Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: أرد

علم الْمصدر

علم الْمصدر: بِفَتْح الأول وَالثَّانِي هُوَ اسْم الْمصدر كالسبحان فَإِنَّهُ علم التَّسْبِيح مَوْضُوع لَهُ كوضع الْإِعْلَام لَا مصدر فَمَعْنَاه لفظ التَّسْبِيح وَمعنى التَّسْبِيح بِالْفَارِسِيَّةِ (باكى يادكردن) كالإسلام اسْم التَّسْلِيم، والوجهة اسْم التَّوَجُّه فَإِن أردْــت زِيَادَة الْبَيَان فَانْظُر فِي السبحان.

الْغَالِب

الْغَالِب: وَالْفرق بَين الْغَالِب وَالْكثير أَن مَا لَيْسَ بِكَثِير نَادِر وكل مَا لَيْسَ بغالب لَيْسَ نَادِر بل قد يكون كثيرا وَاعْتبر بِالصِّحَّةِ وَالْمَرَض والجذام فَإِن الأول غَالب وَالثَّانِي كثير وَالثَّالِث نَادِر.
الْغَالِب: اعْلَم أَن الْحَكِيم ارسطاطاليس قد صنع رِسَالَة الاسكندر فِي الاستعلام عَن (الْغَالِب والمغلوب) على حِسَاب الأبجدية ليستعملها من أجل الْغَلَبَة فِي الحروب وَالْخُصُومَة. وَتَكون فِيمَا بَين الْمُلُوك والأمراء وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ فِي الْخُصُومَة حِين اللجوء إِلَى الْقَضَاء وَمَا يتبعهَا من الْمُنَازعَة بَين خصمين، وَإِذا كَانَت بَين اثْنَيْنِ فَاحْسبْ اسْم كل مِنْهُمَا بِحَسب طالع وِلَادَته على حِسَاب (أبجد) ، وَإِذا كَانَ النزاع بَين مخلوقين من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين فَاحْسبْ اسْم كل مِنْهُمَا بالطريقة نَفسهَا وَإِذا كَانَ المتنازعين من جنس وَاحِد فَاحْسبْ مَعَ اسميهما اسْم (الله) ثمَّ اطرَح مِنْهُمَا تِسْعَة _ تِسْعَة، وَالْبَاقِي من الِاثْنَيْنِ على السوَاء احفظه وَانْظُر إِلَى أَي دَائِرَة ينتمي وبهذه الطَّرِيقَة يمكنك معرفَة الْغَالِب من المغلوب، وَقَالَ ارسطاطاليس يَوْمًا للاسكندر أَيهَا الْملك إِذا أردْــت أَن تعرف الْغَالِب والمغلوب من عهد آدم عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى هَذِه اللحظة، من كَانَ وَمن رَحل، فَمَا عَلَيْك سوى اتِّبَاع هَذَا الْحساب حَتَّى تعرف وَتعلم ذَلِك وَقد وزع هَذِه الرسَالَة على ثَمَانِيَة أَبْوَاب باليونانية هَذِه ترجمتها.
الْبَاب الأول: وَاحِد مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الْوَاحِد / وَاحِد مَعَ ثَمَانِيَة، الْوَاحِد يغلب الثَّمَانِية / وَاحِد مَعَ سَبْعَة، الْوَاحِد يغلب السَّبْعَة / وَاحِد مَعَ سِتَّة، السِّتَّة تغلب الْوَاحِد / وَاحِد مَعَ خَمْسَة، الْوَاحِد يغلب الْخَمْسَة / وَاحِد مَعَ أَرْبَعَة، الْوَاحِد يغلب الْأَرْبَعَة / وَاحِد مَعَ ثَلَاثَة، الْوَاحِد يغلب ثَلَاثَة / الْوَاحِد مَعَ اثْنَيْنِ، الِاثْنَيْنِ يغلب الْوَاحِد / وَاحِد مَعَ وَاحِد، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب.
الْبَاب الثَّانِي: اثْنَان مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الِاثْنَيْنِ / اثْنَان مَعَ ثَمَانِيَة، الِاثْنَان يغلب الثَّمَانِية / اثْنَان مَعَ سَبْعَة، السَّبْعَة تغلب الِاثْنَيْنِ / اثْنَان مَعَ سِتَّة، الِاثْنَان يغلب السِّتَّة / اثْنَان مَعَ خَمْسَة، الْخَمْسَة تغلب الِاثْنَيْنِ / اثْنَان مَعَ أَرْبَعَة، الِاثْنَان يغلب الْأَرْبَعَة / اثْنَان مَعَ ثَلَاثَة، الثَّلَاثَة تغلب الِاثْنَيْنِ / اثْنَان مَعَ اثْنَيْنِ، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب.
الْبَاب الثَّالِث: ثَلَاثَة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الثَّلَاثَة / ثَلَاثَة مَعَ ثَمَانِيَة، الثَّمَانِية تغلب الثَّلَاثَة / ثَلَاثَة مَعَ سَبْعَة، الثَّلَاثَة تغلب السَّبْعَة / ثَلَاثَة مَعَ سِتَّة، السِّتَّة تغلب الثَّلَاثَة / ثَلَاثَة مَعَ خَمْسَة، الثَّلَاثَة تغلب الْخَمْسَة / ثَلَاثَة مَعَ أَرْبَعَة، الْأَرْبَعَة تغلب الثَّلَاثَة / ثَلَاثَة مَعَ ثَلَاثَة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب.
الْبَاب الرَّابِع: أَرْبَعَة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الْأَرْبَعَة / أَرْبَعَة مَعَ ثَمَانِيَة، الْأَرْبَعَة تغلب الثَّمَانِية / أَرْبَعَة مَعَ سَبْعَة، السَّبْعَة تغلب الْأَرْبَعَة / أَرْبَعَة مَعَ سِتَّة، الْأَرْبَعَة تغلب السِّتَّة / أَرْبَعَة مَعَ خَمْسَة، الْخَمْسَة تغلب الْأَرْبَعَة / أَرْبَعَة مَعَ أَرْبَعَة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب.
الْبَاب الْخَامِس: خَمْسَة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الْخَمْسَة / خَمْسَة مَعَ ثَمَانِيَة، الْخَمْسَة تغلب الثَّمَانِية / خَمْسَة مَعَ سَبْعَة، السَّبْعَة تغلب الْخَمْسَة / خَمْسَة مَعَ سِتَّة، الْخَمْسَة تغلب السِّتَّة / خَمْسَة مَعَ خَمْسَة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب.
الْبَاب السَّادِس: سِتَّة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب السِّتَّة / سِتَّة مَعَ ثَمَانِيَة، السِّتَّة تغلب الثَّمَانِية / سِتَّة مَعَ سَبْعَة، السَّبْعَة تغلب الثَّمَانِية / سِتَّة مَعَ سِتَّة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب.
الْبَاب السَّابِع: سَبْعَة مَعَ تِسْعَة، السَّبْعَة تغلب التِّسْعَة / سَبْعَة مَعَ ثَمَانِيَة، الثَّمَانِية تغلب السَّبْعَة / سَبْعَة مَعَ سَبْعَة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب.
الْبَاب الثَّامِن: ثَمَانِيَة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الثَّمَانِية / ثَمَانِيَة مَعَ ثَمَانِيَة، فالغلبة تكون لطَالب الْحَرْب.
وَإِذا كَانَ العددان مماثلان أَي تِسْعَة مَعَ تِسْعَة فَإِن الْأَقَل عمرا أَو الْأَصْغَر يكون الْغَالِب وَهَذَا مَا هُوَ مَذْكُور ومرقوم وتفصيله فِي هَذَا (الدوبيتي) .
(مَعَ المنافس من نفس الْجِنْس أَن تكون قَلِيلا هُوَ الْأَحْسَن ... )
(وَأَن تكون محتشما مَعَ الْمُخَالف بِالْجِنْسِ أفضل ... )
(وَإِذا كَانَ الْعدَد لكلينا هُوَ نَفسه ... )
(فَإِن الْغَلَبَة تكون للَّذي عمر أقل أَو أَصْغَر ... )
(فَإِذا مَا تساوى الْعمرَان ... )
(فَإِن الْغَلَبَة تكون لطَالب الشَّيْء ... ) وَهَذَا الْجَدْوَل يَكْفِي ويفي لهَذِهِ الحسابات:

غير الشَّيْء

غير الشَّيْء: سواهُ يُقَال هَذَا الشَّيْء غَيره أَي لَيْسَ عينه - فَإِن قيل: إِن الْمُتَكَلِّمين قَالُوا إِن صِفَات الله تَعَالَى لَا عينه وَلَا غَيره وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا ارْتِفَاع النقيضين فِي الظَّاهِر وَجمع بَينهمَا فِي الْحَقِيقَة - أما الأول فَظَاهر وَأما الثَّانِي فَلِأَن نفي الغيرية صَرِيحًا إِثْبَات العينية ضمنا وإثباتها ضمنا مَعَ نفي العينية صَرِيحًا جمع بَين النقيضين. وَكَذَا نفي العينية صَرِيحًا إِثْبَات الغيرية ضمنا وإثباتها ضمنا مَعَ نفي الغيرية صَرِيحًا جمع بَين النقيضين - فَالْجَوَاب أَن المُرَاد بِالْغَيْر عِنْدهم الْغَيْر المصطلح وَهُوَ المنفك عَن الشَّيْء فَمَعْنَى قَوْلهم إِن صِفَاته تَعَالَى لَا عينه وَلَا غَيره أَنَّهَا لَا عينه تَعَالَى وَلَا منفكة عَنهُ فَبين الْعين والغير بِهَذَا الْمَعْنى تقَابل التضاد والضدان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَكِن يرتفعان.
وَاعْلَم أَن الْغَيْر والمثل إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا مُبْتَدأ خَبره فعل مُثبت أَو منفي فَحِينَئِذٍ قد يُرَاد بهما مَا أضيفا إِلَيْهِ على الْكِنَايَة - وَإِن أردْــت التَّفْصِيل والأمثلة فاطلب فِي الْمثل فَإِن لي فِيهِ تَحْقِيقا وضابطة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
غير المنصرف: فِي المنصرف إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
غير الْمِقْدَار: فِي بَاب التَّمْيِيز يعرف بالمقايسة على الْمِقْدَار قَالَ فَاضل الْأمة نجم الْأَئِمَّة الشَّيْخ الرضي الأسترابادي رَحمَه الله وَهُوَ كل فرع يحصل لَهُ بالتفريع اسْم خَاص يَلِيهِ أَصله وَيكون بِحَيْثُ يَصح إِطْلَاق اسْم الأَصْل عَلَيْهِ نَحْو خَاتم حديدا وَهُوَ ينْتَصب عَنهُ التَّمْيِيز. وَأما الْفَرْع الَّذِي لم يحصل لَهُ اسْم خَاص فَلَا يجوز انتصاب مَا يَلِيهِ على التَّمْيِيز نَحْو قِطْعَة ذهب انْتهى.
وَلِصَاحِب المباحث: رَحمَه الله تَعَالَى ضابطة عَجِيبَة غَرِيبَة فِي خفض تَمْيِيز مُفْرد غير مِقْدَار ونصبه حَيْثُ قَالَ والضابطة أَن كل اسْم وضع بِصُورَة صناعية فِي مَادَّة كل وَاحِد مِنْهُمَا يُوجد بِدُونِ صَاحبهَا فَإِذا أفردت إِحْدَاهمَا بِالذكر الْتبس وَأبْهم مَادَّة أَو صُورَة فَإِذا ذكرتا مَعًا رفعت كل وَاحِد مِنْهُمَا إِبْهَام صَاحبهَا سَوَاء قدم اسْم الصُّورَة أَو أخر وَسَوَاء نصب اسْم الْمَادَّة أَو رفع أَو جر إِلَّا أَنه إِذا قدم اسْم الْمَادَّة لم ينْتَصب اسْم الصُّورَة على التَّمْيِيز بل يرْتَفع على الْبَدَلِيَّة وَإِذا أخر جَازَ فِيهِ الرّفْع على الْبَدَلِيَّة والجر بِالْإِضَافَة وانتصب على التَّمْيِيز وَهُوَ الْأَكْثَر لكَونه أخف وَخص اسْم التَّمْيِيز بالمنصوب اصْطِلَاحا وَإِلَّا فَمَعْنَى التَّمْيِيز حَاصِل فِي الْجَمِيع انْتهى - وَغير الْمِقْدَار عِنْد الْحُكَمَاء مَا لَا يَنْقَسِم.
غير الْمُوجب: فِي الْمُوجب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

الْفَرَائِض

(الْفَرَائِض) جمع فَرِيضَة وَعلم تعرف بِهِ قسْمَة الْمَوَارِيث الشَّرْعِيَّة
الْفَرَائِض: الْفَرْض جمع الْفَرِيضَة. وَإِن أردْــت تَحْقِيق الْفَرَائِض فَارْجِع إِلَى علم الْفَرَائِض فَإِن هُنَاكَ تحقيقات دقيقة وتدقيقات حَقِيقَة.
ثمَّ اعْلَم أَن فِي الْفَرَائِض مسَائِل عَجِيبَة لَطِيفَة. يصعب على المتعلمين الْوُصُول إِلَى أدنى مدارجها. وأجوبة غَرِيبَة يشكل على المعلمين الصعُود على أَعلَى معارجها. اذكر بَعْضهَا بعد التمَاس الأحباب. متوكلا ومستعينا بملهم الصدْق وَالصَّوَاب. فَإِن سُئِلَ عَن رجل مَاتَ وَترك أَخا أعيانيا ويرثه أَخُو امْرَأَته دون أَخِيه بِلَا مَانع شَرْعِي - فَالْجَوَاب أَن زيدا مثلا تزوج بِأم امْرَأَة أَبِيه عَمْرو فولد لزيد مِنْهَا ابْن فَمَاتَ زيد ثمَّ مَاتَ عَمْرو وَترك أَخا أعيانيا وَابْن ابْنه الَّذِي هُوَ أَخُو امْرَأَته فَالْمَال كُله لِابْنِ ابْنه دون أَخِيه.
فَإِن قيل كَيفَ أَن رجلا مَاتَ وَترك عَم أَبِيه الأعياني ويرثه خَاله دون الْعم الْمَذْكُور - قُلْنَا: تزوج زيد مثلا بِأم امْرَأَة أَخِيه عَمْرو لأَب وَأم فَولدت لَهُ ابْنا مُسَمّى ببكر وَكَانَ لعَمْرو ابْن مُسَمّى بِخَالِد وَعم أعياني أَيْضا مُسَمّى بطلحة ثمَّ مَاتَ زيد ثمَّ عَمْرو ثمَّ ابْنه خَالِد فتركته لبكر دون عَم عَمْرو أَعنِي طَلْحَة. وَإِن سُئِلَ عَن رجل وَأمه ورثا المَال نِصْفَيْنِ - فَالْجَوَاب أَن زيدا زوج ابْنَته ابْن أَخِيه فَولدت لَهُ ابْنا فَمَاتَ ابْن الْأَخ ثمَّ مَاتَ زيد وَخلف بنته وَابْنهَا الَّذِي هُوَ ابْن ابْن أَخِيه فللبنت النّصْف ولابنها النّصْف الْبَاقِي.
وَإِن سُئِلت عَن ثَلَاثَة إخْوَة لأَب وَأم ورث أحدهم ثُلثي المَال وكل من الْأَخَوَيْنِ سدسا. فَالْجَوَاب أَن الْمَيِّت امْرَأَة لَهَا ثَلَاثَة من بني الْعم أحدهم زَوجهَا فَتَصِح المسئلة من سِتَّة للزَّوْج النّصْف بالفرضية وَهُوَ ثلثه وَالْبَاقِي بَينهم أَثلَاثًا بالعصوبة. وَإِن سُئِلَ عَن رجل ترك أَربع نسْوَة فورثت إِحْدَاهُنَّ ربع المَال وَنصف ثمن وَالثَّانيَِة نصف المَال وَنصف ثمن وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة ثمن المَال. فَالْجَوَاب أَنه رجل تزوج بابنة خَالَته لأَب وَابْنَة عَمه لأَب وَابْنَة خَالَته لأم وَابْنَة عَمه لأم فَمَاتَ وَلم يتْرك وَارِثا سواهن فللنسوة الرّبع ولابنة الْخَالَة لأَب الثُّلُث ولابنة الْعم لأَب الْبَاقِي وَلَا شَيْء لابنَة الْخَالَة لأم ولابنة الْعم لأم من جِهَة الْقَرَابَة النسبية فتصحيح المسئلة من سِتَّة عشر. أَرْبَعَة أسْهم لَهُنَّ بالفرضية ولابنة الْخَالَة لأَب ثلث مَا بَقِي وَهُوَ أَرْبَعَة - ولابنة الْعم لأَب الثَّمَانِية الْبَاقِيَة فَصَارَ لابنَة الْخَالَة لأم سَهْمَان وهما ثلث جَمِيع المَال. ولابنة الْخَالَة لأَب خَمْسَة وَهُوَ ربع المَال وَنصف الثّمن.
فَإِن قيل: كَيفَ يقسم تَرِكَة من خلف خالا لِابْنِ عمته وعمة لِابْنِ خَاله قُلْنَا: إِنَّه يقسم تركته أَثلَاثًا لِأَن الأول أَبوهُ وَالثَّانيَِة أمه - فَإِن قيل أَي مسئلة تصح من تسعين وأصحابها سِتَّة يَأْخُذ وَاحِد مِنْهُم سَهْما وَاحِدًا - قُلْنَا هِيَ أم وجد وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ وإخوان وَأُخْت لأَب وَهِي من سِتَّة. وَثلث الْبَاقِي بعد سهم الْأُم وَهُوَ ثلث جَمِيع المَال خير للْجدّ فَيضْرب مخرج الثُّلُث فِي المسئلة بلغ ثَمَانِيَة عشر للْأُم ثَلَاثَة وللجد خَمْسَة وَللْأُخْت الأعيانية تِسْعَة يبْقى سهم لَا يَسْتَقِيم على خَمْسَة علاتية فَيضْرب عدد الْخَمْسَة فِي الْمبلغ الْمَذْكُور أَعنِي ثَمَانِيَة عشر بلغ تسعين فللأخوين العلاتيين أَرْبَعَة أسْهم وَللْأُخْت العلاتية سهم وَاحِد هَذِه مسئلة الْجد على مَذْهَب زيد بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
فَإِن قيل: أَي مسئلة لَا يزِيد أَصْحَابهَا على عشرَة وَلم تصح من أقل من ثَلَاثِينَ ألفا - قُلْنَا إِنَّهَا مسئلة أَربع نسْوَة وَخمْس جدات وَسبع بَنَات وَتِسْعَة إخْوَة لأَب هِيَ من أَرْبَعَة وَعشْرين وَتَصِح من ثَلَاثِينَ ألفا وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَقد اشتهرت فِيمَا بَينهم بمسئلة الامتحان.
فَإِن قيل: أَي مسئلة أخذت الْأُخْت فِيهَا دِينَارا وَأخذ الْوَرَثَة الْبَاقُونَ التَّرِكَة الْبَاقِيَة أَعنِي سِتّ مائَة دِينَار قُلْنَا إِنَّهَا مسئلة زَوْجَة وَأم وبنتين وَاثنا عشر أَخا لِأَبَوَيْنِ وأختا أعيانية. أصل المسئلة من أَرْبَعَة وَعشْرين للزَّوْجَة ثَلَاثَة وَللْأُمّ أَرْبَعَة وللبنتين سِتَّة عشر وَالْوَاحد الْبَاقِي لَا يَسْتَقِيم على الْإِخْوَة وَالْأُخْت وَعدد رُؤُوس الْإِخْوَة وَالْأُخْت خَمْسَة وَعِشْرُونَ فَتضْرب فِي المسئلة بلغ سِتّ مائَة فللزوجة خَمْسَة وَسَبْعُونَ وَللْأُمّ مائَة وللبنتين أَربع مائَة وَلكُل أَخ سَهْمَان وَللْأُخْت وَاحِد. رُوِيَ أَن هَذِه المسئلة وَقعت فِي زمَان شُرَيْح رَحمَه الله تَعَالَى فَحكم بِهَذَا الطَّرِيق فَجَاءَت الْأُخْت عليا المرتضى كرم الله وَجهه فتظلمته فَقَالَت ترك أخي سِتّ مائَة دِينَار وَلم يُعْطِنِي سوى دِينَار وَاحِد فَقَالَ عَليّ على الْفَوْر لَعَلَّ أَخَاك ترك هَذِه الْوَرَثَة فَقَالَت نعم فَقَالَ مَا ظلمك.
فَإِن قيل جَاءَت امْرَأَة عِنْد القَاضِي فَقَالَت لَهُ لَا تعجل فِي الْقِسْمَة فَإِنِّي حُبْلَى إِن أَلد أُنْثَى تَرث وَإِن أَلد ذكرا لم يَرث كَيفَ تكون هَذِه المسئلة. قُلْنَا إِن هَذِه الْمَرْأَة زَوْجَة ابْن للْمَيت وَالْوَرَثَة الظاهرون للْمَيت زوج وأبوان وَبنت. فَإِن ولدت ذكرا فَأصل المسئلة من اثْنَي عشر وتعول إِلَى ثَلَاثَة عشر فَللزَّوْج ثَلَاثَة وَلكُل من الْأَبَوَيْنِ اثْنَان وللبنت سِتَّة وَلَا شَيْء لِابْنِ الابْن. وَإِن ولدت أُنْثَى تعول المسئلة إِلَى خَمْسَة عشر إِذْ يكون للْبِنْت مَعَ بنت الابْن الثُّلُثَانِ أَي الثَّمَانِية فَيكون النّصْف أَعنِي السِّتَّة للْبِنْت وَالسُّدُس لبِنْت الابْن تَكْمِلَة للثلثين. وَيُمكن أَن تكون هَذِه الْمَرْأَة زَوْجَة الْأَب وَالْوَرَثَة الظاهرون زوج وَأم وأختان لأم. فَإِن كَانَ الْوَلَد ذكرا كَانَ أَخا لأَب فَلَا يَرث لاستكمال السِّهَام بذوي الْفُرُوض. وَإِن كَانَ أُنْثَى فلهَا النّصْف فتعول المسئلة من سِتَّة إِلَى سَبْعَة.
فَإِن قيل: إِنَّه حضر فِي مجْلِس القَاضِي وارثان فَقَالَ أَحدهمَا لآخر أَعْطِنِي نصف مَا مَعَك من التَّرِكَة ليتم لي أحد عشر دِينَارا. وَقَالَ الآخر بل أَنْت أَعْطِنِي ثلث مَا مَعَك مِنْهَا ليتم لي اثْنَا عشر دِينَارا كم كَانَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا. قُلْنَا كَانَ مَعَ الأول سِتَّة وَمَعَ الآخر عشرَة وتتم السِّتَّة بِنصْف الْعشْرَة أحد عشر وَالْعشرَة بِثلث السِّتَّة اثْنَي عشر. وَإِن سُئِلَ كَانَ لرجل ثَلَاث قطائع من الْغنم ثَانِيهَا ثَلَاثَة أَمْثَال أَولهَا وَثَالِثهَا ثَلَاثَة أَمْثَال ثَانِيهَا فأوصى لأحد بِثُلثي الأول وَثَلَاثَة أَربَاع الثَّانِيَة وَخَمْسَة أَسْدَاس الثَّالِثَة فَأعْطَاهُ القَاضِي مائَة وَخَمْسَة وَعشْرين رَأْسا كم كَانَ كل قطيعة مِنْهَا، قُلْنَا عدد القطيعة الأولى اثْنَا عشر وَعدد الثَّانِيَة سِتَّة وَثَلَاثُونَ وَعدد الثَّالِثَة مائَة وَثَمَانِية وَثلثا الأول ثَمَانِيَة وَثَلَاثَة أَربَاع الثَّانِيَة سَبْعَة وَعِشْرُونَ وَخَمْسَة أَسْدَاس الثَّالِثَة تسعون والجميع مائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ.
وَإِن قيل حضر وارثان عِنْد القَاضِي فَقَالَ أَحدهمَا إِنِّي أخذت من حِصَّة صَاحِبي عَن تَرِكَة مورثنا عشرَة إِلَّا نصف مَا أَخذه من حصتي وَصدقه الآخر. كم لكل وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر. قيل كَانَ للْأولِ على الآخر ثَمَانِيَة وَللْآخر على الأول أَرْبَعَة. وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون للْأولِ على الآخر اثْنَان وَله عَلَيْهِ ثَمَانِيَة عشر وَإِن أَرَادَ مثلا فَالْجَوَاب لَيْسَ بصواب لِأَن السَّائِل طَالب التَّعْيِين كَمَا لَا ستْرَة عَلَيْهِ وَإِن سُئِلَ أَن رجلا خلف ابْنا وبنتين وَأوصى فِي مَرضه لأَجْنَبِيّ بِمثل نصيب الابْن إِلَّا نصف مَا يبْقى من ربع المَال بعد نصِيبهَا وَلآخر بِمثل نصيب الابْن وَالْبِنْت إِلَّا سدس المَال. كم أصل التَّرِكَة وَنصِيب كل وَاحِد. فَالْجَوَاب أَن أصل المسئلة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ للِابْن سِتَّة وَلكُل بنت ثَلَاثَة وللموصى لَهُ الأول خَمْسَة وللموصى لَهُ الثَّانِي اثْنَان وللموصى لَهُ الثَّالِث خَمْسَة. وَإِن سُئِلَ عَن صُورَة يكون كل من الْمُورث وَالْوَارِث ابْن عَم الآخر وَابْن خَالَته، فَالْجَوَاب صورته أَن ينْكح رجلَانِ كل أُخْت الآخر لِأَبِيهِ وهما اخوان للْأُم فتولد لَهما ابْنَانِ. فَإِن قيل كَيفَ أَن يكون كل من الْمُورث وَالْوَارِث خالا لآخر - وَالثَّانِي عَمَّا للْأولِ. قُلْنَا ذَلِك بِأَن يتَزَوَّج رجل امْرَأَة وَابْنه أمهَا فولد لكل مِنْهُمَا ابْن فولد الرجل عَم لِابْنِ الابْن لَهُ وَولد ابْنه خَال لِابْنِ الرجل.
وَإِن قيل كَيفَ يكون الْوَارِث عَمَّا للمورث وَعَما لأمه قُلْنَا بِأَن يتَزَوَّج الْأَخ العلاتي لرجل بنت أَخِيه الأخيافي فَولدت لَهُ ولدا فَمَاتَ الْوَلَد وَخلف ذَلِك الرجل وَإِن قيل كَيفَ يَقع أَن يكون الْمُورث خالا للْوَارِث وَعَما لَهُ قُلْنَا ذَلِك بِأَن يتَزَوَّج أَبُو أبي رجل بِأم أمه فَولدت لَهُ ابْنا وَهُوَ عَم الرجل وخاله أَو تزوج الْأَخ العلاتي لشخص أُخْتا إخيافية لَهُ فَولدت ابْنا فَذَلِك الشَّخْص عَم الابْن وخاله وَإِن قيل كَيفَ يكون أَن يَقع كل من الْوَارِث والمورث عَمَّا لآخر قُلْنَا بِأَن تزوج كل من الْأَخَوَيْنِ الإخيافيين بِأم أَب الآخر فولد لَهما ابْنَانِ. وَإِن سُئِلَ عَن صُورَة يكون الْوَارِث عَمَّا للمورث وَابْن خَاله. فَالْجَوَاب أَنَّهَا بِأَن تزوج خَال الْمُورث بِأم أَبِيه فَولدت لَهُ ابْنا لَهُ وَهَذَا الابْن يكون عَم الْمُورث وَابْن خَاله أَيْضا.

فَرح الْكَوَاكِب

فَرح الْكَوَاكِب: عبارَة عَن سرورها وتأثيرها فَرحا وسرورا للْعَالم وسعادة لمولود فِي وَقت فرحها وَيكون الشُّرُوع فِي أَمر فِي ذَلِك الْوَقْت حسنا مَحْمُودًا وَلكُل كَوْكَب فَرح فَإِن للشمس مثلا فَرح إِذا كَانَت فِي الدرجَة الثَّالِثَة من الْأسد أَو الدَّلْو أَو الْحمل أَو الْمِيزَان. وَإِن أردْــت أَن تعرف دَرَجَات فَرح سَائِر الْكَوَاكِب فَارْجِع إِلَى شرف الْكَوَاكِب فَإِن هُنَاكَ جد وَلَا يفرحك فَرحا عَظِيما.

فصل الْجَوْهَر جَوْهَر

فصل الْجَوْهَر جَوْهَر: إِذْ لَو كَانَ فصل الْجَوْهَر عرضا وَقد علمت أَن الْفَصْل يكون عِلّة لتقوم الْجِنْس لزم زِيَادَة الْفَرْع على الأَصْل الَّذِي هُوَ الْفَصْل لكَونه عِلّة لَهُ. وَقَالُوا أَيْضا إِن الْعرض لَا يكون عِلّة محصلة للجوهر فَلَا يتقوم الْجَوْهَر إِذْ الْعرض طبيعة ناعتة وبماهيته يفْتَقر إِلَى مُطلق الْمَوْضُوع والجوهر طبيعة منعوتة وَلَا فاقة لَهُ إِلَيْهِ بماهيته أصلا وَالْجِنْس والفصل فِي القوام والوجود شَيْء وَاحِد فيستحيل أَن يكون أَحدهمَا بطبيعته نعتا مفتاقا مستدعيا للوجود الرابطي وَالْآخر جوهرا مستدعيا للوجود فِي نَفسه مستغنيا فِي وجوده عَن غَيره وَإِلَّا يلْزم أَن تكون الْمَاهِيّة الْوَاحِدَة محتاجة فِي حد ذَاتهَا ومستغنية كَذَلِك.
قَالَ القَاضِي محب الله فِي حَوَاشِيه على السّلم: فَإِن قيل كَيفَ يكون الْجِنْس والفصل شَيْئا وَاحِدًا متحدا فِي الْوُجُود على تَقْدِير كَونهمَا جوهرين أَيْضا وَقد قَالَ الشَّيْخ فِي الهيئات (الشِّفَاء) إِن من الْمحَال أَن يتحد الجوهران. قُلْنَا: لَيْسَ هُنَا جوهران متعددان ثمَّ اتحدا بل جَوْهَر وَاحِد مَوْجُود لوُجُود الْجِنْس والفصل كَمَا قَالَ الشَّيْخ فِي تَحْدِيد الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق أَنه يفهم مِنْهُ شَيْء هُوَ بِعَيْنِه الْحَيَوَان الَّذِي ذَلِك الْحَيَوَان بِعَيْنِه النَّاطِق نعم لَو فرض وجودهما منفردين كَانَا جوهرين متعددين موجودين بوجودين متغائرين بِخِلَاف الْعرض والعرضي فَإِنَّهُ لَا قابلية لَهما بذاتيهما للوجود انفرادا وَإِن كَانَا الْآن متحدين مَعَ المعروض وَالْمحل هَذَا هُوَ الْفرق فاحفظ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا تَجدهُ من غَيرنَا انْتهى.
فالجنس والفصل متحدان بِالذَّاتِ بِحَسب الْوُجُود كَمَا أَن الْعرض وَالْمحل متحدان بِحَسبِهِ بِالذَّاتِ وَلَيْسَ الْفرق إِلَّا بِاعْتِبَار قابلية الْوُجُود الْمُنْفَرد وَعدمهَا وَمَا ذكرنَا أَن فصل الْجَوْهَر لَا يكون إِلَّا جوهرا مَذْهَب الْمَشَّائِينَ. وَأما الإشراقيون فقد جوزوا كَون فُصُول الْجَوْهَر عرضا مُتَمَسِّكِينَ بالسرير فَإِنَّهُ مَجْمُوع قطعات الْخشب والهيئة الوحدانية لَا الْمركب مِنْهُمَا وبالجسم فَإِنَّهُ مركب من جَوْهَر وَعرض هُوَ الْمِقْدَار. وَالْجَوَاب أَن السرير هِيَ القطعات الخشبية المعروضة للهيئة الوحدانية لَا الْمركب مِنْهُمَا. وَأما الْجِسْم فَهُوَ الْمركب من الهيولى وَالصُّورَة الجسمية الجوهرية كَمَا بَين فِي كتب الْحِكْمَة المشائية.
وَإِن أردْــت تَحْقِيق الْعرض والعرضي فَانْظُر فِي أَن الْعرض أَعم من العرضي.

الْقدر

(الْقدر) الْمِقْدَار يُقَال هم قدر مائَة وَيُقَال جَاءَ الشَّيْء على قدر الشَّيْء وَافقه وساواه ومساوي الشَّيْء من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان يُقَال هَذَا قدر هَذَا وَالْحُرْمَة وَالْوَقار يُقَال لَهُ عِنْدِي قدر (ج) أقدار
وَسورَة الْقدر من سُورَة الْقُرْآن الْكَرِيم
وَلَيْلَة الْقدر لَيْلَة مباركة من شهر رَمَضَان أنزل فِيهَا الْقُرْآن الْكَرِيم

(الْقدر) إِنَاء يطْبخ فِيهِ (مُؤَنّثَة وَقد تذكر) وَالْقدر الكاتمة وعَاء للطبخ مُحكم الغطاء لإنضاج الطَّعَام فِي أقصر مُدَّة وَذَلِكَ بكتم البخار (مج)(ج) قدور

(الْقدر) مِقْدَار الشَّيْء وحالاته الْمقدرَة لَهُ وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} وَوقت الشَّيْء أَو مَكَانَهُ الْمُقدر لَهُ وَالْقَضَاء الَّذِي يقْضِي بِهِ الله على عباده (ج) أقدار
الْقدر: بِالْفَتْح مِقْدَار الشَّيْء ومرتبته. وبالكسر وَسُكُون الثَّانِي (ديكك) . وبالفتحتين (اندازه وآفريدن ونوشتن وتواناشدن) . وَفِي الِاصْطِلَاح تعلق الْإِرَادَة الذاتية بالأشياء فِي أَوْقَاتهَا الْخَاصَّة فَتعلق كل حَال من أَحْوَال الْأَعْيَان بِزَمَان معِين وَسبب معِين عبارَة عَن الْقدر وَيُقَال لكل شَيْء فِي الْأَزَل قَضَاء وَقدر. وَقَالَ بَعضهم بِالْفرقِ بَينهمَا بِأَن الحكم الْكُلِّي الأزلي قَضَاء. وَحكم جزئياته قدر يَعْنِي أَن الْقَضَاء فِي مرتبَة الْإِجْمَال وَالْقدر فِي مرتبَة التَّفْصِيل. وَإِن أردْــت تَفْصِيل الْقدر فَانْظُر فِي الْجَبْر.
وَعند أَرْبَاب السلوك الْقَضَاء عبارَة عَن حكم كلي على أَعْيَان الموجودات بأحوال جَارِيَة وَأَحْكَام طارية عَلَيْهَا من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْقَضَاء. وَالْقدر عبارَة عَن تَفْصِيل هَذَا الحكم الْكُلِّي بِأَن يخصص إِيجَاد الْأَعْيَان بأوقات وأزمان يَقْتَضِي استعدادها وُقُوعهَا فِيهَا وَأَن يعلق كل حَال من أحوالها بِزَمَان معِين وَنسبَة مَخْصُوصَة.

دِمَشْقُ الشّام

دِمَشْقُ الشّام:
بكسر أوله، وفتح ثانيه، هكذا رواه الجمهور، والكسر لغة فيه، وشين معجمة، وآخره قاف: البلدة المشهورة قصبة الشام، وهي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة ونضارة بقعة وكثرة فاكهة ونزاهة رقعة وكثرة مياه ووجود مآرب، قيل: سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا، وناقة دمشق، بفتح الدال وسكون الميم: سريعة، وناقة دمشقة اللحم: خفيفة، قال الزّفيان:
وصاحبي ذات هباب دمشق
قال صاحب الزيج: دمشق طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة ونصف، وهي في الإقليم الثالث، وقال أهل السير: سمّيت دمشق بدماشق بن قاني بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام، فهذا قول ابن الكلبي، وقال في موضع آخر: ولد يقطان بن عامر سالف وهم السلف وهو الذي بنى قصبة دمشق، وقيل: أول من بناها بيوراسف، وقيل: بنيت دمشق على رأس ثلاثة آلاف ومائة وخمس وأربعين سنة من جملة الدهر الذي يقولون إنه سبعة آلاف سنة، وولد إبراهيم الخليل، عليه السلام، بعد بنائها بخمس سنين، وقيل:
إن الذي بنى دمشق جيرون بن سعد بن عاد بن إرم ابن سام بن نوح، عليه السلام، وسماها إرم ذات العماد، وقيل: إن هودا، عليه السلام، نزل دمشق وأسس الحائط الذي في قبلي جامعها، وقيل: إن العازر غلام إبراهيم، عليه السلام، بنى دمشق وكان حبشيّا وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان يسمّى الغلام دمشق فسماها باسمه،
وكان إبراهيم، عليه السلام، قد جعله على كلّ شيء له، وسكنها الروم بعد ذلك، وقال غير هؤلاء:
سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها، وكان معه إبراهيم، كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجّى الله تعالى إبراهيم من النار، وقال آخرون: سميت بدمشق بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهو أخو فلسطين وأيلياء وحمص والــأردنّ، وبنى كلّ واحد موضعا فسمي به، وقال أهل الثقة من أهل السير: إن آدم، عليه السلام، تكان ينزل في موضع يعرف الآن ببيت انات وحوّاء في بيت لهيا وهابيل في مقرى، وكان صاحب غنم، وقابيل في قنينة، وكان صاحب زرع، وهذه المواضع حول دمشق، وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة يوضع عليها القربان فما يقبل منه تنزل نار تحرقه وما لا يقبل بقي على حاله، فكان هابيل قد جاء بكبش سمين من غنمه فوضعه على الصخرة فنزلت النار فأحرقته، وجاء قابيل بحنطة من غلّته فوضعها على الصخرة فبقيت على حالها، فحسد قابيل أخاه وتبعه إلى الجبل المعروف بقاسيون المشرف على بقعة دمشق وأراد قتله، فلم يدر كيف يصنع فأتاه إبليس فأخذ حجرا وجعل يضرب به رأسه فلما رآه أخذ حجرا فضرب به رأس أخيه فقتله على جبل قاسيون، وأنا رأيت هناك حجرا عليه شيء كالدم يزعم أهل الشام أنه الحجر الذي قتله به، وأن ذلك الاحمرار الذي عليه أثر دم هابيل، وبين يديه مغارة تزار حسنة يقال لها مغارة الدم، لذلك رأيتها في لحف الجبل الذي يعرف بجبل قاسيون.
وقد روى بعض الأوائل أن مكان دمشق كان دارا لنوح، عليه السلام، ومنشأ خشب السفينة من جبل لبنان وأنّ ركوبه في السفينة كان من عين الجرّ من ناحية البقاع، وقد روي عن كعب الأحبار:
أن أوّل حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق وحرّان، وفي الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل: أن دار شدّاد بن عاد بدمشق في سوق التين يفتح بابها شأما إلى الطريق وأنه كان يزرع له الريحان والورد وغير ذلك فوق الأعمدة بين القنطرتين قنطرة دار بطّيخ وقنطرة سوق التين، وكانت يومئذ سقيفة فوق العمد، وقال أحمد بن الطيب السرخسي: بين بغداد ودمشق مائتان وثلاثون فرسخا.
وقالوا في قول الله عز وجل: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ 23: 50، قال: هي دمشق ذات قرار وذات رخاء من العيش وسعة ومعين كثيرة الماء، وقال قتادة في قول الله عز وجل والتين قال: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس، وطور سينين: شعب حسن، وهذا البلد الأمين: مكة، وقيل: إرم ذات العماد دمشق، وقال الأصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الأبلّة، وحشوش الدنيا ثلاثة:
الأبلّة وسيراف وعمان، وقال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر الأديب: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان وجزيرة الأبلّة، وقد رأيتها كلها وأفضلها دمشق، وفي الأخبار: أنّ إبراهيم، عليه السلام، ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون، وعن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إنّ عيسى، عليه السلام، ينزل عند المنارة البيضاء من شرقي دمشق، ويقال: إنّ المواضع الشريفة بدمشق التي يستجاب فيها الدعاء مغارة الدم في جبل قاسيون،
ويقال: إنها كانت مأوى الأنبياء ومصلّاهم، والمغارة التي في جبل النّيرب يقال: إنها كانت مأوى عيسى، عليه السلام، ومسجدا إبراهيم، عليه السلام، أحدهما في الأشعريّين والآخر في برزة، ومسجد القديم عند القطيعة، ويقال: إن هنا قبر موسى، عليه السلام، ومسجد باب الشرقي الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلّم: إن عيسى، عليه السلام، ينزل فيه، والمسجد الصغير الذي خلف جيرون يقال إنّ يحيى بن زكرياء، عليه السلام، قتل هناك، والحائط القبلي من الجامع يقال إنه بناه هود، عليه السلام، وبها من قبور الصحابة ودورهم المشهورة بهم ما ليس في غيره من البلدان، وهي معروفة إلى الآن.
قال المؤلف: ومن خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها كثرة الأنهار بها وجريان الماء في قنواتها، فقلّ أن تمرّ بحائط إلّا والماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يشرب منه ويستقي الوارد والصادر، وما رأيت بها مسجدا ولا مدرسة ولا خانقاها إلّا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان ويسحّ في ميضأة، والمساكن بها عزيزة لكثرة أهلها والساكنين بها وضيق بقعتها، ولها ربض دون السور محيط بأكثر البلد يكون في مقدار البلد نفسه، وهي في أرض مستوية تحيط بها من جميع جهاتها الجبال الشاهقة، وبها جبل قاسيون ليس في موضع من المواضع أكثر من العبّاد الذين فيه، وبها مغاور كثيرة وكهوف وآثار للأنبياء والصالحين لا توجد في غيرها، وبها فواكه جيدة فائقة طيبة تحمل إلى جميع ما حولها من البلاد من مصر إلى حرّان وما يقارب ذلك فتعمّ الكل، وقد وصفها الشعراء فأكثروا، وأنا أذكر من ذلك نبذة يسيرة، وأما جامعها فهو الذي يضرب به المثل في حسنه، وجملة الأمر أنه لم توصف الجنة بشيء إلا وفي دمشق مثله، ومن المحال أن يطلب بها شيء من جليل أعراض الدنيا ودقيقها إلا وهو فيها أوجد من جميع البلاد، وفتحها المسلمون في رجب سنة 14 بعد حصار ومنازلة، وكان قد نزل على كلّ باب من أبوابها أمير من المسلمين فصدمهم خالد بن الوليد من الباب الشرقي حتى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة، وكان كل واحد منهم على ربع من الجيش، فسألوهم الأمان فأمنوهم وفتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، ودخل خالد من الباب الشرقي بالقهر، وملكوهم وكتبوا إلى عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، بالخبر وكيف جرى الفتح، فأجراها كلها صلحا.
وأما جامعها فقد وصفه بعض أهل دمشق فقال:
هو جامع المحاسن كامل الغرائب معدود إحدى العجائب، قد زوّر بعض فرشه بالرخام وألّف على أحسن تركيب ونظام، وفوق ذلك فصّ أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة، بساطه يكاد يقطر ذهبا ويشتعل لهبا، وهو منزه عن صور الحيوان إلى صنوف النبات وفنون الأغصان لكنها لا تجنى إلا بالأبصار ولا يدخل عليها الفساد كما يدخل على الأشجار والثمار بل باقية على طول الزمان مدركة بالعيان في كلّ أوان، لا يمسها عطش مع فقدان القطر ولا يعتريها ذبول مع تصاريف الدهر، وقالوا: عجائب الدنيا أربع: قنطرة سنجة ومنارة الإسكندرية وكنيسة الرّها ومسجد دمشق، وكان قد بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان ذا همّة في عمارة المساجد، وكان الابتداء بعمارته في سنة 87، وقيل سنة 88، ولما أراد بناءه جمع نصارى دمشق وقال لهم: إنّا نريد أن نزيد في مسجدنا كنيستكم، يعني كنيسة يوحنا، ونعطيكم 30- 2 معجم البلدان دار صادر
كنيسة حيث شئتم وإن شئتم أضعفنا لكم الثمن، فأبوا وجاءوا بكتاب خالد بن الوليد والعهد وقالوا:
إنّا نجد في كتبنا أنه لا يهدمها أحد إلا خنق، فقال لهم الوليد: فأنا أول من يهدمها، فقام وعليه قباء أصفر فهدم وهدم الناس ثم زاد في المسجد ما أراده واحتفل في بنائه بغاية ما أمكنه وسهل عليه إخراج الأموال وعمل له أربعة أبواب: في شرقيه باب جيرون وفي غربيه باب البريد وفي القبلة باب الزيادة وباب الناطفانيين مقابله وباب الفراديس في دبر القبلة، وذكر غيث بن علي الأرمنازي في كتاب دمشق على ما حدثني به الصاحب جمال الدين الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني، أدام الله أيامه:
أن الوليد أمر أن يستقصى في حفر أساس حيطان الجامع، فبينما هم يحفرون إذ وجدوا حائطا مبنيّا على سمت الحفر سواء فأخبروا الوليد بذلك وعرّفوه إحكام الحائط واستأذنوه في البنيان فوقه، فقال: لا أحب إلا الإحكام واليقين فيه ولست أثق بإحكام هذا الحائط حتى تحفروا في وجهه إلى أن تدركوا الماء فإن كان محكما مرضيّا فابنوا عليه وإلا استأنفوه، فحفروا في وجه الحائط فوجدوا بابا وعليه بلاطة من حجر مانع وعليها منقور كتابة، فاجتهدوا في قراءتها حتى ظفروا بمن عرّفهم أنه من خط اليونان وأن معنى تلك الكتابة ما صورته: لما كان العالم محدثا لاتصال أمارات الحدوث به وجب أن يكون له محدث لهؤلاء كما قال ذو السنين وذو اللحيين فوجدت عبادة خالق المخلوقات حينئذ أمر بعمارة هذا الهيكل من صلب ماله محبّ الخير على مضي سبعة آلاف وتسعمائة عام لأهل الأسطوان فإن رأى الداخل إليه ذكر بانيه بخير فعل والسلام، وأهل الأسطوان:
قوم من الحكماء الأول كانوا ببعلبك، حكى ذلك أحمد بن الطيب السرخسي الفيلسوف، ويقال: إن الوليد أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين وحملت إليه الحسبانات بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيرا فأمر بإحراقها ولم ينظر فيها وقال: هو شيء أخرجناه لله فلم نتبعه، ومن عجائبه أنه لو عاش الإنسان مائة سنة وكان يتأمله كل يوم لرأى فيه كل يوم ما لم يره في سائر الأيام من حسن صنائعه واختلافها، وحكي أنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصنّاع فيه ستة آلاف دينار، وضج الناس استعظاما لما أنفق فيه وقالوا: أخذ بيوت أموال المسلمين وأنفقها فيما لا فائدة لهم فيه، قال: فخاطبهم وقال بلغني أنكم تقولون وتقولون وفي بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة إذا لم تدخل لكم فيها حبة قمح، فسكت الناس، وقيل: إنه عمل في تسع سنين، وكان فيه عشرة آلاف رجل في كل يوم يقطعون الرخام، وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب، فلما فرغ أمر الوليد أن يسقّف بالرصاص فطلب من كل البلاد وبقيت قطعة منه لم يوجد لها رصاص إلا عند امرأة وأبت أن تبيعه إلا بوزنه ذهبا فقال: اشتروه منها ولو بوزنه مرتين، ففعلوا فلما قبضت الثمن قالت: إني ظننت أن صاحبكم ظالم في بنائه هذا، فلما رأيت إنصافه فأشهدكم أنه لله! وردّت الثمن، فلما بلغ ذلك إلى الوليد أمر أن يكتب على صفائح المرأة لله ولم يدخله فيما كتب عليه اسمه، وأنفق على الكرمة التي في قبلته سبعين ألف دينار، وقال موسى بن حمّاد البربري: رأيت في مسجد دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفورا سورة:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ 102: 1 إلى آخرها، ورأيت جوهرة حمراء ملصقة في القاف التي في قوله تعالى: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 2، فسألت عن ذلك: فقيل لي إنه كانت للوليد بنت وكانت هذه الجوهرة لها فماتت فأمرت أمها أن تدفن
هذه الجوهرة معها في قبرها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 1- 2، ثم حلف لأمها أنه قد أودعها المقابر فسكتت.
وحكى الجاحظ في كتاب البلدان قال: قال بعض السلف ما يجوز أن يكون أحد أشدّ شوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرونه من حسن مسجدهم، وهو مبنيّ على الأعمدة الرخام طبقتين، الطبقة التحتانية أعمدة كبار والتي فوقها صغار في خلال ذلك صورة كلّ مدينة وشجرة في الدنيا بالفسيفساء الذهب والأخضر والأصفر، وفي قبليّه القبّة المعروفة بقبة النسر، ليس في دمشق شيء أعلى ولا أبهى منظرا منها، ولها ثلاث منائر إحداها، وهي الكبرى، كانت ديدبانا للروم وأقرت على ما كانت عليه وصيّرت منارة، ويقال في الأخبار: إن عيسى، عليه السلام، ينزل من السماء عليها، ولم يزل جامع دمشق على تلك الصورة يبهر بالحسن والتنميق إلى أن وقع فيه حريق في سنة 461 فأذهب بعض بهجته، وهذا ما كان في صفته، قال أبو المطاع بن حمدان في وصف دمشق:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها، ... فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلّا استخفني ... إلى بردى والنّيربين حنين
وقد كان شكّي في الفراق يروعني، ... فكيف أكون اليوم وهو يقين؟
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم، ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
وقال الصّنوبري:
صفت دنيا دمشق لقاطنيها، ... فلست ترى بغير دمشق دنيا
تفيض جداول البلّور فيها ... خلال حدائق ينبتن وشيا
مكللة فواكههنّ أبهى ال ... مناظر في مناظرنا وأهيا
فمن تفاحة لم تعد خدّا، ... ومن أترجّة لم تعد ثديا
وقال البحتري:
أمّا دمشق فقد أبدت محاسنها، ... وقد وفى لك مطريها بما وعدا
إذا أردت ملأت العين من بلد ... مستحسن وزمان يشبه البلدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا، ... ويصبح النبت في صحرائها بددا
فلست تبصر إلا واكفا خضلا، ... أو يانعا خضرا أو طائرا غردا
كأنما القيظ ولّى بعد جيئته، ... أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحسين بن النّقّار يمدح دمشق:
سقى الله ما تحوي دمشق وحيّاها، ... فما أطيب اللذات فيها وأهناها!
نزلنا بها واستوقفتنا محاسن ... يحنّ إليها كلّ قلب ويهواها
لبسنا بها عيشا رقيقا رداؤه، ... ونلنا بها من صفوة اللهو أعلاها
وكم ليلة نادمت بدر تمامها ... تقضّت، وما أبقت لنا غير ذكراها
فآها على ذاك الزمان وطيبه، ... وقلّ له من بعده قولتي واها!
فيا صاحبي إمّا حملت رسالة ... إلى دار أحباب لها طاب مغناها
وقل ذلك الوجد المبرِّح ثابت، ... وحرمة أيام الصّبا ما أضعناها
فإن كانت الأيام أنست عهودنا، ... فلسنا على طول المدى نتناساها
سلام على تلك المعاهد، إنها ... محطّ صبابات النفوس ومثواها
رعى الله أياما تقضّت بقربها، ... فما كان أحلاها لديها وأمراها!
وقال آخر في ذمّ دمشق:
إذا فاخروا قالوا مياه غزيرة ... عذاب، وللظامي سلاف مورّق
سلاف ولكن السراجين مزجها، ... فشاربها منها الخرا يتنشق
وقد قال قوم جنة الجلد جلّق، ... وقد كذبوا في ذا المقال ومخرقوا
فما هي إلا بلدة جاهليّة، ... بها تكسد الخيرات والفسق ينفق
فحسبهم جيرون فخرا وزينة، ... ورأس ابن بنت المصطفى فيه علّقوا
قال: ولما ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، قال: إني أرى في أموال مسجد دمشق كثرة قد أنفقت في غير حقها فأنا مستدرك ما استدركت منها فردت إلى بيت المال، أنزع هذا الرخام والفسيفساء وأنزع هذه السلاسل وأصيّر بدلها حبالا، فاشتدّ ذلك على أهل دمشق حتى وردت عشرة رجال من ملك الروم إلى دمشق فسألوا أن يؤذن لهم في دخول المسجد، فأذن لهم أن يدخلوا من باب البريد، فوكل بهم رجلا يعرف لغتهم ويستمع كلامهم وينهي قولهم إلى عمر من حيث لا يعلمون، فمروا في الصحن حتى استقبلوا القبلة فرفعوا رؤوسهم إلى المسجد فنكس رئيسهم رأسه واصفرّ لونه، فقالوا له في ذلك فقال: إنّا كنّا معاشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل فلما رأيت ما بنوا علمت أن لهم مدّة لا بدّ أن يبلغوها، فلما أخبر عمر بن عبد العزيز بذلك قال: إني أرى مسجدكم هذا غيظا على الكفار، وترك ما همّ به، وقد كان رصّع محرابه بالجواهر الثمينة وعلّق عليه قناديل الذهب والفضة.
وبدمشق من الصحابة والتابعين وأهل الخير والصلاح الذين يزارون في ميدان الحصى، وفي قبلي دمشق قبر يزعمون أنه قبر أمّ عاتكة أخت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعنده قبر يروون أنه قبر صهيب الرومي وأخيه، والمأثور أن صهيبا بالمدينة، وأيضا بها مشهد التاريخ في قبلته قبر مسقوف بنصفين وله خبر مع عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي قبلي الباب الصغير قبر بلال بن حمامة وكعب الأحبار وثلاث من أزواج النبي، صلى الله عليه وسلّم، وقبر فضّة جارية فاطمة، رضي الله عنها، وأبي الدرداء وأمّ الدرداء وفضالة بن عبيد وسهل بن الحنظليّة وواثلة ابن الأسقع وأوس بن أوس الثقفي وأمّ الحسن بنت جعفر الصادق، رضي الله عنه، وعليّ بن عبد الله بن العباس وسلمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس وزوجته أم الحسن بنت عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وخديجة بنت زين العابدين وسكينة بنت الحسين، والصحيح أنها بالمدينة، ومحمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، وبالجابية قبر أويس القرني، وقد زرناه بالرّقّة، وله مشهد بالإسكندرية وبديار بكر
والأشهر الأعرف أنه بالرقة لأنه قتل فيما يزعمون مع عليّ بصفّين، ومن شرقي البلد قبر عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب، وهذه القبور هكذا يزعمون فيها، والأصحّ الأعرف الذي دلّت عليه الأخبار أن أكثر هؤلاء بالمدينة مشهورة قبورهم هناك، وكان بها من الصحابة والتابعين جماعة غير هؤلاء، قيل إن قبورهم حرثت وزرعت في أول دولة بني العباس نحو مائة سنة فدرست قبورهم فادّعى هؤلاء عوضا عما درس، وفي باب الفراديس مشهد الحسين بن عليّ، رضي الله عنهما، وبظاهر المدينة عند مشهد الخضر قبر محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، رضي الله عنه، وبدمشق عمود العسر في العليين يزعمون أنهم قد خرّبوه وعمود آخر عند الباب الصغير في مسجد يزار وينذر له، وبالجامع من شرقيه مسجد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومشهد عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، ومشهد الحسين وزين العابدين، وبالجامع مقصورة الصحابة وزاوية الخضر، وبالجامع رأس يحيى بن زكرياء، عليه السلام، ومصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قالوا إنه خطه بيده، ويقولون إن قبر هود، عليه السلام، في الحائط القبلي، والمأثور أنه بحضرموت، وتحت قبة النسر عمودان مجزّعان زعموا أنهما من عرش بلقيس، والله أعلم، والمنارة الغربية بالجامع هي التي تعبّد فيها أبو حامد الغزّالي وابن تومرت ملك الغرب، قيل إنها كانت هيكل النار وإن ذؤابة النار تطلع منها، وسجد لها أهل حوران، والمنارة الشرقية يقال لها المنارة البيضاء التي ورد أن عيسى بن مريم، عليه السلام، ينزل عليها، وبها حجر يزعمون أنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى بن عمران، عليه السلام، فانبجست منه اثنتا عشرة عينا، ويقال إن المنارة التي ينزل عندها عيسى، عليه السلام، هي التي عند كنيسة مريم بدمشق، وبالجامع قبة بيت المال الغربية يقال إن فيها قبر عائشة، رضي الله عنها، والصحيح أن قبرها بالبقيع، وعلى باب الجامع المعروف بباب الزيادة قطعة رمح معلّقة يزعمون أنها من رمح خالد ابن الوليد، رضي الله عنه، وبدمشق قبر العبد الصالح محمود بن زنكي ملك الشام وكذلك قبر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالكلاسة في الجامع.
وأما المسافات بين دمشق وما يجاورها فمنها إلى بعلبكّ يومان وإلى طرابلس ثلاثة أيام وإلى بيروت ثلاثة أيام وإلى صيدا ثلاثة أيام وإلى أذرعات أربعة أيام وإلى أقصى الغوطة يوم واحد وإلى حوران والبثنيّة يومان وإلى حمص خمسة أيام وإلى حماة ستة أيام وإلى القدس ستة أيام وإلى مصر ثمانية عشر يوما وإلى غزّة ثمانية أيام وإلى عكا أربعة أيام وإلى صور أربعة أيام وإلى حلب عشرة أيام، وممن ينسب إليها من أعيان المحدّثين عبد العزيز بن أحمد ابن محمد بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز أبو محمد التميمي الدمشقي الكناني الصوفي الحافظ، سمع الكثير وكتب الكثير ورحل في طلب الحديث، وسمع بدمشق أبا القاسم صدقة بن محمد بن محمد القرشي وتمّام بن محمد وأبا محمد بن أبي نصر وأبا نصر محمد بن أحمد بن هارون الجندي وعبد الوهاب ابن عبد الله بن عمر المرّي وأبا الحسين عبد الوهاب ابن جعفر الميداني وغيرهم، ورحل إلى العراق فسمع محمد بن مخلّد وأبا عليّ بن شاذان وخلقا سواهم، ونسخ بالموصل ونصيبين ومنبج كثيرا، وجمع جموعا، وروى عنه أبو بكر الخطيب وأبو نصر الحميدي وأبو القاسم النسيب وأبو محمد الأكفاني
وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم، وكان ثقة صدوقا، قال ابن الأكفاني: ولد شيخنا عبد العزيز بن الكناني في رجب سنة 389، وبدأ بسماع الحديث في سنة 407، ومات في سنة 466، وقد خرّج عنه الخطيب في عامّة مصنفاته، وهو يقول: حدثني عبد العزيز بن أبي طاهر الصوفي، وأبو زرعة عبد الرحمن ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو البصري الدمشقي الحافظ المشهور شيخ الشام في وقته، رحل وروى عن أبي نعيم وعفان ويحيى بن معين وخلق لا يحصون، وروى عنه من الأئمة أبو داود السجستاني وابنه أبو بكر بن أبي داود وأبو القاسم بن أبي العقب الدمشقي وعبدان الأوزاعي ويعقوب بن سفيان الفسوي، ومات سنة 281، وينسب إليها من لا يحصى من المسلمين، وألّف لها الحافظ ابن عساكر تاريخا مشهورا في ثمانين مجلدة، وممن اشتهر بذلك فلا يعرف إلا بالدمشقي، يوسف بن رمضان بن بندار أبو المحاسن الدمشقي الفقيه الشافعي، كان أبوه قرقوبيّا من أهل مراغة، وولد يوسف بدمشق وخرج منها بعد البلوغ إلى بغداد، وصحب أسعد الميهني وأعاد له بعض دروسه، ثم ولي تدريس النظامية ببغداد مدّة وبنيت له مدرسة بباب الأزج، وكان يذكر فيها الدرس، ومدرسة أخرى عند الطّيوريّين ورحبة الجامع، وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي ببغداد في وقته، وحدث بشيء يسير عن أبي البركات هبة الله بن أحمد البخاري وأبي سعد إسماعيل بن أبي صالح، وعقد مجلس التذكير ببغداد، وأرسله المستنجد إلى شملة أمير الأشتر من قهستان، فأدركته وفاته وهو في الرسالة في السادس والعشرين من شوال سنة 563.

عَكْرَدَ 

عَكْرَدَ البَعيرُ: سَمِنَ وغَلُظَ، وقيل: قَوِيَ. وعَكْرَدَتْ ناقَتي عُكْرَدَةً: كأنَّكَ أرَدْــتَ أنْ تَرْكَبَ بها وَجْهاً فَرَجَعَتْ قِبَلَ أُلاّفِها وأنتَ كَارِهٌ. والغُلاَمُ المُتَقَارِبُ الحُلُمِ: عُكْرُدٌ وعُكَرِدٌ.

ابن الله والربّ والأب 

ابن الله والربّ والأب
كلمة الابن في العبرانية تستعمل لمعنيين:
1 - للنسبة، كابن السبيل، وابن الليل ، أو كابن صبح ، وابن حَول وسنة.
2 - للعبد، كالرجل، والفتى، والغلام.
ولفظ "الابن" ليس كلفظ "الولد"، فإنّ "الولد" صريح في الابنيّة ولذلك ترى في القرآن لم يشنّع إلاّ على لفظ "الولد"، وبيّن أنّ في استعمال لفظ "الابن" مضاهاةً بالكفر، فينبغي أن يُجتنَب. كما أنّ لفظ "الربّ" يشابه المعبود، فبيّن في القرآن أنهم أفرطوا في هذين اللفظين. وبيان ذلك تحت آية ... .
وهاهنا نورد أمثلةً من كتب اليهود والنصارى، لكي يتبيّن لك ما ذكرنا. ونورد ترجمتهم الباطلة بإزاء ترجمة صحيحة:
المزمور 82
ترجمتهم الباطلة
الله قائم في مجمع الله . في وسط الآلهة
يقضي. حتى متى تقضون جوراً وترفعون
وجوه الأشرار. اقضوا للذليل ولليتيم.
أنصفوا المسكين والبائس. نجّوا المسكين
والفقير. من يد الأشرار أنقذوا. لا يعلمون
ولا يفهمون. في الظلمة يتمشّون. تتزعزع
كل أسس الأرض. أنا قلت إنكم آلهة
وبنوا العليّ كلكم. لكن مثل الناس تموتون
وكأحد الرؤساء تسقطون. قم يا الله
دِنِ الأرض، لأنك أنت تمتلك كلّ الأمم.
الترجمة الصحيحة
الله قائم في مجمع الحكّام. يقضي بين
الأمراء. حتى متى تقضون جوراً وتراعون
جانب الشرّير. احموا المسكين واليتيم.
أقسطوا للفقير والمعترّ. نجّوا المسكين
وأنقذوا الفقير من يد الشرّير. لا يعلمون
ولا يفقهون. وفي الظلمة يذهبون
قد فسدت الأرض إلى بنيانها. أنا صيّرتكم
حكاماً وخلفاء الله ولكنكم مثل العامة
تغوُون وكرؤسائهم تعثرون. قم يا ربّ
دِنِ الأرض. فإنّك ترث الأمم كلها.
هل ترى كيف خلطوا بين الحاكم والله، والقضاء والحماية، والوصل والفصل، والموت والغواية، والابن والخليفة الخادم؟. كلّ ما نجد في الإنجيل من "ابن الله" فهو "عبد الله" في المعنى وكلّ ما فيه من "أبونا" أو "أبونا وأبوكم"، فهو: ربّنا وربكم، كما ترجمه القرآن. وقد منع المسيح عليه السلام عن استعمال كلمة الربّ لنفسه، وقال: "ربّنا واحد -وهو الله- وأنا وأنتم إخوة". وقد بدّلت النصارى هذا التعليم الواضح. وكذبُهم بادٍ مكشوف.
في متى باب 23 (6 - 11):
"ويحبّون المتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع، والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس: ربي ربي (*). وأما أنتم فلا تُدعَوا: ربّي، لأنّ ربكم واحد. المسيح وأنتم جميعاً إخوة. ولا تدعوا لكم ربّاً (**) على الأرض لأن ربكم واحد. الذي في السموات. ولا تُدعَوا معلّمين، لأنّ معلمكم واحد: المسيح. وأكبركم يكون خادماً لكم".
...............................
(*) في الترجمة البيروتية: سيدي سيدي. وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأنّ معلمكم" وهذا لا يليق بقوله: "لأنَّ". وفي الترجمة الإنكليزية: "ربي ربي. لكن لا تدعوا ربي لأنّ واحداً معلمكم، المسيح؛ وأنتم كلكم إخوة" . فالمترجم فصَلَ بين قوله "المسيح" وقوله "أنتم" بعلامة، لكن الجملة التي نقلت بعد ذلك من باب 19 تكشف الأمر. فإنّك ترى أنهم خبطوا كلمات "ربي" و "معلم" و "سيد" و "أب". وكيف يقول المسيح: لا تدعوني صالحاً؟ فالمعلم الصالح ترجمة "ربي". ونهاهم أن يدعوه بهذا الاسم كما دعت اليهود أحبارهم بهذا الاسم. وهكذا جاء ذكر اليهود والنصارى في القرآن، حيث قال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}. فقد علمت أن النصارى سمّوا علماءهم بالرب والإله كما شهدت به كتب التاريخ. [حاشية المؤلف]. (**) في التراجم: "أباً" وهذا باطل ظاهراً. [حاشية المؤلف]. ثم جاء في باب 19 (16 - 17) :
"وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلّم الصالح أيّ صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ فقال له: لماذا تدعوني صالحاً. ليس أحد صالحاً إلا واحد -وهو الله - ولكن إن أردت الحياة فاحفظ الوصايا" (أي الشرائع).
وفي تكوين (45: 8):
"فالآن ليس أنتم أرسلتموني إلى هاهنا بل الله وهو قد جعلني أباً لفرعون وسيّداً لكل بيته ومتسلطاً على كل أرض مصر".
في إشعياء (53: 11):
"مِن تَعَبِ نفسِه يرَى ويشبَع. وعبدي البارّ بمعرفته يبرّر كثيرين وآثامهم هو يحملها".
المراد من "عبدي البارّ" هو عيسى باتفاق النصارى، ولكنك تراهم حرّفوا هذه الكلمة. فتجد في مَرقُس (15: 39):
"ولما رأى قائد المئة الواقف مقابلَه أنه صرخ هكذا، وأسلم الروحَ، قال: حقاً كان هذا الإنسان ابن الله".
وهكذا في مَتّى . وأما في لُوقا فتجد فيه (47:23):
"فلما رأى قائد المئة ما كان مَجَّد اللهَ قائلاً: بالحقيقة كان هذا الإنسان بارّاً".
فهل ترى كيف حرّفوا ومزّقوا كلمة الوَحي!.

الجملة القرآنية

الجملة القرآنية
كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (هود 1). ذلك خير ما توصف به الجملة القرآنية، فهى بناء قد أحكمت لبناته، ونسقت أدق تنسيق، لا تحس فيها بكلمة تضيق بمكانها، أو تنبو عن موضعها، أو لا تعيش مع أخواتها، حتى صار من العسير بل من المستحيل، أن تغير في الجملة كلمة بكلمة، أو أن تستغنى فيها عن لفظ، أو أن تزيد فيها شيئا، وصار قصارى أمرك إذا أردت معارضة جملة في القرآن، أن ترجع بعد طول المطاف إليها، كأنما لم يخلق الله لأداء تلك المعانى، غير هذه الألفاظ، وكأنما ضاقت اللغة، فلم تجد فيها، وهى بحر خضم، ما تؤدى به تلك المعانى غير ما اختاره القرآن لهذا الأداء.
والجملة القرآنية تتبع المعنى النفسى، فتصوره بألفاظها، لتلقيه في النفس، حتى إذا استكملت الجملة أركانها، برز المعنى، ظاهرا فيه المهم والأهم، فليس تقديم كلمة على أخرى صناعة لفظية فحسب، ولكن المعنى هو الذى جعل ترتيب الآية ضرورة لا معدى عنه، وإلا اختل وانهار. خذ مثلا قوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة 127).
تجد إسماعيل معطوفا على إبراهيم، فهو كأبيه يرفع القواعد من البيت، ولكن تأخره في الذكر، يوحى بأن دوره في رفع القواعد دور ثانوى، أما الدور الأساسى فقد قام به إبراهيم، «قيل كان إبراهيم يبنى، وإسماعيل يناوله الحجارة » فنزلت الآية، وكأنما كانت ستنسى دور إسماعيل لثانويته، ثم ذكرته بعد أن انتهت من تكونها.
وخذ قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة 5). فإنك ترى تقديم المفعول هنا؛ لأنه موضع عناية العابد ورجاء المستعين، فلا جرم وهو مناط الاهتمام أن يتقدم كما يتقدم كل ما يهتم به ويعنى. وخذ قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (البقرة 45). تجد المستعان عليه في الآية غير مذكور، لا تخففا من ذكره، ولكن ليوحى هذا الحذف إلى النفس أن كل ما يقوم أمام المرء من مشقة، وما يعترضه من صعوبات، يستعان على التغلب عليه، بالصبر والصلاة.
تمضى الجملة القرآنية، وقد كونت من كلمات قد اختيرت، ثم نسقت في سلك من النظام، فلا ضعف في تأليف، ولا تعقيد في نظم، ولكن حسن تنسيق، ودقة ترتيب، وإحكام في تلاؤم. واقرأ قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (البقرة 2 - 5). ترى آيات قد التحم نسجها، وارتبط بناء بعضها ببعض، تسلم الجملة إلى أختها، فى التئام واتساق، فالجملة الأولى قد وصفت القرآن بالكمال، ووصفته الجملة الثانية، بأنه لا يعلق به الريب، لا في أخباره، ولا في نسبته إلى الله، وفي الجملة التالية جعله هاديا لأولئك الذين يخشون الله ويتقونه، ومضت الآية الثانية تصف هؤلاء الذين ينتفعون بالقرآن، فهم الذين يوقنون بما أنبأهم به من أمور غائبة لا يرونها، ويقومون بواجبهم لله، فيؤدون الصلاة كما يجب أن تؤدى، وواجبهم للمجتمع، فيقدمون من أموالهم ما يساعدون به البائس والمعتر، ولا يتعصبون لرسول دون رسول، بل يؤمنون بما أنزل على محمد، وما أنزل من قبله، ورأس الإيمان وأساسه هو إيمانهم باليوم الآخر، لأن ذلك الإيمان يدفع إلى العمل الصالح، وينهى عن المنكر والبغى، فلا جرم أن كان أولئك على هدى من ربهم وكانوا هم المفلحين.
ذلك مثل من أمثلة الارتباط القوى بين جمل الآية القرآنية، وكثير من الجمل فى القرآن توحى إليك ألفاظها، بمعان لا يستطيع لفظ أن يحدها، بل يترك للنفس أمر إدراكها، وحسبى أن أشير من ذلك إلى قوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (البقرة 84، 85). أولا توحى إليك جملة ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ بالفرق بين ما كان يجب أن يكونوا عليه، وما هم حقيقة عليه، فأى خيبة أمل تملأ النفس منهم، أو لا تدل هذه الجملة القصيرة على سخط شديد، وتعجب لأمور ما كان ينتظر حدوثها، ونتائج كانت المقدمات تمهد لغيرها. وقوله تعالى: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (البقرة 111). أولا تحس في قوله سبحانه: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ؛ بالتهكم اللاذع بهم، وأن تلك الأمانى التى تجول في صدورهم، لن تجد لها سبيلا إلى التحقق في غير أحلامهم.
وتستخدم الجملة الفعلية في القرآن للدلالة على التجدد والحدوث، والاسمية للثبوت والاستمرار، والمراد بالتجدد في الماضى حصوله، وفي المضارع تكراره، تأمل ذلك في قوله تعالى على لسان إبراهيم: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (الشعراء 78 - 80). فأتى في الخلق بالماضى لحصوله مرة واحدة، وفيما عداه بالمضارع لتكرره طول الحياة، وتأمل قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (آل عمران 26، 27). تجد المضارع هنا دالا على ما يتجدد من فعل الله سبحانه في كل حين، ومن الجملة الاسمية قوله تعالى: أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها (آل عمران 136).
وقد يتغير اتجاه الجملة تبعا لتغيّر الاتجاه النفسى ففاتحة الكتاب قد تلون فيها الحديث، وتغير اتجاه الجملة، فكان حديثا عن الله المستحق للحمد، وكان التصريح باسمه وصفاته مؤذنا بأنه أهل للحمد والثناء، فإذا كان المقام مقام العبادة والاستعانة، تحولت الجملة إلى الخطاب إيذانا بقربك ممن تحمد قربا قلبيا، ويسمح لك الشعور بهذا القرب أن تطلب منه العون والمساعدة، ويستمر الخطاب في الجمل إلى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ حتى إذا جاء دور المغضوب عليهم، تحول
الأسلوب مرة أخرى، فمن تعظيم الله ترك مخاطبته بإسناد الغضب إليه والإضلال.
وقوله تعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (مريم 88، 89).
فالانتقال من الحديث عنهم، إلى الحديث إليهم زيادة في تهديد من قالوا، ومواجهة لهم بالسخط عليهم، والتأنيب لهم. ومن ذلك قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الإسراء 1). فقد يكون ظاهر السياق أن يقال: «سبحان الذى أسرى بعبده ليلا، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، الذى بارك حوله، ليريه من آياته، إنه هو السميع البصير»، ولكنه عدل عن الغيبة إلى الحضور في وسط الآية، تعظيما من شأن المسجد الأقصى، ومن شأن ما يرى الله من آياته. وقوله سبحانه: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (يس 22). فقد يتراءى أن اتجاه الآية يقضى بأن تنتهى بقوله: وإليه أرجع: ولكنه عدل عن ذلك؛ لأن المقام مقام نقاش بين من آمن ومن كفروا؛ فهو ينتهز كل فرصة ليقنعهم فيها بوجود الإيمان بالله واليوم الآخر. أولا تدلنا هذه الخاتمة على أن كمال الأدب هو الذى صاغ العبارة هذا الصوغ. وأنه يخفى وراءها قوله: وما لكم لا تعبدون الذى فطركم؛ وقد يكون في تعبيره هذا موحيا لهم بأنه لا يريد لهم غير ما يريد لنفسه؛ وذلك أسرع إلى قبول النصح، وأشد إظهارا للإخلاص.
ومن ذلك قوله سبحانه: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (يونس 22، 23). فقد كان السياق يقضى أن تسير الآية على الخطاب. ولكنه انتقل ليقص قصة هؤلاء الذين لا يذكرون الله إلا عند شدة تنزل بهم، حتى إذا انقضت المحنة بغوا في الأرض، وفي ذلك تعجيب من أمر هؤلاء القوم، وإنكار عليهم كفرهم بأنعم الله، ونسيانهم التخلص من المآزق متى ابتعدوا عنها، وفي الحديث عن غائبين إيحاء للمخاطبين بألا يفعلوا هذا الفعل المستنكر. وعلى منوال هذه الآية يجرى قوله تعالى: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (الأنبياء 92، 93).
وقوله سبحانه: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف 158). فقد يكون ظاهر السياق يقضى أن يقول: (فآمنوا بالله وبى)، ولكنه عدل عن ذلك ليبين الدوافع التى تدعو إلى الإيمان به واتباعه».
وقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (فصلت 11، 12). فعند ما جاء الحديث عن زينة السماء الدنيا، نسب ذلك إلى نفسه صراحة، لما فيها من الجمال الذى يبهر نفس رائيه، والنفع الملموس لهم، فذكرهم الله بأنه خالق هذا الجمال، ومبدع هذه الزينة. وقوله سبحانه: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (يونس 87)، فربما ظن أن وجه العبارة أن تسند الأفعال كلها إلى ضمير الاثنين: «موسى وهارون» ولكنه أسند الفعل مرتين إلى واو الجماعة إشارة إلى أن هذا التكليف لا يخصهما فحسب، بل هما وقومهما جميعا، ثم أفرد الفعل في آخر الآية يشير بذلك إلى أن المخاطب أولا وبالذات إنما هو أحدهما، وهو الرسول موسى.
ومن ذلك قوله تعالى: قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (هود 53، 54)، فلم يقل: وأشهدكم، لما يشعر به هذا التعبير من العناية بأمرهم، لجعلهم قرناء لله، فى الشهادة عليه؛ أما التعبير بفعل الأمر ففيه تنبيه لهم، وإيقاظ، حتى يتلقوا ما سيلقيه عليهم، مؤذنا إياهم بمباينتهم فيما يعبدون.
وتأمل سر تلوين الأسلوب في قوله تعالى: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (الأعراف 29). فقد أبرز هذا التلوين العناية بكل واحد مما أمروا به على حدة، فاتجه أمر الرب إلى القسط وحده، ثم أمروا أمرا جديدا، بأن يقيموا وجوههم عند كل مسجد، وأمرا جديدا آخر بأن يدعوه مخلصين له الدين، وفي ذلك من العناية بتوكيد كل أمر ما فيه، ولم يجعل أحد هذه الأمور ملحقا بصاحبه- وانظر تفخيم أمر النبى صلوات الله عليه من تغيير نهج الأسلوب، فى قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (النساء 64). إذ لم يقل: واستغفرت لهم.
ومن ذلك استعمال أحد الفعلين الماضى والمضارع، موضع صاحبه، فيأتى بالمضارع مكان الماضى؛ لإحضار صورة الفعل أمام السامع، حتى لكأنه يشاهده؛ وليس ذلك مما يثيره الفعل الماضى، لأن سامعه قد يكتفى بأن يتخيل فعلا قد مضى، وربما لا يستحضر صورته أو تكرره. واقرأ قوله تعالى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (البقرة 87). تجد الفعل المضارع قد صور جريمتهم كأنهم يرتكبونها؛ وفي ذلك من التشنيع عليهم ما فيه. وقوله تعالى: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (فاطر 9). ففي (تثير) ما يحضر تلك الصورة الطبيعية، الدالة على القدرة الباهرة.
وقوله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (الحج 31). ففي ذكر المضارع استحضار صورة خطف الطير له، وهوىّ الريح به. ويستخدم الماضى مكان المضارع إشارة إلى تأكيد وقوع الفعل، حتى كأنه قد وقع، وذلك يكون فيما يستعظم من الأمور؛ ومن أمثلته قوله سبحانه وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (النمل 87). وقوله تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (الكهف 47). وقوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (النحل 1). وقوله تعالى: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (إبراهيم 21). وفي الإتيان بالماضى هنا من إيقاع الرهبة في النفوس ما فيه لأن الفعل كأنه قد تم، والقرآن يتحدث عنه، وفي استخدام الماضى في قوله تعالى: الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة 159، 160).
إشارة إلى ما اتسم به هؤلاء التائبون من مبادرة، وإسراع إلى التوبة. وفي قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (البقرة 165 - 167). تأكيد لما سيحدث في المستقبل حتى كأنه حدث.

الدّلَالَة

(الدّلَالَة) الْإِرْشَاد وَمَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ عِنْد إِطْلَاقه (ج) دَلَائِل ودلالات

(الدّلَالَة) الدّلَالَة وَاسم لعمل الدَّلال وَمَا جعل للدليل أَو الدَّلال من الْأُجْرَة
الدّلَالَة: (رَاه نمودن) وَفِي الِاصْطِلَاح كَون الشَّيْء بِحَالَة يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بِشَيْء آخر وَيُسمى الشَّيْء الأول دَالا وَالثَّانِي مدلولا. وَعرفُوا الدّلَالَة اللفظية الوضعية بِأَنَّهَا فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الْفَهم إِن كَانَ مصدرا مُبينًا للْفَاعِل أَعنِي الفاهمية فَهُوَ صفة السَّامع وَإِن كَانَ مُبينًا للْمَفْعُول أَعنِي المفهومية فَهُوَ صفة للمعنى فَلَا يَصح حمله على الدّلَالَة الَّتِي هِيَ صفة اللَّفْظ. وَأجَاب عَنهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله بِأَنا لَا نسلم أَن الْفَهم لَيْسَ صفة اللَّفْظ فَإِن الْفَهم وَحده وَإِن كَانَ صفة الفاهم وَكَذَا الانفهام وَحده صفة الْمَعْنى إِلَّا أَن فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ صفة اللَّفْظ فَإِن معنى فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ أَو انفهام الْمَعْنى مِنْهُ هُوَ معنى كَون اللَّفْظ بِحَيْثُ يفهم مِنْهُ أَو ينفهم مِنْهُ الْمَعْنى. غَايَة مَا فِي الْجَواب أَن الدّلَالَة مُفْرد يَصح أَن يشتق مِنْهُ صفة تحمل على اللَّفْظ وَفهم الْمَعْنى وانفهامه مركب لَا يُمكن اشتقاقها مِنْهُ إِلَّا بِوَاسِطَة مثل أَن يُقَال اللَّفْظ منفهم مِنْهُ الْمَعْنى.
ثمَّ اعْلَم أَن الدّلَالَة مُطلقًا على نَوْعَيْنِ (لفظية) إِن كَانَ الدَّال لفظا (وَغير لفظية) إِن كَانَ غير لفظ. ثمَّ الدّلَالَة مُطلقًا إِن كَانَت بِحَسب وضع الْوَاضِع فوضعية كدلالة زيد على الشَّخْص الْمعِين وَالنّصب على الْميل. وَإِلَّا فَإِن كَانَ حُدُوث الدَّال بِمُقْتَضى الطَّبْع فطبعية كدلالة اح اح على وجع الصَّدْر وَسُرْعَة النبض على الْحمى وَإِلَّا فعقلية كدلالة لفظ ديز المسموع من وَرَاء الْجِدَار على وجود اللافظ وَالدُّخَان على النَّار. ثمَّ الدّلَالَة اللفظية الوضعية مُطَابقَة وتضمن والتزام لِأَنَّهَا إِن كَانَت دلَالَة اللَّفْظ الْمَوْضُوع على تَمام مَا وضع لَهُ فمطابقة كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان النَّاطِق. وَإِلَّا فَإِن كَانَت دلَالَة اللَّفْظ الْمَوْضُوع على جُزْء مَا وضع لَهُ أَو على خَارج لَازم لما وضع لَهُ لُزُوما ذهنيا بَينا بِالْمَعْنَى الْأَخَص فَالْأول تضمن كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان أَو النَّاطِق وَالثَّانِي الْتِزَام كدلالة الْعَمى على الْبَصَر. ومدار الإفادة والاستفادة على الدّلَالَة اللفظية الوضعية. وَكَيْفِيَّة دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى عِنْد أَرْبَاب الْأُصُول منحصرة فِي عبارَة النَّص وَإِشَارَة النَّص وَدلَالَة النَّص واقتضاء النَّص. وَوجه الضَّبْط أَن الحكم الْمُسْتَفَاد من النّظم إِمَّا أَن يكون ثَابتا بِنَفس اللَّفْظ أَو لَا. وَالْأول إِن كَانَ النّظم مسوقا لَهُ فَهُوَ الْعبارَة وَإِلَّا فالإشارة وَالثَّانِي إِن كَانَ الحكم مفهوما من اللَّفْظ لُغَة فَهُوَ الدّلَالَة أَو شرعا فَهُوَ الِاقْتِضَاء وَاعْلَم أَنه لَا دلَالَة للعام على الْخَاص بِإِحْدَى الدلالات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة لِأَن الْخَاص لَيْسَ تَمام مَا وضع لَهُ الْعَام وَلَا جزؤه وَلَا خَارج لَازم لَهُ فَلَا دلَالَة للحيوان على الْإِنْسَان وَلَا للْإنْسَان على زيد فَإِن قلت: إِن الْمَوْجُود عَام وَإِذا أطلق يتَبَادَر مِنْهُ الْمَوْجُود الْخَارِجِي وَكَذَا الْوَضع عَام شَامِل للوضع التحقيقي والوضع النوعي كَمَا فِي المجازات. وَإِذا أطلق يتَبَادَر مِنْهُ الْوَضع التحقيقي والتبادر فرع الدّلَالَة أَقُول أَولا: إِن لفظ الْمَوْجُود حَقِيقَة فِي الْمَوْجُود الْخَارِجِي ومجاز فِي الْمَوْجُود الذهْنِي وَكَذَا الْوَضع وَإِن قلت: فَكيف يَصح تَقْسِيم الْمَوْجُود إِلَيْهِمَا أَقُول: إِن صِحَة التَّقْسِيم إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَار إِطْلَاقه على معنى ثَالِث مجازي يتناولهما من بَاب عُمُوم الْمجَاز فَيُقَال فِي الْمَوْجُود مثلا إِن الْوُجُود بِمَعْنى الثُّبُوت أَو الْكَوْن فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى منقسم إِلَى الْمَوْجُود الْخَارِجِي والذهني وَثَانِيا: إِن لفظ الْمَوْجُود مثلا حَقِيقَة فِي الْقدر الْمُشْتَرك بَين الْمَوْجُود الْخَارِجِي والذهني فسبب تبادر أَحدهمَا حِينَئِذٍ كَثْرَة إِطْلَاقه على الْقدر الْمُشْتَرك فِي ضمنه حَتَّى صَار كَأَنَّهُ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَقد يُرَاد بِالْعَام الْخَاص بِالْقَرِينَةِ أَو بِسَبَب أَنه كَامِل أَفْرَاده تَحَرُّزًا عَن التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ عَاما حِينَئِذٍ بل صَار خَاصّا مُقَيّدا بِقَيْد يفهم من الْقَرِينَة أَو مُقَيّدا بِقَيْد الْكَمَال فَلَا إِشْكَال.
ثمَّ اعْلَم أَن دلَالَة الْمُطَابقَة مُعْتَبرَة فِي التعريفات كلا وجزءا وَدلَالَة التضمن مُعْتَبرَة جُزْءا ومهجورة كلا. وَدلَالَة الِالْتِزَام مهجوة كلا وجزءا. فَلَا يُقَال الْهِنْدِيّ فِي جَوَاب مَا زيد لِأَنَّهُ دَال على ماهيته بالتضمن لِأَنَّهُ صنف وَهُوَ نوع مُقَيّد بِقَيْد عرضي فَمَعْنَاه الْحَيَوَان النَّاطِق الْمَنْسُوب إِلَى الْهِنْد وَكَذَا لَا يُقَال الْكَاتِب فِي جَوَاب مَا زيد لِأَن معنى الْكَاتِب ذَات لَهُ الْكِتَابَة وماهية الْإِنْسَان من لوازمه فَهُوَ دَال عَلَيْهَا بالالتزام وكل ذَلِك للِاحْتِيَاط فِي الْجَواب عَن السُّؤَال بِمَا هُوَ إِذْ يحْتَمل انْتِقَال الذِّهْن من الدَّال بالتضمن على الْمَاهِيّة إِلَى جُزْء آخر من معنى ذَلِك الدَّال كالمنسوب إِلَى الْهِنْد الَّذِي هُوَ جُزْء آخر من معنى الْهِنْدِيّ فَيفوت الْمَقْصُود وَهَكَذَا يحْتَمل انْتِقَال الذِّهْن من الدَّال بالالتزام على الْمَاهِيّة إِلَى لَازم آخر فَيفوت الْمَقْصُود أَيْضا فَإِنَّهُ يجوز الِانْتِقَال من الْكَاتِب إِلَى الْحَرَكَة أَو الْقَلَم اللَّازِم بِمَعْنى الْكَاتِب. وَإِن أردْــت التَّفْصِيل فَارْجِع إِلَى حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره على شرح الشمسية فِي الْبَحْث الْخَامِس من مبَاحث الْكُلِّي والجزئي.

الدمع

(الدمع) مَاء الْعين (ج) أدمع ودموع

(الدمع) يُقَال امْرَأَة دمعة سريعة الْبكاء كَثِيرَة دمع الْعين
الدمع: بِالْفَارِسِيَّةِ (اشك) وَهُوَ على نَوْعَيْنِ دمع حزن ودمع سرُور وعلامتهما أَن الأول حَار وَالثَّانِي بَارِد. وَلذَا قيل للمدعو لَهُ أقرّ الله عَيْنَيْهِ. مَأْخُوذ من القر وَهُوَ الْبرد وَقيل للمدعو عَلَيْهِ أسخن الله عَيْنَيْهِ. مَأْخُوذ من السخينة وَهِي الْحَرَارَة حَتَّى قَالَ الْفُقَهَاء إِذا استأمر الْوَلِيّ الْبكر الْبَالِغَة للمصاهرة فَبَكَتْ فليحس الْوَلِيّ دمعها إِن كَانَ بَارِدًا كَانَ مِنْهَا رضَا وَإِن كَانَ حارا لَا يكون. وَإِن أردْــت وَجه جَرَيَان الدُّمُوع فَانْظُر فِي السكب.

اسْم الْجِنْس

اسْم الْجِنْس: اعْلَم أَن الِاسْم على أَرْبَعَة أَنْوَاع: جنس وَاسم جنس وَعلم جنس ونكرة. أما الْجِنْس فَهُوَ الَّذِي يَصح إِطْلَاقه على الْقَلِيل وَالْكثير كَالْمَاءِ فَإِنَّهُ يُطلق على القطرة وَالْبَحْر. وَاسم الْجِنْس كالإنسان. وَعلم الْجِنْس كأسامة. والنكرة كَرجل. فَإِن قيل مَا الْفرق بَين اسْم الْجِنْس وَعلم الْجِنْس مَعَ أَنَّهُمَا موضوعان للماهية من حَيْثُ هِيَ هِيَ. قُلْنَا اسْم الْجِنْس مَوْضُوع للماهية من حَيْثُ هِيَ هِيَ من غير مُلَاحظَة الْحُضُور فِي الذِّهْن. وَعلم الْجِنْس أَيْضا مَوْضُوع لَهَا لَكِن من حَيْثُ إِنَّهَا حَاضِرَة فِيهِ وَلِهَذَا صَار معرفَة كَمَا أَنه لَا فرق بَين الْعلم والمعلوم عِنْد الْقَائِلين بِحُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها فِي الذِّهْن إِلَّا بِاعْتِبَار الْقيام بالذهن وَعدم الْقيام على مَا تقرر فِي مَحَله.
والنكرة مَا يكون مَوْضُوعا لفرد منتشر من الْمَفْهُوم وملاحظة الْمَفْهُوم فِي النكرَة لَيْسَ إِلَّا ليَكُون آلَة لملاحظة الْأَفْرَاد. والنكرة بِهَذَا الْمَعْنى مُقَابل للْجِنْس وَاسم الْجِنْس وَعلم الْجِنْس. وَأما النكرَة بِمَعْنى مَا وضع لغير معِين فشامل للْجَمِيع مُقَابل للمعرفة تقَابل التضاد أَو تقَابل الْعَدَم والملكة. إِن فسر النكرَة بِمَا لَيْسَ بِمَعْرِِفَة عَمَّا من شَأْنه أَن يكون معرفَة فَبين النكرَة بِالْمَعْنَى الأول والمعرفة وَاسِطَة بِخِلَاف النكرَة بِالْمَعْنَى الثَّانِي. وَالْمَفْهُوم من كَلَام جمال الْعَرَب الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله فِي شرح الْمفصل أَن اسْم الْجِنْس والنكرة متحدان مُتَرَادِفَانِ.

ثمَّ فِيهَا اخْتِلَاف: قَالَ بَعضهم إِنَّهَا مَوْضُوعَة للماهية مَعَ تشخص غير معِين وَيُسمى فَردا منتشرا. وَقَالَ بَعضهم إِنَّهَا مَوْضُوعَة للماهية من حَيْثُ هِيَ أَي من غير مُلَاحظَة إِلَى أَن يعرضهَا التشخص. فعلى الأول الْفرق بَين النكرَة وَعلم الْجِنْس ظَاهر. وَأما على الثَّانِي فَإِنَّهُمَا وَإِن اتحدا فِي كَون كل مِنْهُمَا مَوْضُوعا للماهية المتحدة فِي الذِّهْن لكنهما افْتَرقَا من حَيْثُ إِن علم الْجِنْس يدل بجوهره على كَون تِلْكَ الْمَاهِيّة مَعْلُومَة للمخاطب معهودة عِنْده كَمَا أَن الْأَعْلَام الشخصية تدل بجواهرها على كَون تِلْكَ الْأَشْخَاص معهودة لَهُ. وَأما اسْم الْجِنْس أَي النكرَة فَلَا يدل بجوهره على كَون تِلْكَ الْمَاهِيّة مَعْلُومَة للمخاطب معهودة عِنْده بل يدل عَلَيْهِ إِذا دخله اللَّام فَهِيَ آلَة تجْعَل تِلْكَ الْمَاهِيّة الَّتِي وضع اسْم الْجِنْس بإزائها معهودة مَعْلُومَة عِنْد الْمُخَاطب وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره اسْم الْجِنْس مَا وضع لِأَن يَقع على شَيْء وعَلى مَا أشبهه كَالرّجلِ فَإِنَّهُ مَوْضُوع لكل فَرد خارجي على سَبِيل الْبَدَل من غير اعْتِبَار تعينه. وَإِن أردْــت زِيَادَة التَّفْصِيل فَارْجِع إِلَى كتَابنَا جَامع الغموض شرح الكافيه فِي بحث الْمعرفَة.

الدرجَة

(الدرجَة) الدرج (ج) درج

(الدرجَة) الْمرقاة والرتبة وَيُقَال لَهُ عَلَيْهِ دَرَجَة منزلَة ورتبة فِي الشّرف و (فِي علم الْفلك) جُزْء من ثلثمِائة وَسِتِّينَ جُزْءا من دورة الْفلك و (فِي الرياضة) قسم من التسعين قسما المتساوية الَّتِي تَنْقَسِم إِلَيْهَا الزاوية الْقَائِمَة (مج) ودرجة الْحَرَارَة أَو الرُّطُوبَة جُزْء من أَجزَاء المقياس الْخَاص بهما (مج)(ج) درج ودرجات

(الدرجَة) طَائِر ظَاهر جناحيه أغبر وباطنهما أسود يشبه القطا إِلَّا أَنه ألطف مِنْهُ
الدرجَة: يَقُول صَاحب (الْكِفَايَة) المنصوري. اعْلَم أَن كل شَيْء يدْخل الْبدن لَهُ تَأْثِير على حَالَته، فَإِذا مَا تأثرت الْحَرَارَة الطبيعية وزادت حَالَة الْبدن مِنْهُ فَلَا يُقَال لهَذَا الشَّيْء أَنه جيد أَو معتدل. فَإِذا مَا كَانَ التَّأْثِير الْكَبِير غير محسوس فَإِنَّهُ يكون من الدرجَة الأولى وَإِذا مَا أحس بِهِ وَلكنه لم يكن مضرا فَإِنَّهُ يكون من الدرجَة الثَّانِيَة، وَإِذا مَا وصل إِلَى حد الضَّرَر وَلكنه لَا يهْلك فَإِنَّهُ يكون من الدرجَة الثَّالِثَة، وَأما إِذا وصل الضَّرَر إِلَى حد الْهَلَاك فَإِنَّهُ يكون من الدرجَة الرَّابِعَة وَهَذِه هِيَ الْأَدْوِيَة السامة.
الدرجَة: (بايه نردبان) وَإِن أردْــت أَن تعلم مَا هِيَ عِنْد أَصْحَاب الْهَيْئَة فَاعْلَم أَن الْحُكَمَاء قسموا الْفلك الثَّامِن من على اثْنَي عشر قسما من القطب الجنوبي المستور الْخَفي المغمور فِي المَاء إِلَى القطب الشمالي الظَّاهِر المرئي بِحَيْثُ اعتبروا اجْتِمَاع رُؤُوس تِلْكَ الْأَقْسَام عِنْد ذَيْنك القطبين وَسموا كل قسم مِنْهَا برجا ثمَّ قسموا كل دَرَجَة على سِتِّينَ حِصَّة أَيْضا وَسموا كل حِصَّة مِنْهَا دَرَجَة ثمَّ قسموا كل دَرَجَة على سِتِّينَ حِصَّة أَيْضا وَسموا كل حِصَّة دقيقة. وعَلى هَذَا الْقيَاس قسموا كل حِصَّة مِنْهَا على سِتِّينَ وَسموا كل حِصَّة ثَانِيَة. وَهَكَذَا ثَالِثَة ورابعة وخامسة إِلَى أَن يَنْتَهِي فكر الْحَكِيم. وَمُرَاد الْأَطِبَّاء من كَون الدَّوَاء فِي الدرجَة الأولى هُوَ أَن يُؤثر فِي هَوَاء الْبدن. وَفِي الدرجَة الثَّانِيَة أَنه يتَجَاوَز عَنهُ ويؤثر فِي الرُّطُوبَة. وَفِي الدرجَة الثَّالِثَة أَنه يتَجَاوَز عَنْهَا ويؤثر فِي الشَّحْم. وَفِي الدرجَة الرَّابِعَة أَنه يتَجَاوَز عَنهُ ويؤثر فِي اللَّحْم والأعضاء الْأَصْلِيَّة ويستولي على الطبيعة.
ف (42) : 

الإحساس

الإحساس: إِدْرَاك الشَّيْء بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الظَّاهِرَة أَو الْبَاطِنَة فَإِن كَانَ الإحساس بالحس الظَّاهِر فَهُوَ الْمُشَاهدَة وَإِن كَانَ بالحس الْبَاطِن فَهُوَ الوجدان وَإِن أردْــت أَن تعقل الْإِحْسَان بتفصيله فَانْظُر فِي التعقل.
الإحساس:
[في الانكليزية] Sensation
[ في الفرنسية] Sensation
بكسرة الهمزة هو قسم من الإدراك، وهو إدراك الشيء الموجود في المادّة الحاضرة عند المدرك مكنوفة بهيئات مخصوصة من الأين والكيف والكم والوضع وغيرها. فلا بدّ من ثلاثة أشياء: حضور المادة واكتناف الهيئات وكون المدرك جزئيا، كذا في شرح الإشارات.
والحاصل أنّ الإحساس إدراك الشيء بالحواس الظاهرة على ما يدلّ عليه الشروط المذكورة.
وإن شئت زيادة التوضيح فاسمع أنّ الحكماء قسّموا الإدراك على ما أشار إليه شارح التجريد إلى أربعة أقسام: الإحساس وهو ما عرفت، والتخيّل وهو إدراك الشيء مع تلك الهيئات المذكورة في حال غيبته بعد حضوره، أي لا يشترط فيه حضور المادة بل الاكتناف بالعوارض وكون المدرك جزئيا، والتوهّم وهو إدراك معان جزئية متعلّقة بالمحسوسات، والتعقّل وهو إدراك المجرّد عنها كليا كان أو جزئيا، انتهى. ولا خفاء في أنّ الحواس الظاهرة لا تدرك الأشياء حال غيبتها عنها ولا المعاني الجزئية المتعلّقة بالمحسوسات ولا المجرّد عن المادة، بل إنما تدرك الأشياء بتلك الشروط المذكورة. وإنّ المدرك من الحواس الباطنة ليس إلّا الحسّ المشترك فإنه يدرك الصور المحسوسة بالحواس الظاهرة ولكن لا يشترط في إدراكه حضور المادة، فإدراكه من قبيل التخيّل إذ في التخيّل لا يشترط حضور المادة. ولذا قيل في بعض حواشي شرح الإشارات إنّ التخيّل هو إدراك الحسّ المشترك الصور الخيالية إلّا الوهم فإنه يدرك المعاني لا الصور، فإدراكه من قبيل التوهّم. وأما إدراك العقل فلا يكون إلّا من قبيل التعقل فإنه لا يدرك الماديات، فثبت أنّ الإحساس هو إدراك الحواس الظاهرة، والتخيّل هو إدراك الحسّ المشترك، والوهم هو إدراك التوهّم، والتعقّل هو إدراك العقل، والله تعالى أعلم. هذا وقد يسمّى الكلّ إحساسا لحصولها باستعمال الحواس الظاهرة أو الباطنة، صرح بذلك المولوي عبد الحكيم في حاشية القطبي في مبحث الكليّات. وبالجملة فللإحساس معنيان أحدهما الإدراك بالحواس الظاهرة والآخر بالحواس الظاهرة أو الباطنة، وأما التعقّل فليس إحساسا بكلا المعنيين.

اسْم التَّفْضِيل

اسْم التَّفْضِيل: أَي اسْم دَال على تَفْضِيل شَيْء على شَيْء وَهُوَ عِنْد النُّحَاة اسْم مُشْتَقّ من الْمصدر مَوْضُوع لذات مَا قَامَ بِهِ مَدْلُول ذَلِك الْمصدر أَو وَقع عَلَيْهِ مَوْصُوف بِزِيَادَة على غَيره فِي أصل مَدْلُول ذَلِك الْمصدر مثل أفضل وَأكْرم وألوم وَأشهر. وَالْفرق بَينه وَبَين صِيغَة الْمُبَالغَة أَن مَدْلُوله ذَات مَوْصُوف بِزِيَادَة على غير بِخِلَاف مَدْلُول صِيغَة الْمُبَالغَة فَإِنَّهُ ذَات مَوْصُوف بِزِيَادَة الْفِعْل كَيْفيَّة أَو كمية وَلَيْسَ هُنَاكَ زِيَادَته على الْغَيْر أَي لَيْسَ الْغَيْر ملحوظا فِيهِ. وَإِن أردْــت التَّفْصِيل والتدقيق فَارْجِع إِلَى كتَابنَا جَامع الغموض.

الِاسْتِثْنَاء

الِاسْتِثْنَاء: مُشْتَقّ من الثني بِمَعْنى الصّرْف وَالْمَنْع يُقَال ثنى فلَان عنان فرسه إِذا مَنعه وَصَرفه عَن الْمُضِيّ فِي الصوب الَّذِي يتَوَجَّه إِلَيْهِ فَسُمي الِاسْتِثْنَاء بِهِ لِأَن الِاسْم الْمُسْتَثْنى مَصْرُوف عَن حكم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. وَالِاسْتِثْنَاء عِنْد النُّحَاة إِخْرَاج الشَّيْء عَن حكم دخل فِيهِ غَيره بإلا وَأَخَوَاتهَا سَوَاء كَانَ ذَلِك الشَّيْء الْمخْرج دَاخِلا فِي صدر الْكَلَام مندرجا تَحْتَهُ أَو لَا. فَإِن كَانَ مندرجا كزيد فِي جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا فالاستثناء مُتَّصِل. وَإِن لم يكن مندرجا بِأَن لَا يكون الْمُسْتَثْنى من جنس الصَّدْر كالحمار فِي جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا حمارا. أَو كَانَ من جنسه لَكِن يكون المُرَاد من الصَّدْر مَا لَا يُمكن دُخُول الْمُسْتَثْنى فِيهِ كَمَا إِذا أُرِيد بالقوم الْقَوْم الَّذِي لَا يكون زيد دَاخِلا فِيهِ وَقيل جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا فالاستثناء على كلا الْحَالين مُنْقَطع وَكلمَة إِلَّا فِي الْمُنْقَطع للْعَطْف بِمَعْنى لَكِن.

وَقَالُوا للاستثناء: الْمُتَّصِل شُرُوط ثَلَاثَة: أَحدهَا الِاتِّصَال إِذْ لَو قَالَ عَليّ لفُلَان عشرَة فَسكت وَشرع فِي فعل آخر ثمَّ قَالَ إِلَّا ثَلَاثَة لم تعْتَبر. وَوَجَب الْعشْرَة الْكَامِلَة. وَالثَّانِي أَن يكون الْمُسْتَثْنى دَاخِلا فِي الْكَلَام الأول لَوْلَا الِاسْتِثْنَاء كَقَوْلِك رَأَيْت الْقَوْم إِلَّا زيدا وَزيد مِنْهُم وَرَأَيْت عمرا إِلَّا وَجهه فَإِن لم يكن دَاخِلا كَانَ مُنْقَطِعًا وَلَا يكون اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا. وَالثَّالِث أَن لَا يكون مُسْتَغْرقا لِأَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي بعد الِاسْتِثْنَاء وَفِي اسْتثِْنَاء الْكل لَا يبْقى شَيْء يَجْعَل الْكَلَام عبارَة عَنهُ. وَلِهَذَا اشْتهر بطلَان اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل. وَالْمَشْهُور فِيمَا بَينهم أَن الِاسْتِثْنَاء حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل ومجاز فِي الْمُنْقَطع وَالْمرَاد صِيغ الِاسْتِثْنَاء وَأما لفظ الِاسْتِثْنَاء فحقيقة اصطلاحية فِي الْقسمَيْنِ. ثمَّ اخْتلف فقد قيل إِنَّه متواطئ أَي مقول على الْمُتَّصِل والمنقطع بِاعْتِبَار أَمر مُشْتَرك بَينهمَا وَقيل لَا بل مُشْتَرك بَينهمَا بالاشتراك اللَّفْظِيّ. وَذهب الْفَاضِل الْمُحَقق صدر الشَّرِيعَة عبيد الله بن تَاج الشَّرِيعَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ إِلَى أَن لفظ الِاسْتِثْنَاء حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل ومجاز فِي الْمُنْقَطع فَلم يَجعله من أَقسَام الِاسْتِثْنَاء.

وَاعْلَم: أَنه قد يسْبق إِلَى الْفَهم أَن فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل تناقضا من حَيْثُ إِن قَوْلك لزيد عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة إِثْبَات للثَّلَاثَة فِي ضمن الْعشْرَة وَنفى لَهَا صَرِيحًا فاضطروا إِلَى بَيَان كَيْفيَّة عمل الِاسْتِثْنَاء على وَجه لَا يرد ذَلِك.

وَحَاصِل: أَقْوَالهم فِيهَا ثَلَاثَة. الأول أَن الْعشْرَة مجَاز عَن السَّبْعَة وَإِلَّا ثلثة قرينَة وَالثَّانِي الْعشْرَة يُرَاد بهَا مَعْنَاهَا أَي عشرَة أَفْرَاد فَيتَنَاوَل السَّبْعَة وَالثَّلَاثَة مَعًا ثمَّ أخرج مِنْهَا ثَلَاثَة حَتَّى بقيت سَبْعَة ثمَّ أسْند الحكم إِلَى الْعشْرَة الْمخْرج مِنْهَا الثَّلَاثَة فَلم يَقع الْإِسْنَاد إِلَّا على سَبْعَة. وَالثَّالِث أَن الْمَجْمُوع أَعنِي عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة مَوْضُوع بِإِزَاءِ سَبْعَة حَتَّى كَأَنَّهُ وضع لَهَا اسمان مُفْرد وَهُوَ سَبْعَة ومركب هُوَ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة فَلَا تنَاقض على أَي حَال وَالْأول مَذْهَب الْأَكْثَرين. وَالثَّالِث مَذْهَب القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني وَالثَّانِي الْمُتَوَسّط هُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي مُخْتَصر الْأُصُول.
وَإِن أردْــت تَفْصِيل هَذِه الْمذَاهب ووجوه التَّرْجِيح فاطلبه من المطولات. وَعَلَيْك أَن تعلم أَن أَصْحَابنَا قَالُوا إِن الِاسْتِثْنَاء يعْمل بطرِيق الْبَيَان بِمَعْنى الدّلَالَة على أَن الْبَعْض غير ثَابت من الأَصْل وَيمْنَع التَّكَلُّم بِقدر الْمُسْتَثْنى مَعَ حكمه فَيكون تكلما بِالْبَاقِي فَمن قَالَ لَهُ عَليّ ألف إِلَّا مائَة كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَليّ تسع مائَة فالاستثناء عندنَا تصرف فِي الْكَلَام بجعله عبارَة عَمَّا وَرَاء الْمُسْتَثْنى. وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن الِاسْتِثْنَاء يمْنَع الحكم لَا التَّكَلُّم وَيعْمل بطرِيق الْمُعَارضَة بِمَعْنى أَن أول الْكَلَام إِيقَاع للْكُلّ لكنه لَا يَقع لوُجُود الْمعَارض وَهُوَ الِاسْتِثْنَاء الدَّال على النَّفْي عَن الْبَعْض حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ إِلَّا ثَلَاثَة فَإِنَّهَا لَيست عَليّ فَلَا يلْزمه الثَّلَاثَة للدليل الْمعَارض لأوّل الْكَلَام فَيكون الِاسْتِثْنَاء عِنْده تَصرفا فِي الحكم. فَأَجَابُوا بِأَن الْكَلَام قد يسْقط حكمه بطرِيق الْمُعَارضَة بَعْدَمَا انْعَقَد فِي نَفسه كَمَا فِي التَّخْصِيص وَقد لَا ينْعَقد حكمه كَمَا فِي طَلَاق الصَّبِي وَالْمَجْنُون إِلَّا أَن الحاق الِاسْتِثْنَاء بِالثَّانِي أولى لِأَنَّهُ لَو انْعَقَد الْكَلَام فِي نَفسه مَعَ أَنه لَا يُوجب الْعشْرَة بل السَّبْعَة فَقَط لزم إِثْبَات مَا لَيْسَ من محتملات اللَّفْظ إِذْ السَّبْعَة لَا تصح مُسَمّى للفظ الْعشْرَة لَا حَقِيقَة وَهُوَ ظَاهر وَلَا مجَازًا لِأَن اسْم الْعدَد نَص فِي مَدْلُوله لَا يحمل على غَيره وَلَو سلم فالمجاز خلاف الأَصْل فَيكون مرجوحا وَلما رأى صدر الشَّرِيعَة رَحمَه الله أَن هَذَا الْجَواب إِنَّمَا يرد إِذا بَين الْمُعَارضَة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور عدل عَن ذَلِك الْمَعْنى وَبَين أَن مُرَاد الشَّافِعِي يكون الِاسْتِثْنَاء بطرِيق الْمُعَارضَة هُوَ أَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ عبارَة عَن الْقدر الْبَاقِي مجَازًا وَالِاسْتِثْنَاء قرينَة على مَا صرح بِهِ صَاحب الْمِفْتَاح حَيْثُ قَالَ إِن اسْتِعْمَال الْمُتَكَلّم للعشرة فِي التِّسْعَة مجَاز وَإِلَّا وَاحِد قرينَة الْمجَاز. وَأما الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق سَوَاء كَانَ مثل الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مثل لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا عشرَة أَو إِلَّا خَمْسَة وَخَمْسَة وَأكْثر مثل لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا أحد عشر فَبَاطِل بالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ إِنْكَار بعد الْإِقْرَار. وَالتَّفْصِيل فِي مُخْتَصر الْأُصُول فَإِن قيل الْمَشْهُور أَن الِاسْتِثْنَاء عِنْد الْحَنَفِيَّة من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي لَيْسَ بِإِثْبَات. وَعند الشَّافِعِيَّة من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي إِثْبَات. فَيرد على الْحَنَفِيَّة أَنه يلْزم أَن لَا يكون كلمة لَا إِلَه إِلَّا الله مفيدة للتوحيد، قُلْنَا إِن الشَّارِع وضع هَذِه الْكَلِمَة الطّيبَة للتوحيد كَمَا بَين فِي مَوْضِعه.

وَاعْلَم: أَن الْخلاف الْمَذْكُور مَبْنِيّ على أَن المركبات الإسنادية عِنْد الشَّافِعِيَّة مَوْضُوعَة لما فِي الْخَارِج وَلَا وَاسِطَة بَين الثُّبُوت الْخَارِجِي والانتفاء الْخَارِجِي. وَعند الْحَنَفِيَّة مَوْضُوعَة للْأَحْكَام الذهنية وَلَا يلْزم من نفي الحكم والإذعان بالثبوت أَو الانتفاء الحكم والإذعان بالانتفاء أَو الثُّبُوت وَكَانَ مَا هُوَ الْمَشْهُور مَبْنِيّ على أَن رفع النِّسْبَة الإيجابية هُوَ بِعَيْنِه نِسْبَة سلبية. أَو على أَن الْعَدَم أصل فِي الِاسْتِثْنَاء فَإِذا قيل جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا يكون زيدا مخرجا عَن هَذَا الحكم وَالْأَصْل عدم الْمَجِيء فَيكون الِاسْتِثْنَاء نفيا.

وَاعْلَم: أَن الحنفيين أَجمعُوا على أَن الْمُسْتَثْنى مسكوت عَنهُ. وَأهل الْعَرَبيَّة أَجمعُوا على أَن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي إِثْبَات. فَبين الإجماعين مُنَافَاة بِحَسب الظَّاهِر فَلَا بُد من دَفعهَا وَمن الْجمع بَينهمَا بِأَن قَوْلهم الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي وَبِالْعَكْسِ مَحْمُول على الْمجَاز من قبيل إِطْلَاق الْأَخَص على الْأَعَمّ لِأَن انْتِفَاء حكم الصَّدْر أَعم من الحكم بنقيض الصَّدْر فعبروا الانتفاء الأول بالانتفاء الثَّانِي مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن الِاسْتِثْنَاء عِنْد الْحَنَفِيَّة من الْإِثْبَات نفي لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن النَّفْي أَي الحكم بِنَفْي حكم الصَّدْر عَن الْمُسْتَثْنى مَدْلُول الِاسْتِثْنَاء بل الْمُسْتَثْنى مسكوت فَبَقيَ على عَدمه الْأَصْلِيّ فَتَأمل. وَقد يرا بِالِاسْتِثْنَاءِ كلمة إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَمَا فِيمَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن الْإِيمَان يدْخلهُ الِاسْتِثْنَاء فَيُقَال أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَي تضم مَعَ الْإِيمَان كلمة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَإِنَّمَا سميت هَذِه الْكَلِمَة بِالِاسْتِثْنَاءِ لِأَن الِاسْتِثْنَاء الْإِخْرَاج وَهَا هُنَا أَيْضا إِخْرَاج مضمونه عَن وَسعه بالتفويض إِلَى مَشِيئَته تَعَالَى أَو إِخْرَاج عَن الْقطع إِلَى الشَّك وَالْأول أولى وَذهب الشَّافِعِي رَحمَه الله وَأَصْحَابه إِلَى صِحَّته. وَمنعه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَأَصْحَابه لِأَن الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور إِن كَانَ للشَّكّ والتردد كَانَ كفرا فَلَا يُوجد تَصْدِيق وَإِن لم يكن للشَّكّ والتردد أَو الشَّك فِي بَقَائِهِ فِي الْآخِرَة فَالْأولى تَركه لدفع إِيهَام الْكفْر.

هَذِه: خُلَاصَة مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة وللقائلين بِصِحَّتِهِ وُجُوه فِي كتب الْكَلَام وتتمة هَذَا المرام فِي الْإِنْشَاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

الِاسْم

(الِاسْم) مَا يعرف بِهِ الشَّيْء ويستدل بِهِ عَلَيْهِ و (عِنْد النُّحَاة) مَا دلّ على معنى فِي نَفسه غير مقترن بِزَمن كَرجل وَفرس وَالِاسْم الْأَعْظَم الِاسْم الْجَامِع لمعاني صِفَات الله عز وَجل وَاسم الْجَلالَة اسْمه تَعَالَى (ج) أَسمَاء (جج) أسامي وأسام
الِاسْم: عِنْد النُّحَاة كلمة دلّت على معنى فِي نَفسهَا غير مقترن بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة بِالْوَضْعِ. وَهُوَ على نَوْعَيْنِ اسْم عين وَهُوَ الدَّال على شَيْء معِين يقوم بِذَاتِهِ كزيد وَعَمْرو. وَاسم معنى وَهُوَ مَا لَا يقوم بِذَاتِهِ سَوَاء كَانَ مَعْنَاهُ وجوديا كَالْعلمِ أَو عدميا كالجهل - وَفِي شرح الْمَقَاصِد الِاسْم هُوَ اللَّفْظ الْمُفْرد الْمَوْضُوع للمعنى فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى شَامِل لأنواع الْكَلِمَة - وَفِي الْأَنْوَار تَحت قَوْله تَعَالَى {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} . الِاسْم بِاعْتِبَار الِاشْتِقَاق مَا يكون عَلامَة للشَّيْء إِن كَانَ من الوسم ودليلا يرفعهُ إِلَى الذِّهْن إِن كَانَ من السمو سَوَاء كَانَ لفظا مُطلقًا أَو صفة أَو فعلا واستعماله عرفا فِي اللَّفْظ الْمَوْضُوع لِمَعْنى سَوَاء كَانَ مركبا أَو مُفردا مخبرا عَنهُ أَو خَبرا أَو رابطة وَاصْطِلَاحا فِي الْمُفْرد الدَّال على معنى فِي نَفسه غير مقترن بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة انْتهى وَهُوَ يدل على أَن التَّخْصِيص بالمفرد مُطلقًا لَيْسَ فِي شَيْء من الإطلاقات فَافْهَم.

ثمَّ اعْلَم: إِن من خواصه الحكم عَلَيْهِ أَي الْإِسْنَاد إِلَيْهِ. فَإِن قلت لَا نسلم ذَلِك بِسَنَد قَوْلهم (ضرب) فعل مَاض (وَمن) حرف. قُلْنَا إِن الْإِسْنَاد فِيهِ إِلَى لفظ (ضرب) وَلَفظ (من) لَا إِلَى مَعْنَاهُمَا والإسناد إِلَى الْمَعْنى من خَواص الِاسْم. وَأما الْإِسْنَاد إِلَى اللَّفْظ لَيْسَ من خواصه بل يجْرِي فِي الْفِعْل والحرف حَتَّى فِي المهملات أَيْضا كَمَا يُقَال (جق) مهمل (وديز) مقولب زيد. - وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن الْإِخْبَار عَن الْحَرْف وَالْفِعْل
إِمَّا عَن لَفْظهمَا فَهُوَ جَائِز كالمثالين الْمَذْكُورين. وَإِمَّا عَن مَعْنَاهُمَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يعْتَبر مَعْنَاهُمَا بِلَفْظ وضع بإزائهما أَو بِغَيْر لفظ كَذَلِك وَلَا امْتنَاع فِي الثَّانِي أَيْضا كَقَوْلِنَا معنى الْفِعْل مقرون بِالزَّمَانِ وَمعنى الْحَرْف غير مُسْتَقل بِنَفسِهِ. وَالْأول إِمَّا أَن يكون بلفظهما مَعَ ضميمة وَهُوَ أَيْضا لَيْسَ بممتنع كَقَوْلِنَا معنى من غير معنى فِي وَمعنى ضرب غير معنى كلمة فِي أَو بِمُجَرَّد لَفْظهمَا وَهُوَ غير جَائِز لِأَن الْإِخْبَار عَن الْمَعْنى والإسناد إِلَيْهِ بِمُجَرَّد لَفظه خَاصَّة الِاسْم وَهَذَا هُوَ الْجَواب الصَّوَاب فَلَا تنظر إِلَى مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن كلمة من وَضرب فِي القَوْل الْمَذْكُور اسمان للحرف وَالْفِعْل الْمَاضِي وَكَذَا جق وديز اسمان لجق وديز فَإِنَّهُ لم يقل أحد من أَرْبَاب اللُّغَة باسميتهما مَعَ أَن القَوْل باسميتهما إِن كَانَ مَقْرُونا بِدَعْوَى الْوَضع فَلَا بُد من إِثْبَات الْوَضع وَإِلَّا فاصعب من خرط القتاد. هَذَا حَاصِل مَا حققناه فِي جَامع الغموض منبع الفيوض. وَإِن أردْــت تَحْقِيق لفظ الِاسْم فَاعْلَم أَن فِي الِاسْم مذهبين الصَّحِيح أَنه مَأْخُوذ من السمو بِالسِّين الْمُهْملَة المتحركة بالحركات الثَّلَاث وَسُكُون الْمِيم وَإِنَّمَا سميت الْكَلِمَة الْمَذْكُورَة اسْما لعلوها عَن أخويها اسْتِقْلَالا فِي الدّلَالَة على الْمَعْنى واستغناء فِي الِاشْتِقَاق ثمَّ حذفت الْوَاو تَخْفِيفًا على خلاف الْقيَاس ونقلت حَرَكَة السِّين إِلَى الْمِيم ليَصِح الْوَقْف لِأَنَّهُ إِسْقَاط الْحَرَكَة ثمَّ جِيءَ بِالْهَمْزَةِ لِئَلَّا يلْزم الِابْتِدَاء بالساكن. وَقيل الْهمزَة عوض الْوَاو المحذوفة فَصَارَ السمو اسْما. وَالْمذهب الثَّانِي أَن الِاسْم مَأْخُوذ من الوسم بِمَعْنى الْعَلامَة وَإِنَّمَا سميت تِلْكَ الْكَلِمَة بِالِاسْمِ لكَونهَا عَلامَة على مسماها والهمزة مبدلة عَن الْوَاو على غير الْقيَاس لِأَن إِبْدَال الْوَاو الْمَفْتُوحَة فِي أول الْكَلِمَة بِالْهَمْزَةِ نَادِر شَاذ كَأحد واناة. وَلَا يخفى أَن هَذَا الْمَذْهَب بَاطِل لِأَن ماضيه سمى وَجمعه أَسمَاء. وَلَو كَانَ الِاسْم من الوسم الْمِثَال الواوي لَكَانَ الْفِعْل الْمَاضِي مِنْهُ وسم وَجمعه أوسام. وَالْجَوَاب بارتكاب الْقلب المكاني يُنبئ عَن الْقلب الجناني يَعْنِي مَا قَالَ بَعضهم أَن فاءه جعل لامه ملوم. وَقد يُطلق الِاسْم على مَا يُقَابل الصّفة فالاسم الْمُقَابل للْفِعْل والحرف اسْم كزيد وَعَمْرو. وَصفَة كأحمر وأسود. وَقد يُطلق الِاسْم على مَا يُقَابل اللقب والكنية فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ قسم من الْعلم فَإِن الْعلم وَهُوَ مَا وضع لشَيْء بِعَيْنِه غير متناول غَيره بِوَضْع وَاحِد اسْم ولقب وكنية لِأَن الْعلم إِن كَانَ مصدرا بَاب أَو أم أَو ابْن أَو بنت أَو لَا الأول الكنية وَالثَّانِي إِن كَانَ مشعرا بالمدح أَو الذَّم أَو لَا الأول اللقب وَالثَّانِي الِاسْم هَذَا عِنْد النُّحَاة فعلى هَذَا تقَابل الْأَقْسَام بِالذَّاتِ. وَنقل عَن بعض أهل الحَدِيث أَن الْعلم الْمصدر بَاب أَو أم مُضَاف إِلَى اسْم حَيَوَان كَأبي هُرَيْرَة أَو صفة كَأبي الْحسن كنية وَإِلَى غير ذَلِك لقب كَأبي تُرَاب. ثمَّ إِن الكنية عِنْد الْمُحدثين قد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْصَاف كَأبي الْغفار وَأبي الْمَعَالِي وَأبي الحكم وَأبي الْخَيْر. وَقد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْلَاد كَأبي مُسلم وَأبي شُرَيْح. وَقد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى أدنى مُلَابسَة كَأبي هُرَيْرَة فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَآهُ وَمَعَهُ هرة فكناه بِأبي هُرَيْرَة. وَقد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى العلمية الصرفة كَأبي بكر وَأبي عمر كَذَا فِي كنز الْأُصُول فِي معرفَة حَدِيث الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالِاسْم
عِنْد الصُّوفِيَّة هُوَ اللَّفْظ الدَّال على الذَّات مَعَ الصّفة الوجودية كالعليم والقدير، أَو العدمي كالقدوس وَالسَّلَام.

الْأَزَل

(الْأَزَل) السَّرِيع والسمع الْأَزَل ذِئْب أرسح يتَوَلَّد بَين الضبع وَالذِّئْب
الْأَزَل: عبارَة عَن عدم الأولية أَو اسْتِمْرَار الْوُجُود فِي أزمنة مقدرَة غير متناهية فِي جَانب الْمَاضِي وَالْأول أَعم من الثَّانِي لصدق الأول فِي الإعدام أَيْضا بِخِلَاف الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي الموجودات الْقَدِيمَة كَمَا لَا يخفى. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي شرح العقائد النسفية فِي بَيَان حُدُوث الإعيان والإعراض وَالثَّالِث أَن الْأَزَل لَيْسَ عبارَة عَن حَالَة مَخْصُوصَة إِلَى آخِره وَمَا خطر فِي خاطري الكليل وذهني العليل أَو أَن تكراره بخلص الأحباب وزبدة الْأَصْحَاب مستان على السنكميزي أعطَاهُ الله أحسن مَا يتمناه فِي تَحْرِير ذَلِك الْبَحْث الثَّالِث من جَانب الْحُكَمَاء أَن قَوْله الثَّالِث أَن الْأَزَل إِلَى آخِره. حَاصله منع الْمُلَازمَة لَو أُرِيد بالحادث الْحَادِث الْمعِين أَي الْحَرَكَة الْمعينَة وَمنع اسْتِحَالَة اللَّازِم لَو أُرِيد بِهِ الْحَادِث مُطلقًا أَي مُطلق الْحَرَكَة.

وتوضيحه: إِن المُرَاد بالحادث فِي قَوْله فلَان مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَادِث أَي الحركات لَو ثَبت فِي الْأَزَل لزم ثُبُوت الْحَادِث فِي الْأَزَل وَهُوَ محَال إِمَّا فَرد معِين من الْحَادِث فَلَا نسلم أَن مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث أَي الحركات لَو ثَبت فِي الْأَزَل لزم ثُبُوت ذَلِك الْفَرد الْمعِين من الْحَادِث فِي الْأَزَل لجَوَاز ثُبُوته فِي الْأَزَل بِدُونِ ذَلِك الْفَرد. نعم لَو كَانَ الْأَزَل عبارَة عَن زمَان مُقَدّر مَخْصُوص للَزِمَ من وجود مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث فِيهِ وجود جَمِيع الْحَوَادِث فِيهِ فَيكون ذَلِك الْفَرد الْمعِين فِيهِ الْبَتَّةَ وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْأَزَل عبارَة عَن عدم الأولية أَو عَن اسْتِمْرَار الْوُجُود. وَلَا شكّ أَن عدم أولية مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث أَو اسْتِمْرَار وجوده لَا يسْتَلْزم عدم أولية الْحَادِث الْمعِين فِيهِ أَو اسْتِمْرَار وجوده. وَأما الْحَادِث مُطلقًا أَي فَرد منتشر مِنْهُ فالملازمة مسلمة لَكِن استمالة اللَّازِم مَمْنُوع لِأَن مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث أَي الحركات الْحَادِثَة مثلا لَو كَانَ فِي الْأَزَل يكون مُطلق الْحَرَكَة أَي فَرد منتشر مِنْهَا فِي الْأَزَل الْبَتَّةَ وَلَا ضير فِي أزليتها فَإِنَّهُم قَائِلُونَ بأزلية الحركات الْحَادِثَة وَيَقُولُونَ إِن معنى أزليتها أَنه مَا من حَرَكَة إِلَى آخِره وَلَا شكّ أَن الْحَرَكَة الْمُطلقَة أزلية بِمَعْنى عدم الأولية واستمرار الْوُجُود أَيْضا. فَقَوله إِنَّمَا الْكَلَام فِي الْحَرَكَة الْمُطلقَة أَي إِنَّمَا أردنَا بالحادث فِي التَّالِي الْحَرَكَة الْمُطلقَة لِأَن كلامنا فِيهَا وَهِي أزلية عندنَا فاستحالة اللَّازِم مَمْنُوع. فحاصل قَوْله فَالْجَوَاب أَنه لَا وجود إِلَى آخِره وَاضح ولائح.

قَوْله: بل هُوَ عبارَة إِلَى آخِره فللأزلي مَعْنيانِ الأول أَعم من الثَّانِي لشُمُوله الإعدام دون الثَّانِي والأزلي بِالْمَعْنَى الثَّانِي يُسَاوِي الْقَدِيم أَو يرادفه وَإِنَّمَا قَالَ فِي أزمنة مقدرَة ليشْمل أزليته تَعَالَى وأزلية صِفَاته فَإِنَّهُ تَعَالَى وَصِفَاته مَوْجُودَة حَيْثُ لَا زمَان. قَوْله وَمعنى أزلية الحركات الْحَادِثَة إِلَى آخِره تَحْقِيقه مَا حررنا آنِفا وَيحْتَمل أَن يكون جَوَابا عَمَّا يُقَال إِن الحركات الفلكية حَادِثَة لَيْسَ لَهَا عدم الأولية وَلَا اسْتِمْرَار الْوُجُود مَعَ أَنهم قَائِلُونَ بأزليتها.

وَحَاصِل الْجَواب: أَن الْأَزَل هَا هُنَا بِمَعْنى آخر وَأَنت تعلم أَنه على مَا حررنا اربط بالسابق واللاحق. قَوْله وَالْجَوَاب أَنه لَا وجود إِلَى آخِره حَاصله اخْتِيَار الشق الثَّانِي وَإِثْبَات اسْتِحَالَة اللَّازِم بِأَنَّهُ لَا وجود للمطلق إِلَى آخِره. قَوْله فَلَا يتَصَوَّر قدم الْمُطلق أَي أزليته وَمن هَا هُنَا يعلم أَن الْأَزَل مسَاوٍ للقدم أَو مرادف لَهُ انْتهى - وَفِي شرح الْمطَالع الْأَزَل دوَام الْوُجُود فِي الْمَاضِي والأبد دوَام الْوُجُود فِي الْمُسْتَقْبل.
(الْأَزَل) شدَّة الزَّمَان وضيق الْعَيْش

(الْأَزَل) الْقدَم وَمَا لَا أول لَهُ
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.