في رأيي فقالوا قاضيّ ومهديّ، فكسروا الدال التي في مهدي وشدّدوا ياء النسبة وإن كان الأشهر الأكثر قاضويّ ومهدويّ ومغزويّ إلا أن ذلك هو الأولى على أصلنا، فهذا هو وجه حسن في تعليل من قال قاضيّ ومغزيّ لا مطعن للمنصف فيه، والوجه الثاني وهو الذي يراه النحويون في هذا أن المهديّ هو اسم المفعول من هدى يهدي فهو مهديّ مثل ضرب يضرب فهو مضروب فعلى هذا أصله مهدوي، بفتح أوله وسكون ثانيه وضم الدال وسكون واوه وتصحيح يائه، بوزن مضروب، فاستثقلوا الخروج من الواو الساكنة إلى الياء فأدغموا الواو في الياء فصارت ياء مشددة فكسرت لها الدال فصار مهديّ مثل مرميّ ومشويّ ومقليّ، والوجه الثالث أن يكون منسوبا إلى المهد تشبيها له بعيسى، عليه السلام، فإنه تكلم في المهد فضيلة اختصّ بها وإنه يأتي في آخر الزمان فيهدي الناس من الضلالة ويردهم إلى الصواب، وهذه المدينة بإفريقية منسوبة إلى المهدي، وبينها وبين القيروان مرحلتان، القيروان في جنوبيها، والثياب السوسية المهدويّة إليها تنسب، وقد اختطها المهدي، واختلف في نسبه فأكثر أهل السير الذين لم يدخلوا في رعيتهم وبعض رعيتهم الذين كانوا يخفون أمرهم يزعمون أنه كان ابن يهوديّ من أهل سلمية الشام وتزوّج القدّاح الذي كان أصل هذه الدعوة بأمه فربّاه إلى أن حضرته الوفاة ولم يكن له ولد فعهد إليه وعلّمه الدعوة وكان اسمه سعيدا فلما صار الأمر إليه سمي عبيد الله، وقال قوم قليلون: إنه ولد القداح نفسه، في قصص طويلة، وقال من صحّح نسبه: إنه أحمد بن إسماعيل الثاني ابن محمد بن إسماعيل الأكبر بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، قدم إفريقية، فملكها وأقام بالقيروان مدّة ثم خطّ المهدية، وهي على ساحل بحر الروم داخلة فيه ككفّ على زند، عليها سور عال محكم كأعظم ما يكون يمشي عليه فارسان، عليها باب من حديد مصمت مصراع واحد تأنّق المهديّ في عمله، وقال بعض أهل المعرفة بأخبارهم:
في سنة 300 خرج المهدي بنفسه إلى تونس يرتاد لنفسه موضعا يبني فيه مدينة خوفا من خارج يخرج عليه، وأراد موضعا حصينا حتى ظفر بموضع المهدية وهي جزيرة متصلة بالبرّ كهيئة كف متصلة بزند، فتأمّلها فوجد فيها راهبا في مغارة فقال له: بم يعرف هذا الموضع؟ فقال: هذا يسمّى جزيرة الخلفاء، فأعجبه هذا الاسم فبناها وجعلها دار مملكته وحصّنها بالسور المحكم والأبواب الحديد المصمت وجعل في كل مصراع من الأبواب مائة قنطار، ولها بابان بأربعة مصاريع لكل باب منها دهليز يسع خمسمائة فارس،
وكان شروعه في اختطاطها لخمس خلون من ذي القعدة سنة 303، وقال أبو عبيد البكري: كان شروعه فيها سنة 300 وكمّل سورها في سنة خمس وانتقل إليها سنة ثمان في شوال، ولم تزل دار مملكة لهم إلى أن ولي الأمر إسماعيل بن أبي القاسم سنة 44 فسار إلى القيروان محاربا لأبي يزيد واتخذ مدينة صبرة واستوطنها بعد أبيه معدّ وعمل فيها مصانع واحتفر أبآرا وبنى فيها قصورا عالية، قال بطليموس: مدينة برقة وهي المهدية طولها اثنتان وثلاثون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، داخلة في الإقليم الرابع، طالعها العقرب تحت اثنتي عشرة درجة، منزلها من قلب العقرب الجناح الأيمن ولها ممسك العنان ولها جبهة الليث تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها اثنتا عشرة درجة من الجدي، وقال أبو عبيد البكري: جعل لمدينتها بابا حديد لا خشب فيهما كل باب وزنه ألف قنطار وطوله ثلاثون شبرا كل مسمار من مساميره ستة أرطال وجعل فيها من الصهاريج العظام، وأهل تلك النواحي يسمّونها مواجل، ثلاثمائة وستين موجلا غير ما يجري إليها من القناة التي فيها، والماء الجاري الذي بالمهدية جلبه عبيد الله من قرية ميّانش وهي على مقربة من المهدية في أول أقداس ويصبّ في المهدية في صهريج داخل المدينة عند جامعها ويرفع من الصهريج إلى القصر بالدواليب وكذلك يسقي أيضا من قرية ميّانش من الآبار بالدواليب يصبّ في محبس يجري منه في تلك القناة، قال: ومرسى المهدية منقور في حجر صلد يسع ثلاثين مركبا، على طرفي المرسى برجان بينهما سلسلة حديد فإذا أريد إدخال سفينة أرسل حرّاس البرجين أحد طرفي السلسلة حتى تدخل السفينة ثم يمدّونها كما كانت تحبيسا لها، ولما فرغ من إحكام ذلك قال: اليوم أمنت على الفاطميّات، يعني بناته، وارتحل إليها وأقام بها ثم عمّر فيها الدكاكين ورتب فيها أرباب المهن كلّ طائفة في سوق فنقلوا إليها أموالهم فلما استقام ذلك أمر بعمارة مدينة أخرى إلى جانب المهدية وجعل بين المدينتين قدر طول ميدان وأفردها بسور وأبواب وحفظة وسماها زويلة وأسكن أرباب الدكاكين من البزّازين وغيرهم فيها بحرمهم وأهاليهم وقال: إنما فعلت ذلك لآمن غائلتهم وذاك أن أموالهم عندي وأهاليهم هناك، فإن أرادوني بكيد وهم بزويلة كانت أموالهم عندي فلا يمكنهم ذلك، وإن أرادوني بكيد وهم بالمهدية خافوا على حرمهم هناك، وبنيت بيني وبينهم سورا وأبوابا فأنا آمن منهم ليلا ونهارا لأني أفرّق بينهم وبين أموالهم ليلا وبينهم وبين حرمهم نهارا، وشرب أهلها من الآبار والصهاريج، ومهما ذكرنا من حصانتها فإن أحوال ملوكها تناقضت حتى أفضى الأمر إلى أن أنفذ روجار صاحب صقليّة جرجي إليها في سنة 543 فأخلاها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس وخرج هاربا حتى لحق بعبد المؤمن وبقيت في يد الأفرنج اثنتي عشرة سنة حتى قدم عبد المؤمن في سنة 555 إلى إفريقية فأخذ المهدية في أسرع وقت فهي في يد أصحابه إلى يومنا هذا ولم تغن حصانتها في جنب قضاء الله شيئا، وينسب إلى المهدية جماعة وافرة من العلماء في كل فنّ، منهم: أبو الحسن علي بن محمد بن ثابت الخولاني المعروف بالحدّاد المهدوي القائل:
قالت، وأبدت صفحة ... كالشمس من تحت القناع:
بعت الدفاتر وهي آ ... خر ما يباع من المتاع
فأجبتها، ويدي على ... كبدي وهمّت بانصداع:
لا تعجبي فيما رأي ... ت فنحن في زمن الضّياع

مَرَاغَةُ

مَرَاغَةُ:
بالفتح، والغين المعجمة: بلدة مشهورة عظيمة أعظم وأشهر بلاد أذربيجان، طولها ثلاث وسبعون درجة وثلث، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلث، قالوا: وكانت المراغة تدعى أفرازهروذ فعسكر مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وهو وإلى إرمينية وأذربيجان منصرفه من غزو موقان وجيلان بالقرب منها وكان فيها سرجين كثير فكانت دوابّه ودوابّ أصحابه تتمرّغ فيها فجعلوا يقولون ابنوا قرية المراغة، وهذه قرية المراغة، فحذف الناس القرية وقالوا مراغة، وكان أهلها ألجئوها إلى مروان فابتناها وتألّف وكلاؤه أهلها فكثروا فيها للتقرر وعمّروها ثم إنه قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية وصارت لبعض بنات الرشيد، فلما عاث الوجناء ابن رواد الأزدي وأفسد وولي خزيمة بن خازم إرمينية وأذربيجان في خلافة الرشيد بنى سورها وحصّنها ومصّرها وأنزل بها جندا كثيفا، ثم إنهم لما ظهر بابك الخرّمي بالبذّ لجأ الناس إليها فنزلوها فسكنوها وتحصّنوا فيها ورمّ سورها في أيام المأمون عدّة من عمّاله، منهم: أحمد بن محمد بن الجنيد فرزندا وعلي بن هشام ثم نزل الناس بربضها، وينسب إلى المراغة جماعة، منهم: جعفر بن محمد بن الحارث أبو محمد المراغي أحد الرحّالين في طلب الحديث وجمعه، سكن نيسابور، وسمع بدمشق وغيرها جماهير بن محمد الزملكاني وابن قتيبة محمد بن الحسن العسقلاني وأبا يعلى الموصلي وجعفر بن محمد القيرواني وعبد الله بن محمد بن ناجية ومحمد بن يحيى المروزي وأبا خليفة الفضل بن الحباب وزكرياء الساجي وعبدان الجواليقي وأحمد بن يحيى ابن زهير والمنصور بن إسماعيل الفقيه وأبا العباس الدّغولي وعلي بن عبدان وغيرهم، روى عنه أبو علي الحافظ وأبو عبد الله الحاكم وعبد الرحمن بن محمد السرّاح وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو بكر المقري، قال أبو عبد الله الحافظ: جعفر بن محمد بن الحارث أبو محمد المراغي مريد نيسابور شيخ الرحّالة في طلب الحديث وأكثرهم جهادا وجمعا، كتب الحديث نيفا وستين سنة ولم يزل يكتب إلى أن توفاه الله، وكان من أصدق الناس فيه وأثبتهم، سمع ببغداد القرباني وابن ناجية ومحمد بن يحيى المروزي وأقرانهم وذكر جماعة في بلاد شتى، قال: ومات يوم الاثنين السادس والعشرين من رجب سنة 356 بنيسابور وهو ابن نيف وثمانين سنة، ولم تزل قصبتها وبها آثار وعمائر ومدارس وخانكاهات حسنة، وقد كان فيها أدباء وشعراء ومحدّثون وفقهاء، قال ابن الكلبي: في مراغة هجر سوق لأهل نجد معروف، قال الخارزنجي: المراغة ردهة لأبي بكر ولذلك قال الفرزدق في مواضع من شعره يا ابن المراغة نسبه إلى هذا الموضع، كما يقال ابن بغداد وابن الكوفة، وهذا خلف من القول، والذي ذهب إليه الحذّاق أن المراغة الأتان فكان ينسبه إليها على أن في بلاد العرب موضعا يقال له
المراغة من منازل بني يربوع، قال الأصمعي وذكر مياها ثم قال: ومن هذه الأمواه من صلب العلم وهي المردمة رداه منها المراغة من مياه البقّة، قال أبو البلاد الطهوي وكان قد خطب امرأة فزوّجت من بني عمرو بن تميم فقتلها وهرب ثم قال:
ألا أيها الرّبع الذي ليس بارحا ... جنوب الملا بين المراغة والكدر
سقيت بعذب الماء! هل أنت ذاكر ... لنا من سليمى إذ نشدناك بالذكر؟
لعمرك ما قنّعتها السيف عن قلى، ... ولا سأمان في الفؤاد ولا غمر
ولكن رأيت الحيّ قد غدروا بها، ... ونزغ من الشيطان زيّن لي أمري
وإنّا أنفنا أن ترى أمّ سالم ... عروســا تمشّى الخيزلى في بني عمرو
وإنا وجدنا الناس عودين: طيّبا، ... وعودا خبيثا لا يبضّ على العصر
تزين الفتى أخلاقه وتشينه، ... وتذكر أخلاق الفتى حيث لا يدري

قُبِّينُ

قُبِّينُ:
بالضم ثم الكسر والتشديد، وياء مثناة من تحت، وآخره نون: اسم أعجمي لنهر وولاية بالعراق، ذكر عن الأقيشر واسمه المغيرة بن عبد الله الأسدي أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المعروف بالقباع أخرجه مع قومه لقتال أهل الشام ولم يكن عند الأقيشر فرس فخرج على حمار فلما عبر على جسر سوراء نزل بقرية يقال لها قبّين فتوارى عند خمّار نبطيّ تبذل زوجته الفجور فباع حماره وجعل ينفقه هناك إلى أن قفل الجيش، فقال عند ذلك:
خرجت من المصر الحواريّ أهله ... بلا نيّة فيها احتساب ولا جعل
إلى جيش أهل الشام أغزيت كارها ... سفاها بلا سيف حديد ولا نصل
ولكن بسيف ليس فيه حمالة، ... ورمح ضعيف الزّجّ منصدع الأصل
حباني به ظلم القباع ولم أجد ... سوى أمره والسير شيئا من الفعل
فأزمعت أمري ثم أصبحت غازيا، ... وسلّمت تسليم الغزاة على أهلي
جوادي حمار كان حينا لظهره ... إكاف وآثار المزادة والحبل
فسرنا إلى قبّين يوما وليلة ... كأنّا بغايا ما يسرن إلى بعل
مررنا على سوراء نسمع جسرها ... يئطّ نقيضا من سفائنه العصل
فلما بدا جسر الصّراة وأعرضت ... لنا سوق فرّاغ الحديث إلى الشغل
نزلنا إلى ظلّ ظليل وباءة ... حلال برغم القلطبان وما يغلي
بشارطة من شاء كان بدرهم ... عروســا بما بين المشبّه والفسل
فأتبعت رمح السّوء سنّة نصله، ... وبعت حماري واسترحت من الثّقل
مهرتهما جرديقة فتركتها ... طموحا بطرف العين شائلة الرجل
تقول طبانا قل قليلا ألا ليا، ... فقلت لها: اصوي فإني على رسلي

عَسْقَلانُ

عَسْقَلانُ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه ثم قاف، وآخره نون، وعسقلان في الإقليم الثالث من جهة المغرب خمس وخمسون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة، وهو اسم اعجميّ فيما علمت، وقد ذكر بعضهم أن العسقلان أعلى الرأس، فان كانت عربية فمعناه أنها في أعلى الشام: وهي مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين ويقال لها عروس الشام وكذلك يقال لدمشق أيضا، وقد نزلها جماعة من الصحابة والتابعين وحدّث بها خلق كثير، ولم تزل عامرة حتى استولى عليها الأفرنج، خذلهم الله، في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 548 وبقيت في أيديهم خمسا وثلاثين سنة إلى أن استنقذها صلاح الدين يوسف بن أيوب منهم في سنة 583، ثم قوى الأفرنج وفتحوا عكّا وساروا نحو عسقلان فخشي أن يتمّ عليها ما تمّ على عكا فخربها في شعبان سنة 587. وعسقلان أيضا: قرية من قرى بلخ أو محلة من محالها، منها عيسى بن أحمد بن عيسى بن وردان أبو يحيى العسقلاني، قال أبو عبد الرحمن النسوي:
حدثنا عيسى بن أحمد العسقلاني، عسقلان بلخ، سمع عبد الله بن وهب وإسحاق بن الفرات والنضر بن شميل، روى عنه أبو حاتم الرازي وسئل عنه فقال صدوق، وروى عنه بعده الأئمة الأعلام، وكان أبو العباس السّرّاج يقول: كتب لي عيسى بن أحمد العسقلاني، ويقال: إن أصله بغداديّ نزل عسقلان بلخ فنسب إليها، وقال أبو حاتم الرازي في جمعه أسماء مشايخه: عيسى بن أحمد العسقلاني صدوق، وببلخ قرية يقال لها عسقلان، وفي عسقلان الشام قال النبي، صلّى الله عليه وسلّم: أبشركم بالــعروســين غزّة وعسقلان، وقال: قد افتتحها أولا معاوية بن أبي سفيان في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقد روي في عسقلان وفضائلها أحاديث مأثورة عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وعن أصحابه، منها قول عبد الله بن عمر: لكل شيء ذروة وذروة الشام عسقلان، إلى غير ذلك فيما يطول.

العَرَالِسُ

العَرَالِسُ:
جمع عروس، وهو يقال للرجل والمرأة، قال الأزهري: ورأيت بالدّهناء جبالا من نقيان رمالها يقال لها العرائس، ولم أسمع لها بواحد، وقال غيره: ذات العرائس أماكن في شق اليمامة
وهي رملات أو أكمات، وقال ابن الفقيه: العرائس من جبال الحمى، وقال الأسلع بن قصاف الطّهوي، وفي النقائض أنها لغسّان بن ذهل السليطي:
تسائلني جنباء أين عشارها، ... فقلت لها: تعل عثرة ناعس [1]
إذا هي حلّت بين عمرو ومالك ... وسعد أجيرت بالرماح المداعس
وهان عليها ما يقول ابن ديسق ... إذا نزلت بين اللّوى والعرائس

سامَرّاء

سامَرّاء:
لغة في سرّ من رأى: مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة وقد خربت، وفيها لغات: سامرّاء، ممدود، وسامرّا، مقصور، وسرّ من رأ، مهموز الآخر، وسرّ من را، مقصور الآخر، أمّا سامرّاء فشاهده قول البحتري:
وأرى المطايا لا قصور بها ... عن ليل سامرّاء تذرعه
وسرّ من را مقصور غير مهموز في قول الحسين بن الضحاك:
سرّ من را أسرّ من بغداد، ... فاله عن بعض ذكرها المعتاد
وسرّ من راء ممدود الآخر في قول البحتري:
لأرحلنّ وآمالي مطرّحة ... بسرّ من راء مستبطي لها القدر
وسامرّا، مقصور، وسرّ من رأى وساء من رأى، عن الجوهري، وسرّاء، وكتب المنتصر إلى المتوكل وهو بالشام:
إلى الله أشكو عبرة تتحيّر، ... ولو قد حدا الحادي لظلّت تحدّر
فيا حسرتا إن كنت في سرّ من رأى ... مقيما وبالشام الخليفة جعفر!
وقال أبو سعد: سامرّاء بلد على دجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخا يقال لها سرّ من رأى فخففها الناس وقالوا سامرّاء، وهي في الإقليم الرابع، طولها تسع وستون درجة وثلثا درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وسدس، تعديل نهارها أربع عشرة ساعة، غاية ارتفاع الشمس بها تسع وسبعون درجة وثلث، ظل الظهر درجتان وربع، ظل العصر أربع عشرة درجة، بين الطولين ثلاثون درجة، سمت القبلة إحدى عشرة درجة وثلث، وعن الموصلي ثلاث وثمانون درجة، وعرضها مائة وسبع عشرة درجة وثلث وعشر، وبها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منه، وقد ينسبون إليها بالسّرّ مرّي، وقيل: إنّها مدينة بنيت لسام فنسبت إليه بالفارسية سام راه، وقيل: بل هو موضع عليه الخراج، قالوا بالفارسية: ساء مرّة أي هو موضع الحساب، وقال حمزة: كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل إليها الإتاوة التي
كانت موظفة لملك الفرس على ملك الروم، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة لأن سا اسم الإتاوة، ومرّة اسم العدد، والمعنى أنّه مكان قبض عدد جزية الروم، وقال الشعبي: وكان سام بن نوح له جمال ورواء ومنظر، وكان يصيف بالقرية التي ابتناها نوح، عليه السلام، عند خروجه من السفينة ببازبدى وسماها ثمانين، ويشتو بأرض جوخى، وكان ممرّه من أرض جوخى إلى بازبدى على شاطئ دجلة من الجانب الشرقي، ويسمّى ذلك المكان الآن سام راه يعني طريق سام، وقال إبراهيم الجنيدي: سمعتهم يقولون إن سامراء بناها سام بن نوح، عليه السلام، ودعا أن لا يصيب أهلها سوء، فأراد السفاح أن يبنيها فبنى مدينة الأنبار بحذائها، وأراد المنصور بعد ما أسس بغداد بناءها، وسمع في الرواية ببركة هذه المدينة فابتدأ بالبناء في البردان ثمّ بدا له وبنى بغداد وأراد الرشيد أيضا بناءها فبنى بحذائها قصرا وهو بإزاء أثر عظيم قديم كان للأكاسرة ثمّ بناها المعتصم ونزلها في سنة 221، وذكر محمد بن أحمد البشّاري نكتة حسنة فيها قال: لما عمرت سامرّاء وكملت واتسق خيرها واحتفلت سميت سرور من رأى، ثمّ اختصرت فقيل سرّ من رأى، فلمّا خربت وتشوّهت خلقتها واستوحشت سميت ساء من رأى، ثمّ اختصرت فقيل سامراء، وكان الرشيد حفر نهرا عندها سمّاه القاطول وأتى الجند وبنى عنده قصرا ثمّ بنى المعتصم أيضا هناك قصرا ووهبه لمولاه أشناس، فلمّا ضاقت بغداد عن عساكره وأراد استحداث مدينة كان هذا الموضع على خاطره فجاءه وبنى عنده سرّ من رأى، وقد حكي في سبب استحداثه سرّ من رأى أنّه قال ابن عبدوس: في سنة 219 أمر المعتصم أبا الوزير أحمد بن خالد الكاتب بأن يأخذ مائة ألف دينار ويشتري بها بناحية سرّ من رأى موضعا يبني فيه مدينة وقال له: إني أتخوّف أن يصيّح هؤلاء الحربية صيحة فيقتلوا غلماني فإذا ابتعت لي هذا الموضع كنت فوقهم فإن رابني رائب أتيتهم في البر والبحر حتى آتي عليهم، فقال له أبو الوزير: آخذ خمسة آلاف دينار وإن احتجت إلى زيادة استزدت، قال: فأخذت خمسة آلاف دينار وقصدت الموضع فابتعت ديرا كان في الموضع من النصارى بخمسة آلاف درهم وابتعت بستانا كان في جانبه بخمسة آلاف درهم ثمّ أحكمت الأمر فيما احتجت إلى ابتياعه بشيء يسير فانحدرت فأتيته بالصكاك، فخرج إلى الموضع في آخر سنة 220 ونزل القاطول في المضارب ثمّ جعل يتقدّم قليلا قليلا وينتقل من موضع إلى موضع حتى نزل الموضع وبدأ بالبناء فيه سنة 221، وكان لما ضاقت بغداد عن عسكره وكان إذا ركب يموت جماعة من الصبيان والعميان والضعفاء لازدحام الخيل وضغطها، فاجتمع أهل الخير على باب المعتصم وقالوا: إمّا أن تخرج من بغداد فإن الناس قد تأذوا بعسكرك أو نحاربك، فقال: كيف تحاربونني؟ قالوا: نحاربك بسهام السحر، قال: وما سهام السحر؟ قالوا:
ندعو عليك، فقال المعتصم: لا طاقة لي بذلك، وخرج من بغداد ونزل سامراء وسكنها وكان الخلفاء يسكنونها بعده إلى أن خربت إلّا يسيرا منها، هذا كلّه قول السمعاني ولفظه، وقال أهل السير: إن جيوش المعتصم كثروا حتى بلغ عدد مماليكه من الأتراك سبعين ألفا فمدوا أيديهم إلى حرم الناس وسعوا فيها بالفساد، فاجتمع العامة ووقفوا للمعتصم وقالوا: يا أمير المؤمنين ما شيء أحبّ إلينا من مجاورتك لأنّك الإمام والحامي للدين وقد أفرط علينا أمر غلمانك وعمّنا أذاهم فإمّا منعتهم عنّا أو نقلتهم
عنّا، فقال: أمّا نقلهم فلا يكون إلّا بنقلي ولكني أفتقدهم وأنهاهم وأزيل ما شكوتم منه، فنظروا وإذا الأمر قد زاد وعظم وخاف منهم الفتنة ووقوع الحرب وعاودوه بالشكوى وقالوا: إن قدرت على نصفتنا وإلّا فتحوّل عنّا وإلّا حاربناك بالدعاء وندعو عليك في الأسحار، فقال: هذه جيوش لا قدرة لي بها، نعم أتحوّل وكرامة، وساق من فوره حتى نزل سامرّاء وبنى بها دارا وأمر عسكره بمثل ذلك، فعمّر الناس حول قصره حتى صارت أعظم بلاد الله، وبنى بها مسجدا جامعا في طرف الأسواق، وأنزل أشناس بمن ضم إليه من القوّاد كرخ سامرّاء، وهو كرخ فيروز، وأنزل بعضهم في الدور المعروفة بدور العرباني، فتوفي بسامرّاء في سنة 227، وأقام ابنه الواثق بسامرّاء حتى مات بها ثمّ ولي المتوكل فأقام بالهاروني وبنى به أبنية كثيرة وأقطع الناس في ظهر سرّ من رأى في الحيّز الذي كان احتجره المعتصم، واتسع الناس بذلك، وبنى مسجدا جامعا فأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارة لتعلو أصوات المؤذنين فيها وحتى ينظر إليها من فراسخ فجمع الناس فيه وتركوا المسجد الأوّل، واشتقّ من دجلة قناتين شتويّة وصيفيّة تدخلان الجامع وتتخلّلان شوارع سامرّاء، واشتقّ نهرا آخر وقدره للدخول إلى الحيّز فمات قبل أن يتمّم، وحاول المنتصر تتميمه فلقصر أيامه لم يتمم ثمّ اختلف الأمر بعده فبطل، وكان المتوكل أنفق عليه سبعمائة ألف دينار، ولم يبن أحد من الخلفاء بسرّ من رأى من الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكل، فمن ذلك: القصر المعروف بالــعروس أنفق عليه ثلاثين ألف ألف درهم، والقصر المختار خمسة آلاف ألف درهم، والوحيد ألفي ألف درهم، والجعفري المحدث عشرة آلاف ألف درهم، والغريب عشرة آلاف ألف درهم، والشيدان عشرة آلاف ألف درهم، والبرج عشرة آلاف ألف درهم، والصبح خمسة آلاف ألف درهم، والمليح خمسة آلاف ألف درهم، وقصر بستان الايتاخيّة عشرة آلاف ألف درهم، والتلّ علوه وسفله خمسة آلاف ألف درهم، والجوسق في ميدان الصخر خمسمائة ألف درهم، والمسجد الجامع خمسة عشر ألف ألف درهم، وبركوان للمعتز عشرين ألف ألف درهم، والقلائد خمسين ألف دينار، وجعل فيها أبنية بمائة ألف دينار، والغرد في دجلة ألف ألف درهم، والقصر بالمتوكلية وهو الذي يقال له الماحوزة خمسين ألف ألف درهم، والبهو خمسة وعشرين ألف ألف درهم، واللؤلؤة خمسة آلاف ألف درهم، فذلك الجميع مائتا ألف ألف وأربعة وتسعون ألف ألف درهم، وكان المعتصم والواثق والمتوكل إذا بنى أحدهم قصرا أو غيره أمر الشعراء أن يعملوا فيه شعرا، فمن ذلك قول عليّ بن الجهم في الجعفري الذي للمتوكل:
وما زلت أسمع أنّ الملو ... ك تبني على قدر أقدارها
وأعلم أنّ عقول الرّجا ... ل يقضى عليها بآثارها
فلمّا رأينا بناء الإما ... م رأينا الخلافة في دارها
بدائع لم ترها فارس ... ولا الرّوم في طول أعمارها
وللرّوم ما شيّد الأوّلون ... وللفرس آثار أحرارها
وكنّا نحسّ لها نخوة ... فطامنت نخوة جبّارها
وأنشأت تحتجّ للمسلمين ... على ملحديها وكفّارها
صحون تسافر فيها العيون ... إذا ما تجلّت لأبصارها
وقبّة ملك كأنّ النجوم ... تضيء إليها بأسرارها
نظمن الفسافس نظم الحليّ ... لعون النّساء وأبكارها
لو انّ سليمان أدّت له ... شياطينه بعض أخبارها
لأيقن أنّ بني هاشم ... يقدّمها فضل أخطارها
وقال الحسين بن الضحاك:
سرّ من را أسرّ من بغداد، ... فاله عن بعض ذكرها المعتاد
حبّذا مسرح لها ليس يخلو ... أبدا من طريدة وطراد
ورياض كأنّما نشر الزّه ... ر عليها محبّر الأبراد
واذكر المشرف المطلّ من ال ... تلّ على الصّادرين والورّاد
وإذا روّح الرّعاء فلا تن ... س رواعي فراقد الأولاد
وله فيها ويفضلها على بغداد:
على سرّ من را والمصيف تحيّة ... مجلّلة من مغرم بهواهما
ألا هل لمشتاق ببغداد رجعة ... تقرّب من ظلّيهما وذراهما؟
محلّان لقّى الله خير عباده ... عزيمة رشد فيهما فاصطفاهما
وقولا لبغداد إذا ما تنسمت ... على أهل بغداد جعلت فداهما
أفي بعض يوم شفّ عينيّ بالقذى ... حرورك حتى رابني ناظراهما؟
ولم تزل كل يوم سر من رأى في صلاح وزيادة وعمارة منذ أيّام المعتصم والواثق إلى آخر أيّام المنتصر ابن المتوكل، فلمّا ولي المستعين وقويت شوكة الأتراك واستبدوا بالملك والتولية والعزل وانفسدت دولة بني العبّاس لم تزل سر من رأى في تناقص للاختلاف الواقع في الدولة بسبب العصبية التي كانت بين أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سر من رأى بالكلية المعتضد بالله أمير المؤمنين كما ذكرناه في التاج وخربت حتى لم يبق منها إلا موضع المشهد الذي تزعم الشيعة ان به سرداب القائم المهدي ومحلّة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامراء وسائر ذلك خراب يباب يستوحش الناظر إليها بعد أن لم يكن في الأرض كلّها أحسن منها ولا أجمل ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكا منها، فسبحان من لا يزول ولا يحول، وذكر الحسن بن أحمد المهلبي في كتابه المسمّى بالعزيزي قال: وأنا اجتزت بسر من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد مادّ عليه من جانبيه دور كأن اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلّا الأبواب والسقوف، فأمّا حيطانها فكالجدد، فما زلنا نسير إلى بعد الظهر حتى انتهينا إلى العمارة منها، وهي مقدار قرية يسيرة في وسطها، ثمّ سرنا من الغد على مثل تلك الحال فما خرجنا من آثار البناء إلى نحو الظهر، ولا شك أن طول البناء كان أكثر من ثمانية فراسخ،
وكان ابن المعتز مجتازا بسامرّاء متأسفا عليها وله فيها كلام منثور ومنظوم في وصفها، ولما استدبر أمرها جعلت تنقض وتحمل أنقاضها إلى بغداد ويعمّر بها، فقال ابن المعتز:
قد أقفرت سرّ من را، ... وما لشيء دوام
فالنّقض يحمل منها ... كأنّها آجام
ماتت كما مات فيل ... تسلّ منه العظام
وحدثني بعض الأصدقاء قال اجتزت بسامرّاء أو قال أخبرني من اجتاز بسامرّاء: فرأيت على وجه حائط من حيطانها الخراب مكتوبا:
حكم الضّيوف بهذا الرّبع أنفذ من ... حكم الخلائف آبائي على الأمم
فكلّ ما فيه مبذول لطارقه، ... ولا ذمام به إلّا على الحرم
وأظنّ هذا المعنى سبق إليه هذا الكاتب فإذا هو مأخوذ من قول أرطاة بن سهية المري حيث قال:
وإنّي لقوّام لدى الضيف موهنا ... إذا أغدف الستر البخيل المواكل
دعا فأجابته كلاب كثيرة ... على ثقة مني بأنّي فاعل
وما دون ضيفي من تلاد تحوزه ... لي النّفس إلّا أن تصان الحلائل
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد وأهلها ويفضل سامراء: كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكانها، وأقعد جدرانها، فشاهد اليأس فيها ينطق، وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى، وكأنّ خرابها ينشر، وقد وكّلت إلى الهجر نواحيها، واستحثّ باقيها إلى فانيها، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حقّ جوار، فالظاعن منها ممحوّ الأثر، والمقيم بها على طرف سفر، نهاره إرجاف، وسروره أحلام، ليس له زاد فيرحل ولا مرعى فيرتع، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذمّ الدنيا، بعد ما كانت بالمرأى القريب جنة الأرض وقرار الملك، تفيض بالجنود أقطارها عليهم أردية السيوف وغلائل الحديد، كأنّ رماحهم قرون الوعول، ودروعهم زبد السيول، على خيل تأكل الأرض بحوافرها وتمدّ بالنقع حوافرها، قد نشرت في وجوهها غررا كأنّها صحائف البرق وأمسكها تحجيل كأسورة اللّجين ونوّطت عذرا كالشّنوف في جيش يتلقّف الأعداء أوائله ولم ينهض أواخره، وقد صبّ عليه وقار الصبر، وهبّت له روائح النصر، يصرفه ملك يملأ العين جمالا، والقلوب جلالا، لا تخلف مخيلته، ولا تنقض مريرته، ولا يخطئ بسهم الرأي غرض الصواب، ولا يقطع بمطايا اللهو سفر الشباب، قابضا بيد السياسة على أقطار ملك لا ينتشر حبله، ولا تتشظّى عصاه، ولا تطفى جمرته، في سن شباب لم يجن مأثما، وشيب لم يراهق هرما، قد فرش مهاد عدله، وخفض جناح رحمته، راجما بالعواقب الظنون، لا يطيش عن قلب فاضل الحزم بعد العزم، ساعيا على الحقّ يعمل به عارفا بالله يقصد إليه، مقرّا للحلم ويبذله، قادرا على العقاب ويعدل فيه، إذ الناس في دهر غافل قد اطمأنّت بهم سيرة لينة الحواشي خشنة المرام تطير بها أجنحة السرور، ويهب فيها نسيم الحبور، فالأطراف على مسرة، والنظر إلى مبرّة، قبل أن تخب مطايا الغير، وتسفر
وجوه الحذر، وما زال الدهر مليئا بالنوائب، طارقا بالعجائب، يؤمّن يومه، ويغدر غدره، على أنّها وإن جفيت معشوقة السكنى، وحبيبة المثوى، كوكبها يقظان، وجوها عريان، وحصاها جوهر، ونسيمها معطّر، وترابها مسك أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، وتاجرها مالك، وفقيرها فاتك، لا كبغدادكم الوسخة السماء، والومدة الهواء، جوها نار، وأرضها خبار، وماؤها حميم، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم في شمسها من محترق وفي ظلّها من عرق، ضيقة الديار، قاسية الجوار، ساطعة الدخان، قليلة الضيفان، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، ومالهم مكتوم، لا يجوز إنفاقه، ولا يحل خناقه، حشوشهم مسايل، وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل، وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وبعد اللجاجة انتهاء والهم إلى فرجة، ولكل سابلة قرار، وبالله أستعين وهو محمود على كل حال.
غدت سر من را في العفاء فيا لها ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وأصبح أهلوها شبيها بحالها ... لما نسجتهم من جنوب وشمأل
إذا ما امرؤ منهم شكا سوء حاله ... يقولون لا تهلك أسى وتجمّل
وبسامراء قبر الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى ابن جعفر وابنه الحسن بن علي العسكريّين، وبها غاب المنتظر في زعم الشيعة الإمامية، وبها من قبور الخلفاء قبر الواثق وقبر المتوكل وابنه المنتصر وأخيه المعتز والمهتدي والمعتمد بن المتوكل.

دير ماسَرْجَبيس

دير ماسَرْجَبيس:
قال أبو الفرج والخالدي: هو بالمطيرة قرب سامرّا، وفيه يقول عبد الله بن العباس
ابن الفضل:
ربّ صهباء من شراب المجوس ... قهوة بابلية خندريس
وغزال مكحّل ذي دلال ... ساحر الطرف بابليّ عروس
قد خلونا بظبية نجتليه، ... يوم سبت إلى صباح الخميس
بين آس وبين ورد جنيّ ... وسط دير القسيس ما سرجبيس
يتثنّى بحسن جيد غزال ... وصليب مفضض آبنوس
كم لثمت الصليب في الجيد منه ... كهلال مكلّل بشموس
وقال الشابشتي: دير ماسرجبيس بعانة، وعانة:
مدينة على الفرات عامرة والدير فيها، وهو دير حسن نزه كثير الرهبان، والناس يقصدونه من هيت وغيرها للنزهة، ثم أنشد الأبيات التي أولها:
ربّ صهباء من شراب المجوس
وزعم أنها لأبي طالب الواسطي المكفوف، قال:
وبهذا الموضع قبر أمّ الفضل بن يحيى بن برمك وكانت أرضعت الرشيد بلبن الفضل وكان يحبها ويكرمها، وكانت قد صحبته في نفوذه إلى الرقّة فماتت بهذا الموضع فاشترى لها عشرة أجربة عند وادي القناطر على شاطئ الفرات ودفنت هناك وبنى عليها قبة فهي تعرف بقبة البرمكية.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.