فِيهِ «أَنَّهُ مرَّ بجَدْيٍ أَصَكَّ ميِّتٍ» الصَّكَكُ: أَنْ تَضْرِب إحْدى الركْبتَين الأُخْرى عِنْدَ العَدْو فتُؤَثر فِيهِمَا أَثَرًا، كأنَّه لَمَّا رَآهُ مَيِّتًا قَدْ تَقلّصت رُكِبَتاه وصَفَه بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ شَعر رُكْبَتَيْهِ قَدْ ذَهَبَ مِنَ الاصْطِكَاكِ وانْجرَدَ فعرفَه بِهِ. ويُرْوى بِالسِّينِ وَقَدْ تقدَّم.
(س) وَمِنْهُ كِتَابُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ «قاتَلكَ اللَّهُ أُخَيْفِشَ العَيْنَين أَصَكَّ الرِّجلَين» . وَفِيهِ «حَمل عَلَى جَمَل مِصَكٍّ» هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ، وَهُوَ القَويُّ الجِسْم الشديدُ الْخَلْقِ. وَقِيلَ هُوَ مِنَ الصَّكَكِ: احْتِكاكِ العُرْقُوبَين.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْأَكْوَعِ «فأَصُكُّ سهْماً فِي رِجْلِه» أَيْ أضْرِبُه بسَهْم.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فاصْطَكُّوا بالسُّيوفِ» . أَيْ تضَارَبوا بِهَا، وَهُوَ افْتَعَلوا مِنَ الصَّكِّ، قُلبت التاءُ طَاءً لِأَجْلِ الصَّادِ.
(هـ) وَفِيهِ ذِكر «الصَّكِيكِ» وَهُوَ الضعيفُ، فعيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِنَ الصَّكِّ: الضَّرْب.
أَيْ يُضْرب كَثِيرًا لاسْتضعافِه.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَالَ لِمَرْوَانَ: أحْلَلتَ بيعَ الصِّكَاكِ» هِيَ جَمْعُ صَكّ وَهُوَ الكتابُ. وَذَلِكَ أَنَّ الأمراءَ كَانُوا يَكْتُبون لِلنَّاسِ بأرْزَاقهم وأَعْطياتهم كُتُبا فيبِيعون مَا فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوها تَعجُّلاً، ويُعْطُون المُشْتَريَ الصَّكَّ ليمْضي ويَقْبِضه، فنُهُوا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَض.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَسْتَظِل بظلِّ جَفْنة عَبد اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ صَكَّةَ عُمَيّ» يريدُ فِي الْهَاجِرَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ عُمَيًّا مُصغَّر مُرَخَّم، كَأَنَّهُ تصغيرُ أعْمَى. وَقِيلَ إنَّ عُمَيًّا اسمُ رجُل مِنْ عَدْوَانَ كَانَ يُفِيضُ بالْحَاجّ عِنْدَ الْهَاجِرَةِ وشدةِ الحَرِّ. وَقِيلَ إِنَّهُ أَغَارَ عَلَى قَوْمِهِ فِي حرِّ الظَّهيرة فضُرِب بِهِ الْمَثَلُ فِيمَنْ يَخْرُج فِي شدَّة الحرِّ، يُقَالُ لَقِيتُه صَكَّةَ عُمِيٍّ. وَكَانَتْ هَذِهِ الْجَفْنة لِابْنِ جُدْعان فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطْعِم فِيهَا النَّاسَ، وَكَانَ يأكُل مِنْهَا الْقَائِمُ والرَّاكب لِعِظَمِها. وَكَانَ لَهُ مُنادٍ يُنَادى: هَلُمَّ إِلَى الفَالُوذِ، وَرُبَّما حَضَر طعامَه رسولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم.