Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: الملك

الفَيُّوم

الفَيُّوم:
بالفتح، وتشديد ثانيه ثم واو ساكنة، وميم:
وهي في موضعين أحدهما بمصر والآخر موضع قريب من هيت بالعراق، فأما التي بمصر فهي ولاية غربية بينها وبين الفسطاط أربعة أيام بينهما مفازة لا ماء بها ولا مرعى مسيرة يومين وهي في منخفض الأرض كالدارة، ويقال إن النيل أعلى منها وإن يوسف الصديق، عليه السّلام، لما ولي مصر ورأى ما لقي أهلها في تلك السنين المقحطة اقتضت فكرته أن حفر نهرا عظيما حتى ساقه إلى الفيّوم وهو دون محمل المراكب وبتشطّط علوّه وانخفاض أرض الفيوم على جميع مزارعها تشرب قراه مع نقصان النيل ثم يتفرّق في نواحي الفيوم على جميع مزارعها لكل موضع شرب معلوم، وذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا هشام بن إسحاق أن يوسف لما ولي مصر عظمت منزلته من فرعون وجازت سنّه مائة سنة، قالت وزراء الملك: إن يوسف ذهب علمه وتغيّر عقله ونفدت حكمته فعنّفهم فرعون وردّ عليهم مقالتهم وأساء اللفظ لهم فكفّوا ثم عاودوه بذلك القول بعد سنين فقال لهم:
هلمّوا ما شئتم من شيء نختبره به، وكانت الفيوم يومئذ تدعى الجوبة وإنما كانت لمصالة ماء الصعيد وفضوله، فاجتمع رأيهم على أن تكون هي المحنة التي يمتحن بها يوسف، فقالوا لفرعون: سل يوسف أن يصرف ماء الجوبة فيزداد بلد إلى بلدك وخراج إلى خراجك، فدعا يوسف وقال: قد تعلم مكان ابنتي فلانة مني فقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها بلدا وإني لم أصب لها إلا الجوبة وذاك أنه بليد قريب
لا يؤتى من ناحية من نواحي مصر إلا من مفازة أو صحراء إلى الآن، قال: والفيوم وسط مصر كمثل مصر في وسط البلاد لأن مصر لا تؤتى من ناحية من نواح إلا من صحراء أو مفازة وقد أقطعتها إياها فلا تتركنّ وجها ولا نظرا إلا وبلغته، فقال يوسف: نعم أيها الملك متى أردت ذلك عملته، قال:
إنّ أحبّه إليّ أعجله، فأوحي إلى يوسف أن تحفر ثلاثة خلج: خليجا من أعلى الصعيد من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا شرقيّا من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا غربيّا من موضع كذا إلى موضع كذا، فوضع يوسف العمّال فحفر خليج المنهي من أعلى أشمون إلى اللّاهون وأمر الناس أن يحفروا اللّاهون وحفر خليج الفيوم وهو الخليج الشرقي وحفر خليجا بقرية يقال لها تيهمت من قرى الفيوم وهو الخليج الغربي فصبّ في صحراء تيهمت إلى الغرب فلم يبق في الجوبة ماء ثم أدخلها الفعلة تقطع ما كان بها من القصب والطرفاء فأخرجه منها، وكان ذلك في ابتداء جري النيل، وقد صارت الجوبة أرضا نقيّة برّيّة فارتفع ماء النيل فدخل في رأس المنهي فجرى فيه حتى انتهى إلى اللّاهون فقطعه إلى الفيوم فدخل خليجها فسقاها فصارت لجة من النيل، وخرج الملك ووزراؤه إليه وكان هذا في سبعين يوما فلما نظر الملك إليه قال لوزرائه: هذا عمل ألف يوم، فسميت بذلك الفيوم، وأقامت تزرع كما تزرع غوائط مصر ثم بلغ يوسف قول الوزراء له فقال للملك:
إن عندي من الحكمة غير ما رأيت، فقال الملك:
وما هو؟ قال: أنزل الفيوم من كل كورة من كور مصر أهل بيت وآمر كلّ أهل بيت أن يبنوا لأنفسهم قرية فكانت قرى الفيوم على عدد كور مصر فإذا فرغوا من بناء قراهم صيرت لكل قرية من الماء بقدر ما أصيّر لها من الأرض لا يكون في ذلك زيادة عن أرضها ولا نقصان، وأصير لكل قرية شرب زمان لا ينالهم الماء إلا فيه، وأصير مطأطئا للمرتفع ومرتفعا للمطأطئ بأوقات من الساعات في الليل والنهار، وأصير لها قبضين فلا يقصر بأحد دون قدره ولا يزداد فوق قدره، فقال فرعون: هذا من ملكوت السماء؟ قال: نعم، فأمر يوسف ببنيان القرى وحدّ لها حدودا وكانت أول قرية عمّرت بالفيوم يقال لها شنانة، وفي نسخة شانة، كانت تنزلها ابنة فرعون، ثم أمر بحفر الخليج وبنيان القناطر، فلما فرغ من ذلك استقبلوا وزن الأرض ووزن الماء ومن يومئذ وجدت الهندسة ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك، وقال ابن زولاق: مدينة الفيوم بناها يوسف الصديق بوحي فدبّرها وجعلها ثلاثمائة وستين قرية يجيء منها في كل يوم ألف دينار، وفيها أنهار عدد أنهار البصرة، وكان فرعون يوسف وهو الرّيّان بن الوليد أحضر يوسف من السجن واستخلصه لنفسه وحمله وخلع عليه وضرب له بالطبل وأشاع أن يوسف خليفة الملك فقام له في الأمر كله ثم سعي به بعد أربعين سنة فقالوا قد خرف فامتحنه بإنشاء الفيوم فأنشأها بالوحي فعظم شأن يوسف وكان يجلس على سرير فقال له الملك: اجعل سريرك دون سريري بأربع أصابع، ففعل، وحدّثني أحمد بن محمد بن طرخان الكاتب قال: عقدت الفيوم لكافور في سنة 355 ستمائة ألف وعشرين ألف دينار، وفي الفيوم من المباح الذي يعيش به أهل التعفف ما لا يضبط ولا يحاط بعلمه، وقيل: إن عرضه سبعون ذراعا، وقيل:
بني بالفيوم ثلاثمائة وستون قرية وقدّر أن كل قرية تكفي أهل مصر يوما واحدا، وعمل على أن مصر إذا لم يزد النيل اكتفى أهلها بما يحصل من زراعتها،
وأتقن ذلك وأحكمه وجرى الأمر عليه مدة أيامه وزرعت بعده النخيل والبساتين فصارت أكثر ولايتها كالحديقة، ثم بعد تطاول السنين وإخلاق الجدّة تغيرت تلك القوانين باختلاف الولاة المتملكين فهي اليوم على العشر مما كانت عليه فيما بلغني، وقيل: إن مروان ابن محمد بن مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية قتل ببعض نواحيها، وقال أعرابيّ في فيوم العراق:
عجبت لعطّار أتانا يسومنا ... بدسكرة الفيوم دهن البنفسج
فويحك يا عطار! هلّا أتيتنا ... بضغث خزامى أو بخوصة عرفج
كأنّ هذا الأعرابي أنكر على العطار أن جاءه بما هو موجود بالفيوم وسأله أن يأتيه بما ألفه في صحاريه.

إِفْرِيقِيَّة

إِفْرِيقِيَّة:
بكسر الهمزة: وهو اسم لبلاد واسعة ومملكة كبيرة قبالة جزيرة صقلية، وينتهي آخرها إلى قبالة جزيرة الأندلس، والجزيرتان في شماليها، فصقلية منحرفة إلى الشرق والأندلس منحرفة عنها إلى جهة المغرب. وسميت إفريقية بإفريقيس بن أبرهة ابن الرائش، وقال أبو المنذر هشام بن محمد: هو إفريقيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان وهو الذي اختطّها، وذكروا أنه لما غزا المغرب انتهى إلى موضع واسع رحيب كثير الماء، فأمر أن تبنى هناك مدينة فبنيت وسمّاها إفريقية، اشتقّ اسمها من اسمه ثم نقل إليها الناس ثم نسبت تلك الولاية بأسرها إلى هذه المدينة، ثم انصرف إلى اليمن، فقال بعض أصحابه:
سرنا إلى المغرب، في جحفل، ... بكلّ قرم أريحيّ همام
نسري مع افريقيس، ذاك الذي ... ساد بعزّ الملك أولاد سام
نخوض، بالفرسان، في مأقط ... يكثر فيه ضرب أيد وهام
فأضحت البربر في مقعص، ... نحوسهم بالمشرفيّ الحسام
في موقف، يبقى لنا ذكره ... ما غرّدت، في الأيك، ورق الحمام
وذكر أبو عبد الله القضاعي أن إفريقية سمّيت بفارق ابن بيصر بن حام بن نوح، عليه السلام، وأن أخاه مصر لما حاز لنفسه مصر حاز فارق إفريقية، وقد ذكرت ذلك متّسقا في أخبار مصر، قالوا: فلما اختطّ المسلمون القيروان خربت إفريقية وبقي اسمها على الصّقع جميعه، وقال أبو الريحان البيروتي إن أهل مصر يسمّون ما عن أيمانهم إذا استقبلوا الجنوب بلاد المغرب، ولذلك سمّيت بلاد إفريقية وما وراءها بلاد المغرب يعني أنها فرقت بين مصر والمغرب فسميت إفريقية لا أنها مسماة باسم عامرها، وحدّ إفريقية من طرابلس الغرب من جهة برقة والإسكندرية إلى بجاية، وقيل: إلى مليانة، فتكون مسافة طولها نحو شهرين ونصف، وقال أبو عبيد البكري الأندلسي: حدّ إفريقية طولها من برقة شرقا إلى طنجة الخضراء غربا، وعرضها من البحر إلى الرمال التي في أول بلاد السودان، وهي جبال ورمال عظيمة متصلة من الشرق إلى الغرب، وفيه يصاد الفنك الجيد، وحدث رواة السير ان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كتب إلى عمرو بن العاص: لا تدخل إفريقية فإنها مفرّقة لأهلها غير متجمعة، ماؤها قاس ما شربه أحد من العالمين إلا قست قلوبهم، فلما افتتحت في أيام عثمان، رضي الله عنه، وشربوا ماءها قست قلوبهم فرجعوا إلى خليفتهم عثمان فقتلوه. وأما فتحها فذكر أحمد بن يحيى بن جابر أن عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، ولّى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر وأمره بفتح إفريقية، وأمدّه عثمان بجيش فيه معبد بن العباس بن عبد المطّلب، ومروان بن الحكم بن أبي العاص، وأخوه الحارث بن الحكم، وعبيد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير ابن العوّام، والمسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب، وعبد الله وعاصم ابنا عمر بن الخطاب، وبسر بن أبي ارطاة العامري، وأبو ذؤيب الهذلي الشاعر، وذلك في سنة 29 وقيل: سنة 28، وقيل: 27، ففتحها عنوة وقتل بطريقها، وكان يملك ما بين أطرابلس إلى طنجة، وغنموا واستاقوا من السبي والمواشي ما قدروا عليه، فصالحهم عظماء إفريقية على ثلاثمائة قنطار من الذهب على أن يكفّ عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم، وقيل: إنه صالحهم على ألف ألف وخمسمائة ألف وعشرين ألف دينار، وهذا يدلّ على أن القنطار الواحد ثمانية آلاف وأربعمائة دينار، ورجع ابن أبي سرح إلى مصر ولم يولّ على إفريقية أحدا، فلما قتل عثمان، رضي الله عنه، عزل عليّ، رضي الله عنه، ابن أبي سرح عن مصر وولّى محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مصر، فلم يوجّه إليها أحدا، فلما ولي معاوية بن أبي سفيان، وولى معاوية بن حديج السّكوني مصر، بعث في سنة 50 عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط الفهري، فغزاها وملكها المسلمون فاستقرّوا بها، واختطّ مدينة القيروان، كما نذكره في القيروان إن شاء الله تعالى، ولم تزل بعد ذلك في أيدي المسلمين، فوليها بعد عقبة بن نافع زهير بن قيس البلوي في سنة 69، فقتله الروم في أيام عبد الملك فوليها حسّان بن النعمان الغسّاني فعزل عنها، ووليها موسى بن نصير في أيام الوليد بن عبد الملك، ثم وليها محمد بن يزيد مولى قريش في أيام سليمان بن عبد الملك سنة 99، ثم وليها إسماعيل بن عبد الملك ابن عبد الله بن أبي المهاجر مولى بني مخزوم من قبل عمر بن عبد العزيز، ثم وليها يزيد بن أبي مسلم مولى الحجّاج من قبل يزيد بن عبد الملك، ثم عزله وولّى بشر بن صفوان في أول سنة 103، ثم وليها عبيدة بن عبد الرحمن السلمي ابن أخي أبي الأعور السلمي، فقدمها في سنة 110 من قبل هشام بن عبد الملك، ثم عزله هشام وولّى مكانه عبيد الله بن الحبحاب مولى بني سلول، ثم عزله هشام في سنة 123 وولى كلثوم ابن عياض القشيري فقتله البربر، فولّى هشام حنظلة ابن صفوان الكلبي في سنة 124، ثم قام عبد الرحمن ابن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري وأخرج حنظلة عن إفريقية عنوة ووليها، وأثر بها آثارا حسنة، وغزا صقلية، وكان الأمر قد انتهى إلى مروان بن محمد فبعث إليه بعهده وأقرّه على أمره، وزالت دولة بني أميّة وعبد الرحمن أمير، وكتب إلى السفاح بطاعته، فلما ولي المنصور خلع طاعته، ثم قتله أخوه الياس بن حبيب غيلة في منزله وقام مقامه، ثم قتل الياس وولي حبيب بن عبد الرحمن فقتل، ثم تغلّب الخوارج حتى ولّى المنصور محمد.
ابن الأشعث الخزاعي فقدمها سنة 144، فجرت بينه وبين الخوارج حروب ففارقها ورجع إلى المنصور، فولّى المنصور الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة بن عبد الله بن عبّاد بن محرّث، وقيل: محارب بن سعد ابن حرام بن سعد بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، فقدمها في جمادى الآخرة سنة 148، وجرت له حروب قتل في آخرها في شعبان سنة 150، وبلغ المنصور فولّى مكانه عمرو بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة أخا المهلّب المعروف بهزارمرد، فقدمها في صفر سنة 151، وكانت بينه وبين البربر وقائع قاتل فيها حتى قتل في منتصف ذي الحجة سنة 154، فولّاها المنصور يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب فصلحت البلاد بقدومه، ولم يزل عليها حتى مات المنصور والمهدي والهادي، ثم مات يزيد بن حاتم بالقيروان سنة 170 في أيام الرشيد، واستخلف ابنه داود بن يزيد بن حاتم، ثم ولّى الرشيد روح بن حاتم أخا يزيد، فقدمها وساسها أحسن سياسة حتى مات بالقيروان سنة 174، فولّى الرشيد نصر بن حبيب المهلّبي، ثم عزله وولّى الفضل بن روح بن حاتم، فقدمها في المحرم سنة 177، فقتله الخوارج سنة 178، فكانت عدّة من ولي من آل المهلّب ستة نفر في ثمان وعشرين سنة، ثم ولّى الرشيد هرثمة بن أعين فقدمها في سنة 179، ثم استعفى من ولايتها فأعفاه، وولّى محمد بن مقاتل العكّي فلم يستقم بها أمره فإنه أخرج منها، وولّى ابراهيم ابن الأغلب التميمي المقدم ذكره، فأقام بها إلى أن مات في شوال سنة 196، وولي ابنه عبد الله بن إبراهيم ومات بها ثم ولي أخوه زيادة الله بن إبراهيم في سنة 201 في أول أيام المأمون، ومات في رجب سنة 223، ثم ولي أخوه أبو عقال الأغلب بن ابراهيم، ثم مات سنة 226، فولي ابنه محمد بن الأغلب إلى أن مات في محرم سنة 242، فولي ابنه أبو القاسم إبراهيم بن محمد حتى مات في ذي القعدة سنة 249، فولي ابنه زيادة الله بن إبراهيم إلى أن مات سنة 250، فولي ابن أخيه محمد بن أحمد إلى أن مات سنة 261، فولي أخوه إبراهيم بن أحمد، وكان حسن السيرة شهما، فأقام واليا ثمانيا وعشرين سنة ثم مات في ذي القعدة سنة 289، فولي ابنه عبد الله بن إبراهيم بن أحمد فقتله ثلاثة من عبيده الصقالبة، فولي ابنه أبو نصر زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم، فدخل ابو عبد الله الشيعي فهرب منه إلى مصر، وهو آخرهم، في سنة 296، فكانت مدّة ولاية بني الأغلب على إفريقية مائة واثنتي عشرة سنة، وولي منهم أحد عشر ملكا، ثم انتقلت الدولة إلى بني عبيد الله العلوية، فوليها منهم المهدي والقائم والمنصور والمعز حتى ملك مصر، وانتقل إليها في سنة 362، واستمرت الخطبة لهم بإفريقية إلى سنة 407، ثم وليها بعد خروج المعز عنها يوسف الملقب بلكّين ابن زيري بن مناد الصّنهاجي باستخلاف المعز إلى أن مات في ذي الحجة سنة 373، ووليها ابنه المنصور إلى أن مات في شهر ربيع الأول سنة 386، ووليها ابنه باديس إلى أن مات في سلخ ذي القعدة سنة 406، ووليها ابنه المعز بن باديس وهو الذي أزال خطبة المصريين عن إفريقية، وخطب للقائم بالله وجاءته الخلعة من بغداد، وكاشف المستنصر الذي بمصر بخلع الطاعة، وذلك في سنة 435، وقتل من كان بإفريقية من شيعتهم فسلّط اليازوري وزير المستنصر العرب على إفريقية حتى خرّبوها، ومات المعزّ في سنة 453، وقد ملك سبعا وأربعين سنة، ووليها ابنه تميم ابن المعز إلى أن مات في رجب سنة 501، ووليها ابنه يحيى بن تميم حتى مات سنة 509، ووليها ابنه عليّ بن يحيى إلى أن مات سنة 515، ووليها ابنه الحسن بن عليّ، وفي أيامه أنفذ رجار صاحب صقلية من ملك المهدية فخرج الحسن منها ولحق بعبد المؤمن ابن عليّ، وملك الأفرنج بلاد إفريقية، وذلك في سنة 543، وانتقضت دولتهم، وقد ولي منهم تسعة ملوك في مائة سنة وإحدى وثمانين سنة، وملك الأفرنج إفريقية اثنتي عشرة سنة حتى قدمها عبد المؤمن فاستنقذها منهم في يوم عاشوراء سنة 555، وولّى عليها أبا عبد الله محمد بن فرج أحد أصحابه، ورتّب معه الحسن بن عليّ بن يحيى بن تميم وأقطعه قريتين ورجع إلى المغرب، وهي الآن بيد الولاة من قبل ولده، فهذا كاف من إفريقية وأمرها. وقد خرج منها من العلماء والأئمة والأدباء ما لا يحصى عددهم، منهم: أبو خالد عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي قاضيها، وهو أول مولود ولد في الإسلام بإفريقية، سمع أباه وأبا عبد الرحمن الحبكي وبكر ابن سوادة، روى عنه سفيان الثوري وعبد الله بن لهيعة وعبد الله بن وهب وغيرهم، تكلّموا فيه، قدم على أبي جعفر المنصور ببغداد، قال: كنت أطلب العلم مع أبي جعفر أمير المؤمنين قبل الخلافة فأدخلني يوما منزله فقدّم إليّ طعاما ومريقة من حبوب ليس فيها لحم، ثم قدّم إليّ زبيبا، ثم قال:
يا جارية عندك حلواء؟ قالت: لا، قال: ولا التمر؟
قالت: ولا التمر، فاستلقى ثم قرأ هذه الآية: عسى ربّكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون، قال: فلما ولي المنصور الخلافة أرسل إليّ فقدمت عليه فدخلت، والربيع قائم على رأسه، فاستدناني وقال: يا عبد الرحمن بلغني أنك كنت تفد إلى بني أمية؟ قلت: أجل، قال: فكيف رأيت سلطاني من سلطانهم وكيف ما مررت به من أعمالنا حتى وصلت إلينا؟ قال: فقلت يا أمير المؤمنين رأيت أعمالا سيّئة وظلما فاشيا، وو الله يا أمير المؤمنين ما رأيت في سلطانهم شيئا من الجور والظّلم إلّا ورأيته في سلطانك، وكنت ظننته لبعد البلاد منك، فجعلت كلّما دنوت كان الأمر أعظم، أتذكر يا أمير المؤمنين يوم أدخلتني منزلك فقدّمت إليّ طعاما ومريقة من حبوب لم يكن فيها لحم ثم قدّمت زبيبا، ثم قلت: يا جارية عندك حلواء؟
قالت: لا، قلت: ولا التمر؟ قالت: ولا التمر، فاستلقيت ثم تلوت: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون؟ فقد والله أهلك عدوّك واستخلفك في الأرض، ما تعمل؟
قال: فنكّس رأسه طويلا ثم رفع رأسه إليّ وقال: كيف لي بالرجال؟ قلت: أليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: إن الوالي بمنزلة السّوق يجلب إليها ما ينفق فيها، فإن كان برّا أتوه ببرّهم وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم؟ فأطرق طويلا، فأومأ إليّ الربيع أن أخرج، فخرجت وما عدت إليه، وتوفي عبد الرحمن سنة 156، وينسب إليها أيضا سحنون بن سعيد الإفريقي من فقهاء أصحاب مالك، جالس مالكا مدة وقدم بمذهبه إلى إفريقية فأظهره فيها، وتوفي سنة 240، وقيل:
سنة 241.

الصِّينُ

الصِّينُ:
بالكسر، وآخره نون: بلاد في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب وشماليها الترك، قال ابن الكلبي عن الشرقي: سميت الصين بصين، وصين وبغرابنا بغبر بن كماد بن يافث، ومنه المثل: ما يدري شغر من بغر، وهما بالمشرق وأهلهما بين الترك والهند، قال أبو القاسم الزّجاجي: سميت بذلك لأن صين بن بغبر بن كماد أوّل من حلّها وسكنها، وسنذكر خبرهم ههنا، والصين في الإقليم الأوّل، طولها من المغرب مائة وأربع وستون درجة وثلاثون دقيقة، قال الحازمي:
كان سعد الخير الأندلسي يكتب لنفسه الصيني لأنّه سافر إلى الصين، وقال العمراني: الصين موضع بالكوفة وموضع أيضا قريب من الإسكندرية، قال المفجّع في كتاب المنقذ، وهو كتاب وضعه على مثال الملاحن لابن دريد: الصين بالكسر موضعان الصين الأعلى والصين الأسفل، وتحت واسط بليدة مشهورة يقال لها الصينية ويقال لها أيضا صينية الحوانيت، ينسب إليها صينيّ، منها الحسن بن أحمد ابن ماهان أبو عليّ الصيني، حدث عن أحمد بن عبيد الواسطي، يروي عنه أبو بكر الخطيب وقال: كان قاضي بلدته وخطيبها، وأمّا إبراهيم بن إسحاق الصيني فهو كوفيّ كان يتّجر إلى الصين فنسب إليها، وقال أبو سعد: وممن نسب إلى الصين أبو الحسن سعد الخير ابن محمد بن سهل بن سعد الأنصاري الأندلسي، كان يكتب لنفسه الصيني لأنّه كان قد سافر من المغرب إلى الصين، وكان فقيها صالحا كثير المال، سمع الحديث من أبي الخطّاب بن بطر القاري وأبي عبد الله الحسين بن محمد بن طلحة النّعّال وغيرهما، وذكره أبو سعد في شيوخه، ومات سنة 541، ولهم صينيّ آخر لا يدرى إلى أيّ شيء هو منسوب، وهو حميد ابن محمد بن علي أبو عمرو الشيباني يعرف بحميد الصيني، سمع السريّ بن خزيمة وأقرانه، روى عنه أبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان وغيره، وهذا شيء من أخبار الصين الأقصى ذكرته كما وجدته لا أضمن صحته فإن كان صحيحا فقد ظفرت بالغرض وإن كان كذبا فتعرف ما تقوّله الناس، فإن هذه بلاد شاسعة ما رأينا من مضى إليها فأوغل فيها وإنما يقصد التجار أطرافها، وهي بلاد تعرف بالجاوة على سواحل البحر شبيهة ببلاد الهند يجلب منها العود والكافور والسنبل والقرنفل والبسباسة والعقاقير والغضائر الصينيّة، فأمّا بلاد الملك فلم نر أحدا رآها، وقرأت في كتاب عتيق ما صورته: كتب إلينا أبو دلف مسعر بن مهلهل في ذكر ما شاهده
ورآه في بلاد الترك والصين والهند قال: إنّي لما رأيتكما يا سيّديّ، أطال الله بقاءكما، لهجين بالتصنيف مولعين بالتأليف أحببت أن لا أخلي دستوركما وقانون حكمتكما من فائدة وقعت إليّ مشاهدتها وأعجوبة رمت بي الأيّام إليها ليروق معنى ما تتعلّمانه السمع ويصبو إلى استيفاء قراءته القلب، وبدأت بعد حمد الله والثناء على أنبيائه بذكر المسالك المشرقية واختلاف السياسة فيها وتباين ملكها وافتراق أحوالها وبيوت عبادتها وكبرياء ملوكها وحكوم قوّامها ومراتب أولي الأمر والنهي لديها لأن معرفة ذلك زيادة في البصيرة واجبة في السيرة قد حضّ الله تعالى عليها أولي التيقظ والاعتبار وكلّفه أهل العقول والأبصار فقال، جلّ اسمه: أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الْأَرْضِ 12: 109، فرأيت معاونتكما لما وشج بيننا من الإخاء وتوكّد من المودّة والصفاء، ولما نبا بي وطني ووصل بي السير إلى خراسان ضاربا في الأرض أبصرت ملكها والموسوم بإمارتها نصر بن أحمد الساماني، عظيم الشأن كبير السلطان يستصغر في جنبه أهل الطّول وتخفّ عنده موازين ذوي القدرة والحول، ووجدت عنده رسل قالين بن الشخير ملك الصين راغبين في مصاهرته طامعين في مخالطته يخطبون إليه ابنته فأبى ذلك واستنكره لحظر الشريعة له، فلمّا أبى ذلك راضوه على أن يزوّج بعض ولده ابنة ملك الصين فأجاب إلى ذلك فاغتنمت قصد الصين معهم فسلكنا بلد الأتراك فأوّل قبيلة وصلنا إليها بعد أن جاوزنا خراسان وما وراء النهر من مدن الإسلام قبيلة في بلد يعرف بالخركاه فقطعناها في شهر نتغذّى بالبرّ والشعير، ثمّ خرجنا إلى قبيلة تعرف بالطخطاخ تغذّينا فيها بالشعير والدخن وأصناف من اللحوم والبقول الصحراويّة فسبرنا فيها عشرين يوما في أمن ودعة يسمع أهلها لملك الصين ويطيعونه ويؤدّون الإتاوة إلى الخركاه لقربهم إلى الإسلام ودخولهم فيه وهم يتّفقون معهم في أكثر الأوقات على غزو من بعد عنهم من المشركين، ثمّ وصلنا إلى قبيلة تعرف بالبجا فتغذّينا فيهم بالدخن والحمص والعدس وسرنا بينهم شهرا في أمن ودعة، وهم مشركون ويؤدّون الإتاوة إلى الطخطاخ ويسجدون لملكهم ويعظمون البقر ولا تكون عندهم ولا يملكونها تعظيما لها، وهو بلد كثير التين والعنب والزعرور الأسود وفيه ضرب من الشجر لا تأكله النار، ولهم أصنام من ذلك الخشب، ثمّ خرجنا إلى قبيلة تعرف بالبجناك طوال اللحى أولو أسبلة همج يغير بعضهم على بعض ويفترش الواحد المرأة على ظهر الطريق، يأكلون الدخن فقط، فسرنا فيهم اثني عشر يوما وأخبرنا أن بلدهم عظيم مما يلي الشمال وبلد الصقالبة ولا يؤدّون الخراج إلى أحد، ثم سرنا إلى قبيلة تعرف بالجكل يأكلون الشعير والجلبان ولحوم الغنم فقط ولا يذبحون الإبل ولا يقتنون البقر ولا تكون في بلدهم، ولباسهم الصوف والفراء لا يلبسون غيرهما، وفيهم نصارى قليل، وهم صباح الوجوه يتزوّج الرجل منهم بابنته وأخته وسائر محارمه، وليسوا مجوسا ولكن هذا مذهبهم في النكاح، يعبدون سهيلا وزحل والجوزاء وبنات نعش والجدي ويسمون الشعرى اليمانية ربّ الأرباب، وفيهم دعة ولا يرون الشّرّ، وجميع من حولهم من قبائل الترك يتخطفهم ويطمع فيهم، وعندهم نبات يعرف بالكلكان طيب الطعام يطبخ مع اللحم، وعندهم معادن البازهر وحياة الحبق، وهي بقر هناك، ويعملون من الدم والذاذي البرّي نبيذا يسكر سكرا شديدا، وبيوتهم من الخشب والعظام، ولا ملك لهم، فقطعنا بلدهم في أربعين يوما في أمن وخفض ودعة، ثم خرجنا إلى قبيلة
تعرف بالبغراج لهم أسبلة بغير لحى يعملون بالسلاح عملا حسنا فرسانا ورجّالة، ولهم ملك عظيم الشأن يذكر أنّه علويّ وأنّه من ولد يحيى بن زيد وعنده مصحف مذهّب على ظهره أبيات شعر رثي بها زيد، وهم يعبدون ذلك المصحف، وزيد عندهم ملك العرب وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، عندهم إله العرب لا يملّكون عليهم أحدا إلّا من ولد ذلك العلوي، وإذا استقبلوا السماء فتحوا أفواههم وشخصوا أبصارهم إليها، يقولون: إن إله العرب ينزل منها ويصعد إليها، ومعجزة هؤلاء الذين يملّكونهم عليهم من ولد زيد أنّهم ذوو لحى وأنهم قيام الأنوف عيونهم واسعة وغذاؤهم الدخن ولحوم الذكران من الضأن، وليس في بلدهم بقر ولا معز، ولباسهم اللبود لا يلبسون غيرها، فسرنا بينهم شهرا على خوف ووجل، أدّينا إليهم العشر من كل شيء كان معنا، ثمّ سرنا إلى قبيلة تعرف بتبّت فسرنا فيهم أربعين يوما في أمن وسعة، يتغذّون بالبرّ والشعير والباقلّى وسائر اللحوم والسموك والبقول والأعناب والفواكه ويلبسون جميع اللباس، ولهم مدينة من القصب كبيرة فيها بيت عبادة من جلود البقر المدهونة، فيه أصنام من قرون غزلان المسك، وبها قوم من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والهند ويؤدون الإتاوة إلى العلوي البغراجي ولا يملكهم أحد إلّا بالقرعة، ولهم محبس جرائم وجنايات، وصلاتهم إلى قبلتنا، ثمّ سرنا إلى قبيلة تعرف بالكيماك، بيوتهم من جلود، يأكلون الحمص والباقلّى ولحوم ذكران الضأن والمعز ولا يرون ذبح الإناث منها، وعندهم عنب نصف الحبة أبيض ونصفها أسود، وعندهم حجارة هي مغناطيس المطر يستمطرون بها متى شاءوا، ولهم معادن ذهب في سهل من الأرض يجدونه قطعا، وعندهم ماس يكشف عنه السيل ونبات حلو الطعم ينوّم ويخدّر، ولهم قلم يكتبون به، وليس لهم ملك ولا بيت عبادة، ومن تجاوز منهم ثمانين سنة عبدوه إلّا أن يكون به عاهة أو عيب ظاهر، فكان مسيرنا فيهم خمسة وثلاثين يوما ثم انتهينا إلى قبيلة يقال لهم الغزّ، لهم مدينة من الحجارة والخشب والقصب ولهم بيت عبادة وليس فيه أصنام، ولهم ملك عظيم الشأن يستأدي منهم الخراج، ولهم تجارات إلى الهند وإلى الصين ويأكلون البرّ فقط وليس لهم بقول، ويأكلون لحوم الضأن والمعز الذكران والإناث ويلبسون الكتّان والفراء ولا يلبسون الصوف، وعندهم حجارة بيض تنفع من القولنج وحجارة خضر إذا مرّت على السيف لم يقطع شيئا، وكان مسيرنا بينهم شهرا في أمن وسلامة ودعة، ثمّ انتهينا إلى قبيلة يقال لهم التغزغز، يأكلون المذكّى وغير المذكّى ويلبسون القطن واللبود، وليس لهم بيت عبادة، وهم يعظمون الخيل ويحسنون القيام عليها، وعندهم حجارة تقطع الدم إذا علّقت على صاحب الرعاف أو النزف، ولهم عند ظهور قوس قزح عيد، وصلاتهم إلى مغرب الشمس، وأعلامهم سود، فسرنا فيهم عشرين يوما في خوف شديد ثمّ انتهينا إلى قبيلة يقال لهم الخرخيز، يأكلون الدخن والأرز ولحوم البقر والضأن والمعز وسائر اللحوم إلّا الجمال، ولهم بيت عبادة وقلم يكتبون به، ولهم رأي ونظر، ولا يطفئون سرجهم حتى تطفأ موادّها، ولهم كلام موزون يتكلمون به في أوقات صلاتهم، وعندهم مسك، ولهم أعياد في السنة، وأعلامهم خضر، يصلّون إلى الجنوب ويعظمون زحل والزهرة ويتطيرون من المريخ، والسباع في بلدهم كثيرة، ولهم حجارة تسرج بالليل يستغنون بها عن المصباح ولا تعمل في غير بلادهم، ولهم ملك مطاع
لا يجلس بين يديه أحد منهم الّا إذا جاوز أربعين سنة، فسرنا فيهم شهرا في أمن ودعة ثمّ انتهينا الى قبيلة يقال لها الخرلخ، يأكلون الحمص والعدس ويعملون الشراب من الدخن ولا يأكلون اللحم إلّا مغموسا بالملح، ويلبسون الصوف، ولهم بيت عبادة في حيطانه صورة متقدّمي ملوكهم، والبيت من خشب لا تأكله النار، وهذا الخشب كثير في بلادهم، والبغي والجور بينهم ظاهر ويغير بعضهم على بعض، والزنا بينهم كثير غير محظور، وهم أصحاب قمار، يقامر أحدهم غيره بزوجته وابنه وابنته وأمه فما دام في مجلس القمار فللمقمور أن يفادى ويفكّ فإذا انصرف القامر فقد حصل له ما قمر به يبيعه من التجار كما يريد، والجمال والفساد في نسائهم ظاهر، وهم قليلو الغيرة، فتجيء ابنة الرئيس فمن دونه أو امرأته أو أخته الى القوافل إذا وافت البلد فتعرض للوجوه فإن أعجبها إنسان أخذته إلى منزلها وأنزلته عندها وأحسنت إليه وتصرّف زوجها وأخاها وولدها في حوائجه ولم يقربها زوجها ما دام من تريده عندها إلا لحاجة يقضيها ثم تتصرّف هي ومن تختاره في أكل وشرب وغير ذلك بعين زوجها لا يغيره ولا ينكره، ولهم عيد يلبسون الديباج ومن لا يمكنه رقّع ثوبه برقعة منه، ولهم معدن فضّة تستخرج بالزيبق، وعندهم شجر يقوم مقام الإهليلج قائم الساق وإذا طلي عصارته على الأورام الحارّة أبرأها لوقتها، ولهم حجر عظيم يعظمونه ويحتكمون عنده ويذبحون له الذبائح، والحجر أخضر سلقيّ، فسرنا بينهم خمسة وعشرين يوما في أمن ودعة ثم انتهينا إلى قبيلة يقال لهم الخطلخ، فسرنا بين أهلها عشرة أيّام، وهم يأكلون البرّ وحده ويأكلون سائر اللحوم غير مذكاة، ولم أر في جميع قبائل الترك أشدّ شوكة منهم، يتخطّفون من حولهم ويتزوّجون الأخوات، ولا تتزوّج المرأة أكثر من زوج واحد، فإذا مات لم تتزوّج بعده، ولهم رأي وتدبير، ومن زنى في بلدهم أحرق هو والتي يزني بها، وليس لهم طلاق، والمهر جميع ما ملك الرجل، وخدمة الولي سنة، وللقتل بينهم قصاص وللجراح غرم، فإن تلف المجروح بعد أن يأخذ الغرم بطل دمه، وملكهم ينكر الشرّ ولا يتزوّج فإن تزوّج قتل، ثم انتهينا إلى قبيلة يقال لها الختيان، يأكلون الشعير والجلبان ولا يأكلون اللحم إلا مذكى، ويزوّجون تزويجا صحيحا وأحكامهم أحكام عقلية تقوم بها السياسة، وليس لهم ملك، وكلّ عشرة يرجعون إلى شيخ له عقل ورأي فيتحاكمون إليه، وليس لهم جور على من يجتاز بهم، ولا اغتيال، ولهم بيت عبادة يعتكفون فيه الشهر والأقلّ والأكثر، ولا يلبسون شيئا مصبوغا، وعندهم مسك جيّد ما دام في بلدهم فإذا حمل منه تغير واستحال، ولهم بقول كثيرة في أكثرها منافع، وعندهم حيّات تقتل من ينظر إليها إلّا أنّها في جبل لا تخرج عنه بوجه ولا سبب، ولهم حجارة تسكّن الحمّى ولا تعمل في غير بلدهم، وعندهم بازهر جيّد شمعيّ فيه عروق خضر، وكان مسيرنا فيهم عشرين يوما، ثمّ انتهينا إلى بلد بهيّ فيه نخل كثير وبقول كثيرة وأعناب ولهم مدينة وقرى وملك له سياسة يلقّب بهي، وفي مدينتهم قوم مسلمون ويهود ونصارى ومجوس وعبدة أصنام، ولهم أعياد، وعندهم حجارة خضر تنفع من الرمد وحجارة حمر تنفع من الطحال، وعندهم النيل الجيّد القانئ المرتفع الطافي الذي إذا طرح في الماء لم يرسب، فسرنا فيهم أربعين يوما في أمن وخوف ثمّ انتهينا إلى موضع يقال له القليب فيه بوادي عرب ممّن تخلف عن تبّع لما غزا بلاد الصين، لهم مصايف ومشات في مياه ورمال،
يتكلمون بالعربيّة القديمة لا يعرفون غيرها ويكتبون بالحميرية ولا يعرفون قلمنا، يعبدون الأصنام، وملكهم من أهل بيت منهم لا يخرجون الملك من أهل ذلك البيت، ولهم أحكام، وحظر الزنا والفسق، ولهم شراب جيّد من التمر، وملكهم يهادي ملك الصين، فسرنا فيهم شهرا في خوف وتغرير، ثم انتهينا إلى مقام الباب، وهو بلد في الرمل تكون فيه حجبة الملك، وهو ملك الصين، ومنه يستأذن لمن يريد دخول بلد الصين من قبائل الترك وغيرهم، فسرنا فيه ثلاثة أيام في ضيافة الملك يغيّر لنا عند رأس كل فرسخ مركوب، ثم انتهينا إلى وادي المقام فاستؤذن لنا منه وتقدّمنا الرّسل فأذن لنا بعد أن أقمنا بهذا الوادي، وهو أنزه بلاد الله وأحسنها، ثلاثة أيام في ضيافة الملك، ثمّ عبرنا الوادي وسرنا يوما تامّا فأشرفنا على مدينة سندابل، وهي قصبة الصين وبها دار المملكة، فبتنا على مرحلة منها، ثم سرنا من الغد طول نهارنا حتى وصلنا إليها عند المغرب، وهي مدينة عظيمة تكون مسيرة يوم ولها ستون شارعا ينفذ كل شارع منها إلى دار الملك، ثم سرنا إلى باب من أبوابها فوجدنا ارتفاع سورها تسعين ذراعا وعرضه تسعين ذراعا وعلى رأس السور نهر عظيم يتفرّق على ستّين جزءا كلّ جزء منها ينزل على باب من الأبواب تتلقاه رحى تصبّه إلى ما دونها ثم إلى غيرها حتى يصبّ في الأرض ثمّ يخرج نصفه تحت السور فيسقي البساتين ويرجع نصفه إلى المدينة فيسقي أهل ذلك الشارع إلى دار الملك ثمّ يخرج في الشارع الآخر إلى خارج البلد فكل شارع فيه نهران وكلّ خلاء فيه مجريان كل واحد يخالف صاحبه، فالداخل يسقيهم والخارج يخرج بفضلاتهم، ولهم بيت عبادة عظيم، ولهم سياسة عظيمة وأحكام متقنة، وبيت عبادتهم يقال إنّه أعظم من مسجد بيت المقدس وفيه تماثيل وتصاوير وأصنام وبدّ عظيم، وأهل البلد لا يذبحون ولا يأكلون اللحوم أصلا، ومن قتل منهم شيئا من الحيوان قتل، وهي دار مملكة الهند والترك معا، ودخلت على ملكهم فوجدته فائقا في فنه كاملا في رأيه فخاطبه الرسل بما جاءوا به من تزويجه ابنته من نوح بن نصر فأجابهم إلى ذلك وأحسن إليّ وإلى الرسل وأقمنا في ضيافته حتى نجزت أمور المرأة وتمّ ما جهّزها به ثمّ سلمها إلى مائتي خادم وثلاثمائة جارية من خواص خدمه وجواريه وحملت إلى خراسان إلى نوح بن نصر فتزوّج بها، قال: وبلغنا أن نصرا عمل قبره قبل وفاته بعشرين سنة، وذلك أنّه حدّ له في مولده مبلغ عمره ومدة انقضاء أجله وأن موته يكون بالسّلّ وعرّف اليوم الذي يموت فيه، فخرج يوم موته إلى خارج بخارى وقد أعلم الناس أنّه ميّت في يومه ذلك وأمرهم أن يتجهزوا له بجهاز التعزية والمصيبة ليتصوّرهم بعد موته بالحال التي يراهم بها، فسار بين يديه ألوف من الغلمان الأتراك المرد وقد ظاهروا اللباس بالسواد وشقوا عن صدورهم وجعلوا التراب على رؤوسهم ثمّ تبعهم نحو ألفي جارية من أصناف الرقيق مختلفي الأجناس واللغات على تلك الهيئة ثمّ جاء على آثارهم عامة الجيش والأولياء يجنبون دوابّهم ويقودون قودهم وقد خالفوا في نصب سروجها عليها وسوّدوا نواصيها وجباهها حاثين التراب على رؤوسهم واتصلت بهم الرعية والتجار في غمّ وحزن وبكاء شديد وضجيج يقدمهم أولادهم ونساؤهم ثم اتصلت بهم الشاكرية والمكارون والحمالون على فرق منهم قد غيّروا زيّهم، وشهر نفسه بضرب من اللباس، ثم جاء أولاده يمشون بين يديه حفاة حاسرين والتراب على رؤوسهم وبين أيديهم وجوه كتّابه وجلّة خدمه ورؤساؤه وقواده، ثمّ أقبل القضاة والمعدلون والعلماء
يسايرونه في غمّ وكآبة وحزن، وأحضر سجلّا كبيرا ملفوفا فأمر القضاة والفقهاء والكتّاب بختمه فأمر نوحا ابنه أن يعمل بما فيه واستدعى شيئا من حسا في زبدية من الصيني الأصفر فتناول منه شيئا يسيرا ثمّ تغرغرت عيناه بالدموع وحمد الله تعالى وتشهّد وقال:
هذا آخر زاد نصر من دنياكم، وسار إلى قبره ودخله وقرأ عشرا فيه واستقرّ به مجلسه ومات، رحمه الله، وتولى الأمر نوح ابنه، قلت: ونحن نشك في صحة هذا الخبر لأن محدثنا به ربما كان ذكر شيئا فسأل الله أن لا يؤاخذه بما قال، ونرجع إلى كلام رسول نصر، قال: وأقمت بسندابل مدينة الصين مدة ألقى ملكها في الأحايين فيفاوضني في أشياء ويسألني عن أمور من أمور بلاد الإسلام، ثم استأذنته في الانصراف فأذن لي بعد أن أحسن إليّ ولم يبق غاية في أمري، فخرجت إلى الساحل أريد كله، وهي أوّل الهند وآخر منتهى مسير المراكب لا يتهيأ لها أن تتجاوزها وإلّا غرقت، قال: فلمّا وصلت إلى كله رأيتها وهي عظيمة عالية السور كثيرة البساتين غزيرة الماء ووجدت بها معدنا للرصاص القلعي لا يكون إلّا في قلعتها في سائر الدنيا، وفي هذه القلعة تضرب السيوف القلعية وهي الهندية العتيقة، وأهل هذه القلعة يمتنعون على ملكهم إذا أرادوا ويطيعونه إن أحبوا، ورسمهم رسم الصين في ترك الذباحة، وليس في جميع الدنيا معدن للرصاص القلعي إلّا في هذه القلعة، وبينها وبين مدينة الصين ثلاثمائة فرسخ، وحولها مدن ورساتيق وقرى، ولهم أحكام حبوس جنايات، وأكلهم البرّ والتمور، وبقولهم كلّها تباع وزنا وأرغفة خبزهم تباع عددا، وليس عندهم حمامات بل عندهم عين جارية يغتسلون بها، ودرهمهم يزن ثلثي درهم ويعرف بالقاهري، ولهم فلوس يتعاملون بها، ويلبسون كأهل الصين الإفرند الصيني المثمن، وملكهم دون ملك الصين ويخطب لملك الصين، وقبلته إليه، وبيت عبادته له، وخرجت منها إلى بلد الفلفل فشاهدت نباته، وهو شجر عاديّ لا يزول الماء من تحته فإذا هبت الريح تساقط حمله فمن ذلك تشنجه وإنما يجتمع من فوق الماء، وعليه ضريبة للملك، وهو شجر حرّ لا مالك له وحمله أبدا فيه لا يزول شتاء ولا صيفا، وهو عناقيد فإذا حميت الشمس عليه انطبق على العنقود عدة من ورقه لئلّا يحترق بالشمس، فإذا زالت الشمس زالت تلك الأوراق، وانتهيت منه إلى لحف الكافور، وهو جبل عظيم فيه مدن تشرف على البحر منها قامرون التي ينسب إليها العود الرطب المعروف بالمندل القامروني، ومنها مدينة يقال لها قماريان، وإليها ينسب العود القماري، وفيه مدينة يقال لها الصنف، ينسب إليها العود الصنفي، وفي اللحف الآخر من ذلك الجبل مما يلي الشمال مدينة يقال لها الصّيمور، لأهلها حظّ من الجمال وذلك لأن أهلها متولدون من الترك والصين فجمالهم لذلك، وإليها تخرج تجارات الترك، وإليها ينسب العود الصيموري وليس هو منها إنّما هو يحمل إليها، ولهم بيت عبادة على رأس عقبة عظيمة وله سدنة وفيه أصنام من الفيروزج والبيجاذق، ولهم ملوك صغار، ولباسهم لباس أهل الصين، ولهم بيع وكنائس ومساجد وبيوت نار، لا يذبحون ولا يأكلون ما مات حتف أنفه، وخرجت إلى مدينة يقال لها جاجلّى على رأس جبل مشرف نصفها على البحر ونصفها على البرّ ولها ملك مثل ملك كله يأكلون البرّ والبيض ولا يأكلون السمك ولا يذبحون، ولهم بيت عبادة كبير معظّم، لم يمتنع على الإسكندر في بلدان الهند غيرها، وإليها يحمل الدارصيني ومنها يحمل إلى سائر الآفاق، وشجر
الدارصيني حرّ لا مالك له، ولباسهم لباس كله إلّا أنهم يتزيّنون في أعيادهم بالحبر اليمانية، ويعظمون من النجوم قلب الأسد، ولهم بيت رصد وحساب محكم ومعرفة بالنجوم كاملة، وتعمل الأوهام في طباعهم، ومنها خرجت إلى مدينة يقال لها قشمير وهي كبيرة عظيمة لها سور وخندق محكمان تكون مثل نصف سندابل مدينة الصين وملكها أكبر من ملك مدينة كله وأتم طاعة، ولهم أعياد في رؤوس الأهلّة وفي نزول النيرين شرفهما، ولهم رصد كبير في بيت معمول من الحديد الصيني لا يعمل فيه الزمان، ويعظمون الثّريّا، وأكلهم البرّ ويأكلون المليح من السمك ولا يأكلون البيض ولا يذبحون، وسرت منها إلى كابل فسرت شهرا حتى وصلت إلى قصبتها المعروفة بطابان، وهي مدينة في جوف جبل قد استدار عليها كالحلقة دوره ثلاثون فرسخا لا يقدر أحد على دخوله إلّا بجواز لأن له مضيقا قد غلّق عليه باب ووكل به قوم يحفظونه فما يدخله أحد إلّا بإذن، والإهليلج بها كثير جدّا، وجميع مياه الرساتيق والقرى التي داخل المدينة تخرج من المدينة، وهم يخالفون ملّة الصين في الذباحة ويأكلون السمك والبيض ويقتل بعضهم بعضا، ولهم بيت عبادة، وخرجت من كابل إلى سواحل البحر الهندي متياسرا فسرت إلى بلد يعرف بمندورقين منابت غياض القنا وشجر الصندل ومنه يحمل الطباشير، وذلك أن القنا إذا جفّ وهبّت عليه الريح احتك بعضه ببعض واشتدت فيه الحرارة للحركة فانقدحت منه نار فربما أحرقت منها مسافة خمسين فرسخا أو أكثر من ذلك فالطباشير الذي يحمل إلى سائر الدنيا من ذلك القنا، فأما الطباشير الجيد الذي يساوي مثقاله مائة مثقال أو أكثر فهو شيء يخرج من جوف القنا إذا هزّ، وهو عزيز جدّا، وما يفجر من منابت الطباشير حمل إلى سائر البلاد وبيع على أنّه توتيا الهند، وليس كذلك لان التوتيا الهندي هو دخان الرصاص القلعي، ومقدار ما يرتفع منه كلّ سنة ثلاثة أمنان أو أربعة أمنان ولا يتجاوز الخمسة، ويباع المنّ منه بخمسة آلاف درهم إلى ألف دينار، وخرجت منها إلى مدينة يقال لها كولم لأهلها بيت عبادة وليس فيه صنم وفيها منابت الساج والبقّم، وهو صنفان وهذا دون والآمرون هو الغاية، وشجر الساج مفرط العظم والطول ربّما جاوز مائة ذراع وأكثر، والخيزران والقنا بها كثير جدّا، وبها شيء من السّندروس قليل غير جيّد والجيّد منه ما بالصين، وهو من عرعر ينبت على باب مدينتها الشرقي، والسندروس شبه الكهربائيّة وأحلّها وفيها مغناطيس يجذب كل شيء إذا أحمي بالدّلك، وعندهم الحجارة التي تعرف بالسندانية يعمل بها السقوف، وأساطين بيوتهم من خرز أصلاب السمك الميت ولا يأكلونه، ولا يذبحون، وأكثرهم يأكل الميتة، وأهلها يختارون للصين ملكا إذا مات ملكهم، وليس في الهند طبّ إلّا في هذه المدينة، وبها تعمل غضائر تباع في بلداننا على أنّه صينيّ وليس هو صينيّ لأن طين الصين أصلب منه وأصبر على النار وطين هذه المدينة الذي يعمل منه الغضائر المشبه بالصيني يخمر ثلاثة أيام لا يحتمل أكثر منها وطين الصين يخمر عشرة أيام ويحتمل أكثر منها، وخزف غضائرها أدكن اللون وما كان من الصين أبيض وغيره من الألوان شفّافا وغير شفاف فهو معمول في بلاد فارس من الحصى والكلس القلعيّ والزجاج يعجن على البوائن وينفخ ويعمل بالماسك كما ينفخ الزجاج مثل الجامات وغيرها من الأواني، ومن هذه المدينة يركب إلى عمان، وبها راوند ضعيف العمل والصيني أجود منه، والراوند
قرع يكون هناك وورقه السادج الهندي، وإليها تنسب أصناف العود والكافور واللبان والقتار، وأصل العود نبت في جزائر وراء خطّ الاستواء، وما وصل إلى منابته أحد ولم يعلم أحد كيف نباته وكيف شجره ولا يصف إنسان شكل ورق العود وإنما يأتي به الماء إلى جانب الشمال، فما انقلع وجاء إلى الساحل فأخذ رطبا بكله وبقامرون أو في بلد الفلفل أو بالصنف أو بقماريان أو بغيرها من السواحل بقي إذا أصابته الريح الشمال رطبا أبدا لا يتحرّك عن رطبه، وهو المعروف بالقامروني المندلي، وما جف في البحر ورمي يابسا فهو الهندي المصمت الثقيل ومحنته أن ينال منه بالمبرد ويلقى على الماء فإن لم ترسب برادته فليس بمختار وإن رسبت فهو الخالص الذي ما بعده غاية، وما جفّ منه في مواضعه ونخر في البحر فهو القماري، وما نخر في مواضعه وحمله البحر نخرا فهو الصنفي، وملوك هذه المرافئ يأخذون ممن يجمع العود من السواحل ومن البحر العشر، وأمّا الكافور فهو في لحف جبل بين هذه المدينة وبين مندورقين مطلّ على البحر وهو لبّ شجر يشقّ فيوجد الكافور كامنا فيه فربما وجد مائعا وربما كان جامدا لأنّه صمغ يكون في لبّ هذا الشجر، وبها شيء من الإهليلج قليل والكابلي أجود منه لأن كابل بعيدة من البحر، وجميع أصناف الإهليلج بها وكل شجر مما نثرته الريح فجّا غير نضيج فهو الأصفر، وهو حامض بارد، وما بلغ وقطف في أوان إدراكه فهو الكابلي، وهو حلو حارّ، وما ترك في شجره في أيام الشتاء حتى يسود فهو الأسود مرّ حارّ، وبها معدن كبريت أصفر ومعدن نحاس يخرج من دخانه توتيا جيد، وجميع أصناف التوتيا كلها من دخان النحاس إلّا الهندي فإنّه كما ذكرنا يخرج من دخان الرصاص القلعي، وماء هذه المدينة وماء مندورقين من الصهاريج المختزن فيها من مياه الأمطار، ولا زرع فيها إلّا القرع الذي فيه الراوند فإنّه يزرع بين الشوك، وكذلك أيضا بطيخهم عزيز جدّا، وبها قنبيل يقع من السماء ويجمع بأخثاء البقر، والعربي أجود منه، وسرت من مدن السواحل إلى الملتان، وهي آخر مدن الهند ممّا يلي الصين وأوّلها ممّا يلينا وتلي أرض السند، وهي مدينة عظيمة جليلة القدر عند أهل الهند والصين لأنّها بيت حجهم ودار عبادتهم مثل مكّة عند المسلمين وبيت المقدس عند اليهود والنصارى، وبها القبة العظمى والبدّ الأكبر، وهذه القبة سمكها في السماء ثلاثمائة ذراع وطول الصنم في جوفها مائة ذراع، وبين رأسه وبين القبة مائة ذراع، وبين رجليه وبين الأرض مائة ذراع، وهو معلّق من جوفها لا بقائمة من أسفله يدعم عليها ولا بعلاقة من أعلاه تمسكه، قلت:
هذا هو الكذب الصراح لأن هذا الصنم ذكره المدائني في فتوح الهند والسند وذكر أن طوله عشرون ذراعا، قال أبو دلف: البلد في يد يحيى بن محمد الأموي هو صاحب المنصورة أيضا والسند كلّه في يده، والدولة بالملتان للمسلمين وملّاك عقرها ولد عمر بن علي بن أبي طالب، والمسجد الجامع مصاقب لهذه القبة، والإسلام بها ظاهر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بها شامل، وخرجت منها إلى المنصورة، وهي قصبة السند، والخليفة الأموي مقيم بها يخطب لنفسه ويقيم الحدود ويملك السند كلّه بره وبحره، ومنها إلى البحر خمسون فرسخا، وبساحلها مدينة الدّيبل، وخرجت من المنصورة إلى بغانين، وهو بلد واسع يؤدي أهله الخراج إلى الأموي وإلى صاحب بيت الذهب، وهو بيت من ذهب في صحراء تكون أربعة فراسخ ولا يقع عليها الثلج ويثلج ما حولها،
وفي هذا البيت رصد الكواكب، وهو بيت تعظمه الهند والمجوس، وهذه الصحراء تعرف بصحراء زردشت صاحب المجوس، ويقول أهل هذه البلدان:
إن هذه الصحراء متى خرج منها إنسان يطلب دولة لم يغلب ولم يهزم له عسكر حيثما توجه، ومنها إلى شهر داور ومنها إلى بغنين ومنها إلى غزنين وبها تتفرّق الطرق فطريق يأخذ يمنة إلى باميان وختلان وخراسان، وطريق يأخذ تلقاء القبلة إلى بست ثمّ إلى سجستان، وكان صاحب سجستان في وقت موافاتي إياها أبا جعفر محمد بن أحمد بن الليث وأمه بانويه أخت يعقوب بن الليث، وهو رجل فيلسوف سمح كريم فاضل، له في بلده طراز تعمل فيه ثياب، ويخلع في كل يوم خلعة على واحد من زوّاره ويقوّم عليه من طرازها بخمسة آلاف درهم ومعها دابّة النوبة ووليّ الحمام والمسند والمطرح ومسورتان ومخدّتان، وبذلك يعمل ثبت ويسلّم إلى الزائر فيستوفيه من الخازن، هذا آخر الرسالة.

علم النحو

علم النحو
علم باحث عن أحوال المركبات الموضوعة وضعا نوعيا لنوع نوع من المعاني التركيبية النسبية من حيث دلالتها عليها.
وغرضه: تحصيل ملكة يقتدر بها على إيراد تركيب وضع وضعا نوعيا لما أراده المتكلم من المعاني وعلى فهم معنى أي مركب كان بحسب الوضع المذكور.
وغايته: الاحتراز عن الخطأ في تطبيق التراكيب العربية على المعاني الوضعية الأصلية.
ومباديه: المقدمات الحاصلة من تتبع الألفاظ المركبة في موارد الاستعمالات.
وموضوعه: المركبات والمفردات من حيث وقوعها في التراكيب والأدوات لكونها روابط التراكيب وإنما يبحث عنها في النحو على وجه المبدئية لأنها من مسائل اللغة حقيقة كذا في مدينة العلوم.
وقال في كشف الظنون: وتعريفه وموضوعه مستغن عن التعريف فأنه مشهور والكتب المؤلفة فيه كثيرة معروفة.
قال في مدينة العلوم: علم النحو من فروض الكفايات إذ يحتاج إليه الاستدلال بالكتاب والسنة.
وفي كشاف اصطلاحات الفنون علم النحو ويسمى: علم الإعراب أيضا على ما في شرح اللب وهو علم يعرف به كيفية التركيب العربي صحة وسقما وكيفية ما يتعلق بالألفاظ من حيث وقوعها فيه من حيث هو هو أولا وقوعها فيه كذا في الإرشاد.
وموضوعه: اللفظ الموضوع مفردا كان أو مركبا وهو الصواب كذا قيل.
يعني موضوع النحو: اللفظ الموضوع باعتبار هيئته التركيبية وتأديتها لمعانيها الأصلية لا مطلقا فإنه موضوع العلوم العربية.
وقيل: الكلمة والكلام.
وقيل: هو المركب بإسناد أصلي.
ومباديه: حدود ما تبتني عليه مسائله كحد المبتدأ والخبر مقدمات حججها أي أجزاء علل المسائل كقولهم في حجة رفع الفاعل أنه أقوى الأركان والرفع أقوى الحركات ومسائله الأحكام المتعلقة بالموضوع كقولهم. الكلمة: إما معرب أو مبني أو جزئه كقولهم آخر الكلمة محل الأعراب أو جزئية كقولهم: الاسم بالسببين يمتنع عن الصرف أو عرضه كقولهم: الخبر.
إما مفردا وجملة أو خاصته كقولهم الإضافة تزاحم التنوين ولو بواسطة أو وسائط أي ولو كان تعلق الأحكام بأحد هذه الأمور ثابتا بواسطة أو وسائط كقولهم الأمر يجاب بالفاء فالأمر جزئي من الإنشاء والإنشاء جزئي من الكلام.
والغرض منه: الاحتراز عن الخطأ في التأليف والاقتدار على فهمه والإفهام به هكذا في الإرشاد وحواشيه وغيرها انتهى حاصله.
قال ابن خلدون رحمه الله: اعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده وتلك العبارة فعل الساني فلابد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم وكانت الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكــات وأوضحها إبانة عن المقاصد لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني مثل: الحركات التي تعين الفاعل من المفعول ومن المجرور أعني المضاف ومثل: الحروف التي تفضي بالأفعال إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى وليس يوجد ذلك إلا في لغة العرب وأما غيرها من اللغات فكل معنى أو حال لا بد له من ألفاظ تخصه بالدلالة ولذلك نجد كلام العجم في مخاطباتهم أطول مما نقدره بكلام العرب وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصاراً". فصار للحروف في لغتهم والحركات والهيئات أي: الأوضاع اعتبار في الدلالة على المقصود غير متكلفين فيه لصناعة يستفيدون ذلك منها إنما ملكة في ألسنتهم يأخذها الآخر عن الأول كما تأخذ صبياننا لهذا العهد لغاتنا فلما جاء الإسلام وفارقوا الحجاز لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم والدول وخالطوا العجم تغيرت تلك الملكــة بما ألقي إليه السمع من المخالفات التي للمتعربين والسمع أبو الملكــات اللسانية ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكــة رأسا ويطول العهد بها فينغلق القرآن والحديث على الفهوم فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكــة مطردة شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ويلحقون الأشباه بالأشباه مثل: أن الفاعل مرفوع المفعول منصوب والمبتدأ مرفوع.
ثم رأوا تغير الدلالة بتغيير حركات هذه الكلمات فاصطلحوا على تسميته إعرابا وتسمية الموجب لذلك التغير عاملا وأمثال ذلك وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم فقيدوها بالكتاب وجعلوها صناعة لهم مخصوصة واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو.
وأول من كتب فيها: أبو الأسود الدؤلي من بني كنانة ويقال: بإشارة علي رضي الله عنه لأنه رأى تغير الملكــة فأشار عليه بحفظها ففرغ إلى ضبطها بالقوانين الحاضرة المستقرأة.
ثم كتب فيها الناس من بعده إلى أن انتهت إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أيام الرشيد أحوج ما كان الناس إليها لذهاب تلك الملكــة من العرب فهذب الصناعة وكمل أبوابها.
وأخذها عنه سيبويه فكمل تفاريعها واستكثر من أدلتها وشواهدها ووضع فيها كتابه المشهور الذي صار إماما لكل ما كتب فيها من بعده. ثم وضع أبو علي الفارسي وأبو القاسم الزجاج كتبا مختصرة للمتعلمين يحذون فيها حذو الإمام في كتابه.
ثم طال الكلام في هذه الصناعة وحدث الخلاف بين أهلها في الكوفة والبصرة المصرين القديمين للعرب وكثرت الأدلة والحجاج بينهم وتباينت الطرق في التعليم وكثر الاختلاف في أعراب كثير من أي القرآن باختلافهم في تلك القواعد وطال ذلك على المتعلمين.
وجاء المتأخرون بمذاهبهم في الاختصار فاختصروا كثيرا من ذلك الطول مع استيعابهم لجميع ما نقل. كما فعله ابن مالك في كتاب التسهيل وأمثاله.
أو اقتصارهم على المبادئ للمتعلمين كما فعله الزمخشري في المفصل وابن الحاجب في المقدمة له وربما نظموا ذلك نظما مثل ابن مالك في الأرجوزتين الكبرى والصغرى وابن معطي في الأرجوزة الألفية.
وبالجملة فالتأليف في هذا الفن أكثر من أن تحصى أو تحاط بها وطرق التعليم فيها مختلفة فطريقة المتقدمين غايرة لطريقة المتأخرين والكوفيون والبصريون والبغداديون والأندلسيون مختلفة طرقهم كذلك وقد كادت هذه الصناعة أن تؤذن بالذهاب لما رأينا من النقص في سائر العلوم والصنائع بتناقص العمران ووصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها استوفى فيه أحكام الأعراب مجملة ومفصلة وتكلم على الحروف والمفردات والجمل وحذف ما في الصناعة من المتكرر في أكثر أبوابها وسماه بالمغني في الإعراب وأشار إلى نكت إعراب القرآن كلها وضبطها بأبواب ومفصول وقواعد انتظمت سائرها فوقفنا منه على علم جم يشهد بعلو قدره في هذه الصناعة ووفور بضاعته منها وكأنه ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جني واتبعوا مصطلح تعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه والله يزيد في الخلق ما يشاء انتهى.
قال في مدينة العلوم: ومن الكتب المشهورة في علم النحو مقدمة لابن الحاجب المسماة بالكافية والناس قد اعتنوا بالكافية أشد الاعتناء بحيث لا يمكن إحصاء شروحها وأجلها الذي سار ذكره في الأمصار والأقطار مسير الصبا والأمطار شرح العرمة نجم الأئمة رضي الدين الإسترآبادي وهو شرح عظيم الشأن جامع لكل بيان وبرهان تضمن من المسائل أفضلها وأعلاها ولم يغادر من الفوائد صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
قال السيوطي في طبقات النحاة: لم يؤلف عليها ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل وقد أكب الناس عليه وتداولوه واعتمده شيوخ العصر في مصنفاتهم ودروسهم وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذاهب ينفرد بها وله شرح على الشافية انتهى.
ويروى: أن رضي الدين كان على مذهب الرفض يحكى أنه: كان يقول العدل في عمر ليس بتحقيقي موضع قوله العدل في عمر تقديري نعوذ بالله من الغلو في البدعة والعصبية في الباطل.
ومن شروح الكافية شرح السيد ركن الدين كبير ومتوسط صغير وهذا المتوسط متداول بين الناس على أيدي المبتدئين. وشرح الفاضل السامي الشيخ عبد الرحمن الجامي بلغ غاية لا يمكن الزيادة عليها في لطف التحرير وحسن الترتيب وشهرة حاله في بلادنا أغنتنا عن التعرض لترجمته.
وشرح جلال الدين الغجدواني أحمد بن علي قال السيوطي هذا الشرح مشهور بأيدي الناس
وشرح النجم السعيدي.
وشرح تقي الدين النيلي وشرح المصنف للمتن وفيه أبحاث حسنة.
ومن المختصرات لب الألباب وعليه شروح أحسنها شرح السيد عبد الله العجمي نقره كار ومعناه: صانع الفضة ولب الإعراب لتاج الدين الإسفرائيني وله شروح منها شرح قطب الدين الفالي وشرح الإمام الزوزني محمد بن عثمان وزوزن بلدين هراة ونيسابور.
وشرح الشيخ علي الشهير بمصنفك كان من أولاد الإمام فخر الدين الرازي والرازي يصرح في مصنفاته بأنه من أولاد عمر بن الخطاب وذكر أهل التاريخ أنه من أولاد أبي بكر الصديق.
ومن المختصرات أيضا: المصباح للإمام المطرزي وشرحه ضوء المصباح للإسفرايئني.
والعمدة لابن مالك وعليه شروح منها: شرح ابن جابر الأندلسي.
وألفية جلال الدين السيوطي ومن المنظومات ملحة الإعراب لأبي القاسم الحريري.
وأرجوزة الشيخ ابن الحاجب نظم الكافية على أحسن وجه خاليا عن تكلف النظم.
ومن المبسوطات: شروح المفصل منها: الإيضاح لابن الحاجب وشرح ابن يعيش والإقليد للجندي وكتاب مغنى اللبيب عن كتب الأعازيب لابن هشام وله مختصر سماه قواعد الإعراب وعليهما شروح نافعة.
قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له: ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه قال السيوطي: وقد كتبت عليه حاشية وشرحا لشواهده انتهى حاصل ما في مدينة العلوم وقد أطال في بيان تراجم النحاة المذكورين.

رُومِيَةُ

رُومِيَةُ:
بتخفيف الياء من تحتها نقطتان، كذا قيّده الثقات، قال الأصمعي: وهو مثل أنطاكية وأفامية ونيقية وسلوقية وملطية، وهو كثير في كلام الروم وبلادهم، وهما روميتان: إحداهما بالروم والأخرى بالمدائن بنيت وسمّيت باسم ملك، فأمّا التي في بلاد الروم فهي مدينة رياسة الروم وعلمهم، قال بعضهم: هي مسماة باسم رومي بن لنطي بن يونان بن يافث بن نوح، عليه السلام، وذكر بعضهم: إنّما سمّي الروم روما لإضافتهم إلى مدينة رومية واسمها رومانس بالروميّة، فعرّب هذا الاسم فسمّي من كان بها روميّا، وهي شمالي وغربي القسطنطينيّة بينهما مسيرة خمسين يوما أو أكثر، وهي اليوم بيد الأفرنج، وملكها يقال له ملك ألمان، وبها يسكن البابا الذي تطيعه الفرنجية، وهو لهم بمنزلة الإمام، متى خالفه أحد منهم كان عندهم عاصيا مخطئا يستحق النفي والطرد والقتل، يحرّم عليهم نساءهم وغسلهم وأكلهم وشربهم فلا يمكن أحدا منهم مخالفته، وذكر بطليموس في كتاب الملحمة قال: مدينة رومية طولها خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها إحدى وأربعون درجة وخمسون دقيقة، في
الإقليم الخامس، طالعها عشرون درجة من برج العقرب تحت سبع عشرة درجة من برج السرطان، يقابلها مثلها من برج الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، لها شركة في كفّ الجذماء، حولها كل نحو عامر، وفيها جاءت الرواية من كلّ فيلسوف وحكيم، وفيها قامت الأعلام والنجوم، وقد روي عن جبير بن مطعم أنّه قال: لولا أصوات أهل رومية وضجّهم لسمع الناس صليل الشمس حيث تطلع وحيث تغرب، ورومية من عجائب الدنيا بناء وعظما وكثرة خلق وأنا من قبل أن آخذ في ذكرها أبرأ إلى الناظر في كتابي هذا ممّا أحكيه من أمرها، فإنّها عظيمة جدّا خارجة عن العادة مستحيل وقوع مثلها، ولكني رأيت جماعة ممّن اشتهروا برواية العلم قد ذكروا ما نحن حاكوه فاتبعناهم في الرواية، والله أعلم، روي عن ابن عباس، رضي الله عنه، أنّه قال: حلية بيت المقدس أهبطت من الجنة فأصابتها الروم فانطلقت بها إلى مدينة لهم يقال لها رومية، قال: وكان الراكب يسير بضوء ذلك الحلي مسيرة خمس ليال، وقال رجل من آل أبي موسى: أخبرني رجل يهودي قال:
دخلت رومية وإن سوق الطير فيها فرسخ، وقال مجاهد: في بلد الروم مدينة يقال لها رومية فيها ستمائة ألف حمّام، وقال الوليد بن مسلم الدمشقي:
أخبرني رجل من التجار قال: ركبنا البحر وألقتنا السفينة إلى ساحل رومية فأرسلنا إليهم إنّا إيّاكم أردنا، فأرسلوا إلينا رسولا، فخرجنا معه نريدها فعلونا جبلا في الطريق فإذا بشيء أخضر كهيئة اللّجّ فكبّرنا فقال لنا الرسول: لم كبّرتم؟ قلنا:
هذا البحر ومن سبيلنا أن نكبّر إذا رأيناه، فضحك وقال: هذه سقوف رومية وهي كلّها مرصّصة، قال: فلمّا انتهينا إلى المدينة إذا استدارتها أربعون ميلا في كلّ ميل منها باب مفتوح، قال: فانتهينا إلى أوّل باب وإذا سوق البياطرة وما أشبهه ثمّ صعدنا درجا فإذا سوق الصيارفة والبزّازين ثمّ دخلنا المدينة فإذا في وسطها برج عظيم واسع في أحد جانبيه كنيسة قد استقبل بمحرابها المغرب وببابها المشرق، وفي وسط البرج بركة مبلّطة بالنحاس يخرج منها ماء المدينة كلّه، وفي وسطها عمود من حجارة عليه صورة رجل من حجارة، قال: فسألت بعض أهلها فقلت ما هذا؟ فقال: إن الذي بنى هذه المدينة قال لأهلها لا تخافوا على مدينتكم حتى يأتيكم قوم على هذه الصفة فهم الذين يفتحونها، وذكر بعض الرهبان ممن دخلها وأقام بها أن طولها ثمانية وعشرون ميلا في ثلاثة وعشرين ميلا، ولها ثلاثة أبواب من ذهب، فمن باب الذهب الذي في شرقيّها إلى البابين الآخرين ثلاثة وعشرون ميلا، ولها ثلاثة جوانب في البحر والرابع في البرّ، والباب الأوّل الشرقيّ والآخر الغربي والآخر اليمني، ولها سبعة أبواب أخر سوى هذه الثلاثة الأبواب من نحاس مذهّب، ولها حائطان من حجارة رخام وفضاء طوله مائتا ذراع بين الحائطين، وعرض السور الخارج ثمانية عشر ذراعا، وارتفاعه اثنان وستون ذراعا، وبين السورين نهر ماؤه عذب يدور في جميع المدينة ويدخل دورهم مطبق بدفوف النحاس كلّ دفّة منها ستة وأربعون ذراعا، وعدد الدفوف مائتان وأربعون ألف دفة، وهذا كلّه من نحاس، وعمود النهر ثلاثة وتسعون ذراعا في عرض ثلاثة وأربعين ذراعا، فكلّما همّ بهم عدوّ وأتاهم رفعت تلك الدفوف فيصير بين السورين بحر لا يرام، وفيما بين أبواب الذهب إلى باب الملك اثنا عشر ميلا وسوق مادّ من شرقيّها إلى غربيّها بأساطين النحاس
مسقّف بالنحاس وفوقه سوق آخر، وفي الجميع التجار، وبين يدي هذا السور سوق آخر على اعمدة نحاس كل عمود منها ثلاثون ذراعا، وبين هذه الأعمدة نقيرة من نحاس في طول السوق من أوّله إلى آخره فيه لسان يجري من البحر فتجيء السفينة في هذا النقير وفيها الأمتعة حتى تجتاز في السوق بين يدي التجار فتقف على تاجر تاجر فيبتاع منها ما يريد ثمّ ترجع إلى البحر، وفي داخل المدينة كنيسة مبنية على اسم ماربطرس وماربولس الحواريين، وهما مدفونان فيها، وطول هذه الكنيسة ألف ذراع في خمسمائة ذراع في سمك مائتي ذراع، وفيها ثلاث باسليقات بقناطر نحاس، وفيها أيضا كنيسة بنيت باسم اصطفانوس رأس الشهداء، طولها ستمائة ذراع في عرض ثلاثمائة ذراع في سمك مائة وخمسين ذراعا، وثلاث باسليقات بقناطرها وأركانها، وسقوف هذه الكنيسة وحيطانها وأرضها وأبوابها وكواها كلّها وجميع ما فيها كأنّه حجر واحد، وفي المدينة كنائس كثيرة، منها أربع وعشرون كنيسة للخاصة، وفيها كنائس لا تحصى للعامّة، وفي المدينة عشرة آلاف دير للرجال والنساء، وحول سورها ثلاثون ألف عمود للرهبان، وفيها اثنا عشر ألف زقاق يجري في كل زقاق منها نهران واحد للشرب والآخر للحشوش، وفيها اثنا عشر ألف سوق، في كلّ سوق قناة ماء عذب، وأسواقها كلّها مفروشة بالرخام الأبيض منصوبة على أعمدة النحاس مطبقة بدفوف النحاس، وفيها عشرون ألف سوق بعد هذه الأسواق صغار، وفيها ستمائة ألف وستون ألف حمّام، وليس يباع في هذه المدينة ولا يشترى من ستّ ساعات من يوم السبت حتى تغرب الشمس من يوم الأحد، وفيها مجامع لمن يلتمس صنوف العلم من الطبّ والنجوم وغير ذلك يقال إنّها مائة وعشرون موضعا، وفيها كنيسة تسمّى كنيسة الأمم إلى جانبها قصر الملك، وتسمّى هذه الكنيسة صهيون بصهيون بيت المقدس، طولها فرسخ في فرسخ في سمك مائتي ذراع، ومساحة هيكلها ستة أجربة، والمذبح الذي يقدّس عليه القربان من زبرجد أخضر طوله عشرون ذراعا في عرض عشرة أذرع يحمله عشرون تمثالا من ذهب طول كل تمثال ثلاثة أذرع أعينها يواقيت حمر، وإذا قرّب على هذا المذبح قربان في الأعياد لا يطفأ إلّا يصاب، وفي رومية من الثياب الفاخرة ما يليق به، وفي الكنيسة ألف ومائتا أسطوانة من المرمر الملمّع ومثلها من النحاس المذهب طول كلّ أسطوانة خمسون ذراعا، وفي الهيكل ألف وأربعمائة وأربعون أسطوانة طول كلّ أسطوانة ستون ذراعا لكل أسطوانة رجل معروف من الأساقفة، وفي الكنيسة ألف ومائتا باب كبار من النحاس الأصفر المفرّغ وأربعون بابا كبارا من ذهب سوى أبواب الآبنوس والعاج وغير ذلك، وفيها ألف باسليق طول كل باسليق أربعمائة وثمانية وعشرون ذراعا في عرض أربعين ذراعا، لكل باسليق أربعمائة وأربعون عمودا من رخام مختلف ألوانه، طول كل واحد ستة وثلاثون ذراعا، وفيها أربعمائة قنطرة تحمل كلّ قنطرة عشرون عمودا من رخام، وفيها مائة ألف وثلاثون ألف سلسلة ذهب معلّقة في السقف ببكر ذهب تعلّق فيها القناديل سوى القناديل التي تسرج يوم الأحد، وهذه القناديل تسرج يوم أعيادهم وبعض مواسمهم، وفيها الأساقفة ستمائة وثمانية عشر أسقفا، ومن الكهنة والشمامسة ممن يجري عليه الرزق من الكنيسة دون غيرهم خمسون ألفا، كلما مات واحد أقاموا مكانه آخر، وفي المدينة كنيسة الملك وفيها خزائنه التي فيها أواني الذهب والفضة مما قد جعل للمذبح، وفيها عشرة
آلاف جرّة ذهب يقال لها الميزان وعشرة آلاف خوان ذهب وعشرة آلاف كأس وعشرة آلاف مروحة ذهب ومن المنائر التي تدار حول المذبح سبعمائة منارة كلها ذهب، وفيها من الصلبان التي تخرج يوم الشعانين ثلاثون ألف صليب ذهب ومن صلبان الحديد والنحاس المنقوشة المموّهة بالذهب ما لا يحصى ومن المقطوريّات عشرون ألف مقطوريّة، وفيها ألف مقطرة من ذهب يمشون بها أمام القرابين، ومن المصاحف الذهب والفضة عشرة آلاف مصحف، وللبيعة وحدها سبعة آلاف حمّام سوى غير ذلك من المستغلّات، ومجلس الملك المعروف بالبلاط تكون مساحته مائة جريب وخمسين جريبا، والإيوان الذي فيه مائة ذراع في خمسين ذراعا ملبّس كلّه ذهبا وقد مثّل في هذه الكنيسة مثال كلّ نبيّ منذ آدم، عليه السلام، إلى عيسى ابن مريم، عليه السلام، لا يشكّ الناظر إليهم أنّهم أحياء، وفيها ثلاثة آلاف باب نحاس مموّه بالذهب، وحول مجلس الملك مائة عمود مموّهة بالذهب على كل واحد منها صنم من نحاس مفرّغ في يد كلّ صنم جرس مكتوب عليه ذكر أمّة من الأمم وجميعها طلسمات، فإذا همّ بغزوها ملك من الملوك تحرّك ذلك الصنم وحرّك الجرس الذي في يده فيعلمون أن ملك تلك الأمة يريدهم فيأخذون حذرهم، وحول الكنيسة حائطان من حجارة طولهما فرسخ وارتفاع كل واحد منهما مائة ذراع وعشرون ذراعا لهما أربعة أبواب، وبين يدي الكنيسة صحن يكون خمسة أميال في مثلها في وسطه عمود من نحاس ارتفاعه خمسون ذراعا، وهذا كله قطعة واحدة مفرّغة، وفوقه تمثال طائر يقال له السوداني من ذهب على صدره نقش طلسم وفي منقاره مثال زيتونة وفي كلّ واحدة من رجليه مثال ذلك، فإذا كان أوان الزيتون لم يبق طائر في الأرض إلّا وأتى وفي منقاره زيتونة وفي كل واحدة من رجليه زيتونة حتى يطرح ذلك على رأس الطلسم، فزيت أهل رومية وزيتونهم من ذلك، وهذا الطلسم عمله لهم بليناس صاحب الطلسمات، وهذا الصحن عليه أمناء وحفظة من قبل الملك وأبوابه مختومة، فإذا امتلأ وذهب أوان الزيتون اجتمع الأمناء فعصروه فيعطى الملك والبطارقة ومن يجري مجراهم قسطهم من الزيت ويجعل الباقي للقناديل التي للبيع، وهذه القصة، أعني قصة السوداني، مشهورة قلّما رأيت كتابا تذكر فيه عجائب البلاد إلّا وقد ذكرت فيه، وقد روي عن عبد الله بن عمرو ابن العاص أنّه قال: من عجائب الدنيا شجرة برومية من نحاس عليها صورة سودانية في منقارها زيتونة فإذا كان أوان الزيتون صفرت فوق الشجرة فيوافي كل طائر في الأرض من جنسها بثلاث زيتونات في منقاره ورجليه حتى يلقي ذلك على تلك الشجرة فيعصر أهل رومية ما يكفيهم لقناديل بيعتهم وأكلهم لجميع الحول، وفي بعض كنائسهم نهر يدخل من خارج المدينة، في هذا النهر من الضفادع والسلاحف والسراطين أمر عظيم، فعلى الموضع الذي يدخل منه الكنيسة صورة صنم من حجارة وفي يده حديدة معقفة كأنّه يريد أن يتناول بها شيئا من الماء، فإذا انتهت إليه هذه الدوابّ المؤذية رجعت مصاعدة ولم يدخل الكنيسة منها شيء البتة، قال المؤلف: جميع ما ذكرته ههنا من صفة هذه المدينة هو من كتاب أحمد بن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه وليس في القصة شيء أصعب من كون مدينة تكون على هذه الصفة من العظم على أن ضياعها إلى مسيرة أشهر لا تقوم مزدرعاتها بميرة أهلها، وعلى ذلك فقد حكى جماعة من بغداد أنّها كانت من العظم والسعة وكثرة الخلق والحمّامات
ما يقارب هذا وإنّما يشكل فيه أن القارئ لهذا لم ير مثله، والله أعلم، فأمّا أنا فهذا عذري على أنني لم أنقل جميع ما ذكر وإنّما اختصرت البعض.

التّرجيع

التّرجيع:
[في الانكليزية] Call to the prayer in a low voice then in a high one ،harmony of the stanzas of a poem
[ في الفرنسية] L'appel a la priere par voix basse et voix haute ،harmonie des strophes d'un poeme .
عند الفقهاء هو أن يأتي المؤذن كلّا من الشهادتين مرّتين خافضا بهما صوته ومرّتين رافعا بهما صوته، كذا في البرجندي في باب الآذان.
والترجيع عند الشعراء هو أن يقسم الشاعر قصيدته إلى عدة قطع متساوية في عدد الأبيات.
فإن كان القسم الأول مؤلّفا من خمس أبيات، فالقطع الباقية تكون خماسية أيضا. وإن كانت سبع أبيات فالباقي كذلك، ولا تقلّ عدد الأبيات عن خمسة ولا تزيد عن أحد عشر، وينبغي أن تتّفق أوزان الأبيات دون القافية، بل يشترط اختلاف القافية. ولكلّ قطعة مطلع مستقلّ. وبعد تمام كلّ قطعة يؤتى ببيت جديد بقافية أو رديف آخر، أو يكرّر بيت القطعة الأولى، ويسمّى هذا البيت: العقدة. فإذا تكرّر بعينه سمع هذا النوع من النظم: ترجيع بند. أمّا إذا اختلف فيسمّى تركيب بند. وهذا النوع الأخير قسمان:
إمّا أن تكون أبيات البند كلّ واحد منها على حدة، ولكنّها على قافية واحدة بحيث لو جمعت تلك الأبيات وحدها يمكن أن تصبح قطعة كاملة.
وإمّا أن تكون أبيات البند كلّ واحد منها على قافية خاصّة تختلف عن بعضها. وفي جميع الأقسام يجب أن يكون بيت العقدة مرتبطا معناها بحسب ما قبلها. هذا كلّه خلاصة ما في جامع الصنائع. وقد أورد مثالا على ذلك قطعة من شعر مولانا حافظ الشيرازى قدّس سرّه.

والمعنى لهذا الشعر:
يا من أضعت المحبة مع الريح أهكذا يكون الوفاء وحفظ العهد؟ وبالنتيجة فأنا جريح القلب ومتألّم فإلى متى تسلمني إلى شبكة الغم؟ لم أحصل على نتيجة من زلفك سوى اللوعة والاضطراب أيّها العزيز حتى م تجفو وتذلّ الضّعفاء؟ فما دام الأمل مفقودا بأنّك ذات يوم سترحم العاشق المدنف، فالأفضل أن لا أصرف وجهي عن الصبر.
فعسى أن ينال قلبي مراده.
أيّها الساقي من تلك الخمرة ليلا صبّ لي اثنين أو ثلاثة كئوس من خمر الحبّ فما دام في رأسي شيء من العقل باقيا فلا تضيع الفرصة واعطني خمرا منسوبة.
إلى كهان المجوس. لطالما نار القلب في صدري ارتفعت شعلتها.
فيا حافظ اشرب الخمر بالسرور فحتى م تغتم لصروف الزمان بما أنه لا يبدو بأي حال ساحل لبحر الفراق.
فمن الأفضل أن لا أتخلّى عن الصبر. فعسى القلب ينال مراده.
إن أمت في عشقك الصّعب فلن يتراجع قلبي عن الاهتمام بك فدائما حواجبه المقوّسة ترميني بسهام لا نجاة منها.
لا يستطيع القلم بيان الشّوق إليه، ولو صار الفلك القديم العهد كاتبي
لي رأس كما كان لسعدي سأجلس وأصبر.
وبما أنّ الزمان الظالم جعلني أسير غمّك وأنا بعيد عنك.
فمن الأفضل أن لا أتخلّى عن الصبر فلعلّ القلب ينال مراده.
وإليك مثالا آخر من تركيب بند من القسم الأوّل حيث أبيات العقدة متوافقة في القوافي لخواجه سلمان السّاوجي:
لقد صارت مرآة جمال الروح لقاء وجهك لم أر مرآة ذات صفاء كصفاء وجهك.
إنّ النّظر إلى وجهك يشبه النظر إلى الورد وإن كان هو لا يبقى فليبق وجهك.
الناس في الدارين الدنيا والآخرة يشترون (يسعون) للحصول على روحك، وأنا أبذل كلا الدارين من أجل نصف ثمن وجهك.
لقد رأت عيناي وجهك ومن ثمّ قلبي ذهب إنّه ذنب عيني وليس جفاء وجهك.
إن كسرى وجمشيد بالنسبة إليه كلاهما ملكان كاذبان.
وإنّ حاتم ومعن (بن زائدة) على بابه كلاهما سائلان في الواقع.
بخ بخ ماذا يكون لو أقتل من أجل مثلك إن مات مائة مثلي فلتبق أنت إنّ «الجور» منك عزّ لا يصل إليه أيّ كان فأنّى لمثلي أن يصل إليه جور وجفاء مثلك في حارة العشق يستوي الملك والسائل إنّ من يستجدي مثلك فهو الملك.
إن لم أبذل الروح في سبيل عشقك لأنّها لا تساوي حقّك ولأنّها ليست لائقة لمثلك.
إنّه لا يرى الجفاء جائزا خاصة ممّن هو عبد للملك ويدعى موافقة هوى مثلك.
من ماء وجهك على ضفة نهر السلطان منها سرو الجلال والجاه في الواقع والآن إليك القسم الثاني من تركيب بند مختلف القوافي، ولكلّ واحد منها مطلع مستقلّ، وهي لمولانا حافظ الشيرازي والمعنى.
يا من أنت رحمة من الله وبرعم من حديقة الملك أنت لفلك الجمال شمس وأيضا لبرج الجلال قمر أنت على عرش السلطنة بدون تكلّف وقدرتك شاهدة على ذلك وإنّ الفلك قد صادق على توقيعاتك ومنشوراتك بالأوامر والنواهي إنّ من يذكر اسمك فحتما تعلو شهرته حتى القمر وإنّ الدهر الذي تصدر عنه اللطائف لا يملك لؤلؤة مثلك في أي محارة يا من تجمّلت بك خلقة الملك ويا من صارت دولتك غراء بك يا من حضرت عروس دولته الجديدة فاتنة على شكلك وشمائلك إنّ أنوار الملك وعظمته قد ظهرت على وجهك المبارك إنّ قامة سطوتك يقصر عنها أديم السماء الأزرق لقد تجاوز صيت عدلك وصوته السماء التاسعة الخضراء والفلك العالي قد احتواه قصرك وزحل واقف على بابك يحرس كان الله معينا لك ما حييت ولا ينغّص عيشك شيء ولتضع الأيام كلّ ما تتمنّاه إلى جانبك وليحالفك التوفيق من عينيك وتأييد النديم في يسارك وما دام الفلك فليحرسك وما دام الدهر فليحقق لك ما تريد الناس مثل حافظ عيشهم هنيء تحت ظلّ عرشك الموفق.
وليكن عملك فقط حفظ الملك والدين وهكذا ما دامت الريح جارية «إلى ما شاء الله» 

أَرْضُ عَاتِكَةَ

أَرْضُ عَاتِكَةَ:
خارج باب الجابية من دمشق، منسوبة إلى عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب أمّ البنين، وهي زوجة عبد الملك بن مروان، وأمّ يزيد بن عبد الملك، وكان لعاتكة بهذه الأرض قصر، وبها مات عبد الملك بن مروان. قال ابن حبيب:
كانت عاتكة بنت يزيد بن معاوية تضع خمارها بين يدي اثني عشر خليفة، كلّهم لها محرم، أبوها يزيد بن معاوية، وأخوها معاوية بن يزيد، وجدّها معاوية بن أبي سفيان، وزوجها عبد الملك بن مروان، وأبو زوجها مروان بن الحكم، وابنها يزيد بن عبد الملك، وبنو زوجها الوليد وسليمان وهشام، وابن ابنها الوليد بن يزيد، وابن ابن زوجها يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وابراهيم بن الوليد المخلوع، وهو ابن ابن زوجها أيضا، وعاشت إلى أن أدركت مقتل ابن ابنها الوليد بن يزيد.

بَغْدَادُ

بَغْدَادُ:
أم الدنيا وسيدة البلاد، قال ابن الأنباري:
أصل بغداد للأعاجم، والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم، قال بعض الأعاجم: تفسيره بستان رجل، فباغ بستان وداد اسم رجل، وبعضهم يقول: بغ اسم للصنم، فذكر أنه أهدي إلى كسرى خصيّ من المشرق فأقطعه إياها، وكان الخصيّ من عباد الأصنام ببلده فقال: بغ داد أي الصنم أعطاني، وقيل: بغ هو البستان وداد أعطى، وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال: بغ داد فسميت به، وقال حمزة بن الحسن: بغداد اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه، لأن بعض رقعة مدينة المنصور كان باغا لرجل من الفرس اسمه داذويه، وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطّها فاعتل فقالوا:
ما الذي يأمر الملك أن تسمى به هذه المدينة؟ فقال:
هلدوه وروز أي خلّوها بسلام، فحكي ذلك للمنصور فقال: سميتها مدينة السلام، وفي بغداد سبع لغات:
بغداد وبغدان، ويأبى أهل البصرة ولا يجيزون بغداذ في آخره الذال المعجمة، وقالوا: لأنه ليس في كلام العرب كلمة فيها دال بعدها ذال، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق: فقلت لأبي إسحاق إبراهيم بن السري فما تقول في قولهم خرداد؟ فقال: هو فارسي ليس من كلام العرب، قلت أنا: وهذا حجة من قال بغداد فإنه ليس من كلام العرب، وأجاز الكسائي بغداد على الأصل، وحكى أيضا مغداذ ومغداد ومغدان، وحكى الخارزنجي: بغداد بدالين مهملتين، وهي في اللغات كلها تذكّر وتؤنث، وتسمى مدينة السلام أيضا، فأما الزوراء: فمدينة المنصور خاصة، وسميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها وادي السلام، وقال موسى بن عبد الحميد النسائي:
كنت جالسا عند عبد العزيز بن أبي روّاد فأتاه رجل فقال له: من أين أنت؟ فقال له: من بغداد، فقال:
لا تقل بغداد فإن بغ صنم وداد أعطى، ولكن قل مدينة السلام، فإن الله هو السلام والمدن كلها له، وقيل: إن بغداد كانت قبل سوقا يقصدها تجار أهل الصين بتجاراتهم فيربحون الرّبح الواسع، وكان اسم ملك الصين بغ فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا:
بغ داد أي إن هذا الربح الذي ربحناه من عطية
الملك، وقيل إنما سميت مدينة السلام لأن السلام هو الله فأرادوا مدينة الله، وأما طولها فذكر بطلميوس في كتاب الملحمة المنسوب إليه أن مدينة بغداد طولها خمس وسبعون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة داخلة في الإقليم الرابع، وقال أبو عون وغيره: إنها في الإقليم الثالث، قال: طالعها السماك الأعزل، بيت حياتها القوس، لها شركة في الكف الخضيب ولها أربعة أجزاء من سرّة الجوزاء تحت عشر درج من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي عاشرها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان، قلت أنا: ولا شك أن بغداد أحدثت بعد بطليموس بأكثر من ألف سنة ولكني أظنّ أن مفسري كلامه قاسوا وقالوا، وقال صاحب الزيج: طول بغداد سبعون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث، وتعديل نهارها ست عشرة درجة وثلثا درجة، وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وخمس دقائق، وغاية ارتفاع الشمس بها ثمانون درجة وثلث، وظلّ الظهر بها درجتان، وظل العصر أربع عشرة درجة، وسمت القبلة ثلاث عشرة درجة ونصف، وجهها عن مكة مائة وسبع عشرة درجة، في الوجود ثلاثمائة درجة، هذا كله نقلته من كتب المنجمين ولا أعرفه ولا هو من صناعتي، وقال أحمد ابن حنبل: بغداد من الصّراة إلى باب التبن، وهو مشهد موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي ابن أبي طالب، ثم زيد فيها حتى بلغت كلواذى والمخرّم وقطربّل، قال أهل السير: ولما أهلك الله مهران بأرض الحيرة ومن كان معه من العجم استمكن المسلمون من الغارة على السواد وانتقضت مسالح الفرس وتشتت أمرهم واجترأ المسلمون عليهم وشنوا الغارات ما بين سورا وكسكر والصراة والفلاليج والأستانات، قال أهل الحيرة للمثنى: إن بالقرب منا قرية تقوم فيها سوق عظيمة في كل شهر مرة فيأتيها تجار فارس والأهواز وسائر البلاد، يقال لها بغداد، وكذا كانت إذ ذاك، فأخذ المثنى على البرّ حتى أتى الأنبار، فتحصّن فيها أهلها منه، فأرسل إلى سفروخ مرزبانها ليسير إليه فيكلّمه بما يريد وجعل له الأمان، فعبر المرزبان إليه، فخلا به المثنى وقال له: أريد أن أغير على سوق بغداد وأريد أن تبعث معي أدلّاء فيدلّوني الطريق وتعقد لي الجسر لأعبر عليه الفرات، ففعل المرزبان ذلك، وقد كان قطع الجسر قبل ذلك لئلا تعبر العرب عليه، فعبر المثنى مع أصحابه وبعث معه المرزبان الأدلاء، فسار حتى وافى السوق صحوة، فهرب الناس وتركوا أموالهم فأخذ المسلمون من الذهب والفضة وسائر الأمتعة ما قدروا على حمله ثم رجعوا إلى الأنبار، ووافى معسكره غانما موفورا، وذلك في سنة 13 للهجرة، فهذا خبر بغداد قبل أن يمصّرها المنصور، لم يبلغني غير ذلك.

فصل
في بدء عمارة بغداد، كان أول من مصّرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاء، وانتقل إليها من الهاشمية، وهي مدينة كان قد اختطّها أخوه أبو العباس السّفّاح قرب الكوفة وشرع في عمارتها سنة 145 ونزلها سنة 149، وكان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم، فانتقل عنهم يرتاد موضعا، وقال ابن عيّاش: بعث المنصور روّادا وهو بالهاشمية يرتادون له موضعا يبني فيه مدينة ويكون الموضع واسطا رافقا بالعامة والجند، فنعت له موضع قريب من
بارمّا، وذكر له غذاؤه وطيب هوائه، فخرج إليه بنفسه حتى نظر إليه وبات فيه، فرأى موضعا طيبا فقال لجماعة، منهم سليمان بن مجالد وأبو أيوب المرزباني وعبد الملك بن حميد الكاتب: ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا: طيب موافق، فقال: صدقتم ولكن لا مرفق فيه للرعية، وقد مررت في طريقي بموضع تجلب إليه الميرة والامتعة في البرّ والبحر وأنا راجع إليه وبائت فيه، فإن اجتمع لي ما أريد من طيب الليل فهو موافق لما أريده لي وللناس، قال: فأتى موضع بغداد وعبر موضع قصر السلام ثم صلى العصر، وذلك في صيف وحرّ شديد، وكان في ذلك الموضع بيعة فبات أطيب مبيت وأقام يومه فلم ير إلا خيرا فقال: هذا موضع صالح للبناء، فإن المادة تأتيه من الفرات ودجلة وجماعة الأنهار، ولا يحمل الجند والرعية إلا مثله، فخطّ البناء وقدّر المدينة ووضع أول لبنة بيده فقال: بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، ثم قال: ابنوا على بركة الله، وذكر سليمان بن مختار أن المنصور استشار دهقان بغداد، وكانت قرية في المربّعة المعروفة بأبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي، وما زالت داره قائمة على بنائها إلى أن خرب كثير مما يجاورها في البناء، فقال: الذي أراه يا أمير المؤمنين أن تنزل في نفس بغداد، فإنك تصير بين أربعة طساسيج: طسّوجان في الجانب الغربي وطسّوجان في الجانب الشرقي، فاللذان في الغربي قطربل وبادوريا، واللذان في الشرقي نهر بوق وكلواذى، فإن تأخرت عمارة طسوج منها كان الآخر عامرا، وأنت يا أمير المؤمنين على الصّراة ودجلة، تجيئك بالميرة من القرب وفي الفرات من الشام والجزيرة ومصر وتلك البلدان، وتحمل إليك طرائف الهند والسند والصين والبصرة وواسط في دجلة، وتجيئك ميرة أرمينية وأذربيجان وما يتصل بها في تامرّا، وتجيئك ميرة الموصل وديار بكر وربيعة وأنت بين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة، فإذا قطعت الجسر والقنطرة لم يصل إليك عدوك، وأنت قريب من البرّ والبحر والجبل، فأعجب المنصور هذا القول وشرع في البناء، ووجه المنصور في حشر الصّنّاع والفعلة من الشام والموصل والجبل والكوفة وواسط فأحضروا، وأمر باختيار قوم من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة، فجمعهم وتقدم إليهم أن يشرفوا على البناء، وكان ممن حضر الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة الإمام، وكان أول العمل في سنة 145، وأمر أن يجعل عرض السور من أسفله خمسين ذراعا ومن أعلاه عشرين ذراعا، وأن يجعل في البناء جرز القصب مكان الخشب، فلما بلغ السور مقدار قامة اتّصل به خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، فقطع البناء حتى فرغ من أمره وأمر أخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن ابن حسن.
وعن علي بن يقطين قال: كنت في عسكر أبي جعفر المنصور حين سار إلى الصراة يلتمس موضعا لبناء مدينة، قال: فنزل الدير الذي على الصراة في العتيقة فما زال على دابته ذاهبا جائيا منفردا عن الناس يفكر، قال: وكان في الدير راهب عالم فقال لي: لم يذهب الملك ويجيء؟ قلت: إنه يريد أن يبني مدينة، قال: فما اسمه؟ قلت: عبد الله بن محمد، قال: أبو من؟ قلت: أبو جعفر، قال:
هل يلقب بشيء؟ قلت: المنصور، قال: ليس هذا الذي يبنيها، قلت: ولم؟ قال: لأنا قد وجدنا في كتاب عندنا نتوارثه قرنا عن قرن أن الذي يبني
هذا المكان رجل يقال له مقلاص، قال: فركبت من وقتي حتى دخلت على المنصور ودنوت منه، فقال لي: ما وراءك؟ قلت: خير ألقيه إلى أمير المؤمنين وأريحه من هذا العناء، فقال: قل، قلت:
أمير المؤمنين يعلم أن هؤلاء معهم علم، وقد أخبرني راهب هذا الدير بكذا وكذا، فلما ذكرت له مقلاص ضحك واستبشر ونزل عن دابته فسجد وأخذ سوطه وأقبل يذرع به، فقلت في نفسي: لحقه اللجاج، ثم دعا المهندسين من وقته وأمرهم بخط الرماد، فقلت له: أظنّك يا أمير المؤمنين أردت معاندة الراهب وتكذيبه، فقال: لا والله ولكني كنت ملقّبا بمقلاص وما ظننت أن أحدا عرف ذلك غيري، وذاك أننا كنا بناحية السراة في زمان بني أمية على الحال التي تعلم، فكنت أنا ومن كان في مقدار سنّي من عمومتي وإخوتي نتداعى ونتعاشر، فبلغت النوبة إليّ يوما من الأيام وما أملك درهما واحدا فلم أزل أفكر وأعمل الحيلة إلى أن أصبت غزلا لداية كانت لهم، فسرقته ثم وجّهت به فبيع لي واشتري لي بثمنه ما احتجت إليه، وجئت إلى الداية وقلت لها:
افعلي كذا واصنعي كذا، قالت: من أين لك ما أرى؟ قلت: اقترضت دراهم من بعض أهلي، ففعلت ما أمرتها به، فلما فرغنا من الأكل وجلسنا للحديث طلبت الداية الغزل فلم تجده فعلمت أني صاحبه، وكان في تلك الناحية لص يقال له مقلاص مشهور بالسرقة، فجاءت إلى باب البيت الذي كنا فيه فدعتني فلم أخرج إليها لعلمي أنها وقفت على ما صنعت، فلما ألحّت وأنا لا أخرج قالت: اخرج يا مقلاص، الناس يتحذّرون من مقلاصهم وأنا مقلاصي معي في البيت، فمزح معي إخوتي وعمومتي بهذا اللقب ساعة ثم لم أسمع به إلا منك الساعة فعلمت أن أمر هذه المدينة يتم على يدي لصحة ما وقفت عليه، ثم وضع أساس المدينة مدوّرا وجعل قصره في وسطها وجعل لها أربعة أبواب وأحكم سورها وفصيلها، فكان القاصد إليها من الشرق يدخل من باب خراسان والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة.
قالوا: فأنفق المنصور على عمارة بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، وقال الخطيب في رواية: إنه أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة آلاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين ألف درهم، وذاك أن الأستاذ من الصّنّاع كان يعمل في كل يوم بقيراط إلى خمس حبّات والروزجاري بحبتين إلى ثلاث حبات، وكان الكبش بدرهم والحمل بأربعة دوانيق والتمر ستون رطلا بدرهم، قال الفضل بن دكين: كان ينادى على لحم البقر في جبانة كندة تسعون رطلا بدرهم، ولحم الغنم ستون رطلا بدرهم، والعسل عشرة أرطال بدرهم، قال: وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الآخر ميل، وفي كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنان وستون ألف لبنة من اللبن الجعفري، وعن ابن الشّروي قال: هدمنا من السور الذي يلي باب المحوّل قطعة فوجدنا فيها لبنة مكتوبا عليها بمغرة:
وزنها مائة وسبعة عشر رطلا، فوزناها فوجدناها كذلك.
وكان المنصور كما ذكرنا بنى مدينته مدوّرة وجعل داره وجامعها في وسطها، وبنى القبة الخضراء فوق إيوان، وكان علوّها ثمانين ذراعا، وعلى رأس القبة صنم على صورة فارس في يده رمح، وكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومدّ
الرمح نحوها علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة، فلا يطول عليه الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيّا قد هجم من تلك الناحية، قلت أنا:
هكذا ذكر الخطيب وهو من المستحيل والكذب الفاحش، وإنما يحكى مثل هذا عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمار صحتها تطاول الأزمان والتخيل أن المتقدّمين ما كانوا بني آدم، فأما الملة الإسلامية فإنها تجلّ عن مثل هذه الخرافات، فإن من المعلوم أن الحيوان الناطق مكلف الصنائع لهذا التمثال لا يعلم شيئا مما ينسب إلى هذا الجماد ولو كان نبيّا مرسلا، وأيضا لو كان كلما توجهت إلى جهة خرج منها خارجيّ لوجب أن لا يزال خارجيّ يخرج في كل وقت لأنها لا بدّ أن تتوجه إلى وجه من الوجوه، والله أعلم، قال: وسقط رأس هذه القبة سنة 329، وكان يوم مطر عظيم ورعد هائل، وكانت هذه القبة تاج البلد وعلم بغداد ومأثرة من مآثر بني العباس، وكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة، ونقل المنصور أبوابها من واسط، وهي أبواب الحجّاج، وكان الحجاج أخذها من مدينة بإزاء واسط تعرف بزندورد، يزعمون أنها من بناء سليمان بن داود، عليه السلام، وأقام على باب خراسان بابا جيء به من الشام من عمل الفراعنة وعلى باب الكوفة بابا جيء به من الكوفة من عمل خالد القسري وعمل هو بابا لباب الشام، وهو أضعفها، وكان لا يدخل أحد من عمومة المنصور ولا غيرهم من شيء من الأبواب إلّا راجلا إلا داود بن عليّ عمه، فإنه كان متفرّسا وكان يحمل في محفّة، وكذلك محمد المهدي ابنه، وكانت تكنس الرحاب في كل يوم ويحمل التراب إلى خارج، فقال له عمه عبد الصمد: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب، فلم يأذن له، فقال: يا أمير المؤمنين عدني بعض بغال الرّوايا التي تصل إلى الرّحاب، فقال: يا ربيع بغال الروايا تصل إلى رحابي تتخذ الساعة قنيّ بالساج من باب خراسان حتى تصل إلى قصري، ففعل ومدّ المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الآخذ من الفرات وجرّهما إلى مدينته في عقود وثيقة، من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض، تجري صيفا وشتاء لا ينقطع ماؤها في شيء من الأوقات، ثم أقطع المنصور أصحابه القطائع فعمّروها وسميت بأسمائهم، وقد ذكرت من ذلك ما بلغني في مواضعه حسب ما قضى به ترتيب الحروف، وقد صنّف في بغداد وسعتها وعظم رفعتها وسعة بقعتها وذكر أبو بكر الخطيب في صدر كتابه من ذلك ما فيه كفاية لطالبه.

فلنذكر الآن ما ورد في مدح بغداد
ومن عجيب ذلك ما ذكره أبو سهل بن نوبخت قال:
أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع، ففعلت فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس، فخبّرته بما تدلّ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها ثم قلت: وأخبرك خلّة أخرى أسرك بها يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قلت: نجد في أدلة النجوم أنه لا يموت بها خليفة أبدا حتف أنفه، قال: فتبسم وقال الحمد لله على ذلك، هذا من فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولذلك يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى:
أعاينت في طول من الأرض أو عرض، ... كبغداد من دار بها مسكن الخفض
صفا العيش في بغداد واخضرّ عوده، ... وعيش سواها غير خفض ولا غضّ
تطول بها الأعمار، إنّ غذاءها ... مريء، وبعض الأرض أمرأ من بعض
قضى ربّها أن لا يموت خليفة ... بها، إنه ما شاء في خلقه يقضي
تنام بها عين الغريب، ولا ترى ... غريبا بأرض الشام يطمع في الغمض
فإن جزيت بغداد منهم بقرضها، ... فما أسلفت إلّا الجميل من القرض
وإن رميت بالهجر منهم وبالقلى، ... فما أصبحت أهلا لهجر ولا بغض
وكان من أعجب العجب أن المنصور مات وهو حاجّ، والمهدي ابنه خرج إلى نواحي الجبل فمات بما سبذان بموضع يقال له الرّذّ، والهادي ابنه مات بعيساباد قرية أو محلّة بالجانب الشرقي من بغداد، والرشيد مات بطوس، والأمين أخذ في شبارته وقتل بالجانب الشرقي، والمأمون مات بالبذندون من نواحي المصّيصة بالشام، والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر وباقي الخلفاء ماتوا بسامرّا، ثم انتقل الخلفاء إلى التاج من شرقي بغداد كما ذكرناه في التاج، وتعطّلت مدينة المنصور منهم.
وفي مدح بغداد قال بعض الفضلاء: بغداد جنة الأرض ومدينة السلام وقبة الإسلام ومجمع الرافدين وغرّة البلاد وعين العراق ودار الخلافة ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات في كل فنّ، وآحاد الدهر في كل نوع، وكان أبو إسحاق الزّجّاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية، وكان أبو الفرج الببغا يقول: هي مدينة السلام بل مدينة الإسلام، فإنّ الدولة النبوية والخلافة الإسلامية بها عشّشتا وفرّختا وضربتا بعروقهما وبسقتا بفروعهما، وإنّ هواءها أغذى من كل هواء وماءها أعذب من كل ماء، وإنّ نسيمها أرقّ من كل نسيم، وهي من الإقليم الاعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة، ولم تزل بغداد موطن الأكاسرة في سالف الأزمان ومنزل الخلفاء في دولة الإسلام، وكان ابن العميد إذا طرأ عليه أحد من منتحلي العلوم والآداب وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد، فإن فطن بخواصّها وتنبّه على محاسنها وأثنى عليها جعل ذلك مقدّمة فضله وعنوان عقله، ثم سأله عن الجاحظ، فإن وجد أثرا لمطالعة كتبه والاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وبعض القيام بمسائله قضى له بأنه غرّة شادخة في أهل العلم والآداب، وإن وجده ذامّا لبغداد غفلا عما يحب أن يكون موسوما به من الانتساب إلى المعارف التي يختص بها الجاحظ لم ينفعه بعد ذلك شيء من المحاسن، ولما رجع الصاحب عن بغداد سأله ابن العميد عنها، فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد، فجعلها مثلا في الغاية في الفضل، وقال ابن زريق الكاتب الكوفي:
سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلا، قد اخترت شيئا دونه الياس
هيهات بغداد، والدنيا بأجمعها ... عندي، وسكان بغداد هم الناس
وقال آخر:
بغداد يا دار الملوك ومجتنى ... صوف المنى، يا مستقرّ المنابر
ويا جنّة الدنيا ويا مجتنى الغنى، ... ومنبسط الآمال عند المتاجر
وقال أبو يعلى محمد بن الهبّارية: سمعت الشيخ الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي يقول: من دخل بغداد وهو ذو عقل صحيح وطبع معتدل مات بها أو بحسرتها، وقال عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير:
ما مثل بغداد في الدنيا ولا الدين، ... على تقلّبها في كلّ ما حين
ما بين قطربّل فالكرخ نرجسة ... تندى، ومنبت خيريّ ونسرين
تحيا النفوس بريّاها، إذا نفحت، ... وخرّشت بين أوراق الرّياحين
سقيا لتلك القصور الشاهقات وما ... تخفي من البقر الإنسيّة العين
تستنّ دجلة فيما بينها، فترى ... دهم السّفين تعالى كالبراذين
مناظر ذات أبواب مفتّحة، ... أنيقة بزخاريف وتزيين
فيها القصور التي تهوي، بأجنحة، ... بالزائرين إلى القوم المزورين
من كلّ حرّاقة تعلو فقارتها، ... قصر من الساج عال ذو أساطين
وقدم عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس إلى بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال: ما مررت بطريق من طرق هذه المدينة إلّا ظننت أن الناس قد نودي فيهم، ووجد على بعض الأميال بطريق مكة مكتوبا:
أيا بغداد يا أسفي عليك! ... متى يقضى الرجوع لنا إليك؟
قنعنا سالمين بكلّ خير، ... وينعم عيشنا في جانبيك
ووجد على حائط بجزيرة قبرص مكتوبا:
فهل نحو بغداد مزار، فيلتقي ... مشوق ويحظى بالزيارة زائر
إلى الله أشكو، لا إلى الناس، إنه ... على كشف ما ألقى من الهمّ قادر
وكان القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي قد نبا به المقام ببغداد فرحل إلى مصر، فخرج البغداديون يودّعونه وجعلوا يتوجعون لفراقه، فقال: والله لو وجدت عندكم في كل يوم مدّا من الباقلّى ما فارقتكم، ثم قال:
سلام على بغداد من كلّ منزل، ... وحقّ لها منّي السلام المضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها، ... وإني بشطّي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت عليّ برحبها، ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه، ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
ولما حج الرشيد وبلغ زرود التفت إلى ناحية العراق وقال:
أقول وقد جزنا زرود عشيّة، ... وكادت مطايانا تجوز بنا نجدا
على أهل بغداد السلام، فإنني ... أزيد بسيري عن ديارهم بعدا
وقال ابن مجاهد المقري: رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دعني مما فعل الله بي، من أقام ببغداد على السّنّة والجماعة ومات نقل من جنة إلى جنة، وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: أيا يونس دخلت بغداد؟ فقلت: لا، فقال: أيا يونس ما رأيت الدنيا ولا الناس، وقال طاهر بن المظفّر بن طاهر الخازن:
سقى الله صوب الغاديات محلّة ... ببغداد، بين الخلد والكرخ والجسر
هي البلدة الحسناء، خصّت لأهلها ... بأشياء لم يجمعن مذ كنّ في مصر
هواء رقيق في اعتدال وصحّة، ... وماء له طعم ألذّ من الخمر
ودجلتها شطّان قد نظما لنا ... بتاج إلى تاج، وقصر إلى قصر
ثراها كمسك، والمياه كفضّة، ... وحصباؤها مثل اليواقيت والدّر
قال أبو بكر الخطيب: أنشدني أبو محمد الباقي قول الشاعر:
دخلنا كارهين لها، فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
فقال يوشك هذا أن يكون في بغداد، قيل وأنشد لنفسه في المعنى وضمنه البيت:
على بغداد معدن كلّ طيب، ... ومغنى نزهة المتنزّهينا:
سلام كلما جرحت بلحظ ... عيون المشتهين المشتهينا
دخلنا كارهين لها، فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حبّ الديار بنا، ولكن ... أمرّ العيش فرقة من هوينا
قال محمد بن عليّ بن حبيب الماوردي: كتب إليّ أخي من البصرة وأنا ببغداد:
طيب الهواء ببغداد يشوّقني ... قدما إليها، وإن عاقت معاذير
وكيف صبري عنها، بعد ما جمعت ... طيب الهواءين ممدود ومقصور؟
وقلّد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر اليمن، فلما أراد الخروج قال:
أيرحل آلف ويقيم إلف، ... وتحيا لوعة ويموت قصف؟
على بغداد دار اللهو منّي ... سلام ما سجا للعين طرف
وما فارقتها لقلى، ولكن ... تناولني من الحدثان صرف
ألا روح ألا فرج قريب، ... ألا جار من الحدثان كهف
لعلّ زماننا سيعود يوما، ... فيرجع آلف ويسر إلف
فبلغ الوزير هذا الشعر فأعفاه، وقال شاعر يتشوق بغداد:
ولما تجاوزت المدائن سائرا، ... وأيقنت يا بغداد أني على بعد
علمت بأنّ الله بالغ أمره، وأن قضاء الله ينفذ في العبد وقلت، وقلبي فيه ما فيه من جوى، ودمعي جار كالجمان على خدّي: ترى الله يا بغداد يجمع بيننا فألقى الذي خلّفت فيك على العهد؟
وقال محمد بن عليّ بن خلف النيرماني:
فدى لك يا بغداد كل مدينة ... من الأرض، حتى خطّتي ودياريا
فقد طفت في شرق البلاد وغربها، ... وسيّرت خيلي بينها وركابيا
فلم أر فيها مثل بغداد منزلا، ... ولم أر فيها مثل دجلة واديا
ولا مثل أهليها أرقّ شمائلا، ... وأعذب ألفاظا، وأحلى معانيا
وقائلة: لو كان ودّك صادقا ... لبغداد لم ترحل، فقلت جوابيا:
يقيم الرجال الموسرون بأرضهم، ... وترمي النوى بالمقترين المراميا

في ذمّ بغداد
قد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهّاد والعبّاد، ووردت فيها أحاديث خبيثة، وعلّتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف، وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا، فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الحشّ وأعطهم فلسا فما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقام، وقد ذكر الحافظ أبو بكر أحمد بن عليّ من ذلك قدرا كافيا، وكان بعض الصالحين إذا ذكرت عنده بغداد يتمثل:
قل لمن أظهر التنسّك في النا ... س وأمسى يعدّ في الزّهّاد:
الزم الثغر والتواضع فيه، ... ليس بغداد منزل العبّاد
إن بغداد للملوك محلّ، ... ومناخ للقارئ الصياد
ومن شائع الشعر في ذلك:
بغداد أرض لأهل المال طيّبة، ... وللمفاليس دار الضّنك والضيق
أصبحت فيها مضاعا بين أظهرهم، ... كأنني مصحف في بيت زنديق
ويروى للطاهر بن الحسين قال:
زعم الناس أن ليلك يا بغ ... داد ليل يطيب فيه النسيم
ولعمري ما ذاك إلّا لأن خا ... لفها، بالنهار، منك السّموم
وقليل الرّخاء يتّبع الش ... دة، عند الأنام، خطب عظيم
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد: كتبت من بلدة قد أنهض الله سكانها وأقعد حيطانها، فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى وخرابها ينشر، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حقّ جوار، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذم الدنيا، على أنها وإن جفيت معشوقة السّكنى، وحبيبة المثوى،
كوكبها يقظان، وجوّها عريان، وحصباؤها جوهر، ونسيمها معطّر، وترابها أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، لا كبلدتكم الوسخة السماء، الومدة الماء والهواء، جوها غبار، وأرضها خبار، وماؤها طين، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم من شمسها من محترق، وفي ظلّها من عرق، صيقة الديار، وسيئة الجوار، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، وما لهم مكتوم، ولا يجوز إنفاقه، ولا يحل خناقه، حشوشهم مسايل، وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل، وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وله من قصيدة:
كيف نومي وقد حللت ببغ ... داد، مقيما في أرضها، لا أريم
ببلاد فيها الركايا، علي ... هن أكاليل من بعوض تحوم
جوها في الشتاء والصيف دخّا ... ن كثيف، وماؤها محموم
ويح دار الملك التي تنفح المس ... ك، إذا ما جرى عليه النسيم
كيف قد أقفرت وحاربها الدّه ... ر، وعين الحياة فيها البوم
نحن كنا سكانها، فانقضى ذا ... لك عنا، وأي شيء يدوم
وقال أيضا:
أطال الهمّ في بغداد ليلي، ... وقد يشقى المسافر أو يفوز
ظللت بها، على رغمي، مقيما ... كعنّين تعانقه عجوز
وقال محمد بن أحمد بن شميعة البغدادي شاعر عصري فيها:
ودّ أهل الزوراء زور، فلا ... تغترر بالوداد من ساكنيها
هي دار السلام حسب، فلا يط ... مع منها، إلّا بما قيل فيها
وكان المعتصم قد سأل أبا العيناء عن بغداد وكان سيّء الرأي فيها، فقال: هي يا أمير المؤمنين كما قال عمارة بن عقيل:
ما أنت يا بغداد إلّا سلح، ... إذا اعتراك مطر أو نفح،
وإن جففت فتراب برح
وكما قال آخر:
هل الله من بغداد، يا صاح، مخرجي، ... فأصبح لا تبدو لعيني قصورها
وميدانها المذري علينا ترابها ... إذا شحجت أبغالها وحميرها
وقال آخر:
أذمّ بغداد والمقام بها، ... من بعد ما خبرة وتجريب
ما عند سكّانها لمختبط ... خير، ولا فرجة لمكروب
يحتاج باغي المقام بينهم ... إلى ثلاث من بعد تثريب:
كنوز قارون أن تكون له، ... وعمر نوح وصبر أيوب
قوم مواعيدهم مزخرفة ... بزخرف القول والأكاذيب
خلّوا سبيل العلى لغيرهم، ... ونافسوا في الفسوق والحوب
وقال بعض الأعراب:
لقد طال في بغداد ليلي، ومن يبت ... ببغداد يصبح ليله غير راقد
بلاد، إذا ولّى النهار، تنافرت ... براغيثها من بين مثنى وواحد
ديازجة شهب البطون، كأنها ... بغال بريد أرسلت في مذاود
وقرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن جخجخ قال أبو العالية:
ترحّل فما بغداد دار إقامة، ... ولا عند من يرجى ببغداد طائل
محلّ ملوك سمتهم في أديمهم، ... فكلهم من حلية المجد عاطل
سوى معشر جلّوا، وجلّ قليلهم ... يضاف إلى بذل النّدى، وهو باخل
ولا غروان شلّت يد الجود والندى ... وقلّ سماح من رجال ونائل
إذا غطمط البحر الغطامط ماؤه ... فليس عجيبا أن تفيض الجداول
وقال آخر:
كفى حزنا، والحمد لله أنّني ... ببغداد قد أعيت عليّ مذاهبي
أصاحب قوما لا ألذّ صحابهم، ... وآلف قوما لست فيهم براغب
ولم أثو في بغداد حبّا لأهلها، ... ولا أنّ فيها مستفادا لطالب
سأرحل عنها قاليا لسراتها، ... وأتركها ترك الملول المجانب
فإن ألجأتني الحادثات إليهم ... فأير حمار في حرامّ النوائب
وقال بعضهم يمدح بغداد ويذمّ أهلها:
سقيا لبغداد ورعيا لها، ... ولا سقى صوب الحيا أهلها
يا عجبا من سفل مثلهم، ... كيف أبيحوا جنّة مثلها
وقال آخر:
اخلع ببغداد العذارا، ... ودع التنسّك والوقارا
فلقد بليت بعصبة ... ما إن يرون العار عارا
لا مسلمين ولا يهو ... د ولا مجوس ولا نصارى
وقدم بعض الهجريّين بغداد فاستوبأها وقال:
أرى الريف يدنو كل يوم وليلة، ... وأزداد من نجد وساكنه بعدا
ألا إن بغدادا بلاد بغيضة ... إليّ، وإن أمست معيشتها رغدا
بلاد ترى الأرواح فيها مريضة، ... وتزداد نتنا حين تمطر أو تندى
وقال أعرابيّ مثل ذلك:
ألا يا غراب البين ما لك ثاويا ... ببغداد لا تمضي، وأنت صحيح؟
ألا إنما بغداد دار بليّة، ... هل الله من سجن البلاد مريح؟
وقال أبو يعلى بن الهبّارية أنشدني جدّي أبو الفضل محمد بن محمد لنفسه:
إذا سقى الله أرضا صوب غادية، ... فلا سقى الله غيثا أرض بغداد
أرض بها الحرّ معدوم، كأنّ لها ... قد قيل في مثل: لا حرّ بالوادي
بل كلّ ما شئت من علق وزانية ... ومستحدّ وصفعان وقوّاد
وقال أيضا أبو يعلى بن الهبارية: أنشدني معدان التغلبي لنفسه:
بغداد دار، طيبها آخذ ... نسيمه مني بأنفاسي
تصلح للموسر لا لامرئ ... يبيت في فقر وإفلاس
لو حلّها قارون ربّ الغنى، ... أصبح ذا همّ ووسواس
هي التي توعد، لكنها ... عاجلة للطاعم الكاسي
حور وولدان ومن كلّ ما ... تطلبه فيها، سوى الناس

دُومَةُ الجندَل

دُومَةُ الجندَل:
بضم أوله وفتحه، وقد أنكر ابن دريد الفتح وعدّه من أغلاط المحدّثين، وقد جاء في حديث الواقدي دوماء الجندل، وعدّها ابن الفقيه من أعمال المدينة، سمّيت بدوم بن إسماعيل بن إبراهيم، وقال الزّجاجي: دومان بن إسماعيل، وقيل: كان لإسماعيل ولد اسمه دما ولعله مغير منه، وقال ابن الكلبي: دوماء بن إسماعيل، قال:
ولما كثر ولد إسماعيل، عليه السلام، بتهامة خرج دوماء بن إسماعيل حتى نزل موضع دومة وبنى به حصنا فقيل دوماء ونسب الحصن إليه، وهي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلّم، وقال أبو سعد: دومة الجندل في غائط من الأرض خمسة فراسخ، قال: ومن قبل مغربه عين تثجّ فتسقي ما به من النخل والزرع، وحصنها مارد، وسميت دومة الجندل لأن حصنها مبنيّ بالجندل، وقال أبو عبيد السكوني: دومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طيّء كانت به بنو كنانة من كلب، قال: ودومة من القريات، من وادي القرى إلى تيماء أربع ليال، والقريات: دومة وسكاكة وذو القارة، فأما دومة فعليها سور يتحصن به، وفي داخل السور حصن منيع يقال له مارد، وهو حصن أكيدر الملك بن عبد الملك بن عبد الحيّ بن أعيا بن الحارث بن معاوية بن خلاوة بن أبامة بن سلمة بن شكامة بن شبيب بن السكون بن أشرس بن ثور بن عفير وهو كندة السكوني الكندي، وكان النبي، صلى الله عليه وسلّم، وجّه إليه خالد بن الوليد من تبوك وقال له ستلقاه يصيد الوحش، وجاءت بقرة وحشية فحكّكت قرونها بحصنه فنزل إليها ليلا ليصيدها فهجم عليه خالد فأسره وقتل أخاه حسان بن عبد الملك وافتتحها خالد عنوة، وذلك في سنة تسع للهجرة، ثم إن النبي، صلى الله عليه وسلّم، صالح أكيدر على دومة وآمنه وقرّر عليه وعلى أهله الجزية، وكان نصرانيّا فأسلم أخوه حريث فأقرّه النبي، صلى الله عليه وسلّم، على ما في يده ونقض أكيدر الصلح بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، فأجلاه عمر، رضي الله عنه، من دومة فيمن أجلى من مخالفي دين الإسلام إلى الحيرة فنزل في موضع منها قرب عين التمر وبنى به منازل وسمّاها دومة، وقيل: دوماء باسم حصنه بوادي القرى، فهو قائم يعرف إلا أنه خراب، قال: وفي إجلاء عمر، رضي الله عنه، أكيدر يقول الشاعر:
يا من رأى ظعنا تحمّل غدوة ... من ال أكدر، شجوه يعنيني
قد بدّلت ظعنا بدار إقامة، ... والسير من حصن أشمّ حصين
وأهل كتب الفتوح مجمعون على أن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، غزا دومة أيام أبي بكر، رضي الله عنه، عند كونه بالعراق في سنة 12، وقتل أكيدر لأنه كان نقض وارتدّ، وعلى هذا لا يصح أن عمر، رضي الله عنه، أجلاه وقد غزي وقتل في أيام أبي بكر، رضي الله عنه، وأحسن ما ورد في ذلك ما ذكره أحمد بن جابر في كتاب الفتوح له وأنا حاك جميع ما قاله على الوجه، قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، خالد بن الوليد، رضي الله عنه، سنة تسع إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل فأخذه أسيرا وقتل أخاه وقدم بأكيدر على النبي، صلى الله عليه وسلّم، وعليه قباء ديباج بالذهب، فأسلم أكيدر وصالح النبي، صلى الله عليه وسلّم، على أرضه وكتب له ولأهل دومة كتابا، وهو: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام، ولأهل دومة. إن لنا الضاحية من الضّحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن، ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم ولا تعدّ فاردتكم ولا يحظر النبات، تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة لحقها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق ولكم به الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر من المسلمين، قيل: الضاحي البارز، والضّحل الماء القليل، والبور الأرض التي لم تستخرج، والمعامي الأرض المجهولة، والأغفال التي لا آثار فيها، والحلقة الدروع، والحافر الخيل والبراذين والبغال والحمير، والحصن دومة الجندل، والضامنة النخل الذي معهم في الحصن، والمعين الظاهر من الماء الدائم، وقوله: لا تعدل سارحتكم أي لا يصدّقها المصدّق إلا في مراعيها ومواضعها ولا يحشرها، وقوله: لا تعد فاردتكم أي لا تضم الفاردة إلى غيرها ثم يصدق الجميع فيجمع بين متفرّق الصدقة، ثم عاد أكيدر إلى دومة، فلما مات رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، منع أكيدر الصدقة وخرج من دومة الجندل ولحق بنواحي الحيرة وابتنى قرب عين التمر بناء وسماه دومة، وأسلم حريث بن عبد الملك أخوه على ما في يده فسلم له ذلك، فقال سويد بن الكلبي:
فلا يأمنن قوم زوال جدودهم ... كما زال عن خبث ظعائن أكدرا
وتزوّج يزيد بن معاوية ابنة حريث، وقيل إن خالدا لما انصرف من العراق إلى الشام مرّ بدومة الجندل التي غزاها أولا بعينها وفتحها وقتل أكيدر، قال: وقد روي أن أكيدر كان منزله أولا بدومة الحيرة، وهي كانت منازله، وكان يزورون أخوالهم من كلب، وإنه لمعهم وقد خرجوا للصيد إذ رفعت لهم مدينة متهدّمة لم يبق إلا حيطانها وهي مبنية بالجندل فأعادوا بناءها وغرسوا فيها الزيتون وغيره وسموها دومة الجندل تفرقة بينها وبين دومة الحيرة، وكان أكيدر يتردد بينها وبين دومة الحيرة، فهذا يزيل الاختلاف، وقد ذهب بعض الرواة إلى أن التحكيم بين عليّ ومعاوية كان بدومة الجندل، وأكثر الرواة على أنه كان بأذرح، وقد أكثر الشعراء في ذكر أذرح وأن التحكيم كان بها، ولم يبلغني شيء من الشعر في دومة إلا قول الأعور الشنّيّ وإن كان الوزن يستقيم بأذرح، وهو هذا:
رضينا بحكم الله في كل موطن، ... وعمرو وعبد الله مختلفان
وليس بهادي أمّة من ضلالة، ... بدومة، شيخا فتنة عميان
بكت عين من يبكى ابن عفّان، بعد ما ... نفا ورق الفرقان كلّ مكان
ثوى تاركا للحقّ متّبع الهوى، ... وأورث حزنا لاحقا بطعان
كلا الفتنتين كان حيّا وميّتا، ... يكادان لولا القتل يشتبهان
وقال أعشى بني ضور من عنزة:
أباح لنا، ما بين بصرى ودومة، ... كتائب منا يلبسون السّنورا
إذا هو سامانا، من الناس، واحد ... له الملك خلّا ملكه وتفطّرا
نفت مضر الحمراء عنا سيوفنا، ... كما طرد الليل النهار فأدبرا
وقال ضرار بن الأزور يذكر أهل الرّدة:
عصيتم ذوي ألبابكم وأطعتم ... ضجيما، وأمر ابن اللّقيطة أشأم
وقد يمّموا جيشا إلى أرض دومة، ... فقبّح من وفد وما قد تيمّموا
وقرأت في كتاب الخوارج: قال حدثنا محمد بن قلامة بن إسماعيل عن محمد بن زياد قال حدثنا محمد ابن عون قال حدثنا عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال مررت مع أبي موسى بدومة الجندل فقال: حدثني حبيبي أنه حكم في بني إسرائيل في هذا الموضع حكمان بالجور وأنه يحكم في أمتي في هذا المكان حكمان بالجور، قال: فما ذهبت إلا أيام حتى حكم هو وعمرو بن العاص بما حكما، قال:
فلقيته فقلت له يا أبا موسى قد حدثتني عن رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، بما حدثتني، فقال: والله المستعان.

حَلَبُ

حَلَبُ:
بالتحريك: مدينة عظيمة واسعة كثيرة الخيرات طيبة الهواء صحيحة الأديم والماء، وهي قصبة جند قنّسرين في أيامنا هذه، والحلب في اللغة: مصدر قولك حلبت أحلب حلبا وهربت هربا وطربت طربا، والحلب أيضا: اللبن الحليب، يقال: حلبنا وشربنا لبنا حليبا وحلبا، والحلب من الجباية مثل الصدقة ونحوها، قال الزّجّاجي: سمّيت حلب لأن إبراهيم، عليه السلام، كان يحلب فيها غنمه في الجمعات ويتصدّق به فيقول الفقراء حلب حلب، فسمي به، قلت أنا: وهذا فيه نظر لأن إبراهيم، عليه السلام، وأهل الشام في أيامه لم يكونوا عربا إنما العربية في ولد ابنه إسماعيل، عليه السلام، وقحطان، على أن إبراهيم في قلعة حلب مقامين يزاران إلى الآن، فإن كان لهذه اللفظة، أعني حلب، أصل في العبرانية أو السريانية لجاز ذلك لأن كثيرا من كلامهم يشبه كلام العرب لا يفارقه إلا بعجمة يسيرة كقولهم كهنّم في جهنم، وقال قوم: إن حلب وحمص وبرذعة كانوا إخوة من بني عمليق فبنى كلّ واحد منهم مدينة فسمّيت به، وهم بنو مهر بن حيص بن جان بن مكنّف، وقال الشرقي: عمليق بن يلمع بن عائذ ابن اسليخ بن لوذ بن سام، وقال غيره: عمليق بن لوذ بن سام، وكانت العرب تسميه غريبا وتقول في مثل: من يطع غريبا يمس غريبا، يعنون عمليق ابن لوذ، ويقال: إن لهم بقية في العرب لأنهم كانوا قد اختلطوا بهم، ومنهم الزّبّاء، فعلى هذا يصحّ أن يكون أهل هذه المدينة كانوا يتكلمون بالعربية فيقولون حلب إذا حلب إبراهيم، عليه السلام.
قال بطليموس: طول مدينة حلب تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة، داخلة في الإقليم الرابع، طالعها العقرب، وبيت حياتها إحدى وعشرون درجة من القوس، لها شركة في النسر الطائر تحت إحدى عشرة درجة من السرطان، وخمس وثلاثون دقيقة، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، قال أبو عون في زيجه: طول حلب ثلاث وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الرابع، وذكر أبو نصر يحيى بن جرير الطبيب التكريتي النصراني في كتاب ألّفه أن سلوقوس الموصلي ملك خمسا وأربعين سنة، وأول ملكه كان في سنة ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسع وخمسين لآدم، عليه السلام، قال:
وفي سنة تسع وخمسين من مملكته، وهي سنة أربعة آلاف وثماني عشرة لآدم، ملك طوسا المسمّاة سميرم مع أبيها وهو الذي بنى حلب بعد دولة الإسكندر وموته باثنتي عشرة سنة، وقال في موضع آخر:
كان الملك على سوريا وبابل والبلاد العليا سلوقوس نيقطور، وهو سريانيّ، وملك في السنة الثالثة عشرة لبطليموس بن لاغوس بعد ممات الإسكندر، وفي السنة الثالثة عشرة من مملكته بنى سلوقوس اللاذقية وسلوقية وأفامية وباروّا وهي حلب واداسا وهي الرّها وكمل بناء أنطاكية، وكان بناها قبله، يعني أنطاكية، انطيقوس في السنة السادسة من موت الإسكندر، وذكر آخرون في سبب عمارة حلب أن العماليق لما استولوا على البلاد الشامية وتقاسموها بينهم استوطن ملوكهم مدينة عمّان ومدينة أريحا الغور ودعاهم الناس الجبارين، وكانت قنّسرين مدينة عامرة ولم يكن يومئذ اسمها قنّسرين وإنما كان اسمها صوبا، وكان هذا الجبل المعروف الآن بسمعان
يعرف بجبل بني صنم، وبنو صنم كانوا يعبدونه في موضع يعرف اليوم بكفرنبو، والعمائر الموجودة في هذا الجبل إلى اليوم هي آثار المقيمين في جوار هذا الصنم، وقيل: إن بلعام بن باعور البالسي إنما بعثه الله إلى عبّاد هذا الصنم لينهاهم عن عبادته، وقد جاء ذكر هذا الصنم في بعض كتب بني إسرائيل، وأمر الله بعض أنبيائهم بكسره، ولما ملك بلقورس الأثوري الموصل وقصبتها يومئذ نينوى كان المستولي على خطّة قنسرين حلب بن المهر أحد بني الجان بن مكنّف من العماليق، فاختط مدينة سمّيت به، وكان ذلك على مضي ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسعين سنة لآدم، وكانت مدة ملك بلقورس هذا ثلاثين عاما، وكان بناها بعد ورود إبراهيم، عليه السلام، إلى الديار الشامية بخمسمائة وتسع وأربعين سنة لأن إبراهيم ابتلي بما ابتلي به من نمرود زمانه، واسمه راميس، وهو الرابع من ملوك أثورا، ومدة ملكه تسع وثلاثون سنة، ومدة ما بينه وبين آدم، عليه السلام، ثلاثة آلاف وأربعمائة وثلاث عشرة سنة، وفي السنة الرابعة والعشرين من ملكه ابتلي به إبراهيم فهرب منه مع عشيرته إلى ناحية حرّان ثم انتقل إلى جبل البيت المقدس، وكانت عمارتها بعد خروج موسى، عليه السلام، من مصر ببني إسرائيل إلى التيه وغرق فرعون بمائة وعشرة أعوام، وكان أكبر الأسباب في عمارتها ما حل بالعماليق في البلاد الشامية من خلفاء موسى، وذلك أن يوشع بن نون، عليه السلام، لما خلف موسى قاتل أريحا الغور وافتتحها وسبى وأحرق وأخرب ثم افتتح بعد ذلك مدينة عمّان، وارتفع العماليق عن تلك الديار إلى أرض صوبا، وهي قنّسرين، وبنوا حلب وجعلوها حصنا لأنفسهم وأموالهم ثم اختطوا بعد ذلك العواصم، ولم يزل الجبارون مستولين عليها متحصّنين بعواصمها إلى أن بعث الله داود، عليه السلام، فانتزعهم عنها.
وقرأت في رسالة كتبها ابن بطلان المتطبّب إلى هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي في نحو سنة 440 في دولة بني مرداس فقال: دخلنا من الرّصافة إلى حلب في أربع مراحل، وحلب بلد مسوّر بحجر أبيض وفيه ستة أبواب وفي جانب السور قلعة في أعلاها مسجد وكنيستان وفي إحداهما كان المذبح الذي قرّب عليه إبراهيم، عليه السلام، وفي أسفل القلعة مغارة كان يخبئ بها غنمه، وكان إذا حلبها أضاف الناس بلبنها، فكانوا يقولون حلب أم لا؟
ويسأل بعضهم بعضا عن ذلك، فسميت لذلك حلبا، وفي البلد جامع وست بيع وبيمارستان صغير، والفقهاء يفتون على مذهب الإمامية، وشرب أهل البلد من صهاريج فيه مملوءة بماء المطر، وعلى بابه نهر يعرف بقويق يمد في الشتاء وينضب في الصيف، وفي وسط البلد دار علوة صاحبة البحتري، وهو بلد قليل الفواكه والبقول والنبيذ إلا ما يأتيه من بلاد الروم، وفيها من الشعراء جماعة، منهم: شاعر يعرف بأبي الفتح بن أبي حصينة، ومن جملة شعره قوله:
ولما التقينا للوداع، ودمعها ... ودمعي يفيضان الصبابة والوجدا
بكت لؤلؤا رطبا، ففاضت مدامعي ... عقيقا، فصار الكل في نحرها عقدا
وفيها كاتب نصراني له في قطعة في الخمر أظنه صاعد بن شمّامة:
خافت صوارم أيدي المازجين لها، ... فألبست جسمها درعا من الحبب
وفيها حدث يعرف بأبي محمد بن سنان قد ناهز العشرين وعلا في الشعر طبقة المحنّكين، فمن قوله:
إذا هجوتكم لم أخش صولتكم، ... وإن مدحت فكيف الريّ باللهب
فحين لم ألق لا خوفا ولا طمعا ... رغبت في الهجو، إشفاقا من الكذب
وفيها شاعر يعرف بأبي العباس يكنى بأبي المشكور، مليح الشعر سريع الجواب حلو الشمائل، له في المجون بضاعة قوية وفي الخلاعة يد باسطة، وله أبيات إلى والده:
يا أبا العباس والفضل! ... أبا العباس تكنى
أنت مع أمّي، بلا شكّ، ... تحاكي الكركدنّا
أنبتت، في كل مجرى ... شعرة في الرأس، قرنا
فأجابه أبوه:
أنت أولى بأبي المذمو ... م بين الناس تكنى
ليت لي بنتا، ولا أنت، ... ولو بنت يحنّا
بنت يحنّا: مغنية بأنطاكية تحنّ إلى القرباء وتضيف الغرباء مشهورة بالعهر، قال: ومن عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين. دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار مستمرّ ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن، وما في حلب موضع خراب أصلا، وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية، وبينها وبين حلب يوم وليلة، آخر ما ذكر ابن بطلان.
وقلعة حلب مقام إبراهيم الخليل، وفيه صندوق به قطعة من رأس يحيى بن زكرياء، عليه السلام، ظهرت سنة 435، وعند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، رؤي فيه في النوم، وداخل باب العراق مسجد غوث فيه حجر عليه كتابة زعموا أنه خطّ علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي غربي البلد في سفح جبل جوشن قبر المحسن بن الحسين يزعمون أنه سقط لما جيء بالسّبي من العراق ليحمل إلى دمشق أو طفل كان معهم بحلب فدفن هنالك، وبالقرب منه مشهد مليح العمارة تعصّب الحلبيّون وبنوه أحكم بناء وأنفقوا عليه أموالا، يزعمون أنهم رأوا عليّا، رضي الله عنه، في المنام في ذلك المكان، وفي قبلي الجبل جبّانة واحدة يسمونها المقام، بها مقام لإبراهيم، عليه السلام، وبظاهر باب اليهود حجر على الطريق ينذر له ويصبّ عليه ماء الورد والطيب ويشترك المسلمون واليهود والنصارى في زيارته، يقال إن تحته قبر بعض الأنبياء.
وأما المسافات فمنها إلى قنّسرين يوم وإلى المعرّة يومان وإلى أنطاكية ثلاثة أيام وإلى الرّقّة أربعة أيام وإلى الأثارب يوم وإلى توزين يوم وإلى منبج يومان وإلى بالس يومان وإلى خناصرة يومان وإلى حماة ثلاثة أيام وإلى حمص أربعة أيام وإلى حرّان خمسة أيام وإلى اللاذقية ثلاثة أيام وإلى جبلة ثلاثة أيام وإلى طرابلس أربعة أيام وإلى دمشق تسعة أيام، قال المؤلف، رحمة الله عليه: وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصّها بالبركة وفضّلها على جميع البلاد، فمن ذلك أنه يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذيا لا يسقى إلا بماء المطر ويجيء مع ذلك رخصا
غضّا رويّا يفوق ما يسقى بالمياه والسيح في جميع البلاد، وهذا لم أره فيما طوّفت من البلاد في غير أرضها، ومن ذلك أن مسافة ما بيد مالكها في أيامنا هذه، وهو الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب ومدبّر دولته والقائم بجميع أموره شهاب الدين طغرل، وهو خادم روميّ زاهد متعبّد، حسن العدل والرأفة برعيته، لا نظير له في أيامه في جميع أقطار الأرض، حاشا الإمام المستنصر بالله أبي جعفر المنصور بن الظاهر ابن الناصر لدين الله، فإن كرمه وعدله ورأفته قد تجاوزت الحدّ فالله بكرمه يرحم رعيتهما بطول بقائمها، من المشرق إلى المغرب مسيرة خمسة أيام، ومن الجنوب إلى الشمال مثل ذلك، وفيها ثمانمائة ونيف وعشرون قرية ملك لأهلها ليس للسلطان فيها إلا مقاطعات يسيرة، ونحو مائتين ونيف قرية مشتركة بين الرعية والسلطان، وقفني الوزير الصاحب القاضي الأكرم جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، أدام الله تعالى أيامه وختم بالصالحات أعماله، وهو يومئذ وزير صاحبها ومدبر دواوينها، على الجريدة بذلك وأسماء القرى وأسماء ملّاكها، وهي بعد ذلك تقوم برزق خمسة آلاف فارس مراخي الغلة موسع عليهم، قال لي الوزير الأكرم، أدام الله تعالى علوّه: لو لم يقع إسراف في خواصّ الأمراء وجماعة من أعيان المفاريد لقامت بأرزاق سبعة آلاف فارس لأن فيها من الطواشية المفاريد ما يزيد على ألف فارس يحصل للواحد منهم في العام من عشرة آلاف درهم إلى خمسة عشر ألف درهم، ويمكن أن يستخدم من فضلات خواصّ الأمراء ألف فارس، وفي أعمالها إحدى وعشرون قلعة، يقام بذخائرها وأرزاق مستحفظيها خارجا عن جميع ما ذكرناه، وهو جملة أخرى كثيرة، ثم يرتفع بعد ذلك كله من فضلات الإقطاعات الخاصة بالسلطان من سائر الجبايات إلى قلعتها عنبا وحبوبا ما يقارب في كل يوم عشرة آلاف درهم، وقد ارتفع إليها في العام الماضي، وهو سنة 625، من جهة واحدة، وهي دار الزكاة التي يجبى فيها العشور من الأفرنج والزكاة من المسلمين وحق البيع، سبعمائة ألف درهم، وهذا مع العدل الكامل والرفق الشامل بحيث لا يرى فيها متظلّم ولا متهضّم ولا مهتضم، وهذا من بركة العدل وحسن النية.
وأما فتحها فذكر البلاذري أن أبا عبيدة رحل إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهري، وكان أبوه يسمّى عبد غنم، فلما أسلم عياض كره أن يقال له ابن عبد غنم فقال: أنا عياض بن غنم، فوجد أهلها قد تحصنوا، فنزل عليها فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأولادهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها، فأعطوا ذلك واستثنى عليهم موضع المسجد، وكان الذي صالحهم عياض، فأنفذ أبو عبيدة صلحه، وقيل: بل صالحوا على حقن دمائهم وأن يقاسموا أنصاف منازلهم وكنائسهم، وقيل: إن أبا عبيدة لم يصادف بحلب أحدا لأن أهلها انتقلوا إلى أنطاكية وأنهم إنما صالحوا على مدينتهم بها ثم رجعوا إليها.
وأما قلعتها فبها يضرب المثل في الحسن والحصانة لأن مدينة حلب في وطاء من الأرض وفي وسط ذلك الوطإ جبل عال مدوّر صحيح التدوير مهندم بتراب صح به تدويره، والقلعة مبنيّة في رأسه، ولها خندق عظيم وصل بحفره إلى الماء، وفي وسط هذه القلعة مصانع تصل إلى الماء المعين، وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة، وكان الملك الظاهر غازي بن
صلاح الدين يوسف بن أيوب قد اعتنى بها بهمّته العالية فعمّرها بعمارة عادية وحفر خندقها وبنى رصيفها بالحجارة المهندمة فجاءت عجبا للناظرين إليها، لكن المنية حالت بينه وبين تتمّتها، ولها في أيامنا هذه سبعة أبواب: باب الأربعين، وباب اليهود، وكان الملك الظاهر قد جدّد عمارته وسمّاه باب النصر، وباب الجنان، وباب أنطاكية، وباب قنّسرين، وباب العراق، وباب السرّ، وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء، ولأهلها عناية بإصلاح أنفسهم وتثمير الأموال، فقلّ ما ترى من نشئها من لم يتقيل أخلاق آبائه في مثل ذلك، فلذلك فيها بيوتات قديمة معروفة بالثّروة ويتوارثونها ويحافظون على حفظ قديمهم بخلاف سائر البلدان، وقد أكثر الشعراء من ذكرها ووصفها والحنين إليها، وأنا أقتنع من ذلك بقصيدة لأبي بكر محمد بن الحسن بن مرّار الصّنوبري وقد أجاد فيها ووصف متنزهاتها وقراها القريبة منها فقال:
احبسا العيس احبساها، ... وسلا الدار سلاها
واسألا أين ظباء ال ... دّار أم أين مهاها
أين قطّان محاهم ... ريب دهر ومحاها
صمّت الدار عن السا ... ئل، لا صمّ صداها
بليت بعدهم الدا ... ر، وأبلاني بلاها
آية شطّت نوى الإظ ... عان، لا شطّت نواها
من بدور من دجاها، ... وشموس من ضحاها
ليس ينهى النفس ناه ... ما أطاعت من عصاها
بأبي من عرسها وسخ ... طي، ومن عرسي رضاها
دمية إن جلّيت كا ... نت حلى الحسن حلاها
دمية ألقت إليها ... راية الحسن دماها
دمية تسقيك عينا ... ها، كما تسقي مداها
أعطيت لونا من الور ... د، وزيدت وجنتاها
حبّذا الباءات باءت، ... وقويق ورباها
بانقوساها بها با ... هي المباهي، حين باهى
وبباصفرا وبابل ... لا ربا مثلي وتاها
لا قلى صحراء نافر ... قلّ شوقي، لا قلاها [1]
لا سلا أجبال باسل ... لين قلبي، لا سلاها
وبباسلّين فليب ... غ ركابي من بغاها
وإلى باشقلّيشا ... ذو التناهي يتناهى [1] قوله: نافر، بسكون الراء، هكذا في الأصل.
وبعاذين، فواها ... لبعاذين، وواها
بين نهر وقناة ... قد تلته وتلاها
ومجاري برك، يجلو ... همومي مجتلاها
ورياض تلتقي آ ... مالنا في ملتقاها
زاد أعلاها علوّا ... جوشنا لمّا علاها
وازدهت برج أبي الحا ... رث حسنا وازدهاها
واطّبت مستشرف الحص ... ن، اشتياقا، واطّباها
وأرى المنية فازت ... كلّ نفس بمناها
إذ هواي العوجان السا ... لب النفس هواها
ومقيلي بركة التّل ... ل وسيبات رحاها
بركة تربتها الكا ... فوز، والدّرّ حصاها
كم غراني طربي حي ... تانها لما غراها
إذ تلى مطبّخ الحي ... تان منها مشتواها
بمروج اللهو ألقت ... عير لذّاتي عصاها
وبمغنى الكامليّ اس ... تكملت نفسي مناها
وغرت ذا الجوهريّ ال ... مزن غيثا، وغراها
كلأ الراموسة الحس ... ناء ربي، وكلاها
وجزى الجنّات بالسّع ... دى بنعمى، وجزاها
وفدى البستان من فا ... رس صبّ وفداها
وغرت ذا الجوهريّ ال ... مزن، محلولا عراها
واذكرا دار السّليما ... نيّة اليوم، اذكراها
حيث عجنا نحوها العي ... س تبارى في براها
وصفا العافية المو ... سومة الوصف صفاها
فهي في معنى اسمها حذ ... وبحذو، وكفاها
وصلا سطحي وأحوا ... ضي، خليليّ، صلاها
وردا ساحة صهري ... جي على سوق رداها
وامزجا الراح بماء ... منه، أو لا تمزجاها
حلب بدر دجّى، أن ... جمها الزّهر قراها
حبّذا جامعها الجا ... مع للنفس تقاها
موطن مرسي دور ألب ... رّ بمرساة حباها [1]
شهوات الطرف فيه، ... فوق ما كان اشتهاها
قبلة كرّمها الل ... هـ بنور، وحباها
ورآها ذهبا في ... لازورد من رآها
ومراقي منبر، أع ... ظم شيء مرتقاها
وذرى مئذنة، طا ... لت ذرى النجم ذراها
والنّواريّة ما لا ... ترياه لسواها
قصعة ما عدت الكع ... ب، ولا الكعب عداها
أبدا، يستقبل السّح ... ب بسحب من حشاها
فهي تسقي الغيث إن لم ... يسقها، أو إن سقاها
كنفتها قبّة يض ... حك عنها كنفاها
قبّة أبدع بانى ... ها بناء، إذ بناها
ضاهت الوشي نقوشا، ... فحكته وحكاها
لو رآها مبتني قب ... بة كسرى ما ابتناها
فبذا الجامع سرو ... يتباهى من تباهي
جنّبا السارية الخض ... راء منه، جنّباها
قبلة المستشرف الأع ... لى، إذا قابلتماها
حيث يأتي خلفه الآ ... داب منها من أتاها
من رجالات حبّى لم ... يحلل الجهل حباها
من رآهم من سفيه ... باع بالعلم السفاها
وعلى ذاك سرور ال ... نفس منّي وأساها
شجو نفسي باب قنّس ... رين، وهنا، وشجاها
حدث أبكي التي في ... هـ، ومثلي من بكاها
أنا أحمي حلبا دا ... را، وأحمي من حماها
أيّ حسن ما حوته ... حلب، أو ما حواها
سروها الداني، كما تد ... نو فتاة من فتاها
آسها الثاني القدود ال ... هيف، لمّا أن ثناها [1] هذا البيت مختل الوزن ولعل فيه تصحيفا.
نخلها زيتونها، أو ... لا فأرطاها عصاها
قبجها درّاجها، أو ... فحباراها قطاها
ضحكت دبسيّتاها، ... وبكت قمريّتاها
بين أفنان، تناجي ... طائريها طائراها
تدرجاها حبرجاها ... صلصلاها بلبلاها
ربّ ملقي الرّحل منها، ... حيث تلقى بيعتاها
طيّرت عنه الكرى طا ... ئرة، طار كراها
ودّ، إذ فاه بشجو، ... أنه قبّل فاها
صبّة تندب صبّا، ... قد شجته وشجاها
زيّنت، حتى انتهت ... في زينة في منتهاها
فهي مرجان شواها، ... لازورد دفّتاها
وهي تبر منتهاها، ... فضّة قرطمتاها
قلّدت بالجزع، لمّا ... قلّدت، سالفتاها
حلب أكرم مأوى، ... وكريم من أواها
بسط الغيث عليها ... بسط نور، ما طواها
وكساها حللا، أب ... دع فيها إذ كساها
حللا لحمتها السّو ... سن، والورد سداها
إجن خيرياتها بال ... لحظ، لا تحرم جناها
وعيون النرجس المن ... هلّ، كالدمع نداها
وخدودا من شقيق، ... كاللظى الحمر لظاها
وثنايا أقحوانا ... ت، سنا الدّرّ سناها
ضاع آذريونها، إذ ... ضاء، من تبر، ثراها
وطلى الطّلّ خزاما ... ها بمسك، إذ طلاها
وانتشى النّيلوفر الشّو ... ق قلوبا، واقتضاها
بحواش قد حشاها ... كلّ طيب، إذ حشاها
وبأوساط على حذ ... والزنابير حذاها
فاخري، يا حلب، المد ... ن يزد جاهك جاها
إنه إن لم تك المد ... ن رخاخا، كنت شاها
وقال كشاجم:
أرتك ندى الغيث آثارها، ... وأخرجت الأرض أزهارها
وما أمتعت جارها بلدة ... كما أمتعت حلب جارها
هي الخلد يجمع ما تشتهي، ... فزرها، فطوبى لمن زارها!
وكفر حلب: من قرى حلب. وحلب الساجور:
في نواحي حلب، ذكرها في نواحي الفتوح، قال:
وأتى أبو عبيدة بن الجرّاح، رضي الله عنه، حلب الساجور بعد فتح حلب وقدم عياض بن غنم إلى منبج.
وحلب أيضا: محلّة كبيرة في شارع القاهرة بينها وبين الفسطاط، رأيتها غير مرّة.

الرُّومُ

الرُّومُ:
جيل معروف في بلاد واسعة تضاف إليهم فيقال بلاد الروم، واختلفوا في أصل نسبهم فقال قوم: إنّهم من ولد روم بن سماحيق بن هرينان بن علقان بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، عليه السلام، وقال آخرون: إنّهم من ولد روميل ابن الأصفر بن اليفز بن العيص بن إسحاق، قال عدي ابن زيد العبّادي:
وبنو الأصفر الكرام ملوك ال ... رّوم لم يبق منهم مذكور
وقال ابن الكلبي: ولد لإسحاق بن إبراهيم الخليل، عليهما السلام، يعقوب، وهو إسرائيل، عليه السلام، والعيص، وهو عيصو وهو أكبرهم، وقد ولدا توأمين وإنّما سمّي يعقوب لأنّه خرج من بطن أمّه آخذا بعقب العيص، فولد العيص روم القسطنطينية وملوك الروم، وقال آخرون: سمّي يعقوب لأنّه هو والعيص وقت الولادة تخاصما في الولادة فكلّ أراد الخروج قبل صاحبه وكان إسحاق، عليه السلام، حاضرا وقت الولادة فقال اعقب يا يعقوب، فأمّا الذين هم الروم فهم بنو رومي ابن بزنطي بن يونان بن يافث بن نوح، عليه السلام، وقال أهل الكتاب: إنّما سمّي عيصو بهذا الاسم لأنّه عصى في بطن أمّه وذاك أنّه غلب على الخروج قبله مثل ما ذكرناه وخرج يعقوب على أثره آخذا بعقبه فلذلك سمّي يعقوب، قالوا: وتزوّج عيصو بسمة بنت إسماعيل وكان رجلا أشقر فولدت له الروم، قال الأزهري: الروم جيل ينتمون إلى عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، وقال الجوهري:
الروم من ولد روم بن عيص، يقال: روميّ وروم كما يقال زنجيّ وزنج، فليس بين الواحد والجمع إلّا الياء المشددة كما قالوا تمرة وتمر فلم يكن بين الواحد والجمع إلّا الهاء، وقال ابن الكلبي عن أبي يعقوب التّدمري: إنّما سميت الروم لأنّهم كانوا سبعة راموا فتح دمشق ففتحوها وقتلوا أهلها وكان سكانها سكرة للعازر بن نمرود بن كوش بن حام بن نوح،
عليه السلام، والسّكرة الفعلة، واسم السبعة:
لوطان وشوبال وصيفون وغاود وبشور وآصر وريضان، ثمّ جعلوا يتقدمون حتى انتهوا إلى أنطاكية ثمّ جاءت بنو العيص فأجلوهم عمّا افتتحوا وسكنوه حتى انتهوا إلى القسطنطينيّة فسكونها فسموا الروم بما راموا من فتح هذه الكور، وبنى القسطنطينيّة ملك من بني العيص يقال له بزنطي، ويقال:
سميت الروم بروم بن بزنطي، وعندي أنّهم إنّما سمّوا بني الأصفر لشقرتهم لأن الشقرة إذا أفرطت صارت صفرة صافية، وقيل: إن عيصو كان أصفر لمرض كان ملازما له، وقال جرير بن الخطفى الشاعر اليربوعي يفتخر على اليمن بالفرس والروم ويقول إنّهم من ولد إسحاق:
وأبناء إسحاق اللّيوث إذا ارتدوا ... حمائل موت لابسين السّنورا
إذا افتخروا عدّوا الصبهبذ منهم ... وكسرى وعدّوا الهرمزان وقيصرا
وكان كتاب فيهم ونبوّة، ... وكانوا بإصطخر الملوك وتسترا
أبونا أبو إسحاق يجمع بيننا، ... وقد كان مهديّا نبيّا مطهّرا
ويعقوب منّا، زاده الله حكمة، ... وكان ابن يعقوب أمينا مصوّرا
فيجمعنا والغرّ أبناء سارة ... أب لا نبالي بعده من تعذّرا
أبونا خليل الله، والله ربّنا، ... رضينا بما أعطى الإله وقدّرا
بنى قبلة الله التي يهتدى بها، ... فأورثنا عزّا وملكا معمّرا
وأمّا حدود الروم فمشارقهم وشمالهم الترك والخزر ورسّ، وهم الروس، وجنوبهم الشام والإسكندرية ومغاربهم البحر والأندلس، وكانت الرّقّة والشامات كلّها تعدّ في حدود الروم أيّام الأكاسرة، وكانت دار الملك أنطاكية إلى أن نفاهم المسلمون إلى أقصى بلادهم، قال أحمد بن محمد الهمذاني: وجميع أعمال الروم التي تعرف وتسمى وتأتينا أخبارها على الصحة أربعة عشر عملا، منها ثلاثة خلف الخليج وأحد عشر دونه، فالأوّل من الثلاثة التي خلف الخليج يسمّى طلايا وهو بلد القسطنطينيّة، وحدّه من جهة المشرق الخليج الآخذ من بحر الخزر إلى بحر الشام، ومن القبلة بحر الشام، ومن المغرب سور ممدود من بحر الشام إلى بحر الخزر ويسمّى مقرن تيخس، وتفسيره السور الطويل، وطوله مسيرة أربعة أيّام، وهو من القسطنطينيّة على مسيرة مرحلتين، وأكثر هذا البلد ضياع للملك والبطارقة ومروج لمواشيهم ودوابّهم، وفي أخبار بلاد الروم أسماء عجزت عن تحقيقها وضبطها فليعذر الناظر في كتابي هذا، ومن كان عنده أهلية ومعرفة وقتل شيئا منها علما فقد أذنت له في إصلاحه مأجورا، ومن وراء هذا العمل عمل تراقية، وحدّه من وجه المشرق هذا السور الطويل، ومن القبلة عمل مقدونية، ومن المغرب بلاد برجان مسيرة خمسة عشر يوما، وعرضه من بحر الخزر إلى حدّ عمل مقدونية مسيرة ثلاثة أيّام، ومنزل الاصطرطغوس الوالي حصن يسمى أرقدة على سبع مراحل من القسطنطينيّة، وجنده خمسة آلاف، ثمّ عمل مقدونية، وحدّه من المشرق السور الطويل، ومن القبلة بحر الشام، ومن المغرب بلاد الصقالبة، ومن ظهر القبلة بلاد برجان، وعرضه مسيرة خمسة أيّام، ومنزل الاصطرطغوس، يعني
الوالي، حصن يسمى بابدس، وجنده خمسة آلاف، فهذه الثلاثة بلدان التي خلف الخليج ومن دون الخليج أحد عشر عملا، فأوّلها ممّا يلي بحر الخزر إلى خليج القسطنطينيّة عمل أفلاجونية، وأوّل حدوده على الانطماط والثاني بحر الخزر والثالث على الأرمنياق والرابع على البقلار، ومنزل الاصطرطغوس ايلاي، وهو رستاق وقرية تدعى نيقوس، وله منزل آخر يسمّى سواس، وجنده خمسة آلاف، وإلى جانبه عمل الانطماط، وحده الأوّل الخليج، وجنده أربعة آلاف، وأهل هذا العمل مخصوصون بخدمة الملك وليسوا بأهل حرب، وإلى جانبه عمل الأبسيق، وحده الأول الخليج والثاني الانطماط والثالث عمل الناطلقوس والرابع عمل ترقسيس، ومنزل الاصطرطغوس حصن بطنة، وجنده ستة آلاف، وإلى جانبه عمل ترقسيس، وحده الأوّل الخليج والثاني الابسيق والثالث عمل الناطلقوس والرابع بحر الشام، ومنزل الاصطرطغوس في حصن الوارثون، واسمه قانيوس، والوارثون: اسم البلد، وجنده عشرة آلاف، وإلى جانبه عمل الناطلقوس وتفسيره المشرق، وهو أكبر أعمال الروم، وحدّه الأوّل الأبسيق والترقسيس والثاني عمل البقلار، ومنزل الاصطرطغوس مرج الشحم، وجنده خمسة عشر ألفا ومعه ثلاثة طرموخين، وفي هذا العمل عمّورية، وهي الآن خراب، وبليس ومنبج ومرعش، وهو حصن برغوث، وإلى جانبه من ناحية البحر عمل سلوقية، وحده الأوّل بحر الشام والثاني عمل ترقسيس والثالث عمل الناطلقوس والرابع دروب طرسوس من ناحية قلمية واللامس، واسم صاحب هذا العمل كيليرج، ومرتبته دون مرتبة الاصطرطغوس، وتفسيره صاحب الدروب، وقيل: تفسيره وجه الملك، ومنزله سلوقية إلى أنطاكية ثمّ يتصل به عمل القباذق، وحده الأوّل جبال طرسوس وأذنة والمصيصة والثاني عمل سلوقية والثالث عمل طلغوس والرابع عمل السملار وخرشنة، ومنزل الكيليرج حصن قره، وجنده أربعة آلاف، وفيه حصون كثيرة قويّة، ومن بلاده قورية أو قونية وملقونية وجرديلية وغير ذلك، ويتصل به عمل خرشنة، وحده الأوّل عمل القيار والثاني درب ملطية والثالث عمل الارمنياق والرابع عمل البقلار، ومنزل الكيليرج حصن خرشنة، وجنده أربعة آلاف، وفيه من الحصون خرشنة وصارخة ورمحسو وباروقطة وماكثيرى ثمّ يتصل به عمل البقلار، وحده الأوّل عمل الناطلقوس والثاني القباذق وخرشنة والثالث عمل الارمنياق والرابع عمل أفلاجونية، ومنزل الاصطرطغوس أنقرة التي بها قبر امرئ القيس، وقد ذكر في موضعه، وجندها ثمانية آلاف، ومع صاحبها طرموخان، وفيه حصون وعدّة بلاد ثمّ يتصل به عمل الأرمنياق، وحده الأوّل عمل أفلاجونية والثاني عمل البقلار والثالث خرشنة والرابع جلدية وبحر الخزر، ومنزل الاصطرطغوس حصن أماسية، وجنده تسعة آلاف ومعه ثلاثة طرموخين، وفيه عدّة بلاد وحصون ثمّ يتصل به عمل جلدية، وحدّه الأوّل بلاد أرمينية، وأهله مخالفون للروم متاخمون لأرمينية، والثاني بحر الخزر والثالث عمل الارمنياق والرابع أيضا عمل الارمنياق، ومنزل الاصطرطغوس اقريطة، وجنده عشرة آلاف ومعه طرموخان، وفيه بلاد وحصون، قال الهمذاني: فهذه جميع أعمال الروم المعلومة لنا في البرّ على كلّ عمل منها وال من قبل الملك الذي يسمى الاصطرطغوس إلّا صاحب الأنماط فإنّه يسمى الدمستق، وصاحب سلوقية وصاحب خرشنة فإن
كلّ واحد منهما يسمّى الكيليرج، وعلى كل حصن من حصون الروم رجل ثابت فيه يسمّى برقليس يحكم بين أهله، قلت أنا: وهذا فيما أحسب رسوم وأسماء كانت قديما ولا أظنّها باقية الآن وقد تغيرت أسماء البلاد وأسماء تلك القواعد، فإن الذي نعرف اليوم من بلاد الروم المشهورة في أيدي المسلمين والنصارى لم يذكر منها شيء مثل قونية وأقصرى وأنطاكية وأطرابزندة وسيواس إلى غير ذلك من مشهور بلادهم، وإنّما ذكرت كما ذكر، والله أعلم، وقال بعض الجلساء: سمعت المعتز بالله يقول لأحمد ابن إسرائيل: يا أحمد كم خراج الروم؟ فقال: يا أمير المؤمنين خرجنا مع جدك المعتصم في غزاته فلمّا توسط بلد الروم صار إلينا بسيل الخرشني وكان على خراج الروم فسأله محمد بن عبد الملك عن مبلغ خراج بلدهم فقال خمسمائة قنطار وكذا وكذا قنطارا، فقال: حسبنا ذلك فإذا هو أقل من ثلاثة آلاف ألف دينار، فقال المعتصم: اكتب إلى ملك الروم أني سألت صاحبك عن خراج أرضك فذكر أنّه كذا وكذا وأخسّ ناحية في مملكتي خراجها أكثر من خراج أرضك فكيف تنابذني وهذا خراج أرضك! قال: فضحك المعتز وقال: من يلومني على حبّ أحمد بن إسرائيل؟ ما سألته عن شيء إلّا أجابني بقصته، وينسب إلى الروم وصيف بن عبد الله الرومي أبو عليّ الحافظ الأنطاكي الأشروسني، قال الحافظ أبو القاسم: قدم دمشق وحدث بها عن أبي يعقوب إسحاق بن العنبر الفارسي وعليّ بن سرّاج وسهل بن صالح وأحمد بن حرب الموصلي ومحفوظ بن بحر وأبي عليّ الحسن بن عبد الرحمن الجروي وسليمان بن عبد الله بن محمد ومحمد بن عبد الله القردواني الحرّاني وعبد الله بن محمد بن سعيد الحراني ومحمد بن عليّ الأفطح وعبد الحميد بن محمد بن المستام وإبراهيم ابن محمد بن إسحاق وعليّ بن بكار المصيصي، روى عنه أبو زرعة وأبو بكر ابنا أبي دجانة وأبو عليّ بن آدم الفزاري وأبو محمد الحسن بن سليمان بن داود بن بنوس البعلبكّي وأبو عليّ الحسن بن منير التنوخي وأبو عبد الله بن مروان وأبو أحمد بن عدي وأبو سعيد بن عبد الله الأعرابي وأبو الحسن بن جوصا وسليمان الطبراني وأبو مروان عبد الملك بن محمد بن عمر الطحان وأبو القاسم حمزة بن محمد بن عليّ الكناني الحافظ وأبو جعفر محمد بن أبي الحسن اليقطيني.

لقب

لقب
اللَّقَبُ: نَبْزُ اسْمٍ غيرِ الذي سُمِّيَ به.
[لقب] اللقب: واحد الألقاب، وهي الأنباز. تقول: لَقَّبْتُهُ بكذا فتلقَّب به.
اللقب: ما يسمى به الإنسان بعد اسمه العلم؛ من لفظ يدل على المدح أو الذم، لمعنى فيه.
(ل ق ب)

اللقب: النبز، وَالْجمع: ألقاب.

وَقد لقبه.
ل ق ب: اللَّقَبُ النَّبْزُ. وَ (لَقَّبَهُ) بِكَذَا فَتَلَقَّبَ بِهِ. 

لقب


لَقَبَ
لَقَّبَ
a. [acc. & Bi], Surnamed; nicknamed.
تَلَقَّبَa. Was surnamed, nicknamed; surnamed, entitled
himself.

لَقَب
(pl.
أَلْقَاْب)
a. Surname; nickname, title, appellation.
لقب
اللَّقَبُ: اسم يسمّى به الإنسان سوى اسمه الأول، ويراعى فيه المعنى بخلاف الأعلام، ولمراعاة المعنى فيه قال الشاعر:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلّا ومعناه إن فتشت في لقبه
واللَّقَبُ ضربان: ضرب على سبيل التشريف كَأَلْقَابِ السّلاطين، وضرب على سبيل النّبز، وإيّاه قصد بقوله: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ [الحجرات/ 11] .
ل ق ب

هو ملقّب بكذا ومتلقّب، وقد لقّب به وتلقّب، ونبز بلقب قبيح " ولا تنابزوا بالألقاب ". وقال الحماسيّ:

أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقّبه والسّوأة اللّقبا

وتقول: " الجار أحقّ بصقبه "، والمرء أحق بلقبه. وتلاقب القوم، ولاقبه ملاقبة.
ل ق ب : اللَّقَبُ النَّبْزُ بِالتَّسْمِيَةِ وَنُهِيَ عَنْهُ وَالْجَمْعُ الْأَلْقَابُ وَلَقَّبْتُهُ بِكَذَا وَقَدْ يُجْعَلُ اللَّقَبُ عَلَمًا مِنْ غَيْرِ نَبْزٍ فَلَا يَكُونُ حَرَامًا وَمِنْهُ تَعْرِيفُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِالْأَعْمَشِ وَالْأَخْفَشِ وَالْأَعْرَجِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِذَلِكَ نَبْزٌ وَلَا تَنْقِيصٌ بَلْ مَحْضُ تَعْرِيفٍ مَعَ رِضَا الْمُسَمَّى بِهِ. 

لقب: اللَّقَبُ: النَّبْزُ، اسمٌ غير مسمى به، والجمع أَلْقَابٌ. وقد

لَقَّبَه بكذا فَتَلَقَّبَ به. وفي التنزيل العزيز: ولا تَنَابَزُوا بالأَلْقَابِ؛ يقول: لا تَدْعوا الرجلَ إِلا بأَحَبّ أَسمائِه إِليه. وقال الزجاج يقول: لا يقول المسلمُ لمن كان يهوديّاً أَو نصرانيّاً فأَسلم: يا

يهوديّ يا نصرانيّ، وقد آمن.

يقال: لَقَّبْتُ فُلاناً تَلْقِـيباً، ولَقَّبْتُ الاسْمَ بالفِعل تَلْقيباً إِذا جَعَلْتُ له مِثَالاً من الفعل، كقولك لجَوْرَبٍ فَوْعَل.

لقب
: (اللَّقَبُ، مُحَرَّكَةً: النَّبْزُ) اسْمٌ غيرُ مُسَمًّى بِهِ. (ج: أَلْقَابٌ) .
(و) قد (لَقَّبَهُ بِهِ تَلْقِيباً، فَتَلَقَّبَ) بِهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالاْلْقَابِ} (الحجرات: 11) ، يَقُول: لَا تَدْعُوا الرَّجُلَ بأَخْبَثِ أَسمائه إِليه.
ولَقَّبْتُ الاسْمَ بالفِعْلِ، تَلْقِيباً: إِذا جَعَلْتَ لَهُ مِثالاً من الفِعْل، كَقَوْلِك لِجَوْرَبٍ فَوْعَلٌ.
ونُبِزَ فلانٌ بلَقَبٍ قَبِيح.
وتقولُ: الجارُ أَحقُّ بصَقَبِهِ، والمَرْءُ أَحَقُّ بِلَقَبِهِ.
وتَلاَقَبُوا، ولاقَبَهُ مُلاَقَبَةً.

لقب

2 لقّبهُ بِكَذَا, inf. n. تَلْقِيبٌ, He called him, or named him, by such a by-name, or surname, or nickname; he surnamed him, or nicknamed him, so. (S, K.) See لَقَبٌ. b2: لقّب الإِسْمَ بِالفِعْلِ [i. e., بِالفَاءِ وَالعَيْنِ وَاللَّامِ] He called the noun by an appellation in which its radical letters were represented by ف, ع, and ل; this appellation being its measure; as when جَوْرَبٌ is called فَوْعَلٌ. (TA.) [But this signification belongs to the conventional language of lexicology and grammar.]5 تلقّب بِكَذَا He was by-named, surnamed, or nicknamed, so. (S, K.) See لَقَبٌ.3 لَاقَبَهُ, inf. n. مُلَاقَبَةٌ, He called him by a byname, surname, or nickname; the latter doing to him the like. (TA.) 6 تَلَاقَبُوا They called one another by by-names, surnames, or nicknames. (TA.) لَقَبٌ A by-name; a surname; a nickname; syn. نَبَزٌ: (S, K:) a name of reproach; an opprobrious appellation: in this sense forbidden: (Msb:) it is said in the Kur, xlix., 11, لَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ Call not one another by nicknames; i. e., let not one of you call another by a name which he dislikes: (Jel:) also a by-name, or surname, which is not one of reproach: such are the surnames given to certain Imáms; الأَنْمَشُ and الأَخْفَشُ and الاَّعْرَجُ and the like; and such are not forbidden, because by them is not meant reproach, or disparagement, but they are meant as mere appellations given with the approval of the persons to whom they are applied. (Msb.) [A لَقَب is distinguished from a كُنْيَة, q. v.] Pl.

أَلْقَابٌ. (S, K.) b2: [لَقَبُ اسْمٍ The appellation given to a noun by substituting ف, ع, and ل for its radical letters. See 2.]
لقب
تلقَّبَ بـ يتلقَّب، تلقُّبًا، فهو مُتلقِّب، والمفعول مُتلقَّبٌ به
• تلقَّب الشَّخْصُ بكذا: مُطاوع لقَّبَ: صار له اسم يُسمَّى به غير اسمه الحقيقيّ "تلقَّب أبو بكر رضي اللهُ عنه بالصِّدّيق- تلقَّب عمر بالفاروق". 

لقَّبَ يلقِّب، تلقيبًا، فهو مُلقِّب، والمفعول مُلقَّب
• لقَّب الشَّخْصَ بكذا: جعل له اسمًا يُسمَّى به غير اسمِه الحقيقيّ "لُقِّب بالأعرج- لقِّبت الدكتورة عائشة عبد
 الرحمن ببنت الشَّاطئ- لقَّبوه شاعرَ النِّيل". 

لَقَب [مفرد]: ج ألقاب:
1 - اسمٌ يُسمَّى به الإنسانُ غير اسمه الأوّل، للتَّعريف، أو التَّشريف، أو التَّحقير، والأخير منهيٌّ عنه "لقبُ عمر بن الخطاب الفاروقُ- {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}: يعاير بعضُكم بعضًا بلقبه".
2 - اسم العائلة "سجِّل اسمَك ولقبَك- اسمه حَسَن ولَقَبه الجمَّال".
3 - رتبة ودرجة تُسْنَد إلى الشَّخْص "لقب دكتور شرفيّ- فاز بلقب البطولة في المصارعة الحُرَّة/ السّباحة" ° حامل اللَّقب: مَنْ نال لقَبًا ما في الرِّياضة ونحوها- لَقَب جامعيّ: درجة جامعيَّة- لَقَبُ شرف: لقب يولي المرءَ تكريمًا وتشريفًا بدون منفعة ماديّة. 
لقب: لقّب: القاف، في الغالب، تأتي بالتشديد (معجم مسلم).
لقّب ب؛ كرّم، منح، ملقب بألقاب شرف، ذو لقب شريف (بوشر).
لَقَب: في (محيط المحيط): (والألقاب ثلاثة أنواع لقب تعريف ولقب تشريف ولقب تسخيف والثالث منهي عنه وفي المصباح وقد يجعل اللقب علماً من غير نبز فلا يكون حراماً ومنه تعريف بعض الأئمة المتقدمين بالأعمش والأخفش والأعرج ونحوه).
ولقب تسخيف: كنية شائنة تقال للاستهزاء بأحد الناس (انظر الأغاني 2: 14) وهذا منهي عنه.
لقب تعريف: كنية غير مهينة يسمى بها الشخص لتمييزه من اسمه العادي كالأعمش والأعرج والأعرج .. الخ.
لقب تشريف: ذو لقب شريف (بوشر، دي ساسي كرست 237:2).
لقب: الكنية التي يحملها أكابر الدولة ومن يليهم المناصب والرتب العالية؛ ألقاب الخدمة أو ألقاب الملك أي الرتب الرئاسية الأولى للدولة (حيّان- بسّام 10:1) وأقرّ المستظهر يومئذ (على) مراتب ألقاب الخدمة منها خدمة المدينتين الزهراء والزاهرة وخدمة التعقب والمحاسبة وخدمة ... الخ. وفيه: ولكل لقب من أصناف هذه الخدمة جماعات سماهم أبو مروان بن حيان في كتابه (الخطيب 70) وفي الحديث عن الرجل أراد تنصيب المحتالين مكان الأمير الشرعي وأخذ في تلقينه ألقاب الملك وأسماء رجاله وعوائده وصفة قصوره وفي (ص91 من المصدر نفسه) ورتب له ألقاب الملك ودوّن الدواوين (وفي ص91 في الحديث عن باديس الأمير) ضخمت به الدولة ونبهت الألقاب (وفي ص146 مهّد الدولة ووضع ألقاب خدمتها (وعند ابن خلدون): ألقاب الملك تفيد، تارة، المعنى نفسه، وتارة أخرى كلمة لقب وحدها التي تشير إلى رموز السلطة واليك بعض الأمثلة: في (المقدمة 1، 401): ولما انقرض شأن الخلافة وظهرها وصار الأمر كله مُلكاً وسطاناً صارت هذه الخطط الدينية بعيدة عنه بعض الشيء لأنها ليست من ألقاب الملك ولا مراسمه (وفي البربرية 460:1): واستكمل ألقاب الملك وقسم الخطط بين رجال الدولة (وفي 577:7): وأعاد ألقاب الخلافة ورسومها وشياتها وفي 15: 598، 4: 599، 128:2): ثم سموا إلى اللقب والتفنن في الشارة المولكية (وفي 8:1) فلم يزالوا آخذين بدعنتهم واحداً بعد واحد متجافين عن اللقب أدباً معهم محددين البيعة لكل من يتحدد قيامه بالخلافة منهم.
لقب: اسم أو عنوان تقدير وإكرام من الجمهور (الخطيب 131): بعد أن عدد الإصلاحات والتحسينات التي قام بها الوزير في غرناطة .. وأفذاذ أمثال هذه الألقاب يشق تعدادها.
لقب: (في محيط المحيط): (اللقب في اللغة ما يعبر به عن شيء وفي اصطلاح أهل العربية عَلَم بمدح أو باعتبار معناه الأصلي). ألقاب الحديث مجموعة الصيغ (التقنية) لعلم الحديث (المقري 1، 819). ألقاب الإعراب والبناء (أسماؤه وهي الرفع والنصب والخفض والجزم في الإعراب والضم والفتح والكسرة والسكون في البناء). (محيط المحيط).
ألقاب: مجموعة أنواع وفروع فن ما: يقول ابن خلدون، في مقدمته، في هلم البديع (ص298:3): ... فرّعوا لعلم البديع ألقاباً وعدّدوا أنواعاً أنواعا (انظر 355:3، 5 المقري 431:2، 14): وهذه الطريقة الزجلية بديعة تتحكم فيها ألقاب البديع.
ألقاب الجباية أو ألقاب المكوس أو الألقاب المخزنية (المقدمة 2، 83، 16، 100، 12): حين لا تكفي الموارد حاجات الإنفاق: ... فيستحدثون ألقاباً ووجوهاً يوسعون بها الجباية وفي (12: 300): حين يكون على الدولة أن تختار فإنها تتجه إلى الألقاب المخزنية دون أنواع الخراج الأخرى لمواجهة نقص الموارد العادية للدولة فيفضّل الضربية على النبيذ مثلاً (البربرية 1، 95، 2). إن كلمة لقب أيضاً. ضربية ففي العقد الغرناطي: ما يُحمل في ألقاب طاعة بلدون وأعشارها في لقب المعونة الملكــية في لقب الكسي والمنفعة.
ألقاب: إن الكلمة (ألقاب) أصبحت تطلق على إدارة الخراج (الجريدة الآسيوية 1849، 1، 93، 6): وخدم في ألقاب بجاية.
لقاب: جنس طير (القزويني 119:2، 8) إلاّ إنه عند ياقوت (885:1) لفات.

اخْتِلَاف الدَّاريْنِ

اخْتِلَاف الدَّاريْنِ: إِنَّمَا يتَحَقَّق باخْتلَاف الْعَسْكَر وَــالْملك بِحَيْثُ تَنْقَطِع الْعِصْمَة فِيمَا بَينهم حَتَّى يسْتَحل كل من الْملكَــيْنِ قتال الآخر. وَإِذا ظفر رجل من عَسْكَر أَحدهمَا بِرَجُل من عَسْكَر الآخر قَتله وَهَذَا الِاخْتِلَاف بَين الْوَارِث والمورث من مَوَانِع الْإِرْث فِي حق أهل الْكفْر كُلية حَتَّى لَا يَرث الذِّمِّيّ من الْحَرْبِيّ وَلَا الْحَرْبِيّ من الذِّمِّيّ. وَأما فِي حق الْمُسلمين فَإِنَّمَا يُؤثر فِي الحرمان جزئية لَا كُلية حَتَّى لَو مَاتَ الْمُسلم فِي دَار الْإِسْلَام وَله ابْن مُسلم فِي دَار الْحَرْب بالاستئمان أَو على الْعَكْس يَرث كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر بِالْإِجْمَاع. وَأما الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر من دَار الْحَرْب فَلَا يَرث الْمُسلم المُهَاجر بالِاتِّفَاقِ. وَمِمَّا حررنا لَك يظْهر التَّوْفِيق بَين مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ إِنَّمَا هُوَ مَانع من الْإِرْث فِي حق الْكفَّار خَاصَّة. وَبَين مَا ذكره صَاحب الْبَسِيط وشارحه من أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بَين الشخصين على ثَلَاثَة أوجه. (اخْتِلَاف حَقِيقَة وَحكما) وَهُوَ مَانع فِي حق الْكَافِر وَالْمُسلم كالحربي وَالذِّمِّيّ وكالمسلم الَّذِي فِي دَارنَا وَمن أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر (وَاخْتِلَاف حكما لَا حَقِيقَة) وَهُوَ مَانع أَيْضا فِي حَقّهمَا كالكافر الْمُسْتَأْمن مَعَ الذِّمِّيّ وكالمسلم الْمُسْتَأْمن الَّذِي كَانَ فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر وَاسْتَأْمَنَ مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام. (وَالثَّالِث اخْتِلَاف حَقِيقَة لَا حكما) وَهُوَ لَيْسَ بمانع لَا فِي حق الْكَافِر وَلَا فِي حق الْمُسلم كالكافر الْمُسْتَأْمن مَعَ الْحَرْبِيّ وَالْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام وَاسْتَأْمَنَ من الْحَرْبِيّ مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام. (وَالِاخْتِلَاف الْحَقِيقِيّ) أَن يكون أَحدهمَا فِي دَار الْإِسْلَام حسا وَالْآخر فِي دَار الْحَرْب. (وَالِاخْتِلَاف الْحكمِي) أَن يكون أَحدهمَا فِي اعْتِبَار الشَّرْع وَحكمه من أهل دَار الْإِسْلَام وَالْآخر من أهل دَار الْحَرْب وَإِن كَانَا مَعًا فِي مَكَان وَاحِد فالاختلاف حكما وحقية مَا يكون اخْتِلَافا بِحَسب الْحس وَفِي اعْتِبَار الشَّارِع كحربي مَاتَ فِي دَار الْحَرْب وَله أَب أَو ابْن ذمِّي فِي دَار الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لَا يَرث الذِّمِّيّ من ذَلِك الْحَرْبِيّ. وَكَذَا لَو مَاتَ الذِّمِّيّ فِي دَار الْإِسْلَام وَله أَب أَو ابْن فِي دَار الْحَرْب فَإِنَّهُ لَا يَرث ذَلِك الْحَرْبِيّ من ذَلِك الذِّمِّيّ. وَكَذَا لَو مَاتَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَارنَا وَله أَب أَو ابْن أسلم فِي دَار الْحَرْب يَعْنِي لم يُهَاجر إِلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يَرث الْأَب أَو الابْن من ذَلِك الْمُسلم وَذَلِكَ لِأَن اخْتلَافهمْ فِي الدَّار حسا وَفِي اعْتِبَار الشَّرْع. (وَالِاخْتِلَاف حكما فَقَط) كمستأمن مَاتَ فِي دَارنَا وَله وَارِث ذمِّي لَا يَرث مِنْهُ لِأَنَّهُمَا وَإِن كَانَا فِي دَار وَاحِدَة حَقِيقَة فهما فِي دارين حكما لِأَن الْمُسْتَأْمن على عزم الرُّجُوع وَتمكن مِنْهُ بل يتَوَقَّف مَاله لوَرثَته الَّذين فِي دَار الْحَرْب لِأَن حكم الْأمان بَاقٍ فِي مَاله لحقه وَمن جملَة حَقه إِيصَال مَاله إِلَى ورثته فَلَا يصرف المَال إِلَى بَيت المَال انْتهى وَالْمرَاد بالمستأمن فِي مِثَال الِاخْتِلَاف حكما لَا حَقِيقَة الْمُسلم الَّذِي كَانَ فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر وَاسْتَأْمَنَ حَتَّى يكون مِثَالا لاخْتِلَاف الدَّار حكما لَا حَقِيقَة بِخِلَاف الْمُسْتَأْمن فِي مِثَال الِاخْتِلَاف حَقِيقَة لَا حكما فَإِن المُرَاد بِهِ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام وَاسْتَأْمَنَ من الْحَرْبِيّ ليدْخل فِي دَار الْحَرْب فَافْهَم واحفظ.

وَإِن: أردْت توضيح التَّوْفِيق فَاعْلَم أَنهم لما عدوا اخْتِلَاف الدَّاريْنِ من الْمَوَانِع ثمَّ فسروه باخْتلَاف المنعة وَــالْملك كَاد أَن ينْتَقض بِالْمُسْلِمين الْمُخْتَلِفين بِالْعَدْلِ وَالْبَغي مَعَ أَنهم يتوارثون بالِاتِّفَاقِ خصصوا الْكُلية بالكفار يَعْنِي أَن اخْتِلَاف الدَّار بِهَذَا التَّفْسِير إِنَّمَا يمْنَع كُلية فِي حق الْكفَّار حَتَّى أَن الْكفَّار فِي دارين من دَار الْحَرْب مُخْتَلفين بالمنعة وَــالْملك لَا يتوارثون بِخِلَاف أهل الْإِسْلَام فَإِن الِاخْتِلَاف فِيمَا بَينهم بِالدَّار بِهَذَا التَّفْسِير لَا يمْنَع كُلية فَإِن الْبَاغِي والعادل مَعَ أَنَّهُمَا فِي دارين مختلفتين بالمنعة وَــالْملك يتوارثان كَمَا خصص السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي شَرحه مُعَللا بِهَذَا التَّعْلِيل كَمَا يلوح لمن يطالعه وشارح الْبَسِيط مَعَ أَنه قَالَ بالتعميم أَولا مَال إِلَى التَّخْصِيص بِعَين هَذَا التَّعْلِيل ثَانِيًا بقوله بعد التَّفْسِير الْمَذْكُور وَهَذَا بِخِلَاف الْمُسلمين فليطالع فِيهِ ليطلع عَلَيْهِ. ثمَّ لما كَانَ الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر من دَار الْحَرْب لَا يَرث الْمُسلم المُهَاجر بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من وَلَا يتهم من شَيْء حَتَّى يهاجروا} إِذْ الْإِرْث من بَاب الْولَايَة حَتَّى أَن أَصْحَاب التفاسير بأجمعهم صَرَّحُوا بذلك.

فِي الْبَيْضَاوِيّ: فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى {من ولايتهم} أَي من توليتهم فِي الْمِيرَاث وَفِي المدارك لصَاحب الْكَنْز هَذَا التَّفْسِير بِعَيْنِه مَعَ زِيَادَة قَوْله فَكَانَ لَا يَرث الْمُؤمن الَّذِي لم يُهَاجر مِمَّن آمن وَهَاجَر انْتهى. عمم صَاحب الْبَسِيط وشارحه اخْتِلَاف الدَّاريْنِ الْمَانِع من الْإِرْث بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكفَّار وَأهل الْإِسْلَام لكنهما أَرَادوا بالدارين أخص من التَّفْسِير الَّذِي فسر بِهِ المخصصون وَهُوَ دَار الْإِسْلَام وَالْكفْر فَقَط يَعْنِي أَن اخْتِلَاف دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام يمْنَع الْإِرْث مُطلقًا وَإِن كَانَ الِاخْتِلَاف بالمنعة وَــالْملك لَا يمْنَع كُلية مُطلقًا بل فِيمَا بَين الْكفَّار خَاصَّة. وَأما بَين الْمُسلمين فَإِنَّمَا يمْنَع إِذا تحقق فِي ضمن الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام حَتَّى إِذا تحقق فِي ضمن فَرد آخر لَا يمْنَع كَمَا بَين الْبَاغِي والعادل فالمخصصون عنوا بِهِ التَّفْسِير الْأَعَمّ والمعمم أَرَادَ الْمَعْنى الْأَخَص فَلَا تدافع. وَأما تواطؤهم على التَّصْرِيح بجري التَّوَارُث بَين الْمُسلم الَّذِي هُوَ فِي دَار الْإِسْلَام مَعَ ورثته الَّذين فِي دَار الْحَرْب فَيَقْتَضِي أَن لَا يُؤثر الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام أَيْضا فِي حق أهل الْإِسْلَام فيصادم بِنَاء التَّوْفِيق فَلَا يُنَافِي قَول صَاحب الْبَسِيط
لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يُرَاد بقَوْلهمْ مَعَ رثته الَّذين فِي دَار الْحَرْب ورثته الَّذين دخلُوا دَار الْحَرْب بعد الْهِجْرَة لَا الَّذين لم يهاجروا على مَا يرشدك إِلَيْهِ عبارَة وَاحِد من المخصصين وَهُوَ صَاحب ضوء السراج من قَوْله حَتَّى لَو دخل التَّاجِر الْمُسلم دَار الْحَرْب لأجل التِّجَارَة وَمَات فِيهَا تَرث مِنْهُ ورثته الَّذين كَانُوا فِي دَار الْإِسْلَام كَذَلِك الْمُسلم إِذا أسره أهل الْحَرْب وألحقوه بدارهم وَمَات فِيهَا وَلم يُفَارق دينه يَرث مِنْهُ ورثته الَّذين فِي دَار الْإِسْلَام لِأَن الدُّخُول فِي دَار الْحَرْب للتِّجَارَة أَو بالأسر لَا يكون إِلَّا بعد الْهِجْرَة. وَلَا يُنكره صَاحب الْبَسِيط أَيْضا لِأَن الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام إِنَّمَا يُؤثر إِذا كَانَ حكما كَمَا صرح هُوَ بِهِ والداخل للتِّجَارَة أَو المأسور على إِرَادَة الرُّجُوع فَكَأَنَّهُ فِي دَار الْإِسْلَام بل صرح بِهِ شَارِحه بقوله وَالْمُسلم الْمُسْتَأْمن مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام فَحصل التَّوْفِيق وَالله ولي التَّوْفِيق. بَقِي شَيْء وَهُوَ أَنه أطبق كلمة المخصصين سوى الحبر النحرير السَّيِّد السَّنَد قدس سره على جعل التَّوَارُث بَين الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْحَرْب وَالَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام غَايَة وَثَمَرَة لهَذَا التَّخْصِيص فَلَو أُرِيد بِهِ روما للتوفيق الْمُسلم الَّذِي دخل دَار الْحَرْب بعد الْهِجْرَة لم يصلح أَن يكون ثَمَرَة لَهُ فَإِنَّهُ لَو فرض تَأْثِير تبَاين الدَّاريْنِ فِي حق أهل الْإِسْلَام أَيْضا فِي الحرمان جرى التَّوَارُث بَينهمَا لاعْتِبَار التباين حكما وَهُوَ مُنْتَفٍ هَا هُنَا. أَلا ترى إِلَى توارث الْكَافِر الْمُسْتَأْمن وَالْحَرْبِيّ مَعَ اعْتِبَار تبَاين الدَّاريْنِ فِي حَقهم بالِاتِّفَاقِ فَلَا بُد أَن يحمل على مَا قبل الْهِجْرَة فينهدم قصر التَّوْفِيق لكنه يُمكن أَن يُقَال عِبَارَات المخصصين سوى صَاحب ضوء السراج مجملة مُحْتَملَة لِأَن يُرَاد فِيهَا بالورثة الْمُسلمين الَّذين فِي دَار الْحَرْب الَّذين لم يهاجروا بعد أَو هَاجرُوا ثمَّ دخلُوا. وَعبارَة ضوء السراج كَمَا سَمِعت آنِفا مفسرة متعينة فِي الثَّانِي. وَمن مسلمات فن الْأُصُول حمل الْمُجْمل على الْمُفَسّر فَلَا بُد أَن يُرَاد مَا بعد الْهِجْرَة خَاصَّة وَأَيْضًا الِاحْتِمَال الأول مُخَالف للنَّص الصَّرِيح فَبَطل وَبَقِي الِاحْتِمَال الثَّانِي جزما فَحصل التَّوْفِيق فِي أصل الْمَسْأَلَة. إِمَّا جعلهم إِيَّاه ثَمَرَة التَّخْصِيص فإمَّا أَن يحمل على قلَّة التعمق مِنْهُم وَلذَا ترى أُسْوَة الْمُحَقِّقين وَسيد الشُّرَّاح قدس سره لم يَجْعَل ثَمَرَة. وَإِمَّا أَن يُقَال إِن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بِمَعْنى دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام الَّذِي هُوَ مَانع فِيمَا بَين أهل الْإِسْلَام أَيْضا لَا يمْنَع كُلية فِي حق أهل الْإِسْلَام كَمَا لَا يمْنَع اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ أَي الِاخْتِلَاف بالمنعة وَــالْملك كُلية فِي حَقهم بل إِنَّمَا يمْنَع إِذا كَانَ قبل الْهِجْرَة أما بعد الْهِجْرَة كَمَا إِذا دخل تَاجِرًا أَو أَسِيرًا فَلَا. بِخِلَاف الْكفَّار فَإِن ذَلِك الِاخْتِلَاف مُؤثر فِي الحرمان بَينهم مُطلقًا فَإِن الْأَسير مِنْهُم فِي أَيْدِينَا حَال كَونه على دينه لَا يَرث مِمَّن هُوَ فِي دَار الْحَرْب من أَقَاربه فَإِنَّهُ مَمْلُوك ذمِّي وَالذِّمِّيّ لَا يَرث من الْحَرْبِيّ وَإِن كَانَ يَرث التَّاجِر مِنْهُم إِلَى دَارنَا من أهل الْحَرْب فالثمرة فِي عبارَة ضوء السراج هُوَ الْمَجْمُوع
يَعْنِي أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام إِنَّمَا يُؤثر فِي الحرمان مُطلقًا فِي حق الْكفَّار أما فِي حق الْمُسلمين فَإِنَّمَا يُؤثر قبل الْهِجْرَة أما بعد الْهِجْرَة فَلَا يُؤثر حَتَّى أَن الدَّاخِل فِي دَار الْحَرْب تَاجِرًا أَو أَسِيرًا يَرث فَمن هُوَ فِي دَار الْإِسْلَام بِخِلَاف الْكفَّار فَإِنَّهُم يتوارثون فِي الصُّورَة الأولى دون الثَّانِيَة وَفِي عبارَة الشهابي وَغَيره من المجملين هُوَ الثَّانِي فَقَط أَي الدَّاخِل دَارهم أَسِيرًا فَعلم أَن الْأسر فِي حَقنا لَا يقطع الْولَايَة بخلافهم فَإِن ولَايَة أهل الْإِسْلَام قَوِيَّة فبعدما ثبتَتْ بِالْهِجْرَةِ لم يظْهر عَلَيْهَا اسْتِيلَاء الْكفَّار بالأسر لِأَن الْإِسْلَام بحذافيره يَعْلُو وَلَا يعلى بِخِلَاف الْكفَّار فَإِنَّهُ لما كَانَت ولايتهم فِيمَا بَينهم ضَعِيفَة ترْتَفع باستيلاء أهل الْإِسْلَام. هَذَا التَّوْفِيق الفويق نور من أنوار السَّيِّد السَّنَد السَّيِّد نور الْهدى سلمه الله الْعلي الْأَعْلَى.

البِشْرُ

البِشْرُ:
بكسر أوله ثم السكون، وهو في الأصل حسن الملقى وطلاقة الوجه: وهو اسم جبل يمتد من عرض إلى الفرات من أرض الشام من جهة البادية، وفيه أربعة معادن: معدن القار والمغرة والطين الذي يعمل منه البواتق التي يسبك فيها الحديد، والرمل الذي في حلب يعمل منه الزجاج، وهو رمل أبيض كالاسفيداج، وهو من منازل بني تغلب بن وائل، قال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
أضحت رقيّة، دونها البشر ... فالرّقّة السوداء فالغمر
بل ليت شعري! كيف مرّ بها ... وبأهلها الأيام والدهر
قال أبو المنذر هشام: سمي بالبشر بن هلال بن عقبة رجل من النمر بن قاسط، وكان خفيرا لفارس قتله خالد بن الوليد في طريقه إلى الشام، وكان من حديث ذلك أن خالد بن الوليد لما وقع بالفرس بأرض العراق وكاتبه أبو بكر بالمسير إلى الشام نجدة لأبي عبيدة، سار إلى عين التمر، فتجمعت قبائل من ربيعة نصارى
لحرب خالد ومنعه من النفوذ، وكان الرئيس عليهم عقّة بن أبي عقّة قيس بن البشر بن هلال بن البشر بن قيس بن زهير بن عقّة بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عوف بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط، فأوقع بهم خالد وأسر عقّة وقتله وصلبه، فغضبت له ربيعة وتجمعت إلى الهذيل بن عمران، فنهاهم حرقوص بن النعمان عن مكاشفته فعصوه، فرجع إلى أهله وهو يقول:
ألا يا اسقياني قبل جيش أبي بكر، ... لعلّ منايانا قريب ولا ندري
ألا يا اسقياني بالزّجاج، وكرّرا ... علينا كميت اللّون صافية تجري
أظنّ خيول المسلمين وخالدا ... ستطرقكم، عند الصباح، على البشر
فهل لكم بالسّير قبل قتالهم، ... وقبل خروج المعصرات من الخدر
أريني سلاحي يا أميمة، إنّني ... أخاف بيات القوم، أو مطلع الفجر
فيقال: إن خالدا طرقهم وأعجلهم عن أخذ السلاح، وضرب عنق حرقوص فوقع رأسه في جفنة الخمر، والله أعلم. وكان بنو تغلب قد قتلت عمير بن الحباب السّلمي، فاتفق أن قدم الأخطل على عبد الملك بن مروان، والجحّاف بن حكيم السلمي جالس عنده، فأنشده:
ألا سائل الجحّاف: هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر
فخرج الجحاف مغضبا يجر مطرفه، فقال عبد الملك للأخطل: ويحك أغضبته وأخلق به أن يجلب عليك وعلى قومك شرّا. فكتب الجحاف عهدا لنفسه من عبد الملك ودعا قومه للخروج معه، فلما حصل بالبشر قال لقومه: قصّتي كذا فقاتلوا عن أحسابكم أو موتوا. فأغاروا على بني تغلب بالبشر وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ثم قال الجحاف يجيب الأخطل:
أيا مالك هل لمتني، إذ حضضتني ... على الثأر، أم هل لامني فيك لائمي؟
متى تدعني أخرى أجبك بمثلها، ... وأنت امرؤ بالحق لست بقائم
فقدم الأخطل على عبد الملك فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:
لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة ... إلى الله منها المشتكى والمعوّل
فإن لم تغيّرها قريش بعدلها ... يكن، عن قريش، مستماز ومرحل
فقال له عبد الملك: إلى أين يا ابن النصرانية؟ فقال:
إلى النار، فتبسم عبد الملك وقال: أولى لك، لو قلت غير ذلك لقتلتك. والبشر أيضا: جبل في أطراف نجد من جهة الشام، قال عطارد بن قرّان أحد اللصوص:
ولما رأيت البشر أعرض وانثنت ... لأعرافهم، من دون نجد، مناكب
كتمت الهوى من رهبة أن يلومني ... رفيقاي، وانهلّت دموع سواكب
وفي القلب من أروى هوى كلما نأت، ... وقد جعلت دارا بأروى تجانب
وكان الصّمّة بن عبد الله القشيري يهوى ابنة عمه، فتماكس أبوه وعمه في المهر ولجّ كل واحد منهما، فتركها الصّمّة وانصرف إلى الشام وكتب نفسه في
الجند وقال:
ألا يا خليليّ اللذين تواصيا ... بلومي، إلّا أن أطيع وأتبعا
قفا ودّعا نجدا ومن حلّ بالحمى، ... وقلّ لنجد عندنا أن تودّعا
ولما رأيت البشر قد حال دونها، ... وحالت بنات الشّوق يحننّ نزّعا
تلفّتّ نحو الحيّ، حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدّعا
وليست عشيّات الحمى برواجع ... عليك، ولكن خلّ عينيك تدمعا
وقال عبد الله بن الصّمّة:
ولما رأينا قلّة البشر أعرضت ... لنا، وطوال الرمل غيّبها البعد
وأعرض ركن من سواج، كأنه ... لعينيك في آل الضّحى، فرس ورد
أصاب سقيم القلب تتييم ما به، ... فخرّ ولم يملك أخو القوّة الجلد

عزز

عزز وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون لَو أنّ رجلا أَخذ شَاة عَزُوْزًا فحلبَها مَا فرغ من حَلْبها حَتَّى أصلّي الصَّلَوَات الْخمس.

قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا أَرَادَ التجوّز فِي الصَّلَاة. وَقَوله: شَاة عَزُوزًا هِيَ الضيّقة الإحْليل يُقَال مِنْهُ: قد عزت الشَّاة وتعززت إِذا صَارَت كَذَلِك وَأما الواسعة الإحليل فَإِنَّهَا الثَّرُور وَقد ثَرَّتْ تَثِرّ وتَثُرُّ ثرا] .

[حَدِيث أَبى ميسرَة رَحمَه الله
عزز
عزَّ1 عَزَزْتُ، يَعُزّ، اعْزُزْ/ عُزّ، عَزًّا، فهو عازّ، والمفعول مَعْزوز
• عزَّ الشَّخصَ: غلَبه، وقهرَه في الاحتجاج، لم يقدر عليه "عززناهم في المناقشة- يَعِزُّ علينا أن نراهم في هذه الحالة- مَن عَزَّ بَزَّ [مثل]: مَن غََلَبَ أخذ السَّلَبَ- {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} ". 

عزَّ2/ عزَّ على عَزَزْتُ، يَعِزّ، اعْزِزْ/ عِزَّ، عِزًّا وعَزَازَةً وعِزّةً، فهو عزيز، والمفعول معزوز عليه
• عزَّ الشَّخصُ: قوِي وبرئ من الذُّلّ، عكسه ذلَّ "تحسَّر على أيّام العِزِّ: المجد والرِّفعة والقوة والمتانة- عزَّ جانبُه- {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} " ° إذا عزّ أخوك فَهُنْ [مثل]: عامل أخاك باليسر ولا تعاسره- الله عزّ وجلّ: الله القدير الكبير- عزَّ على فلانٍ: كرُم- عزَّ عليّ أن أفعل كذا: شقّ واشتدّ، صَعُب- عزَّ مِن قائل: أي عزَّ قائلاً من القائلين.
• عزَّ الطّعامُ: نَدَرَ، قلّ فلا يكاد يُوجَد "تَعِزّ المياهُ في المناطق الصّحراويَّة"? عزّ الشَّيءُ: صعُب فكاد لا يُقوى عليه.
• عزَّ الأمرُ عليه: قوِي واشتدّ عليه "عزيزٌ علىَّ فراقُك- *يا من يَعِزُّ علينا أن نفارقهم*- {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ". 

أعزَّ يُعِزّ، أعْزِزْ/ أعِزَّ، إعزازًا، فهو مُعِزّ، والمفعول مُعَزّ
• أعزَّه اللهُ: قوّاه، وجعله عزيزًا "أعزّنا اللهُ بالإسلام- الله المُعِزُّ المُذِلُّ- {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} ".
• أعزَّ أبويه: أحبَّهما وأكرمهما، عاملهما بحُبّ ومَوَدَّة وقّرهما واحترمهما "رجلٌ مُعِزٌّ لأصدقائه- أعززناهم بعد خصام" ° أَعْزِزْ عليَّ بذلك: ما أشدَّ ذلك عليّ. 

اعتزَّ/ اعتزَّ بـ/ اعتزَّ على يعتزّ، اعْتَزِزْ/ اعْتَزَّ، اعتزازًا، فهو مُعتَزّ، والمفعول مُعتَزّ به
• اعتزَّ فلانٌ: صار عزيزًا.
• اعتزَّ بأصلِه: افتخر وتباهى به، تشرَّف به، عَدَّ نفسَه عزيزًا به "اعتزَّ بصداقتك- رجلٌ مُعتَزٌّ بألقابه" ° الاعتزاز بالنَّفس: شعور المرء باحترام الذَّات، وبكرامتِه وشرفِه ورِفْعتِه.
• اعتزَّ على فلان: تعظَّم عليه وغلبه. 

تعزَّزَ/ تعزَّزَ بـ يتعزَّز، تعزُّزًا، فهو مُتعزِّز، والمفعول مُتعزَّزٌ به
• تعزَّز مَركزُه: مُطاوع عزَّزَ: قوِي وصار متينًا "تعزَّزتِ الجهودُ السَّاعيةُ للسَّلام: تكثّفت وتضاعفت- تعزَّز موقفُه في القضيَّة".
• تعزَّز الرَّجلُ: صار عزيزًا.
• تعزَّز بفلان: تشرَّف به. 

عزَّزَ يعزِّز، تعزيزًا، فهو مُعَزِّز، والمفعول مُعَزَّز
• عزَّز فلانًا أو غيرَه: قوَّاه، دعَّمه، شدَّده، جعله عزيزًا، أمدَّه، أيَّده "عَزَّزا صداقتهما- عزَّز موقعًا حربيًّا: حَصَّنه- عزَّز الخبرَ: أكَّده- عَزَّز جهودَه: دعَّمها وكثَّفها- {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّزُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [ق] " ° عزَّز القوات العسكريّة: زاد عددَها وعُدَّتها.
• عزَّزَ سلوكَ طفلِه بالمكافأة: (نف) دعَّمه، أرضى دوافعَه أو رغباته. 

عَزازة [مفرد]: مصدر عزَّ2/ عزَّ على. 

عَزّ [مفرد]: مصدر عزَّ1. 

عِزّ [مفرد]: مصدر عزَّ2/ عزَّ على ° في عِزّ شبابه: في ريعان شبابه، في أكثر أيّام شبابه نشاطًا وقوّةً. 

عِزَّة [مفرد]:
1 - مصدر عزَّ2/ عزَّ على ° عِزَّة الجانبِ: القوَّة والمنعة والسُّموُّ- عِزَّة النَّفسِ: الأنفة والإباء.
2 - أنفة وحميَّة " {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} ".
3 - قوّة وغلبة، عظمة؛ حالة مانعة الإنسان من أن يُغلب " {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونََ} ". 

عُزَّى [مفرد]: (انظر: ع ز ز ى - عُزَّى). 

عَزيز [مفرد]: ج أعزَّاءُ وأعِزَّة وعِزَاز، مؤ عَزيزة، ج مؤ عَزيزات وعِزَاز:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من عزَّ2/ عزَّ على.
2 - حبيب "أخي العزيز- أصدقائي الأعِزَّاء" ° عزيزي فلان: عبارة تُبدأ بها الرَّسائل والخطابات.
3 - قويّ، منيع " {إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} - {وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا} " ° عزيز الجانب: ذو قوة ومكانة وأثر- عزيز المنال: صعب البلوغ- عزيز النَّفس: أبيّ، شريف.
4 - غالٍ، نفيس القدر، كريمٌ مصون " {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} ".
• العَزيز:
1 - اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه الغالب الذي لا يُقهر ولا يُنال منه " {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ".
2 - لقب أُطلق على الوزير الأكبر في الدَّولة المصريّة القديمة " {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} ". 

مُعِزّ [مفرد]: اسم فاعل من أعزَّ.
• المعِزّ: من أسماء الله الحسنى؛ أي الواهِبُ العزَّة لمن يشاء. 

مَعَزَّة [مفرد]:
1 - مصدر ميميّ من عزَّ1 وعزَّ2/ عزَّ على.
2 - حب وتقدير ومكانة واحترام. 
(عزز) - في حديث أبى ذرّ رضي الله عنه: "كانت له أربَع عُزُزٌ"
هو جَمْع عَزُوز، وهي الشَّاةُ البَكِيئَة الضَّيِّقَة الإِحلِيل؛ مأخوذ من العَزَازِ، وهِو الذي رُوِى في الحديث.
- في الحديث: "أنَّه نَهَى عن البَوْلِ في العَزَاز"
وهو الأَرْضُ الصُّلْبَةُ.
- في حديث عمر رضي الله عنه: " تَمَعْزَزُوا"
قيل: هو من العِزِّ، وهو الشِّدَّة: أي تشدَّدُوا وتصلَّبوُا، والميم زَائِدَة، كتَمسْكَن من السُّكُون. وقيل: هو من المَعَز، وهو الشِدّة - أيضا -. ورجل ماعِزٌ: شَدِيدٌ. ومنه الأمْعَز والمَعْزَاءُ.
ع ز ز : عَزَّ عَلَيَّ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا يَعِزُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ اشْتَدَّ كِنَايَةٌ عَنْ الْأَنَفَةِ عَنْهُ وَعَزَّ الرَّجُلُ عِزًّا بِالْكَسْرِ وَعَزَازَةً بِالْفَتْحِ قَوِيَ وَعَزَّ يَعَزُّ مِنْ بَاب تَعِبَ لُغَةٌ فَهُوَ عَزِيزٌ وَجَمْعُهُ أَعِزَّةٌ وَالِاسْمُ الْعِزَّةُ وَتَعَزَّزَ تَقَوَّى وَعَزَزْتُهُ بِآخَرَ قَوَّيْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ وَبِالتَّخْفِيفِ مِنْ بَابِ قَتَلَ وَعَزَّ ضَعُفَ فَيَكُونُ مِنْ الْأَضْدَادِ وَعَزَّ الشَّيْءُ يَعِزُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَقَالَ السَّرَقُسْطِيّ تَعَزَّزَ وَالِاسْمُ الْعِزُّ وَالْعِزَّةُ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا فَهُوَ عَزٌّ بِالْفَتْحِ. 
ع ز ز

" من عزّ بزّ ": من عزّه على أمره يعزّه إذا غلبه. قد عازّني فعززته. وجيء به عزّاً بزّاً أي لا محالة. وسيل عزّ: غالب. وأعزز عليّ أن أراك بحال سوء. وعزّ عليّ أن أسوءك أي اشتدّز وتقول للرجل: أتحبّني؟ فيقول: لعزّ ما ولشدّ ما ولحقّ ما. واستعز بالرجل إذا أصيب بعزاء وهي الشدة من مرض أو موت أو غير ذلك. واستعز به المرض. واستعز الرمل: تماسك. قال رؤبة:

إذا رجا استعزازه تعقّفاً

وقال القطاميّ يصف فحلاً:

أنوف حين يغضب مستعز ... جنوح يستبدّ به العزيم

وتعزز لحم الناقة: اشتد وصلب. " فعززنا بثالث ": قوّينا. وعزز بهم أي شدد عليهم ولم يرخّص، ومنه حديث عمر رضي الله تعالى عنه: أن قوماً اشتركوا في صيد فقالوا له: أعلى كل واحد منا جزاء أم هو جزاء واحد؟ فقال: إنه لمعزز بكم إذاً بل عليكم جزاء واحد. وتقول: من حسن منه العزاء، هانت عليه العزّاء. وأنا معتز ببني فلان ومستعز بهم. وتقول: ما العزوز كالفتوح، ولا الجرور كالمتوح؛ أي الضيّقة الإحليل كالواسعته والبعيدة القعر كالقريبته.
ع ز ز: (الْعِزُّ) ضِدُّ الذُّلِّ تَقُولُ مِنْهُ: (عَزَّ) (يَعِزُّ) عِزًّا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِيهِمَا وَ (عَزَازَةً) بِالْفَتْحِ، فَهُوَ (عَزِيزٌ) أَيْ قَوِيٌّ بَعْدَ ذِلَّةٍ. وَ (أَعَزَّهُ) اللَّهُ. وَ (عَزَّ) الشَّيْءُ أَيْضًا بِوِزَانِ مَا مَرَّ فَهُوَ (عَزِيزٌ) إِذَا قَلَّ فَلَا يَكَادُ يُوجَدُ. وَ (عَزَزْتُ) عَلَيْهِ بِالْفَتْحِ كَرُمْتُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس: 14] يُخَفَّفُ وَيُشَدَّدُ أَيْ قَوَّيْنَا وَشَدَّدْنَا. وَ (تَعَزَّزَ) الرَّجُلُ صَارَ عَزِيزًا. وَهُوَ (يَعْتَزُّ) بِفُلَانٍ.
وَعَزَّ عَلَيَّ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا. وَعَزَّ عَلَيَّ ذَاكَ أَيْ حَقَّ وَاشْتَدَّ. وَفِي الْمَثَلِ: إِذَا عَزَّ أَخُوكَ فَهُنْ. وَ (أَعْزِزْ) عَلَيَّ بِمَا أُصِبْتَ بِهِ وَقَدْ (أُعْزِزْتُ) بِمَا أَصَابَكَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ عَظُمَ عَلَيَّ. وَجَمْعُ (الْعَزِيزِ عِزَازٌ) مِثْلُ كَرِيمٍ وَكِرَامٍ وَقَوْمٌ (أَعِزَّةٌ) وَ (أَعِزَّاءُ) . وَ (عَزَّهُ) غَلَبَهُ وَبَابُهُ رَدَّ. وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ عَزَّ بَزَّ. وَ (اسْتُعِزَّ) بِالْعَلِيلِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ إِذَا اشْتَدَّ وَجَعُهُ وَغُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «اسْتُعِزَّ بِكُلْثُومٍ» وَ (الْعُزَّى) تَأْنِيثُ (الْأَعَزِّ) وَقَدْ يَكُونُ الْأَعَزُّ بِمَعْنَى الْعَزِيزِ. وَ (الْعُزَّى) بِمَعْنَى الْعَزِيزَةِ. وَالْعُزَّى أَيْضًا اسْمٌ صَنَمٍ. وَقِيلَ: الْعُزَّى سَمُرَةٌ كَانَتْ لِغَطَفَانَ يَعْبُدُونَهَا وَكَانُوا بَنَوْا عَلَيْهَا بَيْتًا وَأَقَامُوا لَهَا سَدَنَةً فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَهَدَمَ الْبَيْتَ وَأَحْرَقَ السَّمُرَةَ. 
[عزز] نه: فيه: "العزيز" تعالى الغالب القوي الذي لا يغلب، وأصل العزة القوة والشدة والغلبة، عز يعز بالسر صار عزيزًا وبالفتح إذا اشتد. ك: وقد يكون بمعنى نفاسة القدر. نه: و"المعز" تعالى من يهب العز لمن يشاء. ومنه ح سر رفع باب الكعبة: "تعززًا" أن لا يدخلها إلا من أرادوه، أي تكبرا وتشددا على الناس، وفي بعض نسخ مسلم: تعزرًا- براء بعد زاي من التعيزر: التوقير، أي توقير البيت وتعظيمه، أو تعظيم أنفسهم وتكبرهم على الناس. مد: "أخذته "العزة" بالإثم" أي حملته النخوة وحمية الجاهلية على إثم نهى عنه. نه: وفيه: "فاستعز" به صلى الله عليه وسلم، أي اشتد به المرض وأشرف على الموت، من عز يعز بالفتح إذا اشتد واستعز به المرض وغيره، واستعز عليه إذا اشتد عليه وغلبه ثم بنى الفعل للمفعول به وهو الجار والمجرور. ومنه ح: لما قدم المدينة نزل على كلثوم وهو شاك ثم "استعز" بكلثوم فانتقل إلى سعد بن خيثمة. وفي ح علي: لما رأى طلحة قتيلًا قال: "أعزز" على أبا محمد أن أراك مجدلًا تحت نجوم السماء، يقال: عز علي أن أراك بحال سيئة، أي يشتد ويشق علي، وأعززته: جعلته عزيزًا.أي جانبهم غليظ عليهم.
[عزز] العِزُّ: خلاف الذُلّ. ومطر عز، أي شديد. وعز الشئ يعز وعزة وعزازة، إذا قلَّ لا يكاد يوجد، فهو عزيز. وعز فلان يعز عزا وعِزَّةً وعَزازَةً أيضاً، أي صار عَزيزاً، أي قوي بعد ذِلَّة. وأعَزَّهُ الله. وعَزَزْت عليه أيضاً: كَرُمت عليه. وقوله تعالى: {فَعَزَّزْنا بثالث} ، يخفَّف ويشدد، أي قوَّينا وشددنا. قال الاصمعي: أنشدني فيه أبو عمرو ابن العلاء للمتلمس: أجد إذا رحلت تعزز لحمها * وإذا تشد بنسعها لا تنبس * ويروى: " أجد إذا ضمزت ". قوله: لا تنبس، أي لا ترغو. وتعزز الرجل: صار عزيزا. وهو يَعْتَزُّ بفلان. وعَزَّ عليَّ أن تفعل كذا. وعَزَّ عليَّ ذاك أي حَقّ واشتدَّ. وفي المثل: " إذا عَزَّ أخوك فَهُنْ ". وأعْزِزْ عليّ بما أصبت به. وقد أُعْزِزْتُ بما أصابك، أي عَظُم عليّ. وجمع العزيز عِزازٌ، مثل كريم وكرام. وقوم أعزَّةٌ وأعِزَّاءُ. وقال: بيض الوجوه ألِبَّة ومَعاقل * في كلِّ نائبة عِزاز الآنفِ * والعَزوزُ من النوق: الضيِّقة الإحليل. تقول منه: عَزَّتِ الناقة تَعُزُّ بالضم عُزوزاً وعزازا. وأعزت وتعززت مثله. وعزه أيضاً يَعُزُّهُ عَزًّا: غلبه. وفي المثل: " مَنْ عَزَّ بَزَّ "، أي من غلب سلب. والاسم العِزَّةُ، وهي القوة والغلبة. والعَزَّةُ بالفتح: بنت الظبية. قال الراجز: هان على عزة بنت الشحاج * مهوى جمال مالك في الادلاج * وبها سميت المرأة عزة. وعزه في الخطاب وعازَّهُ، أي غَالَبه. وأعَزَّتِ البقرةُ، إذا عَسُر حمْلُها. والعَزازُ بالفتح: الأرض الصلبة. وقد أعْزَزْنا، أي وقعنا فيها وسِرنا. وأرضٌ معزوزةٌ، أي شديدة. والمطر يُعَزِّزُ الأرض، أي يلبِّدها. والعزَّاءُ: السنة الشديدة. قال الشاعر:

ويَعبِط الكومَ في العزَّاء إن طُرقا * ويقال: إنَّكم معزَّزٌ بكم، أي مشدَّد بكم بر مخفف عنكم. واستعز الرمل وغيره: تماسك فلم ينهل. واسْتَعَزَّ فلانٌ بحقِّي، أي غلبني. واسْتُعِزَّ بفلانٍ، أي غُلِبَ في كل شئ، مرض أو غيره. وقال أبو عمرو: اسْتُعِزَّ بالعليل، إذا اشتد وجعه وغلب على عقله. وفى الحديث: " استعز بكلثوم ". وفلان معزاز المرض، أي شديده. والعُزَّى: تأنيث الأعَزِّ. وقد يكون الأعزُّ بمعنى العزيز والعُزَّى بمعنى العزيزة. وهو أيضا اسم صنم كان لقريش وبنى كنانة. قال الشاعر: أما ودماءٍ مائِراتٍ تَخالُها * على قُنَّةِ العزى وبالنسر عندما * ويقال: العزى سمرة كانت لغطفان يعبدونها، وكانوا بنوا عليها بيتا وأقاموا لها سدنة، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدم البيت وأحرق السمرة، وهو يقول: يا عز كفرانك لا سبحانك * إنى رأيت الله قد أهانك * والعزيزى من الفرس، يُمدُّ ويقصر. فمن قصر ثنَّى: عُزِيْزَيانِ، ومن مدَّ: عُزِيْزاوانِ ; وهما طرفا الوركين. قال: أُمِرَّت عُزَيْزاهُ ونِيطتْ كُرومه * إلى كَفَلٍ رابٍ وصلب موثق

عزز: العَزِيزُ: من صفات الله عز وجل وأَسمائه الحسنى؛ قال الزجاج: هو

الممتنع فلا يغلبه شيء، وقال غيره: هو القوي الغالب كل شيء، وقيل: هو الذي

ليس كمثله شيء. ومن أَسمائه عز وجل المُعِزُّ، وهو الذي يَهَبُ العِزَّ

لمن يشاء من عباده. والعِزُّ: خلاف الذُّلِّ. وفي الحديث: قال لعائشة: هل

تَدْرِينَ لِمَ كان قومُك رفعوا باب الكعبة؟ قالت: لا، قال: تَعَزُّزاً

أَن لا يدخلها إِلا من أَرادوا أَي تَكَبُّراً وتشدُّداً على الناس، وجاء

في بعض نسخ مسلم: تَعَزُّراً، براء بعد زايٍ، من التَّعْزير والتوقير،

فإِما أَن يريد توقير البيت وتعظيمه أَو تعظيمَ أَنفسهم وتَكَبُّرَهم على

الناس. والعِزُّ في الأَصل: القوة والشدة والغلبة. والعِزُّ والعِزَّة:

الرفعة والامتناع، والعِزَّة لله؛ وفي التنزيل العزيز: ولله العِزَّةُ

ولرسوله وللمؤمنين؛ أَي له العِزَّة والغلبة سبحانه. وفي التنزيل العزيز: من

كان يريد العِزَّةَ فللَّه العِزَّةُ جميعاً؛ أَي من كان يريد بعبادته

غير الله فإِنما له العِزَّة في الدنيا ولله العِزَّة جميعاً أَي يجمعها

في الدنيا والآخرة بأَن يَنْصُر في الدنيا ويغلب؛ وعَزَّ يَعِزّ، بالكسر،

عِزًّا وعِزَّةً وعَزازَة، ورجل عَزيزٌ من قوم أَعِزَّة وأَعِزَّاء

وعِزازٍ. وقوله تعالى: فسوف يأْتي اللهُ بقوم يحبهم ويحبونه أَذِلَّةٍ على

المؤمنين أَعِزَّةٍ على الكافرين؛ أَي جانبُهم غليظٌ على الكافرين لَيِّنٌ

على المؤمنين؛ قال الشاعر:

بِيض الوُجُوهِ كَرِيمَة أَحْسابُهُمْ،

في كلِّ نائِبَةٍ عِزاز الآنُفِ

وروي:

بِيض الوُجُوه أَلِبَّة ومَعاقِل

ولا يقال: عُزَزَاء كراهية التضعيف وامتناع هذا مطرد في هذا النحو

المضاعف. قال الأَزهري: يَتَذَلَّلُون للمؤمنين وإِن كانوا أَعِزَّةً

ويَتَعَزَّزُون على الكافرين وإِن كانوا في شَرَف الأَحْساب دونهم. وأَعَزَّ

الرجلَ: جعله عَزِيزاً. ومَلِكٌ أَعَزُّ: عَزِيزٌ؛ قال الفرزدق:

إِن الذي سَمَكَ السَّماءَ بَنى لنا

بَيْتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ

أَي عَزِيزَةٌ طويلة، وهو مثل قوله تعالى: وهو أَهْوَنُ عليه، وإِنما

وَجَّهَ ابنُ سيده هذا على غير المُفاضلة لأَن اللام ومِنْ متعاقبتان، وليس

قولهم الله أَكْبَرُ بحجَّة لأَنه مسموع، وقد كثر استعماله، على أَن هذا

قد وُجِّهَ على كبير أَيضاً. وفي التنزيل العزيز: ليُخْرِجَنَّ

الأَعَزُّ منها الأَذَلَّ، وقد قرئ: ليخْرُجَنَّ الأَعَزُّ منها الأَذَلَّ أَي

ليَخْرُجَنَّ العزيزُ منها ذليلاً، فأَدخل اللام والأَلف على الحال، وهذا

ليس بقويّ لأَن الحال وما وضع موضعها من المصادر لا يكون معرفة؛ وقول

أَبي كبير:

حتى انتهيْتُ إِلى فِراشِ عَزِيزَة

شَعْواءَ، رَوْثَةُ أَنْفِها كالمِخْصَفِ

(* قوله« شعواءَ» في القاموس في هذه المادة بدله سوداء.)

عنى عقاباً، وجعلها عَزِيزَةً لامتناعها وسُكْناها أَعالي الجبال. ورجل

عزِيزٌ: مَنِيع لا يُغْلب ولا يُقْهر. وقوله عز وجل: ذُقْ إِنك أَنت

العَزِيزُ الكريم؛ معناه ذُقْ بما كنت تعَدُّ في أَهل العِزّ والكرم كما قال

تعالى في نقيضه: كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون؛ ومن الأَوّل قول

الأَعشى:

على أَنها، إِذْ رَأَتْني أُقا

دُ، قالتْ بما قَدْ أَراهُ بَصِيرا

وقال الزجاج: نزلت في أَبي جهل، وكان يقول: أَنا أَعَزُّ أَهلِ الوادي

وأَمنعُهم، فقال الله تعالى: ذُقْ إِنك أَنت العَزِيزُ الكريم، معناه ذُقْ

هذا العذاب إِنك أَنت القائل أَنا العَزِيزُ الكريم. أَبو زيد: عَزَّ

الرجلُ يَعِزُّ عِزّاً وعِزَّةً إِذا قوي بعد ذِلَّة وصار عزيزاً.

وأَعَزَّه اللهُ وعَزَزْتُ عليه: كَرُمْت عليه. وقوله تعالى: وإِنه لكتاب عَزِيزٌ

لا يأْتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خَلْفه؛ أَي أَن الكتب التي

تقدّمته لا تبطله ولا يأْتي بعده كتاب يبطله، وقيل: هو محفوظ من أَن يُنْقَصَ

ما فيه فيأْتيه الباطل من بين يديه، أَو يُزاد فيه فيأْتيه الباطل من

خلفه، وكِلا الوجهين حَسَنٌ، أَي حُفِظَ وعَزَّ مِنْ أَن يلحقه شيء من هذا.

ومَلِكٌ أَعَزّ وعَزِيزٌ بمعنى واحد. وعِزٌّ عَزِيزٌ: إِما أَن يكون على

المبالغة، وإِما أَن يكون بمعنى مُعِزّ؛ قال طرفة:

ولو حَضَرتْهُ تَغْلِبُ ابْنَةُ وائلٍ،

لَكانُوا له عِزّاً عَزيزاً وناصِرا

وتَعَزَّزَ الرجلُ: صار عَزِيزاً. وهو يَعْتَزُّ بفلان واعْتَزَّ به.

وتَعَزَّزَ: تشرَّف. وعَزَّ عَليَّ يَعِزُّ عِزّاً وعِزَّةً وعَزازَةً:

كَرُمَ، وأَعْزَزتُه: أَكرمته وأَحببته، وقد ضَعَّفَ شمرٌ هذه الكلمة على

أَبي زيد

(* قوله « على أبي زيد» عبارة شرح القاموس: عن أبي زيد.) وعَزَّ

عَلَيَّ أَنْ تفعل كذا وعَزَّ عَلَيَّ ذلك أَي حَقَّ واشتدَّ. وأُعْزِزْتُ

بما أَصابك: عَظُم عليَّ. وأَعْزِزْ عليَّ بذلك أَي أَعْظِمْ ومعناه

عَظُمَ عليَّ. وفي حديث عليّ، رضي الله عنه، لما رأَى طَلْحَةَ قتيلاً قال:

أَعْزِزْ عليَّ أَبا محمد أَن أَراك مُجَدَّلاً تحت نجوم السماء؛ يقال:

عَزَّ عليَّ يَعِزُّ أَن أَراك بحال سيئة أَي يشتدُّ ويشق عليَّ. وكلمةٌ

شنعاء لأَهل الشِّحْر يقولون: بِعِزِّي لقد كان كذا وكذا وبِعِزِّكَ،

كقولك لَعَمْري ولَعَمْرُكَ. والعِزَّةُ: الشدَّة والقوَّة. يقل: عَزَّ

يَعَزُّ، بالفتح، إِذا اشتدَّ. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: اخْشَوْشِنُوا

وتَمَعْزَزُوا أَي تشدَّدوا في الدين وتصلَّبوا، من العِزِّ القوَّةِ

والشدةِ، والميم زائدة، كَتَمَسْكَن من السكون، وقيل: هو من المَعَزِ وهو

الشدة، وسيجيءُ في موضعه. وعَزَزْتُ القومَ وأَعْزَزْتُهم وعَزَّزْتُهم:

قَوَّيْتُهم وشَدَّدْتُهم. وفي التنزيل العزيز: فَعَزَّزْنا بثالث؛ أَي

قَوَّينا وشَدَّدنا، وقد قرئت: فَعَزَزْنا بثالث، بالتخفيف، كقولك شَدَدْنا،

ويقال في هذا المعنى أَيضاً: رجل عَزِيزٌ على لفظ ما تقدم، والجمع كالجمع.

وفي التنزيل العزيز: أذِلَّةٍ على المؤْمنين أَعِزَّةٍ على الكافرين أَي

أَشِداء عليهم، قال: وليس هو من عِزَّةِ النَّفْس. وقال ثعلب: في الكلام

الفصيح: إِذا عَزَّ أَخوكَ فَهُنْ، والعرب تقوله، وهو مَثَلٌ معناه إِذا

تَعَظَّم أَخوكَ شامِخاً عليك فالْتَزِمْ له الهَوانَ. قال الأَزهري:

المعنى إِذا غلبك وقهرك ولم تقاوِمْه فتواضع له، فإِنَّ اضْطِرابَكَ عليه

يزيدك ذُلاً وخَبالاً. قال أَبو إِسحق: الذي قاله ثعلب خطأٌ وإِنما الكلام

إِذا عزَّ أَخوك فَهِنْ، بكسر الهاء، معناه إِذا اشتد عليك فَهِنْ له

ودارِه، وهذا من مكارم الأَخلاق كما روي عن معاوية، رضي الله عنه، أَنه قال:

لو أَنَّ بيني وبين الناس شعرةً يمدُّونها وأَمُدُّها ما انقطعت، قيل:

وكيف ذلك؟ قال: كنت إِذا أَرْخَوْها مَدَدْتُ وإِذا مدُّوها أَرْخَيْت،

فالصحيح في هذا المثل فَهِنْ، بالكسر، من قولهم هان يَهِينُ إِذا صار

هَيِّناً لَيِّناً كقوله:

هَيْنُونَ لَيْنُونَ أَيْسارٌ ذَوُو كَرَمٍ،

سُوَّاسُ مَكْرُمَةٍ أَبناءُ أَطْهارِ

ويروى: أَيسار. وإِذا قال هُنْ، بضم الهاء، كما قاله ثعلب فهو من

الهَوانِ، والعرب لا تأْمر بذلك لأَنهم أَعزَّة أَبَّاؤُونَ للضَّيْم؛ قال ابن

سيده: وعندي أَن الذي قاله ثعلب صحيح لقول ابن أَحمر:

وقارعةٍ من الأَيامِ لولا

سَبِيلُهُمُ، لزَاحَتْ عنك حِينا

دَبَبْتُ لها الضَّرَاءَ وقلتُ: أَبْقَى

إِذا عَزَّ ابنُ عَمِّكَ أَن تَهُونا

قال سيبويه: وقالوا عَزَّ ما أَنَّك ذاهبٌ، كقولك: حقّاً أَنك ذاهب.

وعَزَّ الشيءُ يَعِزُّ عِزّاً وعِزَّةً وعَزازَةً وهو عَزِيز: قَلَّ حتى كاد

لا يوجد،وهذا جامع لكل شيء.

والعَزَزُ والعَزازُ: المكان الصُّلْب السريع السيل. وقال ابن شميل:

العَزازُ ما غَلُظَ من الأَرض وأَسْرَعَ سَيْلُ مطره يكون من القِيعانِ

والصَّحاصِحِ وأَسْنادِ الجبال والإِكامِ وظُهور القِفاف؛ قال العجاج:

من الصَّفا العاسِي ويَدْعَسْنَ الغَدَرْ

عَزَازَهُ، ويَهْتَمِرْنَ ما انْهَمَرْ

وقال أَبو عمرو: في مسايل الوادي أَبعدُها سَيْلاً الرَّحَبَة ثم

الشُّعْبَةُ ثم التَّلْعَةُ ثم المِذْنَبُ ثم العَزَازَةُ. وفي كتابه، صلى الله

عليه وسلم، لوَفْدِ هَمْدانَ: على أَن لهم عَزَازَها؛ العَزَازَ: ما

صَلُبَ من الأَرض واشتدّ وخَشُنَ، وإِنما يكون في أَطرافها؛ ومنه حديث

الزهري: قال كنتُ أَخْتَلِفُ إِلى عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَة فكنت

أَخدُمُه، وذكَر جُهْدَه في الخِدمة فَقَدَّرْتُ أَني اسْتَنْظَفْتُ ما عنده

واستغنيت عنه، فخرج يوماً فلم أَقُمْ له ولم أُظْهِرْ من تَكْرِمَته ما

كنتُ أُظهره من قبلُ فنظر إِليَّ وقال: إِنك بعدُ في العَزَازِ فَقُمْ أَي

أَنت في الأَطراف من العلم لم تتوسطه بعدُ. وفي الحديث: أَنه، صلى الله

عليه وسلم، نهى عن البول في العَزازِ لئلا يَتَرَشَّشَ عليه. وفي حديث

الحجاج في صفة الغيث: وأَسالت العَزازَ؛ وأَرض عَزازٌ وعَزَّاءُ وعَزَازَةٌ

ومَعْزوزةٌ: كذلك؛ أَنشد ابن الأَعرابي:

عَزَازَة كلِّ سائِلِ نَفْعِ سَوْءٍ،

لكلِّ عَزَازَةٍ سالتْ قَرارُ

وأَنشد ثعلب:

قَرارة كل سائلِ نَفْعِ سَوْءٍ،

لكلِّ قَرارَةٍ سالتْ قَرارُ

قال: وهو أَجود. وأَعْزَزْنا: وقعنا في أَرضٍ عَزَازٍ وسرنا فيها، كما

يقال: أَسْهَلْنا وقعنا في أَرض سهلةٍ.

وعَزَّزَ المطرُ الأَرضَ: لَبَّدَها. ويقال للوابلِ إِذا ضرب الأَرض

السهلة فَشَدَّدَها حتى لا تَسُوخَ فيها الرِّجْلُ: قد عَزَّزَها وعَزَّزَ

منها؛ وقال:

عَزَّزَ منه، وهو مُعْطِي الإِسْهالْ،

ضَرْبُ السَّوارِي مَتْنَه بالتَّهْتالْ

وتَعَزَّز لحمُ الناقة: اشتدَّ وصَلُبَ. وتَعَزَّزَ الشيءُ: اشتدّ؛ قال

المُتَلَمِّسُ:

أُجُدٌ إِذا ضَمَرَتْ تَعَزَّزَ لَحْمُها،

وإِذا تُشَدُّ بِنِسْعِها لا تنْبِسُ

لا تَنْبِسُ أَي لا تَرْغُو. وفرسٌ مُعْتَزَّة: غليظة اللحم شديدته.

وقولهم تَعَزَّيْتُ عنه أَي تصبرت أَصلها تَعَزَّزْت أَي تشدّدت مثل

تَظَنَّيْت من تَظَنَّنْتُ، ولها نظائر تذكر في مواضعها، والاسم منه

العَزاءُ. وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: مَنْ لم يَتَعَزَّ بِعَزاءِ اللهِ

فليس منَّا؛ فسره ثعلب فقال: معناه من لم يَرُدَّ أَمْرَه إِلى الله فليس

منا. والعَزَّاءُ: السَّنَةُ الشديدة؛ قال:

ويَعْبِطُ الكُومَ في العَزَّاءِ إِنْ طُرِقا

وقيل: هي الشدة. وشاة عَزُوزٌ: ضيِّقة الأَحاليل، وكذلك الناقة، والجمع

عُزُزٌ، وقد عَزَّتْ تَعُزُّ عُزُوزاً وعِزازاً وعَزُزَتْ عُزُزاً،

بضمتين؛ عن ابن الأَعرابي، وتَعَزَّزَتْ، والاسم العَزَزُ والعَزَازُ.

وفلان عَنْزٌ عَزُوزٌ: لها دَرُّ جَمٌّ، وذلك إِذا كان كثير المال

شحيحاً. وشاة عَزُوز: ضيقة الأَحاليل لا تَدِرُّ حتى تُحْلَبَ بجُهْدٍ. وقد

أَعَزَّت إِذا كانت عَزُوزاً، وقيل: عَزُزَتِ الناقة إِذا ضاق إِحليلها

ولها لبن كثير. قال الأَزهري: أَظهر التضعيف في عَزُزَتْ، ومثله قليل. وفي

حديث موسى وشعيب، عليهما السلام: فجاءَت به قالِبَ لَوْنٍ ليس فيها

عَزُوزٌ ولا فَشُوشٌ؛ العزُوزُ: الشاة البَكِيئَةُ القليلة اللبن الضَّيِّقَةُ

الإِحليل؛ ومنه حديث عمرو بن ميمون: لو أَن رجلاً أَخذ شاة عَزُوزاً

فحلبها ما فرغ من حَلْبِها حتى أُصَلِّيَ الصلواتِ الخمسَ؛ يريد التجوّز في

الصلاة وتخفيفَها؛ ومنه حديث أَبي ذرٍّ: هل يَثْبُتُ لكم العدوُّ حَلْبَ

شاةٍ؟ قال: إِي والله وأَرْبَعٍ عُزُزٍ؛ هو جمع عزوز كصَبُور وصُبُرٍ.

وعَزَّ الماءُ يَعِزُّ وعَزَّتِ القَرْحَةُ تَعِزُّ إِذا سال ما فيها،

وكذلك مَذَعَ وبَذَعَ وضَهَى وهَمَى وفَزَّ وفَضَّ إِذا سال.

وأَعَزَّتِ الشاة: اسْتَبانَ حَمْلُها وعَظُمَ ضَرْعُها؛ يقال ذلك

للمَعَز والضَّأْن، يقال: أَرْأَتْ ورَمَّدَتْ وأَعَزَّت وأَضْرَعَتْ بمعنى

واحد.

وعازَّ الرجلُ إِبلَه وغنمه مُعازَّةً إِذا كانت مِراضاً لا تقدر أَن

ترعى فاحْتَشَّ لها ولَقَّمَها، ولا تكون المُعازَّةُ إِلا في المال ولم

نسمع في مصدره عِزازاً. وعَزَّه يَعُزُّه عَزًّا: قهره وغلبه. وفي التنزيل

العزيز: وعَزَّني في الخِطاب؛ أَي غلبني في الاحتجاج. وقرأَ بعضهم:

وعازَّني في الخطاب، أَي غالبني؛ وأَنشد في صفة جَمَل:

يَعُزُّ على الطريقِ بمَنْكِبَيْهِ،

كما ابْتَرَكَ الخَلِيعُ على القِداحِ

يقول: يغلب هذا الجملُ الإِبلَ على لزوم الطريق فشبَّه حرصه على لزوم

الطريق وإِلحاحَه على السير بحرص هذا الخليع على الضرب بالقداح لعله يسترجع

بعض ما ذهب من ماله، والخليع: المخلوع المَقْمُور مالُه. وفي المثل: من

عَزَّ بَزَّ أي غَلَبَ سَلَبَ، والاسم العِزَّة، وهي القوّة والغلبة؛

وقوله:

عَزَّ على الريح الشَّبُوبَ الأَعْفَرا

أَي غلبه وحال بينه وبين الريح فردَّ وجوهها، ويعني بالشَّبُوب الظبي لا

الثور لأَن الأَعفر ليس من صفات البقر.

والعَزْعَزَةُ: الغلبة. وعازَّني فَعَزَزْتُه أَي غالبني فغلبته، وضمُّ

العين في مثل هذا مطَّرد وليس في كل شيءٍ، يقال: فاعلني فَفَعَلْتُه.

والعِزُّ: المطر الغَزير، وقيل: مطر عِزٌّ شديد كثير لا يمتنع منه سهل

ولا جبل إِلا أَساله. وقال أَبو حنيفة: العِزُّ المطر الكثير. أَرض

مَعْزُوزَة: أَصابها عِزٌّ من المطر. والعَزَّاءُ: المطر الشديد الوابل.

والعَزَّاءُ: الشِّدَّةُ.

والعُزَيْزاءُ من الفرس: ما بين عُكْوَتِه وجاعِرَتِه، يمد ويقصر، وهما

العُزَيْزاوانِ؛ والعُزَيْزاوانِ: عَصَبَتانِ في أُصول الصَّلَوَيْنِ

فُصِلَتا من العَجْبِ وأَطرافِ الوَرِكَينِ؛ وقال أَبو مالك: العُزَيْزاءُ

عَصَبَة رقيقة مركبة في الخَوْرانِ إِلى الورك؛ وأَنشد في صفة فرس:

أُمِرَّتْ عُزَيْزاءُ ونِيطَتْ كُرومُه،

إِلى كَفَلٍ رَابٍ، وصُلْبٍ مُوَثَّقِ

والكَرْمَةُ: رأْس الفخذ المستدير كأَنه جَوْزَةٌ وموضعُها الذي تدور

فيه من الورك القَلْتُ، قال: ومن مَدَّ العُزَيْزَا من الفرس قال:

عُزَيْزاوانِ، ومن قَصَرَ ثَنَّى عُزَيْزَيانِ، وهما طرفا الوَرِكين. وفي شرح

أَسماء الله الحسنى لابن بَرْجانَ: العَزُوز من أَسماء فرج المرأَة

البكر.والعُزَّى: شجرة كانت تُعبد من دون الله تعالى؛ قال ابن سيده: أُراه

تأْنيث الأَعَزِّ، والأَعَزُّ بمعنى العَزيزِ، والعُزَّى بمعنى العَزِيزَةِ؛

قال بعضهم: وقد يجوز في العُزَّى أَن تكون تأْنيث الأَعَزِّ بمنزلة

الفُضْلى من الأَفْضَل والكُبْرَى من الأَكْبَرِ، فإِذا كان ذلك فاللام في

العُزَّى ليست زائدة بل هي على حد اللام في الحَرثِ والعَبَّاسِ، قال:

والوجه أَن تكون زائدة لأَنا لم نسمع في الصفات العُزَّى كما سمعنا فيها

الصُّغْرى والكُبْرَى. وفي التنزيل العزيز: أَفرأَيتم اللاَّتَ والعُزَّى؛

جاءَ في التفسير: أَن اللاَّتَ صَنَمٌ كان لِثَقِيف، والعُزَّى صنم كان

لقريش وبني كِنانَةَ؛ قال الشاعر:

أَمَا ودِماءٍ مائراتٍ تَخالُها،

على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ، عَنْدَما

ويقال: العُزَّى سَمُرَةٌ كانت لغَطَفان يعبدونها وكانوا بَنَوْا عليها

بيتاً وأَقاموا لها سَدَنَةً فبعث إِليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم،

خالد بن الوليد فهدم البيت وأَحرق السَّمُرَة وهو يقول:

يا عُزَّ، كُفْرانَكِ لا سُبْحانَكِ

إِنِّي رأَيتُ الله قد أَهانَكِ

وعبد العُزَّى: اسم أَبي لَهَبٍ، وإِنما كَنَّاه الله عز وجل فقال:

تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ، ولم يُسَمِّه لأَن اسمه مُحالٌ.

وأَعَزَّت البقرةُ إِذا عَسُرَ حَمْلُها.

واسْتَعَزَّ الرَّمْلُ: تَماسَكَ فلم يَنْهَلْ. واسْتَعَزَّ الله بفلان

(* قوله« واستعز الله بفلان» هكذا في الأصل. وعبارة القاموس وشرحه:

واستعز الله به أماته.)

واسْتَعَزَّ فلان بحقِّي أَي غَلَبَني. واسْتُعِزَّ بفلان أَي غُلِبَ في

كل شيءٍ من عاهةٍ أَو مَرَضٍ أَو غيره. وقال أَبو عمرو: اسْتُعِزَّ

بالعليل إِذا اشتدَّ وجعُه وغُلِب على عقله. وفي الحديث: لما قَدِمَ المدينة

نزل على كُلْثوم بن الهَدْمِ وهو شاكٍ ثم اسْتُعِزَّ بكُلْثُومٍ فانتقل

إِلى سعد بن خَيْثَمة. وفي الحديث: أَنه اسْتُعِزَّ برسول الله، صلى الله

عليه وسلم، في مرضه الذي مات فيه أَي اشتدّ به المرضُ وأَشرف على الموت؛

يقال: عَزَّ يَعَزُّ، بالفتح

(* قوله« يقال عز يعز بالفتح إلخ» عبارة

النهاية: يقال عز يعز بالفتح إِذا اشتد، واستعز به المرض وغيره واستعز عليه

إذا اشتد عليه وغلبه، ثم يبنى الفعل للمفعول)، إِذا اشتدَّ، واسْتُعِزَّ

عليه إِذا اشتد عليه وغلبه.

وفي حديث ابن عمر، رضي الله عنه: أَن قوماً مُحْرِمِينَ اشتركوا في قتل

صيد فقالوا: على كل رجل مِنَّا جزاءٌ، فسأَلوا بعضَ الصحابة عما يجبُ

عليهم فأَمر لكل واحد منهم بكفَّارة، ثم سأَلوا ابنَ عمر وأَخبروه بفُتْيا

الذي أَفتاهم فقال: إِنكم لَمُعَزَّزٌ بكم، على جميعكم شاةٌ، وفي لفظٍ

آخر: عليكم جزاءٌ واحدٌ، قوله لَمُعَزَّزٌ بكم أَي مشدد بكم ومُثَقَّل عليكم

الأَمرُ: وفلانٌ مِعْزازُ المرض أَي شديده. ويقال له إِذا مات أَيضاً:

قد اسْتُعِزَّ به.

والعَزَّة، بالفتح: بنت الظَّبْية؛ قال الراجز:

هانَ على عَزّةَ بنتِ الشَّحَّاجْ

مَهْوَى جِمالِ مالِك في الإِدْلاجْ

وبها سميت المرأَة عَزَّة.

ويقال للعَنْز إِذا زُجِرت: عَزْعَزْ، وقد عَزْعَزْتُ بها فلم

تَعَزْعَزْ أَي لم تَتَنَحَّ، والله أَعلم.

عزز
{عَزَّ الرجلُ يَعِرُّ} عِزَّاً {وعِزَّةً، بكسرِهما،} وعَزَازَةً، بالفَتْح: صَار {عَزيزاً،} كتَعَزَّزَ، وَمِنْه الحَدِيث: قَالَ لعَائِشَة: هَل تَدْرِين لمَ كَانَ قَوْمُك رَفعوا بابَ الكعبةِ، قَالَت: لَا. قَالَ: {تَعَزُّزاً لَا يَدْخُلها إلاّ من أَرَادوا، أَي تكَبُّراً وتَشدُّداً على النَّاس، وَجَاء فِي بعض نسخِ مُسلِم: تَعَزُّراً، بالراء بعد الزَّاي من التَّعْزِير وَهُوَ التَّوْقير. قَالَ أَبُو زَيْد:} عَزَّ الرجل {يَعِزُّ} عِزَّاً {وعِزَّةً، إِذا قَوِيَ بعد ذلَّةٍ وَصَارَ} عَزيزاً. {وأعَزَّه اللهُ تَعَالَى: جَعَلَه عَزيزاً} وعَزَّزَه تَعْزِيزاً كَذَلِك، وَيُقَال: {عَزَزْتُ القومَ} وأَعْزَزْتُهم {وعَزَّزْتُهم: قَوَّيْتُهم وشدَّدْتُهم وَفِي التَّنْزِيل:} فعَزَّزْنا بثالثٍ أَي قوَّيْنا وشَدَّدنا وَقد قُرِئَت: {فَعَزَزْنا بِالتَّخْفِيفِ كَقَوْلِك: شَدَدْنا.} والعِزّ فِي الأَصْل القُوَّةُ والشِّدَّة والغلَبَة والرِّفْعة والامْتِناع. وَفِي البَصائر:! العِزَّة: حالةٌ مانعةٌ للْإنْسَان من أَن يُغلَب، وَهِي يُمدَح بهَا تَارَة، ويُذَمُّ بهَا تَارَة، كعِزَّة الكُفّار: بل الَّذين كَفروا فِي {عِزَّةٍ وشِقاق ووَجهُ ذَلِك أنّ} العِزَّة لله وَلِرَسُولِهِ، وَهِي الدائمةُ الْبَاقِيَة، وَهِي العِزَّة الْحَقِيقِيَّة، {والعِزَّةُ الَّتِي هِيَ للكفّار هِيَ} التَّعَزُّز، وَفِي الْحَقِيقَة ذُلّ لأنّه تشَبُّع بِمَا لم يُعطَه، وَقد تُستَعار {العِزّة للحَمِيَّة والأنَفَة المذمومة، وَذَلِكَ فِي قَوْلهُ تَعالى: وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْه العِزَّةُ بالإثْم} عَزَّ الشيءُ {يَعِزُّ} عِزَّاً {وعِزَّةً} وعَزازَة: قَلَّ فَلَا يكادُ يُوجَد، وَهَذَا جامِعٌ لكلِّ شيءٍ، فَهُوَ {عَزيزٌ قليلٌ. وَفِي البَصائر: هُوَ اعْتِبار بِمَا قيل: كلّ موجودٍ مَمْلُولٌ وكلّ مَفْقُودٍ مَطْلُوبٌ، ج} عِزَازٌ، بِالْكَسْرِ، {وأَعِزَّةٌ} وأَعِزَّاء. قَالَ اللهُ تَعَالَى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بقومٍ يُحبُّهم ويُحبِّونَه أَذِلَّةٍ على الْمُؤمنِينَ {أَعِزَّةٍ على الْكَافرين، أَي جانبُهم غليظٌ على الْكَافرين، لَيِّنٌ)
على الْمُؤمنِينَ، وَقَالَ الشَّاعِر:
(بِيضُ الوجوهُ كَريمةٌ أَحْسَابُهم ... فِي كلِّ نائبةٍ} عِزازُ الآنِفِ)
وَلَا يُقَال {عُزَزاء، كراهيةَ التّضعيف، وامْتِناعُ هَذَا مُطَّرِد فِي هَذَا النَّحْو المُضاعَف. قَالَ الأَزْهَرِيّ: يتذَلَّلون للْمُؤْمِنين وَإِن كَانُوا أَعِزَّةً،} وَيَتَعزَّزون على الْكَافرين وَإِن كَانُوا فِي شَرَفِ الأحسابِ دونَهم. {عَزَّ الماءُ} يَعِزُّ، بِالْكَسْرِ، أَي سَالَ، وَكَذَلِكَ مَذَعَ وبَذَعَ وضَهَى وهَمَى وفَزَّ وفَضّ. {عَزَّت القَرحةُ} تَعِزُّ، بِالْكَسْرِ، إِذا سالَ مَا فِيهَا. وَيُقَال: {عَزَّ عليَّ أَن تَفْعَلَ كَذَا، وعَزَّ عليّ ذَلِك، أَي حَقَّ واشتدَّ وشَقّ، وَكَذَا قولُهم: عَزَّ عليَّ أَن أسوءَك. أَي اشتدّ، كَمَا فِي الأساس،} يَعِزُّ {ويَعَزُّ، كيَقِلّ ويَمَلّ، أَي بِالْكَسْرِ وبالفَتْح، يُقَال: عَزّ يَعَزُّ، بالفَتْح، إِذا اشتدَّ،} وعَزَزْتُ عَلَيْهِ {أَعِزُّ، من حدِّ ضَرَبَ، أَي كَرُمْت عَلَيْهِ، نَقله الجَوْهَرِيّ.} وأُعْزِزْتُ بِمَا أصابكَ، بالضمّ، أَي مَبْنِيّاً للمَجهول، أَي عَظُم عليَّ. وَيُقَال: {أَعْزِزْ عليَّ بذلك، أَي أَعْظِمْ، وَمَعْنَاهُ عَظُمَ عَلَيَّ، وَمِنْه حَدِيث عَلِيّ رَضِيَ الله عَنهُ لمّا رأى طَلْحَةَ قَتيلاً قَالَ:} أَعْزِزْ عَلَيَّ أَبَا مُحَمَّد أنْ أراكَ مُجَدَّلاً تَحت نجومِ السَّمَاء {والعَزُوز، كصَبُور: الناقةُ الضَّيِّقَةُ الإحليل لَا تَدِرُّ حَتَّى تُحلَب بجهْد، وَكَذَلِكَ الشَّاة، ج} عُزُزٌ، بضمَّتَيْن، كصَبور وصُبُر، وَيَقُولُونَ: مَا {العَزُوز كالفَتوح، وَلَا الجَرور كالمَتوح، أَي لَيست الضيِّقةُ الإحليل كالواسعَتُه، والبعيدةُ القَعْرِ كالقَريبَته، وَقد} عَزَّتْ {تَعُزُّ، كمَدَّ يَمُدُّ،} عُزوزاً، كقُعود، {وعِزازاً، بِالْكَسْرِ،} وعَزُزَت، ككَرُمَت، قَالَ ابْن الأَعْرابِيّ: {عَزُزَت الشاةُ والناقةُ} عُزُزاً شَدِيدا، بضمَّتَيْن، إِذا ضاقَ خَلِفُها وَلها لبَنٌ كثيرٌ. قَالَ الأَزْهَرِيّ: أَظْهَر التَّضعيف فِي {عَزُزَت، ومِثلُه قَلِيل، قد} أَعَزَّت، إِذا كَانَت {عَزوزاً، كَذَلِك} تعَزَّزَت، وَالِاسْم {العَزَز} والعَزَاز.
{وعَزَّه} يعُزّه {عَزَّاً، كمَدَّه: قَهَرَه وغَلَبَه فِي} المُعازَّة، أَي المُحاجَّة. قَالَ الشاعرُ يَصِفُ جمَلاً:
( {يعُزُّ على الطريقِ بمَنْكَبَيْه ... كَمَا ابتَرَكَ الخَليعُ على القِداحِ)
أَي يَغْلِب هَذَا الجمَلُ الإبلَ على لُزومِ الطَّرِيق، فشَبَّه حِرصَه عَلَيْهِ وإلحاحَه فِي السَّيْر بحِرْص هَذَا الخليعِ على الضَّرْب بالقِداح لعلّه يَسْتَرجِع بعض مَا ذهب من مالِه، والخليع: المَخْلوع المَقْمور مالَه. وَالِاسْم} العِزَّة، بِالْكَسْرِ، وَهِي القُوَّة والغَلَبة، {كعَزْعَزَه} عَزْعَزةً. {عَزَّه فِي الخِطاب، أَي غَلَبَه فِي الاحْتِجاج، وَقيل: غالَبَه} كعازَّه {مُعازَّةً، وقَوْلهُ تَعالى:} - وعَزَّني فِي الخِطاب أَي غَلَبَني، وقُرِئَ: {- وعازَّني، أَي غالَبَني، أَو} - عَزَّني: صارَ {أعزَّ مِنّي فِي المُخاطَبَة والمُحاجَّة، وَيُقَال:} - عازَّني! فَعَزَزْتُه، أَي غالَبَني فَغَلَبْتُه، وضمّ العَينِ فِي مثل هَذَا مُطَّرِدٌ وَلَيْسَ)
فِي كلّ شيءٍ يُقَال فاعَلَني فَفَعَلتُه. {والعَزَّة، بالفَتْح: بِنتُ الظَّبْية، وَقَالَ الراجز:
(هانَ على} عَزَّةَ بِنتِ الشَّحّاجْ ... مَهْوَى جِمالِ مالِكٍ فِي الإدْلاجْ)
وَبهَا سُمِّيت الْمَرْأَة عَزَّة، وَهِي بنتُ جميل الكِنانِيّة صاحبةُ كُثَيِّر، وجميلٌ هُوَ أَبُو بَصْرَة الغِفاريّ. {والعَزاز، كَسَحَاب: الأرضُ الصُّلبَة، وَفِي كتابِه صلّى الله عَلَيْهِ وسلَّم لوَفدِ هَمْدَان: على أنّ لَهُم} عَزازَها وَهُوَ مَا صَلُبَ من الأَرْض وخَشُنَ واشتدَّ، وإنّما يكون فِي أطرافِها، وَيُقَال: {العَزاز: المكانُ الصُّلبُ السَّرِيع السَّيْل. قَالَ ابنُ شُمَيْل: العَزاز: مَا غَلُظَ من الأرضِ وأَسرعَ سَيْلُ مَطَرِه، يكون من القِيعانِ والصَّحاصِح وأسْنادِ الجِبالِ والآكامِ وظُهورِ القِفافِ. قَالَ العَجّاج:
(من الصَّفا العاسِي ويَدْهَسْنَ الغَدَرْ ... } عَزازَهُ ويَهْتَمِرْنَ مَا انْهَمَرْ)
وَقَالَ أَبُو عَمْرُو فِي مسايِلِ الْوَادي: أبعَدُها سَيْلاً الرَّحَبَةُ، ثمّ الشُّعْبَة، ثمّ التَّلْعَة، ثمّ المِذْنَب ثمّ العَزازَة. وَفِي الحَدِيث: أنّه نَهَى عَن البَوْل فِي العَزاز لِئَلَّا يترشَّشَ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيث الحَجَّاج فِي صِفةِ الغَيث: وأسالت {العَزازَ.} وأَعَزَّ الرجلُ {إعْزازاً: وَقَعَ فِيهَا، أَي فِي أرضٍ} عَزازٍ وسارَ فِيهَا، كَمَا يُقَال أَسْهَلَ، إِذا وَقَعَ فِي أرضٍ سَهْلَةٍ. عَن أبي زَيْد: {أعَزَّ فلَانا: أَكْرَمَه وأَحَبَّه، وَقد ضَعَّفَ شَمِرٌ هَذِه الْكَلِمَة عَن أبي زَيْد. عَن أبي زَيْد أَيْضا:} أعَزَّت الشاةُ من المَعْزِ والضَّأْن، إِذا اسْتَبانَ حَمْلُها وعَظُمَ ضَرْعُها، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَرْأَتْ ورَمَّدَتْ وأَضْرَعَتْ، بِمَعْنى واحدٍ. {أعَزَّت البقرةُ إِذا عَسُرَ حَمْلُها، وَقَالَ ابنُ القَطَّاع: ساءَ حَمْلُها.} وعَزاز، كَسَحَاب: ع بِالْيمن. وعَزاز: د بالرَّقَّة قرب حَلَب شمالِيَّها. قَالُوا: إِذا تُرِكَ تُرابُها على عَقْرَبٍ قَتَلَها بالخَواصّ، فإنّ أَرْضَها مُطَلْسمة، وَقد نُسِبَ إِلَيْهَا الشِّهابُ {- العَزازِيّ أحدُ الشُّعراءِ المُجيدين، كَانَ بعد السَّبْعِمائة، وَقد ذَكَرَه الحافظُ فِي التبصير.} والعَزَّاءُ، بالمدّ: السَّنَةُ الشديدةُ، قَالَ: ويَعْبِطُ الكُومَ فِي {العَزَّاءِ إِن طُرِقا يُقَال: هُوَ} مِعْزازُ المرَضِ، كمِحْراب: أَي شديدُه. {والعُزَّى، بالضمّ:} العَزيزةُ من النِّساء. قَالَ ابنُ سِيدَه: العُزَّى: تأنيثُ {الأَعَزّ، بمنزلةِ الفُضْلى من الأَفْضَل، فَإِن كَانَ ذَلِك فاللامُ فِي} العُزّى لَيست بزائدة، بل هِيَ فِيهِ على حدِّ اللَّام فِي الحارِثِ والعَبَّاس، قَالَ: والوَجهُ أَن تكون زَائِدَة، لأنّا لم نَسْمَع فِي الصِّفات العُزَّى، كَمَا سَمِعْنا فِيهَا الصُّغْرى والكُبْرى. قَوْلهُ تَعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ والعُزَّى جَاءَ فِي التَّفْسِير أنّ اللاتَ صَنَمٌ كَانَ لثَقيف، والعُزَّى: صنَمٌ كَانَ لقُرَيْش وبَني كِنانة،)
قَالَ الشَّاعِر:
(أَمَا ودِماءٍ مائِراتٍ تَخالُها ... على قُنَّةِ! العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَما)
أَو العُزَّى: سَمُرَةٌ عَبَدَتْها غَطَفَانُ بنُ سَعْدِ بن قَيْس عَيْلان، أوّلُ من اتَّخَذَها مِنْهُم ظالمُ بنُ أَسْعَد، فَوق ذَات عِرْق إِلَى البُستان بتِسعةِ أَمْيَال، بالنَّخلةِ الشاميَّة، بِقرب مكّة، وَقيل بِالطَّائِف، بنى عَلَيْهَا بَيْتَاً وسَمَّاه بُسَّاً، بالضمّ، وَهُوَ قَوْلُ ابنِ الكَلبيّ، وَقَالَ غَيْرُه: اسمُه بُسّاء، بالمَدّ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَقَامُوا لَهَا سَدَنَة مُضاهاةً للكعبة، وَكَانُوا يَسْمَعون فِيهَا الصَّوْت، فَبَعَث إِلَيْهَا رسولُ الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلَّم خالدَ بن الْوَلِيد رَضِيَ الله عَنهُ عامَ الفَتح، فَهَدَم البيتَ، وَقتلالسادِنَ وأَحْرَقَ السَّمُرَة. وقرأْتُ فِي شَرْحِ دِيوانِ الهُذَلِيِّين لأبي سعيد السُّكَّريّ مَا نصُّه: أَخْبَرَ هشامُ بنُ الكلبيّ عَن أَبِيه عَن أبي صَالح، عَن ابْن عبّاس قَالَ: كَانَت العُزَّى شَيْطَانةً تَأتي ثلاثَ سَمُرات ببَطْن نَخْلَة فَلَمَّا افتتَح النبيُّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلَّم مكَّةَ بَعَثَ خالدَ بنَ الْوَلِيد فَقَالَ: ائْتِ بَطْنَ نَخْلَةَ، فَإنَّك تجدُ بهَا ثلاثَ سَمُراتٍ، فاعْضِد الأُولى، فَأَتَاهَا فَعَضَدها، ثمَّ أَتَى النبيَّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلَّم فَقَالَ: هَل رأيتَ شَيْئا قَالَ: لَا، قَالَ: فاعْضِد الثَّانِيَة، فَأَتَاهَا فَعَضَدها، ثمّ أَتَى النبيَّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلَّم فَقَالَ: هَل رأيتَ شَيْئا قَالَ: لَا، قَالَ: فاعْضِد الثَّالِثَة. فَأَتَاهَا، فَإِذا هُوَ بزِنْجِيّة نافِشَةٍ شَعْرَها واضِعَةٍ يَدَيْها على عاتِقِها تَحْرِق بأنْيابِها وخَلْفَها دُبَيّة السُّلَمِيّ وَكَانَ سادِنَها فلمّا نظر إِلَى خالدٍ قَالَ:
(أيا {عُزَّ شُدِّي شَدَّةً لَا تُكَذِّبي ... على خالدٍ ألقِي الخِمارَ وشَمِّري)

(فإنَّك إنْ لم تَقْتُلي اليومَ خالِداً ... فبُوئي بذُلٍّ عاجِلٍ وتَنَصَّري)
فَقَالَ خالدٌ:
(يَا عُزَّ كُفْرانَكِ لَا سُبْحانَكِ ... إِنِّي وجدتُ اللهَ قد أهانَكِ)
ثمَّ ضَرَبَها فَفَلَق رَأْسَها، فَإِذا هِيَ حُمَمَةٌ، ثمّ عَضَدَ السَّمُرَةَ وَقَتَل دُبَيَّةَ السادِن، ثمّ أَتَى النبيَّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلَّم فَأخْبرهُ، فَقَالَ: تِلك} العُزَّى وَلَا {عُزَّى للعربِ بعْدهَا أبدا، أما إنّها لَا تُعبَد بعدَ اليومِ أبدا. قَالَ: وَكَانَ سدنةُ العُزَّى بني شَيْبَان بن جابرِ بن مُرَّةَ، من بني سُلَيْم، وَكَانَ آخِرَ من سَدَنَها مِنْهُم دُبَيَّةُ بن حرَميّ.} والعُزَيْزَى، مُصغَّراً مَقْصُوراً ويُمَدّ: طرَفُ وَرِكِ الفرَسِ، أَو مَا بَين العَكْوَة والجاعِرَة، وهما {عُزَيْزَيان وَمن مد يَقُول} عُزَيزاوَان وَقيل: {العُزَيْزَاوان: عَصَبَتان فِي أصولِ الصَّلَوَيْن، فُصِلَتا من العَجْب وأطرافِ الوَرِكَيْن، وَقَالَ أَبُو مَالك: العُزَيْزَى: عَصَبَةٌ رقيقةٌ مُركّبةٌ فِي الخَوْزانِ إِلَى)
الوَرِك، وَأنْشد فِي صِفةِ فرَسٍ:
(أُمِرَّت} عُزَيْزاهُ ونِيطَتْ كُرومُه ... إِلَى كفَلٍ رابٍ وصُلبٍ مُوَثَّقِ)
المُراد بالكروم رَأْسُ الفَخِذ المُستَدير كأنّه جَوْزَةٌ. وسَمَّت العربُ {عِزَّان، بِالْكَسْرِ،} وأَعزَّ، {وعَزازَة، بالفَتْح،} وعَزُّون، كحَمْدون، {وعَزيزاً، كأمير،} وعُزَيْزاً كزُبَيْر، {وأَعَزُّ بن عمر بن مُحَمَّد السُّهْرَوَرْديّ البَكريّ، حدّث عَن أبي الْقَاسِم بن بَيان وَغَيرِه، مَاتَ سنة.} الأَعَزُّ بن عليّ بن المُظَفَّر البغداديّ الظَّهيريّ، بِفَتْح الظاءِ المَنْقوطة، أَبُو المَكارم، روى عَن أبي الْقَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، قيل اسمُه المُظَفَّر، وولَدُه أَبُو الْحسن عليّ من شُيُوخ الدِّمياطيّ، سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا المَكارم المَذكور فِي سنة وَقد رَأَيْته فِي مُعجَم شُيُوخ الدِّمياطيّ هَكَذَا، وَقد أَشَرْنا إِلَيْهِ فِي: ظَهْر. أَبُو نَصْر {الأعزّ بنُ فَضائل بن العُلَّيْق سَمِعَ شُهدَة الكاتِبة، وَعنهُ أمّ عَبْد الله زَيْنَب بنتُ الكَمال وَأَبُو} الأعزِّ قَراتَكينُ، سَمِعَ أَبَا مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، مُحدِّثون. قلت: وفاتَه عَبْد الله بنُ أعزّ، شيخٌ لأبي إِسْحَاق السَّبيعيّ، ذَكَرَه ابنُ مَاكُولَا. ويَحيى بنُ عَبْد الله بن أعَزَّ، روى عَن أبي الوَقت ذكره ابنُ نُقطَة.! وأعزّ بن كَرَم الحَرْبيّ، عَن يحيى بنِ ثَابت بن بُنْدار، وَابْنه عبد الرَّحْمَن، روى عَن عَبْد الله بن أبي المَجد الحَرْبيّ، والحسَنُ بنُ مُحَمَّد بنِ أَكْرَم بن أعَزَّ الموسويّ، ذَكَرَه ابنُ سَليم. والأعزُّ بن قَلاقِس، شاعرُ الإسْكَندريّة، مَدَحَ السِّلَفيّ وسَمِعَ مِنْهُ، واسمُه نَصْر، وكُنيَتُه أَبُو الْفتُوح. {والأعزّ بنُ عبد السيّد بن عبد الْكَرِيم السُّلَميّ، روى عَن أبي طَالب بن يُوسُف، وَعمر بن} الأعزّ بن عمر، كتب عَنهُ ابنُ نُقطَة، {والأعزّ بنُ مَأْنُوس، ذَكَرَه المُصَنِّف فِي أنس، وَأَبُو الفَضائل أحمدُ بنُ عبد الوهّاب بن خَلَف بن بَدْر بن بِنتِ الأعزّ العلائيّ، وُلِدَ بِالْقَاهِرَةِ سنة وَتُوفِّي سنة والأعزّ الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ هُوَ ابْن شُكْر وَزيرُ الملكِ الْكَامِل.} وعَزَّان، بالفَتْح: حِصنٌ على الْفُرَات، بل هِيَ مَدِينَة كَانَت للزَّبَّاء، ولأُختِها أُخرى يُقَال لَهَا عَدَّان. {وعَزَّانُ خَبْتٍ. وعَزَّانُ ذَخِرٍ، ككَتِف: من حصون الْيمن. قلتُ: هِيَ من حصون تَعِزّ فِي جبل صَبِر،} وتَعِزّ كتَقِلّ: قاعِدةُ الْيمن، وَهِي مدينةٌ عظيمةٌ ذاتُ أسوارٍ وقصور، كَانَت دارَ مُلكِ بني أيُّوبَ ثمّ بَني رسولٍ من بَعْدِهم. يُقَال: {عَزْعَزَ بالعَنْزِ فَلم} تَتَعَزْعَز، أَي زَجَرَها فَلم تَتَنَحَّ، {وعَزْ} عَزْ زَجْرٌ لَهَا، كَذَا فِي اللِّسان والتكملة. {واعْتَزَّ بفلانٍ: عَدَّ نَفْسَه} عَزيزاً بِهِ، واعتزَّ بِهِ {وَتَعَزَّزَ، إِذا تشَرَّفَ وَمِنْه المُعتَزُّ بِاللَّه أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بن المُتوَكِّل العباسيّ، وُلِدَ سنة وبُويِع لَهُ سنة وتُوفّي فِي رَجَب سنة وَابْنه عَبْد الله ابنُ المُعتزَّ الشاعرِ المَشهور.)
} واسْتَعَزَّ عَلَيْهِ المرَضُ، إِذا اشتدَّ عَلَيْهِ وَغَلَبه، وَكَذَلِكَ {اسْتعَزَّ بِهِ، كَمَا فِي الأساس، واسْتَعزَّ اللهُ بِهِ: أماتَه، واسْتَعزَّ الرَّمْلُ: تَماسَكَ فَلم يَنْهَلْ.} وعَزَّزَ المطرُ الأرضَ، وَكَذَا {عَزَّزَ المطرُ مِنْهَا} تَعْزِيزاً، إِذا لَبَّدَها وَشَدَّدَهَا فَلَا تَسوخُ فِيهَا الأرجُلُ، قَالَ العَجَّاج:
(! عَزَّزَ مِنْهُ وَهُوَ مُعطي الإسْهالْ ... ضَرْبُ السَّواري مَتْنَه بالتَّهْتالِ) {وعَزَوْزى، كَشَرَوْرى، وَضَبَطه الصَّاغانِيّ بضمِّ الزَّاي الأُولى: ع بَين الحَرَمَيْن الشريفَيْن، فِيمَا يُقَال، هَكَذَا نَقله الصَّاغانِيّ.} والمَعَزَّة: فرَسُ الخَمْخامِ بن حَمَلَةَ بن أبي الْأسود. {وعِزّ، بِالْكَسْرِ: قَلْعَةٌ برُسْتاقِ بَرْذَعَةَ، من نواحي أَرَّان.} والعِزّ أَيْضا، أَي بِالْكَسْرِ: المطَرُ الشَّديد، وَقيل: هُوَ الْعَزِيز الْكثير الَّذِي لَا يَمْتَنِع مِنْهُ سَهْلٌ وَلَا جبَل إلاّ أسالَه. {والأعزّ: الْعَزِيز، وَبِه فُسِّر قَوْلُه تَعَالَى: ليُخرِجَنّ} الأعزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ أَي {الْعَزِيز مِنْهَا ذليلاً. وَيُقَال: مَلِكٌ} أعزّ {وعزيزٌ بِمَعْنى واحدٍ، قَالَ الفرزدق:
(إنّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ بنى لنا ... بَيْتَاً دعائِمُه} أعَزُّ وأَطْوَلُ)
أَي {عزيزةٌ طويلةٌ، وَهُوَ مثل قَوْلهُ تَعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وإنّما وجَّهَ ابنُ سِيدَه هَذَا على غير المُفاضَلة، لأنّ اللَّام وَمن مُتَعاقِبَتان، وَلَيْسَ قَوْلُهم: الله أَكْبَر بحُجَّة، لأنّه مَسْمُوع، وَقد كَثُرَ اسْتِعمالُه على أنّ هَذَا قد وُجِّه على كَبِير أَيْضا.} والمَعْزوزَة: الشديدةُ، يُقَال: أرضٌ {مَعْزُوزةٌ: أَصَابَهَا عِزٌّ من المطَر، وَفِي قَوْلِ المُصَنِّف نظَرٌ، فإنّ الشَّدِيدَة والمَمطورة كلاهُما من صِفةِ الأَرْض، كَمَا عَرَفْتَ، فَلَا وَجْهَ لتَخصيص أحدِهما دونَ الآخر، مَعَ القُصور فِي ذِكرِ نَظائِر الأُولى، وَهِي} العَزازَة! والعَزَّاء، كَمَا نبّه عَلَيْهِ فِي المستدركات. أَبُو بكر مُحَمَّد بن {عُزَيْز، كزُبَير، وَقد أَغْفَل ضَبْطَه قُصوراً، فإنّه لَا يُعتَمد هُنَا على الشُّهرة مَعَ وجود الاختِلاف،} - العُزَيْزِيّ السِّجِسْتانيّ المُفسِّر، مُؤلِّفُ غريبِ الْقُرْآن والمُتَوفِّي سنة والبَغادِدَةُ، أَي البغداديّون يَقُولُونَ: هُوَ مُحَمَّد بن عُزَيْز، بالراء، وَمِنْهُم الحافظُ أَبُو الفَضل مُحَمَّد بنُ نَاصِر السّلاميّ، والحافظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الغنيّ بن نُقطَة، وابنُ النَّجَّار صَاحب التَّارِيخ، وَأَبُو مُحَمَّد بن عُبَيْد الله، وعَبْد الله بن الصّبّاح البغداديّ، فَهَؤُلَاءِ كلُّهم ضبَطوا بالرّاء، وتَبِعَهم من المَغارِبَة الحُفّاظِ أَبُو عليّ الصّدفِيّ، وَأَبُو بكر بن العربيّ، وَأَبُو عَامر العَبْدَريّ، وَالقَاسِم التُّجِيبيّ، فِي آخَرين، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الصَّلاحُ الصَّدَفيّ فِي الوافي بالوفيات، وَهُوَ تَصحيف، وبعضُهم، أَي من البغاددة، والمُرادُ بِهِ الحافظُ ابنُ نَاصِر، قد صنَّفَ فِيهِ رِسالةً مُستقلِّةً، وجمعَ)
كلامَ الناسِ، ورجَّحَ أنّه بالراء، وَقد ضَرَبَ فِي حديدٍ باردٍ لأنّ جَمِيع مَا احتجَّ بِهِ فِيهَا راجعٌ إِلَى الْكِتَابَة لَا إِلَى الضَّبْط من قبل الْحُرُوف، بل هُوَ من قبل الناظرين فِي تِلْكَ الكتابات، وَلَيْسَ فِي مَجْمُوعه مَا يُفيد العِلمَ بأنّ آخِرَه راءٌ، بل الاحتِمال يطْرق هَذِه المواضِعَ الَّتِي احتَجَّ بهَا، إِذْ الكاتبُ قد يَذْهَل عَن نَقْط الزَّاي فتَصير رَاء، ثمّ مَا الْمَانِع أَن يكون فَوْقَها نُقطة فَجَعَلها بعضُ من لَا يُميِّزُ علامةَ الإهمال، ولنَذْكُر فِيهِ أقوالَ العُلماءِ ليظهرَ لَك تَصويبُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ المُصَنِّف، قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبيّ فِي المِيزان فِي تَرْجَمته: قَالَ ابنُ نَاصِر وغيرُه: من قَالَه بزاءَيْن مُعجمَتَيْن فقد صَحَّف، ثمّ احتجَّ ابنُ نَاصِر لقَوْله بِأُمُور يَطول شَرْحُها تُفيدُ العِلم بأنّه برَاء، وَكَذَا ابنُ نُقطة وابنُ النّجّار، وَقد تمَّ الوَهمُ فِيهِ على الدارقُطْنيّ وعبدِ الغنيّ، والخطيب، وابنِ مَاكُولَا فَقَالُوا: عَزِيز، بزاي مكرَّرة،بخطِّ ابْن عُزَيْرٍ نفسِه الَّذِي لَا يَشُكّ فِيهِ أحدٌ من أهل الْمعرفَة. هَذَا آخرُ مَا احتجَّ بِهِ ابنُ نَاصِر وابنُ نُقطة. وَقد تقدّم مَا فِيهِ. ثمَّ قَالَ الْحَافِظ: فَكيف يَقْطَع على وَهم الدارقطنيّ الَّذِي لَقِيَه)
وَأخذ عَنهُ وَلم يَنْفَرِد بذلك حَتَّى تابعَه جماعةٌ. هَذَا عِنْدِي لَا يتّجِه، بل الْأَمر فِيهِ على الِاحْتِمَال، وَقد اشْتهر فِي الشرق والغرب بزاءَيْن مُعجَمتَيْن إلاّ عِنْد مَن سمَّيْناه، وَوجد بخطّ أبي طَاهِر السِّلَفيّ أنّه بزاءَيْن. وَقيل فِيهِ: براءٍ آخِره، والأصحّ بزاءَيْن. قَالَ: والقَلبُ إِلَى مَا اتَّفقَ عَلَيْهِ الدارقطنيّ وأتْباعُه أميلُ، إلاّ أَن يثبت عَن بعض أهل الضَّبْط أنّه قيّدَه بالحروف لَا بالقلم. قَالَ: وممّن ضَبَطَه من المَغاربة بزاءَيْن مُعجمَتَيْن أَبُو العبّاس أَحْمد بنُ عبد الْجَلِيل بن سُلَيْمان الغَسّانيّ التُّدْميريّ، كَمَا نَقَلَه ابنُ عبد الْملك فِي التّكملة وتعقّب ذَلِك عَلَيْهِ بِكَلَام ابنِ نُقطة، ثمَّ رَجَعَ فِي آخرِ الْكَلَام أنّه على الِاحْتِمَال، قلتُ: ونسَبَه الصَّفَديّ إِلَى الدَّار قُطنيّ، قَالَ: وَهُوَ مُعاصِرُه وأخذا جَمِيعًا عَن أبي بكر بنِ الأنْباريّ، أَي فَهُوَ أعرفُ باسمه ونسَبِه من غَيره.
{وعُزَيْز أَيْضا، أَي كزُبَيْر كُحْلٌ م مَعْرُوف من الأكحال، نَقله الصَّاغانِيّ. وحَفْر} عزَّى، ظَاهره أَنه بِفَتْح العَيْن، وَهَكَذَا هُوَ مَضْبُوط بخطِّ الصَّاغانِيّ، وَالَّذِي ضَبَطَه من تكلَّم على البِقاع والبُلدان أَنه بكسرِ العَين وَقَالُوا: هُوَ ناحيةٌ بالمَوْصِل. {وتعَزَّزَ لَحْمُه، وَفِي الأساس واللِّسان: لحمُ الناقةِ: اشتدَّ وصَلُبَ، قَالَ المُتَلَمِّس:
(أُجُدٌ إِذا ضَمَرَت} تعَزَّزَ لَحْمُها ... وَإِذا تُشَدّ بنِسْعِها لَا تَنْبِسُ) {والعَزيزَةُ فِي قَوْلِ أبي كبيرٍ ثابتِ بنِ عَبْدِ شَمْس الهُذَليّ من قصيدةٍ فائيّةٍ عِدَّتُها ثلاثةٌ وعِشرون بَيْتَاً:
(حَتَّى انتَهيْتُ إِلَى فِراشِ} عَزيزةٍ ... سَوْدَاءَ رَوْثَةُ أَنْفِها كالمِخْصَفِ)
وأوَّلُها:
(أَزُهَيْرَ هَل عَن شَيْبَةٍ من مَصْرِفِ ... أم لَا خُلودَ لباذلٍ مُتكَلِّفِ)
يُرِيد زُهَيْرة وَهِي ابْنَته، وقبلَ هَذَا الْبَيْت:
(وَلَقَد غَدَوْتُ وصاحبي وحَشِيَّةٌ ... نحت الرِّداءِ بَصيرَةٌ بالمُشْرِفِ)
يُرِيد بالوَحشيّة الرِّيح. يَقُول: الرِّيح تَصْفُقُني. وبَصيرة الخ، أَي هَذِه الرّيح مَن أَشْرَفَ لَهَا أصابَتْه إلاّ أَن يَسْتَتِرَ تدخل فِي ثِيَابه، والمُراد {بالعَزيزة العُقاب، وبالفِراش وَكْرُها، ورَوْثَةُ أَنْفِها، أَي طرف أَنْفِها. يَعْنِي مِنقارَها، أَرَادَ: لم أَزَلْ أَعْلُو حَتَّى بَلَغْت وَكْرَ الطَّيْر. والمِخْصَف: الَّذِي يُخصَف بِهِ، كالإشْفى، ويُروى عَزيبة، وَهِي الَّتِي عَزَبَت عمّن أرادها، ويُروى أَيْضا غَريبة، بالغَيْن وَالرَّاء، وَهِي السَّوداء، كَمَا نَقله السُّكَّريّ فِي شَرْحِ ديوَان الهُذليِّين. وَيَقُولُونَ للرجل:) تُحبُّني فَيَقُول:} لَعَزَّ مَا، أَي لَشَدَّما ولَحَقَّ مَا، كَذَا فِي الأساس. يَقُولُونَ: فلَان جِئْ بِهِ {عَزَّاً بَزَّاً، أَي لَا مَحالة، أَي طَوْعَاً أَو كَرْهَاً. قَالَ ثَعْلَب فِي الْكَلَام الفَصيح: إِذا} عَزَّ أَخُوك فهُنْ، والعربُ تقولُه، وَهُوَ مثَلٌ، أَي إِذا تعَظَّمَ أَخُوك شامِخاً عَلَيْك فهُن، فالتَزِم لَهُ الهَوان، وَقَالَ الأَزْهَرِيّ: الْمَعْنى: إِذا غَلَبَك وقَهَرَك وَلم تُقاوِمه فلِنْ لَهُ: أَي تَواضَع لَهُ فَإِن اضطرابَك عَلَيْهِ يزيدُك ذُلاًّ وخَبالاً. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: الَّذِي قَالَه ثَعْلَب خطأٌ، وإنّما الْكَلَام: إِذا عَزَّ أَخُوك فهِنْ. بكسرِ الهاءِ، مَعْنَاهُ: إِذا اشتدَّ عَلَيْك فهِنْ لَهُ ودارِه. وَهَذَا من مَكَارِم الْأَخْلَاق. وأمّا هُنْ، بالضمّ، كَمَا قَالَه ثَعْلَب، فَهُوَ من الهَوان، وَالْعرب لَا تَأْمُر بذلك، لأنّهم أَعِزَّةٌ أَبَّاؤُونَ للضَّيْم. قَالَ ابنُ سِيدَه: إِن الَّذِي ذهبَ إِلَيْهِ ثَعْلَبٌ صحيحٌ، لقولِ ابنِ أَحْمَر:
(وقارِعَةٍ من الأيّامِ لَوْلَا ... سَبيلُهمُ لَزاحَتْ عَنْك حِينا)

(دَبَبْتُ لَهَا الضَّرَاءُ فقلتُ أَبْقَى ... إِذا عَزَّ ابنُ عمِّك أَن تَهونا)
وَمن عَزَّ بَزَّ. أَي من غَلَبَ سَلَبَ، وَهُوَ أَيْضا من الْأَمْثَال، وَقد تقدّم فِي بزز. {والعَزيز كأمير، المَلِك، مَأْخُوذٌ من} العِزّ، وَهُوَ الشِّدَّة والقَهْر، وسُمِّي بِهِ لِغَلَبَتِه على أهلِ مَمْلَكَتِه، أَي فَلَيْسَ هُوَ من عِزَّةِ النَّفس. العَزيزُ أَيْضا: لقَبُ مَن مَلَكَ مِصرَ مَعَ الإسكَنْدَرِيَّة، كَمَا يُقَال النَّجاشيّ لمن مَلَكَ الحَبَشة، وقَيْصَر لمن مَلَكَ الرُّوم، وَبِهِمَا فُسِّر قَوْله تَعالى: يَا أيُّها العَزيزُ مَسَّنا وأَهْلَنا الضُّرُّ. ومِمّا يُسْتَدْرَك عَلَيْهِ: العَزيز: من صِفات اللهُ تَعَالَى وأسمائِه الحُسنى، قَالَ الزَّجَّاج: هُوَ المُمْتَنِعُ فَلَا يَغْلِبُه شيءٌ. وَقَالَ غَيره: هُوَ القويُّ الغالِبُ كلِّ شَيْء، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَيْسَ كمِثله شيءٌ. وَمن أسمائِه عزَّ وجلَّ: المُعِزّ، وَهُوَ الَّذِي يَهَب العِزَّ لمن يَشَاء من عِبادِه.
والتَّعَزُّز: التَّكَبُّر، ورجلٌ عَزيزٌ: مَنيعٌ لَا يُغلَب وَلَا يُقهَر، وقَوْلهُ تَعالى: وإنّه لكِتابٌ {عَزيزٌ لَا يأتيهِ الباطِلُ من بَيْنِ يَدَيْه وَلَا مِن خَلْفِه أَي حُفِظَ وعَزَّ من أَن يَلْحَقَه شيءٌ من هَذَا.} وعِزٌّ {عَزيزٌ، على المُبالَغة، أَو بِمَعْنى مُعِزّ، قَالَ طَرَفَةُ:
(وَلَو حَضَرَتْه تَغْلِبُ ابنَةُ وائِلٍ ... لكانوا لَهُ} عِزَّاً! عَزيزاً وناصِرا)
وكلمةٌ شَنْعَاءُ لأهلِ الشِّحْر، يَقُولُونَ: {- بعِزِّي لقد كَانَ كَذَا وَكَذَا،} وبِعِزِّك، كقولِك: لَعَمْري ولَعَمْرُك. وَفِي حَدِيث عمر: اخْشَوْشِنوا {وتَمَعْزَزوا، أَي تشَدَّدوا فِي الدِّين وتصَلَّبوا. من} العِزّ القُوَّة والشِّدّة. وَالْمِيم زَائِدَة، كَتَمَسْكَن من السُّكون، وَقيل: هُوَ من المَعَز وَهُوَ الشِّدّة، وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعه ويُروى: وتَمَعْدَدوا. وَقد ذُكِرَ فِي مَوْضِعه. وعَزَّزْتُ القَوم: قَوَّيْتُهم. {والأَعِزَّاء: الأَشِدَّاء)
وَلَيْسَ من} عِزَّةِ النَّفْس. ونقلَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا: {عَزَّ مَا أنّك ذاهِبٌ. كقولِك: حقَّاً أنّك ذَاهِب.
} والعَزَز، مُحرّكة: المكانُ الصُّلْبُ السريعُ السَّيْل. وأرضٌ {عَزازَةٌ} وعَزَّاء: {مَعْزُوزة، أنْشد ابْن الأَعْرابِيّ:
(عَزازَة كلِّ سائلِ نَفْعِ سَوْءٍ ... لكلِّ} عَزازةٍ سالَتْ قَرارُ)
وفَرَسٌ {مُعْتَزَّةٌ: غَلِيظَة اللَّحْم شديدته. وَقَوْلهمْ تعَزَّيْت عَنهُ، أَي تصَبَّرْت، أَصْلهَا} تعَزَّزْت، أَي تشدَّدْت مثل تظَنَّيْت من تظَنَّنْت، وَلها نَظَائِر تُذْكّر فِي مَوضعها. وَالِاسْم مِنْهُ العَزَاءُ. وَفِي الحَدِيث: من لم {يَتَعَزَّ} بعَزاءِ الله فليسَ مِنَّا فسَّرَه ثَعْلَب فَقَالَ: مَعْنَاهُ من لم يَرُدَّ أَمْرَه إِلَى الله فَلَيْسَ مِنّا. {والعَزّاء: السَّنة الشَّديدة.} وعَزَّه {يَعُزه} عَزَّاً: أَعانَه، نَقله ابْن القطّاع، قَالَ: وَبِه فَسَّر من قرأَ {فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ. يُقَال: فلانٌ عَنْزٌ} عَزوز، كصَبُور: لَهَا دَرٌّ جَمٌّ، وَذَلِكَ إِذا كَانَ كثير المَال شَحِيحاً، {وعازَّ الرَّجلُ إبِلَه وغَنَمَه} مُعَازَّةً، إِذا كَانَت مِراضاً لَا تقدر أَنْ تَرْعَى فاحْتَشَّلها ولَقَّمَها، وَلَا تكون {المُعازَّةُ إلاّ فِي المَال، وَلم يُسْمَع فِي مَصدره} عِزازاً. وسَيْلٌ {عِزٌّ، بالكسْر: غالبٌ.} والمُعْتَزّ: {المَسْتَعِزّ.} وعِزَّ، بالكسْر مَبنِيّاً على الْفَتْح: زَجْرٌ للغَنَم، وَهَذِه عَن الصَّاغانِيّ.
! وعَزيز، كأَمير: بَطْن من الأَوس من الأَنصار. وَفِي شرح أَسماء الله الْحسنى لِابْنِ بَرْجان: {العَزُوزُ، كصَبُور: من أَسماء فَرْج المَرأَة البِكْر.} وعُزَّى، على اسْم الصَّنَم: لَقَبُ سَلَمَة بن أَبي حَيَّةَ الكاهن العُذرِيّ. {والعُزَّيان، مُثَنَّى، هما بِظَاهِر الكُوفة حَيْثُ قبر أَمير الْمُؤمنِينَ عليّ رَضِي الله عَنهُ، زَعَمُوا أَنَّهما بناهما بعضُ مُلُوك الْحيرَة. وخَيالان من أَخيِلَة حِمَى فَيْد، يطَؤُهما طَرِيق الحاجّ، بَينهمَا وَبَين فَيْدٍ ستَّةَ عشَرَ مِيلاً.} واسْتَعَزَّ فلانٌ بحَقِّي، أَي غلبَني، {واسْتُعِزَّ بفلان أَي غُلِبَ فِي كلِّ شيءٍ من عاهةٍ أَو مَرَضٍ أَو غيرِه. وَقَالَ أَبو عَمْرو:} اسْتُعِزَّ بالعليل، إِذا اشتدَّ وجَعُه وغُلِبَ على عَقْلِه. وَفِي الحَدِيث لمّا قدِمَ المَدينةَ نزلَ على كُلْثُومِ بنِ الهَدْمِ، وَهُوَ شاكٍ، ثمَّ اسْتُعِزَّ بكُلثومٍ فانتقلَ إِلَى سعد بنِ خَيْثَمَة. وَيُقَال أَيضاً: {اسْتُعِزَّ بِهِ، إِذا ماتَ.} وعَزَّزَ بهم {تَعْزيزاً: شَدَّدَ عَلَيْهِم وَلم يُرَخِّص. وَمِنْه حديثُ ابْن عُمَ: إنَّه} لَمُعَزَّزٌ بكم، عَلَيْكُم جَزاءٌ واحدٌ أَي مُثَقَّلٌ عَلَيْكُم الأَمرُ. ومحمّد بن {عِزَّان، بالكَسْر، رَوَى عَن صالحٍ مَولَى مَعْنِ بن زَائِدَة.} وعَزَّاز بن أَوْس، كشدَّاد: مُحَدِّث. {وعُزَيْز، كزُبَيْر: مُحَمَّد بن} عُزَيْزِ الأَيْلِيّ، وعَبْد الله بن مُحَمَّد بن عُزَيز المَوصِلِيّ. وأَحمد بن إِبْرَاهِيم بن عُزَيز الغرناطيّ. ومَيْسَرة بن عُزَيْز: مَحَدِّثون. وكأَمير، أَبو هُرَيْرَة عَزيز بن مُحَمَّد المَالقيّ الأَندلُسِيّ. وعزيز بن مُكْنِف، {وعَزيز بن مُحَمَّد بن أَحمد)
النَّيسابوريّ، ومُصعَب بن عبد الرَّحمن بن شُرَحْبيل ابْن أّبي عَزيز، وعَبْد الله بن يَحيى بن مُعَاوِيَة بن عَزيز بن ذِي هِجْران السّبائيّ المِصريّ، وعُمَر بن مُصْعَب بن أَبي عَزيزٍ الأَندلُسيّ: مُحَدِّثون. وأَبو إهابِ بنُ} عَزِيز بن قَيس الدَّارِميّ: أَحَدُ سُرَّاق غَزالِ الكَعْبَة، وابنتاه أُمُّ حُجَيْر وأُمُّ يَحْيى، وقعَ ذِكْرُ الأَخيرةِ فِي صَحِيح البخاريّ، الْمَشْهُور فِيهِ الْفَتْح: وقيَّده أَبو ذَرّ الهَرَويّ فِي رِوَايَته عَن المُسْتَمْلى والحَمَوِيّ بالضَّمّ. وأَبو عَزيز بن عُمَيْر العَبْدَرِيّ، قُتِل يومَ أحد كافِراً، وحفيده مُصعب بن عُمَيْر بن أَبي عَزيز قُتِل بالحَرَّة. وهانئُ بن عزيزٍ أَوَّل مَن قُتِل من مُشركي مَكَّة، ذكرَه ابْن دُريد. وَيحيى بن يَزيد بن حُمْران بن عَزيز الكِلابيّ، من صحابة الْمَنْصُور، وشُمَيْسَة بنت عَزيز، لَهَا رِوَايَة. وعَزيزة ابنةُ عليّ بن يَحيى بن الطَّرَّاح، عَن جَدِّها، مَاتَت سنة600، {وعَزيزة بنت مُشَرِّف مَاتَت سنة619، وعزيزةُ لقب مَسندة مِصر أُمّ الْفضل هاجَر القُدْسيّة. وبالضَّمّ أَبو بكر مُحَمَّد بنُ عُمَر بن إِبْرَاهِيم بن} عُزَيْزَة الأَصْبَهانيّ من شُيُوخ السَّلَفيّ، وأَخوه عَبْد الله، وَابْنه أَبو الخَير عُمَر بن محمّد، حدَّث عَنْهُمَا أَبو مُوسَى المَدِينيّ، وعنهما، يَعْنِي أَخبرَنا {العُزَيْزِيّان، وَولده أَبو الوفاءِ مُحَمَّد بن عُمر، حدَّث أَيضاً، وأَبو المَكارم أَحمد بن هبة الله بن} عُزيزة الشَّاهد، وَابْن عمِّه مُحَمَّد بن عَبْد الله بن مَحْمُود، حدَّثا.
والشِّهاب عليّ بن أَبي الْقَاسِم بن تَمِيم الدّهِسْتانيّ {- العَزيزيّ، بِالْفَتْح، سَمع من أَبي اليُمْن بنِ عَساكِرَ، مولده سنة.} - وعُزَيْزِيّ بِلَفْظ النَّسَب، اسْم شَيْذَلَةَ الواعِظِ المَشْهور، يأْتي للمصنّف فِي شَذل. وَأَبُو عَبْد رَبّ العِزَّة، بِالْكَسْرِ، رَوَى عَن مُعاوِيةَ، وَعنهُ عبد الرَّحمن بن يزِيد بن جَابر. وعَبد {العُزَّى اسْم أَبي لَهَبٍ، وعَبد العُزَّى بن غطَفان أَخو رَيْث ويُسَمَّى عَبْد الله. وَعبد العُزَّى وَالِد أَبي الكُنود وجَعدةَ الشاعرَين.} وعزازة بن عبد الدَّائم شيخٌ لأَبي أَحمد العَسْكَريّ.
والحُسَين بن عَليّ {- المُعْتَزِّي المِصريّ، روَى عَن جَعفر بن عبد الْوَاحِد الهاشِميّ، وَذكره المَالينِيّ} ومُعْتَزَّة بنتُ الحُصَيْن الأَصبهانِيَّة، روتْ عَن عبد الْملك بن الحُسين بن عبد رَبِّه العطَّار، مَاتَت بعد الْخَمْسمِائَةِ. {والعَزيزيَّة، بِالْفَتْح: اسمٌ لثلاث قرى بمِصرَ بالشَّرقِيَّة والمُرْتاحِيَّة والسَّمَنودِيَّة. ومُنية} العِزّ، اسمٌ لأَربع قُرىً بمِصرَ أَيضاً، بالدَّقهليَّة وبالشَّرقيَّة وبالمُنُوفيَّة وبالأَشمُونين، وكُوْم عِزّ الْملك ومُنية عِزّ الْملك، ومُنْيَة ! عَزُّونَ قرى بالدِّيار المِصريَّة. وأَبو العِزّ مُحَمَّد بن أَحمد بن أَحمد بن عبد الرَّحمن القاهِريّ شيخ شُيوخِنا، أَجازَه المُعَمَّر مُحَمَّد بن عُمَر الشّوبريّ والشّمس البابليّ والشَّمس بن سُليمان المَغْرِبيّ، سمع مِنْهُ شُيوخُنا: الشِّهابان:) أَحمد بن عبد الفتَّاح المجيريّ، وأَحمد بن الْحسن الخالديّ، والمُحَمَّدان: ابنُ يَحيى بن حِجازيّ، وابنُ أَحمد بن مُحَمَّد الأَحمديّ، وغيرُهم، وَهُوَ من أَعظم مسندي مصر، كأَبيه. وعَبْد الله بن عُزَيِّز، مُصَغَّراً مثَقَّلاً، من شُيُوخ العِزّ عبد السَّلام البَغدادِيّ الحَنَفِيّ.
عزز: {فعززنا}: قوينا. {وعزني}: غلبني. {العزى}: صنم من حجارة كان في جوف الكعبة. 
(ع ز ز) : (عَزَّ عَلَيَّ) أَنْ تَفْعَلَ كَذَا أَيْ اشْتَدَّ يَعَزُّ بِالْفَتْحِ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَبِالْكَسْرِ عَنْ الْغُورِيُّ الْأَوَّلُ مِنْ بَاب لَبِسَ وَالثَّانِي مِنْ بَابِ ضَرَبَ (وَمِنْهُ) حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ غِنًى أَنْتِ وَأَعَزَّهُمْ فَقْرًا أَنْتِ أَيْ أَشَدَّهُمْ يَعْنِي مَنْ يَشْتَدّ عَلَيَّ فَقْرُهُ وَيَشُقُّ عَلَيَّ حَاجَتُهُ.

عزز


عَزَّ(n. ac. عَزّ
عِزّ
عِزَّة
عَزَاْزَة)
a. Was, became mighty, powerful; was great, exalted; was
loved, honoured.
b. Was rare, scarce; was valuable, precious, costly
dear.
c. Strengthened himself.
d. ['Ala], Was hard, difficult for; tried, distressed.
e. Resisted, withstood.
f.(n. ac. عَزّ) [acc. & Fī], Surpassed, excelled, vanquished, overcame in.

عَزَّزَa. Made strong, mighty, powerful; strengthened;
exalted.
b. Honoured, respected.
عَاْزَزَa. Vied with in honour, influence &c.

أَعْزَزَa. see II (a) (b).
c. Loved, cherished.
d. [pass.] [Bi], Was pained, grieved at.
تَعَزَّزَa. see I (a) (b).
c. Was affected, fantastical.
d. see VIII (b)
إِعْتَزَزَa. Became mighty, powerful, great, influential
&c.
b. [Bi], Boasted of, gloried in.
c. ['Ala], Surpassed, excelled; vanquished.
إِسْتَعْزَزَ
a. ['Ala], Overcame, overpowered; overwhelmed; outdid.
b. [Bi], Visited, caused to die (God).
c. Was firm, compact (ground).
عَزَّةa. Young gazelle, young doe.

عِزّa. Power, might, strength; influence; honour
glory.

عِزَّةa. see 2b. Rareness, scarceness; scarcity, dearth.

عَزِيْز
(pl.
أَعْزِزَة
عِزَاْز
أَعْزِزَآءُ
68)
a. Mighty, powerful, potent.
b. Honoured, respected; influential.
c. Rare, precious, costly, dear.
d. Loved, cherished.

عَزِيْزَةa. fem. of
عَزِيْز
عَزًّا بَزًّا
a. Necessarily, inevitably.

عَزِيْز النَّفْس
a. Noble, high-minded.

عَزِيْز مِصْر
a. Governor, Viceroy of Egypt.

اللّٰهُ عَزَّوجَلّ
a. To God belong might & majesty: Exalted &
magnified may He be!

عَزَازِيْل
H.
a. A certain demon.

المَقْدِسُ

المَقْدِسُ:
في اللغة المنزه، قال المفسرون في قوله تعالى:
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ 2: 30، قال الزّجاج: معنى نقدس لك أي نطهّر أنفسنا لك وكذلك نفعل بمن أطاعك نقدسه أي نطهّره، قال: ومن هذا قيل للسطل القدس لأنه يتقدّس منه أي يتطهّر، قال:
ومن هذا بيت المقدس، كذا ضبطه بفتح أوله، وسكون ثانيه، وتخفيف الدال وكسرها، أي البيت المقدّس المطهّر الذي يتطهر به من الذنوب، قال مروان:
قل للفرزدق، والسفاهة كاسمها: ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
ودع المدينة إنها محذورة، ... والحق بمكة أو بيت المقدس
وقال قتادة: المراد بأرض المقدس أي المبارك، وإليه ذهب ابن الأعرابي، ومنه قيل للراهب مقدّس، ومنه قول امرئ القيس:
فأدركنه يأخذن بالساق والنّسا ... كما شبرق الولدان ثوب المقدّس
وصبيان النصارى يتبرّكون به وبمسح مسحه الذي هو لابسه وأخذ خيوطه منه حتى يتمزق عنه ثوبه، وفضائل بيت المقدس كثيرة ولا بدّ من ذكر شيء منها حتى يستحسنه المطّلع عليه، قال مقاتل بن سليمان قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ، 21: 71 قال: هي بيت المقدس، وقوله تعالى لبني إسرائيل: وواعدناكم جانب الطور الأيمن، يعني بيت المقدس، وقوله تعالى: وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، قال:
البيت المقدس، وقال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى 17: 1، هو بيت المقدس، وقوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، البيت المقدس، وفي الخبر: من صلى في بيت المقدس فكأنما صلى في السماء، ورفع الله عيسى بن مريم إلى السماء من بيت المقدس وفيه مهبطه إذا هبط وتزفّ الكعبة بجميع حجّاجها إلى البيت المقدس يقال لها مرحبا بالزائر والمزور، وتزف جميع مساجد الأرض إلى البيت المقدس، أول شيء حسر عنه بعد الطوفان صخرة بيت المقدس وفيه ينفخ في الصور يوم القيامة وعلى صخرته ينادي المنادي يوم القيامة، وقد قال الله تعالى لسليمان بن داود، عليهما السلام، حين فرغ من بناء البيت المقدس:
سلني أعطك، قال: يا رب أسألك أن تغفر لي ذنبي، قال: لك ذلك، قال: يا رب وأسألك أن تغفر لمن جاء هذا البيت يريد الصلاة فيه وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولد، قال: لك ذلك، قال: وأسألك من جاء فقيرا أن تغنيه، قال: لك ذلك، قال:
وأسألك من جاء سقيما أن تشفيه، قال: ولك ذلك، وعن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام ومسجد البيت المقدس، وإن الصلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة في غيره، وأقرب بقعة في الأرض من السماء البيت المقدس ويمنع الدّجال من دخولها ويهلك يأجوج ومأجوج دونها، وأوصى آدم، عليه السّلام، أن يدفن بها وكذلك إسحاق وإبراهيم، وحمل يعقوب من أرض مصر حتى دفن بها، وأوصى يوسف، عليه السّلام، حين مات بأرض مصر أن يحمل إليها، وهاجر إبراهيم من كوثى إليها، وإليها المحشر ومنها المنشر، وتاب الله على داود بها، وصدّق إبراهيم الرؤيا بها، وكلّم عيسى الناس في المهد بها، وتقاد الجنة يوم القيامة إليها ومنها يتفرّق الناس إلى الجنة أو إلى النار، وروي عن كعب أن جميع الأنبياء، عليهم السلام، زاروا بيت المقدس تعظيما له، وروي عن كعب أنه قال: لا تسمّوا بيت المقدس إيلياء ولكن سموه باسمه فإن إيلياء امرأة بنت المدينة، وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: فلما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل الله حكما يوافق حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه الله ذلك، وعن ابن عباس قال: البيت المقدس بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء ما فيه موضع شبر إلا وقد صلى فيه نبيّ أو أقام فيه ملك، وعن أبي ذر قال: قلت لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: أيّ مسجد وضع على وجه الأرض أوّلا؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: البيت المقدس وبينهما أربعون سنة، وروي عن أبيّ بن كعب قال: أوحى الله تعالى إلى داود ابن لي بيتا، قال: يا رب وأين من الأرض؟ قال: حيث ترى الملك شاهرا سيفه، فرأى داود ملكا على الصخرة واقفا وبيده سيف، وعن الفضيل بن عياض قال: لمّا صرفت القبلة نحو الكعبة قالت الصخرة: إلهي لم أزل قبلة لعبادك حتى إذا بعثت خير خلقك صرفت قبلتهم عني! قال: ابشري فإني واضع عليك عرشي وحاشر إليك خلقي وقاض عليك أمري وناشر منك عبادي، وقال كعب: من زار البيت المقدس شوقا إليه دخل الجنة، ومن صلى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأعطي قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا، ومن تصدّق فيه بدرهم كان فداءه من النار، ومن صام فيه يوما واحدا كتبت له براءته من النار، وقال كعب: معقل المؤمنين أيام الدجال البيت المقدس يحاصرهم فيه حتى يأكلوا أوتار قسيّهم من الجوع، فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتا من الصخرة فيقولون هذا صوت رجل شعبان، ينظرون فإذا عيسى بن مريم، عليه السّلام، فإذا رآه الدجال هرب منه فيتلقاه بباب لدّ فيقتله، وقال أبو مالك القرظي في كتاب اليهود الذي لم يغيّر: إن الله تعالى خلق الأرض فنظر إليها وقال: أنا واطئ على بقعتك، فشمخت الجبال وتواضعت الصخرة فشكر الله لها وقال: هذا مقامي وموضع ميزاني وجنتي وناري ومحشر خلقي وأنا ديّان يوم الدين، وعن وهب بن منبّه قال: أمر إسحاق ابنه يعقوب أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين وأن ينكح من بنات خاله لابان ابن تاهر بن أزر وكان مسكنه فلسطين فتوجه إليها يعقوب، وأدركه في بعض الطريق الليل فبات متوسدا حجرا فرأى فيما يرى النائم كأن سلّما منصوبا إلى باب السماء عند رأسه والملائكة تنزل منه وتعرج فيه وأوحى الله إليه: إني أنا الله لا إله إلا أنا إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وقد ورّثتك هذه الأرض المقدسة وذريتك من بعدك وباركت فيك وفيهم وجعلت فيكم الكتاب والحكمة والنبوّة ثم أنا معك حتى تدرك إلى هذا المكان فاجعله بيتا تعبدني فيه أنت وذريتك، فيقال إنه بيت المقدس، فبناه داود وابنه سليمان ثم أخربته الجبابرة بعد ذلك فاجتاز به شعيا، وقيل عزير، عليهما السلام، فرآه خرابا، فقال: أنّي يحيى هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه، كما قص، عزّ وجل، في كتابه الكريم، ثم بناه ملك من ملوك فارس يقال له كوشك، وكان قد اتخذ سليمان في بيت المقدس أشياء عجيبة، منها القبّة التي فيها السلسلة المعلقة ينالها صاحب الحق ولا ينالها المبطل حتى اضمحلت بحيلة غير معروفة، وكان من عجائب بنائه أنه بنى بيتا وأحكمه وصقله فإذا دخله الفاجر والورع تبيّن الفاجر من الورع لأن
الورع كان يظهر خياله في الحائط أبيض والفاجر يظهر خياله أسود، وكان أيضا مما اتخذ من الأعاجيب أن ينصب في زاوية من زواياه عصا آبنوس فكان من مسها من أولاد الأنبياء لم تضرّه ومن مسها من غيرهم أحرقت يده، وقد وصفها القدماء بصفات إن استقصيتها أمللت القارئ، والذي شاهدته أنا منها أن أرضها وضياعها وقراها كلّها جبال شامخة وليس حولها ولا بالقرب منها أرض وطيئة البتة وزروعها على الجبال وأطرافها بالفؤوس لأن الدواب لا صنع لها هناك، وأما نفس المدينة فهي على فضاء في وسط تلك الجبال وأرضها كلها حجر من الجبال التي هي عليها وفيها أسواق كثيرة وعمارات حسنة، وأما الأقصى فهو في طرفها الشرقي نحو القبلة أساسه من عمل داود، عليه السّلام، وهو طويل عريض وطوله أكثر من عرضه، وفي نحو القبلة المصلى الذي يخطب فيه للجمعة وهو على غاية الحسن والإحكام مبنيّ على الأعمدة الرخام الملونة والفسيفساء التي ليس في الدنيا أحسن منها لا جامع دمشق ولا غيره، وفي وسط صحن هذا الموضع مصطبة عظيمة في ارتفاع نحو خمسة أذرع كبيرة يصعد إليها الناس من عدة مواضع بدرج، وفي وسط هذه المصطبة قبة عظيمة على أعمدة رخام مسقفة برصاص منمّقة من برّا وداخل بالفسيفساء مطبقة بالرخام الملون قائم ومسطح، وفي وسط هذا الرخام قبة أخرى وهي قبة الصخرة التي تزار وعلى طرفها أثر قدم النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وتحتها مغارة ينزل إليها بعدّة درج مبلّطة بالرخام قائم ونائم يصلّى فيها وتزار، ولهذه القبة أربعة أبواب، وفي شرقيها برأسها قبة أخرى على أعمدة مكشوفة حسنة مليحة يقولون إنها قبة السلسلة، وقبة المعراج أيضا على حائط المصطبة وقبة النبي داود، عليه السّلام، كل ذلك على أعمدة مطبق أعلاها بالرصاص، وفيها مغاور كثيرة ومواضع يطول عددها مما يزار ويتبرك به، ويشرب أهل المدينة من ماء المطر، ليس فيها دار إلا وفيها صهريج لكنها مياه رديّة أكثرها يجتمع من الدروب وإن كانت دروبهم حجارة ليس فيها ذلك الدّنس الكثير، وبها ثلاث برك عظام: بركة بني إسرائيل وبركة سليمان، عليه السّلام، وبركة عياض عليها حمّاماتهم، وعين سلوان في ظاهر المدينة في وادي جهنم مليحة الماء وكان بنو أيوب قد أحكموا سورها ثم خرّبوه على ما نحكيه بعد، وفي المثل:
قتل أرضا عالمها وقتلت أرض جاهلها، هذا قول أبي عبد الله محمد بن أحمد بن البنّاء البشّاري المقدسي له كتاب في أخبار بلدان الإسلام وقد وصف بيت المقدس فأحسن فالأولى أن نذكر قوله لأنه أعرف ببلده وإن كان قد تغير بعده بعض معالمها، قال: هي متوسطة الحرّ والبرد قلّ ما يقع فيها ثلج، قال:
وسألني القاضي أبو القاسم عن الهواء بها فقلت: سجسج لا حرّ ولا برد، فقال: هذه صفة الجنّة، قلت:
بنيانهم حجر لا ترى أحسن منه ولا أنفس منه ولا أعفّ من أهلها ولا أطيب من العيش بها ولا أنظف من أسواقها ولا أكبر من مسجدها ولا أكثر من مشاهدها، وكنت يوما في مجلس القاضي المختار أبي يحيى بهرام بالبصرة فجرى ذكر مصر إلى أن سئلت: أيّ بلد أجلّ؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيهما أطيب؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيهما أفضل؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيهما أحسن؟ قلت:
بلدنا، قيل: فأيهما أكثر خيرات؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيهما أكبر؟ قلت: بلدنا، فتعجب أهل المجلس من ذلك وقيل: أنت رجل محصّل وقد ادّعيت ما لا يقبل منك وما مثك إلا كصاحب
الناقة مع الحجاج، قلت: أما قولي أجلّ فلأنها بلدة جمعت الدنيا والآخرة فمن كان من أبناء الدنيا وأراد الآخرة وجد سوقها، ومن كان من أبناء الآخرة فدعته نفسه إلى نعمة الدنيا وجدها، وأما طيب هوائها فإنه لا سمّ لبردها ولا أذى لحرها، وأما الحسن فلا يرى أحسن من بنيانها ولا أنظف منها ولا أنزه من مسجدها، وأما كثرة الخيرات فقد جمع الله فيها فواكه الأغوار والسهل والجبل والأشياء المتضادّة كالأترجّ واللوز والرطب والجوز والتين والموز، وأما الفضل فهي عرصة القيامة ومنها النشر وإليها الحشر وإنما فضلت مكة بالكعبة والمدينة بالنبي، صلّى الله عليه وسلّم، ويوم القيامة تزفّان إليها فتحوي الفضل كله، وأما الكبر فالخلائق كلهم يحشرون إليها فأي أرض أوسع منها؟ فاستحسنوا ذلك وأقرّوا به، قال: إلا أن لها عيوبا، يقال إن في التوراة مكتوبا بيت المقدس طست من ذهب مملوء عقارب، ثم لا ترى أقذر من حماماتها ولا أثقل مؤنة وهي مع ذلك قليلة العلماء كثيرة النصارى وفيهم جفاء وعلى الرحبة والفنادق ضرائب ثقال وعلى ما يباع فيها رجّالة وعلى الأبواب أعوان فلا يمكن أحدا أن يبيع شيئا مما يرتفق به الناس إلا بها مع قلة يسار، وليس للمظلوم أنصار، فالمستور مهموم والغني محسود والفقيه مهجور والأديب غير مشهور، ولا مجلس نظر ولا تدريس، قد غلب عليها النصارى واليهود وخلا المجلس من الناس والمسجد من الجماعات، وهي أصغر من مكة وأكبر من المدينة عليها حصن بعضه على جبل وعلى بقيته خندق، ولها ثمانية أبواب حديد:
باب صهيون وباب النية وباب البلاط وباب جب ارميا وباب سلوان وباب أريحا وباب العمود وباب محراب داود، عليه السّلام، والماء بها واسع، وقيل: ليس ببيت المقدس أكثر من الماء والأذان قلّ أن يكون بها دار ليس بها صهريج أو صهريجان أو ثلاثة على قدر كبرها وصغرها، وبها ثلاث برك عظام: بركة بني إسرائيل وبركة سليمان وبركة عياض عليها حمّاماتهم لها دواع من الأزقة، وفي المسجد عشرون جبّا مشجّرة قلّ أن تكون حارة ليس بها جبّ مسيل غير أن مياها من الأزقة وقد عمد إلى واد فجعل بركتين تجتمع إليهما السيول في الشتاء وقد شقّ منهما قناه إلى البلد تدخل وقت الربيع فتدخل صهاريج الجامع وغيرها، وأما المسجد الأقصى فهو على قرنة البلد الشرقي نحو القبلة أساسه من عمل داود، طول الحجر عشرة أذرع وأقلّ منقوشة موجّهة مؤلفة صلبة وقد بنى عليه عبد الملك بحجارة صغار حسان وشرّفوه وكان أحسن من جامع دمشق لكن جاءت زلزلة في أيام بني العباس فطرحته إلّا ما حول المحراب، فلما بلغ الخليفة خبره أراد رده مثلما كان فقيل له:
تعيا ولا تقدر على ذلك، فكتب إلى أمراء الأطراف والقوّاد يأمرهم أن يبني كل واحد منهم رواقا، فبنوه أوثق وأغلظ صناعة مما كان، وبقيت تلك القطعة شامة فيه وهي إلى حذاء الأعمدة الرخام، وما كان من الأساطين المشيدة فهو محدث، وللمغطى ستة وعشرون بابا: باب يقابل المحراب يسمّى باب النحاس الأعظم مصفح بالصفر المذهّب لا يفتح مصراعه إلا رجل شديد القوّة عن يمينه سبعة أبواب كبار في وسطها باب مصفح مذهب وعلى اليسار مثلها وفي نحو المشرق أحد عشر بابا سواذج وخمسة عشر رواقا على أعمدة رخام أحدثها عبد الله بن طاهر، وعلى الصحن من الميمنة أروقة على أعمدة رخام وأساطين، وعلى المؤخر أروقة ازاج من الحجارة، وعلى وسط المغطى جمل عظيم خلف قبة حسنة، والسقوف كلها إلّا المؤخر ملبسة بشقاق الرصاص والمؤخر مرصوف بالفسيفساء الكبار والصحن كله مبلط، وفي وسط الرواق دكة مربعة مثل مسجد يثرب يصعد إليها من أربع جهاتها بمراق واسعة، وفي الدكة أربع قباب:
قبة السلسلة وقبة المعراج وقبة النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وهذه الثلاث الصغار ملبسة بالرصاص على أعمدة رخام مكشوفة، وفي وسط الدكة قبة الصخرة على بيت مثمن بأربعة أبواب كل باب يقابل مرقاة من مراقي الدكة، وهي: الباب القبليّ وباب إسرافيل وباب الصور وباب النساء، وهو الذي يفتح إلى المغرب، جميعها مذهبة في وجه كل واحد باب مليح من خشب التّنّوب، وكانت قد أمرت بعملها أمّ المقتدر بالله، وعلى كل باب صفّة مرخمة والتنّوبيّة مطبّقة على الصفرية من خارج، وعلى أبواب الصفّات أبواب أيضا سواذج داخل البيت ثلاثة أروقة دائرة على أعمدة معجونة أجلّ من الرخام وأحسن لا نظير لها قد عقدت عليه أروقة لاطئة داخلة في رواق آخر مستدير على الصخرة على أعمدة معجونة بقناطر مدورة فوق هذه منطقة متعالية في الهواء فيها طاقات كبار والقبة فوق المنطقة طولها غير القاعدة الكبرى مع السّفّود في الهواء مائة ذراع ترى من البعد فوقها سفود حسن طوله قامة وبسطة، والقبة على عظمها ملبسة بالصفر المذهب وأرض البيت مع حيطانه، والمنطقة من داخل وخارج على صفة جامع دمشق، والقبة ثلاث سافات: الأولى مروّقة على الألواح، والثانية من أعمدة الحديد قد شبكت لئلا تميلها الرياح، ثم الثالثة من خشب عليها الصفائح وفي وسطها طريق إلى عند السفود يصعد منها الصّنّاع لتفقدها ورمّها فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة وتلألأت المنطقة ورؤيت شيئا عجيبا، وعلى الجملة لم أر في الإسلام ولا سمعت أن في الشرك مثل هذه القبة، ويدخل المسجد من ثلاثة عشر موضعا بعشرين بابا، منها:
باب الحطّة وباب النبي، عليه الصلاة والسلام، وباب محراب مريم وباب الرحمة وباب بركة بني إسرائيل وباب الأسباط وباب الهاشميين وباب الوليد وباب إبراهيم، عليه السلام، وباب أمّ خالد وباب داود، عليه السّلام، وفيه من المشاهد محراب مريم وزكرياء ويعقوب والخضر ومقام النبي، صلى الله عليه وسلم، وجبرائيل وموضع المنهل والنور والكعبة والصراط متفرقة فيه وليس على الميسرة أروقة، والمغطى لا يتصل بالحائط الشرقي وإنما ترك هذا البعض لسبين أحدهما قول عمر: واتخذوا في غربي هذا المسجد مصلّى للمسلمين، فتركت هذه القطعة لئلا يخالف، والآخر لو مدّ المغطى إلى الزاوية لم تقع الصخرة حذاء المحراب فكرهوا ذلك، والله أعلم، وطول المسجد ألف ذراع بالذراع الهاشمي، وعرضه سبعمائة ذراع، وفي سقوفه من الخشب أربعة آلاف خشبة وسبعمائة عمود رخام، وعلى السقوف خمسة وأربعون ألف شقة رصاص، وحجم الصخرة ثلاثة وثلاثون ذراعا في سبعة وعشرين، وتحت الصخرة مغارة تزار ويصلّى فيها تسع مائة وستين نفسا، وكانت وظيفته كل شهر مائة دينار، وفي كل سنة ثمانمائة ألف ذراع حصرا، وخدّامه مماليك له أقامهم عبد الملك من خمس الأسارى ولذلك يسمّون الأخماس لا يخدمه غيرهم ولهم نوب يحفظونها، وقال المنجمون:
المقدس طوله ست وخمسون درجة، وعرضه ثلاث وثلاثون درجة، في الإقليم الثالث، وأما فتحها في أول الإسلام إلى يومنا هذا فإن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنفذ عمرو بن العاص إلى فلسطين ثم نزل البيت المقدس فامتنع عليه فقدم أبو عبيدة بن الجرّاح
بعد أن افتتح قنّسرين وذلك في سنة 16 للهجرة فطلب أهل بيت المقدس من أبي عبيدة الأمان والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام من أداء الجزية والخراج والدخول فيما دخل فيه نظراؤهم على أن يكون المتولّي للعقد لهم عمر بن الخطاب، فكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمر فقدم عمر ونزل الجابية من دمشق ثم صار إلى بيت المقدس فأنفذ صلحهم وكتب لهم به كتابا وكان ذلك في سنة 17، ولم تزل على ذلك بيد المسلمين، والنصارى من الروم والأفرنج والأرمن وغيرهم من سائر أصنافهم يقصدونها للزيارة إلى بيعتهم المعروفة بالقمامة وليس لهم في الأرض أجلّ منها، حتى انتهت إلى أن ملكها سكمان بن أرتق وأخوه ايلغازي جدّ هؤلاء الذين بدياربكر صاحب ماردين وآمد، والخطبة فيها تقام لبني العباس، فاستضعفهم المصريون وأرسلوا إليهم جيشا لا طاقة لهم به، وبلغ سكمان وأخاه خبر ذلك فتركوها من غير قتال وانصرفوا نحو العراق، وقيل: بل حاصروها ونصبوا عليها المجانيق ثم سلموها بالأمان ورجع هؤلاء إلى نحو المشرق، وذلك في سنة 491، واتّفق أن الأفرنج في هذه الأيام خرجوا من وراء البحر إلى الساحل فملكوا جميع الساحل أو أكثره وامتدوا حتى نزلوا على البيت المقدّس فأقاموا عليها نيفا وأربعين يوما ثم ملكوها من شماليها من ناحية باب الأسباط عنوة في اليوم الثالث والعشرين من شعبان سنة 492 ووضعوا السيف في المسلمين أسبوعا والتجأ الناس إلى الجامع الأقصى فقتلوا فيه ما يزيد على سبعين ألفا من المسلمين وأخذوا من عند الصخرة نيفا وأربعين قنديلا فضّة كل واحد وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم فضّة وتنّور فضة وزنه أربعون رطلا بالشامي وأموالا لا تحصى، وجعلوا الصخرة والمسجد الأقصى مأوى لخنازيرهم، ولم يزل في أيديهم حتى استنقذه منهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 583 بعد إحدى وتسعين سنة أقامها في يد الأفرنج وهي الآن في يد بني أيوب، والمستولي عليهم الآن منهم الملك المعظم عيسى ابن العادل أبي بكر بن أيوب، وكانوا قد أحكموا سوره وعمّروه وجوّدوه، فلما خرج الأفرنج في سنة 616 وتملّكوا دمياط استظهر الملك المعظم بخراب سوره وقال: نحن لا نمنع البلدان بالأسوار إنما نمنعها بالسيوف والأساورة، وهذا كاف في خبرها وليس كلّ ما أجده أكتبه ولو فعلت ذلك لم يتسع لي زماني، وفي المسجد أماكن كثيرة وأوصاف عجيبة لا تتصوّر إلا بالمشاهدة عيانا، ومن أعظم محاسنه أنه إذا جلس إنسان فيه في أي موضع منه يرى أن ذلك الموضع هو أحسن المواضع وأشرحها، ولذا قيل إن الله نظر إليه بعين الجمال ونظر إلى المسجد الحرام بعين الجلال:
أهيم بقاع القدس ما هبّت الصّبا، ... فتلك رباع الأنس في زمن الصّبا
وما زلت في شوقي إليها مواصلا ... سلامي على تلك المعاهد والرّبى
والحمد لله الذي وفّقني لزيارته، وينسب إلى بيت المقدس جماعة من العبّاد الصالحين والفقهاء، منهم:
نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود أبو الفتح المقدسي الفقيه الشافعي الزاهد أصله من طرابلس وسكن بيت المقدس ودرّس بها وكان قد سمع بدمشق من أبي الحسن السمسار وأبي الحسن محمد بن عوف وابن سعدان وابن شكران وأبي القاسم وابن الطبري، وسمع بآمد هبة الله بن سليمان وسليم بن أيوب بصور وعليه تفقّه وعلى محمد بن البيان الكازروني، وروى عنه أبو بكر الخطيب وعمر بن عبد الكريم
الدهستاني وأبو القاسم النسيب وأبو الفتح نصر الله اللاذقي وأبو محمد بن طاووس وجماعة، وكان قدم دمشق في سنة 71 في نصف صفر ثم خرج إلى صور وأقام بها نحو عشر سنين ثم قدم دمشق سنة 80 فأقام بها يحدث ويدرّس إلى أن مات، وكان فقيها فاضلا زاهدا عابدا ورعا أقام بدمشق ولم يقبل لأحد من أهلها صلة، وكان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض كانت له بنابلس وكان يخبز له منها كل يوم قرص في جانب الكانون، وكان متقلّلا متزهدا عجيب الأمر في ذلك، وكان يقول: درست على الفقيه سليم من سنة 37 إلى سنة 40 ما فاتني فيها درس ولا إعادة ولا وجعت إلا يوما واحدا وعوفيت، وسئل كم في ضمن التعليقة التي صنّفها من جزء، فقال:
نحو ثلاثمائة جزء وما كتبت منها حرفا وأنا على غير وضوء، أو كما قال، وزاره تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان يوما فلم يقم إليه وسأله عن أحلّ الأموال السلطانية فقال: أموال الجزية، فخرج من عنده وأرسل إليه بمبلغ من المال وقال له: هذا من مال الجزية، ففرّقه على الأصحاب ولم يقبله وقال: لا حاجة لنا إليه، فلما ذهب الرسول لامه الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد وقال له: قد علمت حاجتنا إليه فلو كنت قبلته وفرّقته فينا، فقال: لا تجزع من فوته فلسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك فيما بعد، فكان كما تفرّس فيه، وذكر بعض أهل العلم قال: صحبت أبا المعالي الجويني بخراسان ثم قدمت العراق فصحبت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي فكانت طريقته عندي أفضل من طريقة الجويني، ثم قدمت الشام فرأيت الفقيه أبا الفتح فكانت طريقته أحسن من طريقتهما جميعا، وتوفي الشيخ أبو الفتح يوم الثلاثاء التاسع من المحرم سنة 490 بدمشق ودفن بباب الصغير، ولم تر جنازة أوفر خلقا من جنازته، رحمة الله عليه، ومحمد بن طاهر بن علي بن أحمد أبو الفضل المقدسي الحافظ ويعرف بابن القيسراني، طاف في طلب الحديث وسمع بالشام وبمصر والعراق وخراسان والجبل وفارس، وسمع بمصر من الجبّاني وأبي الحسن الخلعي، قال: وسمعت أبا القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ يقول: أحفظ من رائيّة محمد ابن طاهر ما هو هذا:
إلى كم أمنّي النفس بالقرب واللّقا ... بيوم إلى يوم وشهر إلى شهر؟
وحتّام لا أحظى بوصل أحبّتي ... وأشكو إليهم ما لقيت من الهجر؟
فلو كان قلبي من حديد أذابه ... فراقكم أو كان من صالب الصخر
ولمّا رأيت البين يزداد والنّوى ... تمثّلت بيتا قيل في سالف الدهر:
متى يستريح القلب، والقلب متعب، ... ببين على بين وهجر على هجر؟
قال الحافظ: سمعت أبا العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني الحافظ ببغداد يذكر أن أبا الفضل ابتلي بهوى امرأة من أهل الرستاق كانت تسكن قرية على ستة فراسخ فكان يذهب كل ليلة فيرقبها فيراها تغزل في ضوء السراج ثم يرجع إلى همذان فكان يمشي كل يوم وليلة اثني عشر فرسخا، ومات ابن طاهر ودفن عند القبر الذي على جبلها يقال له قبر رابعة العدوية وليس هو بقبرها إنما قبرها بالبصرة وأما القبر الذي هناك فهو قبر رابعة زوجة أحمد بن أبي الحواري الكاتب وقد اشتبه على الناس.

نَجْرَانُ

نَجْرَانُ:
بالفتح ثم السكون، وآخره نون، والنجران في كلامهم: خشبة يدور عليها رتاج الباب، وأنشدوا:
وصيت الباب في النجران حتى ... تركت الباب ليس له صرير
وقال ابن الأعرابي: يقال لأنف الباب الرتاج ولد رونده النّجاف والنجران ولمترسه المفتاح، قال ابن دريد: نجران الباب الخشبة التي يدور عليها، ونجران في عدة مواضع، منها: نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا: سمي بنجران بن زيدان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لأنه كان أول من عمرها ونزلها وهو المرعف وإنما صار إلى نجران لأنه رأى رؤيا فهالته فخرج رائدا حتى انتهى إلى واد فنزل به فسمي نجران به، كذا ذكره في كتاب الكلبي بخط صحيح زيدان بن سبإ، وفي كتاب غيره زيد، روى ذلك الزيادي عن الشرقي، وأما سبب دخول أهلها في دين النصرانية قال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى يقال له فيميون، بالفاء ويروى بالقاف، وكان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بالقرى فإذا عرف بقرية خرج منها إلى أخرى، وكان لا يأكل إلّا من كسب يديه، وكان بنّاء يعمل في الطين، وكان يعظّم الأحد فلا يعمل فيه شيئا فيخرج إلى فلاة من الأرض فيصلي بها حتى يمسي، ففطن لشأنه رجل من أهل قرية بالشام كان يعمل فيها فيميون عمله، وكان ذلك الرجل اسمه صالح فأحبه صالح حبّا شديدا فكان يتبعه حيث ذهب ولا يفطن له فيميون حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض كما كان يصنع وقد اتبعه صالح فجلس منه منظر العين مستخفيا منه، فقام فيميون يصلي فإذا قد أقبل نحوه تنّين، وهو الحية العظيمة، فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخاف عليه فصرخ: يا فيميون التنين قد أقبل نحوك! فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها فخرج إليه صالح وقال: يا فيميون يعلم الله أنني ما أحببت شيئا قط مثل حبك وقد أحببت صحبتك والكينونة معك حيث كنت، فقال: ما شئت، أمري كما ترى فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح، وقد كان أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا جاءه العبد وبه ضرّ دعا له فشفي، وكان إذا دعي لمنزل أحد لم يأته، وكان لرجل من أهل تلك القرية ولد ضرير فقال لفيميون: إن لي عملا فانطلق معي إلى منزلي، فانطلق معه فلما حصل في بيته رفع الرجل الثوب عن الصبيّ وقال له: يا فيميون عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له! فدعا الله فقام الصبيّ ليس به بأس، فعرف فيميون أنه عرف فخرج من القرية واتبعه صالح حتى وطئا بعض أراضي العرب فعدوا عليهما فاختطفهما سيّارة من العرب فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وكان أهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة لهم عظيمة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة فإذا كان ذلك العيد علّقوا عليها كلّ ثوب حسن وجدوه وحليّ النساء، فخرجوا إليها يوما وعكفوا عليها يوما، فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر، فكان فيميون إذا قام بالليل في بيت له أسكنه إياه سيّده استسرج له البيت نورا حتى يصبح
من غير مصباح، فأعجب سيّده ما رأى منه فسأله عن دينه فأخبره به وقال له فيميون: إنما أنتم على باطل وهذه الشجرة لا تضرّ ولا تنفع ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها وهو الله وحده لا شريك له، فقال له سيّده: افعل فإنك إن فعلت هذا دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عليه، فقام فيميون وتطهّر وصلّى ركعتين ثم دعا الله تعالى عليها فأرسل الله ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها فعند ذلك اتبعه أهل نجران فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على غيرهم من أهل دينهم بكلّ أرض فمن هناك كانت النصرانية بنجران من أرض العرب.
قال ابن إسحاق: فهذا حديث وهب بن منبّه عن أهل نجران، قال: وحدّثني يزيد بن زياد عن محمد ابن كعب القرظي وحدثني أيضا بعض أهل نجران أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأصنام وكان في قرية من قراها قريبا من نجران، ونجران القرية العظيمة التي إليها إجماع تلك البلاد، كان عندهم ساحر يعلّم غلمان أهل نجران السحر، فلما نزلها فيميون ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به ابن منبه إنما قالوا رجل نزلها وابتنى خيمة بين نجران وبين القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يرسلون أولادهم إلى ذلك الساحر يعلّمهم السحر فبعث الثامر ابنه عبد الله مع غلمان أهل نجران فكان ابن الثامر إذا مر بتلك الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم وعبد الله تعالى وحده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى فقه فيه فسأله عن الاسم الأعظم فكتمه إياه وقال: إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه، والثامر أبو عبد الله لا يظنّ إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضنّ به عنه عمد إلى قداح فجمعها ثم لم يبق لله تعالى اسما يعلمه إلا كتب كل واحد في قدح فلما أحصاها أوقد نارا وجعل يقذفها فيها قدحا قدحا حتى مرّ بالاسم الأعظم فقذفه فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها ولم تضرّه النار شيئا، فأتى صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الأعظم وهو كذا، فقال: كيف علمته؟ فأخبره بما صنع، فقال: يا ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك وما أظنّ أن تفعل، وجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضرّ إلا قال له: يا عبد الله أتوحّد الله وتدخل في ديني فأدعو الله فيعافيك؟
فيقول: نعم، فيدعو الله فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضرّ إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي، فرفع أمره إلى ملك نجران فأحضره وقال له:
أفسدت عليّ أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثّلنّ بك! فقال: لا تقدر على ذلك، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح من رأسه فيقع على الأرض ويقوم وليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه قال عبد الله بن الثامر، لا تقدر على قتلي حتى توحّد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلّطت عليّ فتقتلني، قال: فوحّد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا كانت في يده فشجّه شجّة غير كبيرة فقتله، قال عبيد الله الفقير إليه: فاختلفوا ههنا، ففي حديث رواه الترمذي من طريق ابن أبي ليلى عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، على غير هذا السياق وإن قاربه في المعنى، فقال: إن الملك لما رمى الغلام في رأسه وضع الغلام يده على صدغه ثم مات، فقال أهل نجران: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه
أحد فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام، قال: فقيل الملك أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلهم قد خالفوك! قال: فخدّ أخدودا ثم ألقى فيه الحطب والنار ثم جمع الناس وقال: من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في ذلك الأخدود، فذلك قوله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، حتى بلغ إلى:
العزيز الحميد، وأما الغلام فإنه دفن وذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل، روى هذا الحديث الترمذي عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق ابن معمر، ورواه مسلم عن هدّاب بن خالد عن حماد بن سلمة ثم اتفقا، عن سالم عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفي حديث ابن إسحاق: إن الملك لما قتل الغلام هلك مكانه واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وهو النصرانية وكان على ما جاء به عيسى، عليه السّلام، من الإنجيل وحكمه، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك أصل النصرانية بنجران، قال: فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهودية وخيّرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل، فخدّ لهم الأخدود فحرق من حرق في النار وقتل من قتل بالسيف ومثّل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا، ففي ذي نواس وجنوده أنزل الله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، إلى آخر الآية، قال عبيد الله الفقير إليه: خبر الترمذي ومسلم أعجب إليّ من خبر ابن إسحاق لأن في خبر ابن إسحاق أن الذي قتل النصارى ذو نواس وكان يهوديّا صحيح الدين اتبع اليهودية بآيات رآها، كما ذكرناه في امام من هذا الكتاب، من الحبرين اللذين صحباه من المدينة ودين عيسى إنما جاء مؤيدا ومسددا للعمل بالتوراة فيكون القاتل والمقتول من أهل التوحيد والله قد ذمّ المحرق والقاتل لأصحاب الأخدود فبعد إذا ما ذكره ابن إسحاق وليس لقائل أن يقول إن ذا نواس بدّل أو غيّر دين موسى، عليه السلام، لأن الأخبار غير شاهدة بصحة ذلك، وأما خبر الترمذي أن الملك كان كافرا وأصحاب الأخدود مؤمنين فصحّ إذا، والله أعلم، وفتح نجران في زمن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، في سنة عشر صلحا على الفيء وعلى أن يقاسموا العشر ونصف العشر، وفيها يقول الأعشى:
وكعبة نجران حتم علي ... ك حتى تناخي بأبوابها
نزور يزيدا وعبد المسيح ... وقيسا هم خير أربابها
وشاهدنا الورد والياسمي ... ن والمسمعات بقصّابها
وبربطنا دائم معمل، ... فأيّ الثلاثة أزرى بها؟
وكعبة نجران هذه يقال بيعة بناها بنو عبد المدان بن الدّيّان الحارثي على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان فيها أساقفة معتمّون وهم الذين جاءوا إلى النبي، صلّى الله عليه وسلّم، ودعاهم إلى المباهلة، وذكر هشام بن الكلبي أنها كانت قبّة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أرفد، وكان لعظمها عندهم يسمّونها كعبة نجران، وكانت على نهر بنجران، وكانت لعبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل، وكان يستغلّ
من ذلك النهر عشرة آلاف دينار وكانت القبّة تستغرقها، ثم كان أول من سكن نجران من بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان يزيد بن عبد المدان، وذلك أن عبد المسيح زوّجه ابنته دهيمة فولدت له عبد الله بن يزيد ومات عبد الله بن يزيد فانتقل ماله إلى يزيد فكان أول حارثيّ حلّ في نجران، وكان من أمر المباهلة ما ليس ذكره من شرط كتابي ذا وقد ذكرته في غيره، وقد روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: القرى المحفوظة أربع: مكة والمدينة وإيلياء ونجران، وما من ليلة إلا وينزل على نجران سبعون ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود ولا يرجعون إليها بعد هذا أبدا، قال أبو عبيد في كتاب الأموال: حدثني يزيد عن حجاج عن ابن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لأخرجنّ اليهود والنصارى عن جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما، قال:
فأخرجهم عمر، رضي الله عنه، قال: وإنما أجاز عمر إخراج أهل نجران وهم أهل صلح بحديث روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فيهم خاصة عن أبي عبيدة بن الجرّاح، رضي الله عنه، عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه كان آخر ما تكلم به أنه قال: أخرجوا اليهود من الحجاز وأخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب، وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء أهل نجران إلى عليّ، رضي الله عنه، فقالوا:
شفاعتك بلسانك وكتابتك بيدك، أخرجنا عمر من أرضنا فردّها إلينا صنيعة، فقال: يا ويلكم إن كان عمر رشيد الأمر فلا أغيّر شيئا صنعه! فكان الأعمش يقول: لو كان في نفسه عليه شيء لاغتنم هذا.
ونجران أيضا: موضع على يومين من الكوفة فيما بينها وبين واسط على الطريق، يقال إن نصارى نجران لما أخرجوا سكنوا هذا الموضع وسمّي باسم بلدهم، وقال عبيد الله بن موسى بن جار بن الهذيل الحارثي يرثي عليّ بن أبي طالب ويذكر أنه حمل نعشه في هذا الموضع فقال:
بكيت عليّا جهد عيني فلم أجد ... على الجهد بعد الجهد ما أستزيدها
فما أمسكت مكنون دمعي وما شفت ... حزينا ولا تسلى فيرجى رقودها
وقد حمل النّعش ابن قيس ورهطه ... بنجران والأعيان تبكي شهودها
على خير من يبكى ويفجع فقده، ... ويضربن بالأيدي عليه خدودها
ووفد على النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفد نجران وفيهم السيّد واسمه وهب والعاقب واسمه عبد المسيح والأسقف وهو أبو حارثة، وأراد رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، مباهلتهم فامتنعوا وصالحوا النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فكتب لهم كتابا، فلما ولي أبو بكر، رضي الله عنه، أنفذ ذلك لهم، فلما ولي عمر، رضي الله عنه، أجلاهم واشترى منهم أموالهم، فقال أبو حسّان الزيادي: انتقل أهل نجران إلى قرية تدعى نهر ابان من أرض الهجر المنقطع من كورة البهقباذ من طساسيج الكوفة وكانت هذه القرية من الضواحي وكان كسرى أقطعها امرأة يقال لها ابان وكان زوجها من أوراد المملكة يقال له باني وكان قد احتفر نهر الضيعة لزوجته وسماه نهر ابان ثم ظهر عليها الإسلام وكان أولادها يعملون في تلك الأرض، فلما أجلى عمر، رضي الله عنه، أهل نجران نزلوا
قرية من حمراء ديلم يرتادون موضعا فاجتاز بهم رجل من المجوس يقال له فيروز فرغب في النصرانية فتنصر ثم أتى بهم حتى غلبوا على القرية وأخرجوا أهلها عنها وابتنوا كنيسة دعوها الأكيراح، فشخصوا إلى عمر فتظلّموا منهم فكتب إلى المغيرة في أمرهم فرجع الجواب وقد مات عمر، رضي الله عنه، فانصرف النجرانيون إلى نهر ابان واستقروا به، ثم شخص العجم إلى عثمان، رضي الله عنه، فكتب في أمرهم إلى الوليد بن عتبة فألفوه وقد أخرجه أهل الكوفة فانصرف النجرانيون إلى قريتهم وكثر أهلها وغلبوا عليها.
ونجران أيضا: موضع بالبحرين فيما قيل. ونجران أيضا: موضع بحوران من نواحي دمشق وهي بيعة عظيمة عامرة حسنة مبنية على العمد الرخام منمّقة بالفسيفساء وهو موضع مبارك ينذر له المسلمون والنصارى، ولنذور هذا الموضع قوم يدورون في البلدان ينادون من نذر نذر نجران المبارك، وهم ركاب الخيل، وللسلطان عليهم قطيعة وافرة يؤدّونها إليه في كل عام، وقيل: هي قرية أصحاب الأخدود باليمن، ينسب إليها يزيد بن عبد الله بن أبي يزيد النجراني يكنى أبا عبد الله من أهل دمشق من نجران التي بحوران، روى عن الحسين بن ذكوان والقاسم بن أبي عبد الرحمن ومسحر السكسكي، روى عنه يحيى بن حمزة وسويد ابن عبد العزيز وصدقة بن عبد الله وأيوب بن حسّان وهشام بن الغاز، وقال أبو الفضل المقدسي النجراني:
والنجراني الأول منسوب إلى نجران هجر وفيهم كثرة، قال عبيد الله الفقير إليه: هذا قول فيه نظر فإن نجران هجر مجهول والمنسوب إليه معدوم، وقال أبو الفضل: والثاني نجران اليمن، منهم: عبيد الله ابن العباس بن الربيع النجراني، حدث عن محمد بن إبراهيم البيلماني، روى عنه محمد بن بكر بن خالد النيسابوري ونسبه إلى نجران اليمن وقال: سمعت منه بعرفات، وقال الحازمي: وممن ينسب إلى نجران بشر بن رافع النجراني أبو الأسباط اليماني، حدث عنه حاتم بن إسماعيل وعبد الرزاق، وينسب إلى نجران اليمن أيضا أبو عبد الملك محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري يقال له النجراني لأنه ولد بها في حياة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، سنة عشر وولّاه الأنصار أمرهم يوم الحرّة فقتل بها سنة 63، روى عنه ابنه أبو بكر، وقد أكثرت الشعراء من ذكر نجران في أشعارها، قال اعرابيّ:
إن تكونوا قد غبتم وحضرنا، ... ونزلنا أرضا بها الأسواق
واضعا في سراة نجران رحلي، ... ناعما غير أنني مشتاق
وقال عطارد بن قرّان أحد اللصوص وكان قد أخذ وحبس بنجران:
يطول عليّ الليل حتى أملّه ... فأجلس والنهديّ عندي جالس
كلانا به كبلان يرسف فيهما، ... ومستحكم الأقفال أسمر يابس
له حلقات فيه سمر يحبها ال ... عناة كما حبّ الظماء الخوامس
إذا ما ابن صبّاح أرنّت كبوله ... لهنّ على ساقيّ وهنا وساوس
تذكّرت هل لي من حميم يهمّه ... بنجران كبلاي اللذان أمارس
فأما بنو عبد المدان فإنهم ... وإني من خير الحصين ليائس
روى نمر من أهل نجران أنكم ... عبيد العصا لو صبّحتكم فوارس

أَنْطاكِيَة

أَنْطاكِيَة:
بالفتح ثم السكون، والياء مخففة، وليس في قول زهير:
علون بأنطاكيّة، فوق عقمة ... وراد الحواشي، لونها لون عندم
وقول امرئ القيس:
علون بأنطاكيّة، فوق عقمة، ... كجرمة نخل أو كجنّة يثرب
دليل على تشديد الياء لأنها للنسبة وكانت العرب إذا أعجبها شيء نسبته إلى أنطاكية، قال الهيثم بن عدي:
أول من بنى أنطاكية انطيخس وهو الملك الثالث بعد الإسكندر، وذكر يحيى بن جرير المتطبب التكريتي:
أن أول من بنى أنطاكية انطيغونيا في السنة السادسة من موت الإسكندر ولم يتمها فأتمها بعده سلوقوس، وهو الذي بنى اللاذقية وحلب والرّها وأفامية، وقال في موضع آخر من كتابه: بنى الملك أنطيغونيا على نهر أورنطس مدينة وسماها أنطيوخيا وهي التي كمّل سلوقوس بناءها وزخرفها وسماها على اسم ولده انطيوخوس وهي أنطاكية، وقال بطليموس:
مدينة أنطاكية طولها تسع وستون درجة وعرضها خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان وثلاثين دقيقة، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، لها درجتان ونصف من الحوت، تحكم فيه كفّ الخضيب وهي في الإقليم الرابع، وقيل: إن أول من بناها وسكنها أنطاكية بنت الروم بن اليقن (اليفز) بن سام بن نوح، عليه السلام، أخت أنطالية، باللام، ولم تزل أنطاكية قصبة العواصم من الثغور الشامية، وهي من أعيان البلاد وأمهاتها، موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وكثرة الفواكه وسعة الخير.
وقال ابن بطلان في رسالة كتبها إلى بغداد إلى أبي الحسن هلال بن المحسن الصابي في سنة نيف وأربعين وأربعمائة، قال فيها: وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية، وبينهما يوم وليلة، فوجدنا المسافة التي بين حلب وأنطاكية عامرة لا خراب فيها أصلا، ولكنها أرض تزرع الحنطة والشعير تحت شجر الزيتون، قراها متصلة ورياضها مزهرة ومياهها منفجرة، يقطعها المسافر في بال رخيّ وأمن وسكون. وأنطاكية: بلد عظيم ذو سور وفصيل، ولسوره ثلاثمائة وستون برجا يطوف عليها بالنوبة أربعة آلاف حارس ينفذون من القسطنطينية من حضرة الملك يضمنون حراسة البلد سنة، ويستبدل بهم في السنة الثانية، وشكل البلد كنصف دائرة قطرها يتصل بجبل، والسور يصعد مع الجبل إلى قلّته فتتم دائرة، وفي رأس الجبل داخل السور قلعة تبين لبعدها من البلد صغيرة، وهذا الجبل يستر عنها الشمس فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية، وللسور المحيط بها دون الجبل خمسة أبواب، وفي وسطها بيعة القسيان، وكانت دار قسيان الملك الذي أحيا ولده فطرس رئيس الحواريين، وهو هيكل طوله مائة خطوة وعرضه ثمانون، وعليه كنيسة على أساطين، وكان يدور الهيكل أروقة يجلس عليها القضاة للحكومة ومتعلمو النحو اللّغة، وعلى أحد أبواب هذه الكنيسة فنجان للساعات يعمل ليلا ونهارا دائما اثنتي عشرة ساعة وهو من عجائب الدنيا، وفي أعلاه خمس طبقات في الخامسة منها حمّامات وبساتين ومناظر حسنة تخرّ منها المياه، وعلّة ذلك أن الماء ينزل عليها من الجبل المطلّ على المدينة، وهناك من الكنائس ما لا يحدّ كلها معمولة بالذهب والفضة والزجاج الملوّن والبلاط المجزّع، وفي البلد بيمارستان يراعي البطريك المرضى فيه بنفسه ويدخل المجذّمين الحمام في كل سنة فيغسل شعورهم بيده، ومثل ذلك يفعل الملك بالضعفاء كل سنة ويعينه على خدمتهم الأجلّاء من الرؤساء والبطارقة التماس التواضع، وفي المدينة من الحمامات ما لا يوجد مثله في مدينة أخرى لذاذة وطيبة لأن وقودها الآس ومياهها تسعى سيحا بلا كلفة، وفي بيعة القسيان من الخدم المسترزقة ما لا يحصى، ولها ديوان لدخل الكنيسة وخرجها، وفي الديوان بضعة عشر كاتبا، ومنذ سنة وكسر وقعت في الكنيسة صاعقة وكانت حالها أعجوبة وذلك أنه تكاثرت الأمطار في آخر سنة 1362 للإسكندر الواقع في سنة 442 للهجرة، وتواصلت أكثر أيام نيسان، وحدث في الليلة التي صبيحتها يوم السبت الثالث عشر من نيسان رعد وبرق أكثر مما ألف وعهد، وسمع في جملته أصوات رعد كثيرة مهولة أزعجت النفوس، ووقعت في الحال صاعقة على صدفة مخبأة في المذبح الذي للقسيان ففلقت من وجه النّسرانية قطعة تشاكل ما قد نحت بالفأس والحديد الذي تنحت به الحجارة، وسقط صليب حديد كان منصوبا على علوّ هذه الصدفة وبقي في المكان الذي سقط فيه وانقطع من الصدفة أيضا قطعة يسيرة، ونزلت الصاعقة من منفذ في الصدفة وتنزل فيه إلى المذبح سلسلة فضة غليظة يعلّق فيها الثّميوطون، وسعة هذا المنفذ إصبعان، فتقطعت السلسلة قطعا كثيرة وانسبك بعضها ووجد ما انسبك منها ملقى على وجه الأرض، وسقط تاج فضة كان معلقا بين يدي مائدة المذبح، وكان من وراء المائدة في غربيّها ثلاثة كراس خشبية مربّعة مرتفعة ينصب عليها ثلاثة صلبان كبار فضة مذهبة مرصّعة، وقلع قبل تلك الليلة الصليبان الطّرفيّان ورفعا إلى خزانة الكنيسة وترك الوسطاني على حاله فانكسر الكرسيان الطرفيان وتشظّيا وتطايرت الشظايا إلى داخل المذبح وخارجه من غير أن يظهر فيها أثر حريق كما ظهر في السلسلة، ولم ينل الكرسي الوسطاني ولا الصليب الذي عليه شيء، وكان على كل واحد من الأعمدة الأربعة الرخام التي تحمل القبة الفضة التي تغطي مائدة المذبح ثوب ديباج ملفوف على كل عمود فتقطّع كل واحد منها قطعا كبارا وصغارا، وكانت هذه القطع بمنزلة ما قد عفن وتهرّأ، ولا يشبه ما قد لا مسته نار ولا ما احترق، ولم يلحق المائدة ولا شيئا من هذه الملابس التي عليها ضرر ولا بان فيها أثر، وانقطع بعض الرخام الذي بين يدي مائدة المذبح مع ما تحته من الكلس والنّورة كقطع الفأس، ومن جملته لوح رخام كبير طفر من موضعه فتكسر إلى علوّ تربيع القبة الفضة التي تغطي المائدة وبقيت هناك على حالها، وتطافرت بقية الرخام إلى ما قرب من المواضع وبعد، وكان في المجنّبة التي للمذبح بكرة خشب فيها حبل قنّب مجاور للسلسلة الفضة التي تقطعت وانسبك بعضها معلّق فيها طبق فضة كبير عليه فراخ قناديل زجاج بقي على حاله ولم ينطفئ شيء من قناديله ولا غيرها ولا شمعة كانت قريبة من الكرسيين الخشب ولا زال منها شيء وكان جملة هذا الحادث مما يعجب منه، وشاهد غير واحد في داخل أنطاكية وخارجها في ليلة الاثنين الخامس من شهر آب من السنة المقدم ذكرها في السماء شبه كوّة ينور منها نور ساطع لامع ثم انطفأ وأصبح الناس يتحدّثون بذلك، وتوالت الأخبار بعد ذلك بأنه كان في أول نهار يوم الاثنين في مدينة عنجرة، وهي داخل بلاد الروم على تسعة عشر يوما من أنطاكية، زلزلة مهولة تتابعت في ذلك اليوم وسقط منها أبنية كثيرة وخسف موضع في ظاهرها، وكان هناك كنيسة كبيرة وحصن لطيف غابا حتى لم يبق لهما أثر، ونبع من ذلك الخسف ماء حارّ شديد الحرارة كثير المنبع المتدفّق، وغرق منه سبعون ضيعة، وتهارب خلق كثير من تلك الضياع إلى رؤوس الجبال والمواضع المرتفعة فسلموا وبقي ذلك الماء على وجه الأرض سبعة أيام، وانبسط حول هذه المدينة مسافة يومين ثم نضب وصار موضعه وحلا، وحضر جماعة ممن شاهد هذه الحال فحدّثوا بها أهل أنطاكية على ما سطرته، وحكوا أن الناس كانوا يصعدون أمتعتهم إلى رأس الجبل فيضطرب من عظم الزلزلة فيتدحرج المتاع إلى الأرض، وفي ظاهر البلد نهر يعرف بالمقلوب يأخذ من الجنوب إلى الشمال وهو مثل نهر عيسى وعليه رحى ويسقي البساتين والأراضي، آخر ما كتبناه من كتاب ابن بطلان، وبين أنطاكية والبحر نحو فرسخين ولها مرسى في بليد يقال له السّويديّة ترسو فيه مراكب الأفرنج يرفعون منه أمتعتهم على الدواب إلى أنطاكية، وكان الرشيد العباسي قد دخل أنطاكية في بعض غزواته فاستطابها جدا وعزم على المقام بها، فقال له شيخ من أهلها:
ليست هذه من بلدانك يا أمير المؤمنين، قال:
وكيف؟ قال: لأن الطيب الفاخر فيها يتغيّر حتى لا ينتفع به والسلاح يصدأ فيها ولو كان من قلعيّ الهند، فصدقه في ذلك فتركها ودفع عنها. وأما فتحها فإن أبا عبيدة بن الجراح سار إليها من حلب وقد تحصن بها خلق كثير من أهل جند قنّسرين فلما صار بمهروية على فرسخين من مدينة أنطاكية لقيه جمع من العدوّ ففضّهم وألجأهم إلى المدينة وحاصر أهلها من جميع نواحيها، وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذي يدعى باب البحر، ثم إنهم صالحوه على الجزية أو الجلاء فجلا بعضهم وأقام بعض منهم فأمنهم ووضع على كل حالم دينارا وجريبا، ثم نقضوا العهد فوجه إليهم أبو عبيدة عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول، ويقال: بل نقضوا بعد رجوع أبي عبيدة إلى فلسطين فوجّه عمرو بن العاص من إيلياء ففتحها ورجع ومكث يسيرا حتى طلب أهل إيلياء الأمان والصلح، ثم انتقل إليها قوم من أهل حمص وبعلبك مرابطة، منهم: مسلم بن عبد الله جدّ عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي، وكان مسلم قتل على باب من أبوابها فهو يعرف بباب مسلم إلى الآن، وذلك أن الروم خرجت من البحر فأناخت على أنطاكية وكان مسلم على السور فرماه علج بحجر فقتله، ثم إن الوليد بن عبد الملك بن مروان أقطع جند أنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصيّر إليهم الفلثر بدينار ومدّي قمح فعمّروها، وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية، والفلثر: مقدار من الأرض معلوم كما يقول غيرهم الفدّان والجريب، ثم لم تزل بعد ذلك أنطاكية في أيدي المسلمين وثغرا من ثغورهم إلى أن ملكها الروم في سنة 353 بعد أن ملكوا الثغور المصّيصة وطرسوس واذنة واستمرت في أيديهم إلى أن استنقذها منهم سليمان بن قتلمش السّلجوقي جدّ ملوك آل سلجوق اليوم في سنة 477، وسار شرف الدولة مسلم بن قريش من حلب إلى سليمان ليدفعه عنها فقتله سليمان سنة 478، وكتب سليمان إلى السلطان جلال الدولة ملك شاه بن ألب أرسلان يخبّره بفتحها فسرّ به وأمر بضرب البشائر، فقال الأبيوردي يخاطب ملك شاه:
لمعت، كناصية الحصان الأشقر، ... نار بمعتلج الكثيب الأحمر
وفتحت أنطاكيّة الروم، التي ... نشزت معاقلها على الإسكندر
وطئت مناكبها جيادك، فانثنت ... تلقي أجثّتها بنات الأصفر
فاستقام أمرها وبقيت في أيدي المسلمين إلى أن ملكتها الأفرنج من واليها بغيسغان التّركي بحيلة تمّت عليه وخرج منها فندم ومات من الغبن قبل أن يصل إلى حلب، وذلك في سنة 491، وهي في أيديهم إلى الآن، وبأنطاكية قبر حبيب النّجّار يقصد من المواضع البعيدة وقبره يزار، ويقال إنه نزلت فيه: وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى، قال يا قوم اتبعوا المرسلين، وقد نسب إليها جماعة كثيرة من أهل العلم وغيرهم، منهم:
عمر بن عليّ بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن عبيد ابن زهير بن مطيع بن جرير بن عطية بن جابر بن عوف ابن ذبيان بن مرثد بن عمرو بن عمير بن عمران ابن عتيك بن الأزد أبو حفص العتكي الأنطاكي الخطيب صاحب كتاب المقبول، سمع أبا بكر الخرائطي والحسن بن عليّ بن روح الكفرطابي ومحمد ابن حريم وأبا الحسن بن جوصا، سمع منهم ومن غيرهم بدمشق، وقدم مرّة أخرى في سنة 359 مستنفرا، فحدّث بها وبحمص عن جماعة كثيرة، روى عنه عبد الوهاب الميداني ومسدّد بن علي الأملوكي وغيرهما، وكتب عنه أبو الحسين الرازي وعثمان بن عبد الله بن محمد بن خرداذ الأنطاكي أبو عمرو محدّث مشهور له رحلة، سمع بدمشق محمد بن عائذ وأبا نصر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي وإبراهيم بن هشام بن يحيى ودحيما وهشام بن عمّار وسعيد بن كثير بن عفير وأبا الوليد الطيالسي وشيبان بن فرّوخ وأبا بكر وعثمان ابني أبي شيبة وعفّان بن مسلم وعلي بن الجعد وجماعة سواهم، روى عنه أبو حاتم الرازي وهو أكبر منه وأبو الحسن بن جوصا وأبو عوانة الأسفراييني وخيثمة بن سليمان وغيرهم، وكان من الحفاظ المشهورين، وقال أبو عبد الله الحاكم عثمان بن خرداذ: ثقة مأمون، وذكر دحيم أنه مات بأنطاكية في المحرم سنة 282، وإبراهيم بن عبد الرّزّاق أبو يحيى الأزدي، ويقال العجلي الأنطاكي الفقيه المقري، قرأ القرآن بدمشق على هارون بن موسى بن شريك الأخفش، وقرأ على عثمان بن خرداذ ومحمد بن عبد الرحمن بن خالد المكي المعروف بقنبل وغيرهما، وصنف كتابا يشتمل على القراءات الثماني، وحدّث عن آخرين، روى عنه أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المطّلب الشيباني وأبو الحسين بن جميع وغيرهما، ومات بأنطاكية سنة 338، وقيل: في شعبان سنة تسع.

علم العرافة

علم العرافة
هو معرفة الاستدلال ببعض الحوادث الخالية على الحوادث الآتية بالمناسبة أو المشابهة الخفية التي تكون بينهما أو الاختلاط أو الارتباط على أن يكونا معلولي أمر وأحد أو يكون ما في الحال علة لما في الاستقبال وشرط كون الارتباط المذكور خفيا أن لا يطلع عليه إلا الأفراد وذلك إما بالتجارب أو بالحالة المودعة في أنفسهم عند الفطرة بحيث عبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمحدثين المصيبين في الظن والفراسة.
حكي أن الاسكندر حين أراد قتال ملك الفرس قال: ذلك الملك لا حاجة إلى مقابلة عساكرهم نقاتل معك فإما أن تقتلني وإما أن أقتلك ففرح الاسكندر بهذا الكلام حيث قدم ذلك الملك نفسه في ذكر القتل فكان كما قال.
ويحكى عنه أيضا أنه لما دخل بلاد المغرب فمر على امرأة في مدينة تنسج ثوبا فقالت له: أيها الملك أعطيت ملكا ذا طول وعرض ثم مر عليها الملك الأول فقالت له: سيقطع الاسكندر ملكك فغضب الملك فقالت: لا تغضب إن النفوس قد تشاهد أمور قبل وقوعها بعلامات تحكم النفس بصدقها لما مر علي الاسكندر كنت أنسج طول الثوب وعرضه ولما مررت أنت فرغت وأردت قطعه وكان الأمر كما قالت.
ويحكى أنه كان في زمن هارون الرشيد رجل أعمى من أهل العرافة وكان يستدل على المسئول عنه بكلام مصدر عن الحاضرين عقيب السؤال فسرق يوما من خزانة هارون بعض من الأشياء فطلب الرجل وأمر أن لا يتكلم أحد بعد السؤال أصلا ففعلوا كما أمر هارون والأعمى ألقى سمعه ولم يسمع شيئا فأمر يده على البساط فوجد فيه نواة تمرة فقال: إن المسئول عنه در وزبرجد وياقوت. فقال الرشيد: في أين هو؟ قال: في بئر فوجدوه كما ذكر الأعمى فتحير الرشيد فيه.
فسأل عن سبب معرفته.
فقال: وجدت نواة تمرة وطلع النخل أبيض وهو كالدرة ثم يكون بسرا وهو أخضر وهو لون الزمرد ثم يكون رطبا وهو أحمر وهو لون الياقوت ثم لما سألتم عن مكان المسروق سمعت صوت دلو فعرفت أنه في بئر فاستحسن الرشيد فراسته فأعطاه مالا جزيلاً.
وحكي أن أبا معشر وصاحبه ذهبا إلى عراف فسألاه عن شيء فقال: أنكما سألتما عن مسجون فقالا: إنه يخلص قال: نعم يخلص فسألاه عن سبب معرفته فقال: إنكما لما سألتماني وقع نظري على قربة ماء فعرفت أن السؤال عن مسجون ولما سألتماني عن خلاصة نظرت فإذا هو قد فرغ قربته.
وحكى عن المهدي أنه رأى رؤيا فنسيها فأمر بعراف فأحضر فسأله عن رؤياه فقال: يا أمير المؤمنين صاحب العرافة ينظر إلى الحركة فغضب المهدي من أنه يدعي العرافة ولا يعرف شيئا فوضع يده على رأسه ثم مسح وجهه ثم ضرب يده على فخذه من شدة غضبه قال العراف: يا أمير المؤمنين أخبرك عن رؤياك. إنك صعدت على جبل ثم نزلت إلى أرض ملساء فيها عينان مالحتان ثم لقيت رجلا من قريش فسأله المهدي عن سبب معرفته فقال: مسحت الرأس وهو الجبل ومسحت الجبهة وهي أرض ملساء فيها عينان مالحتان ثم مسحت الفخذ وهي قبيلتك قال المهدي: صدقت وأمر له بمال جزيل وأمثال هذه الحكايات كثيرة يعرفها من تتبع المحاضرات ذكر ذلك صاحب مدينة العلوم.

رُصَافَةُ قُرْطُبَةَ

رُصَافَةُ قُرْطُبَةَ:
وهي مدينة أنشأها عبد الرحمن ابن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، وهو أوّل من ملك الأندلس من الأمويّة بعد زوال ملكهم، أنشأها وسماها الرصافة تشبيها، ونظر فيها إلى نخلة منفردة فقال:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة ... تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت: شبيهي بالتغرّب والنّوى ... وطول التنائي عن بنيّ وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة، ... فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المزن من صوبها الذي ... يسحّ ويستمري السّماكين بالوبل
وقال ابن الفرضي: هذه الأبيات لعبد الملك بن بشر ابن عبد الملك بن مروان، وكان قد دخل الأندلس أيّام عبد الملك بن مروان، وقال أبو الوليد بن زيدون يذكر رصافة قرطبة:
على المنعت السعديّ مني تحيّة ... زكت، وعلى وادي العقيق سلام
ولا زال نور في الرصافة ضاحكا ... بأرجائها تبكي عليه غمام
معاهد لهو لم نزل في ظلالها ... تدور علينا للسّرور مدام
زمان، رياض العيش خضر نواعم ... ترفّ وأمواه النّعيم جمام
تذكّرت أيّامي بها فتبادرت ... دموعي كما خان الفريد نظام
ومن أجلها أدعو لقرطبة المنى ... بسقي ضعيف الطلّ وهو رهام
محلّ نعمنا بالتّصابي خلاله ... فأسعدنا والحادثات نيام
وقد نسب إلى هذه الرصافة قوم من أهل العلم، منهم: يوسف بن مسعود الرصافي، وأبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن ضيفون الرصافي، ذكرهما الحميدي، وقال أبو عامر العبدري وهو محمد بن سعدون: حدّثنا أبو عبد الله الحميدي الرصافي من رصافة قرطبة، فنسب الحميدي إلى الرصافة، وأنشدني مخلص بن إبراهيم الرعيني الغرناطي الأندلسي، والله المستعان على روايته، ومات في حلب سنة 622، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد الرفاء الرصافي الشاعر من هذه الرصافة أعني رصافة قرطبة لنفسه:
سلي خميلتك الرّيّا بآية ما ... كانت ترفّ بها ريحانة الأدب
عن فتية نزلوا أعلى أسرّتها، ... عفت محاسنهم إلّا من الكتب
محافظين على العليا وربّتما ... هزّوا السجايا قليلا بابنة العنب
حتى إذا ما قضوا من كأسها وطرا ... وضاحكوها إلى حدّ من الطرب
راحوا رواحا وقد زيدت عمائمهم ... حملا ودارت على أبهى من الشهب
لا يظهر السكر حالا من ذوائبهم ... إلّا التفاف الصّبا في ألسن العذب
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.