Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: درجة

عَبّادانُ

عَبّادانُ:
بتشديد ثانيه، وفتح أوله، قال بطليموس:
عبّادان في الإقليم الثالث، طولها خمس وسبعون درجة وربع، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، قال البلاذري: كانت عبادان قطيعة لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قطيعة من عبد الملك بن مروان وبعضها فيما يقال من زياد، وكان حمران من سبي عين التمر يدّعي أنه من النمر بن قاسط، فقال الحجاج يوما وعنده عبّاد بن حصين الحبطي: ما يقول حمران؟
لئن انتمى إلى العرب ولم يقل إنه مولى لعثمان لأضربنّ عنقه! فخرج عبّاد من عند الحجاج مبادرا فأخبر حمران بقوله فوهب له غربيّ النهر وحبس الشرقيّ فنسب إلى عبّاد بن الحصين، وقال ابن الكلبي:
أول من رابط بعبّادان عبّاد بن الحصين، قال:
وكان الربيع بن صبح الفقيه مولى بني سعد جمع مالا من أهل البصرة فحصّن به عبّادان ورابط فيها، والربيع يروي عن الحسن البصري: وكان خرج غازيا إلى الهند في البحر فمات فدفن في جزيرة من الجزائر سنة 160، والعبّاد: الرجل الكثير العبادة، وأما إلحاق الألف والنون فهو لغة مستعملة في البصرة ونواحيها، إنهم إذا سمّوا موضعا أو نسبوه إلى رجل أو صفة يزيدون في آخره ألفا ونونا كقولهم في قرية عندهم منسوبة إلى زياد ابن أبيه زيادان وأخرى إلى عبد الله عبد الليان وأخرى إلى بلال بن أبي بردة بلالان، وهذا الموضع فيه قوم مقيمون للعبادة والانقطاع، وكانوا قديما في وجه ثغر، يسمّى الموضع بذلك، والله أعلم، وهو تحت البصرة قرب البحر الملح، فان دجلة إذا قاربت البحر انفرقت فرقتين عند قرية تسمّى المحرزي، ففرقة يركب فيها إلى ناحية البحرين نحو برّ العرب وهي اليمنى فأما اليسرى فيركب فيها إلى سيراف وجنّابة فارس فهي مثلثة الشكل، وعبّادان في هذه الجزيرة التي بين النهرين فيها مشاهد ورباطات، وهي موضع رديء سبخ لا خير فيه وماؤه ملح، فيه قوم منقطعون عليهم وقف في تلك الجزيرة يعطون بعضه، وأكثر موادّهم من النذور، وفيه مشهد لعليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وغير ذلك، وأكثر أكلهم السمك الذي يصطادونه من البحر، ويقصدهم المجاورون في المواسم للزيارة، ويروى في فضائلها أحاديث غير ثابتة، وينسب إليها نفر من رواة الحديث، والعجم يسمّونها ميان روذان لما ذكرنا من أنها بين نهرين، ومعنى ميان وسط وروذان الأنهر، وقد نسبوا إلى عبّادان جماعة من الزّهّاد والمحدّثين، منهم: أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب بن إسحاق بن عبدة بن الربيع العبّاداني، سكن بغداد وروى عن عليّ بن حرب الطائي وأحمد بن منصور الزيادي وهلال بن العلاء الرّقّيّ، روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو عليّ ابن شاذان، ومولده في أول يوم من رجب سنة 248، والقاضي أبو شجاع أحمد بن الحسن بن أحمد الشافعي العبّاداني، روى عنه السلفي وقال: هو من أولاد الدهر، درّس بالبصرة أزيد من أربعين سنة في مذهب الشافعي، رضي الله عنه، قال: ذكر لي في سنة 500 وعاش بعد ذلك ما لا أتحقّقه، وسألته عن مولده فقال: سنة 434 بالبصرة، قال: ووالدي مولده عبّادان وجدّي الأعلى أصبهان، والحسن بن سعيد بن جعفر بن الفضل أبو العباس العبّاداني المقرئ رحّال، سمع عليّ بن عبد الله بن عليّ بن السّقّاء ببيروت، وحدث عنه وعن أبي خليفة والحسن بن
المثنّى ومغفر الفرّياني وأبي مسلم الكجّي وزكرياء ابن يحيى الساجي، روى عنه أبو نعيم الحافظ وجماعة وافرة، قال أبو نعيم: ومات بإصطخر وكان رأسا في القرآن وحفظه عن جدّته ورأسه في لين.

دُنْباوَنْد

دُنْباوَنْد:
بضم أوله، وسكون ثانيه، وبعده باء موحدة، وبعد الألف واو ثم نون ساكنة، وآخره دال، لغة في دباوند: وهو جبل من نواحي الرّيّ، وقد ذكر في دباوند، ودنباوند في الإقليم الرابع، طولها خمس وسبعون درجة ونصف، وعرضها سبع وثلاثون درجة وربع. ودنباوند أيضا:
جبل بكرمان ذكرته في بلد يقال له دمندان، فأما الذي في الريّ فقال ابن الكلبي: إنما سمي دنباوند لأن أفريدون بن اثفيان الأصبهاني لما أخذ الضحّاك بيوراسف قال لأرمائيل وكان نبطيّا من أهل الزاب اتخذه الضحاك على مطابخه فكان يذبح غلاما ويستحيي غلاما ويسم على عنقه ثم يأمره فيأتي المغارة فيما بين قصران وخويّ ويذبح كبشا فيخلطه بلحم الغلام، فلما أراد أفريدون قتله قال:
أيها الملك إن لي عذرا، وأتى به المغارة وأراه صنيعه فاستحسن أفريدون ذلك منه وأراد قتله بحجة فقال: اجعل لي غذاء لا تجعل لي فيه بقلا ولا لحما، فجعل فيه أذناب الضأن وأحضر له وهو بدنباوند لحبس الضحّاك به، فاستحسن أفريدون ذلك منه وقال له: دنباوندى أي وجدت الأذناب فتخلّصت بها مني، ثم قال أفريدون: يا أرمائيل قد أقطعتك صداء الخيل ووهبت لك هؤلاء الذين وسمت، فأنت وسمان، وسمى الأرض التي وجد
فيها القوم دشت پي أي سمة وعقب، فسميت دست پي الكورة المعروفة بين الري وهمذان وقزوين، وقرأت في رسالة ألّفها مسعر بن مهلهل الشاعر ووصف فيها ما عاينه في أسفاره فقال: دنباوند جبل عال مشرف شاهق شامخ لا يفارق أعلاه الثلج شتاء ولا صيفا ولا يقدر أحد من الناس أن يعلو ذروته ولا يقاربها، ويعرف بجبل البيوراسف، يراه الناس من مرج القلعة ومن عقبة همذان، والناظر إليه من الرّيّ يظن أنه مشرف عليه، وأن المسافة بينهما ثلاثة فراسخ أو اثنان، وزعم العامّة أن سليمان بن داود، عليه السلام، حبس فيه ماردا من مردة الشياطين يقال له صخر المارد، وزعم آخرون أن أفريدون الملك حبس فيه البيوراسف، وأن دخانا يخرج من كهف في الجبل يقول العامة إنه نفسه، ولذلك أيضا يرون نارا في ذلك الكهف يقولون إنها عيناه وإن همهمته تسمع من ذلك الكهف، فاعتبرت ذلك وارتصدته وصعدت في ذلك الجبل حتى وصلت إلى نصفه بمشقّة شديدة ومخاطرة بالنفس وما أظن أن أحدا تجاوز الموضع الذي بلغت إليه بل ما وصل إنسان إليه فيما أظن، وتأملت الحال فرأيت عينا كبريتية وحولها كبريت مستحجر، فإذا طلعت عليه الشمس والتهبت ظهرت فيه نار، وإلى جانبه مجرى يمر تحت الجبل تخترقه رياح مختلفة فتحدث بينها أصوات متضادّة على إيقاعات متناسبة فمرّة مثل صهيل الخيل ومرّة مثل نهيق الحمير ومرّة مثل كلام الناس، ويظهر للمصغي إليه مثل الكلام الجمهوريّ دون المفهوم وفوق المجهول يتخيل إلى السامع أنه كلام بدويّ ولغة إنسيّ، وذلك الدخان الذي يزعمون أنه نفسه بخار تلك العين الكبريتية، وهذه حال تحتمل على ظاهر صورة ما تدعيه العامة، ووجدت في بعض شعاب هذا الجبل آثار بناء قديم، وحولها مشاهد تدل على أنها مصايف بعض الأكاسرة، وإذا نظر أهل هذه الناحية إلى النّمل يدّخر الحبّ ويكثر من ذلك علموا أنها سنة قحط وجدب، وإذا دامت عليهم الأمطار وتأذّوا بها وأرادوا قطعها صبّوا لبن المعز على النار فانقطعت، وقد امتحنت هذا من دعواهم دفعات فوجدتهم فيه صادقين، وما رأى أحد رأس هذا الجبل في وقت من الأوقات منحسرا عن الثلج إلّا وقعت الفتنة وهريقت الدماء من الجانب الذي يرى منحسرا، وهذه العلامة أيضا صحيحة بإجماع أهل البلد، وبالقرب من هذا الجبل معدن الكحل الرازي والمرتك والأسرب والزاج، هذا كله قول مسعر، وقد حكي قريبا من هذا علي بن زين كاتب المازيار الطبري، كان حكيما محصّلا وله تصانيف في فنون عدّة، قريبا من حكاية مسعر قال: وجّهنا جماعة من أهل طبرستان إلى جبل دنباوند وهو جبل عظيم شاهق في الهواء يرى من مائة فرسخ وعلى رأسه أبدا مثل السحاب المتراكم لا ينحسر في الصيف ولا في الشتاء ويخرج من أسفله نهر ماؤه أصفر كبريتي زعم جهال العجم أنه بول البيوراسف، فذكر الذين وجهناهم أنهم صعدوا إلى رأسه في خمسة أيام وخمس ليال فوجدوا نفس قلّته نحو مائة جريب مساحة، على أن الناظر ينظر إليها من أسفل الجبل مثل رأس القبة المخروطة، قالوا: ووجدنا عليها رملا تغيب فيه الأقدام، وإنهم لم يروا عليها دابة ولا أثر شيء من الحيوان، وإنّ جميع ما يطير في الجوّ لا يبلغها، وإنّ البرد فيها شديد والريح عظيمة الهبوب والعصوف، وإنهم عدّوا في كوّاتها سبعين كوّة يخرج منها الدخان الكبريتي، وإنه كان معهم رجل من أهل تلك الناحية فعرّفهم أنّ ذلك الدخان تنفس البيوراسف، ورأوا
حول كل نقب من تلك الكوى كبريتا أصفر كأنه الذهب، وحملوا منه شيئا معهم حتى نظرنا إليه، وزعموا أنهم رأوا الجبال حوله مثل التلال وأنهم رأوا البحر مثل النهر الصغير، وبين البحر وبين هذا الجبل نحو عشرين فرسخا.
ودنباوند من فتوح سعيد بن العاصي في أيام عثمان لما ولي الكوفة سار إليها فافتتحها وافتتح الرّويان، وذلك في سنة 29 أو 30 للهجرة، وبلغ عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، أنّ ابن ذي الحبكة النّهدي يعالج تبريحا فأرسل إلى الوليد بن عقبة وهو وال على الكوفة ليسأله عن ذلك فإن أقرّ به فأوجعه ضربا وغرّبه إلى دنباوند، ففعل الوليد ذلك فأقرّ فغرّبه إلى دنباوند، فلما ولي سعيد ردّه وأكرمه فكان من رؤوس أهل الفتن في قتل عثمان، فقال ابن ذي الحبكة:
لعمري! إن أطردتني، ما إلى الذي ... طمعت به من سقطتيّ سبيل
رجوت رجوعي يا ابن أروى، ورجعتي ... إلى الحق دهرا، غال حلمك غول
وإنّ اغترابي في البلاد وجفوتي ... وشتمي في ذات الإله قليل
وإن دعائي، كلّ يوم وليلة، ... عليك بدنباوند كم لطويل
وقال البحتري يمدح المعتزّ بالله:
فما زلت حتى أذعن الشّرق عنوة، ... ودانت على ضغن أعالي المغارب
جيوش ملأن الأرض، حتى تركنها ... وما في أقاصيها مفرّ لهارب
مددن وراء الكوكبيّ عجاجة ... أرته، نهارا، طالعات الكواكب
وزعزعن دنباوند من كل وجهة، ... وكان وقورا مطمئنّ الجوانب

نَهَاوَنْد

نَهَاوَنْد:
بفتح النون الأولى وتكسر، والواو مفتوحة، ونون ساكنة، ودال مهملة: هي مدينة عظيمة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام، قال أبو المنذر هشام:
سميت نهاوند لأنهم وجدوها كما هي، ويقال إنها من بناء نوح، عليه السّلام، أي نوح وضعها وإنما اسمها نوح أوند فخففت وقيل نهاوند، وقال حمزة:
أصلها بنوهاوند فاختصروا منها ومعناه الخير المضاعف، قال بطليموس: نهاوند في الإقليم الرابع، طولها اثنتان وسبعون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، وهي أعتق مدينة في الجبل، وكان فتحها سنة 19، ويقال سنة 20، وذكر أبو بكر الهذلي عن محمد بن الحسن: كانت وقعة نهاوند سنة 21 أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأمير المسلمين النعمان بن مقرّن المزني، وقال عمر: إن أصبت فالأمير حذيفة ابن اليمان ثم جرير بن عبد الله ثم المغيرة بن شعبة ثم الأشعث بن قيس، فقتل النعمان وكان صحابيّا فأخذ الراية حذيفة وكان الفتح على يده صلحا، كما ذكرناه في ماه دينار، وقال المبارك بن سعيد عن أبيه قال:
نهاوند من فتوح أهل الكوفة والدّينور من فتوح أهل البصرة، فلما كثر الناس بالكوفة احتاجوا إلى أن يرتادوا من النواحي التي صولح على خراجها فصيّرت لهم الدينور وعوّض أهل البصرة نهاوند لأنها قريبة من أصبهان فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة فسميت نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة، وذلك في أيام معاوية بن أبي سفيان، قال ابن الفقيه: وعلى جبل نهاوند طلسمان وهما صورة سمكة وصورة ثور من ثلج لا يذوبان في شتاء ولا صيف، ويقال إنهما للماء لئلا يقلّ بها، فماؤها نصفان:
نصف إليها ونصف إلى الدينور، وقال في موضع آخر:
وماء ذلك الجبل ينقسم قسمين، قسم يأخذ إلى نهاوند وقسم يأخذ في المغرب حتى يسقي رستاقا يقال له الأشتر، وقال مسعر بن المهلهل أبو دلف: وسرنا من همذان إلى نهاوند وبها سمكة وثور من حجر حسنا الصورة يقال إنهما طلسم لبعض الآفات التي كانت بها، وبها آثار لبعض الفرس حسنة، وفي وسطها حصن عجيب البناء عالي السّمك، وبها قبور قوم من العرب استشهدوا في صدر الإسلام، وماؤها بإجماع العلماء غذيّ مريء، وبها شجر خلاف تعمل منه الصوالجة ليس في شيء من البلدان مثله في صلابته وجودته، قال ابن الفقيه: وبنهاوند قصب يتخذ منه ذريرة وهو هذا الحنوط فما دام بنهاوند أو بشيء من رساتيقها فهو والخشبة بمنزلة واحدة لا رائحة له، فإذا حمل منها وجاوز العقبة التي يقال لها عقبة الركاب فاحت رائحته وزالت الخشبيّة عنه، وقال عبيد الله الفقير إليه مؤلف الكتاب: ومما يصدق هذه الحكاية ما ذكره محمد بن أحمد بن سعيد التميمي في كتاب له ألّفه في الطبّ في مجلّدين وسماه حبيب العروس وريحان النفوس، قال: قصبة الذريرة هي القمحة العراقية وهي ذريرة القصب، وقال فيه يحيى بن ماسويه: إنه قصب يجلب من ناحية نهاوند، قال: وكذلك قال فيه محمد بن العباس الخشكي قال: وأصله قصب ينبت في أجمة في بعض الرساتيق يحيط بها جبال والطريق إليها في عدة عقاب فإذا طال ذلك القصب ترك حتى يجفّ ثم يقطع عقدا وكعابا على مقدار عقد ويعبى في
جوالقات ويحمل فإن أخذته على عقبة من تلك العقاب مسماة معروفة نخر وتهافت وتكلّس جسمه فصار ذريرة وسمي قمحة، وإن أسلك به على غير تلك العقبة لم يزل على حاله قصبا صلبا وأنابيب وكعابا صلبة لا ينتفع به ولا يصلح إلا للوقود، وهذا من العجائب الفردة، وقال ابن الفقيه: يوجد على حافّات نهر نهاوند طين أسود للختم وهو أجود ما يكون من الطين وأشده سوادا وتعلّكا، يزعم أهل الناحية أن السراطين تخرجه من جوف النهر وتلقيه إلى حافاته، ويقولون إنهم لو حفروا في قرار النهر ما حفروا أو في جوانبه ما وجدوا إلا ما تخرجه السراطين، قال: وحدثني رجل من أهل الأدب قال: رأيت بنهاوند فتى من الكتّاب وهو كالساهي فقلت له: ما حالك؟ فقال:
يا طول ليلي بنهاوند ... مفكّرا في البثّ والوجد
فمرّة آخذ من منية ... لا تجلب الخير ولا تجدي
ومرّة أشدو بصوت إذا ... غنّيته صدّع لي كبدي
قد جالت الأيام بي جولة ... فصرت منها ببروجرد
كأنني في خانها مصحف ... مستوحش في يد مرتدّ
الحمد لله على كلّ ما ... قدّر من قبل ومن بعد
وبين همذان ونهاوند أربعة عشر فرسخا، من همذان إلى روذراور سبعة فراسخ، وجمع الفرس جموعها بنهاوند قيل مائة وخمسون ألف فارس وقدّم عليهم الفيروزان وبلغ ذلك المسلمين فأنفذ عمر عليهم الجيوش وعليهم النعمان بن مقرّن فواقعهم فقتل أول قتيل فأخذ حذيفة بن اليمان رايته وصار الفتح، وذلك أول سنة 19 لسبع سنين من خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقيل: كانت سنة 20، والأول أثبت، فلم يقم للفرس بعد هذه الوقعة قائم فسماها المسلمون فتح الفتوح، فقال القعقاع بن عمرو المخزومي:
رمى الله من ذمّ العشيرة سادرا ... بداهية تبيضّ منها المقادم
فدع عنك لومي لا تلمني فإنني ... أحوط حريمي والعدوّ الموائم
فنحن وردنا في نهاوند موردا ... صدرنا به، والجمع حرّان واجم
وقال أيضا:
وسائل نهاوندا بنا كيف وقعنا ... وقد أثخنتها في الحروب النوائب
وقال أيضا:
ونحن حبسنا في نهاوند خيلنا ... لشدّ ليال أنتجت للأعاجم
فنحن لهم بينا وعصل سجلّها ... غداة نهاوند لإحدى العظائم [1]
ملأنا شعابا في نهاوند منهم ... رجالا وخيلا أضرمت بالضرائم
وراكضهنّ الفيرزان على الصفا ... فلم ينجه منا انفساح المخارم

مُسْتَوَى

مُسْتَوَى

مثال
: مستوى ذكاء الطفل
الرأي: مرفوضة
السبب: لأنها لم ترد في المعاجم القديمة بهذا المعنى.
المعنى: درجته

الصواب والرتبة: -مستوى ذكاء الطفل [صحيحة]
التعليق: تشيع كلمة «مستوى» في لغة العصر الحديث بمعنى الــدرجة والمكانة، فيقال: «مستوى اجتماعي»، «مستوى الإنتاج»، «مستوى المعيشة» ونص الوسيط في طبعته الثالثة على أن المستوى: الــدرجة والمكانة التي استوى عليها الشيء. وبهذا أخذت معظم المعاجم الحديثة.

فَسَا

فَسَا فَسْواً وفُسَاءً: أخْرَجَ رِيحاً من مَفْساهُ بلا صَوْتٍ،
وهو فَسَّاءٌ وفَسُوٌّ: كَثيرُه.
والفاسِياءُ والفاسِيَةُ: الخُنْفُساءُ.
وفَسَواتُ الضِباعِ: كَمْأَةٌ.
والفَسْوُ: لَقَبُ حَيٍّ من عبدِ القَيْسِ، نادَى زَيْدُ بنُ سَلامَةَ منهم على عارِ هذا اللَّقَبِ في عُكاظَ بِبُرْدَيْ حِبَرَةٍ، فاشتراهُ عبدُ الله بنُ بَيْدَرَةَ ابنِ مَهْوٍ، ولَبِسَ البُرْدَيْنِ.
وفَسا: د بفارِسَ، منه أبو عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ الفَسَوِيُّ، ومنه الثيابُ الفَساسارِيَّةُ. وابنُ فَسْوَة: شاعرٌ.
والفَسَا: لغةٌ في الهَمْزِ.
(فَسَا)
(س) فِي حَدِيثِ شُرَيح «سُئل عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّق الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَرْتَجِعها فيَكْتُمها رَجْعَتها حَتَّى تَنْقَضِي عِدّتها، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا فَسْوَة الضَّبُع» أَيْ لَا طَائِلَ لَهُ فِي ادِّعاء الرَّجْعة بَعْدَ انْقِضَاءِ العِدّة. وَإِنَّمَا خَصَّ الضَّبُع لحُمقِها وخُبْثها.
وَقِيلَ: هِيَ شجَرة تَحمِل الخَشْخاش، لَيْسَ فِي ثَمرها كبيرُ طَائِلٍ.
وَقَالَ صَاحِبُ «الْمِنْهَاجِ» فِي الطِب: هِيَ القَعْبَل، وَهُوَ نَبَاتٌ كَرِيه الرَّائِحَةِ، لَهُ رَأْسٌ يطيخ ويُؤكل باللَّبَن، وَإِذَا يَبِس خَرَجَ مِنْهُ مِثْل الوَرْس.
فَسَا:
بالفتح، والقصر، كلمة عجمية، وعندهم بسا، بالباء، وكذا يتلفظون بها وأصلها في كلامهم الشمال
من الرياح: مدينة بفارس أنزه مدينة بها فيما قيل، بينها وبين شيراز أربع مراحل، وهي في الإقليم الرابع، طولها سبع وسبعون درجة وربع، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلثان، قال الإصطخري:
وأما كورة دارابجرد فإن أكبر مدنها فسا، وهي مدينة مفترشة البناء واسعة الشوارع تقارب في الكبر شيراز وهي أصحّ هواء من شيراز وأوسع أبنية، وبناؤهم من طين وأكثر الخشب في أبنيتهم السّرو، وهي مدينة قديمة ولها حصن وخندق وربض وأسواقها في ربضها، وهي مدينة يجتمع فيها ما يكون في الصّرود والجروم من البلح والرّطب والجوز والأترج وغير ذلك، وباقي مدن دارابجرد متقاربة، وبين فسا وكازرون ثمانية فراسخ، ومن شيراز إلى فسا سبعة وعشرون فرسخا، وقال حمزة بن الحسن في كتاب الموازنة: المنسوب إلى مدينة فسا من كورة دارابجرد يسمّى بساسيريّ ولم يقولوا فسائيّ، وقولهم بساسير مثل قولهم گرم سير وسردسير، وكذلك النسبة إلى كسنا ناحية قرب نائين كسناسيري، وإليها ينسب أبو عليّ الفارسي الفسوي، وأبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي الفارسي الإمام، رحل إلى المشرق والمغرب وسمع فأكثر وصنّف مع الورع والنسك، روى عن عبد الله بن موسى وغيره، روى عنه أبو محمد بن درستويه النحوي، وتوفي سنة 277، قال ابن عساكر: أبو سفيان بن أبي معاوية الفارسي الفسوي قدم دمشق غير مرّة وسمع بها، روى عنه أبو عبد الرحمن الساوي في سننه وأبو بكر بن أبي داود وعبد الله بن جعفر بن درستويه وأبو محمد أحمد بن السري بن صالح بن أبان الشيرازي ومحمد بن يعقوب الصّفّار والحسن بن سفيان وأبو عوانة الأسفراييني وغيرهم، وكان يقول: كتبت عن ألف شيخ كلهم ثقات، قال الحافظ أبو القاسم:
أنبأنا ابن الأكفاني عن عبد العزيز الكناني أنبأنا أبو بكر عبد الله بن أحمد إجازة سمعت أبا بكر أحمد ابن عبدان يقول: لما قدم يعقوب بن الليث صاحب خراسان إلى فارس أخبر أنه هناك رجل يتكلم في عثمان بن عفّان، وأراد بالرجل يعقوب بن سفيان الفسوي فإنه كان يتشيع، فأمر بإشخاصه من فسا إلى شيراز، فلما قدم علم الوزير ما وقع في نفس يعقوب بن الليث فقال: أيها الأمير إن هذا الرجل قدم ولا يتكلم في أبي محمد عثمان بن عفان شيخنا وإنما يتكلم في عثمان بن عفان صاحب النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما سمع قال: ما لي ولأصحاب النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وإنما توهّمت أنه تكلم في عثمان بن عفان السجزي، ولم يتعرّض له.

زأبق

(زأبق)
الشَّيْء طلاه بالزئبق
زأبق: زِئْبَق: والعامة تقول زَيْبَق (محيط المحيط، فوك).
الزئبق الحلو: كالوحل، ذرور يتخذ مسهلاً (بوشر).
تراب الزئبق: هو الزئبق المقتول، وهو أن يُسْحَق الزئبق مع بعض الأدوية الترابيَّة بالخل حتى تغيب عيونه (معجم المنصوري)، والزئبق المقتول مذكور عند ابن البيطار: هو أن يسحق حتى تغيب عيونه.
(ز أب ق) : (زَأْبَقَ) الدَّرَاهِمَ طَلَاهَا بِالزِّئْبَقِ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ وَهُوَ الزَّاوُوقُ وَدِرْهَمٌ مُزَأْبَقٌ وَالنَّاسُ يَقُولُونَ مُزْبَقٌ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ (وَمِنْهُ) كَرِهَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدَّرَاهِمَ الْمُزْبَقَةَ.
(ز ن ب ق) : (الزَّنْبَقُ دُهْنُ الْيَاسَمِينِ) .

ز

أبقQ. 1 زَأْبَقَ He did over dirhems, or pieces of money, with زِئْبِق [i. e. quicksilver]. (Mgh.) [It is said that] the verb [from زئبق, or rather its inf. n.,] is التَّزْبِيقُ: (TA:) [but see مَزَأْبَقٌ, below.]

زِئْبِقٌ, (S, Mgh, Msb, K,) thus pronounced by some, (S,) and this is the form preferred by ElMeydánee, and that which is in the Fs and its Expositions, (TA,) rendered quasi-coordinate to زِئْبِرٌ and ضِئْبِلٌ, (S, in which it is mentioned in art. زبق,) also pronounced زِئْبَقٌ, (S, K, [in both of which it is implied that this is the more common form, and such is the case now,]) and it is allowable to pronounce it زِيبِقٌ, (Msb,) an arabicized word, (S, K,) of well-known meaning, [i. e. Quicksilver,] (Msb, K,) originally Pers\. [Cِيوَهْ and زِيبَقْ or زِيبِقْ]; (S;) i. q. زَاوُوقٌ: (Mgh, TA:) some of it is drawn in a fluid state from its mine, and some is extracted from stones of the mine by means of fire: its smoke, or vapour, puts to flight serpents and scorpions from the house, or kills such of them as remain [therein]. (K.) b2: Hence, as being likened thereto, (TA,) زِئْبِقٌ and زِئْبَقٌ signify also (tropical:) A man who is light, inconstant, unsteady, irresolute, or fickle. (Ibn-'Abbád, TA.) زِئْبَقِىٌّ Of, or relating to, quicksilver. b2: and A seller of quicksilver.]

دِرْهَمٌ مُزَأْبَقٌ, (Lth, S, Mgh, TA,) said by Th to be correctly مَزَأْبِقٌ, with kesr to the ب, (TA in art. زبق, [but this is app. a mistake,]) or مُزَيْبَقٌ, with fet-h to the ب, (Msb,) A dirhem, or piece of money, done over with زئبق [i. e. quicksilver]: (Lth, Mgh, Msb, TA:) the vulgar say مُزَبَّقٌ. (S, Mgh.)
زأبق
زأبقَ يزأبق، زأبقةً، فهو مُزأبِق، والمفعول مُزأبَق
• زأبق الزُّجاجَ: طلاه بالزِّئبق.
• زأبق الدَّواءَ: جعل فيه الزِّئبق. 

زِئبَق [مفرد]: (كم) عنصر فِلزِّيّ فِضِّيّ اللون، سائل في درجة الحرارة العاديَّة، ويتجمد عند درجة أربعين تحت الصفر، وهو المعدن الوحيد السائل الذي يُوجد في الطبيعة منفردًا أو متحدًا بعناصر أخرى مختلفة التركيب، أملاحه سامَّة، ومركباته عديدة، تُستخدم في مختلف الأغراض الصّناعيّة والطبيَّة، كما يُستعمل في البارومتر والترمومتر "مرهم زئبقيّ: محتوٍ على الزِّئبق- ميزان الحرارة الزئبقيّ" ° شخصٌ زئبقيّ: كثير التهرُّب. 

زِئْبَقِيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى زِئبَق: "لن تتراجع إسرائيل عن الوعود الزئبقيّة- اضطرّ لاستخدام الوسائل الزئبقيّة في تحقيق أهدافه".
2 - مصدر صناعيّ من زِئبَق: حالة من المراوغة أو التلوّن، يتميّز بها بعض الأشخاص أو الهيئات أو الدول، وهي خاصِّيّة مواكبة للتخلُّف الحضاريّ "حاولت بعض الهيئات فرض حصار على الزئبقيّة ومنعها من الانتشار".
3 - (طب) تسمُّم بالزئبق، أو بمستحضرات تحتوي على الزئبق. 
زأبق
{الزِّئْبَقُ: م معروفٌ، وَهُوَ كدِرهَمٍ، وزِبْرِجٍ وعَلَى الأخِيرِ فَهُوَ مُلْحَقٌ بزئْبِرٍ، وضِئْبِل، فارِسِي معَرَّبٌ أُعْرِبَ بالهَمْزَةِ، وَهُوَ الزّاوُوق، وَفِي المُغْرِب أنّه يُقال بِالْيَاءِ وبالهَمْزِ، واختارَ المَيدانِي فِي أَنّه بالهمزِ وكسرِ الباءَ، وَهُوَ الذِي فِي الفَصِيح وشُرُوحِه، وَقَالَ اللَّيْثُ: وتُلَيَّنُ فِي لُغَةٍ، والفِعْلُ مِنْهُ التَّزبِيقُ. وَهُوَ أنْواعٌ: مِنْه مَا يُستَقَى من مَعدِنِه، وَمِنْه مَا يُسْتَخْرَجُ من حِجارَةٍ مَعدنيَّةٍ بالنّارِ، ودُخانُه يُهَرِّبُ الحَيّاتِ والعَقارِبَ من البَيْتِ، وَمَا أقامَ مِنْها فيهِ قَتَلَهُ. وبهاءٍ: أَبُو القاسِم هِبَةُ اللهُ ابنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمّدِ بن} زِئْبَقَةَ عَن أبِي عَلِي بنِ المَهْدِيّ. وأَبُو أحمَدَ هَكَذَا فِي النًّسَخ، والصّوابُ: أَبو بَكْر أحمَدُ بنُ مُحَمدِ بن زئبقَةَ التَّمّارُ سَمعَ قاضِي المَارِسْتَان وإِسماعِيلُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ سَوّارٍ الشَّيْبانِي البَصْرِيُّ عَن إِبراهيمَ بنِ طَهْمانَ، والثَّوْرِيِّ، وَعنهُ ابنُ حَنبَلٍ.
وأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ هَكَذَا فِي النُّسَخ، وَفِي التَّبْصِير: أحمدُ بنُ عَمرٍ و {الزِّئْبَقِيّانِ: مُحَدِّثُونَ الأَخِيرُ شَيْخ للطَّبَرانِيِّ، وابنُه أَبو بَكرٍ مُحَمَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بنَ جَعْفَرِ بنِ الزِّبْرِقانِ.
وَمِمَّا يُستَدرك عَلَيْهِ:} الزِّئبِقُ، كزِبْرِج: الرجُلُ الطّائِشُ، وَقد تُفْتَحُ الباءُ، قالهُ ابنُ عَبّادٍ. قلتُ: وَهُوَ عَلَى التَّشبِيهِ.
ودِرْهَمٌ {مُزَأبَقٌ: مَطْلِيٌّ} بالزِّئْبَقِ، نَقَلَه اللَّيْثُ.

أَذْرَبِيجَان

أَذْرَبِيجَان:
بالفتح، ثم السكون، وفتح الراء، وكسر الباء الموحدة، وياء ساكنة، وجيم، هكذا جاء في شعر الشمّاخ:
تذكرّتها وهنا، وقد حال دونها ... قرى أذربيجان المسالح والجال
وقد فتح قوم الذال، وسكنّوا الراء، ومدّ آخرون الهمزة مع ذلك. وروي عن المهلب، ولا أعرف المهلّب هذا، آذربيجان، بمد الهمزة، وسكون الذّال، فيلتقي ساكنان، وكسر الراء، ثم ياء ساكنة، وباء موحدة مفتوحة، وجيم، وألف، ونون.
قال أبو عون إسحاق بن علي في زيحه: أذربيجان في الإقليم الخامس، طولها ثلاث وسبعون درجة، وعرضها أربعون درجة. قال النّحويون: النسبة إليه أذريّ، بالتحريك، وقيل: أذري بسكون الذال، لأنه عندهم مركب من أذر وبيجان، فالنسبة إلى الشطر الأول، وقيل أذربي، كلّ قد جاء. وهو اسم اجتمعت فيه خمس موانع من الصرف: العجمة، والتعريف، والتأنيث، والتركيب، ولحاق الألف والنون، ومع ذلك، فانه إذا زالت عنه إحدى هذه الموانع، وهو التعريف، صرف، لأن هذه الأسباب لا تكون موانع من الصرف، إلا مع العلمية، فإذا زالت العلمية بطل حكم البواقي، ولولا ذلك، لكان مثل قائمة، ومانعة، ومطيعة، غير منصرف، لأن فيه التأنيث، والوصّف، ولكان مثل الفرند، واللّجام، غير منصرف لاجتماع العجمة والوصف فيه، وكذلك الكتمان، لأن فيه الألف والنون، والوصف، فاعرف ذلك. قال ابن المقفّع: أذربيجان مسماة باذرباذ بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح، عليه السلام، وقيل:
أذرباذ بن بيوراسف، وقيل: بل أذر اسم النار بالفهلوية، وبايكان معناه الحافظ والخازن، فكأن معناه بيت النار، أو خازن النار، وهذا أشبه بالحقّ وأحرى به، لأن بيوت النار في هذه الناحية كانت كثيرة جدّا. وحدّ أذربيجان من برذعة مشرقا إلى أرزنجان مغربا، ويتّصل حدّها من جهة الشمال ببلاد الديلم، والجيل، والطّرم، وهو إقليم واسع. ومن مشهور مدائنها: تبريز، وهي اليوم قصبتها وأكبر مدنها، وكانت قصبتها قديما المراغة، ومن مدنها خويّ، وسلماس، وأرمية، وأردبيل، ومرند، وغير ذلك. وهو صقع جليل، ومملكة عظيمة، الغالب عليها الجبال، وفيه قلاع كثيرة، وخيرات واسعة، وفواكه جمة، ما رأيت ناحية أكثر بساتين منها، ولا أغزر مياها وعيونا، لا يحتاج السائر بنواحيها إلى حمل إناء للماء، لأن المياه جارية تحت أقدامه أين توجه، وهو ماء بارد عذب صحيح. وأهلها صباح الوجوه حمرها، رقاق البشرة، ولهم لغة يقال لها: الأذرية، لا يفهمها غيرهم. وفي أهلها لين وحسن معاملة، إلا أن البخل يغلب على طباعهم. وهي بلاد فتنة وحروب، ما خلت قط منها، فلذلك أكثر مدنها خراب، وقراها يباب. وفي أيامنا هذه، هي مملكة
جلال الدين منكبرنى بن علاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه. وقد فتحت أولا في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وكان عمر قد أنفذ المغيرة بن شعبة الثّقفي واليا على الكوفة، ومعه كتاب إلى حذيفة بن اليمان، بولاية أذربيجان، فورد الكتاب على حذيفة وهو بنهاوند، فسار منها إلى أذربيجان في جيش كثيف، حتى أتى أردبيل، وهي يومئذ مدينة أذربيجان. وكان مرزبانها قد جمع المقاتلة من أهل باجروان، وميمذ، والبذّ، وسراو، وشيز، والميانج، وغيرها، فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا أياما. ثم إن المرزبان صالح حذيفة على جميع أذربيجان، على ثمانمائة ألف درهم وزن، على أن لا يقتل منهم أحدا، ولا يسبيه، ولا يهدم بيت نار، ولا يعرض لأكراد البلاشجان، وسبلان، وميان روذان، ولا يمنع أهل الشيز خاصّة من الزّفن في أعيادهم، وإظهار ما كانوا يظهرونه. ثم إنه غزا موقان، وجيلان، فأوقع بهم، وصالحهم على إتاوة. ثم إنّ عمر، رضي الله عنه، عزل حذيفة، وولّى عتبة بن فرقد على أذربيجان، فأتاها من الموصل، ويقال: بل أتاها من شهرزور على السّلق الذي يعرف بمعاوية الأذري، فلما دخل أردبيل، وجد أهلها على العهد، وقد انتقضت عليه نواح، فغزاها وظفر وغنم، فكان معه ابنه عمرو بن عتبة بن فرقد الزاهد، وعن الواقدي:
غزا المغيرة بن شعبة أذربيجان من الكوفة، سنة اثنتين وعشرين، ففتحها عنوة، ووضع عليها الخراج.
وروى أبو المنذر هشام بن محمد عن أبي مخنف، أن المغيرة بن شعبة غزا أذربيجان في سنة عشرين ففتحها، ثم إنهم كفروا، فغزاهم الأشعث بن قيس الكندي، ففتح حصن جابروان، وصالحهم على صلح المغيرة، ومضى صلح الأشعث إلى اليوم. وقال المدائني:
لما هزم المشركون بنهاوند، رجع الناس إلى أمصارهم، وبقي أهل الكوفة مع حذيفة، فغزا بهم أذربيجان، فصالحهم على ثمانمائة ألف درهم، ولما استعمل عثمان بن عفان، رضي الله عنه، الوليد بن عقبة على الكوفة، عزل عتبة بن فرقد عن أذربيجان، فنقضوا، فغزاهم الوليد بن عقبة سنة خمس وعشرين، وعلى مقدمته عبد الله بن شبيل الأحمسي، فأغار على أهل موقان، والتبريز، والطّيلسان، فغنم وسبا، ثم صالح أهل أذربيجان على صلح حذيفة.

العالي

(العالي) يُقَال فلَان عالي الكعب شرِيف وأتيته من عَال من فَوق
العالي:
[في الانكليزية] Climax
[ في الفرنسية] Gradation
هو عند المحدّثين عبارة عن الإسناد الذي فيه علوّ ويقابله النازل كما عرفت. وعند البلغاء هو أن يأتي الشاعر. بألفاظ فصيحة ثم يركّبها بأسلوب غاية في الجزالة واللطافة، كأنّما ارتقت درجة درجة في سلم الحسن، وأن تكون أشعاره أعلى من بقية الشعر بحيث يقرّ له الفصحاء بعلوّ مرتبته، كذا في جامع الصنائع.

الشّعاع

الشّعاع:
[في الانكليزية] Ray
[ في الفرنسية] Rayon
بالضم وتخفيف العين المهملة هو ضوء الشمس كما في المنتخب. وقيل هو شيء مترقرق غير ضوء وسيجيء. وتحت الشّعاع عند المنجمين عبارة عن اختفاء كوكب بسبب نور الشمس.
ويختلف حدّ تحت الشعاع وذلك لأنّ كلّ كوكب يختلف عرضه ومنظره في كلّ شهر وكلّ برج وكلّ جهة. وقد قيل: إنّ حدّ تحت الشعاع لعطارد والزهرة اثنتا عشرة درجة، ولزحل والمشتري خمس عشرة درجة وللمريخ ثلاث عشرة درجة، وإن يكن في هذا المقدار من البعد لا يختفي تحت نور الشمس، ولكن إذا كان البعد أقلّ من نصف الجرم فهو محترق. وإذا كان أقلّ من نصف القطر فهو تصميم. وحدّ الاحتراق عند الجمهور ستّ درجات، وأمّا حدّ التصميم فهو ست عشرة دقيقة. كذا في كفاية التعليم.

صَنْعَاءُ

صَنْعَاءُ:
منسوبة إلى جودة الصنعة في ذاتها، كقولهم:
امرأة حسناء وعجزاء وشهلاء، والنسبة إليها صنعانيّ
على غير قياس كالنسبة إلى بهراء بهراني، وصنعاء:
موضعان أحدهما باليمن، وهي العظمى، وأخرى قرية بالغوطة من دمشق، ونذكر أوّلا اليمانية ثمّ نذكر الدمشقية ونفرق بين من نسب إلى هذه وهذه، فأما اليمانية فقال أبو القاسم الزجاجي: كان اسم صنعاء في القديم أزال، قال ذلك الكلبي والشّرقي وعبد المنعم، فلمّا وافتها الحبشة قالوا نعم نعم فسمّي الجبل نعم أي انظر، فلمّا رأوا مدينتها وجدوها مبنية بالحجارة حصينة فقالوا هذه صنعة ومعناه حصينة فسمّيت صنعاء بذلك، وبين صنعاء وعدن ثمانية وستون ميلا، وصنعاء قصبة اليمن وأحسن بلادها، تشبّه بدمشق لكثرة فواكهها وتدفق مياهها فيما قيل، وقيل:
سميت بصنعاء بن أزال بن يقطن بن عابر بن شالخ وهو الذي بناها، وطول صنعاء ثلاث وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها أربع عشرة درجة وثلاثون دقيقة، وهي في الإقليم الأوّل، وقيل: كانت تسمى أزال، قال ابن الكلبي: إنما سميت صنعاء لأن وهرز لما دخلها قال: صنعة صنعة، بريد أن الحبشة أحكمت صنعتها، قال: وإنّما سميت باسم الذي بناها وهو صنعاء بن أزال بن عبير بن عابر بن شالخ فكانت تعرف بأزال وتارة بصنعاء، وقال مجاهد في قوله تعالى:
غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ 34: 12، كان سليمان، عليه السلام، يستعمل الشياطين بإصطخر ويعرضهم بالريّ ويعطيهم أجورهم بصنعاء فشكوا أمرهم إلى إبليس فقال: عظم البلاء وقد حضر الفرج، وقال عمارة بن أبي الحسن:
ليس بجميع اليمن أكبر ولا أكثر مرافق وأهلا من صنعاء، وهو بلد في خط الاستواء، وهي من الاعتدال من الهواء بحيث لا يتحوّل الإنسان من مكان طول عمره صيفا ولا شتاء، وتتقارب بها ساعات الشتاء والصيف، وبها بناء عظيم قد خرب، وهو تلّ عظيم عال وقد عرف بغمدان، وقال معمر: وطئت أرضين كثيرة شاما وخراسان وعراقا فما رأيت مدينة أطيب من صنعاء، وقال محمد بن أحمد الهمداني الفقيه:
صنعاء طيبة الهواء كثيرة الماء يقال إن أهلها يشتون مرتين ويصيّفون مرّتين وكذلك أهل فران ومأرب وعدن والشحر، وإذا صارت الشمس إلى أوّل الحمل صار الحر عندهم مفرطا، فإذا صارت إلى أوّل السرطان وزالت عن سمت رؤوسهم أربعة وعشرين شتوا ثمّ تعود الشمس إليهم إذا صارت إلى أول الميزان فيصيّفون ثانية ويشتدّ الحرّ عليهم، فإذا زالت إلى الجنوب وصارت إلى الجدي شتوا ثانية غير أن شتاءهم قريب من صيفهم، قال: وكان في ظفار وهي صنعاء، كذا قال، وظفار مشهورة على ساحل البحر، ولعلّ هذه كانت تسمّى بذلك، قريب من القصور قصر زيدان، وهو قصر المملكة، وقصر شوحطان، وقصر كوكبان، وهو جبل قريب منها، وقد ذكر في موضعه، قال:
وكان لمدينة صنعاء تسعة أبواب، وكان لا يدخلها غريب إلّا بإذن، كانوا يجدون في كتبهم أنها تخرب من رجل يدخل من باب لها يسمّى باب حقل فكانت عليه أجراس متى حركت سمع صوت الأجراس من الأماكن البعيدة، وكانت مرتبة صاحب الملك على ميل من بابها، وكان من دونه إلى الباب حاجبان بين كلّ واحد إلى صاحبه رمية سهم، وكانت له سلسلة من ذهب من عند الحاجب إلى باب المدينة ممدودة وفيها أجراس متى قدم على الملك شريف أو رسول أو بريد من بعض العمال حركت السلسلة فيعلم الملك بذلك فيرى رأيه، وقال أبو محمد اليزيدي يمدح صنعاء ويفضلها على غيرها وكان قد دخلها:
قلت ونفسي جمّ تأوّهها ... تصبو إلى أهلها وأندهها:
سقيا لصنعاء! لا أرى بلدا ... أوطنه الموطنون يشبهها
خفضا ولينا، ولا كبهجتها، ... أرغد أرض عيشا وأرفهها
يعرف صنعاء من أقام بها ... أعذى بلاد عذا وأنزهها
ما أنس لا أنس ما فجعت به ... يوما بنا إبلها تجهجهها
فصاح بالبين ساجع لغب، ... وجاهرت بالشّمات أمّهها
ضعضع ركني فراق ناعمة ... في ناعمات تصان أوجهها
كأنّها فضّة مموّهة ... أحسن تمويهها مموّهها
نفس بين الأحباب والهة، ... وشحط ألّافها يولّهها
نفى عزائي وهاج لي حزني، ... والنّفس طوع الهوى ينفهها
كم دون صنعاء سملقا جددا ... ينبو بمن رامها معوّهها
أرض بها العين والظّباء معا ... فوضى مطافيلها وولّهها
كيف بها، كيف وهي نازحة، ... مشبّه تيهها ومهمهها
وبنى أبرهة بصنعاء القليس وأخذ الناس بالحجّ إليه وبناه بناء عجيبا، وقد ذكر في موضعه، وقدم يزيد ابن عمرو بن الصّعق صنعاء ورأى أهلها وما فيها من العجائب، فلمّا انصرف قيل له: كيف رأيت صنعاء؟ فقال:
ومن ير صنعاء الجنود وأهلها، ... وجنود حمير قاطنين وحميرا
يعلم بأنّ العيش قسّم بينهم، ... حلبوا الصفاء فأنهلوا ما كدّرا
ويرى مقامات عليها بهجة ... يأرجن هنديّا ومسكا أذفرا
ويروى عن مكحول أنّه قال: أربع من مدن الجنة:
مكّة والمدينة وإيلياء ودمشق، وأربع من مدن النار:
أنطاكية والطوانة وقسطنطينية وصنعاء، وقال أبو عبيد: وكان زياد بن منقذ العدوي نزل صنعاء فاستوبأها وكان منزله بنجد في وادي أشيّ فقال يتشوق بلاده:
لا حبّذا أنت يا صنعاء من بلد، ... ولا شعوب هوى مني ولا نقم
وحبّذا حين تمسي الرّيح باردة ... وادي أشيّ وفتيان به هضم
مخدّمون كرام في مجالسهم، ... وفي الرّحال إذا صحبتهم خدم
الواسعون إذا ما جرّ غيرهم ... على العشيرة، والكافون ما جرموا
ليست عليهم إذا يغدون أردية ... إلّا جياد قسيّ النّبع واللّجم
لم ألق بعدهم قوما فأخبرهم ... إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم
يا ليت شعري عن جنبي مكشّحة ... وحيث تبنى من الحنّاءة الأطم
عن الأشاءة هل زالت مخارمها، ... وهل تغيّر من آرامها إرم؟
يا ليت شعري! متى أغدو تعارضني ... جرداء سابحة أم سابح قدم
نحو الأميلح أو سمنان مبتكرا ... في فتية فيهم المرّار والحكم
من غير عدم ولكن من تبذّلهم ... للصّيد حين يصيح الصائد اللّحم
فيفزعون إلى جرد مسحّجة ... أفنى دوابرهنّ الركض والأكم
يرضخن صمّ الحصى في كل هاجرة ... كما تطايح عن مرضاخه العجم
وهي أكثر من هذا وإنّما ذكرت ما ذكرت منها وإن لم يكن فيها من ذكر صنعاء إلّا البيت الأوّل استحسانا لها وإيفاء بما شرط من ذكر ما يتضمن الحنين إلى الوطن ولكونها اشتملت على ذكر عدة أماكن، وقد نسب إلى ذلك خلق وأجلّهم قدرا في العلم عبد الرزاق ابن همّام بن نافع أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني أحد الثقات المشهورين، قال أبو القاسم: قدم الشام تاجرا وسمع بها الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وسعيد بن بشير ومحمد بن راشد المكحولي وإسماعيل ابن عباس وثور بن يزيد الكلاعي وحدّث عنهم وعن معمّر بن راشد وابن جريج وعبد الله وعبيد الله ابني عمرو بن مالك بن أنس وداود بن قيس الفرّاء وأبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وعبد الله بن زياد بن سمعان وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وأبي معشر نجيح السندي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ومعتمر بن سليمان التيمي وأبي بكر بن عباس وسفيان الثوري وهشيم بن بشير الواسطي وسفيان بن عيينة وعبد العزيز ابن أبي زياد وغير هؤلاء، روى عنه سفيان بن عيينة، وهو من شيوخه، ومعتمر بن سليمان، وهو من شيوخه، وأبو أسامة حمّاد بن أسامة وأحمد بن حنبل ويحيى ابن معين وإسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى الذّهلي وعليّ بن المديني وأحمد بن منصور الرّمادي والشاذكوني وجماعة وافرة وآخرهم إسحاق بن إبراهيم الدبري، وكان مولده سنة 126، ولزم معمّرا ثمانين سنة، قال أحمد بن حنبل: أتينا عبد الرزاق قبل المائتين وهو صحيح البصر، ومن سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف الإسناد، وكان أحمد يقول: إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق، وقال أبو خيثمة زهير بن حرب: لما خرجت أنا وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين نريد عبد الرزاق فلمّا وصلنا مكّة كتب أهل الحديث إلى صنعاء إلى عبد الرزاق:
قد أتاك حفّاظ الحديث فانظر كيف تكون أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب، فلمّا قدمنا صنعاء أغلق الباب عبد الرزاق ولم يفتحه لأحد إلّا لأحمد بن حنبل لديانته، فدخل فحدّثه بخمسة وعشرين حديثا ويحيى بن معين بين الناس جالس، فلمّا خرج قال يحيى لأحمد: أرني ما حلّ لك، فنظر فيها فخطّأ الشيخ في ثمانية عشر حديثا، فلمّا سمع أحمد الخطأ رجع فأراه مواضع الخطإ فأخرج عبد الرزاق الأصول فوجده كما قال يحيى ففتح الباب وقال: ادخلوا، وأخذ مفتاح بيته وسلّمه إلى أحمد ابن حنبل وقال: هذا البيت ما دخلته يد غيري منذ ثمانين سنة أسلّمه إليكم بأمانة الله على أنّكم لا تقولون ما لم أقل ولا تدخلون عليّ حديثا من حديث غيري، ثمّ أومأ إلى أحمد وقال: أنت أمين الدين عليك وعليهم، قال: فأقاموا عنده حولا، أنبأنا الحسن بن رستوا أنبأنا أبو عبد الرحمن النسائي قال: عبد الرزاق بن همّام فيه نظر لمن كتب عنه بآخره، وفي رواية أخرى: عبد الرزاق بن همام لمن
يكتب عنه من كتاب ففيه نظر ومن كتب عنه بآخره حاد عنه بأحاديث مناكير، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي قلت عبد الرزاق كان يتشيّع ويفرط في التشيّع؟ فقال: أما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئا ولكن كان رجلا تعجبه الأخبار، أنبأنا مخلد الشعيري قال: كنّا عند عبد الرزاق فذكر رجل معاوية فقال: لا تقذّروا مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان! أنبأنا عليّ بن عبد الله بن المبارك الصنعاني يقول: كان زيد بن المبارك لزم عبد الرزاق فأكثر عنه ثمّ حرق كتبه ولزم محمد بن ثور فقيل له في ذلك فقال: كنّا عند عبد الرزاق فحدثنا بحديث معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان الطويل، فلمّا قرأ قول عمر لعليّ والعباس: فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، قال: ألّا يقول الأنوك [1] رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم؟ قال زيد بن المبارك:
فقمت فلم أعد إليه ولا أروي عنه حديثا أبدا، أنبأنا أحمد بن زهير بن حرب قال: سمعت يحيى بن معين يقول وبلغه أن أحمد بن حنبل يتكلم في عبد الله ابن موسى بسبب التشيّع قال يحيى: والله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة لقد سمعت من عبد الرزاق في هذا المعنى أكثر ممّا يقول عبد الله بن موسى لكن خاف أحمد أن تذهب رحلته، أنبأنا سلمة بن شبيب قال: سمعت عبد الرزاق يقول والله ما انشرح صدري قطّ أن أفضّل عليّا على أبي بكر وعمر، رحم الله أبا بكر ورحم عمر ورحم عثمان ورحم عليّا ومن لم يحبّهم فما هو بمسلم فإن أوثق عملي حبّي إياهم، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. ومات عبد الرزّاق في شوّال سنة 211، ومولده سنة 126.
وصنعاء أيضا: قرية على باب دمشق دون المزّة مقابل مسجد خاتون خربت، وهي اليوم مزرعة وبساتين، قال أبو الفضل: صنعاء قرية على باب دمشق خربت الآن، وقد نسب إليها جماعة من المحدثين، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه: أبو الأشعث شراحيل بن أدّة، ويقال شراحيل بن شراحيل الصنعاني، من صنعاء دمشق، ومنهم أبو المقدام الصنعاني، روى عن مجاهد وعنبسة، روى عنه الأوزاعي والهيثم بن حميد وإسماعيل بن عياش، قال الأوزاعي: ما أصيب أهل دمشق بأعظم من مصيبتهم بالمطعم بن المقدام الصنعاني وبأبي مزيد الغنوي وبأبي إبراهيم بن حدّاد العذري، فأضافه إلى أهل دمشق والحاكم أبو عبد الله نسبه إلى اليمن، وقال أبو بكر أحمد بن عليّ الحافظ الأصبهاني في كتابه الذي جمع فيه رجال مسلم بن الحجاج: حفص بن ميسرة الصنعاني صنعاء الشام كنيته أبو عمر، زيد بن أسلم وموسى بن عقبة وغيرهما، روى عنه عبد الله بن وهب وسويد بن سعيد وغيرهما، وأبو بكر الأصبهاني أخذ هذه النسبة من كتاب الكنى لأبي أحمد النيسابوري فإنّه قال: أبو عمر حفص بن ميسرة الصنعاني صنعاء الشام، وقال أبو نصر الكلاباذي في جمعه رجال كتاب أبي عبد الله البخاري:
هو من صنعاء اليمن نزل الشام، والقول عندنا قول الكلاباذي بدليل ما أخبرنا أبو عمر عبد الوهاب بن الإمام أبي عبد الله بن مندة، أنبأنا أبو تمام إجازة قال: أخبرنا أبو سعيد بن يونس بن عبد الأعلى في كتاب المصريين قال: حفص بن ميسرة الصنعاني يكنى أبا عمر من أهل صنعاء، قدم مصر وكتب عنه، وحدث عنه عبد الله بن وهب وزمعة بن عرابي ابن معاوية بن أبي عرابي وحسّان بن غالب، وخرج هكذا في الأصل.
عن مصر إلى الشام فكانت وفاته سنة 181، وقال أبو سعيد: حدثني أبي عن جدي أنبأنا ابن وهب حدثني حفص بن ميسرة قال: رأيت على باب وهب بن منبّه مكتوبا: ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله، فدلّ جميع ذلك على أنّه كان من صنعاء اليمن، قدم مصر ثمّ خرج منها إلى الشام، وحنش بن عبد الله الصنعاني صنعاء الشام، سمع فضالة بن عبيد، روى عنه خالد ابن معدان والحلّاج أبو كبير وعامر بن يحيى المعافري، قال ابن الفرضي: عداده في المصريين وهو تابعي كبير ثقة ودخل الأندلس، قال: وهو حنش بن عبد الله بن عمرو بن حنظلة بن فهد بن قينان بن ثعلبة ابن عبد الله بن ثامر السّبائي وهو الصنعاني يكنى أبا رشيد، كان مع عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، بالكوفة وقدم مصر بعد قتل عليّ وغزا المغرب مع رويفع بن ثابت والأندلس مع موسى بن نصير، وكان فيمن ثار مع ابن الزبير على عبد الملك بن مروان فأتي به عبد الملك في وثاق فعفا عنه، حدث عنه الحارث بن يزيد وسلامان بن عامر بن يحيى وسيّار ابن عبد الرحمن وأبو مرزوق مولى نجيب وغيرهم، ومات بإفريقية في الإسلام وولده بمصر، وقيل إنّه مات بمصر، وقيل بسرقسطة وقبره بها معروف، كل ذلك عن ابن الفرضي، ويزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي الصنعاني صنعاء دمشق، هكذا ذكره البخاري في التاريخ العساكري، روى عن أبي أسماء الرحبي وأبي الأشعث الصنعاني وربيعة بن يزيد وذكر جماعة أخرى، قال أبو حاتم: يزيد بن ربيعة الصنعاني ليس بثقة دمشقيّ، قال جماعة من أصحاب الحديث:
ليس يعرف بدمشق كذّاب إلّا رجلين: الحكم بن عبد الله الأبلّي ويزيد بن ربيعة، قال أبو موسى الأصبهاني محمد بن عمر: كان الحاكم أبو عبد الله لا يعرف إلّا صنعاء اليمن فإنّه ذكر فيمن يجمع حديثهم من أهل البلدان، قال: ومن أهل اليمن أبو الأشعث الصنعاني والمطعم بن المقدام وراشد بن داود وحنش ابن عبد الله الصنعانيون وهؤلاء كلّهم شاميون لا يمانيون، قال أبو عبد الله الحميدي: حنش بن علي الصنعاني الذي يروي عن فضالة بن عبيد من صنعاء الشام قرية بباب دمشق، وأبو الأشعث الصنعاني منها أيضا، قاله عليّ بن المديني، قال الحميدي: ولهذا ظنّ قوم أن حنش بن عبد الله من الشام لا من صنعاء اليمن ولا أعرف حنش بن عليّ والذي يروي عن فضالة هو ابن عبد الله فهذا بيان حسن لطالب هذا العلم، وقال ابن عساكر: يحيى بن مبارك الصنعاني من صنعاء دمشق، روى عن كثير بن سليم وشريك بن عبد الله النخعي وأبي داود شبل بن عبّاد ومالك بن أنس، روى عنه إسماعيل بن عياض الأرسوفي وخطّاب بن عبد السلام الأرسوفي وعبد العظيم بن إبراهيم وإسماعيل بن موسى بن ذرّ العسقلاني نزيل أرسوف، ويزيد بن السمط أبو السمط الصنعاني الفقيه، روى عن الأوزاعي والنّعمان بن المنذر ومطعم بن المقدام وذكر جماعة وذكر بإسناده أن عالمي أهل الجند بعد الأوزاعي يزيد بن السمط ويزيد ابن يوسف، وكان ثقة زاهدا ورعا من صنعاء دمشق، ويزيد بن مرثد أبو عثمان الهمداني المدعي حي من همدان من أهل صنعاء دمشق، روى عن عبد الرحمن ابن عوف ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي ذرّ وأبي رهم اجزاب بن أسيد السمعي وأبي صالح الخولاني، روى عنه عبد الرحمن بن يزيد بن عامر وخالد بن معدان والوضين بن عطاء، وراشد بن داود أبو المهلّب، ويقال أبو داود الرسمي الصنعاني صنعاء دمشق، روى عن أبي الأشعث شراحيل بن أدّة وأبي
عثمان شراحيل بن مرثد الصنعانيين وأبي أسماء الرحبي ونافع ويعلى بن أبي شدّاد بن أوس وغيرهم، روى عنه يحيى بن حمزة وعبد الله بن محمد الصنعاني وعبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون وغيرهم، وسئل عنه يحيى بن معين فقال: ليس به بأس ثقة، قال يحيى:
وصنعاء هذه قرية من قرى الشام ليست صنعاء اليمن.

زِبَطْرَةُ

زِبَطْرَةُ، كقِمَطْرَةٍ: د بينَ مَلَطِيَّةَ وسُمَيْساطَ، وبنتٌ للرُّومِ بنِ اليَقَنِ بنِ سامِ بنِ نوحٍ، بَنَتْها.
زِبَطْرَةُ:
بكسر الزاي، وفتح ثانيه، وسكون الطاء المهملة، وراء مهملة: مدينة بين ملطية
وسميساط والحدث في طرف بلد الروم، سمّيت بزبطرة بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح، عليه السلام، عن الكلبي، وطول زبطرة في الإقليم الخامس من جهة المغرب ثمان وخمسون درجة وثلث، وعرضها ثمان وثلاثون درجة، وقال أبو تمام يمدح المعتصم:
لبّيت صوتا زبطريّا هرقت له ... كأس الكرى ورضاب الخرّد العرب

السُّوسُ

السُّوسُ، بالضم: الطبيعةُ، والأصلُ، وشجرٌ م، في عروقِه حَلاوةٌ، وفي فُروعِه مَرارةٌ، ودُودٌ يَقَعُ في الصوفِ، وقد ساسَ الطَّعامُ يَساسُ سَوْساً، بالفتح، وسَوِسَ، كسَمِعَ، وسِيسَ، كقِيلَ، وأساسَ وسَوَّسَ، وكُورةٌ بالأَهْوازِ فيها قَبْر دانيالَ عليه السلامُ، وسُورُها وتُسْتَرَ أَولُ سُورٍ وُضِعَ بعدَ الطوفانِ، بناها السوسُ بنُ سامِ بنِ نوحٍ،
ود آخَرُ بالمغربِ، وهو السُّوسُ الأقْصَى، وبينُهما مَسيرَةُ شهرينِ،
ود آخَرُ بالرومِ، وع.
والسُّوسَةُ: فرسُ النُّعْمانِ بنِ المُنْذِرِ،
ود بالمغربِ على البَحْرِ، حَدٌّ بينَ كُورَةِ الجَزيرة والقَيْرَوانِ.
وسِيواسُ، بالكسر: د بالرومِ.
وسُوسِيَةُ، بالضم: كُورةٌ بالأُرْدُنِّ.
والسُّواسُ، كغرابٍ: داءٌ في أعْناقِ الخيلِ يُيَبِّسُها. وكسحابٍ: جبلٌ، أو
ع، وشجرٌ، الواحدةُ: سَواسَةٌ، أفْضَلُ ما اتُّخِذَ منه زَنْدٌ.
وسُسْتُ الرَّعِيَّةَ سِياسَةً: أمرْتُها ونَهَيْتُها.
وفلانٌ مُجَرَِّبٌ قد ساسَ وسِيسَ عليه: أَدَّبَ وأُدِّبَ. ومحمدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ سُسْ، كالأمرِ منه: محدِّثٌ.
وساسَتِ الشاةُ تَساسُ سَوْساً: كَثُرَ قَمْلُها،
كأَساسَتْ، والسَّوَسُ، محركةً: مَصْدَرُ الأَسْوَسِ، داءٌ في عَجُزِ الدابةِ.
وأبو ساسانَ: كُنْيَةُ كِسْرَى. وساسانُ الأكْبَرُ: ابنُ بَهْمَنَ، والأصْغَرُ: ابنُ بابَك، أبو الأكاسِرَةِ.
وذاتُ السَّواسي: جبلٌ لبني جَعْفَرٍ، أو شُعَبٌ يَصْبُبْنَ في تَنُوفَ.
والساسُ: القادِحُ في السِّنِّ، والذي قد أُكِلَ، وأصلُهُ: سائِسٌ، كَهارٍ وهائِرٍ.
وسَوَّسَ له أمراً فَرَكِبَهُ: كما تقولُ: سَوَّلَ له، وزَيَّنَ.
وسُوِّسَ فلانٌ أمْرَ الناسِ، على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه: صُيِّرَ مَلِكاً.
السُّوسُ:
بضم أوّله، وسكون ثانيه، وسين مهملة أخرى، بلفظ السوس الذي يقع في الصوف: بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبيّ، عليه السلام، قال حمزة: السوس تعريب الشوش، بنقط الشين، ومعناه الحسن والنزه والطيب واللطيف، بأيّ هذه الصفات وسمتها به جاز، قال بطليموس: مدينة السوس طولها أربع وثلاثون درجة، وطالعها القلب، بيت حياتها أوّل درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، قلت: لا أدري أيّ سوس هي، وقال ابن المقفّع: أوّل سور وضع في الأرض بعد الطوفان سور السوس وتستر ولا يدرى من بنى
سور السوس وتستر والأبلّة، وقال ابن الكلبي:
السوس بن سام بن نوح، عليه السلام، وقرأت في بعض كتبهم أن أوّل من بنى كور السوس وحفر نهرها أردشير بن بهمن القديم بن إسفنديار بن كشتاسف.
والسوس أيضا: بلد بالمغرب كانت الروم تسميها قمونية، وقيل: السوس بالمغرب كورة مدينتها طنجة، وهناك السوس الأقصى: كورة أخرى مدينتها طرقلة، ومن السوس الأدنى إلى السوس الأقصى مسيرة شهرين وبعده بحر الرمل وليس وراء ذلك شيء يعرف. والسوس أيضا: بلدة بما وراء النهر، وبالمغرب السوس أيضا، تذكر بعد هذا، وقال ابن طاهر المقدسي: السوس هو الأدنى ولا يقال له سوس، وفتحت الأهواز في أيّام عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، على يد أبي موسى الأشعري وكان آخر ما فتح منها السوس فوجد بها موضعا فيه جثة دانيال النبيّ، عليه السلام، فأخبر بذلك عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، فسأل المسلمين عن ذلك فأخبروه أن بخت نصّر نقله إليها لما فتح بيت المقدس وأنّه مات هناك فكان أهل تلك البلاد يستسقون بجثته إذا قحطوا، فأمر عمر، رضي الله عنه، بدفنه فسكر نهرا ثمّ حفر تحته ودفنه فيه وأجرى الماء عليه فلا يدرى أين قبره إلى الآن، وقال ابن طاهر المقدسي: السوس بلدة من بلاد خوزستان، خرج منها جماعة من المحدثين، منهم:
أبو العلاء عليّ بن عبد الرحمن الخراز السوسي اللغوي، سمع أبا عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، روى عنه أبو نصر السجزي الحافظ، وأحمد بن يحيى السوسي، سمع الأسود بن عامر، وروى عنه أبو بكر بن أبي داود، ومحمد بن عبد الله بن غيلان الخراز يعرف بالسوسي، سمع سوّار بن عبد الله، روى عنه الدارقطني، ومحمد بن إسحاق بن عبد الرحيم أبو بكر السوسي، روى عن الحسين بن إسحاق الدقيقي وأبي سيار أحمد بن حمّوية التستري وعبد الله بن محمد بن نصر الرملي، روى عنه الدارقطني وابن رزقويه وغيرهما.

قُوصُ

قُوصُ، بالضم: قَصَبةُ الصَّعيدِ، ليس بالدِّيارِ المِصْرِيَّةِ بعدَ الفُسطاطِ أعْمَرُ منها،
وة أُخْرَى بالأُشْمُونَيْنِ، يقالُ لها: قُوصُ قام، ورُبَّما كُتِبَتْ قُوزُقام، بالزاي مَقامَ الصادِ للتَّفْرِقَةِ.
قُوصُ:
بالضم ثم السكون، وصاد مهملة، وهي قبطية: وهي مدينة كبيرة عظيمة واسعة قصبة صعيد مصر، بينها وبين الفسطاط اثنا عشر يوما، وأهلها أرباب ثروة واسعة، وهي محطّ التجار القادمين من عدن وأكثرهم من هذه المدينة، وهي شديدة الحرّ لقربها من البلاد الجنوبية، وبينها وبين قفط فرسخ وهي شرقي النيل، بينها وبين بحر اليمن خمسة أيام أو أربعة، وقوص في الإقليم الأول، وطولها من جهة المغرب خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها أربع وعشرون درجة وثلاثون دقيقة.

سِيسَجانُ

سِيسَجانُ:
بكسر أوّله ويفتح، وبعد ثانيه سين أخرى ثمّ جيم، وآخره نون، هي في الإقليم الخامس، طولها إحدى وسبعون درجة، وعرضها إحدى وأربعون درجة وخمس وعشرون دقيقة: بلدة بعد أرّان افتتحها حبيب بن مسلمة وسمّاها غزاة أرمينية الأولى وصالح أهلها على خراج يؤدونه، وذلك في أيّام عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، وبين سيسجان ودبيل ستة عشر فرسخا.

علم الميزان

علم الميزان
ويسمى علم المنطق تقدم وإنما سمي بالميزان إذ به توزن الحجج والبراهين.
وكان أبو علي يسميه: خادم العلوم إذ ليس مقصودا بنفسه بل هو وسيلة إلى العلوم فهو كخادم لها.
وأبو نصر يسميه: رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها فيكون رئيسا حاكما عليها وإنما سمي بالمنطق لأن النطق يطلق على اللفظ وعلى إدراك الكليات وعلى النفس الناطقة.
ولما كان هذا الفن يقوي الأول ويسلك بالثاني مسلك السداد ويحصل بسببه كمالات الثالث اشتق له اسم منه وهو المنطق.
وهو: علم بقوانين تفيد معرفة طرق الانتقال من المعلومات إلى المجهولات وشرائطها بحيث لا يعرض الغلط في الفكر.
والمعلومات: تتناول الضرورية والنظرية.
والمجهولات: تتناول التصورية والتصديقية وهذا أولى مما ذكره صاحب الكشف تفيد معرفة طرق الانتقال من الضروريات إلى النظريات لأنه يوهم بالانتقال الذاتي علم ما يتبادر من العبارة والمراد الأعم من أن يكون بالذات أو بالواسطة.
وأما احترازاته: فقد ذكرها صاحب كشاف اصطلاحات الفنون وليس إيرادها ههنا من غرضنا في هذا الكتاب.
والمنطق من العلوم الآلية لأن المقصود منه تحصيل المجهول من المعلوم ولذا قيل: الغرض من تدوينه العلوم الحكمية فهو في نفسه غير مقصود ولذا قيل المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر.
وموضوعه: التصورات والتصديقات أي: المعلومات التصورية والتصديقية لأن بحث المنطقي عن أعراضها الذاتية فإنه يبحث عن التصورات من حيث إنها توصل إلى تصور مجهول إيصالا قريبا أي بلا واسطة كالحد والرسم أو إيصالا بعيدا ككونها كلية وجزئية وذاتية وعرضية ونحوها فإن مجرد أمر من هذه الأمور لا يوصل إلى التصور ما لم ينضم إليه آخر يحصل منها حد أو رسم.
ويبحث عن التصديقات من حيث أنها توصل إلى تصديق مجهول إيصالا قريبا كالقياس والاستقراء والتمثيل أو بعيد ككونها قضية وعكس قضية ونقيضها فإنها ما لم تنضم إليه ضميمة لا توصل إلى التصديق.
ويبحث عن التصورات من حيث أنها توصل إلى التصديق إيصالا أبعد ككونها موضوعات ومحمولات ولا خفاء في أن إيصال التصورات والتصديقات إلى المطالب قريبا أو بعيدا من العوارض الذاتية لها فتكون هي موضوع المنطق.
وذهب أهل التحقيق إلى أن موضوعه المعقولات الثانية لا من حيث إنها ما هي في أنفسها ولا من حيث أنها موجودة في الذهن فإن ذلك وظيفة فلسفية بل من حيث أنها توصل إلى المجهول أو يكون لها نفع في الإيصال.
فإن المفهوم الكلي إذا وجد في الذهن وقيس إلى ما تحته من الجزئيات فباعتبار دخوله في ماهياتها يعرض له الذاتية وباعتبار خروجه عنها العرضية وباعتبار كونه نفس ماهياتها النوعية وما عرض له الذاتية جنس باعتبار اختلاف أفراده وفصل باعتبار آخر وكذلك ما عرض له العرضية إما خاصة أو عرض عام باعتبارين مختلفين.
وإذا ركبت الذاتيات والعرضيات إما منفردة أو مختلطة على وجوه مختلفة عرض لذلك المركب الحدية والرسمية ولا شك أن هذه المعاني أعني كون المفهوم الكلي ذاتيا أو عرضيا أو نوعا ونحو ذلك ليست من الموجودات الخارجية بل هي مما يعرض للطبائع الكلية إذا وجدت في الأذهان وكذا الحال في كون القضية حملية أو شرطية وكون الحجة قياسا أو استقراء أو تمثيلا فإنها بأسرها عوارض تعرض لطبائع النسب الجزئية في الأذهان إما وحدها أو مأخوذة مع غيرها فهي أي المعقولات الثانية موضوع المنطق.
ويبحث المنطقي عن المعقولات الثالثة وما بعدها من المراتب فإنها عوارض ذاتية للمعقولات الثانية فقط.
فالقضية مثلا معقول ثان يبحث عن انقسامها وتناقضها وانعكاسها وإنتاجها إذا ركبت بعضها مع بعض فالانعكاس والإنتاج والانقسام والتناقض معقولات واقعة في الــدرجة الثالثة من التعقل وإذا حكم على أحد الأقسام أو أحد المتناقضين مثلا في المباحث المنطقية بشيء كان ذلك الشيء في الــدرجة الرابعة من التعقل وعلى هذا القياس.
وقيل: موضوعه الألفاظ من حيث أنها تدل على المعاني وهو ليس بصحيح لأن نظر المنطقي ليس إلا في المعاني ورعاية جانب اللفظ إنما هي بالعرض.
والغرض من المنطق: التمييز بين الصدق والكذب في الأقوال والخير والشر في الأفعال والحق والباطل في الاعتقادات.
ومنفعته: القدرة على تحصيل العلوم النظرية والعملية.
وأما شرفه: فهو أن بعضه فرض وهو البرهان لأنه لتكميل الذات وبعضه نقل وهو ماسوى البرهان من أقسام القياس، لأنه للخطاب مع الغير ومن أتقن المنطق فهو على درجة من سائر العلوم، ومن طلب العلوم الغير المتسقة وهي ما لا يؤمن فيها من الغلط ولا يعلم المنطق، فهو كحاطب ليل وكرامد العين لا يقدر على النظر إلى الضوء لا البخل من الموجد بل لنقصان في الأستعداد والصواب الذي يصدر من غير المنطقي كرمي من غير رام، وقد يندر للمنطقي خطأ في النوافل دون المهمات لكنه يمكنه استدراكه بعرضه على القوانين المنطقية. ومرتبته في القراءة أن يقرأ بعد تهذيب الأخلاق وتقويم الفكر ببعض العلوم الرياضية مع الهندسة والحساب.
وأما الأول: فلما قال أبقراط: البدن ليس بنقي كلما غذوته إنما يزيد شرا ووبالا ألا ترى أن الذين لم يهذبوا أخلاقهم إذا شرعوا في المنطق سلكوا منهج الضلال وانخرطوا في سلك الجهال وأنفوا أن يكونوا مع الجماعة ويتقلدوا ذل الطاعة فجعلوا الأعمال الطاهرة والأقوال الظاهرة من البدائع التي وردت بها الشرائع وقر آذانهم والحق تحت أقدامهم وأما الثاني: فلتستأنس طبائعهم إلى البرهان كذا في شرح إشراق الحكمة ومؤلف المنطق ومدونه أرسطو انتهى. ما في كشاف اصطلاحات الفنون.
ولشيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني رسالة في هذا الباب سماه أمنية المتشوق في حكم المنطق قال فيها:
الخلاصة في ذلك أنه ذهب إلى لزوم تعلم المنطق الغزالي وجماعة.
وذهب إلى تكريهه قوم.
وقال بإباحته جمع جم وصرح بتحريمه جماعة.
قال السيوطي في الحاوي: المنطق هو: فن خبيث مذموم يحرم الاشتغال به مبني بعض ما فيه على القول بالهيولي الذي هو كفر يجر إلى الفلسفة والزندقة. وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية نص على جميع ما ذكرته أئمة الدين وعلماء الشريعة.
فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي ونص عليه من أصحابه إمام المحرمين والغزالي في آخر أمره وابن الصباغ صاحب الشامل وابن القشيري ونصر المقدسي والعماد بن يونس وحفيده والسلفي وابن بندار وابن عساكر وابن الأثير وابن الصلاح وابن دقيق العيد والبرهان الجعبري وأبو حيان والشرف الدمياطي والذهبي والطيبي والملوي والأسنوي والأذرعي والولي العراقي والشرف المقري قال: وأفتى به شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي.
ونص عليه من أئمة المالكية ابن أبي زيد صاحب الرسالة والقاضي أبو بكر بن العربي وأبو بكر الطرطوسي وأبو الوليد الباجي وأبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وأبو الحسن بن الحصار وأبو عامر بن الربيع وأبو الحسن بن حبيب وأبو حبيب المالقي وابن المنير وابن رشد وابن أبي حمزة وعامة أهل المغرب.
ونص عليه من الأئمة الحنفية: أبو سعيد السيرافي والسراج القزويني وألف في ذمه كتابا سماه نصيحة المسلم المشفق لمن ابتلى بعلم المنطق.
ونصل عليه من أئمة الحنابلة: ابن الجوزي وسعد الدين الحارثي والتقي ابن تيمية وألف في ذمه ونقض قواعده مجلدا كبيرا اسمه نصيحة ذوي الإيمان في الرد على منطق اليونان انتهى كلامه.
ومن عرف معنى الهيولي الذي جعله سببا لتحريم هذا الفن لابتناء بعضه عليه. علم أن السيوطي رحمه الله تعالى في هذا الفن ناقة ولا جمل ورجل ولا حمل فهو معذور. وقد قال بقول هؤلاء جماعة من أهل البيت وابن حزم الظاهري قال في الجوهرة: وقد فرط الغزالي وأفرط. وأما تفريطه: فكونه زعم أنه لا حاجة إلى علم الكلام.
وأما إفراطه: فلأنه شرط للمجتهد ما لم يشترط أحد من علماء الإسلام معرفة صناعة المنطق ولهذا قال المهدي في أوائل البحر: وأما المنطق فالمحققون لا يعدونه لإمكان البرهان دونه يعني لا يعدونه من علوم الاجتهاد.
وفي منهاج القرشي: أن الفلاسفة وضعوا علم المنطق خديعة وتوصلا إلى إبطال مسائل التوحيد لأنهم جعلوا قياس الغائب على الشاهد ظنيا وجميع مسائل التوحيد مبنية عليه فتوصلوا بهذا إلى أن الكلام في إثبات الصانع وصفاته ظني لا يمكن العلم به وتوصلا إلى إبطال مسائل العدل لأنهم جعلوا الحكم بقبح المظلم والكذب ونحو ذلك والحكم بحسن العدل ووجوب رد الوديعة وشكر المنعم ونحو ذلك أمورا مشهورات مسلمات ليس فيها إلا ظن ضعيف فلا يحكم الإنسان بقبح الظلم إلا لرقة قلبه أو الحمية أو لمحبة التعاون على المعاش ونحو ذلك
فتوصلوا بذلك إلى إبطال العدل والوعيد والشرائع وتكلفوا للتوصل إلى هذه الخديعة فنا من أدق الفنون والبراهين الحاصلة عن أشكالهم نوع واحد من أنواع العلوم وهو إلحاق التفصيل بالجملة وهو أقل العلوم كلفة وإن لم يكن ضروريا كمن يعلم أن كل ظلم قبيح ثم يعلم في وقت معين أنه ظلم فإنه يعلم أن هذا المعين قبيح إلحاقا للتفصيل بالجملة ولا يحتاج إلى إيراد مقدمتين في شكل مخصوص انتهى.
قال القاضي علي بن عبد الله بن رادع: ولقد عرفت صحة ما ذكره في المنهاج بسماعي لمعظم كتب المنطق كالرسالة الشمسية وشرحها وغيرهما ووجدت ما يذكرونه في أشكالهم لا فائدة فيه إلى آخر ما قال في شرحه للأثمار ولقد عجبت من قول هذا القاضي حيث قال: بسماعي لمعظم كتب المنطق ثم تكلم بعد ذلك بكلام يشعر بعدم معرفته لأول بحث من مباحث الرسالة الشمسية وكثيرا من يظن أنه قد عرف علم المنطق وهو لا يعرفه لأنه علم دقيق لا يفتح هذه الإشكالات الباردة.
قال ابن رادع في شرح الأثمار: روي عن المؤلف أيده الله أنه قال: إن العلماء المتقدمين كانوا إذا اطلعوا على شيء من ألفاظ الفلاسفة في أي كلام يرد عليهم اكتفوا في رده وإبطاله بكون فيه شيء من عبارة الفلاسفة ولم يتشاغلوا ببيان بطلانه وإن كثيرا من العلماء المتقدمين وكثيرا من المتأخرين نهوا عن الخوض فيه أشد النهي.
وصنف الشيخ جلال الدين السيوطي كتابا سماه القول المشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق ولم يشتغل من اشتغل من المتأخرين إلا لما كثر التعبير بقواعده من المخالفين واستعانوا بالخوض فيه على تيسير الرد عليهم بالطريق التي سلكوها وكان الأولى السلوك في طريقة المتقدمين لأن قواعد التعبير بعبارة المنطق كثيرة الغلط وخارجة عن عبارة الكتاب والسنة واللسان العربي مع أنه مفسدة في كل من الأديان وقد روي أن بعض الخلفاء العباسيين لما طلب الفلاسفة ترجم علم المنطق باللغة العربية شاور كبيرا لهم فقال: ترجموه لهم فإن علمنا هذا لا يدخل في دين إلا أفسده.
قال المؤلف رحمه الله: وقد وجد ذلك الكلام صحيحا فإن كثيراً من المتعمقين في علم المنطق من المسلمين قد مال في كثير من الأصول إلى ما يفكر به قطعاً.
وأما غير المسلمين من أهل الكتاب فقد تفلسف أكثرهم ولهذا إن كل من خرج عن الأصول الشرعية والعقلية لا يعتمد غيره مثل الباطنية والصوفية وغيرهم انتهى.
وقال جماعة من العلماء: القول الفصل فيه أنه كالسيف يجاهد به شخص في سبيل الله ويقطع به آخر الطريق.
قال الإمام يحيى بن حمزة: إن كان الإطلاع عليه لقصد حل شبهة ونقضها جاز ذلك بل هو الواجب على علماء الإسلام.
وإن كان لغرض غير ذلك كالاقتفاء لآثارهم والتدين بدينهم فهو الكفر والفرية التي لا شبهة فيها ولا مرية وفي هذا القدر من أقوال العلماء كفاية وإن كان المجال يتسع لأضعاف أضعاف ذلك وليس مرادنا إلا الإشارة إلى الاختلاف في هذا العلم.
وأما ما هو الحق من هذه الأقوال فاعلم أنه لا يشك من له مسكة في صحة أطراف ثلاثة نذكرها هاهنا نجعلها كالمقدمة لما نرجحه.
الطرف الأول: إن علم المنطق علم كفري واضعه الحكيم أرسطاطاليس اليوناني وليس من العلوم الإسلامية بإجماع المسلمين والمنكر لهذا منكر للضرورة وليس للمشتهرين بمعرفته المكبين على تحقيق مطالبه من المسلمين كالفارابي وابن سينا ومن نحا نحوهم إلا التفهم لدقائقه والتعريف بحقائقه ولهذا قال الفارابي وهو أعلم المسلمين بهذا الفن لما قال له قائل: أيما أعلم أنت أم أرسطاطايس؟ فقال: لو أدركته لكنت من أكبر تلامذته.
الطرف الثاني: إن المتأخرين من علماء الإسلام ولا سيما أئمة الأصول والبيان والنحو والكلام والجدل من أهل البيت وغيرهم قد استكثروا من استعمال القواعد المنطقية في مؤلفاتهم في هذه الفنون وغيرها وبالغ المحقق ابن الإمام الحسين بن القاسم في شرح غاية السول فقال:
وهاهنا أبحاث يحتاج إليها.
أما الأول: فلان هذا العلم لما كان علما بكيفية الاستنباط وطريقة الاستدلال عن دلائل وكان المنطق علما بكيفية مطلق الاستدلال والاستنباط شارك المنطق وشابهه من هذه الجهة حتى كأنه جزئي من جزئيات المنطق وفرع من فروعه ولا ريب في أن إتقان الأصل وتدبره أدخل لإتقان الفرع والتبصر فيه انتهى بلفظه.
فانظر كيف جعل علم الأصول جزئيا من جزئيات المنطق وجعله فرعاً والمنطق أصلاً.
وعلى الجملة فاستعمال المتأخرين لفن المنطق في كتبهم معلوم لكل باحث ومن أنكر هذا بحث أي كتاب شاء من الكتب المتداولة بين الطلبة التي هي مدارس أهل العصر في هذه العلوم فإنه يجد معرفة ذلك متعسرة إن لم تكن متعذرة بدون علم المنطق خصوصا علم الأصول. فإنها قد جرت عادة مؤلفيه باستفتاح كتبهم بهذا العلم كابن الحاجب في مختصر المنتهى وشرحه وابن الإمام في غاية السول وشرحها وغيرهما دع عنك المطولات والمتوسطات هذه المختصرات التي هي مدرس المبتدئ في زماننا كالمعيار للإمام المهدي وشروحه والكافل لابن بهران وشروحه قد اشتمل كل واحد منها على مباحث من هذا العلم لا يعرفها إلا أربابه ومن ادعى معرفتها بدون هذا العلم فهو يعرف كذب نفسه.
الطرف الثالث: إن كتب المنطق التي يدرسها طلبة العلوم في زماننا كرسالة إيساغوجي للأبهري وشروحها التهذيب للسعد وشروحه والرسالة الشمسية وشروحها وما يشابه هذه الكتب قد هذبها أئمة الإسلام تهذيبا صفت به عن كدورات أقوال المتقدمين فلا ترى فيها إلا مباحث نفيسة ولطائف شريفة تستعين بها على دقائق العلوم وتحل بها إيجازات المائلين إلى تدقيق العبارات فإن حرمت نفسك معرفتها فلاحظ لك بين أرباب التحقيق ولا صحة لنظرك بين أهل التدقيق فاصطبر على ما تسمعه من وصفك بالبلة والبلادة وقلة الفطنة وقصور الباع.
فإن قلت: السلف أعظم قدوة وفي التشبه بهم فضيلة قلت: لا أشك في قولك ولكنه قد حال بينك وبينهم مئات من السنين وكيف لك بواحدة من أهل القرن الأول والثاني أو الثالث تأخذ عنه المعارف الصافية عن كدر المنطق هيهات هيهات حال بينك وبينهم عصور ودهور فليس في زمانك رجل يسبح في لجج مقدمات علم الكتاب والسنة إلا وعلم المنطق من أول محفوظاته ولا كتاب من على علماء الإسلام فنون هذه المقدمات إلا وقد اشتمل على أبحاث منه فأنت بخير النظرين:
أما الجهل بالعلوم التي لا سبيل إلى معرفة الكتاب والسنة إلا بها.
أو الدخول فيما دخل فيه أبناء عصرك والكون في أعدادهم ولا أقول لك: لا سبيل لك إلى كتب المتقدمين التي لم تشب بهذا لعلم بل ربما وجده منها ما يكفيك عن كتب المتأخرين ولكنك لا تجد أحدا من أبناء عصرك تأخذها عنه بسنده المتصل بطريق السماع كما تجد كتب المتأخرين كذلك ولا أقول لك أيضا: إن علم الكتاب والسنة متوقف لذاته على معرفة علم المنطق فإن دين الله أيسر من أن يستعان على معرفته بعلم كفري ولكن معرفة علم الأصول والبيان والنحو والكلام على التمام والكمال متوقفة على معرفته في عصرنا لما أخبرناك به ومعرفة كتاب الله وسنة نبيه متوقفة على معرفتها على نزاع والمتوقف على المتوقف متوقف.
وسبب التوقف بهذه الواسطة محبة المتأخرين للتدقيق والإغراب في العبارات واستعمال قواعد المناطقة واصطلاحاتهم وليتهم لم يفعلوه فإنه قد تسبب عن ذلك بعد الوصول إلى المطلوب على طالبه وطول المسافة وكثرة المشقة حتى إن طالب الكتاب والسنة بما لا يبلغ حد الكفاءة لقراءتهما إلا بعد تفويت أعوام عديدة ومعاناة معارف شديد فيذهب في تحصيل الآلات معظم مدة الرغبة واشتغال القريحة وجودة الذكاء فيقطعه ذلك عن الوصول إلى المطلوب وقد يصل إليهما بذهن كليل وفهم عليل فيأخذ منه بأنزر نصيب وأحقر حظ وهذا هو السبب الأعظم في إهمال علمي الكتاب والسنة في المتأخرين لأنهم قد أذهبوا رواء الطلب وبهاء الرغبة في غيرهما ولو أنفقوا فيهما بعض ما أنفقوا في آلاتهما لوجدت فيهم الحفاظ المهرة والأئمة الكملة1 والله المستعان. وحاصل البحث: أنه لم يأت من قال بتحريم علم المنطق بحجة مرضية إلا قوله أنه علم كفري ونحن نسلم ذلك ولكنا نقول: قد صار في هذه الأعصار بذلك السبب من أهم آلات العلوم حلال أو حرام بل يتوقف كثير من المعارف عليه فاشتغل به اشتغالك بفن من فنون الآلات ولا تعبأ بتشغيبات المتقدمين وبتشنيعات المقصرين وعليك بمختصرات الفن كالتهذيب والشمسية واحذر من مطولاته المستخرجة على قواعد اليونان كشفاء ابن سينا وما يشابهه من كتبه وكتاب الشفاء والإشارات وما يليهما من المطولات والمتوسطات التي خلط فيها أهلها المنطق بالحكمة اليونانية والفلسفة الكفرية يضل أكثر المشتغلين بها ويبعدهم عن الصراط السوي والهدي النبوي الذي أمرنا باتباعه بنصوص الكتاب والسنة والله تعالى أعلم بالصواب.

امن

امن

1 أَمِنَ, (T, S, M, &c.,) aor. ـَ (T, Msb, K,) inf. n. أَمْنٌ (T, S, M, Msb, K) and إِمْنٌ (Zj, M, K) and أَمَنٌ (M, K) and أَمَنَةٌ (T, S, M, K) and إِمْنَةٌ (T) and أَمَانٌ (M, K) [and app. أَمَانَةٌ, for it is said in the S that this is syn. with أَمَانٌ,] and آمنٌ, an instance of an inf. n. of the measure فَاعِلٌ, which is strange, (MF,) or this is a subst. like فَالِجٌ, (M,) He was, or became, or felt, secure, safe, or in a state of security or safety; originally, he was, or became, quiet, or tranquil, in heart, or mind; (Msb;) he was, or became, secure, or free from fear; أَمْنٌ signifying the contr. of خَوْفٌ, (S, M, K,) and so أَمَنَةٌ (S) and آمِنٌ [&c.]: (M, K:) he was, or became, or felt, free from expectation of evil, or of an object of dislike or hatred, in the coming time; originally, he was, or became, easy in mind, and free from fear. (El-Munáwee, TA.) [See أَمْنٌ, below.] You say also, يَإْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ [He is secure, or safe, or free from fear, for himself]. (M.) And أَمِنَ البَلَدُ, meaning The inhabitants of the country or district, or town, were in a state of security, or confidence, therein. (Msb.) The verb is trans. by itself, and by means of the particle مِنْ; as in أَمَنَ زَيْدٌ الأَسَدَ and أَمِنَ مِنَ الأَسَدِ, meaning Zeyd was, or became, or felt, secure from, safe from, [or free from fear of,] the lion. (Msb.) You say also, أَمِنَ كَذِبَ مَنْ

أَخْبَرَهُ [He was secure from, or free from fear of, the lying of him who informed him]. (M.) And لَا آنَنُ أَنْ يَكُونَ كَذلِكَ [I am not free from fear of its being so; I am not sure but that it may be so]. (Mgh in art. نبذ; and other lexicons passim.) And, of a strong-made she camel, أَمِنَتْ

أَنْ تَكُونَ ضَعَيفَةً [She was secure from, or free from fear of, being weak]: (M: [in a copy of the S أُمِنَتْ:]) and أَمِنَتِ العِثَارَ وَالإَعْيَآءٍ [ She was secure from, or free from fear of, stumbling, and becoming jaded]: (M:) and أُمِنَ عِثَارُهَا [Her stumbling was not feared]. (So in a copy of the S.) And, of a highly-prized camel, أُمِنَ أَنْ يُنْحَرَ [It was not feared that he would be slaughtered; or his being slaughtered was not feared]. (M.) [أَمنَهُ sometimes means He was, or became, free from fear, though having cause for fear, of him, or it. i. e. he thought himself secure, or safe, from him or it. (See Kur vii. 97.)] b2: أمِنَهُ (inf. n. أَمْنٌ TK) [and accord. to some copies of the K ↓ آمَنَهُ] and ↓ أمّنهُ (inf. n. تَأْمِينٌ K) and ↓ ائتمنهُ ([written with the disjunctive alif اِيتَمَنَهُ, and] also written اِتَّمَنَهُ, on the authority of Th, which is extr., like اِتَّهَلَ [&c.], M) and ↓ استأمنهُ all signify the same (M, K, TA) [He trusted, or confided, in him; (as also آمن بِهِ, q. v.;) he intrusted him with, or confided to him, power, authority, control, or a charge; he gave him charge over a thing or person: these meanings are vaguely indicated in the M and K and TA.]. You say, يَأْمَنُهُ النَّاسُ وَلَا يَخَافُونَ غَائِلَتَهُ [Men, or people, trust, or confide, in him, and do not fear his malevolence, or mischievousness]. (T, M.) and أَمِنَهُ عَلَى كَذَا (S, Mgh, * Msb *) and ↓ ائتمنهُ عَلَيْهِ, (S, Msb, K,) [He trusted, or confided, in him with respect to such a thing; he intrusted him with, or confided to him, power, authority, control, or a charge, over it; he gave him charge over it;] he made him, or took him as, أَمِين over such a thing. (Mgh.) Hence, in a trad., the مُؤَذِّن is said to be مُؤْتَمَنٌ; i. e. النَّاسُ عَلَ الأَوْقَاتِ الَّتِى يُؤَذَّنُ فِيهَا ↓ يَأْتَمِنُهُ [Men trust, or confide, in him with respect to the times in which he calls to prayer], and know, by his calling to prayer, what they are commanded to do, as to praying and fasting and breaking fast. (Mgh.) It is said in the Kur [xii. 11], مَا لَكَ لَا تَأْمَنُنَا عَلَى يُوسُفَ and [تَأْمَنَّا] with idghám [i. e. What aileth thee that thou dost not trust, or confide, in us with respect to Joseph? or, that thou dost not give us charge over Joseph?]; (S;) meaning, why dost thou fear us for him? (Bd;) some pronouncing the verb in a manner between those of the former and the latter modes of writing it; but Akh says that the latter is better: (S:) some read تِيمَنَّا. (Bd.) You say also, ↓ اُوتُمِنَ فُلَانٌ [Such a one was trusted, or confided, in &c.;] when it begins a sentence, changing the second ء into و; in like manner as you change it into ى when the first is with kesr, as in اِيتَمَنَهُ; and into ا when the first is with fet-h, as in آمَنَ. (S.) The phrase أَمَانَةً ↓ اُوتُمِنَ, in a saying of Mohammad, if it be not correctly عَلَى أَمَانَةٍ, may be explained as implying the meaning of اُسْتُحْفِظَ أَمَانَةً [He was asked to take care of a deposite; or he was intrusted with it]. (Mgh.) [You also say, أَمِنَهُ بِكَذَا, meaning He intrusted him with such a thing; as, for instance, money or other property: see two exs. in the Kur iii. 68.]

A2: أَمُنَ, (M, Mgh, K,) or أَمِنَ, (Msb,) inf. n. أَمَانَةٌ, (M, Mgh, Msb,) He was, or became, trusted in, or confided in: (M, K:) or he was, or became, trusty, trustworthy, trustful, confidential, or faithful: said of a man. (Mgh.) 2 أمّنهُ, inf. n. تَأْمِينٌ: see 4: b2: and see also أَمِنَهُ.

A2: أمّن, inf. n. as above, also signifies He said آمِينَ or أَمِينَ, (T, S, Msb,) after finishing the Fátihah, (T,) or عَلَي الدُّعَآءِ on the occasion of the prayer, or supplication. (Msb.) 4 آمَنَ is originally أَأْمَنَ; the second ء being softened. (S.) You say, آمنهُ, [inf. n. إِيمَانٌ;] (S, M, Msb;) and ↓ أمّنهُ, [inf. n. تَأْمِينٌ;] (M, TA;) meaning He rendered him secure, or safe; (Msb;) he rendered him secure, or free from fear; (S, M, TA;) contr. of أَخَافهُ: (TA:) so in آمَنْتُهُ مِنْهُ I rendered him secure, or safe, from him, or it. (Msb.) And of God you say, آمَنَ عِبادَهُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَهُمْ [He hath rendered his servants secure from his wronging them]. (S.) And يُؤْمِنُ عِبَادَهُ مِنْ عَذَابِهِ [ He rendereth his servants secure from his punishment]. (M.) You say also, آمَنْتُ الأَسِيرَ, meaning I gave, or granted, الأَمَان [i. e. security or safety, or protection or safeguard, or the promise or assurance of security or safety, or indemnity, or quarter,] to the captive. (Msb.) And آمَنَ فُلَانٌ الَعَدُوَّ [Such a one granted security, &c., to the enemy], inf. n. as above. (T.) It is said in the Kur ch. ix. [verse 12], accord. to one reading, لَا إِيمَانَ لَهُمْ They have not the attribute of granting protection; meaning that when they grant protection, they do not fulfil their engagement to protect. (T.) A2: إِيمَانٌ also signifies The believing [a thing, or in a thing, and particularly in God]; syn. تَصْدِيقٌ; (T, S, &c.;) by common consent of the lexicologists and other men of science: (T:) its primary meaning is the becoming true to the trust with respect to which God has confided in one, by a firm believing with the heart; not by profession of belief with the tongue only, without the assent of the heart; for he who does not firmly believe with his heart is either a hypocrite or an ignorant person. (T, TA.) Its verb is intrans. and trans. (TA, from a Commentary on the Mutowwal.) You say, آمَنَ, meaning He believed. (T.) and it is said to be trans. by itself, like صَدَّقَ; and by means of بِ, considered as meaning اِعْتِرَافٌ [or acknowledgment]; and by means of لِ, considered as meaning إِذْعَانٌ [or submission]. (TA.) [Thus] you say, [آمنهُ and] آمن بِهِ, (inf. n. إِيمَانٌ, T, K,) namely, a thing. (T, M.) And آمن بِاللّٰهِ He believed in God. (T.) It seems to be meant by what is said in the Ksh [in ii. 2], that آمن بِهِ [or آمَنَهُ] properly signifies آمَنَهُ التَّكْذِيبَ [He rendered him secure from being charged with lying, or falsehood]; and that the meaning he believed him or in him, is tropical; but this is at variance with what its author says in the A; and Es-Saad says that this latter meaning is proper. (TA.) The phrase in the Kur [ix. 61], وَيُؤْمِنُ لِلْمؤْمِنِينَ, accord. to Th, means And he believeth the believers; giveth credit to them. (M.) b2: Sometimes it is employed to signify The acknowledging with the tongue only; and hence, in the Kur [lxiii. 3], ذلِكَ بأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا That is because they acknowledged with the tongue, then disacknowledged with the heart. (TA.) b3: Also (assumed tropical:) The trusting, or confiding, or having trust or confidence. (M, K.) [You say, آمن بِهِ, meaning He trusted, or confided, in him, or it: for] the verb of ايمان in this sense is trans. by means of بِ without implication; as Bd says. (TA.) [And it is also trans. by itself: for] you say, مَا آمَنَ أَنْ يَجِدَ صَحَابَةً, meaning (tropical:) He trusted not that he would find companions; (M, * K, * TA;) said of one who has formed the intention of journeying: or the meaning is مَا كَادَ [i. e. he hardly, or scarcely, found &c.; or he was not near to finding &c.]. (M, K.) See also أَمِنَهُ. b4: Also The manifesting humility or submission, and the accepting the Law, (Zj, T, * K,) and that which the Prophet has said or done, and the firm believing thereof with the heart; (Zj, T, M;) without which firm belief, the manifesting of humility or submission, and the accepting that which the Prophet has said or done, is termed إِسْلَامٌ, for which one's blood is to be spared. (T.) [In this sense, it is trans. by means of لِ, accord. to some, as shown above; or by means of بِ, for, accord. to Fei,] you say, آمَنْتُ بِاللّٰهِ, inf. n. as above, meaning I submitted, or resigned, myself to God. (Msb.) [There are numerous other explanations which it is needless to give, differing according to different persuasions. b5: See also إِيمَان below.]8 إِاْتَمَنَ see 1, in five places.10 استأمنهُ He asked, or demanded, of him الأَمَان [i. e. security or safety, or protection or safeguard, or the promise or assurance of security or safety, or indemnity, or quarter]. (T, * Msb, TA.) b2: See also أَمِنَهُ. b3: استأمن إِلَيْهِ He entered within the pale of his أمَان [or protection, or safeguard]. (S, Msb.) أَمْنٌ [an inf. n. of أَمِنِ: as a simple subst. it signifies Security, or safety: (see أَمِنَ:) or] security as meaning freedom from fear; contr. of خَوْفٌ; (S, M, K;) as also ↓ إِمْنٌ (Zj, M, K) and ↓ أَمِنٌ (M, K) and ↓ أَمَنَهُ (S, M, K) [and ↓ إِمْنَةٌ (see أَمِنَ)] and ↓ أَمَانٌ and ↓ آمِنٌ, (M, K,) which last is an inf. n. of أَمِنَ [like the rest], (MF,) or a subst. like فَالِجٌ; (M;) and ↓ أَمَانَةٌ is syn. with أَمَانٌ, (S,) both of these signifying security, or safety, and freedom from fear: (PS:) or أَمْنٌ signifies freedom from expectation of evil, or of an object of dislike or hatred, in the coming time; originally, ease of mind, and freedom from fear. (El-Munáwee, TA.) You say, أَنْتَ فِى أَمْنٍ [Thou art in a state of security], (T, M,) مِنْ ذَاكَ [from that]; and ↓ فى أَمَانٍ signifies the same; (T;) and so ↓ فى آمِنٍ. (M.) And نُعَاسًا ↓ أَمَنَةً, in the Kur [iii. 148], means Security (أَمْنًا) [and slumber]. (S.) ↓ أَمَانٌ also signifies Protection, or safeguard: and [very frequently] a promise, or an assurance, of security or safety; indemnity; or quarter: in Pers\. پَنَاهْ and زِنْهَارٌ: (KL:) syn. إِلُّ. (K in art. ال.) Yousay, ↓ دَخَلَ فِى أَمَانِهِ [He entered within the pale of his protection, or safeguard]. (S, Msb.) [and اللّٰهِ ↓ كُنٌ فِى أَمَانِ Be thou in the protection, or safeguard, of God.] And ↓ أَعْطَيْتُهُ الأَمَانَ [I gave, or granted, to him security or safety, or protection or safeguard, or the promise or assurance of security or safety, or indemnity, or quarter]; namely, a captive. (Msb.) And طَلَبَ

↓ مِنْهُ الأَمَانَ [He asked, or demanded, of him security or safety, or protection or safeguard, &c., as in the next preceding ex.]. (Msb, TA.) b2: أَمْنًا in the Kur ii. 119 means ذَا أَمْن [Possessed of security or safety]: (Aboo-Is-hák, M:) or مَوْضِعَ أَمْنٍ [a place of security or safety; like مَأْمَنًا]. (Bd.) b3: See also آمِنٌ. b4: You say also, مَا أَحْسَنَ أَمْنَكَ, and ↓ أَمَنَكَ, meaning How good is thy religion! and thy natural disposition! (M, K.) إِمْنٌ: see أَمْنٌ.

أَمَنٌ: see أَمْنٌ, first and last sentences.

أَمِنٌ: see آمِنٌ. b2: Also, (K, [there said to be like كَتِفٌ,]) or ↓ آمِنٌ, (M, [so written in a copy of that work,)] Asking, or demanding, or seeking, protection, in order to be secure, or safe, or free from fear, for himself: (M, K:) so says IAar. (M.) إِمْنَةٌ: see أَمْنٌ.

أمَنَةٌ: see أَمْنٌ, in two places: b2: and see also أَمَانَةٌ.

A2: Also A man who trusts, or confides, in every one; (T, S, M;) and so ↓ أُمَنَةٌ: (S:) and who believes in everything that he hears; who disbelieves in nothing: (Lh, T:) or in whom men, or people, trust, or confide, and whose malevolence, or mischievousness, they do not fear: (T, M:) and ↓ أُمَنَةٌ signifies trusted in, or confided in; [like أَمِينٌ;] and by rule should be أُمْنَةٌ, because it has the meaning of a pass. part. n. [like لُعْنَةٌ and ضُحْكَةٌ and لُقْطَلةٌ &c. (see لَقَطٌ)]: (M:) or both signify one in whom every one trusts, or confides, in, or with respect to, everything. (K.) b2: See also أَمِينٌ.

أُمَنَةٌ: see أَمَنَةٌ, in two places.

أَمَانٌ: see أَمْنٌ, in seven places.

أَمُونٌ, applied to a she camel, of the measure فَعُولٌ in the sense of the measure مَفْعُولَةٌ, like عَصُوبٌ and حَلُوبٌ, (tropical:) Trusted, or confided, in; (T;) firmly, compactly, or strongly, made; (T, S, M, K;) secure from, or free from fear of, being weak: (S, M:) also, that is secure from, or free from fear of, stumbling, and becoming jaded: (M:) or strong, so that her becoming languid is not feared: (A, TA:) pl. أُمُنٌ. (M, K.) [See also what next follows.]

أَمينٌ Trusted; trusted in; confided in; (T, * S, * M, Msb, * K;) as also ↓ أُمَّانٌ; (S, M, K;) i. q. ↓ مَأْمُونٌ (S, M, K) and ↓ مُؤْتَمَنٌ: (ISk, T, K:) [a person in whom one trusts or confides; a confidant; a person intrusted with, or to whom is confided, power, authority, control, or a charge, عَلَى شَىْءٍ over a thing; a person intrusted with an affair, or with affairs, i. e., with the management, or disposal, thereof; a confidential agent, or superintendent; a commissioner; a commissary; a trustee; a depositary;] a guardian: (TA:) trusty; trustworthy; trustful; confidential; faithful: (Mgh, Msb: *) pl. أُمَنَآءُ, and, accord. to some, ↓ أَمَنَةٌ, as in a trad. in which it is said, أَصْحَابِى أَمَنَةٌ لِأُمَّتِى, meaning My companions are guardians to my people: or, accord. to others, this is pl. of ↓ آمِنٌ [app. in a sense mentioned below in this paragraph, so that the meaning in this trad. is my companions are persons who accord trust, or confidence, to my people]. (TA.) Hence, أَلَمْ تَعْلَمِى يَا أَسْمَ وَيْحَكِ أَنَّنِى

حَلَفْتُ يَمِينًا لَا أَخُونُ أَمِينِى

[Knowest thou not, O Asmà (أَسْمَآء, curtailed for the sake of the metre), mercy on thee! or woe to thee! that I have sworn an oath that I will not act treacherously to him in whom I trust?] i. e. ↓ مَأْمُونِى: (S:) or the meaning here is, him who trusts, or confides, in me; (ISk, T;) [i. e.] it is here syn. with ↓ آمِنِى. (M.) [Hence also,] الأَمِينُ فِى القِمَارِ, (K voce مُجُمِدٌ, &c.,) or أَمِينُ, القِمَارِ, [The person who is intrusted, as deputy, with the disposal of the arrows in the game called المَيْسِر; or] he who shuffles the arrows; الَّذِى.

يَضْرِبُ بِالقِدَاحِ. (EM p. 105.) [Hence also,] الرُّوحُ الأَمِينُ [The Trusted, or Trusty, Spirit]; (Kur xxvi. 193;) applied to Gabriel, because he is intrusted with the revelation of God. (Bd.) ↓ أُمَّانٌ, mentioned above, and occurring in a verse of El-Aashà, applied to a merchant, is said by some to mean Possessed of religion and excellence. (M.) ↓ مُؤْتَمَنٌ is applied, in a trad., to the مُؤَذِّن, as meaning that men trust, or confide, in him with respect to the times in which he calls to prayer, and know by his call what they are commanded to do as to praying and fasting and breaking fast. (Mgh.) المُعَامَلَةِ ↓ هُوَ مَأْمُونُ means He is [trusty, or trustworthy, in dealing with others; or] free from exorbitance and deceit or artifice or craft to be feared. (Msb.) b2: An aid, or assistant; syn. عَوْنٌ [here app. meaning, as it often does, an armed attendant, or a guard]; because one trusts in his strength, and is without fear of his being weak. (M.) b3: (assumed tropical:) The strong; syn. قَوِىٌّ. (K, TA: [in the latter of which is given the same reason for this signification as is given in the M for that of عون; for which قوى may be a mistranscription; but see أَمُونٌ.]) b4: One who trusts, or confides, in another; (ISk, T, K;) [as also ↓ آمِنٌ, of which see an ex. voce حَذِرٌ;] so accord. to ISk in the verse cited above in this paragraph: (T:) thus it bears two contr. significations. (K.) b5: See also آمِنٌ, in five places.

A2: And see آمِينَ.

أَمَانَةٌ: see أَمْنٌ, first sentence. b2: Trustiness; trustworthiness; trustfulness; faithfulness; fidelity; (M, Mgh, K;) as also ↓ أَمَنَةٌ. (M, K.) أَمَانَةُ اللّٰهِ [for أَمَانَةُ اللّٰهِ قَسَمِي or مَا أُقْسِمُ The faithfulness of God is my oath or that by which I swear] is composed of an inf. n. prefixed to the agent, and the former is in the nom. case as an inchoative; the phrase being like لَعَمْرُ اللّٰهِ, as meaning an oath; and the enunciative being suppressed, and meant to be understood: accord. to some, you say, أَمَانَةَ اللّٰهِ [app. for نَشَدْتُكَ أَمَانَةَ اللّٰهِ I adjure thee, or conjure thee, by the faithfulness of God, or the like], making it to be governed in the accus. case by the verb which is to be understood: and some correctly say, وَأَمَانَةِ اللّٰهِ [By the faithfulness of God], with the و which denotes an oath: (Mgh:) or this last is an oath accord. to Aboo-Haneefeh; but Esh-Sháfi'ee does not reckon it as such: and it is forbidden in a trad. to swear by الأَمَانَة; app. because it is not one of the names of God. (TA.) [Or these phrases may have been used, in the manner of an oath, agreeably with explanations here following.]

A2: A thing committed to the trust and care of a person; a trust; a deposite; (Mgh, Msb;) and the like: (Msb:) property committed to trust and care: (TA:) pl. أَمَانَاتٌ. (Mgh, Msb.) It is said in the Kur [viii. 27], وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ [Nor be ye unfaithful to the trusts committed to you]. (Mgh.) And in the same [xxxiii. 72], إِنَّا عَرَضْنَاالأَمَانَةَ عَلَى

السّموَاتِ وَالْأَرْضِوَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ [Verily we proposed, or offered, the trust which we have committed to man to the heavens and the earth and the mountains, and (accord. to explanations of Bd and others) they refused to take it upon themselves, or to accept it, and they feared it, but man took it upon himself, or accepted it: or, (accord. to another explanation of Bd, also given in the T, and in the K in art. حمل, &c.,) they refused to be unfaithful to it, and they feared it, but man was unfaithful to it: but in explaining what this trust was, authors greatly differ: accord. to some,] الامانة here means obedience; so called because the rendering thereof is incumbent: or the obedience which includes that which is natural and that which depends upon the will: [for] it is said that when God created these [celestial and terrestrial] bodies, He created in them understanding: or it may here [and in some other instances] mean reason, or intellect: [and the faculty of volition: and app. conscience: these being trusts committed to us by God, to be faithfully employed: (see an ex. voce جَذْرٌ:)] and the imposition of a task or duty or of tasks or duties [app. combined with reason or intellect, which is necessary for the performance thereof]: (Bd:) or it here means prayers and other duties for the performance of which there is recompense and for the neglect of which there is punishment: (Jel:) or, accord. to I'Ab and Sa'eed Ibn-Jubeyr, (T,) the obligatory statutes which God has imposed upon his servants: (T, K: *) or, (T, K,) accord. to Ibn-'Omar, [the choice between] obedience and disobedience was offered to Adam, and he was informed of the recompense of obedience and the punishment of disobedience: but, in my opinion, he says, (T,) it here means the intention which one holds in the heart, (T, K,) with respect to the belief which he professes with the tongue, and with respect to all the obligatory statutes which he externally fulfils; (K;) because God has confided to him power over it, and not manifested it to any [other] of his creatures, so that he who conceives in his mind, with respect to the acknowledgment of the unity of God, (T, K,) and with respect to belief [in general], (T,) the like of that which he professes, he fulfils the امانة [or trust], (T, K,) and he who conceives in his mind disbelief while he professes belief with the tongue is unfaithful thereto, and every one who is unfaithful to that which is confided to him is [termed] حَامِلٌ, (T,) or حَامِلُ الأَمَانَةِ, and مُحْتَمِلُهَا: (Bd:) and by الإِنْسَانُ is here meant the doubting disbeliever. (T.) b2: Also, [as being a trust committed to him by God, A man's] family, or household; syn. أَهْلٌ. (TA.) أُمَّانٌ: see أَمينٌ, in two places.

A2: Also One who does not write; as though he were (كَأَنَّهُ [in the CK لاَنَّهُ because he is]) an أُمِّى. (K, TA.) [But this belongs to art. ام; being of the measure فُعْلَانٌ, like عُرْيَانٌ.] b2: And A sower, or cultivator of land; [perhaps meaning a clown, or boor;] syn. زَرَّاعٌ: (CK:) or sowers, or cultivators of land; syn. زُرَّاعٌ: (K, TA:) in one copy of the K زِرَاع. (TA.) آمِنٌ Secure, safe, or free from fear; as also ↓ أَمِينٌ (Lh, T, * S, * M, Msb, K) and ↓ أَمِنٌ. (M, K.) Hence, in the Kur [xcv. 3], ↓ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [And this secure town]; (Akh, Lh, T, S, M;) meaning Mekkeh. (M.) بَلَدٌ آمِنٌ and ↓ أَمِينٌ means A town, or country, or district, of which the inhabitants are in a state of security, or confidence, therein. (Msb.) It is also said in the Kur [xliv. 51], ↓ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ, meaning [Verily the pious shall be in an abode] wherein they shall be secure from the accidents, or casualties, of fortune. (M.) [And hence,] ↓ الأَمِينُ is one of the epithets applied to God, (Mgh, K,) on the authority of El-Hasan; (Mgh;) an assertion requiring consideration: it may mean He who is secure with respect to the accidents, or casualties, of fortune: but see المُؤْمِنُ, which is [well known as] an epithet applied to God. (TA.) آمِنُ المَالِ means What is secure from being slaughtered, of the camels, because of its being highly prized; by المال being meant الإِبِل: or, as some say, (tropical:) what is highly esteemed, of property of any kind; as though, if it had intellect, it would feel secure from being exchanged. (M.) You say, أَعْطَيْتُهُ مِنْ آمِنِ مَالِي, (K, TA, [in the CK آمَنِ,]) meaning (tropical:) I gave him of the choice, or best, of my property; of what was highly esteemed thereof; (K, TA;) and مَالِى ↓ مِنْ أَمْنِ which Az explains as meaning of the choice, or best, of my property. (TA: [in which is given a verse cited by ISk showing that أَمْن, thus used, is not a mistranscription for آمِن.]) And آمِنُ الحِلْمِ means Steadfast in forbearance or clemency; of whose becoming disordered in temper, and free from self-restraint, there is no fear. (M.) b2: See also أَمِينٌ, in three places: b3: and see اَمِنٌ.

A2: See also أَمِينٌ, in two places.

آمِينَ [in the CK, erroneously, آمِينُ] and ↓ أَمِينَ; (Th, T, S, M, Mgh, Msb, K;) both chaste and well known, (TA,) the latter of the dial. of El-Hijáz, (Msb, TA,) as some say, (TA,) [and this, though the less common, is the original form, for] the medd in the former is only to give fulness of sound to the fet-hah of the أ, (Th, M, Msb, TA,) as is shown by the fact that there is no word in the Arabic language of the measure فَاعِيلٌ; (Msb, TA;) and some pronounce the former آمِّينَ, (K,) which is said by some of the learned to be a dial. var., (Msb,) but this is a mistake, (S, Msb,) accord. to authorities of good repute, and is one of old date, originating from an assertion of Ahmad Ibn-Yahyà, [i. e. Th,] that آمِينَ is like عَاصِينَ, by which he was falsely supposed to mean its having the form of a pl., [and being consequently آمِّينَ,] (Msb, [and part of this is said in the M,]) whereas he thereby only meant that the م is without teshdeed, like the ص in عَاصِينَ; (M;) beside that the sense of قَاصِدِينَ [which is that of آمِّينَ, from أَمَّ,] would be inconsistent after the last phrase of the first chapter of the Kur [where آمينَ is usually added]; (Msb;) and sometimes it is pronounced with imáleh, [i. e. “émeena,”] as is said by ElWáhidee in the Beseet; (K;) but this is unknown in works on lexicology, and is said to be a mispronunciation of some of the Arabs of the desert of El-Yemen: (MF:) each form is indecl., (S,) with fet-h for its termination, like أَيْنَ and كَيْفَ, to prevent the occurrence of two quiescent letters together: (T, S, TA:) it is a word used immediately after a prayer, or supplication: (S, * M:) [it is best expressed, when occurring in a translation, by the familiar Hebrew equivalent Amen:] El-Fárisee says that it is a compound of a verb and a noun; (M;) meaning answer Thou me; [i. e. answer Thou my prayer;] (M, Mgh;*) or O God, answer Thou: (Zj, T, Msb, K:) or so be it: (AHát, S, Msb, K:) or so do Thou, (K, TA,) O Lord: (TA:) it is strangely asserted by some of the learned, that, after the Fátihah, [or Opening Chapter of the Kur-án,] it is a prayer which implies all that is prayed for in detail in the Fátihah: so in the Towsheeh: (MF:) or it is one of the names of God: (M, Msb, K:) so says El-Hasan (M, Msb) El-Basree: (Msb:) but the assertion that it is for يَا اَللّٰهُ [O God], and that اسْتَجِبٌ [answer Thou] is meant to be understood, is not correct accord. to the lexicologists; for, were it so, it would be with refa, not nasb. (T.) إِيمَانٌ [inf. n. of 4, q. v. b2: Used as a simple subst., Belief; particularly in God, and in his word and apostles &c.: faith: trust, or confidence: &c.] b3: Sometimes it means Prayer; syn. صَلَاةٌ: as in the Kur [ii. 138], where it is said, وَمَا كَانَ اللّٰهُ لِيُضِيعَ إِيَمانَكُمْ, (Bd, Jel, TA,) i. e. [God will not make to be lost] your prayer towards Jerusalem, (Bd, * Jel,) as some explain it. (Bd.) b4: Sometimes, also, it is used as meaning The law brought by the Prophet. (Er-Rághib, TA.) مَأْمَنٌ A place of security or safety or freedom from fear; or where one feels secure. (M, TA.) مُؤْمَنٌ pass. part. n. of آمَنَهُ. (T.) It is said in the Kur [iv. 96], accord. to one reading, (T, M,) that of Aboo-Jaafar El-Medenee, (T,) لَسْتَ مُؤْمَنًا [Thou art not granted security, or safety, &c.; or] we will not grant thee security, &c. (T, M.) مُؤْمِنٌ [act. part. n. of 4; Rendering secure, &c.]. المُؤْمِنُ is an epithet applied to God; meaning He who rendereth mankind secure from his wronging them: (T, S:) or He who rendereth his servants secure from his punishment: (M, IAth:) i. q. المُهَيْمِنُ, (M,) which is originally المُؤَأْمِنُ; [for the form مُفْعِلٌ is originally مُؤَفْعِلٌ;] the second ء being softened, and changed into ى, and the first being changed into ه: (S:) or the Believer of his servants (Th, M, TA) the Muslims, on the day of resurrection, when the nations shall be interrogated respecting the messages of their apostles: (TA:) or He who will faithfully perform to his servants what He hath promised them: (T, TA:) or He who hath declared in his word the truth of his unity. (T.) b2: [Also Believing, or a believer; particularly in God, and in his word and apostles &c.: faithful: trusting, or confiding: &c.: see 4.]

مَأْمُونٌ: see أَمِينٌ, in three places. b2: مَأْمُونَةٌ A woman whose like is sought after and eagerly retained because of her valuable qualities. (M.) مَأْمُونِيَّةٌ A certain kind of food; so called in relation to El-Ma-moon. (TA.) مُؤْتَمَنٌ: see أَمِينٌ, in two places.
[امن] فيه: ويلقى الشيطان في "أمنيته" أي قراءته، و"تمنى" إذا قرأ والأماني جمعه ومنه: إلا "أماني" أي ما يقرؤنه. وإياكم و"الأماني" بتشديد ياء وخفتها. قا: إلا "أماني" الاستثناء منقطع، والأمنية ما يقدره في النفس، ولذا يطلق على الكذب، وعلى ما يتمنى، وما يقرأ أي ولكن يعتقدون أكاذيب تقليداً، أو مواعيد فارغة من أن الجنة لا يدخلها إلا اليهود ونحوه. نه وفيه: "المؤمن" تعالى أي يصدق عباده وعده من الإيمان التصديق، أو يؤمنهم في القيعذابه من الأمان ضد الخوف. ونهران "مؤمنان" النيل والفرات شبهاً بالمؤمن في عموم النفع لأنهما يفيضان على الأرض فيسقيان الحرث بلا مؤنة وكلفة، وشبه دجلة ونهر بلخ بالكافر في قلة النفع لأنهما لا يسقيان ولا ينتفع بهما إلا بمؤنة وكلفة. ولا يزني الزاني وهو "مؤمن" قيل: هو نهي في صورة الخبر أي لا يزن المؤمن فإنه لا يليق بالمؤمنين، وقيل:مده أكثر من القصر، أي أنه طابع الله على عباده للآفات والبلايا تدفع به كخاتم الكتاب يصونه من فساده وإظهار ما فيه، وهو مبني على الفتح ومعناه استجب لي، أو كذلك فليكن. وفيه: "أمين" درجة في الجنة أي كلمة يكتسب بها قائلها درجة. شا: قولهم في الدعاء "أمين" أنه اسم من أسماء الله بمعنى المؤمن أن بالفتح بمعنى التعليل، ومعناه يا أمين استجب، ورده النووي إذ لم يثبت بالقرآن والسنة المتواترة، وأسماؤه لا تثبت بدونهما. نه: لا تسبقني "بأمين" لعل بلالاً كان يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى من سكتتي الإمام فربما يبقى عليه منها شيء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرغ من قراءتها فاستمهله بلال في التأمين بقدر ما يتم فيه بقية السورة حتى ينال بركة موافقته في التأمين. ط: إذا "أمن" الإمام "فأمنوا" فإنه من وافق عطف على محذوف أي فإن الملائكة تؤمن فمن وافق، والمراد الحفظة، وقيل غيرهم، فإن الإمام علة لترتب الجزاء على الشرط.

بالِسُ

بالِسُ:
بلدة بالشام بين حلب والرّقة، سميت فيما ذكر ببالس بن الروم بن اليقن بن سام بن نوح، عليه السلام، وكانت على ضفّة الفرات الغربية، فلم يزل الفرات يشرّق عنها قليلا قليلا حتى صار بينهما في أيامنا هذه أربعة أميال، قال المنجمون: طول بالس خمس وستون درجة وعرضها ست وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الرابع، قال البلاذري: سار أبو عبيدة حتى نزل عراجين وقدّم مقدّمته إلى بالس، وبعث جيشا عليه حبيب بن مسلمة إلى قاصرين، وكانت بالس وقاصرين لأخوين من أشراف الروم أقطعا القرى التي بالقرب منهما وجعلا حافظين لما بينهما من مدن الروم، فصالحهم أهلها على الجزية أو الجلاء، فجلا أكثرهم إلى بلاد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر منبج، ولم يكن الجسر يومئذ وإنما اتخذ في زمن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، للصوائف، ويقال: بل كان له رسم قديم، وأسكن بالس وقاصرين قوما من العرب والبوادي ثم رفضوا قاصرين، وبلغ أبو عبيدة إلى الفرات ثم رجع إلى فلسطين، فكانت بالس والقرى المنسوبة إليها في حدها الأعلى والأوسط والأسفل أعذاء عشرية. فلما كان مسلمة ابن عبد الملك توجه غازيا إلى الروم من نحو الثغور الجزرية عسكر ببالس فأتاه أهلها وأهل بويلس وقاصرين وعابدين وصفّين، وهي قرى منسوبة إليها، فسألوه جميعا أن يحفر لهم نهرا من الفرات يسقي أرضهم على أن يجعلوا له الثلث من غلّاتهم بعد عشر السلطان الذي كان يأخذه، فحفر النهر المعروف بنهر مسلمة ووفوا له بالشرط، ورمّ سور المدينة وأحكمه، فلما مات مسلمة صارت بالس وقراها لورثته فلم تزل في أيديهم حتى جاءت الدولة العباسية وقبض عبد الله بن عليّ أموال بني أمية فدخلت فيها فأقطعها السفاح محمد بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس، فلما مات صارت للرشيد فأقطعها ابنه المأمون فصارت لولده من بعده، وقال مكحول: كل عشريّ بالشام فهو مما جلا عنه أهله فأقطعه المسلمون فأحيوه وكان مواتا لا حق فيه لأحد فأحيوه بإذن الولاة، قال ابن غسان السّكوني:
أمّن الله، بالمبارك، يحيى ... خوف مصر إلى دمشق فبالس
وينسب إليها جماعة، منهم أبو المجد معدان بن كثير
ابن عليّ البالسي الفقيه الشافعي، كان تفقه على أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسين الشاشي ومدحه فقال:
قد قلت للمتكلّفين لحاقه: ... كفّوا فما كلّ البحور تعام
غلّست في طلب الرّشاد وهجرّوا، ... وسهرت في طلب المراد وناموا
يا كعبة الفضل أفتنا: لم لم يجب ... شرعا، على قصّادك، الإحرام؟
ولمه يضمّخ زائروك بطيب ما ... تلقيه، وهو على الحجيج حرام
وكان لمعدان معرفة جيدة بالأدب واللغة، وممن ينسب إلى بالس أيضا: الحسن بن عبد الله بن منصور بن حبيب بن إبراهيم أبو عليّ الأنطاكي، يعرف بالباسي، حدث بدمشق ومصر عن الهيثم بن جميل وإسحاق بن إبراهيم الحنيني وغيرهم، وروى عنه جماعة، منهم:
أبو العباس بن ملأس وأبو الجهم بن طلّاب ومكحول البيروتي، وإسمعيل بن أحمد بن أيوب بن الوليد بن هارون أبو الحسن البالسي الخيزراني، سمع خيثمة بن سليمان بأطرابلس وبالرّقّة أبا الفضل محمد بن عليّ بن الحسين بن حرب قاضي الرّقة، وببالس أبا القاسم جعفر بن سهل بن الحسن القاضي وأباه أحمد بن أيوب الزّيات وأبا العباس أحمد بن إبراهيم بن محمد بن بكر البالسي وجماعة وافرة سواهم ببلدان شتّى، روى عنه أبو الفرج عبيد الله بن محمد بن يوسف المراغي النحوي وأبو بكر محمد بن الحسن الشيرازي، وأحمد ابن إبراهيم بن فيل أبو الحسن البالسي ثم الأنطاكي نزل أنطاكية روى عن هشام بن عمار والمسيب بن واضح وطبقتهما كثيرا، روى عنه أبو عبد الرحمن النسائي في سننه وخيثمة وأبو عوانة الأسفراييني وسليمان الطبراني وخلق كثير، ومات بأنطاكية سنة 284.

الْعلي

(الْعلي) أَعلَى مَكَان وَأَعْلَى دَرَجَة وَسَاكن أَعلَى مَكَان وَصَاحب أَعلَى دَرَجَة (ج) عليون
(الْعلي) الْمُرْتَفع والصلب الشَّديد الْقوي والرفيع الْقدر (ج) علية يُقَال هم علية الْقَوْم
الْعلي: من الْعُلُوّ أَصله عليو فَاعل اعلال سيد ومرمي. وَهُوَ اسْم رَابِع الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. وَهُوَ ابْن أبي طَالب بن عبد الْمطلب جد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَهُوَ ابْن عَم رَسُول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ كرم الله وَجهه قَامَ بِأَمْر الْخلَافَة يَوْم قتل عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَلم يزل اسْمه كرم الله وَجهه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. ويكنى أَبَا الْحسن وَأَبا تُرَاب كناه بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ كرم الله وَجهه أسلم وَكَانَ أحب الْإِسْلَام وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وَقيل ابْن تسع وَقيل عشر وَقيل خَمْسَة عشر وَقيل غير ذَلِك. وَشهد كرم الله وَجهه الْمشَاهد كلهَا إِلَّا تَبُوك فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَلفه فِي أَهله وَكَانَ غزير الْعلم. وَلما هَاجر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَقَامَ بعده ثَلَاث لَيَال وأيامها حَتَّى أدّى عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الودائع ثمَّ لحق بِهِ. وَيُقَال إِنَّه أول من أسلم وَأول من صلى. وزوجه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْنَته الْكَرِيمَة فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَشهد لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْجنَّةِ وَهُوَ وَصِيّ رَسُول الله لأَدَاء الدّين وتجهيزه تكفينه وَغير ذَلِك.
ومناقب فَضله أَكثر من أَن تحصى _ وَأظْهر من أَن تخفى _ وَهُوَ مظهر الْعَجَائِب _ موصل الطَّالِب إِلَى المطالب _ أَسد الله الْغَالِب _ وَبَاب الْعلم ومخزن الْولَايَة _ ومعدن الشجَاعَة والدراية _ وَأُمُور المعارف الإلهية _ والقرب الإلهي تعود إِلَيْهِ _ ومفاتيح الْفضل والنوال لَدَيْهِ _ وَأمه كرم الله وَجهه فَاطِمَة بنت أَسد. وَقَتله كرم الله وَجهه عبد الرَّحْمَن ابْن ملجم فِي لَيْلَة الْجُمُعَة السَّابِع عشر من شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة وثب عَلَيْهِ فَضَربهُ بخنجر على دماغه فَمَاتَ بعد يَوْمَيْنِ. فَأخذُوا ابْن ملجم. وَذكر غير وَاحِد أَنه لما ضربه ابْن ملجم أوصى الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَصِيَّة طَوِيلَة. وَفِي آخرهَا يَا بني عبد الْمطلب أَلا لَا يقتلن بِي إِلَّا قاتلي واضربوه ضَرْبَة بضربة وَلَا تمثلوا بِهِ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول إيَّاكُمْ والمثلة.وَلما مَاتَ عَليّ كرم الله وَجهه قتل الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن ملجم فَقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وكحل عَيْنَيْهِ بمسمار محمى كل ذَلِك وَلم يتأوه فَزعًا وَلَا جزعا من الْمَوْت وَلم يجزع. فَلَمَّا أَرَادوا قطع لِسَانه تأوه وجزع فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ وَالله مَا أتأوه فَزعًا وَلَا جزعا من الْمَوْت وَلَكِن أتأوه لكَون أَن تمر عَليّ سَاعَة من سَاعَات الدُّنْيَا أَلا أذكر الله فِيهَا فَقطعُوا لِسَانه فَمَاتَ بعد ذَلِك كَذَا فِي حَيَاة الْحَيَوَان. أَيهَا الاخوان إِذا جرى على لِسَان الْكَافِر ذكر الله تَعَالَى لَا ينفع أصلا فَلَا يَغُرنكُمْ قَول ذَلِك الملعون.
وَكَانَ عمره كرم الله وَجهه سبعا وَقيل ثمانيا وَخمسين وَقيل ثَلَاثًا وَقيل ثمانيا وَسِتِّينَ. وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ مَاتَ كرم الله وَجهه وعمره خمس وَسِتُّونَ سنة. وَقَالَ غَيره ثَلَاث وَسِتُّونَ. وَكَانَت خِلَافَته كرم الله وَجهه أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَيَوْما وَاحِدًا. وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته أَرْبَعَة أشهر ثمَّ سَار إِلَى الْعرَاق وَقتل بِالْكُوفَةِ وَدفن فِي قصر الْإِمَارَة فِيهَا. وَقيل إِنَّه فِي النجف الْأَشْرَف فِي المشهد الَّذِي يزار الْيَوْم. وَعلي كرم الله وَجهه أول إِمَام عُفيَ قَبره. وَقيل إِنَّه كرم الله وَجهه أوصى أَن يخفى قَبره ليأمن أَن يمثلوا أَي بَنو أُميَّة بقبره كرم الله وَجهه. وَكَانَ وِلَادَته كرم الله وَجهه يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر من رَجَب وَكَانَ لَهُ اثْنَا عشر ابْنا وَخمْس عشرَة بِنْتا.
(بَاب الْعين مَعَ الْمِيم)

الكُوفَةُ

الكُوفَةُ:
بالضم: المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ويسمّيها قوم خدّ العذراء، قال أبو بكر محمد ابن القاسم: سميت الكوفة لاستدارتها أخذا من قول العرب: رأيت كوفانا وكوفانا، بضم الكاف وفتحها، للرميلة المستديرة، وقيل: سميت الكوفة كوفة لاجتماع الناس بها من قولهم: قد تكوّف الرمل، وطول الكوفة تسع وستون درجة ونصف، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلثان، وهي في الإقليم الثالث، يتكوّف تكوّفا إذا ركب بعضه بعضا، ويقال: أخذت الكوفة من الكوفان، يقال: هم في
كوفان أي في بلاء وشر، وقيل: سميت كوفة لأنها قطعة من البلاد، من قول العرب: قد أعطيت فلانا كيفة أي قطعة، ويقال: كفت أكيف كيفا إذا قطعت، فالكوفة قطعة من هذا انقلبت الياء فيها واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، وقال قطرب:
يقال القوم في كوفان أي في أمر يجمعهم، قال أبو القاسم: قد ذهبت جماعة إلى أنها سميت كوفة بموضعها من الأرض وذلك أن كل رملة يخالطها حصباء تسمى كوفة، وقال آخرون: سميت كوفة لأن جبل ساتيدما يحيط بها كالكفاف عليها، وقال ابن الكلبي:
سميت بجبل صغير في وسطها كان يقال له كوفان وعليه اختطت مهرة موضعها وكان هذا الجبل مرتفعا عليها فسمّيت به، فهذا في اشتقاقها كاف، وقد سمّاها عبدة بن الطبيب كوفة الجند فقال:
إن التي وضعت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودّها غول
وأما تمصيرها وأوّليته فكانت في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في السنة التي مصرّت فيها البصرة وهي سنة 17، وقال قوم: إنها مصّرت بعد البصرة بعامين في سنة 19، وقيل سنة 18، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: لما فرغ سعد بن أبي وقّاص من وقعة رستم بالقادسية وضمّن أرباب القرى ما عليهم بعث من أحصاهم ولم يسمهم حتى يرى عمر فيهم رأيه، وكان الدهاقين ناصحوا المسلمين ودلوهم على عورات فارس وأهدوا لهم وأقاموا لهم الأسواق ثم توجه سعد نحو المدائن إلى يزدجرد وقدم خالد بن عرفطة حليف بني زهرة بن كلاب فلم يقدر عليه سعد حتى فتح خالد ساباط المدائن ثم توجه إلى المدائن فلم يجد معابر فدلوه على مخاضة عند قرية الصيادين أسفل المدائن فأخاضوها الخيل حتى عبروا وهرب يزدجرد إلى إصطخر فأخذ خالد كربلاء عنوة وسبى أهلها فقسّمها سعد بين أصحابه ونزل كل قوم في الناحية التي خرج بها سهمه فأحيوها فكتب بذلك سعد إلى عمر فكتب إليه عمر أن حوّلهم، فحوّلهم إلى سوق حكمة، ويقال إلى كويفة ابن عمر دون الكوفة، فنقضوا فكتب سعد إلى عمر بذلك، فكتب إليه: إن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما أصلح الشاة والبعير فلا تجعل بيني وبينهم بحرا وعليك بالريف، فأتاه ابن بقيلة فقال له: أدلك على أرض انحدرت عن الفلاة وارتفعت عن المبقّة؟
قال: نعم، فدلّه على موضع الكوفة اليوم وكان يقال له سورستان، فانتهى إلى موضع مسجدها فأمر غاليا فرمى بسهم قبل مهبّ القبلة فعلم على موقعه ثم غلا بسهم قبل مهب الشمال فعلم على موقعه ثم علم دار إمارتها ومسجدها في مقام الغالي وفيما حوله، ثم أسهم لنزار وأهل اليمن سهمين فمن خرج اسمه أولا فله الجانب الشرقي وهو خيرهما فخرج سهم أهل اليمن فصارت خططهم في الجانب الشرقي وصارت خطط نزار في الجانب الغربي من وراء تلك الغايات والعلامات وترك ما دون تلك العلامات فخط المسجد ودار الإمارة فلم يزل على ذلك، وقال ابن عباس: كانت منازل أهل الكوفة قبل أن تبنى أخصاصا من قصب إذا غزوا قلعوها وتصدّقوا بها فإذا عادوا بنوها فكانوا يغزون ونساؤهم معهم، فلما كان في أيام المغيرة بن شعبة بنت القبائل باللّبن من غير ارتفاع ولم يكن لهم غرف، فلما كان في أيام إمارة زياد بنوا أبواب الآجرّ فلم يكن في الكوفة أكثر أبواب الآجرّ من مراد والخزرج، وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد أن اختط موضع المسجد الجامع على عدة مقاتلتكم، فخط على أربعين ألف إنسان، فلما قدم زياد زاد فيه عشرين ألف إنسان وجاء بالآجرّ وجاء بأساطينه من الأهواز،
قال أبو الحسن محمد بن علي بن عامر الكندي البندار أنبأنا علي بن الحسن بن صبيح البزاز قال: سمعت بشر ابن عبد الوهاب القرشي مولى بني أمية وكان صاحب خير وفضل وكان ينزل دمشق ذكر أنه قدر الكوفة فكانت ستة عشر ميلا وثلثي ميل وذكر أن فيها خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب وستة آلاف دار لليمن، أخبرني بذلك سنة 264، وقال الشعبي: كنّا نعدّ أهل اليمن اثني عشر ألفا وكانت نزار ثمانية آلاف، وولى سعد بن أبي وقاص السائب بن الأقرع وأبا الهيّاج الأسدي خطط الكوفة فقال ابن الأقرع لجميل بن بصبهري دهقان الفلوجة: اختر لي مكانا من القرية، قال: ما بين الماء إلى دار الإمارة، فاختط لثقيف في ذلك الموضع، وقال الكلبي: قدم الحجاج بن يوسف على عبد الملك بن مروان ومعه أشراف العراقيين، فلما دخلوا على عبد الملك بن مروان تذاكروا أمر الكوفة والبصرة فقال محمد بن عمير العطاردي:
الكوفة سفلت عن الشام ووبائها وارتفعت عن البصرة وحرّها فهي بريّة مريئة مريعة إذا أتتنا الشمال ذهبت مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور وإذا هبّت الجنوب جاءتنا ريح السواد وورده وياسمينه وأترنجه، ماؤنا عذب وعيشنا خصب، فقال عبد الملك بن الأهتم السعدي: نحن والله يا أمير المؤمنين أوسع منهم بريّة وأعدّ منهم في السرية وأكثر منهم ذرّيّة وأعظم منهم نفرا، يأتينا ماؤنا عفوا صفوا ولا يخرج من عندنا إلا سائق أو قائد، فقال الحجاج: يا أمير المؤمنين إن لي بالبلدين خبرا، فقال: هات غير متّهم فيهم، فقال: أما البصرة فعجوز شمطاء بخراء دفراء أوتيت من كل حليّ، وأما الكوفة فبكر عاطل عيطاء لا حليّ لها ولا زينة، فقال عبد الملك: ما أراك إلا قد فضّلت الكوفة، وكان عليّ، عليه السلام، يقول: الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث شاء، والذي نفسي بيده لينتصرن الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز، وكان سلمان الفارسي يقول: أهل الكوفة أهل الله وهي قبّة الإسلام يحنّ إليها كلّ مؤمن، وأما مسجدها فقد رويت فيه فضائل كثيرة، روى حبّة العرني قال: كنت جالسا عند عليّ، عليه السّلام، فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين هذه راحلتي وزادي أريد هذا البيت أعني بيت المقدس، فقال، عليه السّلام:
كل زادك وبع راحلتك وعليك بهذا المسجد، يعني مسجد الكوفة، فإنه أحد المساجد الأربعة ركعتان فيه تعدلان عشرا فيما سواه من المساجد والبركة منه إلى اثني عشر ميلا من حيث ما أتيته وهي نازلة من كذا ألف ذراع، وفي زاويته فار التنور وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم، عليه السّلام، وقد صلى فيه ألف نبيّ وألف وصيّ، وفيه عصا موسى والشجرة اليقطين، وفيه هلك يغوث ويعوق وهو الفاروق، وفيه مسير لجبل الأهواز، وفيه مصلّى نوح عليه السّلام، ويحشر منه يوم القيامة سبعون ألفا ليس عليهم حساب ووسطه على روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث أعين من الجنة تذهب الرّجس وتطهّر المؤمنين، لو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبوا، وقال الشعبي: مسجد الكوفة ستة أجربة وأقفزة، وقال زادانفرّوخ: هو تسعة أجربة، ولما بنى عبيد الله بن زياد مسجد الكوفة جمع الناس ثم صعد المنبر وقال: يا أهل الكوفة قد بنيت لكم مسجدا لم يبن على وجه الأرض مثله وقد أنفقت على كل أسطوانة سبع عشرة مائة ولا يهدمه إلا باغ أو جاحد، وقال عبد الملك بن عمير: شهدت زيادا وطاف بالمسجد فطاف به وقال: ما أشبهه بالمساجد
قد أنفقت على كل أسطوانة ثماني عشرة مائة، ثم سقط منه شيء فهدمه الحجاج وبناه ثم سقط بعد ذلك الحائط الذي يلي دار المختار فبناه يوسف بن عمر، وقال السيد إسماعيل بن محمد الحميري يذكر مسجد الكوفة:
لعمرك! ما من مسجد بعد مسجد ... بمكة ظهرا أو مصلّى بيثرب
بشرق ولا غرب علمنا مكانه ... من الأرض معمورا ولا متجنّب
بأبين فضلا من مصلّى مبارك ... بكوفان رحب ذي أواس ومخصب
مصلّى، به نوح تأثّل وابتنى ... به ذات حيزوم وصدر محنّب
وفار به التنور ماء وعنده ... له قيل أيا نوح في الفلك فاركب
وباب أمير المؤمنين الذي به ... ممرّ أمير المؤمنين المهذّب
عن مالك بن دينار قال: كان علي بن أبي طالب إذا أشرف على الكوفة قال:
يا حبّذا مقالنا بالكوفة ... أرض سواء سهلة معروفه
تعرفها جمالنا العلوفه
وقال سفيان بن عيينة: خذوا المناسك عن أهل مكة وخذوا القراءة عن أهل المدينة وخذوا الحلال والحرام عن أهل الكوفة، ومعما قدّمنا من صفاتها الحميدة فلن تخلو الحسناء من ذامّ، قال النجاشي يهجو أهلها:
إذا سقى الله قوما صوب غادية ... فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا
التاركين على طهر نساءهم، ... والنائكين بشاطي دجلة البقرا
والسارقين إذا ما جنّ ليلهم، ... والدارسين إذا ما أصبحوا السّورا
ألق العداوة والبغضاء بينهم ... حتى يكونوا لمن عاداهم جزرا
وأما ظاهر الكوفة فإنها منازل النعمان بن المنذر والحيرة والنجف والخورنق والسدير والغريّان وما هناك من المتنزهات والديرة الكبيرة فقد ذكرت في هذا الكتاب حيث ما اقتضاه ترتيب أسمائها، ووردت رامة بنت الحسين بن المنقذ بن الطمّاح الكوفة فاستوبلتها فقالت:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... وبيني وبين الكوفة النّهران؟
فإن ينجني منها الذي ساقني لها ... فلا بدّ من غمر ومن شنآن
وأما المسافات فمن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة، ومن المدينة إلى مكة نحو عشر مراحل في طريق الجادّة، ومن الكوفة إلى مكة أقصر من هذا الطريق نحو من ثلاث مراحل لأنه إذا انتهى الحاجّ إلى معدن النّقرة عدل عن المدينة حتى يخرج إلى معدن بني سليم ثم إلى ذات عرق حتى ينتهي إلى مكة، ومن حفّاظ الكوفة محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، سمع بالكوفة عبد الله بن المبارك وعبد الله ابن إدريس وحفص بن غياث ووكيع بن الجرّاح وخلقا غيرهم، وروى عنه محمد بن يحيى الذّهلي وعبد الله بن يحيى الذهلي وعبد الله بن يحيى بن حنبل وأبو يعلى الموصلي والحسن بن سفيان الثوري وأبو عبد الله البخاري ومسلم بن الحجاج وأبو داود السجستاني وأبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي وابن ماجة القزويني وأبو عروة المراي وخلق سواهم،
وكان ابن عقدة يقدّمه على جميع مشايخ الكوفة في الحفظ والكثرة فيقول: ظهر لابن كريب بالكوفة ثلاثمائة ألف حديث، وكان ثقة مجمعا عليه، ومات لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة 243، وأوصى أن تدفن كتبه فدفنت.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.