Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: أثبت

المزاج

المزاج: كيفية متشابهة من تفاعل عناصر متصرفة الأجزاء المماسة بحيث يكسر سورة كل منها سورة الآخر.
(المزاج) مَا يمزج بِهِ الشَّرَاب وَنَحْوه وكل نَوْعَيْنِ امتزجا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا مزاج وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {كَانَ مزاجها كافورا} واستعداد جسمي عَقْلِي خَاص كَانَ القدماء يَعْتَقِدُونَ أَنه ينشأ عَن أَن يتغلب فِي الْجِسْم أحد العناصر الْأَرْبَعَة وَهِي الدَّم والصفراء والسوداء والبلغم وَمن ثمَّ كَانُوا يَقُولُونَ بأَرْبعَة أمزجة هِيَ الدموي والصفراوي والسوداوي والبلغمي أما المحدثون من عُلَمَاء النَّفس فيوافقون القدماء على أَن الأمزجة ترجع إِلَى مؤثرات جثمانية وَلَكنهُمْ يخالفون فِي عدد الأمزجة وأسمائها إِذْ يعتدون بالإفرازات الَّتِي تفرزها الغدد الصم كالغدة الدرقية والغدة الكلوية ويجعلونها المؤثرات الأساسية فِي تكوين المزاج (ج) أمزجة
المزاج: بِكَسْر الْمِيم وَالْجِيم فِي الأَصْل عبارَة عَن اخْتِلَاط الْأَركان إِلَّا أَن ذَلِك الِاخْتِلَاط لما كَانَ سَببا لحدوث كَيْفيَّة مَخْصُوصَة سميت بِهِ تَسْمِيَة للمسبب باسم السَّبَب وَيُقَال فِي حَده أَنه كَيْفيَّة متشابهة ملموسة حَاصِلَة فِي الْجِسْم الْمركب عَن العناصر المتضادة الْكَيْفِيَّة عِنْد انكسار كَيْفيَّة كل وَاحِد مِنْهَا بطبيعة الْأُخْرَى.
وَإِن أردْت إِثْبَات المزاج بعد إِبْطَاله فاستمع لما قَالَه الْعَلامَة الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أورد على أَن القَوْل بالمزاج يسْتَلْزم أحد الْأَمريْنِ. وَهُوَ إِمَّا خلو جُزْء من الْجِسْم الْمركب عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية. أَو تدَاخل الْأَجْسَام وَكِلَاهُمَا محَال أما الْمُلَازمَة فَلِأَنَّهُ إِمَّا أَن يُوجد فِي أَجزَاء الْجِسْم الْمركب مَا يَخْلُو عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية. أَو لَا. فَإِن وجد يلْزم الأول. وَإِن لم يُوجد يلْزم الثَّانِي لِأَنَّهُ إِذا لم يخل جُزْء مَا عَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة وَإِن بلغ فِي الصغر إِلَى حَيْثُ لَا يقبل الْقِسْمَة فَيكون كل جُزْء مُشْتَمِلًا على العناصر الْأَرْبَعَة فَلَا يكون جُزْء من أَجزَاء الْجِسْم الْمركب خَالِيا عَن المَاء مثلا لوُجُوده فِي كل جُزْء وَكَذَا عَن كل وَاحِد من العناصر الْبَاقِيَة وعَلى هَذَا يكون كل وَاحِد من العناصر شاغلا لمَكَان الْمركب بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ عين التَّدَاخُل. وَأما بطلَان الْجُزْء الأول من الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَو خلا جُزْء من الْمركب عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية لما كَانَ المزاج كَيْفيَّة متشابهة فِي جَمِيع أَجزَاء الْجِسْم الممتزج وَاللَّازِم بَاطِل على مَا يدل حَدهمْ المزاج عَلَيْهِ - وَأما بطلَان الْجُزْء الثَّانِي بالأدلة الدَّالَّة على امْتنَاع التَّدَاخُل.
وَأجِيب عَنهُ بأنكم إِن أردتم بِجُزْء من أَجزَاء الْمركب مَا يعم البسائط وَغَيرهَا فيختار خلو جُزْء مِنْهَا عَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة وَهُوَ الْجُزْء الْبَسِيط - لِأَن المزاج كَيْفيَّة قَائِمَة بالمركب وَلكُل جُزْء من أَجْزَائِهِ المركبة من البسائط الْأَرْبَعَة لَا بجزئه الْبَسِيط وَلَا بجزئين وَثَلَاثَة كَذَلِك - وَإِن أردتم بِهِ مَا عدا البسائط فيختار عدم خلو شَيْء من الْأَجْزَاء عَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة. وَلَا يلْزم التَّدَاخُل على مَا لَا يخفى. وبوجه آخر - أَقُول وَلَا نسلم أَنه إِذا لم يخل جُزْء مَا عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية كَانَ كل جُزْء مُشْتَمِلًا على العناصر الْأَرْبَعَة فَإِن الْجُزْء الْبَسِيط غير خَال عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية وَغير مُشْتَمل على العناصر الْأَرْبَعَة - وَهَذَا الْجَواب أحسن من الأول يظْهر بِالتَّأَمُّلِ لمن وفْق لَهُ انْتهى.
قَالَ بعض شرَّاح الملخص الجغمني فِي الْهَيْئَة: إِن مزاج الْمركب كلما أبعد من الِاعْتِدَال كَانَ عرضه أوسع والأقسام المندرجة تَحْتَهُ أَكثر - وَقَالَ القَاضِي زَاده فِي شَرحه: وَفِي كلتا المقدمتين نظر. وَقَالَ بعض المحشين: وَالْمرَاد بالاعتدال الِاعْتِدَال الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ أحسن أَقسَام المزاج الإنساني ونهايته الَّتِي لَا مزاج أعدل مِنْهُ. وبالعرض الْحَال المعنوية الشبيهة بالامتداد المكاني سيعمل الْعرض فِيهِ حَقِيقَة وبالاتساع الْأَمر المشابه بالاتساع الْحَقِيقِيّ المكاني وَكَأَنَّهُ يشبه الأمزجة بالدوائر المحيطة بَعْضهَا بَعْضًا - وَلِهَذَا أثبت الْعرض والاتساع.
فعلى هَذَا تَصْوِيره أَن مزاج الْإِنْسَان دَائِرَة صَغِيرَة والاعتدال الْحَقِيقِيّ هُوَ مركزه وَعرضه من المركز إِلَى هَذِه الدائرة وَبَين المركز وَالْمُحِيط دوائر أُخْرَى هِيَ أَقسَام مزاج الْإِنْسَان. ثمَّ فَوْقه دَائِرَة أُخْرَى هِيَ عبارَة عَن مزاج الْحَيَوَان. وَعرضه مَا بَين تِلْكَ الدائرة والدائرة الأولى الَّتِي هِيَ أولى أمزجة الْإِنْسَان وَهُوَ أول مَا يُطلق عَلَيْهِ مزاج الْحَيَوَان وأقسامه فِيهِ. ثمَّ فَوْقه دَائِرَة أُخْرَى هِيَ عبارَة عَن مزاج النَّبَات وَعرضه مَا بَين هَذِه الدائرة والدائرة الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ أول أمزجة الْحَيَوَان وأقسامه فِيهِ.
ثمَّ فَوْقه دَائِرَة أُخْرَى هِيَ عبارَة عَن مزاج الْمَعْدن - وَعرضه مَا بَين هَذِه الدائرة والدائرة الثَّالِثَة الَّتِي هِيَ أول أمزجة النَّبَات وَمَا بَينهمَا دوائر هِيَ أقسامه. فعلى هَذَا التَّصْوِير وَالْبَيَان ظهر أَن عرض مزاج الْمَعْدن هَا هُنَا بَين هَاتين الدائرتين المذكورتين لَا مَا بَين المركز والدائرة الْأَخِيرَة حَتَّى يلْزم أَن يكون أوسع وعَلى تَقْدِير أوسعيته اتِّفَاقًا لَا يلْزم أَن يكون أقسامه أَكثر لجَوَاز أَن يكون أقل وَهَذَا هُوَ مُرَاد الْمُحَقق بِالنّظرِ فِي كلتا المقدمتين. وَقيل مآل المقدمتين وَاحِد.
وَقَالَ الْفَاضِل البرجندي قَوْله وَفِي كلتا المقدمتين نظرا مَا فِي الأولى فَلِأَن مبناها على أَن المعتدل مَا كَانَ أَجزَاء بسائطه مُتَسَاوِيَة وَمَا كَانَ أقرب إِلَيْهِ يكون أجزاؤه قريبَة من التَّسَاوِي. أما إِذا بعد عَن الِاعْتِدَال بِسَبَب اخْتِلَاف الْأَجْزَاء أمكن الْوُجُود على أنحاء مُخْتَلفَة مثلا يكون مركب جزؤه الناري وَاحِد - والهوائي اثْنَان - والمائي ثَلَاثَة - والأرضي أَرْبَعَة، والأعداد كَثِيرَة. فَعِنْدَ عدم تَسَاوِي الْأَجْزَاء أمكن التَّرْكِيب على صور غير متناهية فَيكون عرض الْأَبْعَد عَن الِاعْتِدَال أوسع. فَيرد عَلَيْهِ أَنه لَا يلْزم أَن تتَحَقَّق المركبات على الْوُجُوه الْمُخْتَلفَة لجَوَاز أَن يكون لوُجُود الْمركب شُرُوط كَثِيرَة لَا يتَحَقَّق ذَلِك الْمركب بِدُونِهَا فَبعد الْمركب عَن الِاعْتِدَال لَا يسْتَلْزم وجود الْعرض الأوسع وَإِن استلزم إِمْكَانه - وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَن مبناها على أَن كل مَا هُوَ عرضه أوسع يكون شُرُوط وجوده أقل بِنَاء على أَن كل مَا هُوَ شَرط لوُجُود الْمركب الْأَبْعَد عَن الِاعْتِدَال فَهُوَ شَرط لوُجُود الْمركب الْأَقْرَب إِلَيْهِ من غير عكس. وَمَا يكون شُرُوط وجوده أقل يكون أسهل وجودا فَيكون أقسامه وأفراده أَكثر. وَيرد عَلَيْهِ أَنه يُمكن أَن تتَحَقَّق شُرُوط وجود الْمركب الْأَقْرَب إِلَى الِاعْتِدَال مَعًا وَلَا تتَحَقَّق شُرُوط وجود الْأَبْعَد على انفرادها وَحِينَئِذٍ يحْتَمل أَن يكون أَفْرَاد الْمركب الْأَقْرَب أَكثر من أَفْرَاد الْمركب الْأَبْعَد كَمَا لَا يخفى - وَبِهَذَا التَّقْرِير يظْهر تغاير المقدمتين ويندفع توهم اتحادهما كَمَا وَقع لبَعض الناظرين انْتهى.
المزاج:
[في الانكليزية] Humour ،mixing
[ في الفرنسية] Humeur ،melange
بالكسر وتخفيف الزاء المعجمة هو في الأصل مصدر بمعنى الامتزاج وهو عبارة عن اختلاط أجزاء العناصر بعضها ببعض نقل في اصطلاح الحكماء إلى كيفية متشابهة متوسّطة بين الأضداد حاصلة من ذلك الامتزاج، فتلك الكيفية لا تحصل إلّا بامتزاج العناصر بعضها ببعض، وتفاعلها والتفاعل لا يحصل إلّا بمماسة السطوح. وكلّما كانت السطوح أكثر كان المماسة أتم، وكثرة السطوح بحسب تصغر الأجزاء. ثم ذلك التفاعل بحسب التقسيم العقلي منحصر في ست صور لأنّ في كلّ عنصر مادة وصورة وكيفية وكلّ منها إمّا فاعل أو منفعل، ولا يجوز أن تكون المادة فاعلة لأنّ شأنها القبول والانفعال لا الفعل والتأثير، ولا أن تكون الصورة منفعلة لأنّ شأنها الفعل والتأثير لا القبول والانفعال، فلم تبق إلّا أربع صور هي ما يكون المنفعل فيها المادة أو الكيفية، والفاعل إمّا الصورة أو الكيفية.
فمذهب الحكماء أنّ الفاعل الصورة والمنفعل المادة، قالوا العناصر المختلفة الكيفية إذا تصغّرت أجزاؤها جدا واختلطت اختلاطا تامّا حتى حصل التماس الكامل بين الأجزاء فعل صورة كلّ منها في مادة الآخر فكسرت هي صورة كيفية الآخر حتى نقص من حرّ الحار فتزول تلك الكيفية ويحصل له كيفية حرّ أقل يستبرد بالنسبة إلى الحارّ الشديدة الحرارة ويستسخن بالنسبة إلى البارد الشديدة البرودة، وكذلك ينقص من برد البارد فيحصل له برد أقلّ، فالكاسر ليس هو المادة لعدم كونها فاعلة ولا الكيفية لأنّ انكسار الكيفيتين المتضادتين إمّا معا أو على التعاقب، فإن حصل الانكساران معا والعلّة واجبة الحصول مع المعلول لزم أن يكون الكيفيتان الكاسرتان موجودتين على صرافتهما عند حصول انكساريهما وهو محال، وإن كان انكسار أحدهما مقدّما على انكسار الأخرى لزم أن يعود المكسور المغلوب كاسرا غالبا وهو أيضا محال. وأمّا المنكسر فليس أيضا الكيفية ولا الصورة، أمّا الثاني فلما مرّ من أنّ الصورة فاعلة لا منفعلة، وأمّا الأوّل فلأنّ الكيفية نفسها لا تتحرّك فلا تستحيل بل الكيفية تتبدّل ومحلّها يستحيل فيها وذلك المحلّ هو المادة. ثم الصورة إنّما تفعل في غير مادّتها بتوسّط الكيفية التي لمادّتها ذاتية كانت أو عرضية فإنّ الماء الحار إذا امتزج بالماء البارد وانفعلت مادة البارد من الحرارة كما تنفعل مادة الحار من البرودة، وإن لم تكن هناك صورة متسخّنة فالكاسر الصورة بتوسّط الكيفية والمنكسر المادة وذلك بأن تحيل مادة العنصر إلى كيفيتها فتكسر صورة كيفيته فحينئذ يحصل كيفية متشابهة في أجزاء المركّب متوسّطة بين الأضداد وهي المزاج.
قال الإمام الرازي لا شبهة في أنّ الشيء لا يوصف بكونه مشابها لنفسه، وإنّما قلنا للكيفية المزاجية إنّها متشابهة لأنّ كلّ جزء من أجزاء المركّب ممتاز بحقيقته عن الآخر فتكون الكيفية القائمة به غير الكيفية القائمة بالآخر إلّا أنّ تلك الكيفيات القائمة بتلك الأجزاء متساوية في النوع وهذا معنى تشابهها. وفي شرح حكمة العين: واعلم أنّ حصول الكيفية أعمّ مما هو بوسط أو بغيره لا الحصول الذي بغير وسط ليخرج المزاج الثاني الواقع بين اسطقسات ممتزجة قد انكسرت كيفيتها بحسب المزاج الأوّل والمراد من كونها متوسّطة أن تكون تلك الكيفية أقرب إلى كلّ واحد من الفاعلين، وكذا إلى كلّ من المنفعلين أو كيفية يستسخن بالقياس إلى البارد وتستبرد بالقياس إلى الحار، وكذا في الرطوبة واليبوسة. وعلى التفسيرين لا تدخل الألوان والطعوم والروائح في الحدّ أمّا على الثاني فظاهر لأنّ شيئا منها لا يتسخن بالنسبة إلى البارد ولا يستبرد بالنسبة إلى الحار، وأمّا على الأوّل فلأنّ المراد من كونها أقرب أن تكون مناسبتها إلى كلّ واحدة من الكيفيات أشدّ من مناسبة بعضها إلى بعض، ومثل ذلك لا تكون إلّا كيفية ملموسة، إذ الطعم ونحوه لا يكون كذلك، إذ المناسبة بين الحرارة والبرودة أشدّ من المناسبة بين الطعم وأحدهما، فلا حاجة حينئذ إلى تقييد الكيفية بالملموسة كما فعله ابن أبي صادق ولا بالأولية كما فعله الإيلاقي ليخرج الكيفيات التابعة للمزاج لعدم دخولها بدونهما على أنّ ما ذكره الإيلاقي ينتقص بالمزاج الثاني فقد أخلّ بعكسه وإن حافظ على طرده. ومذهب الأطباء أنّ الفاعل والمنفعل هو الكيفية، قالوا الفاعل الكاسر هو نفس الكيفية والمنفعل المنكسر صورة الحرارة فإنّ انكسار صورة البرودة لا تتوقّف على أن يكون ذلك بصورة الحرارة حتى يلزم المحذور المذكور بل يحصل ذلك بنفس الحرارة، فإنّ الماء الفاتر إذا مزج بالماء الشديد البرد يكسر صورة برودتها، وكذلك انكسار صورة الحرارة لا يلزم أن يكون ذلك بصورة البرودة، بل قد يحصل بنفس البرودة كالماء القليل البرد إذا مزج بالماء الشديد الحرارة فإنّه يكسر صورة حرارتها. وإذا كان كذلك فلا مانع من استناد التفاعل إلى الكيفيات. وذهب بعض المتأخّرين كالإمام الرازي وصاحب التجريد إلى أنّ الفاعل الكيفية والمنفعل المادة فتفعل الكيفية في المادة فتكسر صرافة كيفيتها وتحصل كيفية متشابهة في الكلّ متوسّطة هي المزاج.
اعلم أنّه ذهب البعض إلى أنّ البسائط إذا امتزجت وانفعل بعضها من بعض فأدّى ذلك بها إلى أن تخلع صورها فلا تبقى لواحد منها صورته المخصوصة به ويلبس الكلّ حينئذ صورة واحدة هي حالة في مادة واحدة، فمنهم من جعل تلك الصورة أمرا متوسّطا بين صورها المتضادة، ومنهم من جعل تلك الصورة صورة أخرى من الصور النوعية للمركّب، فالمزاج على الأول عبارة عن تخلّع صورة وتلبّس صورة متوسّطة، وعلى الثاني تخلّع صورة وتلبّس صورة نوعية للمركّب.

التقسيم:
المزاج ينقسم إلى معتدل وغير معتدل، ولهذا التقسيم وجهان: الأول أن يفسّر المعتدل بما يكون بسائطه متساوية كما وكيفا حتى يحصل كيفية عديمة الميل إلى الأطراف المتضادة فيكون حينئذ على حاق الوسط بينها ويسمّى معتدلا حقيقيا مشتقا من التعادل بمعنى التكافؤ هو لا يوجد في الخارج إذ أجزاؤه متساوية فلا يفسّر بعضها بعضا على الاجتماع، وطبائعها داعية إلى الافتراق قبل حصول الفعل والانفعال، وإنّما اعتبر التساوي كما وكيفا لأنّ امتناع وجوده مبني على تساوي ميول بسائطه، ولا بدّ فيه من تساوي كمياتها لأنّ الغالب في الكمّ يشبه أن يكون غالبا في الميل، وليس هذا وحده كافيا في ذلك التساوي لأنّ الميول قد تختلف باختلاف الكيفيات مع الاتحاد في الحجم كما في الماء المغلي بالنار والمبرّد بالثلج فإنّ ميل الثاني بسبب الكثافة والثّقل اللازمين من التبرّد أشدّ وأقوى من ميل الأول، وربما يكتفى في تفسير المعتدل الحقيقي باعتبار تساوي الكيفيات وحدها في قوتها وضعفها لأنّ ذلك هو الموجب لتوسط الكيفية الحادثة من تفاعلها في حاق الوسط بينها. وإذا عرفت هذا فنقول المزاج إمّا معتدل حقيقي أو غير معتدل، وغير المعتدل منحصر في ثمانية لأنّ خروجه عن الاعتدال إمّا في كيفية مفردة وهو أربعة أقسام:
الخارج عن الاعتدال في الحرارة فقط وهو الحار أو الرطوبة فقط وهو الرطب أو البرودة فقط وهو البارد أو اليبوسة فقط وهو اليابس أو في الحرارة والرطوبة وهو الحار الرطب أو في البرودة واليبوسة وهو البارد اليابس أو في الحرارة واليبوسة وهو الحار. اليابس أو في البرودة والرطوبة وهو البارد الرّطب، والأربعة الأول تسمّى أمزجة مفردة وبسيطة، والثواني مركّبة. والثاني أن يفسّر المعتدل بما يتوفّر عليه من كميات العناصر وكيفياتها القسط الذي ينبغي له وما يليق بحاله ويكون أنسب بأفعاله، مثلا شأن الأسد الجرأة والإقدام وشأن الأرنب الخوف والجبن فيليق بالأول غلبة الحرارة وبالثاني غلبة البرودة، وتسمّى معتدلا فرضيا وطبيا وهو الذي يستعمله الأطباء في مباحثهم، وهو مشتقّ من العدل في القسمة، فهو من أحد الأقسام الثمانية للخارج عن المعتدل الحقيقي لميله إلى أحد الطرفين ويقابله غير المعتدل الطبّي، وهو ما لم يتوفّر عليه من العناصر بكمياتها وكيفياتها القسط الذي ينبغي له، وهو أيضا من أحد الأقسام الثمانية للخارج عن المعتدل الحقيقي، وكلّ من القسمين ثمانية أقسام. فالمعتدل الطبّي قد يعتبر بالنسبة إلى النوع والصنف والشخص والعضو ويعتبر كلّ من هذه الأربعة بالنسبة إلى الداخل تارة وإلى الخارج أخرى فلكلّ نوع من المركّبات مزاج لا يمكن أن توجد صورته النوعية إلّا معه، وليس ذلك المزاج على حدّ واحد لا يتعدّاه وإلّا كان جميع أفراد النوع الواحد كالإنسان مثلا متوافقة في المزاج وما يتبعه من الخلق والخلق بل له عرض فيما بين الحرارة والبرودة وبين الرطوبة واليبوسة ذو طرفين إفراط وتفريط إذا خرج عنه لم يكن ذلك النوع فهو اعتداله النوعي بالنسبة إلى الأنواع الخارجة عنه. فلنفرض أنّ حرارة مزاج الإنسان مثلا لا يزيد على عشرين ولا ينقص من عشرة حتى تكون حرارته متردّدة بين عشر إلى عشرين ففي الإفراط إذا زادت على عشرين لما كان إنسانا بل فرسا مثلا وفي التفريط إذا نقصت من عشرة لم يكن إنسانا بل أرنبا مثلا، فلكلّ مزاج حدّان متى فقدهما لم يصلح ذلك أن يكون مزاجا لذلك النوع، وأيضا لكلّ نوع مزاج واقع في وسط ذلك العرض هو أليق الأمزجة به ويكون حاله فيما خلق له من صفاته وآثاره المختصّة به أجود مما يتصوّر منه، وذلك اعتداله النوعي بالنسبة إلى ما يدخل فيه من صنف أو شخص، فالاعتدال النوعي بالقياس إلى الخارج يحتاج إليه النوع في وجوده ويكون حاصلا لكلّ فرد فرد على تفاوت مراتبه وبالقياس إلى الداخل يحتاج إليه النوع في أجودية كمالاته ولا يكون حاصلا إلّا لأعدل شخص من أعدل صنف من ذلك النوع، وأمّا أعدلية ذلك النوع فغير لازم ولا يكون أيضا حاصلا له إلّا في أعدل حالاته، وقس الثلاثة الباقية عليه. فالاعتدال الصنفي بالقياس إلى الخارج هو الذي يكون لائقا بصنف من نوع مقيسا إلى أمزجة سائر أصنافه كمزاج الهندي بالنسبة إلى غيرهم وله عرض ذو طرفين هو أقل من العرض النوعي إذ هو بعض منه، وإذا خرج عنه لم يكن ذلك الصنف، وبالقياس إلى الداخل هو المزاج الواقع في حاق الوسط من هذا العرض وهو أليق الأمزجة الواقعة فيما بين طرفيه بالصنف إذ به تكون حاله أجود فيما خلق لأجله ولا يكون إلّا لأعدل شخص منه في أعدل حالاته، سواء كان هذا الصنف أعدل الأصناف أو لا، والاعتدال الشخصي بالنسبة إلى الخارج هو الذي يحتاج إليه الشخص في بقائه موجودا سليما وهو اللائق به مقيسا إلى أمزجة أشخاص أخر من صنفه، وله أيضا عرض هو بعض من العرض الصنفي وبالنسبة إلى الداخل هو الذي يكون به الشخص على أفضل حالاته والاعتدال العضوي مقيسا إلى الخارج ما يتعلّق به وجود العضو سالما وهو اللائق به دون أمزجة سائر الأعضاء، وله أيضا عرض إلّا أنّه ليس بعضا من العرض الشخصي ومقيسا إلى الداخل هو الذي يليق بالعضو حتى يكون على أحسن أحواله وأكمل أزمانه. وأمّا غير المعتدل فلأنّه إمّا أن يكون خارجا عما ينبغي في كيفية واحدة ويسمّى البسيط وهو أربعة: حار وبارد ورطب ويابس أو في كيفيتين غير متضادتين ويسمّى المركّب وهو أيضا أربعة، واعترض عليه بأنّ الخارج عن الاعتدالين لمّا لم يكن معتبرا بالقياس إلى المعتدل الحقيقي بل بالقياس إلى الفرضي جاز أن يكون خروجه عن الاعتدال بالكيفيتين المتضادتين، ولا يلزم من ذلك كون المتضادين غالبين ومغلوبين معا إذ ليس المعتبر زيادة كلّ على الأخرى بل على القدر اللائق.
وأجيب بأنّ هذا وهم منشأه عدم اعتبار عرض المزاج وإذا اعتبرناه فلا يرد شيء فإنّا نفرض معتدلا ما ينبغي له من الأجزاء الحارّة من عشرة إلى عشرين ومن الباردة من خمسة إلى عشرة مثلا فهذا المركّب إنّما يكون معتدلا ما دامت الأجزاء على نسبة التضعيف حتى لو صارت الحارة ثلاثة عشر والباردة ستة ونصفا كان معتدلا، ولو اختلفت تلك النسبة فإمّا أن تكون الباردة أقلّ من النصف فيكون المزاج أحرّ مما ينبغي أو أكثر منه فيكون أبرد فلا يتصوّر أن يصير الخارج أحر وأبرد، وقس عليه الرطوبة واليبوسة.
اعلم أنّ كلا من الأمزجة الثمانية الخارجة عن الاعتدال قد يكون ماديا بأن يغلب على البدن خلط يغلب عليه كيفية فيخرجه عن الاعتدال الذي هو حقّه إلى تلك الكيفية كأن يغلب مثلا عليه البلغم فيخرجه إلى البرودة وقد يكون ساذجا بأن يخرج عن الاعتدال لا بمجاورة بل بأسباب خارجة عنه أوجبت ذلك كالمبرّد بالثلج والمسخّن بالشمس وقد يكون جبليا وطبعيا خلق البدن عليه وعرضيا عرض له بعد اعتداله في جبليته. وأيضا ينقسم المزاج إلى أول وثان فالمزاج الأول هو الحادث عن امتزاج العناصر والمزاج الثاني هو الحادث عن امتزاج ذوي الأمزجة كالترياق فإنّ لكلّ من مفرداته مزاجا خاصا وللمجموع مزاجا آخر كذا في بحر الجواهر. وفي الآقسرائي المزاج الأول هو أول مزاج يحدث من العناصر والمزاج الثاني هو الذي يحدث عن امتزاج أشياء لها في أنفسها أمزجة، وامتزاجها ليس امتزاجا صار به الكلّ متشابها قوة وذلك لأنّه إذا كان كذلك صار مزاج ذلك الممتزج مزاجا أولا، ووجه الحصر أنّ المزاج إمّا أن لا يحصل من أشياء لها أمزجة قبل التركيب أو يحصل منها والأول هو الأول والثاني هو الثاني، انتهى. ثم المزاج الثاني قد يكون صناعيا كمزاج الترياق وقد يكون طبعيا كمزاج اللبن فهو عن مائية وجبلية ودسمية، ولكلّ مزاج خاص، وقد يكون قويا فيعسر تفريق أحد بسائطه عن الآخر لا بالطبخ ولا بالنار ويسمّى مزاجا موثقا كمزاج الذهب فإنّه مركّب من جوهر مائي يغلب عليه الرطوبة وجوهر أرضي يغلب عليه اليبوسة، وقد امتزجا امتزاجا لا يقدر النار على تفريقهما، وقد يكون رخوا لا يعسر تفريق بسائطه، فإمّا أن يحلّله النار دون الطبخ كالبابونج فإنّ فيه قوة قابضة ومحلّلة لا تفترقان بالطبخ، أو الطبخ دون الغسل كالعدس فإنّ فيه قوة محلّلة تخرج بالطبخ في مائيته ويبقى القوة الأرضية في جرمه، أو الغسل كالهندباء فإنّ جزؤها المفتّح الملطّف يزول بالغسل ويبقى الجزء المائي البارد، وقول الأطباء هذا الدواء له قوة مؤلّفة من قوى متضادة يعني بها هذا المزاج الثاني الرخو.
فائدة:
اتفقوا على أنّ أعدل أنواع المركّبات أي أقربها إلى الاعتدال الحقيقي نوع الإنسان لأنّ النفس الناطقة أشرف وأكمل ولا يخلّ في إفاضة المبدأ بل هي بحسب استعدادات القوابل، فاستعداد الإنسان بحسب مزاجه أشدّ وأقوى فيكون إلى الاعتدال الحقيقي أقرب واختلفوا في أعدل الأصناف من نوع الإنسان. فقال ابن سينا وسكان خط الاستواء تشابه أحوالهم في الحرّ والبرد لتساوي ليلهم ونهارهم أبدا. وقال الامام الرازي سكان الإقليم الرابع لأنّا نرى أهلها أحسن ألوانا وأطول قدودا وأجود أذهانا وأكرم أخلاقا، وكلّ ذلك يتبع المزاج، والتحقيق يطلب من الآقسرائي وشرح التذكرة.
فائدة:
القول بالمزاج مبني على القول بالاستحالة والكون والفساد إذ الكيفية المتشابهة لا تحصل إلّا بهما. أمّا الأول فظاهر لما عرفت، وأمّا الثاني فلأنّ النار لا تهبط عن الأثير بل يتكوّن هاهنا وكان من المتقدّمين من ينكرهما معا كانكساغورس وأصحابه القائلين بالخليط فإنّهم يزعمون أنّ الأركان الأربعة لا يوجد شيء منها صرفا بل هي مختلفة من تلك الطبائع ومن سائر الطبائع النوعية كاللحم والعظم والعصب والتمر والعسل والعنب وغير ذلك، وإنّما يسمّى بالغالب الظاهر منها وعند ملاقاة الغير يعرض لها أن يبرز منها ما كان كامنا فيها فيغلب ويظهر للحسّ بعد ما كان مغلوبا غائبا عنه لا على أنّه حدث بل على أنّه برز، ويكمن فيها ما كان بارزا فيصير مغلوبا وغائبا بعد ما كان غالبا وظاهرا. فالماء إذا تسخّن لم يستحل في كيفية بل كان فيه أجزاء نارية كامنة فبرزت بملاقاة النار، وهؤلاء أصحاب الكمون والبروز. وقوم يزعمون أنّ الظاهر ليس على سبيل البروز، بل على سبيل النفوذ في غيره من خارج كالماء مثلا فإنّه إنّما يتسخّن بنفوذ أجزاء نارية فيه من النار المجاورة له، وهؤلاء أصحاب الفشو والنفوذ.
والمذهبان متقاربان فإنّهما مشتركان في أنّ الماء لم يستحل حارا، لكن الحار نار يخالطه فيعترفان في أنّ أحدهما يرى أنّ النار برزت من داخل الماء، والآخر يرى أنّها وردت عليه من خارجه. وإنّما دعاهم إلى ذلك الحكم لامتناع الاستحالة والكون والفساد. هكذا يستفاد من شرح حكمة العين وشرح المواقف وشرح التجريد وغيرها. والمزاج في اصطلاح أهل الرّمل نسبة شكل لليل أو للنهار كما يقولون:
في شكل الشمس إذا كان واقفا في الأول يوم الأحد وليلة الخميس فله مزاج. هكذا في بعض الرسائل.
(المزاج) رجل مزاج مخلط كَذَّاب لَا يثبت على خلق إِنَّمَا هُوَ ذُو أَخْلَاق متقلبة

المباشرة

المباشرة: كون الحركة بدون توسط فعل آخر كحركة اليد. وأصل المباشرة التقاء البشرتين عمدا.
المباشرة:
[في الانكليزية] Sexual intercourse ،copulation coitus ،direct action
[ في الفرنسية] Copulation ،coit ،action directe
في اللغة الجماع. والفاحشة من المباشرة عند الفقهاء هي أن تماس أحد الفرجين من الزوجين الآخر متجرّدين مع انتشار الآلة بلا التقاء الختانين. ومنهم من لم يشترط مسّ الفرجين بل التجرّد والانتشار وهي من نواقض الوضوء، ولا يكون المباشرة بين الرجلين والمرأتين عند الأكثرين كذا في جامع الرموز.
والمباشرة عند المعتزلة هو الفعل الصادر بلا وسط. قالوا الفعل الصادر من الفاعل بلا وسط هو المباشرة وبوسط هو التوليد كحركة اليد والمفتاح فإنّ حركة المفتاح بتوسّط حركة اليد فيكون توليدا. اعلم أنّ التوليد إنّما أثبتــه المعتزلة لأنّهم لمّا أسندوا أفعال العباد إليهم ورأوا فيها ترتّبا وأيضا رأوا أنّ الفعل المرتّب على فعل آخر يصدر عنهم وإن لم يقصدوا إليه، فلم يمكنهم إسناد الفعل المركّب إلى تأثير قدرتهم فيه ابتداء لتوقّفه على القصد قالوا بالتوليد، وهذا باطل عند الأشاعرة لاستناد جميع الممكنات إلى الله تعالى ابتداء عندهم.

القدرة

القدرة:
[في الانكليزية] Power ،capacity ،free will
[ في الفرنسية] Pouvoir ،capacite ،libre arbitre
بالضم هي صفة تؤثّر تأثير وفق الإرادة فخرج ما لا يؤثّر كالعلم إذ لا تأثير له وإن توقّف تأثير القدرة عليه، وكذا خرج ما يؤثّر لا وفق الإرادة كالطبيعة للبسائط العنصرية. وقيل القدرة ما هو مبدأ قريب للأفعال المختلفة.
والمراد بالمبدإ هو الفاعل المؤثّر، والقريب احتراز عن البعيد الذي يؤثّر بواسطة كالنفوس الحيوانية والنباتية، فإنّها مبادئ لأفعال مختلفة مثل التنمية والتغذية والتوليد لكنها بعيدة لكونها مبادئ باستخدام الطبائع والكيفيات، وفيه بحث لأنّ المؤثّر في هذه الأفاعيل إن كان هو الطبائع والكيفيات كانت هذه النفوس خارجة بقيد المبدأ، وإن كان المؤثّر فيها هو النفوس وكانت الطبائع والكيفيات آلات لها لم يخرج بقيد القريب لأنّ الفاعل القريب قد يحتاج إلى استعمال الآلة. وقد يقال معنى استخدامها إياهما أنّها تنهضهما للتأثير في هذه الأفاعيل، وهذا الإنهاض أشبه الفاعل كالقاسر في الحركة فإنّه يسخّر طبيعة المقسور للتحريك، فكانت بحسب الظاهر داخلة في المبدأ خارجة بالقريب. فالنفس الفلكية قدرة على التفسير الأول لأنّها تؤثّر وفق الإرادة دون التفسير الثاني لأنّها ليست مبدأ لأفاعيل مختلفة بل لفعل واحد. فعلى هذا، الصفة تتناول الجوهر والعرض معا وفيه بعد، والقوة النباتية بالعكس أي قدرة على التفسير الثاني لكونها مبدأ قريبا لأفاعيل مختلفة دون التفسير الأول إذ لا شعور لها بأفاعيلها، والقوة الحيوانية قدرة على التفسيرين لكونها صفة مؤثّرة وفق الإرادة ومبدأ قريبا لأفاعيل مختلفة، والقوة العنصرية ليست قدرة على التفسيرين إذ لا إرادة لها ولا شعور وليست أفعالها مختلفة بل على نهج واحد. ويرد على التفسيرين القدرة الحادثة على رأي الأشاعرة فإنّها لا تؤثّر في فعل أصلا، فلا يدخل في التفسير الأول. وليست مبدأ لأثر قطعا فلا يدخل في الثاني وإن كان لها تعلّق بالفعل يسمّى ذلك التعلّق كسبا. ونفى جهم القدرة الحادثة وقال لا قدرة للعبد أصلا وهذا غلوّ في الجبر لا توسّط بين الجبر والتفويض كما هو الحقّ، لأنّ الفرق بين الصاعد بالاختيار وبين الساقط عن علو ضروري فالأول له اختيار أي له صفة توجد الصعود عقيبها ويتوهّم كونها مؤثّرة فيه، وتسمّى تلك الصفة قدرة واختيارا دون الثاني أي الساقط من العلو ليس له تلك الصفة. فإن قال جهم لا نريد بالقدرة إلّا الصفة المؤثّرة وإذ لا تأثير فلا قدرة كان منازعا لنا معاشر الأشاعرة في التسمية، فإنّا نثبت للعبد ذات الصفة المعلومة بالبديهة ونسمّيها قدرة، فإذا اعترف جهم بتلك الصفة وقال إنّها ليست قدرة لعدم تأثيرها كان نزاعه معنا في إطلاق لفظ القدرة على تلك الصفة، وهو بحث لفظي. وإن قال حقيقة القدرة وماهيتها أنّها صفة مؤثّرة منعناه، فإنّ التأثير من توابع القدرة وقد ينفكّ عنها كما في القدرة الحادثة عندنا.
فائدة:
اتفقت الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم على أنّ القدرة وجودية يتأتّى معها الفعل بدلا عن الترك والترك بدلا عن الفعل. وقال بشر بن المعتمر القدرة الحادثة عبارة عن سلامة البنية عن الآفات، فجعلها صفة عدمية. قال فمن أثبت صفة وجودية زائدة على سلامة البنية فعليه البرهان. واختار الإمام الرازي مذهبه في المحصّل. وقال ضرار بن عمرو بن هشام بن سالم إنّها بعض القادر فالقدرة على الأخذ عبارة عن اليد السليمة، والقدرة على المشي عبارة عن الرجل السليمة. وقيل القدرة الحادثة بعض المقدور وفساده أظهر.
فائدة:
قال الأشعري وأكثر أصحابه القدرة الواحدة لا تتعلّق بمقدورين مطلقا سواء كانا متضادين أو متماثلين أو مختلفين لا على سبيل البدل ولا معا، بل إنّما تتعلّق بمقدور واحد وذلك لأنّ القدرة مع المقدور. لا شكّ أنّ ما نجده عند صدور أحد المقدورين منا مغاير لما نجده عند صدور الآخر. وقال أكثر المعتزلة تتعلّق بجميع مقدوراته أي المتضادة وغيرها.
وقال الإمام الرازي القدرة تطلق على مجرّد القوة هي مبدأ الأفعال المختلفة الحيوانية وهي القوة العضلية التي هي بحيث متى انضمّ إليها إرادة أحد الضدين حصل ذلك الضدّ، ومتى انضمّ إليها إرادة الضدّ الآخر حصل ذلك الآخر وهي قبل الفعل، وعلى القوة المستجمعة بشرائط التأثير، ولا شكّ أنّها تتعلّق بالضّدين معا بل بالنسبة إلى كلّ مقدور غيرها بالنسبة إلى المقدور الآخر لاختلاف الشرائط وهي مع الفعل. ولعلّ الشيخ أراد بالقدرة القوة المستجمعة والمعتزلة مجرّد القوة.
فائدة:
العجز عرض مضاد للقدرة باتفاق الأشاعرة وجمهور المعتزلة خلافا لأبي هاشم في آخر أقواله، حيث ذهب إلى أنّه عدم القدرة مع اعترافه بوجود الأعراض وخلافا للأصمّ فإنّه نفى الأعراض مطلقا. قال الإمام الرازي لا دليل على كون العجز صفة وجودية وما يقال من أنّ جعل العجز عبارة عن عدم القدرة ليس أولى من العكس ضعيف، لأنّا نقول كلاهما محتمل وإذا لم يقم دليل على أحدهما كان الاحتمال باقيا. وفي نقد المحصّل أنّ القدرة إن فسّرت بسلامة الأعضاء فالعجز عبارة عن آفة تعرض للأعضاء وتكون القدرة أولى بأن لا تكون وجودية لأنّ السلامة عدم الآفة، وإن فسّرت القدرة بهيئة تعرض عند سلامة الأعضاء وتسمّى بالتمكّن أو بما هو علّة له، وجعل العجز عبارة عن عدم تلك الهيئة كانت القدرة وجودية والعجز عدميا. وإن أريد بالعجز ما يعرض للمرتعش ويمتاز به حركة الارتعاش عن حركة الاختيار فالعجز وجودي. ولعلّ الأشاعرة ذهبوا إلى هذا المعنى فحكموا بكونه وجوديا.
فائدة:
القدرة مغايرة للمزاج لأنّ المزاج من جنس الكيفيات المحسوسة دون القدرة، وأيضا المزاج قد يمانع القدرة كما عند اللّغوب فإنّ من أصابه لغوب وإعياء يصدر عنه أفعال بقدرته واختياره ومزاجه يمانع قدرته في تلك الأفعال.
فائدة:
هل النوم ضدّ القدرة؟ فاتفاق المعتزلة وكثير من الأشاعرة على امتناع صدور الأفعال المتقنة الكثيرة من النائم وجواز صدور الأفعال المتقنة القليلة منه بالتجربة. فعلى هذا فالنوم لا يضادّ القدرة. وقال الأستاذ أبو إسحاق هي غير مقدورة له، فعلى هذا هو يضادّها، وتوقّف القاضي أبو بكر وكثير من الأشاعرة، كذا في شرح المواقف. وقد سبق ما يتعلّق بهذا في لفظ الاختيار.
القدرة: إظهار الشيء من غير سبب ظاهر، ذكره الحرالي. وقال ابن الكمال. الصفة التي يتمكن بها الحي من الفعل، وتركه بالإرادة.

القحبة

(القحبة) الْعَجُوز يَأْخُذهَا السعال والفاسدة الْجوف من دَاء وَالْبَغي لِأَنَّهَا كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تؤذن طلابها بقحابها سعالها (ج) قحاب
القحبة: المرأة البغي، من قحب الرجل إذا سعل من لؤمه لأنها تسعل ترمز بذلك، ذكره ابن دريد كابن القوطية، وجرى عليه في البارع، وبه رد قول الجوهري: القحبة مولدة لأن هؤلاء أثبات، وقد أثبتــوه.
القحبة: هِيَ الَّتِي تخرج إِلَى الْفَاحِشَة وَهِي أفحش من الزَّانِيَة لِأَن الزَّانِيَة تفعل سرا والقحبة جَهرا لِأَنَّهَا من تجاهر بِالْأُجْرَةِ تفعل الزِّنَا عَلَانيَة.

الخطاب

الخطاب: هو القول الذي يفهم المخاطب به شيئا.
الخطاب:
[في الانكليزية] Discorse ،speach
[ في الفرنسية] Discours
بالكسر وتخفيف الطاء المهملة على ما في المنتخب وهو بحسب أصل اللغة توجيه الكلام نحو الغير للإفهام، ثم نقل إلى الكلام الموجّه نحو الغير للإفهام. وقد يعبّر عنه بما يقع به التخاطب. قال في الأحكام: الخطاب اللفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو متهيّئ لفهمه. فاحترز باللفظ عن الحركات والإشارات المفهمة بالمواضعة وبالمتواضع عليه عن الأقوال المهملة. وبالمقصود به الإفهام عن كلام لم يقصد به إفهام المستمع فإنّه لا يسمّى خطابا.
وبقوله لمن هو متهيّئ لفهمه عن الخطاب لمن لا يفهم كالنائم، والظاهر عدم اعتبار القيد الأخير؛ ولهذا يلام الشخص على خطابه من لا يفهم. والكلام يطلق على العبارة الدّالّة بالوضع على مدلولها القائم بالنفس. فالخطاب إمّا الكلام اللفظي أو الكلام النفسي الموجّه به نحو الغير للإفهام. والمتبادر من عبارة الإحكام الكلام اللفظي، والمراد بالخطاب في تفسير الحكم هو الكلام النفسي كما سبق.
ثم الخطاب قسمان تكليفي ووضعي وقد سبق في لفظ الحكم.
اعلم أنه قد جرى الخلاف في تسمية كلام الله تعالى خطابا في الأزل قبل وجود المخاطبين تنزيلا لما سيوجد منزلة الموجود أولا. وهو مبني على تفسير الخطاب. فإن قلنا إنّه الكلام الذي علم أنّه يفهم كان خطابا، وإنّما اعتبر العلم ولم يقل من شأنه لفائدتين: إحداهما أنّ المتبادر منه الإفهام بالقوّة، فيخرج عنه الخطاب المفهم بالفعل. وثانيتهما أنّ المعتبر فيه العلم بكونه مفهما في الجملة. فما لا يفهم في الحال ولم يعلم إفهامه في المآل لا يكون خطابا، بل إن كان مما يخاطب يكون لغوا بحسب الظاهر على ذلك التقدير، وليس المراد من صيغة يفهم معنى الحال أو الاستقبال، بل مطلق الاتصاف بالإفهام الشامل لحال الكلام وما بعده. وإن قلنا إنّه الكلام الذي أفهم لم يكن خطابا، والمراد بالإفهام هاهنا الإفهام الواقع بالفعل أعمّ من الماضي والحال، ويبتني عليه أنّ الكلام حكم في الأزل أو يصير حكما فيما لا يزال.
هذا كله خلاصة ما في العضدي وحاشيته للسيد الشريف.
والحاصل أنّ من قال الخطاب هو الكلام الذي يقصد به الإفهام سمّي الكلام في الأزل خطابا لأنّه يقصد به الإفهام في الجملة. ومن قال هو الكلام الذي يقصد به إفهام من هو أهل للفهم على ما هو الأصل لا يسمّيه في الأزل خطابا. والأكثر ممن أثبت لله تعالى الكلام النفسي من أهل السّنة على أنّه كان في الأزل أمر ونهي وخبر واستخبار ونداء. والأشعرية على أنّه تعالى تكلّم بكلام واحد وهو الخبر، ويرجع الجميع إليه لينتظم له القول بالوحدة.
وليس كذلك إذ مدلول اللفظ ما وضع له اللفظ لا ما يقتضي مدلوله أو يئول إليه أو يأول به وإلّا لجاز اعتباره في الخبر أيضا، فحينئذ يرتفع الوثوق عن الوعد والوعيد لاحتمال معنى آخر من البشارة والإنذار وغيرهما. ومن يريد أن يأمر أو ينهى أو يخبر أو يستخبر أو ينادي يجد في نفسه قبل التلفّظ معناها ثم يعبّر عنه بلفظ أو كتابة أو إشارة، وذلك المعنى هو الكلام النفسي وما يعبّر به هو الكلام اللفظي. وقد يسمّى الكلام الحسّي، ومغايرتهما بيّنة، إذ المعبّر به قد يختلف دون المعنى، والفرق بين الكلام النفسي والعلم هو أنّ ما خاطب به مع نفسه أو مع غيره فهو كلام وإلّا فهو علم.
ونسبة علمه تعالى إلى جميع الأزمنة على السّنوية فيكون جميع الأزمنة من الأزل إلى الأبد بالقياس إليه تعالى كالحاضر في زمان واحد، فيخاطب بالكلام النفسي مع المخاطب النفسي، ولا يجب فيه حضور المخاطب الحسّي فيخاطب الله تعالى كل قوم بحسب زمانه وتقدّمه وتأخّره، مثلا إذا أرسلت زيدا إلى عمرو تكتب في مكتوبك إليه أني أرسلت إليك زيدا مع أنّه حين ما تكتبه لم يتحقّق الإرسال فتلاحظ حال المخاطب. وكما تقدّر في نفسك مخاطبا فتقول له تفعل الآن كذا وستفعل بعده كذا، ولا شكّ أنّ هذا المضي والحضور والاستقبال إنّما هو بالنسبة إلى زمان الوجود المقدّر لهذا المخاطب لا بالنسبة إلى زمان المتكلّم. ومن أراد أن يفهم هذا المعنى فليجرّد نفسه عن الزمان يجد هذا المعنى معاينة وهذا سرّ هذا الموضع والله الموفق، هكذا في كليات أبي البقاء.
ودليل الخطاب عند الأصوليين هو مفهوم المخالفة وفحوى الخطاب، ولحن الخطاب عندهم هو مفهوم الموافقة والبعض فرّق بينهما، ويجيء في لفظ المفهوم.

العقل

العقل: بالضم الديةُ أي المال الذي هو بدلُ النفس.
العقل: بالملكة، العلم بالضروريات، واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريات.
العقل:
[في الانكليزية] Wind ،reason ،intellect
[ في الفرنسية] Vent ،raison ،intellect
بالفتح وسكون القاف يطلق على معان منها إسقاط الخامس المتحرّك كذا في عنوان الشرف. وفي رسالة قطب الدين السرخسي العقل إسقاط الخامس بعد العصب انتهى، والمآل واحد إلّا أنّ الأول لقلة عمله أولى.
ويقول في منتخب اللغات العقل هو إسقاط التاء من مفاعلتن. وعلى هذا اصطلاح أهل العروض، ومنها الشكل المسمّى بالطريق في علم الرمل ومنها عنصر الهواء. وأهل الرّمل يسمّون الريح عقلا، الريح الأولى يسمّونها العقل الأول، حتى إنهم يسمّون ريح العتبة الداخلة العقل السابع، حسب ترتيب وضع جدول الأنوار في الطالب والمطلوب كما مرّ. وهذا اصطلاح أهل الرّمل. ومنها التعقّل صرّح بذلك المولوي عبد الحكيم في حاشيته لشرح المواقف في تعريف النّظر، وهو إدراك شيء لم يعرضه العوارض الجزئية الملحقة بسبب المادة في الوجود الخارجي من الكم والكيف والأين والوضع وغير ذلك. وحاصله إدراك شيء كلّي أو جزئي مجرّد عن اللواحق الخارجية، وإن كان التجرّد حصل بالتجريد فإنّ المجرّدات كلّية كانت أو جزئية معقولة بلا احتياج إلى الانتزاع والتجريد، والماديات الكلّية أيضا معقولة لكنها محتاجة إلى الانتزاع والتجريد عن العوارض الخارجية المانعة من التعقّل. وأما الماديات الجزئية فلا تتعقّل، بل إن كانت صورا تدرك بالحواس وإن كانت معاني فبالوهم التابع للحسّ الظاهري، هكذا حقّق السّيد السّند في حواشي شرح حكمة العين. ومنها مطلق المدرك نفسا كان أو عقلا أو غيرهما كما يجيء في لفظ العلم. ومنها موجود ممكن ليس جسما ولا حالا فيه ولا جزءا منه، بل هو جوهر مجرّد في ذاته مستغن في فاعليته عن آلات جسمانية.
وبعبارة أخرى هو الجوهر المجرّد في ذاته وفعله أي لا يكون جسما ولا جسمانيا ولا يتوقّف أفعاله على تعلّقه بجسم. وبعبارة أخرى هو جوهر مجرّد غير متعلّق بالجسم تعلّق التدبير والتصرّف، وإن كان متعلّقا بالجسم على سبيل التأثير. فبقيد الجوهر خرج العرض والجسم.
وبقيد المجرّد خرج الهيولى والصورة. وبالقيد الأخير خرج النفس الناطقة. والعقل بهذا المعنى أثبتــه الحكماء. وقال المتكلّمون لم يثبت وجود المجرّد عندنا بدليل، فجاز أن يكون موجودا وأن لا يكون موجودا، سواء كان ممكنا أو ممتنعا. لكن قال الغزالي والرّاغب في النفس إنّه الجوهر المجرّد عن المادة. ومنهم من جزم امتناع الجوهر المجرّد. وفي العلمي حاشية شرح هداية الحكمة: هذا الجوهر يسمّيه الحكماء عقلا ويسمّيه أهل الشرع ملكا، وفي بعض حواشي شرح الهداية القول بأنّ العقول المجرّدة هي الملائكة تستّر بالإسلام لأنّ الملائكة في الإسلام أجسام لطيفة نورانية قادرة على أفعال شاقّة متشكّلة بأشكال مختلفة ولهم أجنحة وحواس. والعقول عندهم مجرّدة عن المادة، وكأنّ هذا تشبيه، يعني كما أنّ عندكم المؤثّر في العالم أجسام لطيفة فكذلك عندنا المؤثّر فيه عقول مجردة انتهى.
فائدة:

قال الحكماء: الصادر الأول من البارئ تعالى هو العقل الكلّ وله ثلاثة اعتبارات:
وجوده في نفسه ووجوبه بالغير وإمكانه لذاته، فيصدر عنه أي عن العقل الكلّ بكل اعتبار أمر فباعتبار وجوده يصدر عنه عقل ثان، وباعتبار وجوبه بالغير يصدر نفس، وباعتبار إمكانه يصدر جسم، وهو فلك الأفلاك. وإنّما قلنا إنّ صدورها عنه على هذا الوجه استنادا للأشرف إلى الجهة الأشرف والأخسّ إلى الأخسّ، فإنّه أحرى وأخلق. وكذلك يصدر من العقل الثاني عقل ثالث ونفس ثانية وفلك ثان، هكذا إلى العقل العاشر الذي هو في مرتبة التاسع من الأفلاك، أعني فلك القمر، ويسمّى هذا العقل بالعقل الفعّال، ويسمّى في لسان أهل الشرع بجبرئيل عليه السلام كما في شرح هداية الحكمة، وهو المؤثّر في هيولى العالم السّفلي المفيض للصّور والنفوس والأعراض على العناصر والمركّبات بسبب ما يحصل لها من الاستعدادات المسبّبة من الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية وأوضاعها. وفي الملخص إنهم خبطوا فتارة اعتبروا في الأول جهتين:
وجوده وجعلوه علّة التعقّل، وإمكانه وجعلوه علّة الفلك. ومنهم من اعتبر بدلهما تعلّقه بوجوده وإمكانه علّة تعقّل وفلك وتارة اعتبروا فيه كثرة من وجوه ثلاثة كما مرّ، وتارة من أربعة أوجه، فزادوا علمه بذلك الغير وجعلوا إمكانه علّة لهيولى الفلك، وعلمه علّة لصورته. وبالجملة فالحقّ أنّ العقول عاجزة عن درك نظام الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر.
فائدة:
قالوا العقول لها سبعة أحكام. الأول أنّها ليست حادثة لأنّ الحدوث يستدعي مادة.
الثاني ليست كائنة ولا فاسدة، إذ ذاك عبارة عن ترك صورة ولبس صورة أخرى، فلا يتصوّر ذلك إلّا في المركّب المشتمل على جهتي قبول وفعل. الثالث نوع كلّ عقل منحصر في شخصه إذ تشخّصه بماهيته، وإلّا لكان من المادة هذا خلف. الرابع ذاتها جامعة لكمالاتها أي ما يمكن أن يحصل لها فهو حاصل بالفعل دائما وما ليس حاصلا لها فهو غير ممكن. الخامس أنّها عاقلة لذواتها. السادس أنّها تعقل الكليات وكذا كلّ مجرّد فإنّه يعقل الكليات. السابع أنّها لا تعقل الجزئيات من حيث هي جزئية لأنّ تعقّل الجزئيات يحتاج إلى آلات جسمانية. وإن شئت أن يرتسم خبطهم في ذهنك فارجع إلى شرح المواقف.
فائدة:
قال الحكماء أول ما خلق الله تعالى العقل كما ورد به نصّ الحديث. قال بعضهم وجه الجمع بينه وبين الحديثين الآخرين (أول ما خلق الله القلم) و (أول ما خلق الله نوري) أنّ المعلول الأول من حيث إنّه مجرّد يعقل ذاته ومبدأه يسمّى عقلا، ومن حيث إنّه واسطة في صدور سائر الموجودات في نقوش العلوم يسمّى قلما، ومن حيث توسّطه في إفاضة أنوار النّبوّة كان نورا لسيّد الأنبياء عليه وعليهم السلام، كذا في شرح المواقف. قال في كشف اللغات:
العقل الأول في لسان الصوفية هو مرتبة الوحدة. ويقول في لطائف اللغات: العقل هو عبارة عن النّور المحمدي صلّى الله عليه وسلّم.. وفي الإنسان الكامل العقل الأول هو محلّ تشكيل العلم الإلهي في الوجود لأنّه العلم الأعلى ثم ينزل منه العلم إلى اللوح المحفوظ، فهو إجمال اللوح واللوح تفصيله، بل هو تفصيل علم الإجمال الإلهي واللوح محلّ تنزّله. ثم العقل الأول من الأسرار الإلهية ما لا يسعه اللوح كما أنّ اللوح من العلم الإلهي ما لا يكون العقل الأول محلا له، فالعلم الإلهي هو أمّ الكتاب والعقل الأول هو الإمام المبين واللوح هو الكتاب المبين، فاللوح مأموم بالقلم تابع له، والقلم الذي هو العقل الأول حاكم على اللوح مفصّل للقضايا المجملة في دواة العلم الإلهي المعبّر عنها بالنون. والفرق بين العقل الأول والعقل الكلّ وعقل المعاش أنّ العقل الأول بعد علم إلهي ظهر في أول تنزلاته التعيينية الخلقية.
وإن شئت قلت أول تفصيل الإجمال الإلهي.
ولذا قال عليه الصلاة والسلام (أنّ أول ما خلق الله تعالى العقل) فهو أقرب الحقائق الخلقية إلى الحقائق الإلهية، والعقل الكلّ هو القسطاس المستقيم وهو ميزان العدل في قبّة الروح للفصل. وبالجملة فالعقل الكلّ هو العاقلة أي المدركة النورية التي ظهر بها صور العلوم المودعة في العقل الأول. ثم إنّ عقل المعاش هو النور الموزون بالقانون الفكري فهو لا يدرك إلّا بآلة الفكر، ثم إدراكه بوجه من وجوه العقل الكلّ فقط لا طريق له إلى العقل الأوّل، لأنّ العقل الأوّل منزّه عن القيد بالقياس وعن الحصر بالقسطاس، بل هو محلّ صدور الوحي القدسي إلى نوع النفس، والعقل الكلّ هو الميزان العدل للأمر الفصلي، وهو منزّه عن الحصر بقانون دون غيره، بل وزنه للأشياء على معيار وليس لعقل المعاش إلّا معيار واحد وهو الفكر وكفّة واحدة وهي العادة وطرف واحد وهو المعلوم وشوكة واحدة وهو الطبيعة، بخلاف العقل الكلّ فإنّ له كفّتين الحكمة والقدرة، وطرفين الاقتضاءات الإلهية والقوابل الطبعية، وشوكتين الإرادة الإلهية والمقتضيات الخلقية، وله معاير شتّى. ولذا كان العقل الكلّ هو القسطاس المستقيم لأنّه لا يحيف ولا يظلم ولا يفوته شيء بخلاف عقل المعاش فإنّه قد يحيف ويفوته أشياء كثيرة لأنّه على كفة واحدة وطرف واحد.
فنسبة العقل الأول مثلا نسبة الشمس، ونسبة العقل الكلّ نسبة الماء الذي وقع فيه نور الشمس، ونسبة عقل المعاش نسبة شعاع ذلك الماء إذا بلغ على جدار، فالناظر في الماء يأخذ هيئة الشمس على صحته ويعرف نوره على حليته كما لو رأى الشمس لا يكاد يظهر الفرق بينهما، إلّا أنّ الناظر إلى الشمس يرفع رأسه إلى العلو والناظر إلى الماء ينكس رأسه إلى السفل، فكذلك الآخذ علمه من العقل الأول يرفع بنور قلبه إلى العلم الإلهي، والآخذ علمه من العقل الكلّ ينكس بنور قلبه إلى المحلّ الكتاب فيأخذ منه العلوم المتعلّقة بالأكوان وهو الحدّ الذي أودعه الله في اللوح المحفوظ، إمّا يأخذ بقوانين الحكمة وإمّا بمعيار القدرة على قانون وغير قانون، فهذا الاستقراء منه انتكاس لأنّه من اللوازم الخلقية الكلّية لا يكاد يخطئ إلّا فيما استأثر الله به بخلاف العقل الأول فإنّه يتلقّى من الحقّ بنفسه.
اعلم أنّ العقل الكلّ قد يستدرج به أهل الشقاوة فيقبح عليهم أهويتهم فيظفرون على أسرار القدرة من تحت سجف الأكوان كالطبائع والأفلاك والنور والضياء وأمثالها، فيذهبون إلى عبادة هذه الأشياء، وذلك بمكر الله لهم. والنكتة فيه أنّ الله سبحانه يتجلّى لهم في لباس هذه الأشياء فيدركها هؤلاء بالعقل فيقولون بأنّه هي الفعّالة والآلهة، لأنّ العقل الكلّ لا يتعدّى الكون، فلا يعرفون الله به لأنّ العقل لا يعرف إلّا بنور الإيمان، وإلّا فلا يمكن أن يعرفه العقل من نظيره وقياسه سواء كان العقل معاشا أو عقلا كلّا؛ على أنّه قد ذهب أئمتنا إلى أنّ العقل من أسباب المعرفة، وهذا من طريق التوسّع لإقامة الحجّة، وكذلك عقل المعاش فإنّه ليس له إلّا جهة واحدة وهي النظر والفكر. فصاحبه إذا أخذ في معرفة الله به فإنّه يخطئ، ولهذا إذا قلنا بأنّ الله لا يدرك بالعقل أردنا به عقل المعاش. ومتى قلنا إنّه يعرف بالعقل أردنا به عقل المعاش. ومتى قلنا إنّه يعرف بالعقل أردنا به العقل الأول.
اعلم أنّ علم العقول الأوّل والقلم الأعلى نور واحد فبنسبته إلى العبد يسمّى العقل الأول وبنسبته إلى الحق يسمّى القلم الأعلى. ثم إنّ العقل الأول المنسوب إلى محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم خلق الله جبرئيل عليه السلام منه في الأول فكان محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا لجبرئيل وأصلا لجميع العالم. فاعلم إن كنت ممّن يعلم أنّه لهذا وقف عنه جبرئيل في إسرائه وتقدّم وحده، ويسمّى العقل الأول بالروح الأمين لأنّه خزانة علم الله وأمينه، ويسمّى بهذا الاسم جبرئيل من تسمية الفرع بأصله انتهى ما في الإنسان الكامل. ويقول في كشف اللغات:
العقل الأوّل والعقل الكلّي هو جبرائيل عليه السلام. وفي القاموس: إنّهم يسمّون العرش عقلا، وكذلك أصل وحقيقة الإنسان من حيث أنّه فيض وواسطة لظهور النفس الكلّية. وقد أطلقوا عليه أربعة أسماء: الأول: العقل. الثاني القلم الأول. الثالث الروح الأعظم. الرابع أمّ الكتاب.

وعلى وجه الحقيقة: إنّ آدم هو صورة العقل الكلّي وحواء هي صورة النّفس الكلّية، انتهى كلامه. ومنها النفس الناطقة باعتبار مراتبها في استكمالها علما وعملا وإطلاق العقل على النفس بدون هذا الاعتبار أيضا شائع كما في بديع الميزان من أنّ العقل جوهر مجرّد عن المادة لذاته، مقارن لها في فعله، وهو النفس الناطقة التي يشير إليها كلّ واحد بقوله أنا. منها نفس تلك المراتب. ومنها قواها في تلك المراتب. قال الحكماء بيان ذلك أنّ للنفس الناطقة جهتين: جهة إلى عالم الغيب وهي باعتبار هذه الجهة متأثّرة مستفيضة عمّا فوقها من المبادئ العالية وجهة إلى عالم الشهادة وهي باعتبار هذه الجهة مؤثّرة متصرّفة فيما تحتها من الأبدان، ولا بد لها بحسب كلّ جهة قوة ينتظم بها حالها هناك. فالقوة التي بها تتأثّر وتستفيض من المبادئ العالية لتكميل جوهرها من التعقّلات تسمّى قوة نظريّة وعقلا نظريا، والتي بها تؤثّر في البدن وتتصرّف فيه لتكميل جوهره تسمّى قوة عملية وعقلا عمليا، وإن كان ذلك أيضا عائدا إلى تكميل النفس من جهة أنّ البدن آلة لها في تحصيل العلم والعمل. ولكلّ من القوتين أربع مراتب. فمراتب القوة النظرية أولها العقل الهيولاني وهو الاستعداد المحض لإدراك المعقولات، وهو قوّة محضة خالية عن الفعل كما للأطفال، فإنّ لهم في حال الطفولية وابتداء الخلقة استعدادا محضا وإلّا امتنع اتصاف النفس بالعلوم. وكما يكون النفس في بعض الأوقات خالية عن مبادئ نظري من النظريات فهذه الحالة عقل هيولاني لذلك النفس بالاعتبار إلى هذا النظري، وليس هذا الاستعداد حاصلا لسائر الحيوانات. وإنّما نسب إلى الهيولى لأنّ النفس في هذه المرتبة تشبه الهيولى الأولى الخالية في حدّ ذاتها عن الصور كلّها وتسمّى النفس وكذا قوة النفس في هذه المرتبة بالعقل الهيولاني أيضا. وعلى هذا فقس سائر المراتب. وفي كون هذه المرتبة من مراتب القوة النظرية نظر لأنّ النفس ليس لها هاهنا تأثّر بل استعداد تأثّر، فينبغي أن تفسّر القوة النظرية بالتي يتأثّر بها النفس أو تستعد بها لذلك، ويمكن أن يقال استعداد الشيء من جملته. فمبنى هذا على المساهلة وإنّما بني على المساهلة تنبيها على أنّ المراد هو الاستعداد القريب من الفعل إذ لو كان مطلق الاستعداد لما انحصرت المراتب في الأربع إذ ليس لها باعتبار الاستعداد البعيد مرتبة أخرى فوق الهيولاني وهي المرتبة الحاصلة لها قبل تعلّق النفس بالبدن. وثانيتها العقل بالملكة وهو العلم بالضروريات واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريات منها، وهذا العلم حادث بعد ابتداء الفطرة، فله شرط حادث بالضرورة دفعا للترجيح بلا مرجّح في اختصاصه بزمان معيّن، وما هو إلّا الإحساس بالجزئيات والتنبيه لما بينها من المشاركات والمباينات، فإنّ النفس، إذا أحسّت بجزئيات كثيرة وارتسمت صورها في آلاتها الجسمانية ولاحظت نسبة بعضها إلى بعض استعدّت لأن تفيض عليها من المبدأ صور كلّية وأحكام تصديقية فيما بينها، فهذه علوم ضرورية، ولا نريد بها العلم بجميع الضروريات فإنّ الضروريات قد تفقد إمّا بفقد التصوّر كحسّ البصر للأكمه وقوة المجامعة للعنّين، أو بفقد شرط التصديق، فإنّ فاقد الحسّ فاقد للقضايا المستندة إلى ذلك الحسّ، وبالجملة فالمراد بالضروريات أوائل العلوم وبالنظريات ثوانيها سمّيت به لأنّ المراد بالملكة إمّا ما يقابل الحال، ولا شكّ أنّ استعداد الانتقال إلى المعقولات راسخ في هذه المرتبة، أو ما يقابل العدم كأنّه قد حصل للنفس فيها وجود الانتقال إليها بناء على قربه، كما سمّي العقل بالفعل عقلا بالفعل لأنّ قوته قريبة من الفعل جدا. قال شارح هداية الحكمة: العقل بالملكة إن كان في الغاية بأن يكون حصول كلّ نظري بالحدس من غير حاجة إلى فكر يسمّى قوة قدسية. وثالثتها العقل بالفعل وهو ملكة استنباط النظريات من الضروريات أي صيرورة الشخص بحيث متى شاء استحضر الضروريات ولا حظها واستنتج منها النظريات، وهذه الحالة إنّما تحصل إذا صار طريقة الاستنباط ملكة راسخة فيه. وقيل العقل بالفعل هو حصول النظريات وصيرورتها بعد استنتاجها من الضروريات بحيث استحضرها متى شاء بلا تجشّم كسب جديد، وذلك إنّما يحصل إذا لاحظ النظريات الحاصلة مرة بعد أخرى حتى يحصل له ملكة نفسانية يقوى بها على استحضارها متى أراد من غير فكر، وهذا هو المشهور في أكثر الكتب. وبالجملة العقل بالفعل على القول الأول ملكة الاستنباط والاستحصال وعلى القول الثاني ملكة الاستحضار. ورابعتها العقل المستفاد وهو أن يحصّل النظريات مشاهدة سمّيت به لاستفادتها من العقل الفعّال، وصاحب هداية الحكمة سمّاها عقلا مطلقا وسمّى معقولاتها عقلا مستفادا. وقال شارحها لا يخفى أنّ تسمية معقولات تلك المرتبة بالعقل المستفاد خلاف اصطلاح القوم.
اعلم أنّ العقل الهيولاني والعقل بالملكة استعدادان لاستحصال الكمال ابتداء والعقل بالفعل بالمعنى الثاني المشهور استعداد لاسترجاعه واسترداده فهو متأخّر في الحدوث عن العقل المستفاد لأنّ المدرك ما لم يشاهد مرات كثيرة لا يصير ملكة ومتقدّم عليه في البقاء لأنّ المشاهدة تزول بسرعة وتبقى ملكة الاستحضار مستمرة فيتوصّل بها إلى مشاهدته، فبالنظر إلى الاعتبار الثاني يجوز تقديم العقل بالفعل على العقل المستفاد، وبالنظر إلى الاعتبار الأول يجوز العكس، أمّا العقل بالفعل بالمعنى الأول فالظاهر أنّه مقدّم على العقل المستفاد. واعلم أيضا أنّ هذه المراتب تعتبر بالقياس إلى كلّ نظري على المشهور فيختلف الحال إذ قد تكون النفس بالنسبة إلى بعض النظريات في المرتبة الأولى وبالنسبة إلى بعضها في الثانية وإلى بعضها في الثالثة وإلى بعضها في الرابعة. فما قال صاحب المواقف من أنّ العقل المستفاد هو أن يصير النفس مشاهدة لجميع النظريات التي أدركتها بحيث لا يغيب عنها شيء لزمه أنّ لا يوجد العقل المستفاد لأحد في الدنيا بل في الآخرة. ومنهم من جوّز ذلك لنفوس نبوية لا يشغلها شأن عن شأن، وهم في جلابيب من أبدانهم قد نضوها وانخرطوا في سلك المجرّدات التي تشاهد معقولاتها دائما.
فائدة:
وجه الحصر في الأربع أنّ القوة النظرية إنّما هي لاستكمال الناطقة بالإدراكات إلّا أنّ البديهيات ليست كمالا معتدّا به يشاركه الحيوانات العجم لها فيها بل كمالها المعتدّ به الإدراكات الكسبية، ومراتب النفس في الاستكمال بهذا الكمال منحصرة في نفس الكمال واستعداده لأنّ الخارج عنهما لا يتعلّق بذلك الاستكمال، فالكمال هو العقل المستفاد أعني مشاهدة النظريات، والاستعداد إمّا قريب وهو العقل بالفعل أو بعيد وهو الهيولاني أو متوسّط وهو العقل بالملكة. وأمّا مراتب القوة العملية فأولها تهذيب الظاهر أي كون الشخص بحيث يصير استعمال الشرائع النبوية والاجتناب عما نكره عادة له، ولا يتصوّر منه خلافه عادة.
وثانيتها تهذيب الباطن من الملكات الرديئة ونفض آثار شواغله عن عالم الغيب. وثالثتها ما يحصل بعد الاتّصال بعالم الغيب وهو تجلّي النفس بالصور القدسية، فإنّ النفس إذ هذبت ظاهرها وباطنها عن رذائل الأعمال والأخلاق وقطعت عوائقها عن التوجّه إلى مركزها ومستقرها الأصلي الذي هو عالم الغيب بمقتضى طباعها إذ هي مجرّدة في حدّ ذاتها وعالم الغيب أيضا كذلك، وطبيعة المجرّد تقتضي عالمها كما أنّ طبيعة المادي تقتضي عالم المادّيات الذي هو عالم الشهادة اتصلت بعالم الغيب للجنسية اتصالا معنويا لا صوريا، فينعكس إليها بما ارتسمت فيه من النقوش العلمية، فتتجلّى النفس حينئذ بالصور الإدراكية القدسية، أي الخالصة عن شوائب الشكوك والأوهام، إذ الشكوك والشبهات إنّما تحصل من طرق الحواس، وفي هذه لا يحصل العلم من تلك الطرق. وفي بعض حواشي شرح المطالع بيانه أنّ حقائق الأشياء مسطورة في المبدأ المسمّى في لسان الشرع باللوح المحفوظ فإنّ الله تعالى كتب نسخة العالم من أوله إلى آخره في المبدأ ثم أخرجه إلى الوجود على وفق تلك النسخة، والعالم الذي خرج إلى الوجود بصورته تتأدّى منه صورة أخرى إلى الحواس والخيال ويأخذ منها الواهمة معاني، ثم يتأدّى من الخيال أثر إلى النفس فيحصل فيها حقائق الأشياء التي دخلت في الحسّ والخيال. فالحاصل في النفس موافق للعالم الحاصل في الخيال، وهو موافق للعالم الموجود في نفسه خارجا من خيال الإنسان ونفسه، والعالم الموجود موافق للنسخة الموجودة في المبدأ، فكأنّ للعالم أربع درجات في الوجود، وجود في المبدأ وهو سابق على وجوده الجسماني ويتبعه وجوده الجسماني الحقيقي ويتبع وجوده الحقيقي وجوده الخيالي ويتبع وجوده الخيالي وجوده العقلي، وبعض هذه الوجودات روحانية وبعضها جسمانية، والروحانية بعضها أشدّ روحانية من بعض. إذا عرفت هذا فنقول النفس يتصوّر أن يحصل فيها حقيقة العالم وصورته تارة من الحواس وتارة من المبدأ، فمهما ارتفع حجاب التعلّقات بينها وبين المبدأ حصل لها العلم من المبدأ فاستغنت عن الاقتباس من مداخل الحواس، وهناك لا مدخل للوهم التابع للحواس. ومهما أقبلت على الخيالات الحاصلة من المحسوسات كان ذلك حجابا لها من مطالع المبدأ، فهناك تتصوّر الواهمة وتعرض للنفس من الغلط ما يعرض، فإذا للنفس بابان، باب مفتوح إلى عالم الملكوت وهو اللوح المحفوظ وعالم الملائكة والمجرّدات، وباب مفتوح إلى الحواس الخمس المتمسّكة بعالم الشهادة والملك وهذا الباب مفتوح للمجرّد وغيره. والباب الأول لا يفتح إلّا للمتجرّدين من العلائق والعوائق. ورابعتها ما يتجلّى له عقيب اكتساب ملكة الاتصال والانفصال عن نفسه بالكلّية وهو ملاحظة جمال الله أي صفاته الثبوتية وجلاله أي صفاته السلبية، وقصر النظر على كماله في ذاته وصفاته وأفعاله حتى يرى كلّ قدرة مضمحلّة في جنب قدرته الكاملة وكلّ علم مستغرقا في علمه الشامل، بل يرى أنّ كلّ كمال ووجود إنّما هو فائض من جنابه تعالى شأنه. فان قيل بعد الاتصال بعالم الغيب ينبغي أن يحصل له الملاحظة المذكورة وحينئذ لا تكون مرتبة أخرى غير الثالثة بل هي مندرجة فيها. قلت المراد الملاحظة على وجه الاستغراق وقصر النظر على كماله بحيث لا يلتفت إلى غيره، فعلى هذا الغاية القصوى هي هذه المرتبة كما أنّ الغاية القصوى من مراتب النظري هو الثالثة أي العقل بالفعل.
اعلم أنّ المرتبتين الأخيرتين أثران للأوليين اللتين هما من مراتب العملية قطعا، فصحّ عدّهما من مراتب العملية وإن لم تكونا من قبيل تأثير النفس فيما تحتها. هذا كله هو المستفاد من شرح التجريد وشرح المواقف في مبحث العلم وشرح المطالع وحواشيه في الخطبة.
اعلم أنّ العقل الذي هو مناط التكاليف الشرعية اختلف أهل الشرع في تفسيره. فقال الأشعري هو العلم ببعض الضروريات الذي سمّيناه بالعقل بالملكة. وما قال القاضي هو العلم بوجوب الواجبات العقلية واستحالة المستحيلات وجواز الجائزات ومجاري العادات أي الضروريات التي يحكم بها بجريان العادة من أنّ الجبل لا ينقلب ذهبا، فلا يبعد أن يكون تفسيرا لما قال الأشعري، واحتجّ عليه بأنّ العقل ليس غير العلم وإلّا جاز تصوّر انفكاكهما وهو محال، إذ يمتنع أن يقال عاقل لا علم له أصلا وعالم لا عقل له أصلا، وليس العقل العلم بالنظريات لأنّه مشروط بالنظر والنظر مشروط بكمال العقل، فيكون العلم بالنظريات متأخرا عن العقل بمرتبتين، فلا يكون نفسه، فيكون العقل هو العلم بالضروريات وليس علما بكلها، فإنّ العاقل قد يفقد بعضها لفقد شرطه كما مرّ، فهو العلم ببعضها وهو المطلوب.
وجوابه أنّا لا نسلّم أنّه لو كان غير العقل جاز الانفكاك بينهما لجواز تلازمهما. وقال الإمام الرازي والظاهر أنّ العقل صفة غريزية يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات وهي الحواس الظاهرة والباطنة. وإنّما اعتبر قيد سلامة الآلات لأنّ النائم لم يزل عقله عنه وإن لم يكن عالما حالة النوم لاختلال وقع في الآلات، وكذا الحال في اليقظان الذي لا يستحضر شيئا من العلوم الضرورية لدهش ورد عليه، فظهر أنّ العقل ليس العلم بالضروريات.
ولا شكّ أنّ العاقل إذا كان سالما عن الآفات المتعلّقة كان مدركا لبعض الضروريات قطعا.
فالعقل صفة غريزية يتبعها تلك العلوم، وهذا معنى ما قيل: قوة للنفس بها تتمكّن من إدراك الحقائق. ومحلّ تلك القوة قيل الرأس، وقيل القلب، وما قيل هو الأثر الفائض على النفس من العقل الفعال. والمعتزلة القائلون بأنّ الحسن والقبح للعقل فسّروه بما يعرف به حسن المستحسنات وقبح المستقبحات، ولا يبعد أن يقرب منه ما قيل هو قوة مميزة بين الأمور الحسنة والقبيحة. وقيل هو ملكة حاصلة بالتجارب يستنبط بها المصالح والأغراض.
وهذا معنى ما قيل هو ما يحصل به الوقوف على العواقب. وقيل هو هيئة محمودة للإنسان في حركاته وسكناته. وقيل هو نور يضيئ به طريق يبتدأ به من حيث ينتهي إليه درك الحواس، فيبدأ المطلوب للطالب فيدركه القلب بتأمّله وبتوفيق الله تعالى. ومعنى هذا أنّه قوة للنفس بها تنتقل من الضروريات إلى النظريات ويحتمل أن يراد به الأثر الفائض من العقل الفعّال كما ذكره الحكماء من أنّ العقل الفعّال هو الذي يؤثّر في النفس ويعدّها للإدراك، وحال نفوسنا بالنسبة إليه كحال أبصارنا بالنسبة إلى الشمس. فكما أنّ بإفاضة نور الشمس تدرك المحسوسات كذلك بإفاضة نوره تدرك المعقولات. فقوله نور أي قوة شبيهة بالنور في أنها يحصل به الإدراك ويضيئ أي يصير ذا ضوء أي بذلك النور طريق يبتدأ به أي بذلك الطريق، والمراد به أي بالطريق الأفكار وترتيب المبادئ الموصلة إلى المطلوب. ومعنى إضاءتها صيرورتها بحيث يهتدي القلب إليها ويتمكّن من ترتيبها وسلوكها توصلا إلى المطلوب. وقوله من حيث ينتهي إليه متعلّق بقوله يبتدأ، وضمير إليه عائد إلى حيث، أي من محلّ ينتهي إليه إدراك الحواس، فيبدأ أي يظهر المطلوب للقلب أي الروح المسمّى بالقوة العاقلة والنفس الناطقة فيدركه القلب بتأمّله أي التفاته إليه والتوجّه نحوه بتوفيق الله تعالى وإلهامه، لا بتأثير النفس أو توكيدها، فإنّ الأفكار معدات للنفس وفيضان المطلوب إنّما هو بإلهام الله سبحانه. فبداية درك الحواس هو ارتسام المحسوسات في إحدى الحواس الخمس الظاهرة، ونهاية دركها ارتسامها في الحواس الباطنة. ومن هاهنا بداية درك العقل، ونهاية درك العقل ظهور المطلوب كما عرف في الفكر بمعنى الحركتين، هذا كله خلاصة ما في شرح التجريد وشرح المواقف والتلويح.

وفي خلاصة السلوك قال أهل العلم:
العقل جوهر مضيء خلقه الله في الدماغ وجعل نوره في القلب، وقال أهل اللسان: العقل ما ينجّي صاحبه من ملامة الدنيا وندامة العقبى وقال حكيم: العقل حياة الروح والروح حياة الجسد. وقال حكيم ركّب الله في الملائكة العقل بلا شهوة وركّب في البهائم الشهوة بلا عقل، وفي ابن آدم كليهما. فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم. وقال أهل المعرفة العاقل من اتّقى ربّه وحاسب نفسه وقيل من يبصر مواضع خطواته قبل أن يضعها. وقيل الذي ذهب دنياه لآخرته. وقيل الذي يتواضع لمن فوقه ولا يحتقر لمن دونه ويمسك الفضل من منطقه ويخالط الناس باختلافهم. وقيل الذي يترك الدنيا قبل أن تتركه ويعمّر القبر قبل أن يدخله وأرضى الله قبل أن يلقاه، وقيل إذا اجتمع للرجل العلم والعمل والأدب يسمّى عاقلا، وإذا علم ولم يعمل أو عمل بغير أدب أو عمل بأدب ولم يعلم لم يكن عاقلا.
العقل: المستفاد، أن يحضر عنده النظريات التي أدركها بحيث لا تغيب عنه.
العقل: بالفعل، أن تصير النظريات مخزونة عند القوة العاقلة بتكرار الاكتساب بحيث يحصل لها ملكة الاستحضار متى شاءت في غير تجشم كسب جديد.
العقل: الهيولاني، الاستعداد المحض لإدراك المعقولات، وهو قوة محضة خالية عن الفعل كما في الأطفال، وإنما نسب إلى الهيولى لأن النفس في هذه المرتبة تشبه الهيولى الأولى الخالية في حد ذاتها عن الصور كلها.

الخبر

الخبر: لفظ مجرد عن العوامل اللفظية مسند إلى ما تقدمه لفظا، نحو زيد قائم، أو تقدير، نحو أقائم زيد.
الخبر: بالتحريك، الحديث المنقول، وبضم فسكون العلم بالأشياء من جهة الخبر. والخبرة بالكسر المعرفة ببواطن الأمور.
الخبر:
[في الانكليزية] Information ،news ،predicate
[ في الفرنسية] Information ،nouvelle ،attribut ،predicat
بفتح الخاء والباء الموحّدة هو عند بعض المحدّثين مرادف للحديث. وقيل مباين له.
وقيل أعمّ من الحديث مطلقا وقد سبق. وعند النحاة هو المجرّد المسند إلى المبتدأ وسيأتي في لفظ المبتدأ. وخبر إنّ وأخواتها عندهم هو المسند من معمولها وعلى هذا فقس خبر لا التي لنفي الجنس وخبر ما ولا المشبّهتين بليس وخبر كان وأخواتها وغير ذلك كما في الكافي.
وقد أطلق لفظ الخبر عند أهل البيان والأصوليين والمنطقيين والمتكلّمين وغيرهم على الكلام التّام الغير الإنشائي، فمن لم يثبت الكلام النفسي يطلقه على الصيغة التي هي قسم من الكلام اللفظي اللساني لا غير. وأمّا من أثبت الكلام النفسي فيطلقه على الصيغة وعلى المعنى الذي هو قسم من الكلام النفسي أيضا.
فعلى هذا الخبر هو الكلام المخبر به. وقد يقال بمعنى الإخبار أي الكشف والإعلام كما في قولهم الصدق هو الخبر عن الشيء على ما هو به صرّح بذلك في المطول. والمفهوم من بعض كتب اللغة كالمنتخب أنّ هذين المعنيين لغويان، حيث ذكر فيه خبر بفتحتين: آگاهى، وسخن كه بدان اعلان كنند- هو الاطّلاع، والكلام الذي به يعلمون- ولا يبعد أن يكون ما ذكره العلماء تحقيقا للمعنى اللغوي فإنّهم كثيرا ما يحقّقون المفهومات اللغوية كتعريف الحكماء للحرارة والبرودة كما مرّ. وتفسيرهم للوجود والإمكان والامتناع والوجوب والقدم ونحو ذلك. ويؤيّد ذلك ما قيل من أنّ العلماء اختلفوا في تحديد الخبر، فقيل لا يحد لعسره، وقيل لأنّه ضروري، وقيل يحدّ. واختلفوا في تحديده فقال القاضي والمعتزلة هو الكلام الذي يدخل فيه الصدق والكذب. واعترض عليه بأنّ الواو للجمع فيلزم الصدق والكذب معا وذلك محال.
وأيضا يرد كلام الله تعالى سواء أريد الاجتماع أو اكتفي بالاحتمال لأنّه لا يحتمل الكذب.
وأجيب بأنّ المراد دخوله لغة، أي لو قيل فيه صدق أو كذب لم يخطأ لغة، وكل خبر كذلك.
وإن امتنع صدق البعض أو كذبه عقلا، لكن يرد عليه أنّ الصدق لغة الخبر الموافق للمخبر به والكذب خلافه، وهو الخبر المخالف للمخبر به، فبهذا عرّفهما أهل اللغة، فهما لا يعرفان إلّا بالخبر فتعريف الخبر بهما دور. وأمّا ما قيل في جوابه أنّ ذلك إنّما يرد لو فسّر الصدق والكذب بما ذكرتم. أمّا لو فسّرا بمطابقة النسبة الإيقاعية والانتزاعية للواقع وعدم مطابقتها للواقع فلا دور أصلا فلا يجدي نفعا، إذ هذا إنّما يصحّ لو لم يعرفوا الخبر بما يدخله الصدق والكذب لغة، فبعضهم عدل عن ذلك للزوم الدور فقال هو الكلام الذي يدخله التصديق والتكذيب، ولا ينفعه إذ يرد عليه أنّهما الحكم بالصدق والكذب. فما فعل إلّا أن أوسع الدائرة. وقيل هو ما يحتمل الصدق والكذب وبهذا عرّفه المنطقيون أيضا، ولا يلزم الدور ولا خروج كلام الله تعالى إذ المعتبر الاحتمال بالنظر إلى ماهية مفهوم الخبر مع قطع النظر عمّا عداه. ومختار بعض المتأخرين أنّ الخبر هو ما تركّب من أمرين حكم فيه بنسبة أحدهما إلى الآخر نسبة خارجية يحسن السكوت عليها.
وإنّما قال أمرين دون كلمتين أو لفظين ليشتمل الخبر النفسي. وقال حكم فيه بنسبة ليخرج ما تركّب من غير نسبة. وقال يحسن السكوت عليها ليخرج المركّبات التقييدية. وقيد النسبة بالخارجية ليخرج الأمر وغيره لأنّ المراد بالخارجية أن يكون لتلك النسبة أمر خارجي بحيث يحكم بصدقها إن طابقته وبكذبها إن خالفته، وليس الأمر ونحوه كذلك. هكذا يستفاد من كشف البزدوي والعضدي وحواشيه وسيتضح ذلك غاية اتضاح في لفظ الصدق، ولفظ القضية.
فائدة:
لا شكّ أنّ قصد المخبر بخبره إفادة المخاطب. أمّا الحكم كقولك زيد قائم لمن لا يعرف أنّه قائم أو كون المخبر عالما به أي بالحكم كقولك قد حفظت التوراة لمن حفظ التوراة. ويسمّى الأول أي الحكم من حيث إنّه يستفيده المخاطب من الخبر فائدة الخبر لا من حيث إنّه يفيد المخاطب كما تشعر به عبارة البعض، لأنّ الفائدة لغة ما استفدته من علم أو غيره. ويسمّى الثاني أي كون المخبر عالما به لازم فائدة الخبر كذا في الأطول في بحث الإسناد.
فائدة:
اعلم أنّ الحذّاق من النحاة وأهل البيان وغيرهم قاطبة متّفقون على انحصار الكلام في الخبر والإنشاء وأنّه ليس له قسم ثالث. وادّعى قوم أنّ أقسام الكلام عشرة: نداء ومسألة وأمر وتشنّع وتعجب وقسم وشرط ووضع وشك واستفهام. وقيل تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة. وقيل ثمانية بإسقاط التشنع لدخوله فيها. وقيل سبعة بإسقاط الشكّ لأنه من قسم الخبر. وقال الأخفش هي ستة: خبر واستخبار وأمر ونهي ونداء وتمنّ. وقال بعضهم خمسة: خبر واستخبار وأمر وتصريح طلب ونداء. وقال قوم أربعة خبر واستخبار وطلب ونداء. وقال كثيرون ثلاثة خبر وطلب وإنشاء.
قالوا لأنّ الكلام إمّا أن يحتمل التصديق والتكذيب أو لا. الأول الخبر، والثاني إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء وإن لم يقترن بلفظه بل تأخّر عنه فهو الطلب. والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء وإنّ معنى اضرب مثلا وهو طلب الضرب مقترن بلفظه. وأمّا الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلّق الطلب لا نفسه. وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة:
الكلام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلوا إمّا أن يطلب ذكر الماهية أو تحصيلها أو الكفّ عنها.
الأول الاستفهام والثاني الأمر والثالث النهي.
وإن لم يفد طلبا بالوضع فإن لم يحتمل الصدق والكذب يسمّى تنبيها وإنشاء، لأنّك نبّهت به على مقصودك وأنشأته أي ابتكرته من غير أن يكون موجودا في الخارج، سواء أفاد طلبا باللازم كالتمنّي والترجّي والنداء والقسم أو لا كأنت طالق، وإن احتملهما من حيث هو فهو الخبر، كذا في الإتقان ويجيء ما يتعلّق بهذا في لفظ المركّب. ويسمّي ابن الحاجب في مختصر الأصول غير الخبر بالتنبيه وأدخل فيه الأمر والنهي والتمنّي والترجّي والقسم والنداء والاستفهام. قال المحقّق التفتازاني هذه التسمية غير متعارف.
فائدة:
صيغ العقود نحو بعت واشتريت وطلّقت وأعتقت لا شكّ أنها في اللغة إخبار، وفي الشرع تستعمل إخبارا أيضا. إنّما النزاع فيها إذا قصد بها حدوث الحكم وإيجاده، وقد اختلف فيها، والصحيح أنها إنشاء لصدق حدّ الإنشاء عليها لأنّها لا تدل على الحكم بنسبة خارجية.
فإنّ بعت لا يدلّ على بيع آخر غير البيع الذي يقع به، ولا يوجد فيه احتمال الصدق والكذب، إذ لو حكم عليه بأحدهما كان خطأ قطعا.
وتحقيقه يطلب من العضدي وحواشيه.

التقسيم:
يقسم الخبر إلى ما يعلم صدقه وإلى ما يعلم كذبه وإلى ما لا يعلم صدقه ولا كذبه.
القسم الأول وهو ما يعلم صدقه إما ضروري أو نظري. والضروري إمّا ضروري بنفسه أي بنفس الخبر فإنّه هو الذي يفيد العلم الضروري لمضمونه وهو المتواتر، وإمّا ضروري بغيره أي أستفيد العلم الضروري لمضمونه من غير الخبر وهو الموافق للعلم الضروري نحو الواحد نصف الاثنين. والنظري مثل خبر الله وخبر رسوله وخبر أهل الإجماع، والخبر الموافق للنظر الصحيح في القطعيات، فإنّ ذلك كله قد علم وقوع مضمونه بالنظر. القسم الثاني وهو ما علم كذبه وهو كل خبر مخالف لما علم صدقه من الأقسام المذكورة.
القسم الثالث وهو ما لا يعلم صدقه ولا كذبه، فقد يظنّ صدقه كخبر العدل وقد يظنّ كذبه كخبر الكذوب، وقد لا يظن صدقه ولا كذبه كخبر مجهول الحال.
وقد خالف في هذا التقسيم بعض الظاهرية، فقال كلّ خبر لا يعلم صدقه فهو كذب قطعا وفساده ظاهر. وأيضا ينقسم إلى متواتر وآحاد. فالمتواتر خبر بلغت رواته مبلغا أحالت العادة توافقهم على الكذب كما يجيء في محله. والآحاد خبر لم ينته إلى هذه المرتبة. وفي شرح النخبة خبر الواحد في اللغة ما يرويه شخص واحد. وفي اصطلاح المحدّثين خبر لم يجمع بشروط التواتر فيه، وهو يشتمل المشهور والعزيز والغريب والمقبول والمردود.
اعلم أنّ خبر الرسول صلّى الله عليه وسلم في اصطلاح الأصوليين على ثلاثة أقسام. الأول المتواتر وهو الخبر الذي رواه قوم لا يتوهّم توافقهم على الكذب عادة، ويدوم هذا الحدّ من قرن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى يومنا هذا، فيكون آخره كأوله وأوله كآخره، وأوسطه كطرفيه. يعني يستوي فيه جميع الأزمنة من أول ما نشأ ذلك الخبر إلى آخر ما بلغ إلى الناقل الأخير، كنقل القرآن والصلاة الخمس، وأنه يوجب علم اليقين كالعيان علما ضروريا.
والثاني المشهور وهو ما كان من الآحاد في القرن الأول ثم انتشر حتى ينقله قوم لا يتوهم توافقهم على الكذب، وهو القرن الثاني ومن بعدهم، وأنه يوجب علم طمأنينة أي يرجّح جهة الصدق فهو دون المتواتر وفوق الواحد.
والثالث الخبر الواحد وهو كل خبر يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا، ولا عبرة للعدد فيه بعد أن يكون دون المتواتر والمشهور وأنّه يوجب العمل دون العلم اليقين، هكذا في نور الأنوار.
اعلم أنّ أهل العربية اتفقوا على أنّ الخبر محتمل للصدق والكذب، وهذا الكلام أيضا يحتمل الصدق والكذب ولا تفضي عنه إلّا بأن يقال إنّ هذا القول فرد من أفراد مطلق الخبر، فله اعتباران: أحدهما من حيث ذاته مع قطع النظر عن خصوصية كونه خبرا جزئيا. وثانيهما من حيث عروض هذا المفهوم له، فثبوت الاحتمال له بالاعتبار الثاني لا ينافي عدم لزوم الاحتمال بالاعتبار الأول كاللاتصوّر المتصوّر، وإذا عرفت هذا فاعرف أنّ الخبر هو الكلام الذي يقبل الصدق والكذب لأجل ذاته أي لأجل حقيقته أي من حيث إنّ فيه إثبات شيء لشيء أو نفيه عنه من غير نظر الى الخارج، وإلى خصوصية الخبر نحو خبر الله تعالى، وإلى البرهان الذي يخصّه بالصدق ويرفع احتمال الكذب نحو العالم حادث وبالعكس نحو العالم قديم، وأيضا من غير نظر إلى خصوص المادّة التي تعلّق بها الكلام كأن يكون من الأمور الضرورية التي لا يقبل إثباتها إلّا الصدق، ولا يقبل نفيها إلّا الكذب نحو اجتماع النقيضين باطل. ثم إنّ الخبر بالنظر لما يعرض له إمّا مقطوع بصدقه كالمعلوم ضرورة كالواحد نصف الاثنين، أو استدلالا نحو العالم حادث وكخبر الصادق وهو الله تعالى ورسوله، وإمّا مقطوع بكذبه كالمعلوم خلافه ضرورة نحو والسماء أسفل والأرض فوق، أو استدلالا نحو العالم القديم. هكذا في كليات أبي البقاء.

الحقيقة

الحقيقة:
[في الانكليزية] Truth ،true meaning
[ في الفرنسية] Verite ،sens propre
بالفتح تطلق بالاشتراك في عرف العلماء على معان. منها قسم من الاستعارة ويقابلها المجاز وهذا اصطلاح أهل الفرس. ومنها ما هو مصطلح أهل الشرع والبيانيين من أهل العرب، قالوا كلّ من الحقيقة والمجاز تطلق بالاشتراك على نوعين لأنّ كلّا منهما إمّا في المفرد ويسمّيان بالحقيقة والمجاز اللغويين، وإمّا في الجملة ويسمّيان بالحقيقة والمجاز العقليين، وسيأتي في لفظ المجاز.
قال الأصوليون الحقيقة الشرعية واقعة خلافا للقاضي أبي بكر وهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في عرف الشرع أي وضعه الشارع لمعنى بحيث يدلّ عليه بلا قرينة، سواء كان ذلك لمناسبة بينه وبين المعنى اللغوي فيكون منقولا أو لا فيكون موضوعا مبتدأ. وأثبت المعتزلة الحقيقة الدينيّة أيضا وقالوا بوقوعها، وهي اسم لنوع خاص من الحقيقة الشرعية، وهو ما وضعه الشارع لمعناه ابتداء بأن لا يعرف أهل اللغة لفظه أو معناه أو كليهما، وزعموا أنّ أسماء الذوات أي ما هي من أصول الدين أو ما يتعلّق بالقلب كالمؤمن والكافر والإيمان والكفر من قبيل الدينيّة دون أسماء الأفعال أي ما هي من فروع الدين، أو ما يتعلّق بالجوارح كالمصلّي والمزكّي والصلاة والزكاة. والظاهر أنّ الواقع هو القسم الثاني من الحقيقة الدينيّة فقط أعني ما لم يعرف أهل اللغة معناه.
ولا نزاع في أنّ الألفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع المستعملة في غير معانيها اللغوية قد صارت حقائق فيها، بل النزاع في أنّ ذلك بوضع الشارع وتعيينه إياها بحيث تدلّ على تلك المعاني بلا قرينة لتكون حقائق شرعية كما هو مذهبنا، أو بغلبتها في تلك المعاني في لسان أهل الشرع. والشارع إنّما استعملها فيها مجازا بمعونة القرائن فتكون حقائق عرفية خاصّة لا شرعية كما هو مذهب القاضي. فإذا وقعت مجرّدة عن القرائن في كلام أهل الكلام والفقه والأصول ومن يخاطب باصطلاحهم تحمل على المعاني الشرعية وفاقا.
وأمّا في كلام الشارع فعندنا تحمل عليها إذ الظاهر أن يتكلّم باصطلاحه، وهذه المعاني هي الحقائق بالقياس إليه. وعند القاضي تحمل على معانيها اللغوية لأنّها غير موضوعة من جهة الشارع، فهو يتكلّم على قانون اللغة، فإنّ القاضي ينفي كونها حقائق شرعية زاعما أنّها مجازات لغوية. والحق أنّه لا ثالث لهما فإنّه ليس النزاع في أنّها هل هي بوضع من الشارع على أحد الوجهين وهو مذهب المعتزلة والفقهاء أو لا فيكون مجازات لغوية، وهو مذهب القاضي فلا ثالث لها حينئذ. ومنهم من زعم أنّ مذهب القاضي أنّها مبقاة على حقائقها اللغوية فتصير المذاهب ثلاثة، كونها حقائق لغوية وكونها مجازات لغوية وكونها حقائق شرعية. وإن شئت الزيادة على هذا القدر فارجع إلى العضدي وحواشيه.
ومنها المفهوم المستقل الملحوظ بالذات كمفهوم الاسم وهذا المعنى من اصطلاحات أهل العربية أيضا. قال السيّد السّند قد تستعمل الحقيقة بهذا المعنى في بعض استعمالاتهم كذا في الأطول في بحث الاستعارة التبعية.
ومنها الماهية بمعنى ما به الشيء هو هو وتسمّى بالذات أيضا. والحقيقة بهذا المعنى أعمّ من الكلية والجزئية والموجودة والمعدومة.
وأيضا إنّ الباء في به للسببية والضميران للشيء، فالمعنى الأمر الذي بسببه الشيء ذلك الشيء، ولو قيل ما به الشيء هو لكان أخصر. إن قلت هذا صادق على العلّة الفاعلية فإنّ الإنسان مثلا إنّما يصير إنسانا متمايزا عمّا عداه بسبب الفاعل وإيجاده ضرورة أنّ المعدوم لا يكون إنسانا بل لا يكون ممتازا عن غيره. قلت الفاعل ما بسببه الشيء موجود في الخارج لا ما به الشيء ذلك الشيء، فإنّ أثر الفاعل إمّا نفس ماهية ذلك الشيء مستتبعا له استتباع الضوء للشمس، والعقل ينتزع عنها الوجود ويصفها به على ما قال الإشراقيون وغيرهم القائلون بأنّ الماهية مجعولة، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ الماهية هي الأثر المترتّب على تأثير الفاعل. ومعنى التأثير الاستتباع ثم العقل ينتزع منها الوجود ويصفها به. مثلا ماهية زيد يستتبعها الفاعل في الخارج ثم يصفها العقل بالوجود والوجود ليس إلّا اعتباريا عقليّا انتزاعيّا، كما أنّه يحصل من الشمس أثر في مقابلتها من الضوء المخصوص، وليس هاهنا ضوء منفرد في نفسه يجعل متصفا بالوجود، لكن العقل يعتبر الوجود ويصفه به فيقال وجد الضوء بسبب الشمس. وأمّا الماهية باعتبار الوجود لا من حيث نفسها ولا من حيث كونها تلك الماهية على ما ذهب إليه المشّائيون وغيرهم القائلون بأنّ الماهية ليست مجعولة، فإنّهم قالوا أثر الفاعل ثبوت الماهية في الخارج ووجودها فيه بمعنى أنّه يجعل الماهية متصفة به في الخارج، وأمّا الماهية فهي أثر له باعتبار الوجود لا من حيث هي، بأن يكون نفس الماهية صادرة عنه، ولا من حيث كونها تلك الماهية ماهية. فعلى كلا التقديرين أثر الفاعل الشيء الموجود في الخارج إمّا بنفسه وإمّا باعتبار الوجود لا كون الشيء ذلك الشيء ضرورة أنّه لا مغايرة بين الشيء ونفسه. فإن قلت الشيء بمعنى الموجود فيرد الإشكال المذكور. قلت لا نسلم ذلك بل هو بالمعنى اللغوي، أعني ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه ولو مجازا. وإن سلّمنا بناء على أنّ الأصل في التعريفات الحقيقة والاحتراز عن المجاز وإن كان مشهورا ففرق بين ما به الموجود موجود فإنّه فاعل وبين ما به الموجود ذلك الموجود فإنه الماهية، إذ لا مدخل للفاعل في كون هذا الموجود الممتاز بهذا الموجود الممتاز، بل تأثيره إمّا في نفسه أو في اتصافه بالوجود على ما عرفت. فإن قلت لا مغايرة بين الشيء وماهيته حتى يتصوّر بينهما سببية. قلت هذا من ضيق العبارة والمقصود أنه لا يحتاج الشيء في كونه ذلك الشيء إلى غيرها. وهذا كما قالوا الجوهر ما يقوم بنفسه إذ لا مغايرة بين الشيء ونفسه حتى يتصوّر القيام بينهما. وقد يجعل الضمير الثاني للموصول فالمعنى الأمر الذي بسببه الشيء هو ذلك الأمر بمعنى أنّه لا يحتاج في ثبوت ذلك الأمر له إلى غير ذلك الأمر، فلا يرد الإشكال بالفاعل، لكن ينتقض ظاهر التعريف بالعرضي، إذ الضاحك ما به الإنسان ضاحك. لكن لما كان مآل التعريف على ما قلنا هو أن لا يحتاج في كونه ذلك الأمر إلى غير ذلك الأمر فلا نقض بالحقيقة، لكن بقي الانتقاض بالذاتي بمعنى الجزء ظاهرا وباطنا لأنّ الإنسان في كونه ناطقا لا يحتاج إلى أمر غير الناطق، لأنّ ثبوته له غير معلّل بشيء.
ويمكن أن يقال المقصود تعريف الماهية بحيث يمتاز عن العرضي. ولذا ذكر بعض الفضلاء من أنه جرت عادة القوم في ابتداء مبحث الأمور العامّة ببيان الفرق بين الماهية وعوارضها دون ذاتياتها، لأنه قد تشتبه الماهية بالعوارض فيما إذا عرض الشيء لنفسه كالكلّي للكلّي، بخلاف الذاتيات فإنه لا اشتباه بين الكلّ والجزء فتدبر. هذا كله خلاصة ما حققه المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي.
وقال المولوي عصام الدين في حاشية شرح العقائد إنّ الضمير الأول ضمير فصل لإفادة أنّ ما به الشيء ليس إلّا الشيء وليس راجعا إلى الشيء. فالمعنى ما به الشيء هو الشيء أعني أمر باعتباره مع الشيء يكون الشيء هو الشيء ولا يثبت بإثباته للشيء إلّا نفسه بخلاف الجزء والعارض، فإنّه باعتباره مع الشيء وإثباته للشيء يكون الشيء غيره، فإنّك إذا اعتبرت مع الإنسان الإنسان لا يكون الإنسان إلّا إنسانا، ولو اعتبرت معه الناطق يكون الإنسان الناطق، ولو اعتبرت معه الضاحك يكون الإنسان الضاحك. وبهذا التحقيق سهل عليك ما صعب على كل ناظر فيه من التمييز بين ماهية الشيء وعلّته بهذا التعريف ونجوت عن تكلفات. واندفع أيضا أنّ أحد الضميرين زائد، ويكفي ما به الشيء هو، وأنه يرد بالذاتي، وأنّ كلمة الباء الدالة على السببية تقتضي الاثنينية، انتهى وهذا حسن جدّا.
اعلم أنّ الحقيقة بهذا المعنى يستعملها الحكماء والمتكلمون والصوفية.
التقسيم
قال المولوي عبد الرحمن الجامي في شرح الفصوص في الفص الأول: إنّ الحقائق عند الصوفية ثلاث. الأولى حقيقة مطلقة فعّالة واحدة عالية واجبة وجودها بذاتها وهي حقيقة الله سبحانه. والثانية حقيقة مقيّدة منفعلة سافلة قابلة للوجود من الحقيقة الواجبة بالفيض والتجلّي وهي حقيقة العالم. والثالثة حقيقة أحدية جامعة بين الإطلاق والتقييد والفعل والانفعال والتأثير والتأثر فهي مطلقة من وجه مقيدة من آخر، فعّالة من جهة منفعلة من أخرى. وهذه الحقيقة أحدية جمع الحقيقتين، ولها مرتبة الأولية والآخرية، وذلك لأنّ الحقيقة الفعّالة المطلقة في مقابلة الحقيقة المنفعلة المقيّدة، وكل متفرقتين فلا بد لهما من أصل هما فيه واحد وهو فيهما متعدد مفصل.
وظاهرية هذه الحقيقة هي المسماة بالطبيعة الكلية الفعّالة من وجه والمنفعلة من آخر، فإنّها تتأثّر من الأسماء الإلهية وتؤثّر في موادها. وكلّ واحد من هذه الحقائق الثلاث حقيقة الحقائق التي تحتها انتهى. وللحقيقة بهذا المعنى تقسيمات أخر تجيء في لفظ الماهية. وبعض ما يتعلّق بهذا المقام يجيء في لفظ الذات أيضا.
ومنها الماهية باعتبار الوجود فعلى هذا لا تتناول المعدوم، وإطلاق الحقيقة بهذا المعنى أكثر من إطلاقها بمعنى الماهية مطلقا. قال شارح الطوالع وشارح التجريد إنّ الحقيقة والذات تطلقان غالبا على الماهية مع اعتبار الوجود الخارجي كلية كانت أو جزئية انتهى. فعلى هذا لا يقال ذات العنقاء وحقيقتها كذا بل ماهيتها كذا. ومنها ما هو مصطلح الصوفية في كشف اللغات الحقيقة: عند الصوفية ظهور ذات الحقّ بدون حجاب التعيّنات ومحو الكثرة الموهومة في نور الذات. انتهى كلامه. وفي مجمع السلوك أمّا الحق والحقيقة في اصطلاح مشايخ الصوفية فالحق هو الذات والحقيقة هي الصفات. فالحق اسم الذات والحقيقة اسم الصفات. ثم إنّهم إذا أطلقوا ذلك أرادوا به ذات الله تعالى وصفاته خاصة، وذلك لأنّ المريد إذا ترك الدنيا وتجاوز عن حدود النفس والهوى ودخل في عالم الإحسان يقولون دخل في عالم الحقيقة ووصل إلى مقام الحقائق، وإن كان بعد عن عالم الصفات والأسماء، فإذا وصل إلى نور الذات يقولون وصل إلى الحق وصار شيخا لائقا للاقتداء به، وقلّما يستعملون ذلك في ذوات أخر وفي صفاتهم لأن مقصودهم الكلّي هو التوحيد. وقال الديلمي الحقيقة عند مشايخ الصوفية عبارة عن صفات الله تعالى والحق ذات الله تعالى. وقد يريدون بالحقيقة كل ما عدا عالم الملكوت وهو عالم الجبروت. والملكوت عندهم عبارة من فوق العرش إلى تحت الثرى وما بين ذلك من الأجسام والمعاني والأعراض.
والجبروت ما عدا الملكوت. وقال بعضهم الكبار وأما عالم الملكوت فالعبد له اختيار فيه ما دام في هذا العالم، فإذا دخل في عالم الجبروت صار مجبورا على أن يختار ما يختار الحق وأن يريد ما يريده، لا يمكنه مخالفته أصلا انتهى. وقيل الحقيقة هي التوحيد وقيل هي مشاهدة الربوبية ويجيء في لفظ الطريقة ما يزيد على هذا.
الحقيقة: اسم لما أريد به ما وضع له فعيلة في حق الشيء إذا ثبت، بمعنى فاعلة أي حقيق والتاء فيه للنقل من الوصفية إلى الاسمية كما في العلامة لا للتأنيث. واصطلاحا: هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له. حقيقة الشيء ما به الشيء هو هو كالحيوان الناطق للإنسان بخلاف نحو الضاحك والكاتب بما يتصور الإنسان بدونه. وقد يقال إن ما به الشيء هو هو باعتبار تحققه حقيقة، وباعتبار تشخصه هوية، ومع قطع النظر عن ذلك. ماهية الحقيقة العقلية جملة أسند فيها الفعل إلى ما هو فاعل عند المتكلم كقول المؤمن: أنبت الله البقل، بخلاف نهاره صائم، فإن الصائم ليس النهار. الحقيقة الشرعية ما لم يستفد اسمه إلا من الشرع.

الحقيقة عند أهل الحق: سلب آثار أوصافك عنك بأوصافه.

الحق

الحَقُّ: هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، اليقينُ، ضدُ الباطل، الحظُّ والنصيبُ، المالُ والمِلكُ، الأمر المقضيُّ جمعه حقوق. والحقُّ من أسماء الله تعالى الموجود حقيقةً المتحقق وجودُه وإآلهيَّته.
الحق: لغة الثابت الذي لا يسوغ إنكاره. وعرفا: الحكم المطابق للواقع، يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك، ويقابله الباطل. وأما الصدق فشاع في الأقوال فقط ويقابله الكذب. وفرق بينهما بأن المطابقة تعتبر في الحق من جانب الواقع، وفي الصدق من جانب الحكم، فمعنى صدق الحكم مطابقته للواقع ومعنى، حقيته مطابقة الواقع إياه كذا في شرح العقائد. وقال الراغب: الحق المطابقة والموافقة كمطابقة رجل الباب في حقه لدورانه على استقامة. والحق يقال لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولذلك قيل في الله هو الحق، وللموجود بحسب مقتضى الحكمة، ولذلك يقال: فعل الله كله حق نحو الموت والبعث حق، وللاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، نحو اعتقاد زيد في البعث حق، وللفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب، نحو فعلك حق، وقولك حق. ويقال: أحققت ذا أي أثبتــه حقا، أو حكمت بكونه حقا. فإحقاق الحق ضربان: أحدهما بإظهار الأدلة والآيات، ومنه {جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} أي حجة قوية. والثاني: بإكمال الشريعة وبثها، ومنه {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِه} . ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز نحو: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} . والحقيقة تستعمل تارة في الشيء الذي له ثبات ووجود، وتارة في الاعتقاد، وتارة في العمل، وتارة في القول. وفي المصباح: حق الشيء وجب وثبت، ولهذا يقال لمرافق الدار حقوقها. وحقت القيامة أحاطت بالخلائق، وحقت الحاجة نزلت واشتدت. وحققت الأمر وتحققته تيقنته وجعلته ثابتا لازما. وحقيقة الشيء منتهاه وأصله المشتمل عليه، وزيد حقيق بكذا خليق به، ماخوذ من الحق الثابت. وقولهم هو، أحق بكذا يستعمل بمعنيين: أحدهما اختصاصه بذلك بغير شريك كزيد أحق بماله أي لا حق لغيره فيه. الثاني: أن يكون أفعل تفضيل فيقتضي اشتراكه مع غيره وترجيحه عليه، ومنه "الأيم أحق بنفسها من وليها" ، فهما مشتركان لكن حقها آكد. واستحق فلان الأمر استوجب، ومنه قولهم خرج المبيع مستحقا.

الْجِهَة

(الْجِهَة) الْجَانِب والناحية والموضع الَّذِي تتَوَجَّه إِلَيْهِ وتقصده (ج) جِهَات وَيُقَال مَاله جِهَة فِي هَذَا الْأَمر لَا يبصر وَجه أمره كَيفَ يَأْتِي لَهُ وَفعلت كَذَا على جِهَة كَذَا على نَحوه وقصده
الْجِهَة: قَالَ الْحسن الميبذي رَحمَه الله فِي (الفواتح) حكما يَقُولُونَ إِن الْجِهَات الْحَقِيقِيَّة اثْنَتَانِ فَوق وَتَحْت. ويحددان بالفلك الْأَعْظَم، فَوق بمحيطه وَتَحْت بالمركز. وَعَلِيهِ يُقَال إِنَّه محدد الْجِهَات (أَي الْفلك) وَجَمِيع الأفلاك شفافة بِمَعْنى أَنهم لَا يحجبون الْأَبْصَار وَلَيْسوا خفافا وَلَا ثقالا، فالخفة تميل إِلَى الْمُحِيط والثقل يمِيل إِلَى المركز وَلَيْسوا باردين وَلَا حارين وَكَذَلِكَ لَا رطبين وَلَا جافين وَلَا ينمون وَلَا يزيلون وَلَا شَهْوَة وَلَا غضب لَهُم، وَلَا يقبلُونَ الكينونة وَلَا الْفساد وهم دائمو الْحَرَكَة بِإِرَادَة دائرية، وهم أَحيَاء ناطقون، وَلَا تعتقد أَن كَونهمَا ناطقين وحيين يَعْنِي أَن لَا مَانع فِي تَحْدِيد الإنساني بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق. إِذا مَا كَانَ المُرَاد من الْحَيّ هُوَ حَاجِب الْحَيَاة وَمن الْحَيَوَان الْجِسْم النامي الحساس المتحرك بِإِرَادَة وعلاقته الْقَدِيمَة مَوْقُوفَة بالحوادث على الْأَمر على وَجه الْعلية. وَأَنه بِوَجْه مُسْتَمر وَيَوْم آخر متجدد ومستند على اعْتِبَار الِاسْتِمْرَار بالقديم، وَبِاعْتِبَار تجدّد وَاسِطَة صُدُور الْحَوَادِث. وَهَذَا الْحَرَكَة الفلكية. المشاؤون يَقُولُونَ إِن الْعقل هُوَ حَاصِل جَمِيع الكمالات الممكنة بِالْفِعْلِ، وَإِن الْكَمَال الْمُمكن بِالْقُوَّةِ لَيْسَ فلكا إِلَّا الأوضاع الْمُخْتَلفَة، وَهُوَ يُرِيد أَن يتشبه بِالْعقلِ وَيُرِيد أَن ينْقل الأوضاع الْمُخْتَلفَة من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل وَهَذَا لَيْسَ ميسرًا دفْعَة وَاحِدَة وَلَكِن بالتدريج عَن طَرِيق أَو بوسيلة الْحَرَكَة ينْتَقل إِلَى الْفِعْل. 
الْجِهَة: تطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا: أَطْرَاف الامتدادات وَتسَمى مُطلق الْجِهَة وَبِهَذَا الْمَعْنى يُقَال ذُو الْجِهَات الثَّلَاث والسبع إِذْ لَا تَنْحَصِر الْجِهَة بِهَذَا الْمَعْنى فِي السِّت بل يكون أقل أَو أَكثر. وَالثَّانِي: تِلْكَ الْأَطْرَاف من حَيْثُ إِنَّهَا مُنْتَهى الإشارات ومقصد الحركات ومنتهاها وَتسَمى الْجِهَة الْمُطلقَة وَهِي بِالْمَعْنَى الأول قَائِمَة بالجسم الَّذِي هُوَ ذُو الْجِهَة وبالمعنى الثَّانِي بِخِلَاف ذَلِك. وَفِي غَايَة الْهِدَايَة أَن الْجِهَة تطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا: مُنْتَهى الإشارات. وَثَانِيهمَا: مُنْتَهى الحركات المستقيمة فبالنظر إِلَى الأول قيل إِن جِهَة الفوق هِيَ محدب الْفلك الْأَعْظَم لِأَنَّهُ مُنْتَهى الْإِشَارَة الحسية ومقطعها وبالنظر إِلَى الثَّانِي قيل هِيَ مقعر فلك الْقَمَر لِأَنَّهُ مُنْتَهى الْحَرَكَة المستقيمة وَالْأول هُوَ الصَّحِيح لِأَن الْإِشَارَة إِذا نفذت من فلك الْقَمَر كَانَت إِلَى جِهَة الفوق قطعا لكَونهَا آخذة من جِهَة التحت وَهُوَ مَرْكَز الْفلك الْأَعْظَم متوجهة إِلَى مَا يقابلها وَلَا بَأْس بنفوذ الْإِشَارَة من فلك الْقَمَر لِأَنَّهَا أَمر وهمي لَا يضر نفوذها للفلك الْغَيْر الْقَابِل للخرق والالتئام بِخِلَاف الْحَرَكَة فَإِنَّهَا تضره لاستلزامها الْخرق.

وَهَاتَانِ: الجهتان أَعنِي الفوق والتحت حقيقيتان لَا تتبدلان فَإِن الْقَائِم إِذا صَار منكوسا لم يصر مَا يَلِي رَأسه فوقا وَمَا يَلِي رجله تحتا بل صَار رَأسه من تَحت وَرجله من فَوق بِخِلَاف بَاقِي الْجِهَات. فَإِن المتوجه إِلَى الْمشرق مثلا يكون الْمشرق قدامه وَالْمغْرب خَلفه والجنوب يَمِينه وَالشمَال بِالْفَتْح شِمَاله بِالْكَسْرِ. ثمَّ إِذا توجه إِلَى الْمغرب يتبدل الْجَمِيع وَصَارَ قدامه خَلفه وَبِالْعَكْسِ يَمِينه شِمَاله وَبِالْعَكْسِ. وَالْمَشْهُور أَن الْجِهَات سِتّ وعَلى غير الْمَشْهُور أَكثر مِنْهَا لِأَنَّهُ يُمكن أَن يفْرض فِي جسم وَاحِد بل من نقطة وَاحِدَة امتدادات غير متناهية.
وَلَكِن نقرع سَمعك بِمَا قَالَ الْحَكِيم صَدرا فِي شرح هِدَايَة الْحِكْمَة فِي تمهيد فصل أَن الْقُوَّة المحركة للفلك يجب أَن تكون مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة الخ كَمَا أثبت كَون الْفلك حَيَوَانا متحركا بالإرادة أَرَادَ أَن يبين أَن الْفلك إِنْسَان كَبِير بِمَعْنى أَن مبدأ حركته لَيْسَ قُوَّة حيوانية منطبعة بل نفسا مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة ذَات إِرَادَة كُلية لَا يكون تعلقهَا بجرم الْفلك تعلق الانطباع بل تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف كتعلق النَّفس الناطقة ببدن الْإِنْسَان انْتهى لَعَلَّ مُرَاده بِالْحَيَوَانِ الْحَيّ لَا مَا هُوَ المصطلح عَلَيْهِ وَإِطْلَاق الْإِنْسَان الْكَبِير على الْفلك لَا يضرنا لِأَنَّهُ إِنَّمَا أطلق الْإِنْسَان الْكَبِير لَا الْإِنْسَان. وَالْإِنْسَان وَالْإِنْسَان الْكَبِير حقيقتان متبائنتان. وَلَعَلَّ عِنْد غَيْرِي أحسن من هَذَا. وَقد تطلق الْجِهَة على صفة الشَّيْء وحاله الَّذِي يكون مقتضيا وسببا للْحكم عَلَيْهِ بِشَيْء آخر وتغاير الْجِهَتَيْنِ فِي الْمَوْقُوف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِنَّمَا يُفِيد فِي دفع الدّور إِذا كَانَتَا مؤثرتين فِي التَّوَقُّف وَكَانَ الْمَوْقُوف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ هما الجهتان فاحفظ فَإِنَّهُ نَافِع جدا.

والجهة عِنْد المنطقيين: هِيَ الْكَيْفِيَّة المعقولة للنسبة بَين الْمَوْضُوع والمحمول. وَالتَّفْصِيل إِن النِّسْبَة الَّتِي بَين الْمَوْضُوع والمحمول إيجابية أَو سلبية لَا بُد وَأَن تكون لَهَا كَيْفيَّة من الكيفيات. ثمَّ إِن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة الثَّابِتَة فِي نفس الْأَمر تسمى مَادَّة وَمن حَيْثُ إِنَّهَا مدركة وثابتة فِي الْعقل سَوَاء كَانَت النِّسْبَة فِي نفس الْأَمر أَولا تسمى جِهَة معقولة. والعبارة الدَّالَّة على تِلْكَ الْكَيْفِيَّة المدركة هِيَ الْجِهَة الملفوظة. وَقَالَ بَعضهم اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهَا أَي على تِلْكَ الْكَيْفِيَّة فِي نفس الْأَمر فِي الْقَضِيَّة الملفوظة وَالصُّورَة الْعَقْلِيَّة الدَّالَّة عَلَيْهَا فِي الْقَضِيَّة المعقولة تسمى جِهَة الْقَضِيَّة.
وَقد علمت مِمَّا ذكرنَا أَن جِهَة الْقَضِيَّة لَا بُد وَأَن تكون خَارِجَة عَن الطَّرفَيْنِ وَالنِّسْبَة كَيفَ فَإِنَّهَا كَيْفيَّة النِّسْبَة بَين الْمَوْضُوع والمحمول. لَا يُقَال إِن الِامْتِنَاع جِهَة من الْجِهَات لِأَنَّهَا غير محصورة فِيمَا ذكرُوا وَهُوَ مَحْمُول فِي قَوْلنَا شريك الْبَارِي مُمْتَنع لأَنا نقُول إِن الْمَحْمُول هُوَ الْمَوْجُود لَا الْمُمْتَنع فَإِن مَعْنَاهُ شريك الْبَارِي مَوْجُود بالامتناع لَكِن لما كَانَ الْمَقْصُود وَالْحكم بالامتناع يَجْعَل مَحْمُولا قصرا للمسافة. وَقس عَلَيْهِ الله وَاجِب وَالْإِنْسَان مُمكن. وَمن قَالَ إِن الِامْتِنَاع لَيْسَ بِجِهَة فقد أغمض الْعَينَيْنِ من نور القمرين كَيفَ وَقد أذن مُؤذن فِي مَسْجِد التَّجْرِيد أَن الْوُجُود إِذا حمل أَو جعل رابطا يثبت مواد ثَلَاث فِي أَنْفسهَا جِهَات فِي التعقل دَالَّة على وثاقة الرابطة وضعفها هِيَ الْوُجُوب والامتناع والإمكان وَكَذَا الْعَدَم انْتهى.
قَالَ الْفَاضِل المدقق مَوْلَانَا مرزاجان فِي حَوَاشِيه على شرح التَّجْرِيد لَا يُقَال مثلا قَوْلنَا شريك الْبَارِي مَوْجُود لَيْسَ بقضية بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ لِأَن الْقَضِيَّة إِنَّمَا تكون بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ إِذا كَانَت النِّسْبَة فِيهَا بِالْفِعْلِ كَمَا فِي القضايا الفعلية. أَو بِالْقُوَّةِ كَمَا فِي الممكنة على مَا ذكر الْعَلامَة الرَّازِيّ. وَإِذا لم تكن قَضِيَّة بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ فَكيف تتكيف بالمادة والجهة مَعَ أَنهم فسروا الْمَادَّة والجهة بالكيفية الْعَارِضَة لنسبة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع فِي نفس الْأَمر أَو فِي الْعقل والموضوع والمحمول لَا يتحققان إِلَّا فِي الْقَضَاء. وَأَيْضًا صَرَّحُوا بِأَن الممكنة الْعَامَّة أَعم جَمِيع الْجِهَات وَظَاهر أَنه لَا يصدق شريك الْبَارِي مَوْجُود بالإمكان الْعَام لأَنا نقُول امْتنَاع الشَّيْء إِنَّمَا يُنَافِي تحَققه لَا صدق اسْمه ورسمه عَلَيْهِ إِذْ لَا يخفى أَن اجْتِمَاع النقيضين مُسْتَحِيل يصدق عَلَيْهِ اسْمه ورسمه.
وَمن هَا هُنَا يظْهر أَن القَوْل بِأَن الممكنة لَيست قَضِيَّة بِالْفِعْلِ بِنَاء على أَن النِّسْبَة فِيهَا لَيست متحققة بِالْفِعْلِ مَنْظُور فِيهِ وَقَوْلهمْ الممكنة أَعم الموجهات مَعْنَاهُ أَنَّهَا أَعم من الموجهات الْمَشْهُورَة المعدودة فِي كتب الْمنطق. بَقِي شَيْء وَهُوَ أَنه لَا بُد فِي الْقَضِيَّة من الحكم والإذعان الْمُتَعَلّق بِالنِّسْبَةِ الَّتِي فِيهَا والقضية الَّتِي جِهَتهَا الِامْتِنَاع لم يذعن بِالنِّسْبَةِ الَّتِي فِيهَا وَالْقَوْل بِأَن المذعن هَا هُنَا كَون شريك الْبَارِي مَوْجُودا بالامتناع فَإِن كَون شريك الْبَارِي مَوْجُودا وَإِن لم يصلح لتَعلق الإذعان بِهِ لَكِن كَونه مَوْجُودا بالامتناع مِمَّا يذعن بِهِ وهم مَحْض فَإِن المذعن بِهِ هَا هُنَا فِي الْحَقِيقَة هُوَ أَن وجود شريك الْبَارِي مُمْتَنع. بل الْحق فِي الْجَواب أَن يُقَال امْتنَاع النِّسْبَة فِي الْحَقِيقَة هُوَ ضَرُورَة الطّرف الْمُقَابل لتِلْك النِّسْبَة اعْتبر بِالْعرضِ فِيهَا. وَلَا شكّ فِي تحقق الطّرف الْمُقَابل فِي النِّسْبَة الممتنعة انْتهى.
ثمَّ الْوَاجِب عَلَيْك أَن تحفظ أَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِذا كَانَ الْمُمكن الْخَاص سَوَاء كَانَ الْمَحْمُول هُوَ الْوُجُود أَو الْعَدَم فالجهة هِيَ الْإِمْكَان. وَإِمَّا إِذا كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ هُوَ الْوَاجِب لذاته فَلَا تكون الْجِهَة هِيَ الْإِمْكَان مَا لم يكن الْمَحْمُول هُوَ الْوُجُود لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْعَدَم فالجهة هِيَ الِامْتِنَاع وَكَذَا إِذا كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ هُوَ الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ لَا تكون الْجِهَة هِيَ الْإِمْكَان مَا لم يكن الْمَحْمُول هُوَ الْعَدَم وَأما إِذا كَانَ الْوُجُود فالجهة هِيَ الِامْتِنَاع فَافْهَم واحفظ.

الْخَبَر

(الْخَبَر) مَا ينْقل وَيحدث بِهِ قولا أَو كِتَابَة وَقَول يحْتَمل الصدْق وَالْكذب لذاته (ج) أَخْبَار (جج) أخابير

(الْخَبَر) الْمُزَارعَة بالمخابرة والناقة الغريزة اللَّبن والراوية الْعَظِيمَة (ج) خبور

(الْخَبَر) منقع المَاء فِي الْجَبَل وَالزَّرْع والسدر والأراك وَمَا حولهما من العشب والناقة الغزيرة اللَّبن والراوية الْعَظِيمَة (ج) خبور
الْخَبَر: قد يُقَال وَيُرَاد بِهِ خبر الْمُبْتَدَأ أَي الْمَحْمُول. وَقد يُرَاد بِهِ الْقَضِيَّة فَيكون مرادفا لَهَا وعرفوه بِأَنَّهُ الْكَلَام الْمُحْتَمل للصدق وَالْكذب فَإِن قيل: إِن الصدْق وَالْكذب إِمَّا عبارتان عَن مُطَابقَة الْخَبَر للْوَاقِع وَعدم تِلْكَ الْمُطَابقَة. وَإِمَّا عَن الْخَبَر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ وَالْخَبَر لَا على مَا هُوَ بِهِ فعلى أَي حَال يلْزم الدّور لكَون الْخَبَر مأخوذا فِي تَعْرِيف الصدْق وَالْكذب المأخوذين فِي تَعْرِيف الْخَبَر فتوقف الْخَبَر على الْخَبَر وَلَو بِوَاسِطَة. قُلْنَا: أَولا: إِن هَذَا إِنَّمَا يرد على من فسر الصدْق وَالْكذب بِمَا ذكر وَأما إِذا فسر الصدْق بمطابقة النِّسْبَة الإيقاعية أَو الانتزاعية للْوَاقِع وَالْكذب بِعَدَمِ مطابقتها لَهُ فَلَا. وَثَانِيا: بِأَن الْخَبَر الْمَأْخُوذ فِي تعريفي الصدْق وَالْكذب بِمَعْنى الْأَخْبَار بِدَلِيل تعديته بِكَلِمَة عَن فَهُوَ غير الْخَبَر الْمُعَرّف بالْكلَام الْمَذْكُور فَلَا دور وَأَيْضًا أَن الصدْق وَالْكذب كَمَا يُوصف بهما الْكَلَام كَذَلِك يُوصف بهما الْمُتَكَلّم وَالْمَذْكُور فِي تَعْرِيف الْخَبَر صفة الْكَلَام بِمَعْنى مُطَابقَة نسبته للْوَاقِع وَعدمهَا وَالْخَبَر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ وَلَا على مَا هُوَ بِهِ صفة الْمُتَكَلّم فَلَا دور.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره وَقد يتَوَهَّم أَن مَا هُوَ صفة للتكلم رَاجع إِلَى صفة الْكَلَام حَقِيقَة بِنَاء على أَن قَوْلنَا مُتَكَلم صَادِق مَعْنَاهُ صَادِق كَلَامه أَو مَوْقُوف على مَا هُوَ صفة الْكَلَام بِنَاء على أَن مَعْنَاهُ كَون الْمُتَكَلّم بِحَيْثُ يكون كَلَامه صَادِقا فالدور لَازم انْتهى. أما على الأول فَلِأَن تَعْرِيف صدق الْمُتَكَلّم مثلا بالْخبر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ تَعْرِيف لصدق الْكَلَام على ذَلِك التَّقْدِير فقد أَخذ الْخَبَر فِي تَعْرِيف الصدْق الْمَأْخُوذ فِي تَعْرِيف الْخَبَر فتوقف الْخَبَر على الْخَبَر من حَيْثُ التعقل وَهَذَا هُوَ الدّور. وَأما على الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لما توقف صدق الْمُتَكَلّم مثلا من حَيْثُ التعقل على صدق الْكَلَام لِأَن معنى صدق الْمُتَكَلّم كَونه بِحَيْثُ يكون كَلَامه صَادِقا. وَأَنت تعلم أَنه لَا جَهَالَة فِي كَونه بِحَيْثُ كَذَا إِلَّا بِاعْتِبَار الْجَهَالَة فِي مَا يُضَاف إِلَيْهِ كلمة حَيْثُ وَهُوَ صدق الْكَلَام فَيكون التَّعْرِيف الْمَذْكُور أَعنِي الْخَبَر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ تعريفا لصدق الْكَلَام وَقد أَخذ فِي هَذَا التَّعْرِيف الْخَبَر الْمَأْخُوذ فِي تَعْرِيفه صدق الْكَلَام فتوقف صدق الْكَلَام على الْخَبَر الْمَوْقُوف على صدق الْكَلَام فَلَزِمَ الدّور فِي تَعْرِيف صدق الْكَلَام وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله وَجَوَابه. أما على الأول فَهُوَ أَن الصدْق وَالْكذب وَإِن اتحدا فِي التعريفين على ذَلِك التَّقْدِير لَكِن الْخَبَر مُتَعَدد فيهمَا كَمَا ذكره أَي الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي المطول فَلَا دور.
نعم لَو فسر الْإِخْبَار بالإتيان بالْخبر عَاد الدّور واحتيج فِي دَفعه إِلَى وَجه آخر انْتهى.
حَاصله إِن لُزُوم الدّور مَبْنِيّ على مقدمتين اتِّحَاد الْخَبَر فِي التعريفين واتحاد الصدْق وَالْكذب فيهمَا يَعْنِي أَن الدّور إِنَّمَا يلْزم لَو وجد الاتحادان مَعًا والمتوهم أورد كلَاما أثبت بِهِ اتِّحَاد الصدقين أَي الصدْق فِي تَعْرِيف الْخَبَر والصدق الْمُعَرّف بالْخبر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ وَفرع على هَذَا الِاتِّحَاد فَقَط لُزُوم الدّور.
فَأجَاب السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله بِأَن تَفْرِيع لُزُوم الدّور على مُجَرّد اتِّحَاد الصدْق غير صَحِيح لجَوَاز تعدد الْخَبَر فيهمَا إِنَّمَا يتم ذَلِك لَو اتَّحد الْخَبَر أَيْضا فيهمَا وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن المُرَاد بالْخبر الْمُعَرّف الْكَلَام الْمخبر بِهِ وبالخبر فِي تَعْرِيف الصدْق وَالْكذب الْإِخْبَار عَن الشَّيْء فتوقف الْخَبَر بِمَعْنى الْكَلَام الْمخبر بِهِ على الصدْق الْمَوْقُوف على الْخَبَر بِمَعْنى الْإِخْبَار. وَهَا هُنَا نظر لِأَن لَك أَن تَقول كَون الْخَبَر فِي تَعْرِيف الصدْق وَالْكذب بِمَعْنى الْإِخْبَار غير صَحِيح لِأَن صدق الْمُتَكَلّم رَاجع إِلَى صدق الْكَلَام وتعريفه تَعْرِيفه وَلَا يُمكن تَعْرِيف صدق الْكَلَام بالإخبار عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ كَمَا لَا يخفى. وَالْجَوَاب أَن معنى صدق الْكَلَام حِينَئِذٍ الْإِخْبَار عَن الشَّيْء أَي الْإِعْلَام بِالنِّسْبَةِ على مَا هُوَ بِهِ أَي كَون النِّسْبَة معلما بهَا على مَا هُوَ بِهِ. فَإِن قلت: لُزُوم الدّور بَاقٍ على حَاله لِأَن الْإِخْبَار عَن الشَّيْء بِمَعْنى الْإِتْيَان بِخَبَرِهِ أَي الْكَلَام الْمخبر بِهِ عَن ذَلِك الشَّيْء قُلْنَا: لَو فسر الْإِخْبَار بِمَعْنى الْكَشْف عَن حَال الشَّيْء فَلَا إِشْكَال وَإِن فسر بالإتيان الْمَذْكُور فَنَقُول الْخَبَر الْمُعَرّف مَعْلُوم بِوَجْه مَا وَإِلَّا لامتنع طلبه وَالْمَقْصُود مَعْرفَته بِوَجْه يمتاز عَمَّا عداهُ ويساويه وَهُوَ الْكَلَام الْمُحْتَمل للصدق وَالْكذب وَقد أَخذ فِي تعريفهما الْخَبَر الْمَعْلُوم بِوَجْه مَا فَلَا دور.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله وَإِمَّا على الثَّانِي أَي إِمَّا على الْجَواب عَن لُزُوم الدّور على تَقْدِير توقف صدق الْمُتَكَلّم على صدق الْكَلَام فَهُوَ إِن صدق الْمُتَكَلّم إِلَى آخِره.
حَاصله أَن كَون صدق الْمُتَكَلّم على هَذَا التَّفْسِير أَي كَونه بِحَيْثُ يكون كَلَامه صَادِقا مَوْقُوفا على صدق الْكَلَام بل على معرفَة الْكَلَام أَيْضا مُسلم وَلَيْسَ شَيْء من معرفَة الْكَلَام وَصدقه مَوْقُوفا على صدق الْمُتَكَلّم حَتَّى يلْزم الدّور.
وَهَا هُنَا كَلَام طَوِيل فِي حل المطول وَلما يَأْبَى عَنهُ الْمقَام اقتصرنا على هَذَا الْمُخْتَصر وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع فَليرْجع إِلَى الْحَوَاشِي الحكيمية وَإِن أردْت أَن تسمع خبر هَلَاك جذر الْأَصَم فاستمع لما يَقُول الْمركب التَّام فَإِنَّهُ مخبر صَادِق بِهِ وَسَيَأْتِي نبذ من التحقيقات فِي الْقَضِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَيْضا.

الجوهر

الجوهر:
[في الانكليزية] Substance ،essence
[ في الفرنسية] Substance ،essence

يطلق على معان: منها الموجود القائم بنفسه حادثا كان أو قديما ويقابله العرض بمعنى ما ليس كذلك. ومنها الحقيقة والذات، وبهذا المعنى يقال أي شيء هو في جوهره أي ذاته وحقيقته، ويقابله العرض بمعنى الخارج من الحقيقة. والجوهر بهذين المعنيين لا شكّ في جوازه في حقّ الله تعالى وإن لم يرد الإذن بالإطلاق. ومنها ما هو من أقسام الموجود الممكن، فهو عند المتكلمين لا يكون إلّا حادثا إذ كل ممكن حادث عندهم. وأما عند الحكماء فقد يكون قديما كالجوهر المجرّد وقد يكون حادثا كالجوهر المادي. وعند كلا الفريقين لا يجوز إطلاقه بهذا المعنى على الله تعالى بناء على أنّه قسم من الممكن. فتعريفه عند المتكلّمين الحادث المتحيز بالذات، والمتحيز بالذات هو القابل للإشارة الحسّية بالذات بأنه هنا أو هناك، ويقابله العرض. فقال الأشاعرة:
العرض هو الحادث القائم بالمتحيّز بالذات فخرج الإعدام والسّلوب لعدم حدوثها لأنّ الحادث من أقسام الموجود. وخرج أيضا ذات الربّ وصفاته لعدم كونها حادثة ولا قائمة بالمتحيّز بالذات، فإنّ الربّ تعالى ليس بمتحيّز أصلا. وبالجملة فذات الربّ تعالى وصفاته ليست بأعراض ولا جواهر. وقال بعض الأشاعرة العرض ما كان صفة لغيره وينبغي أن يراد بما الحادث بناء على أنّ العرض من أقسام الحادث وألّا ينتقض بالصفات السلبية وبصفات الله تعالى إذا قيل بالتغاير بين الذات والصفات كما هو مذهب بعض المتكلمين، وإن لم يكن بالتغاير بينهما فصفات الله تعالى تخرج بقيد الغيرية. وقال المعتزلة العرض هو ما لو وجد لقام بالمتحيّز. وإنما اختاروا هذا لأنّ العرض ثابت عندهم في العدم منفكا عن الوجود الذي هو زائد على الماهية ولا يقوم بالمتحيّز حال العدم، بل إذا وجد العرض قام به. وهذا بناء على قولهم بأنّ الثابت في العدم ذوات المعدومات من غير قيام بعضها ببعض، فإنّ القيام من خواص الوجود إلّا عند بعضهم، فإنّهم قالوا باتصاف المعدومات بالصفات المعدومة الثابتة. ويردّ عليهم فناء الجواهر فإنه عرض عندهم وليس على تقدير وجوده قائما بالمتحيّز الذي هو الجوهر عندهم لكونه منافيا للجواهر، ولا ينعكس أيضا على من أثبت منهم عرضا لا في محل كأبي هذيل العلّاف، فإنه قال: إنّ بعض أنواع كلام الله لا في محل، وكبعض البصريين القائلين بإرادة قائمة لا في محل. وأما ما قيل من أنّ خروجها لا يضرّ لأنه لا يطلق العرض على كلام وإرادة حادثين فمما لا يلتفت إليه، إذ عدم الإطلاق تأدّبا لا يوجب عدم دخولهما فيه. ومعنى القيام بالمتحيّز إمّا الطبيعة في المتحيّز أو اختصاص الناعت كما يجئ في لفظ الوصف، ويجئ أيضا في لفظ القيام ولفظ الحلول.
واعلم أنه ذكر صاحب العقائد النسفية أنّ العالم إمّا عين أو عرض لأنّه إن قام بذاته فعين وإلّا فعرض، والعين إمّا جوهر أو جسم لأنه إمّا متركّب من جزءين فصاعدا وهو الجسم أو غير متركّب وهو الجوهر، ويسمّى الجزء الذي لا يتجزأ أيضا. قال أحمد جند في حاشيته هذا مبني على ما ذهب إليه المشايخ من أنّ معنى العرض بحسب اللغة ما يمتنع بقاؤه ومعنى الجوهر ما يتركّب منه غيره، ومعنى الجسم ما يتركّب من غيره انتهى. فالجوهر على هذا مرادف للجزء الذي لا يتجزأ وقسم من العين وقسم للجسم. وقيل هذا على اصطلاح القدماء. والمتأخرون يجعلون الجوهر مرادفا للعين ويسمّون الجزء الذي لا يتجزأ بالجوهر الفرد، ويؤيده ما وقع في شرح المواقف من أنه قال المتكلمون لا جوهر إلّا المتحيّز بالذات، فهو إمّا يقبل القسمة في جهة واحدة أو أكثر وهو الجسم عند الأشاعرة، أو لا يقبلها أصلا وهو الجوهر الفرد وقد سبق تحقيق تعريف الجوهر الفرد في لفظ الجزء. ثم لا يخفى أنّ هذا التقسيم إنّما يصح حاصرا عند من قال بامتناع وجود المجرّد أو بعدم ثبوت وجوده وعدمه. وأمّا عند من ثبت وجود المجرّد عنده كالإمام الغزالي والراغب القائلين. بأنّ الإنسان موجود ليس بجسم ولا جسماني كما عرفت فلا يكون حاصرا. وأعمّ من هذا ما وقع في المواقف من أنّه قال المتكلمون الموجود في الخارج إمّا أن لا يكون له أول وهو القديم أو يكون له أول وهو الحادث. والحادث إمّا متحيّز بالذات وهو الجوهر أو حال في المتحيّز بالذات وهو العرض أو لا يكون متحيّزا ولا حالا فيه وهو المجرد انتهى. وهذا التقسيم أيضا ليس حاصرا بالنسبة إلى من ثبت عنده وجود المجرّد فإنّ صفات المجرّد خارجة عن التقسيم. ثم الظاهر أنّ القائل بوجود المجرّد يعرّف العرض بما كان صفة لغيره فإنّ الغير أعمّ من المتحيّز وغيره، ويقسّم الحادث إلى ما كان قائما بنفسه وهو الجوهر، فإن لم يكن متحيّزا فهو المجرّد.
والمتحيّز إمّا جسم أو جوهر فرد، وإلى ما لا يكون قائما بنفسه بل يكون صفة لغيره وهو العرض. ويؤيده ما في الچلپي حاشية شرح المواقف من أنّ الراغب والغزالي قالا النفس الناطقة جوهر مجرد عن المادة انتهى. فإنهما وصفا الجوهر بالمجرّد. فالمجرّد يكون قسما من الجوهر بلا واسطة لا من الحادث والله أعلم بحقيقة الحال.
فائدة: الجوهر الفرد لا شكل له باتفاق المتكلّمين لأنّ الشكل هيئة أحاطها حدّ أو حدود، والحدّ أي النهاية لا يعقل إلّا بالنسبة إلى ذي النهاية فيكون هناك لا محالة جزءان. ثم قال القاضي ولا يشبه الجوهر الفرد شيئا من الأشكال لأنّ المشاكلة الاتحاد في الشكل، فما لا شكل له كيف يشاكل غيره. وأمّا غير القاضي فلهم فيه اختلاف. فقيل يشبه الكرة في عدم اختلاف الجوانب ولو كان مشابها للمضلع لاختلف جوانبه فكان منقسما. وقيل يشبه المربّع إذ يتركب الجسم بلا انفراج إذ الشكل الكروي وسائر المضلعات وما يشبهها لا يتأتى فيها ذلك الانفراج. وقيل يشبه المثلّث لأنه أبسط الأشكال.
فائدة: الجواهر يمتنع عليها التداخل وإلّا يكون هذا الجسم المعيّن أجساما كثيرة وهذا خلف. وقال النّظّام بجوازه. والظاهر أنه لزمه ذلك فيما قال من أنّ الجسم المتناهي المقدار مركّب من أجزاء غير متناهية العدد إذ لا بدّ حينئذ من وقوع التداخل فيما بينها. وأمّا أنه التزمه وقال به صريحا فلم يعلم كيف وهو جحد للضرورة وإن شئت الزيادة على هذا فارجع إلى شرح المواقف في موقف الجوهر.
وتعريف الجوهر عند الحكماء الممكن الموجود لا في موضوع ويقابله العرض بمعنى الممكن الموجود في موضوع أي محل مقوّم لما حلّ فيه. ومعنى وجود العرض في الموضوع أنّ وجوده هو وجوده في الموضوع بحيث لا يتمايزان في الإشارة الحسّية كما في تفسير الحلول. وقال المحقق التفتازاني إنّ معناه أنّ وجوده في نفسه هو وجوده في الموضوع، ولذا يمتنع الانتقال عنه. فوجود السّواد مثلا هو وجوده في الجسم وقيامه به بخلاف وجود الجسم في الحيّز فإنّ وجوده في نفسه أمر ووجوده في الحيّز أمر آخر ولهذا ينتقل عنه.
وردّ بأنّه يصح أن يقال وجد في نفسه فقام بالجسم فالقيام متأخّر بالذات من وجوده في نفسه. وأجيب بأنّا لا نسلّم صحة هذا القول.
كيف وقد قالوا إنّ الموضوع شرط لوجود العرض ولو سلّم فيكفي للترتيب بالفاء التغاير الاعتباري كما في قولهم رماه فقتله. إن قيل على هذا يلزم أن لا تكون الجواهر الحاصلة في الذهن جواهر لكونها موجودة في موضوع مع أنّ الجوهر جوهر سواء نسب إلى الإدراك العقلي أو إلى الوجود الخارجي. قلت المراد بقولهم الموجود لا في موضوع ماهية إذا وجدت كانت لا في موضوع، فلا نعني به الشيء المحصّل في الخارج الذي ليس في موضوع، بل لو وجد لم يكن في موضوع، سواء وجد في الخارج أو لا، فالتعريف شامل لهما. ثم إنها أعراض أيضا لكونها موجودة بالفعل في موضوع ولا منافاة بين كون الشيء جوهرا وعرضا، بناء على أنّ العرض هو الموجود في موضوع لا ما يكون في موضوع إذا وجدت فلا يشترط الوجود بالفعل في الجوهر ويشترط في العرض. فالمركّب الخيالي كجبل من ياقوت وبحر من زيبق لا شكّ في جوهريته، إنّما الشكّ في وجوده. وفيه بحث لأنّ هذا مخالف لتصريحهم بأنّ الجوهر والعرض قسما الممكن الموجود، وأنّ الممكن الموجود منحصر فيهما، فإذا اشترط في العرض الوجود بالفعل ولم يشترط في الجوهر يبطل الحصر إذ تصير القسمة هكذا الموجود الممكن إمّا أن يكون بحيث إذا وجد في الخارج كان لا في موضوع، أو يكون موجودا في الخارج في موضوع فيخرج ما لا يكون بالفعل في موضوع، ويكون فيه إذا وجد كالسواد المعدوم. والحقّ أنّ الوجود بالفعل معتبر في الجوهر أيضا كما هو المتبادر من قولهم الموجود لا في موضوع.
وتفسيره بماهية إذا وجدت الخ ليس لأجل أنّ الوجود بالفعل ليس بمعتبر فيه بل الإشارة إلى أنّ الوجود الذي به موجوديته في الخارج زائد على ماهية الجوهر والعرض كما هو المتبادر إلى الفهم. ولذا لم يصدق حدّ الجوهر على ذات الباري تعالى لأنّ موجوديته تعالى بوجود هو نفس ماهيته، وإن كان الوجود المطلق زائدا عليها. وإلى أنّ المعتبر في الجوهرية كونه بهذه الصفة في الوجود الخارجي، لا في العقل، أي أنه ماهية إذا قيست إلى وجودها الخارجي ولوحظت بالنسبة إليه كانت لا في موضوع. ولا شكّ أن تلك الجواهر حال قيامها بالذهن يصدق عليها أنها موجودة في الخارج لا في موضوع وإن كانت باعتبار قيامها بالذهن في موضوع فهي جواهر وأعراض باعتبار القيام بالذهن وعدمه وكذا الحال في العرض.
وبالجملة فالممتنع أن يكون ماهية شيء توجد في الأعيان مرة عرضا ومرة جوهرا حتى تكون في الأعيان تحتاج إلى موضوع ما وفيها لا تحتاج إلى موضوع، ولا يمتنع أن يكون معقول تلك الماهية عرضا. وظهر بما ذكرنا أنّ معنى الموجود لا في موضوع وماهية إذا وجدت كانت لا في موضوع واحد، كما أنّ معنى الموجود في موضوع وماهية إذا وجدت كانت في موضوع واحد لا فرق بينهما إلّا بالإجمال والتفصيل. وهذا على مذهب من يقول إنّ الحاصل في الذهن هو ماهيات الأشياء. وأما عند من يقول إن الحاصل في الذهن هو صور الأشياء وأشباهها المخالفة لها في الماهية، فلا تكون صور الجواهر عنده إلّا أعراضا موجودة بوجود خارجي قائمة بالنفس كسائر الأعراض القائمة بها، هكذا حقّق المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح المواقف.
التقسيم

قال الحكماء: الجوهر إن كان حالّا في جوهر آخر فصورة إمّا جسمية أو نوعية. وإن كان محلا لجوهر آخر فهيولى، وإن كان مركّبا منهما فجسم، وإن لم يكن كذلك أي لا حالا ولا محلا ولا مركّبا منهما، فإن كان متعلقا بالجسم تعلّق التدبير والتصرّف والتحريك فنفس وإلّا فعقل. وإنما قيد التعلّق بالتدبير والتصرّف والتحريك لأنّ للعقل عندهم تعلّقا بالجسم على سبيل التأثير، وهذا كلّه بناء على نفي الجوهر الفرد إذ على تقدير ثبوته لا صورة ولا هيولى ولا المركّب منهما بل هناك جسم مركّب من جواهر فردة كذا في شرح المواقف.
الجوهر: ماهية إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضع وهو منحصر في خمسة: هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل، لأنه إما أن يكون مجردا أو لا، والأول إما أن لا يتعلق بالبدن تعلق تدبير وتصرف أو يتعلق. والأول العقل والثاني النفس، وغير المجرد إما مركب أولا، والأول الجسم والثاني إما حال أو محل، الأول الصورة والثاني الهيولى وتسمى الحقيقة.
فالجوهر ينقسم إلى بسيط روحاني كالعقول، والنفوس المجردة، وإلى بسيط جسماني كالعناصر، وإلى مركب في العقل دون الخارج كالماهيات الجوهرية المركبة من الجنس والفصل، وإلى مركب منهما كالمولدات الثلاثة. 

الدّائرة

الدّائرة:
[في الانكليزية] Circle ،zone ،sphere
[ في الفرنسية] Cercle ،circonference ،zone
موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 1 775 الدائرة: ..... ص: 775

في الفرنسية] Cercle ،circonference ،zone
عند المهندسين وأهل الهيئة هي سطح مستو أحاط به خط مستدير. وتعرف أيضا بأنها سطح مستو يتوهّم حدوثه من إثبات أحد طرفي الخط المستقيم وإدارته حتى يعود إلى وضعه الأول. والمراد بالخط المستدير خط توجد في داخله نقطة تكون الخطوط الخارجة منها إليه، أي إلى ذلك الخط متساوية، وتلك النقطة مركز الدائرة، وتلك الخطوط أنصاف أقطار الدائرة، والخط المستدير محيط الدائرة، ويسمّى بالدائرة أيضا مجازا. وقيل الأمر بالعكس وتحقيق ذلك أنّه إذا أثبت أحد طرفي خط مستقيم وأدير دورة تامة يحصل سطح دائرة سمّي بها لأنّ هيئة هذا السطح ذات دورة على أنّ صيغة اسم الفاعل للنسبة، وإذا توهّم حركة نقطة حول نقطة ثابتة دورة تامة بحيث لا يختلف بعد النقطة المتحركة عن النقطة الثابتة يحصل محيط دائرة سمّي بها لأنّ النقطة كانت دائرة، فسمّي ما حصل من دورانها دائرة. فإن اعتبر الأول ناسب أن يكون إطلاق الدائرة على السطح حقيقة وعلى المحيط مجازا. وإن اعتبر الثاني ناسب أن يكون الأمر بالعكس، هكذا حقّق الفاضل عبد العلي البرجندي في حاشية الچغميني.
اعلم أنّ الدوائر المفروضة على الكرة على نوعين عظام وصغار. فالدائرة العظيمة هي التي تنصف الكرة والصغيرة هي التي لا تنصفها، والدوائر العظام المبحوث عنها في علم الهيئة هي معدل النهار ودائرة البروج وتسمّى بفلك البروج أيضا، ودائرة الأفق ودائرة الارتفاع ودائرة الميل ودائرة العرض ودائرة نصف النهار ودائرة وسط سماء الرؤية، هذه وهي المشهورة. وغير المشهورة منها دائرة الأفق الحادث ودائرة نصف النهار الحادث.

المعتزلة

المعتزلة:
[في الانكليزية] Mutazilites
[ في الفرنسية] Mutazilites
فرقة من كبار الفرق الإسلامية وهم أصحاب واصل بن عطاء الغزالي، اعتزل عن مجلس الحسن البصري وذلك أنّه دخل على الحسن رجل فقال يا إمام الدين: ظهر في زماننا جماعة يكفّرون صاحب الكبيرة يعني الخوارج، وجماعة أخرى يرجون الكبائر ويقولون لا يضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فكيف تحكم لنا أن نعتقد ذلك؟ فتفكّر الحسن وقبل أن يجيب، قال واصل: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ولا كافر مطلقا، فــأثبت المنزلة بين المنزلتين، وقال: إذا مات مرتكب الكبيرة بلا توبة خلّد في النار، إذ ليس في الآخرة إلّا فريقان: فريق في الجنّة وفريق في السعير، لكن يخفّف عليه ويكون دركته فوق دركات الكفّار. فقال الحسن: قد اعتزل عنّا واصل، فلذلك سمّي هو وأصحابه معتزلة، ويلقّبون أيضا بالقدرية لإسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم وإنكارهم القدر فيها. والمعتزلة لقبوا أنفسهم بأصحاب العدل والتوحيد لأنّهم قالوا يجب على الله ما هو الأصلح لعباده، ويجب أيضا ثواب المطيع فهو لا يخلّ بما هو واجب عليه أصلا، وجعلوا هذا عدلا. وقالوا أيضا بنفي الصفات الحقيقية القديمة القائمة بذاته احترازا عن إثبات قدماء متعدّدة وجعلوا هذا توحيدا وقالوا جميعا بأنّ القدم أخصّ وصف الله تعالى، وبنفي الصفات الزائدة على الذات، وبأنّ كلامه مخلوق محدث مركّب من الحروف والأصوات، وبأنّه لا يرى في الآخرة، وبأنّ الحسن والقبح عقليان، وبأنّه يجب عليه تعالى رعاية الحكمة والمصلحة في أفعاله وثواب المطيع وعقاب العاصي. ثم إنّهم بعد اتفاقهم على هذه الأمور افترقوا عشرين فرقة يكفّر بعضهم بعضا: الواصلية والعمروية والهذيلية والنّظّاميّة والإسكافية والجعفرية والبشرية والمزدارية والهشامية والصّالحية والحابطية والحدبية والمعمّرية والثّمامية والخيّاطية والجاحظية والكعبية والجبّائية والبهشمية والأسوارية، هكذا في شرح المواقف.

المستثنى منه

المستثنى منه:
[في الانكليزية] Word followed by an exception or a subtraction
[ في الفرنسية] Mot suivi d'une exception ou d'une soustraction
هو المذكور قبل إلّا وأخواتها المخالف لما بعده أي المستثنى نفيا وإثباتا ويسمّيه المحاسبون في باب الجبر والمقابلة بالزائد. فإذا قلنا جاءني القوم إلّا زيدا فالقوم مستثنى منه وزيد مستثنى. وإذا قلنا عندي مائة الّا مال فالمائة مستثنى منه وزائد والمال مستثنى وناقص. ثم إن كان المستثنى من جنس المستثنى منه فالاستثناء متّصل نحو: جاءني القوم إلّا زيدا. وإن لم يكن من جنس المستثنى منه فالاستثناء منقطع ويسمّى منفصلا أيضا نحو جاءني القوم إلّا حمارا. ومن قال بالاشتراك اللفظي أو المجاز عرّف الاستثناء المنفصل بما دلّ على مخالفته بإلّا غير الصفة أو إحدى أخواتها من غير إخراج، والمتصل بما دلّ على مخالفته بإلّا غير الصفة أو إحدى أخواتها مع إخراج، فحينئذ لا يمكن الجمع بينهما بحدّ واحد لأنّ مفهومه حينئذ حقيقتان مختلفتان. فإن قيل ربّما تجتمع الحقائق المختلفة في حدّ كأنواع الحيوان. قلنا ذلك عند اتحاد مفهوم مشترك بينهما والتقدير هاهنا تعدّد المفهوم. ثم المراد بالإخراج المنع عن الدخول مجازا، ولا ضير في ذلك، فإنّ تعريفات القوم مشحونة بالمجاز وذلك لأنّه إن اعتبر الإخراج في حقّ الحكم فالبعض المستثنى غير داخل فلا إخراج حقيقة، وإن اعتبر في حقّ تناول اللفظ إيّاه وانفهامه منه فلأنّ التناول بعد باق. وللتحرّز عن المجاز عرّف الاستثناء المتصل صاحب التوضيح بأنّه المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه أي في حكم صدر الكلام بإلّا وأخواتها. وقال الغزالي الاستثناء المتّصل هو قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دالّ على أنّ المذكور به لم يرد بالقول الأول، ثم ذكر أنّ القول احتراز عن التخصيص لأنّه قد لا يكون بقول بل بفعل أو قرينة أو دليل عقلي، وإذا كان بقول فلا ينحصر صيغه، فلهذا احترز بصيغ مخصوصة عن مثل رأيت المؤمنين ولم ار زيدا، إذ المراد من الصّيغ أدوات الاستثناء وحينئذ لا يرد ما قيل من أنّه يرد على طرده الشرط والصّفة بمثل الذي والغاية كما كرّم بني تميم إن دخلوا داري أو الذين دخلوا داري أو الداخلين في داري أو إلى أن يدخلوا، والمراد ذو إحدى صيغ مخصوصة، فلا يرد على عكسه قام القوم إلّا زيدا فإنّه ليس بذي صيغ بل ذو صيغة واحدة. وأجيب أيضا بأنّ هذا مندفع لظهور المراد وهو أنّ جنس الاستثناء ذو صيغ وكلّ الاستثناء ذو صيغة والمناقشة في مثله لا يحسن كلّ الحسن. وبقوله دالّ خرج المنقطع لأنّه لم يتناول المذكور حتى يفيد عموم إرادته.
وقيل هذا الحدّ لأدوات الاستثناء كأنّه قال أدوات الاستثناء كلمات ذو صيغ. ووجه تقييد الصّفة بمثل الذي أنّ الذي يذكر بعده شيء هو الصّلة كأدوات الاستثناء يذكر بعدها المستثنى وهذا خبط عظيم. وقيل في الأحكام الاستثناء المتّصل لفظ متصل بجملة لا يستقلّ بنفسه دالّ على أنّ مدلوله غير مراد مما اتصل به ليس بشرط ولا صفة ولا غاية. واحترز بالمتّصل عن المنفصل من لفظ أو عقل أو غيرهما. وبقوله لا يستقلّ عن اللفظ المتصل المستقل مثل قام القوم ولم يقم زيد. وبقوله دالّ عن المتصلات الغير المخصصة. وبقوله ليس بشرط الخ عن تلك الثلاث. ويرد على طرده قام القوم لا زيد وما قام القوم بل زيد أو لكن زيد، وعلى عكسه ما جاء إلّا زيد بعدم الاتصال بالجملة بناء على أنّ زيدا فاعل. وقيل النقل ليس بصحيح فإنّ المذكور في الأحكام أنّه لفظ متصل بجملة لا يستقلّ بنفسه دالّ على أنّ مدلوله غير مراد مما اتصل به بحرف إلّا أو إحدى أخواته ليس بشرط ولا صفة ولا غاية.
فاللفظ احتراز عن غير اللفظ من الدلالات المخصوصة الحسّية أو العقلية أو العرفية.
وبالمتصل عن الدلائل المنفصلة. وبقوله لا يستقلّ من مثل قام القوم ولم يقم زيد وبقوله دالّ عن الصيغ المهملة. وبقوله على أنّ مدلوله عن الأسماء المؤكّدة والنعتية نحو جاءني القوم العلماء كلّهم. وبحرف إلّا وأخواتها عن مثل قام القوم دون زيد أو لا زيد. وفوائد باقي القيود ظاهرة. ومثل ما جاء إلّا زيد في تقدير ما جاء أحد إلا زيد، فإنّ مذهب الجمهور أنّ المفرّغ استثناء متصل ليس بفاعل ولا مفعول حقيقة ولذا جاز ما جاء إلّا هند وامتنع ما جاء هند بدون تأنيث الفعل. وذهب بعضهم إلى أنّ الفاعل مضمر وإلّا زيد بدل.

تنبيه:

قال المحقّق التفتازاني في حاشية العضدي: الاستثناء قد يقال بمعنى المصدر أعنى الإخراج أو المخالفة وبمعنى المستثنى وهو المخرج والمذكور بعد إلّا من غير إخراج وبمعنى اللفظ الدالّ على ذلك كالشرط والصفة.
فإذا قلنا جاءني القوم إلّا زيدا فالاستثناء يطلق على إخراج زيد المخرج وعلى لفظ زيد المذكور بعد إلا وعلى مجموع إلّا زيد، وبهذه الاعتبارات اختلفت العبارات في تفسير الاستثناء، ويجب حمل كلّ تفسير على ما يناسبه من المعاني الأربعة. فمن عرّف الاستثناء بما دلّ على مخالفة الخ فقد أراد به المعنى الأخير.
ومن عرّفه بأنّه لفظ متصل بجملة الخ فالظاهر منه أنّه أراد به المستثنى انتهى كلامه. أقول ومن عرّفه بالمنع من الدخول الخ فقد أراد به المعنى المصدري. ومن عرّفه بقول ذو صيغ الخ فقد أراد به مجموع إلّا زيدا أي المعنى الأخير أيضا.
فائدة:
قيل لا يكون المنقطع إلّا بعد إلّا وغير وبيد مضافا إلى أنّ مشددة.

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 2 1530 فائدة: ..... ص: 1530

ل لا يكون المنقطع إلّا بعد إلّا وغير وبيد مضافا إلى أنّ مشددة.
فائدة:
لا بدّ لصحة الاستثناء المنقطع من مخالفة بوجه من الوجوه. وقد يكون بأن ينفي من المستثنى الحكم الذي ثبت للمستثنى منه نحو جاءني القوم إلّا حمارا، فقد نفينا المجيء من الحمار بعد ما أثبتــناه للقوم. وقد يكون بأن يكون المستثنى نفسه حكما آخر مخالفا للمستثنى منه بوجه مثل ما زاد إلّا ما نقص، وما نفع إلّا ما ضرر. فما الأولى نافية والثانية مصدرية والمعنى ما زاد لكن النقصان فعله أو لكن النقصان شأنه وأمره على ما قدره السيرافي.
فالنقصان هو المستثنى حكم مخالف للزيادة وهي المستثنى منه. وكذا الحال في ما نفع إلّا ما ضرر، وليس المعنى ما زاد شيئا غير النقصان على أن يكون فاعل زاد مبهما ومفعوله محذوفا على ما قيل لأنّه حينئذ يكون متصلا مفرّغا لا منقطعا، ولا يقال ما جاءني زيد إلّا أنّ الجوهر الفرد حقّ إذ لا مخالفة بينهما بأحد الوجهين.
فائدة:

قال أهل العربية: الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات. فلو قال له عليّ عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية وجبت تسعة إذ المعنى إلّا تسعة لا يلزمني إلّا ثمانية يلزمني، فيلزم الثمانية والواحد الباقي من العشرة. والطريق فيه وفي نظائره أن يجمع كلّما هو إثبات وكلّما هو نفي ويسقط المنفي من المثبت فيكون الباقي هو الواجب. ثم إن كان المذكور أوّلا شفعا فالإشفاع مثبته أو وترا فعكسه كذا في شرح المنهاج وبه قال الشافعي. وقال الحنفية إنّه ليس كذلك بل هو تكلّم بالباقي بعد الثنيا وتوضيح ذلك يطلب من العضدي والتوضيح وحواشيهما.
فائدة:
اختلف علماء الأصول في كيفية دلالة الاستثناء على المقصود على ثلاثة أقوال. الأول أنّ العشرة في قولنا عندي عشرة إلّا ثلاثة مجاز عن السبعة أعني أطلق العشرة على السبعة مجازا وإلّا ثلاثة قرينة. والثاني أنّ المراد بعشرة معناها أي عشرة أفراد فيتناول السبعة والثلاثة معا ثم أخرج منها ثلاثة ثم أسند الحكم إلى العشرة المخرج منها ثلاثة وهو سبعة، فلم يقع الإسناد إلّا على سبعة. والثالث أنّ المجموع أعني عشرة إلّا ثلاثة هو موضوع بإزاء سبعة حتى كأنّها وضع لها اسمان مفرد وهو سبعة ومركّب وهو عشرة إلّا ثلاثة. والتفصيل في كتب الأصول.
أعلم أنّ الاستثناء إن تضمّن ضربا من المحاسن يصير من المحسّنات البديعية كقوله تعالى فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فإن إخبار هذه المدة بهذه الصيغة تمهيد بعذر نوح في دعائه على قومه بدعوة أهلكتهم عن آخرهم، إذ لو قيل فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما لم يكن فيه من التهويل ما في الأول، لأنّ لفظ الألف في الأول أول ما يطرق السمع فيشتغل بها عن سماع بقية الكلام، وإذا جاء الاستثناء لم يبق له بعد ما تقدّمه وقع يزيل ما حصل عنده من ذكر الألف كذا في الإتقان.

المجاز بالزيادة والنقصان

المجاز بالزيادة والنقصان:
[في الانكليزية] Litotes
[ في الفرنسية] Litote
فقد ذكر الخطيب أنّه قد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها بحذف لفظ ويسمّى مجازا بالنقصان أو بزيادة لفظ ويسمّى مجازا بالزيادة. وقال صاحب الأطول: فخرج تغيّر حكم إعراب غير في جاءني القوم غير زيد، فإنّ حكم إعرابه كان الرفع على الوصفية فتغيّر إلى النصب على الاستثناء، لكن لا بحذف لفظ أو زيادة، بل لنقل غير عن الوصفية إلى كونه أداة استثناء. لكنه يخرج عنه ما ينبغي أن يكون مجازا وهو جملة حذف ما أضيف إليها وأقيمت مقامه نحو ما رأيته مذ سافر فإنّه في تقدير مذ زمان سافر، إلّا أن يؤوّل قوله كلمة بما هو أعم من الكلمة حقيقة أو حكما. ويدخل فيه ما ليس بمجاز نحو إنّما زيد قائم فإنّه تغيّر حكم إعراب زيد بزيادة ما الكافّة وإن زيد قائم فإنّه تغيّر إعراب زيد عن النصب إلى الرفع بحذف أحد نوني إنّ وتخفيفها ونحو ذلك. فالصحيح كلمة تغيّر إعرابها الأصلي إلى غير الأصلي فإنّ ربّك في وجاء ربّك تغيّر حكم إعرابه الأصلي أي إعرابه الذي يقتضيه بالأصالة لا بتبعية شيء آخر وهو الجر في المضاف إليه إلى غير الأصلي الذي حصل لمبالغة أمر آخر، كالرفع الذي حصل فيه بفرعية مضافه المحذوف ونيابته له وليس ما غير فيه الإعراب الأصلي في الأمثلة المذكورة إلى غير الأصلي بل إلى أصليّ آخر.
وكذلك يدخل فيه نحو ليس زيد بمنطلق وما زيد بقائم، مع أنّ في المفتاح صرّح بأنّهما ليسا بمجازين. قال المحقّق التفتازاني ما حاصله أنّ الآمدي عرّف المجاز بالنقصان في الأحكام بأنّه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بعلاقة بعد نقصان منه يغير الإعراب والمعنى إلى ما يخالفه رأسا كنقصان الأمر والأهل في قوله تعالى وَجاءَ رَبُّكَ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ لا كنقصان منطلق الثاني في قولنا زيد منطلق وعمرو، ونقصان مثل ذوي من قوله تعالى كَصَيِّبٍ لبقاء الإعراب، ولا كنقصان في من قولنا سرت يوم الجمعة لبقائه على معناه. وعرّف المجاز بالزيادة بأنّه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بعلاقة بعد زيادة عليه تغير الإعراب والمعنى إلى ما يخالفه بالكلّية نحو قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فخرج ما لا يغيّر شيئا نحو فبما رحمة، وما يغيّر الإعراب فقط نحو سرت في يوم الجمعة، وما يغيّر المعنى فقط نحو الرجل بزيادة اللام للعهد، وما يغيّر المعنى لا إلى ما يخالفه بالكلّية مثل إنّ زيدا قائم. وفيه نظر لأنّ المراد بالزيادة هاهنا ما وقع عليه عبارة النحاة من زيادة الحروف وهي كونها بحيث لو حذفت لفظا ومعنى لم يختل. فقد خرج سرت في يوم الجمعة والرجل وإنّ زيدا قائم ونحو ذلك من هذا القيد لا من غيره، بل الحقّ أنّه لا حاجة في إخراج الأشياء المذكورة إلى قيد يغيّر الإعراب والمعنى رأسا وبالكليّة في كلا التعريفين لخروجها بقيد الاستعمال في غير ما وضع له. وأيضا يرد على التعريفين أنّ استعمال اللفظ في غير ما وضع له في هذا النوع من المجاز ممنوع إذ لو جعل القرية مثلا مجازا عن الأهل لعلاقة كونها محلا كما وقع في بعض كتب الأصول فهو لا يكون في شيء من هذا النوع من المجاز إذ المجاز هاهنا بمعنى آخر، سواء أريد به الإعراب الذي تغيّر إليه الكلمة بسبب النقصان أو الزيادة كما يقتضيه ظاهر عبارة المفتاح، أو أريد به الكلمة التي تغيّر إعرابها بحذف أو زيادة كما ذكره الخطيب.
فكما توصف الكلمة بالمجاز لنقلها عن معناها الأصلي كذلك توصف الكلمة بالمجاز لنقلها عن إعرابها الأصلي إلى غيره وإن كان المقصود في فنّ البيان هو المجاز بالمعنى الأول. وقال السّيّد السّند أنّ في هذا الإيراد نظرا لأنّ الأصوليين لما عرّفوا المجاز بالمعنى المشهور أوردوا في أمثلة المجاز بالزيادة والنقصان ولم يذكروا أنّ للمجاز عندهم معنى آخر، فالمفهوم من كلامهم أنّ القرية مستعملة في أهلها مجازا ولم يريدوا بقولهم أنّها مجاز بالنقصان أنّ الأهل مضمر هناك مقدّر في نظم الكلام حينئذ لأنّ الإضمار يقابل المجاز عندهم، بل أرادوا أنّ أصل الكلام أن يقال أهل القرية فلما حذف الأهل استعمل القرية مجازا فهي مجاز بالمعنى المتعارف سببه النقصان. وكذلك قوله تعالى كَمِثْلِهِ مستعمل في معنى المثل مجازا، وسبب هذا المجاز هو الزيادة إذ لو قيل ليس مثله شيء لم يكن هناك مجاز انتهى. ويؤيّده ما قال صاحب الأطول. ثم نقول لا يبعد أن يقال هذا النوع من المجاز أيضا من قبيل نقل الكلمة عمّا وضعت له إلى غيره فإنّ للكلمة وضعا إفراديا ووضعا تركيبيا فهي مع كلّ إعراب في التركيب وضعت لمعنى لم يوضع له مع إعراب آخر، فإذا استعملت مع إعراب في معنى وضع له [مع] إعراب آخر فقد أخرجت عن معنى الموضوع له التركيبي إلى غيره مثلا القرية مع النصب في اسأل القرية موضوعة لمعنى تعلّق به السّؤال، وقد استعملت في معنى تعلّق بما أضيف إليه السّؤال، وحينئذ يمكن أن يجعل تحت تعريفاتهم المجاز ويجعل مقصودا لصاحب البيان لتعلّق أغراض بيانه. اعلم أنّ مختار عضد الملّة والدين أنّ لفظ المجاز مشترك معنى بين المجاز اللغوي والعقلي والمجاز بالنقصان والمجاز بالزيادة على ما يفهم من كلامه في الفوائد العياشيّة حيث قال هناك: الحقيقة لفظ أفيد به في اصطلاح التخاطب، والمجاز لفظ أفيد به في اصطلاح التخاطب لا بمجرّد وضع أول.
ولا بدّ في المجاز من تصرّف في لفظ أو معنى وكلّ بزيادة أو نقصان أو نقل والنّقل لمفرد أو لتركيب فهذه ثمانية أقسام، أربعة في اللفظ وأربعة في المعنى. فوجوه التصرّف في اللفظ الأول بالنقصان نحو اسأل القرية. الثاني بالزيادة نحو ليس كمثله شيء على أنّ الله جعل اللاشيئية لنفي من يشبه أن يكون مثلا له فضلا عن المثل، وقد جعلهما القدماء مجازا في حكم الكلمة أي إعرابها، وقد جعل من الملحق بالمجاز لا منه. وأنت تعلم حقيقة الحال إذا قلت عليك بسؤال القرية أو قلت ما شيء كمثله ثم النقل فيهما بيّن من سؤال القرية إلى سؤال أهلها، ومن نفي مثل المثل إلى نفي المثل.
الثالث بالنّقل لمفرد وهو إطلاق الشيء لمتعلّقه بوجه كاليد للقدرة. الرابع بالنقل لتركيب نحو أنبت الربيع البقل إذا صدره من لا يعتقده ولا يدّعيه مبالغة في التشبيه وهذا يسمّى مجازا في التركيب ومجازا حكميا. وتحقيقه أنّ دلالة هيئة التركيبات بالوضع لاختلافها باللغات وهذه وضعت لملابسة الفاعل، فإذا أفيد بها ملابسة غيرها كان مجازا لغة كما قاله الإمام عبد القاهر. وقيل إنّ المجاز في أنبت. وقيل إنّه استعارة بالكناية كأنّه ادّعى الربيع فاعلا حقيقيا.
وقيل إنّه مجاز عقلي إذ أثبت حكما غير ما عنده ليفهم منه ما عنده ويتميّز عن الكذب بالقرينة.
وأمّا وجوه التصرّف في المعنى. فالأول بالنقصان كالمشفر للشّفة والمرسن للأنف وهو إطلاق اسم الخاصّ للعام وسمّوه مجازا لغويا غير مقيّد. والثاني بالزيادة نحو وأوتيت من كلّ شيء أي مما يؤتى مثلها وهو عكس ما قبله، أي إطلاق اسم العام للخاص ومنه باب التخصيص بأسره. والثالث بالنّقل لمفرد نحو في الحمام أسد. والرابع بالنقل لتركيب نحو أنبت الربيع البقل ممن يدّعيه مبالغة في التشبيه، وهذا لم يذكر وهو بصدد الخلاف المتقدّم. وأمّا من يعتقده فهو منه حقيقة كاذبة انتهى كلامه. قال صاحب الإتقان المجاز قسمان: الأول في التركيب ويسمّى مجاز الإسناد والمجاز العقلي وعلاقته الملابسة وذلك أن يسند الفعل أو شبهه إلى غير ما هو له أصالة لملابسة له. والثاني المجاز في المفرد ويسمّى المجاز اللغوي وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له أو لا، وأنواعه كثيرة. الأول الحذف كما يجيء. الثاني الزيادة. الثالث إطلاق اسم الكلّ على الجزء نحو يجعلون أصابعهم في آذانهم أي أناملهم.
الرابع عكسه نحو يبقى وجه ربّك أي ذاته.
والحقّ بهذين النوعين شيئان. أحدهما وصف البعض بصفة الكلّ نحو ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فالخطاء صفة الكلّ وصف به الناصية وعكسه نحو قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ والوجل صفة القلب. والثاني إطلاق لفظ بعض مرادا به الكلّ نحو وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أي كلّه، ونحو وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ أي كلّ الذي يعدكم.
الخامس إطلاق اسم الخاص على العام نحو فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أي رسوله.
السادس عكسه نحو وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أي المؤمنين بدليل قوله وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا. السابع إطلاق اسم الملزوم على اللازم نحو أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ سمّيت الدلالة كلاما لأنّها من لوازمه. الثامن عكسه نحو هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أي هل يفعل، أطلق الاستطاعة على الفعل لأنّها لازمة له. التاسع إطلاق المسبّب على السّبب نحو وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً أي مطرا.
العاشر عكسه نحو وما كانوا يستطيعون السمع أي القبول والعمل به لأنّه يتسبّب عن السمع.
ومن ذلك نسبة الفعل إلى سبب السّبب نحو كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ فإنّ المخرج حقيقة هو الله وسبب ذلك أكل الشجرة وسبب الأكل وسوسة الشيطان. الحادي عشر تسمية الشيء باسم ما كان عليه نحو وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ أي الذين كانوا يتامى إذ لا يتمّ بعد البلوغ. الثاني عشر تسميته باسم ما يئول إليه نحو إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً أي عنبا توفد إلى الخمرية وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً أي صائرا إلى الكفر والفجور.
الثالث عشر اطلاق اسم الحال على المحل نحو ففي رحمة الله أي في الجنة لأنّها محل الرحمة. الرابع عشر عكسه نحو فَلْيَدْعُ نادِيَهُ أي أهل ناديه أي مجلسه. الخامس عشر تسمية الشيء باسم آلته نحو وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ أي ثناء حسنا لأنّ اللسان آلته. السادس عشر تسمية الشيء باسم ضدّه نحو فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أي أنذرهم. ومنه تسمية الداعي إلى الشيء باسم الصّارف عنه، ذكره السّكّاكي نحو قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ أي ما دعاك إلى أن لا تسجد، وسلم من ذلك من دعوى زيادة لا.
السابع عشر إضافة الفعل إلى ما لم يصلح له تشبيها نحو فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ وصفه بالإرادة وهي من صفات الحيّ تشبيها بالمسألة للوقوع بإرادته. الثامن عشر إطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقاربته وإرادته نحو فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ أي فإذا قرب مجيئه. وبه اندفع السّؤال المشهور أنّ عند مجيء الأجل لا يتصوّر تقديم ولا تأخير. وقيل في دفع السّؤال أنّ جملة لا يستقدمون عطف على مجموع الشرط والجزاء لا على الجزاء وحده. ونحو إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ أي أردتم القيام. التاسع عشر القلب وقد ذكر في محله نحو عرضت الناقة على الحوض.
العشرون إقامة صيغة مقام أخرى. منها إطلاق المصدر على الفاعل نحو فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ولهذا أفرده وعلى المفعول نحو وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ أي من معلومه، وصنع الله أي مصنوعه. ومنها إطلاق الفاعل والمفعول على المصدر نحو لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ أي تكذيب وبِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أي الفتنة على أنّ الباء غير زائدة. ومنها إطلاق الفاعل على المفعول نحو خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ أي مدفوق وقالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي لا معصوم وعكسه نحو حجابا مستورا أي ساترا. وقيل هو على معناه أي مستورا عن العيون لا يحسّ به أحد وأنّه كان وعده مأتيا أي آتيا، ونحو فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أي مرضية. ومنها إطلاق فعيل بمعنى مفعول نحو وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً. ومنها إطلاق واحد من المفرد والمثنى والمجموع على آخر منها نحو وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ أي يرضوهما فأفرد لتلازم الرضاءين، فهذا مثال إطلاق المفرد على المثنى. ومثال إطلاقه على الجمع إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ أي الأناسي. ومثال إطلاق المثنّى على المفرد أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ أي ألق في جهنم. ومن إطلاق المثنّى على المفرد كلّ فعل نسب إلى شيئين وهو لأحدهما فقط نحو يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ وإنّما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب ونحو يؤمّكما أكبركما خطابا لرجلين ونظيره نحو وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً أي في أحدهن.
ومثال إطلاق المثنّى على الجمع ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ أي كرات لأنّ البصر لا يحسن إلّا بها. ومثال إطلاق الجمع على المفرد قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ أي أرجعني، ونحو وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أي أنا. ومثال إطلاقه على المثنّى قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ونحو فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ أي أخوان ونحو صَغَتْ قُلُوبُكُما أي قلباكما ونحو فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما أي يديهما. ومنها إطلاق الماضي على المستقبل لتحقّق وقوعه نحو أَتى أَمْرُ اللَّهِ أي السّاعة بدليل فلا تستعجلوه ونحو وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ. وعكسه لإفادة الدوام والاستمرار فكأنّه وقع واستمر نحو ولقد نعلم أي علمنا. ومن لواحق ذلك التعبير عن المستقبل باسم الفاعل أو المفعول لأنّه حقيقة في الحال لا في الاستقبال نحو وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ ونحو ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ. ومنها إطلاق الخبر على الطلب أمرا أو نهيا أو دعاء مبالغة في الحثّ عليه حتى كأنّه وقع وأخبر عنه نحو وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ أي لا تنفقوا ونحو قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ أي اللهم اغفر لهم ونحو وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ. وعكسه نحو فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا أي يمدّ. ومنها وضع النداء موضع التعجّب نحو يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ونحو يا للماء ويا للدواهي. ومنها وضع جمع القلّة موضع الكثرة نحو وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ وغرف الجنّة لا يحصى. وعكسه نحو وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. ومنها تذكير المؤنّث على تأويله بمذكر نحو وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً على تأويل البلدة بالمكان. ومنها تأنيث المذكّر نحو الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ أنّث الفردوس وهو مذكر حملا على معنى الجنّة.
ومنها التغليب وهو إعطاء الشيء حكم غيره ويجيء في محلّه. ومنها التضمين ويجيء أيضا في محله.
فائدة:
لهم مجاز المجاز وهو أن يجعل المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر فيتجوّز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما كقوله تعالى وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا فإنّه مجاز عن مجاز فإنّ الوطء تجوّز عنه بالسّرّ لكونه لا يقع غالبا إلّا في السّر وتجوز به عن العقد لأنّه مسبّب عنه، فالمصحّح للمجاز الأول الملازمة وللثاني السّببية، والمعنى لا تواعدوهن عقدة نكاح كذا في الاتقان.
فائدة:
قد يكون اللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد حقيقة ومجازا لكن من جهتين فإنّ المعتبر في الحقيقة هو الوضع لغويا أو شرعيا أو عرفيا، وفي المجاز عدم الوضع في الجملة.
فإن اتفق في الحقيقة بأن يكون اللفظ موضوعا للمعنى بجميع الأوضاع المذكورة فهي الحقيقة المطلقة وإلّا فهي الحقيقة المقيّدة. وكذا المجاز قد يكون مطلقا بأن يكون مستعملا في غير الموضوع له بجميع الأوضاع وقد يكون مقيّدا بالجهة التي كان غير موضوع له بها كلفظ الصلاة فإنّه مجاز لغة في الأركان المخصوصة حقيقة شرعا كذا في التلويح.
فائدة:
الحقيقة لا تستلزم المجاز إذ قد يستعمل اللفظ في مسمّاه ولا يستعمل في غيره وهذا متفق عليه. وأمّا عكسه وهو أنّ المجاز هل يستلزم الحقيقة أم لا بل يجوز أن يستعمل اللفظ في غير ما وضع له ولا يستعمل فيما وضع له أصلا، فقد اختلف فيه. القول الثاني أقوى وذلك لأنّه لو استلزم المجاز الحقيقة لكان للفظ الرحمن حقيقة وهو ذو الرحمة مطلقا حتى جاز إطلاقه بغير الله تعالى. وقولهم رحمان اليمامة لمسيلمة الكذّاب نعت مردود وكذا نحو عسى وحبّذا من الأفعال التي لم تستعمل بزمان معين.
فإن قيل المجاز لغة قد يجيء شرعا أو عرفا.
قلت المراد العدم في الجملة وقد ثبت كذا في العضدي. ومن أمثلة المجاز العقلي الغير المستلزم للحقيقة جلس الدار وسير الليل وسير شديد على ما مرّ، ودليل الفريقين يطلب من العضدي. فائدة:
من الألفاظ ما هي واسطة بين الحقيقة والمجاز، قيل بها في ثلاثة أشياء. أحدها اللفظ قبل الاستعمال وهذا مفقود في القرآن ويمكن أن يكون أوائل السّور على القول بأنّها للإشارة إلى الحروف التي يتركّب منها الكلام. وثانيها اللفظ المستعمل في المشاكلة نحو وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ذكره البعض وقال لأنّه لم يوضع لما استعمل فيه، فليس حقيقة ولا علاقة معتبرة فليس مجازا. قيل والذي يظهر أنّه مجاز والعلاقة المصاحبة. وثالثها الإعلام كذا في الاتقان. قال الآمدي الحقيقة والمجاز تشتركان في امتناع اتصاف الأعلام بهما كزيد وعمرو وفيه تأمّل لأنّ مثل السّماء والأرض والشمس والقمر وغير ذلك من الأعلام حقائق لغوية كما لا يخفى، اللهم إلّا أن تخصّ الأعلام بمثل زيد وعمرو وما يشبههما مما لم يثبت استعماله في اللّغة، وإنّما حدثت عند أهل العرب فتأمّل، كذا ذكر التفتازاني في حاشية العضدي. ووجه التأمّل أنّه لو أريد بأنّ مثل تلك الأعلام قبل الاستعمال واسطة فمسلّم ولا يجدي نفعا، ولو أريد أنّها بعد الاستعمال واسطة فممنوع لصدق تعريف الحقيقة عليها.
فائدة:
قد اختلف في أشياء أهي من المجاز أو الحقيقة وهي ستة. أحدها الحذف كما مرّ.
والثاني الكناية كما مرّ أيضا. والثالث الالتفات.
قال الشيخ بهاء الدين السّبكي لم أر من ذكر هل هو حقيقة أو مجاز، وقال وهو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد. والرابع التأكيد، زعم قوم أنّه مجاز لأنّه لا يفيد إلّا ما أفاده الأول والصحيح أنّه حقيقة. قال الطرطوسي من سمّاه مجازا قلنا له: إذا كان التأكيد بلفظ الأول فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول لأنّهما لفظ واحد، وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه لأنّه مثل الأول.
الخامس التشبيه زعم قوم أنّه مجاز والصحيح أنّه حقيقة. قال الزنجاني في المعيار لأنّه معنى من المعاني وله ألفاظ دالّة عليه وضعا فليس فيه نقل عن موضوعه. وقال الشيخ عزيز الدين إن كانت بحرف فهو حقيقة أو بحذف فهو مجاز بناء على أنّ الحذف من المجاز. والسادس التقديم والتأخير عدّه قوم من المجاز لأنّ تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل نقل لكلّ واحد منهما عن مرتبته وحقّه.
قال في البرهان والصحيح أنّه ليس منه فإنّ المجاز نقل ما وضع له إلى ما لم يوضع له كذا في الإتقان.
فائدة:
المجاز واقع في اللغة خلافا للاستاذ أبي إسحاق الأسفرايني قال لو كان المجاز واقعا للزم الاختلال بالتفاهم إذ قد يخفى القرينة.
وردّ بأنّه لا يوجب امتناعه وغايته أنّه استبعاد وهو لا يعتبر مع القطع بالوقوع لأنّا نقطع بأنّ الأسد للشجاع والحمار للبليد مجاز. نعم ربما يحصل به ظنّ في مقام التردّد. فإن قيل هو مع القرينة لا يحتمل غير ذلك فكان المجموع حقيقة فيه. أجيب بأنّ المجاز والحقيقة من صفات الألفاظ دون القرائن المعنوية فلا تكون الحقيقة صفة للمجموع. ولئن سلّم، لكن الكلام في جزء هذا المجموع فالنزاع لفظي.
وكذا المجاز واقع في القرآن وأنكره جماعة منهم الظاهرية وابن القاصّ من الشافعية وابن خويزمنداد من المالكية. وبناء الإنكار على ما هو أوهن من بيت العنكبوت حيث قالوا: لو وقع المجاز في القرآن لصحّ إطلاق المتجوّز عليه تعالى وهو مع كونه ممنوعا إذ لا بدّ لصحة الإطلاق من الإذن الشرعي عند الأشاعرة، ومن إفادة التعظيم عند جماعة، ومن عدم إيهام النّقص عند الكلّ منقوض بأنّه لو وقع مركّب في القرآن يصحّ إطلاق المركّب عليه، وإن شئت زيادة التحقيق فارجع إلى العضدي وحواشيه والأطول.

اللّمس

اللّمس:
[في الانكليزية] Touch ،contact
[ في الفرنسية] Toucher ،contact
بالفتح وسكون الميم في اللغة المسّ باليد. وفي عرف الحكماء والمتكلّمين نوع من الحواس الظاهرة وهو قوة منبثة في العصب المخالط لأكثر البدن سيما الجلد إذ العصب يخالط كلّه ليدرك أنّ به الهواء المجاور للبدن محرق أو مجمّد فيحترز عنه لئلّا يفسد المزاج الذي به الحياة، ومن الأعضاء ما فيه قوة لامسة كالكلّية والكبد والطحال والرّئة والأعظام. وقيل إنّ للعظم حسّا إلّا أنّ في حسّه كلالا ولذا كان إحساسه بالألم إذا أحسّ شديدا. واعلم أنّه قال كثير من المحقّقين من الحكماء ومنهم الشيخ أنّ القوة اللامسة أربع قوى متغايرة بالذات حاكمة بين الحرارة والبرودة والرطب واليابس وبين الصلب واللّين وبين الأملس والخشن. ومنهم من أثبت خامسة تحكم بين الثقيل والخفيف. والحقّ أنّها قوة واحدة، ومدركات هذه القوة تسمّى ملموسات وأوائل المحسوسات، ووجه التسمية بها سبق، وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة المسمّاة بأوائل الملموسات واللّطافة والكثافة واللّزوجة والهشاشة والجفاف والبلّة والثقل والخفّة والملاسة والخشونة واللّين والصلابة، هكذا في شرح المواقف وشرح حكمة العين وغيرهما.

الغيرية

الغيرية:
[في الانكليزية] Otherness
[ في الفرنسية] Alterite
وكذا التغاير هو كون كلّ من الشيئين غير الآخر ويقابله العينية وهو ليس نفس الاثنينية بل تصوّره ليس مستلزما لتصوّرها، فإنّ الاثنينية كون الطبيعة ذات وحدتين، ويقابلها كون الطبيعة ذات وحدة أو وحدات، وحينئذ لا يتصوّر بينهما واسطة. فالمفهوم من الشيء إن لم يكن هو المفهوم من الآخر فهو غيره وإلّا فعينه. والشيخ الأشعري أثبت الواسطة وفسّر الغيرية بكون الموجودين بحيث يقدّر ويتصوّر انفكاك أحدهما عن الآخر في حيّز أو عدم، فخرج بقيد الوجود المعدومات فإنّها لا توصف بالتغاير عنده بناء على أنّ الغيرية من الصّفات الوجودية، فلا يتّصف بها المعدومان، ولا موجود ومعدوم، وخرج الأحوال أيضا إذ لا يثبتها فلا يتصوّر اتصافها بالغيرية، وكذا ما لا يجوز الانفكاك بينهما كالصفة مع الموصوف والجزء مع الكلّ فإنّه لا هو ولا غير، فإنّ الصفة ليست عين الموصوف ولا الجزء عين الكلّ وهو ظاهر، وليسا أيضا غير الموصوف ولا غير الكلّ إذ لا يجوز الانفكاك بينهما من الجانبين وهو ظاهر معتبر عندهم في الغيرين. وقيد في حيّز أو عدم ليشتمل المتحيّز وغيره. فالجسمان الموجودان في الخارج إذا فرض قدمهما كانا متغايرين بالضرورة قالوا دلّ الشرع والعرف واللّغة على أنّ الجزء والكلّ ليسا غيرين، فإنّك إذا قلت ليس له عليّ غير عشرة يحكم عليك بلزوم الخمسة. فلو كان الجزء غير الكلّ لما كان كذلك وكذا الحال في الصفة والموصوف. فإذا قلت ليس في الدار غير زيد، وكان زيد العالم فيها فقد صدقت. ولو كانت الصفة غير الموصوف لكنت كاذبا. وردّ بأنّ في الصورة الأولى يحمل الغير على عدد آخر فوق العشرة، وفي الصورة الثانية يراد غيره من أفراد الإنسان، وإلّا لزم أن لا يكون ثوب زيد غيره.
ولا يخفى عليك أنّ استدلالهم بما ذكروه يدلّ على أنّ مذهبهم هو أنّ الصفة مطلقا ليست غير الموصوف، سواء كانت لازمة أو مفارقة.
وقيل إنّهم ادّعوا ذلك في الصفة اللازمة بل القديمة بخلاف سواد الجسم فإنّه غيره. قال الآمدي، ذهب الشيخ الأشعري وعامة الأصحاب إلى أنّ من الصفات ما هي عين الموصوف كالوجود، ومنها ما هي غيره، وهي كلّ صفة أمكن مفارقتها عن الموصوف كصفات الأفعال من كونه خالقا ورزاقا ونحوهما. ومنها ما لا يقال إنّه عين ولا غير وهي ما يمتنع انفكاكه عنه بوجه كالعلم والقدرة وغير ذلك من الصفات النفسية لله تعالى. ويردّ عليهم الباري تعالى مع العالم لامتناع انفكاك العالم عنه في العدم لاستحالة عدمه تعالى، ولا في الحيّز لامتناع تحيّزه وأجيب بأنّ المراد جواز الانفكاك من الجانبين في التعقّل لا في الوجود. ولذا قيل الغيران هما اللذان يجوز العلم بواحد منهما مع الجهل بالآخر، ولا يمتنع تعقّل العالم بدون تعقل الباري، ولذلك يحتاج إلى الاثبات بالبرهان، وهذا الجواب إنّما يصحّ إذا ترك قيد في عدم أو حيّز من التعريف واعلم أنّ قولهم لا هو ولا غير مما استبعده الجمهور جدا فإنّه إثبات الواسطة بين النفي والإثبات، إذ الغيرية تساوي نفي العينية. فكلّ ما ليس بعين فهو غير، كما أنّ كلّما هو غير فليس بعين. ومنهم من اعتذر عن ذلك بأنّه نزاع لفظي راجع إلى الاصطلاح فإنّهم اصطلحوا على أنّ الغيرين ما يجوز الانفكاك بينهما، ولا مشاحة في الاصطلاحات. واستدلالهم بالعرف واللغة والشرع بيان لمناسبة الاصطلاح للأمور الثلاثة.
وفيه أنّهم ذكروا ذلك في الاعتقادات المتعلّقة بذات الله تعالى وصفاته، فكيف يكون أمرا لفظيا محضا متعلّقا بمجرّد الاصطلاح؟ والحقّ أنه بحث معنوي ومرادهم أنّه لا هو بحسب المفهوم ولا غير بحسب الهوية على ما ذهب عليه المحقّقون من الأشاعرة والصوفية من أنّ صفاته تعالى زائدة على ذاته، لكن ليست موجودة قائمة به كما ذهب إليه الجمهور من أنّ لكلّ منها هوية مغايرة لهوية الآخر، إذ لم يقم دليل على أمر سوى التعلّق. ولذا فسّر القاضي البيضاوي في تفسيره العلم بالانكشاف والقدرة بالتمكّن والإرادة بترجيح أحد المقدورين. فهذا القول عندهم راجع إلى نفي الصفات في الوجود وإثباتها في العقل، هكذا في شرح المواقف وغيره. والغير في اصطلاح الصوفية هو عالم الكون. ويطلقون عليه أيضا اسم الغير واسم السّوى. وهذا على نوعين: أحدهما: عالم لطيف كالروح والنفس والعقل. والثاني: عالم كثيف مثل العرش والكرسي والفلك وغيرها من الأجسام. وهذه المرتبة يسمونها: هوى الله ولأنّ الحقّ في هذه المرتبة ستر الوجود بصور الأعيان والأكوان!! كذا في كشف اللغات. (ف)
(الغيرية) كَون كل من الشَّيْئَيْنِ خلاف الآخر (مج) وَخلاف الأنانية (مج)

الصورة

الصورة:
[في الانكليزية] Form
[ في الفرنسية] Forme
بالضمّ وسكون الواو في عرف الحكماء وغيرهم تطلق على معان. منها كيفية تحصل في العقل هي آلة ومرآة لمشاهدة ذي الصورة وهي الشّبح والمثال الشبيه بالمتخيّل في المرآة. ومنها ما يتميّز به الشيء مطلقا سواء كان في الخارج ويسمّى صورة خارجية، أو في الذهن ويسمّى صورة ذهنيّة. وتوضيحه ما ذكره القاضي في شرح المصابيح في باب المساجد ومواضع الصلاة من أنّ صورة الشيء ما يتميّز به الشيء عن غيره، سواء كان عين ذاته أو جزئه المميّز.
وكما يطلق ذلك في الجثّة يطلق في المعاني، فيقال صورة المسألة كذا وصورة الحال كذا.
فصورته تعالى يراد بها ذاته المخصوصة المنزّهة عن مماثلة ما عداه من الأشياء كما قال تعالى:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ انتهى كلامه. ومنها الصورة الذهنية أي المعلوم المتميّز في الذهن وحاصله الماهيّة الموجودة بوجود ظلّي أي ذهني كما في شرح المواقف في مبحث الوجود الذهني. وعلى هذا، قيل: الصورة ما به يتميّز الشيء في الذهن، فإنّ الأشياء في الخارج أعيان، وفي الذهن صور. وعلى هذا وقع في بديع الميزان وحاشيته للصادق الحلواني صورة الشيء ما يؤخذ منه عند حذف المشخّصات أي الخارجية. وأمّا الذهنية فلا بد منها لأنّ كلّ ما هو حاصل في العقل فلا بد له من تشخّص عقلي ضرورة أنّه متمايز عن سائر المعلومات، نصّ عليه العلامة التفتازاني. والمراد بالشيء معناه اللغوي لا العرفي. ومعنى التعريف صورة الشيء ما يؤخذ منه عند حذف المشخصات لو أمكنه ووجدت فلا يرد ما قيل إنّ التعريف لا يتناول صورة الجزئيات من حيث هي جزئيات، بل من حيث هي كلّيات، وكذا صورة الكلّيات من حيث هي معدومات انتهى.
اعلم أنّ القائلين بالوجود الذهني للأشياء بالحقيقة يأخذون الصورة بهذا المعنى في تعريف العلم، ويقولون الصّور الذّهنية كلّية كانت كصور المعقولات أو جزئية كصور المحسوسات مساوية للصّور الخارجية في نفس الماهية مخالفة لها في اللوازم، فإنّ الصور العقلية غير متمانعة في الحلول فيجوز حلولها معا بخلاف الصّور الخارجية، فإنّ المتشكّل بشكل مخصوص يمتنعذاتية أو اعتبارية. ومحلّ تلك الصور يسمّى بالمادة كالبياض والجسم كذا في تهذيب الكلام.
وأنواع الصورة على طور أهل الكشف تجيء في لفظ الطبيعة. منها ما به يحصل الشيء بالفعل كالهيئة الحاصلة للسرير بسبب اجتماع الخشبات، ومقابله المادة بمعنى ما به الشيء بالقوة كقطعات السّرير كذا في الجرجاني. ومنها ترتيب الأشكال ووضع بعضها مع بعض وهي الصورة المخصوصة لكلّ شكل. ومنها أنّها تطلق على ترتيب المعاني التي ليست محسوسة، فيقال صورة المسألة وصورة السؤال والجواب كذا في كليات أبي البقاء.
وصورة الحقّ في اصطلاح الصوفية عبارة عن الذّات المقدّسة للنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وذلك بواسطة تحقّق ذات النبي بحقيقة الأحدية.
والصورة الإلهية عبارة عن الإنسان الكامل بواسطة التحقّق بحقائق الأسماء الإلهية. كذا في لطائف اللغات.

صلاة الضّحى

صلاة الضّحى:
[في الانكليزية] Morning prayer
[ في الفرنسية] priere de la matinee
أي الصلاة التي تؤدّى في وقت الضّحى.
اعلم أنّه من المتعارف عليه بين الناس أداء صلاتين من النوافل في أول النهار؛ الأولى: في بداية النهار بعد طلوع الشمس وارتفاعها مقدار رمح أو رمحين وهذه يسمونها: صلاة الإشراق.

والثانية: بعد ارتفاع الشمس إلى ربع السماء لغاية النصف (أي قبيل الزوال) ويقال لهذه الصلاة: صلاة الضّحى ومعناها بالفارسية:
«نماز چاشت» وفي أكثر الأحاديث يشمل اسم صلاة الضحى، كلا الصلاتين، وفي بعض الأحاديث ورد اسم صلاة الإشراق.

وجاء في تفسير البيضاوي: بأنّ جناب الرسول صلّى الله عليه وسلّم صلّى صلاة الضّحى وقال: هذه صلاة الإشراق. وذلك حين دخوله بيت أمّ هانئ يوم فتح مكة وذلك وقت الضحى.

وجاء في الحديث أيضا: كلّ من يؤدّي صلاة الفجر في جماعة ثم يجلس يذكر الله إلى طلوع الشمس ثم بعد ذلك يؤدي ركعتين فله أجر حجّة وعمرة. «وقد صحّح هذا الحديث».
كما صحّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه صلّى في كلا الوقتين ورغّب أمّته في ذلك.
والظاهر هو أنّ الوقت هو واحد والصلاة أيضا واحدة، وتبدأ من الإشراق ويمتد حتى انتصاف النهار (قبيل الزوال)، وبما أنّه قد أدّى الصلاة في بداية الوقت ونهايته؛ فمن هنا نشأ الظنّ بأنّهما وقتان وصلاتان. وأما ما قيل حول اختلاف العلماء حول صلاة الضحى، فبعضهم أثبتــها ونفاها آخرون. وبعضهم قال: إنّها سنّة.

وآخرون قالوا: بأنّها بدعة. فالظاهر أنّ الخلاف إنّما هو في الصلاة الأخيرة التي هي صلاة الضحى وليس في الصلاة الأولى المسمّاة: صلاة الإشراق، لأنّ بعضهم قال بأنّها: سنّة مؤكّدة.
وأمّا الأحاديث حول عدد الركعات فقد وردت روايات متعدّدة. ففي بعضها ورد بأنّها ركعتان وفي بعضها ست ركعات، وفي بعضها الآخر: ثمان ركعات. كما ورد في بعضها عشر وأخرى: اثنا عشر ركعة. وفي كلّ منها ذكر ثواب عظيم لفاعلها.
وفي المواهب اللّدنية ورد أنّ صلاة الضحى قد جاء فيها أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة إلى حدّ أنّها تصل إلى درجة التواتر المعنوي، وقالوا: إنّ هذه صلاة الأنبياء السّابقين عليهم الصلاة والسلام. هكذا في مدارج النبوة في بيان عبادات النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقد ورد في أخبار فتح مكة أنّ الثابت هو أنّ أداء النبي صلّى الله عليه وسلّم لصلاة الضحى لم يكن مستمرا، ولكنّ صلاة الإشراق كانت مستمرّة ومؤكّدة. انتهى من مدارج النبوة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.