Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: جزئية

علم الميزان

علم الميزان
ويسمى علم المنطق تقدم وإنما سمي بالميزان إذ به توزن الحجج والبراهين.
وكان أبو علي يسميه: خادم العلوم إذ ليس مقصودا بنفسه بل هو وسيلة إلى العلوم فهو كخادم لها.
وأبو نصر يسميه: رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها فيكون رئيسا حاكما عليها وإنما سمي بالمنطق لأن النطق يطلق على اللفظ وعلى إدراك الكليات وعلى النفس الناطقة.
ولما كان هذا الفن يقوي الأول ويسلك بالثاني مسلك السداد ويحصل بسببه كمالات الثالث اشتق له اسم منه وهو المنطق.
وهو: علم بقوانين تفيد معرفة طرق الانتقال من المعلومات إلى المجهولات وشرائطها بحيث لا يعرض الغلط في الفكر.
والمعلومات: تتناول الضرورية والنظرية.
والمجهولات: تتناول التصورية والتصديقية وهذا أولى مما ذكره صاحب الكشف تفيد معرفة طرق الانتقال من الضروريات إلى النظريات لأنه يوهم بالانتقال الذاتي علم ما يتبادر من العبارة والمراد الأعم من أن يكون بالذات أو بالواسطة.
وأما احترازاته: فقد ذكرها صاحب كشاف اصطلاحات الفنون وليس إيرادها ههنا من غرضنا في هذا الكتاب.
والمنطق من العلوم الآلية لأن المقصود منه تحصيل المجهول من المعلوم ولذا قيل: الغرض من تدوينه العلوم الحكمية فهو في نفسه غير مقصود ولذا قيل المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر.
وموضوعه: التصورات والتصديقات أي: المعلومات التصورية والتصديقية لأن بحث المنطقي عن أعراضها الذاتية فإنه يبحث عن التصورات من حيث إنها توصل إلى تصور مجهول إيصالا قريبا أي بلا واسطة كالحد والرسم أو إيصالا بعيدا ككونها كلية وجزئية وذاتية وعرضية ونحوها فإن مجرد أمر من هذه الأمور لا يوصل إلى التصور ما لم ينضم إليه آخر يحصل منها حد أو رسم.
ويبحث عن التصديقات من حيث أنها توصل إلى تصديق مجهول إيصالا قريبا كالقياس والاستقراء والتمثيل أو بعيد ككونها قضية وعكس قضية ونقيضها فإنها ما لم تنضم إليه ضميمة لا توصل إلى التصديق.
ويبحث عن التصورات من حيث أنها توصل إلى التصديق إيصالا أبعد ككونها موضوعات ومحمولات ولا خفاء في أن إيصال التصورات والتصديقات إلى المطالب قريبا أو بعيدا من العوارض الذاتية لها فتكون هي موضوع المنطق.
وذهب أهل التحقيق إلى أن موضوعه المعقولات الثانية لا من حيث إنها ما هي في أنفسها ولا من حيث أنها موجودة في الذهن فإن ذلك وظيفة فلسفية بل من حيث أنها توصل إلى المجهول أو يكون لها نفع في الإيصال.
فإن المفهوم الكلي إذا وجد في الذهن وقيس إلى ما تحته من الجزئيات فباعتبار دخوله في ماهياتها يعرض له الذاتية وباعتبار خروجه عنها العرضية وباعتبار كونه نفس ماهياتها النوعية وما عرض له الذاتية جنس باعتبار اختلاف أفراده وفصل باعتبار آخر وكذلك ما عرض له العرضية إما خاصة أو عرض عام باعتبارين مختلفين.
وإذا ركبت الذاتيات والعرضيات إما منفردة أو مختلطة على وجوه مختلفة عرض لذلك المركب الحدية والرسمية ولا شك أن هذه المعاني أعني كون المفهوم الكلي ذاتيا أو عرضيا أو نوعا ونحو ذلك ليست من الموجودات الخارجية بل هي مما يعرض للطبائع الكلية إذا وجدت في الأذهان وكذا الحال في كون القضية حملية أو شرطية وكون الحجة قياسا أو استقراء أو تمثيلا فإنها بأسرها عوارض تعرض لطبائع النسب الــجزئية في الأذهان إما وحدها أو مأخوذة مع غيرها فهي أي المعقولات الثانية موضوع المنطق.
ويبحث المنطقي عن المعقولات الثالثة وما بعدها من المراتب فإنها عوارض ذاتية للمعقولات الثانية فقط.
فالقضية مثلا معقول ثان يبحث عن انقسامها وتناقضها وانعكاسها وإنتاجها إذا ركبت بعضها مع بعض فالانعكاس والإنتاج والانقسام والتناقض معقولات واقعة في الدرجة الثالثة من التعقل وإذا حكم على أحد الأقسام أو أحد المتناقضين مثلا في المباحث المنطقية بشيء كان ذلك الشيء في الدرجة الرابعة من التعقل وعلى هذا القياس.
وقيل: موضوعه الألفاظ من حيث أنها تدل على المعاني وهو ليس بصحيح لأن نظر المنطقي ليس إلا في المعاني ورعاية جانب اللفظ إنما هي بالعرض.
والغرض من المنطق: التمييز بين الصدق والكذب في الأقوال والخير والشر في الأفعال والحق والباطل في الاعتقادات.
ومنفعته: القدرة على تحصيل العلوم النظرية والعملية.
وأما شرفه: فهو أن بعضه فرض وهو البرهان لأنه لتكميل الذات وبعضه نقل وهو ماسوى البرهان من أقسام القياس، لأنه للخطاب مع الغير ومن أتقن المنطق فهو على درجة من سائر العلوم، ومن طلب العلوم الغير المتسقة وهي ما لا يؤمن فيها من الغلط ولا يعلم المنطق، فهو كحاطب ليل وكرامد العين لا يقدر على النظر إلى الضوء لا البخل من الموجد بل لنقصان في الأستعداد والصواب الذي يصدر من غير المنطقي كرمي من غير رام، وقد يندر للمنطقي خطأ في النوافل دون المهمات لكنه يمكنه استدراكه بعرضه على القوانين المنطقية. ومرتبته في القراءة أن يقرأ بعد تهذيب الأخلاق وتقويم الفكر ببعض العلوم الرياضية مع الهندسة والحساب.
وأما الأول: فلما قال أبقراط: البدن ليس بنقي كلما غذوته إنما يزيد شرا ووبالا ألا ترى أن الذين لم يهذبوا أخلاقهم إذا شرعوا في المنطق سلكوا منهج الضلال وانخرطوا في سلك الجهال وأنفوا أن يكونوا مع الجماعة ويتقلدوا ذل الطاعة فجعلوا الأعمال الطاهرة والأقوال الظاهرة من البدائع التي وردت بها الشرائع وقر آذانهم والحق تحت أقدامهم وأما الثاني: فلتستأنس طبائعهم إلى البرهان كذا في شرح إشراق الحكمة ومؤلف المنطق ومدونه أرسطو انتهى. ما في كشاف اصطلاحات الفنون.
ولشيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني رسالة في هذا الباب سماه أمنية المتشوق في حكم المنطق قال فيها:
الخلاصة في ذلك أنه ذهب إلى لزوم تعلم المنطق الغزالي وجماعة.
وذهب إلى تكريهه قوم.
وقال بإباحته جمع جم وصرح بتحريمه جماعة.
قال السيوطي في الحاوي: المنطق هو: فن خبيث مذموم يحرم الاشتغال به مبني بعض ما فيه على القول بالهيولي الذي هو كفر يجر إلى الفلسفة والزندقة. وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية نص على جميع ما ذكرته أئمة الدين وعلماء الشريعة.
فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي ونص عليه من أصحابه إمام المحرمين والغزالي في آخر أمره وابن الصباغ صاحب الشامل وابن القشيري ونصر المقدسي والعماد بن يونس وحفيده والسلفي وابن بندار وابن عساكر وابن الأثير وابن الصلاح وابن دقيق العيد والبرهان الجعبري وأبو حيان والشرف الدمياطي والذهبي والطيبي والملوي والأسنوي والأذرعي والولي العراقي والشرف المقري قال: وأفتى به شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي.
ونص عليه من أئمة المالكية ابن أبي زيد صاحب الرسالة والقاضي أبو بكر بن العربي وأبو بكر الطرطوسي وأبو الوليد الباجي وأبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وأبو الحسن بن الحصار وأبو عامر بن الربيع وأبو الحسن بن حبيب وأبو حبيب المالقي وابن المنير وابن رشد وابن أبي حمزة وعامة أهل المغرب.
ونص عليه من الأئمة الحنفية: أبو سعيد السيرافي والسراج القزويني وألف في ذمه كتابا سماه نصيحة المسلم المشفق لمن ابتلى بعلم المنطق.
ونصل عليه من أئمة الحنابلة: ابن الجوزي وسعد الدين الحارثي والتقي ابن تيمية وألف في ذمه ونقض قواعده مجلدا كبيرا اسمه نصيحة ذوي الإيمان في الرد على منطق اليونان انتهى كلامه.
ومن عرف معنى الهيولي الذي جعله سببا لتحريم هذا الفن لابتناء بعضه عليه. علم أن السيوطي رحمه الله تعالى في هذا الفن ناقة ولا جمل ورجل ولا حمل فهو معذور. وقد قال بقول هؤلاء جماعة من أهل البيت وابن حزم الظاهري قال في الجوهرة: وقد فرط الغزالي وأفرط. وأما تفريطه: فكونه زعم أنه لا حاجة إلى علم الكلام.
وأما إفراطه: فلأنه شرط للمجتهد ما لم يشترط أحد من علماء الإسلام معرفة صناعة المنطق ولهذا قال المهدي في أوائل البحر: وأما المنطق فالمحققون لا يعدونه لإمكان البرهان دونه يعني لا يعدونه من علوم الاجتهاد.
وفي منهاج القرشي: أن الفلاسفة وضعوا علم المنطق خديعة وتوصلا إلى إبطال مسائل التوحيد لأنهم جعلوا قياس الغائب على الشاهد ظنيا وجميع مسائل التوحيد مبنية عليه فتوصلوا بهذا إلى أن الكلام في إثبات الصانع وصفاته ظني لا يمكن العلم به وتوصلا إلى إبطال مسائل العدل لأنهم جعلوا الحكم بقبح المظلم والكذب ونحو ذلك والحكم بحسن العدل ووجوب رد الوديعة وشكر المنعم ونحو ذلك أمورا مشهورات مسلمات ليس فيها إلا ظن ضعيف فلا يحكم الإنسان بقبح الظلم إلا لرقة قلبه أو الحمية أو لمحبة التعاون على المعاش ونحو ذلك
فتوصلوا بذلك إلى إبطال العدل والوعيد والشرائع وتكلفوا للتوصل إلى هذه الخديعة فنا من أدق الفنون والبراهين الحاصلة عن أشكالهم نوع واحد من أنواع العلوم وهو إلحاق التفصيل بالجملة وهو أقل العلوم كلفة وإن لم يكن ضروريا كمن يعلم أن كل ظلم قبيح ثم يعلم في وقت معين أنه ظلم فإنه يعلم أن هذا المعين قبيح إلحاقا للتفصيل بالجملة ولا يحتاج إلى إيراد مقدمتين في شكل مخصوص انتهى.
قال القاضي علي بن عبد الله بن رادع: ولقد عرفت صحة ما ذكره في المنهاج بسماعي لمعظم كتب المنطق كالرسالة الشمسية وشرحها وغيرهما ووجدت ما يذكرونه في أشكالهم لا فائدة فيه إلى آخر ما قال في شرحه للأثمار ولقد عجبت من قول هذا القاضي حيث قال: بسماعي لمعظم كتب المنطق ثم تكلم بعد ذلك بكلام يشعر بعدم معرفته لأول بحث من مباحث الرسالة الشمسية وكثيرا من يظن أنه قد عرف علم المنطق وهو لا يعرفه لأنه علم دقيق لا يفتح هذه الإشكالات الباردة.
قال ابن رادع في شرح الأثمار: روي عن المؤلف أيده الله أنه قال: إن العلماء المتقدمين كانوا إذا اطلعوا على شيء من ألفاظ الفلاسفة في أي كلام يرد عليهم اكتفوا في رده وإبطاله بكون فيه شيء من عبارة الفلاسفة ولم يتشاغلوا ببيان بطلانه وإن كثيرا من العلماء المتقدمين وكثيرا من المتأخرين نهوا عن الخوض فيه أشد النهي.
وصنف الشيخ جلال الدين السيوطي كتابا سماه القول المشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق ولم يشتغل من اشتغل من المتأخرين إلا لما كثر التعبير بقواعده من المخالفين واستعانوا بالخوض فيه على تيسير الرد عليهم بالطريق التي سلكوها وكان الأولى السلوك في طريقة المتقدمين لأن قواعد التعبير بعبارة المنطق كثيرة الغلط وخارجة عن عبارة الكتاب والسنة واللسان العربي مع أنه مفسدة في كل من الأديان وقد روي أن بعض الخلفاء العباسيين لما طلب الفلاسفة ترجم علم المنطق باللغة العربية شاور كبيرا لهم فقال: ترجموه لهم فإن علمنا هذا لا يدخل في دين إلا أفسده.
قال المؤلف رحمه الله: وقد وجد ذلك الكلام صحيحا فإن كثيراً من المتعمقين في علم المنطق من المسلمين قد مال في كثير من الأصول إلى ما يفكر به قطعاً.
وأما غير المسلمين من أهل الكتاب فقد تفلسف أكثرهم ولهذا إن كل من خرج عن الأصول الشرعية والعقلية لا يعتمد غيره مثل الباطنية والصوفية وغيرهم انتهى.
وقال جماعة من العلماء: القول الفصل فيه أنه كالسيف يجاهد به شخص في سبيل الله ويقطع به آخر الطريق.
قال الإمام يحيى بن حمزة: إن كان الإطلاع عليه لقصد حل شبهة ونقضها جاز ذلك بل هو الواجب على علماء الإسلام.
وإن كان لغرض غير ذلك كالاقتفاء لآثارهم والتدين بدينهم فهو الكفر والفرية التي لا شبهة فيها ولا مرية وفي هذا القدر من أقوال العلماء كفاية وإن كان المجال يتسع لأضعاف أضعاف ذلك وليس مرادنا إلا الإشارة إلى الاختلاف في هذا العلم.
وأما ما هو الحق من هذه الأقوال فاعلم أنه لا يشك من له مسكة في صحة أطراف ثلاثة نذكرها هاهنا نجعلها كالمقدمة لما نرجحه.
الطرف الأول: إن علم المنطق علم كفري واضعه الحكيم أرسطاطاليس اليوناني وليس من العلوم الإسلامية بإجماع المسلمين والمنكر لهذا منكر للضرورة وليس للمشتهرين بمعرفته المكبين على تحقيق مطالبه من المسلمين كالفارابي وابن سينا ومن نحا نحوهم إلا التفهم لدقائقه والتعريف بحقائقه ولهذا قال الفارابي وهو أعلم المسلمين بهذا الفن لما قال له قائل: أيما أعلم أنت أم أرسطاطايس؟ فقال: لو أدركته لكنت من أكبر تلامذته.
الطرف الثاني: إن المتأخرين من علماء الإسلام ولا سيما أئمة الأصول والبيان والنحو والكلام والجدل من أهل البيت وغيرهم قد استكثروا من استعمال القواعد المنطقية في مؤلفاتهم في هذه الفنون وغيرها وبالغ المحقق ابن الإمام الحسين بن القاسم في شرح غاية السول فقال:
وهاهنا أبحاث يحتاج إليها.
أما الأول: فلان هذا العلم لما كان علما بكيفية الاستنباط وطريقة الاستدلال عن دلائل وكان المنطق علما بكيفية مطلق الاستدلال والاستنباط شارك المنطق وشابهه من هذه الجهة حتى كأنه جزئي من جزئيات المنطق وفرع من فروعه ولا ريب في أن إتقان الأصل وتدبره أدخل لإتقان الفرع والتبصر فيه انتهى بلفظه.
فانظر كيف جعل علم الأصول جزئيا من جزئيات المنطق وجعله فرعاً والمنطق أصلاً.
وعلى الجملة فاستعمال المتأخرين لفن المنطق في كتبهم معلوم لكل باحث ومن أنكر هذا بحث أي كتاب شاء من الكتب المتداولة بين الطلبة التي هي مدارس أهل العصر في هذه العلوم فإنه يجد معرفة ذلك متعسرة إن لم تكن متعذرة بدون علم المنطق خصوصا علم الأصول. فإنها قد جرت عادة مؤلفيه باستفتاح كتبهم بهذا العلم كابن الحاجب في مختصر المنتهى وشرحه وابن الإمام في غاية السول وشرحها وغيرهما دع عنك المطولات والمتوسطات هذه المختصرات التي هي مدرس المبتدئ في زماننا كالمعيار للإمام المهدي وشروحه والكافل لابن بهران وشروحه قد اشتمل كل واحد منها على مباحث من هذا العلم لا يعرفها إلا أربابه ومن ادعى معرفتها بدون هذا العلم فهو يعرف كذب نفسه.
الطرف الثالث: إن كتب المنطق التي يدرسها طلبة العلوم في زماننا كرسالة إيساغوجي للأبهري وشروحها التهذيب للسعد وشروحه والرسالة الشمسية وشروحها وما يشابه هذه الكتب قد هذبها أئمة الإسلام تهذيبا صفت به عن كدورات أقوال المتقدمين فلا ترى فيها إلا مباحث نفيسة ولطائف شريفة تستعين بها على دقائق العلوم وتحل بها إيجازات المائلين إلى تدقيق العبارات فإن حرمت نفسك معرفتها فلاحظ لك بين أرباب التحقيق ولا صحة لنظرك بين أهل التدقيق فاصطبر على ما تسمعه من وصفك بالبلة والبلادة وقلة الفطنة وقصور الباع.
فإن قلت: السلف أعظم قدوة وفي التشبه بهم فضيلة قلت: لا أشك في قولك ولكنه قد حال بينك وبينهم مئات من السنين وكيف لك بواحدة من أهل القرن الأول والثاني أو الثالث تأخذ عنه المعارف الصافية عن كدر المنطق هيهات هيهات حال بينك وبينهم عصور ودهور فليس في زمانك رجل يسبح في لجج مقدمات علم الكتاب والسنة إلا وعلم المنطق من أول محفوظاته ولا كتاب من على علماء الإسلام فنون هذه المقدمات إلا وقد اشتمل على أبحاث منه فأنت بخير النظرين:
أما الجهل بالعلوم التي لا سبيل إلى معرفة الكتاب والسنة إلا بها.
أو الدخول فيما دخل فيه أبناء عصرك والكون في أعدادهم ولا أقول لك: لا سبيل لك إلى كتب المتقدمين التي لم تشب بهذا لعلم بل ربما وجده منها ما يكفيك عن كتب المتأخرين ولكنك لا تجد أحدا من أبناء عصرك تأخذها عنه بسنده المتصل بطريق السماع كما تجد كتب المتأخرين كذلك ولا أقول لك أيضا: إن علم الكتاب والسنة متوقف لذاته على معرفة علم المنطق فإن دين الله أيسر من أن يستعان على معرفته بعلم كفري ولكن معرفة علم الأصول والبيان والنحو والكلام على التمام والكمال متوقفة على معرفته في عصرنا لما أخبرناك به ومعرفة كتاب الله وسنة نبيه متوقفة على معرفتها على نزاع والمتوقف على المتوقف متوقف.
وسبب التوقف بهذه الواسطة محبة المتأخرين للتدقيق والإغراب في العبارات واستعمال قواعد المناطقة واصطلاحاتهم وليتهم لم يفعلوه فإنه قد تسبب عن ذلك بعد الوصول إلى المطلوب على طالبه وطول المسافة وكثرة المشقة حتى إن طالب الكتاب والسنة بما لا يبلغ حد الكفاءة لقراءتهما إلا بعد تفويت أعوام عديدة ومعاناة معارف شديد فيذهب في تحصيل الآلات معظم مدة الرغبة واشتغال القريحة وجودة الذكاء فيقطعه ذلك عن الوصول إلى المطلوب وقد يصل إليهما بذهن كليل وفهم عليل فيأخذ منه بأنزر نصيب وأحقر حظ وهذا هو السبب الأعظم في إهمال علمي الكتاب والسنة في المتأخرين لأنهم قد أذهبوا رواء الطلب وبهاء الرغبة في غيرهما ولو أنفقوا فيهما بعض ما أنفقوا في آلاتهما لوجدت فيهم الحفاظ المهرة والأئمة الكملة1 والله المستعان. وحاصل البحث: أنه لم يأت من قال بتحريم علم المنطق بحجة مرضية إلا قوله أنه علم كفري ونحن نسلم ذلك ولكنا نقول: قد صار في هذه الأعصار بذلك السبب من أهم آلات العلوم حلال أو حرام بل يتوقف كثير من المعارف عليه فاشتغل به اشتغالك بفن من فنون الآلات ولا تعبأ بتشغيبات المتقدمين وبتشنيعات المقصرين وعليك بمختصرات الفن كالتهذيب والشمسية واحذر من مطولاته المستخرجة على قواعد اليونان كشفاء ابن سينا وما يشابهه من كتبه وكتاب الشفاء والإشارات وما يليهما من المطولات والمتوسطات التي خلط فيها أهلها المنطق بالحكمة اليونانية والفلسفة الكفرية يضل أكثر المشتغلين بها ويبعدهم عن الصراط السوي والهدي النبوي الذي أمرنا باتباعه بنصوص الكتاب والسنة والله تعالى أعلم بالصواب.

مَوْضُوع الْمنطق

مَوْضُوع الْمنطق: أَمْرَانِ: أَحدهمَا: الْمَعْلُوم التصوري من حَيْثُ إِنَّه يُوصل إِلَى الْمَجْهُول التصوري. وَثَانِيهمَا: الْمَعْلُوم التصديقي من حَيْثُ إِنَّه يُوصل إِلَى الْمَجْهُول التصديقي - والمنطقي لَا يبْحَث عَن جَمِيع أَحْوَال المعلومات التصورية وَكَذَا لَا يبْحَث عَن جَمِيع أَحْوَال المعلومات التصديقية بل عَن أحوالهما الْعَارِضَة لَهما بِاعْتِبَار إيصالهما إِلَى مَجْهُول تصوري ومجهول تصديقي فَإِن كَونهمَا مَوْجُودَة فِي الذِّهْن أَو غير مَوْجُودَة فِيهِ أَيْضا من أحوالهما لَكِن لما لم يكن عروضها لَهما من حَيْثُ الإيصال لَا يبْحَث المنطقي عَنْهَا.
قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره أَحْوَال المعلومات التصورية الَّتِي يبْحَث عَنْهَا فِي الْمنطق ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا: الإيصال إِلَى مَجْهُول تصوري. أما بالكنه كَمَا فِي الْحَد التَّام. وَأما بِوَجْه مَا ذاتي أَو عرضي كَمَا فِي الْحَد النَّاقِص والرسم التَّام والناقص وَذَلِكَ فِي بَاب التعريفات. وَثَانِيها: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهَا الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصوري توقفا قَرِيبا ككون المعلومات التصورية كُلية وجزئية ذاتية وعرضية وجنسا وفصلا وخاصة فَإِن الْموصل إِلَى التَّصَوُّر يتركب من هَذِه الْأُمُور. فالإيصال يتَوَقَّف على هَذِه الْأَحْوَال بِلَا وَاسِطَة - وَذكر الْــجُزْئِيَّة هَا هُنَا على سَبِيل الاستطراد. والبحث عَن هَذِه الْأَحْوَال فِي بَاب الكليات الْخمس. وَثَالِثهَا: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهَا الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصديقي توقفا بَعيدا أَي بِوَاسِطَة ككون المعلومات التصورية مَوْضُوعَات ومحمولات والبحث عَنْهَا فِي ضمن بَاب القضايا.
وَأما أَحْوَال المعلومات التصديقية الَّتِي يبْحَث عَنْهَا فِي الْمنطق فَثَلَاثَة أَقسَام أَيْضا: أَحدهَا: الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصديقي يَقِينا كَانَ أَو غير يقيني جَازِمًا أَو غير جازم وَذَلِكَ مبَاحث الْقيَاس والاستقراء والتمثيل الَّتِي هِيَ أَنْوَاع الْحجَّة. وَثَانِيها: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصديقي توقفا قَرِيبا وَذَلِكَ مبَاحث القضايا. وَثَالِثهَا: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصديقي توقفا بَعيدا ككون المعلومات التصديقية مُقَدمَات وتوالي - فَإِن الْمُقدم والتالي قضيتان بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة من الْفِعْل فهما معدودان فِي المعلومات التصديقية دون التصورية بِخِلَاف الْمَوْضُوع والمجهول فَإِنَّهُمَا من قبيل التصورات انْتهى.
فَإِن قلت لَا نسلم أَن الإيصال من أَحْوَال المعلومات التصورية أَو التصديقية الَّتِي يبْحَث عَنْهَا فِي الْمنطق فَإِن كلا من موضوعيه مُقَيّد بالإيصال فَحِينَئِذٍ يكون الإيصال من تَتِمَّة الْمَوْضُوع وَفِي حكمه فِي كَونه مُسلم الثُّبُوت فِي ذَلِك الْعلم إِذْ لَا بُد فِي كل علم من كَون مَوْضُوعه مُسلما فَلم يكن الإيصال من الْأَعْرَاض الْمَطْلُوبَة فِي هَذَا الْفَنّ بل يجب أَن يكون المبحوث عَنهُ أَحْوَال تعرض للموصل بعد كَونه موصلا. وَلَك فِي تَقْرِير الِاعْتِرَاض أَن تَقول إِن قَوْلهم الْمُعَرّف هُوَ الْمَعْلُوم التصوري من حَيْثُ إِنَّه يُوصل إِلَى مَجْهُول تصوري. وَكَذَا قَوْلهم الْحجَّة هِيَ الْمَعْلُوم التصديقي من حَيْثُ إِنَّه يُوصل إِلَى مَجْهُول تصديقي إِن أُرِيد بِهِ أَنَّهُمَا مُطلقًا مَوْضُوعا علم الْمنطق فَهُوَ ظَاهر الْفساد لما علمت أَن المنطقي لَا يبْحَث عَن جَمِيع المعلومات. وَإِن أُرِيد أَنَّهُمَا مَوْضُوعا الْمنطق من حَيْثُ الإيصال كَانَ الإيصال من تَتِمَّة الْمَوْضُوع وَفِي حكمه وَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون من الْمَوْضُوع وجزئه لَا خَارِجا فضلا عَن أَن يكون عرضا ذاتيا لَهُ قلت إِن مَوْضُوع الْمنطق هُوَ الْمَعْلُوم التصوري الْمُقَيد بِصِحَّة الإيصال لَا بِنَفس الإيصال وَكَذَا الْمَعْلُوم التصديقي الْمُقَيد بِصِحَّة الإيصال لَا بِنَفسِهِ مَوْضُوع الْمنطق. فَالْمُرَاد من قَوْلهم من حَيْثُ إِنَّه يُوصل من حَيْثُ صِحَّته واستعداده للإيصال. فالإيصال خَارج عَن الْمَوْضُوع عَارض لذاته.
فَإِن قيل مَا وَجه تعدد مَوْضُوع الْمنطق لم لَا يجوز أَن يكون وَاحِدًا بِأَن يكون الْمَعْلُوم التصوري موصلا إِلَى الْمَجْهُول التصوري وَإِلَى الْمَجْهُول التصديقي أَيْضا أَو يكون الْمَعْلُوم التصديقي موصلا إِلَيْهِمَا. قُلْنَا لَا يجوز. أما الثَّانِي فَلِأَن الْمَعْلُوم التصديقي لَو كَانَ موصلا إِلَى التَّصَوُّر لَكَانَ مُعَرفا بِالْكَسْرِ والمعرف لَا بُد وَأَن يكون مقولا مَحْمُولا على الْمُعَرّف بِالْفَتْح. فَنَقُول على الشكل الأول أَن الْمُعَرّف مَحْمُول وَلَا شَيْء من الْمَحْمُول بِتَصْدِيق ينْتج لَا شَيْء من الْمُعَرّف بِتَصْدِيق. أَو على الشكل الثَّانِي أَن الْمُعَرّف مَحْمُول وَلَا شَيْء من التَّصْدِيق بمحمول ينْتج تِلْكَ النتيجة إِمَّا بعكس الْكُبْرَى أَو النتيجة. فَإِن قيل الْكُبْرَى مسلمة وَلَكِن لَا نسلم الصُّغْرَى يَعْنِي لَا نسلم أَن الْمُعَرّف لَا بُد وَأَن يكون مَحْمُولا على الْمُعَرّف لم لَا يجوز أَن لَا يكون مقولا مَحْمُولا فَيجوز أَن يكون تَصْدِيقًا أَلا ترى أَن الْمُعَرّف مَعْنَاهُ مَا يُفِيد حُصُول معرفَة الشَّيْء فذاته لَا تَقْتَضِي الْحمل والمقولية.
قُلْنَا الْمُعَرّف الكاسب للْمَجْهُول التصوري يكون الْمَقْصُود مِنْهُ أما إِفَادَة تصَوره بالكنه أَو بِالْوَجْهِ. وَهَذِه الإفادة إِنَّمَا تتَصَوَّر بالذاتيات أَو العرضيات للمعرف وكل من الْكُلِّي الذاتي والعرضي يكون مقولا لَا محَالة كَمَا لَا يخفى. وَأما الأول وَهُوَ أَنه لَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى التصوري موصلا إِلَى التَّصْدِيق وكاسبا لَهُ فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ كاسبا لَكَانَ عِلّة لَهُ وَالْعلَّة لَا بُد وَأَن تكون مُسَاوِيَة النِّسْبَة إِلَى وجود الْمَعْلُول وَعَدَمه - وَالْمعْنَى الْوَاحِد التصوري مساوي النِّسْبَة إِلَى وجود التَّصْدِيق وَعَدَمه. فَلَا يَصح أَن يكون الْمَعْنى التصوري عِلّة وكاسبا للتصديق. وَإِذا اقْترن بذلك الْمَعْنى التصوري وجودا وعدما لم يكن وَحده موقعا للتصديق وموصلا إِلَيْهِ.
هَذَا حَاصِل مَا اسْتدلَّ بِهِ على امْتنَاع اكْتِسَاب التَّصْدِيق بالتصور - ونقضه جلال الْعلمَاء رَحمَه الله تَعَالَى بِالنَّقْضِ الإجمالي بِأَن هَذَا الدَّلِيل بِعَيْنِه يجْرِي فِي اكْتِسَاب التَّصَوُّر من التَّصَوُّر مَعَ تخلف الحكم - وبالنقض التفصيلي بِأَن اقتران التَّصَوُّر بِوُجُودِهِ الذهْنِي لَا يَقْتَضِي التَّصْدِيق إِذْ كَونه فِي الذِّهْن لَيْسَ فِي الذِّهْن فَيُفِيد الْمُفْرد فِي الذِّهْن بِوُجُودِهِ الْخَارِجِي التَّصْدِيق كإفادته التَّصَوُّر بِعَيْنِه. والزاهد رَحمَه الله تَعَالَى خرج عَن صومعته فِي ميدان الدّفع قَائِلا بِمَا حَاصله أَن الْمَعْلُول فِي الْحَقِيقَة مفَاد الْهَيْئَة التركيبية على مَذْهَب الْمَشَّائِينَ الْقَائِلين بالجعل الْمُؤلف لِأَن الْعلَّة لَا تجْعَل الْمَاهِيّة مَاهِيَّة وَلَا الْوُجُود وجودا وَلَا الاتصاف اتصافا وَلَا الاتصاف مَوْجُودا. بل تجْعَل الْمَاهِيّة متصفة بالوجود كالصباغ نظرا إِلَى الثَّوْب والصبغ فالمعلول حَقِيقَة لَيْسَ إِلَّا وجوده فِي نَفسه أَو وجوده فِي حَاله. فالمعلول هُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية وَكَذَا الْعلَّة حَقِيقَة وجودهَا فِي نَفسهَا أَو وجودهَا فِي حَالَة عل مَا بَينه الشَّيْخ وَمَا هُوَ مَعْلُول بِحَسب ظرف فعليته بِحَسب ذَلِك الظّرْف يجب أَن يتَحَقَّق فِيهِ لِأَن مَا هُوَ مَعْدُوم فِي ظرف لَا يحصل مِنْهُ وجود شَيْء فِي ذَلِك الظّرْف بِالضَّرُورَةِ فَكَمَا أَن الشَّيْء بِحَسب الْخَارِج وَاجِب وممكن وكل مِنْهُمَا لَا يحصل من الْمَعْدُوم فِي الْخَارِج كَذَلِك الشَّيْء بِحَسب الذِّهْن ضَرُورِيّ وكسبي وكل مِنْهُمَا لَا يحصل من الْمَعْدُوم فِي الذِّهْن والمعلولية فِي التَّصْدِيق بِحَسب الذِّهْن إِذْ الْمَعْلُول هُوَ الصُّورَة العلمية التركيبية أَي صُورَة ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع حِكَايَة عَن الْخَارِج فَيجب أَن يتَحَقَّق مَا هُوَ علته فِي الذِّهْن وَهُوَ لَا يكون إِلَّا معنى تركيبيا تصديقيا وَهُوَ المعلولية فِي التَّصَوُّر خارجية إِذْ الْوَاقِع فِي الذِّهْن نَفسه وَهُوَ معنى مُفْرد لَا يصلح للمعلولية لما مر من الْجعل الْمُؤلف والهيئة الصَّالِحَة لَهَا هِيَ الْهَيْئَة التركيبية الخارجية وَهِي حُصُوله فِي الذِّهْن.
وَلَا شكّ أَنه أَمر خارجي فَمَا هُوَ علته بِحَسب ظرف الْخَارِج يجب حُصُوله فِيهِ لَا فِي الذِّهْن وَمَا هُوَ إِلَّا التَّصَوُّر دون التَّصْدِيق فحصول صُورَة الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ للذهن عِلّة لحُصُول صُورَة الْمُعَرّف بِالْفَتْح لَهُ وَأما الضروريات الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن فَلَيْسَتْ بِحَسب ظرف الذِّهْن لِأَن الضَّرُورِيّ فِي الذِّهْن لَا يُعلل فِيهِ فَهِيَ مستفاضة من المبدأ الْفَيَّاض بإلقائه فِي الذِّهْن وَالْإِلْقَاء فِي الذِّهْن لَيْسَ فِي الذِّهْن بل فِي الْخَارِج وَبِهَذَا الدَّلِيل يعلم امْتنَاع اكْتِسَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر.
وَلَا يخفى على الذكي الوكيع أَن الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى بِمُقْتَضى صفة العنوانية وَإِن ترك الرَّاحَة الجسمانية بِاخْتِيَار التكلفات الشاقة للراحة فِي العاجل لَكِن حصلت لَهُ القباحات فِي الآجل لِأَن مَا هُوَ الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ هُوَ امْتنَاع تَأْثِير الْمَعْدُوم مُطلقًا فِي شَيْء وَأما امْتنَاع تَأْثِير الْمَفْقُود فِي ظرف فِي شَيْء فِي ذَلِك الظّرْف فَغير مَعْلُوم بل غير وَاقع - أَلا ترى أَن الْعلَّة الغائية الْمَوْجُودَة فِي الذِّهْن المعدومة فِي الْخَارِج عِلّة لمعلولها فِي الْخَارِج وَأَن غير الزماني والمكاني مُؤثر فيهمَا بِلَا ريب مريب وإنكار مُنكر - وَالْعجب مِنْهُ أَن الْكَلَام فِي معلولية التَّصْدِيق لَا فِي معلولية مُتَعَلقَة. وَأَنت تعلم أَن التَّصْدِيق هُوَ الإذعان لَا الْهَيْئَة التركيبية أَي صُورَة ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع فَإِنَّهَا مُتَعَلقَة الإذعان لَا نفس الإذعان.
وَقَالَ الْفَاضِل الأحمدآبادي مُحَمَّد نور الدّين فِي شرح تَهْذِيب الْمنطق وَالْأَقْرَب أَن يُقَال فِي بَيَانه أَي بَيَان امْتنَاع اكْتِسَاب التَّصْدِيق من التَّصَوُّر أَن الكاسب والمكسوب فِي النَّوْعَيْنِ هِيَ الصُّورَة الذهنية لَكِن طبيعة التَّصْدِيق بِحَيْثُ إِن لم يكن ضَرُورِيًّا لَا يحصل إِلَّا بِالْعلمِ بِمَا هُوَ مُوجب للمصدق بِهِ وَعلة لثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع فالموقع من حَيْثُ هُوَ لَيْسَ إِلَّا مَا هُوَ قَابل للعلية - وَالْمعْنَى التصوري من حَيْثُ هُوَ معنى مُفْرد متساوي النِّسْبَة غير قَابل للعلية أصلا لِأَنَّهُ لَو كَانَ عِلّة لم يكن وجوده وَعَدَمه سَوَاء بِالنّظرِ إِلَى مَا هُوَ فرض معلوله إِذْ لَا دخل لمتساوي الطَّرفَيْنِ نظرا إِلَيْهِ فِي إِيقَاعه فَلَا يَقع بالمفرد بِلَا ضم شَيْء إِلَيْهِ كِفَايَة فِي تَحْصِيل أَمر فَلَا يكون التَّصَوُّر مُؤديا إِلَى التَّصْدِيق وَبعد قرَان شَيْء لَا يكون الْمُؤَدِّي إِلَّا معنى تركيبيا تصديقيا وَلَا كَذَلِك حكم الْموصل إِلَى التَّصَوُّر لِأَن كاسبه لَيْسَ عِلّة إِذْ لَا لمية قبل الهلية وَمعنى الْكسْب فِيهِ الِاحْتِمَال لملاحظة الْمَطْلُوب فِي مرْآة الْكَشْف حَتَّى كَانَ الْحمل مراتبه مَا فِيهِ الْمرْآة والمرئي وَاحِد. ومآل الْوَجْه أَن التَّصَوُّر فِي التعريفات تصور وَاحِد مُتَعَلق بالمعرف بِالْكَسْرِ بِالذَّاتِ وبالمعرف بِالْفَتْح بِالْعرضِ. فَعلم أَن الْموصل فيهمَا هُوَ الْمَعْنى الذهْنِي من حَيْثُ هُوَ إِنَّمَا الْفرق بالكشف عَن وَجه الْمُفْرد كنها أَو وَجها بِلَا احْتِمَال تَوْجِيه أَي اسْتِدْلَال والكشف عَن وَجه التَّرْكِيب فَلَا نقض وَلَا دخل للوجود الْخَارِجِي أَو الذهْنِي فِي الإيصال وَلَيْسَ الْبَيَان مَبْنِيا على مَذْهَب الْمَشَّائِينَ انْتهى.

الْمَاهِيّة

الْمَاهِيّة: كَانَت فِي الأَصْل ماهوية الْيَاء للنسبة وَالتَّاء للمصدرية. ثمَّ قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء وَكسرت الْهَاء. وَقَالَ بعض الْعلمَاء الْمَاهِيّة مَأْخُوذَة عَن مَا هُوَ بإلحاق يَاء النِّسْبَة وَحذف إِحْدَى اليائين للتَّخْفِيف وإلحاق التَّاء للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية - وَقيل الأَصْل المائية ثمَّ قلبت الْهمزَة هَاء كَمَا فِي قِرَاءَة هياك فِي إياك. وَهِي فِي عرف الْحُكَمَاء بِمَا بِهِ يُجَاب عَن السُّؤَال بِمَا هُوَ فعلى هَذَا يُطلق الْمَاهِيّة على الْحَقِيقَة الْكُلية. وَرُبمَا تفسر بِمَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ فَتطلق على الْحَقِيقَة الْكُلية والــجزئية أَيْضا. والحقيقة والماهية مترادفتان فَإِن قيل التَّعْرِيف بِمَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ لَيْسَ بمانع لِأَنَّهُ يصدق على الْعلَّة الفاعلية لِأَن الظَّاهِر أَن يكون الْبَاء فِي قَوْله مَا بِهِ للسَّبَبِيَّة وَالضَّمِير أَن للشَّيْء فَالْمَعْنى الْأَمر الَّذِي بِسَبَبِهِ الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء.

وَلَا شكّ: أَنه يصدق على الْعلَّة الفاعلية لِأَن الْإِنْسَان مثلا إِنَّمَا يصير إنْسَانا متمايزا عَن جَمِيع مَا عداهُ بِسَبَب الْفَاعِل وإيجاده إِيَّاه ضَرُورَة أَن الْمَعْدُوم لَا يكون إنْسَانا بل لَا يكون ممتازا عَن غَيره لما تقرر من أَنه لَا تمايز فِي المعدومات فَيلْزم أَن تكون الْعلَّة الفاعلية مَاهِيَّة لمعلولاتها وَهُوَ ظَاهر الْبطلَان. قُلْنَا معنى مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ مَا بِهِ الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء وَالْفَاعِل مَا بِسَبَبِهِ الشَّيْء مَوْجُود فِي الْخَارِج وَذَلِكَ إِمَّا بِأَن يكون أثر الْفَاعِل نفس مَاهِيَّة ذَلِك الشَّيْء مستتبعا لَهُ استبتاع الضَّوْء للشمس وَالْعقل يتنزع مِنْهُ الْوُجُود ويصفها بِهِ على مَا قَالَ بِهِ الإشراقيون وَغَيرهم الْقَائِلُونَ بِأَن الماهيات مجعولة فَإِنَّهُم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْمَاهِيّة هِيَ الْأَثر الْمُتَرَتب على تَأْثِير الْفَاعِل وَمعنى التَّأْثِير الاستتباع ثمَّ الْعقل ينْزع مِنْهُ الْوُجُود ويصفها بِهِ. وَالْحَاصِل أَن الْمَاهِيّة مَا بِهِ الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء وَالْفَاعِل مَا بِهِ الشَّيْء مَوْجُود وَكم فرق بَينهمَا وَهَا هُنَا كَلَام طَوِيل فِي حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة والحواشي الحكيمية - وَرُبمَا يُطلق الْمَاهِيّة وَيُرَاد بهَا المجانسة أَي الْمُشَاركَة فِي الْجِنْس المنطقي أَو اللّغَوِيّ الْأَمر الشَّامِل للأنواع أَيْضا فَإِنَّهُ يُقَال مَا عنْدك بِمَعْنى أَن أَي جنس من الْأَجْنَاس عنْدك. فيجاب بِأَنَّهُ إِنْسَان أَو فرس أَو طَعَام وَإِنَّمَا يُرَاد بهَا المجانسة لِأَن معنى مَا السُّؤَال عَن الْجِنْس فَمَعْنَى الْمَاهِيّة الْمَنْسُوب إِلَى مَا أَعنِي مَا يَقع جَوَابا عَنهُ وَهُوَ الْجِنْس فَيكون معنى قَوْلهم وَالله تَعَالَى لَا يُوصف بالماهية أَنه تَعَالَى لَا يُوصف بِأَن لَهُ جِنْسا وَلَا يُقَال إِنَّه تَعَالَى مجانس لشَيْء من الْأَشْيَاء -.
وَالْمرَاد بِالْجِنْسِ فِي قَوْلهم الْمَذْكُور الْجِنْس المنطقي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم التَّرْكِيب لِأَنَّهُ تَعَالَى لَو كَانَ مشاركا للأشياء فِي الْجِنْس المنطقي لَكَانَ مفتقرا إِلَى الْفَصْل الْمُمَيز عَن المتجانسات لِأَن الْجِنْس فِي تحصله وتقومه يكون مفتقرا إِلَى الْفَصْل كَمَا تقرر. فَيلْزم التَّرْكِيب الَّذِي يجب تَنْزِيه الله تَعَالَى عَنهُ بِخِلَاف الْجِنْس اللّغَوِيّ فَإِنَّهُ إِذا قيل إِنَّه تَعَالَى متصف بالماهية أَي المجانسة والمشاركة فِي الْجِنْس اللّغَوِيّ لَا يلْزم التَّرْكِيب فِي ذَاته تَعَالَى لجَوَاز أَن يكون لَهُ تَعَالَى حَقِيقَة نوعية بسيطة فَلَا يلْزم التَّرْكِيب. هَذَا على أصل الْمُتَكَلِّمين فَإِن للْوَاجِب تَعَالَى عِنْدهم حَقِيقَة نوعية بسيطة من غير لُزُوم التَّرْكِيب فِي ذَاته تَعَالَى. وَأما على أصل الفلاسفة فَالْوَاجِب تَعَالَى منزه عَن الْمَاهِيّة بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ أَيْضا لاستلزامه التَّرْكِيب مُطلقًا. فَكل شخص لَهُ مَاهِيَّة كُلية سَوَاء كَانَت نوعية أَو جنسية فَهُوَ مركب عِنْدهم فَافْهَم واحفظ - وللماهية معنى آخر يفهم من كَلَام الشَّيْخ الرئيس فِي الآهيات الشِّفَاء حَيْثُ قَالَ كل بسيط ماهيته ذَاته لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْء قَابل لماهيته وَصورته أَيْضا ذَاته لِأَنَّهُ لَا تركيب فِيهِ. وَأَيْضًا الْمَاهِيّة هِيَ الْحَقِيقَة المعراة عَن الْأَوْصَاف فِي اعْتِبَار الْعقل. وَمن هَا هُنَا يُقَال إِن الْوَاجِب سُبْحَانَهُ وجود خَاص قَائِم بِذَاتِهِ ذاتية مَحْضَة لَا مَاهِيَّة لَهُ لِأَن الْمَاهِيّة هِيَ الْحَقِيقَة إِلَى آخِره وَهُوَ سُبْحَانَهُ منزه عَن أَن يلْحقهُ التعرية وَأَن يخيط بِهِ الِاعْتِبَار. وَرُبمَا يفرق بَين الْحَقِيقَة والماهية بِأَن الْوُجُود مُعْتَبر فِي الْحَقِيقَة دون الْمَاهِيّة وَأَن الْمَاهِيّة تتَنَاوَل الْمَاهِيّة الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَالْمَفْهُوم الاعتباري أَيْضا بِخِلَاف الْحَقِيقَة فَإِن الْحَقِيقَة أخص والماهية أَعم -
وَعَلَيْك أَن تشكر وَتعلم أَن للماهيات ثَلَاث اعتبارات. الأول: بِشَرْط شَيْء أَي مَعَ الْعَوَارِض فتسمى مخلوطة وَهِي فائزة بالوجود قطعا - وَالثَّانِي: بِشَرْط لَا شَيْء فتسمى مُجَرّدَة لم تُوجد قطّ لتجردها حَتَّى نفوا وجودهَا الذهْنِي وَالْحق إثْبَاته إِذْ لَا حجر فِي التَّصَوُّر. - وَالثَّالِث: لَا بِشَرْط شَيْء فتسمى مُطلقَة وَهِي فِي نَفسهَا لَا مَوْجُودَة وَلَا مَعْدُومَة وَلَا كُلية وَلَا جزئية وَكَذَا سَائِر الْعَوَارِض أَي لَيْسَ شَيْء مِنْهَا جزؤها وَلَا عينهَا بل كلهَا خَارِجَة عَنْهَا يَتَّصِف بهَا عِنْد عروضها فمفهوم الْإِنْسَان مثلا فِي نَفسه لَا كلي وَإِلَّا لما حمل على زيد وَلَا جزئي وَإِلَّا لما حمل على كثيرين. لكنه صَالح لكل عَارض يَتَّصِف بِهِ عِنْد عروضه. فبعروض التشخص جزئي وبعروض عَدمه كلي. وَقس عَلَيْهِ فالمعروض وَاحِد والعوارض شَتَّى وَهُوَ مَعَ عَارض غَيره مَعَ آخر فَهُوَ وَاحِد بِالذَّاتِ ومختلف بالحيثيات فاتصف بالمتقابلات. فَفِي الْخَارِج يَتَّصِف بالعوارض الخارجية كالحرارة والبرودة وبتشخص بهَا. وَفِي الذِّهْن بالعوارض الذهنية كالكلية والمفهومية فالماهية وَاحِدَة وَاخْتِلَاف الْأَحْوَال باخْتلَاف الْمحَال. فَكَمَا لَا يلْزم حرارة الْمَوْجُود الذهْنِي لَا يلْزم كُلية الْمَوْجُود الْعَيْنِيّ فَافْهَم واحفظ.

ثمَّ اعْلَم أَن الْمَاهِيّة على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: حَقِيقِيَّة أَي مَوْجُودَة بِوُجُود أصيل. وَثَانِيهمَا: اعتبارية يَعْتَبِرهَا الْعقل إِمَّا بِأَن ينتزعها من أُمُور مَوْجُودَة فِي الْخَارِج كالوجوب والإمكان والامتناع وَسَائِر الْأُمُور والاصطلاحية فَإِنَّهَا مفهومات انتزعها الْعقل من الموجودات العينية أَي الخارجية وَلَيْسَ لَهَا وجود أصيلي وَمعنى ثُبُوتهَا فِي نفس الْأَمر ومطابقة أَحْكَامهَا إِيَّاهَا أَن مبدأ انتزاعها أَمر فِي الْخَارِج وَأَنه بِحَيْثُ يُمكن أَن ينتزع الْعقل تِلْكَ الْأُمُور مِنْهُ ويصفه بهَا أَو يخترعها من عِنْد نَفسه كإنسان ذِي راسين وأنياب الأغوال. وَقد ظهر مِمَّا ذكرنَا فَسَاد مَا قيل إِن الاعتبارية الَّتِي وَقعت فِي مُقَابلَة الْمَوْجُودَة قِسْمَانِ: أَحدهمَا: مَا لَا يكون لَهُ تحقق فِي نفس الْأَمر إِلَّا بِاعْتِبَار الْمُعْتَبر كالمفهومات الاصطلاحية. وَالثَّانِي: مَفْهُوم لَهُ تحقق فِي نفس الْأَمر بِدُونِ اعْتِبَاره وَإِن لم يكن مَوْجُودا كالوجوب والإمكان والحدوث وَغَيرهمَا من الْأُمُور الممتنعة الْوُجُود فِي الْخَارِج. وَقَوْلنَا أَي مَوْجُودَة بِوُجُود أصيل أولى من قَوْلهم أَي مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان لِأَن ذَلِك يَشْمَل الصِّفَات الْقَائِمَة بِالنَّفسِ الناطقة. بِخِلَاف قَوْلهم أَي مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان كَمَا لَا يخفى. وَقد ظهر من هَذَا التَّحْقِيق معنى الْأُمُور الاعتبارية أَيْضا فَتَأمل.
(الْمَاهِيّة) مَاهِيَّة الشَّيْء كنهه وَحَقِيقَته أخذت من النِّسْبَة إِلَى مَا هُوَ أَو مَا هِيَ (مو) والشهرية أَو الْمُرَتّب الشهري وَهِي كلمة منسوبة إِلَى (ماه) وَمَعْنَاهَا بِالْفَارِسِيَّةِ شهر (ج) ماهيات

الْإِنْسَان

(الْإِنْسَان) الْكَائِن الْحَيّ المفكر (ج) أناسي (أَصله أناسين) وإنسان الْعين ناظرها وإنسان السَّيْف والسهم حدهما وَالْإِنْسَان الراقي ذهنا وخلقا وَالْإِنْسَان المثالي الَّذِي يفوق العادي بقوى يكتسبها بالتطور (مج)(ج) أناسي
الْإِنْسَان: نوع من أَنْوَاع الْعَالم وَجمعه النَّاس وَأَصله وكنهه مَعْلُوم على من أَتَى الله بقلب سليم أَنه أشرف الْمَخْلُوقَات وَثَمَرَة شَجَرَة الْوُجُود والمجودات وَللَّه در الشَّاعِر.
(سر وجود ذَات بِإِنْسَان رسيد وماند ... جون وَحي آسمان كه بقرآن رسيد وماند)

وَلَكِن أصل لفظ النَّاس الأناس فَخفف بِحَذْف الْهمزَة وعوضت اللَّام عَنْهَا لَكِنَّهَا غير لَازِمَة. وَلِهَذَا يُقَال فِي سَعَة الْكَلَام نَاس. وَقَالَ قوم أَصله انسيان على افعلان فحذفت الْيَاء اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَة مَا يجْرِي على الْأَلْسِنَة. وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بقول ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه إِنَّمَا سمي إنْسَانا لِأَنَّهُ عهد إِلَيْهِ فنسي. وَالْإِنْسَان يُطلق على الْمُذكر والمؤنث وَرُبمَا يُطلق للْأُنْثَى إنسانة وَقد جَاءَ فِي قَول الشَّاعِر:
(لقد كستني فِي الْهوى ... ملابس الصب الْغَزل)

(إنسانة فتانة ... بدر الدجى مِنْهَا خجل)

(إِذا زنت عَيْني بهَا ... فبالدموع تَغْتَسِل)

وَفِي تَحْقِيق الْإِنْسَان تَفْصِيل وتدقيق وَتَحْقِيق فِي المطولات وَمَا يذكر هَا هُنَا نبذ مِنْهَا. فَاعْلَم أَن للْإنْسَان إِطْلَاق مشهورين عِنْد الْعَوام وَإِطْلَاق لَدَى الْخَواص.
الأول إِطْلَاقه على الْأَشْخَاص الْمعينَة الْمَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان كزيد وَعَمْرو وَغير ذَلِك مِمَّا يشاركهما فِي النَّوْع وَلَفظ الْإِنْسَان بِهَذَا الْمَعْنى مَشْهُور بَين الْقَوْم وهم لَا يعلمُونَ من الْإِنْسَان سوى هَذَا وَطَرِيق معرفَة كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَشْخَاص على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْخَارِج إِنَّمَا هُوَ الإحساس إِذْ بِهِ يمتاز كل من أشخاصه عَن كل مَا عداهُ امتيازا تَاما بِحَيْثُ لَا يلتبس بِغَيْرِهِ أصلا وَلَا يلْزم من معرفَة شخص مِنْهَا معرفَة شخص آخر مِنْهَا وَلِهَذَا لَا يجْرِي الْكسْب والاكتساب فِي الْأَشْخَاص أَي الجزئيات الْحَقِيقِيَّة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. والسر فِيهِ أَن لكل وَاحِد مِنْهَا حَقِيقَة شخصية مباينة لحقيقة غَيره فِي الذِّهْن وَالْخَارِج وَهَذَا مُرَاد الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله مِمَّا قَالَ إِن لكل وَاحِد من أَفْرَاد الْإِنْسَان حَقِيقَة على حِدة وَإِن وجود كل وَاحِد مِنْهَا عين حَقِيقَته يَعْنِي أَنه أَرَادَ بِالْحَقِيقَةِ الْوُجُود الْخَاص لكل شخص من تِلْكَ الْأَشْخَاص وَالْإِنْسَان بِهَذَا الْمَعْنى يُوصف بالــجزئية الْحَقِيقِيَّة وَهُوَ الْمصدر للآثار والمظهر للْأَحْكَام وَهُوَ الْمُكَلف بالشرائع.
وَالثَّانِي إِطْلَاقه على الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الْكُلِّي المنطبق على كل وَاحِد من أَفْرَاده الْمَوْجُودَة والمعدومة وَهَذَا الْإِطْلَاق مَشْهُور بَين الْخَواص. وَالْإِنْسَان بِهَذَا الْمَعْنى يُوصف بِالْكُلِّيَّةِ والنوعية وَله وجود فِي الْأَعْيَان فِي إِفْرَاده وَلَا وجود لَهُ ممتاز عَنْهَا فِي الْأَعْيَان وَإِلَّا لما أمكن حمله على شَيْء من إِفْرَاده أصلا لِأَن الْحمل عبارَة عَن تغاير الشَّيْئَيْنِ فِي الذِّهْن واتحادهما فِي الْخَارِج فَلَو كَانَ لَهُ وجود ممتاز عَن إِفْرَاده فِي الْأَعْيَان لما صَحَّ اتحاده مَعَ فَرد من أَفْرَاده فِي الْأَعْيَان. فالإنسان بِهَذَا الْمَعْنى مَفْهُوم عَقْلِي انتزعه الْعقل من تِلْكَ الْأَفْرَاد بتجريدها عَن التشخصات واللواحق المادية. وَذَلِكَ الْمَفْهُوم الْعقلِيّ عِنْد الْحُكَمَاء تَمام الْحَقِيقَة النوعية لإفراده وعرفوه بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق. وَقَالُوا إِنَّه حد تَامّ للْإنْسَان لِأَن الْحَيَوَان جنس قريب للْإنْسَان. والناطق فصل قريب لَهُ والتعريف بِالْجِنْسِ والفصل القريبين حد تَامّ. وَالْحَيَوَان جَوْهَر جسم نَام حساس متحرك بالإرادة وكل فَرد من أَفْرَاد الْإِنْسَان كَذَلِك. أما أَنه جسم فَلِأَنَّهُ مركب من الهيولى وَالصُّورَة وشاغل للحيز بِالذَّاتِ وقابل للأبعاد الثَّلَاثَة وَلَا نعني بالجسم إِلَّا هَذَا. وَإِمَّا أَنه نَام فَلِأَنَّهُ يزِيد فِي الأقطار الثَّلَاثَة على تناسب طبيعي وَهُوَ الْمَعْنى بالنامي. وَإِمَّا أَنه حساس فَلِأَنَّهُ يدْرك الْأَشْيَاء بالحواس وَلَا معنى للحساس سوى ذَلِك. وَإِمَّا أَنه متحرك بالإرادة فَلِأَنَّهُ ينْتَقل من مَكَان إِلَى مَكَان آخر بِقَصْدِهِ وإرادته وَيُوجد الحركات إِن شَاءَ وَلَا يوجدها إِن لم يَشَأْ وَهُوَ معنى المتحرك بالإرادة فقد ثَبت أَن الْإِنْسَان حَيَوَان. وَإِمَّا أَنه نَاطِق فَلَمَّا سَيَجِيءُ.
ثمَّ اعْلَم أَن نَاطِق فصل قريب للْإنْسَان فَإِن قيل من شَأْن الْفضل الْقَرِيب للماهية اخْتِصَاصه بهَا والناطق لَيْسَ كَذَلِك لِأَن المُرَاد بالنطق إِمَّا التَّكَلُّم فَالله تَعَالَى وَالْمَلَائِكَة وَسَائِر الْحَيَوَانَات متكلمون. أَو المُرَاد بِهِ إِدْرَاك الكليات وَهُوَ أَيْضا لَيْسَ مُخْتَصًّا بالإنسان لِأَنَّهُ تَعَالَى وَسَائِر المجردات كالعقول والنفوس مدركون. فالناطق على أَي حَال لَيْسَ مُخْتَصًّا بماهية الْإِنْسَان فضلا أَن يكون فصلا لَهُ وَاعْلَم أَن الْمَلَائِكَة عِنْد الْحُكَمَاء هِيَ الْعُقُول الْمُجَرَّدَة وَإِن لَيْسَ لَهَا وللنفوس الفلكية عِنْدهم نطق أَي تكلم أصلا لَكِن لَهَا إِدْرَاك الكليات كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وَأَيْضًا لَو أُرِيد بالنطق إِدْرَاك الكليات لزم أحد الْأَمريْنِ وَكِلَاهُمَا بَاطِل أَحدهمَا أَن لَا يكون النَّاطِق ذاتيا فصلا قَرِيبا للْإنْسَان الَّذِي من الْجَوَاهِر لِأَن الْإِدْرَاك فِي الممكنات من مقولة الْإِعْرَاض عِنْدهم قطعا فَيكون خَارِجا عارضا لَا دَاخِلا ذاتيا فضلا عَن أَن يكون فصلا. وَثَانِيهمَا أَن الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ من الْجَوَاهِر لَو فَرضنَا أَنه مركب من الْجَوْهَر وَالْعرض الَّذِي هُوَ الْإِدْرَاك لزم أَن لَا يكون الْإِنْسَان جوهرا فَإِن الْمركب من الْجَوْهَر وَالْعرض لَيْسَ بجوهر عِنْدهم أصلا وَالْجَوَاب بِأَن المُرَاد بالنطق إِدْرَاك الكليات وَهُوَ مُخْتَصّ بالإنسان لِأَن غَيره من الْحَيَوَانَات لَيْسَ بمدرك للكليات لَا يُفِيد الْمَطْلُوب. كَيفَ فَإِن عدم إِدْرَاك غير الْإِنْسَان من الْحَيَوَانَات للكليات مَمْنُوع نعم إِنَّه غير مَعْلُوم لنا وَعدم الْعلم بالشَّيْء لَا يسْتَلْزم عَدمه فِي نَفسه وَإِن سلمنَا ذَلِك فَلَا نسلم أَنه يلْزم من هَذَا الْقدر اخْتِصَاصه بالإنسان كَيفَ فَإِنَّهُ تَعَالَى مدرك الكليات وَكَذَا الْعُقُول الْمُجَرَّدَة والنفوس الفلكية نعم لَو أثبت نفي النُّطْق عَمَّا سوى الْإِنْسَان لثبت اخْتِصَاصه بِهِ وَأما إِثْبَات هَذَا بِدُونِ ذَلِك أصعب من خرط القتاد وَمَعَ هَذَا إِدْرَاك الكليات عرض كَمَا عرفت فَكيف يكون فصلا للجوهر. وَالْحق فِي الْجَواب أَن المُرَاد بالنطق إِدْرَاك الكليات والناطق لَيْسَ فصلا قَرِيبا للْإنْسَان فِي الْحَقِيقَة بل فَصله الْقَرِيب الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ مبدأ الْآثَار المختصة بِهِ كالنطق والتعجب والضحك وَالْكِتَابَة وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُوجد فِي غير الْإِنْسَان فَذَلِك الْجَوْهَر هُوَ الْفَصْل فِي الْحَقِيقَة. وَلما لم يكن ذَلِك الْجَوْهَر مَعْلُوما لنا بكنهه بل بعوارضه المختصة فَيدل عَلَيْهِ بأقوى عوارضه وَهُوَ النُّطْق الَّذِي بِمَعْنى إِدْرَاك الكليات ويشتق مِنْهُ النَّاطِق وَيحمل على الْإِنْسَان وَيُسمى بِالْفَصْلِ مجَازًا من قبيل إِطْلَاق اسْم الشَّيْء على أَثَره.
وَإِن أردْت تَفْصِيل هَذَا الْمُجْمل فَارْجِع إِلَى مَا فصلناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي الْفَاضِل اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق وَلَكِن اذكر فِي هَذَا الْمقَام نبذا من ذَلِك المرام.
فَأَقُول إِن الصُّورَة النوعية الَّتِي هِيَ أَمر جوهري وَفصل قريب للماهيات ومبدأ للآثار المختصة قد تكون مَجْهُولَة بكنهها مَعْلُومَة بعوارضها المختصة بهَا وَتلك الْعَوَارِض لَا تَخْلُو من أَن تكون مترتبة أَو لَا. فَإِن كَانَت مترتبة كالنطق والتعجب والضحك فَيُؤْخَذ أقواها وأقدمها كالنطق ويشتق مِنْهُ مَحْمُولا كالناطق وَيُطلق عَلَيْهِ اسْم الْفَصْل تسامحا كَمَا مر. وَإِن لم تكن مترتبة لعدم ترتبها فِي نفس الْأَمر أَو بِسَبَب اشْتِبَاه تقدم أَحدهمَا على الآخر فيشتق عَن كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَعْرَاض مَحْمُولا وَيجْعَل الْمَجْمُوع قَائِما مقَام ذَلِك الْأَمر الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ فصل حَقِيقَة وَيُسمى فصلا مجَازًا كالحساس والمتحرك بالإرادة. فَإِن الْفَصْل الْحَقِيقِيّ للحيوان هُوَ الْجَوْهَر المعروض للحس وَالْحَرَكَة الإرادية وَلما اشْتبهَ تقدم أَحدهمَا على الآخر اشتق عَن كل مِنْهُمَا للدلالة على ذَلِك الْفَصْل الْحَقِيقِيّ اسْم أَعنِي الحساس والمتحرك بالإرادة وَجعل الْمَجْمُوع فصلا قَائِما مقَام الْفَصْل الْحَقِيقِيّ للحيوان تسامحا فَلَيْسَ الْفَصْل الْقَرِيب للحيوان إِلَّا أَمر وَاحِد جوهري لَا تعدد فِيهِ وَإِنَّمَا التَّعَدُّد فِي الدَّال.
واندفع من هَذَا الْبَيَان عَظِيم الشَّأْن (الِاعْتِرَاض الْمَشْهُور) أَيْضا بِأَن الحساس يَكْفِي للفصل فَلَا حَاجَة إِلَى المتحرك بالإرادة وَلَا يجوز للماهية فصلان فِي مرتبَة وَاحِدَة كَمَا لَا يجوز جِنْسَانِ فِي مرتبَة وَاحِدَة واندفع أَيْضا أَن لِلْأَمْرِ الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ فصل الْإِنْسَان حَقِيقَة عوارض مُتعَدِّدَة مُخْتَصَّة بِهِ فَمَا الدَّاعِي إِلَى اخْتِيَار النَّاطِق مِنْهَا وقيامه مقَامه وتسميته باسمه فصلا وَإِلَّا يلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح. وَلَكِن بَقِي الْإِشْكَال بِأَن إِدْرَاك الكليات لَيْسَ مُخْتَصًّا بالإنسان لما مر فَنَقُول نعم مُطلق الْإِدْرَاك الْمَذْكُور لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ لَكِن الْإِدْرَاك الَّذِي هُوَ أثر ذَلِك المبدأ أَعنِي الصُّورَة النوعية الَّتِي للْإنْسَان مُخْتَصّ بِهِ. أَو المُرَاد بِهِ الْإِدْرَاك الْحَادِث وَهُوَ فِي ذَاته تَعَالَى قديم بالِاتِّفَاقِ هَكَذَا فِي الْعُقُول والنفوس الفلكية عِنْد الْحُكَمَاء. أَو نقُول المُرَاد بالنطق إِدْرَاك الكليات بطرِيق الِاكْتِسَاب. وَلَا شكّ أَن الْإِدْرَاك الْمَذْكُور بِهَذَا الْمَعْنى مُخْتَصّ بالإنسان فَإِن علمه تَعَالَى حضوري وَكَذَا علم المجردات. وَالْعلم الاكتسابي من أَقسَام الْعلم الحصولي كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه. قيل المُرَاد بالناطق فِي تَعْرِيف الْإِنْسَان إِمَّا النَّاطِق بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ وعَلى كل من التَّقْدِيرَيْنِ يلْزم فَسَاد التَّعْرِيف أما على الأول فلخروج الْأَطْفَال فَإِنَّهُم لَيْسُوا من أهل النُّطْق بِشَيْء من الْمَعْنيين أَي لَا بِمَعْنى التَّكَلُّم بالحروف والأصوات وَلَا بِمَعْنى إِدْرَاك الكليات وَأما على الثَّانِي فلصدق التَّعْرِيف حِينَئِذٍ على المضغة والعلقة والمني بل على اللَّحْم وَالْخبْز اللَّذين يحصل مِنْهُمَا الْمَنِيّ لِأَن كَلَامهَا حَيَوَان نَاطِق بِالْقُوَّةِ فعلى الأول التَّعْرِيف لَيْسَ بِجَامِع وعَلى الثَّانِي لَيْسَ بمانع وَالْجَوَاب وَاضح مِمَّا ذكرنَا آنِفا فَإِن المُرَاد بالناطق لما تقرر أَنه ذُو مبدأ نطق فَهُوَ مَوْجُود بِالْفِعْلِ فِي الصّبيان ومفقود بِالْفِعْلِ فِي المضغة والعلقة وَغير ذَلِك. وَلما تبين بِمَا ذكرنَا فِيمَا سبق أَن الْإِنْسَان حَيَوَان فَالْآن نبين كَونه ناطقا فَنَقُول إِنَّه ذُو نفس ناطقة لوَجْهَيْنِ. الْوَجْه الأول أَنه يظْهر فِي كل فَرد من أَفْرَاده آثَار النَّفس الناطقة من النُّطْق بالحروف والأصوات وَإِدْرَاك الكليات والتعجب والضحك وأمثالها مِمَّا تقرر فِي الْحِكْمَة أَنَّهَا من آثَار النَّفس الناطقة وَهَذِه الْآثَار لَا تُوجد فِي غير الْإِنْسَان فَيكون مبدأها وَهُوَ النَّفس مَخْصُوصًا بِهِ فَيكون هُوَ ذَا نفس دون غَيره فَهَذَا دَلِيل أَنِّي على ثُبُوتهَا فِي الْإِنْسَان. وَالْوَجْه الثَّانِي مَا تحقق أَن العناصر إِذا تصغرت أجزاءها غَايَة التصغر وامتزج بَعْضهَا بِبَعْض امتزاجا كَامِلا يَقع بَينهَا بِاعْتِبَار كيفيتها الْمُخْتَلفَة فعل وانفعال تنكسر سُورَة كل وَاحِدَة مِنْهَا بِالْأُخْرَى فَتحدث هُنَاكَ كَيْفيَّة وَاحِدَة متوسطة معتدلة قريبَة بالاعتدال الْحَقِيقِيّ فَحِينَئِذٍ يشْتَد كَمَال الامتزاج بَين تِلْكَ الْأَجْزَاء ويرتفع الامتزاج بَينهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَيصير شَيْئا وَاحِدًا متكيفا بكيفية وَاحِدَة فَيحصل لَهُ بتينك الوحدتين أَعنِي الْوحدَة فِي الْمَادَّة والوحدة فِي الْكَيْفِيَّة مُنَاسبَة تَامَّة بالمبدأ الْحَقِيقِيّ الْوَاحِد من جَمِيع الْجِهَات فيفيض مِنْهُ عَلَيْهِ بِسَبَب تِلْكَ الْمُنَاسبَة جَوْهَر مُجَرّد شرِيف يتَعَلَّق بِهِ تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف فَيحصل لَهُ بذلك قُوَّة النُّطْق بالحروف والأصوات إِذا لم يكن هُنَاكَ مَانع وَقُوَّة إِدْرَاك الكليات والتعجب والضحك وَمَا أشبههَا وَهُوَ الْمُسَمّى بِالنَّفسِ الناطقة عِنْدهم. وَلَا شكّ أَن تِلْكَ الْمُنَاسبَة التَّامَّة بالمبدأ الْحَقِيقِيّ الْحَاصِلَة بِسَبَب الامتزاج الْكَامِل المستتبعة لفيضان تِلْكَ النَّفس تُوجد فِي بدن الْإِنْسَان بالدلائل الدَّالَّة عَلَيْهَا وَلَا تُوجد فِي غَيره فَيكون هُوَ ذَا نفس ناطقة.
وَفِي حَيَاة الْحَيَوَان افْتتح عبد الْمَسِيح ابْن يختشوع كِتَابه فِي الْحَيَوَان بالإنسان وَقَالَ إِنَّه أعدل الْحَيَوَان مزاجا وأكمله أفعالا وألطفه حسا وأنفذه رَأيا فَهُوَ كالملك الْمُسَلط القاهر لسَائِر الخليقة الْآمِر لَهَا وَذَلِكَ لما وهبه الله تَعَالَى لَهُ من الْعقل الَّذِي بِهِ يتَمَيَّز على كل الْحَيَوَان البهيمي فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ملك الْعَالم وَلذَلِك سَمَّاهُ قوم من القدماء الْعَالم الْأَصْغَر. ثمَّ قَالَ وَمِمَّا ذكر فِي الْخَواص وَشهِدت بِهِ التجربة أَنه مَتى صور صُورَة صبي حسن الْوَجْه وَنصب بِحَيْثُ ترَاهُ وَقت الْجِمَاع خرج الْوَلَد يشبه تِلْكَ الصُّورَة فِي أَكثر الْأَعْضَاء. وَله خَواص يطول الْكتاب بذكرها مِنْهَا: أَنه إِن أَخذ نجو صبي حِين يُولد وجفف وسحق وكحل بِهِ بَيَاض الْعين نفع وينفع من الغشاوة أَيْضا. وَدم الْحيض إِذا طلي بِهِ من عضه الْكَلْب الْكَلْب يبرأ وَكَذَلِكَ البرص والبهق. وَقَالَ الْقزْوِينِي فِي عجائب الْمَخْلُوقَات إِذا رعف الْإِنْسَان فليكتب اسْمه بدمه على خرقَة وَيجْعَل نصب عينه فَإِنَّهُ يَنْقَطِع رعافه. ونطفة الْإِنْسَان إِذا طلي بهَا البهق والبرص والقوبا أبرأتهم.
وَقَالَ الْأَطِبَّاء إِذا أردْت أَن تعلم أَن الْمَرْأَة عقيم أم لَا فَمُرْهَا أَن تحمل ثومة فِي قطنة وتمكث سبع سَاعَات فَإِن فاح من فمها رَائِحَة الثوم فعالجها بالأدوية فَإِنَّهَا تحمل بِإِذن الله تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا وَالله أعلم. وَالْإِنْسَان الْكَامِل لجَمِيع العوالم الإلهية والكونية الْكُلية والــجزئية وَفِي تَفْصِيله طول فِي كتب الْحَقَائِق وَللَّه در الشَّاعِر. شعر:
(آنجه برجستيم وَكم ديديم وبسيار است ونيست)

(نيست جز انسان درين عَالم كه بسياراست)

الحقيقي

الحقيقي:
[في الانكليزية] Real ،effective ،true
[ في الفرنسية] Reel ،effectif ،veritable
يطلق على معان. منها الصفة الثابتة للشيء مع قطع النظر عن غيره موجودة كانت أو معدومة، ويقابله الإضافي بمعنى الأمر النسبي للشيء بالقياس إلى غيره. ومنها الصفة الموجودة ويقابله الاعتباري الذي لا تحقّق له، سواء كان معقولا بالقياس إلى غيره أو مع قطع النظر عن الأغيار. وأما ما ذكره السّكّاكي حيث جعل الحقيقي مقابلا لما هو اعتباري ونسبي فضعيف، لأنّ الحقيقي ليس له معنى يقابل الاعتباري والنسبي بمعنى ما لا يكون اعتباريا ولا نسبيا، كذا في الأطول في بحث التشبيه في تقسيم وجه التشبيه إلى الحقيقي والإضافي. ومنها ما هو قسم من القضية الشرطية المنفصلة. قال المنطقيون الشرطية المنفصلة التي اعتبر فيها التنافي في الصدق والكذب أي في التحقق والانتفاء معا تسمّى حقيقية، كقولنا إمّا أن يكون هذا العدد زوجا وإمّا أن يكون فردا. ومنها قضية يكون الحكم فيها على الأفراد الخارجية المحقّقة والمقدّرة موجبة كانت أو سالبة، كلية كانت أو جزئية. وإنّما سمّيت حقيقية لأنها حقيقة القضية، أي وهي المتبادر عن مفهوم القضيّة عند الإطلاق فكأنّها هي حقيقة القضية.
قال المنطقيون فالحكم في الحقيقية ليس على الأفراد الموجودة في الخارج فقط، بل على كل ما قدّر وجوده من الأفراد الممكنة، سواء كانت موجودة في الخارج أو معدومة فيه، فخرج الأفراد الممتنعة. فمعنى قولنا كل ج ب، كل ما لو وجد كان ج من الأفراد الممكنة، فهو بحيث لو وجد كان ب، هكذا ذكر المتأخّرون. ولما اعتبر في هذا التفسير في عقد الوضع الاتصال وكذا في عقد الحمل فسّره صاحب الكشف ومن تبعه، فقالوا معنى قولنا كلّ ما لو وجد كان ج فهو بحيث لو وجد كان ب أنّ كلّ ما هو ملزوم لج فهو ملزوم لب. وقال الشيخ: معناه كل ما يمكن أن يصدق ج عليه بحسب نفس الأمر بالفعل فهو ب بحسب نفس الأمر. ثم تعميم [الأفراد] الخارجية بالمحقّقة للاحتراز عن [القضية] الخارجية، وهي قضية يكون الحكم فيها على الأفراد الخارجية المحقّقة فقط، فيكون معنى قولنا كل ج ب على هذا التقدير كل ج موجود في الخارج ب في الخارج. وصدقها يستلزم وجود الموضوع في الخارج محققا بخلاف الحقيقية، فإنّها تستلزم وجوده في الخارج محققا أو مقدّرا. فإنّ قولنا كلّ عنقاء طائر ليس الحكم فيها مقصورا على أفراده الموجودة في الخارج محققا بل عليها وعلى أفراده المقدّرة الوجود أيضا. واعتبار إمكان الأفراد للاحتراز عن الذهنية وهي قضية يحكم فيها على الأفراد الموجودة في الذهن فقط.
فمعنى كل ج ب على هذا التقدير كل ج في الذهن فهو ب في الذهن فقد انقسمت القضايا إلى ثلاثة أقسام.
والمشهور تقسيمها إلى الحقيقية والخارجية باعتبار أنّهما أكثر استعمالا في مباحث العلوم لا باعتبار الحصر فيهما. قيل الأولى أن تجعل الحقيقية شاملة للأفراد الذهنية والخارجية المحقّقة والمقدّرة ولا تختصّ بالأفراد الخارجية المحقّقة والمقدّرة لتشتمل القضايا الهندسية والحسابية، فإنّ الحكم فيها شامل للأفراد الذهنية أيضا.
فنقول أحوال الأشياء على ثلاثة أقسام.
قسم يتناول الأفراد الذهنية والخارجية المحقّقة والمقدّرة. وهذا القسم يسمّى بلوازم الماهيات كالزوجية للأربعة والفردية للثلاثة وتساوي الزوايا الثلاث في المثلث للقائمتين. وقسم يختصّ بالموجود في الذهن كالكلّية والــجزئية والذاتية والعرضية ونحوها. وقسم يختصّ بالموجود الخارجي كالحركة والسكون، فينبغي أن تعتبر ثلاث قضايا، إحداها ما يكون الحكم فيها على جميع أفراد الموضوع ذهنيا كان أو خارجيا محققا أو مقدرا كالقضايا الهندسية والحسابية، وتسمّى هذه حقيقية. وثانيتها ما يكون الحكم فيها مخصوصا بالأفراد الخارجية مطلقا محققا أو مقدرا كقضايا الحكمة الطبيعية وتسمّى هذه القضية قضية خارجية. وثالثتها أن يكون الحكم فيها مخصوصا بالأفراد الذهنية وتسمّى هذه قضية ذهنية كالقضايا المستعملة في المنطق.
وهاهنا أبحاث تركناها حذرا من الإطناب، فمن أراد الاطّلاع عليها فليرجع إلى شرح الشمسية وحواشيه وشرح المطالع.
وأما القضية التي يحكم فيها مخصوصا بالأفراد الخارجية الموجودة المحقّقة فقط دون المقدّرة فليست معتبرة في العلوم، ولا يبحث عنها فيها، لأنّ البحث عنها يرجع إلى البحث عن الجزئيات، والجزئيات لا يبحث عنها في العلوم لوجهين. الأول أنها غير متناهية بمعنى أنّها لا يمكن ضبطها وإحاطتها، ولا يتصوّر حصرها لأنها توجد واحدة بعد واحدة وكذا تعدم. والثاني أنها متغيّرة متجدّدة لتوالي أسباب التغيّر عليها فلا يمكن ضبط أحوالها، هكذا في حواشي السلم. ومنها مقابل المجازي يقال هذا المعنى حقيقي وذاك مجازي. ومنها ما هو غير ذلك كما يقال: كلّ من المذكر والمؤنّث حقيقي ولفظي، والتعريف إمّا حقيقي أو لفظي، وكلّ من الشهر والسنة حقيقي ووسطي واصطلاحي ونحو ذلك. 

العلّة

العلّة:
[في الانكليزية] cause ،sickness
[ في الفرنسية] cause ،maladie
بالكسر وتشديد اللام لغة اسم لعارض يتغيّر به وصف المحلّ بحلوله لا عن اختيار، ولهذا سمّي المرض علّة. وقيل هي مستعملة فيما يؤثّر في أمر سواء كان المؤثّر صفة أو ذاتا. وفي اصطلاح العلماء تطلق على معان منها ما يسمّى علّة حقيقية وشرعية ووصفا وعلّة اسما ومعنى وحكما، وهي الخارجة عن الشيء المؤثّرة فيه. والمراد بتأثيرها في الشيء اعتبار الشارع إيّاها بحسب نوعها أو جنسها القريب في الشيء الآخر لا الإيجاد كما في العلل العقلية.

ولهذا قالوا: العلل الشّرعية كلّها معرّفات وأمارات لأنّها ليست في الحقيقة مؤثّرة بل المؤثّر هو الله تعالى. فبقولهم الخارجة خرج الركن. وبقولهم المؤثّرة خرج السّبب والشرط والعلامة إذ المتبادر بالتأثير ما هو الكامل منه وهو التأثير ابتداء بلا واسطة. ولهذا قيل العلّة في الشرع عبارة عما يضاف إليه وجوب الحكم ابتداء. فالمراد بالإضافة الإضافة من كلّ وجه، بأن كان موضوعا لذلك الحكم بأن أضيف الحكم إليه ومؤثّرا فيه، أي في ذلك الحكم، ويتصل الحكم به، واحترز به عن العلامة والسّبب الحقيقي. وبقيد وجوب الحكم احترز عن الشّرط. والقيد الأخير احتراز عن السّبب في معنى العلّة وعلّة العلّة. وبالجملة المعتبر في العلّة الحقيقية أمور ثلاثة إضافة الحكم إليها وتأثيرها فيه وحصول الحكم معها في الزمان؛ وهي قسمان: العلّة الموضوعة كالبيع المطلق للملك والنكاح لملك المتعة وتسمّى بالمنصوصة أيضا، والعلة المستنبطة بالاجتهاد. وأيضا هي إمّا متعدّية وهي التي تتعدّى الأصل فتوجد في غيره وتسمّى مؤثّرة أيضا لأنّها وصف ظهر أثرها في جنس الحكم المعلّل به كالطواف علّة لسقوط نجاسة سور سواكن البيوت، وإمّا قاصرة وهي بخلافها أي التي لا تتعدّى الأصل. ومنها ما يسمّى بالعلّة اسما وهي ما يضاف الحكم إليه ولا يكون مؤثّرا فيه ويتراخى الحكم عنه بأنّ لا يترتّب عليه. ومعنى إضافة الحكم إلى العلّة ما يفهم من قولنا قتل بالرمي وعتق بالشّرى وهلك بالجرح. والمراد بالإضافة الإضافة بلا واسطة لأنّها المفهومة عند الإطلاق. وما قيل العلّة اسما ما تكون موضوعة في الشرع لأجل الحكم أو مشروعة إنّما يصحّ في العلل الشرعية لا في مثل الرمي والجرح. مثاله المعلّق بالشّرط فإنّ وقوع الطلاق بعد دخول الدار مثلا ثابت بالتطليق السابق ومضاف إليه فيكون علّة اسما، لكنه ليس بمؤثّر في وقوع الطلاق قبل دخول الدار، بل الحكم متراخ عنه. ومنها ما يسمّى بالعلّة معنى وهو ما يكون مؤثّرا في الحكم بلا إضافة الحكم إليه، ولا ترتّب له عليه كالجزء الأول من العلّة المركّبة من الجزءين، وكذا أحد الجزءين الغير المترتّبين كالقدر والجنس لحرمة النّساء فإنّ مثل ذلك الجزء مؤثّر في الحكم ولا يضاف إليه الحكم، بل إلى المجموع، ولا يترتّب عليه أيضا. وهي عند الإمام السرخسي سبب محض لأنّ أحد الجزءين طريق يفضي إلى المقصود ولا تأثير له ما لم ينضمّ إليه الجزء الأخير. وذهب فخر الإسلام إلى أنها وصف له شبه العلية لأنّه مؤثّر، والسّبب المحض غير مؤثّر، وهذا يخالف ما تقرّر عندهم من أنّه لا تأثير لأجزاء العلّة في أجزاء المعلول وإنّما المؤثّر هو تمام العلّة في تمام المعلول. ومنها ما يسمّى بالعلّة حكما وهي ما يترتّب عليه الحكم بلا إضافة له إليه ولا تأثير فيه كالشرط الذي علّق عليه الحكم، كدخول الدار في قولنا إن دخلت الدار فأنت طالق، يتصل به الحكم من غير إضافة ولا تأثير. وإذا كانت العلّة اسما وحكما فالجزء الأخير علّة حكما فقط، وكذا الجزء الأخير من السّبب الداعي إلى الحكم.
ومنها ما يسمّى بالعلّة اسما ومعنى وهي ما يضاف إليه الحكم ويكون مؤثّرا فيه بلا ترتّب للحكم عليه، كالبيع الموقوف والبيع بالخيار للملك فإنّه علّة للملك اسما لإضافة الملك إليه ومعنى لتأثيره فيه لا حكما لعدم الترتّب. ومنها ما يسمّى بالعلّة اسما وحكما، وهي ما يضاف إليه الحكم ويترتّب عليه بلا تأثيره فيه كالسّفر فإنّه علّة للرخصة اسما لأنّها تضاف إليه في الشرع وحكما لأنّها تثبت بنفس السّفر متصلة به لا معنى، لأنّ المؤثّر في ثبوتها ليس نفس السفر بل المشقة. ومنها ما يسمّى بالعلّة معنى وحكما وهي ما يؤثّر في الحكم ويترتّب الحكم عليه بلا إضافة له إليه كالجزء الأخير من العلّة المركّبة فإنّه مؤثّر في الحكم، وعنده يوجد الحكم ولكنه لا يضاف الحكم إليه، فإنّ القرابة والملك علّة للعتق، فأيّهما تأخّر وجودا فهو علّة معنى وحكما. فهذه المعاني السبعة من مصطلحات الأصوليين يطلق عليها لفظ العلة بالاشتراك أو الحقيقة أو المجاز. فما قيل العلّة سبعة أقسام علّة اسما ومعنى وحكما وهو الحقيقة في الباب، وعلّة اسما فقط وهو المجاز، وعلّة معنى فقط وعلّة حكما فقط وعلّة اسما ومعنى فقط وعلّة اسما وحكما فقط وعلّة معنى وحكما فقط أريد به تقسيم ما يطلق عليه لفظ العلّة إلى أقسامه كما يقسم العين إلى الجارية والباصرة وغيرهما، والأسد إلى الشجاع والسّبع.
فائدة:
لا نزاع في تقدّم العلّة على المعلول بمعنى احتياجه إليها ويسمّى التقدّم بالذات وبالعلّية، ولا في مقارنة العلّة التامة العقلية لمعلولها بالزمان لئلّا يلزم التخلّف. وأمّا في العلل الشرعية فالجمهور على أنّه يجب المقارنة بالزمان إذ لو جاز التخلّف لما صحّ الاستدلال بثبوت العلّة على ثبوت الحكم، وحينئذ يبطل غرض الشارع من وضع العلل للأحكام، وقد فرّق بعض المشايخ كأبي بكر محمد بن الفضل وغيره بين الشرعية والعقلية، فجوّز في الشرعية تأخير الحكم عنها؛ وتخلّف الحكم عن العلّة جائز في العلل الشرعية لأنّها أمارات وليست موجبة بنفسها، فجاز أن تجعل أمارة في محلّ دون محلّ. هذا كله خلاصة ما في التلويح والحسامي ونور الأنوار وغيرها. ومنها ما اصطلح عليه المحدّثون وهو سبب خفي قادح غامض طرأ على الحديث وقدح في صحته، مع أنّ الظاهر السلامة منه؛ والحديث الذي وقع فيه أو في إسناده أو فيهما جميعا علّة يسمّى معلّلا بصيغة اسم المفعول من التعليل، ولا يقال له المعلول كذا قال ابن الصلاح. وقال العراقي الأجود في تسميته المعلّل. وقد وقع في عبارة كثير من المحدّثين كالترمذي والبخاري وابن عدي والدارقطني وكذا في عبارة الأصوليين والمتكلّمين تسميته بالمعلول، وقد يسمّى أيضا بالمعتلّ والعليل. وإنّما عمّم الوقوع إذ العلّة قد تقع في المتن وهي تسري إلى الإسناد مطلقا لأنّه الأصل، وقد تقع في الإسناد وهي لا تسري إلى المتن إلّا بهذا الإسناد، وقد تقع فيهما. ولا بد للمحدّث من تفحّص ذلك، وطريقه أن ينظر إلى الرّاوي هل هو منفرد ويخالفه غيره أم لا، ويمعن في القرائن المنبّهة للعارف على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث كما في المدرج، أو وهم وخلط من الراوي في أسماء الرّواة والمتن كما في المصحّف نظرا بليغا، بحيث يغلب على ظنّه ذلك، فيحكم بمقتضاه أو يتردّد فيتوقّف، وكلّ ذلك قادح في صحة ما وقع فيه. قال علي بن المديني: الباب إذا لم يجمع طرقه لم يتبيّن خطأه. وبالجملة فهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقّها ولا يقوم به إلّا من رزقه الله فهما ثابتا وحفظا واسعا ومعرفة تامة بمراتب الرواة وملكة قوية بالأسانيد والمتن. ولهذا لم يتكلّم فيه إلّا قليل من أهل هذا الشأن كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري والدارقطني ويعقوب ونحوهم. وقد يقصر عبارة المعلّل عن إقامة الحجّة على دعواه كصيرفي نقد الدراهم والدنانير حتى قال البعض إنّه إلهام لو قلت له من أين قلت هذا لم يكن له حجة.
وقد تطلق العلّة عندهم على غير المعنى المذكور ككذب الرّاوي وفسقه وغفلته وسوء حفظه ونحوها من أسباب ضعف الحديث كالتدليس. والترمذي يسمّي النّسخ علّة. قال السخاوي فكأنّه أراد علّة مانعة من العمل لا الاصطلاحية. وأطلق بعضهم على مخالفة لا تقدح في الصحة كإرسال ما وصله الثّقة حتى قال: من الصحيح ما هو معلّل، كما قال آخر:
من الصحيح ما هو شاذ. هذا خلاصة ما في شرح النخبة وشرحه وخلاصة الخلاصة.
ومنها ما يسمّى علّة عقلية وهي في اصطلاح الحكماء ما يحتاج إليه الشيء إمّا في ماهيته كالمادة والصورة أو في وجوده كالغاية والفاعل والموضوع، وذلك الشيء المحتاج يسمّى معلولا، وهذا أولى مما قيل العلّة ما يحتاج إليه الشيء في وجوده لعدم توهّم خروج علّة الماهية عنه. وإنّما قلنا الأولى لأنّ علّة الماهية لا تخرج عن هذا التعريف أيضا لأنّ المعلول المركّب من المادة والصورة يتوقّف وجوده أيضا عليهما، وتوقّف الماهية عليهما لا ينافي ذلك. إن قيل يخرج من التعريفين علّة العدم، قلت العلّية في العدم مجرّد اعتبار عقلي مرجعه عدم علّية الوجود للوجود. ثم المحتاج إليه أعمّ من أن يكون محتاجا إليه بنفسه أو باعتبار أجزائه، فيشتمل التعريف العلّة التامة المركّبة من المادة والصّورة والفاعل فإنّه محتاج إليه باعتبار الفاعل. وأمّا ذاته أعني المجموع فهو محتاج إلى مجموع المادة والصّورة الذي هو عين المعلول احتياج الكلّ إلى جزئه.
ثم العلّة على قسمين علّة تامّة وتسمّى علة مستقلّة أيضا، وعلّة غير تامة وتسمّى علة ناقصة وغير مستقلّة. فالعلّة التامة عبارة عن جميع ما يحتاج إليه الشيء في ماهيته ووجوده أو في وجوده فقط كما في المعلول البسيط، والناقصة ما لا يكون كذلك، ومعناه أن لا يبقى هناك أمر آخر يحتاج إليه لا بمعنى أن تكون مركّبة من عدة أمور البتّة، وذلك لأنّ العلّة التامة قد تكون علّة فاعلية إمّا وحدها كالفاعل الموجب الذي صدر عنه بسيط إذا لم يكن هناك شرط يعتبر وجوده، ولا مانع يعتبر عدمه، وإمّا إمكان الصادر فهو معتبر في جانب المعلول، ومن تتمته، فإنّا إذا وجدنا ممكنا طلبنا علّته، فكأنّه قيل العلّة ما يحتاج إليه الشيء الممكن الخ فلا يعتبر في جانب العلّة. وأمّا التأثير والاحتياج والوجود المطلق الزائد على ذاته تعالى والوجوب السابق فليس شيء منها مما يحتاج إليه المعلول، بل هي أمور إضافية ينتزعها العقل من استتباع وجود العلّة لوجود المعلول وحكم العقل بأنّه أمكن، فاحتاج فأثّر فيه الفاعل فوجب وجوده فوجد إنّما هو في الملاحظة العقلية وليس في الخارج إلّا المعلول الممكن والعلّة الموجبة لوجوده فتدبّر. وإمّا مع الغاية كما في البسيط الصادر عن المختار. وقد تكون مجتمعة من الأمور الأربعة أو الثلاثة كما في المركّب الصادر عن المختار والمركّب الصادر عن الموجب. وقد تطلق العلّة التامة على الفاعل المستجمع لشرائط التأثير.
اعلم أنّ العلّة مطلقا متقدّمة على المعلول تقدما ذاتيا إلّا العلة التامة المركّبة من أربع أو ثلاث، فتقدّمها على المعلول بمعنى تقدّم كلّ واحد من أجزائها عليها، وأمّا تقدّم الكلّ من حيث هو كلّ ففيه نظر، إذ مجموع الأجزاء المادية والصورية هو الماهية بعينها من حيث الذات، ولا يتصوّر تقدّمها على نفسها فضلا عن تقدّمها على نفسها مع انضمام أمرين آخرين إليهما وهما الفاعل والغاية. وأجيب بأنّ المعلول من الماهية المركّبة من المادة والصورة إنّما هو التركيب والانضمام، فاللازم تقدّم المادة والصورة على التركيب والانضمام، فتقدّم العلّة التامة لا يستلزم تقدّم الماهية على نفسها.
ثم العلّة الناقصة أربعة أقسام لأنّها إمّا جزء الشيء أو خارج عنه، والأول إن كان به الشيء بالفعل فهو الصورة وإن كان به الشيء بالقوة فهو المادة. فالعلة الصورية ما به الشيء بالفعل أي ما يقارن لوجوده وجود الشيء بمعنى أن لا يتوقّف بعد وجوده على شيء آخر. فالباء في به للملابسة، فخرج مادة الأفلاك والأجزاء الصورية والجزء الصوري لمادة المركّب كصورة الخشب للسرير فإنّها أجزاء مادية بالنسبة إلى المركّب، فإنّ العلّة الصورية للسرير هي الهيئة السريرية، وحمل الباء على السّببية القريبة يحتاج إلى القول بأنّ العلة التامة والفاعل سببان بعيدان بواسطة الصورة. لا يقال صورة السّيف قد تحصل في الخشب مع أنّ السيف ليس حاصلا بالفعل لعدم ترتّب آثار السيف عليه، لأنّا نقول الصورة السيفية المعيّنة الحاصلة في الحديد المعيّن إذا حصلت شخّصها حصل السيف بالفعل قطعا وليست الحاصلة في الخشب عين تلك الصورة بل فرد آخر من نوعها به يتحقّق بالفعل ما يشبه السيف. وأيضا الآثار المترتّبة على السيف الحديدي ليست آثارا لنوع السيف بل لصنفه وهو السيف الحديدي فتدبّر.
والعلة المادية ما به الشيء بالقوة كالخشب للسرير وليس المراد بالعلّة الصورية والمادية في عباراتهم ما يختصّ بالجواهر من المادة والصورة الجوهريتين بل ما يعمّهما وغيرهما من أجزاء الأعراض التي لا يوجد بها إلّا الأعراض إمّا بالفعل أو بالقوة. فإطلاق المادة والصورة على العلّة المادية والصورية مبني على التسامح، وهاتان العلّتان أي المادة والصورة علّتان للماهية داخلتان في قوامها كما أنّهما علتان للوجود أيضا فتختصان باسم علّة الماهية تمييزا لهما عن الباقيين أي الفاعل والغاية المتشاركين لهما في علّة الوجود وباسم الركن أيضا. وفي الرشيدية العلّة ما يحتاج إليه الشيء في ماهيته بأن لا يتصوّر ذلك الشيء بدونه كالقيام والركوع في الصلاة، وتسمّى ركنا، أو في وجوده بأن كان مؤثّرا فيه فلا يوجد بدونه كالمصلي لها أي الصلاة انتهى. والثاني أي ما يكون خارجا عن المعلول إمّا ما به الشيء وهو الفاعل والمؤثّر فالفاعل هو المعطي لوجود الشيء، فالباء للسببية كالنّجّار للسرير، والمجموع من الواجب والممكن، وإن كان فاعله جزءا منه لكن ليس فاعليته إلّا باعتبار فاعليته لممكن فيكون خارجا عن المعلول، وإمّا ما لأجله الشيء وهو الغاية أي العلّة الغائية كالجلوس على السرير للسرير، وهاتان العلّتان تختصّان باسم علّة الوجود لتوقّفه عليهما دون الماهية. ثم الأولى لا توجد إلّا للمركّب وهو ظاهر والثانية لا تكون إلّا للفاعل المختار. وإن كان الفاعل المختار يوجد بدونها كالواجب تعالى عند الأشعرية فالموجب لا يكون لفعله غاية وإن جاز أن يكون لفعله حكمة وفائدة؛ وقد تسمّى فائدة فعل الموجب غاية أيضا تشبيها لها بالغاية الحقيقية التي هي غاية للفعل وغرض مقصود للفاعل. والغاية علّة لعلّية العلّة الفاعلية أي أنّها تفيد فاعلية الفاعل إذ هي الباعثة للفاعل على الإيجاد ومتأخّرة وجودا عن المعلول في الخارج، إذ الجلوس على السرير إنّما يكون بعد وجود السرير في الخارج لكن يتقدّم عليه في العقل.
إن قلت حصر العلّة الناقصة في الأربع منقوض بالشرط مثل الموضوع كالثوب للصابغ، والآلة كالقدّوم للنّجار، والمعاون كالمعين للمنشار، والوقت كالصيف لصبغ الأديم، والداعي الذي ليس بغاية كالجوع للأكل، وعدم المانع مثل زوال الرطوبة للإحراق، وبالمعد مثل الحركة في المسافة للوصول إلى المقصد، لأنّ كلا منها علّة لكونه محتاجا إليه وخارج عن المعلول مع أنّه ليس ما منه الشيء ولا ما لأجله الشيء. قلت إنّها بالحقيقة من تتمة الفاعل لأنّ المراد بالفاعل هو المستقلّ بالفاعلية والتأثير سواء كان مستقلا بنفسه أو بمدخلية أمر آخر، ولا يكون كذلك إلّا باستجماع الشرائط وارتفاع الموانع، فالمراد بما به الشيء ما يستقلّ بالسّببية والتأثير كما هو المتبادر، سواء كان بنفسه أو بانضمام أمر آخر إليه، فيكون ذكر هذا القسم مشتملا على أمور الفاعل المستقل بنفسه وذات الفاعل والشرائط، وعلى كلّ واحد منها مما يحتاج إليه المعلول، وعلى أنها ناقصة، إنّما المتروك تفصيله وبيان اشتماله على تلك الأمور.
وقد تجعل من تتمة المادة لأنّ القابل إنّما يكون قابلا بالفعل عند حصول الشرائط. ومنهم من جعل الأدوات من تتمة الفاعل وما عداها من تتمة المادة، وتقرير ذلك على طور ما سبق.
وعلى هذا فلا يرد ما قيل سلّمنا أنّ المراد بالفاعل هو المستقل بالفاعلية وبالمادة هو القابل بالفعل، لكن كلّ ما ذكرنا من الشروط والآلات ورفع المانع والمعد مما يحتاج إليه المعلول ولا يصدق عليه أحد تلك الأقسام. ولا نعني بعدم الحصر إلّا وجود شيء يصدق عليه المقسم ولا يصدق عليه شيء من الأقسام.
إن قلت عدم المانع قيد عدمي فلا يكون جزءا من العلّة التامة وإلّا لا تكون العلّة التامة موجودة. قلت العلّة التامة لا تجب أن تكون وجودية بجميع أجزائها بل الواجب وجود العلّة الموجدة منها لكونها مفيدة للوجود، ولا امتناع في توقّف الإيجاد على قيد عدمي. ومنهم من خمّس القسمة وجعل هذه المذكورات شروطا، وقال العلّة الناقصة إن كانت داخلة في المعلول فمادية إن كان بها وجود الشيء بالقوة وإلّا فصورية. وإن كانت خارجة ففاعلية إن كان منها وجود الشيء وغائية إن كان لأجلها الشيء، وشرط إن لم يكن منها وجود الشيء ولا لأجلها، ولا يضرّ خروج الجنس والفصل فإنّهما وإن كانا من العلل الداخلة لكنهما ليسا مما يتوقّف عليه الوجود الخارجي والكلام فيه. ولك أن تقول في تفصيل أقسام العلّة الناقصة بحيث لا يحتاج إلى مثل تلك التكلّفات بأنّ ما يتوقّف عليه الشيء إمّا جزء له أو خارج عنه، والثاني إمّا محلّ للمقبول فهو الموضوع بالقياس إلى العرض، والمحلّ القابل بالقياس إلى الصورة الجوهرية المعيّنة فإنّها محتاجة في وجودها إلى المادة، وإن كانت مطلقها علّة لوجود المادة، وإمّا غير محلّ له فإمّا منه الوجود وإمّا لأجله الوجود، أولا هذا ولا ذاك، وحينئذ إمّا أن يكون وجوديا وهو الشرط أو عدميا وهو عدم المانع؛ وأمّا المعدّ وهو ما يكون محتاجا إليه من حيث وجوده وعدمه معا فداخل في الشرط باعتبار وفي عدم المانع باعتبار، والأول أعني ما يكون جزءا إمّا أن يكون جزءا عقليا وهو الجنس والفصل أو خارجيا وهو المادة والصورة.
فائدة:
حيث يذكر لفظ العلّة مطلقا يراد به الفاعلية ويذكر البواقي بأوصافها وبأسماء أخرى، وكما يقال لعلّة الماهية جزء وركن يقال للمادية مادة وطينة باعتبار ورود الصّور المختلفة عليها، وقابل وهيولى من جهة استعدادها للصّور وعنصر إذ منها يبتدأ التركيب، واسطقس إذ إليها ينتهي التحليل. ويقال للغائية غاية وغرض.

تقسيمات أخر:
العلّة مطلقا فاعلية كانت أو صورية أو مادية أو غائية قد تكون بسيطة. فالفاعلية كطبائع البسائط العنصرية، والمادية كهيولاتها والصّورية كصورها والغائية كوصول كلّ منها إلى مكانه الطبيعي. وقد تكون مركّبة، فالفاعلية كمجموع الفعل والصّورة بالنسبة إلى الهيولى على ما تقرّر من أنّ الصورة شريكة لفاعل الهيولى، والمادية كالعناصر الأربعة بالنسبة إلى صور المركّبات، والصورية كالصورة الإنسانية المركّبة من صور أعضائها الآلية، والغائية كمجموع شرى المتاع ولقاء الحبيب بالنسبة إلى الصّورة الشوقية.
وأيضا كلّ واحد من العلل إمّا بالقوة، فالفاعلية كالطبيعة بالنسبة إلى الحركة حال حصول الجسم في مكانه الطبيعي، والمادية كالنطفة بالنسبة إلى الإنسانية، والصّورية كصورة الماء حال كون هيولاها ملابسة لصورة الهواء، والغائية كلقاء الحبيب قبل حصوله. وإمّا بالفعل، فالفاعلية كالطبيعة حال كون الجسم متحركا إلى مكانه الطبيعي وعلى هذا القياس. وأيضا كلّ واحد منها إمّا كلية أو جزئية، فالفاعلية الكلّية كالبناء للبيت والــجزئية كهذا البناء له وعلى هذا القياس. وأيضا كلّ واحد منها إمّا ذاتية أو عرضية. فالعلّة الذاتية تطلق على ما هو معلول حقيقة والعلّة العرضية تطلق باعتبارين، أحدهما اقتران شيء بما هو علّة حقيقة، فإنّ الشيء إذا اقترن بالعلّة الحقيقية اقترانا مصححا لإطلاق اسمها عليه يسمّى علّة عرضية، وثانيهما اقتران شيء ما بالمعلول كذلك، فإنّ العلّة بالقياس إلى ذلك الشيء المقترن بالمعلول تسمّى علّة عرضية. فالفاعلية العرضية كالسقمونيا بالنسبة إلى البرودة فإنّ السقمونيا يسهّل الصفراء الموجبة لسخونة البدن المانعة عن تبريد الباردة التي في البدن إياه، فلما زال المانع عنه برّدته بطبعها.
فالفعل الصادر عن الأجزاء الباردة التي في البدن أعني التبريد ينسب بالعرض إلى ما يقرنها ويزيل مانعها وهو السقمونيا، والمادية العرضية كالخشب للسرير إذا أخذ مع صفة البياض مثلا، فإنّ ذات الخشب علّة مادية ذاتية وما يقرنها أعني الخشب مأخوذا مع صفة البياض علّة مادية مع صفة البياض، والصّورية العرضية كصورة السرير إذا أخذت مع بعض عوارضها، والغائية العرضية كشرى المتاع أيضا مثلا بالنسبة إلى السفر إذا كان المقصود منه لقاء الحبيب وحصل بتبعه شراء المتاع أيضا. وأيضا كلّ واحد من العلل إمّا عامّة أو خاصة. فالعامّة تكون جنسا للعلّة الحقيقية كالصانع الذي هو جنس للبناء، والخاصّة هي العلّة الحقيقية كالبناء، وكذلك سائر العلل. وأيضا كلّ واحد منها قريبة أو بعيدة. فالفاعلية القريبة كالعفونة بالنسبة إلى الحمّى والبعيدة كالاحتقان مع الامتلاء بالنسبة إلى الحمّى. وأيضا كل منها مشتركة أو خاصة.
فالفاعلية المشتركة كبنّاء واحد لبيوت متعدّدة، والخاصة كبنّاء واحد لبيت واحد، وعلى هذا القياس.
فائدة:
ومن العلل المعدّة ما يؤدّي إلى مثل كالحركة إلى منتصف المسافة المؤدّية إلى الحركة إلى منتهاها، أو إلى خلاف كالحركة إلى البرودة المؤدّية إلى السخونة التي هي مخالفة للحركة لها، أو إلى ضدّ كالحركة إلى فوق المؤدّية إلى الحركة إلى الأسفل والأعداد قريب كأعداد الجنين بالنسبة إلى الصورة الإنسانية أو بعيد كأعداد النطفة بالنسبة إليها. ومن العلل العرضية ما هو علّة معدّة ذاتية بالنسبة إلى ما هو علّة فاعلية عرضية له، فإنّ شرب السقمونيا علّة فاعلية عرضية لحصول البرودة مع أنّه علّة معدّة ذاتية لحصول البرودة.
فائدة:
الفرق بين جزء العلّة المؤثّرة أي الفاعلية وشرطها في التأثير هو أنّ الشرط يتوقّف عليه تأثير المؤثّر لا ذاته، كيبوسة الحطب للإحراق إذ النار لا تؤثّر في الحطب بالإحراق إلّا بعد أن يكون يابسا، والجزء يتوقّف عليه ذات المؤثّر فيتوقّف عليه تأثيره أيضا، لكن لا ابتداء بل بواسطة توقّفه على ذاته المتوقفة على جزئه، وعدم المانع ليس مما يتوقّف عليه التأثير حتى يشارك الشرط في ذلك بل هو كاشف عن شرط وجودي، كزوال الغيم الكاشف عن ظهور الشمس الذي هو الشرط في تجفيف الثياب وعدّه من جملة الشروط نوع من التجوّز. وفي اصطلاح مثبتي الأحوال من المتكلّمين صفة توجب لمحلّها حكما. والمراد بالصّفة الموجودة بناء على عدم تجويز تعليل الحال بالحال كما هو رأي الأكثرين أو الثابتة ليشتمل ما ذهب إليه أبو هاشم من تعليل الأحوال الأربعة بالحال الخامس. ومعنى الإيجاب ما يصحح قولنا وجد فوجد أيّ ثبت الأمر الذي هو العلّة فثبت الأمر الذي هو المعلول. والمراد لزوم المعلول للعلّة لزوما عقليا مصحّحا لترتّبه بالفاء عليها دون العكس، وليس المراد مجرّد التعقيب، فخرج بقيد الصفة الجواهر فإنّها لا تكون عللا للأحوال، ويتناول الصفة القديمة كعلم الله تعالى وقدرته فإنّهما علتان لعالميته وقادريته والمحدثة كعلم الواحد منّا وقدرته وسواده وبياضه.
والمعنى أنّ العلّة صفة قديمة كانت أو محدثة توجب تلك الصفة أي قيامها بمحلّها حكما أي أثرا يترتّب على قيامها بأن يتّصف ذلك المحلّ به ويجري عليه. وفي قولهم لمحلها إشعار بأنّ حكم الصفة لا يتعدّى محلّ تلك الصفة فلا يوجب العلم والقدرة والإرادة للمعلوم والمقدور. والمراد حكما لأنّها غير قائمة بها كيف، ولو أوجبت لها أحكاما لكان المعدوم الممتنع إذا تعلّق به العلم متصفا بحكم ثبوتيّ وهو محال. واعلم أنّ هذا التعريف إنّما كان على اصطلاح مثبتي الأحوال دون نفاتها، لأنّ المثبتين كلّهم قائلون بالمعاني الموجبة للأحكام في محالها، وهي عندهم علل تلك الأحكام.
ونفاة الأحوال من الأشاعرة لا يقولون بذلك إذ عندهم لا علّية ولا معلولية فيما سوى ذاته تعالى، فضلا عن أن يكون بطريق الإيجاب واللزوم العقلي لا للموجود ولا للحال. أمّا عدم العلّية للأحوال فظاهر لعدم قولهم بالحال، وأمّا عدم العلّية للموجود فلاستناد الموجودات كلّها عندهم إليه تعالى ابتداء. والمعلول على هذا التعريف هو الحكم الذي توجبه الصفة في محلها، وهذا التعريف هو الأقرب. وأمّا نحو قولهم العلّة ما توجب معلولها عقيبها بالاتصال إذا لم يمنع مانع، أو العلة ما كان المعتلّ به معلّلا وهو أي كون المعتلّ به معلّلا قول القائل كان كذا لأجل كذا، كقولنا كانت العالمية لأجل العلم فدوريّ. أمّا الأول فلأنّ المعلول مشتقّ من العلّة إذ معناه ما له علّة فيتوقّف معرفته على معرفتها فلزم الدور وأمّا الثاني فلأنّه عرّف العلّة بالمعتلّ والمعلّل ومعرفة كلّ منهما موقوفة على معرفة العلّة. وقولهم العلّة ما يغيّر حكم محلّها أي ينقله من حال إلى حال، أو العلّة هي التي يتجدّد بها أي يتجدّد بها الحكم يخرج الصفة القديمة إذ لا تغيير ولا تجدّد فيها مع أنّها من العلل فإنّ علمه تعالى علّة موجبة لعالميته عندهم. ولك أن تأخذ من كلّ هذه التعريفات المزيّفة للعلّة تعريفات للمعلول فتقول المعلول ما أوجبته العلّة عقيبها بالاتصال إذا لم يمنع مانع أو المعتلّ المعلّل بالعلّة أو ما كان من الأحكام متغيرا بالعلّة أو ما يتجدّد من الأحكام بالعلّة.
فائدة:
الفرق بين العلّة والشرط على رأي مثبتي الأحوال من وجوه. الأول العلّة مطّردة فحيثما وجدت وجد الحكم، والشرط قد لا يطّرد كالحياة للعلم، فإنّها شرط للعلم وقد لا يوجد معها العلم. الثاني العلّة وجودية أي موجودة في الخارج باتفاقهم، والشرط قد يكون عدميا كانتفاء أضداد العلم بالنسبة إلى وجوده إذ لا معنى للشرط إلّا ما يتوقّف عليه المشروط في وجوده لا ما يؤثّر في وجود المشروط حتى يمتنع أن يكون عدميا. وقيل الشرط لا بد أن يكون وجوديا أيضا. الثالث قد يكون الشرط متعدّدا كالحياة وانتفاء الأضداد بالنسبة إلى وجود العلم أو مركّبا بأن يكون عدة أمور شرطا واحدا للمشروط.
الرابع الشرط قد يكون محلّ الحكم بخلاف العلّة، أي محلّ الحكم لا يجوز أن يكون علّة للحكم لأنّه لا يكون مؤثّرا فيه، بل المؤثّر فيه صفة ذلك المحلّ التي هي العلّة لكن محلّ الحكم يكون شرطا للحكم من حيث إنّه يتوقّف وجوده عليه. الخامس العلّة ولا تتعاكس أي لا تكون العلّة معلولة لمعلولها بخلاف الشرط فإنّه يجوز أن يكون مشروطا لمشروطه، إذ قد يشترط وجود كلّ من الأمرين بالآخر، قال به القاضي وعنى بالتوقّف المأخوذ في تعريف الشرط عدم جواز وجوده بدون الموقوف عليه، وبه قال أيضا المحقّقون من الأشاعرة، ومنعه بعضهم. والحق الجواز إن لم يوجب تقدّم الشرط على المشروط بل يكتفى بمجرّد امتناع وجود المشروط بدون الشرط كقيام كلّ من البينتين المتساندتين بالأخرى، فإنّ قيام كلّ منهما يمتنع بدون قيام الأخرى، ومثل ذلك يسمّى دور معية ولا استحالة فيه. السادس الشرط قد لا يبقى ويبقى المشروط وذلك إذا توقّف عليه المشروط في ابتداء وجوده دون دوامه، كتعلّق القدرة على وجه التأثير فإنّه شرط الوجود ابتداء لا دواما، فلذلك يبقى الحادث مع انقطاع ذلك التعلّق. السابع الصفة التي هي علّة كالعلم مثلا له شرط كالمحل والحياة وليس له علّة فإنّ العلم من قبيل الذوات وهي لا تعلّل بخلاف الأحكام، فالعلّة لا تكون معلولة في نفسها بخلاف الشرط فإنّه قد يكون معلولا، فإنّ كون الحيّ حيّا شرط لكونه عالما مع أنّ كونه حيّا معلول للحياة. الثامن العلّة مصحّحة لمعلولها اتفاقا بخلاف الشرط إذ فيه خلاف. التاسع الحكم الواجب لم يتفق على عدم شرط بل اتفق على أنّه لا يوجد بدون شرط كالعالمية له تعالى فإنّها مشروطة بكونه حيّا، وقد يختلف في كون الحكم الواجب معلّلا بعلّة، فإنّ مثبتي الأحوال من الأشاعرة يعلّلونه بصفات موجودة. ومن المعتزلة ينفونه سوى البهشمية فإنّهم يعلّلون الحال بالحال. وإن شئت الزيادة على هذا فارجع إلى شرح المواقف.

الشّرطية

الشّرطية:
[في الانكليزية] Conditional
[ في الفرنسية] Conditionnel
عند النحاة هي الجملة المصدّرة بآداة الشرط فنحو العدد إمّا زوج أو فرد ليس جملة شرطية عندهم، وقد سبق في لفظ الجملة. فعلى هذا الشرطية هي مجموع الشّرط والجزاء. وقد تطلق الشّرطية على جملة الجزاء وحده فإنّها يصدق عليها أنّها جملة منسوبة إلى الشّرطية، صرّح بهذا الفاضل الچلپي في حاشية المطول.
وعند المنطقيين هي القضية المركّبة من قضيتين إحداهما محكوم عليها والأخرى محكوم بها، ويجيء توضيح ذلك في لفظ القضية. فالحكم في الشّرطية عندهم في المقدّم والتالي بخلاف أهل العربية فإنّ الحكم عندهم في الجزاء فقط والشرط قيد له. فالجزاء إن كان خبرا فالجملة الشّرطية خبرية، نحو إن جئتني أكرمك. وإن كان إنشاء فالجملة [الشرطية] إنشائية، نحو:
إن جاءك زيد فأكرمه، كما في المطول. وقد سبق تحقيقه في لفظ الإسناد. ثم الشّرطية عند المنطقيين على قسمين لأنّها إن أوجبت أو سلبت حصول إحدى القضيّتين عند حصول الأخرى فمتّصلة، وإن أوجبت أو سلبت انفصال إحداهما عن الأخرى فمنفصلة. فالمتّصلة الموجبة هي التي حكم فيها باتّصال تحقّق قضية بتحقّق قضيّة أخرى. والسالبة هي التي يحكم فيها بسلب ذلك الاتصال. والمراد من الحكم بالاتّصال أن يكون مدلوله المطابقي ذلك لئلّا ينتقض تعريف كلّ من المتّصلة والمنفصلة بالأخرى، بناء على تلازم الشرطيات.
ثم المتّصلة ثلاثة أقسام، لأنّها إن اكتفى فيها بمطلق الاتصال إيجابا أو سلبا تسمّى متّصلة مطلقة. وإن قيّد الاتصال بكونه لزوميا سمّيت متصلة لزومية موجبة كانت كقولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود أو سالبة كقولنا ليس إن كانت الشمس طالعة فالليل موجود.
وإن قيّد الاتصال بكونه اتفاقيا سمّيت متّصلة اتفاقية موجبة كانت كقولنا إن كان الإنسان ناطقا فالحمار ناهق، أو سالبة كقولنا ليس إن كان الإنسان ناطقا فالحمار ناهق.
اعلم أنّه لا بدّ في اللزومية أن يكون بين طرفيها علاقة توجب ذلك الاتّصال أو سلبه.
والمراد بالعلاقة هاهنا شيء بسببه يستصحب المقدّم التالي، سواء كان موجبة لذلك الاستصحاب أو لا. فقيد توجب ذلك احتراز عمّا لا يوجبه. والعلاقة على ثلاثة أقسام الأوّل. أن يكون المقدّم علّة للتالي كما في قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود.
والثاني بالعكس كما في قولنا إذا كان النهار موجودا فالشمس طالعة. والثالث أن يكون كلاهما معلولين بعلّة واحدة كما في قولنا إن كان النهار موجودا فالعالم مضيء، فإنّ وجود النهار وإضاءة العالم معلولان لطلوع الشمس.
هكذا في شروح السلم.
وأمّا الاتفاقيات فإنها وإن كانت مشتملة على علاقة باعتبار أنّ المعية في الوجود لا بدّ له من علة لأنّها أمر ممكن إلّا أنّ العلاقة فيها غير موجبة لاستصحاب التالي المقدّم، بخلاف اللزوميات حتى إذا لاحظ العقل المقدّم حكم بامتناع انفكاك التالي بداهة أو نظرا. مثلا إذا لاحظ العقل أنّ طلوع الشمس علّة لوجود النهار يحكم بامتناع انفكاك وجود النهار عند طلوع الشمس. وإذا لاحظ نهيق الحمار عند نطق الإنسان لا يحكم بامتناع الانفكاك بينهما.
وبالجملة فاللزومية ما حكم فيها بوقوع الاتصال بين الطرفين لعلاقة توجب ذلك أو بلا وقوع ذلك الاتصال. والاتفاقية ما حكم فيها بوقوع الاتصال بين الطرفين أو بلا وقوعه لا لعلاقة، أي من غير وجود علاقة تقتضي ذلك، أو من غير اعتبارها. فعلى التوجيه الأوّل لا تجتمع اللزومية والاتفاقية بخلاف التوجيه الثاني.
والمنفصلة الموجبة هي التي يحكم فيها بالتّنافي بين القضيتين، إمّا في الصدق والكذب معا أي في التحقّق والانتفاء معا وتسمّى منفصلة حقيقية كقولنا إما أن يكون هذا العدد زوجا وإمّا أن يكون فردا. وإمّا في الصدق فقط، أي من غير أن تتنافيا في الكذب بل يمكن اجتماعهما على الكذب وتسمّى مانعة الجمع كقولنا إمّا أن يكون هذا الشيء شجرا وإمّا أن يكون حجرا. وإمّا في الكذب فقط، أي من غير أن تتنافيا في الصدق وتسمّى مانعة الخلوّ كقولنا إمّا أن يكون هذا الشيء لا شجرا وإمّا أن يكون لا حجرا.
والمنفصلة السّالبة هي التي يحكم فيها بسلب ذلك التنافي إمّا فيهما معا، وتسمّى حقيقية كقولنا ليس إمّا أن يكون هذا الحيوان إنسانا وإمّا أن يكون كاتبا، أو في الصدق فقط وتسمّى مانعة الجمع كقولنا ليس إمّا أن يكون زيد إنسانا أو يكون ناطقا، أو في الكذب فقط وتسمّى مانعة الخلو كقولنا ليس إمّا أن يكون هذا إنسانا أو يكون فرسا. ثم المنفصلة مطلقا حقيقية كانت أو مانعة الجمع أو مانعة الخلو موجبة كانت أو سالبة إن حكم فيها بالتّنافي أو بسلب التّنافي مطلقا سميّت منفصلة مطلقة. وإن قيّد التنافي أو سلبه بالعناد سمّيت منفصلة عنادية. وإن قيّد بالاتفاق سمّيت منفصلة اتّفاقية.
اعلم أنّ كلّية الشّرطية أي كونها كلّية أن يكون التالي لازما في المتّصلة اللزومية ومعاندا في المنفصلة العنادية على جميع التقادير، أي الأوضاع التي لا تنافي مقدمية المقدّم أي يمكن حصول المقدّم عليها سواء كانت محالة في أنفسها كقولنا كلّما كان الفرس إنسانا كان حيوانا، فإنّ معناه أنّ لزوم حيوانية الفرس ثابت للإنسانية على جميع الأوضاع التي يمكن اجتماعها مع إنسانية الفرس من كونه ضاحكا أو كاتبا أو ناطقا، إلى غير ذلك؛ وهي محالة في أنفسها أو لم تكن محالة كقولنا كلّما كان زيد إنسانا كان حيوانا، فمعناه أنّ لزوم حيوانية زيد للإنسانية ثابت مع كل وضع يمكن أي يجامع إنسانية زيد من كونه قائما أو قاعدا أو كاتبا إلى غير ذلك، وهي ممكنة في أنفسها. وجزئية الشّرطية أن يكون التالي لازما أو معاندا للمقدّم على وضع معيّن، وإهمالها بإهمال الأوضاع، والأمثلة غير خافية.
وبالجملة فالحكم في الشرطية إن كان على تقدير معيّن فالشّرطية مخصوصة وشخصيّة، وإلّا فإن بيّن كمية الحكم بأنّه على جميع التقادير أو بعضها فمحصورة كلّية أو جزئية، وإلّا فمهملة، والطبيعية هاهنا غير معقولة.

الإحساس

الإحساس: إِدْرَاك الشَّيْء بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الظَّاهِرَة أَو الْبَاطِنَة فَإِن كَانَ الإحساس بالحس الظَّاهِر فَهُوَ الْمُشَاهدَة وَإِن كَانَ بالحس الْبَاطِن فَهُوَ الوجدان وَإِن أردْت أَن تعقل الْإِحْسَان بتفصيله فَانْظُر فِي التعقل.
الإحساس:
[في الانكليزية] Sensation
[ في الفرنسية] Sensation
بكسرة الهمزة هو قسم من الإدراك، وهو إدراك الشيء الموجود في المادّة الحاضرة عند المدرك مكنوفة بهيئات مخصوصة من الأين والكيف والكم والوضع وغيرها. فلا بدّ من ثلاثة أشياء: حضور المادة واكتناف الهيئات وكون المدرك جزئيا، كذا في شرح الإشارات.
والحاصل أنّ الإحساس إدراك الشيء بالحواس الظاهرة على ما يدلّ عليه الشروط المذكورة.
وإن شئت زيادة التوضيح فاسمع أنّ الحكماء قسّموا الإدراك على ما أشار إليه شارح التجريد إلى أربعة أقسام: الإحساس وهو ما عرفت، والتخيّل وهو إدراك الشيء مع تلك الهيئات المذكورة في حال غيبته بعد حضوره، أي لا يشترط فيه حضور المادة بل الاكتناف بالعوارض وكون المدرك جزئيا، والتوهّم وهو إدراك معان جزئية متعلّقة بالمحسوسات، والتعقّل وهو إدراك المجرّد عنها كليا كان أو جزئيا، انتهى. ولا خفاء في أنّ الحواس الظاهرة لا تدرك الأشياء حال غيبتها عنها ولا المعاني الــجزئية المتعلّقة بالمحسوسات ولا المجرّد عن المادة، بل إنما تدرك الأشياء بتلك الشروط المذكورة. وإنّ المدرك من الحواس الباطنة ليس إلّا الحسّ المشترك فإنه يدرك الصور المحسوسة بالحواس الظاهرة ولكن لا يشترط في إدراكه حضور المادة، فإدراكه من قبيل التخيّل إذ في التخيّل لا يشترط حضور المادة. ولذا قيل في بعض حواشي شرح الإشارات إنّ التخيّل هو إدراك الحسّ المشترك الصور الخيالية إلّا الوهم فإنه يدرك المعاني لا الصور، فإدراكه من قبيل التوهّم. وأما إدراك العقل فلا يكون إلّا من قبيل التعقل فإنه لا يدرك الماديات، فثبت أنّ الإحساس هو إدراك الحواس الظاهرة، والتخيّل هو إدراك الحسّ المشترك، والوهم هو إدراك التوهّم، والتعقّل هو إدراك العقل، والله تعالى أعلم. هذا وقد يسمّى الكلّ إحساسا لحصولها باستعمال الحواس الظاهرة أو الباطنة، صرح بذلك المولوي عبد الحكيم في حاشية القطبي في مبحث الكليّات. وبالجملة فللإحساس معنيان أحدهما الإدراك بالحواس الظاهرة والآخر بالحواس الظاهرة أو الباطنة، وأما التعقّل فليس إحساسا بكلا المعنيين.

الحقيقة

الحقيقة:
[في الانكليزية] Truth ،true meaning
[ في الفرنسية] Verite ،sens propre
بالفتح تطلق بالاشتراك في عرف العلماء على معان. منها قسم من الاستعارة ويقابلها المجاز وهذا اصطلاح أهل الفرس. ومنها ما هو مصطلح أهل الشرع والبيانيين من أهل العرب، قالوا كلّ من الحقيقة والمجاز تطلق بالاشتراك على نوعين لأنّ كلّا منهما إمّا في المفرد ويسمّيان بالحقيقة والمجاز اللغويين، وإمّا في الجملة ويسمّيان بالحقيقة والمجاز العقليين، وسيأتي في لفظ المجاز.
قال الأصوليون الحقيقة الشرعية واقعة خلافا للقاضي أبي بكر وهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في عرف الشرع أي وضعه الشارع لمعنى بحيث يدلّ عليه بلا قرينة، سواء كان ذلك لمناسبة بينه وبين المعنى اللغوي فيكون منقولا أو لا فيكون موضوعا مبتدأ. وأثبت المعتزلة الحقيقة الدينيّة أيضا وقالوا بوقوعها، وهي اسم لنوع خاص من الحقيقة الشرعية، وهو ما وضعه الشارع لمعناه ابتداء بأن لا يعرف أهل اللغة لفظه أو معناه أو كليهما، وزعموا أنّ أسماء الذوات أي ما هي من أصول الدين أو ما يتعلّق بالقلب كالمؤمن والكافر والإيمان والكفر من قبيل الدينيّة دون أسماء الأفعال أي ما هي من فروع الدين، أو ما يتعلّق بالجوارح كالمصلّي والمزكّي والصلاة والزكاة. والظاهر أنّ الواقع هو القسم الثاني من الحقيقة الدينيّة فقط أعني ما لم يعرف أهل اللغة معناه.
ولا نزاع في أنّ الألفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع المستعملة في غير معانيها اللغوية قد صارت حقائق فيها، بل النزاع في أنّ ذلك بوضع الشارع وتعيينه إياها بحيث تدلّ على تلك المعاني بلا قرينة لتكون حقائق شرعية كما هو مذهبنا، أو بغلبتها في تلك المعاني في لسان أهل الشرع. والشارع إنّما استعملها فيها مجازا بمعونة القرائن فتكون حقائق عرفية خاصّة لا شرعية كما هو مذهب القاضي. فإذا وقعت مجرّدة عن القرائن في كلام أهل الكلام والفقه والأصول ومن يخاطب باصطلاحهم تحمل على المعاني الشرعية وفاقا.
وأمّا في كلام الشارع فعندنا تحمل عليها إذ الظاهر أن يتكلّم باصطلاحه، وهذه المعاني هي الحقائق بالقياس إليه. وعند القاضي تحمل على معانيها اللغوية لأنّها غير موضوعة من جهة الشارع، فهو يتكلّم على قانون اللغة، فإنّ القاضي ينفي كونها حقائق شرعية زاعما أنّها مجازات لغوية. والحق أنّه لا ثالث لهما فإنّه ليس النزاع في أنّها هل هي بوضع من الشارع على أحد الوجهين وهو مذهب المعتزلة والفقهاء أو لا فيكون مجازات لغوية، وهو مذهب القاضي فلا ثالث لها حينئذ. ومنهم من زعم أنّ مذهب القاضي أنّها مبقاة على حقائقها اللغوية فتصير المذاهب ثلاثة، كونها حقائق لغوية وكونها مجازات لغوية وكونها حقائق شرعية. وإن شئت الزيادة على هذا القدر فارجع إلى العضدي وحواشيه.
ومنها المفهوم المستقل الملحوظ بالذات كمفهوم الاسم وهذا المعنى من اصطلاحات أهل العربية أيضا. قال السيّد السّند قد تستعمل الحقيقة بهذا المعنى في بعض استعمالاتهم كذا في الأطول في بحث الاستعارة التبعية.
ومنها الماهية بمعنى ما به الشيء هو هو وتسمّى بالذات أيضا. والحقيقة بهذا المعنى أعمّ من الكلية والــجزئية والموجودة والمعدومة.
وأيضا إنّ الباء في به للسببية والضميران للشيء، فالمعنى الأمر الذي بسببه الشيء ذلك الشيء، ولو قيل ما به الشيء هو لكان أخصر. إن قلت هذا صادق على العلّة الفاعلية فإنّ الإنسان مثلا إنّما يصير إنسانا متمايزا عمّا عداه بسبب الفاعل وإيجاده ضرورة أنّ المعدوم لا يكون إنسانا بل لا يكون ممتازا عن غيره. قلت الفاعل ما بسببه الشيء موجود في الخارج لا ما به الشيء ذلك الشيء، فإنّ أثر الفاعل إمّا نفس ماهية ذلك الشيء مستتبعا له استتباع الضوء للشمس، والعقل ينتزع عنها الوجود ويصفها به على ما قال الإشراقيون وغيرهم القائلون بأنّ الماهية مجعولة، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ الماهية هي الأثر المترتّب على تأثير الفاعل. ومعنى التأثير الاستتباع ثم العقل ينتزع منها الوجود ويصفها به. مثلا ماهية زيد يستتبعها الفاعل في الخارج ثم يصفها العقل بالوجود والوجود ليس إلّا اعتباريا عقليّا انتزاعيّا، كما أنّه يحصل من الشمس أثر في مقابلتها من الضوء المخصوص، وليس هاهنا ضوء منفرد في نفسه يجعل متصفا بالوجود، لكن العقل يعتبر الوجود ويصفه به فيقال وجد الضوء بسبب الشمس. وأمّا الماهية باعتبار الوجود لا من حيث نفسها ولا من حيث كونها تلك الماهية على ما ذهب إليه المشّائيون وغيرهم القائلون بأنّ الماهية ليست مجعولة، فإنّهم قالوا أثر الفاعل ثبوت الماهية في الخارج ووجودها فيه بمعنى أنّه يجعل الماهية متصفة به في الخارج، وأمّا الماهية فهي أثر له باعتبار الوجود لا من حيث هي، بأن يكون نفس الماهية صادرة عنه، ولا من حيث كونها تلك الماهية ماهية. فعلى كلا التقديرين أثر الفاعل الشيء الموجود في الخارج إمّا بنفسه وإمّا باعتبار الوجود لا كون الشيء ذلك الشيء ضرورة أنّه لا مغايرة بين الشيء ونفسه. فإن قلت الشيء بمعنى الموجود فيرد الإشكال المذكور. قلت لا نسلم ذلك بل هو بالمعنى اللغوي، أعني ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه ولو مجازا. وإن سلّمنا بناء على أنّ الأصل في التعريفات الحقيقة والاحتراز عن المجاز وإن كان مشهورا ففرق بين ما به الموجود موجود فإنّه فاعل وبين ما به الموجود ذلك الموجود فإنه الماهية، إذ لا مدخل للفاعل في كون هذا الموجود الممتاز بهذا الموجود الممتاز، بل تأثيره إمّا في نفسه أو في اتصافه بالوجود على ما عرفت. فإن قلت لا مغايرة بين الشيء وماهيته حتى يتصوّر بينهما سببية. قلت هذا من ضيق العبارة والمقصود أنه لا يحتاج الشيء في كونه ذلك الشيء إلى غيرها. وهذا كما قالوا الجوهر ما يقوم بنفسه إذ لا مغايرة بين الشيء ونفسه حتى يتصوّر القيام بينهما. وقد يجعل الضمير الثاني للموصول فالمعنى الأمر الذي بسببه الشيء هو ذلك الأمر بمعنى أنّه لا يحتاج في ثبوت ذلك الأمر له إلى غير ذلك الأمر، فلا يرد الإشكال بالفاعل، لكن ينتقض ظاهر التعريف بالعرضي، إذ الضاحك ما به الإنسان ضاحك. لكن لما كان مآل التعريف على ما قلنا هو أن لا يحتاج في كونه ذلك الأمر إلى غير ذلك الأمر فلا نقض بالحقيقة، لكن بقي الانتقاض بالذاتي بمعنى الجزء ظاهرا وباطنا لأنّ الإنسان في كونه ناطقا لا يحتاج إلى أمر غير الناطق، لأنّ ثبوته له غير معلّل بشيء.
ويمكن أن يقال المقصود تعريف الماهية بحيث يمتاز عن العرضي. ولذا ذكر بعض الفضلاء من أنه جرت عادة القوم في ابتداء مبحث الأمور العامّة ببيان الفرق بين الماهية وعوارضها دون ذاتياتها، لأنه قد تشتبه الماهية بالعوارض فيما إذا عرض الشيء لنفسه كالكلّي للكلّي، بخلاف الذاتيات فإنه لا اشتباه بين الكلّ والجزء فتدبر. هذا كله خلاصة ما حققه المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي.
وقال المولوي عصام الدين في حاشية شرح العقائد إنّ الضمير الأول ضمير فصل لإفادة أنّ ما به الشيء ليس إلّا الشيء وليس راجعا إلى الشيء. فالمعنى ما به الشيء هو الشيء أعني أمر باعتباره مع الشيء يكون الشيء هو الشيء ولا يثبت بإثباته للشيء إلّا نفسه بخلاف الجزء والعارض، فإنّه باعتباره مع الشيء وإثباته للشيء يكون الشيء غيره، فإنّك إذا اعتبرت مع الإنسان الإنسان لا يكون الإنسان إلّا إنسانا، ولو اعتبرت معه الناطق يكون الإنسان الناطق، ولو اعتبرت معه الضاحك يكون الإنسان الضاحك. وبهذا التحقيق سهل عليك ما صعب على كل ناظر فيه من التمييز بين ماهية الشيء وعلّته بهذا التعريف ونجوت عن تكلفات. واندفع أيضا أنّ أحد الضميرين زائد، ويكفي ما به الشيء هو، وأنه يرد بالذاتي، وأنّ كلمة الباء الدالة على السببية تقتضي الاثنينية، انتهى وهذا حسن جدّا.
اعلم أنّ الحقيقة بهذا المعنى يستعملها الحكماء والمتكلمون والصوفية.
التقسيم
قال المولوي عبد الرحمن الجامي في شرح الفصوص في الفص الأول: إنّ الحقائق عند الصوفية ثلاث. الأولى حقيقة مطلقة فعّالة واحدة عالية واجبة وجودها بذاتها وهي حقيقة الله سبحانه. والثانية حقيقة مقيّدة منفعلة سافلة قابلة للوجود من الحقيقة الواجبة بالفيض والتجلّي وهي حقيقة العالم. والثالثة حقيقة أحدية جامعة بين الإطلاق والتقييد والفعل والانفعال والتأثير والتأثر فهي مطلقة من وجه مقيدة من آخر، فعّالة من جهة منفعلة من أخرى. وهذه الحقيقة أحدية جمع الحقيقتين، ولها مرتبة الأولية والآخرية، وذلك لأنّ الحقيقة الفعّالة المطلقة في مقابلة الحقيقة المنفعلة المقيّدة، وكل متفرقتين فلا بد لهما من أصل هما فيه واحد وهو فيهما متعدد مفصل.
وظاهرية هذه الحقيقة هي المسماة بالطبيعة الكلية الفعّالة من وجه والمنفعلة من آخر، فإنّها تتأثّر من الأسماء الإلهية وتؤثّر في موادها. وكلّ واحد من هذه الحقائق الثلاث حقيقة الحقائق التي تحتها انتهى. وللحقيقة بهذا المعنى تقسيمات أخر تجيء في لفظ الماهية. وبعض ما يتعلّق بهذا المقام يجيء في لفظ الذات أيضا.
ومنها الماهية باعتبار الوجود فعلى هذا لا تتناول المعدوم، وإطلاق الحقيقة بهذا المعنى أكثر من إطلاقها بمعنى الماهية مطلقا. قال شارح الطوالع وشارح التجريد إنّ الحقيقة والذات تطلقان غالبا على الماهية مع اعتبار الوجود الخارجي كلية كانت أو جزئية انتهى. فعلى هذا لا يقال ذات العنقاء وحقيقتها كذا بل ماهيتها كذا. ومنها ما هو مصطلح الصوفية في كشف اللغات الحقيقة: عند الصوفية ظهور ذات الحقّ بدون حجاب التعيّنات ومحو الكثرة الموهومة في نور الذات. انتهى كلامه. وفي مجمع السلوك أمّا الحق والحقيقة في اصطلاح مشايخ الصوفية فالحق هو الذات والحقيقة هي الصفات. فالحق اسم الذات والحقيقة اسم الصفات. ثم إنّهم إذا أطلقوا ذلك أرادوا به ذات الله تعالى وصفاته خاصة، وذلك لأنّ المريد إذا ترك الدنيا وتجاوز عن حدود النفس والهوى ودخل في عالم الإحسان يقولون دخل في عالم الحقيقة ووصل إلى مقام الحقائق، وإن كان بعد عن عالم الصفات والأسماء، فإذا وصل إلى نور الذات يقولون وصل إلى الحق وصار شيخا لائقا للاقتداء به، وقلّما يستعملون ذلك في ذوات أخر وفي صفاتهم لأن مقصودهم الكلّي هو التوحيد. وقال الديلمي الحقيقة عند مشايخ الصوفية عبارة عن صفات الله تعالى والحق ذات الله تعالى. وقد يريدون بالحقيقة كل ما عدا عالم الملكوت وهو عالم الجبروت. والملكوت عندهم عبارة من فوق العرش إلى تحت الثرى وما بين ذلك من الأجسام والمعاني والأعراض.
والجبروت ما عدا الملكوت. وقال بعضهم الكبار وأما عالم الملكوت فالعبد له اختيار فيه ما دام في هذا العالم، فإذا دخل في عالم الجبروت صار مجبورا على أن يختار ما يختار الحق وأن يريد ما يريده، لا يمكنه مخالفته أصلا انتهى. وقيل الحقيقة هي التوحيد وقيل هي مشاهدة الربوبية ويجيء في لفظ الطريقة ما يزيد على هذا.
الحقيقة: اسم لما أريد به ما وضع له فعيلة في حق الشيء إذا ثبت، بمعنى فاعلة أي حقيق والتاء فيه للنقل من الوصفية إلى الاسمية كما في العلامة لا للتأنيث. واصطلاحا: هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له. حقيقة الشيء ما به الشيء هو هو كالحيوان الناطق للإنسان بخلاف نحو الضاحك والكاتب بما يتصور الإنسان بدونه. وقد يقال إن ما به الشيء هو هو باعتبار تحققه حقيقة، وباعتبار تشخصه هوية، ومع قطع النظر عن ذلك. ماهية الحقيقة العقلية جملة أسند فيها الفعل إلى ما هو فاعل عند المتكلم كقول المؤمن: أنبت الله البقل، بخلاف نهاره صائم، فإن الصائم ليس النهار. الحقيقة الشرعية ما لم يستفد اسمه إلا من الشرع.

الحقيقة عند أهل الحق: سلب آثار أوصافك عنك بأوصافه.

علم اللغة

علم اللغة
هو: علم باحث عن مدلولات جواهر المفردات وهيئاتها الــجزئية التي وضعت تلك الجواهر معها لتلك المدلولات بالوضع الشخصي وعما حصل من تركيب كل جوهر وهيئاتها من حيث الوضع والدلالة على المعاني الــجزئية.
وغايته: الاحتراز عن الخطأ في فهم المعاني الوضعية والوقوف على ما يفهم من كلمات العرب
ومنفعته: الإحاطة بهذه المعلومات وطلاقة العبارة وجزالتها والتمكن من التفنن في الكلام وإيضاح المعاني بالبيانات الفصيحة والأقوال البليغة. فإن قيل: علم اللغة عبارة عن تعريفات لفظية والتعريف من المطالب التصورية وحقيقة كل علم مسائله وهي قضايا كلية أو التصديقات بها وأيا ما كان فهي من المطالب التصديقية فلا تكون اللغة علماً.
أجيب: بأن التعريف اللفظي لا يقصد به تحصيل صورة غير حاصلة كما في سائر التعاريف من الحدود والرسوم الحقيقية أو الاسمية بل المقصود من التعريف اللفظي: تعيين صورة من بين الصور الحاصلة ليلتفت إليه ويعلم أنه موضوع له اللفظ فما له إلى التصديق بأن هذا اللفظ موضوع بإزاء ذلك المعنى فهو من المطالب التصديقية لكن يبقى أنه حينئذ يكون علم اللغة عبارة عن قضايا شخصية حكم فيها على الألفاظ المعينة المشخصة بأنها وضعت بإزاء المعنى الفلاني والمسئلة لا بد وأن تكون قضية كلية.
واعلم: أن مقصد علم اللغة مبني على أسلوبين.
لأن منهم: من يذهب من جانب اللفظ إلى المعنى بأن يسمع لفظا ويطلب معناه.
ومنهم: من يذهب من جانب المعنى إلى اللفظ فلكل من الطريقين قد وضعوا كتبا ليصل كل إلى مبتغاه إذ لا ينفعه ما وضع في الباب الآخر.
فمن وضع بالاعتبار الأول فطريقه ترتيب حروف التهجي.
إما باعتبار أواخرها أبوابا وباعتبار أوائلها فصولا تسهيلا للظفر بالمقصود كما اختاره الجوهري في الصحاح ومجد الدين في القاموس.
وإما بالعكس أي: باعتبار أوائلها أبوابا واعتبار أواخرها فصولا كما اختاره ابن فارس في المجمل والمطرزي في المغرب.
ومن وضع بالاعتبار الثاني فالطريق إليه أن يجمع الأجناس بحسب المعاني ويجعل لكل جنس بابا كما اختاره الزمخشري في قسم الأسماء من مقدمة الأدب.
ثم إن اختلاف الهمم قد أوجب أحداث طرق شتى:
فمن واحد أدى رأيه إلى أن يفرد لغات القرآن.
ومن آخر إلى أن يفرد غريب الحديث.
وآخر إلى أن يفرد لغات الفقه كالمطرزي في المغرب.
وأن يفرد اللغات الواقعة في أشعار العرب وقصائدهم وما يجري مجراها كنظام الغريب والمقصود هو الإرشاد عند مساس أنواع الحاجات.
والكتب المؤلفة في اللغة كثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون على ترتيب حروف الهجاء وألفت كتابا في أصول اللغة سميته البلغة وذكرت فيه كل كتاب ألف في هذا العلم إلى زمني هذا وذكر صاحب مدينة العلوم كتاب في هذا العلم وأورد لكل كتاب ترجمة مؤلفه وبسط فيها فليراجعه.
قال ابن خلدون: علم اللغة هو بيان الموضوعات اللغوية.
وذلك أنه لما فسدت ملكة اللسان العربي في الحركات المسماة عند أهل النحو بالإعراب واستنبطت القوانين لحفظها كما قلناه ثم استمر ذلك الفساد بملابسة العجم ومخالطتهم حتى تأدى الفساد إلى موضوعات الألفاظ فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم ميلاً مع هجنة المتعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربية فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتاب والتدوين خشية الدروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث فشمر كثير من أئمة اللسان لذلك وأملوا فيه الدواوين وكان سابق الحلبة في ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي ألف فيها كتاب العين فحصر فيه مركبات حروف المعجم كلها من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي وهو غاية ما ينتهي إليه التركيب في اللسان العربي وتأتي له حصر ذلك بوجوه عددية حاصرة.
وذلك أن جملة الكلمات الثنائية تخرج من جميع الأعداد على التوالي من واحد إلى سبعة وعشرين وهو دون نهاية حروف المعجم بواحد لأن الحرف الواحد منها يؤخذ مع كل واحد من السبعة والعشرين فتكون سبعة وعشرين كلمة ثنائية ثم يؤخذ الثاني مع الستة والعشرين كذلك ثم الثالث والرابع ثم يؤخذ السابع والعشرون مع الثامن والعشرين فيكون واحدا فتكون كلها أعدادا على توالي العدد من واحد إلى سبعة وعشرين فتجمع كما هي بالعلم المعروف عند أهل الحساب ثم تضاعف لأجل قلب الثنائي لأن التقديم والتأخير بين الحروف معتبر في التركيب فيكون الخارج جملة الثنائيات وتخرج الثلاثيات من ضرب عدد الثنائيات فيما يجمع من واحد إلى ستة وعشرين لأن كل ثنائية يزيد عليها حرفا فتكون ثلاثية فتكون الثنائية بمنزلة الحرف الواحد مع كل واحد من الحروف الباقية وهي ستة وعشرون حرفا بعد الثنائية فتجمع من واحد إلى ستة وعشرين على توالي العدد ويضرب فيه جملة الثنائيات ثم يضرب الخارج في ستة جملة مقلوبات الكلمة الثلاثية فيخرج مجموع تراكيبها من حروف المعجم وكذلك في الرباعي والخماسي فانحصرت له التراكيب بهذا الوجه ورتب أبوابه على حروف المعجم بالترتيب المتعارف واعتمد فيه ترتيب المخارج فبدأ بحروف الحلق ثم ما بعده من حروف الحنك ثم الأضراس ثم الشفة وجعل حروف العلة آخرا وهي: الحروف الهوائية.
وبدأ من حروف الحلق بالعين لأنه الأقصى منها فلذلك سمى كتابه بالعين لأن المتقدمين كانوا يذهبون في تسمية دواوينهم إلى مثل هذا وهو تسمية بأول ما يقع فيه من الكلمات والألفاظ ثم بين المهمل منها من المستعمل وكان المهمل في الرباعي والخماسي أكثر لقلة استعمال العرب له لثقله تلحق به الثنائي لقلة دورانه وكان الاستعمال في الثلاثي أغلب فكانت أوضاعه أكثر لدورانه.
وضمن الخليل ذلك في كتاب العين واستوعبه أحسن استيعاب وأوعاه وجاء أبو بكر الزبيدي وكتب لهشام المؤيد بالأندلس في المائة الرابعة فاختصر مع المحافظة على الاستيعاب وحذف منه المهمل كله وكثيرا من شواهد المستعمل ولخصه للحفظ أحسن تلخيص.
وألف الجوهري من المشارقة كتاب الصحاح على الترتيب المتعارف لحروف المعجم فجعل البداءة منها بالهمزة وجعل الترجمة بالحروف على الحرف الأخير من الكلمة لاضطرار الناس في الأكثر إلى أواخر الكلم وحصر اللغة اقتداء بحصر الخليل.
ثم ألف فيها من الأندلسيين ابن سيدة من أهل دانية في دولة علي بن مجاهد كتاب المحكم على ذلك المنحى من الاستيعاب وعلى نحو ترتيب كتاب العين وزاد فيه التعرض لاشتقاقات الكلم وتصاريفها فجاء من أحسن الدواوين. ولخصه محمد بن أبي الحسن صاحب المستنصر من ملوك الدولة الحفصية بتونس وقلب ترتيبه إلى ترتيب كتاب الصحاح في اعتبار أواخر الكلم وبناء التراجم عليها فكانا توأمي رحم وسليلي أبوة.
هذه أصول كتب اللغة فيما علمناه.
وهناك مختصرات أخرى مختصة بصنف من الكلم مستوعبة لبعض الأبواب أو لكلها إلا أن وجه الحصر فيها خفي ووجه الحصر في تلك جلي من قبل التراكيب كما رأيت.
ومن الكتب الموضوعة أيضا في اللغة: كتاب الزمخشري في المجاز بين فيه كل ما تجوزت به العرب من الألفاظ وفيما تجوزت به من المدلولات وهو كتاب شريف الإفادة.
ثم لما كانت العرب تضع الشيء على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظا أخرى خاصة بها فرق ذلك عندنا بين الوضع والاستعمال واحتاج إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب ومن الإنسان بالأزهر ومن الغنم بالأملح حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحنا وخروجا عن لسان العرب.
واختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي وأفرده في كتاب له سماه فقه اللغة وهو من آكد ما يأخذ به اللغوي نفسه أن يحرف استعمال العرب عن مواضعه فليس معرفة الوضع الأول بكاف في التركيب حتى يشهد له استعمال العرب لذلك وأكثر ما يحتاج إلى ذلك الأديب في فني نظمه ونثره حذرا من أن يكثر لحنه في الموضوعات اللغوية في مفرداتها وتراكيبها وهو أشد من اللحن في الإعراب وأفحش.
وكذلك ألف بعض المتأخرين في الألفاظ المشتركة وتكفل بحصرها وإن لم يبلغ إلى النهاية في ذلك فهو مستوعب للأكثر.
وأما المختصرات الموجودة في هذا الفن المخصوصة بالمتداول من اللغة الكثير الاستعمال تسهيلا لحفظها على الطالب فكثيرة مثل: الألفاظ لابن السكيت والفصيح لثعلب وغيرهما وبعضها أقل لغة من بعض لاختلاف نظرهم في الأهم على الطالب للحفظ والله الخلاق العليم لا رب سواه انتهى.
وذكر في مدينة العلوم من المختصرات: كتاب العين للخليل بن أحمد والمنتخب والمجرد لعلي بن حسن المعروف بكراع النمل والمنضد في اللغة المجرد.
ومن المتوسطات: المجمل لابن حسن الفارس وديوان الأدب للفارابي.
ومن المبسوطات: المعلم لأحمد بن أبان اللغوي والتهذيب والجامع للأزهري والعباب الزاخر للصغاني والمحكم لابن سيدة والصحاح للجوهري واللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب والقاموس المحيط1 قال:
ومن الكتب الجامعة: لسان العرب جمع فيه بين التهذيب والمحكم والصحاح وحواشيه والجمهرة والنهاية للشيخ محمد بن مكرم بن علي وقيل: رضوان بن أحمد بن أبي القاسم.
ومن المختصرات: السامي في الأسامي للميداني والدستور ومرقاة الأدب والمغرب في لغة الفقهيات خاصة للمطرزي ومختصر الإصلاح لابن السكيت وكتاب طلبة الطلبة لنجم الدين أبي حفص عمر بن محمد ويختص بالفقهيات.
ومما يختص بغريب الحديث: نهاية الجزري والغريبين جمع فيه وبين غريب الحديث والقرآن
ومنهم من أفرد اللغات الواقعة في أشعار العرب وقصائدهم إلى غير ذلك انتهى.
وذكر تراجم اللغويين تحت الكتب المذكورة ومن أبسط الكتب في اللغة وأنفعها كتاب تاج العروس في شرح القاموس للسيد مرتضى الزبيدي المصري البلجرامي وبلجرام قصبة بنواحي قنوج موطن هذا العبد الضعيف. وكتاب المصباح ومختار الصحاح.
وفي كتابنا البلغة كفاية لمن يريد الإطلاع على كتب هذا العلم. 

الْقُوَّة العاملة

الْقُوَّة العاملة: قُوَّة فِي الْإِنْسَان تحرّك بدنه إِلَى الْأَفْعَال الْــجُزْئِيَّة الْحَاصِلَة بالفكر والروية أَو بالحدس وَتسَمى تِلْكَ الْقُوَّة الْعقل العملي وَالْقُوَّة العملية وَالْأَفْعَال الْــجُزْئِيَّة كالسفر وَالنِّكَاح وَالْجِمَاع فَإِنَّهُ يفكر بِأَن السّفر موصل إِلَى الْمَقَاصِد الْعلية الدِّينِيَّة من حُصُول مُلَازمَة الْأَوْلِيَاء والفقراء والفضلاء وملاقات الأحباء وَالْحِفْظ عَن إِيذَاء الْأَعْدَاء وَالْكفَّار والفساق والفجار وَإِلَى المطالب الدنية الدُّنْيَوِيَّة من أَخذ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والنهب وَقطع الطَّرِيق وَغير ذَلِك. ويفكر بِأَن النِّكَاح مفض إِلَى صَلَاح الْمعَاد والمعاش ثمَّ الْقُوَّة العاملة تحرّك بدنه إِلَى السّفر وَالنِّكَاح وَالْجِمَاع قيل النَّفس الْكَامِلَة فِي هَاتين القوتين أَعنِي الْعَاقِلَة والعاملة هِيَ المطمئنة.
وَاعْلَم أَن للنَّفس بِاعْتِبَار الْقُوَّة العاملة أَيْضا أَربع مَرَاتِب: أولاها: تَهْذِيب الظَّاهِر بِاسْتِعْمَال الشَّرَائِع والنواميس الإلهية. وثانيتها: تَهْذِيب الْبَاطِن عَن الملكات الردية وَنقص آثَار شواغله عَن عَالم الْغَيْب. وثالثتها: مَا يحصل بعد الِاتِّصَال بعالم الْغَيْب وَهُوَ تخلي النَّفس عَن النقوش الخسيسة وتحليها بالصور القدسية. ورابعتها: مَا يتجلى لَهُ عقيب اكْتِسَاب ملكة الِاتِّصَال والانفصال عَن نَفسه بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مُلَاحظَة جلال الله تَعَالَى وجماله الْأَجَل الْأَكْمَل وَقصر النّظر على كَمَاله حَتَّى يرى كل قدرَة مضمحلة فِي جنب قدرته الْكَامِلَة وكل علم مُسْتَغْرقا فِي علومه الشاملة بل كل وجود وَكَمَال فائض من جنابه المتعال.
الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة والنطقية والشهوانية والبهيمية والغضبية والسبعية: كل مِنْهَا فِي الْعَدَالَة.
وَاعْلَم أَن قُوَّة النَّفس الإنسانية تسمى قُوَّة عقلية وَهِي بِاعْتِبَار إِدْرَاكهَا للكليات تسمى قُوَّة نظرية وَبِاعْتِبَار استنباطها للصناعات الفكرية من أدلتها بِالرَّأْيِ تسمى قُوَّة عملية.

وهم

و هـ م : (وَهِمَ) فِي الْحِسَابِ غَلِطَ فِيهِ وَسَهَا وَبَابُهُ فَهِمَ. وَوَهَمَ فِي الشَّيْءِ مِنْ بَابِ وَعَدَ إِذَا ذَهَبَ وَهَمُهُ إِلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ غَيْرَهُ. وَ (تَوَهَّمَ) أَيْ ظَنَّ. وَ (أَوْهَمَ) غَيْرَهُ (إِيهَامًا) وَ (وَهَّمَهُ) أَيْضًا (تَوْهِيمًا) . وَ (اتَّهَمَهُ) بِكَذَا وَالِاسْمُ (التُّهَمَةُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ. (وَأَوْهَمَ) الشَّيْءَ أَيْ تَرْكَهُ كُلَّهُ، يُقَالُ: أَوْهَمَ مِنَ الْحِسَابِ مِائَةً أَيْ أَسْقَطَ، وَأَوْهَمَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً. 
(وهم)
فلَان فِي الشَّيْء وَإِلَيْهِ (يهم) وهما ذهب وهمه إِلَيْهِ وَهُوَ يُرِيد سواهُ وَفِي الصَّلَاة سَهَا وَالشَّيْء دَار فِي خاطره

(وهم) فِي الْحساب وَغَيره (يُوهم) وهما غلط فِيهِ وسها
وهم الوهم من الإبل الذلول المنقاد لصاحبه مع قوة. والطريق المشهور الواضح. وللقلب وهم، والجمع الأوهام. وهمت أهم، وأوهمت، ووهمت. وتوهمت كذا. وأوهمته أغفلته. والتهمة اشتقت من المهم. واتهمته أدخلت عليه التهمة. ووهمت أهم في كذا، وأوهمت أوهم إيهاما أي قاربت. ووهمت وأنا أوهم وهما أي غلطت، فأنا واهم ووهم. قال يعقوب وأوهمت - أيضاً - في الحساب. وقال أبو عمرو وأوهمت في كل شيءٍ. ووهمت أهم إذا قصدت للشيء. ووهمت في الصلاة سهوت.
الوهم: هو قوة جسمانية للإنسان محلها آخر التجويف الأوسط من الدماغ، من شأنها إدراك المعاني الــجزئية المتعلقة بالمحسوسات، كشجاعة زيد وسخاوته، وهذه القوة هي التي تحكم بها الشاة أن الذئب مهروب عنه، وأن الولد معطوف عليه، وهذه القوة حاكمة على القوى الجسمانية كلها، مستخدمة إياها استخدام العقل للقوى العقلية بأسرها.

الوهم: هو إدراك المعنى الجزئي المتعلق بالمعنى المحسوس.

الوهمي المتخيل: هي الصورة التي تخترعها المتخيلة باستعمال الوهم إياها؛ كصورة الناب أو المخلب في المنية المشبهة بالسبع.
وهم فِي صلَاته فَقيل: يَا رَسُول اللَّه كَأَنَّك أوهَمْتَ فِي صَلَاتك فَقَالَ: 31 / الف [و -] كَيفَ / لَا أوهِمُ ورُفْغ أحدكُم بَين ظفره وأنملته. 31 / الف قَالَ الْأَصْمَعِي: جمع الرُفغ أرفاغ وَهِي الآباط والمغابن من الْجَسَد ويكون ذَلِك فِي الْإِبِل وَالنَّاس. قَالَ أَبُو عبيد: وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا الحَدِيث مَا بَين الْأُنْثَيَيْنِ و [أصُول -] الفخذين وَهُوَ من المغابن. وَمِمَّا يبين ذَلِك حَدِيث عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: إِذا التقى الرفغان فقد وَجب الْغسْل.
و هـ م

في قلبه وهمٌ. وفي الحديث: " لا تدركه الأوهام " ووهمت الشيء أهمه وهماً وتوهّمته: وقع في خلدي، وشيء موهوم ومتوهّم. قال أبو زبيد:

واستحدث القوم أمراً غير ما وهموا ... وطار أنصارهم شتّى وما جمعوا

ظنوا أنهم يغلبونني فاستحدثوا الفزع والجبن، ووهمت به سوءاً وتوهّمته به. قال عديّ:

فإن أخطأت أو أوهمت أمراً ... فقد يهم المصافي بالحبيب

وأوهمنيه غيري ووهّمنيه. واتّهم بكذا، وفلان متهم: يتّهم الناس، وهو صاحب تهمةٍ وتهمٍ. ووهم في الحساب بالكسر يوهم وهماً: غلت، وأوهم فيه إيهاماً، وأوهم من الحساب مائة. وأوهم من صلاته ركعةً: أسقط.
و هـ م : وَهَمْتُ إلَى الشَّيْءِ وَهْمًا مِنْ بَابِ وَعَدَ سَبَقَ الْقَلْبُ إلَيْهِ مَعَ إرَادَةِ غَيْرِهِ وَوَهَمْتُ وَهْمًا وَقَعَ فِي خَلَدِي وَالْجَمْعُ أَوْهَامٌ وَشَيْءٌ مَوْهُومٌ وَتَوَهَّمْتُ أَيْ ظَنَنْتُ وَوَهِمَ فِي الْحِسَابِ يَوْهَمُ وَهَمًا مِثْلُ غَلِطَ يَغْلَطُ غَلَطًا وَزْنًا وَمَعْنًى وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْمَهْمُوزُ لَازِمًا وَأَوْهَمَ مِنْ الْحِسَابِ مِائَةً مِثْلُ أَسْقَطَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَأَوْهَمَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً تَرَكَهَا وَاتَّهَمْتُهُ بِكَذَا ظَنَنْتُهُ بِهِ فَهُوَ تَهِيمٌ وَاتَّهَمْتُهُ فِي قَوْلِهِ شَكَكْتُ فِي صِدْقِهِ وَالِاسْمُ التُّهَمَةُ وِزَانُ رُطَبَةٍ وَالسُّكُونُ لُغَةٌ حَكَاهَا الْفَارَابِيُّ وَأَصْلُ التَّاءِ وَاوٌ. 
وهم قَالَ أَبُو عُبَيْد: [أَرَادَ -] : إِذا التقى ذَلِك من الرجل وَالْمَرْأَة وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا بعد التقاء الخِتانَيْنِ فَهَذَا يبين [لَك -] مَوضِع الرفغ. فَمَعْنَى الحَدِيث الْمَرْفُوع أَنه أَرَادَ أَن أحدكُم يحك ذَلِك الْموضع من جسده فيَعْلَق درنه ووسخه بأصابعه فَيبقى بَين الظفر والأنملة وَإِنَّمَا أنكر من ذَلِك طُولَ الْأَظْفَار وتركَ قَصِّها. يَقُول: فَلَولَا أَنكُمْ لَا تقصونها حَتَّى يطول مَا بَقِي الرفغ هُنَالك هَذَا وَجه الحَدِيث. وَمِمَّا بَين ذَلِك حَدِيثه الآخر واستبطأ النَّاس الْوَحْي فَقَالَ: وَكَيف لَا يُحتبس [الْوَحْي -] وَأَنْتُم لَا تُقَلَّمون أظفاركم وَلَا تقصون شوارِبَكم وَلَا تنقون براجِمَكم. قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: أوهَمَ الرجل فِي كَلَامه وَفِي كِتَابه يُوهم إيهاما - إِذا مَا أسقط مِنْهُ شَيْئا وَيُقَال: وَهِم يَوهَم - إِذا غلط وَيُقَال: وَهَم إِلَى الشَّيْء يَهِمُ وَهْماً - إِذا ذهب وَهمُه إِلَيْهِ.
[وهم] وَهِمْتُ في الحساب أَوْهَمُ وهْماً، إذا غلطت فيه وسهوت. ووهمت في الشئ بالفتح أهم وَهْماً، إذا ذهب وَهْمُكَ إليه وأنتَ تريدُ غيره. وتَوَهَّمْتُ، أي ظننت. وأَوْهَمْتُ غيري إيهاماً. والتَوهيمُ مثله. واتَّهَمْتُ فلاناً بكذا، والاسم التُهَمَةُ بالتحريك، وأصل التاء فيه واو على ما ذكرناه في وكل. وأوهمت الشئ، إذا تركته كله. يقال أَوْهَمَ من الحساب مائةً، أي أسقط. وأَوْهَمَ من صَلاتِهِ ركعةً. أبو زيد: يقال: للرجل إذا اتَّهَمْتَهُ: أَتْهَمْتُ إتْهاماً، مثل أَدْوَأْتُ إدْواءً. يقال قد أتْهَمَ الرجل على أفْعَلَ، إذا صارت به الريبة. والرهم: الجمل الضخم الذلول. قال ذو الرمة يصف ناقته: كأنها جمل وهم وما بقيت إلا النحيزة والالواح والعصب والانثى وهمة. قال الكميت: يجتاب أردية السراب وتارة قمص الظلام بوهمة شملال والوهم أيضا: الطريق الواسع. قال لبيد يصف بعيره وبعير صاحبه: ثم أصدرناهما في وارد صادر وهم صواه قد مثل ويقال: لا وهم من كذا، أي لابد منه.

وهم


وَهِمَ(n. ac. وَهَم)
a. [Fī], Erred, was mistaken in.
b. Was malevolent.

وَهَّمَa. Made believe, suspect.
b. ['Ala] [ coll. ], Frightened.

أَوْهَمَa. see II (a)
& (وَهِمَ) (a).
c. [acc. & Min], Omitted, left out from.
d. ( و
or
ت )
see VIII (b)
تَوَهَّمَa. Imagined, suspected, fancied, surmised, supposed
conjectured.

إِوْتَهَمَ
(ت)
a. see Vb. [acc. & Bi], Suspected of; accused of, charged with.

وَهْم
(pl.
أَوْهَاْم)
a. Opinion, conjecture, presumption, surmise, supposition
notion; idea; fancy, imagination; prejudice.
b. Instinct.
c. High road.
d. (pl.
وُهُم
وُهُوْم
أَوْهَاْم
38), Big, bulky.
e. Escape.
f. [ coll. ], Fear, terror.

وَهْمَةa. Suspicion &c.
b. fem. of
وَهْم
(d).
وَهْمِيّa. Imaginative.
b. Imaginary, fanciful, conjectural, suppositional
hypothetical, notional; fictitious; chimerical.

وَهْمِيَّةa. Imagination, fancy.
b. Assumption, hypothesis; delusion, hallucination
chimera; fiction.
c. fem. of
وَهْمِيّ
مَوْهِمَةa. see 1 (a)
وَاْهِمَةa. Imagination (faculty).
N. Ac.
تَوَهَّمَa. Opinion; conjecture, imagination.

إِيْهَام [ N.
Ac.
a. IV], Ambiguity; amphibology.

مُتَّهِم [ N.
Ag.
a. VIII], Suspicious.

مُتَّهَم [ N. P.
a. VIII], Suspected; accused.

تُهَمَة (pl.
تُهَم
& reg. )
a. Suspicion.
b. Accusation, charge.

تَهِيْم
a. see N. P.
VIII
(وه م)

الوَهْمُ: من خطرات الْقلب، وَالْجمع أوْهامٌ.

وتَوَهَّمَ الشَّيْء: تخيله وتمثله، كَانَ فِي الْوُجُود أَو لم يكن، ووَهِمَ إِلَيْهِ يَهِمُ وَهْماً: ذهب وَهْمُه إِلَيْهِ.

ووَهَم فِي الصَّلَاة وَهْماً ووَهِم، كِلَاهُمَا: سَهَا.

ووَهِمَ، بِكَسْر الْهَاء: غلط.

وأوْهَمَ من الْحساب كَذَا: أسقط، وَكَذَلِكَ فِي الْكَلَام وَالْكتاب، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أوْهَم ووَهِمَ ووَهَمَ سَوَاء، وَأنْشد:

فإنْ أخْطأتُ أوْ أوْهَمْتُ شَيْئاً ... فَقَدْ يَهِمُ المُصَافِي بالحبِيبِ

قَوْله شَيْئا مَنْصُوب على الْمصدر، وَقَالَ أَبُو عبيد: أوْهَمْتُ: أسقطت من الْحساب شَيْئا فَلم يعد " أوْهَمت ".

والتُّهَمَة: الظَّن، تاؤه مبدلة من وَاو، كَمَا أبدلوها فِي تخمة. سِيبَوَيْهٍ: الْجمع تُهَمٌ، وَاسْتدلَّ على انه جمع مكسر بقول الْعَرَب: هِيَ التُّهَم، وَلم يَقُولُوا: هُوَ التُّهَمُ، كَمَا قَالُوا: هُوَ الرطب، حَيْثُ لم يجْعَلُوا الرطب تكسيرا، إِنَّمَا هُوَ من بَاب شعيرَة وشعير.

واتَّهَمَ الرجل وأتْهَمَه، وأوْهَمَه: أَدخل عَلَيْهِ التُّهَمَة، أَي مَا يُتَّهَم عَلَيْهِ، واتَّهَمَ هُوَ، فَهُوَ مُتَّهِمٌ وتَهِيمٌ، وَأنْشد أَبُو يَعْقُوب:

هُمَا سَقَيانِي السُّمَّ مِنْ غَيرِ بِغْضَةٍ ... عَلى غَيرِ جُرْمٍ فِي إناءِ تَهِيمِ

والوَهْمُ: الْعَظِيم من الرِّجَال وَالْجمال، وَقيل: هُوَ من الْإِبِل: الذلول المنقاد مَعَ ضخم وَقُوَّة. وَالْجمع: أوْهامٌ، ووُهُومٌ، ووُهُمٌ.
وهم:
وهم: انظر وهم من ووهم في (فوك)
في مادة ( mirari in Perstiigis) بمقارنة وهْم التي هي بمعنى طيف. خيال، ظل spectre، ombre ومادة miratores في (دوكانج) يخيّل إليّ إن معناها رأى أشباحاً أو خيالات.
وهّم ب: أوهم، غرّ Faire accrocire ( بقطر).
أوهم: أقنع. وهناك تعبير أوهمه الشيء (بقطر) واوهم فلاناً (دي ساسي كرست 37:1): وكان خواصَه يوهمونه انه ليس في هذا كبير خطر وهناك أوهم ب أي غرّ (بقطر)؛ أوهمه الخير أو السوء في فلان: حبب إليه فلاناً أو حبب إليه الشيء أو كرّه إليه فلاناً أو كرّه إليه الشيء qn. Contre. qn. en faveur de ( بقطر).
أوهم قبل الحكم: حكم سلفاً، قرر مقدماً (بقطر): Prejuger.
أوهم: فرض الاحترام والخشية (بقطر).
أدخل المخاوف والقلق في روع فلان (فوك- terrere) وهناك صيغة أوهم من ومثالها أوهم الأمير من السلطان، أي انه أكثر للأمير إن لديه ما يخشاه من السلطان وأوهموه القتل أي هددوه بالموت (مملوك 157:2:1).
توهم: نظر بحذر وعدم ثقة (المقري 513:2)؛ متوهم ظنّان (بقطر): defiant.
توهم: كان قلقاً وخائفاً (مملوك 157:2:1).
توهم من وتوهم في: أنظر (فوك) باللاتينية mirari in Prestigiis.
انوهم: انشغل، قلق، اهتم ب se preoccuper ( بقطر) اتهم فلاناً بفلانة: شك بوجود علاقة غير شرعية بين فلان وفلانة (معجم أبي الفداء).
اتهم من وفي: أنظر (فوك - باللاتينية) فيما تقدم.
وهم: في (المقري 15:471:1 و16) إن مقدّري الرسوم قد قدّروا البيت بهذا المبلغ وبذلك تعلق وهمك أي انك لم ترد أن تدفع المزيد. وهم: قلق، خوف (مملوك 157:2:1) وبالعامية في (محيط المحيط): (الاحتساب والخوف). وفي (ابن بطوطة 180:38:4): لأن الإنسان إذا نظر إلى أسفل الجبل أدركه الوهم فيتشهد خوف السقوط وفي الترجمة وردت كلمة الهلوسة.
وهم: خيال، شبح (همبرت 33 - الجزائر).
وهم: من أنواع الصراع (ألف ليلة 4:365:1).
وهمي: خيالي، مستحيل chimerique ( بقطر).
وهمية: القوة الوهمية من الحواس الباطنة وتتمثل في القدرة على الوقوف على ضفة الشيء أو الأشياء (وهم) (دي سلان، المقدمة 199:1).
(و هـ م) : (وَهَمْتُ) الشَّيْءَ أَهِمُهُ وَهْمًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ وَقَعَ فِي خَلَدِي (وَالْوَهْمُ) مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْخَاطِرِ وَمِنْهُ مَتَى اقْتَنَتْ بَنُو رِيَاحٍ الْبَقَرَ إنَّمَا وَهْمُ صَاحِبِكُمْ الْإِبِلُ أَيْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَهْمُهُ وَوَهِمَ فِي الْحِسَابِ غَلِطَ مَنْ بَابِ لَبِسَ (وَأَوْهَمَ فِيهِ) مِثْلُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ (أَوْهَمْتُ) أَوْ أَخْطَأْتُ أَوْ نَسِيتُ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ الشَّاهِدَانِ أَوْهَمْنَا أَنَّمَا السَّارِقُ هَذَا وَيُرْوَى وَهِمْنَا وَأَوْهَمَ مِنْ الْحِسَابِ مِائَةً أَيْ أَسْقَطَ وَأَوْهَمَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى وَأَوْهَمَ فِي صَلَاتِهِ فَقِيلَ لَهُ كَأَنَّكَ أَوْهَمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَقَالَ وَكَيْفَ لَا أُوهِمُ وَرُفْغُ أَحَدِكُمْ بَيْنَ ظُفْرِهِ وَأُنْمُلَتِهِ» أَيْ أَخْطَأَ فَأَسْقَطَ رَكْعَةً وَرَوَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ (وَهِمْتَ) فَقَالَ كَيْفَ لَا أَهِيمُ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ تَعْلَمُ (وَأَمَّا حَدِيثُ) عَطَاءٍ إذَا أَوْهَمَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لَمْ يُعِدْ فَمَعْنَاهُ إذَا شَكَّ (وَالرُّفْغُ) بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ أَصْلُ الْفَخِذِ وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ الْأَرْفَاغُ الْآبَاطُ وَالْمَغَابِنُ مِنْ الْجَسَدِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ وَأُصُولِ الْفَخِذَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْمَغَابِنِ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحَدَكُمْ يَحُكُّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ جَسَدِهِ فَيَعْلَقُ دَرَنُهُ وَوَسَخُهُ بِأَصَابِعِهِ فَيَبْقَى بَيْنَ الظُّفْرِ وَالْأُنْمُلَةِ وَالْغَرَضُ إنْكَارُ طُولِ الْأَظْفَارِ وَتَرْكِ قَصِّهَا.

وهم

1 وَهِمَ فِى الحِسَابِ

, (S, Mgh, Msb, K,) aor. ـْ inf. n. وَهْمٌ, (S, Msb,) He committed an error, or a mistake, in the reckoning, or calculation; (S, Mgh, Msb, K;) as also فِيهِ ↓ أَوْهَمَ: (Mgh, Msb:) and committed an inadvertence therein. (S.) [And in like manner, فِى قَوْلِهِ in his saying.] It is said in a trad. of 'Alee, إِنَّمَا السَّادِقُ هٰذَا ↓ قَالَ الشَّاهِدَانِ أَوْهَمْنَا or وَهِمْنَا accord. to different readings [The two witnesses said, We have committed a mistake, or misconception: the thief is only this]. (Mgh.) b2: وَهَمْتُ الشَّىْءَ, (Mgh, Msb, *) aor. ـِ inf. n. وَهْمٌ, (Mgh,) [I thought of the thing;] the thing occurred in my mind. (Mgh, Msb, *) And وَهَمْتُ فِى الشَّىْءِ, (S, K,) or إِلَى الشَّىْءِ, (Msb,) aor. as above, (S, Msb, K,) and so the inf. n., (S, Msb,) I thought of the thing, (S, Msb, K,) while desiring to think of another thing. (S, Msb.) 2 وَهَّمَ see 4.4 أَوْهَمَهُ He made him to think [or imagine a thing]; as also ↓ وَهَّمَهُ. (S, K.) أَوْهَمَهُ كَذَا He made him to think, or suspect, such a thing. (MA.) b2: See 8. b3: أَوْهَمَ: see وَهِمَ. b4: أَوْهَمَ فِيهِ also signifies He doubted respecting it. (Mgh.) 5 تَوَهَّمَ is properly rendered He presumed, surmised, fancied, or supposed a thing: and تَوَهُّمًا, upon presumption, surmise, or supposition; and suppositively: see وَهْمٌ; and خَالَ and خَالٌ. b2: تَوَهَّمَ He thought; (S, K;) he imagined a thing: (TA:) he doubted: see an ex., in a verse of 'Antarah, cited voce مُتَرَدَّمٌ.8 اِتَّهَمَهُ بِكَذَا (Msb, K) and أَتْهَمَهُ بِهِ (Az, K) and بِهِ ↓ أَوْهَمَهُ (K) He made him an object of imputation, or suspected him, of such a thing; he imputed to him such a thing. (Msb, K, TA.) See art. تهم. b2: أَتْهَمَهُ بِكَذَا, as also اِتَّهَمَهُ بكذا, and بكذا ↓ أَوْهَمَهُ, He suspected him of such a thing; i. e., of a thing that was attributed to him. (Marg. note in K.) [This is the signification commonly obtaining. See an ex. in the TA, voce سِخَاب. b3: Also, the second, He accused him of such a thing.]

وَهْمٌ A thought, or an idea, occurring in the mind: (Mgh, Msb, * K: *) pl. أَوْهَامٌ: (Msb:) or of the two extremes [or different opinions or ideas] between which one wavers, that which is outweighed [in probability]. (K.) An [indecisive] opinion or idea outweighed in probability [or formed from evidence outweighed in probability; a presumption; a surmise; a fancy; a supposition]: opposed to ظَنٌّ, q. v. (Kull, p. 376.) b2: Also Doubt, or suspicion: but for this I have found no authority; though it is well known, and plainly indicated in the Msb, in art. خيل; voce خَيَّلَ, q. v. in this Lex. b3: Also The object of a thought, or of an idea, occurring in the mind. (Mgh.) And The mind itself, or intellect; syn. عَقْلٌ. (MF, TA.) In modern Arabic it signifies An imagination, a fancy, a chimera, and a conjecture.
[وهم] نه: فيه: أنه صلى بهم "فأوهم" في صلاته، أي أسقط منها شيئًا، أوهمت الشيء - بالفتح - بهم وهما- إذا ذهب وهمه، ووهم يوهم وهما - بالحركة - إذا غلط. ومن الأول ح ابن عباس: إنه "وهم" في تزويج ميمونة، أي ذهب وهمه غليه، ومن الثاني: إنه سجد "للوهم" وهو جالس، أي للغلط. وفيه: قيل له: كأنك "وهمت"! قال: وكيف "لا أيهم"! هذا على لغة من يكسر حرف المضارعة فلما كسر انقلبت الواو ياء. ج: إن ابن عمر "أوهم"، الصواب: وهم. ك: لا أدري "وهم" علقمة، أي وهم في الزيادة والنقصان، فإن قلت: لفظ "قصرت" صريح في أنه نقص! قلت: هو تخليط من الراوي وجمع بين الحديثين، أو المراد من القصر التغير، ط: "أهم" في صلاتي فكبر عليّ، هو من وهمت به بالفتح - إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، وضمير فنه للشأن، والجملة بيان له، والمشار إليه بذلك الوهم، وأراد به الوسوسة يعني لا يذهب عنك تلك الخطرات الشيطانية حتى تقول للشيطان: صدقت ما أتممت صلاتي لكن لا أتمها إرغامًا لك ونقضًا لما أردته مني، وهذا أصل عظيم لدفع الوسواس. وفيه: قام حتى نقول: "أوهم"، هو بالنصب على الأكثر، وأوهمته: تركته، وأوهمه - إذا أوقعه في الغلط، وعلى الأول معناه وقف حتى قلنا ترك ذلك الركوع والاعتدال وعاد إلى القيام من طول قيامه، وعلى الثاني يكون أوهم - بضم همزة وكسر هاء، أي أوقع في الغلط. وفيه: حبس رجلًا في "تهمة" - بضم تاء وفتح هاء، أي ذنب أو دين، فلما لم يجد للمدعي بينة خلى عنه - ومر في ته. ك: هم عدونا و"تهمتنا" - بفتح هاء، وقيل: بسكونهان وصوبوا بالفتح. ن: لم أستخلفكم "تهمة" لكم، بفتح هاء وسكونها فعلة من الوهم، والتاء بدل من الواو. وح: "وهم" عمر، أي في روايته النهي عن الصلاة بعد العصر مطلقًا، وإنما نهى عن التحري، وإنما قالته عائشة لما روته من صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر، ويجمع بأن رواية التحري محمول على تأخير الفريضة إلى هذا الوقت، ورواية النهي مطلقًا على غير ذوات الأسباب. وح: "اتهموا" أنفسكم، أراد به تصبير أصحاب عليّ على الصلح بما يرجى بعده من الخير وإن كان مما تكرهه النفوس، كما كان صلح الحديبية على كراهة ثم أعقب خيرًا كثيرًا. ز: يعني وكان رأي القتال يومئذ كاسدًا وكنا نظنه رابحًا بحيث سعينا به في مخالفة حكمه صلى الله عليه وسلم، فقيسوا قتالكم فلعلكم تظنونه صالحًا وهو فاسد - ومر في رأي. ك: غرض الرجل بآية "فإن بغت إحداهما فقاتلوا" الإنكار على التحكيم فإنها تأمر بالقتال وهم لا يقاتلون ويعدلون عن كتابه وكان سهل متهمًا بالتقصير فيه فقال: اتهموا أنفسكم في الإنكار على الصلح، فإنا كنا كارهين له يوم الحديبية بحيث لو استطعت خالفت حكم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أعقب خيرًا كثيرًا، وقال علي: المنكرون للتحكيم هم العادلون عن كتاب الله لأن المجتهد إذا أدى ظنه إلى التحكيم فهو حكم الله. ن: إن رجلًا كان "يتهم" بأم ولده صلى الله عليه وسلم فأمر عليًا بضرب عنقه فرآه مجبوبًا فتركه، قيل: لعله كان منافقًا أو مستحقًا للقتل لسبب آخر وجعل التهمة محركًا لقتله بذلك السبب، وكف عليّ عنه ظنًا منه أنه بالزنا. ك: وكان "لا يتهم"، فائدته الإشعار بأن كونه شاعرًا لا يوجب تهمته ولا ينفي صدقه فإنه كان من المستثنين بـ "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات". وح: إذا دخلت على مسلم "لا يتهم" فكلن أي لا يتهم في دينه ولا في ماله. ش: ويحار دون أدانيها "الوهم"، هو بسكون هاء.

وهم: الوَهْمُ: من خَطَراتِ القلب، والجمع أَوْهامٌ، وللقلب وَهْمٌ.

وتَوَهَّمَ الشيءَ: تخيَّله وتمثَّلَه، كان في الوجود أَو لم يكن. وقال:

تَوهَّمْتُ الشيءَ وتفَرَّسْتُه وتَوسَّمْتُه وتَبَيَّنْتُه بمعنى واحد؛

قال زهير في معنى التوَهُّم:

فَلأْياً عَرَفْتُ الدار بعدَ تَوهُّمِ

(* صدر البيت:

وقَفْتُ بها من بعدِ عشرين حِجَّةً).

والله عز وجل لا تُدْرِكُه أَوْهامُ العِبادِ. ويقال: تَوَهَّمْت فيَّ

كذا وكذا. وأَوْهَمْت الشيء إذا أَغفَلْته. ويقال: وَهِمْتُ في كذا وكذا

أي غلِطْتُ. ثعلب: وأَوْهَمْتُ الشيءَ تركتُه كلَّه أُوهِمُ. وفي حديث

النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه صلَّى فأَوْهَم في صلاتِه، فقيل: كأَنك

أَوْهَمْت في صلاتِك، فقال: كيف لا أُوهِمُ ورُفغُ أَحدِكم بين ظُفُره

وأَنْمُلَتِه؟ أي أَسقَط من صلاته شيئاً. الأَصمعي: أَوْهَمَ إذا أَسقَط،

وَوَهِمَ إذا غَلِط. وفي الحديث: أنه سجَد للوَهَمِ وهو جالس أي للغلط.

وأَورد ابنُ الأَثير بعضَ هذا الحديث أَيضاً فقال: قيل له كأَنك وَهِمْتَ،

قال: وكيف لا أَيهَمُ؟ قال: هذا على لغة بعضهم، الأَصلُ أَوْهَمُ بالفتح

والواوِ، فكُسِرت الهمزةُ لأَنَّ قوماً من العرب يكسِرون مُسْتقبَل فَعِل

فيقولون إعْلَمُ وتِعْلَم، فلما كسر همزة أوْهَمُ انقلبت الواوُ ياءً.

ووَهَمَ إليه يَهِمُ وَهْماً: ذَهب وهْمُه إليه. ووَهَمَ في الصلاة وَهْماً

ووهِِمَ، كلاهما: سَهَا. ووَهِمْتُ في الصلاة: سَهَوْتُ فأَنا أَوْهَمُ.

الفراء: أَوْهَمْتُ شيئاً ووَهَمْتُه، فإذا ذهب وَهْمُك إلى الشيء قلت

وَهَمْت إلى كذا وكذا أَهِمُ وَهْماً. وفي الحديث: أَنه وَهَم في تزويج

ميمونةَ أي ذهَب وَهْمُه. ووَهَمْت إلى الشيءِ إذا ذهب قلبُك إليه وأَنت تريد

غيرَهُ أَهِمُ وَهْماً. الجوهري: وَهَمْتُ في الشيء، بالفتح، أَهِمُ

وَهْماً إذا ذهَبَ وَهْمُك إليه وأَنت تريد غيره، وتوَهَّمْتُ أي ظننت،

وأَوْهَمْتُ غيري إيهاماً، والتَّوْهِيمُ مثلُه؛ وأَنشد ابن بري لحُميد

الأَرْقط يصف صَقْراً:

بَعِيد توْهِيم الوِقاع والنَّظَرْ

وَوَهِمَ، بكسر الهاء: غَلِط وسَها. وأَوْهَم من الحساب كذال: أَسقط،

وكذلك في الكلام والكتاب. وقال ابن الأَعرابي: أَوْهَم ووَهِمَ ووَهَمَ

سواء؛ وأَنشد:

فإن أَخْطَأْتُ أَو أَوْهَمْتُ شيئاً،

فقد يَهِمُ المُصافي الحَبيبِ

قوله شيئاً منصوب على المصدر؛ وقال الزِّبْرِقان بن بَدْر:

فبِتِلك أَقْضي الهَمَّ إذ وَهِمَتْ به

نَفْسي، ولستُ بِنَأْنإٍ عَوّارِ

شمر: أَوْهَمَ ووَهِمَ وَوَهَمَ بمعنى، قال: ولا أَرى الصحيح إلاَّ هذا.

الجوهري: أَوْهَمْتُ الشيءَ إذا تركته كلَّه. يقال: أَوْهَمَ من الحساب

مائةً أي أَسقَط، وأَوْهَمَ من صلاته ركعةً، وقال أبو عبيد: أَوْهَمْتُ

أَسقطتُ من الحساب شيئاً، فلم يُعَدِّ أَوْهَمْتُ. وأَوْهَم الرجلُ في

كتابه وكلامه إذا أَسقَط.

ووَهِمْتُ في الحساب وغيره أَوْهَم وَهَماً إذا غَلِطت فيه وسَهَوْت.

ويقال: لا وَهْمَ من كذا أي لا بُدَّ منه.

والتُّهَمةُ: أصلها الوُهَمةُ من الوَهْم، ويقال اتَّهَمْتُه افتِعال

منه. يقال: اتَّهَمْتُ فلاناً، على بناء افتعَلْت، أي أَدخلتُ عليه

التُّهَمة. الجوهري: اتَّهَمْتُ فلاناً بكذا، والاسم التُّهَمةُ، بالتحريك،

وأَصل التاء فيه واوٌ على ما ذكر في وَكلَ. ابن سيده: التُّهَمةُ الظنُّ،

تاؤه مبدلةٌ من واوٍ كما أبدلوها في تُخَمةٍ؛ سيبويه: الجمع تُهَمٌ، واستدل

على أَنه جمع مكسر بقول العرب: هي التُّهَمُ، ولم يقولوا هو التُّهمُ،

كما قالوا هو الرُّطَبُ، حيث لم يجعلوا الرُّطَبَ تكسيراً، إنما هو من باب

شَعيرة وشَعير. واتَّهَمَ الرجلَ وأَتْهَمه وأَوْهَمَه: أَدخلَ عليه

التُّهمةَ أي ما يُتَّهَم عليه، واتَّهَم هو، فهو مُتَّهمٌ وتَهيمٌ؛ وأَنشد

أَبو يعقوب:

هُما سَقياني السُّمَّ من غيرِ بِغضةٍ،

على غيرِ جُرْمٍ في إناءِ تَهِيمِ

وأَتْهَم الرجُل، على أَفْعَل، إذا صارت به الرِّيبةُ. أبو زيد: يقال

للرجل إذا اتَّهَمْتَه: أَتْهَمْتُ إتْهاماً، مثل أَدْوَأْتُ إدْواءً. وفي

الحديث: أَنه حُبس في تُهْمةٍ؛ التُّهْمةُ: فُعْلةٌ من الوَهْم، والتاء

بدل من الواو وقد تفتح الهاء. واتَّهَمْتُه: ظننتُ فيه ما نُسب إليه.

والوَهْمُ: الطريق الواسع، وقال الليث: الوَهْمُ الطريقُ الواضح الذي

يَرِدُ المَوارِدَ ويَصْدُرُ المَصادِرَ؛ قال لبيد يصف بعيرهَ وبعيرَ

صاحبه:ثم أَصْدَرْناهُما في واردٍ

صادرٍ، وَهْمٍ صُواهُ، كالمُثُلْ

أَراد بالوَهْمِ طريقاً واسعاً؛ قال ذو الرمة يصف ناقته:

كأَنها جَمَلٌ وَهْمٌ، وما بَقِيتْ

إِلاَّ النَّحيرةُ والأَلْواحُ والعَصَبُ

أَراد بالوَهْم جملاً ضَخْماً، والأُنثى وَهْمةٌ؛ قال الكميت:

يَجْتابُ أَرْدِيَةَ السَّرابِ، وتارةً

قُمُصَ الظّلامِ، بوَهْمةٍ شِمْلالِ

والوَهْم: العظيمُ من الرجال والجمالِ، وقيل: هو من الإِبل الذَّلولُ

المُنْقادُ مع ضِخَمٍ وقوّةٍ، والجمع أَوهامٌ ووُهومٌ ووُهُمٌ. وقال الليث:

الوَهْمُ الجملُ الضخم الذَّلُولُ.

وهـم
وهَمَ/ وهَمَ إلى/ وهَمَ في يهِم، هِمْ، وَهْمًا، فهو واهِم، والمفعول مَوْهوم
• وهَم ثَروةً: تخيَّلها وتصوَّرها "وهَم سعادةً".
• وهَم إلى الأمرِ/ وهَم في الأمرِ: ذهب إليه وَهَمُه وهو يُريد غيره "رَجُلٌ موهوم- وهَم أنَّه مريضٌ- لم تكن الأمور التي أحزنته حقائق بل كانت موهومة".
• وهَم في الصَّلاة: غلط فيها وسها. 

وهِمَ في يوهَم، وَهَمًا، فهو واهم، والمفعول موهوم فيه
• أحاق به الشَّيءُ: غلَط فيه وسهَا. 

أوهمَ يُوهم، إيهامًا، فهو مُوهِم، والمفعول مُوهَم
• أوهم فلانًا: أوقعه في الوَهْم؛ أعطاه مظهرًا خَادعًا "أوهَم مُستمعيه- أوهمهم العدوّ بأنه سيهجم عليهم".
• أوهم فلانًا بكذا: أدخل عليه التُّهمة.
• أوهم من صلاته ركعةً: تركها. 

اتَّهمَ يتَّهم، اتِّهامًا، فهو مُتَّهِم، والمفعول مُتَّهَم
• اتَّهم الشَّخصَ: عزا إليه قولاً أو فعلاً ما من غير تيقُّن "اتَّهمه ظلمًا وعدوانًا: بغير وجه حقٍّ".
• اتَّهمه في قوله: شكَّ في صدقه. 

توهَّمَ يتوهَّم، توهُّمًا، فهو مُتوهِّم، والمفعول مُتوهَّم
• توهَّم الأمرَ:
1 - ظنَّه "توهَّم أنَّه عالم".
2 - تخيَّله "توهَّم أنَّه مريض- يتوهَّم الرَّسَّام ما يرسمه في ذهنه ثمّ ينقله إلى
 اللَّوحة".
• توهَّم فيه الخيرَ: توسَّمه، وتبيَّن أثرَه فيه. 

وهَّمَ يوهِّم، توهيمًا، فهو مُوهِّم، والمفعول مُوهَّم
• وهَّم فلانًا: أوهمَه، أوقعه في الوَهْم. 

إيهام [مفرد]:
1 - مصدر أوهمَ.
2 - (بغ) ذكر لفظ يوهِم معنى لا يراد وإنما المرادُ معنى آخر. 

اتِّهام [مفرد]: ج اتهامات (لغير المصدر):
1 - مصدر اتَّهمَ ° أصابع الاتِّهام تشير إليه: مُتَّهم.
2 - (قن) نسبة جريمة أو عمل مخالف للقانون إلى شخص، وإحالته إلى المحاكمة من أجلها "اتِّهامات كاذبة- دائرة / مذكِّرة الاتِّهام" ° قرار الاتِّهام: اتِّهام رسميّ صادر عن النِّيابة العامّة.
• قفص الاتِّهام: مكان جلوس المتَّهم أو المدَّعى عليه في محكمة. 

تُهْمَة [مفرد]: ج تُهُمات وتُهْمات وتُهَم:
1 - اتِّهام، نسبة جريمة أو ذنب إلى شخصٍ ما "تهمة السَّرقة- وُجّهت إليه التُّهمة باختلاس الأموال" ° رمَى التُّهمة على غيره: تنصَّل منها.
2 - ما يُتَّهم به "أُلصِقت إليه تُهمة التَّزوير". 

تُهَمَة [مفرد]: ج تُهَمات وتُهَم: تُهْمة. 

توهُّم [مفرد]:
1 - مصدر توهَّمَ.
2 - اعتقاد خاطئ غير مبنيّ على أساس.
3 - قسم من الإدراك وهو إدراك المعنى الجزئيّ المتعلِّق بالمحسوسات.
• توهُّم المرض: (نف) الانشغال بتفاصيل وظائف الجسم، والإحساس باحتمال الإصابة بالمرض، والسبب في ذلك القلق العصبيّ، الذي يَمنعُ المريضَ عن الاقتناع بمشورة الطبيب. 

مُتَّهَم [مفرد]:
1 - اسم مفعول من اتَّهمَ.
2 - (قن) كُلّ شخص اتّهم بجريمة أو عمل مخالف للقانون. 

وَهْم [مفرد]: ج أوهام (لغير المصدر {ووُهْم} لغير المصدر {ووُهُم} لغير المصدر) ووُهُوم (لغير المصدر):
1 - مصدر وهَمَ/ وهَمَ إلى/ وهَمَ في ° لا وَهْمَ من كذا: لابُدَّ منه.
2 - (سف) صورة ذهنيَّة مركَّبة ليس لها ما يُطابقها في الواقع.
3 - (سف) قوة وهميّة من الحواسّ الباطنة التي من شأنها إدراك المعاني الــجزئيّة المتعلِّقة بالمحسوسات.
4 - (نف) خيال، ما يقع في الذِّهن من المخاطر والظُّنون.
5 - (نف) شكّ، وسواس، اعتقاد خاطئ يؤمن به المرء بقوّة بالرَّغم من عدم وجود أدلَّة عليه، ويدلّ على مرض عقليّ. 

وَهَم [مفرد]: مصدر وهِمَ في. 

وَهْميّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى وَهْم.
2 - خياليّ، لا حقيقة له "أمراض نفسيَّة وَهْميَّة" ° مشروع وَهْميّ.
3 - مُموَّه غير واقعيّ "غارة عسكريَّة/ جويَّة/ وَهْميَّة".
• قوَّة وَهْميَّة: من الحواسّ الباطنيّة التي من شأنها إدراك المعاني الــجزئيّة المتعلِّقة بالمحسوسات. 

وَهْميَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى وَهْم.
• النَّظريَّة الوهميَّة: (سف) مذهب فلسفيّ يبيِّن أن العالم المادّيّ قائم على الحواسّ الإدراكيّة. 
وهـم
( {الوَهْمُ: مِنْ خَطَرات القلْبِ) ، وَالْجمع:} أوهامٌ، كَمَا فِي الْمُحكم، (أَو) هُوَ: (مَرْجوحُ طَرَفي المُتَرَدَّدِ فِيهِ) ، وَقَالَ الْحُكَمَاء: هُوَ قُوَّة جسمانية للْإنْسَان محلُّها آخر التَّجويفِ الْأَوْسَط من الدِّماغ، من شَأْنهَا إدراكُ الْمعَانِي الــجُزئيَّة المتعلِّقَة بالمحسوسات، كشجاعة زيدٍ، وَهَذِه القُوةُ هِيَ الَّتِي تَحْكُم فِي الشَّاة بِأَن الذِّئب مهروبٌ مِنْهُ، وَأَن الْوَلَد معطوفٌ عَلَيْهِ، وَهَذِه القوَّة حاكمةٌ على القوى الجُسمانية كلهَا، مستخدمةٌ إِيَّاهَا اسْتِخْدَامَ العَقْل القُوَي العَقْلِيَّةَ بِأَسْرِهَا. (ج: أَوْهَامٌ) . (و) أَيْضاً: (الطَّرِيقُ الوَاسِعُ) ، كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: الطَّرِيقُ الوَاضِحُ، الَّذِي يَرِدُ المَوَارِدَ، وَيَصْدُرُ المَصَادِرَ، وَأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لِلَبِيدٍ، يَصِفُ بَعِيرَهُ، وَبَعِيرَ صَاحِبهِ:
(ثُمُّ أَصْدَرْ نَاهُمَا فِي وَارِدٍ ... صَادِرٍ {وَهْمٍ، صُوَاهُ قَدْ مَثَلْ)
(و) أَيضْاً: (الرَّجُلُ العَظِيمُ، و) أَيْضاً: (الجَمَلُ) العَظِيمُ، وقِيلَ: هُوَ مِنَ الإِبِلِ: (الذَّلُولُ) المُنْقَادُ (فِي ضِخَمٍ، وَقُوَّةٍ) ، وَأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لِذِي الرُّمَّةِ، يَصِفُ نَاقَتَهُ: كَأَنَّهَا جَمَلٌ وَهْمٌ وَمَا بَقِيَتْ
(إلاًّ النَّحِيزَةُ وَالأَلْوَاحُ وَالعَصَبُ (ج: أَوْهَامٌ،} وَوُهُومٌ، {وَوُهُمٌ) ، بِضَمَّتَيْنِ. (} وَوَهِمَ فِي الحِسَابِ، كَوَجِلَ) ، {يَوْهَمُ،} وَهَماً: (غَلِطَ) وَسَهَا. (و) {وَهَمَ (فِي الشَّىْءِ، كَوَعَد) } يَهِمُ وَهْماً: (ذَهَبَ {وَهْمُهُ إِلَيْهِ) ، وَهُوَ يُرِيدُ غَيْرَهُ، كَمَا فِي الصِّحَاحِ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: ((أَنَّهُ وَهَمُ فِي تَزْوِيجِ مَيْموُنَةَ)) أَيْ: ذَهَبَ وَهْمُهُ إِلَيْهِ. (} وَأَوهَمَ كَذا مِنَ الحِسَابِ) أَيْ: (أَسْقَط) ، وَكَذَاَ: {أَوْهَمَ مِنْ صَلاَتِهِ رَكْعَةً، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:} أَوْهَمْتُ: أَسْقَطْتُ مِنَ الحِسَابِ شَيْئاً، فَلَمْ يَعَدِّ أَوْهَمْتُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ: ((أَنَّهُ صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوْهَمَ فِي صَلاَتِهِ، فَقِيلَ: كَأَنّكَ أَوْهَمْتَ فِي صَلاَتكِ فَقَالَ: كَيْفَ لاَ {أُوهِمُ ورُفْغُ أَحَدِكُمْ بَيْنَ ظُفْرِهِ وَأُنْمُلَتِه؟)) أَيْ: أَسْقَطَ مِنْ صَلاَتِهِ شِيْئاً. وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَوْهَمَ: إِذَا أَسْقَطَ، وَوَهِمَ، إِذاَ غَلِطَ. وَفِي بَعْض رِوَاية هَذَا الحَدِيثِ: ((وَكَيْفَ لاَ} إِيَهُم)) ؟ قَالَ ابْنُ الأَثَيرِ: هَذَا عَلَى لُغَةِ بَعْضِهم، وَالأَصْلُ:! أَوْهَمُ، بِالفَتْحِ وَالوَاوِ، فكُسرت الْهمزَة؛ لِأَن قوما من العرَبِ يَكْسِرون مُسْتَقْبَلَ - فعل - فَيَقُولُونَ: اعْلَمُ، ونِعْلَمُ، فَلَمَّا كُسرت همْزَةُ {أُوْهِمُ، انقلبت الْوَاو يَاء. (أَو وَهَمَ، كَوَعَدَ، وَوَرَثَ،} وَأَوْهَمَ بِمَعْنى) وَاحِد، وَهُوَ قَول ابْن الْأَعرَابِي، وَقَالَ شَمرٌ: وَلَا أرى الصَّحِيح إِلَّا هَذَا وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
(فإنْ أخْطَأْتُ أَو {أَوْهَمْتُ شَيئًا ... فَقَدْ يَهِمُ المُصافِي بالحَبيبِ)
وَقَالَ الزِّبرقان بن بدر:
(فَبِتِلْكَ أَقْضي الهَمَّ إِذْ} وَهِمَتْ بِهِ ... نَفسِي وَلَسْتُ بِنَأْنَإ عَوَّارِ)
( {وتَوَهَّمَ: ظَنَّ) ، كَمَا فِي الصِّحاحِ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء: هُوَ سَبْقُ الذِّهن إِلَى الشَّيْء، (} وأوْهَمَهُ) إيْهامًا، ( {وَوَهَّمَهُ غيرُهُ) } تَوْهيمًا، أنْشد ابْن بري لحُميد الأرقَط:
(بعيد {تَوهِيم الوِقاعِ والنَّظَرْ ... )
(} وأتْهَمَهُ بِكَذَا {إتْهَامًا) على أفْعَلَهُ، نَقله الْجَوْهَرِي عَن أبي زيد. (} واتَّهَمَهُ، كافْتَعَلَهُ، و) كَذَا ( {أوْهَمَهُ: أَدخل عَلَيْهِ} التُّهَمَةَ، كَهُمَزَةٍ، أَي: مَا {يُتَّهم عَلَيْهِ) أَي: ظَنَّ فِيهِ مَا نُسِب إِلَيْهِ. قَالَ الْجَوْهَرِي: التُّهْمَةُ، بِالتَّحْرِيكِ، أصل التَّاء فِيهِ واوٌ، على مَا ذَكرْنَاهُ فِي: وُكَلَةٍ. وَقَالَ ابْن سيدهْ: التُّهمة: الظَّنُّ، تاؤهُ مُبْدَلَةٌ من واوٍ، كَمَا أبْدَلوها فِي تُخَمَةٍ. قَالَ شَيخنَا: وَقد مرَّ أَنهم} توهَّموا أَصَالَة التَّاء، وَلذَلِك بَنَوْا مِنْهُ الْفِعْل، وَغَيره، ( {فاتَّهَمَ هُوَ، فهُو:} مُتَّهِمٌ، {وتَهِيمٌ) ، وَأنْشد ابْن السّكيت:
(هُما سَقَياني السُّمَّ مِنْ غَيْرِ بِغْضَةٍ عَلى غَيْرِ جُرْمٍ فِي إناءِ} تَهِيمِ ... )
[] وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:! تَوَهَّمَ الشَّيْء: تخيَّلَهُ وتَمَثَّلَهُ، كَانَ فِي الْوُجُود أَو لم يكن. {وَتَوَهَّمَ فيهِ الخَيْرَ: مِثْلُ تَفَرَّسُهُ وَتَوَسَّمَهُ، قَالَ زُهَيْرٌ: فلأْياً عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ} تَوَهُّمِ {وَأَوْهَمَ الشَّيْءَ: تَرَكَهُ كُلَّهُ، عَنْ ثَعَلِبٍ.} والتُّهْمَةُ، بِضَمٍّ فَسُكُونٍ: لَغَةٌ فِي {التُّهَمَةِ، كَهُمَزَةٍ، وَهَكذا رُوِىَ فِي الحَدِيثِ: ((أَنَّهُ حٌبِسَ فِي} تُهَمَةٍ)) وَهِيَ لَغَةٌ صَحِيحَةٌ، نَقَلَهَا صَاحِبُ المِصْبَاحِ، عَنِ الفَارَابِيٍّ، وتَبِعَهُ ابْنُ خَطِيبِ الدَّهْشَةِ، فِي التَّقْرِيبِ، وَحَكَاهُ الصَّفَدِيُّ، فِي شَرْحِ الَّلامِيَّةَ، وَفِي شَرْحِ المِفْتَاحِ، لابْنِ كَمَالٍ: هِيَ بِالسُّكُونِ فِي المَصْدَرِ، وبِالتَّحْرِيكِ: اسْمٌ، ونَظَرَ فِيهِ الشِّهَابُ، ونَقَل الوَجْهَيْنِ فِي التَّوشِيحِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قُلْتُ: ويَدُلُّ على صِحَّةِ هِذهِ اللُّغَةِ قَوْلُ سَيبَوَيْهِ فِي جَمْعِهَا عَلَى {التُّهَمِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّه جَمْعُ مُكَسَّرٌ، بِقَوْلِ العَرَب: هِيَ التُّهَمُ، وَلَمْ يَقُولُوا: هُوَ التُّهُمُ، كَمّا قَالُوا: هُوَ الرُّطَبُ، حَيْثُ لَمْ يَجْعَلُوا الرُّطَبَ تَكْسِيراً، وَإِنَّمَا هَوَ مِنْ بَابِ شَعِيرَةٍ وشَعِيرٍ. ويُطْلَقُ الوَهْمُ عَلَى العَقْل أَيْضاً، نَقَلَهُ شَيْخُنَا.} والوَهْمَةُ: النَّاقَةُ الضَّخْمَةُ، وأَنْشَد الجَوْهَرِيّ لِلْكُمَيْتِ:
(يَجْتَابُ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ وَتَارَةً ... قُمُص الظَّلاَمِ {بِوَهْمَةٍ] شِمْلاَلِ)
وَلاَ} وَهْمَ لِي مِنْ كَذا، أَيْ: لاَ بُدَّ، نَقَلَهُ ابْنُ القَطَّاعِ.

الْفِقْه

(الْفِقْه) الْفَهم والفطنة وَالْعلم وَغلب فِي علم الشَّرِيعَة وَفِي علم أصُول الدّين
الْفِقْه: ملكة: استنباط مَا لم يُصَرح الشَّارِع مِمَّا صرح بِهِ، وَقيل: تتبع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.الطَّهُورُ: الطَّاهِر فِي نَفسه المطهر لغيره.المستعمَل: مَا أُدي بِهِ عبَادَة، أَو انْتقل إِلَيْهِ منع الجرية مَا يُقَابل طرفِي النَّجَاسَة إِلَى حافة النَّهر.
الْفِقْه: بِالْكَسْرِ الْعلم بالشَّيْء وَغلب على علم الدّين لشرفه وَهُوَ معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي طريقها الِاجْتِهَاد - وَقد يُطلق على الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة العملية الْحَاصِلَة من الْأَدِلَّة السمعية التفصيلية فَالْمَعْنى الأول يتَحَقَّق فِي فقاهة الْمُقَلّد دون الثَّانِي - لِأَن الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة إِلَى آخِره من حَيْثُ إِنَّه حَاصِل بالاستدلال هُوَ الْعلم بِمَعْنى الْيَقِين بِالْأَحْكَامِ عَن الإمارات - وَهَذَا الْعلم لَيْسَ بحاصل للمقلد الَّذِي لَهُ معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَإِن كَانَت فِي أَنْفسهَا مستنبطة من أدلتها. فَإِن قلت إِن هَا هُنَا إجماعين أَحدهمَا على أَن الْمُقَلّد لَيْسَ بفقيه وَثَانِيهمَا على أَن الْفِقْه من الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة فالإجماع الأول يَنْفِي كَون الْمُقَلّد فَقِيها وَالثَّانِي يُثبتهُ قُلْنَا المُرَاد بالفقه فِي الْإِجْمَاع الأول هُوَ الْيَقِين بِالْأَحْكَامِ عَن الإمارات وَفِي الثَّانِي هُوَ جَمِيع الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة العملية فللفقه مَعْنيانِ وَعدم حُصُول أَحدهمَا فِي الْمُقَلّد لَا يُنَافِي حُصُول الآخر فِيهِ. وَيعلم من شرح العقائد النسفية للمحقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله أَن الْفِقْه مَا يُفِيد الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة العملية عَن أدلتها التفصيلية. وَقَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة إِن قلت الْفِقْه نفس معرفَة مَا يُفِيد الخ حَاصله أَن الْمَشْهُور أَن الْفِقْه علم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة العملية عَن أدلتها التفصيلية. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى الْفِقْه معرفَة النَّفس مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا وَعرف الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى الْفِقْه بِأَنَّهُ مَا يُفِيد معرفَة الْأَحْكَام إِلَى آخِره فَيلْزم خلاف الْمَشْهُور وَكَون الْمُفِيد والمفاد وَاحِدًا لِأَن الْفِقْه لَيْسَ إِلَّا معرفَة الْأَحْكَام فَيصير الْمَعْنى الْفِقْه معرفَة الْأَحْكَام المفيدة لمعْرِفَة الْأَحْكَام إِلَى آخِره.
وَأجَاب عَنهُ بِثَلَاثَة أجوبة - وَحَاصِل الْجَواب الأول أَن للفقه مَعْنيانِ أَحدهمَا نفس الْمسَائِل وَالثَّانِي التَّصْدِيق بالمسائل فالمعرف بالتعريف الْمَشْهُور هُوَ الْفِقْه بِمَعْنى التَّصْدِيق بالمسائل والمعرف هَا هُنَا أَي فِي عبارَة الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ نفس الْمسَائِل - وَقَوله فَإِن من طالعها إِلَى آخِره جَوَاب سُؤال مُقَدّر كَأَنَّهُ قيل لَيست نفس الْمسَائِل مفيدة لمعْرِفَة الْأَحْكَام إِلَى آخِره فَكيف يُقَال فِي تَعْرِيفه أَنه مَا يُفِيد معرفَة الْأَحْكَام إِلَى آخِره. وَحَاصِل الْجَواب أَن معنى إفادتها للمعرفة الْمَذْكُورَة أَن من طالع تِلْكَ الْمسَائِل ووقف على دلائلها حصل لَهُ معرفَة أَحْكَام تِلْكَ الْمسَائِل عَن دلائلها وَهَذَا الْقدر كَاف لصِحَّة الإفادة وَقَوله وَلَك أَن تَقول إِلَى آخِره جَوَاب ثَان حَاصله أَن هَذَا هُوَ التَّعْرِيف الْمَشْهُور لِأَن المُرَاد بِكَلِمَة مَا علم الْأَحْكَام الْكُلية وَالْمرَاد من الْأَحْكَام فِي قَوْله معرفَة الْأَحْكَام الْأَحْكَام الْــجُزْئِيَّة بِقَرِينَة لفظ الْمعرفَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تسْتَعْمل فِي الجزئيات فَالْمَعْنى أَن الْفِقْه علم الْأَحْكَام الْكُلية المفيدة لمعْرِفَة الْأَحْكَام الْــجُزْئِيَّة الْمَخْصُوصَة وَقَوله وَقد يُقَال إِن التغاير إِلَى آخِره جَوَاب ثَالِث.
وَحَاصِله أَن المُرَاد بِكَلِمَة مَا هُوَ التَّصْدِيق والمعرفة فَالْمَعْنى أَن الْفِقْه التَّصْدِيق الْمُفِيد للتصديق فَيلْزم اتِّحَاد الْمُفِيد والمفاد إِلَّا أَن الْمُفِيد هُوَ التَّصْدِيق من غير اعْتِبَار حُصُوله فِي النَّفس. والمفاد أَيْضا هُوَ التَّصْدِيق لَكِن بِاعْتِبَار حُصُوله فِيهَا. وَهَذَا مَا حررناه فِي التعليقات على تِلْكَ الْحَوَاشِي. وأصول الْفِقْه معرفَة أَحْوَال الْأَدِلَّة السمعية إِجْمَالا فِي إفادتها الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة العملية والأدلة السمعية الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس.

المضاف

المضاف: كل اسم أضيف فإن الأول يجر الثاني، ويسمى الجار مضافا، والمجرور مضافا إليه.
المضاف:
[في الانكليزية] Governing word ،governed noun of a genitive
[ في الفرنسية] Nom dominant ،complement de nom
قد عرفت معناه في ضمن ذكر لفظ الإضافة. وهو أنّ المضاف كلّ اسم أضيف إلى اسم آخر فإنّ الأول يجرّ الثاني ويسمّى الجار مضافا والمجرور مضافا إليه والمضاف إليه كلّ اسم نسب إليه شيء بواسطة حرف الجرّ لفظا، نحو مررت بزيد أو تقديرا نحو غلام زيد وخاتم فضة مرادا. واحترز بقوله مرادا عن الظرف نحو صمت يوم الجمعة فإنّ يوم الجمعة نسب إليه شيء وهو صمت بواسطة حرف الجر وهو في، وليس ذلك الحرف مرادا وإلّا لكان يوم الجمعة مجرورا إلّا أن يقال إنّه منصوب بنزع الخافض، نحو أتيتك خفوق النّجم، أي وقت خفوق النجم كذا في الجرجاني. وأمّا المشبّه بالمضاف ويقال له المضارع للمضاف أيضا فهو عند النحاة عبارة عن اسم تعلّق به شيء هو من تمام معناه أي يكون ذلك الشيء من تمام ذلك الاسم معنى لا لفظا، فخرج الاسم الذي يتمّ بشيء لفظا كالمضاف والتثنية والجمع والاسم المنون.
ومعنى التمامية معنى أنّ ذلك الاسم لا يفيد ما قصد منه تامّا بدون ضمّه إمّا أن لا يفيد بدونه شيئا كما في ثلاثة وثلاثين أو يفيد معنى ناقصا كما في يا طالعا جبلا ويا حليما لا تعجل لكون النسبة إلى المعمول والصفة معتبرة معه، وتلك لا تحصل إلّا بذكرهما. ألا ترى أنّ المقصود بالنداء في يا طالعا جبلا ليس مطلق الطالع بل طالع الجبل، وفي يا حليما لا تعجل ليس مطلق الحليم بل الحليم الموصوف بعدم العجلة. قال في العباب الذي يدلّ على أنّ الصفة من تمام الموصوف أنّك إذا قلت جاءني رجل ظريف وجدت دلالة لا تجدها إذا قلت جاءني رجل، لأنّ الأول يفيد الخصوص دون الثاني فمشابه المضاف ثلاثة أقسام لأنّ ذلك الشيء الذي تعلّق بمشابه المضاف معنى إمّا معمول له نحو يا خيرا من زيد ويا طالعا جبلا ويا مضروبا غلامه ويا حسنا وجه أخيه، فاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة واسم التفضيل ونحوها من الصفات مع معمولاتها من قبيل المشابه للمضاف. وإمّا معطوف عليه عطف النّسق على أن يكون المعطوف والمعطوف عليه اسما لشيء واحد، سواء كان علما نحو يا زيد أو عمرو إذا سمّيت شخصا بذلك المجموع، أو لم يكن نحو يا ثلاثة وثلاثين لأنّ المجموع اسم لعدد معيّن وانتصب الجزء الأول للنّداء والثاني بناء على الحال السابق أعني متابعة المعطوف للمعطوف عليه في الإعراب وإن لم يكن فيه معنى العطف، وهذا كخمسة عشر إلّا أنّه لم يركّب لفظه تركيبا امتزاجيا بل أبقي على حالة العطف، فلا فرق في مثل هذا بين أن يكون علما أو لا، فإنّه مضارع للمضاف لارتباط بعضه ببعض من حيث المعنى كما في يا خيرا من زيد، وهذا ظاهر مذهب سيبويه. وقال الأندلسي وابن يعيش هو إنّما يضارع المضاف إذا كان علما، وأمّا إذا لم يكن علما فلا فلا يقال عندهما في غير العلم يا ثلاثة وثلاثين، بل يا ثلاثة والثلاثون كيا زيد والحارث، هذا إذا قصدت جماعة معيّنة، ويقال يا ثلاثة وثلاثين إذا قصدت جماعة غير معيّنة، والأوّل أولى أي قول سيبويه لطول المنادى قبل النّداء وارتباط بعضه ببعض من حيث المعنى. وإنّما قيد المعطوفان بكونهما اسما لشيء واحد إذ لو لم يكن كذلك لم يكن شبها للمضاف لجواز جعله مفردا معرفة لاستقلاله نحو يا رجل وامرأة. وأمّا نعت هو جملة أو ظرف نحو يا حافظا لا ينسي وألا يا نخلة من ذات عرق، وإمّا المنعوت بالمفرد نحو يا رجلا صالحا فليس مما ضارع المضاف على الصحيح، وهذا القسم الثالث لا يعتبر في باب النداء لا مطلقا، وذلك لأنّ الصفة بمنزلة الجزء من الموصوف في كون مجموعهما اسما لشيء واحد وهو الذات الموصوفة كما في ثلاثة وثلاثين في العدد بخلاف سائر التوابع من البدل وعطف البيان والتأكيد، فلا يجوز أن يكون المنادى المتبوع لها مضارعا للمضاف، فالمنعوت باعتبار خروج النّعت عنه غير داخل في تعريف شبه المضاف، وباعتبار كونه كالجزء منه داخل في تعريفه. فإذا كان النعت جملة أو ظرفا فهو مما ضارع المضاف في باب المنادى لا ما إذا كان مفردا لأنّ نحو يا حافظا لا ينسي من باب نداء الموصوف بتقدير أنّه كان موصوفا بالجملة قبل النداء فكان مضارعا للمضاف كالمعطوف عليه قبل النّداء لامتناع تعريف صفته إذ الجملة لا تتعرّف بحال. فعند قصد التعريف في المنادى الموصوف بالجملة لا بدّ من هذا التقدير لئلّا يلزم توصيف المعرفة بالنكرة بخلاف الموصوف بالمفرد فإن قصد التعريف فيه لا يحوج إلى جعله من باب نداء الموصوف حتى يكون مما ضارع المضاف لإمكان تعريف صفته بإدخال اللام بأن يقال يا رجل الصالح.
فاشتراط الجملة في كون المنادى المنعوت شبيها للمضاف إنّما هو ليرتفع احتمال كونه كما هو أصله فيتأكّد جانب الــجزئية وتتحقّق المشابهة بلا ريب، فإنّ المعتبر الشّبه بالمضاف لا شبه الشّبه بخلاف المنعوت بالمفرد. فإن قيل فليجعل الجملة صلة الذي بتقدير يا حافظا الذي لا ينسى حتى لا يضطر إلى جعله من باب نداء الموصوف قبل النداء موضع الاختصار. ألا ترى إلى الترخيم وحذف حرف النداء وفي ذكر الموصول إطالة. ومن هاهنا ظهر الفرق بين جعل الموصوف بالجملة والظرف شبيها للمضاف في باب المنادى دون باب لا لنفي الجنس، فلا يقال لا حليما لا يعجل بل لا حليم لا يعجل لتحقّق الشّبه بتأكّد جانب الــجزئية في الأول دون الثاني. واندفع ما قيل إنّ معنى تماميته في تعريف شبه المضاف أنّ ذلك الشيء من تمامه في اعتباراتهم لداع معنوي كما في القسمين الأولين أو لاضطراري كما في القسم الثالث لأنّ كونه من تمامه في اعتباراتهم لا يخلو من أن يكون من حيث المعنى أو من حيث اللفظ، والثاني باطل، فتعيّن الأول. هذا كلّه خلاصة ما حقّقه المولوي عبد الغفور وعبد الحكيم والهداد في حواشي الكافية.

الوهم

الوهم: قوة جسمانية للإنسان محلها آخر التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها إدراك المعاني الــجزئية المتعلقة بالمحسوسات، كشجاعة زيد. وهذه القوة هي التي تحكم في الشاة بأن الذئب مهروب منه، وأن الولد معطوف عليه. وهذه القوة حاكمة على القوى الجسمانية كلها مستخدمة إياها استخدام العقل القوى العقلية بأسرها.
الوهم:
[في الانكليزية] Illusion ،chimera ،imagination
[ في الفرنسية] 2 L Illusion ،chimere ،imagination
بالفتح وسكون الهاء قد يطلق على الاعتقاد المرجوح، والمراد بالاعتقاد التصديق والحكم. هذا لكن المختار أنّ الوهم من قبيل التصوّر وقد سبق في لفظ الحكم. وقد يطلق على القوة الوهمية من الحواس الباطنة وهي قوة مرتّبة في الدماغ كلّه لكن الأخصّ بها هو آخر التجويف الأوسط من الدماغ المسمّى بالدودة تدرك المعاني الــجزئية الموجودة في المحسوسات، كالقوة الحاكمة في الشاة بأنّ الذئب مهروب عنه، والولد معطوف عليه.
واستدلّ الحكماء على وجوده بأنّه لا بدّ من قوة مدركة للمعاني الــجزئية وتلك القوة غير الحواس الظاهرة إذ المعاني هي ما لا تدرك بإحدى الحواس الظاهرة، وكذا غير الحسّ المشترك والخيال لأنّه لا يرتسم فيهما إلّا ما يتأدّى إليهما من الحواس الظاهرة، وتلك المعاني لم تتأدّ منها إليهما، وغير الحافظة إذ القبول غير الحفظ وغير المتصرّفة لأنّ فعلها التركيب والتفصيل، وغير النفس لأنّها لا تدرك الجزئيات بالذات ولأنّ هذا الإدراك موجود في الحيوانات. وهاهنا أبحاث فمن أرادها فليرجع إلى شرح المواقف وشرح التجريد وغيرهما. وقال الصوفية الوهم محتد عزرائيل عليه السلام من محمد صلى الله عليه وآله وسلم، خلق الله وهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم من نور اسمه الكامل، وخلق عزرائيل عليه السلام من نور وهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلما خلق الله وهم هذا الإنسان من نور الكمال أظهره في الوجود بلباس القهر، فأقوى شيء يوجد في الإنسان القوة الواهمة فإنّها تغلب العقل والفكر والمصورة والمدركة، وأقوى الملائكة عزرائيل عليه السلام لأنّه خلق منه. فلهذا حين أمر الله الملائكة أن تقبض من الأرض قبضة ليخلق منها آدم عليه السلام لم يقدر أحد أن يقبض منها إلّا عزرائيل لأنّها كلما نزل بها ملك من الملائكة أقسمت عليه بالله أن يتركها فتركها، فلما نزل بها عزرائيل أقسمت عليه فاستدرجها في قسمها فقبض منها ما أمره الله أن يقبض، وتلك القبضة هي روح الأرض فخلق الله من روحها جسد آدم، فلذا تولّى عزرائيل قبض الأرواح لما أودع الله فيه من القوة الكمالية المتجلّية في مجلى القهر والغلبة. ثم إنّ هذا الملك عنده من المعرفة بأحوال جميع من يقبض روحه ما لا يمكن شرحه فيتخلّق لكلّ جنس بصورة، وقد يأتي إلى بعض الأشخاص في غير صورة بل بسيطا فينفس مقابلة للروح تتعشق به فتطلب الخروج من الجسد وقد مسكها الجسد وتعلّقت به للتعشّق الأول الذي بين الروح والجسد، فيحصل النزاع بين المنازعة الخاصة العزرائيلية له وبين تعشّقه بالجسد إلى أن يغلب عليه الجذب العزرائيلي فتخرج، وهذا الخروج أمر عجيب.
اعلم أنّ الله تعالى جعل الوهم مرآة نفسه ومجلى قدسه، ليس في العالم شيء أسرع إدراكا منه، له التصرّف في جميع الموجودات، به تعبد الله العالم وبنوره نظر إلى آدم وبه مشى من مشى على الماء، وبه طار من طار في الهواء، وهو نور اليقين وأصل الاستيلاء والتمكين، من سخّر له هذا النور وحكم عليه تصرّف به في الوجود العلوي والسفلي ومن حكم عليه سلطان الوهم لعب في أموره فتاه في ظلام الحيرة بنوره. ثم اعلم أنّ الله لما خلق الوهم قال له أقسمت أن لا أتجلّى لأهل التقليد إلّا فيك، ولا أظهر للعالم إلّا في مخافيك، فعلى قدر ما تصعدهم إلي تدلّهم عليّ، وعلى قدر ما تنكس عني بأنوارهم تهلكهم في بوارهم. فقال له الوهم: أي وربّي أقم المرقاة بالاسم والصفات ليكون علما إلى منصة الذات.
فأقام الله فيه الأنموذج المنير، فانتقش في جداره بالهيئة والتقدير، وتحكّم فيه عبودية الحقّ تعالى، فأقسم على نفسه باسم ربّه. والآن لا يزال تفتح هذه الأفعال بتلك المفاتيح الثقال إلى أن يلج جمله في سمّ خياط الجمال إلى فضاء صحراء الكمال، فيعبد فيه الحقّ المتعال، فحينئذ ألبسه الله خلعة التقريب وقال له:
أحسنت أيّها الملك الأديب، ثم كساه حلّتين الأولى من النور الأخضر مكتوب على طرازها بالكبريت الأحمر الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ. وأمّا الحلّة الثانية فهي القاصية الدانية قد نسجت من سواد الطغيان مكتوب على طرازها بقلم الخذلان: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. فلما نزل هذا النور وأخذ بين العالم في الظهور خلق الله من نزوله الجنة وأكلها آدم فخرج بها من الحبة فتأمّل كذا في الإنسان الكامل.

الهوية

(الهوية) الْبِئْر الْبَعِيدَة القعر
الهوية: الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق.
(الهوية) (فِي الفلسفة) حَقِيقَة الشَّيْء أَو الشَّخْص الَّتِي تميزه عَن غَيره وبطاقة يثبت فِيهَا اسْم الشَّخْص وجنسيته ومولده وَعَمله وَتسَمى البطاقة الشخصية أَيْضا (محدثة)
الهوية: هِيَ الْحَقِيقَة الْــجُزْئِيَّة حَيْثُ قَالُوا الْحَقِيقَة الْــجُزْئِيَّة تسمى هوية يَعْنِي أَن الْمَاهِيّة إِذا عتبرت مَعَ التشخص سميت هوية. وَقد تسْتَعْمل الهوية بِمَعْنى الْوُجُود الْخَارِجِي وَقد يُرَاد بهَا التشخص. وَقَالُوا الهوية مَأْخُوذَة من الهو هُوَ وَهِي فِي مُقَابلَة الغيرية. الْهوى: ميلان النَّفس إِلَى مَا تستلذه من غير دَاعِيَة الشَّرْع جمعه إِلَّا هَوَاء يُقَال بِخِلَاف أهل الْأَهْوَاء.
الهوية:
[في الانكليزية] Identity
[ في الفرنسية] Identite
بضم الهاء وياء النسبة هي عبارة عن التشخّص وهو المشهور بين الحكماء والمتكلّمين. وقد تطلق على الوجود الخارجي وقد تطلق على الماهية مع التشخّص وهي الحقيقة الــجزئية، هكذا في شرح التجريد والخيالي. ويقول في كشف اللغات: إن الهويّة مرتبة الذات البحتة. وأما مرتبة الأحدية واللاهوت فإشارة لها. وهو بضم الهاء وسكون الواو إشارة للذات المطلقة. قال في الإنسان الكامل هوية الحقّ تعالى عينه الذي لا يمكن ظهوره لكن باعتبار جملة الأسماء والصفات فكأنّها إشارة إلى باطن الواحدية. وقولي فكأنّها إنّما هو لعدم اختصاصها باسم أو نعت أو مرتبة أو وصف أو مطلق ذات بلا اعتبار أسماء وصفات، بل الهوية إشارة إلى جميع ذلك على سبيل الجملة والانفراد وشأنها الإشعار بالبطون، والغيبوبة وهي مأخوذة من لفظة هو الذي هو للإشارة إلى الغائب وهو في حقّ الله تعالى إشارة إلى كنه ذاته باعتبار أسمائه وصفاته مع الفهم بغيبوبة ذلك. قال الشاعر:
إنّ الهوية عين ذات الواحد ومن المحال ظهورها في شاهد فكأنّها نعت وقد وقعت على شأن البطون وما له من جاحد اعلم أنّ هذا الاسم أخصّ من اسمه الله وهو سرّ لاسم الله. ألا ترى اسم الله ما دام هذا الاسم موجودا فيه كان له معنى يرجع به إلى الحقّ، وإذا فكّ منه بقيت أحرفه مفيدة لمعنى. مثلا إذا حذفت الألف من اسم الله يبقى لاه ففيه الفائدة. وإذا حذفت اللام الأول يبقى له وفيه فائدة. وإذا حذفت اللام الثانية يبقى هو والأصل في هو أنّه هاء واحدة بلا واو، وما ألحقت به الواو إلّا من قبيل الإشباع والاستمرار العادي جعلهما شيئا واحدا. فاسم هو أفضل الأسماء وأعظمها. واعلم أنّ هو عبارة عن حاضر في الذهن ترجع إليه بالإشارة من شاهد الحسّ إلى غائب الخيال وذلك الغائب لو كان غائبا عن الخيال لما صحّ الإشارة إليه بلفظة هو فلا تصحّ الإشارة بلفظة هو إلّا إلى الحاضر.
ألا ترى أنّ الضمير لا يرجع إلّا إلى مذكور لفظا أو قرينة أو حالا كالشأن والقصة، وفائدة هذا أنّ هو يقع على الوجود المحض الذي لا يصحّ فيه عدم ولا يشابه العدم من الغيبوبة والفناء لأنّ الغائب معدوم من الجهة التي لم يكن مشهودا فيها فلا يصحّ هذا في المشار إليه بلفظة هو، فعلم من هذا الكلام أنّ الهوية هو الوجود المحض الصريح المستوعب لكلّ كمال وجودي شهودي، لكن الحكم على ما وقعت عليه الغيبة هو من أجل أنّ ذلك غير ممكن بالاستيفاء، فلا يمكن استيفاؤه فلا يدرك. فقيل إنّ الهوية غيب لعدم الإدراك لها فافهم لأنّ الحقّ ليس له غيبة غير وجه شهادته ولا شهادته غير وجه غيبته بخلاف الإنسان، وكل مخلوق كذلك فإنّ له شهادة وغيبا، لكن شهادته من وجه وباعتبار وغيبته من وجه وباعتبار. وأمّا الحقّ فغيبته عين شهادته وشهادته عين غيبته فلا غيب عنده من نفسه ولا شهادة، بل له في نفسه غيب يليق به وشهادة تليق به كما يعلم ذلك لنفسه، ولا يصحّ تعقّل ذلك له فلا يعلم غيبه وشهادته على ما هي عليه إلّا هو سبحانه تعالى.

الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ

الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ: حُرُوف اعْتبر شبهها بِالْفِعْلِ للأعمال لفظا وَمعنى. أما لفظا فلانقسامها بِاعْتِبَار تَمام حروفها إِلَى الثلاثي - والرباعي - والخماسي - والسداسي - كانقسام الْفِعْل إِلَيْهَا بِاعْتِبَار تَمام حروفها أَصْلِيَّة أَو زَائِدَة وَكَون الِاسْم منقسما إِلَى تِلْكَ الْأَقْسَام لَا يضر فِي تِلْكَ المشابهة إِذْ غَايَة مَا فِي الْبَاب إِنَّهَا مشابهة للاسم أَيْضا لكنه لم تعْتَبر تِلْكَ المشابهة لعدم ثَمَرَتهَا ولبنائها على الْفَتْح كالفعل لاستثقالها بِسَبَب تَشْدِيد الْأَوَاخِر وَالتَّاء وَهِي جِهَة مشابهتها بالماضي. وَأما شبهها بِالْفِعْلِ فِي الْوَزْن (فَإِن) كفر و (أَن) كذب (وَكَأن) كقطعن و (لَكِن) كضاربن و (لَيْت) كليس و (لَعَلَّ) فِي بعض لغاتها وَهِي لعن كقطعن وَأما معنى فَلِأَن مَعَاني الْأَفْعَال لاشتمالها على النِّسْبَة إِلَى فَاعل معِين كَمَا أَنَّهَا جزئية كَذَلِك مَعَاني تِلْكَ الْحُرُوف لاشتمالها على النِّسْبَة إِلَى مُتَعَلق خَاص مَعَاني جزئية.
حُرُوف الشَّرْط هِيَ الْحُرُوف الدَّالَّة على تَعْلِيق حُصُول مَضْمُون جملَة بِحُصُول مَضْمُون جملَة أُخْرَى.

الشّكل

الشّكل:
[في الانكليزية] Form ،figure ،aspect
[ في الفرنسية] Fonne ،figure ،aspect

بالفتح وسكون الكاف بالفارسية: مانند، أي مثل. وورد أيضا بكسر الشين وهو كلّ ما يعدّ لائقا وجديرا وموافقا لشخص ما. وصورة شيء. ويجمع على أشكال وشكول ما تقيّد به قوائم الدواب كالحبال، وحركات الإعراب التي يزول بها الإشكال. كذا في المنتخب. وعند الصّوفية هو وجود الحقّ كما في بعض الرسائل.
وعند أهل العروض هو اجتماع الخبن والكفّ كحذف الألف والنون من فاعلاتن فيبقى فعلات بالضمّ، والركن الذي فيه الشّكل يسمّى مشكورا. ووجه التسمية هو أنّه لمّا كانت الألف والنون قد حذفت من كلا طرفي فاعلاتن. فلم يبق فيها مدّ الصوت السابق كما أنّ الفرس بعد تقييد قدميه لا يبقى له ذلك السّير الذي كان له.
هكذا في عروض سيفي وعنوان الشرف. وعند الحكماء والمهندسين هو الهيئة الحاصلة من إحاطة الحدّ الواحد أو الحدود بالمقدار، أي الجسم التعليمي أو السّطح، فالأول كشكل الكرة فإنّها ليس لها إلّا حدّ واحد، والثاني كشكل المثلث. والمراد بالإحاطة التّامة فخرجت الزاوية فإنّها على الأصح هيئة للمقدار من جهة أنّه محاط بحدّ واحد أو أكثر إحاطة غير تامة.
فإذا فرضنا سطحا مستويا محاطا بثلاثة خطوط مستقيمة فإذا اعتبر كونه محاطا بها فالهيئة العارضة له هي الشكل. وإذا اعتبر منها خطّان متلاقيان على نقطة منه كانت الهيئة هي الزاوية، هذا هو المشهور. ويلزم منه أن لا يكون لمحيط الكرة شكل. توضيحه أنّهم صرّحوا بأنّ حدّ الخطّ أي نهايته نقطة، وحدّ السطح خطّ، وحدّ الجسم سطح. ولا شك أنّ محيط المضلّعات حدود وهي الخطوط بالفعل بخلاف محيط الكرة وأمثالها، كالشكل البيضي فإنّها سطح واحد وليس لها حدّ، إذ ليس لها خطّ بالفعل. والخط المفروض لا يجدي ثبوت الحدّ بالفعل فلا يكون لها شكل لعدم صدق تعريفه عليها.
فالأنسب أن يقال الشكل هو الهيئة الحاصلة للمقدار من جهة الإحاطة سواء كانت إحاطة المقدار به أو إحاطته بالمقدار ليشتمل ذلك محيط الكرة وأمثالها.

وهو قسمان: مسطّح إن كان ما أحاط به خطّ واحد كالدائرة أو أكثر كالمثلث. ومجسّم إن كان محيطه سطحا واحدا كالكرة أو أكثر كالمكعّب. وقد يطلق الشّكل بمعنى المشكل.
ولهذا عرف اقليدس بأنّه ما أحاط به حدّ أو حدود. ويؤيّد ما ذكر ما في شرح حكمة العين من أن الشّكل مفسّر بتفسيرين: أحدهما ما يحيط به حدّ أو حدود كالمربّع والمثلّث، وهو الشّكل الذي يستعمله المهندسون الذين يقولون إنّه مساو لشكل آخر أو نصفه أو ثلثه، ويعنون بذلك مقدارا مشكلا، وهو بهذا المعنى من مقولة الكمّ، فإنّ ما أحاط به سطح أو جسم.
وثانيهما الهيئة الحاصلة من وجود الحدّ أو الحدود كالتربيع والتثليث ونحوهما، وهو بهذا المعنى من مقولة الكيف انتهى.
فائدة:
قال الحكماء كل جسم له شكل طبيعي والجسم البسيط بمعنى ما لا يتركّب حقيقة من أجسام مختلفة الحقائق ليس له شكل إلّا الكرة.
ومعنى الشكل الطبيعي على قياس ما عرفت في لفظ الحيّز مع اضطراب كلام القوم فيه، هكذا ذكر العلمي. وعند المنطقيين هو وضع الأوسط عند الحدّين الآخرين أي الأصغر والأكبر. وهذا يستعمله الأصوليون أيضا والوضع هاهنا بمعنى المقولة. ولذا قال المحقّق التفتازاني في حاشية العضدي: الشّكل هو الهيئة الحاصلة من نسبة الأوسط إلى الأصغر والأكبر انتهى.
ثم الأشكال أربعة لأنّ الأوسط إن كان محمولا في الصغرى موضوعا في الكبرى فهو الشّكل الأول كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار»، ونتيجته كلّ بدعة في النار. وشرط إنتاجه إيجاب الصغرى وكلّية الكبرى وهو يختصّ بأنه ينتج الموجبة الكلّية وباقي الأشكال لا ينتج الموجبة الكلية بل إمّا موجبة جزئية أو سالبة، وإن كان محمولا فيهما أي في الصغرى والكبرى فهو الشّكل الثاني كقول البعض: كلّ غائب مجهول الصفة، وكلّ ما يصحّ بيعه ليس بمجهول. ونتيجته كلّ غائب لا يصحّ بيعه. وشرط إنتاجه اختلاف مقدمتيه في الإيجاب والسّلب وكلّية كبراه، ومن خواصّه أنّه لا ينتج إلّا سالبة. وإن كان موضوعا فيهما فهو الشّكل الثالث كقول البعض كل برّ مقتات، وكلّ بر ربوي. ونتيجته بعض المقتات ربوي. وشرط إنتاجه أن تكون صغراه موجبة وأن تكون إحدى مقدمتيه كلّية. ومن خواصّه أنّ نتيجته لا تكون إلّا جزئية. وإن كان عكس الأول بأن يكون موضوعا في الصغرى محمولا في الكبرى فهو الشّكل الرابع، وسمّاه البعض بالسّياق البعيد أيضا كما في شرح إشراق الحكمة كقولنا: كلّ عبادة لا تستغني عن النيّة وكلّ وضوء عبادة. ونتيجته بعض مستغن عن النية ليس بوضوء هكذا في العضدي.
وفي شرح المطالع هذا مختصّ بالقياس الحملي. ومن الواجب أن يعتبر بحيث يعمّه وغيره. فقال: الوسط إن كان محكوما به في الصغرى محكوما عليه في الكبرى فهو الشّكل الأول، وهكذا إلى آخر التقسيم انتهى. وقد يطلق الشّكل على نفس القياس باعتبار اشتماله على الهيئة المذكورة، صرّح بذلك نصير الدين في حاشية القطبي والصادق الحلوائي في حاشية الطيبي. وعند أهل الرمل هو هيئة ذات أربع مراتب حاصلة من اجتماع الأفراد والأزواج أو من اجتماع إحداهما مثل وو المرتبة الأولى من هذه المراتب هي النار والثانية الريح.
والثالثة الماء. والرابعة التراب. وتنحصر هذه الأشكال في ستة عشر شكلا، أحدها: الطريق الذي يدعى أبا بالرمل. والثاني: الجماعة وهو يحصل بمضاعفة نقاط الطريق، ويقال له: أمّ الرمل. وبقية الأشكال من المسدودات والمفتوحات والنبائر التي يقال لها متولّدات، كما سيجيء في لفظ مسدود.
وأعلم أنّ كلّ شكل مرتبته النارية والترابية فردية فإنّه يدعى المنقلب مثل وكلّ شكل مرتبته النارية والترابية شفعا فإنّه يدعى الثابت مثل وكلّ شكل مرتبته النارية فردية والترابية شفعا، فإنّه يقال له: الخارج مثل. وإذا كان عكس ذلك فهو المسمّى بالداخل مثل ويقولون أيضا: النار خارجة والريح داخلة والماء منقلب والتراب ثابت. ويقولون أيضا: إذا كانت النار في رتبة الريح أو الريح في رتبة النار فهما يعدان من قبيل المنقلب والخارج. وأمّا إذا كانت النار في رتبة الماء أو الماء في رتبة النار فإنّها تسمّى داخلة، وكذلك النار في رتبة التراب أو التراب في رتبة النار فإنّها تسمّى الثابت. والريح في رتبة الماء أو الماء في رتبة الرّيح فيسمّيان ثابتا وداخلا.
والريح في رتبة التراب أو التراب في رتبة الهواء فيسمّى منقلبا. وكلّ ما ذكر من داخلي وخارجي وثابت ومنقلب فهو في النقاط. هكذا في السرخاب..

الطبيعة الْمُطلقَة

الطبيعة الْمُطلقَة: قَالَ الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى إِن الْكُلِّي يُؤْخَذ على نحوين يُؤْخَذ من حَيْثُ هُوَ وَلَا يُلَاحظ مَعَه الْإِطْلَاق وَيُقَال لَهُ مُطلق الطبيعة وَحِينَئِذٍ يَصح إِسْنَاد أَحْكَام الْأَفْرَاد إِلَيْهِ لاتحاده مَعهَا ذاتا ووجودا وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار يتَحَقَّق بتحقق فَرد وينتفي بانتفائه وَهُوَ مَوْضُوع الْقَضِيَّة الْمُهْملَة إِذْ موجبتها تصدق بِصدق الْمُوجبَة الْــجُزْئِيَّة وسالبتها تصدق بِصدق السالبة الْــجُزْئِيَّة وَيُؤْخَذ من حَيْثُ إِنَّه مُطلق ويلاحظ مَعَه الْإِطْلَاق لَا بِأَن يكون الْإِطْلَاق قيدا لَهُ وَإِلَّا لَا يبْقى مُطلقًا بل بِأَن يكون عنوانا لملاحظته وشرحا لحقيقته وَيُقَال لَهُ الطبيعة الْمُطلقَة وَحِينَئِذٍ لَا يَصح إِسْنَاد أَحْكَام الْأَفْرَاد إِلَيْهِ لِأَن الْحَيْثِيَّة الإطلاقية تأبى عَنهُ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار يتَحَقَّق بتحقق فَرد وَلَا يَنْتَفِي بانتفائه بل بِانْتِفَاء جَمِيع الْأَفْرَاد وَهُوَ مَوْضُوع الْقَضِيَّة الطبيعية.

الْمُطلق

(الْمُطلق) مَا لَا يُقيد بِقَيْد أَو شَرط وَغير الْمعِين وَمن الْأَحْكَام مَا لَا يَقع فِيهِ اسْتثِْنَاء وَمن المَاء (عِنْد الْفُقَهَاء) مَا بَقِي على أصل خلقته وَلم تخالطه نَجَاسَة وَلم يغلب عَلَيْهِ شَيْء ظَاهر وَمن الْخَيل الْخَالِي من التحجيل فِي إِحْدَى قوائمه أَو الاثنتين

(الْمُطلق) الَّذِي يُرِيد أَن يسابق بفرسه
الْمُطلق: ضد الْمُقَيد فَهُوَ مَا يدل على وَاحِد غير معِين. أَو مَا لم يُقيد بِبَعْض صِفَاته وعوارضه. وَفِي حَوَاشِي شرح الْوِقَايَة الْمُطلق هُوَ الشَّائِع فِي جنسه أَنه حِصَّة من الْحَقِيقَة مُحْتَملَة لحصص كَثِيرَة من غير شُمُول وَلَا تعْيين - والمقيد مَا أخرج عَن الشُّيُوع بِوَجْه مَا كرقبة ورقبة مُؤمنَة.
وَاعْلَم أَن الْمُطلق والمقيد قد يدخلَانِ فِي السَّبَب وَالشّرط أَي يقعان سَببا أَو شرطا فَحِينَئِذٍ لَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد عندنَا لِأَن الْجمع مُمكن لجَوَاز أَن يكون لشَيْء وَاحِد علل شَتَّى. خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن حمله على الْمُقَيد وَاجِب عِنْده لِأَنَّهُ لَا يَقُول بِجَوَاز تعدد الْعِلَل وَإِذا وَقعا متعلقي الحكم فَحِينَئِذٍ خَمْسَة صور ثَلَاثَة مِنْهَا اتفاقية فِي عدم الْحمل. وَاثْنَتَانِ مِنْهَا اختلافيتان. فَاعْلَم أَنه إِذا ورد الْمُطلق والمقيد فِي حكمين فِي حَادِثَة وَاحِدَة. أَو فِي حكم وَاحِد فِي حَادِثَة وَاحِدَة نفيا. أَو فِي حكمين فِي حادثتين. فَلَا حمل فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاث بالِاتِّفَاقِ عندنَا وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَإِذا وردا فِي حكم وَاحِد فِي حَادِثَة وَاحِدَة إِثْبَاتًا فالحمل بالِاتِّفَاقِ. وَإِذا وردا فِي حكم وَاحِد فِي حادثتين فَلَا حمل عندنَا. خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى. وَإِن أردْت أَن تطلع على الْأَمْثِلَة فَعَلَيْك النّظر إِلَى التَّحْقِيق شرح الْأُصُول الحسامي.
اعْلَم أَن الْفرق بَين الْمُجْمل وَالْمُطلق. أَن المُرَاد بالمجمل فَرد معِين لَكِن لَا يفهم من كَلَام الْمُتَكَلّم. وَالْمُطلق مَا لَا يكون المُرَاد مِنْهُ فَرد معِين وَأَيْضًا لَا يفهم من كَلَام الْمُتَكَلّم - وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعْقُول إِن الْمُطلق على وَجْهَيْن - الأول: الطبيعية من حَيْثُ الْإِطْلَاق وَيُقَال لَهُ الطبيعة الْمُطلقَة - وَالثَّانِي: الطبيعة من حَيْثُ هِيَ وَيُقَال لَهُ مُطلق الطبيعة.
وتحقيقه أَن الْمُطلق يُؤْخَذ على وَجْهَيْن - الأول: أَن يُؤْخَذ من حَيْثُ هُوَ وَلَا يُلَاحظ مَعَه الْإِطْلَاق وَحِينَئِذٍ يَصح إِسْنَاد أَحْكَام الْأَفْرَاد إِلَيْهِ لاتحاده مَعهَا ذاتا ووجودا. وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار يتَحَقَّق بتحقق فَرد مَا وينتفي بانتفائه وَهُوَ مَوْضُوع الْقَضِيَّة الْمُهْملَة إِذْ موجبتها تصدق بِصدق الْمُوجبَة الْــجُزْئِيَّة. وسالبتها تصدق بِصدق السالبة الْــجُزْئِيَّة - وَالثَّانِي: أَن يُؤْخَذ من حَيْثُ إِنَّه مُطلق ويلاحظ مَعَه الْإِطْلَاق وَحِينَئِذٍ لَا يَصح إِسْنَاد أَحْكَام الْأَفْرَاد إِلَيْهِ لِأَن الْحَيْثِيَّة الإطلاقية تَأتي عَنهُ. وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار يتَحَقَّق بتحقق فَرد مَا وَلَا يَنْتَفِي بانتفائه بل بِانْتِفَاء جَمِيع الْأَفْرَاد وَهُوَ مَوْضُوع الْقَضِيَّة الطبيعية.
وَمن هَا هُنَا يعلم الْفرق بَين الشَّيْء الْمُطلق وَمُطلق الشَّيْء كالوجود الْمُطلق وَمُطلق الْوُجُود. بِأَن الأول مُقَيّد بِقَيْد الْإِطْلَاق وَالثَّانِي مُطلق مِنْهُ فَالْأول أخص وَالثَّانِي أَعم وَقس عَلَيْهِ الْحُصُول الْمُطلق وَمُطلق الْحُصُول - والتصور الْمُطلق وَمُطلق التَّصَوُّر هَكَذَا فِي مصنفات الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى. والأصوليون قسموا الْمَأْمُور بِهِ على قسمَيْنِ الْمُؤَقت وَالْمُطلق. ومرادهم بالمؤقت مَا يتَعَلَّق بِوَقْت مَحْدُود بِحَيْثُ لَا يكون الْإِتْيَان بِهِ فِي غير ذَلِك الْوَقْت أَدَاء بل يكون قَضَاء كَالصَّلَاةِ خَارج الْوَقْت. أَو لَا يكون مَشْرُوعا أصلا كَالصَّوْمِ فِي غير النَّهَار - وبالمطلق مَا لَا يكون كَذَلِك وَإِن كَانَ وَاقعا وقتا لَا محَالة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.