Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: دنى

خَرف

خَرف
) خَرَفَ الثِّمَارَ، يَخْرُفُها، خَرْفاً، بالفضتْحِ، ومَخْرَفاً كمَقْعَدٍ، وخَرَافاً، ويُكْسَرُ: جَنَاهُ هَكَذَا فِي النُّسَخِ، والصَّوابُ: جَنَاهَا، وَفِي المُحْكَمِ: خَرَفَ النَّخْلَ يَخْرُفُهُ خَرْفاً وخَرَافاً: صَرَمَهُ، واجْتَنَاهُ، كاخْتَرَفَهُ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الاخْتِرَافُ: لَقْطُ النَّخْلِ بُسْراً كَانَ أَو رُطَبَا. وَقَالَ شَمِرٌ خَرَفَ فُلاناً، يَخْرُفُه، خَرْفاً: لَقَطَ لَهُ التَّمْرَ، هَكَذَا بفَتْحِ التَّاءِ وسُكُونِ المِيمِ، وَفِي بَعْضِ الأُصُولِ الثَمَرَ بالمُثَلَّثَةِ مُحَرَّكَةً.
والمَخْرَفَةُ، كمَرْحَلَةٍ: الْبُسْتَانُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وقَيَّدَهُ بعضُهُم مِن النَّخْلِ. وَقَالَ شَمِرٌ: المَخْرَفَةُ: سِكَّةٌ بيْن صَفَّيْنِ مِن نَخْلٍ يَخْتَرِفُ الْمُخْتَرِفُ مِن أَيِّهِمَا شَاءَ، أَي يَجْتَنِي، وبهٌ فُسِّرَ حديثُ ثَوْبانَ رَضِيَ اللهث عَنهُ، رَفَعَهُ: عَائِدُ المَرِيضِ علَى مَخْرَفَةِ الجَنَّةِ ويُرْوَى: مَخَارِفِ الجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ، أَي: أَنَّ العائدَ فِيمَا يَحُوزُهُ مِن الثَّوَابِ كأَنَّهُ على نَخْلِ الجَنَّةِ يَخْتَرِفُ ثِمارَهَا، قَالَهُ ابنُ الأَثِيرِ.
قلتُ: وَقد رُوِيَ أَيضاً عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، رَفَعَهُ: مَنْ عَادَ مَرِيضاً إِيمَاناً باللهِ ورَسُولِهِ، وتَصْدِيقاً لِكِتَابِهِ، كأَنَّمَا كَانَ قَاعِداً فِي خِرَافِ الجَنَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: عَائِدُ الْمَرِيضِ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ أَيك مَخْزُوفٌ مِن ثِمَارِهَا، وَفِي أُخْرَى: علَى خُرْفَةِ الجَنَّةِ.
والمَخْرَفَةُ: الطَّرِيقُ اللاَّحِبُ الوَاضِحُ، وَمِنْه قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: تَرَكْتُكُمْ عَلَى مثل مَخْرَفَةِ النَّعَمِ، فَاتَّبَعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَراد تَرَكْتُكُمْ علَى مِنْهَاجٍ وَاضِحٍ، كالجَادَّةِ الَّتِي كَدَّتْهَا النَّعَمُ بأَخْفَافِها، حَتَّى وَضَحَتْ واسْتَبَانَتْ، وَبِه أَيضاً فَسَّرَ بعضُهم الحديثَ المُتَقَدِّم، والمَعْنَى: عَائِدُ المَرِيضِ علَى طَرِيقِ الجَنَّةِ، أَي: يُؤَدِّيهِ ذَلِك إِلى طُرُقِها، كالمَخْرَفِ، كمَقْعَدٍ فِيهِمَا، أَي: فِي سِكَّةِ النَّخْلِ، والطَّرِيقِ.
فمِن الأَوَّل حديثُ أَبي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، لمَّا أَعْطَاهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ سَلَبَ القَتِيلِ، قَالَ: فبِعْتُهُ، فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً، فَهُوَ أَوَّل ُ مَالٍ تَأَثَّلْتُه فِي الإِسْلامِ ورِوَايَةُ المُوَطَّأ: فإِنَّه لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ، ويُرْوَى: اعْتَقَدْتُهُ، أَي اتَّخَذْتُ مِنْهُ عُقْدَةً، كَمَا فِي الرَّوْضِ، قَالَ: ومَعْنَاه: البُسْتَانُ مِن النَّخْلِ، هَكَذَا فَسَّرُوهُ، وفَسَّره الحَرْبِيُّ وأَجَادَ فِي تَفْسِيرِه، فَقَالَ: المَخْرَفُ: نَخْلَةٌ واحدةٌ، أَو نَخَلاتٌ يَسِيرَةٌ إِلى عَشَرَة، فَمَا فَوْقَ ذَلِك فَهُوَ بُسْتَانق أَو حَدِيقَةٌ، قَالَ: ويُقَوِّي هَذَا القَوْلَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِن أَنَّ المَخْرَفَ مِثْلُ المَخْرُوفَةِ، وَهِي النَّخْلَةُ يَخْتَرِفُها الرجلُ لِنَفْسِه)
وعِيَالِهِ، وأَنْشِدَ: مِثل المَخَارِفِ مِن جَيْلاَنَ أَو هَجَرَا وَفِي اللِّسَانِ: المَخْرَفُ: القطعةُ الصّغِيرَةُ مِن النَّخْلِ، سِتٌّ أَو سَبْعٌ، يَشْتَرِيها الرَّجُلُ للخُرْفَةِ، وَقيل: هِيَ جَمَاعَةُ النَّخْلِ مَا بَلَغَتْ. وَقَالَ ابنُ الأَثِيرِ: المَخْرَفُ: الْحَائِطُ مِن النَّخْلِن وَبِه فُسِّرَ أَيضاً حديثُ أَبي طَلْحَةَ: إِنَّ لِي مَخْرَفاً، وإِنِّي قد جَعَلْتُه صَدَقَةً فَقَالَ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: اجْعَلْهُ فِي فُقَرَاءِ قَوْمِكَ.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ، فِي تَفْسِيرِحدِيثِ: عَائِد الْمَرِيضِ مَا نَصُّهُ: قَالَ الأَصْمَعِيُّ: المَخَارِفُ: جَمْعُ مَخْرَفٍ، كمَقْعَدٍ، وَهُوَ جَنَى النَّخْلِ، وإِنَّمَا سُمِّيَ مَخْرَفاً لأَنَّه يُخْرَفُ مِنْهُ، أَي: يُجْتَنَى.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، فِيمَا رَدَّ علَى أَبي عُبَيْدٍ: لَا يكونُ المَخْرَفُ جَنَى النَّخْلِ، وإِنَّمَا المَخْرَفُ النَّخْلُ، قَالَ: ومَعْنَى الحديثِ: عَائِدُ المَرِيضِ فِي بَسَاتِينِ الجَنَّةِ. قَالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ: بل هُوَ المُخْطِىءُ، لأَنَّ المَخْرَفَ يَقَعُ علَى النَّخْلِ، وعلَى المَخْرُوفِ مِن النَّخْلِ، كَمَا يَقَعُ المَشْرَفُ علَى الشُّرْبِ، والمَوْضِعِ، والمَشْرُوبِ، وكذلِكَ المَطْعَمُ، والمَرْكَبُ، يَقَعَان علَى الطَّعَامِ المَأْكُولِ، وعلَى المَرْكوبِ، فإِذَا جازَ ذَلِك جازَ أَنْ يَقَعَ المَخْرَفُ علَى الرُّطَبِ المَخْرُوفِ، قَالَ: وَلَا يَجْهَلُ هَذَا إِلاَّ قَلِيلُ التَّفْتِيشِ لِكَلامِ العَرَبِ، قَالَ الشاعرُ:
(وأُعْرِضُ عَنْ مَطَاعِمَ قد أَرَاهَا ... تُعَرَّضُ لِي وَفِي الْبَطْنِ انْطِوَاءُ)
قَالَ: وقَوْلُهُ: عَائِدُ المَرِيضِ علَى بَسَاتِينِ الجَنَّةِ، لأَنَّ علَى لَا تكونُ بِمَعْنَى فِي، لَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ: الكيسُ عَلَى كُمِّي، يُرِيدُ: فِي أَخَوَاتِهَا إِلاَّ بأَثَرٍ، وَمَا رَوَى لُغَوِيٌّ قَطُّ أَنَّهم يضَعُون علَى مَوْضِعَ فِي. انْتهى ومِن المَخْرَفِ بمَعْنَى الطَّرِيقِ قَوْلُ أَبي كَبِيرٍ الهُذَلِيِّ، يَصِفُ رَجُلاً ضَرَبَهُ ضَرْبَةً:
(فَأَجَزْتُهُ بِأَفْلَّ تَحْسَبُ أَثْرَهُ ... نَهْجاً أَبَانَ بِذِي فَرِيغٍ مَخْرَفِ)
ويُرْوَى: مِجْرَفِ، كمِنْبَرٍ بالجِيم والرَّاءِ، أَي: يَجْرُفُ كلَّ شَيْءٍ، وَهِي رِوَايَةُ ابنُ حَبِيب، وَقد تقدَّم.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: المَخَارِفُ: الطَّرِيقُ، وَلم يُعَيِّنْ أَيَّةَ الطُّرُقِ هِيَ. والْمِخْرَفُ، كمِنْبَرٍ: زِنْبِيلٌ صَغِيرٌ يُخْتَرَفُ فِيهِ مِن أَطايِبِ الرُّطَبِ، هَذَا نَصُّ العُبَابِ، وأَخْضَرُ مِنْهُ عبارةُ الرَّوْضِ: الْمِخْرَفُ، بكَسْرِ المِيمِ: الآلَةُ الَّتِي تُخْتَرَفُ بهَا الثِّمَارُ، وأَخْضَرُ مِنْهُ عِبَارَةُ الجَوْهَرِيِّ: الْمِخْرَفُ، بالكَسْرِ:)
مَا تُجْتَنَى فِيهِ الثِّمَارُ، وَمن سَجَعَاتِ الأَسَاسِ: خَرَجُوا إِلَى المَخَارِفِ بالمَخَارِفِ، أَي: إِلى البَسَاتِينِ بالزُّبُلِ.
والخُرَفَةُ، كهُمَزَةَ: ة بَيْنَ سِنْجَارَ ونَصِيبِيْنَ، مِنْهَا: أَبُو الْعَبَّاس أَحمدُ بنُ الْمُبَارَكِ بنِ نَوْفَلٍ النَّصِيبِيُّ الخُرَفِيُّ المُقْرِىءُ، وَله تَصَانِيفُ، مَاتَ فِي رَجَب سنة، ويُفْهَم مِن سِياقِ الْحَافِظ فِي التَّبْصِيرِ أَنَّه بالضَّمِّ فالسُّكُونِ.
والإِمامُ أَبو عليٍّ ضِياءُ ابنُ أَحمدَ بنِ أَبي عليِّ بنِ أَبي القاسِمِ بنِ الْخُرَيفِ، كزُبَيْرٍ: مُحَدِّثٌ، عَن القَاضِي أَبي بكرٍ محمدِ بنِ عبدِ الباقِي بنِ محمدِ البَزَّار النَصْرِيِّ الأَنْصَارِيِّ، وَعنهُ الأَخَوان: النَّجِيبُ عبدُ اللَّطِيف، والعِزُّ عبدُ الْعَزِيز، ابْنَا عبدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيِّ، وَقد وَقَعَ لنا طَرِيقُهُ عَالِياً، فِي كتابِ شَرَفِ أَصْحَابِ الحَدِيثِ، لِلْحَافِظِ أَبي بكرٍ الخَطِيبِ.
والْخَرُوفَةُ: النَّخْلَةُ يُخْرَفُ ثَمَرُها، أَي: يُصْرَمُ، فَعُولَةٌ بِمَعْنى مَفْعُولَةٍ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَكَذَلِكَ الْخَرِيفَةُ: هِيَ النَّخْلَةُ يَخْتَرِفُها الرَّجُلُ لنفسِه وعِيَالِهِ، وَفِي العُبَابِ: نَخْلَةٌ تَأْخُذُهَا لِتَلْقُطَ رُطَبَهَا. قَالَه شَمِرٌ: وَقيل: الخَرِيفَةُ: هِيَ الَّتِي تُعْزَلُ للخَرْفَةِ، جَمْعُهَا خَرَائِفُ، أَو الْخَرَائِف: النَّخْلُ الَّتِي، ونَصُّ الصِّحاحِ: اللاَّتِي تُخْرَصُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ عَن أَبي زَيْدٍ.
والخَرُوفُ كصَبُورٍ: وَلَدُ الحَمَلِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ الذَّكَرُ مِن أَوْلاَدِ الضَّأْنِ، أَو إِذا رَعَى وقَوِيَ مِنْهُ خَاصَّةً، وَهُوَ دُونَ الجَذَعِ، وَهِي خَرُوفَةٌ، وَقد خَالَفَ هُنَا قَاعِدَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُه: والأُنْثَى بهاءٍ، فلْيُتَنَبَّه لذَلِك، ج: أَخْرِفَةٌ، فِي أَــدْنَى العَدَدِ، وخِرْفَانٌ، بالكَسْرِ، فِي الجَمِيعِ، وإِنَّمَا اشْتِقَاقُهُ مِن أَنَّه يخْرُفُ مِن ههُنَا وههُنَا، أَي: يَرْتَعُ.
وَقد يُرَادُ بالخِرْفَانِ: الصِّغارُ والجُهَّالُ، كَمَا يُرَادُ بالكِباشِ: الكِبَارُ والعُلَمَاءُ، وَمِنْه حديثُ المَسِيح عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنَّمَا أَبْعَثُكُمْ كَالْكِبَاشِ تَلْتَقِطُونَ خِرْفَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. والخَرُوفُ: مُهْرُ الْفَرَسِ إِلَى مُضِيِّ الْحَوْلِ، نَقَلَهُ ابنُ السِّكِّيتِ، وأَنْشَدَ رَجُلٌ مِن بَلحَارِث بنِ كَعْبٍ يَصِفُ طَعْنَةً:
(ومُسْتَنَّةٍ كَاسْتِنَانِ الْخَرُو ... فِ قد قَطَعَ الْحَبْلَ بِالْمِرْوَدِ)

(دَفُوعِ الأَصَابِع ضَرْحَ الشَّمُو ... سِ نَجْلاَءَ مؤْيِسَةِ الْعُوَّدِ)
مُسْتَنَّة: يَعْنِي طَعْنَةً فَارَ دَمُها، واسْتَنَّ: أَي مَرَّ عَلَى وَجْهِه، كَمَا يَمْضِي المُهْرُ الأَرِنُ، وبالمِرْوَدِ: أَي مَعَ المِرْوَدِ، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: وَلم يَعْرِفْهُ أَبو الغَوْثِ. أَو الخَرُوفُ: وَلَدُ الفَرَسِ إِذا بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَو سَبْعَةً، حَكَاهُ الأَصْمَعِيُّ، فِي كتابِ الفَرَسِ، وأَنْشَدَ البَيْتَ المُتَقَدِّمَ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ)
السُّهَيْلِيُّ، فِي الرَّوْضِ هَذَا البيتَ، وَقَالَ: قِيل: الخَرُوفُ هُنَا: المُهْرُ، وَقَالَ قَوْمٌ: الفَرَسُ يُسَمَّى خَرُوفاً.
قلتُ: فِي اللِّسَانِ: الخَرُوفُ مِن الخَيْلِ: مَا نُتِجَ فِي الخَرِيفِ، وَقَالَ خَالِدُ بنُ جَبَلَةَ: مَا رَعَى الخَرِيفَ. ثمَّ قَالَ السُّهَيْلِيُّ: ومَعْنَاهُ عندِي فِي هَذَا البيتِ: أَنَّه صِفَةٌ مِن خَرَفْتُ الثَّمْرَةَ، إِذا جَنَيْتَها، فالفَرَسُ خَرُوفٌ للشَّجَرِ والنَّبَاتِ، لَا تَقول: إِنَّ الفَرَسَ يُسَمَّى خَرُوفاً فِي عُرْفِ اللُّغَةِ، ولكنْ خَرُوفٌ، فِي مَعْنَى أَكُولٍ، لأَنَّه يَخْرُفُ، أَي: يَأْكُلُ، فَهُوَ صِفَةٌ لكلِّ مَن فَعَلَ ذَلِك الفِعْلَ مِن الدَّوَابِّ.
والْخَارِفُ: حَافِظُ النَّخْلِ، وَمِنْه حديثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، رَفَعَهُ: أَيُّ الشَّجَرَةِ أَبْعَدُ مِنَ الْخَارِفِ قَالُوا: فَرْعُهَا، قَالَ: فَكَذَلِكَ الصَّفُّ الأَوَّلُ. وجَمْعُ الخَارِفِ: خُرَّافٌ، ويُقَالُ: أَرْسَلُوا خُرّافَهم: أَي نُظَّارَهُمْ. وخَارِفٌ، بِلاَ لاَمٍ: لَقَبُ مالِكِ ابنِ عبدِ اللهِ بن كَثِيرٍ، أَبِي قَبيلَةٍ مِن هَمْدَانَ وَفِي اللِّسَانِ: خَارِف ويَامٌ، وهما قَبِيلَتان، وَقد نُسِبَ إِليهما المِخْلاَفُ باليَمَنِ.
والْخُرْفَةُ، بِالضَّمِّ: المُخْتَرَفُ، والْمُجْتَنَى مِن الثِّمَارِ والفَوَاكِهِ، وَمِنْه حديثُ أَبي عَمْرَةَ: النَّخْلَةُ خُرْفَةُ الصائِمِ: أَي ثَمَرَتُه الَّتِي يَأْكُلُهَا، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: فِي التَّمْرِ خُرْفَةُ الصَّائِمِ، وتُحْفَةُ الكَبِيرِ ونَسَبَهُ للصَّائِمِ، وتُحْفَةُ الكَبِيرِ ونَسَبَهُ للصَّائِمِ لأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الإِفْطارُ عَلَيْهِ.
كالخُرافَةِ، ككُناسَةٍ وَهُوَ: مَا خُرِفَ من النَّخْلُ. والخَرائِفُ: النَّخْلُ الَّتِي تُخْرَصُ، وَهَذَا قد تقدَّم للمُصَنِّف قَرِيباً، فَهُوَ تَكْرَارٌ، وأًسْبَقْنَا أَنَّه نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، عَن أَبي زَيْدٍ.
والخَرِيفُ، كأَمِيرٍ: أَحَدُ فُصُولِ السَّنَةِ الَّذِي تُخْتَرَفُ فِيهِ الثِّمَارُ، قَالَ اللَّيْثُ: هُوَ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، بيْن آخِرِ الْقَيْظِ وأَوَّل الشِّتَاءِ، سُمِّيَ خَرِيفاً لأَنَّه تُخْتَرَفُ فِيهَا الثِّمَارُ، والنِّسْبَةُ إِليه خَرْفِيٌّ بالفَتْحِ، ويُكْسَرُ، ويُحَرَّكُ، كُلُّ ذَلِك على غيرِ قِيَاسٍ.
والخَرِيفُ: الْمَطَرُ فِي ذلِك الْفَصْلِ، والنِّسْبَةُ كالنِّسْبَةِ، قَالَ العَجَّاجُ: جَرَّ السَّحَابُ فَوْقَهُ الخَرْفِيُّ ومُرْدِفَاتُ المُزْنِ والصَّيْفِيُّ أَو هُوَ أَوَّلُ الْمَطَرِ فِي أَوَّلِ الشِّتَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عندَ صِرَامِ النَّخْلِ، ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ الوَسْمِيُّ، وَهُوَ عندَ دُخُولِ الشِّتَاءِ، ثمَّ يَلِيهِ الرَّبِيعُ، ثمَّ يَلِيهِ الصَّيْفُ، ثمَّ الحَمِيمُ، قالَهُ الأَصْمَعِيُّ. وَقَالَ الغَنَوِيُّ: الخَرِيفُ: مَا بَيْنَ طُلوعِ الشِّعْرَي إِلى غُرُوبِ العَرْقُوَتَيْنِ، والغَوْرُ، ورُكْبَةُ، والحِجَازُ،) كُلُّه يُمْطَرُ بالخَرِيفِ، ونَجْدٌ لَا تُمْطَرُ فِيهِ.
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَوَّلُ المَطَرِ الوَسْمِيُّ، ثمَّ الشَّتَوِيُّ، ثمَّ الخَرِيفُ، ثمَّ الحَمِيمُ، ثمَّ الخَرِيفُ، وَلذَلِك جُعِلَتِ السَّنَةُ سِتَّةَ أَزْمِنَةٍ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: لَيْسَ الخَرِيفُ فِي الأَصْلِ باسْمٍ لِلْفَصْلِ، وإِنَّمَا هُوَ اسْمُ مَطَرِ القَيْظِ، ثمَّ سُمِّيَ الزَّمَنُ بِهِ. ويُقَال: خُرِفْنَا، مَجْهُولاً، أَي: أَصَابَنَا ذَلِك الْمَطَرُ، فَنحْن مَخْرُوفُونَ، وَكَذَا خَرِفَتِ الأَرْضُ، خَرْفاً: إِذا أَصَابَهَا مَطَرُ الخَرِيفِ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَرْضٌ مَخْرُوفَةٌ: أَصَابَهَا خَرِيفُ المَطَرِ، ومَرْبُوعَةٌ: أَصَابَها الرَّبِيعُ، وَهُوَ المَطَرُ، ومَصِيفَةٌ: أَصَابَهَا الصَّيْفُ. والخَرِيفُ: الرُّطَبُ الْمَجْنِيُّ، فَعِيلٌ بمعنَى مَفْعُولٍ. وَقَالَ أَبو عمرٍ: الخَرِيفُ: السَّاقِيَةُ.
والْخَرِيفُ: السَّنَةُ والْعَامُ، وَمِنْه الحديثُ: فُقَرَاءُ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً.
قَالَ ابنُ الأَثِيرِ: هُوَ الزَّمَانُ المعرُوفُ فِي فُصُولِ السَّنَةِ، مَا بَيْنَ الصَّيْفِ والشِّتَاءِ، ويُرِيدُ أَربعينَ سَنَةً، لأَنَّ الخَرِيفَ لَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً، فإِذا انْقَضَى أَرْبعون خَرِيفاً، فقد مَضَتْ أَربعونَ سَنَةً.
وَمِنْه الحديثُ الآخَرُ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ مَالِكاً أَرْبعينَ خَرِيفاً. وَفِي حديثٍ آخَر: مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْخَازِنِ مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ خَرِيفٌ، أَراد مَسَافَةً تُقْطَعُ مِن الخَرِيفِ إِلَى الخَرِيفِ، وَهُوَ السَّنَةُ، ثمَّ إِنَّه ذكَر العامَ والسَّنَةَ وإِن كَانَ أَحَدُهما يُغْنِي عَن الآخَرِ إِشَارَةً إِلَى مَا فيهمَا مِن الفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَه أَئِمَّةُ الفِقْهِ مِن اللُّغَةِ، الَّذِي ذَكَرَه أَئِمَّةُ الفِقْهِ مِن اللُّغَةِ، وفَصَّلَهُ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْض، وسَنذْكُره فِي مَوْضِعِه، إِن شاءَ اللهُ تعالَى. وقَيْسُ، هَكَذَا فِي النُّسَخِ، والصَّوابُ علَى مَا سَبَق لَهُ فِي ق ق س قَاقِيسُ بنُ صَعْصَعَةَ ابنش أَبي الْخَرِيفِ، مُحَدِّثٌ رَوَى عَن أَبِيهِ، وأَضَافَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِه، عَلَى مَا أَسْلَفْنَا ذِكْرَه فِي السِّين، فَراجِعْهُ.
والخَرِيفَةُ، كَسَفِينَةٍ: أَنْ يُحْفَرَ لِلْنَّخْلَةِ فِي البَطْحَاءِ، وَهِي مَجْرَى السَّيْلِ الذِي فِيهِ الْحَصَى حَتَّى يُنْتَهَى إِلى الْكُدْيَةِ، ثمَّ يُحْشَى رَمْلاً، وتُوضَعُ فِيهِ النَّخْلَةُ، كَمَا فِي العُبَابِ. والْخَزْفَي، كسَكْرَى: الْجُلَّبَانُ، بتَشْدِيدِ الَّلامِ، وتَخْفِيفُها غيرُ فَصِيحٍ.
قَالَ أَبو حَنيفَةَ: وَهُوَ اسْمٌ لِحَب م مَعْرُوف، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وأَصْلُهُ فَارِسيٌّ، مِن القَطَانِيِّ، وفَارِسِيَّتُه: خَرْبَا، وخُلَّر، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ. وخُرَافَةُ، كثُمَامَةٍ: رَجُلٌ مِن عُذْرَةَ، كَمَا فِي الصِّحاحِ، أَو مِنْ جُهَيْنَةَ، كَمَا لابْنِ الكَلْبِي، اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ، واخْتَطَفَتْهُ، ثمَّ رَجَعَ إِلى قَوْمِهِ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بمَا) رَأَى أَحادِيثَ يَعْجَبُ مِنْهَا النَّاسُ، فَكَذَبُوهُ فجَرَى على أَلْسُنِ النَّاسِ، وقَالُوا: حَدِيثُ خُرَافة، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: والرَّاءُ مُخَفَّفَةٌ، وَلَا يَدْخُلُه الأَلفُ والَّلامُ، لأَنَّه مَعْرِفَةٌ، إِلاَّ أَنْ تُرِيدَ بِهِ الخُرَافَاتِ المَوْضُوعَةَ مِن حَدِثِ اللَّيْلِ، أَو هِيَ حَدِيثٌ مُسْتَمْلَحٌ كَذِبٌ، نَقَلَهُ اللَّيْثُ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الجَوْهَرِيُّ، وابنُ الكَلْبِيِّ، فقد اسْتَنْبَطَهُ الحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الحديثِ من تَأْلِيفِهِ أَنَّ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: حَدِّثِينِي، قلتُ: مَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثَ خُرَافَةَ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَانَ. والْخَرَفُ، مُحَرَّكَةً: الشِّيصُ مِن التَّمْرِ، نَقَلَهُ أَبو عمرٍ و. والخُرُفُ، بِضَمَّتَيْنِ فِي قَوْلِ الْجَارُودِ بنِ المُنْذِرِ بنِ مُعَلَّى الأَزْدِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، قالَ: قلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَلِمْتَ مَا يَكْفِينَا مِنَ الظَّهْرِ ذَودٌ نَأْتِي عَلَيْهِنَّ فِي خُرُف فنَسْتَمِتِعُ مِن ظُهُورِهِن. قَالَ: ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ خَرَقُ النَّارِ، أَرَادَ: فِي وَقْتِ خُرُوجِهِمْ هَكَذَا نَصُّ العُبَابِ، وَفِي النِّهايةِ: خُرُوجِهِنَّ إِلى الْخَرِيفِ.
والخَرَافُ، كسَحَابٍ، ويُكْسَرُ: وَقْتُ اخْتِرَافِ الثِّمَارِ، كالحَصَادِ والحِصَادِ، نَقَلَهُ الكِسَائِيُّ. وخَرَفَ الرَّجُلُ، كنَصَرَ، وفِرحَ، وكَرُمَ، وعلَى الثَّانِيَةِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ، والصَّاغَانِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَان، فَهُوَ خَرِفٌ، ككَتِفٍ ك فَسَدَ عَقْلُهُ من الكِبَرِ، كَمَا فِي الصِّحاحِ، والأُنْثَى خِرْفَةٌ، وَقَالَ عبدُ اللهِ بن طَاوُس: العَالِمُ لَا يَخْرَفُ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لأَبِي النَّجْمِ: أَتَيْتُ مِنْ عِنْدِ زِيَادٍ كَالْخَرِفْ تَخُطُّ رِجْلاَيَ بِخَطٍّ مُخْتَلِفْ وتَكْتُبَانِ فِي الطَّرِيقِ لاَمَ الِفْ قَالَ الصَّاغَانِيُّ: ورَواهُ بعضُهُم: تِكِتِّبان بالكَسراتِ، وَهِي لُغَةٌ لِبَغْضِهِمْ، وَقَالَ آخَرُ:
(مَجْهَالُ رَأْدِ الضُّحَى حَتَّى يُوَرِّعَها ... كَمَا يَوَرِّعُ عَن تَهْذائِهِ الخرِفَا)
وخَرِف الرَّجُلُ، كَفَرِحَ: أَولِعَ بِأَكْلِ الْخُرْفَةِ، بالضَّمِّ، وَهِي جَنَى النَّخْلَةِ. وأَخْرَفَهُ الدَّهْرُ: أَفْسَدَهُ، وأَخْرَفَ النَّخْلُ: حَان لَهُ أَنْ يُخْرَفَ، أَي يُجْنَى، كقولِك: أَحْصَدَ الزَّرْعُ، وَلَو قَالَ حَانَ خَرَافُهُ، كَانَ أَخْضَرَ.
وأَخْرَفَتِ الشَّاةُ: وَلَدَتْ فِي الْخَرِيفِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للكُمَيْتِ: (تَلْقَى الأَمَانَ علَى حِيَاضِ مُحَمدٍ ... ثَوْلاَءُ مُخْرِفَةٌ وذِئْبٌ أَطْلَسُ)
قَالَ الصَّاغَانِيُّ: وَلم أَجِدْهُ فِي شِعْرِهِ: قلتُ: ويُرْوَى بَعْدَهُ:
(لاذِي تَخافُ وَلَا لِذَلِكَ جُرْأَةٌ ... تُهْدَى الرَّعِيَّةُ مَا اسْتَقَامَ الرَّيِّسُ)
) يَمْدَحُ محمدَ بنَ سليمانَ الهَاشِمِيَّ، وَقد مَرَّ ذِكْرُه فِي حَوْض وَفِي رَأس. وأَخْرَفَ الْقَوْمُ: دَخَلُوا فِيهِ، أَي: فِي الخَرِيفِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وَكَذَلِكَ: أَصَافُوا، وأَشْتَوْا، إِذا دَخَلُوا فِي الصَّيْفِ والشِّتاءِ. وأَخْرَفَتِ الذُّرَةُ: طَالَتْ جِدًّا، نَقَلَهُ ابنُ عَبَّادٍ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: أَخْرَفَ فُلاناً نَخْلَةً: إِذا جَعَلَهَا لَهُ خُرْفَةً يَخْتَرِفُهَا. وَفِي الصِّحاحِ: قَالَ الأُمَوِيُّ: أَخْرَفَتِ النَّاقَةُ: وَلَدَتْ فِي مِثْلِ الْوَقْتِ الذِي حَمَلَتْ فِيهِ مِن قابِلٍ، وَهِي مُخْرِفٌ، وَقَالَ غيرُهُ: المُخْرِفُ: النَّاقَةُ الَّتِي تُنْتَجُ فِي فِي الخَرِيفِ، وَهَذَا أَصَحُّ، لأَنَّ الاشْتِقَاقَ يَمُدُّهُ، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ.
وخَرَّفَهُ، تَخْرِيفاً: نَسَبَهُ إِلى الْخَرَفِ، أَي: فَسَادِ العَقْلِ. وخَارَفَهُ، مُخَارَفَةً: عَامَلَهُ بالْخَرِيفِ، وَفِي العُبَابِ: مِن الخَرِيفِ، كالمُشَاهَرَةِ، مِنَ الشَّهْرِ. ورَجُلٌ مُخَارَفٌ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، أَي: مَحْرُومٌ مَحْدُودٌ، والجِيمُ والحاءُ لُغَتَانِ فِيهِ.
ومّما يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: أَرْضٌ مَخْرُوفَةٌ: أَصابَهَا مَطَرُ الخَرِيفِ. وخُرِقَتِ البَهائِمُ، بالضَّمِّ: أَصَابَها الخَرِيفُ، أَو أَنْبَتَ لَهَا مَا تَرْعَاهُ، قَالَ الطِّرِمَّاحُ: (مَثْلَ مَا كَافَحَتْ مَخْرُوفَةً ... نَصَّهَا ذَاعِرُ رَوْعٍ مُؤَامّ)
يعِْي الظَّبْيَةَ الَّتِي أًصابَهَا الخَرِيفُ. وأَخْرَفُوا: أَقَامُوا بالمَكَانِ خَرِيفَهم. والمَخْرَفُ، كمَقْعَدٍ: مَوْضِعُ إِقَامَتِهم ذلكَ الزَّمَنَ، كأَنَّهُ على طَرْح الزَّائِدِ، قَالَ قَيْسُ بنُ ذَرِيحٍ:
(فَغَيْقَةُ فَالأَخْيَافُ أَخْيَافُ ظَبْيَةٍ ... بِهَا مِنْ لُبَيْنَى مَخْرَفٌ ومَرَابِعُ)
وخَرَفُوا فِي حَائِطِهم: أَقَامُوا فِيهِ وَقْتَ اخْتِرَافِ الثِّمَارِ، وَقد جَاءَ ذَلِك فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهُ، كقَوْلِك: صَافُوا وشَتُوا، إِذا أَقَامُوا فِي الصَّيْفِ والشِّتَاءِ. وعَامَلَهُ مُخَارَفَةً، وخِرَافاً: مِنَ الخَريفِ، الأَخِيرَةُ عَن اللِّحْيَانِيِّ، وَكَذَا اسْتَأْجَرَهُ مُخَارَفَةً وخِرَافاً، عَنهُ أَيضاً.
واللَّبَنُ الْخَرِيفُ: الطَّرِيفُّ الحَدِيثُ العَهْدِ بالحَلْبِ، أُجْرِيَ مُجْرَة الثِّمَارِ الَّتِي تُخْتَرَفُ، علَى الاسْتِعَارةِ، وَبِه فَسَّرَ الهَرَوِيُّ رَجَزَ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ: لم يَغُذُهَا مُدٌّ ولاَ نَصِيفُ ولاَ تُمَيْراتٌ ولاَ رَغِيفُ لكِنْ غَذَاهَا اللَّبَنُ الْخَرِيفُ وَرَوَاهُ الأَزْهَرِيُّ: لَبَنُ الْخَرِيفِ وَقَالَ: اللَّبَنُ يكونُ فِي الخَرِيفِ أَدْسَمَ. والمَخْرَفُ، كمَقْعَدٍ: النَّخْلَةُ) نَفْسُهَا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ. وخَرَفَ الرَّجُلُ، يَخْرُفُ، مِن حَدِّ نَصَرَ: أَخَذَ مِن طُرَفِ الفَوَاكِهِ.
والمَخْرِفُ، كمَجْلِسٍ: لُغَةٌ فِي المَخْرَفِ، كمَقْعَدٍ، بمَعْنَى البُسْتَانِ مِن النَّخْلِ، نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ، فِي تَفْسِيرِ حديثِ أَبي قَتَادَةَ.
والخَرِيفَةُ، كسَفِينَةٍ: النَّخْلَةُ تُعْزَلُ لِلْخُرْفَةِ. والمَخْرَفُ، كمَقْعَدٍ: الرُّطَبُ. وخَرَّفْتُهُ أَخَارِيفَ. نَقْلَهُ ابنُ عَبَّادٍ. ومِن أَمْثَالِهِمْ: كالخَرُوفِ، أَيْنَمَا أتَّكَأَ أتَّكَأَ علَى الصُّوفِ، يُضْرَب لذِي الرَّفاهِيَةِ.
والإِمَامُ جارُ اللهِ أَبو عبدِ الله محمدُ بنُ أَبي الفَضْلِ، خَرُوف، الأَنْصَارِيُّ التُّونِسُي، نَزِيلُ فاسَ، تُوُفِّيَ بهَا سنة لِلْهِجْرَةِ، أَخَذَ عَن محمدِ ابنِ عليٍّ الطَّوِيلِ القادِرِيِّ، والشمسِ اللَّقَّانِيِّ، وأَخِيهِ ناصِرِ الدِّينِ، وَعنهُ مُحَمَّد بنُ قاسِمٍ القَصَّارُ، وأَبو المَحاسِنِ يُوسُفُ بنُ محمدٍ الفَاسِيُّ.

سنَن

(سنَن) السكين وَغَيره سنه وَكَلَامه حسنه وهذبه وَالرمْح ركب فِيهِ السنان وَالرمْح إِلَيْهِ سدده وَوَجهه وَالشَّيْء جعل لَهُ مَا يشبه الْأَسْنَان كالمنشار وَنَحْوه (مو) وَالرجل قدر لَهُ عمرا بالتخمين
سنَن
: ( {السِّنُّ، بالكسْرِ: الضِّرْسُ) ، فهُما مُتَرادِفان، وَتَخْصِيص الأضْراس بالإِرحاء عرفي، (ج} أَسْنَانٌ {وأَسِنَّةٌ) ، الأَخيرَةُ نادِرَةٌ، مِثْلُ قِنَ وأَقْنانٍ وأَقِنَّةٍ؛ ويقالُ} الأَسِنَّةُ جَمْعُ الجَمْعِ مِثْل كِنَ وأَكْنانٍ وأَكِنَّةٍ.
(و) حَكَى اللّحْيانيُّ فِي جَمْعِ السِّنِّ (! أَسُنٌّ) وَهُوَ نادِرٌ أَيْضاً.
وَفِي الحدِيثِ: (إِذا سافَرْتُم فِي الخِصْبِ فأَعْطُوا الرُّكُبَ {أَسِنَّتَها، وَإِذا سافَرْتُم فِي الجدْبِ فاسْتَنْجُوا) ، قد اخْتُلِفَ فِيهِ.
قالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَا أَعْرِف} الأسِنَّةَ إلاَّ جَمْع {سِنانٍ للرُّمْحِ، فَإِن كانَ الحدِيثُ مَحْفوظاً فكأَنَّها جَمْعُ} الأَسْنانِ، يقالُ لمَا تأْكُلُه الإِبِلُ وتَرْعاهُ مِن العُشْب {سِنٌّ، وجَمْعُ} أَسْنانٍ {أَسِنَّةٌ، يقالُ:} سِنٌّ {وأسْنانٌ مِن المَرْعَى، ثمَّ} أَسِنَّة جَمْعُ الجَمْعِ.
وقالَ أَبو سعيدٍ: الأَسِنَّةُ جَمْعُ {السِّنانِ لَا جَمْع} الأَسْنانِ، قالَ: والعَرَبُ تقولُ الحَمْضُ {يَسُنُّ الإِبِلَ على الخُلَّةِ أَي يقوِّيها كَمَا يقوِّي} السَّنُّ حَدَّ السِّكِّين، فالحَمْضُ {سِنانٌ لَهَا على رعي الخُلَّةِ.} والسِّنانُ الاسمُ مِن {يَسُنُّ أَي يقوِّي، قالَ: وَهُوَ وَجْهُ العَربيِّةِ.
قالَ الأزْهرِيُّ ويُقوِّي مَا قالَ أَبو عُبَيْدٍ حدِيثُ جابِرٍ: إِذا سِرْتُم فِي الخِصْب فأَمْكِنوا الرِّكابَ} أَسْنانَها.
وقالَ الزَّمَخْشريُّ، رحِمَه الّلهُ تعالَى: معْنَى الحدِيثِ أَعْطوها مَا تَمْتَنِع بِهِ مِن النَّحْرِ، لأنَّ صاحِبَها إِذا أَحْسَن رَعْيَها سَمِنَتْ وحَسُنَتْ فِي عَيْنِه فيَبْخَل بهَا أَنْ تُنْحَرَ، فشبَّه ذلِكَ {بالأسِنَّة فِي وُقوعِ الامْتِناعِ بهَا، هَذَا على أَنَّ المُرَادَ} بالأسِنَّة جَمْع {سِنَانٍ، وَإِن أُرِيدَ بهَا جَمْع} سِنٍّ فالمُرادُ بهَا أَمْكِنُواها مِنَ الرَّعْي؛ وَمِنْه الحدِيثُ: (أَعْطُوا {السِّنَّ حَظَّها مِن} السِّنِّ) ، أَي أَعْطُوا ذَوَاتِ السِّنِّ حظَّها مِن السِّنِّ وَهُوَ الرَّعْيُ.
وأَعْرَضَ الجَوْهرِيُّ عَن هَذِه الأَقْوالِ، واخْتَصَرَ بقوْلِه: أَي أمْكِنُوها مِن المَرْعَى إشارَة إِلَى قَوْلِ أَبي عُبَيْدٍ. (و) السِّنُّ: (الثَّوْرُ الوَحْشِيُّ) ؛ قالَ الرَّاجزُ:
حَنَّتْ حَنِيناً كتُؤَاجِ السِّنِّفي قَصَبٍ أَجْوَفَ مُرْثَعِنّ (و) السِّنُّ: (جَبَلٌ بالمدينةِ) ممَّا يلِي ركيةَ، وركيةُ وَرَاءَ معْدِنِ بَني سُلَيْم على خَمْسِ ليالٍ مِن المَدينَةِ؛ قالَهُ المَسْعودِيُّ.
(و) {السِّنُّ: (ع بالرَّيِّ) ، مِنْهُ هشامُ بنُ عبدِ الّلهِ} السِّنّيُّ الرَّازِيُّ عَن ابنِ أَبي ذئبٍ.
وقالَ الحاكِمُ أَبو عبْدِ اللهاِ: هِيَ قرْيَةٌ كَبيرَةٌ ببابِ الرَّيِّ.
(و) السِّنُّ: (د على دِجْلَةَ) بالجانِبِ الشَّرْقيِّ، مِنْهَا عنْدَ الزَّاب الأسْفَل بينَ تكْرِيت والموصلِ، (مِنْهُ) أَبو محمدٍ (عبْدُ اللهاِ بنُ عليَ) ، هَكَذَا فِي النُّسخِ، وصَوابُه عبدُ اللهاِ بنُ محمدِ بنِ أَبي الجودِ بنِ {السّنِّيُّ، (الفَقِيهُ) تَفَقَّه على القاضِي أَبي الطيِّبِ، وسَمِعَ ابنَ أَبي الحَسَنِ الحماميّ، ماتَ سَنَةَ 465، ويوسفُ بنُ عُمَرَ السِّنِّيُّ: رَوَى عَن المَالِينيّ فِي الأَرْبعِينْ.
(و) السِّنُّ: (د بَين الرُّهَا وآمِدَ) ذُو بَساتِينَ، وَمِنْه غنيمةُ بنُ سُفْيانَ القاضِي السُّنِّي عَن رجُلٍ عَن أَبي يَعْلى الموصليِّ؛ قالَهُ الذَّهبيُّ؛ واسمُ هَذَا الرَّجُل المجْهُولِ المُطَهرُ بنُ إسْمعيلَ، قالَهُ الحافِظُ.
(و) السِّنُّ: (موضِعُ البَرْيِ مِنَ القَلَمِ) ؛ مِنْهُ يقالُ: أَطِلْ} سِنَّ قَلَمِكَ وسَمِّنْها وحَرِّفِ قَطَّتَك وأَيْمِنْها؛ كَمَا فِي الصِّحاحِ.
(و) {السِّنُّ: (الأكْلُ الشَّديدُ) ، رُوِي ذلِكَ عَن الفرَّاءِ.
قالَ الأزهرِيُّ: وسمِعْتُ غيرَ واحِدٍ مِن العَرَبِ يقولُ: أَصابَتِ الإِبِلُ اليوْمَ} سِنّاً مِن الرَّعْي إِذا مَشَقَتْ مِنْهُ مَشْقاً صالِحاً. (و) {السّنُّ: (القِرْنُ) ، بكسْرِ القافِ. يقالُ: فلانٌ سِنُّ فلانٍ إِذا كانَ قِرْنَه فِي السِّنِّ، وكذلِكَ تِنُّه وحِتْنُه.
وَفِي المَثَلِ: أَعْطِني} سِيئاً مِن الثُّومِ (و) هِيَ (الحَبَّةُ مِن رأْسِ الثُّومِ) .
وَفِي الصِّحاحِ: {سِنَّة مِن ثُومٍ فِصَّةٌ مِنْهُ.
(و) السّنُّ: (شُعْبَةُ المِنْجَلِ) والمِنْشارِ. يقالُ: كلَّتْ} أَسْنانُ المِنْجلِ؛ وَهُوَ مجازٌ.
(و) قد يُعَبَّرُ {بالسِّنِّ عَن (مِقْدارِ العُمُرِ) ، فيُقالُ: كم} سِنُّكَ، كَمَا فِي الصِّحاحِ.
ويقالُ: جاوَزْتُ {أَسْنانَ أَهْل بَيْتي، أَي أَعْمارهُم؛ (مُؤَنَّثَةٌ) تكونُ (فِي النَّاسِ وغيرِهمِ) .
وَفِي الصِّحاحِ: وتَصْغِيرُ السِّنِّ} سُنَيْنَة، لأنَّها تُؤَنَّثَ.
وَفِي المُحْكَم: السِّنُّ: الضِّرْسُ، أُثْنى.
وقالَ شيْخُنا: {الأسْنانُ كُلُّها مُؤَنَّثة، وأَسْماؤُها كُلُّها مُؤَنَّثةٌ.
وَفِي النِّهايَةِ:} سِنُّ الجارِحَةِ مُؤَنَّثَةٌ ثمَّ اسْتُعِيرَتْ للعُمُرِ اسْتِدلالاً بهَا على طُولِه وقِصَرِه، وبَقِيَتْ على التأْنِيثِ.
وقوْلُ شيْخُنا، رحِمَه الّلهُ تَعَالَى: الأَسْنانُ كُلُّها مؤَنَّثَةٌ إِلَى آخِرِه، محلُّ نَظَرٍ؛ فقد تقدَّمَ للمصنِّفِ أَنَّ الضِّرْسَ مُذَكَّرٌ، وأَنْكَرَ الأَصْمعيُّ تأْنِيثَه؛ وكذلِكَ الناجِذُ والنابُ، فتأَمَّلْ.
(ج أَسْنانٌ) لَا غَيْر.
( {وأَسَنَّ) الرَّجُلَ: كَبُرَ، كَمَا فِي الصِّحاحِ.
وَفِي المُحْكَم: (كَبِرَتْ} سِنُّهُ) ، فَهُوَ {مُسِنٌّ؛ (} كاسْتَسَنَّ.
(و) يقالُ: {أَسَنَّ البَعيرُ: إِذا (نَبَتَ} سِنُّهُ) الَّذِي يَصِيرُ بِهِ {مسنًّا مِن الدَّوابِّ.
ورَوَى مالِكٌ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ، رضِيَ الّلهُ تعالَى عَنْهُمَا أَنَّه قالَ: (يُتَّقَى مِن الضَّحايا الَّتِي لم} تُسْنَنْ) ، بفتحِ النّونِ الأولَى؛ هَكَذَا رَوَاه القُتَيبيُّ وفسَّرَه: الَّتِي لم تَنْبُتْ {أَسْنانُها كأَنَّها لم تُعْطَ} أَسْنَاناً.
قالَ الأزْهرِيُّ: وَهَذَا وهمٌ والمَحْفوظُ مِن أهْلِ الضبْطِ لم {تُسْنِنْ بكسْرِ النُّونِ، وَهُوَ الصَّوابُ فِي العَربيَّةِ، وَإِذا أَثْنَتْ فقد} أَسَنَّتْ؛ وعَلى هَذَا قَوْل الفُقَهاءِ.
(و) {أَسَنَّ (اللهاُ} سِنَّهُ: أَنْبَتَهُ) .
وقالَ القتيبيُّ: يقالُ {سُنِّنَتِ البَدَنَةُ إِذا نَبَتَتْ} أَسْنانُها، {وأَسَنَّها اللهاُ.
قالَ الأزْهرِيُّ: هَذَا غيرُ صَحِيحٍ، وَلَا يقُولُه ذُو المَعْرفَةٍ بكَلامٍ العَرَبِ.
(و) } أَسَنَّ (سَدِيسُ النَّاقَةِ) : أَي (نَبَتَ) ؛ وَذَلِكَ فِي السَّنةِ الثامِنَةِ، كَذَا فِي نسخِ الصِّحاحِ؛ وأَنْشَدَ للأَعْشي:
بِحِقَّتِها رُبِطَتْ فِي اللَّجِينِ حَتَّى السَّدِيسُ لَهَا قد {أَسَنّْ َيقولُ: قيمَ عَلَيْهَا منُذ كَانَت حِقَّةً إِلَى أَن أَسْدَسَتْ فِي إِطْعامِها وإِكْرامِها؛ ومثْلُه قَوْل القُلاخِ:
بِحِقِّه رُبِّطَ فِي خَبْطِ اللَّجُنْيُ قْفَى بِهِ حَتَّى السَّدِيسُ قد} أَسَنْ (و) يقالُ: (هُوَ {أَسَنُّ مِنْهُ) : أَي (أَكْبَر} سِنًّا) ، مِنْهُ عَربيَّةٌ صَحِيحَةٌ.
قالَ ثَعْلَبُ: حدَّثَنِي موسَى بنُ عيسَى بنِ أَبي جَهْمَة اللُّيْثيُّ وأَدْرَكته {أسَنَّ أَهْلِ البَلَدِ.
(و) يقالُ: (هُوَ} سِنُّه) ، بالكسْرِ، ( {وسَنِينُهُ) ، كأَمِيرٍ، (} وسَنِينَتُه) ، كسَفِينَةٍ: أَي (لِدَتُه وتِرْبُهُ) إِذا كانَ قِرْنَه فِي {السِّنِّ،} والسِّنُّ قد تقدَّمَ لَهُ قَرِيباً فَهُوَ تِكْرارٌ.
( {وسَنَّ السِّكِّيْنَ) } يَسُنُّه {سَنّاً، (فَهُوَ} مَسْنُونٌ {وسَنينٌ.
(} وسَنَّنَهُ) {تَسْنِيناً:) (أَحَدَّهُ) على} المِسَنِّ (وصَقَلَه. وكلُّ مَا {يُسَنُّ بِهِ أَو عَلَيْهِ) فَهُوَ (} مِسَنٌّ) ، بالكسْرِ، والجَمْعُ {المسانُّ.
وَفِي الصِّحاحِ:} المِسَنُّ حَجَرٌ يُحَدَّدُ بِهِ.
وقالَ الفرَّاءُ سُمِّي {المِسَنُّ} مِسَنّاً لأنَّ الحَدِيدَ يُسَنُّ عَلَيْهِ، أَي يُحَدُّ.
(و) مِن المجازِ: ( {سَنَّنَ المَنْطِقَ) : إِذا (حَسَّنَهُ) كأَنَّه صَقَلَه وزَيَّنَه؛ قالَ العجَّاجُ:
دَعْ ذَا وبَهّجْ حَسَباً مُبَهَّجا فَخْماً} وسَنِّنْ مَنْطِقاً مُزَوَّجا (و) {سَنَّنَ (رُمْحَهُ إِلَيْهِ: سَدَّدَهُ) ووَجَّهَه إِلَيْهِ.
(} وسَنَّ الرُّمْحَ) {يَسُنُّه} سَنّاً: (رَكَّبَ فِيهِ {سِنانَهُ) .
} وأَسَنَّه جَعَلَ لَهُ {سِناناً.
(و) } سَنَّ (الأَضْراسَ) {سَنّاً (سَوَّكَها) كأنَّه صَقَلَها.
(و) } سَنَّ (الإِبِلَ) {سَنّاً: (ساقَها) سَوْقاً (سَرِيعاً) وَفِي الصِّحاحِ: سَارهَا سَيْراً شَدِيداً.
(و) سَنَّ (الأَمْرَ) سَنّاً: إِذا (بَيَّنَه) .
} وسَنَّ اللهاُ أَحْكَامَهُ للناسِ: بَيَّنَها.
{وسَنَّ اللهاُ} سُنَّةً: بَيَّنَ طَرِيقاً قَوِيماً.
(و) {سَنَّ (الطِينَ) } سَنّاً: (عَمِلَهُ فَخَّاراً) ، أَو طَيَّنَ بِهِ؛ كذلِكَ: (و) سَنَّ (فُلاناً: طَعَنَهُ {بالسِنانِ.
(أَو) سَنَّه: (عَضَّهُ} بالأسْنانِ) ، كضَرَّسَهُ إِذا عَضَّه بالأَضْراسِ.
(أَو) {سَنَّه: (كَسَرَ أَسْنَانَهُ) ، كعَضَّدَه إِذا كَسَرَ عَضدَهُ.
(و) سَنَّ (الفَحْلُ الناقَةَ) } يَسُنُّها {سَنّاً: (كَبَّها على وَجْهِها) ؛ قالَ:
فانْدَفَعَتْ تأْفِرُ واسْتَقْفاها} فسَنَّها بالوَجْهِ أَو دَرْباهاأَي دَفَعَها.
(و) {سَنَّ (المالَ: أَرْسَلَهُ فِي الرَّعْيِ) ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عَن المُؤرِّخِ.
(أَو) } سَنَّه إِذا (أَحْسَنَ) رِعْيَته و (القِيامَ عَلَيْهِ حَتَّى كأنَّه صَقَلَهُ) ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عَن ابنِ السِّكِّيت، وأَنْشَدَ للنابِغَةِ:
ضَلَّتْ حُلومُهُمُ عَنْهُم وغَرَّهُم! سَنُّ المُعَيديِّ فِي رَعْيِ وتَعْزيبِ وَفِي المُحْكَمِ: سَنَّ الإِبِلَ {يَسُنُّها} سَنّاً إِذا رَعاها فأَسْمَنَها.
(و) {سَنَّ (الشيءَ) } يَسُنُّه {سَنّاً: (صَوَّرَهُ) ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وَهُوَ} مَسْنونٌ: أَي مُصوَّرٌ.
(و) {سَنَّ (عَلَيْهِ الدِرْعَ) } يَسُنُّه {سَنّاً: أَرْسَلَه إرْسالاً لَيِّناً.
(أَو) سَنَّ عَلَيْهِ (الماءَ: صَبَّهُ) عَلَيْهِ صَبّاً سَهْلاً.
وَفِي الصِّحاحِ:} سَنَنْتُ الماءَ على وَجْهي أَي أَرْسَلْتَهُ إرْسالاً من غيرِ تَفْريقٍ، فَإِذا فَرَّقْتَه بالصَّبِّ قُلْتَ بالشِّيْن المعْجمَةِ.
وَفِي حدِيثِ ابنِ عُمَرَ، رضِيَ اللهاُ تَعَالَى عَنْهُمَا: (كَانَ {يَسُنُّ الماءَ على وجْهِه وَلَا يَشُنُّه.
وكذلِكَ} سَنَّ التّرابَ: إِذا صَبَّه على وجْهِ الأرْضِ صَبّاً سَهْلاً. وَمِنْه حدِيثُ عَمْرو بنِ العاصِ، رضِي الّلهُ تعالَى عَنهُ: ( {فسُنُّوا عليَّ التُّرابَ} سَنّاً) .
(و) {سَنَّ (الطَّرِيقَةَ) } يَسُنُّها {سَنّاً: (سَارَها) ؛ قالَ خالِدُ بنُ عُتْبة الهُذَليُّ:
فَلَا تَجْزَعَنْ من سِيرةٍ أَنتَ سِرْتَها فَأوَّلُ راضٍ} سُنَّةً من يَسِيرُها ( {كاستَسَنَّها.
(} واسْتَنَّ) الرَّجُلُ: (إسْتَاكَ) ؛ وَمِنْه الحدِيثُ: (كانَ {يَسْتَنُّ بعودٍ مِن أَرَاكٍ) ، وَهُوَ افْتِعالٌ مِن} الأَسْنانِ أَي يُمِرُّه عَلَيْهَا.
(و) {اسْتَنَّ (الفَرَسُ: قَمَصَ) وَفِي المَثَلِ:} اسْتَنَّتِ الفِصالُ حَتَّى القَرْعَى؛ كَمَا فِي الصِّحاحِ.
يقالُ:! اسْتَنَّ الفَرَسُ فِي مضْمَارِه: إِذا جَرَى فِي نَشاطِهِ على {سَنَنِه فِي جهَةٍ واحِدَةٍ.
وَفِي حدِيثِ الخَيْلِ: (} اسْتَنَّتْ شَرَفاً أَو شَرَفَيْنِ) ، أَي عَدا لِمرَحِهِ ونَشاطِهِ شَوْطاً أَو شَوطَيْن وَلَا رَاكِبَ عَلَيْهِ. والمَثَلُ يُضْرَبُ لرَجُلٍ يُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قوْمٍ ليسَ مِنْهُم، والقَرْعَى مِن الفِصالِ: الَّتِي أَصابَها قَرَعٌ، وَهُوَ بَثْرٌ.
(و) {اسْتَنَّ (السَّرابُ: اضْطَرَبَ) فِي المَفازَةِ.
(و) } السَّنُونُ، (كصَبُورٍ: مَا اسْتَكْتَ بِهِ) .
وقالَ الرَّاغِبُ: دواءٌ يُعالجُ بِهِ {الأَسْنانُ، زادَ غيرُهُ: مُؤَلَّفٌ مِن أَجْزاء لتَقْوِيةِ الأسْنانِ وتَطْرِيتِها.
(و) قالَ اللّيْثُ: (} السَّنَّةُ) ، وبالفتْحِ: اسمُ (الدُّبَّةِ) ، (والفَهْدَة.
(و) {السِّنَّةُ، (بالكسْرِ: الفَأْسُ لَهَا خَلْفانِ) ، والجَمْعُ} سنانٌ ويُقالُ: هِيَ الحَدِيدَةُ الَّتِي تُثارُ بهَا الأرْضُ كالسِّكَّةِ؛ عَن أبي عَمْرٍ ووابنِ الأعْرابيِّ، كَمَا فِي الصِّحاحِ.
(و) {السُّنَّةُ، (بالضَّمِّ: الوَجْهُ) لصَقالَتِهِ ومَلاسَتِهِ؛ (أَو حُرُّهُ) وَهُوَ صفْحَةُ الوَجْهِ؛ (أَو دَائِرَتُهُ؛ أَو) السُّنَّةُ: (الصُّورَةُ) ؛ وَمِنْه حدِيثُ الحضِّ على الصَّدَقةِ: فقامَ رجُلٌ قَبِيحُ السُّنَّةِ، أَي الصُّورَة وَمَا أَقْبَلَ عَلَيْك مِنَ الوَجْهِ، ويقالُ: هُوَ أَشْبَه شَيْء} سُنَّة وأَمَة، {فالسُّنَّةُ: الصُّورَةُ والوَجْهُ، والأمَةُ: الوَجْهُ؛ عَن ابنِ السِّكيت؛ وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تُرِيكَ} سُنَّةَ وَجْهٍ غيرَ مُقْرِفةٍ مَلساءَ لَيْسَ بهَا خالٌ وَلَا نَدَبُوأَنْشَدَ ثَعْلَب:
بَيْضاءُ فِي المِرْآةِ {سُنَّتُها فِي البيتِ تحتَ مَواضِعِ اللّمْسِ (أَو) } السُّنَّةُ: (الجَبْهَةُ والجَبِينانِ) وكُلَّه مِنَ الصَّقالَةِ الأَسالَةِ.
(و) السُّنَّةُ: (السِّيرَةُ) حَسَنَة كانتْ أَو قَبِيحَة.
وقالَ الأزْهرِيُّ: السُّنَّةُ: الطَّريقَةُ المَحْمودَةُ المُسْتقيمةُ، ولذلِكَ قيل: فلانٌ مِن أَهْلِ السُّنَّة؛ معْناهُ مِن أَهْلِ الطَّريقَةِ المُسْتقيمةِ المَحْمودَةِ.
(و) السُّنَّةُ: (الطَّبِيعَةُ) ؛ وَبِه فسَّرَ بعضُهم قوْلَ الأَعْشى:
كَرِيماً شَمائِلُه من بَنِيمُعاويةَ الأكْرَمِينَ {السُّنَن ْوقيلَ:} السُّنَن هُنَا الوُجُوه.
(و) {السُّنَّةُ: (تَمْرٌ بالمدينةِ) مَعْروفٌ؛ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.
(و) السُّنَّةُ (مِن اللهاِ) إِذا أُطْلِقَت فِي الشَّرْع فإنّما يُرادُ بهَا (حُكْمُهُ وأَمْرُهُ ونَهْيُهُ) ممَّا أَمَرَ بِهِ النَّبيُّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَهَى عَنهُ ونَدَبَ إِلَيْهِ قوْلاً وفِعلاً ممَّا لم يَنْطق بِهِ الكتابُ العَزيزُ، وَلِهَذَا يُقالُ فِي أَدِلَّة الشَّرْعِ: الكتابُ} والسُّنَّةُ، أَي القُرآنُ والحدِيثُ.
وقالَ الرَّاغبُ: {سُنَّةُ النبيِّ: طَريقَتُه الَّتِي كانَ يَتحرَّاها،} وسُنَّةُ اللهاِ، عزَّ وجلَّ، قد تُقالُ لطَريقَةِ حكْمَتِه وطَريقَةِ طاعَتِه، نحْو قوْلِه تعالَى: { {سُنَّةُ الله الَّتِي قد خَلَتْ مِن قبْل} ؛ وقَوْله تعالَى: {ولنْ تَجِد} لسُنَّت الله تَحْويلاً} ؛ فنَبَّه على أنَّ وجُوه الشَّرائِعِ وَإِن اخْتَلَفَتْ صُورُها، فالغَرَضُ المَقْصُودُ مِنْهَا لَا يَخْتلِفُ وَلَا يَتَبَدَّلُ، وَهُوَ تَطْمِينُ النَّفْس وتَرْشِيحُها للوُصولِ إِلَى ثَوابِ اللهاِ تَعَالَى.
(و) قَوْله تعالَى: {وَمَا مَنَعَ الناسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهم الهُدَى ويَسْتَغْفِروا رَبَّهم (إلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُم سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} .
(قالَ الزَّجَّاجُ: (أَي مُعَايَنَةُ العَذابِ) وطَلَبُ المُشْركِين إِذْ قَالُوا: اللهُمَّ إِن كانَ هَذَا هُوَ الحَقُّ مِن عنْدَك فأَمْطِرْ علينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ.
( {وسَنَنُ الطَّرِيقِ، مُثَلَّثَةً وبضمَّتَيْن) ، فَهِيَ أَرْبَع لُغاتٍ، ذكَرَ الجَوْهرِيُّ مِنْهَا:} سَنَنا بالتَّحْريكِ وبضمَّتَيْن وكرُطَبٍ. وَابْن سَيّده: {سِنَناً كعِنَبٍ، قالَ: وَلَا أَعْرفُه عَن غيرِ اللّحْيانيّ. وكرُطَبٍ: ذَكَرَه صاحِبُ المِصْباحِ أَيْضاً وتَظَر فِيهِ شيْخُنا؛ وَلاَ وَجْه للنَّظَر فِيهِ، وَقد ذكَرَه الجَوْهرِيُّ وغيرُهُ مِن الأئِمَّةِ: (نَهْجُهُ وجِهَتُهُ) . يقالُ: تَرَكَ فلانٌ} سَنَنَ الطَّرِيقِ، أَي جِهَتَه.
وقالَ أَبو عُبَيْدٍ: {سَنَنُ الطَّريقِ} وسُنَنُه: مَحَجَّتُه.
وتَنَحَّ عَن سَنَنِ الجَبَلِ: أَي عَن وجْهِه.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: {السَّنَنُ: الاسْتِقامَةُ. يقالُ: أَقامَ فلانٌ على} سَنَنٍ واحِدٍ. ويقالُ: امْضِ على {سَنَنِك أَي على وَجْهِك.
وقالَ شَمِرٌ:} السُّنَّةُ فِي الأَصْلِ {سُنَّة الطَّرِيقِ، وَهُوَ طَريقٌ} سَنَّه أَوائِلُ الناسِ فصارَ مَسْلَكاً لمَنْ بعْدِهم.
(وجاءَتِ الرِّيحُ {سَناسِنَ) ، كَذَا فِي النسخِ، والصَّوابُ:} سَنائِنَ، كَمَا هُوَ نَصُّ الصِّحاحِ، إِذا جاءَتْ (على) وَجْهٍ واحِدٍ وعَلى (طَريقَةٍ واحِدَةٍ) لَا تَخْتلفُ؛ واحِدُها {سَنِينَةٌ، كسَفِينَةٍ: قالَهُ مالِكُ بنُ خالِدٍ الخُنَاعِيُّ.
(والحَمَأُ} المَسْنونُ) ، فِي الآيَةِ، (المُنْتِنُ) المُتَغيِّرُ؛ عَن أَبي عَمْرٍ و؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وقالَ أَبو الهَيْثم: {سَنَّ الماءُ فَهُوَ} مَسْنونٌ، أَي تَغَيَّرَ.
وقالَ الزَّجَّاجُ:! مَسْنونٌ مَصْبوبٌ على سُنَّةِ الطَّريقِ.
قالَ الأَخْفشُ: وإنَّما يَتَغيَّرُ إِذا قامَ بغيْرِ ماءٍ جارٍ.
وقالَ بعضُهم: مَسْنونٌ: طَوِيلٌ. وقالَ ابنُ عبَّاسٍ: هُوَ الرَّطْبُ، وقيلَ: المُنْتِنُ.
وقالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المَسْنونُ: المَصْبوبُ؛ ويقالُ: المَسْنونُ: المَصْبوبُ على صورَةٍ.
وقالَ الفرَّاءُ: المَسْنونُ: المَحْكوكُ.
(ورجُلٌ مَسْنونُ الوَجْهِ: مُمَلَّسُهُ) ؛ وقيلَ: (حَسَنُهُ سَهْلُهُ) .
وقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سُمِّي {مَسْنوناً لأنَّه كالمَخْروطِ؛ زادَ الزَّمَخْشرِيُّ: كأَنَّ اللحْمَ} سُنَّ عَنهُ؛ (أَو) الَّذِي (فِي وَجْهِه وأَنْفِه طُولٌ) ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.
(والفَحْلُ {يُسَانُّ النَّاقَةَ} مُسَانَّةً {وسِناناً) ، بالكسْرِ: (أَي يَكْدِمُها ويَطْرُدُها حَتَّى يُنَوِّخَها ليَسْفِدَها) ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وقالَ ابنُ بَرِّي:} المُسانّةُ أَن يَبْتَسِرَ الفحْلُ الناقَةَ قَهْراً؛ قالَ مالِكُ بنُ الرَّيْب:
وأَنت إِذا مَا كنتَ فاعِلَ هذِه {سِنَاناً فَمَا يُلْفَى لجنبك مَصْرَعُوقالَ ابنُ مُقْبل يَصِفُ ناقَتَه:
وتُصْبِحُ عَن غِبِّ السُّرَى وكأَنَّهافَنِيقٌ ثَناها عَن} سِنانٍ فأَرْقَلا يقولُ: {سانَّ ناقَتَه ثمَّ انْتَهَى إِلَى العَدْوِ الشّدِيدِ فأَرْقَلَ، وَهُوَ أَنْ يَرْتفِعَ عَن الذَّمِيلِ، ويُرْوى هَذَا البيتُ أَيْضاً لِضابِىءِ بنِ الحَارِثِ البُرْجُمِيِّ؛ وقالَ آخَرُ:
كالفَحْل أَرْقَلَ بعدَ طُولِ سِنَانِ (و) } السَّنِينُ، (كأَمِيرٍ: مَا يَسْقُطُ منَ الحَجَرِ إِذا حَكَكْتَهُ) ، كَذَا فِي الصِّحاحِ.
وقالَ الفرَّاءُ: يقالُ للَّذي يسيلُ مِنَ {المِسَنِّ عنْدَ الحكِّ} سَنِينٌ؛ قالَ: وَلَا يكونُ ذلِكَ السائِلُ إلاَّ مُنْتِناً.
(و) {السَّنِينُ: (الأَرضُ الَّتِي أُكِلَ نَباتُها} كالمَسْنونَةٍ، وَقد! سُنَّتْ) ؛ قالَ الطِّرمَّاحُ: بمُنْخَرَقٍ تَحِنُّ الريحُ فيهحَنِينَ الجُلْبِ فِي البلدِ {السَّنِينِ (و) } سَنِينٌ: (د) بِهِ رملٌ وهِضَابٌ. وَفِيه وعُورَةٌ وسُهولَةٌ مِن بِلادِ عَوْفِ بنِ عبْدٍ أَخِي قريط بنِ أَبي بكْرِ بنِ كِلابٍ؛ قالَهُ نَصْرٌ.
(و) {سُنَيْنُ، (كزُبَيْرٍ: اسمٌ) سَيَأْتي بعضُ مَنْ تَسَمَّى بِهِ فِي سِياقِ المصنِّفِ، رحِمَه اللهاُ تعالَى.
والعلاَّمَةُ عبدُ الجَلِيلِ بنُ سُنَيْنِ الطَّرَابُلُسِيُّ الحَنَفيُّ عَن الشَّهاب البشبيشي، أَخَذَ عَن شيخِ مشايخِنا الحمويّ صاحِبِ التارِيخِ.
(وكجُهَيْنَةَ) :} سُنَيْنَةُ (بنْتُ مِخْنَفٍ الصَّحابِيَّةُ) ، رَوَتْ عَنْهَا حبةُ بنْتُ الشمَّاخِ، ووَقَعَ فِي المعاجِمِ اسْمُها سنيةُ، وَهُوَ غَلَطٌ.
(و) سُنَيْنَةُ، أَيْضاً: (مَوْلًى لأَمِّ سَلَمَةَ) ، رضِيَ اللهاُ تعالَى عَنْهَا؛ نَقَلَه الحافِظُ.
وَفِي بعضِ نسخِ التَّبْصير: مَوْلاةُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَهُوَ غَلَطٌ.
( {والمَسانُّ مِن الإِبِلِ: الكبارُ) .
وَفِي الصِّحاحِ: خِلافُ الأفتاء.
وَفِي حدِيثِ معاذٍ، رضِيَ اللهاُ تَعَالَى عَنهُ: (فأَمَرَني أَن آخُذَ من كلِّ ثَلاثِين مِنَ البَقَرِ تَبِيعاً، ومِن كلِّ أَرْبَعِين} مُسِنَّةً) ؛ والبقرَةُ والشَّاةُ يقَعُ عَلَيْهِمَا اسمُّ {المُسِنِّ، إِذا أَثْنَيا، فَإِذا سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهما بعْدَ طُلوعِها فقد أَسَنَّتْ، وليسَ معْنَى} إِسْنانِها كِبَرَها كالرجلِ، وَلَكِن معْناهُ طُلوع ثَنِيَّتها، وتُثْني البقرَةُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وكذلِكَ المِعْزَى تُثْنِي فِي الثالثَةِ، ثمَّ تكونُ رَباعِيَة فِي الثالثَةِ، ثمَّ سِدْساً فِي الخامِسَةِ، ثمَّ سَالِغاً فِي السادِسَةِ، وكذلِكَ البَقَرُ فِي جمِيعِ ذَلِك.
وقالَ الأزْهرِيُّ: وأَــدْنى! الأَسْنانِ: الإِثْناءُ، وَهُوَ أَنْ تنْبِتَ ثَنِيَّتاها، وأَقْصاها فِي الإِبِلِ: البُزُولُ، وَفِي البَقَرِ والغَنَمِ السُّلُوغ.
( {والسِّنْسِنُ، بالكسْرِ: العَطَشُ.
(و) فِي الصِّحاحِ: (رأْسُ المَحالَةِ) ، وَهُوَ قَوْلُ أَبي عَمْرٍ و.
(و) أَيْضاً: (حَرْفُ فَقَارِ الظَّهْرِ) ، والجَمْعُ} السَّنَاسِنُ؛ قالَ رُؤْبَة:
يَنْقَعْنَ بالعَذْبِ مُشاشَ {السِّنْسِنِ (} كالسِّنِّ {والسِّنْسِنةِ.
(و) قيلَ:} السِّنْسِنُ: (رأْسُ عِظامِ الصَّدْرِ) ، وَهِي مُشَاشُ الزَّوْرِ، (أَو طَرَفُ الضِّلَعِ الَّتِي فِي الصَّدْرِ) .
وقالَ الأَزهرِيُّ: ولحْمُ {سَنَاسِنِ البَعيرِ مِن أَطْيبِ اللُّحْمَانِ لأنَّها تكونُ بينَ شَطَّي السَّنَام، وقيلَ: هِيَ مِن الفَرَسِ جَوانِحُه الشاخِصَةُ شِبْه الضُّلُوعِ ثمَّ تَنْقطعُ دُونَ الضّلُوع.
وقالَ ابنُ الأَعْرابيِّ:} السَّنَاسِنُ والشَّنَاشِنُ: العِظامُ؛ قالَ الجَرَنْفَشُ:
كَيفَ تَرَى الغَزْوَةَ أَبْقَتْ مِني {سَناسِناً كحَلَقِ المِجَنِّ (و) } سُنْسُنُ، (كهُدْهُدٍ) : اسمٌ أَعْجمِيٌّ يُسَمَّى بِهِ السَّوَادِيُّون، وَهُوَ (لَقَبُ أَبي سُفْيانَ بنِ العَلاءِ) المَازِنيّ (أَخِي أَبي عَمْرِو) بنِ العَلاءِ.
قالَ ابنُ مَاكُولَا: اسْمُه العربانُ وَلَهُمَا أَخَوانِ أَيْضاً مَعَاذُ وعُمَرُ.
(و) سُنْسُنٌ: (شاعِرٌ) أَدْرَكَهُ الدَّارْقَطْنِيُّ.
(و) سُنْسُنٌ: (جَدُّ) أَبي الفتْحِ (الحُسَيْنِ بنِ محمدٍ) الأَسدِيّ الكُوفيّ المُحدِّث.
وقوْلُه: (الشَّاعِرُ) يَنْبغي حَذْفه فإنَّه لم يَشْتهر بذلِكَ، وَقد رَوَى عَن القاضِي الجعفيّ وغيرِهِ. ( {وسَنَّةُ بنُ مُسْلِمٍ البَطينُ) : شيْخٌ لشعْبَةَ؛ (وأَبو عُثْمانَ بنُ} سَنَّةَ) : شيْخٌ للزّهْريّ، (مُحدِّثانِ.(و) سِنانُ (بنُ تَيْمٍ) الجهْنيُّ، وقيلَ ابنُ وَبْرَةَ حَلِيفُ الخَزْرجِ، لَهُ حدِيثٌ ذَكَرَه أَبو عُمَرَ؛ (و) سِنانُ (بنُ ثَعْلَبَةَ) بنِ عامِرٍ الأَنْصارِيُّ: شَهِدَ أُحُداً وَلَا رِوايَة لَهُ؛ (و) سِنانُ (بنُ رَوْحٍ) ممَّنْ نَزَلَ حمْصَ مِن الصَّحابَةِ، وقيلَ اسْمُه سَيَّار.
وفاتَهُ:
سِنانُ بنُ صَخْرِ بنِ خَنْساء الخَزْرجيُّ عقبيٌّ بدْرِيٌّ؛ {وسِنانٌ الضمْرِيُّ الَّذِي اسْتَخْلَفَه أَبُو بكْرٍ على المَدينَةِ حينَ خَرَجَ لقِتالِ أَهْلِ الردَّةِ؛ وسِنانُ بنُ أَبي عبدِ الّلهِ ذَكَرَه العَدَويُّ؛ وسِنانُ بنُ عَرَفَة؛ وسِنانُ أَبو هنْدٍ الحجَّامُ ويقالُ اسْمُه سالمٌ وسِنانُ آخَرُ لم يُنْسَبْ، رَوَى عَنهُ أَبو إسْحق السُّبَيْعيُّ.
(} وسُنَيْنٌ، كزُبَيْرٍ: أَبو جَميلَةَ) الضمْريُّ، وقيلَ: السُّلَميُّ، لَهُ فِي صَحيحِ البُخارِي حدِيثٌ مِن طَريقِ الزّهْريّ عَنهُ؛ (و) {سُنَيْنُ (بنُ واقِدٍ) الأَنْصارِيُّ الظفريُّ تأَخَّر موْتُه إِلَى بعْدَ الستِّين، (صَحابِيُّونَ) ، رضِيَ اللهاُ عَنْهُم.
(وحِصنُ} سِنانٍ: بالرُّومِ) فَتَحه عبدُ اللهاِ بنُ عبْدِ الملِكِ بنِ مَرْوانَ.
(وأَبو العبَّاسِ) محمدُ بنُ يَعْقوب بنِ يُوسفَ بنِ مَعْقلِ بنِ {سِنانِ بنِ عبْدِ الّلهِ (الأَصَمُّ} السِّنانِيُّ) الأُمَويُّ (نِسْبَةٌ إِلَى جَدِّهِ! سِنانٍ) المَذْكورِ، ويقالُ لَهُ المعقليُّ نِسْبَة إِلَى جَدِّه مَعْقلٍ، عَمَّر طَويلاً، ظَهَرَ بِهِ الصَّمَمُ بعْدَ انْصِرافِهِ مِنَ الرَّحْلةِ حَتَّى إنَّه كانَ لَا يَسْمَع نَهِيقَ الحِمارِ، أَذَّنَ سَبْعِينَ سَنَة فِي مسْجِدِه، وسُمِعَ مِنْهُ الحدِيثُ سِتّاً وسَبْعينَ سَنَة، سَمِعَ عَنهُ الآباءُ والأَبْناءُ والأَحفادُ، وكانَ ثِقَةً أَمِيناً وُلِدَ سَنَة 247 ورَحَل بِهِ أَبوه سَنَة 265 - على طَريقِ أَصْبهان، فسَمِعَ هَارُون بن سُلَيْمان وَأسيد بنِ هاشِمٍ، وحَجَّ بِهِ أَبوه فِي تلْكَ السَّنَةِ فسَمِعَ بمكَّةَ مِن أَحمدَ بنِ سِنانٍ الرّمليّ، ثمَّ خَرَجَ إِلَى مِصْر فسَمِعَ مِن عبْدِ الّلهِ بنِ عبْدِ الحَكَم ويَحْيَى بنِ نَصْر الخولانيّ والرَّبيعِ بنِ سُلَيْمان المُرَاديّ وبكَّارِ بنِ قُتَيبَةَ القاضِي، رحِمَهم الّلهُ تعالَى، وأَقامَ بمِصْرَ على سماعِ كُتُبِ الإِمامِ الشافِعِيّ، رضِيَ اللهاُ تعالَى عَنهُ، ثمَّ دَخَلَ الشامَ وسَمِعَ بعَسْقلان ودِمَشْق، ودَخَلَ دِمْياط وحمْصَ والجَزيرَةُ والمُوْصل، ورَحَلَ إِلَى الكُوفَةِ، ودَخَلَ بَغْدادَ ثمَّ انْصَرَفَ إِلَى خُرَاسان وَهُوَ ابنُ ثَلاثِينَ سَنَةً، وَهُوَ محدِّثٌ كبيرٌ، وتُوفي بنَيْسابُور سَنَة 349. ( {وأُسْنانُ، بالضَّمِّ: ة بهَراةَ) ، مِنْهَا: أَحمدُ بنُ عدْنانِ بنِ اللّيْثِ رَوَى عَنهُ أَبو سعْدٍ المَالِيني.
(} وسَنِيناءُ) ، بفتحٍ فكسْرٍ مَمْدودَةً: (ة بالكُوفَةِ.
( {والسَّنائِنُ: ماءَةٌ لبَني وَقَّاصٍ) ، كأنَّه جَمْعُ سنينة.
(} والمُسْتَسِنُّ) ، على صِيغَةِ اسمِ الفاعِلِ: (الطَّريقُ المَسْلوكُ) .
وَفِي التَّهْذيبِ: طَريقٌ يُسْلَكُ.
{وتَسننَ الرَّجُلُ فِي عَدْوِهِ، (} كالمُسْتَسَنِّ) ، على صِيغَةِ اسمِ المَفْعولِ؛ (وَقد! اسْتَسَنَّتْ) إِذا صارَتْ كذلِكَ. ( {والمُسْتَنُّ: الأَسَدُ) } لاسْتِنانِه فِي عَدْوِهِ، أَي مضيِّه على وَجْهِه.
( {والسَّنَنُ، محرَّكةً: الإِبِلُ} تَسْتَنُّ) وتَلحُّ (فِي عَدْوِها) وإقْبالِها وإدْبارِها.
( {والسَّنينَةُ، كسَفِينَةٍ: الرَّمْلُ المُرْتَفِعُ المُسْتَطِيلُ على وَجْهِ الأرْضِ، ج} سَنائِنُ) ؛ نَقَلَه الأزْهرِيُّ وأَنْشَدَ للطِّرمَّاحِ:
وأَرْطاةِ حِقْفٍ بَين كِسْرَيْ سَنائِن وقالَ غيرُهُ: {السَّنائِنُ كهَيْئةِ الجِبالِ مِنَ الرَّمْلِ.
(و) } السَّنينَةُ: (الرِّيحُ) ، والجَمْعُ كالجمْعِ، عَن مالِكِ بنِ خالِدٍ.
( {والمَسْنونُ: سَيْفُ مالِكِ بنِ العَجْلانِ الأَنْصارِيِّ.
(وذُو} السِّنِّ) ، بالكسْرِ: (ابنُ وَثَنٍ البَجَليُّ كانتْ لَهُ {سِنٌّ زائِدَةٌ) فلُقِّبَ بِهِ.
(وذُو السِّنِّ: ابنُ الصَّوَّانِ بنِ عبْدِ شَمْسٍ.
(وذُو} السُّنَيْنَةِ، كجُهَيْنَةَ: حُبَيْبُ بنُ عُتْبَةَ الثَّعْلبيُّ كانتْ لَهُ {سِنٌّ زائِدَةٌ أَيْضاً.
و) مِن المجازِ: (وَقَعَ فِي سِنِّ رأْسِه: أَي عَدَدِ شَعَرِه مِن الخيْرِ) ؛ عَن أَبي زيْدٍ؛ وزادَ غيرُهُ: والشَّرِّ.
وقالَ أَبو الهَيْثم: وَقَعَ فلانٌ فِي} سِنِّ رأْسِه وسِواءِ رأْسِه بمعْنًى واحِدٍ.
ورَوَى أَبو عُبَيْدِ، هَذَا الحَرْفَ فِي الأَمْثالِ فِي سِنِّ رأْسِه؛ ورَوَاه فِي المصنَّف فِي سِيِّ رأْسِه.
قالَ الأزْهرِيُّ: والصَّوابُ بالياءِ، أَي فيمَا سَاوَى رَأْسَه مِن الخِصْبِ. (أَو) المعْنى: وَقَعَ (فيمَا شاءَ واحْتَكَم.
(وأُسَيْدُ {السُّنَّةِ، بالضَّمِّ: هُوَ أَسَدُ بنُ مُوسَى) بنِ إبراهيمَ بنِ عبْدِ الملِكِ الأمويُّ (المُحَدِّثُ) مِصْريٌّ سَكَنَ مِصْر ويُكَنى أَبا إبراهيمَ رَوَى عَن الحمَّادَيْن واللَّيْثِ، وَعنهُ الرَّبيعُ بنُ سُلَيْمان المُرَاديُّ وبَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخولانيُّ، قيلَ لَهُ ذَلِك لكِتابٍ صنَّفَه فِي السُّنَّةِ؛ وابْنُه سعْدٍ أَخَذَ عَن الإِمامِ الشافِعِيّ، رضِيَ اللهاُ تَعَالَى عَنهُ، وصنَّفَ، ماتَ بِمِصْرَ.
(} والسُّنِّيُّونَ) ، بالضَّمِّ وكسرِ النُّون المشدَّدَةِ، (مِن المُحدِّثِينَ) جماعَةٌ مِنْهُم: الحافِظُ أَبُو بكْرٍ (أَحمدُ بنُ محمدِ بنِ إسْحقَ) الدَّينوريُّ (بن! السُّنِّيِّ، ذُو التَّصانِيفِ المَشْهورَةِ؛ (والعَلاءُ بنُ عَمْرٍ و) السُّنِّيُّ حدَّثَ عَنهُ أَبو شيبَةَ دَاود بنُ إبراهيمَ؛ (ويَحْيَى بنُ زكَرِيَّا) السُّنِّيُّ عَن محمدِ بنِ الصبَّاح الدولابي، وَعنهُ الدعولي؛ (و) أَبو نَصْرٍ (أَحمدُ بنُ عليِّ بنِ مَنْصورِ) بنِ شُعَيبٍ البُخارِيُّ السُّنِّيُّ (مُؤَلِّفُ) كِتابِ (المِنْهاجِ) ، حدَّثَ عَنهُ أَبو محمدٍ الحَسَنُ بنُ أَحمدَ السَّمَرْقَنْديّ، (وآخَرُونَ) كحافِظِ الدِّيْن أَبي إبْراهيمَ إسْمعيل بنِ أَبي القاسِمِ السُّنِّيِّ عَن أَبي المحاسِنِ الرُّويانيّ، وَعنهُ القطبُ النَّيْسابُوريُّ؛ وعَمْرو بن أَحْمدَ السُّنِّيّ بَغْدادِي سَكَنَ بأَصْبَهان؛ وأَبي الحَسَنِ عليّ بن يَحْيَى بنِ الخَلِيلِ السُّنِّيّ التَّاجِر المَرْوَزيّ رَوَى عَن أَبي الموجه؛ وعليِّ بنِ مَنْصورٍ السُّنِّيّ الكَرَابِيسي؛ وأَبي العبَّاس أَحمدَ بنِ محمدٍ السُّنِّيّ الزيَّات؛ وعليِّ بنِ أَحمدَ السُّنّيِّ الدَّينورِيِّ؛ ومحمدِ بنِ مَحْفوظٍ السُّنِّيِّ مِن أَهْلِ الرَّمْلةِ؛ وعبْدِ الكَريمِ بنِ عليِّ بنِ أَحْمدَ التَّمِيمِيّ يُعْرفُ بابنِ السُّنِّيِّ؛ وأَبي زَرْعَةَ رَوْح بنِ محمدِ بنِ أَحمدَ بنِ السُّنِّيِّ رَوَى عَنهُ الخَطِيبُ؛ وأَبي الحَسَنِ مَسْعود بنِ أَحمدَ السُّنِّيِّ مِن شيوخِ ابنِ السّمْعانيّ؛ والجلال الحُسَيْن بنِ عبْدِ الملِكِ الأَثريّ السُّنِّيِّ، مُحدِّثُون.
(و) مِن المجازِ: ( {سَنَّنِي هَذَا الشَّيءُ) : أَي (شَهَّى إليَّ الطَّعامَ) . يقالُ: هَذَا ممَّا} يَسُنُّك على الطَّعامِ، أَي يَشْحذُك على أَكْلِه ويشهِّيه.
والحَمْضُ {يَسُنُّ الإِبِلَ على الخُلَّةِ؛ كَمَا فِي الأساسِ.
قالَ أَبو سعيدٍ: أَي يُقوِّيها، كَمَا يقالُ:} السَّنُّ حَدُّ السِّكِّين والحَمْضةُ {سِنانٌ لَهَا على رعْيِ الخُلَّةِ، وذلِكَ أنَّها تَصْدُقُ الأَكْلَ بعْدَ الحَمْضِ.
(} وتَسَانَّتِ الفُحولُ: تَكادَمَتْ) وعضتْ بعضُها بَعْضًا.
( {وسِنينُ) ، ظاهِرُ إطْلاقِه الفتْح، (د بدِيارِ عَوْفِ بنِ عَبْدٍ) أَخِي قريطِ بنِ أَبي بكْرِ بنِ كِلابٍ، وَهَذَا قد تقدَّمَ بعَيْنِه آنِفاً وضَبَطَه فِي النسخِ بكسْرِ السِّيْنِ وَهُوَ وهمٌ.
(} والسِّنانُ: نَصْلُ الرُّمْحِ) ، هُوَ ككِتابٍ، وإنّما أَغْفَلَه عَن الضبْطِ لشُهْرتِه.
وقالَ الرَّاغبُ: {السِّنانُ خصَّ بِمَا يركبُ فِي الرُّمحِ:} سِنانُ الرُّمحِ حَدِيدَتُه لصَقالَتِها ومَلاسَتِها، (ج أَسِنَّةٌ.
(و) رُوِي عَن المُؤَرِّجِ: السِّنانُ (الذِّبَّانُ) ؛ وأَنْشَدَ:
أَيَأْكُلُ تَأْزِيزاً ويَحْسُو خَزِيرَةًوما بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَنِيمُ {سِنانِ؟ قالَ: تَأْزِيزاً مَا رَمَتْه القِدْر إِذا فارَتْ.
(وَهُوَ أَطْوَعُ} السِّنانِ: أَي يُطَاوِعُه السِّنانُ كيفَ شاءَ) ؛ قالَ الأسدِيُّ يَصِفُ فحلاً:
للبَكَراتِ العِيطِ مِنْهَا ضاهِداطَوْعَ السِّنانِ ذارِعاً وعاضِدَاذارِعاً: يُقالُ ذَرَعَ لَهُ إِذا وَضَعَ يدَه تحْتَ عُنُقِه ثمَّ خَنَقه، والعاضِدُ: الَّذِي يأْخذُ بالعَضُدِ طَوْعَ السِّنانِ؛ يقولُ: يُطاوِعُه السِّنانُ كيفَ يَشاءُ.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
مِن الأَبَدِيَّات: لَا آتِيكَ {سَّن الحِسْلِ، أَي أَبَداً.
وَفِي المُحْكَم: مَا بَقِيتْ} سِنُّه، يعْنِي وَلَد الضَّبِّ، وسِنُّه لاتَسْقطُ أَبَداً.
وحَكَى اللَّحْيانيُّ عَن المُفَضّل: لَا آتِيكَ {سِنِي حِسْلٍ، قالَ: وزَعَمُوا أنَّ الضَّبَّ يعيشُ ثَلَثُمائةِ سَنَة.
} والسِّنانُ، بالكسْرِ: الِاسْم من {يَسُنُّ وَهُوَ القُوَّةُ.
} والسِّنُّ بالكسْرِ: الرَّعْيُ؛ وقوْلُ عليَ، رضِيَ الّلهُ تعالَى عَنهُ:
بازِلُ عامَيْنِ حَديثُ {سِنِّي عَنَى شِدَّتَه واحْتِناكَه.
} والأَسْنانُ: الأَكابِرُ والأَشْرافُ.
{والسِّنُّ: الرَّقيقُ والدَّوابُّ.
} والسَّنَنُ: محرَّكةً: {اسْتِنانُ الخَيْلِ والإِبلِ. يقالُ: تَنَحَّ عَن} سَنَنِ الخَيْلِ.
{والسِّنانُ، بالكسْرِ: الَّذِي} يُسَنُّ عَلَيْهِ نَقَلَه الجوْهرِيُّ؛ وأَنْشَدَ لامْرِىءِ القَيْسِ:
يُبارِي شَباةَ الرُّمْحِ خَدٌّ مُذَلَّق كصَفْحِ! السِّنانِ الصُّلَّبيِّ النَّحِيضِ: ومثْلُه للبيدٍ:
يَطْرُدُ الزُّجَّ يُبارِي ظِلَّهُبأَصيلٍ {كالسِّنانِ المُنْتَحَلْ} وأَسَنَّ الرُّمْحَ) جَعَلَ لَهُ {سِناناً.
} وتَسْنينُ {الأَسْنانِ: تَسْويكُها.
} والمَسْنونُ: المُمَلَّسُ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ لعبْدِ الرَّحْمن بنِ حَسَّان:
ثمَّ خاصَرْتُها إِلَى القُبَّةِ الخَضْراءِ تَمْشِي فِي مَرْمَرٍ {مَسْنونِ قالَ ابنُ بَرِّي: وتُرْوَى هَذِه الأَبياتُ لأَبي دهْبَلٍ.
وكلُّ مَنِ ابْتَدَعَ أَمْراً عَمِلَ بِهِ قوْمٌ بعْدَه قيلَ: هُوَ الَّذِي} سَنَّه؛ قالَ نُصَيْبٌ:
كأَنِّي {سَنَنتُ الحُبَّ أَوَّلَ عاشِقٍ من الناسِ إِذْ أَحْبَبْتُ من بَيْنِهم وَحْدِي} واسْتَنَّ {بسُنَّتِه: عَمِلَ بهَا.
} والسَّنَنُ، محرَّكةً: الطَّريقَةُ.
{والسُّنَّةُ، بالضمِّ: الخَطُّ الأَسْودُ على متنِ الحِمارِ.
} والسَّنَنُ: {المَسْنونُ.
} ومُسْتَنُّ الحَرْورِ: مَوْضِعُ جَرْيِ السَّرابِ؛ أَو موضِعُ اشْتِدادِ حَرِّها كأنَّها {تَسْتنُّ فِيهِ عَدْواً، أَو مَخْرجُ الرِّيحِ؛ وبكلِّ فُسِّرَ قوْلُ جَريرٍ:
ظَلِلْنا} بمُسْتَنِّ الحَرُورِ كأَنَّنالَدَى فَرَسٍ مُسْتَقبِلِ الريحِ صائِم والاسُم مِنْهُ {السَّنَنُ.
} واسْتَنَّ دَمُ الطَّعْنةِ: إِذا جاءَتْ دُفْعَةٌ مِنْهَا؛ قالَ أَبو كبيرٍ الهُذَليُّ:
{مُسْتَنَّة} سَنَنَ الفُلُوِّ مُرِشَّة تَنْفي الترابَ بقاحِزٍ مُعْرَوْرِفِ وطَعَنه طَعْنةً فجاءَ مِنْهَا {سَنَنٌ يدْفَعُ كلَّ شيءٍ إِذا خَرَجَ الدمُ بحَمْوَتِه؛ وقوْلُ الأعْشى:
وَقد نَطْعُنُ الفَرْجَ يومَ اللِّقابالرُّمْحِ نحْبِسُ أُولى} السَّنَنْ قالَ شَمِرٌ: يريدُ أول القوْمِ الَّذين يُسْرعُون إِلَى القِتالِ.
وجاءَ {سَنَنٌ مِن الخَيْلِ: أَي شَوْطٌ.
ويقالُ:} اسنن قُرونَ فَرَسِك: أَي بُدَّهُ حَتَّى يَسِيلَ عَرَقُه فيَضْمُرَ، وَقد {سُنَّ لَهُ قَرْنٌ، وقُرونٌ وَهِي الدُّفَعُ مِن العَرَقِ؛ قالَ زُهَيْرُ بنُ أَبي سُلْمى:
نُعَوِّدُها الطِّرادَ فكلَّ يوْمٍ} تُسَنُّ على سَنابِكها القُرونُوفي النوادِرِ: ريحٌ {نَسْناسَةٌ} وسَنْسانَةٌ: بارِدَةٌ؛ وَقد نَسْنَسَتْ {وسَنْسَنَتْ إِذا هَبَّتْ هُبُوباً بارِداً.
ويقالُ: نَسْناسٌ مِن دُخانٍ} وسَنْسانٌ، يريدُ دُخانَ نارٍ.
وبَنَى القوْمُ بيوتَهم على {سَنَنٍ واحِدٍ: أَي على مِثالٍ واحِدٍ.
} والمَسْنونُ: الرَّطْبُ.
{وسَنَّتِ العَيْنُ الدَّمْعَ} سَنّاً: صَبَّتُه؛ {واسْتَسَنَّتْ هِيَ انصَبَّ دَمْعُها.
} والسَّنُونُ، كصَبُورٍ: رملٌ مُرْتفِعٌ مُسْتطِيلٌ على وجْهِ الأرْضِ.
وَفِي المَثَلِ: صَدَقَني {سِنَُّ بَكْرِه، تقدَّمَ فِي هـ د ع.
} واسْتَسَنَّتِ الفِصالُ: سَمِنَتْ وصارَتْ جُلُودُها! كالمَسَانِّ؛ وَبِه فُسِّر المَثَلُ أَيْضاً. {واسْتَسَنَّ بسَيْفِه: خَطَرَ بِهِ.
} وتَسَنَّنَ: عَمِلَ {بالسُّنَّةِ.
وأَصْلحْ} أَسْنانَ مفْتاحِكَ.
{وسَنَّ الأميرُ رَعِيَّتَه: أَحْسَنَ سِياسَتها.
وفَرَسٌ} مَسْنونَةٌ: متعهَّدةٌ يُحْسنُ القِيامُ عَلَيْهَا.
{وسَنَّ فلانٌ فلَانا: مَدَحَه وأَطْرَاهُ.
وسَنَّ الّلهُ على يَدَيْ فلانٍ قَضَاءَ حاجَتِي: أَجْراهُ.
} ومُسْتَنُّ الطَّريقِ: حيثُ وضحَتْ.
{واسْتَنَّ بِهِ الهَوَى حيثُ أَرادَ إِذا ذَهَبَ بِهِ كلّ مَذْهَبٍ؛ وَهُوَ مجازٌ.
وخياطُ} السّنَّةِ: لَقَبُ جماعَةٍ من المُحدِّثِين مِنْهُم: زكَرِيَّا بنُ يَحْيَى، وأَبو بكْرٍ عبدُ اللهاِ بنُ أَحمدَ بنِ سُلَيْمان الهِلالِيُّ، وأَبو جَعْفرٍ، وأَبو الحُصَيْن عبدُ اللهاِ بنُ لتمانَ بنِ {سنَّةَ العَبْسيُّ بالكسْرِ، ونفيعُ بنُ سالِمِ بنِ عفارِ بنِ سِنَّةَ المُحارِبيُّ شاعِرَانِ.
} والسانةُ: لَقَبُ شيْخِ مشايخِنا الشَّهاب أَحْمد السُّلَميّ الزّبيديّ أَصْله مِن ابْن حربٍ فكَرِه أَنْ يقالَ لَهُ ذلِكَ.

علم الطبعي

علم الطبعي
هو علم يبحث فيه عن أحوال الأجسام الطبعية وموضوعه الجسم ويسمى أيضا بالعلم الأدنى وبالعلم الأسفل وهو علم بأحوال ما يفتقر إلى المادة في الوجودين.
وموضوعه الجسم الطبعي من حيث إن يستعد للحركة والسكون.
وفي إرشاد القاصد للشيخ الأكفاني السخاوي العلم الطبعي: علم يبحث فيه عن أحوال الجسم المحسوس من حيث هو معرض للتغير في الأحوال والثبات فيها.
فالجسم من هذه الحيثية موضوعه. وأما العلوم التي تفرع عليه وتنشأ منه فهي عشرة.
وذلك لأن نظره إما أن يكون فيما يفرع على الجسم البسيط أو الجسم المركب أو ما يعمهما.
والأجسام البسيطة أما الفلكية فأحكام النجوم.
وأما العنصرية فالطلسمات.
والأجسام المركبة أما ما لا يلزمه مزاج وهو: علم السيميا.
وما يلزمه مزاج فإما بغير ذي نفس فالكيمياء أو بذي نفس.
فأما غير مدركة فالفلاحة.
وأما مدركة فأما لها مع ذلك أن يعقل أولا.
الثاني البيطرة والبيزرة وما يجري مجراهما.
والذي بذي النفس العاقلة هو الإنسان وذلك إما في حفظ صحته واسترجاعها وهو الطب أو أحواله الظاهرة الدالة على أحواله الباطنة وهو الفراسة أو أحوال نفسه حال غيبته عن حسه وهو تعبير الرؤيا والعام للبسيط والمركب السحر انتهى.
وأصول الطبعي ثمانية:
الأول: العلم بأحوال الأمور العامة للأجسام.
الثاني: العلم بأركان العالم وحركاتها وأماكنها المسمى بعلم السماء والعالم.
الثالث: العلم بكون الأركان وفسادها.
الرابع: العلم بالمركبات الغير التامة لكائنات الجو.
الخامس: العلم بأحوال المعادن.
السادس: العلم بالنفس النباتية.
السابع: العلم بالنفس الحيوانية.
الثامن: العلم بالنفس الناطقة.
قال ابن خلدون: هو علم يبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من الحركة والسكون فينظر في الأجسام السماوية والعنصرية وما يتولد عنها من حيوان وإنسان ونبات ومعدن وما يتكون في الأرض من العيون والزلازل وفي الجو من السحاب والبخار والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك وفي مبدأ الحركة للأجسام وهو النفس على تنوعها في الإنسان والحيوان والنبات.
وكتب أرسطو فيه موجودة بين أيدي الناس مع ما ترجم من علوم الفلسفة أيام المأمون وألف الناس على حذوها.
وأوعب من ألف في ذلك ابن سينا في كتاب الشفا جمع فيه العلوم السبعة للفلاسفة.
ثم لخصه في كتاب النجاة.
وفي كتاب الإشارات وكأنه يخالف أرسطو في الكثير من مسائلها ويقول برأيه فيها وأما ابن رشد فلخص كتب أرسطو وشرحها متبعا له غير مخالف وألف الناس في ذلك كثيرا لكن هذه هي المشهورة لهذا العهد والمعتبرة في الصناعة.
ولأهل المشرق عناية بكتاب الإشارات لابن سينا وللإمام ابن الخطيب عليه شرح حسن وكذا الآمدي وشرحه أيضا نصير الدين الطوسي المعروف بخواجه من أهل المشرق وبحث مع الإمام في كثير من مسائله فأوفى على أنظاره وبحوثه وفوق كل ذي علم عليم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

شَرَوْا

{شَرَوْا}
وسأله نافع عن معنى قوله تعالى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}
قال: باعوا نصيبهم من الآخرة بطمع يسير من الدنيا. . .

أما سمعت قول الشاعر:
يُعْطَى بها ثمنا فيمنعها. . . ويقول صاحبها ألا تَستِرى
(تق) والمسألة في (ك، ط) : {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} وليس الشاهد لها. = الكلمة من آية البقرة 102 في السَّحْر:
{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
وأما الكلمة في (ك) فمن آية البقرة 90 في بني إسرائيل:
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}
الكلمتان: شروا، واشتروا في الآيتين، ونظائرهما، بمعنى باعوا عند أهل التأويل. وشرى واشترى عند علماء اللغة في الأضداد: بمعنى باع وبمعنى اشترى: أوردهما الأصكعي في: (باع) للمشتري والبائع، وفي (شراه) : ملَكه بالبيع، وأيضاً باعه (الأضداد) وفي (باع) قال أبو حاتم السجستاني في الأضداد: يقال بعت الشيء وأخذت ثمنه، وبعض العرب يقول: بعت الشيء أي اشتريته.. وقالوا اشتريت الشيء وأعطيت ثمنه، وقد يقال اشتريت الشيء إذا بعته. وبعتهُ أوضح في الوجهين، وفي القرآن {الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} أي يبيعون. و {مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} يبيعها. ومن شواهده لشرى بمعنى البيع بيت "المسيب ابن علس" وبمعنى الشراء قول "طرفة" - في معلقته:
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له. . . بتاتا ولم تضرب له وقت موعدِ
وأورده ابن الأنباري كذلك في: اشتريت، وفي بعت، وأنشد فيه بيت المسيب (الأضداد) وابنُ السكيت في شرى، وباع، من كتابه (الأضداد.)
وقال ابن قتيبة في باب المقلوب من (مشكل إعراب القرآن) : يقال للمشتري شارٍ، وللبائع شارٍ، لأن كل واحد منهما اشترى، فكذلك قولهم لكل واحد منهما: بائع، لأنه باع وأخذ عوضاً مما دفع فهو شارٍ وبائع. وقال الله - عز وجل -:
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}
وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة، آية البقرة 102 أي باعوا به أنفسهم. وقال ابن مفرغ الحميري:
وشرَيْت بُرْداً ليتني. . . من بعد برد كنت هامه
أي بعُته. وبرد غلام له كان باعه.
وفي آية البقرة 90: في معاني تالقرآن للفراء: معناه والله أعلم، بئس ما باعوا به أنفسهم. . . وللعرب في شروا واشتروا مذهبان، فالأكثر منهما أن شروا: باعوا، واشتروا: ابتاعوا. وربما جعلوهما باعوا، وكذلك البيع يقال: بعت الثوب على معنى أخرجته من يدي. وبعته اشتريته، وهذه اللغة في تميم وربيعة، سمعت أبا ثروان - العُكلى - يقول لرجل: بع لي تمرا بدرهم، يريد: اشترلى. وأنشدني بعض ربيعة - لطرفة، من معلقته:
ويأتيكَ بالخبار من لم تَبِعْ له. . . بتاتاً، ولم تضرب له وقت موعد
على معنى: لم تشتر له بتاتا. قال الفراء: والبتاتُ والزادُ".
وكون ذلك من اختلاف اللغات، أقرب من القول بالضدية. على أن "ابن فارس" في (المقاييس) ردَّ (شرى) في الشراء والبيع، إلى أصل "المماثلة: أخذاً وإعطاءً: شريت الشيء واشتريته، إذا أخذته من صاحبه بثمنه. وربما قالوا: شريت، إذا بعت، قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} .
والمماثلة ليست متعينة فيما يؤخذ ويعطى، بيعا وشراء، إلا أن يعني بها المبادلة، فيقرب. وذهب الزمخشري إلى أن: من المجاز {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} : استبدلوه {يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} - الأساس
والقاعدة في الاستبدال، أن الباء تدخل على المتروك: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَــدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} ؟ ولم يطرد دخولها على المبيع المتروك، في: شرى، واشترى، كما يتضح بعدُ، بالاستقراء.
ولم يفرق "ابن الأثير" بين شرى، واشترى، وباع، قال في حديث الزبير لأبنه عبد الله، - رضي الله عنهما - "والله لا اشرى عملى بشيء من الدنيا": لا أشرى أي لا أبيع. يقال: شرى، بمعنى باع، واشترى (النهاية) .
والوجه عند "الراغب" أن: الشراء والبيع يتلازمان، فالمشترى دافع الثمن وآخذ المثُمَّن، والبائع دافع المُثَمَّن وآخذه الثمن، هذا إذا كانت المبايعة والمشاراة بيع سلعة بسلعة فصح أن يتصورَّ كل واحد منهما مشتريا وبائعا. ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشراء يستعمل كل واحد منهما في موضع الآخر. وشَريِتُ بمعنى بِعتُ أكثر، وابتعت بمعنى اشتريت أكثر, قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي باعوه، وكذلك قوله {يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} . ويجوز الشراء والاشتراء في كل ما يحصل به شيء - وليس سلعة - نحو {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} . . . وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} فقد ذكر ما اشترى به وهو قوله: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ} الآية. . . ويسمى الخوارج بالشراة متأولين فيه بقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} فمعنى يشري، يبيع. (المفردات: شرى) . . .
ما أضيفه إلى المسألة، مما هدى إليه الأستقراء، هو أن (شرى) الثلاثي لم تأت في القرآن - ولا في شواهدهم - إلا بمعنى باع، ودخلت الباء على المشتَرَى المطلوب، لا على المبيع المتروك. يطرد ذلك في آياتها الأربع:
البقرة 102: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
البقرة 207: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}
النساء 74: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}
يوسف 20: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ}
وأما اشترى، فجاءت احدى وعشرين مرة، فعلاً ماضيا ومضارعا، للواحد وللجماعة، يفيد سياقها في تسعة عشر موضعا أنها بمعنى الشراء، والباء فيها دخلت على المبيع المتروك، مثل:
البقرة 16: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى}
البقرة 86: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}
البقرة 175: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ}
التوبة 9: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} ونظائرها.
وفي آيتين، دخلت الباء على الثمن المبذول المأخوذ، لا على المبيع المتروك المنبوذ، فأفادت اشترى معنى باع: البقرة 90 في الكافرين من أهل الكتاب جاءهم كتاب القرآن من عند الله مصدقاً لما معهم فكفروا به: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي: باعوا انفسهم.
والتوبة 111: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} وهم هنا بائعون، باعوا أنفسهم لله تعالى، بصريح نص الآية:
{فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
صدق الله العظيم

مُهْطِعِينَ

{مُهْطِعِينَ}
وسأل نافع عن قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ}
فقال ابن عباس: مُذْعنين خاضعين. واستشهد بقول تُبَّع:
تعبَّــدَنى نمرُ سعدٍ وقد درى. . . ونمر بن سعد لى مَدِينٌ ومُهطِعُ
(تق، ك، ط)
الكلمة من آية:
القمر 8: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}
ومعها آيتا:
إبراهيم 43: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}
المعارج 36: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ}
وليس في القرآن من المادة غير هذه الكلمة في الآيات الثلاث.
في الوقف والابتداء، في غير المسائل: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله - عز وجل - {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} قال: المهطع المسرع، واحتج بقول الشاعر:
بدجلة دارُهم ولقد أراهم. . . بدجلة مهطعين إلى السماع
(فقرة 102 / 67) .
من أهطع في سيره مدَّ عنقه وصوب رأسه (ص، س)
وأسند الطبري عن ابن عباس، وغيره: يعني بالإهطاع النظر من غير أن يطرف. وعن آخرين: مُديمى النظر. وعن الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد.
وقال الأخفش في معاني القرآن: كأنه قال: يشخص أبصارهم مهطعين و"الراغب" فهمها من: هطع الرجل ببصره إذا صوَّبه، وبعير مهطع إذا صوب عنقه (المفردات) .
وقال "الزمخشري" في مهطعين: أي مسرعين مادَّى أعناقهم إليه وقيل: ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم قال: * تعبدني نمر * البيت (الكشاف) ونقل أبو حيان في (البحر المحيط) : قال أبو عبيدة: مسرعين. . . وقال قتادة: عامدين. وقال الضحاك: مقبلين، وقال عكرمة: فاتحين آذانهم إلى الصوت. وقال سفيان خاشعين. . . وقيل: خاضعين مادى أعناقهم.
والمعاني متقاربة كما قال القرطبي.
وعلى أي وجه تأولوا الكلمة، يظل لها ملحظ الذلة والخضوع، في شخوص البصر أو في الإسراع ومد العنق. وقال الجوهري: وأهطع مد عنقه وصوب رأسه وكمحسن: من ينظر في ذل وخضوع لا يُقلع بصره (ق) .

ماءات القرآن

ماءات القرآن:
أنواع (ما) في القرآن الكريم حيث يختلف نطقها حسب نوعها، فقد ثبت أن العرب وأئمة الأداء يفرقون بين أصوات ما حسب معانيها، فأعلاها صوتاً ما النافية ثم أدنى منها التعجبية فالاستفهامية، وما عداها من الماءات فإن الصوت ينخفض عندها على مستوى سائر الحروف، ولا يضبط ذلك إلا بمشافهة الحذاق.

الوقف الكافي

الوقف الكافي:
ما له تعلق بما بعده من جهة المعنى دون اللفظ، ويكون في " كل كلام قائم بنفسه مستغن بعامل ومعمول فيه ". مثل الوقف على {مِنَّا} و {اَلعَلِيمُ}، في قوله تعالى: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. والوقف عليه جائز، وكذلك الابتداء بما بعده.
ويسمى هذا النوع بـ (الوقف الصالح) و (المفهوم) و (الجائز).
ومن العلماء -في غير المشهور- من يُطلق الوقف الكافي على الوقف الحسن ويعتبرهما بمعنى، ومنهم من يعد الوقف الكافي في أدنى مرتبة من الحسن.

علم التفسير

علم التفسير
وهو: علم باحث عن معنى نظم القرآن، بحسب الطاقة البشرية، وبحسب ما تقتضيه القواعد العربية.
ومباديه: العلوم العربية، وأصول الكلام، وأصول الفقه، والجدل،... وغير ذلك من العلوم الجمة.
والغرض منه: معرفة معاني النظم.
وفائدته: حصول القدرة على استنباط الأحكام الشرعية، على وجه الصحة.
وموضوعه: كلام الله - سبحانه وتعالى - الذي هو: منبع كل حكمة، ومعدن كل فضيلة.
وغايته: التوصل إلى فهم معاني القرآن، واستنباط حكمه، ليفاز به إلى السعادة الدنيوية، والأخروية.
وشرف العلم وجلالته، باعتبار شرف موضوعه وغايته، فهو أشرف العلوم، وأعظمها.
هذا ما ذكره: أبو الخير، وابن صدر الدين.
وذكر العلامة الفناري، في تفسير الفاتحة، فصلا مفيدا في تعريف هذا العلم، ولا بأس بإيراده، إذ هو مشتمل على لطائف التعريف.
قال مولانا: قطب الدين الرازي، في: (شرحه للكشاف) : هو ما يبحث فيه عن مراد الله - سبحانه وتعالى - من قرآنه المجيد، ويرد عليه: أن البحث فيه ربما كان عن أحوال الألفاظ، كمباحث: القراءات، وناسخية الألفاظ، ومنسوخيتها، وأسباب نزولها، وترتيب نزولها،... إلى غير ذلك.
فلا يجمعها حده، وأيضا يدخل في البحث في الفقه الأكبر، والأصغر، عما يثبت بالكتاب، فإنه بحث عن مراد الله - تعالى - من قرآنه، فلا يمنعه حده، فكان الشارح التفتازاني إنما عدل عنه لذلك، إلى قوله:
هو: العلم الباحث عن: أحوال ألفاظ كلام الله - سبحانه وتعالى، من حيث: الدلالة على مراد الله - تعالى -.
ويرد على مختاره أيضا: وجوه.
الأول: أن البحث المتعلق بألفاظ القرآن، ربما لا يكون بحيث يؤثر في المعنى المراد بالدلالة والبيان، كمباحث علم القراءة، عن أمثال التفخيم، والإمالة، إلى ما لا يحصى، فإن علم القراءة: جزء من علم التفسير، أفرز عنه لمزيد الاهتمام إفراز الكحالة من الطب، والفرائض من الفقه، وقد خرج بقيد الحيثية، ولم يجمعه، فإن قيل: أراد تعريفه بعد إفراز علم القراءة، قلنا: فلا يناسب الشرح المشروح للبحث في التفسير، عما لا يتغير به المعنى في مواضع لا تحصى.
الثاني: أن المراد بالمراد، إن كان المراد بمطلق الكلام، فقد دخل العلوم الأدبية، وإن كان مراد الله - تعالى - بكلامه، فإن أريد مراده في نفس الأمر، فلا يفيده بحث التفسير، لأن طريقه غالبا: إما رواية الآحاد، أو الدراية بطريق العربية، وكلاهما ظني كما عرف، ولأن فهم كل واحد بقدر استعداده.
ولذلك أوصى المشايخ - رحمهم الله - في الإيمان: أن يقال: آمنت بالله، وبما جاء من عنده، على مراده، وآمنت برسول الله، وبما قاله على مراده، ولا يعين بما ذكره أهل التفسير.
ويكرر ذلك: علم الهدى، في تأويلاته، وإن أريد مراد الله - سبحانه وتعالى - في زعم المفسر، ففيه: حزازة من وجهين:
الأول: كون علم التفسير بالنسبة إلى كل مفسر إلى كل أحد شيئا آخر، وهذا مثل ما اعترض، أي التفتازاني على حد الفقه، لصاحب (التنقيح)، وظن وروده، وإلا فإني أجيب عنه: بأن التعدد ليس في حقيقته النوعية، بل في جزئياتها المختلفة، باختلاف القوابل.
وأيضا، ذكر الشيخ: صدر الدين القونوي، في تفسير: (مالك يوم الدين..) أن جميع المعاني المفسر بها لفظ القرآن رواية أو دراية صحيحتين، مراد الله - سبحانه وتعالى -، لكن بحسب المراتب والقوابل، لا في حق كل أحد.
الثاني: أن الأذهان تنساق بمعاني الألفاظ، إلى ما في نفس الأمر على ما عرف، فلا بد لصرفها عنه، من أن يقال من حيث الدلالة على ما يظن أنه مراد الله - سبحانه وتعالى -.
الثالث: أن عبارة العلم الباحث في المتعارف، ينصرف إلى الأصول، والقواعد، أو ملكتها، وليس لعلم التفسير قواعد يتفرع عليها الجزئيات، إلا في مواضع نادرة، فلا يتناول غير تلك المواضع، إلا بالعناية.
فالأَوْلَى أن يقال: علم التفسير: معرفة أحوال كلام الله - سبحانه وتعالى - من حيث: القرآنية، ومن حيث: دلالته على ما يعلم أو يظن أن مراد الله - سبحانه وتعالى - بقدر الطاقة الإنسانية، فهذا يتناول أقسام البيان بأسرها. انتهى كلام الفناري بنوع تلخيص.
ثم أورد فصولا: في تقسيم هذا الحد إلى: تفسير، وتأويل، وبيان الحاجة إليه، وجواز الخوض فيهما، ومعرفة وجوههما، المسماة: بطونا، أو ظهرا، وبطنا، وحدا، فمن أراد الاطلاع على حقائق علم التفسير، فعليه مطالعته، ولا ينبؤه مثل خبير.
ثم إن المولى: أبا الخير، أطال في (طبقات المفسرين).
ونحن أشرنا: إلى من ليس لهم تصنيف فيه، من مفسري الصحابة، والتابعين، إشارة إجمالية، والباقي مذكور عند ذكر كتابه.
أما المفسرون من الصحابة، فمنهم:
الخلفاء الأربعة.
وابن مسعود.
وابن عباس.
وأبي بن كعب.
وزيد بن ثابت.
وأبو موسى الأشعري.
وعبد الله بن الزبير.
وأنس بن مالك.
وأبو هريرة.
وجابر.
وعبد الله بن عمرو بن العاص، - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين -.
ثم اعلم: أن الخلفاء الأربعة، أكثر من روي عنه: علي بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة، في ندرة جدا.
والسبب فيه: تقدم وفاتهم، وأما علي - رضي الله عنه - فروي عنه الكثير.
عن ابن مسعود، أنه قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن، وإن عليا - رضي الله تعالى عنه - عنده من الظاهر والباطن.
وأما بن مسعود - رضي الله تعالى عنهم -، فروي عنه أكثر مما روي عن علي - رضي الله تعالى عنه -.
مات: بالمدينة، سنة 32، اثنتين وثلاثين.
وأما ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
المتوفى: سنة 68، ثمان وستين، بالطائف.
فهو ترجمان القرآن، وحبر الأمة، ورئيس المفسرين، دعا له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل).
وقد ورد عنه: في التفسير، ما لا يحصى كثرة، لكن أحسن الطرق عنه: طريقة: علي بن أبي طلحة الهاشمي.
المتوفى: سنة 143، ثلاث وأربعين ومائة.
واعتمد على هذه البخاري في (صحيحه).
ومن جيد الطرق عنه: طريق: قيس بن مسلم الكوفي.
المتوفى: سنة 120، عشرين ومائة.
عن عطاء بن السائب.
وطريق: ابن إسحاق صاحب (السير).
وأوهى طريقته: طريق الكلبي، عن أبي صالح.
والكلبي: هو: أبو النصر: محمد بن السائب.
المتوفى: بالكوفة، سنة 146، ست وأربعين ومائة.
فإن انضم إليه رواية: محمد بن مروان السدي الصغير.
المتوفى: سنة 186، ست وثمانين ومائة.
فهي سلسلة الكذب.
وكذلك: طريق: مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي.
المتوفى: سنة 150، خمسين ومائة.
إلا أن الكلبي: يفضل عليه، لما في مقاتل من المذاهب الرديئة.
وطريق: الضحاك بن مزاحم الكوفي.
المتوفى: سنة 102، اثنتين ومائة.
عن: ابن عباس منقطعة، فإن الضحاك لم يلقه.
وإن انضم إلى ذلك: رواية: بشر بن عمارة، فضعيفة ضعف بشر.
وقد أخرج عنه:
ابن جرير.
وابن أبي حاتم.
وإن كان من رواية: جرير عن الضحاك، فأشد ضعفا، لأن جريرا شديد الضعف، متروك.
وإنما أخرج منه:
ابن مردويه.
وأبو الشيخ: ابن حبان.
دون: ابن جرير.
وأما: أبي بن كعب.
المتوفى: سنة 20، عشرين، على خلاف فيه.
فعنه نسخة كبيرة.
يرويها: أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عنه، وهذا إسناد صحيح.
وهو أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن، على عهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -.
وكان أقرأ الصحابة، وسيد القراء.
ومن الصحابة: من ورد عنه اليسير من التفسير، غير هؤلاء، منهم:
أنس بن مالك بن النضر.
المتوفى: بالبصرة، سنة 91، إحدى وتسعين.
وأبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر، على خلاف.
المتوفى: بالمدينة، سنة 57، سبع وخمسين.
وعبد الله بن عمر بن الخطاب.
المتوفى: بمكة المكرمة، سنة 73، ثلاث وسبعين.
وجابر بن عبد الله الأنصاري.
المتوفى: بالمدينة، سنة 74، أربع وسبعين.
وأبو موسى: عبد الله بن قيس الأشعري.
المتوفى: سنة 44، أربع وأربعين.
وعبد الله بن عمرو بن العاص السهمي.
المتوفى: سنة 63، ثلاث وستين.
وهو: أحد العبادلة الذين استقر عليهم أمر العلم، في آخر عهد الصحابة.
وزيد بن ثابت الأنصاري.
وأما المفسرون من التابعين، فمنهم:
أصحاب ابن عباس.
وهم علماء مكة المكرمة - شرفها الله تعالى -.
ومنهم:
مجاهد بن حبر المكي.
المتوفى: سنة 103، ثلاث ومائة.
قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة.
واعتمد على تفسيره: الشافعي، والبخاري.
وسعيد بن جبير.
المتوفى: سنة 94، أربع وتسعين.
وعكرمة، مولى: ابن عباس.
المتوفى: بمكة، سنة 105، خمس ومائة.
وطاووس بن كيسان اليماني.
المتوفى: بمكة، سنة 106، ست ومائة.
وعطاء بن أبي رباح المكي.
المتوفى: سنة 114، أربع عشرة ومائة.
ومنهم:
أصحاب ابن مسعود.
وهم: علماء الكوفة.
كعلقمة بن قيس.
المتوفى: سنة 102، اثنتين ومائة.
والأسود بن يزيد.
المتوفى: سنة 75، خمس وسبعين.
وإبراهيم النخعي.
المتوفى: سنة 95، خمس وتسعين.
والشعبي.
المتوفى: سنة 105، خمس ومائة.
ومنهم:
أصحاب: زيد بن أسلم.
كعبد الرحمن بن زيد.
ومالك بن أنس.
ومنهم:
الحسن البصري.
المتوفى: سنة 121، إحدى وعشرين ومائة.
وعطاء بن أبي سلمة ميسرة الخراساني.
المتوفى: سنة...
ومحمد بن كعب القرظي.
المتوفى: سنة 117، سبع عشرة ومائة.
وأبو العالية: رفيع بن مهران الرياحي.
المتوفى: سنة 90، تسعين.
والضحاك بن زاحم.
وعطية بن سعيد العوفي.
المتوفى: سنة 111، إحدى عشرة ومائة.
وقتادة بن دعامة السدوسي.
المتوفى: سنة 117، سبع عشرة ومائة.
وربيع بن أنس السدي.
ثم بعد هذه الطبقة:
الذين صنفوا كتب التفاسير، التي تجمع أقوال الصحابة، والتابعين:
كسفيان بن عيينة.
ووكيع بن الجراح.
وشعبة بن الحجاج.
ويزيد بن هارون.
وعبد الرزاق.
وآدم بن أبي إياس.
وإسحاق بن راهويه.
وروح بن عبادة.
وعبد الله بن حميد.
وأبي بكر بن أبي شيبة.
... وآخرين.
وسيأتي ذكر كتبهم.
ثم بعد هؤلاء: طبقة أخرى، منهم:
عبد الرزاق.
وعلي بن أبي طلحة.
وابن جرير.
وابن أبي حاتم.
وابن ماجة.
والحاكم.
وابن مردويه.
وأبو الشيخ: ابن حبان.
وابن المنذر ... في آخرين.
ثم انتصبت طبقة بعدهم:
إلى تصنيف: تفاسير مشحونة بالفوائد، محذوفة الأسانيد، مثل:
أبي إسحاق الزجاج.
وأبي علي الفارسي.
وأما:
أبو بكر النقاش.
وأبو جعفر النحاس.
فكثيرا ما استدرك الناس عليهما.
ومثل: مكي بن أبي طالب.
وأبي العباس المهدوي.
ثم ألف في التفسير طائفة من المتأخرين:
فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بتراء، فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل، ثم صار كل من سنح له قول يورده، ومن خطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك خلف عن سلف، ظانا أن له أصلا، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن هم القدوة في هذا الباب.
قال السيوطي: رأيت في تفسير قوله - سبحانه وتعالى -: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، نحو: عشرة أقول، مع أن الوارد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجميع الصحابة، والتابعين: ليس غير اليهود والنصارى.
حتى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في هذا اختلافا من المفسرين.
ثم صنف بعد ذلك: قوم برعوا في شيء من العلوم.
ومنهم: من ملأ كتابه بما غلب على طبعه من الفن، واقتصر فيه على: ما تمهر هو فيه، كأن القرآن انزل لأجل هذا العلم لا غير، مع أن فيه تبيان كل شيء.
فالنحوي: تراه ليس له هم إلا الإعراب، وتكثير الأوجه المحتملة فيه، وإن كانت بعيدة، وينقل قواعد النحو، ومسائله، وفروعه، وخلفياته:
كالزجاج.
والواحدي في: (البسيط).
وأبي حيان في: (البحر والنهر).
والإخباري: ليس له شغل إلا القصص واستيفاؤها، والأخبار عمن سلف، سواء كانت صحيحة أو باطلة.
ومنهم:
الثعلبي.
والفقيه: يكاد يسرد فيه الفقه جميعا، وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية، التي لا تعلق لها بالآية أصلا، والجواب عن أدلة المخالفين:
كالقرطبي.
وصاحب: (العلوم العقلية).
خصوصا:
الإمام: فخر الدين الرازي.
قد ملأ تفسيره: بأقوال الحكماء، والفلاسفة، وخرج من شيء إلى شيء، حتى يقضي الناظر العجب.
قال أبو حيان في (البحر) : جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة، لا حاجة بها في علم التفسير.
ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير.
والمبتدع: ليس له قصد إلا تحريف الآيات، وتسويتها على مذهبه الفاسد، بحيث أنه لو لاح له شاردة من بعيد اقتنصها، أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال سارع إليه.
كما نقل عن البلقيني، أنه قال: استخرجت من (الكشاف) اعتزالا بالمناقيش، منها:
أنه قال في قوله - سبحانه وتعالى -: (فمن زحزح عن النار، وأدخل الجنة فقد فاز)، أي: فوز أعظم من دخول الجنة، أشار به إلى عدم الرؤية.
والملحد: فلا تسأل عن كفره، وإلحاده في آيات الله - تعالى -، وافترائه على الله - تعالى - ما لم يقله.
كقول بعضهم (إن هي إلا فتنتك) : ما على العباد أضر من ربهم.
وينسب هذا القول إلى صاحب: (قوت القلوب)، أبي طالب المكي.
ومن ذلك القبيل: الذين يتكلمون في القرآن بلا سند، ولا نقل عن السلف، ولا رعاية للأصول الشرعية، والقواعد العربية.
كتفسير: محمود بن حمزة الكرماني.
في مجلدين.
سماه: (العجائب، والغرائب).
ضمنه: أقوالا، هي عجائب عند العوام، وغرائب عما عهد عن السلف، بل هي أقوال منكرة، لا يحل الاعتقاد عليها، ولا ذكرها، إلا للتحذير.
من ذلك قول من قال في (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا) : إنه الحب والعشق.
ومن ذلك قولهم في (ومن شر غاسق إذا وقب) : إنه الذكر إذا قام.
وقولهم في (من ذا الذي يشفع عنده) : معناه: (من ذل)، أي: من الذل، و(ذي) : إشارة إلى النفس، و(يشف) : من الشفاء، جواب: مَنْ، و(عِ) : أمر من الوعي.
وسئل البلقيني: عمن فسر بهذا؟ فأفتى بأنه: ملحد.
وأما: كلام الصوفية في القرآن، فليس بتفسير.
قال ابن الصلاح في (فتاواه) : وجدت عند الإمام الواحدي، أنه قال: صنف السلمي (حقائق التفسير)، إن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير، فقد كفر.
قال النسفي في (عقائده) : النصوص تحمل على ظواهرها، والعدول عنها، إلى معان يدعيها أهل الباطن، إلحاد.
وقال التفتازاني في (شرحه) : سميت الملاحدة: باطنية، لادعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها، بل لها معان باطنة.
وقال: وأما ما يذهب إليه بعض المحققين، من أن النصوص على ظواهرها، ومع ذلك فيها إشارات خفية، إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك، يمكن التطبيق بينها، وبين الظواهر المرادة، فهو من كمال العرفان، ومحض الإيمان.
وقال تاج الدين، عطاء الله، في (لطائف المنن) : اعلم: أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله - سبحانه وتعالى -، وكلام رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بالمعاني الغريبة، ليست إحالة الظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم، منه ما جلبت الآية له، ودلت عليه في عرف اللسان، وثَمَّ أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث، لمن فتح الله - تعالى - قلبه.
وقد جاء في الحديث: (لكل آية ظهر وباطن...).
فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم، أن يقول لك ذو جدل: هذا إحالة لكلام الله - تعالى -، وكلام رسول الله، فليس ذلك بإحالة؛ وإنما يكون إحالة، لو قال: لا معنى للآية إلا هذا.
وهم يقولون ذلك، بل يفسرون الظواهر على ظواهرها، مرادا بها موضوعاتها. انتهى.
قال صاحب (مفتاح السعادة) : الإيمان بالقرآن هو: التصديق بأنه كلام الله - سبحانه وتعالى -، قد أنزل على رسوله محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم -، بواسطة جبرائيل - عليه السلام -، وأنه دال على صفة أزلية له - سبحانه وتعالى -، وأن ما دل هو عليه بطريق القواعد العربية، مما هو مراد الله - سبحانه وتعالى - حق لا ريب فيه، ثم تلك الدلالة على مراده - سبحانه وتعالى - بواسطة القوانين الأدبية، الموافقة للقواعد الشرعية، والأحاديث النبوية، مراد الله - سبحانه وتعالى -.
ومن جملة ما علم من الشرائع: أن مراد الله - سبحانه وتعالى - من القرآن، لا ينحصر في هذا القدر، لما قد ثبت في الأحاديث: (إن لكل آية ظهرا وبطنا..).
وذلك المراد الآخر لما لم يطلع عليه كل أحد، بل من أعصى فهما وعلما، من لدنه - تعالى - يكون الضابط في صحته: أن لا يرفع ظاهر المعاني المنفهمة، عن الألفاظ بالقوانين العربية، وأن لا يخالف القواعد الشرعية، ولا يباين إعجاز القرآن، ولا يناقض النصوص الواقعة فيها، فإن وجد هذه الشرائط، فلا يطعن فيه، وإلا فهو بمعزل عن القبول.
قال الزمخشري: من حق تفسير القرآن أن يتعاهد بقاء النظم على حسنه، والبلاغة على كمالها، وما وقع به التحدي سليما من القادح، وأما الذين تأيدت فطرتهم النقية، بالمشاهدات الكشفية، فهم القدوة في هذه المسالك، ولا يمنعون أصلا عن التوغل في ذلك.
ثم ذكر ما وجب على المفسر من الآداب، وقال:
ثم اعلم: أن العلماء - كما بينوا في التفسير شرائط - بينوا أيضا في المفسر شرائط، لا يحل التعاطي لمن عري عنها، أو هو فيها راجل، وهي: أن يعرف خمسة عشر علما، على وجه الإتقان، والكمال:
اللغة، والنحو، والتصريف، والاشتقاق، والمعاني، والبيان، والبديع، والقراآت، وأصول الدين، وأصول الفقه، وأسباب النزول، والقصص، والناسخ والمنسوخ، والفقه، والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم، وعلم الموهبة، وهو: علم يورثه الله - سبحانه وتعالى - لمن عمل بما علم، وهذه العلوم التي لا مندوحة للمفسر عنها، وإلا فعلم التفسير لا بد له من التبحر في كل العلوم.
ثم إن تفسير القرآن ثلاثة أقسام:
الأول: علم لم يطلع الله - سبحانه وتعالى - عليه أحدا من خلقه، وهو: ما استأثر به من علوم أسرار كتابه، من معرفة: كنه ذاته، ومعرفة حقائق أسمائه، وصفاته، وهذا لا يجوز لأحد الكلام فيه.
والثاني: ما أطلع الله - سبحانه وتعالى - نبيه عليه من أسرار الكتاب، واختص به، فلا يجوز الكلام فيه، إلا له - عليه الصلاة والسلام -، أو لمن أذن له.
قيل: وأوائل السور من هذا القسم، وقيل: من الأول.
والثالث: علوم علمها - الله تعالى - نبيه، مما أودع كتابه من المعاني الجلية، والخفية، وأمره بتعليمها.
وهذا ينقسم إلى قسمين:
منه: ما لا يجوز الكلام فيه، إلا بطريق السمع، كأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والقراآت، واللغات، وقصص الأمم، وأخبار ما هو كائن.
ومنه: ما يؤخذ بطريق النظر، والاستنباط، من الألفاظ، وهو قسمان:
قسم: اختلفوا في جوازه ، وهو: تأويل الآيات المتشابهات.
وقسم: اتفقوا عليه، وهو: استنباط الأحكام الأصلية، والفرعية، والإعرابية، لأن مبناها على الأقيسة.
وكذلك: فنون البلاغة، وضروب المواعظ، والحكم، والإشارات، لا يمتنع استنباطها منه، لمن له أهلية ذلك؛ وما عدا هذه الأمور هو: التفسير بالرأي، الذي نهي عنه.
وفيه خمسة أنواع:
الأول: في التفسير، من غير حصول العلوم، التي يجوز معها التفسير.
الثاني: تفسير المتشابه، الذي لا يعلمه إلا الله - سبحانه وتعالى -.
الثالث: التفسير المقرر للمذهب الفاسد، بأن يجعل المذهب أصلا، والتفسير تابعا له، فيرد إليه بأي طريق أمكن، وإن كان ضعيفا.
الرابع: التفسير بأن مراد الله - سبحانه وتعالى - كذا على القطع، من غير دليل.
الخامس: التفسير بالاستحسان والهوى.
وإذا عرفت هذه الفوائد، وإن أطنبنا فيها، لكونها رأس العلوم، ورئيسها.
فاعلم: أن كتب التفاسير كثيرة، ذكرنا منها هاهنا ما هو مسطور في هذا السفر على ترتيبه.
(الإبانة، في تفسير آية الأمانة).
(الإتقان، في علوم القرآن).
(أبين الحصص، في أحسن القصص).
(أحكام القرآن).
كثيرة.
(إرشاد العقل السليم).
لأبي مسعود.
(إرشاد ابن برجان).
(أسباب النزول).
سبق كتبه في فنه.
(إعراب القرآن).
مر ذكر كتبه في فنه.
(أسئلة القرآن).
(إعجاز القرآن).
(إغاثة اللهف، تفسير الكهف).
(أقاليم التعاليم).
(أقسام القرآن).
(الإقناع).
في تفسير: آية الانتصار.
للزمخشري، من أبي المنير.
(الانتصاف، شرح الكشاف).
(الإنصاف، في الجمع بين: الثعلبي والكشاف).
(أنوار التنزيل).
للبيضاوي.
ومتعلقاته.
(أنوار ابن مقسم).
(إيجاز البيان).
(الإيجاز في الناسخ والمنسوخ).
(الإيضاح).
فيه أيضا.
(بحار القرآن).
(بحر الحقائق).
(بحر الدرر).
(بحر العلوم).
(البرهان، في علوم القرآن).
(البرهان، في تفسير القرآن).
(بحر البحور).
(البرهان، في تناسب السور).
(البرهان، في إعجاز القرآن).
(بسيط الواحدي).
(بصائر ذوي التمييز).
(بصائر).
فارسي.
(البيان، في تأويلات القرآن).
(البيان، في مبهمات القرآن).
(البيان، في علوم القرآن).
(البيان، في شواهد القرآن).
(تاج المعاني).
(تاج التراجم).
(تأويلات القرآن).
(تأويلات الماتريدي).
(التبصرة في التفسير).
(تبصير الرحمن).
(التبيان، في إعراب القرآن).
(التبيان، في تفسير القرآن).
(التبيان، في أقسام القرآن).
(التبيان، في مسائل القرآن).
(التبيان، في متشابه القرآن).
(تبيين القرآن).
(تحف الأنام).
(تحقيق البيان).
(التحبير، في علوم التفسير).
(ترجمان القرآن).
(الترجمان في التفسير).
(تعداد الآي).
(التعظيم والمنة).
(تعلق الآي).
علم التفسير: أي تفسير القرآن
هو: علم باحث عن معنى نظم القرآن بحسب الطاقة البشرية وبحسب ما تقتضيه القواعد العربية.
ومباديه: العلوم العربية وأصول الكلام وأصول الفقه والجدل وغير ذلك من العلوم الجمة.
والغرض منه: معرفة معاني النظم بقدر الطاقة البشرية.
وفائدته: حصول القدرة على استنباط الأحكام الشرعية على وجه الصحة والاتعاظ بما فيه من القصص والعبر والاتصاف بما تضمنه من مكارم الأخلاق إلى غير ذلك من الفوائد التي لا يمكن تعدادها لأنه بحر لا تنقضي عجائبه وسبحانه من أنزله وأرشد به عباده.
وموضوعه: كلام الله - سبحانه وتعالى - الذي هو: منبع كل حكمة ومعدن كل فضيلة.
وغايته: التوصل إلى فهم معاني القرآن واستنباط حكمه ليفاز به إلى السعادة الدنيوية والأخروية وشرف العلم وجلالته باعتبار شرف موضوعه وغايته فهو أشرف العلوم وأعظمها هذا ما ذكره أبو الخير وابن صدر الدين والأرتيقي.
قال في: كشاف اصطلاحات الفنون: علم التفسير: علم يعرف به نزول الآيات وشؤونها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها ثم ترتيب مكيها ومدنيها ومحكمها ومتشابهها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومطلقها ومقيدها ومجملها ومفسرها وحلالها وحرامها ووعدها ووعيدها وأمرها ونهيها وامتثالها وغيرها.
قال أبوحيان: التفسير: علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي يحمل عليه حالة التركيب وتتمات ذلك.
وقال الزركشي: التفسير: علم يفهم به كتاب الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات وأما وجه الحاجة إليه فقال بعضهم: اعلم أن من المعلوم أن الله تعالى إنما خاطب خلقه بما يفهمونه ولذلك أرسل كل رسول بلسان قومه وأنزل كتابه على لغتهم وإنما احتيج إلى التفسير لما سيذكر بعد تقرير قاعدة وهي: أن كل من وضع من البشر كتاب فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة:
أحدها: كمال فضيلة المصنف فإنه بقوته العلمية بجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز فربما عسر فهم مراده فقصد بالشروح ظهور تلك المعاني الدقيقة من ههنا كان شرح بعض الأئمة لتصنيفه أدل على المراد من شرح غيره له"
وثانيها: إغفاله بعض متممات المسئلة أو شروطها اعتمادا على وضوحها أو لأنها من علم آخر فيحتاج الشارح لبيان المتروك ومراتبه.
وثالثها: احتمال اللفظ لمعان مختلفة كما في المجاز والاشتراك ودلالة الالتزام فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه وقد يقع في التصانيف ما لا يخلو عنه بشر من السهو والغلط أو تكرار الشيء أو حذف المهم أو غير ذلك فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك وإذا تقرر هذا فنقول:
إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن فصحاء العرب وكانوا يعلمون ظاهره وأحكامه أما دقائق باطنه فإنما كانت تظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الأكثر كسؤالهم لما نزل: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} فقالوا:
وأينا لم يظلم نفسه ففسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشرك واستدل عليه {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وغير ذلك مما سألوا عنه - صلى الله عليه وسلم - ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه مع أحكام الظاهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم فنحن أشد احتياجا إلى التفسير.
وأما شرفه: فلا يخفى قال الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} .
وقال الأصبهاني: شرفه من وجوه:
أحدها: من جهة الموضوع: فإن موضوعه كلام الله تعالى الذي ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة.
وثانيها: من جهة الغرض: فإن الغرض منه الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي هي الغاية القصوى.
وثالثها: من جهة شدة الحاجة: فإن كل كمال ديني أو دنيوي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى.
واختلف الناس في تفسير القرآن: هل يجوز لكل أحد الخوض فيه؟ فقال قوم: لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن وأن كان عالما أديبا متسعا في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار، وليس له إلا أن ينتهي إلى ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.
ومنهم من قال: يجوز تفسيره لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج المفسر إليها وهي خمسة عشر علما: اللغة والنحو والتصريف والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع وعلم القراءات: لأنه يعرف به كيفية النطق بالقرآن وبالقراءات يرجح بعض الوجوه المحتملة على بعض وأصول الدين: أي الكلام وأصول الفقه وأسباب النزول والقصص إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه والناسخ والمنسوخ ليعلم المحكم من غيره والفقه والأحاديث المبينة لتفسير المبهم والمجمل وعلم الموهبة وهو علم يورثه الله لمن عمل بما علم وإليه الإشارة بحديث: من عمل بما علم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم.
قال البغوي والكواشي وغيرهما: التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها تحتملها الآية غير مخالف للكتاب والسنة غير محظور على العلماء بالتفسير كقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} .
وقيل: أغنياء وفقراء.
وقيل: نشاطا أو غير نشاط.
وقيل: أصحاء ومرضى وكل ذلك سائغ والآية تحتمله.
وأما التأويل المخالف للآية والشرخ فمحظور لأنه تأويل الجاهلين مثل تأويل الروافض قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} أنهما علي وفاطمة {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} يعني الحسن والحسين. انتهى.
وذكر العلامة الفناري في: تفسير الفاتحة فصلا مفيدا في تعريف هذا العلم ولا بأس بإيراده اذ هو مشتمل على لطائف التعريف.
قال قطب الدين الرازي في شرحه ل: الكشاف: هو ما يبحث فيه عن مراد الله - سبحانه وتعالى - من قرآنه المجيد ويرد عليه أن البحث فيه ربما كان عن أحوال الألفاظ: كمباحث القراءات وناسخية الألفاظ ومنسوخيتها وأسباب نزولها وترتيب نزولها إلى غير ذلك فلا يجمعها أحده.
وأيضا يدخل فيه البحث في الفقه الأكبر والأصغر عما يثبت بالكتاب فإنه بحث عن مراد الله تعالى من قرآنه فلا يمنعه أحد فكان الشارح التفتازاني إنما عدل عنه لذلك إلى قوله: هو العلم الباحث عن أحوال الألفاظ كلام الله - سبحانه وتعالى - من حيث الدلالة على مراد الله وترد على مختاره أيضا وجوه:
الأول: أن البحث المتعلق بألفاظ القرآن ربما لا يكون بحيث يؤثر في المعنى المراد بالدلالة والبيان: كمباحث علم القراءة عن أمثال التفخيم والإمالة إلى ما لا يحصى فإن علم القراءة جزء من علم التفسير أفرز عنه لمزيد الاهتمام إفراز الكحالة من الطب والفرائض من الفقه.
وقد خرج بقيد الحيثية ولم يجمعه فإن قيل: أراد تعريفه بعد إفراز علم القراءة
قلنا: فلا يناسب الشرح المشروح للبحث في التفسير عما لا يتغير به المعنى في مواضع لا تحصى
الثاني: أن المراد بالمراد إن كان المراد بمطلق الكلام فقد دخل العلوم الأدبية وإن كان مراد الله تعالى بكلامه.
فإن أريد مراده في نفس الأمر فلا يفيده بحث التفسير لأن: طريقه غالبا إما رواية الآحاد أو الدراية بطريق العربية وكلاهما ظني كما عرف ولأن فهم كل أحد بقدر استعداده ولذلك أوصى المشائخ - رحمهم الله - في الإيمان أن يقال: آمنت بالله وبما جاء من عنده على مراده وآمنت برسول الله وبما قاله على مراده ولا يعين بما ذكره أهل التفسير ويكرر ذلك على الهدي في تأويلاته.
وإن أريد مراد الله - سبحانه وتعالى - في زعم المفسر ففيه خرازة من وجهين:
الأول: كون علم التفسير بالنسبة إلى كل مفسر بل إلى كل أحد شيئا آخر وهذا مثل ما اعترض على حد الفقه لصاحب: التنقيح وظن وروده وإلا فإني أجيب عنه بأن التعدد ليس في حقيقته النوعية بل في جزئياتها المختلفة باختلاف القوابل.
وأيضا ذكر الشيخ صدر الدين القونوي في تفسير: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} : أن جميع المعاني المفسر بها لفظ القرآن رواية أو دراية صحيحتين مراد الله - سبحانه وتعالى - لكن بحسب المراتب والقوابل لا في حق كل أحد.
الثاني: أن الأذهان تنساق بمعاني الألفاظ إلى ما في نفس الأمر على ما عرف فلا بد لصرفها عنه من أن يقال من حيث الدلالة على ما يظن أنه مراد الله سبحانه وتعالى.
الثالث: أن عبارة العلم الباحث في المتعارف ينصرف إلى الأصول والقواعد أو ملكتها وليس لعلم التفسير قواعد يتفرع عليها الجزئيات إلا في مواضع نادرة فلا يتناول غير تلك المواضع إلا بالعناية فالأولى: أن يقال علم التفسير معرفة أحوال كلام الله سبحانه وتعالى من حيث القرآنية ومن حيث دلالته على ما يعلم أو يظن أنه مراد الله سبحانه وتعالى بقدر الطاقة الإنسانية فهذا يتناول أقسام البيان بأسرها. انتهى كلام الفناري بنوع تلخيص.
ثم أورد فصولا في تقسيم هذا الحد إلى تفسير وتأويل وبيان الحاجة إليه وجواز الخوض فيهما ومعرفة وجوههما المسماة بطونا أو ظهرا أو بطنا فمن أراد الإطلاع على حقائق علم التفسير فعليه بمطالعته ولا ينبؤه مثل خبير.
ثم إن أبا الخير أطال في ذكر: طبقات المفسرين ونحن أشرنا إلى من ليس لهم تصنيف فيه من مفسري الصحابة والتابعين إشارة جمالية والباقي مذكور عند ذكر كتابه.
أما المفسرون من الصحابة فمنهم: الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن الزبير وأنس بن مالك وأبو هريرة وجابر وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.
ثم اعلم أن الخلفاء الأربعة أكثر من روي عنه علي بن أبي طالب والرواية عن الثلاثة في ندرة جدا والسبب فيه تقدم وفاتهم وأما علي رضي الله عنه فروي عنه الكثير وروي عن ابن مسعود أنه قال إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وإن عليا - رضي الله عنه - عنده من الظاهر والباطن.
وأما ابن مسعود فروي عنه أكثر مما روي عن علي مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين.
وأما ابن عباس المتوفى سنة ثمان وستين بالطائف فهو: ترجمان القرآن وحبر الأمة ورئيس المفسرين دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل".
وقد روي عنه في التفسير ما لا يحصى كثرة لكن أحسن الطرق عنه طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة واعتمد على هذه البخاري في صحيحه.
ومن جيد الطرق عنه طريق قيس بن مسلم الكوفي المتوفى سنة عشرين ومائة عن عطاء بن السائب.
وطريق ابن إسحاق صاحب: السير.
وأوهى طريقة طريق الكلبي عن أبي صالح والكلبي: هو أبو النصر محمد بن السائب المتوفى بالكوفة سنة ست وأربعين ومائة فإن انضم إليه رواية محمد بن مروان السدي الصغير المتوفى سنة ست وثمانين ومائة فهي سلسلة الكذب وكذلك طريق مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي المتوفى سنة خمسين ومائة إلا أن الكلبي يفضل عليه لما في مقاتل من المذاهب الردية وطريق ضحاك بن مزاحم الكوفي المتوفى سنة اثنتين مائة عن ابن عباس منقطعة فإن الضحاك لم يلقه وإن انضم إلى ذلك رواية بشر بن عمارة فضعيفة لضعف بشر وقد أخرج عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وإن كان من رواية جرير عن الضحاك فأشد ضعفا لأن جريرا شديد الضعف متروك وإنما أخرج عنه ابن مردويه وأبو الشيخ ابن حبان دون ابن جرير وأما أبي ابن كعب المتوفى سنة عشرين على خلاف فيه فعن نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه وهذا إسناد صحيح وهو أحد الأربعة الذي جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أقرأ الصحابة وسيد القراء.
ومن الصحابة من ورد عنه اليسير من التفسير غير هؤلاء منهم أنس بن مالك بن النضر المتوفى بالبصرة سنة إحدى وتسعين.
وأبو هريرة عبد الرحمن بن صخر على خلاف المتوفى بالمدينة سنة سبع وخمسين.
وعبد الله بن عمر بن الخطاب المتوفى بمكة المكرمة سنة ثلاث وسبعين.
وجابر بن عبد الله الأنصاري المتوفى بالمدينة سنة أربع وسبعين.
وأبو موسى عبد الرحمن بن قيس الأشرعي المتوفى سنة أربع وأربعين.
وعبد الله بن عمرو بن العاص السهمي المتوفى سنة ثلاث وستين وهو أحد العبادلة الذين استقر عليهم أمر العلم في آخر عهد الصحابة.
وزيد بن ثابت الأنصاري كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - المتوفى سنة خمس وأربعين
وأما المفسرون من التابعين فمنهم أصحاب ابن عباس وهم: علماء مكة المكرمة - شرفها الله تعالى.
ومنهم: مجاهد بن جبر المكي المتوفى سنة ثلاث ومائة قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة واعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري.
وسعيد بن جبير المتوفى سنة أربع وتسعين.
وعكرمة مولى ابن عباس المتوفى بمكة سنة خمس ومائة.
وطاووس بن كيسان اليماني المتوفى بمكة سنة ست ومائة.
وعطاء بن أبي رباح المكي المتوفى سنة أربع عشرة ومائة. ومنهم أصحاب ابن مسعود وهم علماء الكوفة.
كعلقمة بن قيس المتوفى سنة اثنتين ومائة والأسود بن يزيد المتوفى سنة خمس وسبعين.
وإبراهيم النخعي المتوفى سنة خمس وتسعين.
والشعبي المتوفى سنة خمس ومائة.
ومنهم: أصحاب زيد بن أسلم كعبد الرحمن بن زيد ومالك بن أنس.
ومنهم: الحسن البصري المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائة وعطاء بن أبي سلمة ميسرة الخراساني ومحمد بن كعب القرظي المتوفى سنة سبع عشرة ومائة وأبو العالية رفيع بن مهران الرياحي المتوفى سنة تسعين والضحاك بن مزاحم وعطية بن سعيد العوفي المتوفى سنة إحدى عشرة ومائة وقتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة عشرة ومائة والربيع بن أنس والسدي
ثم بعد هذه الطبقة الذين صنفوا كتب التفاسير التي تجمع أقوال الصحابة والتابعين كسفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وشعبة بن الحجاج ويزيد بن هارون وعبد الرزاق وآدم بن أبي إياس وإسحاق بن راهويه وروح بن عبادة وعبد لله بن حميد وأبي بكر بن أبي شيبة وآخرين.
ثم بعد هؤلاء طبقة أخرى منهم: عبد الرزاق علي بن أبي طلحة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن ماجة والحاكم وابن مردويه وأبو الشيخ ابن حبان وابن المنذر في آخرين.
ثم انتصبت طبقة بعدهم إلى تصنيف تفاسير مشحونة بالفوائد محذوفة الأسانيد مثل: أبي أسحق الزجاج وأبي علي الفارسي.
وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس فكثيرا ما استدرك الناس عليهما ومثل مكي بن أبي طالب وأبي العباس المهدوي.
ثم ألف في التفسير طائفة من المتأخرين فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال بترا فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ثم صار كل من سنح له قول يورده ومن خطر بباله شيء يعتمده ثم ينقل ذلك خلف عن سلف ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومن هم القدوة في هذا الباب.
ثم صنف بعد ذلك قوم برعوا في شيء من العلوم ومنهم من ملأ كتابه بما غلب على طبعه من الفن واقتصر فيه على ما تمهر هو فيه وكان القرآن أنزل لأجل هذا العلم لا غير مع أن فيه تبيان كل شيء.
فالنحوي تراه ليس له إلا الإعراب وتكثير الأوجه المحتملة فيه وإن كانت بعيدة وينقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته ك: الزجاج و: الواحدي في البسيط وأبي حيان في: البحر والنهر.
والإخباري ليس له شغل إلا القصص واستيفاؤها والأخبار عن سلف سواء كانت صحيحة أو باطلة ومنهم الثعلبي.
والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه جميعا وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلو لها بالآية أصلا والجواب عن الأدلة للمخالفين كالقرطبي.
وصاحب العلوم العقلية خصوصا الإمام فخر الدين الرازي قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وخرج من شيء إلى شيء حتى يقضي الناظر العجب قال أبو حيان في البحر: جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ولذلك قال بعض العلماء فيه: كل شيء إلا التفسير وللمبتدع ليس له قصد إلا تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد بحيث أنه لو لاح له شاردة من بعيد اقتنصها أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال سارع إليه كما نقل عن البلقيني أنه قال: استخرجت من: الكشاف اعتزالا بالمناقيش منها أنه قال في قوله - سبحانه وتعالى -: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} أي فوز أعظم من دخول الجنة أشار به إلى عدم الرؤية والملحد لا تسأل عن كفره وإلحاده في آيات الله تعالى وافترائه على الله تعالى ما لم يقله كقول بعضهم: {ِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} وما علي العباد أضر من ربهم وينسب هذا القول إلى صاحب قوت القلوب أبي طالب المكي.
ومن ذلك القبيل الذين يتكلمون في القرآن بلا سند ولا نقل عن السلف ولا رعاية للأصول الشرعية والقواعد العربية كتفسير محمود بن حمزة الكرماني في مجلدين سماه: العجائب والغرائب ضمنه أقوالا هي: عجائب عند العوام وغرائب عما عهد عن السلف بل هي أقوال منكرة لا يحل الاعتقاد عليها ولا ذكرها إلا للتحذير من ذلك قول من قال في: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} إنه الحب والعشق ومن ذلك قولهم في: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} إنه الذكر إذا قام وقولهم: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ} معناه من ذل أي من الذل وذي إشارة إلى النفس ويشف من الشفاء جواب من وع أمر من الوعي.
وسئل البلقيني عمن فسر بهذا؟ فأفتى بأنه ملحد.
وأما كلام الصوفية في القرآن فليس بتفسير.
قال ابن الصلاح في فتاواه: وجدت عن الإمام الواحدي أنه قال: صنف السلمي حقائق التفسير إن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر.
قال النسفي في: عقائده: النصوص تحمل على ظواهرها والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطن إلحادا وقال التفتازاني في: شرحه: سميت الملاحدة باطنية لادعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها بل لها معان باطنة لا يعلمها إلا المعلم وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية.
وقال: وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من النصوص على ظواهرها ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان.
وقال تاج الدين عطاء الله في: لطائف المنن: اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله - سبحانه وتعالى - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالمعاني الغريبة ليست إحالة الظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له ودلت عليه في عرف اللسان وثم أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله تعالى قلبه.
وقد جاء في الحديث: لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل: هذا إحالة كلام الله - تعالى - وكلام رسوله فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لو قال: لا معنى للآية إلا هذا وهم لا يقولون ذلك بل يفسرون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها. انتهى. قال في: كشاف اصطلاحات الفنون: أما الظهر والبطن ففي معناهما أوجه ثم ذكرها قال: قال بعض العلماء: لكل آية ستون ألف فهم فهذا يدل على أن في فهم المعاني من القرآن مجالا متسعا وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس ينتهي الإدراك فيه بالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير لتتقى به مواضع اللغط ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط ولا يجوز التهاون في حفظ التفسير الظاهر بل لا بد منه أولا إذ لا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر وإن شئت الزيادة فارجع إلى: الإتقان. انتهى.
قال صاحب مفتاح السعادة: الإيمان بالقرآن هو التصديق بأنه كلام الله - سبحانه وتعالى - قد أنزل على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بواسطة جبريل - عليه السلام - وأنه دال على صفة أزلية له - سبحانه وتعالى - وأن ما دل هو عليه بطريق القواعد العربية مما هو مراد الله - سبحانه وتعالى - حق لا ريب فيه ثم تلك الدلالة على مراده - سبحانه وتعالى - بواسطة القوانين الأدبية الموافقة للقواعد الشرعية والأحاديث النبوية مراد الله سبحانه وتعالى.
ومن جملة ما علم من الشرائع أن مراد الله - سبحانه - من القرآن لا ينحصر في هذا القدر لما قد ثبت في الأحاديث أن لكل آية ظهرا وبطنا وذلك المراد الآخر لما لم يطلع عليه كل أحد بل من أعطي فهما وعلما من لدنه تعالى يكون الضابط في صحته أن لا يرفع ظاهر المعاني المنفهمة عن الألفاظ بالقوانين العربية وأن لا يخالف القواعد الشرعية ولا يباين إعجاز القرآن ولا يناقض النصوص الواقعة فيها فإن وجد فيه هذه الشرائط فلا يطعن فيه وألا فهو بمعزل عن القبول.
قال الزمخشري: من حق تفسير القرآن أن يتعاهد بقاء النظم على حسنه والبلاغة على كمالها وما وقع به التحدي سليما من القادح وأما الذين تأيدت فطرتهم النقية بالمشاهدات الكشفية فهم القدوة في هذه المسالك ولا يمنعون أصلا عن التوغل في ذلك ثم ذكر ما وجب على المفسر من آداب.
وقال: ثم اعلم أن العلماء كما بينوا في التفسير شرائط بينوا في المفسر أيضا شرائط لا يحل التعاطي لمن عري عنها وهو فيها راجل وهي: أن يعرف خمسة عشر علما على وجه الإتقان والكمال: اللغة والنحو والتصريف والاشتقاق والمعنى والبيان والبديع والقراءات وأصول الدين وأصول الفقه وأسباب النزول والقصص والناسخ والمنسوخ والفقه والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم وعلم الموهبة وهو: علم يورثه الله - سبحانه وتعالى - لمن عمل بما علم وهذه العلوم التي لا مندوحة للمفسر عنها وإلا فعلم التفسير لا بد له من التبحر في كل العلوم.
ثم إن تفسير القرآن ثلاثة أقسام:
الأول: علم ما لم يطلع الله تعالى عليه أحدا من خلقه وهو ما استأثر به من علوم أسرار كتابه من معرفة كنه ذاته ومعرفة حقائق أسمائه وصفاته وهذا لا يجوز لأحد الكلام فيه.
والثاني: ما أطلع الله - سبحانه وتعالى - نبيه عليه من أسرار الكتاب واختص به فلا يجوز الكلام فيه إلا له عليه الصلاة والسلام أو لمن أذن له قيل: وأوائل السور من هذا القسم وقيل: من الأول.
والثالث علوم علمها الله تعالى نبيه مما أودع كتابه من المعاني الجلية والخفية وأمره بتعليمها وهذا ينقسم إلى قسمين: منه ما لا يجوز الكلام فيه إلا بطريق السمع: كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والقرآن واللغات وقصص الأمم وأخبار ما هو كائن.
ومنه ما يؤخذ بطريق النظر والاستنباط من الألفاظ وهو قسمان:
قسم اختلفوا في جوازه وهو: تأويل الآيات المتشابهات.
وقسم اتفقوا عليه وهو: استنباط الأحكام الأصلية والفرعية والإعرابية: لأن مبناها على الأقيسة وكذلك فنون البلاغة وضروب المواعظ والحكم والإشارات لا يمتنع استنباطها منه لمن له أهلية ذلك وما عدا هذه الأمور هو التفسالمسمى ب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ثم تفسير هذا العبد القاصر المسمى ب: فتح البيان في مقاصد القرآن وقد طبع - بحمد الله تعالى - بمطبعتنا ببلدة بهوبال وكان المصروف في وليمة طبعه عشرين ألف ربية وسارت به الركبان من بلاد الهند إلى بلاد العرب والعجم ورزق القبول من علماء الكتاب والسنة القاطنين ببلد الله الحرام ومدينة نبيه - عليه الصلاة والسلام - ومحدثي اليمن وصنعاء والقدس والمغرب وغير هؤلاء ولله الحمد كل الحمد على ذلك.
فصل
قال ابن خلدون في: بيان علوم القرآن من التفسير والقراءات:
أما التفسير فاعلم أن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه وكان ينزل جملا جملا وآيات آيات لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع منها: ما هو في العقائد الإيمانية ومنها: ما هو في أحكام الجوارح ومنها: ما يتقدم ومنها: ما يتأخر ويكون ناسخا له وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين المجمل ويميز الناسخ من المنسوخ ويعرفه أصحابه فعرفوه وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منها منقولا عنه كما علم من قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} : أنها نعي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمثال ذلك ونقل ذلك عن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وتداول ذلك التابعون من بعدهم ونقل ذلك عنهم ولم يزل ذلك متناقلا بين الصدر الأول والسلف حتى صارت المعارف علوما ودونت الكتب فكتب الكثير من ذلك ونقلت الآثار الواردة فيه عن الصحابة والتابعين وانتهى ذلك إلى الطبري والواقدي والثعالبي وأمثال ذلك من المفسرين فكتبوا فيه ما شاء الله أن يكتبوه من الآثار.
ثم صارت علوم اللسان صناعية من الكلام في موضوعات اللغة وأحكام الإعراب والبلاغة في التراكيب فوضعت الدواوين في ذلك بعد أن كانت ملكات للعرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب فتنوسي ذلك وصارت تتلقى من كتب أهل اللسان فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن لأنه بلسان العرب وعلى منهاج بلاغتهم وصار التفسير على صنفين: تفسير نقلي مسند إلى الآثار المنقولة عن السلف وهي: معرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ومقاصد الآي وكل ذلك لا يعرف إلا بالنقل عن الصحابة والتابعين وقد جمع المتقدمون في ذلك وأوعوا إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين والمقبول والمردود والسبب في ذلك: أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم وهم أهل التوراة من اليهود من تبع دينهم من النصارى وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل: أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك وهؤلاء مثل: كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم وفي أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم وليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرى في الصحة التي يجب بها العمل ويتساهل المفسرون في مثل ذلك وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات وأصلها كما قلنا عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ير بالرأي الذي نهى عنه وفيه خمسة أنواع:
الأول: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها.
التفسير الثاني: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه ألا الله - سبحانه وتعالى -.
الثالث: التفسير المقرر للمذهب الفاسد بأن يجعل المذهب أصلا والتفسير تابعا له فيرد إليه بأي طريق أمكن وإن كان ضعيفا.
والرابع: التفسير بأن مراد الله - سبحانه وتعالى - كذا على القطع من غير دليل.
الخامس: التفسير بالاستحسان والهوى.
وإذا عرفت هذه الفوائد وإن أطنبنا فيها لكونه رأس العلوم ورئيسها فاعلم أن كتب التفاسير كثيرة ذكرنا منها في كتابنا: الإكسير في أصول التفسير ما هو مسطور في: كشف الظنون وزدنا عليه أشياء على ترتيب حروف الهجاء.
قال في: مدينة العلوم: والكتب المصنفة في التفسير ثلاثة أنواع: وجيز ووسيط وبسيط.
ومن الكتب الوجيزة فيه: زاد المسيرة لابن الجوزي و: الوجيز للواحدي و: تفسير الواضح للرازي و: تفسير الجلالين إذ عمل نصفه الآخر جلال الدين المحلى وكمله جلال الدين السيوطي والشهير لأبي حيان ومن الكتب المتوسطة: الوسيط للواحدي و: تفسير الماتريدي و: تفسير التيسير لنجم الدين النسفي و: تفسير الكشاف للزمخشري و: تفسير الطيبي و: تفسير البغوي و: تفسير الكواشي و: تفسير البيضاوي و: تفسير القرطبي و: تفسير سراج الدين الهندي و: تفسير مدارك التنزيل لأبي البركات النسفي.
ومن الكتب المبسوطة: البسيط للواحدي و: تفسير الراغب للأصفهاني وتفسير أبي حيان المسمى ب: البحر و: التفسير الكبير للرازي و: تفسير العلامي ورأيته في أربعين مجلدا و: تفسير ابن عطية الدمشقي و: تفسير الخرقي نسبة إلى بائع الخرق والثياب و: تفسير الحوفي و: تفسير القشيري1 و: تفسير ابن عقيل وتفسير السيوطي المسمى ب: الدر المنثور في التفسير المأثور و: تفسير الطبري ومن التفاسير: إعراب القرآن للسفاقسي. انتهى.
قلت: ومن الحسن التفاسير المؤلفة في هذا الزمان الأخير تفسير شيخنا الإمام المجتهد العلامة قاضي القضاة بصنعاء اليمن محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف الهجرية المسمى بفتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ثم تفسير هذا العبد القاصر المسمى بفتح البيان في مقاصد القرآن وقد طبع - بحمد الله تعالى - بمطبعتنا ببلدة بهوبال وكان المصروف في وليمة طبعه عشرين ألف ربية وسارت به الركبان من بلاد الهند إلى بلاد العرب والعجم ورزق القبول من علماء الكتاب والسنة القاطنين ببلد الله الحرام ومدينة نبيه - عليه الصلاة والسلام - ومحدثي اليمن وصنعاء والقدس والمغرب وغير هؤلاء ولله الحمد كل الحمد على ذلك.
فصل
قال ابن خلدون في: بيان علوم القرآن من التفسير والقراءات:
أما التفسير فاعلم أن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه وكان ينزل جملا جملا وآيات آيات لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع منها: ما هو في العقائد الإيمانية ومنها: ما هو في أحكام الجوارح ومنها: ما يتقدم ومنها: ما يتأخر ويكون ناسخا له وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين المجمل ويميز الناسخ من المنسوخ ويعرفه أصحابه فعرفوه وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منها منقولا عنه كما علم من قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} : أنها نعي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمثال ذلك ونقل ذلك عن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وتداول ذلك التابعون من بعدهم ونقل ذلك عنهم ولم يزل ذلك متناقلا بين الصدر الأول والسلف حتى صارت المعارف علوما ودونت الكتب فكتب الكثير من ذلك ونقلت الآثار الواردة فيه عن الصحابة والتابعين وانتهى ذلك إلى الطبري والواقدي والثعالبي وأمثال ذلك من المفسرين فكتبوا فيه ما شاء الله أن يكتبوه من الآثار.
ثم صارت علوم اللسان صناعية من الكلام في موضوعات اللغة وأحكام الإعراب والبلاغة في التراكيب فوضعت الدواوين في ذلك بعد أن كانت ملكات للعرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب فتنوسي ذلك وصارت تتلقى من كتب أهل اللسان فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن لأنه بلسان العرب وعلى منهاج بلاغتهم وصار التفسير على صنفين: تفسير نقلي مسند إلى الآثار المنقولة عن السلف وهي: معرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ومقاصد الآي وكل ذلك لا يعرف إلا بالنقل عن الصحابة والتابعين وقد جمع المتقدمون في ذلك وأوعوا إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين والمقبول والمردود والسبب في ذلك: أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم وهم أهل التوراة من اليهود من تبع دينهم من النصارى وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل: أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك وهؤلاء مثل: كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم وفي أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم وليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرى في الصحة التي يجب بها العمل ويتساهل المفسرون في مثل ذلك وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات وأصلها كما قلنا عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك إلا أنهم بعد صيتهم وعظمة أقدارهم لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة فتلقيت بالقبول من يومئذ لما رجع الناس إلى التحقيق والتمحيض.
وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالغرب فلخص تلك التفاسير كلها وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها ووضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس حسن المنحى.
وتبعه القرطبي في تلك الطريقة على منهاج واحد في كتاب آخر مشهور بالمشرق.
والصنف الآخر من التفسير وهو: ما يرجع إلى اللسان من معرفة اللغة والإعراب والبلاغة في تأدية المعنى بحسب المقاصد والأساليب وهذا الصنف من التفسير قل أن ينفرد عن الأول إذ الأول هو المقصود بالذات وإنما جاء هذا بعد أن صار اللسان وعلومه صناعة نعم قد يكون في بعض التفاسير غالبا ومن أحسن ما اشتمل عليه هذا الفن من التفاسير كتاب: الكشاف للزمخشري من أهل خوارزم العراق إلا أن مؤلفه من أهل الاعتزال في العقائد فيأتي بالحجاج على مذاهبهم الفاسدة حيث تعرض له في أي في القرآن من طرق البلاغة فصار بذلك للمحققين من أهل السنة انحراف عنه وتحذير للجمهور من مكامنه مع إقرارهم برسوخ قدمه فيما يتعلق باللسان والبلاغة وإذا كان الناظر فيه واقفا مع ذلك على المذاهب السنية محسنا للحجاج عنها فلا جرم أنه مأمون من غوائله فلتغتنم مطالعته لغرابة فنونه في اللسان ولقد وصل إلينا في هذه العصور تأليف لبعض العراقيين وهو شرف الدين الطيبي من أهل توريز من عراق العجم شرح فيه كتاب الزمخشري هذا وتتبع ألفاظه وتعرض لمذاهبه في الاعتزال بأدلة تزيفها وتبين أن البلاغة إنما تقع في الآية على ما يراه أهل السنة لا على ما يراه المعتزلة فأحسن في ذلك ما شاء مع إمتاعه في سائر فنون البلاغة - وفوق كل ذي علم عليم -. انتهى كلامه
فصل
قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ستكون فتن", قيل: وما المخرج منها؟ قال: "كتاب الله: فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم" أخرجه الترمذي وغيره.
وقال أبو مسعود: من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خير الأولين والآخرين أخرجه سعيد بن منصور في سننه قال البيهقي: أراد به أصول العلم.
وقال بعض السلف: ما سمعت حديثا إلا التمست له آية من كتاب الله تعالى
وقال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم وآله وسلم - على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله أخرجه ابن أبي حاتم.
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنزل في هذا القرآن كل علم وميز لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لو أغفل شيئا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة" أخرجه أبو الشيخ في كتاب: العظمة.
وقال الشافعي: جميع ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو ما فهمه من القرآن قلت: ويؤيد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه" رواه بهذا اللفظ الطبراني في الأوسط من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقال الشافعي أيضا: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها لا يقال: إن من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة لأن ذلك مأخوذ من كتاب الله تعالى في الحقيقة لأن الله تعالى أوجب علينا اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غير موضع من القرآن وفرض علينا الأخذ بقوله دون من عداه ولهذا نهى عن التقليد وجميع السنة شرح للقرآن وتفسير للفرقان.
قال الشافعي مرة بمكة المكرمة: سلوني عما شئتم أخبركم عنه من كتاب الله.
فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور.
فقال: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ثم روى عن حذيفة بن اليمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنده أنه قال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" ثم روى عن عمر بن الخطاب أنه أمر بقتل المحرم الزنبور ومثل ذلك حكاية ابن مسعود في لعن الواشمات وغيرهن واستدلاله بالآية الكريمة المذكورة وهي معروفة رواها البخاري.
ونحوه حكاية المرأة التي كانت لا تتكلم إلا بالقرآن وهي:
أنها قال عبد الله بن المبارك: خرجت قاصدا بيت الله الحرام وزيارة مسجد النبي - عليه الصلاة والسلام - فبينما أنا سائر في الطريق وإذا بسواد فمررت به وإذا هي عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقالت: {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} فقلت لها يرحمك الله تعالى ما تصنعين في هذا المكان؟
فقالت: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} فقلت: أنها ضالة عن الطريق فقلت: أين تريدين؟
فقالت: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} فعلمت أنها قضت حجها وتريد بيت المقدس فقلت: أنت مذ كم في هذا المكان؟
فقالت: ثلاث ليال سويا فقلت أما أرفعك طعاما.
فقالت: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فقلت لها ليس هذا شهر رمضان.
فقالت: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} فقلت لها قد أبيح لنا الإفطار في السفر.
فقالت: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فقلت لها لم لا تكلميني مثل ما أكلمك به فقالت: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} فقلت لها: من أي الناس أنت؟
فقالت: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} فقلت لها: قد أخطأت فاجعلني في حل. فقالت: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم قلت لها: هل لك أن أحملك على ناقتي وتلحقي القافلة؟
قالت: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} فأنخت مطيتي لها.
فقالت: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} فغضضت بصري عنها فقلت: اركبي فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة بها ومزقت ثيابها.
فقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فقلت لها: اصبري حتى أعقلها.
فقالت: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} فشددت لها الناقة وقلت لها: اركبي فلما ركبت قالت: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسعى وأصيح طربا.
فقالت لي: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} فجعلت أمشي وأترنم بالشعر.
فقالت: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} فقلت: ليس هو بحرام.
قالت: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} فطرقت عنها ساعة فقلت لها: هل لك ربع؟
قالت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فسكت عنها ولم أكملها حتى أدركت بها القافلة فقلت: لها هذه القافلة فمن لك فيها؟
فقالت: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فعلمت أن لها أولادا ومالا فقلت لها: ما شأنهم في الحاج؟
قالت: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} فعلمت أنهم أدلاء الركب فقصدت بي القبابات والعمارات فقلت: من لك فيها؟
فقالت: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} فناديت: يا إبراهيم يا موسى يا يحيى فجاءوني بالتلبية فإذا هم شبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا فلما استقر بهم الجلوس قالت لهم: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} فقام أحدهم فاشترى طعاما فقدموه بين يدي وقالت:
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} فقلت لهم: طعامكم هذا علي حرام حتى تخبروني بامرأتكم هذه فقالوا: هذه لها أربعون سنة ما تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل في كلامها فيسخط الله عليها - فسبحان الله القادر على كل شيء -. انتهت الحكاية1 وهي تدل على أن القرآن الكريم فيه كل شيء.
قال بعض السلف: ما من شيء إلا ويمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله حتى أن بعضهم استنبط عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا وستين سنة من قوله تعالى في سورة المنافقين: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} فإنها رأس ثلاث وستين وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده.
قال المرسي: جمع القرآن وعلوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم به ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلا ما استأثر به سبحانه ثم ورث عنه معظم ذلك سادة الصحابة وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله ثم ورث عنهم التابعون بإحسان ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم وتقال أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه فنوعوا علمه وقامت كل طائفة بفن من فنونه فاعتزم قوم بضبط لغاته وتحرير كلماته ومعرفة مخارج حروفه وعدد كلماته وآياته وسوره وأجزائه وأنصافه وأرباعه وعدد سجداته والتعليم عند كل عشر آيات إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهات والآيات المتماثلات من غير تعرض لمعانيه ولا تدبر لما أودع فيه فسموا: القراء.
واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال والحروف العاملة وغيرها وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها وضروب الأفعال واللازم والمتعدي ورسوم خط الكلمات وجميع ما يتعلق به حتى إن بعضهم أعرب مشكله وبعضهم أعربه كلمة كلمة.
واعتنى المفسرون بألفاظه فوجدوا منه لفظا يدل على معنى واحد ولفظا يدل على معنيين ولفظا يدل على أكثر فأجروا الأول على حكمه وأوضحوا معنى الخفي منه وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني وأعمل كل منهم فكره وقال بما اقتضاه نظره.
واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية مثل قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده وبقائه وقدمه وقدرته وعلمه وتنزيهه عما لا يليق به وسموا هذا العلم ب: أصول الدين
وتأملت طائفة منهم معاني خطابه وإن منها ما يقتضي العموم ومنها ما يقتضي الخصوص إلى غير ذلك فاستنبطوا منه أحكام اللغات من الحقيقة والمجاز وتكلموا في التخصيص والإضمار والنص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه والأمر والنهي والنسخ إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة واستصحاب الحال والاستقراء وسموا هذا الفن: أصول الفقه.
وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام فابتنوا أصوله وفروعه وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا وسموه ب: علم الفروع وب: الفقه أيضاً.
وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السابقة والأمم الخالية ونقلوا أخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا أول الأشياء حتى سموا ذلك بالتاريخ والقصص.
وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي ترقق قلوب الرجال وتكاد تدكدك شوامخ الجبال فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد والتحذير والتبشير وذكر الموت والمعاد والنشر والحشر والحساب والعقاب والجنة والنار فصولا من المواعظ وأصولا من الزواجر فسموا بذلك: الخطباء والوعاظ.
واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان وفي منامي صاحبي السجن وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة وسموه: تعبير الرؤيا
واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب فإن عز عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب فإن عسر فمن الحكم والأمثال.
ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطبتهم وعرف عادمهم الذي أشار إليه القرآن بقوله: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} .
وأخذ قوم مما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك: علم الفرائض واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العول1 واستخرجوا منها أحكام الوصايا. ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالة على الحكم الباهرة في الليل والنهار والشمس والقمر ومنازله والنجوم والبروج غير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت.
ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جلالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق والمبادئ والمقاطع والمخالص والتلوين في الخطاب والإطناب والإيجاز وغير ذلك فاستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع.
ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق جعلوا لها أعلاما اصطلحوا عليها من الفناء والبقاء والحضور والخوف والهيبة والأنس والوحشة والقبض والبسط وما أشبه ذلك.
هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه وقد احتوى على علوم أخر مثل: الطب والجلد والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك.
أما الطب: فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة وغير ذلك وإنما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاطه وحدوث الشفاء للبدن بعد إعلاله في قوله: {شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} ثم زاد على طب الأجساد بطب القلوب: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} .
وأما الهيئة: ففي تضاعيف سور من الآيات التي ذكر فيها من ملكوت السموات والأرض وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات.
وأما الهندسة: ففي قوله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} فإن فيه القاعدة الهندسية وهي: أن الشكل المثلث لا ظل له.
وأما الجدل: فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج والقول بالموجب والمعارضة وغير ذلك شيئا كثيرا ومناظرة إبراهيم أصل في ذلك عظيم.
وأما الجبر والمقابلة: فقد قيل: أن أوائل السور فيها ذكر مدد أعوام وأيام وتواريخ أمم سابقة وإن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة وتاريخ هذه الدنيا وما مضى وما بقي مضروب بعضها في بعض.
وأما النجامة: ففي قوله: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} فقد فسره ابن عباس بذلك وفيه أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها فمن الصنائع: الخياطة في قوله: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} والحدادة في قوله: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} وقوله: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} والبناء في آيات
والنجارة: {أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} .
والغزل: {َقَضَتْ غَزْلَهَا} .
والنسج: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} .
والفلاحة: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} وفي آيات أخر.
والصيد في آيات.
والغوص: {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً} .
والصياغة: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً} . والزجاجة: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} و: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} .
والفخارة: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} .
والملاحة: {أَمَّا السَّفِينَةُ} الآية.
والكتابة: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} وفي آيات أخر.
والخبز والعجن: {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً} .
والطبخ: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} .
والغسل والقصارة: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} و {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} وهم القصارون.
والجزارة: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} والبيع والشراء في آيات كثيرة.
والصبغ {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} و {بِيضٌ وَحُمْرٌ} .
والحجارة: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً} والكيالة والوزن في آيات كثيرة.
والرمي: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} .
وفيه من أسماء الآلات وضرب المأكولات والمشروبات والمنكوحات وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله: ما فرطنا في الكتاب من شيء. انتهى كلام المرسي ملخصا مع زيادات.
قال السيوطي في: الإكليل: وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسئلة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها وفيه علم عجائب المخلوقات وملكوت السموات والأرض وما في الأفق الأعلى وتحت الثرى وبدء الخلق وأسماء مشاهير الرسل والملائكة وعيون أخبار الأمم السابقة: كقصة آدم مع إبليس في إخراجه من الجنة.
وفي الولد الذي سماه عبد الحارث ورفع إدريس وغرق قوم نوح.
وقصة عاد الأولى والثانية وقوم تبع ويونس وأصحاب الرس وثمود والناقة وقوم لوط وقوم شعيب الأولين والآخرين فإنه أرسل مرتين وقصة موسى في ولادته وإلقائه في اليم وقتله القبطي ومسيره إلى مدين وتزوجه ابنة شعيب وكلامه تعالى بجانب الطور ومجيئه إلى فرعون وخروجه وإغراق عدوه وقصة العجل والقوم الذين خرج بهم وأخذتهم الصاعقة وقصة القتيل وذبح البقرة وقصته في قتل الجبارين وقصته مع الخضر والقوم ساروا في سرب من الأرض إلى الصين وقصة طالوت وداود مع جالوت وفتنته وقصة سليمان وخبره مع ملكة سبأ وفتنته وقصة القوم الذي خرجوا فرارا من الطاعون فأماتهم الله ثم أحياهم وقصة إبراهيم في مجادلة قومه ومناظرة نمرود وقصة وضعه ابنه إسماعيل مع أمه بمكة وبنائه البيت وقصة الذبيح وقصة يوسف وما أبسطها وأحسنها قصصا وقصة مريم وولادتها عيسى وإرساله ورفعه وقصة زكريا وابنه يحيى وقصة أيوب وذي الكفل وقصة ذي القرنين ومسيره إلى مطلع الشمس ومغربها وبناء السد وقصة أهل الكهف وقصة أصحاب الرقيم وقصة بخت نصر وقصة الرجلين اللذين لأحدهما الجنة وقصة أصحاب الجنة وقصة مؤمن آل يس وقصة أصحاب الفيل وقصة الجبار الذي أراد أن يصعد إلى السماء. انتهى.
وبقيت قصص لم يشر إليها السيوطي منها: قصة قتل قابيل أخاه هابيل وقصة دفن هابيل بدلالة الغراب وقصة وصية يعقوب بنيه إلى غير ذلك قال: وفيه من شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوة إبراهيم وبشارة عيسى وبعثه وهجرته.
ومن غزواته: غزوة بدر في سورة الأنفال وأحد في آل عمران وبدر الصغرى فيها والخندق في الأحزاب والنضير في الحشر والحديبية في الفتح وتبوك في براءة وحجة الوداع في المائدة.
ونكاحة زينب بنت جحش وتحريم سرية وتظاهر أزواجه عليه وقصة الإفك وقصة الإسراء وانشقاق القمر وسحر اليهود.
وفيه بدء خلق الإنسان إلى موته وكيفية الموت وقبض الروح وما يفعل بها بعد عودها إلى السماء وفتح الباب للمؤمنة وإلقاء الكافرة وعذاب القبر والسؤال فيه ومقر الأرواح وأشراط الساعة الكبرى العشرة وهي: نزول عيسى وخروج الدجال ويأجوج ومأجوج والدابة والدخان ورفع القرآن وطلوع الشمس من مغربها وغلق باب التوبة والخسف وأحوال البعث: من نفخ الصور للفزع وللصعق وللقيام والحشر والنشر وأهوال الموقف وشدة الشمس وظل العرش والصراط والميزان والحوض والحساب لقوم ونجاه آخرين.
ومنه: شهادة الأعضاء وإيتاء الكتب بالأيمان والشمائل وخلف الظهر والشفاعة أي بالإذن. والجنة1 وأبوابها وما فيها من الأنهار والأشجار والثمار والحلي والأواني والدرجات ورؤية الله تعالى.
والنار2 وما فيها من الأودية وأنواع العقاب وأصناف العذاب والزقوم والحميم إلى غير ذلك مما لو بسط لجاء في مجلدات
وفي القرآن جميع أسمائه تعالى الحسنى كما ورد في الحديث وفيه من أسمائه مطلقا ألف اسم
وفيه: من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة أي سبعون اسما ذكرها السيوطي في آخر: الإكليل.
وفيه: شعب الإيمان البضع والسبعون.
وفيه: شرائع الإسلام الثلاثمائة وخمسة عشر وفيه: أنواع الكبائر وكثير من الصغائر وفيه تصديق كل حديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال الحسن البصري: أنزل الله مائة وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها: التوارة والإنجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان ثم أودع علوم الفرقان المفصل ثم أودع علوم الفصل فاتحة الكتاب فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة. أخرجه البيهقي.
قلت: ولذلك كانت قراءتها في كل ركعة من الصلاة وإن كان مأموما واجبة عند أهل المعرفة بالحق وكانت السبع المثاني والقرآن العظيم وقد وردت أحاديث كثيرة في فضلها ما خلا ما صرح بوضعها أهل النقد من علم الحديث وقد فسرها جماعة من أهل العلم مفردة بالتأليف وأبسطوا القول فيها وأجملوا واستنبط الفخر الرازي الإمام منها عشرة آلاف مسئلة كما صرح بذلك في أول: تفسيره الكبير وكل ذلك يدل على عظم مرتبة الكتاب العزيز ورفعة شأن الفرقان الكريم قال الشافعي - رحمه الله -: جميع ما تقول الأئمة شرح للسنة وجميع السنة شرح للقرآن.
قلت: ولذا كان الحديث والقرآن أصلي الشرع لا ثالث لهما وقول الأصوليين أن أدلة الشرع وأصوله أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس تسامح ظاهر كيف وهما كفيلان لحكم كل ما حدث في العالم ويحدث فيه إلى يوم القيامة دلت على ذلك آيات من الكتاب العزيز وآثار من السنة المطهرة وإلى ذلك ذهب أهل الظاهر وهم الذين قال فيهم رسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" الحديث قال بعض السلف: ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء إلا وهو في القرآن أو فيه أصله قرب أو بعد فهم من فهم وعمي منه من عمي وكذا كل ما حكم أو قضى به. انتهى.
فإذا كانت السنة شرحا للكتاب فماذا يقال من فضل الكتاب نفسه وكفى له شرفا أنه كلام ربنا الخلاق الرزاق المنعم بلا استحقاق أنزله حكما عدلا جامعا للعلوم والفضائل كلها والفنون بأسرها والفواضل والمحاسن والمكارم والمحامد والمناقب والمراتب بقلها وكثرها لا يساويه كتاب ولا يوازيه خطاب وهذه جملة القول فيه.
وقد أكثر الناس التصنيف في أنواع علوم القرآن وتفاسيرها وألف الشيخ الحافظ جلال الدين السيوطي - رحمه الله - في جملة من أنواعه: كأسباب النزول والمعرب والمبهمات ومواطن الورود وغير ذلك وما من كتاب منها إلا وقد فاق الكتب المؤلفة في نوعه ببديع اختصاره وحسن تحريره وكثرة جمعه.
وقد أفرد الناس في أحكامه كتبا: كالقاضي إسماعيل والبكر بن العلاء وأبي بكر الرزاي والكيا الهراسي وأبي بكر بن العربي وابن الفرس والموزعي وغيرهم وكل منهم أفاد وأجاد وجمع فأبدع وأوعى.
وللسيوطي في ذلك كتاب: الإكليل في استنباط التنزيل أورد فيه كل ما استنبط منه واستدل به عليه من مسئلة فقهية أو أصولية أو اعتقادية فاشدد بذلك الكتاب يديك وعض عليه بناجذيك.
وألفت أنا في الأحكام خاصة كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام وبالجملة فعلوم الكتاب لا تحصى وتفاسيره لا تستقصى وفنونه لا تتناهى وبركاته لا تقف عند حد وأنواره لا ترسم برسم ولا تحد بحد.
وإذا تقرر ذلك عرفت أن العلوم التي ذكرناها في هذا الكتاب كلها موجودة في ذلك الكتاب دلالة وإشارة منطوقا أو مفهوما مفسرا أو مجملا ولا يعرفها إلا من رسخ قدمه في الكمال وسبح فهمه في بحار العلم بالتفصيل والإجمال والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

علم الحكمة

علم الحكمة
هو علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية وموضوعه الأشياء الموجودة في الأعيان والأذهان.
وعرفه بعض المحققين بأحوال أعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية عني بذل جهده الإنساني بتمامه في أن يكون بحثه مطابقا لنفس الأمر فدخلت في التعريف المسائل المخالفة لنفس الأمر المبذولة الجهد بتمامه في تطبيقها على نفس الأمر
فيكون موضوعه الأعيان الموجودة وفوائد قيود هذه الحدود مذكورة في كشاف اصطلاحات الفنون بما لها وعليها.
وغايته هي التشريف بالكمالات في العاجل والفوز بالسعادة الأخروية في الآجل.
وتلك الأعيان إما الأفعال والأعمال التي وجودها بقدرتنا اختيارنا أولا فالعلم بأحوال الأول من حيث يؤدي إلى إصلاح المعاش والمعاد يسمى حكمة عملية لأن غايتها ابتداء الأعمال التي لقدرتنا مدخل فيها فنسبت إلى الغاية الابتدائية.
والعلم بأحوال الثاني يسمى حكمة نظرية لأن المقصود منها حصل بالنظر وهو الإدراكات التصورية والتصديقية المتعلقة بالأمور التي لا مدخل لقدرتنا واختيارنا فيها ولا يرد أن الحكمة العملية أيضا منسوبة إلى النظر لأن النظر ليس غايتها ولأن وجه التسمية لا يلزم اطراده وذكر الحركة والسكون والمكان في الحكمة الطبيعية بناء على كونها من أحوال الجسم الطبيعي الذي ليس وجوده بقدرتنا وإن كانت تلك مقدورة لنا.
وكل منهما ثلاثة أقسام:
أما العلمية فلأنها أمام علم بمصالح شخص بانفراده ويسمى تهذيب الأخلاق وقد ذكر في علم الأخلاق ويسمى الحكمة الخلقية وفائدتها تنقيح الطبائع بأن تعلم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكي بها النفس وإن تعلم الرذائل وكيفية توقيها لتطهر عنها النفس.
وأما علم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل كالوالد والولد والمالك والمملولك ونحو ذلك ويسمى تدبير المنزل والحكمة المنزلية وقد سبق في التاء. وأما علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة ويسمى: السياسة المدنية وسيأتي في السين.
وفائدتها: أن تعلم كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان كما أن فائدة تدبير المنزل أن تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التي تهم بين زوج وزوجة ومالك ومملوك ووالد ومولود وفائدة هذه الحكمة عامة شاملة لجميع أقسام الحكمة العملية ثم مبادئ هذه الثلاثة من جهة الشريعة وبها تتبين كمالات حدودها أي بعض هذه الأمور معلومة من صاحب الشرع على ما يدل عليه تقسيمهم الحكمة المدنية إلى ما يتعلق بالسلك والسلطنة إذ ليس العلم بهما من عند صاحب الشرع كذا ذكر السيد السند في حواشي شرح حكمة العين.
وأما النظرية فلأنها إما علم بأحوال مالا يفتقر في الوجود الخارجي والتعقل إلى المادة كالإله وهو العلم الإلهي وقد سبق في الألف.
وأما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي دون التعقل كالكرة وهو العلم الأوسط يسمى بالرياضي والتعليمي وسيأتي في الراء.
وأما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي والعقل كالإنسان وهو العلم الأدنى ويسمى بالطبيعي وسيأتي في الطاء.
وجعل بعضهم ما لا يفتقر إلى المادة أصلا قسمين ما لا يقارنها مطلقا كالإله والعقول وما يقارنها لكن لا على وجه الافتقار كالوحدة والكثرة وسائر الأمور العامة فيسمى العلم بأحوال الأول: علما إلهيا والعلم بأحوال الثاني: علما كليا وفلسفة أولى.
واختلفوا في أن المنطق من الحكمة أم لا؟ فمن فسرها بما يخرج النفس إلى كمالها الممكن في جانبي العلم والعمل جعله منها بل جعل العمل أيضا منها وكذا من ترك الأعيان من تعريفها جعله من أقسام الحكمة النظرية إذ لا يبحث فيه إلا عن المعقولات الثانية التي ليس وجودها بقدرتنا واختيارنا.
وأما من فسرها بأحوال الأعيان الموجودة وهو المشهور بينهم فلم يعده منها لأن موضوعه ليس من أعيان الموجودات والأمور العامة ليست بموضوعات بل محمولات تثبت بالأعيان فتدخل في التعريف.
ومن الناس من جعل الحكمة اسما لاستكمال النفس الإنسانية في قوتها النظرية أي: خروجها من القوة إلى الفعل في الإدراكات التصورية والتصديقية بحسب الطاقة البشرية.
ومنهم من جعلها اسما لاستكمال القوة النظرية بالإدراكات المذكورة واستكمال القوة العملية باكتساب الملكة التامة على الأقوال الفاضلة المتوسطة بين طرفي الإفراط والتفريط وكلام الشيخ في عيون الحكمة يشعر بالقول الأول وهو جعل الحكمة اسما للكمالات المعتبرة في القوة النظيرة فقط وذلك لأنه فسر الحكمة باستكمال النفس الإنسانية بالتصورات والتصديقات سواء كانت في الأشياء النظرية أو في الأشياء العملية فهي مفسرة عنده باكتساب هذه الإدراكات.
وأما اكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة فما جعلها جزء منها بل جعلها غاية للحكمة العملية.
وأما حكمة الإشراق فهي من العلوم الفلسفية بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية كما إن الحكمة الطبيعية والإلهية منها بمنزلة الكلام منها وبيان ذلك أن السعادة العظمى والمرتبة العليا للنفس الناطقة هي معرفة الصانع بما له من صفات الكمال والتنزه عن النقصان بما صدر عنه من الآثار والأفعال في النشأة الأولى والآخرة.
والجملة معرفة المبدأ والمعاد والطريق إلى هذه المعرفة من وجهين:
أحدهما: طريقة أهل النظر والاستدلال.
وثانيهما: طريقة أهل الرياضة والمجاهدات. والسالكون للطريقة الأولى إن التزموا ملة من ملل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم المتكلمون إلا فهم الحكماء المشاؤون والسالكون إلى الطريقة الثانية إن وافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فهم الصوفية وإلا فهم الحكماء الإشراقيون فلكل طريقة طائفتان.
وحاصل الطريقة الأولى: الاستكمال بالقوة النظرية والترقي في مراتبها الأربعة - أعني مرتبة العقل الهيولاني والعقل بالفعل والعقل بالملكة والعقل المستفاد - والأخيرة هي الغاية القصوى لكونها عبارة عن مشاهدة النظريات التي أدركتها النفس بحيث لا يغيب عنها شيء ولهذا قيل لا يوجد المستفاد لأحد في هذه الدار بل في دار القرار اللهم إلا لبعض المتجردين عن علائق البدن والمنخرطين في سلك المجردات.
وحاصل الطريقة الثانية: الاستكمال بالقوة العملية والترقي في درجاتها التي أولها: تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع والنواميس الإلهية.
وثانيها: تهذيب الباطن عن الأخلاق الذميمة
وثالثها: تحلي النفس بالصور القدسية الخالصة عن شوائب الشكوك والأوهام.
ورابعها: ملاحظة جمال الله - سبحانه وتعالى - وجلاله وقصر النظر على كماله والدرجة الثالثة من هذه القوة وإن شاركتها المرتبة الرابعة من القوة النظرية فإنها تفيض على النفس منها صور المعلومات على سبيل المشاهدة كما في العقل المستفاد إلا أنها تفارقها من وجهين:
أحدهما: إن الحاصل المستفاد لا يخلو عن الشبهات الوهمية لأن الوهم له استيلاء في طريق المباحثة بخلاف تلك الصور القدسية فإن القوى الحسية قد تسخرت هناك للقوة العقلية فلا تنازعها فيما تحكم به
وثانيهما: إن الفائض على النفس في الدرجة الثالثة قد تكون صورا كثيرة استعدت النفس بصفائها عن الكدورات وصقالتها عن أوساخ التعلقات لأن تفيض تلك الصور عليها كرات صقلت وحوذي بها ما فيه صور كثيرة فإنه يتراءى فيها ما تسع هي من تلك الصور والفائض عليها في العقل المستفاد هو العلوم التي تناسب تلك المبادئ التي رتبت معا للتأدي إلى مجهول كمرآة صقل شيء يسير منها فلا يرتسم فيها إلا شيء قليل من الأشياء المحاذية لها. ذكره ابن خلدون في المقدمة.
وأما العلوم العقلية التي هي طبيعة للإنسان من حيث أنه ذو فكر فهي غير مختصة بملة بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلهم ويستوون في مداركها ومباحثها وهي موجودة في النوع الإنساني مذ كان عمران الخليقة وتسمى هذه العلوم: علوم الفلسفة والحكمة.
وهي سبعة: المنطق وهو المقدم.
وبعده التعاليم فالأرثماطيقي أولا ثم الهندسة ثم الهيئة ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات ولكل واحد منها فروع تتفرع عنه. واعلم أن أكثر من عني بها في الأجيال الأمتان العظيمتان فارس والروم فكانت أسواق العلوم نافقة لديهم لما كان العمران موفورا فيهم والدولة والسلطان قبل الإسلام لهم وكان للكلدانيين ومن قبلهم من السريانيين والقبط عناية بالسحر والنجامة وما يتبعهما من التأثيرات والطلسمات. وأخذ عنهم الأمم من فارس ويونان ثم تتابعت الملل بحظر ذلك وتحريمه فدرست علومه إلا بقايا تناقلها المنتحلون.
وأما الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيما ولقد يقال: إن هذه العلوم إنما وصلت إلى يونان منهم حين قتل إسكندر دارا وغلب على مملكته واستولى على كتبهم وعلومهم إلا أن المسلمين لما افتتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذن في شأنها وتنقيلها للمسلمين.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أن اطرحوها في الماء فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه وإن يكن ضلالا فقد كفانا الله تعالى فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت علوم الفرس فيها.
وأما الروم: فكانت الدولة فيهم ليونان أولا وكان لهذه العلوم شأن عظيم وحملها مشاهير من رجالهم مثل أساطين الحكمة واختص فيها المشاؤون منهم أصحاب الذوق واتصل سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان الحكيم في تلميذه إلى سقراط ثم إلى تلميذه أفلاطون ثم إلى تلميذه أرسطو ثم إلى تلميذه إسكندر الأفرودوسي وكان أرسطو أرسخهم في هذه العلوم ولذلك يسمى: المعلم الأول
ولما انقرض أمر اليونانيين وصار الأمر للقياصرة وتنصروا هجروا تلك العلوم كما تقتضيه الملل والشرائع وبقيت من صحفها ودواوينها مجلدات في خزائنهم.
ثم جاء الإسلام وظهر أهله عليهم وكان ابتداء أمرهم بالغفلة عن الصنائع حتى إذا اتضح السلطان والدولة وأخذوا من الحضارة تشوقوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية بما سمعوا من الأساقفة وبما تسمو إليه أفكار الإنسان فيها فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم: أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة فبعث إليه بكتاب إقليدس وبعض كتب الطبيعيات وقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها وازدادوا حرصا على الظفر بما بقي منها
وجاء المأمون من بعد ذلك وكانت له في العلم رغبة فأوفد الرسل إلى ملك الروم في استخراج علوم اليونانيين وانتساخها بالخط العربي وبعث المترجمين لذلك فأخذ منها واستوعب وعكف عليها النظار من أهل الإسلام وحذقوا في فنونها وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها وخالفوا كثيرا من آراء المعلم الأول واختصوه بالرد والقبول ودونوا في ذلك الدواوين.
وكان من أكابرهم في الملة: أبو نصر الفارابي وأبو علي بن سينا في المشرق والقاضي أبو الوليد بن رشد والوزير أبو بكر بن الصانع بالأندلس بلغوا الغاية في هذه العلوم.
واقتصر كثير على انتحال التعاليم وما يضاف إليها من علوم النجامة والسحر والطلسمات ووقفت الشهرة على مسلمة بن أحمد المجريطي من أهل الأندلس ثم إن المغرب والأندلس لما ركدت ريح العمران بهما وتناقصت العلوم بتناقصه اضمحل ذلك منه إلا قليلا من رسومه وبلغنا عن أهل المشرق: أن بضائع هذه العلوم لم تزل عندهم موفورة وخصوصا في عراق العجم وما وراء النهر لتوفر عمرانهم واستحكام الحضارة فيهم وكذلك يبلغنا لهذا العهد أن هذه العلوم الفلسفية ببلاد الفرنجة وما يليها من العدوة الشمالية نافقة الأسواق وإن رسومها هناك متجددة ومجالس تعليمها متعددة انتهى خلاصة ما ذكره ابن خلدون.
أقول: وكانت سوق الفلسفة والحكمة نافقة في الروم أيضا بعد الفتح الإسلامي إلى أواسط الدولة العثمانية وكان شرف الرجل في تلك الأعصار بمقدار تحصيله وإحاطته من العلوم العقلية والنقلية وكان في عصرهم فحول ممن جمع بين الحكمة والشريعة كالعلامة شمس الدين الفناري والفاضل قاضي زاده الرومي والعلامة خواجه زاده والعلامة علي القوشجي والفاضل ابن المؤيد وميرجلبي والعلامة ابن الكمال والفاضل ابن الحنائي وهو آخرهم.
ولما حل أوان الانحطاط ركدت ريح العلوم وتناقصت بسبب منع بعض المفتين عن تدريس الفلسفة وسوقه إلى درس الهداية والأكمل فاندرست العلوم بأسرها إلا قليلا من رسومه فكان المولى المذكور سببا لانقراض العلوم من الروم وذلك من جملة أمارة انحطاط الدولة كما ذكره ابن خلدون والحكم لله العلي العظيم.
ونقل في الفهرس: أنه كانت الحكمة في القديم ممنوعا منها إلا من كان من أهلها ومن علم أنه يتقبلها طبعا.
وكانت الفلاسفة تنظر في مواليد من يريد الحكمة والفلسفة فإن علمت منها أن صاحب المولد في مولده حصول ذلك استخدموه وناولوه الحكمة وإلا فلا.
وكانت الفلسفة ظاهرة في اليونانيين والروم قبل شريعة المسيح عليه السلام فلما تنصرت الروم منعوا منها وأحرقوا بعضها وخزنوا البعض إذ كانت بضد الشرائع.
ثم إن الروم عادت إلى مذهب الفلاسفة وكان السبب في ذلك أن جوليانوس بن قسطنطين وزر له تامسطيوس مفسر كتب أرسطاطاليس.
ثم قتل جوليانوس في حرب الفرس ثم عادت النصرانية إلى حالها وعاد المنع أيضا وكانت الفرس نقلت في القديم شيئا من كتب المنطق والطب إلى اللغة الفارسية فنقل ذلك إلى العربي عبد الله بن المقفع وغيره وكان خالد بن يزيد بن معاوية يسمى: حكيم آل مروان فاضلا في نفسه له همة ومحبة للعلوم خطر بباله الصنعة فأحضر جماعة من الفلاسفة فأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اليوناني إلى العربي وهذا أول نقل كان في الإسلام.
ثم إن المأمون رأى في منامه رجلا حسن الشمائل فقال: من أنت؟ فقال: أرسطاطاليس فسأل عن الحسن فقال: ما حسن في العقل ثم ماذا؟ فقال: فما حسن في الشرع فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب وكان بينه وبين ملك الروم مراسلات وقد استظهر عليه المأمون فكتب إليه يسأله إنفاد ما يختار من الكتب القديمة المخزونة بالروم فأجاب إلى ذلك بعد امتناع فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم: الحجاج بن مطر وابن البطريق وسلما صاحب بيت الحكمة فأخذوا ما اختاروا وحملوا إليه فأمرهم بنقله فنقل.
وكان يوحنا بن مأسويه ممن ينفد إلى الروم وكان محمد وأحمد والحسن بنو شاكر المنجم ممن عني بإخراج الكتب وكان قسطا بن لوقا البعلبكي قد حمل معه شيئا فنقل له.
وأول من تكلم في الفلسفة على زعم فرفوريوس الصوري في تاريخه السرياني سبعة أولهم: ثاليس. قال آخرون: قوتاغورس وهو أول من سمى الفلسفة بهذا الاسم وله رسائل تعرف بالذهبيات لأن جالينوس كان يكتبها بالذهب.
ثم تكلم على الفلسفة سقراط من مدينة أيتنه بلد الحكمة.
ومن أصحاب سقراط أفلاطون كان من أشراف يونان وكان في قديم أمره يميل إلى الشعر فأخذ منه بحظ عظيم ثم حضر مجلس سقراط فرآه يسب الشعراء فتركه ثم انتقل إلى قول فيثاغورس في الأشياء المعقولة وعنه أخذ أرسطاطاليس وألف كتبا وترتيب كتبه هكذا: المنطقيات الطبيعيات الإلهيات الخلقيات.
أما المنطقية فهي ثمان كتب قاطيغورياس معناه: المقالات نقله حنين وفسره فرفوريوس والفارابي.
ياريمنياس: معناه العبارة نقله حنين إلى السريانية وإسحاق إلى العربي وفسره الكندي.
أنالوطيقا معناه: تحليل القياس نقله تيودورس إلى العربي وفسره الكندي.
أنورطيقا ومعناه: البرهان نقله إسحاق إلى السرياني ونقل متى نقل إسحاق إلى العربي وشرحه الفارابي.
طوبيقا ومعناه: الجدل نقله إسحاق إلى السرياني ونقل يحيى هذا النقل إلى العربي وفسره الفارابي.
سوفسطيقا ومعناه: المغالطة والحكمة المموهة نقله ابن ناعمة إلى السرياني ونقله يحيى بن عدي إلى العربي من السرياني وفسره الكندي.
ريطوريقا معناه: الخطابة قيل: إن إسحاق نقله إلى العربية وفسره الفارابي.
أنوطيقا معناه: الشعر نقله متى من السرياني إلى العربي.
وأما الطبيعيات والإلهيات ففيهما كتاب السماع الطبيعي بتفسير الإسكندر وهو ثمان مقالات فوجد تفسير مقالة بجماعة.
وكتاب السماء والعالم وهو أربع مقالات نقله متى وشرح الأفرودات.
وكتاب الكون والفساد نقله حنين إلى السرياني وإسحاق إلى العربي.
وكتاب الأخلاق فسره فرفوريوس.
أسماء النقلة اصطفن القديم نقل لخالد بن يزيد كتب الصنعة وغيرها.
والبطريق كان في أيام المنصور ونقل أشياء بأمره.
وابن يحيى الحجاج بن مطر وهو الذي نقل المجسطي وإقليدس للمأمون.
وابن ناعمة عبد المسيح الحمصي وسلام الأبرش من النقلة القدماء في أيام البرامكة.
وحسين بن بهريق فسر المأمون عدة كتب وهلال بن أبي هلال الحمصي وابن آوى وأبو نوح بن الصلت وابن رابطة وعيسى بن نوح وقسطا بن لوقا البعلبكي جيد النقل وحنين وإسحاق وثابت وإبراهيم بن الصلت ويحيى بن عدي وابن المقفع نقل من الفارسية إلى العربية وكذا موسى ويوسف ابنا خالد والحسن ابن سهل والبلاذري وكنكه الهندي نقل من الهندية إلى العربية وابن وحشية نقل من النبطية إلى العربية.
وذكر الشهرستاني في الملل والنحل: إن فلاسفة الإسلام الذين فسروا ونقلوا كتبها من اليونانية إلى العربية وأكثرهم على رأي أرسطو منهم: حنين وأبو الفرج وأبو سليمان السنجري ويحيى النحوي ويعقوب بن إسحاق الكندي وأبو سليمان محمد ابن بكير المقدسي وثابت بن قرة الحراني وأبوتمام يوسف بن محمد النيسابوري وأبو زيد أحمد بن سهل البلخي وأبو الحارث حسن بن سهل القمي وأبو حامد بن محمد الإسفرائني وأبو زكريا يحيى الصيمري وأبو نصر الفارابي وطلحة النسفي وأبو الحسن العامري وابن سينا.
وفي حاشية المطالع لمولانا لطفي أن المأمون جمع مترجمي مملكته كحنين بن إسحاق وثابت بن قرة وترجموها بتراجم متخالفة مخلوطة غير ملخصة ومحررة لا توافق ترجمة أحدهم للآخر فبقيت تلك التراجم هكذا غير محررة بل أشرف إن عفت رسومها إلى زمن الحكيم الفارابي.
ثم إنه التمس منه ملك زمانه مصور بن نوح الساماني أن يجمع تلك التراجم ويجعل من بينها ترجمة ملخصة محررة مهذبة مطابقة لما عليه الحكمة فأجاب الفارابي وفعل كما أراد وسمى كتابه بالتعليم الثاني فلذلك لقب: بالمعلم الثاني.
وكان هذا في خزانة المنصور إلى زمان السلطان مسعود من أحفاد منصور كما هو مسودا بخط الفارابي غير مخرج إلى البياض إذ الفارابي غير ملتفت إلى جمع تصانيفه وكان الغالب عليه السياحة على زي القلندرية وكانت تلك الخزانة بأصفهان وتسمى: صوان الحكمة.
وكان الشيخ أبو علي بن سينا وزير المسعود وتقرب إليه بسبب الطب حتى استورده وسلم إليه خزانة الكتب فأخذ الشيخ الحكمة من هذه الكتب ووجد فيما بينها التعليم الثاني ولخص منه كتاب الشفاء.
ثم إن الخزانة أصابها آفة فاحترقت تلك الكتب فاتهم أبو علي بأنه أخذ من تلك الخزانة الحكمة ومصنفاته ثم أحرقها لئلا ينتشر بين الناس ولا يطلع عليه فإنه بهتان وإفك لأن الشيخ مقر لأخذه الحكمة من تلك الخزانة كما صرح في بعض رسائله.
وأيضا يفهم في كثير من مواضع الشفاء أنه تلخيص التعليم الثاني انتهى إلى هنا خلاصة ما ذكروه في أحوال العلوم العقلية وكتبها ونقلها إلى العربية والتفصيل في تاريخ الحكماء.
ثم إن الإسلاميين لما رأوا في العلوم الحكمية ما يخالف الشرع الشريف صنفوا فنا للعقائد واشتهر بعلم الكلام
لكن المتأخرين من المحققين أخذوا من الفلسفة ما لا يخالف الشرع وخلطوا به الكلام لشدة الاحتياج إليه كما قال العلامة سعد الدين في شرح المقاصد فصار كلامهم حكمة إسلامية ولم يبالوا برد المتعصبين وإنكارهم على خلطهم لأن المرء مجبول على عداوة ما جهله
لكنهم لما لم يكن أخذهم وخلطهم على طريق النقل والاستفادة بل على سبيل الرد والاعتراض والنقص والإبرام في كثير من الأمور الطبيعية والفلكية والعنصرية. قام أشخاص من الإسلاميين كالنصير وابن رشد ومن غير الإسلاميين وانتصبوا في ردهم وتزييفهم فصار فن الكلام كالحكمة في النقض وتزييف الدلائل كما قال الفاضل القاضي مير حسين الميبذي في آخر رسالته المعرفة بجام كيتي نما: فاللائق بحال الطالب أن ينظر في كلام الفريقيين وكلام أهل المتصوف ويستفيد من كل منهما ولا ينكر إذ الإنكار سبب البعد عن الشيء كما قال الشيخ في آخر الإشارات.
وأما الكتب المصنفة في الحكمة الطبيعية والإلهية والرياضية فأكثرها ليس بإسلامي بل يوناني ولاتيني، لأن معظم الكتب بقي في بلادهم ولم ينقل إلى العربي إلا الشاذ النادر وما نقل لم يبق على أصل معناه لكثرة التحريفات في خلال التراجم كما هو أمر مقرر في نقل الكتب من لسان إلى لسان.
وقد اختبرنا وحققنا ذلك حين الاشتغال بنقل كتاب أطلس وغيره من لغة لاتن إلى اللغة التركية فوجدناه كذلك ولم نر أعظم كتابا من الشفا في هذا الفن مع أنه شيء يسير بالنسبة إلى ما صنف أهل أقاديميا التي في بلاد أورفا ثم إن بعض المحققين أخذ طرفا من كتب الشيخ كالشفا والنجاة والإشارات وعيون الحكمة وغيرها وجعل مقدمة ومدخلا للعلوم العقلية كالهداية لأثير الدين الأبهري وعين القواعد للكابر القزويني فصار قصارى همم أهل زماننا الاكتفاء بشيء من قراءة الهداية ولو تجرد بعض المشتغلين وسعى إلى مذاكرة حكمة العين لكان ذلك أقصى الغاية فيما بينهم وقليل ما هم. انتهى ما في كشف الظنون.

علم الحيوان

علم الحيوان
هو: علم باحث عن أحوال خواص أنواع الحيوانات وعجائبها ومنافعها ومضارها.
وموضوعه: جنس الحيوان البري والبحري والماشي والزاحف والطائر وغير ذلك.
والغرض منه: التداوي والانتفاع بالحيوانات والاجتناب عن مضارها والوقوف على عجائب أحوالها وغرائب أفعالها
مثلاً: في غرب الأندلس حيوان لو أكل الإنسان أعلاه أعطي بالخاصية علم النجوم وإذا أكل وسطه أعطي علم النبات وإذا أكل عجزه - وهو ما يلي ذنبه - أعطي علم المياه المغيبة في الأرض فيعرف إذا أتى أرضا لا ماء فيها على كم ذراع يكون الماء فيها.
وفيه كتب قديمة وإسلامية منها كتاب الحيوان لديموقراس ذكر فيه طبائعه ومنافعه وكتاب الحيوان لأرسطاطاليس تسع عشرة مقالة نقله ابن البطريق من اليوناني إلى العربي وقد يوجد سريانيا نقلا قديما أجود من العربي ولأرسطو أيضا كتاب في نعت الحيوان الغير الناطق وما فيه من المنافع والمضار وكتاب الحيوان لأبي عثمان عمرو ابن بحر الجاحظ البصري المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين وهو كبير أوله جنبك الله تعالى الشبهة وعصمك من الحيرة.... الخ.
قال الصفدي: ومن وقف على كتابه هذا وغالب تصانيفه ورأى فيها الاستطرادات التي استطردها والانتقالات التي ينتقل إليها والجهالات التي يعترض بها في غصون كلامه بأدنى ملابسه علم ما يلزم الأديب وما يتعين عليه من مشاركة المعارف.
أقول: ما ذكره الصفدي من إسناد الجهالات إليه صحيح واقع فيما يرجع إلى الأمور الطبيعية فإن الجاحظ من شيوخ الفصاحة والبلاغة لا من أهل هذا الفن ومختصر حيوان الجاحظ لأبي القاسم هبة الله بن القاضي الرشيد جعفر المتوفى سنة ثمان وستمائة. وكتاب حياة الحيوان للشيخ كمال الدين محمد بن عيسى الدميري الشافعي المتوفى سنة ثمان وثمانمائة وهو كتاب مشهور في هذا الفن جامع بين الغث والسمين لأن المصنف فقيه فاضل محقق في العلوم الدينية لكنه ليس من أهل هذا الفن كالجاحظ وإنما مقصده تصحيح الألفاظ وتفسير الأسماء المبهمة كما أشار إليه في أول كتابه هذا وذكر أنه جمعه من خمسمائة وستين كتاب أو مائة وتسعة وتسعين ديوانا من دواوين شعراء العرب وجعله نسختين صغرى وكبرى في كبيراه زيادة التاريخ وتعبير الرؤيا وله مختصرات ذكرها في كشف الظنون.
وعبارة مدينة العلوم: وقد صنف فيه كمال الدين الدميري تصنيفا حسنا مطولا ومختصرا ورأيت مختصرا يسمى بخواص الحيوان وهو كاف في هذا الباب إلا أني لم أعرف مصنفه انتهى.
قلت: وقد طبع كتاب حياة الحيوان الكبرى بمصر القاهرة ولهذا الزمان وعم نفعه في البلاد. 

علم دعوة الكواكب

علم دعوة الكواكب
قال في مدينة العلوم: كما أن استحضار الجن وبعض الملائكة ممكن فكذلك يمكن تسخير روحانية الكواكب سيما السبعة السيارة فيتوصل بذلك إلى المقاصد المهمة. من قتل الأعداء وإحضار المال والغائب وأمثال ذلك فيستحضرها متى شاء بعد الدعوة بلا تكلف ومشقة.
حكي أن ملكا كان مشتغلا بدعوة زحل وكان أصحابه يلومونه في ذلك وفي بعض الأيام عرض له عدو وكان ذلك العدو ملكا عظيما أعجزه دفعه بالمحاربة فاشتغل ذلك الملك بدعوة زحل فإذا نزل من السماء شيء فخاف أهل المجلس عنه فتفرقوا فدعاهم الملك وأحضروا عنده فرأوا ظروفا من نحاس مثلث الشكل وفيه رأس الملك الذي خاصمه مقطوعا ففرحوا بذلك
وهرب العسكر ونصر الملك بروحانية زحل وقال أنتم سفهتموني باشتغالي بالدعوة وهذا نفعه الأدنى فاعتقدوا الدعوة كلهم.
وأما كون الظرف من النحاس وكونه مثلثا فلاقتضاء طبيعة زحل ذلك المعدن وذلك الشكل.
واعلم أن دعوة الكواكب كانت مما اشتغل فيها الصابئة فبعث عليهم إبراهيم عليه السلام مبطلا لمقالتهم ورادا عليهم وإذا جاء نهر الله بطل نهر العقل انتهى.
قلت: وليست هذه الدعوة بعد ما نزل شرع نبينا - صلى الله عليه وسلم - في شيء من أمر الدين بل هو شرك بحت وكفر محض أعاذنا الله وإخواننا المسلمين عن أمثال هذه العلوم.

علم الظاهر والباطن

علم الظاهر والباطن
أما الظاهر فهو علم الشرع وقد تقدم.
وأما الباطن فيقال له: علم الطريقة وعلم التصوف وعلم السلوك وعلم الأسرار وقد تقدم أيضا ولا حاجة لنا إلى الإعادة ولكن نتحفك هنا بفائدة جديدة وعائدة سديدة اشتملت على حكم هذا العلم.
قال شيخنا الإمام العلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني رضي الله عنه وأرضاه في الفتح الرباني ولفظه: اعلم أن معنى التصوف المحمود يعني: علم الباطن هو الزهد في الدنيا حتى يستوي عنده ذهبها وترابها.
ثم الزهد فيما يصدر عن الناس من المدح والذم حتى يستوي عنده مدحهم وذمهم.
ثم الاشتغال بذكر الله وبالعبادة المقربة إليه فمن كان هكذا فهو الصوفي حقا وعند ذاك يكون من أطباء القلوب فيداويها بما يمحو عنها الطواغيت الباطنية من الكبر والحسد والعجب والرياء وأمثال هذه الغرائز الشيطانية التي هي أخطر المعاصي أقبح الذنوب ثم يفتح الله له أبوابا كان عنها محجوبا كغيره لكنه لما أماط عن ظاهره وباطنه في غشاوة صار حينئذ صافيا عن شوب الكدر مطهرا عن دنس الذنوب فيبصر ويسمع ويفهم بحواس لا يحجبها عن حقائق الحق حاجب ولا يحول بينها وبين درك الصواب حائل ويدل على ذلك أتم دلالة وأعظم برهان ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزته بالمحاربة" وفي رواية: "فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه".
ومعلوم أن من كان يبصر بالله سبحانه ويسمع به ويبطش به ويمشي به له حال يخالف حال من لم يكن كذلك لأنها تنكشف له الأمور كما هي وهذا هو سبب ما يحكى عنهم من المكاشفة لأنه قد ارتفع عنهم حجب الذنوب وذهب عنهم أدران المعاصي وغيرهم من لا يبصر ولا يسمعه به ولا يبطش به ولا يمشي به لا يدرك من ذلك شيئا بل هو محجوب عن الحقائق غير مهتد إلى مستقيم الطريق كما قال الشاعر:
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ... سواها وما طهرتها بالمدامع
وتلتذ منها بالحديث وقد جرى ... حديث سواها في خروق المسامع
أجلك يا ليلى عن العين إنما ... أراك بقلب خاشع لك خاضع
وأما من صفا عن الكدر وسمع وأبصر فهو كما قال الآخر:
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه ... من المسك كافورا وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هندا عشية ... تمشت وجوت في جوانبه بردا
ومما يدل على هذا المعنى الذي أفاده حديث أبي هريرة حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله" وهو حديث صححه الترمذي فإنه أفاد أن المؤمنين من عباد الله يبصرون بنور الله سبحانه وهو معنى ما في الحديث الأول من قوله صلى الله عليه وسلم: "فبي يبصر".
فما وقع من هؤلاء القوم الصالحين من المكاشفات هو من هذه الحيثية الواردة في الشريعة المطهرة وقد ثبت أيضا في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر بن الخطاب ففي هذا الحديث فتح باب المكاشفة لصالحي عباد الله وأن ذلك من الله سبحانه فيحدثون بالوقائع بنور الإيمان الذي هو من نور الله سبحانه فيعرفونها كما هي حتى كان محدثا يحدثهم بها ويخبرهم بمضمونها.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقع له من ذلك الكثير الطيب في وقائع معروفة منقولة في دواوين الإسلام ونزل بتصديق ما تكلم به القرآن1 الكريم فمن كان من صالحي العباد متصفا بهذه الصفات متسما بهذه السمات فهو رجل العالم فرد الدهر وزين العصر والاتصال به مما تلين به القلوب وتخشع له الأفئدة وتنجذب بالاتصال به العقول الصحيحة إلى مراضي الرب سبحانه وكلماته هي الترياق المجرب وإشاراته هي طب القلوب القاسية وتعليماته كيمياء السعادة وإرشاداته هي الموصلة إلى الخير الأكبر والكرمات الدائمة التي لا نفاذ لها ولا انقطاع ولم تصف البصائر ولا صلحت السرائر بمثل الاتصال بهؤلاء القوم الذين هم خيرة الخيرة وأشرف الذخيرة فيا لله قوم لهم السلطان الأكبر على قلوب هذا العالم يجذبونها إلى طاعات الله سبحانه والإخلاص له والاتكال عليه والقرب منه والبعد عما يشغل عنه ويقطع عن الوصول إليه وقل أن يتصل بهم ويختلط بخيارهم إلا من سبقت له السعادة وجذبته العناية الربانية إليهم لأنهم يخفون أنفسهم ويطهرون في مظاهر الخمول ومن عرفهم لم يدل عليهم إلا من أذن الله له ولسان حاله يقول كما قال الشاعر:
وكم سائل عن سر ليلى كتمته ... بعمياي عن ليلى بعين يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها ... وما أنا إن خبرتهم بأمين
فيا طالب الخير إذا ظفرت يدك بواحد من هؤلاء الذين هم صفوة الصفوة وخيرة الخيرة فاشددها عليه واجعله مؤثرا على الأهل والمال والقريب والحبيب والوطن والسكن فإنا إن وزنا هؤلاء بميزان الشرع واعتبرناهم بمعيار الدين وجدناهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقلنا لمعاديهم أو للقادح في علي مقامهم أنت ممن قال فيه الرب سبحانه كما حكاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وقد آذنته بالحرب" لأنه لا عيب لهم إلا انهم أطاعوا الله كما يحب وآمنوا به كما يحب ورفضوا الدنيا الدنية وأقبلوا على الله عز وجل في سرهم وجهرهم وظاهرهم وباطنهم وإذا فرضنا أن في المدعين للتصوف والسلوك من لم يكن بهذه الصفات وعلى هذا الهدى القويم فإن بدا منه ما يخالف هذه الشريعة المطهرة وينافي منهجها الذي هو الكتاب والسنة فليس من هؤلاء والواجب علينا رد بدعته عليه والضرب بها في وجهه كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وكل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد" وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل بدعة ضلالة" ومن أنكر علينا ذلك قلنا له وزنا هذا بميزان الشرع فوجدناه مخالفا له ورددنا أمره إلى الكتاب والسنة فوجدناه مخالفا لهما وليس المدين إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والخارج عنهما المخالف لهما ضال مضل ولا يقدح على هؤلاء الأولياء وجود من هو هكذا فإنه ليس معدودا منهم ولا سالكا طريقتهم ولا مهديا بهديهم فاعرف هذا فإن القدح في قوم بمجرد فرد أو أفراد منسوبين إليهم نسبة غير مطابقة للواقع لا تقع إلا ممن لا يعرف الشرع ولا يهتدي بهديه ولا يبصر بنوره.
وبالجملة فمن أراد أن يعرف أولياء هذه الأمة وصالحي المؤمنين المتفضل عليهم بالفضل الذي لا يعد له فضل والخير الذي لا يساويه خير فليطالع الحلية لأبي نعيم وصفوة الصفوة لابن الجوزي فإنهما تحريا ما صح وأودعا كتأبيهما من مناقب الأولياء المروية بالأسانيد الصحيحة ما يجذب بعضه بطبع من يقف عليه إلى طريقتهم والاقتداء بهم وأقل الأحوال أن يعرف مقادير أولياء الله وصالحي عباده ويعلم أنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنت مع من أحببت" فمحبة الصالحين قربة لا تهمل وطاعة لا تضيع وإن لم يعمل كعملهم ولا جهد نفسه كجهدهم انتهى حاصله.
وأما ما يحدث من أولياء الله سبحانه وتعالى من الكرامات الظاهرة التي لا شك فيها ولا شبهة فهو حق صحيح لا يمتري فيه من له أدنى معرفة بأحوال صالحي عباد الله المخصوصين بالكرامات التي أكرمهم بها وتفضل بها عليهم ومن شك في شيء من ذلك نظر في كتب الثقات المدونة في هذا الشأن كحلية الأولياء للشرجي وكتاب روض الرياحين لليافعي وسائر الكتب المصنفة في تاريخ العالم فإن كلها مشتملة على تراجم كثير منهم ويغني عن ذلك كله ما قصه الله إلينا في كتابه العزيز عن صالحي عباده الذين لم يكونوا أنبياء كقصة ذي القرنين وما تهيأ له مما تعجز عنه الطباع البشرية وقصة مريم كما حكاه الله تعالى.
ومن ذلك قصة أصحاب كهف فقد قص الله علينا فيها أعظم كرامة وقصة آصف من برخيا حيث حكى عنه قوله: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} وغير ذلك مما حكاه عن غير هؤلاء والجميع ليسوا بأنبياء وثبت في الأحاديث الثابتة في الصحيح مثل حديث الثلاثة الذي انطبقت عليهم الصخرة وحديث جريج الراهب الذي كلمه الطفل وحديث المرأة التي قالت سائلة الله عز وجل أن يجعل الطفل الذي ترضعه مثل الفارس فأجاب الطفل بما أجاب وحديث البقرة التي كلمت من أراد أن يحمل عليها وقالت إني لم أخلق لهذا.
ومن ذلك وجود القطف من العنب عند خبيب الذي أسرته الكفار.
وحديث أن أسيد بن حضير وعبادة بن بشر خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصاحبين وحديث رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره.
وحديث لقد كان فيمن قبلكم محدثون.
وحديث إن في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر.
ومن ذلك كون سعد بن أبى وقاص مجاب الدعوة وهذه الأحاديث كلها ثابتة في الصحيح وورد لكثير من الصحابة رضي الله عنهم كرامات قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير.
ومن ذلك الأحاديث الواردة في فضلهم والثناء عليهم كما ثبت في الصحيح أنه قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول الله؟ قال: "مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله" قال: ثم من؟ قال: "ثم رجل معتزل في شعب من شعاب يعبد ربه".
وحديث "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وهذه الأحاديث كلها في الصحيح وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. 

لَا يَئُودُهُ

{لَا يَئُودُهُ}
وسأل نافع عن قوله تعالى: {وَلَا يَئُودُهُ}
فقال ابن عباس: لا يثقله، واستشهد بقول الشاعر:
يعطى المئينَ ولا يؤوده حملها. . . محض الضرائب ماجد الأخلاق
(تق، ك، ط)
= الكلمة من آية الكرسي:
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} البقرة 255.
وحيدة في القرآن، صيغة ومادة. فسرها الطبري كذلك بـ لا يثقله. ومعه مما روى أهل التأويل: لا يكثر عليه. لا يعز عليه. وقال القرطبي: لا يثقله، عن ابن عباس وغيره. آده الحمل أثقله. وفي (س) من المجاز: آدنى هذا الأمر، بلغ مني المجهود والمشقة.
ولا يفوتنا مع ذلك أن القرآن استعمل الثقل نحو أربعين مرة، إما على أصل معناه في الوزن والموازين والمثقال، وإما في الأثقال حسية ومعنوية.
ولعل الفرق بين الثقل والأود. أن الوزن أصل في معنى الثقل، وأما الأود ففيه معنى العوج والمشقة، فكأن الإثقال فيه جاء من جهد المشقة، لاحتماله أو لإقامة اعوجاجه. والله أعلم.

علم الفقه

علم الفقه
قال في كشاف اصطلاحات الفنون:
علم الفقه ويسمى هو وعلم أصول الفقه بعلم الدراية أيضا على ما في مجمع السلوك وهو معرفة النفس ما لها وما عليها هكذا نقل عن أبي حنيفة والمراد بالمعرفة: إدراك الجزئيات عن دليل فخرج التقليد.
قال التفتازاني: القيد الأخير في تفسير المعرفة مما لا دلالة عليه أصلا لا لغة ولا اصطلاحاً.
وقوله: وما لها وما عليها يمكن أن يراد به ما تنتفع به النفس وما تتضرر به في الآخرة والمشعر بهذا شهرة أن علم الفقه من العلوم الدينية ويمكن أن يراد به ما يجوز لها وما يجب عليها أو ما يجوز لها وما يحرم عليها.
ثم ما لها وما عليها يتناول الاعتقادات كوجوب الإيمان ونحوه.
والوجدانيات أي: الأخلاق الباطنة والملكات النفسانية. والعمليات: كالصوم والصلاة والبيع ونحوها.
فالأول: علم الكلام.
والثاني: علم الأخلاق والتصوف.
والثالث: هي الفقه المصطلح.
وذكر الغزالي أن الناس تصرفوا في اسم الفقه فخصوه بعلم الفتاوى والوقوف على دلائلها وعللها واسم الفقه في العصر الأول كان مطلقا على علم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس والاطلاع على الآخرة وحقارة الدنيا.
قال أصحاب الشافعي: الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية والمراد بالحكم النسبة التامة الخبرية التي العلم بها تصديق وبغيرها تصور.
فالفقه عبارة عن التصديق بالقضايا الشرعية المتعلقة بكيفية العمل تصديقا حاصلا من الأدلة التفصيلية التي نصبت في الشرع على تلك القضايا وهي الأدلة الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
ثم إن إطلاق العلم على الفقه وإن كان ظنيا باعتبار أن العلم قد يطلق على الظنيات كما يطلق على القطعيات كالطب ونحوه.
ثم إن أصحاب الشافعي جعلوا للفقه أربعة أركان فقالوا: الأحكام الشرعية إما أن تتعلق بأمر الآخرة وهي العبادات أو بأمر الدنيا وهي إما أن تتعلق ببقاء الشخص وهي المعاملات أو ببقاء النوع باعتبار المنزل وهي المناكحات أو باعتبار المدينة وهي العقوبات وههنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى التوضيح والتلويح.
وموضوعه فعل المكلف من حيث الوجوب والندوب والحل والحرمة وغير ذلك كالصحة والفساد وقيل موضوعه أعم من الفعل لأن قولنا: الوقت سبب أو وجوب الصلاة من مسائله وليس موضوعه الفعل وفيه أن ذلك راجع إلى بيان حال الفعل بتأويل إن الصلاة تجب لسبب الوقت كما أن قولهم النية في الوضوء مندوبة في قوة أن الوضوء يندب فيه النية.
وبالجملة تعميم موضوع الفقه مما لم يقل به أحد ففي كل مسئلة ليس موضوعها راجعا إلى فعل المكلف يجب تأويله حتى يرجع موضوعها إليه كمسئلة المجنون والصبي فإنه راجع إلى فعل الولي هكذا في الخيالي وحواشيه ومسائله الأحكام الشرعية العملية كقولنا: الصلاة فرض.
وغرضه النجاة من عذاب النار ونيل الثواب في الجنة وشرفه مما لا يخفى لكونه من العلوم الدينية انتهى كلام الكشاف.
قال صاحب مفتاح السعادة: وهو علم باحث عن الأحكام الشرعية الفرعية العملية من حيث استنباطها من الأدلة التفصيلية.
ومباديه مسائل أصول الفقه.
وله استمداد من سائر العلوم الشرعية والعربية.
وفائدته: حصول العمل به على الوجه المشروع. والغرض منه: تحصيل ملكة الاقتدار على الأعمال الشرعية ولما كان الغاية والغرض في العلوم العملية يحصلان بالظن دون اليقين بناء على أن أقوى الأدلة الكتاب والسنة وإنه وإن كان علم الفقه قطعي الثبوت لكن أكثره ظني الدلالة فصار محلا للاجتهاد وجاز الأخذ فيه أولا بمذهب أي مجتهد أراد المقلد والمذاهب المشهورة التي تلقتها الأمة بالقبول وقبلها أهل الإسلام بالصحة هي المذاهب الأربعة للأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ثم الأحق والأولى من بينها مذهب أبي حنيفة رحمه الله لأنه المتميز من بينهم بالإتقان والإحكام وجودة القريحة وقوة الرأي في استبناط الأحكام وكثرة المعرفة بالكتاب والسنة وصحة الرأي في علم الأحكام إلى غير ذلك لكن ينبغي لمن يقلد مذهبا معينا في الفروع أن يحكم بأن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ومذهب المخالف خطأ يحتمل الصواب.
ويحكم في الاعتقاديات بأن مذهبه حق جزما ومذهب المخالف خطأ قطعا انتهى ونحوه في مدينة العلوم.
أقول أحق المذاهب إتقانا وأحسنها اتباعا وأحكمها وأحراها بالتمسك به ما ذهب إليه أهل الحديث والقرآن والترجيح لمذهب دون مذهب تحكم لا دليل عليه بل المذاهب الأربعة كلها سواسية في الحقيقة والواجب على الناس كلهم اتباع صرائح الكتاب العزيز والسنة المطهرة دون اتباع آراء الرجال وأقوال العلماء والأخذ باجتهاداتهم سيما فيما يخالف القرآن الكريم والحديث الشريف.
وقد حققنا هذا البحث في كتابنا الجنة1 في الأسوة الحسنة بالسنة وذكر الغزالي في بيان تبديل أسامي العلوم ما تقدم ذكره وتمام هذا البحث ذكرناه في كتابنا قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل.
والكتب المؤلفة على المذاهب الأربعة كثيرة جدا لا تكاد تحصى. ودواوين الإسلام من كتب الحديث وشروحه تغني الناس كلهم قرويهم وبدويهم عالمهم وجاهلهم ودانيهم وقاصيهم عن كتب الرأي والاجتهاد.
والأئمة الأربعة منعوا الناس عن تقليدهم ولم يوجب الله سبحانه وتعالى على أحد تقليد أحد من الصحابة والتابعين الذين هم قدوة الأمة وأئمتها وسلفها فضلا عن المجتهدين وآحاد أهل العلم بل الواجب على الكل اتباع ما جاء به الكتاب والسنة المطهرة وإنما احتيج إلى تقليد المجتهدين لكون الأحاديث والأخبار الصحيحة لم تدون ولكن الآن بحمد الله تعالى قد دون أهل المعرفة بالسنن علم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغنوا الناس عن غيره فلا حيا الله عبدا قلد ولم يتبع ولم يعرف قدر السنة وحمد على التقليد.
ثم القول بأن المذهب الفلاني من المذاهب الأربعة أقدم وأحكم من أباطيل المقولات وأبطل المقالات وصدوره من مدعي العلم يدل على أنه ليس من أهل العلم لأن التقليد من صنيع الجاهل والمقلد ليس معدودا في العلماء انظر في الكتب التي الفت لرد التقليد كأعلام الموقعين عن رب العالمين وغير ذلك يتضح لك الصواب من الخطأ بلا ارتياب والكتب المؤلفة في الأخبار الصحاح والحسان والضعاف كثيرة جدا ذكرناها في كتابنا إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين والمعتمد كل الاعتماد من بينها الأمهات الست وهي معروفة متيسرة في كل بلد وكذلك الكتب المؤلفة في أحكام السنة المطهرة خاصة كثيرة أيضا والمستند كل الاستناد من بينها هو مثل منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار وبلوغ المرام وشرحه مسك الختام وسبل السلام والعمدة وشرحه العدة وغير ذلك مما ألف في ضبط الأحكام الثابتة بالسنة وما يليها مثل السيل الجرار ووبل الغمام ومنح الغفار حاشية ضوء النهار والهدي النبوي وسفر السعادة وكذا مؤلفات شيوخنا اليمانيين فإن فيها ما يكفي والمقلد المسكين يظن الخرافات في الكتاب والسنة.
وقد أطال الأرنيقي في مدينة العلوم في ذكر تراجم الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والفقهاء الحنفية كأبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وابن المبارك وداود الطائي الكوفي ووكيع بن الجراح ويحيى بن زكريا وإسماعيل بن حماد ويوسف بن خالد وعافية بن يزيد وحبان ومندل ابني علي الغزي وعلي بن مسهرق القاسم بن معن وأسد بن عامر وأحمد بن حفص وخلف ابن أيوب وشداد بن حكم وموسى بن نصر وموسى بن سليمان الجوزجاني وهلال بن يحيى ومحمد بن سماعة وحكم بن عبد الله وأطال في ترجمة هؤلاء.
وقال: اعلم أن الأئمة الحنفية أكثر من أن تحصى لأنهم قد طبقوا أكثر المعمورة حتى قيل إن للإمام أبي حنيفة سبعمائة وثلاثين رجلا من تلامذته وهذا ما عرف منهم وما لم يعرف أكثر من ذلك لكنا اكتفينا منهم ههنا بما سمح به الوقت والآن فلنذكر من الكتب المعتبرة في الفقه ما هو المشهور في الزمان انتهى.
ثم ذكر كتبا سماها قال: وإن استقصاء الأئمة الحنفية وتصانيفهم خارج عن طوق هذا المختصر ولنذكر بعد ذلك نبذا من أئمة الشافعية ليكون الكتاب كامل الطرفين حائز الشرفين وهؤلاء صنفان أحدهما: من تشرف بصحبة الإمام الشافعي والآخر: من تلاهم من الأئمة انتهى.
ثم ذكر هذين الصنفين وأطال في بيانهما وفضائلها إطالة حسنة والكتب التي ألفت في بيان طبقات أهل المذاهب الأربعة تغني عن ذكر جماعة خاصة من المقلدة المذهب واحد وإن كانوا أئمة أصحاب التصانيف ولا عبرة بكثرة المقلدة الذين قلدوا مذهبا واحدا من المذاهب الأربعة بل الاعتبار باختيار الحق والصواب وهو ترك التقليد لآراء الرجال وإيثار الحق على الحق والتمسك بالسنة.
وقد ألف جماعة كتبا كثيرة في طبقات المتبعين وتراجم الحفاظ والمحدثين وهم ألوف لا يحصيهم كتاب وإن طال الفصل والباب وهم أكثر وأطيب إن شاء الله تعالى بالنسبة إلى المقلدة.
وقد تعصب أصحاب الطبقات المذهبية في تعداد أهل نحلتهم حيث أدخلوا فيها من ليس منهم وغالب أئمة المذاهب ليسوا بمقلدين وإن انتسبوا إلى بعضهم بل هم مجتهدون مختارون لهم أحسن الأقوال وأحق الأحكام وبعد النظر والاجتهاد فعدهم في زمرة المقلدة بأدنى شركة في العلم ليس من الإنصاف في شيء وإنما خافوا فتنة العوام في ادعاء الاجتهاد أو عدم الاعتداد بالتقليد فصبروا على نسبتهم إلى مذهب من تلك المذاهب كما يعرف ذلك من له إلمام بتصانيف هؤلاء الكرام وليس هذا موضع بسط الكلام على هذا المرام وإلا أريتك عجائب المقام وأتيتك بما لم يقرع سمعك من الأمور العظام.
واعلم أن أصول الدين اثنان لا ثالث لهما: الكتاب والسنة وما ذكروه من أن الأدلة أربعة: القرآن والحديث والإجماع والقياس فليس عليه إثارة من علم وقد أنكر إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه الإجماع الذي اصطلحوا عليه اليوم وأعرض سيد الطائفة المتبعة داود الظاهري عن كون القياس حجة شرعية وخلاف هذين الإمامين نص في محل الخلاف ولهذا قال بقولهما عصابة عظيمة من أهل الإسلام قديما وحديثا إلى زماننا هذا ولم يروا الإجماع والقياس شيئا مما ينبغي التمسك به سيما عند المصادمة بنصوص التنزيل وأدلة السنة الصحيحة وهذه المسئلة من معارك المسائل بين المقلدة والمتبعة وأكثر الناس خلافا فيها الحنفية لأنهم أشد الناس تعصبا للمذهب وتقرير ذلك مبسوط في المبسوطات المؤلفة في هذا الباب.
ومن له نظر في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه الواحد المتكلم الحافظ ابن القيم ومن حذا حذوهما من علماء الحديث والقرآن خصوصا أئمة اليمن الميمون وتلامذتهم فهو يعلم بأن هذا القول هو الحق المنصور والمذهب المختار والكلام المعتمد عليه ما سواه سراب وتباب ولولا مخافة الإطالة وخشية الملالة لذكرت ههنالك ما تذعن له من الأدلة على ذلك ومفاسد ما هنالك وبالله التوفيق وهو العاصم عن التنكيب عن سواء الطريق اللهم أرحم أمة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة عامة.
فصل
قال ابن خلدون رحمه الله تعالى: الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والخطر والإباحة والندب والكراهة وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة على اختلاف فيها بينهم ولا بد من وقوعه ضرورة أن الأدلة غالبها من النصوص وهي بلغة العرب وفي اقتضاءات ألفاظها لكثير من معانيها اختلاف بينهم معروف أيضاً.
فالسنة1 مختلفة الطرق في الثبوت وتتعارض في الأكثر أحكامها فتحتاج إلى الترجيح وهو مختلف أيضا فالأدلة من غير النصوص مختلف فيها وأيضا فالوقائع المتجددة لا توفي بها النصوص وما كان منها غير ظاهر في النصوص فحمل على منصوص لمشابهة بينهما وهذه كلها إشارات للخلاف ضرورية الوقوع ومن هنا وقع الخلاف بين السلف والأئمة من بعدهم.
ثم إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهة ومحكمة وسائر دلالته بما تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم سمعه منهم من عليتهم وكانوا يسمون لذلك القراء أي الذين يقرؤون الكتاب لأن العرب كانوا أمة أمية فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ وبقي الأمر كذلك صدر الملة ثم عظمت أمصار الإسلام وذهبت الأمية من العرب بممارسة الكتاب وتمكن الاستنباط وكمل الفقه وأصبح صناعة وعلما فبدلوا باسم الفقهاء والعلماء من القراء.
وانقسم الفقه إلى طريقتين: طريقة أهل الرأي والقياس وهم أهل العراق.
وطريقة أهل الحديث وهم أهل الحجاز.
وكان الحديث قليلا في أهل العراق فاستكثروا من القياس ومهروا فيه فلذلك قيل أهل الرأي ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة وإمام أهل الحجاز مالك بن أنس والشافعي من بعده.
ثم أنكر القياس طائفة من العلماء وأبطلوا العمل به وهم الظاهرية وجعلوا المدارك كلها منحصرة في النصوص والإجماع وردوا القياس الجلي والعلة المنصوصة إلى النص لأن النص على العلة نص على الحكم في جميع محالها وكان إمام هذا المذهب داود بن علي وابنه وأصحابه.
وكانت هذه المذاهب الثلاثة هي مذاهب الجمهور المشتهرة بين الأمة وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح على قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها أصول واهية وشذ بمثل ذلك الخوارج ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح فلا نعرف شيئا من مذاهبهم ولا نروي كتبهم ولا أثر لشيء منهم إلا في مواطنهم فكتب الشيعة في بلادهم وحيث كانت دولتهم قائمة في المغرب والمشرق واليمن والخوارج كذلك ولكل منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة.
ثم درس مذهب أهل الظاهر اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحله ولم يبق إلا في الكتب المجلدة وربما يعكف كثير من الطالبين ممن تكلف بانتحال مذهبهم على تلك الكتب يروم أخذ فقههم منها ومذهبهم فلا يحلو بطائل ويصير إلى مخالفة الجمهور وإنكارهم عليه وربما عد بهذه النحلة من أهل البدع بنقله العلم من الكتب من غير مفتاح المعلمين. وقد فعل ذلك ابن حزم1 بالأندلس على علو رتبته في حفظ الحديث وصار إلى مذهب أهل الظاهر ومهر فيه باجتهاد زعمه في أقوالهم وخالف إمامهم داود وتعرض للكثير من أئمة المسلمين فنقم الناس ذلك عليه وأوسعوا مذهبه استهجانا وإنكارا وتلقوا كتبه بالإغفال والترك حتى إنها ليحظر بيعها بالأسواق وربما تمزق في بعض الأحيان ولم يبق إلا مذهب أهل الرأي من العراق وأهل الحديث من الحجاز.
فأما أهل العراق فإمامهم الذي استقرت عنده مذاهبهم أبو حنيفة النعمان ابن ثابت ومقامه في الفقه لا يلحق شهد له بذلك أهل جلدته وخصوصا مالك والشافعي.
وأما أهل الحجاز فكان إمامهم مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى واختص بزيارة مدرك آخر للأحكام غير المدارك المعتبرة عند غيره وهو عمل أهل المدينة لأنه رأى أنهم فيما يتفقون عليه من فعل أو ترك متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم وهكذا إلى الجيل المباشرين لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآخذين ذلك عنه وصار ذلك عنده من أصول الأدلة الشرعية ظن كثير أن ذلك من مسائل الإجماع فأنكره لأن دليل الإجماع لا يخص أهل المدينة ممن سواهم بل هو شامل للأمة.
واعلم أن الإجماع إنما هو الاتفاق على الأمر الديني عن اجتهاد مالك رحمه الله لم يعتبر عمل أهل المدينة من هذا المعنى وإنما اعتبره من حيث اتباع الجيل بالمشاهدة للجيل إلى أن ينتهي إلى الشارع صلى الله عليه وسلم وضرورة اقتدائهم بعين ذلك يعم الملة ذكرت في باب الإجماع الأبواب بها من حيث ما فيها من الاتفاق الجامع بينها وبين الإجماع إلا أن اتفاق أهل الإجماع عن نظر واجتهاد في الأدلة واتفاق هؤلاء في فعل أو ترك مستندين إلى مشاهدة من قبلهم ولو ذكرت المسئلة في باب فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره أو مع الأدلة المختلف فيها مثل مذهب الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب لكان أليق.
ثم كان من بعد مالك بن أنس محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رحل إلى العراق من بعد مالك ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة وأخذ عنهم ومزج طريقة أهل الحجاز بطريقة أهل العراق واختص بمذهب وخالف مالكا رحمه الله في كثير من مذهبه.
وجاء من بعدهما أحمد بن حنبل وكان من علية المحدثين وقرأ أصحابه على أصحاب الإمام أبي حنيفة مع وفور بضاعتهم من الحديث فاختصوا بمذهب آخر ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلدون لمن سواهم وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه فصرحوا بالعجز والأعواز وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء كل من اختص به من المقلدين وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب ولم يبق إلا نقل مذاهبهم وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية لا محصول اليوم للفقه غير هذا ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة1.
فأما أحمد بن حنبل فمقلدوه قليلون لبعد مذهبه عن الاجتهاد وأصالته في معاضدة الرواية للأخبار بعضها ببعض وأكثرهم بالشام والعراق من بغداد ونواحيها وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث.
وأما أبو حنيفة: فمقلدوه اليوم أهل العراق ومسلمة الهند والصين وما وراء النهر وبلاد العجم كلها لما كان مذهبه أخص بالعراق ودار السلام وكانت تلاميذه صحابة الخلفاء من بني العباس فكثرت تآليفهم ومناظراتهم مع الشافعية وحسن مباحثهم في الخلافيات وجاؤوا منها بعلم مستطرف وأنظار غريبة وهي بين أيدي الناس وبالمغرب منها شيء قليل نقله إليه القاضي ابن العربي وأبو الوليد الباجي في رحلتهما.
وأما الشافعي رحمه الله فمقلدوه بمصر أكثر مما سواها وقد كان انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار وعظمت مجالس المناظرات بينهم وشحنت كتب الخلافيات بأنواع استدلالاتهم ثم درس ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره وكان الإمام محمد بن إدريس الشافعي لما نزل على بني عبد الحكم بمصر أخذ عنه جماعة من بني عبد الحكم وأشهب وابن القاسم وابن المواز وغيرهم ثم الحارث بن مسكين وبنوه.
ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة وتداول بها فقه أهل البيت وتلاشى من سواهم إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل العراق والشام فعاد إلى أحسن ما كان ونفق سوقه واشتهر منهم محيي الدين النووي من الحلبة التي ربيت في ظل الدولة الأيوبية بالشام وعز الدين بن عبد السلام أيضا ثم ابن الرفعة بمصر وتقي الدين بن دقيق العيد ثم تقي الدين السبكي بعد هما إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد وهو سراج الدين البلقيني فهو اليوم أكبر الشافعية بمصر كبير العلماء بل أكبر العلماء من أهل العصر.
وأما مالك رحمه الله فاختص بمذهبه أهل المغرب والأندلس وإن كان يوجد في غيرهم إلا أنهم لم يقلدوا غيره إلا في القليل لما أن رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم والمدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج العراق ولم يكن العراق في طريقهم فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك رحمه الله وشيوخه من قبله وتلميذه من بعده فرجع إليه أهل المغرب والأندلس وقلدوه دون غيره ممن لم تصل إليهم طريقته وأيضا فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة ولهذا لم يزل المذهب المالكي غضا عندهم ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب.
ولما صار مذهب كل إمام علما مخصوصا عند أهل مذهبه ولم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس فاحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق وتفريقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذهب إمامهم وصار ذلك كله يحتاج إلى ملكة راسخة يقتدر بها على ذلك النوع من التنظير أو التفرقة واتباع مذهب إمامهم فيهما ما استطاعوا وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد وأهل المغرب جميعا مقلدون لمالك رحمه الله.
وقد كان تلامذته افترقوا بمصر والعراق فكان بالعراق منهم القاضي إسماعيل وطبقته مثل ابن خويز منداد وابن اللبان والقاضي أبو بكر الأبهري والقاضي أبو الحسين بن القصار والقاضي عبد الوهاب من بعدهم وكان بمصر ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكيم والحارث بن مسكين وطبقتهم ورحل من الأندلس عبد الملك بن حبيب فأخذ عن ابن القاسم وطبقته وبث مذهب مالك في الأندلس ودون فيه كتاب الواضحة ثم دون العتبي من تلامذته كتاب العتبية ورحل من إفريقية أسد بن الفرات فكتب عن أصحاب أبي حنيفة أولا ثم انتقل إلى مذهب مالك وكتب علي بن القاسم في سائر أبواب الفقه وجاء إلى القيروان بكتابه وسمى الأسدية نسبة إلى أسد بن الفرات فقرا بها سحنون على أسد ثم ارتحل إلى المشرق ولقي ابن القاسم وأخذ عنه وعارضه بمسائل الأسدية فرجع عن كثير منها وكتب سحنون مسائلها ودونها وأثبت ما رجع عنه وكتب لأسد أن يأخذ بكتاب سحنون فأنف من ذلك فترك الناس كتابه واتبعوا مدونة سحنون على ما كان فيها من اختلاط المسائل في الأبواب فكانت تسمى المدونة والمختلطة وعكف أهل القيروان على هذه المدونة وأهل الأندلس على الواضحة والعتبية.
ثم اختصر ابن أبي زيد المدونة والمختلطة في كتابة المسمى بالمختصر ولخصه أيضا أبو سعيد البرادعي من فقهاء القيروان في كتابه المسمى بالتهذيب واعتمده المشيخة من أهل إفريقية وأخذوا به وتركوا ما سواه وكذلك اعتمد أهل الأندلس كتاب العتبية وهجروا الواضحة وما سواها ولم تزل علماء المذهب يتعاهدون هذه الأمهات بالشرح والإيضاح والجمع.
فكتب أهل إفريقية على المدونة ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن يونس واللخمي وابن محرز التونسي وابن بشير وأمثالهم.
وكتب أهل الأندلس على العتبية ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن رشد وأمثاله وجمع ابن أبي زيد جميع ما في الأمهات من المسائل والخلاف والأقوال في كتاب النوادر فاشتمل على جميع أقوال المذهب وفرع الأمهات كلها في هذا الكتاب ونقل ابن يونس معظمه في كتابه على المدونة وزخرت بحار المذهب المالكي في الأفقين إلى انقراض دولة قرطبة والقيروان ثم تمسك بهما أهل المغرب بعد ذلك إلى أن جاء كتاب أبي عمرو بن الحاجب لخص فيه طرق أهل المذهب في كل باب وتعديد أقوالهم في كل مسئلة فجاء كالبرنامج للمذهب وكانت الطريقة المالكية بقيت في مصر من لدن الحارث بن مسكين وابن المبشر وابن اللهيث وابن رشيق وابن شاس وكانت بالإسكندرية في بني عوف وبني سند وابن عطاء الله ولم أدر عمن أخذها أبو عمرو بن الحاجب لكنه جاء بعدا نقراض دولة العبيديين وذهاب فقه أهل البيت وظهور فقهاء السنة من الشافعية والمالكية.
ولما جاء كتابه إلى المغرب آخر المائة السابعة عكف عليه الكثير من طلبة المغرب وخصوصا أهل بجاية لما كان كبير مشيختهم أبو علي ناصر الدين الزواوي هو الذي جلبه إلى المغرب فإنه كان قرأ على أصحابه بمصر ونسخ مختصره ذلك فجاء به وانتشر بقطر بجاية في تلاميذه ومنهم انتقل إلى سائر الأمصار المغربية وطلبة الفقه بالمغرب لهذا العهد يتداولون قراءته ويتدارسونه لما يؤثر عن الشيخ ناصر الدين من الترغيب فيه وقد شرحه جماعة من شيوخهم كابن عبد السلام وابن رشد وابن هارون وكلهم من مشيخة أهل تونس وسابق حلبتهم في الإجادة في ذلك ابن عبد السلام وهم مع ذلك يتعاهدون كتاب التهذيب في دروسهم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

علم الكيمياء

علم الكيمياء
هو علم يعرف به طرق سلب الخواص من الجواهر المعدنية وجلب خاصية جديدة إليها وإفادتها خواصا لم تكن لها والاعتماد فيه عن أن الفلزات كلها مشتركة في النوعية والاختلاف الظاهر بينها إنما هو باعتبار أمور عرضية يجوز انتقالها.
قال الصفدي في شرح لامية العجم: وهذه اللفظة معربة من اللفظ العبراني وأصله كيم يه معناه أنه من الله وذكر الاختلاف في شأنه بامتناعه عنهم.
وحاصل ما ذكره أن الناس فيه على طريقتين:
فقال: كثير ببطلانه منهم الشيخ الرئيس ابن سينا أبطله بمقدمات من كتاب الشفاء والشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله صنف رسالة في إنكاره وصنف يعقوب الكندي أيضا رسالة في إبطاله جعلها مقالتين وكذلك غيرهم لكنهم لم يوردوا شيئا يفيد الظن لامتناعه فضلا عن اليقين بل لم يأتوا إلا بما يفيد الاستبعاد.
وذهب آخرون إلى إمكانه منهم الإمام فخر الدين الرازي فإنه في المباحث المشرقية عقد فصلا في بيان إمكانه.
والشيخ نجم الدين بن أبي الدر البغدادي رد على الشيخ ابن تيمية وزيف ما قاله في رسالته.
ورد أبو بكر محمد بن زكريا الرازي على يعقوب الكندي ردا غير طائل ومؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي المعروف بالطغرائي صنف فيه كتبا منها حقائق الإشهادات وبين إثباته ورد على ابن سينا.
ثم ذكر الصفدي نبذة من أقوال المثبتين والمنكرين.
وقال الشيخ الرئيس: نسلم إمكان صبغ النحاس بصبغ الفضة والفضة بصبغ الذهب وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص فأما أن يكون المصبوغ يسلب أو يكسى أما الأول فحال وأما الثاني فلم يظهر إلى إمكانه بعد إذ هذه الأمور المحسوسة يشبه أن لا تكون هي الفصول التي تصير بها هذه الأجساد أنواعا بل هي أعراض ولوازم وفصولها مجهولة وإذا كان الشيء مجهولا كيف يمكن أن يقصد قصد إيجاد أو إفناء؟
وذكر الإمام حججا أخرى للفلاسفة على امتناعه وأبطل بعد ذلك ما قرره الشيخ وغيره وقرر إمكانه واستدل في الملخص أيضا على إمكانه فقال: الإمكان العقلي ثابت لأن الأجسام مشتركة الجسمية فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الكل على ما ثبت.
وأما الوقوع فلأن انفصال الذهب عن غيره باللون والرزانة وكل واحد منهما يمكن اكتسابه ولا منافاة بينهما نعم الطريق إليه عسير. وحكى أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن ماجة الأندلسي في بعض تآليفه عن الشيخ أبي نصر الفارابي أنه قال: قد بين أرسطو في كتابه من المعادن أن صناعة الكيمياء داخلة تحت الإمكان إلا أنها من الممكن الذي يعسر وجوده بالفعل اللهم إلا أن تتفق قرائن يسهل بها الوجود وذلك أنه فحص عنها أولا على طريق الجدل فأثبتها بقياس وأبطلها بقياس على عادته فيما يكثر عناده من الأوضاع ثم أثبتها أخيرا بقياس ألفه من مقدمتين بينهما في أول الكتاب.
وهما أن الفلزات واحدة بالنوع والاختلاف الذي بينها ليس في ماهياتها وإنما هو في أعراضها فبعضه في أعراضها الذاتية وبعضه في أعراضها العرضية.
والثانية: أن كل شيئين تحت نوع واحد اختلفا بعرض فإنه يمكن انتقال كل واحد منهما إلى الآخر فإن كان العرض ذاتيا عسر الانتقال وإن كان مفارقا سهل الانتقال والعسير في هذه الصناعة إنما هو لاختلاف أكثر هذه الجواهر في أعراضها الذاتية ويشبه أن يكون الاختلاف الذي بين الذهب والفضة يسير جدا انتهى كلامه.
وقال الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري: إذا أراد المدبر أن يصنع ذهبا نظير ما صنعته الطبيعة من الزيبق والكبريت الظاهرين فيحتاج إلى أربعة أشياء.
كمية كل واحد من ذنيك الجزئين.
وكيفيته.
ومقدار الحرارة الفاعلة للطبخ.
وزمانه وكل واحد منها عسر التحصيل.
وأما إن أراد ذلك بأن يدبر دواء وهو المعبر عنه بالإكسير مثلا ويلقيه على الفضة ليمتزج بها ويستقر خالدا حال جميع المعدنيات وخواصها وإن استخرجه بالقياس فمقدماته مجهولة ولا خفاء في عسر ذلك ومشقته انتهى وقال الصفدي: زعم الطبيعون في علة كون الذهب في المعدن إن الزيبق لما كمل طبخه جذبه إليه كبريت المعدن فاجنه في جوفه لئلا يسيل سيلان الرطوبات فلما اختلطا واتحدا وزالت الحرارة الفاعلة للطبخ وزمان تكون الذهب وكل منهما عسر التحصيل.
وأما إن أراد ذلك بأن يدبر دواء وهو المعبر عنه بالإكسير مثلا ويلقيه على الفضة في طبخها ونضجها انعقد من ذلك ضروب المعادن فإن كان الزئبق صافيا والكبريت نقيا واختلطت أجزاؤهما على النسبة وكانت حرارة المعدن معتدلة لم يعرض لها عارض من البرد واليبس ولا من الملوحات والمرارت والحموضات انعقد من ذلك على طول الزمان الذهب الإبريز
وهذا المعدن لا يتكون إلا في البراري الرملة والأحجار الرخوة ومراعاة الإنسان النار في عمل الذهب بيده على مثل هذا النظام مما تشق معرفة الطريق إليه والوصول إلى غايته:
فيا دارها بالخيف إن مزراها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
وذكر يعقوب الكندي في رسالته: تعذر فعلل الناس لما انفردت الطبيعة بفعله وخداع أهل هذه الصناعة وجهلهم وبطل دعوى الذين يدعون صنعة الذهب والفضة.
قال المنكرون: لو كان الذهب الصباغي مثلا للذهب الطبيعي لكان ما بالصناعة مثلا لما بالطبيعة ولو جاز ذلك لجاز أن يكون ما بالطبيعة مثلا لما بالصناعة فكنا نجد سيفا أو سريرا أو خاتما بالطبيعة وذلك باطل.
وقالوا أيضا: الجواهر الصابغة إما أن تكون أصبر على النار من المصبوغ أو يكون المصبوغ أصبر أو تكونا متساويين.
فإن كان الصابغ أصبر وجب1 أن يكون المصبوغ أصبر ووجب أن يفنى الصابغ ويبقى المصبوغ على حاله الأول عريا من الصبغ.
وإن تساويا في الصبر على النار فهما من جنس واحد لاستوائهما في المصابرة عليها فلا يكون أحدهما صابغا ولا مصبوغا وهذه الحجة الثانية من أقوى حجج المنكرين.
والجواب من المثبتين عن الأولى: إنا نجد النار تحصل بالقدح واصطكاك الأجرام والريح تحصل بالمراوح وأكواز الفقاع والنوشادر قد تتخذ من الشعر وكذلك كثير من الزاجات ثم بتقدير أن لا يوجد بالطبيعة ما لا يوجد بالصناعة لا يلزمنا الجزم بنفي ذلك ولا يلزمنا من إمكان حصول الأمر الطبعي بالصناعة إمكان العكس بل الأمر موقوف على الدليل.
وعن الثانية: أنه لا يلزم من استواء الصابغ. والمصبوغ على النار استواؤهما في الماهية لما عرفت أن المختلفين يشتركان في بعض الصفات وفي هذا الجواب نظر.
وحكى بعض من أنفق عمره في الطلب أن الطغرائي ألقى المثقال من الإكسير أولا على ستين ألف مثقال من معدن آخر فصار ذهبا ثم أنه ألقى آخر المثقال على ثلاثمائة ألف وأن مر يانس الراهب معلم خالد بن يزيد ألقى المثقال على ألف ألف ومائتي ألف مثقال وقالت مارية القبطية: والله لولا الله لقلت أن المثقال بملأ ما بين الخافقين. والجواب الفصل ما قاله الغزي:
كجوهر الكيمياء ليس ترى ... من ناله والأنام في طلبه
وصاحب الشذور من جملة أئمة هذا الفن صرح بأن نهاية الصبغ إلقاء الواحد على الألف في قوله:
فعاد بلطف الحل والعقد جوهرا ... يطاع في النيران واحده الألفا
وزعم بعضهم أن المقامات للحريري وكليلة ودمنة رموز في الكيمياء ويزعمون أن الصناعة مرموزة في صورة البراري وقد كتب بعض من جرب وتعب وأقلقه الجد وظن أن جدها لعب على مصنفات جابر تلميذ إمام جعفر الصادق:
هذا الذي مقاله ... غر الأوائل والأواخر
ما أنت إلا كاسر ... كذب الذي سماك جابر
وكان قد شغل نفسه بطلب الكيمياء فأفنى بذلك عمره.
وذكر الصفدي أن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وإمام الحرمين كان كل منهما مغرى به. واعلم أن المعتنين به بعضهم يدبر مجموع الكبريت والزيبق في حر النار لتحصل امتزاجات كثيرة في مدة يسيرة لا يحصل في المعدن إلا في زمان طويل وهذا أصعب الطرق لأنه يحتاج إلى عمل شاق وبعضهم يؤلف المعادن على نسبة أوزان الفلزات وحجمها.
وبعضهم يجهل القياس فيحصل لهم الاشتباه والالتباس فيستمدون بالنباتات والجمادات والحيوانات كالشعر والبيض والمرارة وهم لا يهتدون إلى النتيجة.
ثم إن الحكماء أشاروا إلى طريقة صنعة الإكسير على طريق الأحاجي والألغاز والتعمية لأن في كتمه مصلحة عامة فلا سبيل إلى الاهتداء بكتبهم والله يهدي من يشاء قال أبو الأصبع عبد العزيز بن تمام العراقي يشير إلى مكانة الواصل لهذه الحكمة:
فقد ظفرت بما لم يؤته ملك ... لا المنذران ولا كسرى بن ساسان
ولا ابن هند ولا النعمان صاحبه ... ولا ابن ذي يزن في رأس غمدان
قال الجلدكي في شرح المكتسب بعد أن بين انتسابه إلى الشيخ جابر وتحصيله في خدمته: وبالله تعالى أقسم أنه أراد بعد ذلك أن ينقلني عن هذا العلم مرارا عديدة ويورد علي الشكوك يريد لي بذلك الإضلال بعد الهداية ويأبى الله إلا ما أراد فلما فهمت مراده وعلمت أن الحسد قد داخله مني حصرته في ميدان البحث ومددت إليه سنان اللسان وعجز عن القيام بسيف الدليل ونادى عليه برهان الحق بالإفحام فجنح للسلم وقام واعتنقني وقال: إنما أردت أن اختبرك وأعلم حقيقة مكان الإدراك منك ولتكن من أهل هذا العلم على حذر ممن يأخذه عنك.
واعلم أن من لا مفترض علينا كتمان هذا العلم وتحريم إذاعته لغير المستحق من بني نوعنا وأن لا نكتمه عن أهله لأن وضع الأشياء في محالها من الأمور الواجبة ولأن في إذاعته خراب العالم وفي كتمانه عن أهله تضييع لهم.
وقد رأينا أن الحكمة صارت في زماننا مهدمة البنيان لا سيما وطلبة هذا الزمان من أجهل الحيوان قد اجتمعوا على المحال فإنهم ما بين سوقة وباعة وأصحاب دهاء وشعبذة لا يدرون ما يقولون فأخذوا يتذاكرون الفقر ويذكرون أن الكيمياء غناء الدهر ويأتون على ذلك بزخارف الحكايات ومع ذلك لا يجتمع أحد منهم مع الآخر على رأي واحد ولا يدرون كيف الطلب مع أن حجر القوم لا يعد. وهذه المولدات الثلاث لكن جهالاتهم أوقعتهم في الضلال البعيد ورأينا أنه وجب علينا النصيحة على من طلب الحكمة الإلهية وهذه الصناعة الشريفة الفلسفية فوضعنا لهم كتابنا الموسوم ببغية الخبير في قانون طلب الإكسير ثم وضعنا الشمس المنير في تحقيق الإكسير.
وفي هذا الفن رسالة للبخاري ذكر فيها حملة دلائل نقلية وعقلية تبلغ ستة وثلاثين.
وفيه أيضا: رسالة ابن سينا المسماة بمرآة العجائب وأول من تكلم في علم الكيمياء ووضع فيها الكتب وبين صنعة الإكسير والميزان ونظر في كتب الفلاسفة من أهل الإسلام خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
وأول من اشتهر هذا العلم عنه جابر بن حيان الصوفي من تلامذة خالد كما قيل: حكمة أورثناها جابر ... عن إمام صادق القول وفي
لوصي طاب في تربته ... فهو مسك في تراب النجف
وذلك لأنه وفي لعلي واعترف له بالخلافة وترك الإمارة.
واعلم أنه فرقها في كتب كثيرة لكنه أوصل الحق إلى أهله ووضع كل شيء في محله وأوصل من جعله الله سبحانه وتعالى سببا له في الإيصال ولكن اشغلهم بأنواع التدهيش والمحال لحكمة ارتضاها عقله ورأيه بحسب الزمان ومع ذلك فلا يخلو كتاب من كتبه عن فوائد عديدة.
وأما من جاء بعد جابر من حكماء الإسلام مثل مسلمة بن أحمد المجريطي وأبي بكر الرازي وأبي الأصبع بن تمام العراقي والطغرائي والصادق محمد بن أميل التميمي والإمام أبي الحسن علي صاحب الشذور فكل منهم قد اجتهد غاية الاجتهاد في التعلم والجلدكي متأخر عنهم.
ثم اعلم أن جماعة من الفلاسفة كالحكيم هرمس وأرسطاطاليس وفيثاغورس لما أرادوا استخراج هذه الصناعة الإلهية جعلوا أنفسهم في مقام الطبيعة فعرفوا بالقوة المنطقية والعلوم التجاربية ما دخل على كل جسم من هذه الأجسام من الحر والبرد واليبوسة وما خالطه أيضا من الأجسام الأخر. فعملوا الحيلة في تنقيص الزائد وتزييد الناقص من الكيفيات الفاعلة والمفعولة والمنفعلة لعلة تلك الأجسام على ما يراد منها بالأكاسير الترابية والحيوانية والنباتية المختلفة في الزمان والمكان وأقاموا التكليس مقام حرق المعادن والتهابها والتسقية مقام التبريد والتجميد والتساوي مقام التجفيف والتشميع مقام الترطيب والتليين والتقطير مقام التجوهر والتفصيل مقام التصفية والتخليص والسحق والتحليل مقام الالتيام والتمزيج والعقد مقام الاتحاد والتمكين واتخذوا جواهر الأصول شيئا واحدا فاعلا فعلا غير منفعل محتويا على تأثيرات مختلفة شديدة القوة نافذة الفعل والتأثير فيما يلاقي من الأجسام بحصول معرفة ذلك بالإلهامات السماوية والقياسات العقلية والحسية وكذلك فعل أيضا أسقليقندر يونس وأبدروماخس وغيرهم في تراكيب الترياق المعاجين والحبوب والأكحال والمراهم فإنهم قاسوا قوى الأدوية بالنسبة إلى مزاج أبدان البشر والأمراض الغامضة فيها وركبوا من الحار والبارد والرطب واليابس دواء واحدا ينتفع به في المداواة بعد مراعاة الأسباب كما فعل ذي مقراط أيضا في استخراج صنعة إكسير الخمر فإنه نظر أولا في أن الماء لا يقارب الخمر في شيء من القوام والاعتدال لأنه ماء العنب ووجد من خواص الخمر خمسا: والطعم والرائحة والتفريح والإسكار فأخذ إذ شرع من أول تركيبه للأدوية العقاقير الصابغة للماء بلون الخمر ثم المشاكلة في الطعم ثم المعطرة للرائحة ثم المفرحة ثم المسكرة فسحق منها اليابسات وسقاها بالمائعات حتى اتحدت فصارت دواء واحدا يابسا أضيف منه القليل إلى الكثير صبغه انتهى من رسالة أرسطو.
قال الجلدكي في نهاية الطب: إن من عادة كل حكيم أن يفرق العلم كله في كتبه كلها ويجعل له من بعض كتبه خواص يشير إليها بالتقدمة على بقية الكتب لما اختصوا به من زيادة العلم.
كما خص جابر من جميع كتبه كتابه المسمى ب الخمسمائة.
وكما خص مؤيد الدين من كتبه كتابه المسمى ب المصابيح والمفاتيح. وكما خص المجريطي كتابه الرتبة.
وكما خص ابن أميل كتابه المصباح.
ثم قال الجلدكي: ومن شروط العالم أن لا يكتم ما علمه الله تعالى من المصالح التي يعود نفعها على الخاص والعام إلا هذه الموهبة فإن الشرط فيها أن لا يظهرها بصريح اللفظ أبدا ولا يعلم بها الملوك لا سيما الذين لا يفهمون.
ومن العجب أن المظهر لهذه الموهبة مرصد لحلول البلاء به من عدة وجوه:
أحدها: أنه إن أظهرها لم ينم عليه فقد حل به البلاء لأن ما عنده مطلوب الناس جميعا فهو مرصد لحلول البلاء لأنهم يرون انتزاع مطلوبهم من عنده وربما حملهم الحسد على إتلافه إن أظهره للملك يخاف عليه منه فإن الملوك أحوج الناس إلى المال لأن به قوام دولتهم فربما يخيل منه أنه يخرج عنه دولته بقدرته على المال لا سيما ومال الدنيا كله حقير عند الواصل لهذه الموهبة.
قال صاحب كنز الحكمة: فأما الواصل إلى حقيقته فلا ينبغي له أن يعترف به لأنه يضره وليس له منفعة البتة في إظهاره وإنما يصل إليه كل عالم بطريق يستخرجها لنفسه إما قريبة وإما بعيدة والإرشاد إنما يكون نحو الطريق العام وأما الطريق الخاص فلا يجوز أن يجتمع عليه اثنان اللهم إلا أن يوفق إنسان بسعادة عظيمة وعناية إلهية لأستاذ يلقنه إياها تلقينا وهيهات من ذلك إلا من جهة واحدة لا غير وهو أن يجتمع فيلسوفان أحدهما واصل والآخر طالب ولا يسعه أن يكتمه إياه وهذا أعز من الكبريت الأحمر1 وطلب الأبلق العقوق. انتهى.
ونحن اقتفينا أثر الحكماء في كل ما وضعناه من كتبنا.
قال في شرح المكتسب إلا أن كتابنا هذا امتن من كل كتبنا ما خلا الشمس المنير وغاية السرور فإن لكل واحد منهم مزية في العلم والعمل فمن ظفر بهذه الكتب الثلاثة فقط من كتبنا فلعله لا يفوته شيء من تحقيق هذا العلم.
والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة منها حقائق الاستشهادات وشرح المكتسب وبغية الخبير والشمس المنير في تحقيق الإكسير ورسالة للبخاري ومرآة العجائب لابن سينا والتقريب في أسرار التركيب وغاية السرور شرح الشذور والبرهان وكنز الاختصاص والمصباح في علم المفتاح ونهاية الطلب في شرح المكتسب ونتائج الفكرة ومفاتيح الحكمة ومصابيح الرحمة وفردوس الحكمة وكنز الحكمة انتهى. ما في كشف الظنون.
وقد أطال ابن خلدون في بيان علم الكيمياء ثم عقد فصلا في إنكار ثمرتها واستحالة وجودها وما ينشأ من المفاسد عن انتحالها.
ثم قال وتحقيق الأمر في ذلك أن الكيمياء إن صح وجودها كما تزعم الحكماء المتكلمون فيها مثل جابر بن حيان ومسلمة بن أحمد المجريطي وأمثالهما فليست من باب الصنائع الطبيعية ولا تتم بأمر صناعي وليس كلامهم فيها من منحى الطبيعيات إنما هو من منحى كلامهم في الأمور السحرية وسائر الخوارق وما كان من ذلك للحلاج وغيره وقد ذكر مسلمة في كتاب الغاية ما يشبه ذلك وكلامه فيها في كتاب رتبة الحكيم من هذا المنحى وهذا كلام جابر في رسائله ونحو كلامهم فيه معروف ولا حاجة بنا إلى شرحه.
وبالجملة فأمرها عندهم من كليات المواد الخارجة عن حكم الصنائع فكما لا يتدبر ما منه الخشب والحيوان في يوم أو شهر خشبا أو حيوانا فيما عدا مجرى تخليقه كذلك لا يتدبر ذهب من مادة الذهب في يوم ولا شهر ولا يتغير طريق عادته إلا بإرفاد مما وراء عالم الطبائع وعمل الصنائع. فكذلك من طلب الكيمياء طلبا صناعيا ضيع ماله وعمله ويقال لهذا التدبير الصناعي: التدبير العقيم لأن نيلها إن كان صحيحا فهو واقع مما وراء الطبائع والصنائع فهو كالمشي على الماء وامتطاء الهواء والنفوذ في كثائف الأجساد ونحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة أو مثل تخليق الطير ونحوها من معجزات الأنبياء قال تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي} وعلى ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال من يؤتاها فربما أوتيها الصالح ويؤتيها غيره فتكون عنده معارة.
وربما أوتيها الصالح ولا يملك إيتاءها فلا تتم في يد غيره ومن هذا الباب يكون عملها سحريا فقد تبين أنها إنما تقع بتأثيرات النفوس وخوارق العادة إما معجزة أو كرامة أو سحرا ولهذا كان كلام الحكماء كلهم فيها ألغاز لا يظفر بحقيقته إلا من خاض لجة من علم السحر واطلع على تصرفات النفس في عالم الطبيعة وأمور خرق العادة غير منحصرة ولا يقصد أحد إلى تحصيلها والله بما يعملون محيط.
وأكثر ما يحمل على التماس هذه الصناعة وانتحالها العجز عن الطرق الطبيعية للمعاش وابتغاؤه من غير وجوهه الطبيعية كالفلاحة والنجارة والصناعة فيستصعب العاجز ابتغاؤه من هذه ويروم الحصول على الكثير من المال دفعة بوجوه غير طبيعية من الكيمياء وغيرها وأكثر من يعني بذلك الفقراء من أهل العمران حتى في الحكماء المتكلمين في إنكارها واستحالتها.
فإن ابن سينا القائل باستحالتها كان عليه الوزراء فكان من أهل الغنى والثروة.
والفارابي القائل بإمكانها كان من أهل الفقر الذين يعوزهم أدنى بلغة من المعاش وأسبابه وهذه تهمة ظاهرة في أنظار النفوس المولعة بطرقها وانتحالها والله الرزاق ذو القوة المتين لا رب سواه.
قال في مدينة العلوم: إ ن علم الكيمياء كان معجزة لموسى عليه السلام علمه القارون فوقع منه ما وقع ثم ظهر في جبابرة قوم هود وتعاطوا ذلك وبنوا مدينة من ذهب وفضة لم يخلق مثلها في البلاد.
وممن اشتهر بالوصول إليه مؤيد الدين الطغرائي يقال: أنه وصل إلى الإكسير وهو الدواء الذي يدبره الحكماء ويلقونه على الجسد حال انفعاله بالذوبان فيحيله كإحالة السم الجسد الوارد عليه لكن إلى الصلاح دون الفساد ويعبرون عن مادة هذا الدواء بالحجر المكرم وربما يقولون حجر موسى لأنه الذي علمه موسى عليه السلام لقارون ويختلف حال هذا الدواء بقدر قوة التدبير وضعفه.
يحكى أن واحدا سأل من مشائخ هذا الصنعة أن يعلمه هذا العلم وخدمه على ذلك سنين فقال: إن من شرط هذه الصنعة تعليمها لأفقر من في البلد فاطلب رجلا لا يكون أفقر منه في البلد حتى نعلمه وأنت تبصرها فطلب مدة مثل ما يقول الأستاذ فوجد رجلاً يغسل قميصا له في غاية الرداءة والدرن وهو يغسله بالرمل ولم يقدر على قطعة صابون فقال في نفسه: لم أر أفقر منه فأخبر الأستاذ فقال: وجدت رجلا حاله وصفته كيت وكيت فقال الأستاذ: والله إن الذي وصفته هو شيخنا جابر بن حيان الذي تعلمت منه هذه الصنعة وبكى.
قال إن من خاصية هذه الصنعة إن الواصلين إليها يكونون في غاية الإفلاس كما نقل عن الإمام الشافعي من طلب المال بالكيمياء أو الإكسير فقد أفلس إلا أنهم يقولون: إن حب الدنانير تفع عن قلب من عرفها ولا يؤثر التعب في تحصيلها على الراحة في تركها حتى قالوا: إن معرفة هذه الصنعة نصف السلوك لأن نصف السلوك رفع محبة الدنيا عن القلب وذلك يحصل بمعرفتها أي: حصول ومن قصد الوصول إلى ذلك بكتبهم وبتعبيراتهم وإشاراتهم فقد صار منخرطا في الأخسرين أعمالا الذي ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يسحبون أنهم يحسنون صنعا بل الوقوف على ذلك إن كان فبموهبة عظيمة من الملك المنان أو بواسطة الكشف والإلهام من الله ذي الجلال الإكرام أو بإنعام من الواصلين إلى هذا الأمر المكتوم إشفاقا وإحسانا ولا تتمن الوصول إلى ذلك بالجد والاهتمام وإنما نذكر بعضا من كتبه إكمالا للمرام لا إطماعا في الوصول إلى ذلك السول:
منها: كتاب جابر بن حيان وتذكرة لابن كمونة.
وكتاب الحكيم المجريطي.
وشرح الفصول لعيون بن المنذر وتصانيف الطغرائي كثيرة في هذا الفن ومعتبرة عند أربابها والكتب والرسائل في هذا الباب كثيرة لكن لا خير في الاستقصاء فيها وإنما التعرض لهذا القدر لئلا يخلو الكتاب عنها بالمرة نسأل الله تعالى خيري الدنيا والآخرة انتهى حاصله. والله أعلم بالصواب. 

علم معرفة الشواذ وتفرقتها من المتواتر

علم معرفة الشواذ وتفرقتها من المتواتر
والمتواتر عند الأكثرين سبعة:
أحدهم: نافع وله راويان قالون وورش.
وثانيهم: ابن كثير وله راويان البزي وقنبل.
وثالثهم: أبو عمرو وله راويان الدوري والسوسي.
ورابعهم: ابن عامر وله راويان هشام وابن ذكوان.
وخامسهم: عاصم وله راويان شعبة وحفص.
وسادسهم: حمزة وله راويان خلف وخلاد.
وسابعهم: الكسائي وله راويان أبو الحارث والدوري ولا تظنن أن لكل من هؤلاء المشائخ راويين فقط حتى إذا وجدت لهم راويا غير هؤلاء تحكم بالشذوذ بل لكل منهم رواة كثيرة وإنما اختاروا منهم اثنين لشهرتهما ثم إن في انحصار المتواتر في السبعة خلافا إذ بعض العلماء الحقوا بهم يعقوب الحضرمي وأما ما وراء هؤلاء الثمانية إلى الثلاثة عشر بل إلى ما فوقها فقد اتفقوا على شذوذها كذا في مدينة العلوم. علم معرفة طبقات المفسرين
أولهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وهم عشرة: الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم ويليهم التابعون وهؤلاء من الكثرة بحيث لا يحصون: كمجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وطاؤس وغيرهم وهم علماء مكة وطبقة أخرى تجمع أقوال الصحابة والتابعين: كسفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وشعبة بن الحجاج ويزيد بن هارون وآخرين.
وبعد هؤلاء: ابن جرير الطبري وكتابه أجل التفاسير وأعظمها ثم ابن أبي حاتم وابن ماجة والحاكم وابن مردويه وأبو الشيخ وابن حبان وابن المنذر في آخرين.
ثم أتت بعد هؤلاء جماعة ألفوا التفاسير واختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال بتراء فدخل من ههنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل هذا الذي ذكرته من فروع علم التفسير هو ما وقع في كتاب الإتقان وهذا بعض من علوم عدوها من فروع علم التفسير بأدنى الملابسة كذا في مدينة العلوم.

علم المكاشفة

علم المكاشفة
ويسمى بعلم الباطن وهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل وأسماءها فيتوهم لها معان مجملة غير متضحة فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات وبأفعاله وبحكمته في خلق الدنيا والآخرة إلى غير ذلك مما يطول تفصيله إذ للناس في معاني هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات شتى ذكرها الغزالي في الإحياء.
قال: وهذه العلوم هي التي لا تسطر في الكتب ولا يتحدث بها من أنعم الله تعالى عليه بشيء منها إلا مع أهله قال بعض العارفين: من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى نصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله.
وقال آخر: من كان فيه خصلتان لم يفتح له شيء من هذا العلم: بدعة أو كبر.
وقيل: من كان محبا للدنيا أو مصرا على هوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر العلوم وأقل عقوبة من ينكره أنه لا يذوق منه شيئا وهو علم الصديقين والمقربين.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.